المجلس الوطني للحريات بـتونس: الشرطة تعدي على الأستاذ المحامي عبد الرؤوف العيادي داخل قصر العدالة الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: بيــان الرابطة التونسية للدفـاع عن حقـوق الإنسـان: بيـان نورالدين الخميري:أخبار المساجين السّياسيّين من حركة النّهضة التّونسيّة بسجن المرناقيّة الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي: نجاح إضراب 5 أفريل: برهان على مصداقية التمشي النقابي ووجاهة المسار التوحيدي نشرة آيفكس: تونس: حملة رفع الحظر عن موقع ديلي موشن نشرة آيفكس:حرية التعبير تدهورت بعد مرور عام، حسب مجموعة مراقبة تونس القدس العربي: السلطات التونسية تسلم رئيس رابطة الدفاع عن حقوق الانسان جواز سفر جديدا الشعب: عمادة المحامين:هل يقلب العميد منصور الشفي كل المعادلات الانتخابية ؟! الشعب: الطلاق في تونس راشد الغنوشي لـ « قدس برس »: الإرهاب لا سند شرعيا أو أخلاقيا له لكنه عنوان لانسداد آفاق الإصلاح في العالم العربي القدس العربي : أئمة المساجد الجزائرية يستنكرون تفجيري الاربعاء وسكان يقولون انهم تعرّفوا علي الانتحاري معاذ بن جبل سويس إنفو: الشرطة المغربية: انتحاريان يفجران نفسيهما في الدار البيضاء الحياة: التحقيقات مستمرة لتحديد صلة العائدين بـ «القاعدة في المغرب الإسلامي» … سيدي بو :اين كنت يا حامدي؟ د. محمد الهاشمي الحامدي: رد على سيدي بو مهاجر محمد: رسائل الربيع عبدالباقي خليفة: ربيع الخلاص الشروق: شك في سلوك صديقته… فذبحها من الوريد الى الوريد! وات: مبادئ امتحان السنة الرابعة من المرحلة الابتدائية الصباح: « كلمة رجال » في القاعات السينمائية:الفيلم كان محجوزا في المخبر الفرنسي .. وحسن بن عثمان راض عنه الصباح:لماذا ينجح علي اللواتي ويفشل غيره من الكتّاب؟! القدس العربي : أهم عناصر خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب في الصحراء الغربية تقرير واشنطن: وصفة أمريكية لدعم فكر الإسلام المعتدل (2 من 2)
علي الشرطاني: خلفـــاء الإستعمــــار رشيد خشانة: الجزائر وليبيا تفتحان صفحة جديدة من التكامل عصام العريان : التعديلات الدستورية في مصر ومدى حضور «الإخوان» في المؤسسات الديموقراطية
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
» لتكونوا شهـــــــــــداء على النـــــــــــاس »
نداء تقديم معلومات
المجلس الوطني للحريات بـتونس
تونس في 14 أفريل 2007
الشرطة تعدي على الأستاذ المحامي عبد الرؤوف العيادي داخل قصر العدالة
اعتدى عون شرطة بالمحكمة الابتدائية بتونس على الأستاذ المحامي عبد الرؤوف العيادي أمام قاعة الجلسة حيث كان الأستاذ يتهيأ للترافع أمام الدائرة الجنائية الرابعة نيابة عن بعض المتهمين المحالين في القضية عدد11302 بموجب قانون مكافحة الإرهاب. وقد تعمّد ذلك العون ركل الأستاذ العيادي على ساقه في حين كان عدد آخر من أعوان شرطة المحكمة يغلقون باب قاعة الجلسة ويقفون أمامه لمنعه من الدخول.
وكان الأستاذ عبد الرؤوف العيادي قد عاين إخراج المناضل الحقوقي علي بن سالم من قاعة الجلسة لمنعه من حضور ومراقبة المحاكمة المذكورة مما يخالف مبدأ علنية الجلسة التي يترأسها القاضي طارق براهم رئيس مكتب جمعية القضاة التونسيين المنصّب. وعندما توجّه الأستاذ إلى قاعة الجلسة للترافع عن عدد من منوّبيه في القضيّة منع هو بدوره من الدخول.
وقد احتجّ فريق الدفاع في هذه القضيّة على هذا الاعتداء وطالبوا القاضي باستعمال صلاحياته لمعاينة الجريمة الحاصلة في حق زميلهم وحماية قاعة الجلسة، غير أنّه تنصّل من مسؤوليته وقال إنّه لا يتصرّف فيما هو خارج القاعة. وبعد قدوم عميد الهيئة الوطنية للمحامين الأستاذ عبد الستار بن موسى لمعاينة الحادثة، انسحب فريق الدفاع احتجاجا على هذه التجاوزات الخطيرة من قبل القضاء ومن قبل موظفي وزارة الداخلية.
ويعتبر الأستاذ عبد الرؤوف العيادي عضو المجلس الوطني للحريات أحد أبرز المحامين النائبين في القضايا المتعلقة بقانون مكافحة الإرهاب التي أحيل فيها مئات الشبان على المحكمة الجنائية بتونس. وقد عاد مؤخرا من جينيف حيث شارك مع الناطقة الرسمية للمجلس في تقديم التقرير المتعلق بقضايا مكافحة الإرهاب وحضر عددا من اللقاءات مع مسؤولين أمميّين وحقوقيين دوليين.
والمجلس الوطني للحريات
– يدين بكلّ قوّة الاعتداء البوليسي الذي تعرض له الأستاذ عبد الرؤوف العيادي ويطالب بمحاسبة مرتكبه.
– يدين سعي السلطات التونسية إلى جعل المحاكمات السياسية مغلقة ومنع المراقبين الحقوقيين والصحفيين من حضورها.
– يدين استقالة القضاة التونسيين من القيام بدورهم في إجراء محاكمات عادلة ويطالب برفع وصاية البوليس السياسي على قصر العدالة.
عن المجلس
الناطقة الرسمية
سهام بن سدرين
رئيس الجمعية
الأستاذ محمد النوري
أخبار المساجين السّياسيّين من حركة النّهضة التّونسيّة
بسجن المرناقيّة
الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي
تونس في 11 أفريل 2007
نجاح إضراب 5 أفريل: برهان على مصداقية التمشي النقابي
ووجاهة المسار التوحيدي
كما كان متوقعا سجّل الإضراب الذي قام به الجامعيون يوم 5 أفريل 2007 النجاح الواسع المنتظر حيث تعدّت نسبة تنفيذه 80 بالمائة من المدرسين الجامعيين القارين بمختلف أسلاكهم العاملين بالمؤسسات المهيكلة نقابيا بمختلف جهات البلاد من جندوبة إلى جربة.
ولئن كانت نسبة المشاركة في المؤسسات الصغرى وحديثة الهيكلة دون المعدل الوطني فلقد تجاوزته في عديد المؤسسات الكبرى العريقة المتواجدة خصوصا بالأقطاب الجامعية الكبرى حيث فاقت نسبة المشاركة 90% في جلها. هذا وقد أثبت هذا الإضراب مصداقية التمشي النقابي الذي تسلكه الجامعة العامة ونجاعة وشرعية توحيد التمثيل النقابي في إطارها إذ انخرطت في هذا التحرك المشروع كل أسلاك الجامعيين التونسيين بدون استثناء، بل كانت نسبة مشاركة المبرزين عالية وخاصة التكنولوجيين إذ سجلت نسبة المشاركة في بعض معاهدهم 100% مسفهين بذلك مناورة النقابة المستقلة. كما تمّ تسجيل مشاركات جزئية في الإضراب في عدد من المؤسسات غير المهيكلة نقابيا.
وكما كان متوقّعا أيضا، عمدت وزارة الإشراف إلى استعمال كلّ أساليب الترهيب تجاه الجامعيين وبخاصة منهم ذوي الوضعيات المهنية الهشّة موهمة إياهم أن ترسيمهم ونجاحهم في المناضرات رهين عدم مشاركتهم في الإضراب. وفي نفس الوقت اعتمدت الوزارة كلّ أساليب التشويه والتضليل الإعلامي مستعينة بنفس الزمرة التي جندت أقلامها لمعاداة التوحيد النقابي وما سبقه من نضالات واستباحت البريد الالكتروني للجامعيين.
سيناريو وإخراج وأدوار تعوّدنا عليها من قبل سلط الإشراف في علاقتها بالمطالب النقابية لمختلف القطاعات ولم يعد أحد يستغربها منها أو يأبه لها. ولعلّ الجديد الوحيد فيها بالنسبة لهذه المرّة هو التشنّج المغالى فيه الذي طبع تصرّفات العديد من المسؤولين والتحامل المفرط على الحق النقابي وبأشكال متنوعة، وذلك على صورة ما حدث بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية (9 أفريل) بتونس.
إنه لمن المؤسف أن يأتي جواب سلطة الإشراف على المطالب المهنية للجامعيين، بعد سبع سنوات من رفض التفاوض مع ممثليهم النقابيين بخصوصها وبعد خمسة أشهر من الإيهام بالتفاوض مع الجامعة العامة حول عاجل تلك المطالب، استخفافا وتأويلا في غير محلّه لوجاهتها ومقاصدها ثمّ تجنّدا كبيرا يستهدف الإجهاز على ما تبقى من حقوق نقابية، وذلك قصد النيل من النجاح الكبير المتوقّع للإضراب قبل وقوعه، وقصد النيل من نجاحه وشموليته خلال وإثر تنفيذه، مستعملة كل أساليب تهديد الزملاء والبيانات غير الممضاة والأرقام الجاهزة مسبقا، والتي أصبح يمجّها كلّ ذي عقل سليم على الساحتين النقابية والوطنية.
إن الجامعيين حينما دفعتهم وزارة الإشراف لاتخاذ قرار هذا الإضراب في أواخر فيفري 2007 ثمّ إلى تنفيذه في بداية شهر أفريل لم يتوهّموا بأن هذا التحرّك سيكون المحدّد في إرجاع الوزارة إلى الجادة وفي جعلها تتحمّل مسؤولية الاستجابة للمطالب العاجلة التي تقدّموا بها إليها منذ خمسة أشهر، لذلك اعتبر الجامعيون إضراب 5 أفريل مجرّد محطّة أولى لتجديد العهد مع النضالات المتنوّعة والمتصاعدة في اتجاهات عدّة خصوصا وقد أصبح لديهم رصيد نضالي حافل، إلى جانب ما اعترى الساحة النقابية والوطنية من تطوّرات في السنوات القليلة الماضية:
– فنقاط الالتقاء مع نقابات التعليم الأخرى ازدادت تبلورا ونضجا في الأشهر الأخيرة من خلال الممارسة النضالية لكلّ منها ومن خلال اللقاءات المتكررة معها وعبر المسائل والمطالب المشتركة التي تجمع مختلف مستويات وأسلاك التعليم، سواء تعلّق الأمر بالسياسة التعليمية والإصلاحات المسقطة التي تجسّمها، أو بموضوع تراجع مكانة المدرّس وتردّي أوضاعه المادية والمعنوية أو بقضية الحق النقابي المنتهك.
– والاتحاد العام التونسي للشغل تبنّى قضية التعليم العالي في مختلف أبعادها بالتزام أكبر من ذي قبل لا سيّما خلال مؤتمره الأخير بالمنستير.
– كما أن المجتمع المدني ومكوّناته الحيّة والفاعلة أصبحوا أكثر تحسسا لقضايا التعليم ولمخرجات الجامعة المهدورة والعاطلة.
– ونقابات التعليم بالخارج ممثلة في المنظمة الدولية للتربية، والتي تنتمي إليها الجامعة العامة، جدّدت التزامها بمتابعة الوضعية التي تخصّ علاقة نقابتنا بالسلطة، وباستعمال كلّ أوجه تدخّلها قصد المساعدة على تحريك الوضعية نحو الأفضل.
كلّ ذلك من شأنه أن يضع حركتنا النقابية بالقطاع في إطارها الطبيعي والأتم وأن يمكّنها من مجال تحرّك أوسع علينا أن نفعّله بكل وعي والتزام ومسؤولية حتى نجعله أكثر وقعا.
والجامعيون، ممثلين في جامعتهم العامة، إذ يعملون جادين على تعبئة كلّ هذه الامكانات النضالية المتاحة على الأمدين القريب والآجل قصد النهوض بوضعية التعليم العمومي والجامعة العمومية ومن أجل تحقيق ظروف مهنية لائقة، فإنهم يعبّرون مجدّدا عن استعدادهم لمواصلة التفاوض حول مجموع المطالب متى أبدى الطرف الوزاري جدّية في تناولها.
الكاتب العام
سامي العوادي
حرية التعبير تدهورت بعد مرور عام، حسب مجموعة مراقبة تونس
تونس: حملة رفع الحظر عن موقع ديلي موشن
السلطات التونسية تسلم رئيس رابطة الدفاع عن حقوق الانسان جواز سفر جديدا
تونس: حملة رفع الحظر عن موقع ديلي موشن
عمادة المحامين:
هل يقلب العميد منصور الشفي كل المعادلات الانتخابية ؟!
الطلاق في تونس
الإرهاب لا سند شرعيا أو أخلاقيا له لكنه عنوان لانسداد آفاق الإصلاح في العالم العربي
انتحاريان يفجران نفسيهما في الدار البيضاء
أئمة المساجد الجزائرية يستنكرون تفجيري الاربعاء وسكان يقولون انهم تعرّفوا علي الانتحاري معاذ بن جبل
التحقيقات مستمرة لتحديد صلة العائدين بـ «القاعدة في المغرب الإسلامي» …
الجزائر: إطلاق مفجر عربتي «هامر» في العراق و400 عنصر في «الشبكة العراقية» ما زالوا في السجن
اين كنت يا حامدي؟
لم نسمع لك همسا ولا حديثا عن فتح مكة بل هربت من كلمة الحق التي كنت في الجامعة تدافع عنها… و جئت من سيدي بو زيد لتعيش من أجلها. أنسيت يا أخ حامدي ما قالته فيك جماعة التجمع الذين تدافع عنهم في التلفزة مباشرة بعد مدحك لبن علي و الحاجة ليلى ؟!!<اثر برنامج الاتجاه المعاكس قالوا عنك وصولي و< ما عندكشي وجه .. و خارج من تحت جبة الأخوانجية … انسيت ما قاله فيك سمير العبيدي أم تناسيت أم هي الحرب و المكيدة .اعلم أخي أن جبة الاخوانجية انقى لك من جبة التجمع حاشاك … .كنت أظنك ستتعلم الدرس لكنك عدت الينا بطبل أكبر و جبة كجبة الطبالة في الشعبة الدستورية و أخيرا أنصحك الا تستعمل فتح مكة كمثال لأنه في غير محله ونحن لم نطالب بثأر ولكن ببعض الهواء و بعض من زيت الزيتون و بعض من الحرية وقليل من الطبالة أيضا في ربيع تونس.
الباعث أخوكم العائد بقوة سيدي بو
إلى الأخ سيدي بو
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: قرأت باهتمام الأسئلة التي وجهتها لي في مقالتك « أين كنت يا حامدي »، وإذ أثني مجددا على اهتمامك بدعوتي للمصالحة الوطنية الشاملة، ووقف الخصومة والعداوة بين التجمعيين والإسلامييين، فإنه يسرني أن أجيبك بما يلي. 1 ـ لم أغب أبدا عن معاناة ضحايا الخصومة والمواجهة بين السلطة والإسلاميين خلال السنوات الماضية. وحاولت بكل ما لدي من قدرة وإمكانيات التخفيف عن ضحايا تلك العدواة بأكثر من سبيل، واعيا دائما بالسنن الإجتماعية، ومستحضرا قول الله تعالى « لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ». 2 ـ الشخصية الأولى والأهم التي تجاوبت مع تلك الجهود على امتداد السنوات الماضية هو رئيس الجمهورية الرئيس زين العابدين بن علي. أذكر أنه تدخل لتمكين معتقل سابق من السفر إلى الخارج عام 1993، وأذكر أنه تدخل قبل أشهر قليلة فقط لتمكين تونسية لاجئة في أوروبا من الحصول على جواز سفرها والعودة لزيارة أمها في تونس. وبين 1993 و2007، حصلت تدخلات كثيرة، بعضها كتبت عنه وصرحت به في وسائل الإعلام وبعضها لم ينشر. فلله الحمد كثيرا ملء السماوات والأرض وما بينهما على ما وفق إليه ويسر، وللرئيس بن علي الثناء الوافر والتقدير الوافي والإمتنان البالغ على تجاوبه الكريم. 3 ـ قلت لي ناصحا، بارك الله فيك ونفع بك، ما نصه « جبة الاخوانجية انقى لك من جبة التجمع حاشاك … ». إن نصوص الدستور التونسي ومبادئ حقوق الإنسان تعطي الحق لكل مواطن في تبني ما يؤمن به من أفكار ومبادئ، ولا تلزمه إلا بنبذ العنف وعدم السعي لفرض أفكاره على الآخرين بالقوة. وبخلاف ما توحي به عبارة « حاشاك » فحزب التجمع الدستوري الديمقراطي ليس بالحزب الذي يخجل المرء من ذكره أو الإنتماء إليه. إنه وريث الحزب الدستوري الذي قاد معركة الحرية وبنى دولة الإستقلال وخرجت من صفوفه نخب قيادية مرموقة حققت لتونس وما تزال تحقق لها الكثير من المكاسب والإنجازات وجعلتها تتفوق على العديد من البلدان الأخرى في العديد من الميادين. ولهذه الأسباب أكرر على مسامعك ما قلته مرات كثيرة: إن من الخطأ الكبير أن يستمر الإسلاميون وأهل التدين على نهج معاداة التجمع والتشهير به والتشنيع عليه. هذا المنهج ثبت الآن بالدليل القاطع أنه منهج خاطئ. والعاقل من اتعظ بالتجارب، وصحح مسيرته. ولذلك أدعو بإلحاح لفتح صفحة جديدة من الصلح والوفاق والتقارب بين الإسلاميين المعتدلين وحزب التجمع الدستوري الديمقراطي. 4 ـ قلت في رسالتك حفظك الله ما نصه: « ونحن لم نطالب بثأر ولكن ببعض الهواء و بعض من زيت الزيتون و بعض من الحرية وقليل من الطبالة أيضا في ربيع تونس ». اعلم بارك الله فيك أن ما بين السلطة والمحسوبين على التيار الإسلامي المعتدل ما صنع الحداد. وهناك جهات مؤثرة داخل تونس وخارجها لا تريد لهما صلحا ولا وفاقا ولا تقاربا بأي وجه من الوجوه. ومن أجل أن تنال ما تنشده، نحتاج جميعا في تونس لتغليب الكلمة الطيبة، والمصلحة العليا، والصبر على هذا النهج إلى أن يثمر فيتحقق لك وللتونسيين كافة ما ترجوه من الهواء وزيت الزيتون وبعض الحرية. فإن كنت ممن يرى ضرورة التقارب ولم الشمل فساعدني بكلمة خير تؤلف بين القلوب وتقرب النفوس. وإنما أوردت مثال فتح مكة ليتجلى منه المثال الأخلاقي الرائع الذي قدمه سيد البشر في التعالي عن الثارات والجراح واختيار نهج العفو والصفح والصلح. وإن كنت ممن لا يرى ضرورة التقارب ولم الشمل بين السلطة والإسلاميين، فاحترم حقي في الإختلاف، ودعني أدعو لما أؤمن به، وبيننا الأيام نرقبها ونرى، هل تشهد لنهج الصلح وخطابه، أم لخطاب البغضاء واستمرار العداوة والصراع، وإن غدا لناظره قريب. وأختم رسالتي بالدعاء الذي بدأت به: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى كلها أن تؤلف بين قلوب التونسيين كافة وتجمع كلمتهم وتوفقهم للتعايش فيما بينهم بأخوة وحب ورحمة، دون عسف ولا كراهية ولا إقصاء. آمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
خبر لأصحاب الضمائر الحيّة
لكنّي ما دمت لم أجده لحدّ الآن سوى في قلوب بعض الحالمين والمنظّرين والمفلسفين على بياض ولم يتجسّد في واقعنا الإجتماعي والإقتصادي والسيّاسي ، وطالما أنّ الوضع هوّ الوضع ، ورحلة العذاب ولهيب الصّيف وزمهرير الشّتاء قاتم على بلدي ، سيظلّ كلّ ما يروّج له وهما في أساطير عالم الخيال يدغدغ أصحاب المصالح وغربان الإعلام المأجور ودهاقين السيّاسة والأنفس المريضة وسأظلّ أقاوم وأقاوم وأقاوم
أ . نورالدين 2007.04.14
عبدالباقي خليفة في جبال الجليد يا أخي لا يوجد ربيع بالأمس وحتى اليوم الطقس صقيع لا يزال البحر يقتل بلا تمييز بين شاب ورضيع لا تزال المقاهي ملأى بالشباب بلا ربيع في انتظار الربيع لا يزال مجردة ( 1 ) يقتل وبرق الليل ( 2 ) يبيع وهم فضيع * هناك شعب صريع ومسخ رقيع يسوس البلاد ويذل العباد ويكسهم في العيد لباس الحداد * في بلدك الكلمة ممنوعة والحرية مقموعة والسلطة … قطعة من قماش يحرسها رشاش والاسطول السادس وحشاش وغشاش وبقية أوباش ومن أمام البحر ومن وراء البحر نازي وصهويني وفاش وفرنسي عنكبوتي وخفاش * في بلدك الاحرار في الاغلال وفي السهول والجبال وفي المدن والقرى والتلال يراقبهم أشباه الرجال في الحل والترحال ويمنعهم المحتال من الحلم والآمال بلا عمل بلا مال وإذا سأل بن سالم ( 3 ) عن طعامه والحال قيل له كل التراب أو بيع العيال كما فعل صاحب العيال ( 4 ) * لا تصدق إن قيل لك أن عواء الذئاب وطنين الذباب كترانيم البلابل وفحيح الافاعي كحفيف السنابل * لا تصدق إن رأيت ثعلبا في ثياب الواعظين انتبه ! أن تكون من دجاج النائمين أوطيور الغافلين فثعالب اليوم يا أخي تصطاد للسلاطين * لا تصدق إن قيل لك أن السماء أصبحت خضراء وأن الارض غدت وردة حمراء فالاخضر أجساد أرهقها القهر والاحمر دماء شهداء قضوا ليجود بك الدهر لترى بأم عينيك سياسة العهر وثقافة العهر وليرى الدهر صنيعك بعينيك بيديك برجليك بحواسك براسك وبأخمص قدميك * لا تصدق يا أخي واكتب فالكاتبة أضعف الايمان وانكر بقلبك وأطرد النسيان واستسلم لخالقك بعصيان قاتلك لتنجو من الموت قبل فوات الفوت وتكتب في الوطن بيتا في قصيدة لينجب للزمن أمة جديدة وتطرد الفناء من عالم المحن وتقلب للباغي ظهر المجن وتكن الفارس شديد المراس لتصنع مع شعبك ربيع الخلاص عبدالباقي خليفة في 10 أبريل 2007 ( 1 ) واد مجردة بشمال تونس ( 2 ) واد برق الليل بالوسط ( 3 ) الدكتور منصف بن سالم عالم الرياضيات ( 4 ) الاخ الذي اضطر لعرض أبنائه للبيع من أجل العيش بعد أن ضيق عليه وعلى آلاف من أبناء تونس نظام بن علي موارد الرزق والعيش الكريم … (المصدر: موقع الحوار.نت (ألمانيا) بتاريخ 13 أفريل 2007)
شك في سلوك صديقته… فذبحها من الوريد الى الوريد!
* تونس ـ الشروق: اعترف متهم في العقد الثالث من عمره، خلال التحقيق معه أمس وأمس الأول بارتكابه جريمة قتل ضحيتها فتاة عمرها 21 سنة بإحدى المناطق التابعة لمعتمدية الروحية من ولاية سليانة. وقال المتهم، انه تعمّد قتلها لأنه علم بأن صديقته ربما كانت على علاقة بشخص آخر، وقال انه تسلّح بسكين ثم استدرجها الى منطقة غابية قبل أن يجهز عليها. وحسب المعطيات الاولية، فإن شخصا يبلغ من العمر 27 سنة، كان على علاقة بفتاة عمرها 21 سنة، ويقطنان بجهة الروحية من ولاية سليانة، وقد اتفقا على الزواج وبدأ بالقيام ببعض التراتيب والاجراءات في هذا الاتجاه. وحسب نفس المعطيات فإن هذا الشاب وهو فلاّح بلغته بعض الأخبار في الآونة الأخيرة حول ارتباط صديقته بشخص آخر، فبدأ يرتاب في أمرها وبدأت الشكوك تتسرب اليه، لذلك قرر التخلص منها. نفس المعطيات تفيد بأنه توجّه الى احدى المحلات حيث اشترى سكينا ثم اتصل بصديقته واتفق معها على موعد، والتقيا وسط مدينة الروحية، فتوجه بها الى احدى المناطق الغابية المتاخمة قرب واد وأبلغها تهمه ولم يترك لها فرصة للدفاع عن نفسها، ثم سحب السكين وسدّد لها عددا من الطعنات، حتى أسقطها أرضا، ولم يكتف بذلك، بل تعمّد ذبحها من الوريد الى الوريد ثم تركها في بركة من الدماء، ولاذ بالفرار، أثناء ذلك كان أحد الرعاة مارا من المكان فعثر على جثة الفتاة، فسارع بإبلاغ أعوان الحرس الوطني الذين حلّوا بالمكان، وأبلغوا ممثل النيابة العمومية، الذي عاين جثة الهالكة وأذن بعرضها على مخابر الطب الشرعي بالمستشفى الجهوي بالقصرين كما أذن بالتحقيق في القضية والكشف عن مرتكبها. انطلقت التحريات، وتحصّل المحققون على معلومات من بعض شهود العيان الذين شاهدوا الهالكة وصديقها معا قبل مقتلها بلحظات، لذلك توجهت كل الشكوك اليه، فقام الباحثون بعملية تمشيط واسعة للمكان حتى تمكنوا في زهاء عشرين دقيقة من القاء القبض على المشتبه في ارتكابه للجريمة. بعد إلقاء القبض عليه، تم نقله الى مركز التحقيق، وتعهّدت احدى الفرق الأمنية المختصة بالتحقيقات، وقد اعترف المتهم مباشرة أثناء التحرير عليه بأنه هو القاتل، وصرّح حسب بعض المعطيات، بأن الشكوك في صديقته ازدادت وأنه علم بارتباطها بشخص آخر، وقال انه كان ينوي الزواج بها، وأنهما اتفقا على جل الترتيبات والاجراءات، لكنها أصبحت تماطله في المدة الأخيرة وتتفادى لقاءه، فقرّر وضع حدّ لما أسماه «بخيانتها» وذلك بقتلها. واعترف المتهم بكل ما نسب اليه وبكامل تفاصيل الجريمة، وفيما لا تزال التحقيقات متواصلة في شأنه، فإن النيابة العمومية أذنت بإيقافه في انتظار احالته على أحد قضاة التحقيق حتى تأخذ القضية مجراها القانوني والقضائي. م . خ (المصدر: صحيفة « الشروق » (يومية – تونس) الصادرة يوم 13 أفريل 2007)
مبادئ امتحان السنة الرابعة من المرحلة الابتدائية
تونس (وات) ـ اكد الرئيس زين العابدين بن علي ان المنظومة التربوية في تونس تقوم على ضمان حق التعليم ومجانيته واجباريته لكل تونسي وتونسية حتى سن السادسة عشرة. وتعرض سيادة الرئيس في خطابه امس الجمعة بمناسبة اليوم الوطني للمؤسسة الى امتحان السنة الرابعة من المرحلة الابتدائية قائلا «اننا حريصون على تأمين المستوى التعليمي المرموق لكل ابنائنا وبناتنا لذلك نؤكد ان اجراء امتحان تقويم مكتسبات التلميذ في نهاية السنة الرابعة من المرحلة الابتدائية يتم وفق المبادىء التالية: اولها ان يكون تنظيم الامتحان في المستوى الجهوي مع ابقاء التلميذ في قسمه. وثانيها ان يرتقي كل من يحصل على المعدل في هذا الامتحان مباشرة الى السنة الخامسة مهما كان معدله السنوي. وثالثها ان يرتقي كذلك كل من يحصل على المعدل السنوي اي باعتبار الامتحان التقويمي مع الثلاثي الاول والثلاثي الثاني. ورابعها ان يتمتع بالاسعاف من قبل مجلس معلمي مدرسته كل تلميذ يكون معدله من 8 الى 9 فاصل 99 من عشرين. وخامسها ان يتمتع التلميذ الذي يقرر مجلس المعلمين رسوبه حسب المقاييس المعمول بها حاليا بدروس دعم وتدارك اجبارية ومجانية لتمكينه من تحسين مكتسباته». واضاف رئيس الدولة قوله «ونحن نؤكد مجددا ان لا مجال للطرد قبل سن السادسة عشرة لان هذا الصنف من التلاميذ يتمتع في نظرنا بالاولوية البيداغوجية ويجب ان نوليه كل العناية والرعاية». (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 14 أفريل 2007)
« كلمة رجال » في القاعات السينمائية:
الفيلم كان محجوزا في المخبر الفرنسي .. وحسن بن عثمان راض عنه
يعرض في العاصمة منذ أيام فيلم «كلمة رجال» لمعز كمون، وما هو واضح أن أحباء الفن السابع عموما.. وأحباء السينما التونسية أقبلوا على القاعات التي اختارت «كلمة رجال» وهو ما يسعد الجميع إذا ما كان الحدث السينمائي من «صناعة» تونسية.. وقد كانت تونس في الأشهر الأخيرة تعيش الحدث الفعلي من خلال عدة أفلام تونسية ظهرت دفعة واحدة وفي مدة قياسية ومنها «كحلوشة» لنجيب بالقاضي، و«عرس الذيب» للجيلاني السعدي و«بين الوديان» لخالد البرصاوي، و«اللمبارة» لعلي العبيدي، و«آخر فيلم» للنوري بوزيد و«التلفزة جاية» للمنصب ذويب. لكن هل يكفي الحدث الثقافي حتى نتحدث عن سينما تونسية جديدة قادرة على أن تنسينا خيبات كثيرة في هذا المجال؟! سؤال حاولنا دائما الإجابة عنه دون أن نصل الى جواب مقنع يبعث على الاطمئنان ذلك أننا نريد للسينما التونسية قفزة نوعية الى الأمام، لا تصنع الحدث إنما تصنع التحوّل.. والسيطرة على الأسواق واقتلاع الجوائز. على كل هذه مسألة قد نعود إليها من جديد في مقال قادم. وما يهمنا اليوم هو الوقوف عند أبواب فيلم «كلمة رجال» الذي أخرجه المعز كمون عن نص روائي للكاتب حسن بن عثمان، وانتجه حسن دلدول الذي يعتبر منتجا فرنسيا بما أن شركته فرنسية لكن لا ننسى أن تونس مساهمة في الانتاج عن طريق منحة الدعم السينمائي بنسبة مائوية تجاوزت 60% من الكلفة الجملية له. فلقد تجاوزت كلفته المليون و270 ألف دينار، منها 750 ألف دينار كمنحة دعم، و100 ألف دينار منحة انتاج من مؤسسة الاذاعة والتلفزة والبقية من تعاون مغربي ومساهمة الشركة المنتجة. والمهم أن نذكر هنا أن هذا الفيلم خرج الى مهرجان أيام قرطاج السينمائية في دورة سنة 2004 ثم اختفى.. وانتظر أحباء السينما خروجه الى القاعات السينمائية… فلم ير النور إلا في أفريل الجاري. لماذا؟ ما الحكاية؟ هناك من قال بأن الكاتب حسن بن عثمان لم يكن راضيا عنه وهدد برفع قضية عدلية ان لم تجر عليه بعض التنقيحات والاضافات ليكون قريبا من أحداث روايته ورؤيته الى التطور الدرامي للقضية المطروحة. وهناك من قال بأن الرقابة منعت عرضه مدة طويلة ثم سمحت بخروجه الى الناس كما وقع لمسرحية «خمسون» للفاضل الجعايبي. وهناك من قال بأن خلافا جدّ بين المنتج حسن دلدول والمخبر الذي تولى عمليات التحميض والتركيب. وما هذا الاهتمام الكبير إلا لأن الفيلم ولئن لم يحصل على جائزة من أيام قرطاج فهو طريف وجذاب وقادر على اثارة المناقشات الفكرية المرتبطة بالأوضاع الحالية التي يعيشها العالم انطلاقا من الأوضاع الاجتماعية والثقافية التونسية. اتصلنا بحسن دلدول منتج هذا الفيلم لمعرفة سبب اختفاء الفيلم 3 سنوات فقال: – أريد أن أؤكد أن الكاتب حسن بن عثمان لم يبد أي احتراز بعد أن شاهد الفيلم منذ خروج نسخته الأولى.. بل كان سعيدا بالفيلم لأنه منذ البداية كان يعرف أنه ينطلق من رؤيته.. ويحافظ على روح روايته ويعتمد على الخيط الدرامي.. دون أن يلتزم بالأحداث.. وبالتفاصيل.. وقال حسن دلدول: – حسن بن عثمان وافق معز كمون في كتابة السيناريو.. وكان موافقا على «روحه» فكريا وأدبيا ولو كان غير موافق على الفيلم لكان عبر عن ذلك بشكل من الأشكال فليس حسن بن عثمان من أولئك الذين يسكتون في مثل هذه المواقف خاصة ان المدة الآن طويلة وهي كفيلة بأن تؤكد للجميع بأن لا خلاف اطلاقا في هذه المسألة. نعم ان الشريط يحافظ على فكرة الرواية وروحها الدرامية وأحداثها الكبرى من خلال سيناريو نجح معز كمون في وضعه على الشاشة بشكل جذاب جعل الناس يعبرون عن اعجابهم بالشريط. واحقاقا للحق ان «كلمة رجال» فيلم جميل، وقد اقبل عليه الجمهور، لكن لا بد من الاشارة الى ان الجمهور في تونس أصبح يشكل قضية للأفلام التونسية ذلك أن الكثير منها لم تكن في مستوى طموحه.. وهو لا يجد نفسه في السينما التونسية.. ومن المؤكد أن هذا الجمهور سيجد الكثير من رؤاه. وأفكاره مجسدة في «كلمة رجال». أما لماذا لم يخرج الى القاعات إلا بعد مرور ثلاث سنوات.. فهذا يعود الى اسباب مادية بحتة. فلقد كانت كلفة الفيلم عالية.. ورغم حصولنا على منحة الدعم من الوزارة المعنية وهي أساسية.. وحصلنا على منحة من التلفزة لا تتجاوز 6% من كامل الكلفة.. إلا أننا لم نتمكن من اخراج الفيلم من «المخبر» الذي سلمنا نسخة عام 2004 لعرضه في أيام قرطاج السينمائية ثم حجز بقية النسخة الأصلية حتى يحصل على كامل حقوقه مع العلم أنه لم يعد في امكان سينما الجنوب الحصول على منحة بسهولة كما كان الأمر من قبل، ولم نحصل فعلا على منحة من «الشبابيك» الفرنسية المعروفة مثل صندوق التعاون، وصندوق الجنوب.. فالمعطيات تغيرت.. وأصبحت لها شروط لا بد من التقيد بها. ولذا بقينا مدة طويلة ونحن نتحرك في كل الاتجاهات لاخراج الفيلم، فلقد حصلنا على منحة اضافية من الوزارة، واقترضنا من البنوك، حتى تمكنا من اطلاق سراح «كلمة رجال» من المخبر الفرنسي في شهر جويلية الماضي حيث بقينا ننتظر دورنا في البرمجة الخاصة بالقاعات، وها هو الفيلم يعرض وما نتمناه أن لا يسيء اليه القراصنة كما فعلوا مع أفلام أخرى عرضت قبل «كلمة رجال». وسألنا حسن دلدول: – هل يمكن لهذا الشريط أن يسترجع الأموال التي انفقت عليه؟ قال: – نتمنى ذلك، لكن هناك حقائق لا بد أن نعرفها، هي أن السوق السينمائية ضيقة جدا، والقاعات قليلة جدا، أضف الى ذلك القرصنة وهي ظاهرة جديدة يؤسف لوجودها في تونس بشكل أصبح مزعجا ومؤثرا بشكل سلبي في السينما التونسية. ولا بد من تحريك الهمم من أجل جعل الجمهور يقبل على الأفلام التونسية من جديد وبقوة وذلك من خلال تنشيط الثقافة السينمائية واعادة الحياة الى النوادي السينائية.. وللعلم أن 3 أفلام تونسية فقط تمكنت من استعادة كلفتها والدخول في الربح، هي «الحلفاوين» لفريد بوغدير و«صمت القصور» لمفيدة التلاتلي، و«قوايل الرمّان» لمحمود بن محمود. على كل حال هناك قضايا كثيرة يمكن اثارتها حول السينما التونسية.. * لماذا اخترتم موسيقى الفيلم لطفي بوشناق؟ – المخرج هو الذي اختار لطفي عن نص شعري لآدم فتحي، وقد كانت النتيجة جيدة، لكن لا بد من الاشارة الى أن الكاتب حسن بن عثمان كان يرغب في أن يقــدم العمــل الموسيقي الفنان سمير العقربي. محمد بن رجب (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 14 أفريل 2007)
لماذا ينجح علي اللواتي ويفشل غيره من الكتّاب؟!
تونس – الصباح: تأكد رسميا أن السيناريست والشاعر الأستاذ علي اللواتي سيكون حاضرا خلال رمضان القادم بمسلسل درامي جديد متكون من 15 حلقة يخرجه حمادي عرافة وتبثه الفضائية «تونس 7» خلال النصف الأول من رمضان. علي اللواتي الذي قدم من قبل عدة مسلسلات درامية نالت استحسان المشاهد التونسي مثل مسلسل «الخطاب عالباب» و«عشقة وحكايات» و«منامة عروسية» أضحى يعد واحدا من أشهر كتاب السيناريو في تونس بل إن بعض النقاد والمتابعين يذهب إلى حد اعتباره المؤسس الفعلي لما يمكن تسميته بـ«الدراما التونسية» في التلفزيون التونسي على اعتبار أن ما قدم من انتاجات قبل ظهور أعمال علي اللواتي هي أعمال درامية حتى وان كانت بأقلام تونسية فإنها لا تعكس بشجاعة وعمق وذكاء روح المجتمع التونسي والانسان التونسي – الآن وهنا – كما تقدمها أعمال علي اللواتي.. طبعا، قد يكون في هذا القول شيء من التجني على بعض الأعمال الدرامية الأخرى التي كتبها كتاب آخرون مثل كتابات الروائي الدكتور عبد القادر بلحاج نصر التي قدمها التلفزيون التونسي والتي يرى البعض أنها تعتبر بدورها «علامة» مميزة على طريق التأسيس لكتابة درامية تلفزيونية تونسية أصيلة تنهل من واقع وتاريخ المجتمع التونسي بمختلف شرائحه ومكوناته… ولكن هذا لا يمنع من الاقرار بأن كتابات الأستاذ علي اللواتي الدرامية تبدو أكثر من سواها حاملة أو لنقل مستبطنة على مستوى الخطاب والرسالة لطروحات نقدية فكرية وثقافية واجتماعية بقدر ما هي شجاعة وواضحة بقدر ما هي طريفة ومقنعة لأنها طروحات تبدو مؤصلة (بفتح الصاد)… فالانسان التونسي – مثلا – في الكتابات الدرامية للسيناريست الأستاذ علي اللواتي هو ابن بيئته – من قبل ومن بعد! وذلك مهما كانت الصورة التي تبدو عليها شخصيته من خلال المسلسل… ومسألة ربط الشخصية الدرامية والعمل على ابرازها موصولة فكريا وثقافيا بجذورها العائلية و«الطبقية» التي نشأت عليها التي يوليها الأستاذ علي اللواتي الأولوية في رسمه لأبطال مسلسلاته الدرامية هي التي أكسبت كتاباته الدرامية تلك الشحنة الرحبة والعميقة من «التونسة» بالمعنى الأنثروبولوجي للكلمة… فالبطل في كتابات علي اللواتي الدرامية التلفزيونية لا تتجلى «تونسيته» في مجرد لهجته أو ملبسه أو في طريقه ردود أفعاله – فقط – وانما خاصة وأساسا من خلال تركيبته النفسية والثقافية التي تكشفها بجلاء وطرافة «صورته» اجمالا كما يرسهما له المؤلف في المسلسل. ما لم تسقط فيه كتابات السيناريست الأستاذ علي اللواتي وربما تكون قد سقطت فيه غيرها من الكتابات الدرامية للتلفزيون التونسي هو ذلك التعاطي السطحي والايديولوجي مع قضايا جوهرية في حياة الانسان التونسي… قضايا لا علاقة لها لا بالسياسة ولا بالتاريخ في مفهومها الرسمي وإنما بالبيئة الثقافية والحضارية للانسان التونسي في حله وترحاله عبر المكان والزمان… قضايا من نوع «لغة» الانسان التونسي ولا أقول «لهجته» بوصفها موروثا ثقافيا نفيسا ذا دلالات نفسية وحضارية وكذلك «ممتلكاته التاريخية» المادية والمعنوية بمختلف أنواعها سواء كانت في شكل منقولات او في شكل عادات وتقاليد او في شكل قيم اخلاقية واجتماعية. هذا التعاطي الدرامي من منطلق حس وطني مع «التاريخ الثقافي» للانسان التونسي حيثما كان ومهما كانت «أصوله» هو الذي جعل بالفعل من كتابات السيناريست علي اللواتي محطة هامة على طريق التأسيس لدراما تلفزيونية تونسية ذات خصوصية شكلا ومضمونا. محسن الزغلامي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 14 أفريل 2007)
أهم عناصر خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب في الصحراء الغربية
الرباط ـ القدس العربي ـ من الطاهر الطويل: قدم المغرب إلي الأمم المتحدة اقتراحه المتعلق بمنح الصحراء الغربية حكما ذاتيا في إطار السيادة المغربية. ويتبين من خلال نص الاقتراح أنه سيكون موضوع تفاوض، بعدما يحصل علي موافقة مجلس الأمن، حيث ستطرح المبادرة علي السكان المعنيين بموجب استفتاء حر ضمن استشارة ديمقراطية. وهذا الاستفتاء يعد ـ حسب الاقتراح المغربي ـ بمثابة ممارسة حرة من هؤلاء السكان لحقهم في تقرير المصير، طبقا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن . ويشير النص الذي اطلعت عليه القدس العربي إلي أن السلطة التنفيذية في جهة (منطقة) الحكم الذاتي للصحراء يمارسها رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي وينصّبه الملك، وأن هذا الرئيس هو ممثل الدولة في الجهة، ويتولي تشكيل حكومة محلية ويعين الموظفين الإداريين الضروريين لمزاولة الاختصاصات الموكولة إليهم بموجب نظام الحكم الذاتي، ويكون الرئيس مسؤولا أمام برلمان الجهة. ويجوز للبرلمان الجهوي أن يُحدث محاكم تتولي البت في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء. وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكامل الاستقلالية وباسم الملك. وتتولي المحكمة العليا الجهوية ـ باعتبارها أعلي هيئة قضائية بجهة الحكم الذاتي للصحراء ـ النظر انتهائيا في تأويل قوانين الجهة، دون إخلال باختصاصات المجلس الأعلي للقضاء والمجلس الدستوري للمملكة. ويجب أن تكون القوانين التشريعية والتنظيمية والأحكام القضائية الصادرة عن هيئات جهة الحكم الذاتي للصحراء مطابقة لنظام الحكم الذاتي في الجهة، وكذا لدستور المملكة. ويتمتع سكان الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي في مجال حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا. وتتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء علي مجلس اقتصادي واجتماعي يتشكل من ممثلي القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والجمعوية ومن شخصيات ذات كفاءة عالية. فيما يتعلق باختصاصات جهة الحكم الذاتي للصحراء، يشير النص إلي أن السكان يمارسون داخل الحدود الترابية للجهة ـ ومن خلال هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وفق المبادئ والقواعد الديمقراطية ـ عدة اختصاصات ولا سيما في الميادين التالية: ـ الإدارة المحلية والشرطة المحلية ومحاكم الجهة، وعلي المستوي الاقتصادي: التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والفلاحة. ـ ميزانية الجهة ونظامها الجبائي، والبني التحتية: الماء والمنشآت المائية والكهربائية والأشغال العمومية والنقل، وعلي المستوي الاجتماعي: السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية، والتنمية الثقافية: بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني، والبيئة. وتتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء علي الموارد المالية الضرورية لتحقيق تنميتها في كافة المجالات، وتتكون هذه الموارد مما يلي: الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيئات المختصة للجهة، العائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية المرصودة للجهة، جزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة والمتأتية من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة، الموارد الضرورية المخصصة في إطار التضامن الوطني، عائدات ممتلكات الجهة. أما فيما يتعلق بالاختصاصات الحصرية التي تحتفظ بها الدولة المركزية فتتمثل خصوصا في: مقومات السيادة لاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة، المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك، الأمن القومي والدفاع الخارجي والوحدة الترابية، العلاقات الخارجية، النظام القضائي للمملكة. وتباشر الدولة مسؤوليتها في مجال العلاقات الخارجية بتشاور مع جهة الحكم الذاتي للصحراء، وذلك بالنسبة لكل القضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات هذه الجهة، ويجوز لجهة الحكم الذاتي للصحراء ـ بتشاور مع الحكومة ـ إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية، بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات. ويزاول مندوب الحكومة اختصاصات الدولة في جهة الحكم الذاتي للصحراء. في حين يُمثّل سكان الجهة في البرلمان وفي باقي المؤسسات الوطنية، ويشاركون في كافة الانتخابات الوطنية. أما بخصوص مسار الموافقة علي نظام الحكم الذاتي وتطبيقه، فينص المشروع أن هذا النظام سيكون موضوع تفاوض، ويطرح علي السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية. وتحقيقا لهذا الغرض، تلتزم الأطراف المعنية بالعمل المشترك وبحسن نية، من أجل تطبيق هذا الحل السياسي وموافقة سكان الصحراء عليه. كما سيتم تعديل الدستور المغربي وإدماج مشروع الحكم الذاتي فيه. وستقوم المملكة المغربية بكل الإجراءات اللازمة لضمان إدماج كامل للأشخاص الذين سيعودون في نسيج الوطن، في إطار ظروف تكفل الحفاظ علي كرامتهم وأمنهم وحماية ممتلكاتهم. وبهذا الصدد، سيعلن المغرب عن عفو شامل يحول دون أن أي متابعة قانونية أو أي اعتقال أو تهديد. ومباشرة بعد اتفاق الأطراف علي مشروع الحكم الذاتي سيتم تشكيل مجلس انتقالية مكون من ممثلي الأطراف، يشرف علي تدبير عملية استقرار السكان الصحراويين وإعادة إدماج العناصر المسلحة التي توجد خارج الأقاليم الصحراوية، كما يساهم المجلس المذكور في أي مسعي يروم إقرار هذا النظام وتطبيقه بما في ذلك الانتخابات. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 14 أفريل 2007)
وصفة أمريكية لدعم فكر الإسلام المعتدل (2 من 2)
خلفـــاء الإستعمــــار
علي الشرطاني
– الطبيعة الإستعمارية للأنظمة الديمقراطية الغربية:
إن الأنظمة الغربية الديمقراطية « الضامنة » للحرية والعدالة والمساواة، وللأمن والسلام و »الراعية » لحقوق الإنسان في العالم، ليست في الحقيقة إلا تلك الأنظمة التقليدية المنخرطة في الخطة الإستعمارية التي اجتاح فيها الغرب العالم، يغتصب الأراضي ويقتل النساء والأطفال والشيوخ والرجال، وينهب فيها الأموال والأرزاق والممتلكات، ويصادر الحريات وينتهك الحرمات ويهتك الأعراض، وينهب الخيرات والثروات، ويفرض أمرا واقعا يسعى من خلاله إلى البقاء والإستيطان إلى ما لانهاية، استنزافا لقدرات المستعمرات وإذلالا للشعوب، وتوسيعا لمجالها الحيوي واكتسابا لمزيد من الأسواق ضمانا لترويج بضاعتها المصنعة أي البضاعة النهائية ونقل المواد الأولية والخامات إلى أوطانها بدون مقابل يذكر، وبيد عاملة بخسة أشبه بالسخرة لزهد الأجر منها لشيء آخر.
فهي التي لا يمكن أن تتخلى عن طبيعتها الإستعمارية الجشعة النهمة والعنصرية الإستكبارية، لأنها تكون بذلك قد جنت على نفسها وعلى شعوبها، باعتبار أن نجاحها في برامجها الإنمائية الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والفكرية الثقافية والإعلامية والعلمية والعسكرية لا يرجع إلى قدرة هذه الحكومات والأنظمة القائمة على التخطيط والتنفيذ، وإنما إلى القدرات والإمكانيات المادية الهائلة التي اكتسبتها وتكتسبها من فرض سيطرتها عقودا من الزمن على مدخرات وإمكانيات وقدرات وثروات شعوب كثيرة، ورثت فيها الضعف والإنحطاط والتبعية والفقر والمرض والجهل والأمية، بل وحتى المجاعة، لصالح شعوبها كي تنعم بالرخاء و بالحرية والثروة والمجد والقوة والتفوق .
إن الأنظمة الغربية التي انبرت، بعد ما أصبحت الظروف غير مناسبة للإستمرار في الوجود العسكري الدموي والإرهابي في الأوطان التي ظل نفوذها الإستعماري عليها عقودا من الزمن، تلعن تلك الفترة ولا تذكرها إلا بنوع من الأسف، باعتبارها من طبيعة تلك المرحلة من تاريخ العالم والشعوب.
ولعل الأنظمة الغربية المعاصرة المشار إليها، تعتبر في نفس الوقت، أن المرحلة الإستعمارية ليست غرما فقط على المستعمرات وإنما هي كذلك غنم لها باعتبارها قد حملت معها لهذه الشعوب في هذه الأوطان وعيا جديدا بالمرحلة التاريخية الجديدة، وبالقفزة الحضارية والعلمية والتقنية الجديدة. وكانت مبادرة تستهدف تطوير الشعوب المتخلفة عن النسق الحضاري الغربي وإطلاعها عليه ووضعه بين يديها.
ولعل من أبرز ما يبرر حفاظها على نزعتها الإستعمارية بأساليب جديدة وبوسائل جديدة وبخطة جديدة، هو عدم إدانتها لتلك الحركة، وعدم الإعتذار وعدم رد الإعتبار للشعوب والأوطان التي مارست فيها على تلك الشعوب كل أنواع وأساليب النكال والبطش والقمع والإرهاب والقتل، حتى أضحى غناها وثرائها من فقرنا، وعزها من ذلنا، وحريتها من عبوديتنا واسترقاقنا، وقوتها من ضعفنا، وصحتها وعافيتها من مرضنا، وعلمها من جهلنا، وتفوقها من انحطاطنا، وتقدمها من تأخرنا…
إن الأنظمة الديمقراطية الغربية ذات النزعة الإستعمارية المتأصلة فيها، والتي لا سبيل إلى التخلي عنها باعتبارها من الأسباب الرئيسية التي أكسبتها قوة ومازالت، لا يمكن أن تصبح ذات يوم صديقا بعد أن كانت عدوا، ومهما أبدت من مظاهر التسامح، وإتقانا وصدقا في اللعبة الديمقراطية، فإن كل ذلك لا يعدو أن يكون مجرد أسلوب تستطيع به تحقيق ما لا يمكن تحققه لها بسواه.
ومن الوضوح الذي لا لبس فيه، أن الديمقراطية وحقوق الإنسان لا معنى لهما حين يتعلق الأمر بالشعوب التي كانت أوطانها مسرحا لعمليات النهب والقتل والإبادة، وأنها من المقدسات التي لا تنازل عنها ولا تفريط فيها، كلما كان الأمر متعلقا فيها بالشعوب الغربية صاحبة المبادرة الحضارية، التي أصبح وكأنه من حقها أن تنعم بكل أسباب الرخاء والقوة والرفاه على من سواها من الشعوب الرازحة تحت نير الإستبداد، والخاضعة للهيمنة الحضارية، لتظل تابعة للقوى التي فرضت واقع الهيمنة الإقتصادية والسياسية والعسكرية.
إن الأنظمة الديمقراطية الغربية، وهي تفرض السيطرة على الشعوب المتخلفة لتزيدها تخلفا، تتصرف بخلفية أنه لا حق إلا لشعوبها وأوطانها في امتلاك أسباب القوة والتفوق، والعيش في أمن وسلام. وأن ذلك لا يتحقق لها إلا بالإبقاء على من سواها من الشعوب والأمم في مواقع الإستجداء والضعف والإنحطاط. وأنها لا تقدم لها من الدعم إلا ما يزيدها إرهاقا وضعفا وانحطاطا.
– صناعة الخلفاء الوكلاء:
إن الأنظمة الديمقراطية الغربية وريثة الحركة الإستعمارية والإمتداد الطبيعي الوفي لها، وهي استمرار لها
بطرق مختلفة عن الطرق التقليدية القديمة، والتي لم تعد تقتضيها المرحلة، وهي لا ترى بأسا في ذلك كذلك عند الإقتضاء، وكلما ما بدا لها ذلك متاحا وتقتضيه المصلحة، لا يمكنها أن تتنازل عن المناهج السياسية التي كانت ومازالت تمثل أهم مصادر قوتها وسيطرتها وتواصلها مع الشعوب واستمرار وجودها في الأوطان.
فقد أوهمت هذه الأنظمة شعوب المستعمرات، أو كانت تعتقد على الأقل، أنها قد نجحت في إقناعهم بأنها قد تخلت عن نزعتها الإستعمارية، وأنها أصبحت لها صديقا وحليفا، وتسعى للأخذ بيدها للخروج من واقع التخلف والإنحطاط.
والأشد غرابة من كل ذلك، وللأسف الشديد، أنه قد بات من المؤكد وبما لا يدعو مجالا للشك، أن هذه الحيلة قد انطلت على طائفة كبيرة من المثقفين والمفكرين ورموز الأدب والثقافة والسياسة والفن. بل إن الحركة الإستعمارية استطاعت أن توجد قناعة من خلال ما قدمته وتقدمه من مضامين ثقافية وفكرية وإعلامية للكثير ممن تتلمذوا عليها وأصبحوا يثقون بها، أن الإنخراط في الحركة الحضارية لا يمكن أن يمر إلا بالإستمرار في الإرتباط بها والتبعية لها. وأنه لا مستقبل لهذه الشعوب خارج النسق الحضاري والثقافي الغربي. وقد ازدادت هذه القناعة رسوخا في أذهان قيادات ورموز واستراتيجيي الحركة الإستعمارية، بعد أن حققت هذه الشعوب انتصارات كبيرة ونجاحات في إدارة المعركة ضد القوات الغازية بقيادة بعض الرموز الوطنية التي شحذت العزائم واستنفرت كل الفئات الإجتماعية للتمسك بهويتها، والدفاع عن أوطانها، والإصرار على نيل حريتها المسلوبة، وبسط نفوذها وسيادتها على أراضيها، وبما أن حركة الإستعمار التي أنجبت الأنظمة الديمقراطية الغربية كانت تحمل استراتيجية طويلة المدى يتحقق بها لها البقاء الذي يراد له أن يكون دائما، ولو بعد الخروج من الأوطان التي اجتاحتها جيوشها الإستعمارية الغازية أي مستعمراتها فقد استمرت على تأكيد ثقافة البقاء والإستمرار عن طريق عملائها وصنائعها بكل الأساليب والوسائل وفي كل زمان ومكان.
فقد صاحب الغزو الإستعماري العسكري للشعوب التي اجتيحت أوطانها غزوا ثقافيا وفكريا، وحملة تبشيرية واسعة النطاق دامت عقودا من الزمن، ومازالت متواصلة ولا يراد لها أن تنتهي. وهي تتمتع بدعم مالي ومادي وإعلامي وسياسي وبشري كبير، لأنها السبيل إلى الإبقاء على القوي قويا وعلى الضعيف ضعيفا. وهل من أداة أنفذ للأنظمة الغربية الوريثة الشرعية للحركة الإستعمارية من الفكر والثقافة بعد الإجتياح العسكري والحملات التبشيرية الصليبية؟ !
لقد تمكن الغرب الديمقراطي الإستعماري بعد فرض سيطرته بالقوة على الأوطان والشعوب، من فرض سيطرته على الأفكار والعقول والقلوب. وأوجد لنفسه وكلاء وخلفاء يطمئن إليهم، ويتحقق له من خلالهم من المصالح والمنافع ما لا يستطيع هو نفسه بما أوتي من قوة أن يحققه لنفسه.
– الأهداف الرئيسية للحركة الإستعمارية الغربية وكيفية تحقيقها:
لقد كان للهجمة الإستعمارية الغربية أربعة أهداف رئيسية هامة:
1- هدف اقتصادي.
2- هدف سياسي.
3- هدف ثقافي.
4- وهدف تبشيري ديني بالرغم مما كان بين الكنيسة المنكسرة المنحدرة والأنظمة العلمانية المنتصرة الصاعدة من خلاف، خاصة في فرنسا وإيطاليا وبدرجة أقل حدة منهما ربما في ألمانيا.
وكانت وسيلة الدول الإستعمارية الأولى فيها لحقيق تلك الأهداف: قوة السلاح والنار.
ومن المؤكد أنه قد كان في خطط القوى الإستعمارية في ذلك بعض الإختلاف:
– بحسب القوة الإستعمارية.
– وبحسب طبيعة الشعوب التي أوقعتها تلك القوة تحت هيمنتها ونفوذها.
– وبحسب المناطق الجغرافية المسيطرة عليها.
فقد نجحت القوى الإستعمارية في إفريقيا مثلا:
– بأن جعلت من القبائل المتفرقة والمختلفة شعوبا.
– واقتطعت لها من الأراضي المشاعية المفتوحة ما ارتضته لها أوطانا.
– وجعلت لها من لغتها لغة رسمية بعد أن كانت تتقاذفها لهجات مختلفة ومتعددة باختلاف وتعدد القبائل مما كان لا يزيدها إلا فرقة.
– ومكنت فيها عن طريق الإرساليات والحملات التبشيرية التي صاحبت الحملة العسكرية للدين المسيحي. فأصبح للعقيدة المسيحية دور إلى جانب العقيدة الإسلامية لدى كثير من الشعوب، وإلى جانب وعلى حساب
العقائد الوثنية التي كانت تجتاح إفريقيا خاصة، بما فيها الدين الإسلامي نفسه أمام قوة نفوذ الجمعيات والحركات التبشيرية المسيحية المدعومة بإمكانيات مادية هائلة، وتتمتع بحرية لا حد لها في القيام بمهامها التبشيرية، وبحماية كبيرة عن بعد من الدول الإستعمارية أمام انحصار الدعوة الإسلامية وقلة إمكانيات الدعاة والجمعيات الدعوية والجماعات الداعية للإسلام وانعدام الحماية بل والتهديد المستمر والمباشر الذي يلاحق كل هذه الجهات.
إلا أن الأمر يكون مختلفا حين يصبح متعلقا بالمناطق والشعوب الإسلامية التي كانت راجعة بالنظر إلى »الخلافة » العثمانية، والتي كانت ائتلافا واختلافا، ووحدة وانفصالا، قربا وبعدا تمثل الأمة الإسلامية.
ذلك أن القوى الإستعمارية كانت تعلم أنها في مواجهة مع عدو استراتيجي تقليدي تاريخي وحضاري. وأنها إنما تدير المعركة ضمن حملتها الصليبية القديمة التي أعلن عنها القائد العسكري الأنجليزي اللنبي لما دخل مدينة القدس بالقول: »اليوم فقط انتهت الحرب الصليبية » أو كما قال.
فهي تعلم في هذه الحالة، أنها تواجه شعوبا تجمع بينها ولو في الحدود الدنيا سلطة مركزية واحدة ولو في صورتها الرمزية، ولغة رسمية واحدة دون غمط الشعوب الدائنة لها بالولاء حقها في التعامل بلغاتها القومية واستعمالها والتواصل بها في ما بينها وبين الناطقين بها، ووحدة جغرافية متصلة رغم تباعد أصقاعها، وعقيدة واحدة ونظام تشريعي وقانوني وقضائي واحد، يخضع له الناس بحسب عقائدهم وخصوصياتهم. وهي تعلم كذلك أنها تثأر لنفسها من عدو تاريخي ظل يهددها قرونا طويلة، وأذاقها من مرارة الهزائم ما ذاقت به ذرعا، وقد أصبح على حال من الضعف بحيث لم يبق له معه من القوة ما يستطيع به حماية مجده الحضاري ووجوده الموحد، والصمود أمام الحركة الإستعمارية الصليبية التي امتلكت أسباب القوة، وأمسكت بزمام المبادرة الحضارية. وفي هذه الحالة فإن القوى الإستعمارية كانت واعية بطبيعة المعركة، ويجب أن يكون التعامل مع الوضع يختلف عما يجب أن يكون عليه مع أي وضع وأي طرف آخر.
فإذا كانت الدوائر الإستعمارية قد أوجدت في إفريقيا السوداء خاصة مثلا أوضاعا لم يكن لمثلها وجود من قبل، مما يجعلها مرتاحة لإقامة أوضاع فيها لا يملكون عنها بديلا، فإن الأمر يختلف اختلافا جذريا وجوهريا، في أماكن أخرى، وهي تريد أن يستمر بقائها في مناطق وعلى رأس شعوب لها من أسباب الوحدة ما يجعل مهمة تشتيتها وفرقتها أمرا يحسب له حسابه، ولها من الوحدة الجغرافية ما يجعل قطع العلاقة بعضها ببعض أمرا صعبا بل يكاد يكون مستحيلا، ولها من اللغة والتاريخ والعقيدة والثقافة ما يجعل فرض لغة أخرى وتاريخ آخر وعقيدة أخرى وثقافة أخرى عليها أمرا يقتضي منها أن تعد له عدته وتحسب له حسابه. ولذلك فإن مهمة الحركة الإستعمارية كانت مهمة صعبة في المنطقة العربية وفي المناطق المكونة للإمبراطورية العثمانية بصفة عامة.
فإذا كانت مصلحة الدول الإستعمارية تتحقق من خلال الوحدة، فإنها تعمل على فرضها على المناطق والأطراف الراغبة فيها أو الرافضة لها. وإذا كانت مصالحها تتحقق وتتأكد وتتواصل من خلال الفرقة والتجزئة والإنقسام، فإنها تمد يد المساعدة للأطراف والمناطق الراغبة فيها، وتفرضها على الأطراف والمناطق الرافضة لها، وذلك في الحالة التي تكون فيها هذه الأطراف وهذه المناطق خاضعة لسيطرة طرف استعماري واحد. كما أن الفرقة التي تحرص عليها أحيانا لما يتحقق لها بها من مصالح، فإنها غالبا ما تجعلها ضمن الإتفاقات والتفاهمات والمؤتمرات التي عادة ما يكون الإتفاق حاصلا بخصوصها بين هذه القوى الإستعمارية في إطار اقتسامها لمناطق النفوذ في العالم. وتأتي الصورة مختلفة في الذي اتفقت فيه القوى الإستعمارية في مؤتمر سايكس بيكو في برلين على اقتسام العالم إلى مناطق نفوذ. وقد تجاذبت كل من فرنسا وأنجلترا القوتين الإستعماريتين الأكثر قدرة على التوغل والأكثر جشعا والأكثر توقا ورغبة ولهفة على نهب ثروات العالم، والأشد حرصا على توسيع دائرة نفوذهما الإقتصادي والعسكري والثقافي، وضمان أسواق تتدفق نحوها بضاعتهما ومنتجاتها الإستهلاكية إلى حيث المستهلكين الذين لا ينتجون لأنفسهم بأنفسهم، والذين جعل منهم الإحتلال قوى منتجة ويدا عاملة بخسة، أطراف الإمبراطورية العثمانية الفاقدة للقدرة على مواصلة إشعاعها الحضاري، وعملتا على تمزيق أوصالها. وتم الإتفاق على اقتسام التركة الممتدة من جنوب أوروبا إلى جنوب آسيا إلى شمال إفريقيا وانتهاء بعمقها، إضافة إلى ما اقتطفته روسيا القيصرية. وقد كان لكل من إسبانيا والبرتغال بعض الحصص بحسب ما يرضيهما، وبحسب ما لا يغضب الأطراف الإستعمارية الأخرى. وقد كان المجال الإستعماري فسيحا بوجود أمريكا اللاتينية كذلك في دائرة الإستعمار. وفي هذه الحالة فإن تجزئة ما كان موحدا يصبح أمرا مفروغا منه، وذلك ما يقتضيه اتفاق القسمة أولا، وما تتحقق من خلاله استحالة الوحدة مرة أخرى ولو جزئيا ثانيا.
وبذلك تكون القوى الإستعمارية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي المنهار قد أحكمت سيطرتها على الشعوب والدول الواقعة خاصة خارج حضارة الرجل الأبيض، والتي يراد لها أن تظل على هامش الحضارة الغربية، وأن تظل مزودة للقوى الدولية المهيمنة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وتقنيا بالثروات، ومستهلكة لمنتوجاتها المختلفة التي جعلتها من ضروريات حياتها المتزايدة، والتي لها علاقة مباشرة بحياة الفرد اليومية، والتي يعتقد أنه لا حياة له بدونها.
فإذا كانت القوى الإستعمارية قد فرضت واقع التجزئة ومازالت قادرة على المحافظة عليه، فإن القوى اللاحقة لها والتي من المفروض أنها قوى وطنية قد جاءت لتزيده تأكيدا وتثبيتا.
– الطبيعة القومية والطبقية للحركة الإستعمارية جعلت من القومية والطبقية أحد أهم مداخلها لغزو العالم:
وبحكم الطبيعة القومية والطبقية للحركة الإستعمارية، فقد كان من بين مداخلها لتسديد الضربات القاتلة والقاصمة للقوى المستهدفة لها، وعلى رأسها الدول الإسلامية والمنطقة العربية بصفة خاصة، بعثها وتنشيطها وتشجيعها للنعرات القومية والطائفية في الكيان الموحد، لتكون لها سندا في التجزئة وتقسيم المناطق إلى نفوذ قومي وطائفي وعرقي، تكون هي الراعية له. وتكون بذلك قد جعلت من الشعب الواحد شعوبا، ومن الدين الواحد أديانا، ومن الوطن الواحد أوطانا، ومن اللغة الواحدة لغات، ومن النظام الواحد أنظمة متعددة.
» توالت الدعوات القومية في الأمة العربية لتفتيتها: الفينيقية الفرعونية الآشورية الكردية. كما ظهرت الدعوات الطائفية لتحقيق نفس الغرض: المارونية والقبطية والدرزية والعلوية والشيعة والسنة. ولم يستطع الفكر القومي العربي احتواء هذه الدعوات العنصرية والطائفية حتى الآن وكما هو واضح في لبنان »(1)
ويكون بذلك قد تحقق لها من السؤدد والنفوذ والمصالح بقدر ما كانت ناجحة في التفرقة والتجزئة. يقول لورانس*: »لا أمل بقيام وحدة عربية لا في الحاضر ولا في المستقبل ».(2) فقد أمعنت القوى الدولية ذات النزعة الإستعمارية في إحداث واقع من التشرذم والإنقسام أظهرت به على السطح، التركي الطوراني المطالب باستقلال تركيا، والإيراني الفارسي المطالب باستقلال إيران، والأفغاني المطالب باستقلال أفغانستان، والباكستاني المطالب باستقلال باكستان، والهندي المطالب باستقلال الهند، والعربي المطالب باستقلال العرب. وأخذ بذلك الإنقسام طريقه إلى جسم الأمة الإسلامية الموحدة. وتعددت بذلك الأوطان والبلدان والشعوب في ظل الهيمنة الإستعمارية. وتعزز كل ذلك بقيام الدولة القطرية والأنظمة المتمسكة بالحدود التي أوجدها الغزاة بعد ذلك . وتعددت اللغات والعقائد. فحلت بذلك العقيدة الليبرالية والشيوعية وغيرها من العقائد محل العقيدة الإسلامية. وحل النظام الرأسمالي والنظام الإشتراكي محل النظام الإسلامي. وحل النظام التشريعي القانوني الوضعي محل النظام التشريعي الإسلامي. وقد أصبح لكل قومية تقريبا وطن وعقيدة غير العقيدة الإسلامية. ونظام سياسي علماني غير النظام الإسلامي. ونظام تشريعي وقضائي غير نظام الشريعة الإسلامية. وبذلك فإنه من الطبيعي جدا أن يكون لها تبعا لذلك وبالضرورة لغة غير اللغة العربية. فظهرت التركية والأردية والفارسية والكردية والعربية وغيرها من اللغات، بحسب ما ظهر من القوميات والعصبيات والأعراق المستقلة بأوطانها ونظمها السياسية والإقتصادية والتشريعية والقضائية والثقافية والإجتماعية. وكانت لغاتها تبعا لذلك لغة ثانية في أكثر الدول العربية والإسلامية بعد لغة المستعمر.
ولم يكن الأمر في المنطقة العربية على خلاف ذلك، ولكن كانت المنطقة الأكثر تشتتا وتشرذما. وكانت
أنظمتها السياسية الأكثر تمسكا بالحدود وبالإقليمية والقطرية والإنقسام وهي الرافعة كلها لشعار الوحدة والتي تعتزم الدعوة لها والعمل على تحقيقها. وهي التي مازالت لغة المستعمر تحتل في الكثير منها المرتبة الأولى بعد الإلقاء باللغة العربية جانبا في المرتبة الثانية. وقد يهون الأمر حين يعلن كل عرق استقلاله القومي الموحد في بلد موحد، ولكن الأشد بلاء وغرابة هو أن نجد القوى الإستعمارية الدولية قد نجحت في تجزئة المنطقة الواحدة التي تصلح أن تكون وطنا قوميا واحدا على الأقل لعرق واحد إلى أوطان، وجعلت من الجنس القومي الواحد شعوبا أشد ما تكون فرقة بمرور الزمن. وما تناهى إلى الأسماع من أن ذلك مما لم يكن قد حصل في التاريخ لأمة من الأمم عدى الأمة الإسلامية والعربية بصفة خاصة. بل إن دولا وشعوبا بكاملها قد تم ضمها وابتلاعها نهائيا، كالأقطار والأقاليم الإسلامية في روسيا البلشفية وفي الهند وفي الصين وفي الفيليبين وفي منطقة البلقان بأوروبا الشرقية وغيرها. وما حصل في المنطقة العربية بفعل العرب لم يحصل مثله في ما تبقى من المكونات التقليدية بشريا وجغرافيا للأمة الإسلامية التي كان عنوان ورمز وحدتها الخلافة العثمانية. وهم الذين مازال يطيب لهم الكلام عن قيامهم بثورة في التاريخ أسموها بالثورة العربية الكبرى سنة 1919 لفصل الأمة العربية مستقلة وموحدة عن الخلافة العثمانية مازالوا يذكرونها بخير. وهي التي كان يتزعمها المدعو الشريف حسين بن علي الذي، وهو يزعم أنه إنما كان يتجه في عمله إلى تحرير الأمة العربية وتوحيدها وكان ذلك هدفه وكانت تلك غايته، مما كانوا يعتبرونه، وزينه لهم الإستعماريون الغربيون الصليبيون، الإستعمار العثماني. ولا يعتبر مصر وتونس والجزائر وليبيا واليمن والسودان دولا عربية ولا شعوبها شعوبا عربية. وهو الذي كان يقول عن نفسه وهو يلفظ آخر أنفاسه: »هذا جزاء الذين يثقون بالأنجليز ويصادقونهم ويعملون معهم »(1) فضد من يا ترى كانت تلك الثورة في ذلك الزمن العصيب والحرج جدا الذي تمر به الأمة والعالم المستضعف عموما؟
فهل يكون قد قادها ضد الإنجليز المستعمرين في شرق المنطقة العربية، أم ضد الفرنسيين في كل من سوريا
ولبنان وفي شمال إفريقيا الذي كان لا يعترف لشعوبه بالعروبة أصلا. أم ضد الطليان في ليبيا أم في غيرها من المناطق الإسلامية التي اقتطعتها الحركة الإستعمارية الغربية من الجسم الإسلامي العربي الواحد؟ !
لم يكن من كل ذلك شيء. بل كل الذي كان أن القوميين العرب قد أبرموا اتفاقا، وأقاموا حلفا مع الإستعمار الأنجليزي لتحرير المنطقة العربية من النفوذ العثماني رمز الخلافة ورمز وحدة المسلمين، باعتباره كما صورته وكما قدمته لهم الدوائر الإستعمارية الصليبية واليهودية الصهيونية استعمارا يحب التخلص والتحرر منه. ووضعوا بالفعل كل إمكانياتهم وقدراتهم ومهاراتهم تحت قيادة الجنرال الإنجليزي لورانس لملاحقة القوات العثمانية المرابطة بالثغور والمتصدية للقوات الإستعمارية الغازية مقابل سراب وأوهام ووعد مكذوب مفاده منحهم الإستقلال والوحدة* بعد التخلص من القوات العثمانية بالمنطقة.
وكان الإستعمار الإنجليزي يعلم أن مخططاته في العيث فسادا في المنطقة ليس ممكنا له، و متعذرا عليه على الأقل ومن الصعب عليه، ما دامت قوات الخلافة على ظلمها واستبدادها، وحالة الضعف التي آلت إليها موجودة هناك، توحد الصفوف وتستنفر الأمة وتدفع بالمدد من العدد والعدة. وقد عرفت الأمة مرحلة « مثلت فيها الدولة العثمانية نقطة صدام مع البزنطيين والبرتغاليين وسواهم. وقد حققت إنجازا تاريخيا في إنهاء الوجود البيزنطي في بلاد الأناضول بعد أن شكلت لقرون عديدة خنجرا في الجسم العربي كما في الجسم الإسلامي عموما. ثم هناك دفع العثمانيين للغزاة البرتغاليين وسواهم عن البحر المتوسط وبلدان المغرب العربي ودفاعهم عن مناطق الخليج…ولهذا كان الموقف العربي إيجابيا في الدولة العثمانية.
ولهذا يمكن القول أن الدولة العثمانية أسهمت في الحفاظ على بلاد العرب موحدة محافظة على إسلامها وتراثها وحضارتها. بل لم يكن من باب الصدفة أن يقول مصطفى أتاتورك عندما غير الحرف التركي من الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني »الآن تخلصنا من الإستعمار العربي… »(2)
ولست في هذا المقال في مقام المدافع عن نظام سلطوي مستبد أطلق على نفسه إسم الخلافة الإسلامية التي قضى عليها الطلقاء أبناء الطلقاء من العرب في وقت مبكر من تاريخ الإسلام والمسلمين » وما للطلقاء وأبناء
الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم »(3) وأحالوها إلى ملك عصبي
وراثي مستبد أريد له أن يتواصل إلى الآن، وبمنظور غير الذي كان عليه من قبل. بل قد تم استبداله بتصورات وبدائل أشد فضاعة ورعونة وغربة عن وجدان الأمة وشعوبها وتاريخها وثقافتها وحضارتها، باسم التطور والحداثة والمعاصرة. فلم يكن ذلك إلا انسجاما مع مخططات جلادينا من الإستعماريين والغزاة
الصليبيين واليهود الصهاينة. ولكن المقام يقتضي منا تصحيح المفاهيم ومحاولة تقويم الإعوجاج والدعوة إلى مراجعة بعض القناعات التي مازال الكثيرون، للأسف الشديد، متمسكين بها ومصرين عليها. وقد بدا واضحا بعد مضي عقود من الزمن أنها لا تنال إلا إعجاب أعدائنا. ولا تتحقق من خلالها إلا مصالحهم دون مصالحنا.
ذلك أنه لا ينبغي للشعوب إذا أرادت التخلص من النظام المستبد والإطاحة به أن تستعين عليه بعدوها وعدوه الذي لا يمكن إلا أن يكون أكثر دموية وتسلطا عليها، وأشد ظلما وإرهابا وإهانة وإذلالا لها. ولذلك فإن القاعدة الأصح، هي أنه إذا كان لابد للشعوب من الإستعانة على النظام المستبد ببعض من هي في حاجة للإستعانة به عليه، فليس بالذي هو أشد منه ظلما واستبدادا وعداوة.وأن التحرر من الأنظمة الفاسدة الظالمة هي مهمة ليس على الشعوب صاحبة الحق في الحرية إلا أن تتولى إنجازها بنفسها. وإذا كان لابد من الإستعانة عليها بمن يساعدها على ذلك، فليس بقوة خارجية من الأعداء التاريخيين لشعوب الأمة، أو بنظام من جنسها. ولكن يمكن أن يكون ذلك ممكنا، وفي أسوإ الحالات حين يكون الأمر متعلقا بطرف أمين على المهمة ومؤمن إيمانا حقيقيا وصحيحا بالحرية والشورى والعدالة والمساواة. وهو ممثل وحامل لكل مقومات الأمة قوميا وإسلاميا، ونعني بإسلامي عقائديا و سياسيا.أي أنه لا ينبغي أن يكون ذلك بغير النظام الصالح من داخل الأمة نفسها، وبالطريقة المناسبة التي يتحقق بها الهدف والغاية، ولا يفسح بها المجال للتدخل الخارجي بأي طريقة وبأي ذريعة.
– الدهاء والسخاء الغربي الصليبي الإستعماري والصهيوني الكاذب والغباء والطمع القومي العربي الكبير:
واستنادا إلى ما تقدم، فإن ما قامت به الحركة القومية العربية من تحالف مع الأنجليز والحركة الإستعمارية عموما، وهو نفس ما قامت به بعض المكونات الطائفية والعرقية للشعب العراقي في تحالفها مع القوات الأمريكية البريطانية وقوات التحالف الغربي في احتلالها للعراق، يعتبر بكل المقاييس خيانة وطنية وسقوط أخلاقي ومبدئي وحضاري، ويجعلها تاريخيا وواقعا في موضع أسوأ من الوضع الذي عليه ملوك الأمبراطورية العثمانية الضالعين في المظلمة التاريخية التي اخضع إليها ملوك بني أمية المسلمين كافة، إذا ما استثنينا منهم الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز. وإذا ما أصر القوميون على أن الصفقة صحيحة رغم خيانة الحليف لهم، وظلوا يعتبرون أن الأمر متعلق بالصراع مع نظام شرعي ولكنه مستبد، بل يعتقدون أن الأمة العربية ليس لها خيار وهي بين أمرين أحلاهما مر:
– إما الإستمرار في الوجود تحت سيطرة (الإستعمار العثماني).
– أو الوقوع تحت طائلة الإستعمار الغربي.
فهم مخطئون، ولا يزيد مواصلة تبرير الخطإ الأوضاع بالمنطقة إلا تعقيدا وسوءا وفسادا.
فقد كان القوميون العرب يعتبرون أن الأمة العربية كانت واقعة بين استعمارين، وإذا كان لا بد لهم من حل في ذلك الوقت وفي تلك الظروف وفي ذلك الوضع الذي كانوا فيه، فإنه ليس أمامهم إلا التحالف مع طرف للإستعانة به على الآخر. وبما أن الإستعمار العثماني يمثل عندهم صورة من صور الإحتلال القديم للمنطقة وللأمة العربية، وبعد طول مكث دب الضعف في أوصاله وقد حان الوقت للتخلص منه، في عصر تميز بصعود القوميات. وبما أن هذه الحالة قد تزامنت مع وجود قوة استعمارية أخرى غازية بالمنطقة تهدف إلى الإطاحة بالأولى لترث تركتها، وهي أشد قوة وأفضل تسليحا وأحسن تدريبا، وهي مع ذلك تقبل التحالف مع أي طرف داخلي يساعدها على إنجاز مهمتها الإستعمارية مقابل وعدها له بتلبية مطالبه في الوقت المناسب، فإن القوميين العرب قد اعتبروا أن هذه فرصة لم تتح لهم من قبل وقد لا تتاح لهم من بعد، والطرف العربي هو من لا يستطيع أن يقوم بمهمة التحرير بمفرده سواء في مواجهة من يعتبره القوميون العرب القوة الإستعمارية القديمة، أو مواجهة القوة الإستعمارية الحديثة أم مواجهتهما معا، باعتبار أن الإستعمار في الأصل كل لا يتجزأ، فانخرطوا في لعبة التحالف مع الإستعمار الغربي الصليبي للتحرر حسب زعمهم وما كانوا عليه من وهم الإعتقاد من الإستعمار العثماني الإسلامي. وبذلك قبلوا بالإستقواء بالأجنبي وعملوا به كما
قبل الكثير من العراقيين بالإستقواء بالأجنبي الغربي الصليبي اليهودي الصهيوني للإطاحة بنظام البعث العراقي بزعامة الدكتاتور المستبد صدام حسين وعملوا به. وقبلوا بذلك أن يقودهم جنرالات الإستعمار الغربي الصليبي في معارك يقتلون فيها إخوانهم من العرب والمسلمين الذين يختلفون معهم في اعتبار الخلافة ليست استعمارا ولا يمكن أن تكون كذلك واعتبار القوات الغربية البريطانية والفرنسية هي وحدها كذلك ولا يمكن أن تكون صديقا وحليفا ولا يمكن إلا أن تكون استعمارا وعدوا. وهم الذين قبلوا كذلك بما قبل به العرب في ذلك الوقت أن تقوم قوات التحالف الغربي بقيادة الإمبراطورية الأمريكية بمهمة الإطاحة بالإستبداد في العراق، واعتبروا الإحتلال تحريرا والمقاومة التي تقاتل إلى جانب الشرعية الوطنية والشعبية كما كان يقاتل العرب والمسلمون الذين لم ينخرطوا في معركة التحالف مع القوى الإستعمارية إلى جانب الشرعية في تصديها إلى الأعداء التاريخيين ومن خانوا القضية من العرب والمسلمين إرهابا. أفلا يكون الطرح الصحيح هو تشكيل قوة عربية إسلامية، واستنفار كل الطاقات بالمنطقة العربية على الأقل، إن لم يكن بالعالم الإسلامي كله، بما في ذلك الإبقاء على علاقة ما للتعامل مع مركز الخلافة للتصدي للغزو الصليبي الغربي أولا، ثم النظر بعد ذلك في كيفية إدارة الأوضاع بالمنطقة بعد أن يكون الجميع قد أنهى بكل وطنية وبكل عزة وكرامة ورجولة وشهامة وبكل ذاتية، وجود الخطر الأكبر المتمثل في قوى الهيمنة الإستعمارية الصليبية المتحالفة مع اليهودية الصهيونية، خاصة وقد كان الكل يعلم كيف سقطت غرناطة التي كانت آخر معاقل العرب والمسلمين بالأندلس وما ترتب عن ذلك من مآسي وآلام وخسائر لا تعوض، وليكون ذلك تماما كما فعل مثلا الصينيون من قبل والذين كانوا في حالة اقتتال في ما بينهم عندما داهمت بلادهم القوات اليابانية الغازية*.؟
« كانت محاربة العرب للأتراك في الثورات الإسلامية الإصلاحية مثل المهدية في السودان، لا لأنهم أتراك في مقابل العرب أو لأنهم عرب في مقابل الأتراك بل محاربة الظلم والفساد والقسوة والتخلف والسيطرة والطغيان باسم الإسلام »(4) . ولكن الذي حصل كان أبعد من كل هذا، ويخرج حتى عن إطار النزعة الشعوبية القديمة والتي كان مفادها تسابق الأجناس والأعراق والقوميات والعصبيات المختلفة في دولة « الخلافة » الواحدة إلى الإرتقاء إلى سدة الحكم والفوز بشرف قيادة الأمة، وما يتبع ذلك من منافع ونفوذ وجاه وسلطان في »الإمبراطورية الإسلامية » إذا صح أن يكون المسلم إمبراطورا وأن يكون نظام الحكم في الإسلام إمبراطوريا؟ !
وكان العرب يعتبرون أنفسهم منذ البداية أحق في هذا السباق المحموم من غيرهم في الوجود على رأس الخلافة الإسلامية.
إن الحركة القومية المعاصرة هي من تأسيس وبعث القوى الإستعمارية زمن بروز القوميات في أوروبا في القرن التاسع عشر. وكان قد سعى إليها أكثر ممن سعى إليها في البداية رموز من العرب غير المسلمين ومن مسيحيين تحديدا وبصفة خاصة، وهم الذين كانوا قد مهدوا مع المخدوعين والسذج والأغبياء من العرب المسلمين لدخول الإستعمار، وفتحوا له أبواب أسوار الأمة العربية الإسلامية، وسهلوا له مهمة الإقتحام بأقل ما يمكن من الخسائر، وجني أكثر ما يمكن من الأرباح(« …وراجت بالتالي الدعوة القومية العربية من منطلق أن كل دولة عصرية يجب أن تكون مبنية على قاعدة القومية لا سواها. ولعب المفكرون المسيحيون دورا خاصا في إطلاق هذه الدعوة لشعورهم الحاد بالحاجة على معيار يؤمن لهم المساواة التامة في المواطنة مع سواهم من المواطنين المسلمين وربما أيضا لصلتهم المبكرة بالثقافة السائدة في اوروبا والولايات المتحدة. »
« أما في المشرق العربي فلقد بدأت الدعوة المنظمة إلى فكرة (العروبة …فقط) في أحضان مدارس التبشير الغربية التي كانت طلائع المد الإستعماري الغربي في هذه المنطقة والأدوات التي مهدت الطريق لجيوش الغزاة… ».
» فالقوى الإستعمارية الغربية التي كانت متربصة بنهاية دولة الرجل المريض كي ترث تركتها قد اجتمعت ضد »المشروع العربي »لمحمدعلي »وناصرت السلطنة العثمانية.. فبدت وكأنها تنصر »الإسلام »على »العروبة » فلما زال خطر المشروع العربي على أطماعها بعد سنة 1841 كان مصدر الخطر على مطامعها آتيا من
الدولة العثمانية أي من الإسلام فاستدارت تشجع بواسطة إرساليات التبشير الفكرة العربية المستبعدة لمزج العروبة بالإسلام فكان أن تكونت تحت رعاية الأمريكان ببيروت سنة1847 أول جمعية ثقافية بشرت بـ(العروبة فقط وهي جمعية العلوم والفنون التي ضمت عضويتها ناصيف اليازجي وبطرس البستاني وإيلي سميث وكورنيليوس فاندايك والكولونيل ـ الأنجليزي ـ تشرشل وكثيرا من الأمريكان.
ولقد حذا اليسوعيون ـ ومن ورائهم فرنسا ـ حذو الأمريكان فأقامت إرساليتهم(الجمعية الشرقية) سنة1850 تحت رعاية الأب هنري دوبرنيير وكانت عضوية هاتين الجمعيتين مقصورة على الأجانب والنصارى العرب » « …كما أدى انتشار التعليم الغربي في الشام إلى انتقال قيادة حركة العرب القومية من النصارى إلى المسلمين… » « فلما كانت سنة 1857 تألفت(الجمعية العلمية السورية التي شاركت القيادات الإسلامية في تشكيلها مشترطة إبعاد المبشرين والأجانب من عضويتها….ودعت بعض منشوراتها وآثارها ـ مثل قصيدة إبراهيم اليازجي…الإستقلال القومي والسياسي للعرب عن الأتراك… ».(5)
« أخذت فرنسا تحرض الناقمين على السلطة في البلاد العربية وبوجه خاص في لبنان حيث الأكثرية مسيحية وآزرت المؤتمر العربي القومي الأول الذي انعقد في باريز صيف 1913. ولم يخف عدد من شهداء لبنان 1914 ـ 1916 ميولهم نحو فرنسة » الوطن الأم » و »الأم الحنون » كما كانت تسمى ».
« غير أن الدول الغربية ومطامعها الإستعمارية وجدت في القضية العربية فرصة سانحة لتفكيك عرى الدولة العثمانية..وفصل الأقطار العربية ».
« يقول ادوار عطية:.. »أنه لما زارت المدمرة الفرنسية » جون فيري »مرفأي بيروت وجونيه في أواخر عام 1912 خفت جموع الشعب اللبناني إلى الثغر…ولما عزف البحارة الفرنسيون » نشيد المارسليز »الوطني الفرنسي أخذ الحماس بمجامع القلوب وانطلقت الهتافات مدوية بحياة فرنسا حامية المسيحيين ».(6)
والملاحظ أن هذا الذي حصل منذ أكثر من قرن في المنطقة العربية في العلاقة مع القوى الغربية الإستعمارية لتمكين القوميين العرب للقومية العربية على حساب الإسلام مازال يحصل فيها إلى حد الآن، وإن كان الأمر قد اختلف قليلا هذه المرة باختلاف القوى وموازين القوة. وبعد فشل المشروع القومي، وبمواصلة قوى الهيمنة االإستعمارية تعويلها على الحركة العلمانية إجمالا وبكل مكوناتها، وبظهور الحركة الإسلامية التي أصبحت اليوم الممثل الشرعي الحقيقي لحركة التحرر العربي الإسلامي، وبظهور القوة الصفوية في إيران ملتحفة بالإسلام للتمكن لمشروعها القومي الطائفي والمذهبي من خلال ذلك، ومن خلال استقطاب الشيعة في كل مكان، بدأت العلاقة بين الحركة القومية والحركة الإسلامية تتحول من علاقة صراع وصدام إلى علاقة تنسيق وتكامل وتعاون، والتوجه أكثر ما يمكن باتجاه الوحدة وتوحيد المواقف والبحث في المشترك من القضايا وآفاق الحلول. وظل الصراع مستمرا على أشده بين الحركة العلمانية الحليف الإستراتيجي لقوى الهيمنة الغربية والأمريكية والصهيونية وحركة التحرر العربي الإسلامي التي تمثلها مكونات الحركة الإسلامية. وليس الذي حصل في المنطقة العربية والعالم الإسلامي منذ ذلك التاريخ ببعيد عما يحصل هذه الأيام في كل من لبنان وفلسطين المحتلة والعراق، وبعض الإختلاف الذي اقتضاه التحول في بعض موازين القوة بالمنطقة وبالعالم الإسلامي وبالعالم.
وإلا فكيف نفسر عدم قدرة الحركة القومية العربية لو كانت عربية إسلامية حقيقية كما هي عليه أو كما تتجه إليه اليوم أو كما تريد ربما أو تعمل على أن تكون عليه، على إنجاز مهمة تحريرية في المنطقة قبل قدوم حركة الإستعمار الغربي، والكل يعلم من قبل أن الملك العثماني قد وهنت وخارت قواه وهو آئل إلى السقوط، فكيف ظل العرب المستعمرين يترقبون والفرصة سانحة للتحرر من ربقة « الإستعمار العثماني » ولم يفعلوا؟
إن اعتبار السلطة العثمانية استعمارا للعرب ليس إلا فكرة لتبرير التحالف مع قوى الإستعمار الغربي الصليبي الغازية. لأنه لا يمكن أن تكون استعمارا إلا بالنسبة للعرب اليهود والعرب المسيحيين ربما، وهم الذين ضمن لهم الإسلام البقاء في أمن وسلام طوال تاريخه، ما لم يضمنه أي دين آخر لأي صاحب دين آخر فضلا على أن يكون مسلما، والذين، والحال هذه، يجدون رغبة في وجود إخوانهم في العقيدة بالبلاد التي هم فيها، مما يوفر عليهم الكثير من الإمتيازات التي لا ينالهم منها شيئا حسب زعمهم حين لا تكون قوى الإستعمار الغربي حاضرة بالمنطقة العربية.
يقول جميل بيهم: »على أن وجهات نظر البيروتيين كانت مختلفة خصوصا لوجود فئة ذات وزن كانت حريصة على التخلص من الحكم العثماني وتعمل بالإتفاق مع فرنسا في جمعية سرية..كان قنصل فرنسا أحد أعضائها لضم مدن الساحل إلى لبنان وللسعي لاستقلاله تحت حماية فرنسا ».
أليست الحركة القومية العربية بهذا المعنى هي التي سلمت المنطقة العربية الإسلامية إلى القوات الإستعمارية الصليبية الغازية لتقتطع منها فلسطين وتسلمها لليهود الصهاينة وقد جاء في » اتفاقية فيصل ـ وايزمان بتاريخ 3/1 /1919 .. اتفق الطرفان على ما يلي:
« تأسيس كيان فلسطيني منفصل عن الدولة العربية السورية (مادة1 ). تقوم الدولة الفلسطينية بكل التدابير لتحقيق وعد الحكومة البريطانية في الثاني من نوفمبر 1917 في دستورها وإدارتها (مادة 3 )… »
أخذ كل الإجراءات الضرورية لتعهد هجرة اليهود إلى فلسطين على نطاق واسع وتشجيعها بأسرع وقت ممكن ليستقر المهاجرون الجدد في البلاد » (مادة 4 ) ».
أن يرسل الصهيونيون لجنة لدرس أوضاع فلسطين وإمكانياتها ومدى استثمارها لصالح العرب واليهود (مادة 7 ) وأن تكون الحكومة البريطانية هي الحكم في حال نشوب خلاف بين الطرفين » (مادة 9 )(7).
فهل يمكن أن يكون كل هذا عن طريق المصادفة أو نتيجة سذاجة تفكير الرموز المؤسسة للحركة القومية العربية وقياداتها الميدانية والفكرية والسياسية وغباؤهم؟ !
إن هذا الذي حصل ومازال يحصل في المنطقة العربية والعالم الإسلامي وفي فلسطين المحتلة هو أقرب إلى البرمجة والتخطيط والإعداد والتنظيم المحكم منه إلى أي شيء آخر.
» وعندما أعلن رئيس وزراء فرنسا عن نيته صراحة في ابتلاع سوريا ولبنان في التصريحات التي قال فيها: » ولا أرى لزوما لأن أذكر مجلس الشيوخ أن لنا في لبنان وسوريا حقوقا تاريخية تقليدية .. ونحن نريد دائما أن تراعى منافعنا وحقوقنا ».
» وتحرك المسيحيون المقيمون في باريس ممن كانت تجمعهم « اللجنة اللبنانية » وكأنما أثارت فيهم تصريحات هذا السياسي الفرنسي النشاط والحمية فاجتمعت لجنتهم في 23 ديسمبر 1912 وصوتت باسمها واسم لجنة نيويورك وسان باولو ومصر وباسم جميع اللبنانيين الذين تمثلهم .. على وجوب توجيه كتاب إلى مسيو « بوانكاره » تشكره فيه على التصريحات التي أدلى بها لدى مجلس الشيوخ الفرنسي .. »
كما أرسل اللبنانيون الكاتوليك في القاهرة الذين كانوا يجمعهم ما يسمى بالإتحاد اللبناني إلى الكونت ده مون الكتاب التالي المؤرخ في 10 ديسمبر 1912 : » سيادة الكونت : إن لجنة الوكالة اللبنانية قررت في جلستها المنعقدة في 8 كانون أول ـ ديسمبر 1912 أن تبعث إليكم باسم الشعب اللبناني شكرها الحار على المقالات
المليئة عطفا ومودة .. التي تنشرونها للدفاع عن القضية اللبنانية .. إننا سعداء أن نبلغكم يا سيادة الكونت .. الشكر الجماعي من شعب ارتبط بكم بأمتن الروابط .. وكلنا أمل أن يتحقق مثلنا الأعلى القومي بالمساعدة
التي تود فرنسا الأمينة على تقاليدها النبيلة أن تزجيها لنا على الدوام .. فرجاؤنا إليكم » يا سيادة الكونت » أن
تتقبلوا إلى جانب شكرنا الذي نبعث به في شخصكم إلى فرنسا .. أعمق واخلص عواطف العرفان .. التوقيع
عن الوكالة اللبنانية: اسكندر عمون(عضو مؤتمر باريس وأحد خطبائه). »(8)
لقد كانت مثل تلك الرسائل لأولئك، تماما كهذه التي أرسلها القرامطة الجدد من رموز اليسار واليمين الليبرالي المتصهين الذين يطلقون على أنفسهم بل الذين يحلوا لأوليائهم في العواصم الإستعمارية الغربية أن يسموهم بالليبراليون الجدد إلى الإرهابي إيهود باراك مرشح حزب العمل الصهيوني عندما فاز في الإنتخابات الصهيونية في فلسطين المحتلة، والتي حل فيها محل الإرهابي بن يمين ناتانياهو مرشح حزب الليكود الصهيوني على رئاسة مجلس وزراء الكيان الصهيوني يهنؤونه فيها بالنجاح ليواصل حملة الإبادة العسكرية التي كانت تقودها العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني. والذين كانوا يخذلون المقاومة ويشهرون بعملياتها الإستشهادية وبعملها وآدائها الفدائي الجهادي في الدفاع عن النفس وفي استهداف العدو المحتل لتحرير الوطن بأنها عمليات إرهابية وعمل إجرامي ضد المستوطنين « المواطنين اليهود الأبرياء ». ذلك أن
العربي المسلم الواعي ولو في الحد الأدنى بمعنى العروبة والإسلام لا يمكنه اعتبار الملك العثماني استعمارا
لاسيما وهو يعرف الإستعمار وماذا تعنيه هذه الكلمة من معنى، وما هي طبيعة الحركة الإستعمارية الغربية.
وحين نحسن المقاربة بين هذا وذاك، نجد أن البون شاسع بين الملك العثماني الجائر والقوة الإستعمارية الغاشمة.
وهل أن القوات الإستعمارية التي اجتاحت العالم والمنطقة العربية والأقاليم الإسلامية جزءا منه، كانت معولة على جهود أبناء هذه البلدان والمناطق والأقاليم ليقوموا بمهمة التمكين لها وإخضاع أوطانهم لها ؟
إن هذا الدور لم تقم به على مدار التاريخ أمة أو شعب في ما نعلم إلا الحركة القومية العربية، ومازال يقوم به المتأثرون بها والذين اقتفوا أثر برنامجها الثقافي والسياسي العلماني المغشوش.
أليس من الأجدر بها أن تبدأ مهمتها من اللحظة التي تطأ فيها قدم أول جندي من جنود الإستعمار أرض المنطقة، وتوجه رصاص بنادقها إلى صدور جنود الجيوش الغازية عوض أن تكون عونا لهم على إخوانهم، لاسيما وأنه » لم يكن من سياسة عبد الحميد ترويج فكرة القومية التركية بل عمل على خنق كل صوت يخوض في بحث الفكرية والقومية التركية ..لا في مجال السياسة فقط .. بل في مجال الأدب أيضا .. وقد منع
الخوض في قضايا اللغة التركية ونشر البحوث المتعلقة بذلك ».(9)
لأن مهمة دحر القوات العثمانية التي لم تأت القوة الإستعمارية إلا للقيام بها. والتي ليس لها من دور عسكري في المنطقة غير ذلك؟ !
وهل أن القوات العسكرية الإستعمارية الصليبية الغربية الغازية في ذلك الوقت تنقصها القوة والعدة والعدد؟ وهي التي دقت طبول الحرب وبدأت المعركة، وهي مدعومة من الخلف بأفران صهر الحديد والمعادن وبالمخابر ومراكز البحوث والورشات وبالمؤسسات المالية والمعامل والمصانع العملاقة التي تمدها بمعدات عسكرية وحربية وقتالية جد متطورة مقارنة بما في أيدي أبناء شعوب المناطق والأوطان التي كانت مسرحا للعمليات العسكرية للقوات الغربية الغازية في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وجنوب آسيا…
فهل يصح بعد كل هذا أن تمكن القوة ذات الآلة الحربية الأقوى طرفا أقل قوة منها من أي حق يدعيه لنفسه أو يتفق معه على تمكينه منه، حين لا يكون يجمع بينهما إلا العداء في ثقافة النفع والنهب والعنصرية والإستكبار؟
وهل يكون من المستساغ عقلا وتاريخا أن الآلة الحربية الإستعمارية الغربية المتطورة لم تأت إلا لتحرير العرب من « الإستعمار العثماني »؟ !
أم هل يصح أن يكون القوي المعادي والمعتدي في أمس الحاجة إلى حليف هو معاد في الأصل له ومعتد عليه، وهو أضعف منه بكثير، لإنجاز مهمته في التمكين له في أرضه، وتحريره من أخيه الظالم له ولكنه ليس معاد له ولا معتد عليه؟ !
إن استحالة صدور إيجابيات منطقية وموضوعية مقبولة عن هذه الأسئلة وغيرها يجعلنا نميل إلى القول في ما يشبه اليقين أن للإستعمار والصهيونية دورا في بعث الحركة القومية العربية، مستفيدين من الإنحطاط الفكري والثقافي، ومن الضياع الحضاري وجهل المسلمين بالإسلام نفسه، والذي هو روح الأمة وصمام أمانها والضامن لوحدتها والصانع لحضارتها وقوتها ومجدها، في تلك المرحلة من التاريخ.
» وفي حفل عشاء أقامه لورد روتشيلد قال فيصل : « إن أهداف دكتور وايزمان هي أهدافنا ونحن سنتقبلك دون أن نسألك مساعدة في المقابل فلو أنه لا يمكن قيام حكومة الشرق الأدنى بغير الإرادة الحسنة للدول العظمى إلا أن قيام هذه الحكومة يحتاج ما هو أكثر من هذا الرضى ..إنها تتطلب استعارة أفكار أوروبا ومواد ومعرفة وخبرة أوروبا .. ولكي تغدو هذه صالحة لنا أن نترجمها من الشكل الأوروبي..وأين يمكن أن نجد في العالم من يصلح لأداء هذه المهمة إلا أنتم .. لأنكم تمتلكون كل معرفة أوروبا .. وأنتم أيضا أبناء عمومتنا بالدم.. « (10) .
وفي رسالة من فيصل بن الحسين بن علي « شريف مكة » بتاريخ 3 مارس 1919 إلى السيد فرانكفورت* يقول فيها: »عزيزي السيد فرانكفورت .. أود أن أغتنم فرصة أول اتصال لي مع الصهيونيين الأمريكيين لأعيد عليكم ما سبق أن قلته للدكتور وايزمان في الجزيرة العربية وأوروبة .. إننا نعتبر العرب واليهود أبناء عمومة في الجنس .وقد تعرضوا لاضطهادات مماثلة على أيدي قوى أقوى منهم .. واستطاعوا لحسن الحظ
أن يحققوا الخطوة الأولى نحو أهدافهم « القومية » معا وأننا نحن العرب والمثقفين منا بوجه خاص نشعر نحو الحركة الصهيونية بأعمق المشاعر .. وأن وفدنا هنا في باريز ليدرك المطالب التي قدمتها المنظمة الصهيونية إلى مؤتمر الصلح في الأمس تمام الإدراك .. إننا نعتبرها مطالب معتدلة وصحيحة .. وسوف نعمل جهدنا حسب طاقتنا على الإشتراك في تحقيقها .. إننا نرحب باليهود أعظم ترحيب ولنا مع زعماء حركتكم خاصة الدكتور وايزمان أوثق العلاقات. وقد كان مساعدا كبيرا لقضيتنا .. إننا نعمل من أجل شرق أدنى متطور ومترق . وحركاتنا تكمل إحداهما الأخرى .. فالحركة اليهودية قومية وليست استعمارية ..
وحركتنا قومية وليست استعمارية . ولكلانا مكان في سوريا .. بل إني لا أظن أن لأي منا إمكانا في النجاح بدون الآخر…(11)
هكذا مازالت الحركة القومية العربية عموما، وإن كان قد حصل بعض التغير في استراتيجية المواجهة مع الغرب عموما ومع الصهيونية خصوصا بعد ما استولت أكثر من جهة سياسية قومية على السلطة في المنطقة العربية، وبعد أن جعل أسلافهم من الكيان والوجود الصهيوني أمرا واقعا، والذين مازالوا محافظين منهم لوجود لهم في الساحة الفلسطينية على ذلك الأساس، وعلى أساس تلك الثقافة والمسار والخيار السياسي.
– فما يسمى بالسلطة الوطنية الفلسطينية، التي أوجدتها القوى الإستعمارية الدولية والصهيونية العالمية والنظام العربي العدمي التقليدي الرجعي منه والعبثي العلماني « التقدمي » بالداخل الفلسطيني بقيادة ياسر عرفات، ثم بعد التخلص منه بقتله مسموما، بقيادة الموقع على اتفاقيات أوسلو محمود عباس، بعد ما تنازلت عن القضية في أهم ما كان الكيان الصهيوني يرغب في تنازل الفلسطينيين عليه، ويعمل على ذلك، من اعتراف بشرعية وجوده على أرض ليست له وبشروطه، هي التي مازالت:
1- باسم الواقعية التي انتهت منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) بالقضية إليها.
2- وباسم الشرعية الدولية.
3- وباسم اختلال موازين القوة في العالم لغير صالح القضية.
4- وباسم التفاوض والحل السلمي.
5- وباسم منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
6- وباسم الأرض مقابل السلام:
أ- على أساس اتفاقيات أوسلوا المهينة.
ب- وعلى أساس خارطة الطريق التي شطبها زعماء الكيان الصهيوني التي كانت لصالحه ولغير صالح الشعب الفلسطيني.
7- وباسم المبادرة العربية التي ألقى بها الإرهابي آريال شارون في وجه الزعماء العرب قبل أن ينفض مجلسهم في بيروت حسب رأي المتنفذين وأصحاب المصالح فيها ومن وافقهم وكان معهم على ذلك، من الكيانات الرسمية العربية التي كانت دائما أقرب للعصابات الصهيونية المحتلة منها للشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه.
8- وباسم الشعب الفلسطيني.
9- وباسم مصلحته العلياء وغيرها من الشعارات المكرسة لواقع الإذعان والإذلال والقبول بالأمر الواقع المهين.
فهذه المجموعات هي الوارثة للمشروع القومي العربي. وهي الممثلة لمختلف مكونات الحركة العلمانية الإمتداد طبيعي للمشروع الثقافي والسياسي والحضاري الغربي في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، التي بعد أن خسرت بالثورية ما لم يخسره الفلسطينيون من قبل ولم يقدروا على استعادته، ثم عادوا مرة أخرى لاستجداء الحلول من نفس الكيانات الإستعمارية والصهيونية التي مازالت تعدهم وتمنيهم كالشيطان وما تعدهم إلا غرورا.
وبالمقابل فقد كان أصحاب الثقافة الإسلامية وأنصار الجامعة الإسلامية في حينه وحتى اليوم وسيظل ذلك كذلك إلى الأبد، لا يرون منذ البداية أن الأمر ليس كذلك ولا ينبغي له، بالرغم من إيمانه بظلم نظام الخلافة وبضرورة إصلاحه، والذين قطعت القومية الطورانية والعربية والصهيونية والقوى الإستعمارية الغربية الطريق أمامهم في سبيل ذلك.
« يقول شكيب أرسلان (وهو إسلامي حياة وموتا ): » لم يمنعنا من الإشتراك في الثورة العربية سوى اعتقادنا أن هذه البلاد العربية ستصبح نهبا مقسما بين انجلترا وفرنسا وتكون فلسطين وطنا قوميا لليهود .. وهذا التكهن كان عندنا مجزوما به.. حتى أني كنت قبل الحرب : لو ارتفع الغطاء ما ازددت يقينا ثم انتهت الحرب وانتصر الحلفاء وارتفع الغطاء .. فما حصل بالفعل شيء غير ما كنا نقول .. « (12)
هذا الخط الأصيل الثابت هو الذي قاومته ومازالت تقاومه القومية الطورانية التركية وبقايا القومية العربية والصهيونية العالمية والإستعمار الغربي الصليبي الذي يعيث فسادا برعاية بعض القوميات والطوائف والمذاهب والأنظمة التقليدية والعلمانية التي مازالت وفية لثقافة الإستعمار في كل من أفغانستان والعراق وكشمير والشيشان وكوسوفو والصومال وفلسطين…وليس الوضع أكثر وضوحا على هذا الصعيد في هذه الظروف الدولية والإقليمية الداخلية والخارجية منه في أي وقت مضى، وقد ذهبت المعادلة القديمة القائمة على الإعتقاد بصحة التوجه الغربي الصليبي الصهيوني وبعدالته وبإنسانيته وعالميته بل وكونيته وصلاحيته لكل الأزمان وفي كل الأماكن ولكل الشعوب والأمم، وعلى فساد ما سواه وخاصة كل أو جل ما له علاقة بالثقافة العربية الإسلامية وبالحضارة الإسلامية وبالتاريخ الإسلامي وبالإسلام عموما عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وباعتباره عند الكثير من مكونات الحركة العلمانية من القديم الواجب واللازم هدمه لما يمثله من إعاقة للتقدم والتطور والمدنية والحضارة، أشواطا مهمة في العالم العربي والإسلامي وفي العالم، باتجاه الإعتقاد والقول بفساد المشروع الحضاري الغربي في مستواه الثقافي والفكري والسياسي والإجتماعي، بالنظر إلى وضوح طبيعته العنصرية والإستكبارية والقهرية التسلطية والمادية النفعية القائمة على الإستغلال والنهب والهدم والتدمير، وبصلاح وصواب المشروع الحضاري العربي الإسلامي المقاوم للإستبداد والفساد، وللظلم والقهر والإستغلال، والواعد بالإستقلال والتحرر الحقيقي على قاعدة » متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا » » وخير الناس أنفعهم للناس » » ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى » وعلى قاعدة » أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم » وغيرها من القواعد العادلة التحررية والإنسانية الكونية المستنيرة صدقا وعدلا. وهذه المرحلة هي من أصعب مراحل التاريخ التي تشهد صعود المشروع الإسلامي الضعيف في مواجهة المشروع الغربي القوي الذي لم يبق أمامه إلا التقهقر والإنتهاء إلى نهايته لبدأ العد التنازلي الذي بقي له، أمام بلوغ مستوى من الصعود قد يكون قد انتهى إليه أو لم يبق أمامه إلا القليل للإنتهاء إليه. فقد عمل الغرب على اغتصاب العقول واستعمارها بما سهل له اغتصاب الأوطان واحتلالها. وقد استلهم العرب والمسلمون الجاهلون بحقيقة الإسلام، والذين يريدون أن يكونوا في حل من أي التزام إسلامي، المفاهيم الجديدة المعادية والمزدرية للدين من خلال مظالم رجال الدين وسلطة الكنيسة، والمعاني الجديدة للفكر القومي، وفكرة العلمانية القائلة بالفصل بين الدين والسياسة، وبين العقل والنقل، وبين الدين والعلم، والنظم السياسية والمضامين الثقافية والحركة العلمية والعلاقات الإجتماعية الناجمة عن الثورة التقنية والحركة الثقافية التي تفجرت عنها كل من الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية والنهضة الشاملة التي فسح المجال في الجانب الإقتصادي منها أمام الفرد ليفعل ما يشاء في ساحة العرض والطلب وامتلاك رأس المال وتغير أدوات وعلاقات الإنتاج واقتحام ساحات المنافسة …
وهكذا تكون النخبة العربية والإسلامية المفتونة بما تحقق في الغرب من نهضة شاملة قد تم استيعابها فكريا وثقافيا ولا تستطيع بذلك إلا أن تكون وفية لقناعاتها التغريبية تلك.
يضاف إلى هذه الطائفة الفعل الصهيوني في الحركة القومية عن طريق اليهود العرب والمسيحيين العرب الذين يوفرون لأنفسهم فرصة للإلتحام بأبناء عقيدتهم ويصبح الكل عربا يحافظ فيه العربي المسيحي على عقيدته والعربي اليهودي على يهوديته ويخرج بمقتضى ذلك العربي المسلم عن إسلامه باعتبار الإختلاف الحاصل في طبيعة الأديان، والذي مفاده أن الإسلام لا يعتبر قائما ما لم يكن متمثلا في نظام سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي تقوم فيه الشريعة الإسلامية على تنظيم حياة الناس. وإن ذلك لمن حق الله على كل الأوطان التي يكون غالبية مكونات شعوبها من المسلمين. ويكون ذلك من الحقوق ومن المستحقات الثابتة للأغلبية الإسلامية في شعوب تلك الأوطان، على خلاف ما هو حاصل اليوم في الكثير من الأوطان ذات الأغلبية المسلمة والتي يحكمها مسيحيون أصلا، وليس مسلمون علمانيون وحسب. هكذا العلمانية وهكذا النظام العلماني والثقافة العلمانية ذات الأصول والطبيعة التوراتية الإنجيلية. ويكون بذلك قد تحقق حلم البعثات التبشيرية التي صاحبت الحملة الإستعمارية في إخراج المسلم عن دينه إن لم يقبل بالتنصير والإبقاء عليه خارج كل الأديان الأخرى. والتمكين للمسيحية خاصة باعتبارها دين المستعمر سواء لدى الملل والنحل
وأصحاب الأديان والمعتقدات الأخرى، أو بتنصير المسلمين أنفسهم بفعل مكر الليل والنهار بالإكراه تارة وبالترغيب والترهيب أخرى. وما المناطق المغلقة التي أوجدتها بعض دوائر الإستعمار في جنوب السودان وفي أماكن أخرى عديدة من العالم إلا خير دليل على ذلك.
إن لفيف النخبة المشار إليها هي التي انبرت لتبرير تسليم المنطقة العربية للقوات الإستعمارية، وإثر ذلك تسليم فلسطين للحركة الصهيونية، بسقوطها في وهم اعتبارها بين استعمارين وليس أمامها من حل حسب زعمها إلا إبرام حلف مع الإستعمار الغربي الصليبي لتخليص المنطقة مما اعتبروه وقدم وصور لهم من طرف أعداء الأمة كلها على أنه استعمار عثماني، وليس في البداية حتى تركي، بعدما أصبحت تركيا حقيقة، أي بعد الإنقلاب السياسي الذي قادته حركة الإتحاد والترقي على « الخلافة » العثمانية. والكل يعلم في تلك المرحلة من التاريخ أن الهجمة الإستعمارية الغربية ليست إلا حلقة من الغارات الصليبية المتلاحقة التي كان من أهدافها المعلنة تقسيم تركة الرجل المريض واقتسامها. واعتبرتها القوات الغازية امتداداتها الطبيعية ومجالاتها الحيوية. وكان الكل يعلم كذلك انبعاث الحركة الصهيونية وهدفها المعلن في السعي إلى إيجاد وطن قومي لليهود الذين اشتد بهم التيه عبر قرون من الزمن، وأضنتهم حياة الإنغلاق في الحارات (الغيتو) في مناطق الشتات، وتصاعدت أصواتهم من كل مكان ومن كل موقع بالعودة إلى أرض الميعاد فلسطين. وهم الذين أصبحوا يتمتعون بنفوذ كبير جدا في العواصم الغربية منذ وقت مبكر:
– من خلال مشاركاتهم الكبيرة والواسعة في وضع الأسس النظرية والفكرية للحضارة الغربية.
– ومن خلال تغذية الثورات المختلفة العلمية والصناعية والتجارية والسياسية والثقافية والمساهمة والمشاركة فيها، من مثل الثورة الأمريكية والفرنسية والبلشفية وغيرها من الثورات التي أحدثت نقلة نوعية في الحياة السياسية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية، وتغيرات جوهرية في الأوساط الجغرافية، والذين كانت لهم عناية كبيرة بعالم المال والأعمال، بما جعلهم من الممولين الكبار لكثير من الحروب لإحداث توازنات إقليمية وقومية ودولية يكون لهم بها نفوذ أكبر في كل الأوساط، وقد احتلوا خاصة في الأوضاع التي تلت سقوط حكم الكنيسة في الغرب مواقع هامة في دوائر أخذ القرار السياسي في الكثير من العواصم الغربية، وكان لهم ذلك خاصة من خلال نفوذهم المادي الذي كان لا يستطيع أحد في الغرب وعلى امتداد قرون من الزمن أن يكون في غنى عنه.
يقول السكرتير الخاص لنابليون الثالث ارشنت لاهران في كتابه الصادر عام 1860 بعنوان « المسألة الشرقية الجديدة » إن أي عضو في الجنس اليهودي لا يمكن أن يتخلى عن حق شعبه الذي لا جدال فيه والأساسي بأرض أجداده دون أن يتبرأ من ماضيه وأجداده.. إن دعوة عظيمة محجوزة لليهود ليكونوا ممرا حيا بين القارات الثلاث .. إنكم سوف تكونون حملة المدنية الأوروبية التي ساهم بها جنسكم لحد بعيد « .
ويقول رئيس الوزراء البريطاني 1784 ـ 1865 » أن هناك في الوقت الحاضر (1840) فكرة قوية لدى اليهود المنتشرين في أوروبا مفادها أن الوقت يقترب لأمتهم كي تعود إلى فلسطين »(13)
لقد أتت مخططات حركة كل من المستشرقين والمبشرين والماسونيين والصهيونية العالمية في إطار حركة الإستعمار الشاملة أكلها، وتوصلت لاستيعاب الفئات المثقفة عبر الكثير من الأجيال ومازالت، وقد استقطبهم بريق النهضة الحضارية وبهر أبصارهم، مما جعلهم هدفا محققا وفريسة سهلة المنال لأعدائهم وأعداء الأمة قاطبة. وكان من السهل عليهم تجريعهم السم الزعاف الذي هو سم التغريب الذي حولهم وتحولوا بمقتضاه وتحت تأثيره من حيث يشعرون أو لا يشعرون إلى أعداء لأنفسهم ولأوطانهم ولشعوبهم ولأمتهم، وأصدقاء أوفياء إلى الحد الذي أصبحوا به الإمتداد الطبيعي لمن من المفترض أو المفروض أنهم أعداء لهم ولشعوبهم ولأوطانهم وأمتهم فكرا وثقافة وسلوكا وأخلاقا. وقد كان ذلك كافيا لإقناعهم بأن إخوانهم من المسلمين بما فيهم إخوانهم من العرب ممن يختلفون معهم في الرأي والقناعة هم أعداء للحركة القومية. وبأن إخوانهم من المسلمين الأتراك هم قوة استعمارية يجب أن يسعوا إلى التخلص وخوض معركة التحرر منها.
لقد كان التيار قويا وغالبا. وكانت جحافل التغريبيين والعلمانيين على قدر كبير من السذاجة والغباء والجهل بطبيعة العدو وبطبيعة المعركة، إذا ما استثنينا غير المغرورين وغير المغرر بهم، من الدائرين منهم عن وعي تام وإدراك كامل في فلك الإستعمار الصليبي الغربي، والمؤمنين بأهدافه، والمقتنعين بغاياته، والمنصهرين في مشاريعه، وكلهم يقين بأنه لا وجود لنمط من الحياة يليق بهم وبالإنسان المعاصر عموما حسب ما يتوهمون خارج النسق الحضاري الغربي.
ولعلهم من الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى: » إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القومية العربية والإسلام: بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية.
تعقيب الدكتور حسن حنفي على بحث لمنح الصلح بعنوان: التمايز والتكامل بين القومية العربية والإسلام.
*موظف في المخابرات البريطانية وهو الذي قدمه الإحتلال البريطاني للشريف حسين بن علي زعيم الثورة العربية الكبرى بصفة جنرال والذي جعله قائدا للجيش العربي في ما كانوا ومازالوا يعتبرونه ثورة على مركز »الخلافة » العثمانية لإقامة الدولة العربية الموحدة بمساعدة الإنجليز والفرنسيين. وهو القائل: »لا أمل بقيام وحدة عربية لا في الحاضر ولا في المستقبل » وهو الذي كان معلوم عليه قوله منذ سنة1919 « أئيد الصهيونية..أني أعتبر اليهود النقلة الطبيعيين للخميرة الغربية الضرورية جدا لدول الشرق الأدنى ». وهو الذي قال لمطران القدس الأنجليكاني عن وايزمان »إنه رجل عظيم لا تستحق أنت ولا أستحق أنا أن نمسح حذاءه ».
(2) القومية والغزو الفكري – محمد جلال كشك.
(3) القومية والغزو الفكري – محمد جلال كشك.
* يراجع الهامش بالصفحة: 4.
(4) القومية العربية والإسلام (مركز دراسات الوحدة العربية) من مداخلة: منير شفيق في مناقشة: دراسة بعنوان:الجامعة ا(1) (5) نهج البلاغة: المنسوب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه – من كتاب له إلى معاوية بن أبي سفيان. لعربية والجامعة الإسلامية- الدكتور محمد عمارة.
*فقد كانت الصين تعيش انقساما شديدا وحربا أهلية بين الحزب الشيوعي الصيني بزعامة ماو تسي تونق والقوى التقليدية الحاكمة ولما أصبحت الصين في دائرة الإستهداف من قبل الإستعمار الياباني واجتاحتها قواتها جلست القوتين الصينييتين المتحاربتين إلى طاولة التفاوض واتخذ القرار بتجميد خلافاتهما والعمل سويا كل من موقعه ومن خلال موقفه وبإمكانياته للدفاع عن البلاد وتحريرها من الغزو الخارجي. وقد كان الأمر فعلا كذلك وبعد إنهاء الإحتلال الياباني وتحرير البلاد استؤنف صراع الصينيين في ما بينهم حتى حسم الأمر في النهاية لصالح الشيوعية في الصين والتي مازالت تعاني من ويلاتها إلى اليوم بالرغم من استجابة الحزب الشيوعي الصيني لبعض الإصلاحات التي حتمتها التحولات الكبيرة التي حصلت في العالم بعد سقوط المعسكر الشرقي وتوحيد ألمانيا وإعلان أمريكا ومن ورائها الغرب الصليبي كله قيام عصر العولمة والتمكين للخيار الثقافي والإقتصادي والسياسي الليبرالي في العالم…وبدون منازع.
(6) القومية العربية والإسلام (مركز دراسات الوحدة العربية).
(7) القومية العربية والإسلام ـ مركز دراسات الوحدة العربية-
(8) القومية والغزو الفكري ـ محمد جلال كشك.
(9) القومية والغزو الفكري ـ محمد جلال كشك.
(10) نفس المصدر.
(11) القومية والغزو الفكري – محمد جلال كشك.
(12) نفس المرجع.
* قاضي وأستاذ بجامعة هارفارد وعضو الوفد الأمريكي في مؤتمر الصلح والمتحدث الرسمي باسم الصهيونية الأمريكية .
(13) القومية والغزو الفكري – محمد جلال كشك.
(14) الصهيونية ليست حركة قومية. – بديعة أمين.
الجزائر وليبيا تفتحان صفحة جديدة من التكامل
تونس – رشيد خشانة قبل أيام من انفجار موجة العنف الجديدة في المنطقة المغاربية، طوت الجزائر وليبيا أزمة التأشيرات وفتحتا صفحة جديدة من التعاون يمكن أن تساهم في بناء تكامل اقتصادي تونسي – ليبي – جزائري في ظل الشلل المزمن للإتحاد المغاربي. ولم تقتصر ثمار التقارب الجزائري – الليبي على إعفاء الجزائريين من التأشيرة أسوة بالتونسيين، وإنما شملت أيضا سحب الاتفاقات المُعلن عنها أخيرا بين تونس وليبيا على العلاقات مع الجزائر. بعد أربعة أيام فقط من نقض محكمة الاستئناف الجزائرية حُـكما قاسيا بالسجن على مدير صحيفة « الشروق » علي فُضيل والصحفية نائلة بالرحال، اللذين شكاهما الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي للقضاء بتهمة التشهير به، حلَ رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز بلخادم بطرابلس على رأس وفد حكومي رفيع المستوى، لإحياء اللجنة التنفيذية المشتركة التي جُمّـدت اجتماعاتها منذ أربع سنوات. وواضح أن تخفيف الحكم السابق الذي أصدرته محكمة البداية لم يُسمَم العلاقات مجددا، على رغم الانزعاج الشديد الذي أبدته ليبيا من المقالين الصادرين في أغسطس الماضي، نقلا عن الطوارق الجزائريين، الذين رفضوا مشروعا دعا له القذافي من تومبوكتو (مالي)، لإقامة دولة في الصحراء الكبرى تضم الجزائر ومالي والنيجر. وأثار الحكم الابتدائي صدمة لدى الرأي العام الجزائري، وموجة من التضامن مع فضيل وبالرحال، اللذين قرّرت المحكمة سجنهما ستة أشهر وإلزامهما دفع غرامة مقدارها 20 ألف دينار جزائري، إضافة لوقف الصحيفة عن الصدور لمدة شهرين وتغريمها بــ 500 ألف دينار. وأبطل الاستئناف قرار السجن، مُحوِّلا إياه إلى ستة أشهر مؤجَّـلة التنفيذ وأعفاهما من الغرامة، فيما ألغى قرار وقف الصحيفة عن الصدور وخفف الغرامة إلى العُشر، على رغم مطالبة الإدّعاء بتعطيل الصحيفة سنة كاملة، إضافة إلى الغرامة وتشديد العقاب على الصحفيين بترفيعه إلى سنة سجنا. ومع ذلك، لم تكن مراجعة الحكم القضائي مؤشرا على برود في العلاقات بين الحكومتين، إذ بدا من النتائج المُعلنة في ختام يومين من الاجتماعات بين وفدي الحكومتين، من بينها لقاء بين بلخادم والقذافي، أن الجانبين بدَدا الغيوم التي تلبّـدت في سماء العلاقات الثنائية بعد إعلان أمين (وزير) الأمن العام الليبي العميد صالح رجب المسماري، عن إخضاع المواطنين المغاربيين الراغبين في زيارة ليبيا للتأشيرة، ولم يستثنِ سوى التونسيين، مما أثار غضب الجزائر واستوجب إرسال مبعوث خاص على عجل إلى الرئيس بوتفليقة لتهدئة خاطره. منطقة اقتصادية ليبية تونسية جزائرية؟ ولم تقتصر ثمار التقارب الجزائري – الليبي على إعفاء الجزائريين من التأشيرة أسوة بالتونسيين، وإنما شملت أيضا سحب الاتفاقات المُعلن عنها أخيرا بين تونس وليبيا على العلاقات مع الجزائر، ويعني ذلك إعفاء السلع التونسية والجزائرية ذات المنشإ الوطني من الضرائب والرسوم الجمركية لدى تصديرها لليبيا، وزيادة حجم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة. مع ذلك، تبقى هناك نِـقاط سوداء مُرتسمة على لوحة العلاقات الثنائية، وهي لا تختلف في الجوهر عن الفتائل التي أشعلت نار الأزمات السابقة بين طرابلس والجزائر والمُتّـصلة بنوع المسافة التي تضيق أو تتّـسع مع عواصم القرار الغربية. فالقذافي غير مرتاح لتعاطي واشنطن مع الجزائر، بوصفها الشريك الأول في المغرب العربي، وهو يسعى إلى علاقات تفاضلية معها، بعدما نهل من حلاوة مُصادقتها. وإذا كانت صحيفة « الباييس » الإسبانية أماطت اللِّـثام عن قلق مغربي من صفقات سلاح روسية مع الجزائر تجاوزت قيمتها 10 مليارات يورو، مما بوأها مركز القوة العسكرية الأولى في شمال إفريقيا، فلا شك أن القذافي يشعر بانزعاج مماثل، وهو الذي حمل ارتيابه من جارته الغربية الكبرى على الذهاب إلى وجدة في صيف 1984 لإقناع الملك الراحل الحسن الثاني بالتوقيع على معاهدة « الإتحاد العربي الإفريقي »، بوصفها ردا على معاهدة حُـسن الجوار التونسية – الجزائرية، التي انضمت لها موريتانيا لاحقا. قُصارى القول أن التطور الأخير في العلاقات الليبية الجزائرية أعطى حصادا مُـهمّـا ليس أقله إلغاء التأشيرة بين البلدين، والدفع نحو تنشيط التعاون الاقتصادي، وخاصة تكثيف المبادلات التجارية، على نحو يستجيب للطلبات المعلنة لرجال الأعمال بفتح المجال الاقتصادي الإقليمي أمام التجار والصناعيين. ولوحظ أن رجال الأعمال في البلدان المغاربية شكّـلوا منظمة موحدة في الجزائر يوم 3 أبريل الجاري، على هامش لقاء دعت له « منظمة أصحاب العمل » الجزائرية، وكانت أول دعوة أطلقوها للحكومات تتعلّـق بإلغاء الحواجز الجمركية وإزالة العراقيل الإدارية، التي تعطِّـل تدفّـق المنتوجات بين البلدان المغاربية، والتي لا تتجاوز حاليا 2.4 بالمائة فقط من الحجم الإجمالي لمبادلاتها الخارجية، طبقا لتقديرات بوعلام المراكشي، رئيس « منظمة أصحاب العمل » الجزائرية. وقال المراكشي في تصريحات للصحفيين، إن المبادلات الموازية (أي التي تتم بواسطة التهريب) تُقدّر بمليارات الدولارات، مُـتسائلا عن الأسباب التي تمنع الحكومات من تحرير المبادلات التجارية من القيود. وإذا ما أعطت هذه الضغوط، التي يمارسها القِـطاع الخاص أكلها، وإذا ما أبصرت الإجراءات التي قرّرتها اللجنة المشتركة النور في الفترة المقبلة، أسوة بالخطوات الاقتصادية التي تقررت بين تونس وليبيا، فمن غير المستبعد أن تشهد المنطقة بروز منطقة اقتصادية ليبية – تونسية – جزائرية مشتركة، تشكل استجابة للمناخ الاقتصادي الجديد وخروجا من عباءة اتحاد المغرب العربي، التي ضاقت على الجسم الاقتصادي المُتمدد. مياه جديدة في العلاقات الثنائية وانطلاقا مما كشفه أمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الوزراء) الليبي البغدادي المحمودي ونظيره الجزائري بلخادم في مؤتمر صحفي مشترك عقداه يوم 10 أبريل 2007 بعد نهاية اجتماعات الدورة الثانية عشر، يبدو البلدان مُقبلين على تجربة تكامل اقتصادي تبدأ من رفع القيود الإدارية والجمركية على تنقُّـل الأشخاص والسلع بين البلدين، وتوثيق علاقاتهما التجارية برفع حجم المبادلات إلى مليار دولار، لتتدرج نحو تكريس ترابط الإقتصادين، بالإضافة لتعديل الإطار القانوني للتعاون كي يستجيب لمتطلبات المرحلة الجديدة. ويمكن القول أن الجزائريين حذوا حذو التونسيين في هذه السبيل، إذ وضع المحمودي نفسه صيغة مُـشابهة مع الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي قبل أسابيع، وصلت إلى حد تنظير الدينار التونسي بالدينار الليبي والتعاطي بالعُـملتين كما لو أنهما عملة وطنية واحدة. لكن هناك فروقا نوعية تجعل التجربتين مختلفتين بالضرورة، فالإقتصادان، الجزائري والليبي، متشابهان لأنهما يعتمدان على المحروقات وليس لدى أحدهما منتوجات خاصة يمكن أن يصدِّرها للآخر، مما يعني أن هناك كثيرا من الجمل الرنانة الجوفاء في التوجّـه المشترك الذي أعلنه المحمودي وبلخادم. أما مع تونس، فتشهد مئات الشاحنات الثقيلة التي تملأ الطريق الدولية تونس – طرابلس، وكذلك آلاف الحاويات التي تُنقل من الموانئ التونسية إلى الموانئ الليبية، أن مجالات التبادل ما انفكّـت تتوسع، واستطرادا أن التكامل شعار قابل للتجسيد. غير أن هذا لا ينفي أن مياها جديدة تدفّـقت في قنوات التعاون الجزائري – الليبي، ويكفي تحليل إشارات بلخادم إلى « التخلي عن المشاريع المشتركة التي أثبتت أنها غير مُجدية »، وضرورة انتهاج أسلوب جديد في التعاون كي ندرك أنه يُـومئ إلى القمّـة التي عقدها الرئيس السابق اليمين زروال مع القذافي في بلدة « عين أم الناس » على الحدود المشتركة، قبل نحو عشر سنوات من الآن، والتي أعلنا في ختامها عن مشروع وحدة جزائرية – ليبية على الطريقة المُحبَبة إلى الزعيم الليبي. طبعا، ترافقت الخُـطوة مع مشاريع وُلدت ميِّـتة، ثم طوت رياح الصحراء الرملية أوراق الوحدة وبعثرتها، بعد خروج زروال من الحكم في ربيع عام 1999، ومن هذه الزاوية، يمكن اعتبار نتائج الدورة الأخيرة للجنة المشتركة، البرنامج التنفيذي لقرارات قمة عين أم الناس، أما العلامة الأخرى على تدفق مياه جديدة في العلاقات الثنائية، فتتمثل في المناخ الإقليمي الدافع إلى التقارب على رغم الشلل المزمن الذي تعاني منه مؤسسات الإتحاد المغاربي. وقد تزامنت الخطوة الجزائرية – الليبية مع اجتماعات وزراء النقل المغاربيين، الذين بحثوا في تحرير النقل الجوي خلال السنة المقبلة، مدفوعين برياح العولمة السريعة التي تهبّ على المنطقة. كذلك، ناقش الوزراء خُـطط مدَ الطريق السيارة المغاربية، التي باتت أجزاء كبيرة منها جاهزة داخل البلدان المعنية، بالإضافة إلى مشروع القطار السريع المغاربي، والذي تُقدر كلفة دراسته الفنية فقط بـ 4 ملايين يورو، طبقا لتقديرات خبراء الأمانة العامة للإتحاد المغاربي. ومن شأن هذا المناخ الدولي معطوفا على الأجواء الإقليمية المواتية، أن يجعل مشاريع التكامل في هذه المجالات الحيوية قابلة للتنفيذ، أقله في الأمد المتوسط، والأرجح، أن الجهود المشتركة في مكافحة الإرهاب ستُعزِّز من مسار التقارب الثنائي. فالتفجيرات الأخيرة التي هزت العاصمة الجزائرية يوم 11 أبريل الجاري ستحمِـلهما على تطوير التنسيق بين الأجهزة الأمنية، الذي يعود إلى فترة بعيدة والذي أعطى ثماره في تبادل المعلومات وتسليم المُشتبه فيهم. ومعروف أن إعلان « الجماعة السلفية للدعوة والقتال » الجزائرية ولاءها لشبكة « القاعدة » وتشكيل تنظيم « القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي »، أعطى منذ الخريف الماضي دفعة قوية للتنسيق الأمني المغاربي. (المصدر: موقع « سويس إنفو » (سويسرا) بتاريخ 13 أفريل 2007)