الخميس، 27 أبريل 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2166 du 27.04.2006

 archives : www.tunisnews.net


الرابطــة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنسان: بيـــان

نقابة الصحفيين التونسيين: بيــــان ملف العدد الثالث من مجلة « البلاد » الالكترونية: الصحافة الإلكترونية في تونس البلاد: الصحافة الإلكترونية في تونس – ما قبل القانون وما بعده

البلاد:البلاد وزير الاتصال: نعمل على تنظيم الصحافة الإلكترونية ولا نفكر في إصدار قانون خاص كمال الضيف: الصحافة الالكترونية التونسية.. ظاهرة « فريـدة » إيمان مهذب: الإعلام الإلكتروني في تونس -في المشهد الضبابي سامي بن غربية: في مدرسة الويبلوغستان الإيرانية

عبدالحميد العدّاسي: رأي مقتضب برهـان بسيّــس: ما العمـــل!؟

العربي القاسمي: تطلّعت من منفايْ خميس قشة: أصوات هولندية منصفة تدعو للحوار  واحترام الآخر خميس الخياطي: سلطة الرمز في التجانب بين المحاماة والتمثيل… طارق الكحلاوي: في مجلس جمعية مؤرخي الفن الإسلامي: أوراق ومعارض في تاريخ الفن والعمارة الإسلامية د. بشير موسي نافع: السياسة الامريكية تزرع الموت والخراب في أنحاء المشرق إسلام أون لاين: أحلام « أسماء ».. أول مذيعة محجبة بالدانمارك


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

الرابطــة التونسيـــة للدفـــاع عن حقــــــوق الإنســان

Ligue Tunisienne pour la défense des Droits de l’Homme

 

تونس في 26 أفريل 2006

 

بيـــــــــان

 

إتخذ وزراء خارجيّة الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي قرارا بالغ الخطورة يقضي بقطع المساعدات المالية المباشرة للسلطة الفلسطينية بما في ذلك المساعدات المباشرة المقدمة بعنوان « رواتب الموظفين ». و كانت الإدارة الأمريكية قد إتخذت قرارا مماثلا قبل ذلك. و إعتبارا للمضاعفات الكارثية التي سيخلفها هذا القرار على مختلف المستويات الإقتصادية والسياسية و الإنسانية يهم الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن توضح ما يلي :

 

1-           إن قرار الإدارة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي بقطع المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية يمثل إخلالا غير مبرر بالتزامات تلك الحكومات في إطار دعمها للإتفاقيات الموقعة بين إسرائيل  و منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة في رئيس السلطة الفلسطينية.

2-           إن قرار وقف المساعدات المالية المشار إليه إتخذ عقب فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي في إنتخابات  حرة ونزيهة يجعله نوعا من العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني نتيجة خياره الديمقراطي وهو يتعارض جوهريا مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تضمن هذا الحق.

3-           إن قطع الإدارة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي للمساعدات الذي يتزامن مع سكوت هذه الأطراف على حجز إسرائيل لمستحقات السلطة الفلسطينية من الأداءات التي يدفعها الفلسطينيون والرسوم القمرقية على البضائع التي يستوردونها و السكوت عن تصعيدها العسكري ضد الفلسطينيين بالأراضي المحتلة سياسة مدانة ومرفوضة لما تمثله من إنحياز مفضوح لدولة الإحتلال ضد الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني و لما قد تخلفه من تداعيات خطيرة في مزيد تغذية الإحباط و العنف.

عن الهيئـــة  المديــرة

الرئيـــس

المختـار الطريفـي

 


 

نقابة الصحفيين التونسيين 11 نهج الحبيب ثامر تونس   تونس في 27 افريل 2006    بيــــــــــان
 
منعت ت قوات الأمن مساء اليوم اجتماعا للمكتب الموسع لجمعية الصحفيين التونسيين كان من  المبرمج أن ينعقد في مكتب الأستاذ/المحامي شوقي طبيب المقر المؤقت للنقابة. و قد طوق عدد غفير من رجال الأمن باللباس المدني المبنى ومنعوا جميع الصحفيين من الدخول.دون تقديم أي سبب لذلك.

إن نقابة الصحفيين التونسيين إذ تعلم الرأي العام بما حدث فإنها:

– تدين هذا الإجراء التعسفي الذي يضيق الخناق على الصحفيين و على نقابتهم الشرعية و القانونية. –  تطالب السلطات التونسية بالتخلي عن الأسلوب الأمني في التعامل مع الصحفيين في الوقت التي تصرح بان الصحافة حرة في تونس و أن الصحافيين لا يتعرضون إلى أي نوع من الضغط. و تود نقابة الصحفيين التذكير بأنها ليست المرة الأولى التي تمنع فيها من عقد اجتماعات و نشاطات علنية.فقد سبق أن تم منع النقابة من عقد مؤتمرها الأول في شهر سبتمبر الماضي، و منذ ذلك التاريخ تتعرض نشاطاتها إلى الحظر و يحاصر مؤسسوها بشتى الوسائل المهنية و الأمنية خارج إطار القانون.   عن الهيئة التأسيسية الرئيس لطفي حجي


نقابة الصحفيين التونسيين 11 نهج الحبيب ثامر تونس    تونس في 27 افريل 2006   بيــــــــــــــــان
 
 تدين نقابة الصحفيين التونسيين  اعتقال الزميل حسين عبد الغني مدير مكتب الجزيرة بالقاهرة، و تعتبره إجراءا تعسفيا يضيق الخناق على حرية الصحافة و يحد من نشاط الصحفيين. و تدعو نقابة الصحفيين التونسيين السلطات المصرية إلى الإفراج الفوري عن الزميل عبد الغني ، و إلى التخلي عن استهداف الصحفيين لمنعهم من القيام بواجبهم المهني حسب ما تقتضيه أخلاقيات المهنة  و مواثيق شرفها.   عن الهيئة التأسيسية  الرئيس  لطفي حجي 

 


 
ملف العدد الثالث من مجلة « البلاد » الالكترونية

 

البلاد »: الصحافة الإلكترونية في تونس

ما قبل القانون وما بعده

 

استقطبت الصحافة الإلكترونية اهتمام الكثير من التونسيين في  الآونة الأخيرة حيث تردد أن الحكومة التونسية تعتزم إصدار قانون يعنى بهذا الفضاء الذي يعد حديثا قياسا لغيره من أشكال الصحافة التقليدية. ومع أن الرغبة الرسمية لم تكشف الكثير عما تزمع فعله، إلا ان هواجس عديدة تحركت بالنظر للتجربة السابقة التي صنعت لمفردة القانون المنظم للقطاع رصيدا لايوحي بالكثير من الطمانينة. لسنا هنا في وارد استرجاع تفاصيل نصوص مجلة الصحافة التي أخذت طابعا زجريا أثر بدرجة كبيرة على رح المبادرة التي من المفروض أ؟ن تسود المساحة الإعلامية في بلادنا.

 

والواقع أن العالم الإفتراضي في تونس يلفه غموض ناتج عن غياب دراسات مستقلة تقيمه بشكل موضوعي وتعطينا عنه صورة واقعية بعيدا عن التضخيم الاستنقاص. راسة تقف على حجم القطاع كما وكيفا وتحدد تقدمه قياسا لمقارنات إقليمية ودولية. الغريب هو أن العالم ا؟لإفتراضي الذي يشار له بالبنان على أنه عنوان لمرحلة بل لثورة عالمية آخذة في التشكل، الغريب هو أن صفة الإ؟فتراضية أصبح سبة توجه لمن يفعل في هذه المساحة الاتصالية فيقال معارضة افتراضية وكيانات واهمة وأسماء مختلقة وهكذا. ربما يكون بعض الكاتبين في العالم الافتراضي من غير ذوي الشعبية أو النفوذ، لكن عالم الشبكة العنكبوتية هو عالم المستقبل بلا شك. لسنا نغالي عندما نقول إن عالم المواقع الإلكترونية هو عالم المستقبل وأن من يقاوم هذا التيار الجارف إنما يصارع حركة الزمن. وكما في كل جديد تنشأ سياسات محافظة تحاول التعامل بانتقائية مع الظاهرة الجديدة المكتسحة للساحة، لكن التطور العلمي سرعان ما يسخر من تلك الجدران الحمائية ويحولها إظلى نكتة من الماضي. هذا واقع مبني على جملة حقائق يجب أخذها بعين الاعتبار عند طرح قضية القانون الذي يراد صوغه لطرح سؤالين جوهريين:

 

هل نحن بحاجة لمثل هذا القانون؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي المبادئ والرؤية التي يجب أن يستند لها هذا القانون إن كان ولابد من منه.

 

يبدو السؤال مبنيا على مغالطة إذ يفترض أن الإجابة عنه ستقسم أهل الشأن غلى قسمين! قسم يريد قانون وقسم يريده. ليس الأمر كذلك إذ أن فلسفة القانون قامت في الأصل على التوافق والتراضي العام درءا للفوضى وصونا للإرادة الحرة. من ثمة ليس الإشكال في وجود القانون وإتما في مضامينه. عند هذا الحد يمكن القول أن بعث قانون بإرادة فوقية وشجنه بنصوص ذات نفس زجري رادع تحول فكرة القانون نحو وجهة معلومة سلفا ليست غايتها دعم الصحافة الإلكترونية ولاتعبأ بتطورها إلا من الزاوية التي تحول دونها ودق الأبواب المغلقة. في هذا المضمار يبدو الرهان صعبا على واضع القانون أكثر من غيره حيث أن من يتخذ النص الإلكتروني منصة لإطلاق نصوصه لن تعوزه الوسيلة فالمجال يوفر اختيارات كثيرة للالتفاف على كل الحواجر و »المصائد« .

 

ولقد علمتنا علوم النفس والاجتماع أن وسائل الردع لا تفعل في النهاية سوى أن تأتي بأثر عكسي لما وضعت من أجله. ولكي لانبحر في عالم العموميات بوسعنا التأكيد على أن التعامل الصارم مع الشبكة العنكبوتية قد جر على السياسات الرسمية من النقد ما كانت تستطيع به حصد المديح لو انتهجت المرونة والتوازن. لقد كانت ثقافة وممارسات المنع هي المادة الأساسية التي اتخذتها مواقع عديدة مادة لها، ومنها كتبت تقارير مشهودة تعدد عثرات حرية الكتابة والتعبير وجعلت ترسم ملامح ما بات يعرف بالحالة التونسية.

 

لسنا نضيف جديدا عنما نذكر بأن الصحافة الالكترونية ثمرة من ثمار الثورة الاتصالية التي هي بدورها بنت للليبرالية الجديدة التي تحكمها قواعد العرض والطلب. ومن هنا يحسن ترك هذه « السوق » وحالها كي تفرز آليا الغث من السمين. ما يهمله القانون في نسخته الالكترونية هو أن المستهلك لم يعد ذاته، فالذي يحسن استعمال الانترنت ويعرف كيف يجول في المواقع ويقوده إبحاره نحو المواقع السياسية وتلك المعارضة له من النضج ما يجعله يميز الغث عن السمين. المستهلك هو الفيصل في التعامل مع يعرض عليه، أما عقلية النيابة عن الناس والتفكير بدلا عنهم فيما يجب أن يقرؤوه من عدمه فقد أصبحت تعاني صعوبات متزايدة مع تقدم عجلة الزمن.

 

ما يمكننا قوله هو أن ملف الصحافة الالكترونية في تونس، ملف يحمل في أحشائه تطورات كبيرة قد تجعله ساحة جدل ساخن بين رؤى عدّة. البلاد تساهم من خلال هذه المداخلات في لفت الانتباه له عبر مداخلات تعددت فيها الزوايا لتصب كلها في بحر  الانترنت الواسع، إبحارا مفيدا...

 

(المصدر: العدد الثالث من مجلة « البلاد » الالكترونية بتاريخ 27 أفريل 2006)

 —————————————————–

في ندوة عن الصحافة الإلكترونية الواقع والآفاق

وزير الاتصال:

نعمل على تنظيم الصحافة الإلكترونية ولا نفكر في إصدار قانون خاص

 

محمد فوراتي / تونس- البلاد

 

أعلن وزير الاتصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين السيد رافع دخيل أن الوزارة تعمل على تنظيم قطاع الصحافة الإلكترونية ولا يعني ذلك أنها تفكر في إصدار قانون خاص بها. وأضاف الوزير في ندوة نظمتها الوزارة حول « الصحافة الإلكترونية الواقع والآفاق » أن تونس لها أرضيّة قانونية جيدة لتنظيم الصحافة الإلكترونية ومن بينها مجلة الصحافة التي ربما تتطلب بعض التنقيحات.

 

وقال الوزير انه قرر سن تشجيعات وحوافز لكلّ ما هو إنتاج تونسي في مجال الصحافة الإلكترونية وان الوزارة تفكر في بعث قسم متخصص في هذا النوع من الصحافة.  كما أعلن الوزير عن بعث لجنة فورية متكونة من متخصصين من الوزارة ومن المجلس الأعلى للاتصال ومن بعض المتدخلين في الندوة لإعداد مذكرة ترفع للحكومة. وكانت هذه القرارات زبدة المداخلات القيمة التي ألقيت في الندوة وشارك فيها الأساتذة عبد الكريم الحيزاوي والصادق الحمامي من معهد الصحافة وعادل الشاوش هلال وعلي كحلون من كلية الحقوق.

 

وقد أجمعت المداخلات ثم النقاشات على أن مجلة الصحافة التونسية مع بعض التنقيحات يمكن أن تكون الإطار الأمثل لتنظيم بعض جوانب الصحافة الإلكترونية. وطالب بعض المتدخلين بدعم المواقع التونسية قبل التفكير في تنظيمها لأنها قليلة وضعيفة المحتوى. وتساءل القاضي عادل الشاوش هلال عن مواقع الإنترنت بصفة عامة هل هي محمية قانونا؟ وقال أن المشرع التونسي سبق غيره من الدول في الإحاطة بهذا القطاع من خلال مجلات قانونية أهمها مجلة الصحافة ومجلة الاتصال. ورغم ذلك أقر بأن القاضي يواجه صعوبة ما عند معالجته لبعض القضايا المتعلقة بالصحافة الإلكترونية مما يجعله يجتهد في تطبيق نصوص متفرقة يغلب عليها الإيحاء والقياس. وإذا كانت الظاهرة قد غزت البيوت وغزت كذلك المحاكم فلابد من التساؤل عن أنجع السبل للتعامل معها.  وحاول القاضي التجوال في بعض قوانين الدول العربية والأوروبية التي تعاملت مع الصحافة الإلكترونية. وقال أن الإمارات مثلا أصدرت قانونا في 2006 لم يتمخّض سوى عن إشارات عمّا يمنع نشره في الصحف الإلكترونية وبالتالي فهي لم تنظم القطاع أما الأردن فلها حوالي 24 قانونا أهمها قانون المطبوعات والنشر وقانون الصحافة وبالتالي فالظاهرة بقيت في منأى عن تنظيم قانوني شامل. وبالنسبة للدول الغربية فلم تخل أي دولة من قوانين تشمل الصحافة الإلكترونية وإن لم يصدر قانون خاص بها. فاسبانيا مثلا لم تقم بإعداد قانون خاص بالصحافة الالكترونية أما ايطاليا فيوجد بها قانون واحد صادر عن وزير الاتصالات يتّصل بتجريم الإباحية وفي ألمانيا تطبق القوانين العامة  بالصحافة المكتوبة على الصحافة الالكترونية أما بلجيكيا فلم تهتم إلا بالجريمة الالكترونية. وتلجأ المحاكم الفرنسية للأحكام العامة للقانون المدني والجزائي وفي سويسرا انتهى الخبراء إلى خلاصة مفادها إن القطاع ليس في حاجة إلى تنظيم محكم لأنه قطاع متقلب ومتحول وفي انتظار استقراره تطبق قوانين الحق العام. أما في الولايات المتحدة فلم يدخل يوما في فلسفة المشرع الأمريكي تحديد أو تقنين للصحافة الالكترونية وكان دائما المقصد هو حريّة الشبكة.

 

ويعتبر المثال الفرنسي هو الأكثر تطورا من ناحية معالجة القوانين الأكثر علاقة بالصحافة الالكترونية وتناوله يسهل فهم المسارات التي اتخذتها المعالجات القانونية لما يكتب بالشبكة خاصة وان المثال الفرنسي هو الأقرب إلى العائلة القانونية التي يستلهم منها المشرع التونسي. لا يوجد قانون خاص بالصحافة الالكترونية في فرنسا ورغم ذلك فإن المحاكم الفرنسية خبرت بشكل مكثف الإشكاليات المتعلقة بالشبكة. فمجلة الصحافة والمجلة الجزائية مثلا وغيرها من المجلات عددت التجاوزات المسجلة بالشبكة والجرائم في مادة الإعلامية كما أفرد قانون البريد عنوان خاص بحرية الاتصال حول الشبكة وهو ما مثل إلى حدّ ما طلاقا قانونيا مع الإعلام المرئي.  وأمضى الصحفيون الفرنسيون « ميثاق النشر الالكتروني » الذي لا يرقى إلى مستوى القانون ولكنه يعتبر ملزما للعائلة الإعلامية وهذا الميثاق يهدف بالأساس إلى حماية حقوق الصحافيين والناشر عموما. أما ميثاق حماية حقوق المؤلف الصحفي فيطبق على الصحافة الالكترونية كما على الصحافة المكتوبة. 

 

هذه الترسانة القانونية المختلفة يقول القاضي عادل الشاوش هلال لم تمكن من حلّ كل النزاعات المطروحة في المحاكم الفرنسية لأن مجال النشر الالكتروني وكل ما يتعلق بالتطور في الشبكة يخضع لتطور وتحول متواصل ومجاراة هذا النسق قانونيا غير ممكنة.

 

إذا الصحافة الإلكترونية التونسية على ضعف أدائها وقلة عناوينها لا يجب أن تخرج عن مسار عالمي يخير في اغلبه ترك باب الحرية مفتوحا بتقييد بسيط يهم التجاوزات الخطيرة والجرائم الإعلامية. ولكن التوجه صلب وزارة الاتصال يميل أكثر إلى تنظيم هذا القطاع  ولكن تقنينه بدا من خلال النقاشات صعبا ويطرح عدة تحديات.

 

من نافلة القول إن النشر الالكتروني يطرح عدة تحديات ومشاكل منها حقوق المؤلف ووضع مقالات عبر الشبكة دون استشارة أصحابها وإعادة نشر مقالات ورقية وتغيير المقال أو تشويهه و اعتماد الثلب أو التزييف عبر مواقع نشر إلكترونية.  كل هذه القضايا وغيرها تجعلنا نتساءل كما تساءل بعض الحضور هل نحن في حاجة إلى تنظيم الصحافة الإلكترونية؟

 

الإجابة التي وردت على لسان الوزير كانت تؤشر على توجه ما لدى الحكومة. فالسيد رافع دخيل قال إن ما جاء في هذه الندوة سيسهل لنا تنظيم القطاع. ولكن كيف سيكون هذا التنظيم؟ الوزير أكد أن التنظيم لا يعني قانونا خاصا بالنشر الالكتروني. ولكنه تنظيم سيضمن الحقوق والواجبات وهو ما يدفع إلى الاستنتاج بان مجلة الصحافة ربما تخضع لعملية تنقيح في اتجاه يشمل الصحافة الإلكترونية.

 

هذا الأمر أكده المتدخلان علي كحلون وعادل الشاوش هلال بالتأكيد على القيمة الثابتة لمجلة الصحافة التونسية. ولكن هناك وعي بان فصول مجلة الصحافة قابلة للتأويل الواسع. فالفصل الأول مثلا والذي يقول حرية الصحافة والنشر مضمونة ربما يحمل عدة أوجه للتأويل. فكلمة نشر يمكن أن تشمل الصحافة الالكترونية. وتبقى عدة فصول أخرى تتسم بالإطلاق والعمومية وهو ما يجعل القاضي في حالات عدة في حيرة من أمره ويصبح الاجتهاد هو سيد الموقف. الأستاذ الحيزاوي أكد أن قانون 94 الخاص بالملكية الفكرية والفنية يمكن أن يشمل القطاع كما أن مجلة الصحافة تعاقب انتحال المقالات وهو ما يمكن تطبيقه على النشر الإلكتروني ولكن الأستاذ علي كحلون وإن كان يقر بان قانون 94 يقول بان كل عملية نقل هو اعتداء على الملكية فإن هناك اختلاط بين النقل والعرض وبالتالي فالمسالة ليست سهلة.

 

كل هذه المطبات القانونية والمفهومية جعلت البعض من الحضور يخير المطالبة بدعم الصحافة الإلكترونية قبل تقييدها وهو ما جاء على لسان محمد بن صالح الرئيس السابق لجمعية الصحافيين التونسيين الذي قال أن ميثاق الشرف الذي يتحدث عنه البعض يوضع من طرف الصحافيين ولا يوضع من أي طرف آخر. وأضاف « نطالب أولا بدعم الصحافة الإلكترونية وتسهيلات في الجانب التكنولوجي حتى نبلغ درجة الدول المتقدمة في هذا المجال ».

 

(المصدر: العدد الثالث من مجلة « البلاد » الالكترونية بتاريخ 27 أفريل 2006)

 

 ————————————————

الصحافة الالكترونية التونسية.. ظاهرة « فريـدة »

بقلم: كمال الضيف (*)

 

قبل عشرة أعوام بالضبط، أي عندما نسجت الشبكة المعلومات العنكبوتية أولى خيوطها في الواقع التونسي لم يكن عدد المبحرين داخل البلاد يتجاوز المئات من المحظوظين في مؤسسات ومواقع أغلبها ذو طابع رسمي أو أكاديمي. أما اليوم، تتكشف صورة الإنترنت التونسي عن خصوصيات طريفة وأخرى فريدة بل غريبة.

 

في عام 1996، كانت المواقع الرسمية والإعلامية التي أنجزت بإرادة سياسية واضحة من أجل محاولة « ملء » الساحة الجديدة التي أدرك الجميع أهميتها و »ثوريتها » هي الطاغية على المشهد الإفتراضي التونسي. في المقابل، ظلت المواقع الخاصة التي أطلقتها أطراف أو أفراد تونسيون (داخل وخارج البلاد) محدودة جدا بل لا تكاد تذكر مقارنة بما يمكن وصفه بالإنفجار المسجل في عدد (ونوعية) المواقع الجديدة في البلدان الخليجية مثلا، أو في الساحات الإفتراضية التركية والإيرانية والهندية والباكستانية.

 

لكن البوادر المحتشمة للحراك السياسي والإجتماعي والثقافي المستقل التي تعددت مظاهرها الجنينية في النصف الثاني من التسعينات داخل البلاد، تبلورت في موفى عام 1998 من خلال تأسيس المجلس الوطني للحريات وتعززت خلال عام 1999 الذي شهد في مناسبة تنظيم الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية تحركات حقوقية غطتها عدد من وسائل الإعلام الأجنبية، ثم وصلت في الأشهر الأولى من عام ألفين إلى ما يمكن تسميته بالمنعرج الحقيقي للإنترنت التونسي.

 

ففي تلك الأيام، أحدث إضراب الجوع الذي شنه الصحافي توفيق بن بريك ورحيل الرئيس الحبيب بورقيبة اللذين تزامنا بمحض الصدفة في شهر أبريل 2000 هزة عنيفة للصورة التي كانت سائدة ومروجة عن الأوضاع التونسية على مدى التسعينات ورجة مماثلة في صفوف النشطاء والنخب السياسية المعارضة أو المستقلة أدت مقترنة إلى تحريك بعض المياه الراكدة وعززت الحاجة إلى توسيع دائرة الإعلام وترويج المعلومة والرأي والموقف في ظل استمرار الإنسداد الإعلامي.

 

لذلك لم تكن مصادفة – حسب رأيي – أن تنطلق في غرة ماي 2000 قائمة مراسلات تونس نيوز وأن يتلوها يوم 2 جويلية موقع تونيزين الذي أسسه المرحوم زهير اليحياوي (والذي نُـشـرت من خلاله رسالة القاضي المختار اليحياوي الموجهة إلى رئيس الجمهورية في السادس من نفس الشهر). وفي غرة  أكتوبر من نفس السنة تأسست مجلة « كلمة » على يد السيدة سهام بن سدرين وفي 20 مارس 2001 أطلقت السيدة نادية عمران مجلة « بدائل مواطنية ».

 

منذ ذلك الحين، بدأت الساحة الإلكترونية التونسية تتحرك شيئا فشيئا من خلال منتديات الحوار وقوائم المراسلة والمواقع المستقلة ثم التحقت معظم التيارات السياسية والجمعيات الحقوقية بالموجة وافتتحت مواقع لها على الشبكة تمت استضافتها في الخارج في ظل اقتناع الجميع بأن السياسة الحكومية القاضية بحجب المواقع التابعة للأطراف المعارضة « غير الشرعية  » أو « غير القانونية » أو « غير المرغوب فيها » أو « غير المرضي عنها » لن تتغير قريبا.

 

واليوم ما هي الحصيلة؟

 

من الواضح أن النشطاء والمثقفين وأفراد النخبة عموما والمواطنين التونسيين العاديين وجدوا في الإنترنت متنفسا حقيقيا لهم عوضهم إلى حد ما عن الرداءة السائدة واللغة الخشبية المتداولة والتضييقات التي عفا عليها الزمن. كما سمحت المجلات الإلكترونية وقوائم المراسلة والمنتديات والمواقع (المستقلة أو المعارضة أو الخاصة) لعدد مهم من المعارضين والمثقفين والمفكرين والكتاب والمبدعين التونسيين المقيمين داخل البلاد وخارجها من نشر إنتاجهم وإبلاغ أصواتهم والتحاور فيما بينهم والتعريف بأنفسهم لدى جمهور عريض كان من المستحيل أن ينتبه لمجرد وجودهم.

 

ومع أن الغالبية الساحقة التونسيين لا زالت تجهل الكثير عن ثراء الفضاء الإفتراضي التونسي اليوم، إلا أن التجربة التي صاغها على مدى العشرية الماضية بالكثير من المعاناة (سجن زهير اليحياوي ومحمد عبو وغيرهم) تونسيون وتونسيات متطوعون في معظم الأحيان (بعضهم معروف وكثير منهم لا زال يرفض الكشف عن هويته) تتلخص في أن ما يمكن تسميته بالصحافة (أو النشر عبر الوسائل) التونسية الإلكترونية قد نجحت شيئا فشيئا إلى أن تتحول – رغم الضعف الشديد لإمكانياتها المادية والتقنية والتكنولوجية – إلى مرجع رئيسي للمعلومات وللسجال السياسي والحقوقي والفكري والثقافي في البلاد.

 

إنها مفارقة أن يلتجئ اليوم – أي بعد 10 أعوام كاملة من إطلاق خدمة الإنترنت في البلاد وبعد 16 عاما من انضمام تونس إلى الشبكة العنكبوتية العالمية للمعلومات – المزيد من التونسيين (سواء كانوا معارضين أو مستقلين) إلى المواقع المحجوبة في وطنهم من أجل معرفة بعض ما يحدث في بلادهم أو لغرض التعبير عن آراءهم أو نشر إنتاجهم أو لمجرد التحاور مع مواطنين لهم يخالفونهم الرأي أو التوجه أو التقييم. كما أنه من المؤلم أن يُجري المرء – من خلال ما يُنشر على الشبكة – مقارنة بسيطة بين مستوى حرية التعبير في بلادنا المستقلة منذ نصف قرن وبين ما وصلت إليه على الإنترنت في الجزائر والمغرب المجاورتين (ولا أقول مصر والإمارات والسعودية واليمن والكويت والأردن وغيرها).

 

من هنا جاءت الإشارة في بداية النص إلى « فرادة » التجربة التونسية. فقد أدى التضييق الشديد داخل البلاد إلى تحويل المواقع التونسية المستضافة في الخارج (لسبب أو لآخر) إلى قاطرة حقيقية تدفع باتجاه توسيع مجال حرية التعبير في وسائل الإعلام الرسمية أو الخاصة خصوصا وأن التطور التكنولوجي المتسارع واتساع استعمال الإنترنت في البلاد قد أدى إلى تزايد عدد المطلعين بشكل أو بآخر على ما ينشر ويُكتب عن الأوضاع والشؤون التونسية.

 

أما وجه الغرابة فهو أن تونس التي سبقت بسنوات معظم البلدان المغاربية والعربية والمشابهة لها في اعتماد الإنترنت وتطوير استعماله في الإدارات والجامعات والمؤسسات العمومية لا زالت متخلفة – على مستوى حرية التعبير والنقد والمشاركة في الحوار العمومي – بأشواط عديدة عن بلدان أقل منها نموا (مثل السينغال وبوركينا فاسو والبينين وكينيا وما شابه) رغم توفرها على نخبة وطنية عريضة ومتحفزة لا نظير لها تجيد التعامل مع أكثر من لغة وثقافة وتنتشر في مشارق الأرض ومغاربها واكتسبت من التجارب والخبرات ما يؤهلها لتبوء المراتب الأمامية في هذا المجال الحيوي.

 

إن مراجعة بسيطة لمحتويات المواقع التونسية المستقلة وللمجلات الإلكترونية وللمدونات الشخصية (بلوغز) التي بدأت تتوسع بدورها بقوة منذ عام 2005 ولعدد من المواقع والمنتديات الرياضية والعامة (من داخل البلاد) تقيم الدليل بلا ريب على أن الوضع التونسي الفريد والغريب يعيش آخر مراحله رغم كل المحاولات الجارية (تقنيا وتشريعيا) لتمديد العمر الافتراضي لنسق وأسلوب تجاوزه العصر « نهائيا وإلى الأبد ».

 

(*) رئيس تحرير الموقع العربي لسويس انفو

 

(المصدر: العدد الثالث من مجلة « البلاد » الالكترونية بتاريخ 27 أفريل 2006)

 

 ————————————————-

الإعلام الإلكتروني في تونس:

في المشهد الضبابي

بقلم: إيمان مهذب

 

يبدو أن المشهد الإعلامي الإلكتروني في تونس لا يختلف كثيرا عن المشهد الإعلامي السمعي البصري والمكتوب. ففي ظل التحولات التي تشهدها الشبكة العنكبوتبة على المستوى التقني وعلى مستوى صياغة المضامين، تبقى أغلب المواقع الإعلامية التونسية ضعيفة على مستوى الحضور والمحتوى.

 

فبقطع النظر عن الثورة العلمية والتكنولوجية التي يشهدها مجال وسائل الإعلام والاتصال وعن مضامين الخطاب السياسي المؤسس لمجتمع المعرفة والمعلومات. فإن تطور استخدامات الأنترنات لا يمكن فصله عن المحيط الاجتماعي والسياسي الذي يتحرك فيه.

 

70% من مستخدمي الأنترنات في تونس لم يتصفحوا أبدا موقعا تونس وأغلب مستخدمي الشبكة معظمهم ينتمي إلى الطبقات الميسورة ماديا. هذا ما قدمته دراسة أنجزتها شركة سيقما المتخصصة في دراسة جمهورالإعلام.

 

ولا يمكن فصل هذه المعطيات عن الاستخدامات الاجتماعية لوسائل الإعلام والاتصال في تونس. فالأنترنات بصنف في مرتبة أخيرة بعد التلفزيون والصحافة المكتوبة والراديو. عدد مواقع الواب التونسية قدر بـ 3014 موقعا وذلك حسب الوكالة التونسية للأنترنات في حين أن الشبكة العنكبوتية تضم أكثر من 35 مليون موقع.

 

معطيات بجب التوقف عندها لأنها لا تكتفي بإعطاء المعلومة فقط إنما تضع أمامها العديد من نقاط الاستفهام حول استخدامات الأنترنات وواقع الصحافة الإلكترونية.

 

يقدر عدد مستخدمي الأنترنات في تونس بـ905 ألف مستخدم وعدد مشتركي الأنترنات ذات السعة العالية بـ9.772 وهي أرقام ضعيفة مقارنة بالمحيط العالمي، ومقارنة بالوسائط الإعلامية الأخرى حيث أن التلفزيون هو أكثر وسائل الإعلام شيوعا واستعمالا وظاهرة انتشار الهاتف الجوال في ارتفاع مستمر.. هذه الأرقام تقدم فكرة عن استخدامات الأنترنات ولا يمكن فصل ذلك عن الصحافة الإلكترونية.

 

يصنف الدكتور والباحث في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس صادق الحمامي المضامين التي ينتجها الفاعلون على شبكة الأنترنات إلى 3 مضامين، مؤسساتية تقدم معلومات عن المؤسسات الاقتصادية والجمعيات والمنظمات وهي لا تخضع لقواعد العمل الصحفي ولكن لقواعد الإعلام المؤسساتي ومضامين شخصية تتيح الفرصة لمستعملي الشبكة العنكبوتية للتعبير عن آرائهم ولتكوين علاقات اجتماعية. وتتخذ المضامين الشخصية عدة أشكال منها الدردشة ومنتديات الحوار والمدونات. وأخيرا المضامين الإعلامية الخاضعة لمعاير ضوابط العمل الصحفي والمنتجة للمعلومات والأخبار بعيدا عن الأهداف التجارية.

 

من خلال هذا التصنيف يمكن القول أن الصحافة الإلكترونية تتحرك داخل بنية لا ثابت فيها إلا المتحرك بيئة جديدة تقصي الإعلام النخبوي الأحادي الجانب لتؤسس لإعلام تفاعلي بين الباث والمتلقي.

 

جل المواقع الإعلامية التونسية تقدم نسخة بسيطة من المضمون المكتوب على الشبكة وتكتفي بإعادة ما قدم في النسخة المكتوبة أو بالمضمون المؤسساتي بهدف الاتصال بجمهورها. ويمكن لمتصفح هذه المواقع أن يلاحظ غياب المضمون الشخصي فلا وجود لفضاءات الدردشة ولمساحات التعليق على المقالات والصفحات الشخصية باستثناء موقع محلة حقائق وصحيفة لوطون وإذاعة موزايك التي اعتمدت إستراتيجية الإعلام التفاعلي. أما المدونات أو « البلوغز » فهي غائبة تماما.

 

ويقسم الدكتور صادق الحمامي استخدامات الإعلام التونسي للأنترنات إلى ثلاث إستراتيجيات. إستراتجية الغياب أو التجاهل حيث أن بعض المؤسسات الإعلامية ليس لها موقع إلكتروني وقد يعود ذلك لخوفها من تكلفة الموقع أو من تأثيره على بيع الصحف. إستراتجية الواجهة المقتصرة على عرض المضمون الأصلي دون تغير وعلى سبيل الذكر موقع صحيفة الحرية والصحافة. و إستراتجية الإعلام التفاعلي التي تتيح الفرصة للجمهور للمشاركة وللتعبير عن آرائه.

 

الإعلام الإلكتروني في تونس مازال يخطو خطوات البداية ومقارنة بالمواقع الإعلامية الأخرى فهو أمام سباق للمسافات الطويلة. سباق لا يمكن أن يكسبه إلا بتوفر إطار ملائم وبيئة تقنية وسياسية وثقافية متطورة. فنحن لا يمكن أن نتحدث عن الصحافة الإلكترونية والأنترنات ليس منتشرا إو مقتصرا على شباب الطبقات الميسورة ولا يمكن أن نطالب بتطور المضامين الإعلامية دون تكوين الإعلامين ومنحهم هامشا من الحرية للتعبير والتجديد.

 

(المصدر: العدد الثالث من مجلة « البلاد » الالكترونية بتاريخ 27 أفريل 2006)

 


 

في مدرسة الويبلوغستان الإيرانية

بقلم: سامي بن غربية  

لم أفزع قطُّ من الموت، وإن صار الحديث عنه أكثر ابتذالاً منه، وأشد إثارة للغثيان. خوفي كلُّه من الموت في أرض أجرُ حفار القبور فيها أغلى من حرية الإنسان. أحمد شملو (شاعرإيراني- 1925/2000)

Le même article en français

 

 

لقد انتهيت مؤخرا من قراءة كتاب « نحن إيران: المدونات الفارسية » للصحفية و اللاجئة الإيرانية المقيمة في لندن نسرين علوي و الذي يعالج ظاهرة التدوين في إيران.

 

أنا لم أخف يوما اهتمامي الكبير بإيران، ذاك البلد الذي زرته خلال مناسبتين و أقمت فيه أكثر من سنة و نصف. ففي طهران تعلمت اللغة الفارسية. و هناك تعرفت على شعب طالما أحببته وفـُتنت بحيويته و بخلاقيته. علاقتي بالأنترنات تعود إلى سنة 1998 في إيران حيث أبحرت لأول مرة على الشبكة. ففي ذاك البلد وُلدت رغبتي في العمل الحركي الإفتراضي. و لعله السبب وراء إعجابي بعمل المدونين و نشطاء الأنترنات الإيرانيين. يمثل بالنسبة لي الويبلوغستان – الإسم الذي أعطاه الإيرانيون لمجمع مدوناتهم – مدرسة بأتم معنى الكلمة. دليلي على هذا حجم المقالات التي عالجت ظاهرة المدونات الإيرانية.

 

لنعد إلى الكتاب و لنسرد بعض المعطيات و الأرقام ذات الدلالة البالغة :

 

   يوجد في إيران أكثر من 100.000 مدونة. و إذا كان السواد الأعظم من المدونين مقيما في إيران فإن للشتات حجما و دورا كبيرين داخل تجمع المدونين الإيرانيين.

   تعود ظاهرة التدوين في إيران إلى حسين درخشان المعروف باسم هودر. فقد كتب، نزولاً عند رغبة أحد زوار مدونته، تعليمات حول كيفية تصميم المدوّنات باللغة الفارسية. دليله « كيف أصمم مدونة خلال 10 دقائق » كان سببا مباشرا في الإرتفاع المذهل لعدد المدونات الفارسية.

   تعتبر اللغة الفارسية حسب إحصائيات نيتل بلوغ سونسس لسنة 2005 رابع لغة تدوين في العالم. و حسب دراسة صدرت على صفحات مجلة تايمز يوم 23 كانون الأول/ديسمبر 2005 فإن الفارسية في طريقها إلى اقتلاع المرتبة الثانية كلغة تدوين، مزاحمة الفرنسية و متقدمة على الإسبانية و الصينية و الروسية.

   أول مدون يسجن في العالم بسبب المحتوى السياسي لمدونته إيراني الأصل. إنه الصحفي و المدون سينا مطلبى الذي اعتقل يوم 20 فبراير/ شباط 2003 و وجهت له تهمة  » تعريض أمن الدولة للخطر » بسبب حوارات أجراها و نصوصا تنتقد النظام الإيراني كان قد نشرها على مدونته.

   من 1 مليون خلال سنة 2001 بلغ عدد مستعملي الأنترنات 5 ملايين خلال سنة 2005. و يتوقع أن يتخطى حاجز 25 مليون مستخدم مع حلول سنة 2009.

   حسب إحصائيات سنة 2004-2005 يوجد في العاصمة طهران أكثر من 1500 مركز عمومي للأنترنات.

   إيران من أولى البلدان الذين عملوا على سن قوانين خاصة بالأنترنات مانعة  » نشر معلومات ضد النظام و مسؤولي الدولة. »

 

الشيء الذي ساعد على نمو الويبلوغستان هو تلك القيود المضروبة على حرية التعبيرفي إيران. ففي الوقت الذي سعت فيه السلطات القضائية إلى إسكات الصوت الإصلاحي و المعارض عبر تعليق صدور أكثر من مائة مجلة و صحيفة، هاجرت أقلام الصحفيين و النقاد تدريجيا إلى شبكة الأنترنات بحثا عن فضاء أنسب لممارسة حريتهم في التعبير. هكذا تحولت المدونات في عيون الشباب إلى مصدرا رئيسيا ذي مصداقية لتقصي المعلومات و نشرها و لنتظيم التحركات الإحتجاجية الطلابية. فالنقابات الطلابية و المنظمات الأهلية و الصحفيون و نشطاء حقوق الإنسان يستعملون المدونات للتواصل و الإعلام. حتى أننا رأينا كيف بادرت شخصيات سياسية مؤثرة من ملالي و رجال فكر إلى إنشاء مدونات شخصية كمحمد علي أبطحي النائب السابق لرئيس الجمهورية خاتمي.

 

إيران بلد يشهد حركية سياسية فائقة حيث لم تنجح السياسات القمعية ولا الرقابة المسلطة على وسائل الإعلام في حمل الناس على التخلي عن حقهم فى التعبير و لا في ترك النضال من أجل تحقيق هامش أكبر من الحريات. و على عكس الصورة السائدة التي عودنتا عليها وسائل الإعلام و التي غالبا ما تقدم لنا إيران كبلد للملالي، مغلق على نفسه و متعصب و ظلامي، تبرز لنا مطالعة هذا الكتاب وجها آخر لإيران. وجه بلد حديث و منفتح يناضل من أجل حريته و يلعب فيه الأنترنات نفس الدور الذي لعبته الأشرطة الصوتية خلال ثورة 1979 : أداة للتوعية و للإحتجاج و للإعلام.

هذا الوجه الخفي للجمهورية الإسلامية التي سعت الكاتبة لإبرازه قد يكون سببا وراء اختيارها لهذا العنوان للكتاب. « نحن إيران » يقدم إذا صورة متباينة عن البلد. إنه يسرد حركيات إجتماعية لأمة شابة منفتحة على العالم و عازمة على إصلاح أمر ثورتها. الكتاب عبارة عن باقة من النصوص التي نشرت على عدد من المدونات الإيرانية. تتدخل الصحفية في بداية كل فصل أو جزء لتبدي بآراء شديدة في نقدها للنظام و لتمد القارء بمعلومات عن أوضاع البلد. ثم تترك الكلمة للمدونين ليعبروا عن آرائهم في مقتطفات اختارتها الصحفية على خلفية سياسية ثم قامت بترجمتها إلى الأنجليزية.

 

لا يدّخر المدونون الإيرانيون جهدا في عرض وجهات نظرهم، فهم يناقشون كل شيء و يطرحون كل المواضيع. من مجريات حياتهم اليومية في ظل النظام الإسلامي إلى علاقتهم المخضرمة بالإرث الثوري. و من إرادتهم التغييرية إلى نفورهم من الشرطة الدينية (البسيج) التي تراقب حركاتهم. من المخلفات التي تركتها على مجتمعهم حرب 8 سنة مع الجار العراقي، إلى علاقتهم بالدين الذي تحول إلى إيديولوجية الدولة، و إلى صلتهم بالتاريخ القديم و الحديث بأرض فارس الأبية و المتميزة. من مغامرات حفلاتهم المختلطة التي ينظمونها خفية، إلى الموسيقى و الإفلام الممنوعة التي يحمّلونها من شبكة الأنترنات. من أزمة البطالة و أحداث الإحتجاجات داخل و خارج الحرم الجامعي، إلى الضجر الإجتماعي و مطالب و كبوات الحركة الإصلاحية. من أزمة الهوية، إلى الفن و الشعر و الغرب الذي بات جزءا من ثقافة البلد.

 

في بلد تديره حكومة إسلامية مذعورة مما تطلق عليه الدعاية الرسمية بالغزو الثقافي الغربي، يُتهم كل ما يخرج عن المألوف بتعريضه لأمن البلد للخطر: كالصحون اللاقطة، سراويل الجينز، المساحيق، أغاني النجمة الإيرانية قوقوش.، السينماء الإيراني بالرغم من نجاحاته في الخارج، التعلق بالحيوانات الأهلية و خاصة الكلاب التي تنبذها الثقافة الإسلامية. ولوع نسبة لا بأس بها من الشباب الإيراني (الذي يمثل حوالي 70 بالمائة من مجموع السكان) بالثقافة الغربية و بأدواتها – الشيئ الذي يمكن اعتباره دليلا على فشل المشروع الثوري الخميني –يُقدّم على أساس أنه انحراف يجب زجره دينيا، بسم الله و بسم ممثله في الأرض، قائد الثورة الإسلامية.

 

فمن خضم هذه التناقضات و المفارقات التي تمس كل جوانب الحياة في إيران يستمد الويبلوغستان ازدهاره و حيوته. وكما أشارت إليه الكاتبة فإن من أبرزمفارقات الجمهورية الإسلامية ذاك الجيل المتعلم و ذو الحساسية السياسية العالية الذي نجحت الجمهورية في إنجابه بفضل سياسة مجانية و تعميم التعليم التي توخاها الإمام الخميني و الذي فشلت الآن في السيطرة عليه و إخضاعه. إنهم أبناء و بنات الثورة الإسلامية الذين يشكلون اليوم أكبر تحد للنظام الإيراني. و كما قال أحد المدونين المذكورين فى الكتاب (Godfather – ص 66) :  » شبابنا كان إما في سجن « أفين » أو في جبهة الحرب…خيرة أبناء ذلك الجيل إنتهت في المقابر… و لم يبق أحد لمقاومة النظام… حتى هذا اليوم…و حتى بروزهذا الجيل الجديد. »

 

هذه عموما الصورة التي سعى الكتاب أن يسوّقها عن إيران عبر المقتطفات التي تم اختيارها بكل عناية من على المذكّرات اليومية للمدونين الإيرانيين.

 

نقاط ضعف الكتاب تتمثل في التعليقات المطوّلة للكاتبة التي أرى أنها تكلمت أكثر من المدونين. فقد عمدت على بناء  » جدل سياسي » موجه ضد النظام الذي تعارضه بقوة. عينات النصوص التي انتقتها و ترجمتها لتعرضها على القراء تخدم نظرتها للأشياء.

 

الملاحظة السلبية الأخرى و التي تهم الجانب التقني من الكتاب تتعلق بنسيان الكاتبة لذكر العديد من مصادر و عناوين المدونات التي اقتبست منها قسما لا يستهان به من المقتطفات المعروضة في الكتاب. الشيء الذي يضر بمصداقية الكتاب و يجعل من أي مقاربة نقدية له عملا شبه مستحيل إذ يصعب التأكد من صحة و مصداقية المصادر المستعملة. و كما نبه إليه السينمائي و الصحفي الإيراني المقيم في لندن أمير أميراني :  » فالكتاب لا يحتوي على أية مقدمة و لا تمهيد و لا حتى ملاحظات المؤلف الذي لا يمدنا أيضا بأية معلومة عن ظروف نشر الكتاب و لا عن عدد المدونين الذين اختص بذكرهم و ما إذا كانوا على علم بهذه المبادرة. »  

مدون إيراني آخر تعرض بالنقد للإدعاء المبالغ فيه للكاتبة التي تزعم أنها قادرة من خلال ال365 صفحة التي يحتويها الكتاب على تصوير  » الوجه الحقيقي لإيران اليوم ». و يقترح عليها اتخاذ « نحن أيضا إيران » كعنوان للكتاب بدل « نحن إيران » الذي اختارته. إذ حسب رأيه فإن الأغلبية الساحقة من الشعب الإيراني لا تدوّن و هي ليست حتى مرتبطة بالأنترنات.

 

مقارنة وجيزة بالمشهد التونسي.

 

أود أن أقارن الأرقام المتعلقة بوضع الإنترنات و التدوين في إيران بهذه المعلومات حول الحالة التونسية ثم أختم هذا المقال ببعض التساؤلات:

   يبلغ عدد مستعملي الأنترنات في تونس حسب الأرقام الرسمية للوكالة التونسية للأنترنات 953.770 مستعمل.

   حسب نفس المصدر يوجد في تونس 305 مركز عمومي للأنترنات.

   أول سجين تونسي يسجن بسبب نشاطه على الأنترنات هو المرحوم زهير اليحياوي الذي لم يكن مدونا بل مسؤولا و مصمما لموقع و لمنتدى معارض.

   لا توجد إلى اليوم أية إحصائية عن العدد الحقيقي أو التقريبي للمدونات التونسية.

   تستعمل أغلب المدونات التونسية اللغة الفرنسية كلغة أساسية للتدوين. لغة تونس الرسمية، العربية، لا تستعمل إلا نادرا من قبل المدونين الذين رسخوا بشكل جلي القطيعة التي تفصل لغة الشعب عن لغة النخبة. فئة قليلة جدا من بين المدونين التونسيين تدوّن كليا بالعربية أو بالعربية و لغة ثانية كالفرنسية أو الأنجليزية.

 

عندما نطالع بعض الردود التي ظهرت على إثر نشر المقال المستفز »المدونات التونسية، من كل شيء إلى لاشيء » (بالفرنسية) الذي نشرعلى موقع الصحيفة الأسبوعية التونسية « تونس هبدو »، خاصة ذاك الذي اعتبر أن  » المدونات اليوم في تونس تملأ الفراغ الذي تحدثه الصحافة التونسية » فأننا نفكر مباشرة في العنوان المبالغ فيه لكتاب « نحن إيران ». إذ كيف ندعي سد فراغ الصحافة التونسية في وقت تسود فيه أجواء الرقابة الذاتية و أجواء تجنب الحديث عن الشأن السياسي التونسي فضاء ما يطلق عليه « مجمع المدونات التونسية »؟ ما هو الفرق بين الصحفي الذي يخشى على نفسه بطش السلطة فيقوم بمراقبة قلمه ذاتيا متجنبا المواضيع التي قد تُغضب و بين صاحب مدونة يُسوق نفسه على أنه غير مُتسيّس و يكتب عن كل المواضيع السياسية في العالم إلا سياسة بلده تونس ؟

 

إذا كانت المدونات في إيران تشكل الأداة التي تُدار بها اليوم معركة الحريات و الديمقراطية فالأمر مختلف في تونس إذ تلعب المواقع و المنتديات و قوائم المراسلات المخالفة لنظام بن علي هذا الدور الريادي. و على عكس الويبلوغستان الإيراني فإن « مجمع المدونات التونسية » أبعد ما يكون عن منطق العمل السياسي أو حتى المواطني. و لا يسعنا هنا إلا أن نُقر بأن جيلا جديدا من المدونين بدأ يتعرض لأوضاع تونس السياسية مما يُحرج « الحرس القديم » الذي راهن على الطبيعة الغير السياسية للتدوين.

 

و كما هو الشأن بالنسبة لمجمع المدونين الإيرانيين و المصريين و اللبنانيين و البحرينيين و العرب عموما فإن « مجمع المدونات التونسية » لا يمكنه الإستمرار في نهج الامبالاة هذا دون المساس بمصداقيته و نموه.

أوصي في النهاية كل المهتمين بظاهرة التدوين و بدوره في الصراع من أجل الحريات بمطالعة هذا الكتاب.

 

(المصدر: موقع « نــواة » بتاريخ 25 أفريل 2006)

 


رأي مقتضب

 

كتبه: عبدالحميد العدّاسي

 

توقّفت عند ما كتبه مواطن بعنوان «  سيرك  » في ركن خواطــر بموقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي ( وأقلام المواطنين – ههنا – طريفة ومجدّدة، فالشكر الجزيل لكلّ مواطن وطني )، حول ما اصطلح على تسميته بالمبادرة الباريسية والتي وعد من خلالها بعضُ المبعوثين الذين انتسبوا إلى السلطة بتصحيح وضعيات بعض المشرّدين، والذي تبين فيما بعد أنها ضحك على الذقون وكذب وافتراء وابتزاز واحتيال، وتدخل في منهجية خاطئة للمصالحة الوطنية التي تحبذ الخلاص الفردي على خلاص الأوطان…

بهذه الكلمات وصف «  مواطن  » المبادرة الباريسية والقائمين عليها والذين قامت عليهم. وقد رأيت الإدلاء برأي، قد تنقصه الواقعيّة وقد يفتقر لآليات السياسة، غير أنّه لن يخالف بأيّ حال من الأحوال المبادئ العامّة التي ينتهجها كلّ ذي لبّ في ترتيب الأولويات عند برمجة أو تنفيذ أعماله ( مهما كانت نوعية تلك الأعمال ). والشأن في ذلك مشترك بين النّظام التونسي أو من يدّعي الانتماء إليه والتحرّك حسب تعليماته، وبين مَن وصفهم المواطن – سهوا أو عمدا – بالمشرّدين.

ذلك أنّ القضيّة في تونس لم تبدأ أبدا بوجود مجموعات من أبنائها في بلاد الغربة، ولن تنتهي أبدا بلمسة  » رقيقة  » تربّت على أكتاف أصحاب القلوب الشديدة المتحجّرة فتنبّهها إلى  » شقاء  » المغتربين وحنينهم إلى  » ريحة البلاد  » أو إلى حضن الأمّ الدّافئ الشاغر منذ سنين أو إلى حنوّ الأب العطوف المعزول بفعل صانع التغيير أو إلى لقاء الأهل المفقودين في عالم القرابة!

أحسب أنّ الأمر أكبر من ذلك بكثير، وأظنّ أنّ التفكير في إرجاع المغتربين أو تفكير المغتربين في الرّجوع إلى البلاد قبل معالجة المشكلة برمّتها هو نوع من التعدّي على شخصية التونسي وعزّته وكرامته وهو إقبار لرجولته وشهامته. إذ كيف يجوز لي أنا المغترب – رغم حرماني من الأمّ والأب والأهل والخلاّن – أن أفكّر في التمتّع بطبيعة بلدي و » طيب عيشها « ، واخوة لي لا يزالون يقبعون في غيابات السجون وزنازينها الضيّقة منذ أكثر من عقد ونصف من الزّمان، والحال أنّنا انطلقنا معا على طريق الحريّة ننشدها لنا ولكافّة التونسيين الذين لم يكونوا يوما مغيّرين إلاّ بعد أن جاورهم صاحب التغيير؟!

ما الذي سأقوله لعائلات الشهداء؟ ما الذي سأحكيه لشورو والسنوسي والجبالي واللوز والغالي والزواري والجوهري والبوراوي والبوكادي وغيرهم من المِآت ممّن أوذيَ وعُوّق وحوصر وجُوِّع وحُرِمَ؟! …أتُراهم يتفهّمون لهفتي وتهافتي على تراب الوطن؟!…لعلّهم يتفهّمون ذلك ويفهمونه، غير أنّي لن أكون بإذن الله فاقد مروءة، ولن تطأ أقدامي أرضا أثقلت أحشاءها هياكلُ اخوتي، إلاّ إذا كان ذلك في إطار هبّة اختارها التونسيون وأرادوا بها تطهير البلاد من النجاسات التي لوّثت تربتها وأرجاءها وهواءها.

المشكلة في تونس، لا تبدأ أبدا بإرجاع المهجّرين، بل إنّه لتصرّف موغل في الغباء أن أرجع إلى أرض لم يجد ساكنوها – ممّن لم يجرّب الغربة الإجباريّة – مِن حاكمها خيرا… نعم! لقد جرّبنا حفاوة النّظام التونسي بالأجانب وخاصّة ما كان بالصهاينة و » الفاتحين  » منهم، ولكنّ ذلك لن ينسينا أبدا حقده وكرهه لأهل بلده ممّن نازعه التفكير في مصلحة البلاد!…

المشكلة في تونس يبدأ حلّها بإخراج كلّ الرّهائن من السجون إلاّ ما كان من شأن المجرمين الأصليين والمتحيّلين المدعومين، وإبطال كلّ المراقبات بجميع أنواعها إلاّ ما كان من مراقبة الضمير والأخلاق والألفاظ، وإشاعة الحرّيات العامّة إلاّ ما كان من حرّية الشذوذ أو الكفر أو التعدّي على الثوابت. ويوم يُكتب لأهلنا هذا القدر الأدنى من الحقوق، لن يتردّد المغتربون في الرّجوع إلى أرضهم، بإذن الله، يعمّرونها ويساهمون في تهيئة الأجيال لتلافي ما أفسده هذا القرن السيّء.

أمّا أن يكون الرّجوع على حساب اخواننا وبدعوة من التافهين، فإنّ ذلك لن يساهم إلاّ في إسباغ الشرعية على المُفسد وفي رمي الحقيقة وإتلافها في شعاب الرّذيلة. ولن نكون فاعلين في البلاد لأنّنا لن نكون أجرأ من منصف بن سالم أو سليم بوخذير أو علي بن سالم أو غيرهم من الأشاوس الأفاضل، بل إنّنا سنكون حبيسِي فضلٍ مغشوش حاصرنا به لئيم لن يتردّد في إلحاقنا بقتيل قفصة، موظّف وزارة الخارجية، وعائلته!..            


ما العمـــل!؟

بقلم: برهــــان بسيّـــــس

 

استطرد صديقي أستاذ الفلسفة وهمهم قبل أن يستوعب صدمة مقاطعة أحد التلاميذ لكلامه عن العقل والعنف طالبا منه تلميحا أن يتأدّب حين ينطق باسم أسامة بن لادن قائلا: «إنه ليس أسامة بن لادن يا أستاذ، إنه الشيخ المجاهد أسامة بن لادن حفظه الله!!».

 

روى لي صديقي هذه الحادثة ضمن حالة وصفيّة تكاد تجتمع على ظواهر ناشئة مشتركة ما فتئت تطفو بيننا، بين جدران مدارسنا وفي صفوف شبابنا وفي قلب مجتمعنا بصمت دون صخب لكن باتساع خطير وعلامات تدعو للانتباه.

 

لا شك أننا في حاجة إلى يقظة مغايرة غير مجرد الاستنفار الأمني الذي يحمي ولا يقي في ظل مناخ مشحون بالتحولات والتوتّرات والرهانات المتقاطعة التي تتواصل فيما بينها تماما كقطع «الدومينو» المتلاصقة تنعكس ضمنها نزوة مضارب في سوق النفط العالمي على مشروع بناء مدرسة في إحدى أريافنا تماما بمثل ما تؤثر خطابة وجدانية محرّضة على فضائية ساكنة معنا بالبيت على عقل ومستقبل شاب سيتسلّل من بين جدران المنزل العائلي ليرحل نحو مجهول الجهاد الطوباوي.

 

لا شك أن للإنصات الرسمي عبر السبر والاستشارة والجمعيات دورا مهما في النفاذ إلى عقول الشبيبة ومنطق تفكيرها لكن الواجهة الرسمية تظل حبيسة محدودية رسميتها إذا لم تستنجد بالملاحظة العيانية المباشرة والانصات العفوي للخطاب التلقائي الصامت والناطق لشبابنا في الشارع والمقهى والمدرسة والجامعات حيث لا مساحيق ولا قفازات أمام استرسال الكلمة الحقيقية والعقائد الساكنة في العقول.

 

هذه الملاحظة العيانيّة بالذات هي ما تحمل لنا العلامات المحيّرة والمزعجة التي تدعو للتفكير والتساؤل بعيدا عن كل أشكال الاطمئنان المزيّف أو التضخيم المغالط.

 

حجاب بكل أنواع اللون والهندسة لا ينقصه سوى «التشادور الشيعي الأسود» يتّسع غزوه للمدن والقرى أخطر ما فيه ليس الزي في حد ذاته بل ما يرقد تحته في عقول حاملاته من أفكار تهم رؤيتهن لأنفسهن وللمجتمع وهنا يكمن جوهر الإشكال الأكبر من مجرد زيّ أو مظهر يندرج ضمن دائرة الحرية الشخصية لمن اخترنه.

 

على الضفة الأخرى تسيب وانفلات أخلاقي لافت يتحرك مع انسياب كلمات البذاءة والمعاملة العنيفة والزي الفاضح المتحرك في مناخ من الاستقالة المدهشة لسلطة الأولياء والضبط العائلي تجعل المرء دائم التساؤل عند معاينة هذه النماذج عن وجود أم أو أب للمحاسبة أو على الأقل للعلم بالأشياء وهو أضعف الإيمان.

 

بعيدا عن الأخلاقوية الساذجة لا بد أن نقرّ أننا بصدد معايشة مرحلة صعبة على مستوى التغيّرات الهيكليّة للمجتمع المحكومة بقوانين العولمة الزّاحفة التي لا تترك لزبائنها حرية الفرز أو الاختيار.

 

عولمة الفضاء أطاحت بالحدود بمختلف أنواعها وأعطت لمختلف الظواهر أبعادا عابرة للحدود من تطرّف عابر للحدود إلى نحراف أخلاقي عابر للحدود إلى معالجات عابرة للحدود أيضا.

 

البطالة والفقر وتدني المستوى التعليمي عوامل تقليدية لإثراء تربة التطرف واخصاب الانحراف لكن عوامل أعمق تستحق الانتباه تدعو بدورها إلى الاهتمام.

 

اختيارات المؤسسة التعليمية رهان دقيق يتجاوز قضايا المردودية المباشرة المتعلقة بهموم الاقتصاديين والتكنوقراط في بيئة آمنت بجدوى الانفتاح والتوائم مع اتجاهات العصرنة لكنها لازالت تبحث لنفسها عن تعريف دقيق لمعنى أن تبني مدرسة مُنغرسة في عصرها بالمعني الحداثي، هل بمجرّد الاحتفاء بالتقنية والكمبيوتر واهمال مضامين العقل الذي سيستعمل الحاسوب بأي مضامين وبأي روح؟!!

 

الحاسوب عنوان العصر تحول للغرابة والمفارقة إلى ملك مشاع يتجول بين الأروقة الدالة على رائحة التقدم الإنساني بمثل ما يتجول بين صفوف دعاة القتل والذبح والجريمة والانحراف الأخلاقي، علينا أن نعلن معركة المضمون بعيدا عن الاحتفاء الشكلاني السطحي بثقافة الكمبيوتر لنضع أنفسنا وأبناءنا على سكّة فرز ممكن.

 

لا يمكن المضيّ في تجاهل العلامات الدالة على الخطر لأن التجاهل هو الطريق المثلى للقيادة نحو الواقعة التي لا تنفع بعدها المعالجة، النقاش والحديث والجدل والكلام هي مخبر الوقاية الأمثل في معالجة مثل هذه الظواهر، المردودية الثقافية والفكرية والنفسية لنظامنا التعليمي، استراتيجية العمل الثقافي، وجود رؤية اتصالية واضحة من عدمها، ماهيّة الخطاب الإعلامي الموجه للشباب، مسؤولية التأطير العائلي، وهن التأطير الحزبي والجمعياتي، رهانات التشغيل والادماج الاجتماعي، النظرة للدين والتديّن، معنى مواطنة الحق ووطنية الواجب، رؤيتنا لأنفسنا وللعالم، كل ذلك قضايا حيوية مهمة تفترض ورشة واسعة للتفكير موجهة أساسا للشرائح الشبابية الخالية من هوس الحسابات والقياسات والمتطلعة للقول الصريح والحوار المفتوح.

 

أرجو أن نقتنع أخيرا أننا في حاجة إلى تحديد مستوى الحوار الذي نحتاجه هل هو الحوار الساذج السطحي الخالي من كل طعم أو استراتيجية حول «جهاز العروسة» أو «الشنفال» أو «نظافة الشواطىء» و«أزمة التحكيم» و«الطلاق» و«رياض الأطفال» أو النفاذ حقيقة إلى مواضيع الانشغال الحقيقي التي تهم جوهر الحاضر والمستقبل في عالم اتصالي يغلي بكل أنواع البهرج العقائدي والاستقطاب الفكري.

 

حين يطلع الزرقاوي في مشهد فروسي مزوّق بكل توابل البطولات المبهرة لأبطال العصور الغابرة وتليه صورة بن لادن تنساب من فمه الكلمات الهادئة عن الجهاد والجروح الدامية متأبطا رشاشه في ملامح مرتدية لألوان النّبل المشتق من تضحيات الأنبياء ومخيال الفرسان الرومانسيين لا أعتقد أن أجواء «فرجة وموزيكا» و«دليلك ملك» و«كوكتال الاحد» تستطيع أن تنافس وحدها سطوة الإغراء الآخر، إغراء الغواية الخطيرة!!

 

علينا فعلا التفكير!!!

 

(المصدر: ركن « البعد الآخر » بجريدة الصباح الصادرة يوم 27 أفريل 2006)

 

تطلّعت من منفايْ

العربي القاسمي

 

تطلّعت من منفاي أرقب موطني

و أحنّ للدّور الّتي تهواني

و تسارعت أنفاسي و ارتعشت يدي

و تزاحمت في خاطري أشجاني

لقد احترقت إلى النّخاع بحبّكَ

و قد استُبيت بسحرك الفتّان

و تأجّجت روحي هياما بعشقك

و تجاوز العشق الجُسيْمَ الفاني

و تغلّب الأمس على اليوم الّذي

فيه أرى الأشياء رأيَ عِيانِ

و تعوّدت نفسي التّسلّل ها هناك

و العود رغم حواجز السّلطان

يا موطني الغالي و يا عشق الأبد

يا سمعي، يا بصري و يا وجداني

خرّت جوارحي سُجّدا لجلالك

حتّى ظننتُني في السّجود فاني

و ظللت ألهج باسم أبهى ربوعك

بجْريصة، بالكاف و بالدّهماني

و أتيه في قمم الجبال و في الرًّبى

و أطوق للنّبع الّذي روّاني

و تعودني ذكرى الصبا و طفولتي

أجترّها، أسعدْ بها لثواني

وأذوق في حلمي لذيذ ثمارك

ذا الهندي، ذا التّين و ذا الرّمان

و أفيق من حُلُم الجميل مجدِّدا

عزمي الجهاد لرفعة الأوطان

و أًُطلّ من فوق السّحاب شامخا

رغم العبيد و صولة الطّغيان

أرنو إلى يوم أراك محرّرا

فيك تُكرّم قيمة الإنسان

قد قذّس الله الأماكن أربعا

مكّة الشّريفة و مرقد العدنان

و القدس ثالثة و أنت موطني

و لكلّ رابعة ٌ من الأوطان

سأعود حتما يا بلادي شامخا

يغلي دمي كالنّار في البركان

لأبث من علمي رحيقا شافيا

يبني العلا في عزّة و أمان ِ

و أصبّ من غضبي لهيبا حارقا

و أخلّص الأرض من الطّغيان ِ

أو قد أعود يا بلادي هامدا

حُنِّطت في نعشي و في أكفاني

و يزفُّني أهلي و أمّي باكية

و يغيب في ذاك الثّرى جثماني

فأغيض في ذاك السّبات ظالمي

و أُرغِّم الباغي العُتُل الجاني

و أُقض في نومي الأزلِّي قاتلي

و أُشع من قبري هدى الرّحمان

يكفيني من قدري بأنّي ميِّتا

رغم الطّغاة رجعت للأوطان

و يضلّ يصدر من رفاتي دائما

قبس من النّور و من نيرانِ

النّار للظّلم تدكّ حصونه

و النّور للزّيتون)ة( و الإخوان

ضًمّ الفؤاد إليك أرحم غربتي

أطفئ بطول عناقك نيراني

أكبح جماحك يا عُريْبُ تجلّدي

و انشد جميل الصّبر والسّلوان

أسلم إلى الله الأمور يديرها

يُصلحْ شؤون الدّين و الأوطان

و يداول الأيّام يورث أرضه

أتقى العباد و أكرم الإنسان

 

 

 Suisse – Neuchâtel, le 23.04.2006 à 16H26


أصوات هولندية منصفة تدعو للحوار  واحترام الآخر.

خميس قشة :روتردام -هولندا   يتعرض الإسلام والمسلمون في أوروبا، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر لحملات من التشويه، تلصق بهم كافة الصفات المذلة وتصفهم بازدراء واحتقار، وجاءت رسومات الكاركتور المستهزئة بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم و التي نشرتها عدة صحف أوروبية لتسهم  في مناخ الاحتقان و الخوف  بين العالم الإسلامي والغرب والتشكيك في رؤية كل منها للآخر.   وإذا كان الشيء  بالشيء يذكر فلا نغفل الأصوات العاقلة الداعية للتهدئة و الحوار، والتي  أتت لتكشف بعض الحقائق وتدحض الدعاوى الباطلة لهذه الحملات الموجهة للعرب والمسلمين، فبروز أصوات عقلاء أوروبا  الذين لم  ييأسوا من غلبة منهج صدام الحضارات على منهجهم، للتحقيق التعايش بين المسلمين والعالم الغربي، في مجتمع متعدد الثقافات يقوم على السلام والأمان والإخاء والمحبة، عبر دراسات وكتابات معتدلة تدعو إلى  مزيد من المرونة والحوار مع كل مكونات المجتمع.    وقد قُدم تقرير أعدته جماعة من الساسة البارزين السابقين من بعض الأحزاب  والفعاليات السياسية الهولندية إلى الحكومة يدعوا لتغيير السياسات  المتشددة والنبرة الحادة التي تتبناها في العديد من القضايا، كما طلب التقرير من أصحاب العمل والنقابات العمالية والمؤسسات الرياضية والهيئات الثقافية والاجتماعية والإنسانية أن يسمحوا للأقليات الإثنية بالمشاركة في منظماتهم ومنتدياتهم. وتسعى جماعة الساسة القدامى التي اتحدت تحت شعار « بلد واحد مجتمع واحد للجميع  »  لإعادة التسامح والصراحة المعروفان عن الهولنديين، ولإرجاع هولندا كما كانت معروفة بتسامحها الديني وقبولها للآخر بديانته وعاداته وتقاليده.   كما وجهت  وزيرة النقل الهولندية « كارلا بايس » رسالة لقت ارتياحا لدي المسلمين حول الحجاب وأعربت في المؤتمر العالمي حول المرأة في أبو ظبي  عن  اقتناعها بأن الحجاب ليس رمزا لقهر المرأة كما يدعون،  وإنما يندرج  ضمن الحرية الشخصية . وقالت عند عودتها، في حديث مع صحيفة « الدلي تلغراف  » الهولندية  أن الحجاب لا يمثل عائقا، لكنه أداة مساعدة للنساء للخروج والانخراط في الحياة العامة، وكان السبب وراء تغير وجهة نظرها السابقة في هذا الموضوع، هو اللقاءات والنقاشات التي اشتركت فيها مع نساء مسلمات من كافة أنحاء العالم على هامش المؤتمر، وأعلنت السيدة « بايس » أنها لا تعارض انضمام أية وزيرة ترتدي الحجاب في مجلس الوزراء الهولندي.   كما سبقتها قبل ذلك وزيرة التعاون التنموي « أخنس فان أردين » عندما اتهمت العلمانيين الأصوليين في الغرب باستغلال استخدام موضوع الرسوم الساخرة لمهاجمة أديان وثقافات أخرى . وآخر التقارير وضوحا ومصداقية والذي استغرق ثلاث سنوات من العمل، الصادر عن المجلس العلمي الهولندي للسياسية الحكومية، وهي هيئة متخصصة في لاهاي تقدم النصح للحكومة، ويأتي تقريرها الذي قدم إلى وزير الخارجية الهولندي  ويوصي الحكومة بالتعامل مع الإسلام السياسي الذي يضم  حركات تقدمية ومفكرين مروا عبر سنين بمراحل من  التحديث والتطوير، فوصلوا إلى وعي ونضج فكري  مثل أي حزب سياسي حقيقي مستعد للتعاون مع الآخرين داخل حدود النظام الديمقراطي. ويركز التقرير على تعديل التوجهات في التعامل مع الإسلام وينصح السلطات الهولندية والاتحاد الأوروبي أن يتعاملوا مع الإسلام السياسي كحليف محتمل  لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم الإسلامي. كما حمل التقرير المسؤولية لساسة بارزين بمعاداة الإسلام في صورة انتقادات مستفزة  للثقافة الإسلامية  تخدم تصادم الحضارات » بين الغرب والعالم الإسلامي » من بينهم نائبة البرلمان الهولندي « إيان حرصي علي  » لما تعلنه من آراء و ملاحظات مسيئة ومستفزة،لا تساهم  في تكريس ثقافة التعايش السلمي.  و قد فندت »أيان هيرسي علي » التقرير  الذي اتهمها بكراهية الإسلام، و رأ ت أنه افتقر إلى المهنية و الدقة  وقوض حرية التعبير، وهي من اصل  صومالي من مواليد مقديشو من عائلة مسلمة، وصلت إلى هولندا عندما كانت في طريقها إلى كندا لتلتحق بزوجها، و خلال مرورها بألمانيا وبدلا من أخذ الطائرة إلى كندا ركبت القطار وقصدت هولندا طالبة اللجوء السياسي، وبعدها بسنوات أصبحت عضوًا في البرلمان الهولندي، وناقدة للتعددية الثقافية في هولندا، كما بدأت أيضًا في انتقاد دينها السابق و تجلى ذلك عند عرض فيلمها الأول « الخضوع »  في2004،  حيث اعتبرته دينا متخلفًا، بخصوص معاملة النساء وحرية التعبير.   ويأتي هذا التململ في المواقف بعد العواصف التي مرت على الأقلية المسلمة بهولندا التي  سعت بدورها لتجاوز محنتها ومواجهة تحديات الذوبان، وغدا الوضع الآن أفضل بكثير مما كان عليه رغم أن تداعيات أحداث لا تزال تتتالى، فقد حسموا أمرهم في عديد من القضايا المهمة وانتقلوا من حالة التشتت ولا استقرار إلى توطين الإسلام في الغرب والاندماج في المجتمع بايجابية وتجلى ذلك في المواقف المنددة و الواضحة من أحداث الإرهاب، وسلك طرق حضارية بخطاب يحترم مبدأ القبول بالآخر، وتضمن البقاء كأقليات دينية، تتمتع بحقوقها في المجتمع، وكان لافتا  تنامي وعي المسلمين في المشاركة السياسية التي  تستند أساسا على مبدأ أصيل وهو جلب المصالح ودرء المفاسد، وتحمل أهون الشرين لدفع أعظمهما وأخطراهما.   يقول ابن تيمية :  »فإن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومعرفة خير الخيرين، وشر الشرين، حتى يقدم عند التزاحم خير الخيرين، ويدفع شر الشرين. مقولة أكدتها دعوة فقهاء الإسلام المعاصرين،من أهمهم الشيخ يوسف القرضاوي، بدعوة المسلمين في الغرب إلى الإقبال على المشاركة والتصويت للأحزاب التي تخدم المصالح المسلمين، ولا تدعو إلى إقفال الأبواب أمامهم ومحاصرتهم مما رفع  نسبة إقبالهم على صناديق الاقتراع  في الانتخابات البلدية الأخيرة بهولندا حيث حققوا إنجازات مهمة على صعيد المجالس البلدية ليرتفع العدد من 50 إلى 70 مقعدا، مما جعل كثيرا من  الأحزاب السياسية تعدل برامجها لاستمالة الناخب المسلم ..


 

في مجلس جمعية مؤرخي الفن الإسلامي:

أوراق ومعارض في تاريخ الفن والعمارة الإسلامية

طارق الكحلاوي (*)

 

جمعية مؤرخي الفن الاسلامي : تمثل جمعية مؤرخي الفن الاسلامي أو هيا (مختصرة) (Historians of Islamic Art-HIA) اطارا فريدا للعاملين في مجال تاريخ الفن والعمارة في العالم الاسلامي. وقد تأسست هيا سنة 1982 من قبل مجموعة من المختصين في هذا المجال وتحديدا من المقيمين في الولايات المتحدة وكندا من أساتذة جامعيين وحافظي متاحف وباحثين شبان حيث كانت تُسمي في البداية جمعية مؤرخي الفن الاسلامي الشمال أمريكيين (North American Historians of Islamic Art) وقد لعب الباحث المعروف أولق قرابار (Oleg Grabar) دورا مهما في تأسيسها خاصة أن الكثير من أعضائها المؤسسين كانوا من بين طلبته الأوائل. غير أن الاتساع التدريجي لأعضاء الجمعية بما في ذلك من العاملين في هذا المجال من خارج أمريكا الشمالية أدي الي تغيير اسمها، ليقع التخلي عن التخصيص علي أمريكا الشمالية، كما أصبح هناك مقعد في مكتبها المسير مخصص للأعضاء من غير العاملين في هذا المجال الجغرافي. وتعقد هيا سنويا مجلسا (Majlis) تتيح فيه لعدد من الباحثين الشبان من أعضائها وخاصة من بين الذين هم في مرحلة اعداد رسالة الدكتوراه لتقديم ورقات في الاختصاصات التي يعملون فيها ويلي كل ورقة نقاش يجمع أعضاء هيا من بين جميع الأجيال وهو ما يسمح بتنشيط التفاعل بين باحثين من جامعات ومؤسسات وأعمار واختصاصات متنوعة. ويتم عقد مجلس الجمعية في اطار مؤتمرات علمية جامعة وخاصة المؤتمر السنوي الأهم لمؤرخي ونقاد الفن في أمريكا الشمالية بشكل عام والذي تنظمه سنويا الجمعية الجامعة للفن (College Art Aociation). ويتيح ذلك الالتقاء مع باحثين في تاريخ الفن في مجالات جغرافية أخري غير العالم الاسلامي وهو ما يثري وسائل تحليل معطيات الفن الاسلامي (يمكن العثور علي معطيات اضافية حول الجمعية في الموقع الالكتروني التالي: hp://www.historiansofislamicart.org).

 

مجلس 2006

 

تم تنظيم مجلس هيا لسنة 2006 بالتوازي مع انعقاد المؤتمر العلمي السنوي الرابع والتسعين لـ الجمعية الجامعة للفن في مدينة بوسطن (Boston) بين 22 و25 شباط/فبراير الماضي وتحديدا في اليوم الأخير وذلك في متحف ساكلر (Sackler Museum) والذي يحتوي علي مجموعة من القطع الفنية والمخطوطات الاسلامية المميزة وينضوي في اطار جامعة هارفارد. وترأس مجلس هذه السنة وسير النقاش رئيس الجمعية المتخلي ستيفانو كاربوني (Stefano Carboni) حافظ مجموعة القطع الاسلامية في متحف المتروبوليتان في نيويورك. وتم في هذا الاطار تقديم أربع ورقات في مواضيع متنوعة. الورقة الأولي كانت من اعداد الباحثة في جامعة بنسلفانيا يايل رايس (Yael Rice) بعنوان من مكتبة برين مور: اكتشاف جديد لـ خمسة من شيراز من أوائل القرن الخامس عشر ، وتتعلق بتقديم لمخطوط نادر من مجموعة مخطوطات لمكتبة معهد برين مور (Bryn Mawr)، الكائنة في ضواحي مدينة فيلادلفيا، والتي لم تكن معروفة في العادة باحتوائها علي مخطوطات اسلامية مميزة، وهذا ليس الا مؤشرا آخر علي مدي توزع المخطوطات الاسلامية النادرة عبر العالم بما في ذلك حتي في مكتبات صغيرة نسبيا.

و الخمسة هي مجموعة شعرية من خمسة فصول للشاعر الفارسي الكبير نظامي (توفي سنة 1209 ميلادي) و تتميز بأن أكثر المخطوطات المنقولة منها مصورة وهي من النماذج الأساسية علي تاريخ التصوير الفارسي. ويتميز مخطوط برين مور بحجمه الصغير جدا والذي يجعله من صنف كتب الجيب و هو مثال غير رائج كما أنه غير متوقع بالنسبة لمخطوط ضخم مثل خمسة . وتؤرخ رايس المخطوط علي أساس طراز التصوير تحديدا بفعل غياب أي اشارة لتاريخ صنعه، وهي ترجح رجوعه الي أوائل القرن الخامس عشر. غير أن النقاش الذي تلا تقديم الورقة أشار الي امكانية رجوعه أيضا الي فترات متأخرة بما في ذلك القرن السادس عشر. وأشار البعض الي أهمية التركيز علي دراسة البالوغرافيا (علم الخط) والتي يمكن أن تساعد علي تأريخ العمل. وأجمع الحاضرون علي أهمية المخطوط خاصة بسبب تميز حجمه وأهمية مقارنته مع مخطوطات لمؤلفات أخري من صنف كتب الجيب .

الورقة الثانية كانت من تقديم كاتب هذا المقال، طارق الكحلاوي من جامعة بنسلفانيا، وكانت بعنوان: في معني (نسخ) الخرائط: مثال الخرائط البحرية الاسلامية . وتناول فيها بالتحديد خمسة أطالس بحرية من النصف الثاني للقرن السادس عشر، اثنان منها من صناعة علي بن محمد الشرفي الصفاقسي وثلاثة من اعداد صانعي خرائط عثمانيين من اسطنبول. وناقش الكحلاوي الدراسات المحدودة لهذه الأعمال والتي ركزت علي كونها اما كليا أو جزئيا نسخا من نوع الاطالس البحرية الأوروبية والتي ظهرت تحديدا منذ بداية القرن الرابع عشر، وهو ما اعتبره الباحث رؤية تندرج ضمن رؤية عامة وضعية مبالغ فيها تهيمن علي ميدان تاريخ الخرائط البحرية بشكل عام والتي تري كل خريطة كأنها مجرد نسخة لخريطة سابقة. واتجه الباحث الي التركيز علي المعطيات المرئية للنماذج الاسلامية ليوضح أن الأطالس العثمانية تعكس رؤية غير بحرية من خلال تركيزها علي المجال البري، في حين لا تمثل أعمال الشرفي لا تكرارا لنماذج أوروبية ولا لنماذج اسلامية بل هي تشكيل جديد ضمن مشروع مميز في صنف الأطالس البحرية كما أنه يندرج من ناحية بنيته ضمن تقاليد صناعة المخطوط أكثر منه ضمن صناعة الأطلس البحري الذي له مميزات كوديكولوجية خاصة به. وفي الحالتين فان صانعي الخرائط المسلمين لم يكونوا ينسخون بقدر ما كانوا ينقلون عن أعمال سابقة ضمن رؤاهم وحاجاتهم المميزة. ووافقت المداخلات التي تلت علي أطروحة الورقة وخاصة علي أهمية اعادة قراءة الأطالس البحرية الاسلامية بما أنها نماذج مهملة للثقافة البصرية الاسلامية في ظرفية مميزة مثل القرن السادس عشر. ونظرا لتوالي المداخلات وكثرتها اضطر رئيس الجلسة الي وقف النقاش حول الورقة الثانية والدعوة الي متابعته خارج الجلسة الرسمية وتم الانتقال الي الورقة الثالثة والتي كانت من تقديم سيمة أختار الباحثة من معهد ماساسوسيتش للتكنولوجيا بعنوان: جواهر من الشرق: اعادة تعريف الفن الاسلامي من خلال عيون دوريس دوك . وتناولت فيها مجموعة من القطع الفنية والصور والملاحظات الشخصية للأمريكية دوريس دوك والتي كانت مغرمة بالفن الاسلامي خاصة خلال اقامتها الطويلة في الهند. وتشير المعطيات المتوفرة في أرشيف دوك المحفوظ خاصة في نيوجرسي لاعجابها بالطابع الصوفي الغالب علي المعطيات التي شاهدتها والي انجذابها الي الطابع الزخرفي المجرد والذي يميز نماذج معمارية أو محمولة. واتجه النقاش الموالي الي لفت الأنظار الي طابع الهواية الذي يميز هذه المجموعة الفنية وضرورة دراسة طريقة تنظيمها وتصفيفها. الورقة الرابعة والأخيرة كانت من اعداد الباحثة باميلا كريمي من معهد ماساسوسيتش للتكنولوجيا بعنوان اعطاء معني للفن: مجلات الفن الايرانية في مرحلة ما بعد الثورة والبحث عن رؤية جديدة (1982 ـ 1989) . وتعرضت فيها للتناول الاسلامي الايراني لوظيفة الفن في المجتمع الجديد ، وخاصة لانخراط عدد من الساسة الايرانيين الكبار بشكل مباشر في التنظيرات الجديدة. وكان من الرؤي الملفتة في هذه المرحلة المتوترة تشبيه المبني المعماري بالمرأة المسلمة ومن ثمة دعم الاتجاه المعماري الذي لا يركز علي الجمالية الخارجية للمبني بقدر ما يركز علي وظيفيته، وفي هذا الاطار يأتي تغليف المباني المعمارية في طهران خاصة بالجداريات الضخمة للقيادات الروحية والسياسية. غير أن هذا التوجه توازي مع اتجاه آخر في الواقع المعماري، ولو أنه لم يجد الكثير من التنظير في الدوريات والمجلات الفنية، أكثر تعلقا بالعمارة الغربية المعاصرة حتي أنه أعاد انتاج نماذج مستنسخة عن مبانٍ معروفة في الغرب مثل الكرايسلر بلدينغ في مدينة نيويورك. واتجه النقاش الي الاشارة الي أهمية الزخم الايديولوجي في الفترة المبكرة من الثمانينات أكثر منه في أواخره وأن النخبة البيروقراطية المشرفة علي سياسات التعمير كانت في اتجاه آخر غير الاتجاء الايديولوجي الرسمي خاصة في ظل الضغوطات السكانية الهائلة مع الاتساع الكبير لسكان مدينة مثل طهران.

وفي آخر المجلس تم منح جائزة شفشينكو (Sevchenko Prize) لأفضل مقال كُتب في الفن الاسلامي في هذه السنة الأكاديمية وذلك للأستاذة حديثا بجامعة انديانا، والزميلة في جامعة بنسلفانيا سابقا، كرستي قروبر (Christie Gruber) وذلك علي مقال مأخوذ من رسالة دكتوراه حول التعبير المرئي لحادثة الاسراء والمعراج .

وتلا ذلك اعادة توزيع المسؤوليات في الجمعية من خلال انتخاب مكتب تسيير جديد للسنتين القادمتين حيث تم اختيار أستاذة الفن الاسلامي في جامعة بنسلفانيا، وأستاذتي المشرفة، ريناتا هولود (Renata Holod) كرئيسة جديدة للجمعية.

 

معرضا اللوحة والقلم و جنتيلي بليني والشرق

 

علي هامش مجلس جمعية مؤرخي الفن الاسلامي تم افتتاح وزيارة معرض بعنوان اللوحة والقلم (The Tablet and the Pen) في رواق الفن الاسلامي في متحف ساكلر والذي سيتواصل حتي 23 تموز (يوليو) القادم. وأعد المعرض كل من الباحثتين في قسم تاريخ الفن بجامعة هارفارد لادن أكبرنيا (Ladan Akbarnia) وشنشل دادلاني (Chanchal Dadlani) وذلك بمساعدة أستاذ تاريخ الفن بجامعة هارفارد دافيد روغسبورغ (David Roxburgh) وماري ماكويليامس (Mary McWilliams) حافظة المجموعة الاسلامية بمتحف ساكلر. ويركز المعرض علي مسألة في غاية الأهمية وهي مسار عملية الرسم (painting) وتحديدا المرحلة الأولية منه أي التصوير (drawing) وذلك من خلال سكتشات (sketches) التي وقع حفظها خاصة في ألبومات فارسية وعثمانية ومغولية تم تداولها عبر أجيال متعاقبة من الرسامين المسلمين وكانت الحامل الرئيسي لأنماط محددة يتم تنقلها بينهم. ولعبت هذه الألبومات دور الذاكرة المرئية ولكن أيضا دور مجال للتجريب الفني خاصة في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وكيف كانت هذه السكتشات وسيطا لانتشار أنماط مرئية مشتركة ليس فقط ضمن رسوم المنمنمات بل أيضا ضمن مجالات أخري مثل صناعة النسيج والمعادن.

من جهة أخري زار المشاركون في المجلس في اليوم السابق لانعقاده معرضا بعنوان جنتيلي بليني والشرق (Gentili Bellini and the East) وذلك في متحف ايزابيلا ستيوارت غاردنر (Isabella Stewart Gardner Museum) في بوسطن والذي تواصل حتي 26 اذار (مارس) القادم. وتناول المعرض التقاطع بين أحد أهم رسامي النهضة الايطالية المبكرة جنتيلي بليني، والذي ينتمي لعائلة عريقة مثلت مدرسة أساسية في عصر النهضة وتحديدا في مدينة البندقية، والاهتمام العثماني خاصة من قبل السلطان محمد الفاتح (1451 ـ 1481) بأعمال رسوم الوجه (portraiture) والتي كانت مجالا ابداعيا أساسيا في رسوم عصر النهضة.

وأدي هذا التقاطع الي قيام بليني بسلسلة من الرسوم لشخوص عثمانية بما في ذلك أشهرها علي الاطلاق رسم وجه للسلطان محمد الفاتح. وعكس ذلك انفتاح النخبة العثمانية الحاكمة علي المناهج الفنية الجديدة والدور الخاص الذي لعبته مدينة البندقية في هذا التقاطع. وكان المعرض محور ندوة الخريف (Fall Seminar) لعضوة جمعية مؤرخي الفن الاسلامي و أستاذة كرسي الأغا خان للفن الاسلامي في جامعة هارفارد قولرو نجيب أوغلو.

 

(*) باحث تونسي في تاريخ الفن الإسلامي ـ جامعة بنسلفانيا (الولايات المتحدة)

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 27 أفريل 2006)

 


سلطة الرمز في التجانب بين المحاماة والتمثيل…

خميس الخياطي (*)

 

منذ عصر النهضة، أصبحت للرمز سلطة لا منازع لها وخاصة إن كان رمزا للسلطة، ولأي سلطة. ومع تطور وسائل الإعلام والإتصال ومحو الحدود مع تركيز علي الخصوصيات، تعدد مراكز السلطة وتمركزها كذلك وما إلي غير ذلك مما يعتبر من مقومات العصور المعاصرة التي نعيش، أصبح الرمز عنوان الواقع لأنه يختزله وبالتالي، كما كتب لاكان ومن بعده علماء السيميائية، يكون علامة تبادل وثراء بين مجموعتين إنسانيتين. إلا أن هذا التبادل يحمل في جوانيته ميلا نحو الإلغاء والمحو، بمعني أن الرمز إذ يختزل المعرفة ويعمل علي تبادلها، فهو كذلك ينفيها ويحصرها في غير وصيفتها المتعارف عليها. وبالتالي من المستحيل إنجاز قاموس عالمي للرمز. ومهما تكون الزاوية التي ننظر منها إلي سلطة الرمز في حضارتنا المعاصرة وفي كامل مرافقها الحضرية والريفية إن وجد الريف طبعا، فإننا نستخلص ثراءه الذي يسمح بتلاقي الرؤي في التعرف علي مدلولاته المعاينة كما المخفية. وهو ما عبر عنه عالم النفس لاكان بالمقولة المستفزة: الإسم جناية علي المسمي (…) وعالم الأسماء هو كيان لعالم الأشياء … أي أننا امام تطابق المعاني وتجانبها في الآن نفسه. هو جوهر الجدلية…

 

المسيرة المزدوجة

 

تناقلت الصحف التونسية والمصرية وحتما غيرها، ما جد مؤخرا بين عمادة المحامين التونسيين والمحامية-الممثلة التونسية هند صبري. قدمت الأخيرة طلب الإنتساب للمحاماة، فرفض الأول ذلك إن لم تقبل بشروط منها إعتزال التمثيل. فرفعت الثانية قضية للدفاع عما تعتبره تعديا علي حقها في ممارسة مهنتها التي من أجلها قضت سنين دراسية في كلية الحقوق بالجامعة التونسية وممارسة هوايتها التي رفعتها إلي مرتبة النجوم.

طيلة انشغالها بالتمثيل سواء في تونس عند تعاملها اساسا مع مفيدة التلاتلي (صمت القصور وموسم الرجال) تلك المخرجة التي من العار علي وزارة الثقافة التونسية ألا تقدم الدعم لفيلمها الجديد في حين تنعم به علي من هم أقل موهبة وقدرة وفشلت أفلامهم السابقة فشلا ذريعا، ثم مع النوري بوزيد (عرائس الطين) ونوفل صاحب الطابع (الكتبية) أو في الأفلام المصرية العديدة بدءا بـ مذكرات مراهقة لإيناس الدغيدي وانتهاء بـ بنات وسط البلد لمحمد خان مرورا بأفلام عدة منها الهام مثل مواطن ومخبر وحرامي لداوود عبد السيد أو مجرد علكة لا داعي لذكر عناوينها إحتراما لمخرجيها، طيلة هذه الفترة، لم تكف هند صبري من المراوحة بين تونس ومصر ولم تكف أساسا عن دراسة الحقوق وكلنا نعرف مشاق هذا المسلك الجامعي. أنهت الطالبة دراستها بامتياز وشفعتها بتخصص في الملكية الفكرية ، وهو تخصص لعالمنا العربي وليس لتونس فقط – حاجة ملحة له. ثم أقامت فترة في تونس عملت فيها علي انتسابها للمهنة وفي ذات الفترة، ظهرت في إحدي حلقات سيتكوم رمضاني للمخرج إبراهيم لطيف تم بثه علي قناة 21.

هذه المسيرة الموازية الناجحة، إن دلت علي شيء، فهي تدل علي جدية في الدراسة وعمق وصدق الموهبة. وهذان العامللن يشربان من مصدر واحد هو الإصرار علي النجاح وعدم الإكتفاء بما هو متاح… كان بإمكان ممثلتنا ولا أحد من تونس ولا من العالم العربي ولا من خارجهما بإمكانه التشكيك في موهبتها التمثيلية وصدق مشاعرها أن تحبس نشاطها في هوايتها وتغنم بزواج المال بالشهرة وما يتولد عنهما. إلا أنها، بالوعي الحاد المعروف عنها، بثقافتها الثرية والواسعة وبإدراكها لتقلبات الأهواء في عالم الصورة المتحركة المصرية ـ العربية، إختارت هند صبري أن تخبئ ورقة في جيبها للسنين العجاف…. إلا أن عمادة المحامين لم تقيم الأمور والمسيرة من هذه الزوايا.

 

بين المحاماة والتمثيل

 

من المعروف أن عمادات المحامين وكل العمادات من عمادة الصحافيين إلي نظيرتها الطبية ومثيلتهما الهندسية وغيرها هي عين المحافظة وهو أمر طبيعي حتي لا يتسيب الماء علي البطيخ . وعمادة المحامين التونسيين لا تختلف في هذا. المحافظة هي في الاساس القبول بواقع الأمر في تضاده مع أمر الواقع. بمعني أن التغيير الذي يأمره الواقع لا يجد طريقه للتجسيد بسهولة لأن واقع الأمر يسد باب الإجتهاد. وطلب الممثلة/المحامية هند صبري الإنتماء لجنس المحامين هو من باب واقع الأمر، أي تلك الزاوية التي تقلب المفاهيم وتنخر الرموز لتحورها. المحاماة مهنة شريفة، مقننة، مركزة تمثل الصفحة الرائعة في الممارسة الإجتماعية الخاضعة للقانون بمعني أنها تعبير عن المواطنة. ولا غرابة في ذلك. إن الرمز المعاين لها هو تلك البذلة السوداء التي تتدلي منها الياقة التي هي بدورها رمز للقضاة والمحامين والكهنة (صورة الصليب المرسوم خلف البذلة) وكل ذلك مزيج من الكهنوت المسيحي وعقلانية/إجتماعية الثورة الفرنسية. وبالتالي، فهي المعرفة المحافظة علي سلامة التجمع البشري… ثقافة تخاف أنفلونزا الخيال الكامنة في التمثيل.

وفن التمثيل، وإن أصبح هو الآخر قائما علي المعرفة، فهو النقيض الكامل لصرامة المحافظة لأنه الطبيعة الثائرة دوما في وجه الثقافة. إنه الباب الذي منه تأتي الريح… ريح اللاوعي وزمهرير الرغبات الصامتة وعاصفة المخيال الفردي. فن التمثيل هو المعبر عن الطبقات الدفينة وأدوات تعبيره هي الطبيعة ولا شيء غير الطبيعة. وحتي لو ثقفها، فهو يوهمنا بطبيعتها. من هذه الزاوية، المحاماة والتمثيل صنفان لا يلتقيان كما الطبيعة والثقافة. كيف يمكن أن نتصور محامية ترافع في قلب المحكمة وفي داخل كل واحد منا صور عنها وهي في حالات تتنافي والإستقرار الإجتماعي الذي يرعاه القانون؟ صراع بين سلطة رمزين، رمز الواقع ورمز الخيال. كل سلطة لها فضاءها وهما فضاءان متوازيان وإن التقيا، تكون المفارقة… وهند صبري هي المفارقة ويكفيها أن هي كذلك…

 

حب السينما الصامتة

 

إستضافت منذ فترة غير قصيرة عرابة شبكة روتانا (نايلسات) الدكتورة/ المنشطة/ المديرة هالة سرحان في برنامجها السينما والناس (إخراج وليد محمود) الممثلة التونسية هند صبري. منذ الصور الأولي من هذه الإستضافة، يتبين للمشاهد صيغة الدعوة التي قبلت بها هالة ضيفتها هند. لنترك جانبا سيلان العسل المسكر في تقديم هالة لهند… أسلوب ما قبل اختراع التلفزة لأنه يختزل الضيفة في تعابير هي من قبيل الشعر الحلمنتيشي… يا حبة فزدق، يا هنودة، يا جزء من السينما المصرية، يا هات ماللاوي … وهي تنزل السلم، تأتينا أغنية بنات وسط البلد علي رقصات مجموعة من الفتيات اللواتي يتحركن كما يفعل سكير يدخل زقاقا ضيقا.. وبعد ذلك مجموعة من مقاطع الأفلام مولفة علي طريقة الومضة الإشهارية… ونتفطن أن الومضة خالية من أي فيلم غير مصري ونتيقن بأن الأمر لا يعدو أن يكون إلا فقرا في الخزينة رغم إدعاء قناة روتانا سينما بأنها قناة السينما العربية. لو خلعنا عنها بعض أفلام دريد لحام، لتبين لنا أنها استمرار للهيمنة السينمائية المصرية في زمن تعددت فيه المشارب الفيلمية. وتؤكد بعد ذلك هند صبري أنا فخورة بالسينما التونسية التي أنا جايا منها… المغرب العربي عندو سينما جريئة والعين التونسية تعودت علي حاجات معينة . تقول ذلك بلهجة مصرية قحة جعلت هالة سرحان تسألها عن كيفية تملكها المحكية المصرية. فتجيبها أنها تعلمتها من العمال والطبقات الإجتماعية و اللهجة المصرية متخزنة عند العرب من الأفلام… وأنها لا تتكلم تونسي إلا لما أتضايق وأتنرفز وأتكلم تونسي علي فرنساوي (وهو أمر يثير حفيظة الجمهور التونسي)… إن نحينا جانبا هذا الجانب، كان حضور هند صبري وأجوبتها حول التمثيل (علشان أكما تمثيل، لازم أتعلم تمثيل) وحبها السينما الصامتة وقبولها بأدوار صعبة حضور وأجوبة من طراز عال. إنها لا تسقط في الإعتبارات الأخلاقية السمجة فتقول أنا فاصلة بين ما يحدث علي الشاشة والممثلين ، تعتبر أن التمثيل شيء والواقع شيء آخر وأنها لا تخفي قلة الموهبة بالعري و أعمل كل حاجة حتي لا أسجن في كاتيغوري معينة … كل الأجوبة الخاصة بعالم التمثيل لا تنم عن جهل أو وصولية أو منفعة مادية بقدر ما تأتي من أرضية ثقافية تفرق بين الواقع وصورته التي تقدم علي الشاشة. وكأن بهند صبري في برنامج السينما والناس الذي قدم علي حلقتين وفي هذه الأجوبة حول التمثيل تبعث برسالة لعمادة المحامين التونسيين علهم يكتشفون فيقتنعون بأن تحت قناع الممثلة الموهوبة والنجمة المحبوبة هناك محامية و عليها الكلام … هل وصلت الرسالة؟

 

جملة مفيدة: « يصطفل الأمير عبد القادر، نريدك أن تحدثنا عن التأشيرة » . ذكرها المؤرخ الفرنسي برونو إيتيان في حديثه عن الشباب الجزائري اليوم. قناة آل، سي، إي .

 

(*) ناقد وإعلامي من تونس

khemaiskhayati@yahoo.fr

 

 (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 27 أفريل 2006)

 


السياسة الامريكية تزرع الموت والخراب في أنحاء المشرق

د. بشير موسي نافع (*)

 

تعود فكرة مسؤولية الدولة (او الدول) الكبري عن الشأن العالمي ونظام العلاقات الدولية الي المثال الروماني. فقد قسمت روما العالم الي دائرتين: دائرة السلم الروماني، الواقعة تحت سيطرة الامبراطورية وحلفائها وحيث القانون، والدائرة الخارجة عن هذه السيطرة، حيث حكم البرابرة ويغيب القانون. وللحفاظ علي السلم والاستقرار، نشرت روما قوتها العسكرية، فعلاً او ردعاً، من بادية الشام الي انكلترا. وبالرغم من الاختلافات الجوهرية بين النظام الامبريالي الحديث والنظام الامبراطوري الروماني، فقد عادت فكرة السلم الروماني منذ نهايات القرن الثامن عشر لتصبح المسوغ الاخلاقي المستبطن لسيطرة عدد صغير من القوي الاوروبية الغربية علي العالم.

 

السفن البريطانية والفرنسية المسلحة لم ترسل لاحتلال بلاد شاسعة من آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وحسب، بل وعملت ايضاً علي فرض قيم وقوانين وانظمة وسلوكيات علي شعوب العالم والقوي الاقليمية الاصغر. كان المستعمرون البريطانيون الاوائل ليسوا اكثر من مجموعات من القراصنة؛ ولكن ما ان دمجت الاساطيل والشركات الاستعمارية في مؤسسات الدولة حتي اخذت القوات البريطانية في شن حملات عبر العالم للقضاء علي نشاطات القرصنة. وبعد حقبة طويلة من النشاطات الاوروبية الغربية في تجارة العبيد، التي طالت عشرات الملايين من الافارقة السود، للعمل في مزارع المستعمرين البيض في الكاريبي وامريكا، وجهت القوة البريطانية البحرية للقضاء علي تجارة العبيد وفرض الغاء تقاليد الاستعباد عبر العالم. اصبحت التجارة الحرة جزءا لا يتجزأ من النظام الاستعماري، بما في ذلك تجارة الافيون، التي عملت بريطانيا الاستعمارية علي فرضها بكل الوسائل والطرق، المسلحة وغير المسلحة.

 

احد الفروق الرئيسية بين النظام الروماني والاستعادة الامبريالية الحديثة لهذا النظام هو بالطبع التوجه العالمي للامبريالية الحديثة. كان السلم الروماني سلماً وقوانين للامبراطورية ومناطق حلفائها؛ ولكن الافق الامبريالي افق عالمي، يفترض مسؤولية عدد قليل من القوي الاوروبية الغربية عن شؤون العالم وقيمه وعلاقاته. حتي ان مصير الجزء الاكبر من القارة الافريقية تم الاتفاق عليه في مباحثات بين القوي الامبريالية نفسها. كما ان مصير السلطنة العثمانية وشعوبها تم تقريره ابان الحرب العالمية الاولي في اتفاقات سرية بين بريطانيا وفرنسا. استمر هذا التقليد خلال فترة ما بين الحربين، عندما كانت عصبة الامم تمثل مظلة ما للعلاقات الدولية وتخضع تماماً للقوتين الامبرياليتين البريطانية والفرنسية. واستؤنف من جديد بعد نهاية الحرب الثانية وتأسيس الامم المتحدة وانقسام الكتلة الغربية بين مجموعة شيوعية يقودها الاتحاد السوفياتي واخري اطلسية تقودها الولايات المتحدة. ما يشهده العالم اليوم هو في الحقيقة محاولة امريكية جاهدة لتحويل نهاية الحرب الباردة وخروج روسيا من المنافسة علي المقعد الاول في النظام الدولي الي سيطرة امريكية متفردة علي الشأن العالمي، سيطرة تشارك فيها القوي الغربية الاخري، بما في ذلك تلك الحليفة للولايات المتحدة، باعتبارها شريكة اصغر وملحقة.

 

بيد ان سياسة التفرد الامريكي، لاسيما في منطقة المشرق العربي والاسلامي، تحولت خلال السنوات القليلة الماضية الي سياسة مدمرة، لم ينتج عنها حتي الآن الا الموت والخراب وتأجيج الاضطراب وعدم الاستقرار. كل تدخل اجنبي تسبب في الموت والخراب والاضطراب. فالنزعة الامبريالية لاعادة تشكيل العالم علي صورة الانظمة الغربية المسيطرة كان لابد ان تصطدم بتقاليد وقيم وانمطة حياة مستقرة في البلدان التي اخضعت للسيطرة. ولكن ما تشهده المنطقة العربية ـ الاسلامية اليوم يختلف عن الانظمة الامبريالية السابقة في عدد من الوجوه. الاول، ان السياسة الامريكية تلجأ الي مزيج من السيطرة العسكرية المباشرة، كما هو الحال في فلسطين وافغانستان والعراق، والسيطرة او التدخل غير المباشر التي توظف فيه وسائل الضغط والتهديد السياسي والاقتصادي. الثاني، ان السياسة الامريكية تواجه مقاومة اشد وامضي من المقاومات التي واجهتها القوي الامبريالية التقليدية. فبعد ان حازت الشعوب المستعمرة علي استقلالها ووضع نهاية للاستعمار المباشر، لم تعد لترضي بالسيطرة الاجنبية، مباشرة كانت او غير مباشرة. اما الثالث، فيتعلق بالنهج الامريكي ذاته. اذ لم يسبق لاي من القوي الامبريالية ان جعلت الفوضي وعدم الاستقرار (الفوضي الخلاقة، كما اسمتها وزيرة الخارجية الامريكية) سياسة رسمية ومقصودة، يخطط لها ويتابع تنفيذها بالوسائل العسكرية والدبلوماسية المتعددة.

 

مهما قيل عن اخطاء واهداف الغزو الامريكي للعراق، فان احداً ما كان له ان يتوقع خضوع العراقيين للسيطرة الاجنبية. ولكن حتي ان افترضنا ان الادارة الامريكية اخطأت في حسابات ما بعد الاحتلال، او انها تعرضت للتضليل من حلفائها في المعارضة العراقية السابقة، فليس ثمة اجراء امريكي واحد في العراق المحتل الا وحمل معه بذور الموت والخراب والاضطراب، من تقويض عري الدولة العراقية، وتسليم مقاليد الحكم الجديد لحفنة من السياسيين الذين لم تربطهم بالعراق منذ عقود الا روابط واهية، وبناء نظام ما بعد الغزو علي اسس المحاصصة الاثنية والطائفية، ودعم التوجهات الفيدرالية التي يقصد بها تقسيم البلاد. فوق ذلك كله، رفضت الادارة الامريكية وترفض باصرار غريب وقصير النظر الاعلان عن جدول انسحاب قواتها من العراق. فقد كان علي القوات الامريكية ان تبدأ الانسحاب من العراق منذ اتضح ان الاحتلال والنظام الذي ولد عنه يواجهان مقاومة عراقية وطنية واسعة، تزداد عمقاً وتجذراً بمرور الشهور. وفي حين تسوغ واشنطن استمرار الاحتلال بان الانسحاب سيؤدي تلقائياً الي انفجار حرب اهلية، فان مؤشرات التطاحن الاهلي تزداد بروزاً، بدون ان تستطيع القوات المحتلة حماية نفسها او التصدي لقوي وعناصر الانفجار الداخلي، التي يرتبط بعض منها في تحالف مع نظام الاحتلال. العراق الجديد الذي ولد من رحم الاحتلال ومن التصور الامريكي للمشرق هو عراق معطوب، يمضي باتجاه المزيد من الموت والدمار.

 

كانت الاحتلالات الفاشلة والمتأزمة دائماً منبعاً لنشر عدم الاستقرار والحروب في الجوار. هذا هو الدرس الابرز للتورط الامريكي في جنوب شرقي آسيا، منذ الحرب الكورية الي الحرب الفيتنامية. والعراق المحتل، العراق المنقسم علي ذاته، اصبح مسرحاً وبؤرة ومدعاة لتقويض استقرار المشرق كله. التصاعد غير المسبوق في التدافع الطائفي والاثني في العراق، يتحول تدريجياً الي انقسام اثني وطائفي في عموم المنطقة: توتر في بلوشستان وخوزستان وكردستان الايرانية، في شرق سورية حيث تقطن اقلية كردية، وفي جنوب شرقي تركيا حيث المنطقة الكردية التركية. العناصر الجهادية المسلحة، كما الاحزاب الكردية المسلحة، تجد في العراق قاعدة للتدريب والتخطيط والانتشار في الجوار المشرقي كله، من تركيا الي السعودية ومن سورية الي الاردن. ولكن المسألة الاخطر تتعلق بتوجه الادارة الامريكية الي تبني سياسة هجومية اقليمية لانقاذ مشروعها المتداعي في العراق. من رحم هذه السياسة الهجومية التوسعية، وان جزئياً، تبلورت السياسة الامريكية تجاه سورية وايران.

 

بالرغم من الاخطاء السورية الفادحة في لبنان، تلعب السياسة الامريكية (والفرنسية بالطبع) دوراً مباشراً وكبيراً في تصعيد الازمة والانقسام في لبنان. وحتي بعد خروج القوات السورية، تورطت شخصيات سياسية لبنانية، تحت تأثير اوهام الدعم الامريكي، في محاولة اطاحة النظام السوري وتحويل لبنان الي قاعدة للعناصر السورية النشطة في هذا المجال. بعد فشل هذا المسعي، سارعت القوي اللبنانية المتحالفة مع واشنطن الي فتح ملف المقاومة اللبنانية، التي لم تكن يوماً طرفاً في الصراع الاهلي اللبناني. وفي حين يصعب في ظل الخطر والتهديد الاقليمي المتصاعد تصور قيام المقاومة بالتخلي عن سلاحها، فلم يكن ليضير لبنان ما بعد الانسحاب السوري ترك ملف المقاومة للزمن ولتوافق اللبنانيين انفسهم، بدلاً من تحويل مسألة المقاومة الي قنبلة موقوتة تهدد بتقويض الدولة اللبنانية والسلم الاهلي اللبناني. علي نحو او آخر، ينعكس التأزم الامريكي في العراق علي السعي الامريكي السافر لاهانة سورية وتقليص نفوذها الاقليمي.

 

اما السياسة الامريكية تجاه ايران، فتوشك ان تفتح ابواب جهنم، في ايران نفسها وفي الاقليم ككل. فطبقاً لكل الاعتبارات القانونية والعلمية، لا يشكل النشاط النووي الايراني خرقاً للمعاهدات الدولية، ولا يشير علي اي نحو جاد وملموس الي تطوير ايران سلاحاً نووياً. تعلن ايران عزمها علي تخصيب اليورانيوم لاهداف سلمية، وتقبل رقابة دولية دائمة علي هذا النشاط؛ في حين ان عدد وحدات فصل اليورانيوم التي تشغلها الآن لا يمكن ان يصل الي مستوي التخصيب الضروري للتسلح الا بعد سنوات طوال. وبالرغم من هذه الحقائق المعروفة جيداً في واشنطن، تدفع الادارة الامريكية الملف الايراني نحو التصعيد، وربما الحرب. ويبدو من المؤكد، بالنظر الي التحالفات الايرانية الواسعة في الجوار، ان تؤدي الهجمة الامريكية (ان وقعت) الي تفجير واسع النطاق في المنطقة والي مزيد من التوتر وسفك الدماء في العراق.

 

اما السياسة الامريكية في فلسطين فتمثل اقصي درجات الاستهتار بامن المنطقة وشعوبها. فالحكومة الفلسطينية التي تقاطعها الولايات المتحدة، والتي دفعت الاوروبيين وغيرهم الي مقاطعتها وحصارها، والتي تعلن واشنطن بلا مواربة انها تستهدف اسقاطها، هي حكومة شرعية، منتخبة، وصلت الي الحكم عبر عملية ديمقراطية بالغة الشفافية، عملت الولايات المتحدة نفسها علي اجرائها. تقود هذه الحكومة قوة سياسية فلسطينية تخالف الولايات المتحدة في كثير من سياساتها تجاه المسألة الفلسطينية، ولكنها قوة مسؤولة، حرصت دائماً (كما القوي الفلسطينية الاخري) علي ابقاء حركة التحرر الوطني الفلسطيني ضمن حدود فلسطين نفسها. وبعد سنوات من التماهي الامريكي مع الاحتلال الاسرائيلي، تهدد سياسة المقاطعة والحصار حياة الفلسطينيين كشعب، وتصعد حالة التوتر في الشارع الفلسطيني. والاخطر، ان السياسة الامريكية تجاه فلسطين، كما هي تجاه العراق ولبنان وسورية وايران، سياسة قصيرة النظر لا تضع في حسبانها احتمالات الصباح التالي. اذ يدرك اغلب المراقبين للشأن الفلسطيني ان اسقاط الحكومة الفلسطينية الحالية سيؤدي الي انهيار ما تبقي من الحكم الذاتي الفلسطيني. فاي حكومة قادمة ترضي عنها واشنطن ستقع تحت رحمة اكثرية برلمانية معارضة؛ وحتي ان اقدم الرئيس الفلسطيني علي حل البرلمان، سيصعب اجراء انتخابات تشريعية جديدة بعد سلب الاكثرية حقها في الحكم. ما سينجم عن السياسة الامريكية تجاه فلسطين ليس سلماً وحياة كريمة للفلسطينيين، بل المزيد من الفوضي والصراع الداخلي.

 

ليس من الممكن تجاهل حقائق القوة في العالم؛ والولايات المتحدة هي اكبر القوي العالمية واكثرها تأثيراً. وللولايات المتحدة مصالح في المشرق العربي ـ الاسلامي لا يمكن تجاهلها، يعتبر النفط من اهمها علي الاطلاق. المصالح الامريكية المشروعة يمكن تحقيقها من خلال تفاهمات استراتيجية؛ ولكن مصلحة الشعوب العربية والاسلامية، والعالم ككل، هي في انسحاب امريكي سياسي وعسكري من المنطقة.

 

(*) باحث عربي في التاريخ الحديث

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 27 أفريل 2006)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.