الخميس، 21 ديسمبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2404 du 21.12.2006

 archives : www.tunisnews.net


 د. منصف المرزوقي: تصريح قدس برس: السلطات العسكرية الجزائرية تحتجز طائرة مدنية تونسية للتحقيق « الشروق » الجزائرية: التحقيق مع طاقم طائرة تونسية نزلت بمطار تلاغمة العسكري د. منصف المرزوقي: التجميع : كيف  ولأي هدف. علي شرطاني: أما آن لهذا » الفارس » أن يترجل؟ ! الحبيب أبو وليد المكني: ماذا بقي من الإسلام  في برنامج الإسلاميين الديمقراطيين؟  حاتم الشعبوني: كيف نحتفل بذكرى حقوق الإنسان محمد الصالح فليس: ذ كـرى بـأي حذال عـدت….يـا ذ كـرى… ؟ فتحي بن الحاج يحيى: « أكتاف » شكري الصيفي: جبهة الانقاذ المحظورة في الجزائر: أي أفق للعودة السياسية؟ توفيق المديني: رؤية نقدية لمقولة الدولة الفلسطينية الطاهر الأسود: في تقييم جدوى الدكتاتورية (بعد رحيل بينوشيه) اسيا العتروس: في الذكرى 125 لمولد أتاتورك – هل كان الزعيم التركي فضّا في اقتلاعه لغة القرآن واستبدالها بلغة تركية؟


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 


برنامج التلفزة البلجيكية حول الحرّيات في تونس

 

http://smawebdesign.com/mcgallerypro/show.php?start=0&id=127&video=1


Action Note Blanche / يوم التّدوينة البيضاء / Action Blank Post

يوم الإثنين 25 ديسمبر 2006، يعبّر المدوّنون التّونسيّون عن إحتجاجهم على منع عدد من المدوّنات التّونسيّة و من بينها مدوّنات فلسفة، سامي ١١١ و سمسوم عن النّشر في تونس في الآونة الأخيرة كلّ مدوّن يرغب في التّعبير عن مساندته يستطيع المشاركة في يوم التّدوينة البيضاء و ذلك بأن ينشر تدوينة فارغة بلا عنوان و لا شيء غير ذلك لمدّة 24 ساعة إن لم تتمكّنو من نشر تدوينة فارغة تماما يمكنكم إستعمال نقاط متتابعة لملىء الفراغ من لا يرغب في نشر تدوينة فارغة يستطيع مساندة هذه المبادرة بأن يتوقّف عن التّدوين تماما طوال الفترة المحدّدة لإعلان مشاركتكم قبل التّاريخ المحدّد تستطيعون نشرإعلان أو تدوينة تحتوي على الصّورة الموجودة أعلاه و تحديد مصدرها بإستعمال رابط إلى هذه الصّفحة ، و لذلك يمكنكم إتّباع الطّريقة التّالية

صورة و رابط يمكنكم المساعدة أيضا في بثّ هذه المعلومة لدى بقيّة المدوّنين التّونسيّين و حتّى الأجانب وكلّ من قد يهمّه الأمر

Lundi 25 décembre 2006, les bloggers tunisiens se mobilisent pour protester contre la censure des blogs de Samsoum-Usa, SamiIII et Felsfa et d’autres. L’Action Note Blanche consistera, pour tous les bloggers souhaitant apporter leur soutien, à publier une note vide et rien d’autre (aucune autre note, aucun commentaire) pendant 24h. Si votre hébergeur ne vous permet pas de mettre un post vide, vous pouvez mettre trois points de suspension dans le titre et faire de même dans le corps du post.Ceux qui ne souhaitent pas le faire peuvent soutenir l’action quand même en s’abstenant de publier quoique ce soit pendant ces mêmes 24h. Vous pouvez annoncer votre participation à l’action sur vos blogs avant cette date en utilisant le logo ci-dessus et en mettant un lien vers ce post. Vous pouvez insérer directement le code suivant soit dans le code html de votre post d’annonce ou dans votre template :

Document_Code Votre aide est requise pour faire connaître l’action et ceci en diffusant l’information auprès de tous les bloggers tunisiens, et même auprès de bloggers étrangers et de toute personne qui pourrait être intéressée de le savoir.

=========================

 

 

On Monday december 25th, 2006, tunisian bloggers rally to protest against the censorship of some tunisian blogs including Samsoum-Usa, SamiIII , Felsfa and others.

Bloggers who want to show their support can join the Blank Post Action. This action consists in publishing a blank note on their blogs, and nothing else (no posts, no comments) during 24 hours

If you cannot publish a blank note in your blog, you can use suspension points in the title section and also in the note itself.

Those who don’t want to join the action by publishing a blank note can support it by stopping any blogging activity during that day.

You can announce your participation to the action in your blogs before the chosen date by using the logo we designed for it (english version or french version) and linking it to the present post. You can add it in your template or in a special post using the code that you can find in this document :

Document_Code

Your help is needed to make others know about this action, so try to talk about it to any tunisian or foreign blogger or any person that can be interested.

posted by MetallicNaddou at الخميس, ديسمبر 21, 2006  

(Source : le blog Attounissia, le 21 décembre 2006)

Lien : http://attounissia.blogspot.com/2006/12/action-note-blanche-action-blank-post.html)


 

تصريح

باريس في 21 -12-  2006

 

غادرت اليوم  تونس إلى باريس بعد أن قضيت شهرين في إقامة جبرية غير معلنة، حيث تعرضت لحصار بوليسي غير مسبوق، تمثل في تطويق  بيتي من قبل أربع سيارات  ليلا نهارا، ومنع وتعطيل وإرهاب زواري و،التعرض لي بالقوة يوم 3 ديسمبر لمنعي من الخروج من بيتي ،  ثم الاعتداء اللفظي والجسدي من قبل منحرفين جندهم النظام في سوسة والقنطاوي والكاف وهرقلة أي في كل مكان أذهب إليه لإرهابي وإعلامي أن الشارع أصبح محرما علي.

كما تم استدعائي يوم  12  ديسمبر للمثول أمام  » قاضي » ما مكلف باتهامي بالتحريض على العصيان المدني ،وهي التهمة التي أتشرف بها ولا أتشرف بالمثول أمام موظف يلعب دورا تعيسا في تمثيلية العدالة الساقطة. وبناء على هذا الرفض توقعت جلبي بالقوة ومنعي اليوم من السفر المقرر سلفا لأسباب عائلية وصحية . وخلافا لكل توقع استطعت المغادرة وهو ما يدل على قيمة القانون  في بلادنا الذي يقضي بتحجير السفر على كل متهم وقيمة القضاء المكلف بالسهر على هذا القانون.

ما من شك أن خروجي بهذه الصفة الميسرة هو دليل على رغبة السلطة في تفادي محاكمة هي عاجزة عن تحمل تكلفتها السياسية والإعلامية وأن أمل النظام هو أن الجحيم الذي عشته  هذين الشهرين قد لقنني درسا لن أنساه وأنني سأرحل نهائيا.

ما فات العصابة الحاكمة  أنني لم أدافع يوما عن أمني ورفاهتي وإنما نذرت نفسي للدفاع عن شرف شعبي الذي أذله جبروت العائلتين الفاسدتين والمفسدتين وبالتالي فإن ما تعرضت له هذه المرة ، وهو قطرة من فيض سابق  لن يثنيني  عن المواصلة إلى أن تتحرر تونس وتحصل على استقلالها الثاني من المحتل الداخلي,

لقد كلفتني قيادة المؤتمر من أجل الجمهورية بمهمة سياسية في الخارج وحال إتمام هذه المهمة وحالما تسمح ظروفي الشخصية بذلك فإنني سأعود إلى أرض الوطن لأنها أرضي وأرض أبائي وأجدادي وسأعيش عليها مهما كانت شراسة العصابات وأساليبها  الحقيرة التي تفضح معدن ومستوى صاحبها.

مجدّدا أهيب بكل التونسيين والتونسيات للخروج من الانتظارية والسلبية والتجند بكل الوسائل السلمية  لنصرة وطن لم يعرف في تاريخه الحديث حالة من التأزم والاختناق قدر التي يعيشها اليوم . وليكن شعارنا إلى انتصار المقاومة العائلتين الفاسدتين المفسدتين لا خوف ولا ذلّ بعد اليوم .

منصف المرزوقي

رئيس المؤتمر من أجل الجمهورية  .

 


 

 

السلطات العسكرية الجزائرية تحتجز طائرة مدنية تونسية للتحقيق
الجزائر – خدمة قدس برس كشفت صحيفة /الشروق/ الجزائرية أن السلطات العسكرية الجزائرية تحتجز منذ مساء الثلاثاء (19/12) طائرة إيرباص تابعة لشركة « نوفال إير »، التونسية. وذكرت الصحيفة في عددها الأربعاء (20/12)، أن السلطات العسكرية بمدينة تلاغمة، من ولاية ميلة غرب العاصمة الجزائرية، لا تزال محتجزة على ذمة التحقيق في مطار تلاغمة. ويبدو أن الطائرة المدنية التي كان من المفترض أن تتولى نقل طاقم فريق ومسيري أهلي جدة السعودي إلى الرياض في المملكة العربية السعودية، في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء (19/12) نزلت في المطار العسكري تلاغمة بولاية ميلة، على وجه الخطأ، بدل من الهبوط المطار المدني بسطيف. وذكرت المصادر أن السلطات تحقق مع طاقم الطائرة التونسي والمكون من 12 شخصا، كانوا على متن الرحلة. وقالت الصحيفة بشكل فيه نوع من السخرية أن الخطأ الجسيم الذي وقع فيه طاقم الطائرة، جعل السلطات العسكرية تحتجز الطائرة بالمطار إلى حين استكمال التحقيق، في هبوط الطائرة في مطار مخصص للاستخدمات العسكرية، ودون رخصة من السلطات المعنية.   (المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال بتاريخ 20 ديسمبر 2006)

الجزائر: احتجاز طائرة تونسية هبطت خطأ في مطار عسكري

 

 
الجزائر – محمد مقدم     احتجزت السلطات العسكرية في الجزائر طائرة ركاب تابعة لشركة «نوفال آير» التونسية الخاصة، بعدما هبطت عن طريق الخطأ في مدرج مطار مدينة تلاغمة العسكري في ولاية ميلة (360 كلم شرق الجزائر)، بدل مطار ولاية سطيف المدني الذي كانت تقصده. وقال مسؤولون في مطار سطيف إن الطائرة وهي من طراز إيرباص «ايه – 320» حطت مساء أول من أمس فوق مدرج المطار العسكري وعلى متنها 12 شخصاً هم طاقهما المكلف نقل فريق نادي «أهلي جدة» السعودي لكرة القدم بعد مباراة مع فريق جزائري. وحققت السلطات مع أفراد الطاقم، ولا تزال تحقق في ظروف هبوط الطائرة من دون إذن. وكان النادي السعودي استأجر الطائرة التونسية لنقل فريقه لكرة القدم ومشجعيه إلى جدة. لكن الخطأ دفع السلطات الجزائرية إلى احتجاز الطائرة والتحقيق مع طاقمها. واستأجرت الشركة التونسية طائرة ثانية لضمان نقل الفريق السعودي. (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 21 ديسمبر 2006)


التحقيق مع طاقم طائرة تونسية نزلت بمطار تلاغمة العسكري

تاريخ المقال 20/12/2006   كانت الساعة تشير إلى الخامسة والنصف من مساء يوم الثلاثاء، عندما فاجأت طائرة من نوع « إيرباص 320A » تونسية، مرسوم عليها العلم التونسي، برج مراقبة مطار التلاغمة العسكري « ولاية ميلة »، وحطت على مدرجه من دون سابق إنذار، وهو ما أحدث حالة طوارئ، لأن المطار العسكري الصغير المتواجد على بعد 55 كلم جنوب قسنطينة غير مهيء إطلاقا لاستقبال مثل هاته الطائرات الضخمة، إذ لا يتعدى طوله الكيلومتر ونصف ولا يتجاوز عرضه العشرين مترا، إضافة إلى انعدام الإضاءة فيه، مما يعني خدمته النهارية فقط. التحقيق متواصل مع قائد الطائرة ساعة بعد هذا النزول « الخطأ » في مطار التلاغمة العسكري. كانت الشروق اليومي في عين المكان، حيث أكد لنا قائد كتيبة الدرك الوطني بالتلاغمة بأن النزول جاء عن طريق الخطأ، إذ طارت الطائرة من مطار تونس الدولي واجتازت أجواء تبسة وقسنطينة، وكان من المفروض أن تحط بمطار سطيف حوالي السادسة مساء إلا ربعا، لنقل عناصر فريق أهلي جدّة إلى المملكة السعودية بعد توقف في القاهرة، ولكنها حطت في مطار تلاغمة على بعد ما لا يقل عن 70 كلم من مطار سطيف المدني. وعندما أدرك فريق أهلي جدة بأن الطائرة التي تقله إلى بلده لن تكون في الموعد تمّ الإتفاق على إرسال طائرة « تونسية » أخرى، التي وصلت صباح أمس إلى سطيف، بينما بقيت الطائرة الأولى جاثمة في تلاغمة طوال نهار أمس تحت التحقيقات عن سر هذا النزول الذي جاء حسب مصادر أمنية من عين المكان أكدت صباح أمس للشروق اليومي بأن طاقم الطائرة نزل بالمطار العسكري من دون أن يتلقى الضوء الأخضر من برج المراقبة ولحسن حظه أنه لم يكن يحمل معه مسافرين ولم يكن أيضا بالمطار الصغير أية طائرة أخرى، فعلى مدار تواجدنا أول أمس وطوال نهار أمس، قرب مطار تلاغمة لم نشاهد أية طائرة عسكرية باستثناء مروحية عسكرية كانت تحلق حوالي المطار بين الفينة والأخرى. وقد علمنا بأن التحقيق بوشر فيه مع قائد الطائرة وهو تونسي الجنسية، كان بصحبة مساعدين من تونس وثلاثة مضيفين من المملكة العربية السعودية، وهو طاقم صغير بالنظر إلى الوفد الرياضي السعودي الصغير، كما تواجد صباح أمس فريق من تقنيي مؤسسة تسيير مطاري سطيف وقسنطينة ومصالح الحماية المدنية لولايتي ميلة وقسنطينة، إضافة إلى الحضور الأمني المكثف لمصالح الدرك الوطني والجيش الوطني الشعبي، وإذا كان قائد المجموعة الولائية للدرك الوطني قد أشار إلى وجود خلل تقني في الطائرة بعد سؤالنا عن سر هذا النزول، فإننا لم نلاحظ طوال نهار أمس أي أعمال صيانة وتصليح على الطائرة، مما يجعل فرضية النزول « الخطأ » هي الأقرب ويجعل مباشرة التحقيق والتدقيق فيه إجراء ضروري مادام مكان النزول إسمه « مطار عسكري. مصادرنا كشفت عن تنقل واليي قسنطينة وميلة وقائد الناحية العسكرية الخامسة وبعض الضباط السامين الذين اجتمعوا بخصوص هذا النزول المفاجئ على مدرج المطار العسكري الذي يبعد عن وسط مدينة التلاغمة بحوالي كلم واحد.. وبينما كانت الطائرة جاثمة في مطار تلاغمة، كان السوسبانس يخيم على أسرة فريق أهلي جدة الذي مني بهزيمة أمام أهلي البرج وخوف على طائرة لم تصل. هزيمة لم تكن على البال وعودة مشوبة بالخوف فقد عاشت تشكيلة نادي أهلي جدة السعودي لحظات « 9 ساعات » لن تنساها بسطيف عقب هزيمتها أول أمس الثلاثاء أمام فريق أهلي البرج، حيث تغيّر برنامج العودة « جذريا » بعد ما وقع ما لم يكن في الحسبان، حينما حطت طائرة الإيرباص « أ 320 » عن طريق الخطأ بالمطار العسكري بالتلاغمة « ولاية ميلة » وهو ما كلفها « عملية الحجز » من قبل السلطات العسكرية التي فتحت تحقيقا أمنيا في القضية التي شغلت الرأي العام السطايفي طيلة نهار أمس. الشروق اليومي، كما تنقلت إلى مطار تلاغمة، تحركت وكانت في المكان المناسب بسطيف وتابعت كل صغيرة وكبيرة تتعلق بهذا الحادث « العابر »، بل والغريب » البعثة السعودية، كانت متواجدة بمطار سطيف الدولي في حدود الخامسة مساء وكانت في انتظار الطائرة التابعة لشركة « الطيران الجديد » التونسية والتي يقع مقرها بمدينة المونسيتر قبل أن يطول انتظارها بدرجة « غير معقولة » على إثر الهبوط الغريب لطاقم الطائرة بمطار التلاغمة العسكري. بعدها وصل « تلغرام عاجل » من المطار العسكري بالتلاغمة إلى المطار المدني بسطيف، قام فيه بإعلام إدارة هذا الأخير، بما وقع حتى يتسنى للمسؤولين تسوية القضية مع البعثة السعودية وعدم تركها عرضة للإنتظار الذي لا طائل منه، مادام أن هذا الهبوط « المفاجئ » لن يكون « عابرا » بالنسبة للسلطات العسكرية التي أكدت بأنها لن تفرج عن الطائرة وطاقمها إلى غاية استكمال التحقيق. المعطيات التي استقيناها من مطار سطيف، تؤكد بأن مركز التوجيه خاطب الطاقم التونسي بأن الوصول ليس بعد، لكن الهبوط تمّ بالتلاغمة في مطار مستعمل فقط للطائرات العمودية « الهيلكوبتر »، وهو ما يعني تعرّض عجلات الطائرة التونسية لبعض الأضرار حسب خبراء من مطار سطيف. وأمام طول الإنتظار، وبعد وصول التلغرام العاجل، بادرت إدارة مطار 08 ماي 45 إلى الإتصال بإدارة نادي « وفاق سطيف » على اعتبار أن إدارة الأهلي البرايجي لم ترافق ضيوفها لتوديعهم بالمطار، وكان أول من سمع بالخبر مناجير الوفاق « وليد صمادي » الذي سارع لإخبار رئيس الوفاق عبد الحكيم سرار ونزل الثلاثي سرار، صمادي، لعرو على عجل إلى مطار سطيف للإطلاع على الوضع، قبل أن يتدخل المسؤول الأول بالولاية السيد نور الدين بدوي لإنقاذ الموقف، بعد ما سمع ببقاء بعثة أهلي جدة في المطار للإنتظار في الوقت الذي من المستحيل أن يكون الإقلاع في سهرة الثلاثاء، وقرّر « فورا » تشكيل خلية أزمة بعد استدعاء كل السلطات المدنية والعسكرية والتنفيذية للتجنّد لفعل أي شيء يحفظ ماء الوجه « رغم أن وفاق سطيف، ليس في طول القضية ولا عرضها » وفعلا، اتخذت « حالة الإستنفار » وتمّ استدعاء كل المسؤولين المعنيين أين تقرّر التكفل بالبعثة التي وصل عدد أفرادها 43 شخصا بقيادة نائب رئيس أهلي جدة السيد عبد الله البلوش، وتمّ نقل « الضيوف » الذين مكثوا بالمطار 03 ساعات كاملة « فورا » إلى فندق الهضاب بقلب مدينة سطيف. رئيس الوفد السعودي البلوش، كلم « عاجلا » مدير الشركة التونسية الخاصة « الطيران الجديد »، الذي لم يتردد في تلبية طلب البلوش بإرسال طائرة أخرى بسرعة لنقل التشكيلة بعد ما اقتنع الإثنان بأن الإقلاع مجددا بالطائرة الأولى « مستحيل » ولن ينفع أي تدخل مهما كان « فوقيا » في حلّ المشكلة، لأن المسألة تتعلق بأمن الدولة. الإتصال أثمر إيجاد حلّ يقضي بوصول الطائرة الثانية في الحادية عشرة ليلا « من يوم الثلاثاء » قبل أن يتم صرف النظر عنه، لأن الموافقة على التصريح المدني من إدارة الطيران لم يكن ممكنا بتلك السرعة، وتأجل كل شيء لغاية صبيحة الأربعاء. الطائرة الثانية من نوع إيرباص « أ 320 » والتي تسع لـ180 راكبا وصلت إلى مطار سطيف « الذي لم تخطئه هذه المرة » في حدود الثامنة والنصف صباحا، أين تنقلت البعثة السعودية التي أكرمها الوالي باستضافة في فندق الهضاب إلى المطار في حدود الساعة التاسعة والربع، حيث لقيت هناك كل التسهيلات من طرف القائمين على المطار وكذا قوات الدرك والشرطة والأمن وكذا عناصر الجمارك وعدد من المسؤولين التنفيذيين « ديوان الوالي ومدير الشباب والرياضة ومدير النقل…، أين كانت « الرعاية سامية فعلا » بوضع كل الطاقم السعودي في القاعة الشرفية الرسمية للمطار، أين قامت مصالح مطار سطيف بمعالجة كل جوازات السفر وكل الإجراءات الجمركية بطريقة عالية جدا « لم تجدها الفرق الجزائرية بالخارج ولن تجدها »، وفي الوقت الذي كان اللاعبون والطاقم المسيّر يمرحون ويتناولون الإكراميات، كانت الإجراءات قد انتهت « سريعا » وظلت المجموعة تأخذ الصور التذكارية بالقاعة التي صمّمت « كالتحفة » وظل مسؤولو الوفاق وخاصة الثنائي « صادي ورشيد لعرو » بصحبة إدارة الوفد السعودي، وبحضور رئيس نادي أهلي البرج الحواس رماش الذي استدرك خطأ فريقه بسرعة وقرّر الحضور لتوديع ضيوفه الذين هزمهم فوق الميدان، لكي لا تسجل عليه بأنه ترك ضيوفه في الوقت الذي احتضنتهم سطيف وإدارة الوفاق، خاصة إذا علمنا بأن سرار بقي رفقة صادي ورشيد مع البعثة لغاية منتصف الليل بفندق الهضاب، وهو الأمر الذي كان له الأثر الإيجابي عند مندوب السفارة السعودية بالجزائر الذي كان مع البعثة السعودية قبل أن يغادر نحو العاصمة، بعد ما تأكد بأن فريق بلاده لن ينقصه شيء مع السطايفية.   وبعد تسوية كل المسائل الإدارية والجمركية، رأى رئيس الوفد السعودي، بأن انطلاق الطائرة من سطيف وهبوطها بمصر للتزوّد بالكيروزان قبل المواصلة نحو جدّة غير مقبول، وقرّر « بسرعة » إتخاذ الإجراءات المناسبة للحيلولة دون النزول بمصر وتعديل برنامج الرحلة لتكون مباشرة من سطيف إلى جدة.   أهالي اللاعبين السعوديين بلغهم الخبر من الشروق عبر الجزيرة   واستدعى إذن الأمر، إعلام إدارة الطيران المدني المركزية بالعاصمة قصد إبداء رأيها على مخطط الرحلة الجديد الذي سيكون « سطيف ـ جدة.. وبعد فترة من الانتظار، جاءت الموافقة من العاصمة، على الخط الجديد للرحلة وشرعت شاحنات نافطال المعبأة بالكيروزان في تزويد الطائرة لمدة قاربت الساعة، وهو الأمر الذي يكشف من جهة أخرى، بأن « العيطة » التي قامت بها شركة « آي.ل أزور » بخصوص قضية الكيروزان منذ حوالي 06 أشهر « جوان 2006 » كانت مبالغة حينما اشتكت من نقص الكيروزان وعدم استطاعة الشاحنات التكفل بطلبات واحتياجات الطائرات، مع العلم أن الأشغال جارية بوتيرة حسنة لإتمام مشروع محطة التزود بالكيروزان. ماراطون الإجراءات والمفاجآت انتهى في منتصف نهار أمس الأربعاء، حينما تمت تسوية كل القضايا المتعلقة برحلة العودة لفريق أهلي جدّة وبعد ما أقلعت الطائرة في حدود الثانية عشرة بالضبط. الشروق اليومي التي حضرت مع البعثة لغاية الثانية عشرة ليلا من يوم الثلاثاء وإلى غاية الثانية عشرة من نهار يوم الأربعاء كانت قد اقتربت من أعضاء الوفد السعودي لأخذ إنطباعاتهم حول ما جرى، وسجلت بأن اللاعبين لم يعلموا في البداية بما حصل وتفاجأوا لما نقلوا إلى فندق الهضاب قبل أن يستحسنوا الأمر بعد ذلك على اعتبار أنّ ذلك سيمنحهم قسطا من الراحة، غير أنهم اعترفوا لنا بأن أهاليهم قد احتاروا لأمرهم، حينما اطلعوا من قناة الجزيرة التي أوردت المعلومات المتعلقة بهبوط طائرة أهلي جدة خطأ بمطار التلاغمة العسكري بعد اتصالها بجريدة الشروق اليومي.   وهنا، أضاف اللاعبون الذين حدثناهم بأنهم طمأنوا ذويهم بأنهم تحت الرعاية الكاملة ولا ينقصهم أي شيء ولا مجال لأي حيرة أو قلق، خاصة وأن تعزيزات أمنية استثنائية اتخذت لمرافقة الوفد في كل خطواته لغاية إقلاع الطائرة. وبدا اللاعبون بصفة « خاصة » في وضعية مريحة وبدون أي ضغط، حيث ظهرت عليهم علامات المرح والفرح، في الوقت الذي صرّح لنا رئيس الوفد عبد الله البلوش انبهاره بمستوى اللباقة واللياقة التي تحلى بها المسؤولون بسطيف، خاصة والي الولاية الذي جنّد الجميع لخدمة البعثة وكذا مسيري الوفاق السطايفي الذين لم يبخلوا بأي شيء وظلوا مع الوفد حتى نهاية « السوسبانس » قبل أن يؤكد بأن لاعبيه أحبّوا سطيف وأهلها وتمنى « صادقا » أن يكون لقاء النهائي في هذا الدوري العربي بين الوفاق السطايفي وأهلي جدة. فيما أضاف بأن إدارة فريقه ستبعث برسالة شكر وتقدير لوالي سطيف ولإدارة الوفاق عرفانا بالجميل   تحقيق: ن. معمري ودمان ذبيح  

نبذة عن شركة  » نوفال إير » التونسية : حادثان لإريرباص خلال الشهرين الماضيين

سميرة بلعمري samirabelamri@ech-chorouk.com  » أل بي تي هخي  » هي شركة طيران خاصة مركزها يقع بتونس أسست تحت تسمية  » آر ليبرتي تونس  » في الـ 6 أكتوبر 1989و هي فرع من شركة طيران فرنسية آر ليبرتي التي أتبتث عدم نجاح ولم تستطع مجاراة شركات الطيران الفرنسية . أعيد هيكلة هذه الشركة التابعة للطيران المدني التونسي في 1995 و يتشكل أسطولها الحديث العمر من طائرات أرباص آ 320 و آ 321 فقط. و للقيام بصيانة أصطولها أسست الشركة في 2001 فرعا فرنسي تونسي أطلق عليه تسمية  » أو آ دي أس سوجرما تونس بالشراكة مع أو آ دي أس سوجرما المتواجد مقره في المطار الدولي  » المناستير  » حبيب بورقيبة. هذه الشركة لها حصة من السوق التونسية بنسبة 32 بالمائة و تتقاسم السوق ذاتها مع شركة كرتاجو آرلاين بنسبة 20 بالمائة و كذا الخطوط الجوية التونسية بنسبة 48 بالمائة . للإشارة فإن شركة  » نوفل إير  » سجلت مشكلين منذ نشأتها وكان الأول بتاريخ الـ 9 أكتوبر في طائرة الإيرباص أ 321 على مستوى العجلات بعد فترة زمنية قصيرة من الإقلاع ، وفقدت إحدى عجلاتها الأمامية بعد أن حطت على أرضية المطار بطريقة إستعجالية بالمطار الدولي بالمدينة السويسرية جونيف و في الرابع نوفمبر جاء الدور على أ 320 التي توقفت عند عملية الإقلاع في نفس المطار تبعا لاكتشاف تسرب للكيروزان على مستوى جناحها الأيمن .  

السفارة التونسية  » للشروق اليومي » مطار تلاغمة العسكري غير مؤهل لإقلاع الطائرات المدنية

سميرة بلعمري: samirabelamri@ech-chorouk.com   أرجعت سفارة الجمهورية التونسية بقاء طائرة  » إيرباص أ 320  » التابعة للشركة الخاصة التونسية  » نوفل إير  » و التي أخطأت الهبوط أمس الأول خلال رحلتها باتجاه الجزائر بمطار تلاغمة العسكري عوض مطار مدينة سطيف المدني إلى أرضية هذا المطار غير المؤهلة لإقلاع الطائرات من هذا النوع ليلا . وأكدت السفارة التونسية في المراسلة التي تلقتها  » الشروق اليومي  » أمس عقب اتصالنا للاستفسار عن حادثة هبوط الطائرة التونسية التي كانت تقل أعضاء فريق أهلي جدة السعودي أن هبوط الطائرة التونسية بمطار تلاغمة لا يعدو إلا أن يكون هبوط خطأ من قبل طاقم الطائرة . وفيما لم تشر السفارة إلى الطريقة التي لجأت إليها السلطات التونسية لتسوية القضية وتصحيح الخطأ الحاصل مع السلطات العسكرية فقد أكدت هبوط الطائرة التونسية بمطار تلاغمة العسكري وبررت السفارة بقاء طائرة  » إيرباص أ 320  » بمطار تلاغمة العسكري إلى طبيعة أرضية المطار التي تجعل هذا النوع من الطائرات غير مؤهلة للطيران ليلا ، فيما أوضحت بأن بقاء الطائرة وطاقمها كاملا بمطار تلاغمة جاء بموجب اتفاق مع السلطات الجزائرية المختصة وإن لم تسم هذه السلطات لا باسم ولا بصفة ، مؤكدة بأن السلطات الجزائرية وفرت عناية كاملة لطاقم الطائرة في انتظار تجهيزها للإقلاع مجددا . للإشارة فإن شركة  » نوفل إير  » التي تعود لها ملكية طائرة  » إيرباص أ 320  » وفرت طائرة أخرى لضمان نقل الفريق السعودي ، فيما لم تحدد السفارة إن كانت الطائرة التي ألقها الفريق السعودي واجهت صعوبات للإقلاع عبر أرضية مطار تلاغمة ، خاصة وأن الطائرة التي وفرتها  » نوفل إير  » طائرة مدنية كالتي تحتجزها السلطات بالناحية العسكرية الخامسة. طبعة « الشروق » الألكترونية تسبق الطبعة الورقية لقد تحصلت الشروق اليومي على خبر نزول الطائرة التونسية يوم الثلاثاء مساء والذي يتضمن  » احتجاز السلطات العسكرية بمدينة تلاغمة ولاية ميلة لا تزال منذ مساء أمس الثلاثاء 19 ديسمبر 2006 طائرة إيرباص « أ.320 » التابعة للشركة الخاصة « نوفال إير » التونسية » في الوقت الذي كانت النسخة الورقية قيد الطبع ولم يكن بالإمكان نشر الخبر إلا على موقع الشروق اليومي الإلكتروني. إن إمكانية الانترنت في تجاوز حدود الزمان والمكان سيجعل منها أكبر تحد أمام الناشرين والقراء على حد سواء، إذ لم يعد من المستساغ – تكنولوجيا – انتظار أكثر من 10 ساعات لإطلاع القراء عن آخر الأخبار خصوصا مع انتشار استخدام الانترنت لدى فئات واسعة من المواطنين. لكن هناك كلمة لا بد منها في هذا المجال، فالنشر الإلكتروني أمامه تحديات أخلاقية أكثر منها مادية أو تكنولوجية ومنها « المهنية » في نقل الأخبار وذكر مصادر الخبر وضرورة إدراك المؤسسات الاقتصادية بأهمية الإشهار في المواقع الإلكترونية والتي حسب عدة دراسات متخصصة ستفوق عائدات الإشهار الإلكتروني عائدات الإشهار الورقي في المستقبل القريب.   (المصدر: صحيفة « الشروق » الجزائرية الصادرة يوم 20 ديسمبر 2006) الرابط: http://www.echoroukonline.com/modules.php?name=News&file=article&sid=4214                                

 


 

غرة ذي الحجة اليوم وعيد الأضحى السبت بعد المقبل

 

 
تونس : جاء في بيان لمفتي الجمهورية التونسية أن أول يوم من شهر ذي الحجة 1427 هو اليوم الخميس 21 ديسمبر 2006 وأن يوم الجمعة 29 ديسمبر 2006 الموافق 9 ذي الحجة 1427 هو يوم عرفة. ولما كان الحج عرفة فإن يوم السبت 30 ديسمبر 2006 « 10 ذي الحجة 1427  » كما ذكرت صحيفة »أخبار تونس » هو يوم عيد الأضحى المبارك لهذه السنة . وقد توجه مفتى الجمهورية بالمناسبة بالدعاء ليعيد أمثال هذه المناسبات والأعياد المباركة السعيدة على الرئيس زين العابدين بن علي بالخير واليمن والبركة وأن يمده بتأييده وموصول رعايته وتسديده ويجري على يديه كل خير وصلاح ورفاه ويعينه على تحقيق ما تولاه . كما يسأل مفتي الجمهورية الله أن يعيد أمثال هذه المناسبات المشرقة المباركة علي الشعب التونسي وسائر الشعوب الإسلامية باليمن والخير والسعادة والهناء وأن يحفظ الحجيج الميامين وأن يكتب لهم الخير العميم في سعيهم المبارك وأن يجعل حجهم مبرورا وذنبهم مغفورا .  
(المصدر: موقع محيط بتاريخ 21 ديسمبر 2006)

 

التجميع : كيف  ولأي هدف.

 

د. منصف المرزوقي

 

عندما أتأمل الوضع السياسي العام في بلادنا تأتيني، بحكم تكويني الأصلي، صورا طبية متعددة منها صورة الاختلاجات العضلية (fibrillations musculaires) وهي ارتعاشات  فوضوية وسريعة وعابرة للخلايا العضلية  يمكن أن تصيب جزءا من  الوجه أو الأطراف. وهي بتفرقها وضعفها تستهلك الطاقة ولا تنتج أي عمل  لأنها أعجز من أن تحرّك عضوا فما بالك بالجسم الذي لا يتحرك إلا بقرار وإرادة من الدماغ  تضبط لكل عضلة مهمتها وتنسق بين مختلف العضلات .

وبلادنا اليوم لا تعرف إلا الاختلاجات العضلية . هي تتخذ على مستوى  سلطة مهووسة بالرعب  المظاهر المضحكة المبكية التي نعاني منها جميعا: منع هنا وضرب هناك وحصار هذا والجري وراء ذاك…كل هذا وجسم الدولة خامد مشلول  يواصل تفككه وتعفنه.

نفس  الظاهرة عند المعارضات : بيان شديد اللهجة من هنا ، معركة أمام سجن من هناك ، خطبة عصماء تشفي الغليل في فضائية معروفة وحتى مغمورة ، ندوة في باريس ، صراع بالأيدي مع المليشيا في كلية القيروان ،الخ . ومن نافلة  القول  حظوظ هذه التحركات المتفرقة والمبعثرة والظرفية  لإخراج تونس من الظلمات إلى النور هي نفس حظوظ الاختلاجات العضلية لتحقيق نصر لعدّاء أولمبي في سباق الماراطون … أي معدومة . فالوضع المأساوي الذي تعيشه بلادنا، لن يتغير إلا بوجود إرادة تخطط للحركة الفاعلة و تنسق بين مختلف « العضلات المجتمعية  » للمشي  في الاتجاه السليم ولو كان طويلا وحافلا بالعقبات.

هذا ما يعود بنا لإشكالية تجميع قوى المعارضات، والظاهرة حاليا من مستوى الاختلاجات العضلية داخل الاختلاجات العضلية.

إن الأمر ليس فقط مسألة فعالية هذه القوى التي تكتسب ثقلا أكبر بتجمعها حسب الطرح المعتاد.هناك شيء أهمّ. إن ما نسعى لتحقيقه ،أي المجتمع التعددي الذي  تسيّر شؤونه دولة ديمقراطية، مرتبط  أساسا بالانتهاء من الأحادية البغيضة التي قادتنا للوضع الحالي، سواء كانت أحادية الزعيم أو أحادية التنظيم ،أو أحادية الرؤيا المجتمعية.

والقطع الجدّي  مع  هذه الأحادية يبدأ بتعلم العمل الجماعي المتعدد الأطراف  باكرا وإنضاجه طوال فترة المقاومة. إن نجحنا فيه نكون قد سهلنا كثيرا ما سيتبع يوم تنتهي الدكتاتورية، وإن أخفقنا فسيكون الأمر نذيرا بتجددها  في شكل أو آخر.

هذه القناعة العميقة هي التي ولّدت عند رفاقي في النضال وعندي شخصيا ثلاث محاولات للتجميع باءت للأسف كلها بالفشل.

1-سنة 1996 وقعت المحاولة الأولى بين مستقلين ( كاتب هذه السطور ، صدري الخياري ) وبين التقدمي الاشتراكي و التكتل وحزب العمّال الشيوعي. دامت النقاشات سنة كاملة وانتهت إلى اتفاق سياسي قررنا الإعلان عنه يوم 9 أبريل 1997 . صبيحة ذلك اليوم سحب طرف إمضاءه  دون أي إنذار أو تبرير وانتهى المشروع . هذا ما أدى لاستقالة سهام بن سدرين من حزبها وانخراطها في المجموعة التي قررت تأسيس المجلس الوطني للحريات على أنقاض المشروع المجهض وكبديل مؤقت له.

2- سنة 2001 تأسس الرباعي بين المؤتمر والتكتل والتقدمي والعمّال على أساس عدم الاعتراف بأي ترشح للدكتاتور وعدم القبول بالانخراط في أي انتخابات ينظمها. انتهى التحالف عندما خرج نفس الطرف الذي أفشل المبادرة الأولى على الاتفاق وقبل بالانخراط في اللعبة المغشوشة.

3- سنة 2003  تمّت دعوة كل الأطراف السياسية منها النهضة والمؤتمر والتكتل والتقدمي وحزب العمال  والأطراف الحقوقية دون استثناء. وحضر ممثلو هذه الأحزاب والجمعيات،باستثناء الرابطة والعمال

وناقشوا إلى آخر لحظة البيان الختامي الذي كنا نأمل أن يكون منطلق الجبهة الوطنية. للأسف تعللت أطراف بحجج واهية لرفض الانخراط في المشروع التي صاغته في أدق كلماته ثم رفضت الإمضاء عليه في آخر لحظة.

كل هذه الاخفاقات دفعتني للتفكير المعمق حول ظاهرة التجميع .مما انتهيت إليه، وهذه قناعتي إلى اليوم أن محاولة تجميع الطيف السياسي في تونس مطبوعة دوما بخيارين أساسين فاشلين، لا ولن يمكّنا أبدا من بناء أي جبهة حقيقية ضد نظام عصابات الحق العامّ وقررت فيما يخصني القطع معهما نهائيا.

الخيار الخاطئ  الأول هو التجميع  حسب الأشخاص.

 ما تسمعه دوما في هذا المجال هو خطاب من نوع  » كيف؟  نترك فلان بماضيه المجيد  وفلانة  بتاريخها الحافل….إنه أمر لا يعقل ».هكذا أصبحت  مشكلة التجميع شبيهة  بمشكلة إعداد قائمة المدعويين إلى حفلة زفاف . إياك أن تنسى فلان  وعلان و فلانة و إلا  سيغضبون ويحتج أصدقائهم وينغصون علينا العرس. أن تكون فلانة من أشدّ المتحمسات للمنهج الاستئصالي، وفلان من الداعين إلى الدخول في كل انتخابات الدكتاتور( للفضح والتمرن والتعريف بالحزب في الجهات)، وعلان  من القائلين بالرفض المطلق للنظام، وأن كل هذا لا يشكل فريقا منسجما، فهذا غير مهمّ  لأن المطلوب من التجميع ليس أن يكون منسجما وفعالا وإنما أن ….يجمّع . صحيح أنه لو أردنا القيام بندوة فكرية لاستعراض كل اختلافات التونسيين حول مبتدأ الخبر ومنتهاه، فلا خيار غير تنظيم التجميع على هذا المبدأ. لكن إذا كان الهدف خلق أداة تغيير سياسي فالأمر كمحاولة ربط عدد معين من الخيول لجرّ  عربة  وكل حصان أو فرس يحاول جرّ العربة في اتجاه مخالف لاتجاه الآخر . تصوروا سرعة هذه العربة وما يتكلف قيادتها من شدّ وجذب وحظوظها في وصول الهدف.

الخيار الخاطئ  الثاني  هو التجميع  وفق منطق القاسم المشترك الأصغر.

إنه الفشل الذي جسدته  هيئة 18 أكتوبر.

 كل من يدافعون عن هذا التجمّع، وخاصة أعضاء النهضة  الذين هم اليوم أكبر نصير له ،  مقتنعون  عن صدق أن التوحد حول المطالب الدنيا خير من لاشيء ،أن « الصغير » يمكن أن يكبر، وأن هذا الإطار هو الذي سيأتي بما لم تستطعه الأوائل  وكل ما في الأمر أن نترك له مزيدا من الوقت.

سمّت أم زياد مجموعة 18 أكتوبر »أصحاب الكرامات » لأن نقدهم كان، وربما لا يزال من المحضورات . هنا يجب التنبيه لكون العديد من الأطراف داخل المعارضة أصبحت  تواجه النقد بنفس عقلية السلطة أي باعتباره عدوانا شخصيا يجب الردّ عليه بالعتاب في أحسن الأحوال وبالغضب والقطيعة في أسوئها. إنه موقف مرفوض جملة وتفصيلا ،فما نتناقش حوله مصير وطن، وقضية مثل هذه يجب أن تترفع عن  الحملات لكن أيضا عن المجاملات. فما يتطلبه حجم الرهان  نقاش معمق وتقييم صارم لكل ما نقول وما نفعل  و إلا فما الفرق بيننا وبين النظام ؟

من هذا المنطلق، ودون أن يفسد اختلاف الرأي للودّ قضية، يجب الملاحظة :

– أن هذا التجمع لم يجمّع حيث هناك أطراف مثل » المبادرة الديمقراطية » بقيت خارجه،وكذلك عدد من الشخصيات المؤثرة غير المحسوبة على هذا التيار.أما وجود المؤتمر فيه فشكلي ومجرّد » أخذ بالخاطر ». فلا عبد الرؤوف العيادي ولا بقية قيادة المؤتمر ولا أنا شخصيا ننتظر أي شيء من هذا الهيكل الذي لا نريد به أي شرّ ولا ننتظر منه أي خير.

– أن « الصغير » لم يكبر لتتطور طلباته الحقوقية الثلاثة إلى موقف حازم ونهائي يعلن رفض أي شرعية لنظام عصابات الحق العام, بل بالعكس، فالتكتل لا زال يراهن على إمكانية العمل داخل إطار كان دوما بالغ الضيق ويضيق يوما بعد يوم، والتقدمي  يستعدّ  لمهرجان آخر من « الانتخابات » سنة 2009 تحت جناح  الدكتاتورية وفي إطار قواعدها.

– أن خيبة الأمل التي ولّدها كانت بحجم الآمال التي علقت عليها الكثير من الأطراف ومنها كاتب هذه السطور الذي وعده « الموحدون » في نوفمبر من السنة الماضية وعدا قاطعا أنّ » المؤتمر الوطني الديمقراطي » الذي أدعو إليه منذ 1996 سيلتئم في أجل أقصاه جوان 2006 ليصوغ مسودة الدستور المؤقت ويعلن انطلاق الإعداد للبديل السياسي . وعش يا فؤادي بالمنى.

لو حللنا سبب هذا الفشل لاكتشفنا أن الخلل كان هيكليا حيث  تم التجميع بين أطراف لها أجندات سياسية على طرفي تقيض  كأجندة المؤتمر وأجندة التقدمي ، وعلى طلبات رددناها عبثا عقدين من الزمن على مسامع نظام أطرش لا ولن « يحاور » أحدا إلا بالبوليس و » القضاء » والآن بالمليشيا.

هذا ما يعطي للتجمع وأهدافه صبغة سريالية وهو كمن يسعى لإطفاء حريق بمطالبة مشعله بشيء من التأدب والحياء  والكفّ عن فعله الشنيع .

*

لكل هذه الأسباب علينا إعادة طرح موضوع التجميع بصفة مختلفة تماما والكف عن التعلق بالأوهام والمثاليات والسذاجات ولا أتحدث عن سوء النية والتفويض والاستعمال  الشخصي عند بعض الأطراف.

عودة للبديهيات وأولها أن الحركة الوطنية الفلسطينية، رغم ما واجهته وتواجه  من أهوال، لم تكن يوما  موحدة …أن حركة مناهضة الميز العنصري في أفريقيا الجنوبية كانت مقسمة إلى خمسة أحزاب …أنه لا يوجد على امتداد الوطن العربي اليوم معارضة موحدة. فليكفّ الناس عن مطالبة المعارضة التونسية بما لا يوجد ولن يوجد في أي مكان وزمان.

البديهية الثانية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، انطلاقا من التجارب التي يحفل بها التاريخ، أن التجميع ليس حفل زفاف لا يجب أن ينسى مدعوا مهما -أو هكذا يظنّ نفسه- وإنما تجمع أشخاص لهم نفس التوجه السياسي من الناحية الاستراتجية والتكتيكية لا يهم من يبقى على قارعة الطريق ولو كان من أكبر النجوم النضالية.

البديهية الثالثة أن القضية مرة أخرى ليست التجميع من أجل التجميع ولكن التجميع من أجل حلّ مشكلة سياسية معينة في ظرف معين أي على خيار سياسي واضح . فما هي الخيارات المطروحة علينا اليوم ؟

هناك  خياران سياسيان لا ثالث لهما ،إلا لمن لا يفهم أو لا يريد أن يفهم أو يصرّ  على تضييع وقته ووقتنا بالبحث عن الطرافة وتلفيق المزيد من الاختلاجات العضلية .

الأول هو خيار من يشخّصون  الوضع كأزمة يمكن معالجتها بعدم طرح مسألة شرعية السلطة ، بالثبات على المطالب الحقوقية، بالتحلي بالصبر و » الاعتدال » في المطالبة ، بالبحث عن الدعم الخارجي لحمل النظام على بعض الإصلاحات ، باغتنام كل المواعيد » الانتخابية » للبروز على الساحة،وخاصة بعدم الكفّ عن طلب المشاركة في إطار النظام الحالي.

لمن  يمشون في هذا الطريق  بطبيعة الحال الحق في خيارهم  وفق قانون التعددية في الرؤى والبرامج.

أما الخيار الثاني فهو مبني على عكس المقولات السابقة الذكر: لا شرعية للنظام ، لا جدوى للمطالبة، لا شيء يرجى من  الخارج ، لا أمل إلا في القوى الحية ، لا مناص من المواجهة.

المهم أن القائلون  بهذا الخيار  يتواجدون  في كل الأحزاب والتنظيمات، ومنها حركة 18 أكتوبر، فالشرخ بين التيارين لا يمر بين الأحزاب والتنظيمات وإنما داخل كل حزب وتنظيم ،باستثناء المؤتمر الذي  لا يوجد فيه قائل  واحد بالخيار الأول.

هذا الخيار الذي أدعو إليه بكل قواي وأطلب من كل التونسيين والتونسيات دعمه والانخراط فيه هو أساس  تجميع  من اختاروه وترك الباب مفتوحا لمن ليسوا جاهزين له الآن وحول  مطلقات  ثلاثة .

– التشخيص المطلق : نظام لا يصلح ولا يصلح  وأداة خراب متواصل ومتسارع  للدولة والمجتمع.

– الهدف المطلق: أخذ الحكم  لإنهاء  هذا  التخريب و تأسيس نظام جمهوري وديمقراطي  يحقق  للشعب سيادته وللمواطن كرامته وللدولة هيبتها وشرعيتها.

–  الأداة  المطلقة : كل وسائل النضال المدني السلمي.

نعم  لا بدّ  من فرز الحلول وأصحابها حتى يتخذ كل أحد مكانه في تجمعه ولا نبقى مشلولين  إلى الأبد بمحاولة تربيع الدائرة والمزج  بين الماء والنار.من حسن الحظ أن الدكتاتور هو الذي عجل بالفرز وأن أحدا  لن يستطيع ابتداء من الآن التهرب من الخيار الصعب.

نعم علينا وضع الآليات التي ستسمح بتحريك الجسم المعطل وهي القيادة والخطّ والخطة.

آه نسيت أن أقول لكم أن الاختلاجات العضلية في الطب ظاهرة مرضية تنذر بوجود خلل في العضلات قد يكون عابرا وبسيطا لكنه يؤدي أحيانا إلى  الشلل وحتى إلى الموت. 

سوسة 20 -12 -2006


بسم الله الرحمان الرحيم

 

أما آن لهذا » الفارس » أن يترجل؟ !

 

فإذا كان من تقاليد القضاء الموظف في خدمة السلطة التنفيذية في أنظمة الإستبداد أن لا تمر أي محاكمة من محاكمات الرأي التي هي من خصوصياتها وثوابتها بدون إنزال العقوبة بكل من يتم تقديمه من الضحايا من طرف البوليس السياسي صاحب اليد الطولى بالبلاد والذي منحه نظام تحالف7 نوفمبر الرهيب بتونس تفويضا كاملا وصلاحيات واسعة بل غير محدودة لإحضار في أي وقت من أراد لمجرد الإشتباه في مخالفته نظام الحكم في الرأي، والقيام بأي نشاط لا يرضى عنه ولو كان ذات صبغة إنسانية تجاه من يستحق العون من المجتمع، فإن مسلسل المحاكمات لا يمكن أن ينتهي ما دام هناك من لم تثبت إدانته بما يستوجب إنزال العقوبة البدنية أو المالية أو الإدارية أو بعض هذه العقوبات أو كلها من نفس دوائر القضاء  الموجه، بل وما دام هناك إمكانية لإعادة محاكمة نفس الأشخاص من أجل نفس التهم بعد أن يكونوا قد أنهوا مدة العقاب الصادر ضدهم في محاكمات سابقة.

ولا أحد يدري إذا كان استمرار المحاكمات في القضية الواحدة لسنوات طويلة لنفس الأشخاص من أجل نفس التهم هذه المرة هو من قناعة بعض الأطراف التنفيذية ذات النفوذ في نظام تعددت فيه مراكز القوة وكثرت فيه التجاوزات، والتي لا أحد يستطيع أن يضع حدا لاستغلال نفوذها وتجاوزاتها، أو هو قناعة بعض الجهات القضائية الأشد حرصا من الجهات التنفيذية صاحبة النفوذ الأكبر في الأصل في هذا الإتجاه، والتي لها مصلحة في ذلك أو تلبية لرغبة من رغباتها أو استجابة لقناعة من قناعاتها أو إرضاء لجهة من الجهات أو طرف من الأطراف أو فئة من الفئات…على عدم إفلات أي كان خاصة حين يكون إسلامي المرجعية من العقوبة ولو كان بريئا، ولو استمرت نفس المحكمة في مواصلة القضاء في شأنهم بعدم سماع الدعوى لعدم توفر الأدلة وعدم ثبوت الإدانة.

وسواء كان هذا أو ذاك، فإن الأمر واحد. والشيء بالنسبة للمتضررين واحد. وتبقى السلطة التنفيذية هي المسؤولة أولا وآخرا عن تحول السلطات التي جاء الدستور موضحا ومعلنا الفصل بينها، واستقلال بعضها عن بعض إلى سلطة واحدة وإن اختلفت التسميات والوظائف باختزال كل السلطات في شخص فرد واحد الذي هو رئيس الدولة والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس الحزب الحاكم الذي ابتلع الدولة كلها. ليكون هذا الرئيس هو الدولة وهو الوطن والشعب. والكل خادم له وله عليه واجبات ولا حق لأحد عليه إلخ…..

في هذا الإطار تتنزل المحاكمة التي تمر هذه المرة بعامها الخامس. وهي التي انطلقت يوم13/11/2002 والتي أصدرت فيها مختلف مراحل المحكمة بمدينة قفصة حكما جائرا بالسجن مدة 13 شهرا حضوريا على اثنين ممن كانت حقيقة التهمة الموجهة إليهما مد يد المساعدة لزوجة السجين السياسي عبد الحميد الوحيشي الذي كان يقضي بسجون نظام بن علي حكما بالسجن لمدة 14 سنة، والذي ظل طيلة هذه المدة لا يعرف أبناءه الذين تركهم يوم تم إيقافه بتهمة الإنتماء إلى حركة النهضة الإسلامية سنة1990 صغارا لم يبلغوا بعد مرحلة التمييز من العمر ولا يعرفونه، والتي تم تحويلها إلى جمع أموال بدون رخصة والمحافظة على جمعية غير مرخص فيها: وهما علي شرطاني والتلميذ مضر بن جنات الذي لم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره لما شن تحالف نظام7 نوفمبر الرهيب الحملة الإرهابية لاستئصال الحركة المتهم بالإحتفاظ بها، وإنهاء تنظيمها وأي نشاط لها بالبلاد، وغيابيا على كل من السيد سيد فرجاني وعباس الشيحي بالمنفى والحكم بعدم سماع الدعوى على من سواهم.

ومنذ انتهاء محكمة الإستئناف بقفصة من النظر في القضية يوم19/3 /2002، أي ليلة أول هجوم عسكري لقوات التحالف الصليبي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على العراق وغزوه، والقضية متواصلة في الحضور على رزنامة القضاء الذي كان ينظر فيها على امتداد أكثر من أربع سنوات ما يقارب الـ15 مرة والنيابة العمومية مصرة على الإبقاء على القضية الباطلة والمنتهية أصلا منذ البداية حية ومتواصلة. وهي بالتعبير عن عدم رضاها بالحكم لا تريد من المحكمة في ما يبدو إلا أن تتراجع في تبرئة ذمة بقية الأخوة الأبرياء والمظلومين حقا من التهم الموجهة إليهم، والحكم مجددا بإدانتهم. ويبدو أنها لا ترضى بدون معاقبتهم بالرغم من كل شيء.

ولذلك فقد كان لها من طول النفس ما جعلها محتفظة بملف القضية الذي ستكون الجلسة المقررة ليوم الجمعة1 ديسمبر 2006 قد استنفذت بها حقها القانوني في التعقيب.وهي المرة الوحيدة التي تنهي فيها النيابة العمومية المرا ت الثلاث المخولة لها قانونا بالتعقيب. والتي تتواصل الدعوة فيها بالحضور لكل من الأخوة الذين مازالت المحكمة ترى أن عدم إدانتهم كان لعدم توفر الأدلة بما يوجب معاقبتهم قانونا وهم:لطفي داسي ومحسن النويشي ورضا عيسى ومحمد فوراتي والدكتور عبد الحلم الزواري وكلهم في حالة سراح بالداخل وسيد فرجاني وعباس الشيحي بالمنفى بالخارج.

وفي ما طلب الدفاع تأخير المحاكمة للإطلاع طلبت النيابة ذلك كذلك لتغيب كل من محسن النويشي والصحفي اللامع محمد الفوراتي الذين لم يحضرا بسبب عدم بلوغها الإستدعاء وباستجابة المحكمة لطلبهما فقد تم تأخير المحاكمة ليوم 22 ديسمبر 2006 .  

فإلى متى يمكن لمسلسل محاكمات الرأي الذي لا مبرر لها في بلادنا منذ البداية أن يستمر؟

ولصالح من استمراره ومن المستفيد؟

أفما آن لهذا « الفارس » أن يترجل ولهذه الحملة أن تنتهي؟ !  

 

بقلم:علي شرطاني

 قفـصــــة

تونــــــس  


ماذا بقي من الإسلام

في برنامج الإسلاميين الديمقراطيين؟

الحبيب أبو وليد المكني

بعد أن طالع أحد الأخوة الكرام ما خطه قلمي حول  الدولة المدنية التي تمثل ركنا أساسيا في مشروع الإسلاميين  السياسي ،توجه إلى بأسئلة أراها وجيهة لأبعد الحدود قال « : ماذا بقي من الإسلام في هذا المشروع السياسي ؟ ألم يصبح مشروعا بدون طعم ولا رائحة ؟ ألا يجعل ذلك الإسلاميين يسقطون في تبني المشروع العلماني وهم الذين بنوا شرعية وجودهم على معارضة الخيار العلماني المستورد من الغرب ؟ ».

1 ـ الإسلاميون بين التردد و الانطلاق

 و الجدير بالذكر أن هذه الأسئلة وغيرها لم تكن أبدا غائبة عن ذهني  عندما أفكر في مشروع سياسي للإسلاميين بكون ديمقراطيا لا شبهة فيه  حتى يستطيع أن يجلي الغموض و ما يتبعه من شبهات استغلها الخصوم أحسن استغلال و لعلها قد ساهمت مساهمة كبيرة في إطالة عمر الأنظمة الاستبدادية التي تحكم البلاد العربية و إضفاء نوع من المصداقية على المبررات التي تقدمها لحماية ما تسميه بالأمن و الاستقرار  ثم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أمكن لها الاستفادة بشكل جيد من مناخ الحرب على الإرهاب الذي لا يتورع الكثير عن وصفه بالإسلامي  و الحديث عنه على الأقل كأحد تجليّات الصحوة الإسلامية المعاصرة  ، و كنت أقلق كثيرا عندما أستمع لأحد السياسيين المحترفين وهو  يلخص البرنامج السياسي للحركات الإسلامية في احتكار الصفة الإسلامية  و العمل على فرض تأويل معين للمفاهيم الدينية  هو التأويل الأصولي الذي يرفض المتغيرات الجذرية التي حدثت منذ عهد الرسول  محمد صلى الله عليه وسلم إلى اليوم لينتهي بعجالة إلى كونه مشروعا يهدد مكاسب المرأة المعاصرة و  يرسخ أسوء ما تبقى من سمات المجتمع الباطرياركي ( الأبوي) من خلال الدعوة إلى تعدد الزوجات و إعادة إنتاج الدولة الدينية و الاستبداد القروسطي بشكل عام ، وفي المقابل غالبا ما يتيه الإسلاميون في ممارسة خطاب تمجيدي للتجربة التاريخية للمسلمين في الحكم خاصة منها ما يتعلق بالخلافة الراشدة لينتهوا إلى خلاصة سريعة مفادها أن مشاكل الأمة كلها ترتبت عن التنكر لمنهاج النبوة و الخلفاء الراشدين  متناسين أن الموضوع اليوم لا يتعلق بتقديم تفسيرات لما وقع من انحرافات تاريخية ولكنه عمل و تدبير من أجل رفع تحديات الحاضر و التخطيط لمستقبل مشرق ، وعندما يتجرأ بعضهم لمواجهة حقيقية لمشاكل العصر انطلاقا من الثوابت الإسلامية واستيعابا لثقافة الحداثة  كما يفعل الشيخ راشد الغنوشي  و فهمي الهويدي و أحمد كمال أبو المجد و الشيخ القرضاوي و محمد عمارة و فتحي عثمان وعماد الدين خليل و غيرهم  يصعد إلى السطح تيار  الطهر و النقاء فيدعي أنه الناطق الرسمي باسم الإله في الأرض ويرتب جملة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ليخرج هؤلاء من الملة ويعلن وصايته على الدين و على المؤمنين و الحرب على التيار الوطني  ويعيدنا إلى نقطة الصفر بما يعني صرف طاقاتنا في الرد على الشبهات التي لن تنتهي .تلك هي أهم ملامح الطريق التي يتحرك فيه كل من يفكر في بلورة مشروع سياسي من منطلق إسلامي وهي طريق كثيرا ما أقنعت سالكيها بالتردد ثم التوقف إيثارا للسلامة أو محافظة على الأنصار الذين هم أميل لدغدغة نبضات القلوب ولدعوة قوامها ترسيخ القيم الدينية و دفاع عن المقدسات منهم لحديث العقل و منطق التاريخ و العصر..

و أحسب أن العيب ليس كله فيهم ولكن في الظروف الموضوعية التي أحاطت بهم وجعلتهم لا يخرجون من معركة حتى يدخلون أخرى مع ما يصحب ذلك من عدم إعطاء الفرصة لهم حتى تتراكم التجارب وتتحول إلى معرفة وثقافة قابلة للتنزيل و الاختبار في الواقع ، فعندما يعطى هؤلاء الفرصة الحقيقية قد يتفوقون على غيرهم في معالجة المشاكل و إيجاد الحلول  وليس أدل على ذلك من تجربة حزب العدالة و التنمية التركي الذي  ينجح الآن في مواجهة كل التحديات ويحقق نتائج إيجابية على مستوى تدبير الدولة و النهوض باقتصاد البلاد في حين يراوح شقيقه حزب السعادة مكانه كحركة احتجاجية تحسن رفع الشعارات التي لم تثبت جدواها . و الأمل كذلك على حزب العدالة و التنمية المغربي الذي يمارس أمينه العام الدكتور سعد الدين العثماني خطابا سياسيا يدل على تحول نوعي و حقيقي في الخطاب الإسلامي  من المرجح في نظري أن يتطور في الاتجاه الصحيح  لتنشأ في المغرب مؤسسة سياسية إسلامية قادرة على إحداث التمايز بين مقتضيات الخطاب الدعوي القائم على تفعيل القيم الإسلامية في المجتمع عن طريق تقوية العقيدة الالتزام بحسن أداء  طقوس العبادة ــ وهذه لا يمكن أن  تكون من مشمولات المؤسسة السياسية  ــ ومستلزمات الممارسة السياسية القائمة على المشاركة في التدافع السياسي من أجل الوصول إلى الحكم على أساس برنامج مفصل يزعم القدرة على مواجهة التحديات المفروضة على الوطن و تقديم الحلول للمشاكل القائمة وحسن تدبير أمور الدولة ، فالبرنامج السياسي لا يمكن أن يكون إلا برنامجا وطنيا لا بأس من أن يضع في حسبانه التعاون المثمر مع مختلف مكونات الأمتين العربية والإسلامية إلا أنه برنامج يبنى على فرضية حسن استغلال الموارد البشرية و الاقتصادية المتاحة على مستوى كل قطر .

ولعلني أوضح أهمية هدا المعطى الأخير عندما أسرد جانبا من جوانب حديث جمعني بأحد الإسلاميين المصرين حول الحلول التي يجدها لنهضة الاقتصاد المصري .  شدد المحاور الكريم على أن علم الاقتصاد يركز على حل مشكلة الندرة ( أي قلة الموارد وضخامة الحاجيات ) ونحن في العالم الإسلامي ليس لنا هذه المشكلة  فخد مثلا مصر و السودان وليبيا بتكامل البلدان الثلاثة مع بعض تتوفر الأرض الزراعية و موارد الطاقة و الخبرات اللازمة و الرساميل اللازمة … قلت : » ولكن هذه الإمكانيات لن تكون متاحة للمخطط الاقتصادي المصري المسلم حتى يضع خططه النظرية وآليات تنفيدها فأي برنامج هو خطط واضحة وآليات تسمح بتنفيذها،  وبكل تأكيد  لا يستطيع المخطط المصري أن يتجاوز مشكلة الندرة  في مصر اعتمادا على أمل في التكامل بين البلدان الثلاثة قد لا يتحقق أبدا والخطط العلمية لا تبنى أبدا على الآمال و لكن تبنى على المعطيات الإحصائية التي تقدمها لمراكز المختصة … »

و أرجو أن يكون القارئ الكريم قد فهم أن المراد هو  إبراز النزعة العير  الواقعية عند تناول الموضوعات التي تعنى  بتحقيق النجاعة في تدبير الدول وهي نزعة  غالبة عند الإسلاميين العرب لأنهم قضوا أعمارهم في خوص الاحتجاجات المتواصلة على المظالم التي تقع على رؤوسهم ولم يعطوا إلا فوا ضل أوقاتهم للتدبر في مسائل الحكم و مأسسة الدول ..

و المؤسف أن تستغل ذلك شرائح   فاسدة من خصوم الإسلاميين للإقناع بأنهم الأقدر على حفظ الاستقرار وقيادة مسيرة التنمية المتعثرة  لأن البديل الذي ترشحه الانتخابات الديمقراطية سيقذف البلاد والعباد في المجهول أو الفوضى وسيشكل تهديدا للأمن والاستقرار على المستويات المحلية والإقليمية والدولية .

 و المفرح حقا أن السنوات العشر الأخيرة قدمت نماذج من الإسلاميين نجحوا في تجاوز هذه الملامح التي ظلت تمثل السمات النمطية في خطاب الحركات الإسلامية ، وبعض هؤلاء اثبت جدارة في الحكم مثل  رجب اردوغان وإخوانه وبعضهم الآخر يسير بخطى حثيثة ليستوعب دروس التجربة ويعزز مكانته في لعبة السياسة كما هو حال رجال حماس الفلسطينية و غيرهم كثير في الجزائر و المغرب و الأردن و السودان واليمن و مصر و إيران ,…

و  بالتالي فالكتابة في هذا الموضوع هي في الحقيقة ليست ابتكارا معرفيا في الساحة الإسلامية بقدر ما هي استخلاص الدروس من تجاربنا المتراكمة في كل هذه الأقطار .

2 ماذا يعني أن نستلهم من الإسلام مشروعا سياسيا؟

 المشروع السياسي الإسلامي ليس إعادة لإنتاج نماذج تاريخية مهما كانت أهميتها ، وليس كذلك  مشروعا يقتصر على محاولة تفعيل قيم الدين وتطبيق تشريعاته وحدوده وفرض احترامه على الناس دون مراعاة الشرعية الاجتماعية (1) وليس استبعادا لتجارب الآخرين ونتائج بحوثهم العلمية وسجلاتهم القانونية ، بل هو ثمرة اجتهاد تستفيد من كل ذلك في مسار يبحث عن الأصلح و الأرقى ، ويبقى في النهاية اجتهادا قد يخطأ وقد يصيب . فنحن لسنا هنا في مقام ترجمة النصوص الإلهية إلى أوامر سلطوية و آليات تنفيذية تدعي العصمة و تخاطب الجمهور بما عليه أن يفعل وما عليه أن يجتنب بل نحن في مقام الباحث الذي يعتقد أن الإسلام بما هو كتاب وسنة  يمكن أن نستلهم منه أفكارا و مواثيق و حلولا  تتم صياغتها في برنامج متكامل في ضوء المعرفة الدقيقة لمشاكل المجتمع و متطلباته المرحلية و إمكانياته المتاحة ثم عرض هذا المشروع ليصادق عليه المجتمع أو يرفضه ، وعلى ضوء نتائج صندوق الاقتراع يكون حجم المشاركة في الحكومة بما يعني التأثير في اتخاذ القرار أو البقاء في المعارضة لزيادة إنضاج المشروع و العمل وسط الناس لمزيد التعريف بذلك البرنامج وتوسيع قواعد الحزب ، والمساهمة في نفس الوقت في صيانة السلم الاجتماعي والدفاع عن المظلومين و الوقوف في وجه جنوح السلطة نحو التغول و الاستبداد  و التصدي لظواهر الفساد…

 الأمر لا يتعلق بما يسميه البعض اختطاف الإسلام  من صاحبه الشرعي ـ المجتمع ـ والدخول به في معركة التنافس على السلطة بما يعني بوجه من الوجوه نفي الصفة الإسلامية عن بقية مكونات الخريطة السياسية  وخلق ذلك التوجس الكبير لدى النخب الوطنية و العلمانية التي لن تقبل أبدا بتجريدها من الإيمان بقيم الإسلام ، ومن حقها في أن تفهم الإسلام على طريقتها ولكنه برنامج سياسي يستند إلى  رؤية متكاملة للحياة والكون لا شك أنها تتعارض مع الرؤية الغربية في كثير من الأبعاد لأنها تؤمن بدور السماء في صنع الحياة على الأرض، و تعتقد في أن إصلاح البشر لا يمكن أن ينجح بالاعتماد على تفعيل القيم الوضعية فقط بل ترى أن القيم الوضعية الصالحة تستمد صلوحيتها من القيم الدينية ، و أن الحياة الجماعية لا تقوم فقط على نجاعة الحس المدني ولكنها أيضا على مفهوم العطاء الذي يرجو صاحبه الثواب من الله  في الدنيا و الآخرة و إلا سادت الأنانية و الانتهازية وحب الذات وفتح الباب على مصراعيه في طريق الإباحية و الجشع و الاحتكارية و صارت  الحرية الفردية تعني فسح المجال أمام الجري وراء اللذة بدون حدود ، حتى وإن وصل الأمر إلى تدمير الذات الإنسانية  كما يحصل اليوم من إباحة الشذوذ الجنسي بأنواعه وإباحة المخدرات الخفيفة في بعض الدول ولم تعد مسألة إباحة المخدرات البيضاء في نظر الكثير من الباحثين إلا مسألة موعد لم يحن أوانه .

و الحزب السياسي الإسلامي لا يمكن أن يقوم بدوره إلا إذا انفصل تنظيميا عن هياكل الصحوة الإسلامية في شمولها ليتفرغ نشطاؤه  إلى العمل من أجل جمع الخبرات السياسية ، و الانكباب على تحليل الواقع  و الأحداث ومتابعة التحولات الجارية على كل صعيد  ، ومن تم اكتساب القدرة لفهم مآلات النصوص و استلهام الأفكار التي يمكن صياغتها في شكل مشاريع سياسية أو برامج انتخابية ، وعلى عكس التيارات العلمانية المتطرفة التي تعمل بجد على إقصاء الإسلام عن الحياة العامة وحصر أثرة فيمن يدخل المسجد إن استطاع إليه سبيلا ، فإن الحزب السياسي الإسلامي سيعمل على تفعيل مؤسسة المسجد ـ مع بقائها مستقلة عن كل الأحزاب ـ و تمكينها من القيام بدور فاعل لتهذيب الشارع و تأطير الشباب و حل المشاكل الطارئة بين المواطنين بالحسنى وبالتالي المساهمة في زيادة اللحمة بين أفراد المجتمع و ترسيخ انتمائه لدينة و وطنه وأمته.

 (1) أنظر مقال الأستاذ بلال التليدي « حزب العدالة والتنمية :مساهمة في تأسيس خطاب  » الذي أعادت نشره  تونس نيوز يوم 19 ــ12 ــ06

Benalim17@yahoo.fr   


افتتاحية الطريق الجديد كيف نحتفل بذكرى حقوق الإنسان

 حاتم الشعبوني في اليوم العاشر من هذا الشهر تكون قد مرت ثمان وخمسون سنة على صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي مثّل حدثا اكتسى أهمية متزايدة على مر السنين وأصبح الآن العالم بأسره بما فيه بلادنا يحتفل بهذا التاريخ بالنظر أساسا فيما أنجز وما لم ينجز من المبادئ الواردة في هذا الاعلان• وبالنسبة لبلادنا التي صادقت على الاعلان وعلى العهود والاتفاقيات المكملة له وأدرجت احترام حقوق الانسان في دستورها فإن التقييم لا بد أن يكون دقيقا وموضوعيا ويتمايز عن خطاب الرضى على النفس• وعموما ورغم ما تدعيه الأوساط الرسمية فإن أوضاع حقوق الانسان ليست على أحسن ما يرام وهنالك العديد من الملفات التي تستدعي المتابعة والاهتمام• صحيح أن الشهر الفارط شهد اطلاق سراح أكثر من خمسين سجينا سياسيا من حركة >النهضة< بعضهم قياديون وهي خطوة ايجابية نسجلها مع أننا نبقى نطالب بإطلاق سراح كافة المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام حتى تسوى أيضا وضعية من خرجوا من السجن وبقوا عرضة لمضايقات وتتبعات مختلفة تحد من حريتهم وتعطل سعيهم لكسب قوتهم وقوت عيالهم• أما توسيع صلاحيات الهيئة العليا  للحريات وحقوق الانسان فهو إيجابي في حد ذاته ولكنه يتنزل في إطار الأزمة مع رابطة حقوق الانسان مما يجعلنا نخشى أن يكون الهدف اعطاء هذه الهيئة الحكومية صلاحيات غيرها• وبالنسبة لرابطة حقوق الانسان فإن الوضع أصبح لا يطاق بالنسبة لناشطي هذه المنظمة العريقة، فمن جهة هي ممنوعة من انجاز مؤتمرها بدعوى وجود قضية يتم تأجيل النظر فيها باستمرار ومن جهة اخرى حجّر عليها أخيرا القيام باجتماعات وندوات بدعوى وجود حكم آخر قديم نسبيا يفرض  عليها الاقتصار على انجاز مؤتمرها• فهل نريد القضاء على هذه المنظمة التي يتفق الجميع على القول بأنها >مكسب وطني<؟ إلى جانب ذلك تبقى معضلة الحقوق الجماعية التي نص عليها ايضا الاعلان العالمي مطروحة مثل قضية الرأي ومسألة حرية اختيار الحكام اللتان ترتبطان بالوضع الديمقراطي والتطور السياسي للبلاد الذي لا يسير في الاتجاه المنشود، ولا يجب اعتبار النقد الموجه في هذا الميدان تسييسا لحقوق الانسان، بل معالجة لجزء هام من هذه المنظومة المتكاملة• كما يثير قلقنا ملف الموقوفين والمحاكمين في قضايا مقاومة الارهاب لا لأننا نعتقد أن الحكومة لا يجب أن تقاوم الارهاب، ولكن لأن القانون المعتمد سنة 2003 في هذا المضمار قد تضمن عديد البنود المتناقضة مع مبادئ حقوق الانسان، كما أن التحقيق في هذه القضايا شملته عديد التجاوزات والأحكام الصادرة في المحكامات التي أجريت قاسية وصلت الى السجن لعشرات السنين ويبدو في غياب معلومة رسمية أن الشبان المعنيين بهذا الملف قد بلغ المئات وهو أمر مقلق ومحير في نفس الوقت• هذه بعض العينات التي تبين أنه من الأفضل الاحتفال بذكرى 10 ديسمبر بفتح الملفات الحساسة ومد جسور الحوار مع نشطاء حقوق الانسان وتشريك الجميع في تحسين أوضاع بلادنا على هذا الصعيد•
 
(المصدر: صحيفة الطريق الجديد عدد 55 – ديسمبر 2006
 

الـذ كرى الـثامنة و الخمسين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان… ذ كــــــرى بـــأي حـال عـدت….يــــا ذ كــرى… ؟

محمـــد الصالح فليس    يحتفل العالم بــالـذ كرى الـثامنة و الخمسين لتبني الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان…   تحل هذه الذكرى بالمناضلين الحقوقيين التونسيين و هم أيـتـام محـرومون من أداة حمـاية و صـيانــة ونــشـر القيم النبيلة الثلاثين التي تضمنها الإعلان…. يقــّدر المناضلون الحقوقيون التونسيون و معهم الحركة الحقوقية المغاربية و الإفريقية و العالمية مدى الخسارة التي لحقت بسمعة تونس و بـزخم نضاليتها الحقوقية جراء الوضع المـزري الذي تعيشه الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان … لا معنى للـذكرى دون الو جــود الفاعل للرابـطة… و فعلا  فان الاحتفال في تونس بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بدون و جــود رابطة للدفاع عن حقوق الإنسان قوية و فاعلة و مستقلة و حية بصراعاتها الداخلية و حوارات منخرطيها و خلافاتهم هو بمثابة الاحتفال بزفاف بدون حضور العروسين… و فعلا فان الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان لا يمكن أن يستقيم و الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان معطلة أنشطتهـــا  و محاصرة مقرات فروعها و مناضلوها مطاردون تحرسهم إرادة أمنية آناء الليل و أطـــراف النهار…. فـــرابطة حقوق الإنسان في بلادنا هي التي أسست لخطاب حقوقي أصيل ؛و هي التي عقدت عبر فروعها المنتشرة داخل البلاد الندوات التحسيسية و المحاضرات التعريفية و أدارت النقاشات في فضاءاتها المغلقة اليوم فاستقطبت الشباب و غير الشباب و درّبتهم على مبادئ النقاش في الاختلاف؛ و معاني القبول بالآخر و التعامل التنسيقي معه في ظل مناخ سياسي أحادي اللون و شديد الانغلاق على نفسه. و الرابطة هي التي و ضعت بكل جرأة  و وضوح الإصبع في بياناتها و تدخلاتها المباشرة على تجاوزات السلطة لمظاهر من حقوق الإنسان.و الرابطة هي التي لعبت دورا محوريا ضمن المنظومة الحقوقية العالمية لتكتيل القوى من أجل العمل الحقوقي المشترك للرفع من القدرات البنائية و الإنشائية لحركة حقوق الإنسان في العالم . و كان بإمكان الرابطة أن تسهم في مجال محاصرة و تقليص جانب لا يستهان به من مظاهر العنف المادي و الرمزي الذي يتعرض له المواطن التونسي جراء انفراد السلطة بشؤون الحكم و الوظائف القمعية و التأطيرية للمجتمع و الحمائية لهذا الانفراد لــــو لم تتعرض لشتى ألوان التضحيات التي لم تخل منها مسيرتها . و كان بإمكان الرابطة أن تقدم إضافة فعلية و راقية في مجال تطوير الفعل السياسي في اتجاه توفير متطلبات تركيز و ترسيخ الممارسة الديمقراطية عبر نشر و إيصال مبادئ حقوق الإنسان في فضاء عام محكوم لمدة نصف قرن بانقطاع ممارسة الحياة السياسية المدنية الأساسية ؛ لولا المفاهيم السلطوية المتغولة و الحاكمة بزمام الأمور من منظور يغلق آفاق المشاركة المواطنية الطوعية و يقتل المبادرات المواطنية و النخبوية بإرهابها و خنقها و محاصرتها.     الســـلــطـــة طــرف ضــالــــع في الأزمة… إن السلطة التي ارتهنت اتحاد الشغل ؛و عمدت إلى خلع أمينه العام و هو خارج البلاد ؛ و د ّجنت الجمعيات على اختلاف صيغها و حاكمت الحبيب عاشور في أكثر من مناسبة وهو أمين عام لاتحاد الشغل  و راضية الحداد و هي مسؤولة اتحاد المرأة لم تكن تقو على الاعتراف بأن للـــمجتــمع منظما في جمعياته و جـود مستقل عن السلطة قابل للعيش و الإسهام في تنمية المجتمع و ضمان إشعاع البلاد و كبح نزعات السلطة في التورم و اكتساح السيطرة على فضاءات الحياة المجتمعية كلها. و السلطة التي لم تقبل يوما في كامل تاريخ حكمها بأن للمجتمع المدني كــــيـــان مستقل لا يمكن أن تختزل السلطة فضاءاته فتبتلعه و تمنع عنه مكونات نموّه و تطوره بالا كراه المادي و الرمزي ؛ لا يمكن أن تـــرى في جمعية مثل الرابطة الحريصة على استقلاليتها و الغيورة على خدمة أهدافها إلا كخصم و معارض لان جوهر منطقها يقوم على ٌ من ليس معــي فهو ضدي ٌ … و من هذا المنطلق فلم تقبل السلطة منذ 1977 برابطة ــ و لا بأي هيكل جمعياتي أو نقابي أو نحوه ـــ لا يسير في فلك حساباتها و رؤيتها ؛ و بهذا المعنى يمكن القول بأن أوضاع الرابطة الراهنة هي نتاج طبيعي لمنطق سلطوي يرفض الاستقلالية  و النضالية و الجرأة على المجتمع كله ؛ و من ثمة الاختلاف أيا كـــانت حــــد وده . و ما دامت ثقافة الحزب  الحاكم و سلطته لم تهضم قوانين ضرورات الانتقال الحتمي و التاريخي من فكر الحزب الواحد إلى الفكر التعددي ؛ و من فكر أولوية السلطة على المجتمع إلى فكر التوازن السلطوي و السلطوي المضاد ؛ فقد ضاق صدر السلطة بالجمعيات الخارجة عن حدود سيطرتها ؛ و المتمســـــكــــة باستقلاليتها ؛ و من ضمنها الرابطة ؛ فتعددت المناورات إلى أن أدّت إلى حــــالــــة الشلل و التعطّــــــــل التي تعيشها اليوم ؛ و هي حــــالـــة فرضت على الأجهزة الأمنية التحول إلى مخاطب و حيد يختزل السياسي و الأمني و القانوني و القمعي كــذلــــك لــــقـــض مـــَضـــاجــــع المناضلين الحــقــــوقـيين التونــــســــيــيـــن .  الاحتكـام للـقـضاء…… الحق …و الباطـل…. مـــاذا يكون حــال القضاء في بلادنا لو أن كل غاضب من ممارسات قيادة جمعيته يعــــمـــد إلى اللجــــوء إلى القضاء متجــاوزا الأنظمة الداخلية و القوانين الأساسية لهذه الجمعيات ؛ و ضرورات حل الخلافات داخلها ؛ و هي شرعية وواردة بل و ضرورية لحياة كل جمعية بالأساليب المتعارفة داخل النسيج الجمعياتي؟ و مــــاذا يكون حال القضاء في بلادنا لو أن هذه الآلاف من الجمعيات ــالحائزة على رضى السلطة و مباركتها ـــ قام فيها المنخرطون بتقديم قضايا عدلية ضد أعضاء هيئاتها المسيرة .؛ و يذهب التفكير حتما إلى الخلافات الأخيرة التي شقت هيـاكل الاتحاد التونسي للصناعة و التجارة ؟ و مـــاذا أخيرا يكون حال القضاء في بلادنا لو أن كل خلاف بين المواطن و الإدارة و مؤسسات السلطة انتهى إلى  حلبات المحاكم ؟ أليس  في تاريخنا القريب عـــبرة لا لبس فيها ؟ لـــقد حاول أول رئيس للجمهورية و حزبه و مستشاريه و مـــا العهد من قدم ! أن يجهزوا على الرابطة في أكثر من مناسبة وفي أكثر من محاولة ؛ فلم يفلحوا … فمروا إلى السقف الأعلى بتكوين ما أسماه بعض أساطين النظام بــٌالـــضرّة ٌ.:جمعية يرأسها وزير سابق للداخلية ؛ و فرت لها السلطة مددا و تسهيلات فلفظها الجسم الوطني لفظ النواة ؛ و انتهى بها الأمر بأن لفظت أنفاسها غير مأسوف عليها فشوهت سمعتها و سمعة السلطة و حصدت الريح…. لا مناص من الانتصار للـــــرابطة… إن الانتصار للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان هيكلا و كيانا و تاريخا و علامة و منارة و مدرســــة فعل وطني في أرقى معانيه أيا كانت المشارب ؛ حتى يتاح للسجالات و الاختلاف و التناقض في صـــــلــــب هياكلها؛ و بالوسائل التي تذكــر بـــأي حال عـدت …يــــا ذ كرى… ؟ كانت وسائلها أن تعبر عن نفسها و تطور واقعا حقوقيا و فكريا و سياسيا راكدا؛ و حتى تبقى الرابطة فضاء يتدرب في صلبه جانب من التونسيين و التونسيات على قبول الآخر في اختلافه و دعم حقه في التعبير عن هذا الاختلاف بكل أريحية.
     (المصدر: صحيفة الطريق الجديد عدد 55 – ديسمبر 2006                              

« أكتاف »
 
فتحي بن الحاج يحيى
 
أشدّ ما يُحزن الكاتب هو أن لا يُقرأ. فهو غالبا ما يخطّ لدفع كآبة عن النّفس ورفع وزر عن الصّدر، فيحلو له الاعتقاد بأنّ كلماته تعبر أذهان العباد وتحوم حول المدينة لتؤسّس شيئا ما، لا يبحث بالضّرورة على إدراك جميع معانيه. وكلّما ضاعت أوراقه في متاهات المدينة، لعجلة في الزّمن وتوقيت في العمل لا يدع فسحة للمواطن لأن يتحوّل إلى قارئ، فإنّ الكآبة تتحوّل فيه يأسا تسقط معه آخر حواجز الكتابة، فيكتب أفضل، أو تتحوّل عَدَمًا، فيتوقّف عنها ليلتحق بالمواطنة السَّارية، ويُصَرِّف ما تَبَقَّى له من الوقت في قضاء شؤون حياتيّة داخل « كارفور » المتزامن غلق أبوابه مع أبواب مواقع شؤون الرّوح والوجدان حين تدقّ الساعة العاشرة ليلا، لتُخلى البارات وتُهجر المساجد بانتهاء صلاة العشاء. وللعاشرة حكاية عندنا أشبه بحكاية السّابع، وإن كانت أسبق. لها وقع على النّفوس قلّ أن لا تستحثّ فينا النّكتة سلاحا ضدّ القدر. فهي نوع من القطيعة في الزّمن أسوة بالعاشرة صباحا، موعد « الكسكروت » في الإدارة ودواليب الدّولة والقطاع الخاصّ، وهي بداية « احترام الجار »، مبدئيّا، وهي اللّحظة التي تمارس فيها الدّولة وجودها الأمني بالكامل على شوارع الوطن، فتقفر المدينة سوى من حرافيشها، ويأوي المستهلكون إلى بيوتهم لاستهلاك ما تيسّر غَرْفُه في النّهار، والتّفرّج على العالم من نافذة التّلفاز الّذي تشعرك ما تحمله فضائيّاته من دمار ومجازر وحروب، أنّك المحظوظ في بلاد الأمان والطمأنينة، وأنّ موتك يكاد يكون مبرمجا خارج مشيئة الصّدفة، كعبثيّة قنبلة موقوتة في سوق شعبيّ، أو سيّارة ملغومة على قارعة الطّريق، فتنكفؤ على نفسك لحساب رصيدك في صندوق التّقاعد وما سيحصل لك منه من جراية شهريّة حتّى آخر العمر الّذي لن يصيبه مكروه عدا أنّك لم تحكم شدّ حزام الأمان في سيارتك، أو أن تقطع طريقا فتدهمك شاحنة لها الأولويّة على المترجّلين. كلّ ما يتهدّد هذا البلد الطيّب المسالم، هو ارتفاع ضغط الدّم في شرايين أهله أو تجاوز نسبة السكّر في البدن حدود المعقول، لفرط في البدانة من المفترض أن تُعتمد في مؤشّرات النموّ والتّقدّم لشعب ما، إذ قلّ أن نشاهد بدينا في جنوب السّودان ودارفورها أو في الصّومال وأثيوبيا. وهي مناطق متخلّفة كما تشير إليه المقاييس المعقّدة للبنك العالمي، وتدلّ عليه الرؤية بالعين المجرّدة لنحاف الأجسام وهم ينتظرون مساعدات الأمم المتّحدة، وبُدَنَاء غير هذه العوالم يشاهدونهم ويحسدون فيهم جماليّة القدّ ورشاقة البَنان. على إحدى الفضائيات الأوروبية كانت عارضات أزياء جميلات يشتكين من عذابهنّ في تقسيط المأكل والمشرب ومخطّط الجوع الواجب اتّباعه في حياتهنّ، ويُعلنن حُسدهنّ لزميلة عارضة صوماليّة تأكل كالبقرة وتظلّ كالغزال، بسبب ماض من الجوع وسوء التّغذية تصعب موازنته. يحدث هذا في بلاد متقدّمة، ونحن في تونس أقرب إلى هذي البلاد من الصّومال، لترف لدى طبقتنا الميسورة، واتّساع في طبقتنا الوسطى، وهُزال في طبقتنا الفقيرة. أحد أصدقائي، وهو كاتب يبحث عن جريدة تنشر أقواله، قال لي يوما : البركة في بوليسنا، فهو الوحيد الّذي يدوّن أقوالي حرفيّا، دون زيادة أو نقصان، ويرقنها باعتزازِ وفخرِ الحامل لهموم الوطن، وحتّى عندما تنضب القريحة فهو يشجّعني بأسئلته المتلاحقة عن أبسط الأمور و أعقدها ولا يمانع، ربّما من باب الحثّ على الإبداع، في أن أستنبط وقائع وأسماء حرصا على أن لا تبقى الورقة بيضاء. وفي يوم آخر أسرّ لي أنّ إحدى أمنياته الخفيّة هو أن يقرأ رئيس الدّولة مقالاته، وهو يهزّ رأسه ويقول: « معقول… أمر معقول… »، ويبتسم أحيانا لطرافة التقطها بين السّطور، ويستحسن وجاهة نظر لم يسبق لأحد من حاشيته أن تجرّأ على الإفصاح عنها في محضره. قال لي أيضا أنّه من يومها أصبح يكتُبُ بالخطّ الغليظ، ويَشْكُل الحروف والكلمات، ويبسّط المعاني والتراكيب، ويتجنّب الجناس والتّشبيه والاستعارة وشتّى فنون البلاغة، لاختصار مسافة الحلم وتحقيق الجدوى منه، إن حُقّ للحلم أن يستجيب يوما له القدر. قلت : وماذا تكتب له ؟ قال : أشياء بسيطة، أمور واضحة للعيان لا يختلف فيها تونسيّان. ولا أطيل الشّرح أو أعقّد المعنى. لا أريد أن آخذ الكثير من وقته. أذهب مباشرة إلى العلّة. تدخّل أحد الأنفار، وكان جالسا معنا، والقول له، إذ ينتهي دوري عند هذا الحدّ ولم أعد مسؤولا عن بقيّة الكلام، فقد انسحبت إلى بيتي، وكانت السّاعة دقّت العاشرة. وحسب ما وردني فيما بعد، قال: أفي حاجة هو إليك ليعلم مثل هذه الأشياء البسيطة. أتعلمها أنت ويجهلها هو ؟ ردّ الكاتب : ربّما صدّته عنها كثرة مشاغله وتركيزه على القضايا الكبرى.                   قال النّفر: وما هي المواضيع التي شرحت صدرك له فيها ؟  أجابه الكاتب : هذا ما كتبت : سيادة الرئيس، يسعدني، كمواطن غيور على هذا الوطن، أن أرفع إليكم بعض ما يجري في البلاد، فكلّنا حرّاسها وكلّنا أمناؤها، وعلى كلّ حارس حارس، ولكلّ أمين رقيب، واللّه المستعان، أمّا بعد : * شاحنات (كميونات) مجهّزة بحاويات (كنتينارات) تخرج يوميّا من الدّيوانة دون أن تُفتّش ولا يُعلم ما فيها. يدفع أصحابها عُشُر الرُّسوم الجمركية القانونية المستوجبة عليها، لوسطاء لا باتيندة لهم ولا مكاتب أو عناوين سوى هواتفهم النقالة (بورتابل). فتصلك أمانتك حيثما كنت داخل تراب الوطن. ووزير التّجارة، حائر يتساءل عن مأتى السّلع المهرّبة التي تُغرق أسواقنا فتنفع عبادنا لانخفاض في الثّمن وتدهور في الطّاقة الشّرائية وتعوّد على نسق استهلاك يصعب التدحرج دونه، وسيادتكم تعلمون أنّ التّونسي « عينه كبيرة »، وشبابنا لا يرضى إلاّ بالموقّع عليه « سينيي »، ووزيرك يؤكّد أنّها تُضرّ بالاقتصاد ودورته. * سيّارات من نوع « الهامر » الأمريكية، و الـ »كايان » من صنف « البورش »، وآخر أنواع المرسيديسات، وأصناف أخرى يعسر عليّ نطقها، تجوب طرقاتنا الواسعة منها والضيّقة، وتستهلك طاقتنا المحدودة، وتضع أصحاب « الإيكس فايف » في حرج لامتلاكهم أصنافا تجاوزها الزّمن. وهذا أمر غير معقول : أوّلا احتراما لهؤلاء، وثانيا لخشية أن تنقطع عنّا مساعدات الدّول الصّديقة والشّقيقة التي تثمّن إنجازاتنا، وتحزن لشحّ مواردنا الطبيعيّة، وتفخر بقيمة مواهبنا البشريّة. فقد يذهب بها الظنّ، على حسن نيّة، وهي تتسوّح في طرقاتنا، أنّنا قد خرجنا من عنق الزّجاجة. اللّهم إن نكون قد خرجنا فعلا، وأنتم أدرى. * مصانع تغلق بوتيرة مدهشة ليتحوّل أصحابها إلى مهنة التوريد والتّصدير، ونحن نقرّ بالتّوريد ونعاينه يوميّا ولا نقتني حاجتنا إلاّ منه، رغم حرصنا الكبير على شعار « اشري بضاعة وطنيّة تحمي هاك البنيّة » (إشارة إلى أجيالنا الصّاعدة). أمّا عن التّصدير فلا نفهم الشيء الكثير عن أطنان زيوتنا المكدّسة في المعاصر، فلا يهبط ثمنها لننتفع بها، ولا تتحوّل إلى عملة صعبة لتعديل الميزان، حتّى أصبحنا نقول : المورّد عرفناه فأين المصدّر ؟ * فيلات وعمارات ومساكن من كلّ الأصناف ترتفع لتأتي على اليابس والأخضر وتكاد تتجاوز عدد السكان، وكثيرها شاغر (فارغ)، عملا بالحكمة السائدة في البلد « حطّ فلوسك في الحجر » وأنتم وأخصّائيو الاقتصاد أدرى بأنّه ما هكذا تشيّد الأمم ويقوى اقتصادها. * أحاديث وأرقام خياليّة عن أموال مهرّبة إلى الخارج، لخوف في النّفوس وتوق إلى مضاربات خارج البلد بعملة البلد، ولا أخالكم سوى الأدرى بملفّات هؤلاء، فلا نسمع ملاحقة قانونيّة أو إنصافا في حقّ ثرواتنا التي لا تحتمل، لتواضعها، التنقلّ مسافات طويلة، ولو في حقائب محصّنة (فاليجات). سيّدي الرئيس، قد أكون فاجأتكم بما يدور في الشّارع من أحاديث، فإن كان منها الصّحيح فارصدوا، يرحمكم اللّه، أعوانكم، غير المعنيّين بهذه الأمور، للتّصدي لها قبل فوات الأوان، وإن كانت عبثا وإشاعة فارصدوا خبراء السوسيولوجيا (علم الاجتماع) وعلماء النّفس ليحلّلوا أسباب ظهورها وانتشارها وتواترها (انتقالها من فم إلى أذن ففم بشكل متواصل لا ينقطع)، علّهم يهتدون لأسبابها ومسبّباتها، علما أنّها تولد بالليل بعد العاشرة، وتنتشر كالضوء مع النّهار. سيادة الرّئيس، أعتذر لكم إن كنت أطلت الوصف، رغم حرصي على إيجاز الوطن فيما يحكيه أهل الوطن من أناسنا الطيبين الذين لا ناقة لهم ولا جمل، وهذا ليس سوى شيء من بعض، و هم لا يفهمون لماذا لا تكون لهم ناقة أو جمل في بلد تجوب فيه « الهامرات » ربوع الوطن. ولكم منّي أطيب الأماني في الصحّة والعافية وطول العمر. *        *        *  يوم بلغني صدفة فحوى هذه الرّسالة التي كان صديقي الكاتب يحلم بأن يخطّها، وما أظنّه فعل، وبأن يبعث بها عبر البريد العاديّ، كما الأمر في الدّول المتقدّمة، خفت عليه تحطّم المعنويّات إن تعثّرت في الطّريق، لسهو من ساعي البريد أو طارئ آخر، فأشرت عليه، كتونسيّ يفهم في المسافات القصيرة، واختصار السّبل، بأن لا يفعلها، وحتّى إن تعنّت في الأمر، لطوباويّة تسكن الكاتب ولا تستقيم معها صفته إلاّ بها، فليرسلها عن طريق « آسطة » أي « كتف » يقدر على تبليغها مباشرة، فذلك أضمن. قال لي : »لا أعرف أحدا على هذه الهيئة ». قلت : « لا بأس سأتصرّف ». والحقيقة أنّني لا أعرف بدوري أحدا. كلّ ما في الأمر أنّني مررت يوما بالمنزه السّادس فجلبت انتباهي يافطة على محلّ فخم كتب عليها بالعربية « أكتاف ». قلت : جميل أن يحصلوا على باتيندة ويعملون في الجهر، على الأقلّ تكون الأمور واضحة، مادام الأمر صناعة في هذا البلد، فما العيب من الانخراط في اتحاد الصناعة والتّجارة وخلاص الْفِيسْكْ على المرابيح. دفعت الباب ودخلت، فوجدت نفسي في محلّ لبيع المثلّجات (القلاص) الرّاقية التي لا تستحقّ، بالضّرورة أكتافا، مادامت العملة متوفّرة. قلت لعلّ في الأمر نوعا من تهذيب المقام وإضفاء جماليّة على نشاط لا يستأثر بالضّرورة بموافقة الشّرع والأخلاق والحسنى والتّقاليد. صحيح أنّ الأمر أصبح عاديّا بيننا لدرجة أنّه لا يحتاج إلى فتوى، وحتّى إن احتاجها فلن تكون أعسر من فتوة « البوموسبور » عندما أعلنها مفتي الديار تضامنا حسنا مع رياضتنا الوطنية التي تشرّف بلدنا في المحافل الدّوليّة. قد يكون صاحب المحلّ، رغم كلّ هذا، حريصا على التستّر ولو في فعل حلال ؟ حيّيته فردّ بأحسن منها وأدخلني مكتبه. شرحت له الموضوع. لم يفقه من الأمر شيئا، ولم أفهم استبلاهه لحديثي وشخصي حتّى بلغنا الشّوط الذي أعلمني فيه أنّه يمثّل ماركة لأشهر المثلّجات العالميّة، وأنّ البلدية بصفتها تفرض استعمال العربية على لوحاتنا الإشهارية، لحرص على إثبات هويّة،  فقد كتب على يافطته بالفرنسية « Octave » وهو اسم علم لا يُترجم معنى وإنّما لفظا كقولك « فيكتور هوجو »، فاجتهد فأصاب الـ »الأكتاف » من حيث لا يدري عندما لم يرفع الألف المهموزة بالضمّة الظّاهرة وربّما كان من الأجدر إرفاقها إشباعا بالواو، ومَنَحَنِي مخروط مثلّجات (كورنو قلاص) مجانا، واستحلفني أن لا أذكر هذه السيرة بعد اليوم، فلا هو سياسي، ولا يطمح إلى إسقاط النّظام برفع يافطته على المحلّ في قلب منزه الخواجات، وليس له صلة روحيّة ولا أدبية ولا من أيّ نوع كان بمحمود بيرم التّونسي ليسلك مسلكه في التهكّم والهمز، ويجهل كلّ شيء عن سليمان الجادوي والجزيري والظّرف والظّرفاء، فهو بائع آيس كريم و…بَسْ. خرجت من عنده وأنا أقسم في سرّي وعلني أن أكون مواطنا محترما… وبس، أكتفي بنفسي ولا أطالع من المطبوعات سوى ما تنشره فضاءاتنا التجاريّة الكبرى من مطويّات إشهارية أنيقة الشكل، ودسمة المحتوى، وأنام في العاشرة، وأُصوّت مع الأغلبية، وأساند فريقنا القومي، وأُروّض النّفس على التفرّج على قناتنا السّابعة نكالة في الستّة الأخريات، ولا أُجاهر إلاّ بقول حسن، وآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر في حدود « أحبّ لأخيك ما تُحبّه لنفسك »      و »لا تقذف بالقاذورات في الشارع بل ضعها بلطف في السلّة، وإن لم تجد سلّة فاحتفظ بها عندك حتّى تعترضك واحدة »… فبعد هذا ودونه لست أفضل من النّاس ولست أقلّ.  ومن يومها قاطعت صديقي الكاتب حتّى غاب عنّي اسمه تماما، ولعنت الكتابة، وندمت على عدم معرفتي لاسم ذلك النّفر الّذي حاك خيوط الورطة، لأذْكُرَه عند استنطاقي، في حالة إذا ما ربّما…
 
(المصدر: صحيفة الطريق الجديد عدد 55 – ديسمبر 2006
 


 

جبهة الانقاذ المحظورة في الجزائر: أي أفق للعودة السياسية؟

   

 
 شكري الصيفي

مثلت عودة رابح الكبير، أحد قياديي الجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة بالخارج في الفترة الأخيرة، احد عناصر التحول المهمة في المشهد السياسي الجزائري بصفة عامة، وفي علاقة النظام الجزائري بالاسلاميين الراديكاليين بصفة خاصة، ويأتي هذا الحدث متزامنا مع اعلان الفصيل الأصولي المتشدد الجماعة السلفية للدعوة والقتال انضمامه لتنظيم القاعدة، تزامنت هذه الأحداث مع بعض العمليات المسلحة التي استهدفت وحدات الجيش، والتي تبدو، في هذا الوقت بالذات، من قبيل اضفاء مشروعية علي الانضمام الباهت لهذا التنظيم السلفي المتشدد للقاعدة، والذي يرفض حتي الآن القبول بشروط المصالحة الوطنية الحكومية. ومهما يكن من أمر، فان موافقة السلطات الجزائرية علي عودة رابح الكبير في هذا الظرف بالذات تحمل في طياتها من الرمزية الكثير. فرابح الكبير يمثل أحد قيادات الاسلام السياسي الجزائري المعتدلة نسبيا، والتي أبدت مرونة في الحوار مع النظام الجزائري منذ منتصف التسعينات، حول سبل تجاوز أسباب الحرب الأهلية وانعكاساتها. ومن المرجح أن الاتفاق علي عودة هذا القيادي الانقاذي وغيره، قد تم اعدادها بشكل مسبق في اطار تسريع تنفيذ مسار المصالحة الوطنية التي يتبناها النظام الجزائري، وخاصة منه جناح الرئيس بوتفليقة ووزيره الأول عبد العزيز بلخادم. ونشير الي أن هذه العودة وما رافقها من هالة اعلامية، سرعان ما بدأ بريقها يخفت تدريجيا، رغم ما تحمله في طياتها من دلالات سياسية عميقة، والتي يمكن أن تفرز عديد التأثيرات في مستقبل الحراك السياسي في الجزائر، علي المستويين المتوسط والبعيد. من جهة أخري، يذهب بعض المحللين الي اعتبار هذا الحدث، علي المدي المتوسط، بالون اختبار للاسلاميين الانقاذيين، خاصة فيما يتعلق بامكانيات عودتهم في اطار حزب جديد، يرث جبهة الانقاذ المحظورة. وتضع الحكومة شرطا أساسيا يتعلق بمدي التزام هذا الحزب المنتظر بالديمقراطية ونبذ العنف والتزام التنافس النزيه مع بقية الأطراف السياسية. وكذلك العمل علي المحافظة علي المعادلات والتوازنات السياسية الداخلية. كما تضع السلطات خطا احمر أمام هذا الحزب المنتظر يتعلق بجملة المحظورات القانونية التي أدت الي منع الجبهة الاسلامية من النشاط السياسي سابقا. مجمل النقاشات داخل كواليس النظام السياسي الجزائري التي تدور بين مختلف الأجنحة قد انتهت، علي الأقل وقتيا، الي تأجيل البت في مسألة انشاء حزب يضم قواعد حزب الجبهة المحظورة بقيادة العناصر المعتدلة. وذلك الي حين توفر الظروف السياسية الموضوعية داخليا، وتوقف موجة العنف المسلح التي تنفذها فلول الجماعات الرافضة للمصالحة والحسم الجذري في موضوع عودة أفراد هده الجماعات المسلحة الي الحياة المدنية، خاصة وان عددا من جمعيات المجتمع المدني وأهالي ضحايا الارهاب تسعي الي تتبع المتورطين في هذه الأعمال. من جهة أخري فان الحكومة الجزائرية تحاول استقراء مجمل الانعكاسات المتوقعة والمواقف الاقليمية المغاربية والدولية لمثل هذا القرار. مما يسمح باتخاذ قرار صائب بخصوص هذا الملف. ولعل ما ورد في البلاغ الصحافي الناطق باسم الحكومة الجزائرية، جاء يؤكد بوضوح علي عدم وجود نية لمنح تأشيرة النشاط الحزبي باسم رابح الكبير أو غيره من قيادات الجبهة المحظورة. لتبدو ملامح الصورة في شكلها الحالي متوافقة الي حد كبير مع ما تريده الحكومة الحالية، التي تريد، علي ما يبدو، التريث قبل اعطاء أي تأشيرة نشاط حزبي، وذلك خوفا من مخاطر الانزلاق في حرب أهلية كما حصل في التجربة السابقة. كما أنها تعي، من جهة أخري، أهمية ايجاد توازن سياسي وحراك اجتماعي يمكن من تجاوز غياب قوة سياسية تمثل التيار الأصولي الجزائري الأهم. ونرجح أن اثارة ملف الجبهة وامكانية عودتها في شكل متجدد، وتزامنه مع عودة رابح الكبير، يندرج ضمن أجندة سياسية تتبناها القيادة الجزائرية الحالية في بحثها عن شخصيات سياسية انقاذية لم تتورط في العنف بشكل أو بآخر، وتكون قادرة علي الاضطلاع بدور ما في الاستحقاقات السياسية المستقبلية. كما أنها قد تكون محاولة لتصدير أزمة داخلية، من قبيل الخلافات بين الشركاء السياسيين في الحكومة أو فيما يتعلق بحرب خلافة الرئيس بوتفليقة. ومهما يكن من أمر السبب الفعلي لعودة هذا الملف، فإن الظهور المكثف والهالة الاعلامية التي تحيط بقيادات أصولية معروفة مثل علي بالحاج أو مدني مزراق القائد السابق للجيش الاسلامي للانقاذ أو غيرهما لن تنقذ هذه القيادات من العزلة السياسية المفروضة رسميا عليهم. وتبقي مجمل التلميحات والتسريبات غير المباشرة حول امكانية مشاركة هذه الوجوه الانقاذية في تأسيس حزب جديد للشتات الانقاذي مجرد تخمينات وتوقعات لن تتأكد الا بقرار رسمي. خاصة وان مشاركة هؤلاء في الأعمال المسلحة أو دعمها ولو بشكل غير مباشر، تقف حجر عثرة أمام طموحاتهم للعودة للمشهد السياسي الجزائري وذلك لجملة المعايير القانونية والسياسية التي حددتها السلطات الجزائرية، للتمكن من ممارسة أنشطة سياسية مرخص فيها. هكذا يبدو أن عديد الأسباب السياسية الداخلية، تجعل من هوية قيادة الحزب المنتظر مسألة محل اتفاق ضمني حولها داخل الأوساط الحكومية الجزائرية الفاعلة، ففي صورة ما اذا تم مستقبلا الترخيص لهذا الحزب بالنشاط، فان نقطة الانطلاق هي ضرورة اعتدال توجهاته ومواقفه. خاصة وان التشكيلة السياسية الحاكمة الموسعة في الجزائر اليوم، لا تمثل بالضرورة لونا أو موقفا موحدا، بل انها عبارة عن فسيفساء تتعدد ضمنها الأطياف السياسية يسارا ويمينا، والقول علي سبيل المثال بازاحة الشق الفرانكفوني نبقي نسبيا، لقوة هذا التيار وتشعب ارتباطاته وتجذره في المشهد السياسي والسوسيوثقافي الجزائري، كما أن التيار العروبي داخل الحكومة نفسه يبقي، علي الرغم من نفوذه السياسي الحالي، حذرا في المجازفة باستئصال منافسيه سياسيا، بل قد تكون قدرته في الوقت الراهن محدودة في هذا الاتجاه. وفي هذا الاطار بالذات، لا يجب التغافل عن الدور الرئيسي للمؤسسة العسكرية في الحياة السياسية في الجزائر، فعلي الرغم من انسحابها المؤقت من المشهد السياسي وبروز مؤسسة الرئاسة كمسير رئيسي للأحداث وبديل عنها، الا أن مؤسسة الجيش تبقي بفعل عوامل سوسيو ـ تاريخية متجذرة في عمق البنية السياسية لتشكل الدولة في الفضاء المغاربي عموما وفي الجزائر بشكل خاص، احدي الركائز الأساسية للسلطة السياسية. وهو ما يرجح الابقاء علي دورها الاستراتيجي الذي تضطلع به منذ قرون، كحارس أمين وفعلي للنظام السياسي في المغرب في الفترات القديمة والحديثة علي حد سواء، وبصفة خاصة أثـــــناء الانتصاب العسكري التركي بالمنطقة في الفترة الحديثة فقد حكم الضباط الأتراك الدايات ايالة الجزائر، وتواصلت هذه السيطرة في أشكالها المختلفة الي حدود الانتصاب العسكري الاستعماري الفرنسي المباشر في الجزائر. وهكذا تواصل حضور الجيش في المشهد السياسي الجزائري لفترة طويلة من الزمن، مشكلا تدريجيا طبقة عســكرتاريا تخترقها نسبيا الولاءات والزبونية ويحركها أحيانا الانتماء المناطقي والتقسيم الجهوي. علي أن ارتباط هذه المؤسسة بمرحلة التحرر الوطني شكل عاملا هيكليا في بناء الشرعية الوطنية وتأسيس ذاكرة مرجعية في تاريخ الجزائر، كما تركت تأثيرات لا يمكن اغفالها في طبيعة تشكل المؤسسات السياسية للدولة الوطنية بالجزائر المعاصرة. كما يمكن اثارة معطي آخر مهم يتعلق بوزن بقية الأحزاب الاسلامية الجزائرية المعترف بها، وتتمثل في ثلاثة أحزاب أساسية هي: حركة مجتمع السلم وحركة النهضة وتيار الاصلاح الوطني. وأولي الملاحظات التي يمكن أن نسوقها، هي التأكيد علي أهمية مشاركة هذه الأحزاب في التحالف الحكومي ودورها السياسي والاجتماعي والثقافي لحفظ التوازن في المشهد السياسي الجزائري، في ظل غياب القطب الأصولي الأهم وذلك علي مدي أكثر من عقد من الزمن. وتجدر الاشارة الي أن الوضعية الحالية لمختلف هذه التيارات السياسية تبدو في تراجع واضح، ولعل ذلك يعود للفراغ السياسي الذي خلفه غياب قيادات سياسية كاريزمية لها وزنها داخل أحزابها بدرجة أولي، وفي المشهد السياسي الجزائري العام بدرجة ثانية، من أمثال الراحل محفوظ النحناح. أو كذلك تراجع قيادات أخري مثل عبد الله جاب الله، مما خلف وضعيات صعبة في هده التنظيمات، فهي تعاني أزمات سياسية داخلية، تتضح من خلال الانشقاقات والاتهامات المتبادلة بين قياداتها بالفساد المالي واحتكار التسيير داخلها. هذا الأمر يجعل هذه الأحزاب في موقف سياسي ضعيف داخل الحكومة، كما قد يدفع القطب الرئاسي أي محور بوتفليقة ـ بلخادم الي مراجعة حساباته السياسية مستقبلا لايجاد حليف قوي يمثل الاسلام السياسي المعتدل، يمكنه من تحقيق أجنداته وبرامجه. من هذا المنطلق، وفي ظل هشاشة الأحزاب الاسلامية المعترف بها وفشل التعويل عليها ماضيا في استقطاب الأتباع السابقين لجبهة الانقاذ، سواء لدعم مشروع المصالحة الوطنية أو لاعتمادهم ضمن أجندات ومراحل سياسية لاحقة من التجاذب والاستقطاب بين مختلف أجنحة النظام السياسي الجزائري. ويبدو مما تقدم، أن الاستحقاقات الرسمية القادمة في حاجة لحليف قوي من بين الانقاذيين المعتدلين. هذه اللمسات السياسية التي تهدف الي اعادة ادماج هذا الطرف الأصولي المعتدل تدريجيا في التحالف السياسي الرئاسي، تبدو أنامل الوزير الأول والأمين العام لجبهة التحرير الوطني والرجل القوي في الحكومة عبد العزيز بلخادم خلفها، فبعد نجاحه الي حد كبير في اضعاف الشق العلماني والفرانكفوني سياسيا، داخل وخارج النظام والتوصل الي ابرام اتفاق ضمني مع المؤسسة العسكرية بعدم التدخل في العملية السياسية. خاصة بعد استقالة أو تقاعد الضباط الكبار من أمثال محمد العماري ومن قبله خالد نزار. أصبح الباب مفتوحا علي مصراعيه لاعادة هيكلة المشهد السياسي في طبخة جديدة تكون بالضرورة في صالح التشكيلة السياسية المتنفذة والصاعدة. ويرجح بعض السياسيين أن رهان الفاعلين السياسيين الحالي يهدف، فيما يهدف، الي خلق توازن جديد ذي أبعاد سياسية ـ ثقافية ـ اجتماعية. هذا الرهان فيه من الواقعية والبراغماتية السياسية الكثير، ولكنه ينطوي علي عدد من الصعوبات لعل أبرزها ترويض الشق المتشدد في الجبهة، في ظل الضعف السياسي ميدانيا للقيادات التي كانت تقيم بالخارج. ولعل الطفرة الاقتصادية التي عرفتها الجزائر، وخاصة منها الموارد المتأتية من البترول، قد أنعشت الاقتصاد الجزائري، وساهمت وستساهم مستقبلا في دعم مواقف القيادة الجزائرية الحالية وتمكينها من كسب عديد الجولات الاستحقاقات الداخلية والخارجية. في نفس هذا السياق يعتبر نجاح سياسة المصالحة الاجتماعية والسياسية بمثابة الشرعية الحقيقية لمواصلة خطوات أخري جريئة أقدم عليها جناح الرئيس بوتفليقة. اذ تندرج عودة بعض الوجوه الأصولية الانقاذية علي ما يبدو ضمن هذا المسار الجديد. وذلك في انتظار مفاجآت سياسية أخري قد يطلقها النظام الجزائري. ولئن جاء الحسم الرسمي المستبعد لامكانية الترخيص بحزب أصولي جديد، راهنا، فان كثيرا من الملاحظين ينتظر تفاعلات هذا الملف ومختلف المواقف السياسية والحقوقية والجمعياتية، الرافضة أو القابلة لعودة التيار الأصولي المحظور والاستتباعات المتعددة لكل ذلك، وهو ما يجعل هذا الملف السياسي ذا طبيعة سجالية في المشهد السياسي الجزائري بدرجة أولي والمشهد المغاربي والعربي الاسلامي والدولي بصفة عامة. ہ كاتب من تونس
 
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 20 ديسمبر 2006)


 

رؤية نقدية لمقولة الدولة الفلسطينية

توفيق المديني  1– جدل الدولة الفلسطينية في ظل مرجعية أوسلو كان قرار تأسيس دولة يهودية في فلسطين قد قرر منذ زمن بعيد في مؤتمر تأسيس الحركة الصهيونية العالمية عام 1897 ، وقد قال هرتزل آنذاك ، أنني واثق أنه بعد 50 سنة ستقوم الدولة اليهودية .  وقال : » يبدو إن كلامي هذا كلام مجانين ، لكن الوقت سيكشف لكم أن ذلك هو ما سيكون « .  ولما كانت الحركة الصهيونية العالمية حركة عرقية مغرقة في رجعيتها ، مرتبطة بالامبريالية الغربية ذات المصالح الكبيرة في الوطن العربي ، وقادرة  على استقطاب قطاعات كبيرة من يهود العالم ، واستخدام نفوذهم وكفاء تهم في أوطانهم ، فقد  اعتبرت أن اقامة الدولة الصهيونية لابد أن ينال  موافقة الدول الاستعمارية الاوروبية على الاقل او دعمها. و لذا كان ينبغي أن يكون للدول الاستعمارية الغربية مصلحة فيها و أن يدخل في نطاق مخططاتها. و أخذ هرتزل يشيد بالميزات التي يمكن أن تحملها الدولة الصهيونية الجديدة لمن يمنحونها أرضا و للدول الاستعمارية التي تشجع هذا المخطط. و هاكم الرؤى التي يراها اذا ماكانت فلسطين هي الارض التي يقع عليها الاختيار: » اذا أعطانا جلالة السلطان فلسطين فيمكننا أن نؤمن له تنظيم المالية التركية تماما. و سنشكل بالنسبة لاوروبا هناك قطعة من سور ضد آسيا و سنكون الحارس الامامي للحضارة من البربرية و سنبقى, كدولة محايدة ,على صلات مستمرة باوروبا كلها التي تلتزم بضمان كياننا »(1 ). و قد ارتبط المشروع الصهيوني في اقامة دولة على أرض فلسطين  بوثيقة سياسية بريطانية هي تصريح بلفور في 2 تشرين الثاني /نوفمبر1917 ,وهو في الواقع  محض رسالة  موجهة من  الوزير البريطاني  للشؤون الخارجية  , اللورد بلفور, إلى اللورد روتشيلد . و من  الواجب أن نثبت  هنا نص تلك الرسالة  ذات المقاطع  الثلاثة المقتضبة للغاية: » يسرني جدا أن أوجه اليك , باسم حكومة جلالته, تصريح التعاطف مع المطامح اليهودية التي رفعت إلى الحكومة و نالت موافقتها. أن حكومة جلالته تنظر بعين العطف إلى قيام و طن قومي للشعب اليهودي (a  national  home) في فلسطين, و ستبذل جميع الجهود الممكنة لتسهيل انجاز هذا الهدف, على أن يكون و اضحا أنه لا يجوز اتيان أي شيىء من شأنه المساس بالحقوق المدنية و الدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين, أو بحقوق اليهود و بو ضعهم السياس في أي بلد آخر.  سأكون لك ممتنا لنقل هذا التصريح ليطلع عليه الاتحاد الصهيوني(2 ). و كانت بريطانيا في تلك المرحلة خاضعة لضغوطات الحركة الصهيونية , التي كان يقودها أنذاك حاييم وايزمان, و الذي  سيصير أول رئيس لدولة الكيان الصهيوني. و قد كتب وايزمان منذ 1914 إلى موظف سامي المقام في وزارة الشؤون الخارجية: »انني أدرك بطبيعة الحال أنني لسنا الا ذرة, و لكن في مقدورنا القول على نحو يقبله العقل بأنه اذا ما سقطت فلسطين في دائرة النفوذ البريطاني, و اذا ما شجعت بريطانيا العظمى اقامة اليهود  هناك, على سبيل التبعية البريطانية, فسيكون في مستطاعنا أن يكون لنا خلال خمسة و عشرين  أو ثلاثين  عاما  مليون من اليهود أو أكثر, و لسوف يطورون البلد, و يجلبون اليه الحضارة, و يؤلفون حرسا فعليا لقناة السويس »(3 ).  و عندما عهدت عصبة الأمم لبريطانيا بالانتداب   على فلسطين  في 24تموز 1922 , بدا تصريح بلفور يشق طريقه إلى التنفيذ العملي   من خلال منح سلطات الانتداب « صلاحية اقامة مؤسسات سياسية و ادارية و اقتصادية في البلاد من طبيعتها أن تؤمن قيام الوطن القومي للشعب اليهودي »(4 ).و يقول مكسيم رودنسن  في هذا الصدد: انطلاقا من هذه الوقائع يبدولي أن النتائج التالية لا تقبل الجدل تاريخيا.ان تحقيق المشروع الصهيوني لم يبدأ إلابفضل و ثيقة سياسية أمن الحصول عليها من بريطانيا العظمى بضغط المنظمة الصهيونية.  و قد سلكت بريطانيا هذا المسلك للحصول على الدعم  لسياستها العامة من قبل جماعة الضغط الفعال التي كانت تتالف,  كما خيل اليها, من يهود الإمبراطورية الروسية و الولايات المتحدة دون أن تتساءل كثيرا عن الروابط الفعلية التي تربط هؤلاء بالحركة الصهيونية السياسية, و لانه زين لها أن الوثيقة المشار اليها  تخدم مصالحها في الشرق الادنى الخارج من الحرب, و القادة الصهيونيون قد صوروها كذلك. و اعتبرت بريطانيا أنه يمكن  التو فيق بين هذا الخط, على الاقل في المدى البعيد , و بين المساندة التي تبذلها للامراء العرب من السلالة الهاشمية و دعم هؤلاء لها بالمقابل.و ساعد  القادة الصهيونيون على تحقيق هذا التوفيق بارجاء مشروع الدولة اليهودية  مؤقتا و بالاكتفاء  بالمطالبة بحقهم في تسهيلات للاقامة في فلسطين و في الاستيطان الحر. و الخلاصة أن من حق العرب أن يعتبروا ان ترسخ عنصر غريب جديد في الارض الفلسطينية( عنصر في غالبيته العظمى  أوروبي آنذاك) أمر فرضته عليهم دولة أوروبية بالاستناد إلى النصر العسكري الذي أحرزه فريق من الدول الاوروبية ضد فريق آخر كانت الإمبراطورية العثمانية قد انضمت اليه(5 ). و هكذا استقدمت الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا قطاعات من المستوطنين اليهود  الى فلسطين.و كان عدد اليهود في فلسطين يقارب 85000   يهوديا عام 1914 , و قد هبط هذا العدد إلى نحو 56000 يهودي أثناء الحرب. و في عام 1917 كان يهود فلسطين يمثلون 6% من السكان , بينما كان  العرب يمثلون4 9  %.و قد كسبت الحركة الصهيونية دولتها بالعنف,  و استولت  بالقوة  على  التراب الفلسطيني,  وأسست دولة غريبة ليهود مهاجرين مستوطنين استناداً لقرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 ، المعروف بقرار التقسيم ، الذي كان مرجعية شكلية للحركة الصهيونية لاقامة مشروعها المتمثل في الكيان الصهيوني  » اسرائيل  » بعد 50 سنة من كلام هرتزل . و على الرغم من موافقة الكيان الصهيوني  على القرار 181  الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة  في تشرين الثاني /نوفمبر عام 1947, الذي ينص على تقسيم فلسطين إلى دولتين , يهودية و عربية,  فان الدولة الصهيونية الناشئة  قامت بخوض الحرب, و اراقة الدماء في  العامين 1948و 1949 , مما أدى إلى سقوط ضحايا و تسبب بالمآسي في أوساط الشعب الفلسطيني , و من ذلك تشريد السكان المدنيين الفلسطينيين و فقدانهم ملكياتهم ,متحولين بذلك شعبا لاجئا… وكان العرب قد رفضوا قرار التقسيم المذكور ، لأنه قرار غير شرعي ، ومعاد للحقوق الطبيعية والتاريخية للعرب في فلسطين أولاً ، ولأن القرار المذكور استباح الحق الطبيعي للشعب الفلسطيني ، وبالتالي للأمة العربية في وطنه ، ثانياً ، ولأنه لا يجوز لدولة الانتداب البريطاني أن تتصرف بحقوق الشعب والدولة الموضوعة تحت الوصاية ولا بأرضها ، ثالثاً ، ولأن هذا الرفض مبني على البعد القومي للقضية الفلسطينية مرجعية ومسؤولية عن القرار والتحرير والتصرف ، رابعاً . ولما كانت اقامة الدولة الفلسطينية حقاً طبيعياً للشعب الفلسطيني ، باعتباره شعباً ، وهو حق يأتي من علاقة الشعب الفلسطيني بأرضه ، ومن حق هذا الشعب التاريخي في إقامة دولة ذات سيادة فعلية وحقيقية في وطنه ، ولا يأتي من قرارات دولية ، فان ميثاق الأمم المتحدة لا ينص، ولا هو من حقه أن يعطي قرار استقلال ، أو إقامة دولة ، أو قرار حق طبيعي.  لأن هذا الحق ، كما ذكرنا حق طبيعي وتاريخي ، ودور الأمم المتحدة حسب شرعيتها ، أن تدافع عن هذه الحقوق الطبيعية ، وأن تمنع الاعتداء عليها ، حين تتعرض للاعتداء . وليس من حق الأمم المتحدة، أن تتصرف بالحقوق الطبيعية لشعب فلسطين . ولقد درس هذه المسألة حقوقيون عديدون منهم الاستاذ هنري كتن في كتابه » المسألة الفلسطينية « باللغة الانجليزية ( ص 32 – 41 ) وفي دراسات ومحاضرات أخرى . وأبان أسباب عدم قانونية القرار ، سواء من حيث عدم اختصاص الأمم المتحدة الذي قرر تقسيم فلسطين الى ثلاثة أقسام : واحد لدولة عربية ، وثاني لدولة يهودية ، وثالث لمدينة القدس ، و أن ذلك كان يشكل عدواناً على سيادة الشعب الفلسطيني« ( تقسيم فلسطين منشورات نقابة المحامين – دمشق ص 34 ) . وقد قاتل الشعب الفلسطيني والأمة العربية لرفض قرار التقسيم قبل صدوره ، ومنذ صدوره حتى الآن ، لانه قرار باطل وجائر ، وكتب  القانونيون والكتاب الكتب و المؤلفات في بطلانه ، كما قدم المناضلون وجماهير الشعب الضحايا في مقا ومة التقسيم والتوطين الخ . . . وعلى الرغم من إن القيادة الفلسطينية الرسمية اعتبرت في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد بالجزائر عام 1988 ، القرار 181 أساس الاستقلال ، وبالتالي أساس الدولة الفلسطينية ، وقبلت بحل سياسي ضمن إطار القرارين 242 و 338 ، أي أن القيادة الفلسطينية رضيت أن  تستمد شرعية الاستقلال وبناء الدولة من قرار غير شرعي ، ومعاد للحقوق الطبيعية للعرب في فلسطين ، واعترفت بشرعية الوجود الصهيوني ، المحتاج الى الشرعية والاعتراف بعد توقيع اتفاقيات أوسلو وملاحقها ، لأن الكيان الصهيوني ذا الوجود الغير طبيعي في فلسطين يحتاج الى مثل هذا الاعتراف ، والى قرارات الأمم المتحدة ، إلا أن قادة العدو الصهيوني بدءا من نتنياهو إلى شارون ووصولاً الى أطراف اليمين واليسار يرفضون القرار 181 ، ولا يريد أحد منهم أن يذكره باعتباره مرجعية من أي نوع ، لأنهم يرون أن ذلك القرار الذي رفضه العرب ضمن ظروف تاريخية ، نقضته حروب  وأسقطته مرجعيات أخرى ، طغت على المرجعية الدولية في هذا المجال منها : مرجعية مدريد ، ومرجعية الولايات المتحدة الأميركية التي يضع معظم العرب 99 في المئة من أوراق حل القضية الفلسطينية بيدها ، ومرجعية أوسلو التي تلتزم بها القيادة الفلسطينية ، وتعمل اليوم بمرجعيتها لاقامة » دولة فلسطينية « ، كان المجلس المركزي الفلسطيني قد أرجأ الاعلان عنها في اجتماعاته قبل سنتين. وهكذا ، فان القيادة الفلسطينية التي تؤمن بالمعادلات الدولية أساساً ، وتراهن على أن تأتي لها هذه  المعادلات الدولية بحل قد تبخرت آمالها مؤخراً ، لأن  » دولة الحكم الذاتي  » التي تعلن عزمها على الاعلان عنها لا تستند ولو شكلياً الى القرار 181 ، ولا الى مرجعية مدريد ، ولا الى المرجعية النضالية ، لأن » مرجعية أوسلو « لا يمكن أن يتمخض عنها دولة ذات سيادة . وأية دولة بلا سيطرة فعلية على الأرض ، وبلا سيادة ، هي أشبه ببنتوستات داخل الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين .و غداة توقيع أوسلوظن البعض بأن أقصى طموح للفلسطينيين في سياق الروابط مع « اسرائيل », أن ينشأ نظام حكم فلسطيني تابع بالاكراه للدولة اليهودية. و أن كل ما يقصده الطرف « الاسرائيلي » هو اخلاء بعض المناطق الفلسطينية المحتلة, كي يديرها هذا النظام بالوكالة, فيما تبقى « اسرائيل » الطرف المهيمن الذي يقرر كل خطوة ثالثة. و لم يكن هذا الظن بعيدا عما يجري عمليا. فقد ثبت أن فكرة التدرج نحو فض  التبعية الفلسطينية التي تراكمت مظاهرها في زمن الاحتلال المرير, لم تتحقق.و حينما أبدى الطرف الفلسطيني رغبة في اعلان الدولة و الاستقلال من طرف واحد , انذرت « اسرائيل » بأن هذا الاعلان  لن يكون فاعلا على الاطلاق , وسوف تعتبره خطوة أحادية لاقيمة لها في اجبار »اسرائيل » على تغيير مستوى تحكمها في عناصر هذه الدولة و كل مايمكن أن يمنحها صدقية عملية(6). ولقد دفعت القيادات الصهيونية عبر شبكات علاقاتها الدولية ، القيادة الرسمية الفلسطينية الى شبكة التسوية  بهدف الاجهاز عليها .  ولذلك فان القيادات الصهيونية من شامير الىشارون مرورا بنتنياهو  ، لم تقدم أي تنازل جدي يذكر ، وحرصت على استدراج المنظمة الى حوار ثنائي ، لأن القيادة الصهيونية لن تتنازل إن لم تهزم ، أو تتوقع هزيمة ساحقة . .. و القيادة الصهيونية لم تهزم بعد ، ولا تتوقع ضمن إطار الموقف العربي الراهن ، أية هزيمة . . فلماذا تتنازل اذن ؟ إن القيادة الصهيونية ما زال لديها أمل بإثارة المزيد من الصراعات العربية – العربية ، سواء داخل كل قطر أو بين قطر عربي وآخر .  ولذلك فإنها  ترى فيما فعلته القيادة الفلسطينية تنازلاً حقيقياً ، و ستحرص على تقديم إيحاءات بتنازلات لا تتجاوز المشاريع الصهيونية المطروحة ، .. . وسيكون الهدف الصهيوني تصفية أية مرجعية نضالية يكون  هدفها تحرير الوطن وانتزاع السيادة عليه ، وإسقاط قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية بدءا من القرار 181 وانتهاء بالقرار 3379 الذي يصف الصهيونية بالعنصرية والذي اسقطته بالفعل ، وتحويل الصراع العربي – الصهيوني الى  مطالبة فلسطينية  » بدولة الحكم الذاتي  » المستندة إلى المفهوم الامريكي – الصهيوني للسلام ,حيث إن هذه الدولة بلا حدود مع الجوار العربي ، ويحيط بها الكيان الصهيوني من كل صوب ، وجغرافيتها من الداخل ممزقة و مخترقة إما بمستوطنات ومعسكرات  » إسرائيلية  » أو بطرق التفافية تسيطر عليها قوات الاحتلال ، ومن غير المسموح لها أن تنشىء جيشاً أوتكون قوة من أي نوع .  ودولة بلا قوة تحمي السيادة أو تؤسس لها ، تمثل الوهم بعينه .
2       – مضمون السلام الأميركي – الصهيوني ظلت العلاقات  الوثيقة بين الكيان الصهيوني و الولايات المتحدة الأمريكية  ثابتة و متميزة  لما يزيد على الثلاثة عقود و نصف العقد.و مايزال الكيان الصهيوني يتلقى 3 مليارات دولار كل سنة من  دون معارضة من أحد في الكونغرس , بما في ذلك الليبراليون الذين يبادلون المساعدات عادة بالتحسن في حقوق الانسان و الديمقراطية, وبما في ذلك  المحافظون الذين   هم ضد   المساعدات عامة . و تشارك الدول الغربية جميعها الولايات المتحدة في دعمها لبقاء الكيان الصهيوني و أمنه, لكنها لا تمده بالسلاح, و لاتوافق على بقائه في الاراضي العربية التي احتلها عام 1967 . ليست هناك جهات اقليمية أو دولية وصلت في دعم الكيان الصهيوني  إلى الحدود التي وصلت اليها الولايات المتحدة , التي تقف أحيانا متفردة في هذا الدعم , سواء على الصعيد المالي , اذ أن الولايات المتحدة مازالت  مستمرة في دفع  ما معدله 115 دولارا في الثانية الواحدة, أو 6777 دولارا في الدقيقة الواحدة, أو 10 ملايين دولار كل يوم, كما فعلت خلال السنوات العشرين الماضية., أم على الصعيد السياسي و الدبلوماسي,حيث تقف الولايات المتحدة مع الحكومات الصهيونية المتعاقبة أمام المؤسسات الدولية  في  الخروج على القانون الدولي أو انتهاك حقوق الانسان. لقد أطلق المفهوم الا مريكي – الصهيوني للسلام رصاص الرحمة  على اتفاقيات أوسلو,منذ أن تمت تسمية آرييل شارون وزيرا للخار جية في عهد خصمه اللدود   في الليكود بنيامين نتنياهو , حيث أعيد الاعتبار له , وزار واشنطن في شهر تشرين الثاني 1997, من أجل لقاء مستشار الامن القومي في عهد الرئيس السابق كلينتون , ساندي بيرجر .  وهاهو رئيس الوزراء الصهيوني آرييل شارون  يعتبر أن  اتفاقيات أوسلو و ملحقاتها لم تعد موجودة,  وأنها مجرد حبر على ورق ,  كمقدمة لتنفيذ مخططه الإجرامي الرامي إلى تقطيع أوصال قطاع غزة,  و لم يكن هذا الموقف الصهيوني مفاجئا في شيء ، لان » عملية السلام » الامريكية التي أطلقها جورج بوش الاب عام  1991 , لم يعد لها وجودا. و مادامت اتفاقات أوسلو  لم تعد قائمة,و كذلك الافكار التي طرحت في مفاوضات كامب ديفيد الثاني و طابا , فهذا يعني أن السلطة الفلسطينية التي انبثقت عنها لم يعد معترفابها.  فخلال الخمسين عاما الماضية وطد الكيان الصهيوني نظاما استعماريا استيطانيا قاسيا بسبب الابتزاز و الجرائم و تدمير المساكن و الثقافة حتى الأشجار لم تسلم من العدوان ., و انتهجت القيادات الصهيونية التي تعاقبت على الحكم « استراتيجية الحرب الدائمة »و « الاحتلال الدائم »و « استعراض القوة المستمر » كعوامل لازمة لتماسك المجتمع الصهيوني .لذلك استفاق الشعب الفلسطيني في انتفاضته الأولى عام 1987 و التي كبح جماحها اتفاق أوسلو عام 1993 ، و بدعم أمريكي مطلق يتم العمل بالمشروع الصهيوني الشاروني الذي يقوم على سياسة إلغاء الشعب الفلسطيني , و مبدأ التهجير و الترانسفير دون سابق إنذار . و تجلى ذلك بالسياسة القمعية ضد الفلسطينيين مما ولد الانتفاضة الثانية في 20 أيلول 2000 ، و بدأ معها الغضب العارم بالتصاعد ، و من ثم حرب شارون و المجازر الوحشية التي ارتكبها الجيش الصهيوني و لا يزال .     و بعد توقيع اتفاق أوسلو ، و بروز نذر تبلور الكيان الفلسطيني ، كانت السلطة الفلسطينية تنظر إلى هذا الاتفاق بأنه مفتاح بناء الدولة الفلسطينية المستقلة . غير أن كل ما كان يقصده الصهاينة في ذلك الوقت هو إخلاء بعض المناطق الفلسطينية المحتلة ، كي تديرها هذه السلطة بالوكالة ،فيما يبقى الكيان الصهيوني الطرف المهيمن الذي يقرر كل خطوة ثالثة . وفضلا عن ذلك , فان اتفاقيات أوسلو كانت خديعة كبيرة للتمويه على عملية الاجهاز الشامل على الشعب الفلسطيني, واجتثاث طموحاته في الحرية و الاستقلال و حق تقرير المصير..و ماحصل نتيجة « أوسلو » شكل في واقع الامر انتحارا أو نحرا جماعيا لشعب بأكمله.   و كانت اتفاقيات أوسلو بمنزلة الكارثة الجديدة التي حلت بالشعب الفلسطيني , اذ نتج  عنها كما يقول  نعوم تشومسكي نجاح الكيان الصهيوني في خمس نقاط  ارتكازية على الاقل, وهي: 1-فك الارتباط بين المسارات العربية, المتداخلةو المترابطة عضويا بحكم التاريخ و الجغرافياو الهوية القوميةالواحدة و الخطر المشترك. 2-تحولت قضية شعب و استقلاله و حريته الى مسألة جزر معزولةو طرقات و جسور و معابر, وأشلاء ممزقة…و كلها تحت الاحتلال تفتيشا و أمنا و مراقبة. 3-تهجير مدروس على مدى سنوات عبر الهدم و التدمير للاحياء العربية و الغاء الهويات و القيود , ومحاصرة المدن و البلدات و القرى العربية بمستوطنات مسلحة ماديا و عسكريا و عنصريا. 4–السماح بقيام شبه  سلطة و شبه مؤسسات و شبه أجهزة ليسهل تهميشها و حصارها و تدميرها في أي وقت تراه « اسرائيل » مناسبا لها أو ضروريا لتحركاتها السياسية و العسكرية و الامنية. 5-وضع الشعب الفلسطيني في سجن جماعي و استغلال ظروفه المعيشية القاسية جدا للاستفادة من قوة العمل الرخيصة, و ربط من  يمكن ربطه باللاحتلال و سلطاته و رجال الاعمال الصهاينة الذين يقومون بدور خطير في هذا الميدا،.     و هذا جعل مسيرة الحكم الذاتي الفلسطيني تنتقل من إخفاق إلى آخر ، لأن اتفاقات أوسلو لم تكن عقد قران بين زوجين متكافئين في الحقوق و الواجبات ، و إنما كانت تسوية بين محتل صهيوني و شعب خاضع   للاحتلال. و قد أراد المحتل أن يفرض في كل مرحلة ، و بدعم من الولايات المتحدة ، وجهة نظر من جانب واحد . و كانت أغلبية الصهاينة يرون في رفض عرفات  » العرض السخي  » الذي  طرح في قمة كامب ديفيد في تموز / يوليو عام 2000 ، قد « كشف عن وجهه الحقيقي  » ,بحسب تعبير إيهود باراك ، و عندما أيده سائر الشعب الفلسطيني فهم إنما أكدوا رغبتهم الدفينة في تدمير الكيان الصهيوني . وهاهو رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت وريث شارون ،  يعتبر أن  اتفاقيات أوسلو و ملحقاتها لم تعد موجودة,  وأنها مجرد حبر على ورق ,  كمقدمة لتنفيذ مخططه الإجرامي الرامي إلى تقطيع أوصال قطاع غزة, في الوقت الذي ينتشر فيه الجيش الصهيوني بدباباته و أسلحته الثقيلةفي غزة ، يقتل و يدمر ، و يمشط غزة و بيت حانون ، و يسحق المخيمات بمن فيها ، هذه المخيمات التي تنتظر العدالة منذ أكثر من خمسين عاما  تظهر الآن مشاهد أنقاضها في المحطات التلفزيونية ، بقايا مبان منهارة ، و بيوت تحولت إلى ساحات حرب و خراب ، و شهداء يوميا ، فما هي فلسطين الآن ؟     إذا تأملنا جوهر الرؤية الصهيونية لإنشاء كيان فلسطيني ، مهما كان شكله ، وجدنا أنها تدور حول فكرة التبعية المطلقة . فإنشاء كيان فلسطيني ضعيف و تابع للكيان الصهيوني فكرة راودت شطرا من النخبة الحاكمة الصهيونية منذ وقت مبكر . ففي 23 سبتمبر 1948 ، أشار موشي شرتوك ( شاريت ) وزير الخارجية الصهيونية أمام مجلس الدولة المؤقت , إلى أنه و زملاءه في الخارجية يفضلون من حيث المبدأ قيام حكومة فلسطينية في الجزء العربي من فلسطين على الاندماج في الأردن . فمثل هذه الحكومة ستكون معتمدة على  » إسرائيل  » . و سوف تصون وحدة عرب فلسطين كما ستكون حافظا ضد أي اختراق عربي . أما الالتحاق بالأردن فإنه ينطوي على مخاطر الاندماج العراقي الأردني ، فيما ينشيءجارا قويا » لإسرائيل « (7 ).     فالكيان الفلسطيني المراد إنشاؤه  في أحسن الفروض و العروض الصهيونية, سوف يكون, أو يجب أن يكون منزوع السلاح ، و بلا جيش ، لديه فقط قوة شرطة لحفظ الأمن الصهيوني ، و لا يمكنه الاستعانة بالعرب، و لا يمكنه تهديد السلامة الإقليمية للكيان الصهيوني . كما لا يمكنه الاتفاق على إجراء مقاطعة اقتصادية أو عقد اتفاق يتعارض مع أمن الكيان الصهيوني .    إن مبدأ الصهاينة القائل بأنهم « شعب بلا أرض  »  دفعهم لبناء دولة الكيان الصهيوني فوق أرض أرادوها بلا شعب ,و حتموا على الشعب الفلسطيني أما المجازر أو النفي و التشرد, هذه الدولة الصهيونية قائمة على التمييز العنصري , و التوسع و العدوان. و لقد بسط الصهاينة نفوذهم بمعزل عن الشعب الفلسطيني.   و ضمن المنظور الاستراتيجي  الأمريكي الحالي  للحرب الأمريكية على الإرهاب, و الاحتلال الأميركي للعراق,قدمت الإدارة الأمريكية الجمهورية للقادة الصهاينة كل ما طلبوه،  و من شأنه إنجاح مخططهم  الإجرامي الفظيع , الذي هو بمنزلة إرهاب دولة. و في إدارة بوش الحالية , لاأحد من طاقمه الحكومي يعتبر أعضاء السلطة الفلسطينية « شركاء » , بل ان الرئيس بوش أعطى قادة العدو الصهيوني فرصة كاملة كي يجهز على المقاومة الفلسطينية, ويجر الجانب الفلسطيني إلى مائدة مفاوضات تكون أقرب الى إملاء شروط استسلام .فتاريخ شارون ووريثه  الدموي أولمرت ، يؤكد أنه رجل الاحتلال الدائم لآ « رجل السلام  » الذي تحدث عنه الرئيس بوش, و هويبحث عن قيادة فلسطينية تقبل ب »ادارة المناطق » التي تمنح حكما ذاتيا تحت « السيادة » الصهيونية. فهل تعي السلطة الفلسطينية خطورة ذلك على مصير القضية الفلسطينية, بما يدفعها الى تجسيد قطيعة منهجية وسياسية مع أوسلو و وتبني استراتيجية سياسية بديلة تنسجم مع خيار الشعب الفلسطيني في استمرار المقاومة كخيار استراتيجي ؟ إن القضية الفلسطينية هي قضية الصراع العربي مع  الامبريالية الاميركية, و للحركة الصهيونية في فلسطين دورا و ظيفيا تؤديه في هذا المجال. و لذلك يجب أن يبقى الصراع دائرا, و ألا يجزأ, لان تجزئته في فلسطين , و محاولة الفصل بين الامبريالية الاميركية و الكيان الصهيو ني, قاد الحركة الفلسطينية الى الضلال, و اضاع فلسطين , و أية محاولة  لاعتبار حكومة الولايات المتحدة الاميركية حكما , سيقو د الى الضلال و الضياع. ثم ان أية محاولة لاعتبار المشكلة فلسطينية – صهيو نية, سيقزم المسالة, وسيجعلها مثل مئات قضايا اللاجئين في العالم, و سيطرح  حل التوطين لمشكلة اللاجئين. الهوامش: (1 )-مكسيم رودنسن – « اسرائيل » واقع استعماري- ترجمة احسان الحصني- مراجعة أنطون مقدسي, منشورات وزارة الثقافة و السياحة و الارشاد القومي في سورية, الطبعة الاولى 1967 ,(ص 28 ). انظر أيضا كتاب هرتزل حول « الدولة اليهودية »(ص95 ). (2 )-مأخوذ من :ميلاد الصهيونية السياسية naissance  du sionisme  politique تقديم ا. مانور , منشورات غاليمار- جوليار , باريس 1981 , (ص 206 ). (3)- ح . وايزمان : مولد  » اسرائيل         منشورات غاليمار , باريس 1957 (ص 180 ).                             Naissance D,ISRAEL                                                                           )4 )- مكسيم رودنسن,  مرجع سابق(ص 51 ). (5 )-المرجع السابق (52 ). (6)- ناجي صادق شراب, الدولة الفلسطينية : و التداعيات و المكانة الاقليمية (رؤية مستقبلية), مجلة السياسة الدولية, العدد 147, كانون الثاني /يناير2002 , (ص 31- 32 ). .  (7)-جاء ذلك في اطار الجدل الذي أثاره اعلان قيا م حكومة عموم فلسطين في غزة. انظر Avi Shlaim  ,The Rise  and Fall  of  All –Palestine   Government  in  Gaza ,  Journal  of Palestine  Studies,  vol. Xx, no, 1, Autumn 1990(PP220 –222 ).
 

(المصدر: مجلة الوحدة الإسلامية الشهرية ، العدد الستون ،كانون الأول /ديسمبر 2006، و التي تصدر عن  تجمع العلماء المسلمين في لبنان


في الذكرى 125 لمولد أتاتورك:

هل كان الزعيم التركي فضّا في اقتلاعه لغة القرآن واستبدالها بلغة تركية؟

 

تونس – الصباح

 

بحضور عدد من الديبلوماسيين والاكاديميين احيت السفارة التركية امس الذكرى 125 لمولد مصطفى كمال اتاتورك وقد كان من الطبيعي جدا ان تستضيف السفارة التركية وجها نسائيا للحديث عن انجازات اتاتورك محرر المراة ونصيرها حيث تولت الاستاذة الجامعية ياقوت ارمك اوزدن من جامعة اسطنبول تقديم محاضرة شيقة حول شخص اتاتورك لم تقطعها سوى الرنات المتكررة للهاتف الجوال التي كانت مصدر ازعاج للحضور وقد اعتمدت ياقوت ارمك في عرضها على عدد من الصور الوثائقية النادرة لاتاتورك الزعيم واتاتورك الانسان في حياته اليومية بعيدا عن القيود والالتزامات السياسية كانت احداها وهو يتأرجح كطفل في ساعات المرح الى جانب عدد من المخطوطات والخرائط التي صاحبت تاسيس الدولة التركية الحديثة فيما قدم السيد الحبيب بولعراس مقاربة لا تخلومن الاثارة ايضا بين اتاتورك وبورقيبة.

 

 وقد اعتبرناجي اكانجي السفير التركي الذي تولى افتتاح اللقاء ان اصدارات كثيرة اهتمت باتاتورك كبطل قومي في مواجهة الاحتلال الاجنبي وفي مواجهة جيوش وقوات اكثر تدريبا وامكانيات من اجل وضع اسس دولة حديثة متطورة اساسها احترام حقوق الانسان واعتبر السفير التركي ان الحديث عن اتاتورك وعن بورقيبة يؤشر للعلاقات التاريخية المشتركة بين البلدين والرغبة في تحقيق اسمى درجات النمو والتقدم…

 

 فهل كانت رغبة اتاتورك في فرض اصلاحاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية اقوى من رغبة الاتراك انفسهم وهل كان اتاتورك فضا في فرض وتيرتها على الاتراك؟

 

 اتاتورك  اختار  المقاومة

 

 تقول الدكتورة ياقوت ان الظروف والملابسات التي ولد ونشا فيها اتاتورك كان لها دورها في توجهاته الاصلاحية في نهاية القرن التاسع عشرعندما بدات الامبراطورية العثمانية التي كانت تمتد على اكثر من ثلاثة ملايين كيلومتر مربع من الدانوب الى الفرات تتمزق وتتهاوى وتتحول الى الرجل المريض لاوروبا بعد ان ضعف جيشها وتفكك… في هذا المناخ من الانحلال العسكري والصراعات والحروب نشا اتاتورك العسكري الذي رفض معاهدة سيفر واختار المقاومة ضد قوى الاحتلال ليتغلب على الارمن والفرنسيين والايطاليين ويهزم اليونانيين الذين احتلوا ازمير وبعد معركة ساخاريا اختارت القوات البريطانية الهدنة والانسحاب من البلاد وفي كل ذلك لم يكن اتاتورك يخفي رغبته الشديدة في القطع مع قيود الماضي والانسلاخ عن الامبراطورية المحتضرة فكانت البداية بالفصل بين السلطان والخليفة تمهيدا الى الغاء الخلافة الاسلامية واعلان الجمهورية ونقل العاصمة التركية من اسطنبول الى انقرة.

 

 

واذا كانت الاصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي خاضها اتاتورك لتعصير وتحرير المراة وبناء الاقتصاد وغيرها قد حظيت بكثير من الاهتمام والدراسات وباتت في كثير من الاحيان محل اقتداء ومتابعة في عديد الدول المتحررة حديثا من قيود الاحتلال فان الانقلاب الذي خطط له اتاتورك وحرص على انجاحه للقطع مع اللغة العربية بل والحرص على استبدالها بحروف تركية تبقى من التجارب التي قلما تكررت في أي بلد اخر.

 

 وتقول الدكتورة ياقوت ان اتاتورك خاض حملة واسعة لفرض اللغة الجديدة بعد اكثر من ستة قرون على سيطرة حروف الهجاء العربية التي تمثل لغة القران في مقر الخلافة الاسلامية

 

ولعل ما ساعد اتاتورك على تحقيق هذه الخطوة حسب المحاضرة ان نسبة المتعلمين في البلاد لم تكن لتتجاوز ثمانية في المائة وهوما يفسر في نفس الوقت عدم وجود معارضة حقيقية لخيار اتاتورك انذاك  ما مهد في نفس الوقت الى فرض حملة واسعة لنشر التعليم باعتماد اللغة التركية الجديدة وفرضها في مختلف الاوساط الرسمية والشعبية والاعلامية وتعتبر الدكتورة ياقة ان هذا الاجراء ساعد على تنشيط حركة الطباعة والنشر حيث تجاوز عدد الكتب التي طبعت خلال عشر سنوات بين 1928 و1938 ما تم طبعه خلال ثلاثة قرون

 

بين  الشرق  والغرب

وفي مجمل ردودها حول موقع تركيا اتاتورك اليوم بين الشرق والغرب لا سيما في ظل تفاقم ظاهرة رفض الاتراك الانضمام الى الاتحاد الاوروبي قالت الدكتورة ان موقع تركيا الجغرافي بين الشرق والغرب يجعلها في موقع المستفيد من مختلف الحضارات واعتبرت ان موقف الاتراك المسجل في استطلاعات الراي من مساعي تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي مرتبط بتشدد هذه الدول واصرارها على التدخل في الشؤون التركية وحرصهم في نفس الوقت على دفع تركيا لتقديم الكثير من التنازلات القضائية والاقتصادية والعسكرية كذلك بشان قبرص وهوما اعتبر بالنسبة لكثير من الاتراك مهينا لكرامتهم ثم ان كل ذلك ادى  الى الاحساس بان الاوروبيين غير جديين ازاء تطلعات تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي ولاحظت ان للجيش التركي مكانة خاصة ذلك ان تميزه باعتماد توجهات تقدمية متفتحة من شانه ان يضمن استمرار العلمانية

 

 كسب  معركتي  التحرر  والتنمية

السيد الحبيب بولعراس اعتبر من جانبه الحديث عن اتاتورك بالنسبة لجيله اشبه بالحديث عن حلم شبابي ولكنه لم يكن ليخلو في احيان كثيرة من حنين البعض الى الماضي المجيد ولاحظ في محور حديثه ان اتاتورك لم يكن يقتل الرجل المريض ولكنه كان يواريه التراب ذلك ان الامبراطورية لم تقدم شيئا لمواجهة نصف قرن من الاحتلال واعتبر  اتاتورك ربما كان متشددا في فرض اصلاحاته التي راى فيها الكثيرون محاولة للانسلاخ عن تركيا ذات الجذور الاسلامية واعتبر ان المقاربة بين اتاتورك وبورقيبة تفرض نفسها في اطار مسيرة الرجلين التنموية من اجل كسب المعركة ضد الاحتلال ومنها الى كسب معركة التنمية في مواجهة الفقر والتخلف …

 

 تلك اذن صورة من صور كثيرة عن اتاتورك فهو «اب الاتراك» وهو «كمال باشا» وهوايضا«الغازي» القاب مختلفة رافقت مصطفى كمال اتاتورك الزعيم التركي في مراحل مختلفة من مسيرته في بناء تركيا الحديثة على انقاض الامبراطورية العثمانية المتفككة بعد ان غدت توصف بانها الرجل المريض لاوروبا في مرحلة كان العالم يشهد خلالها تطورات سريعة ومتلاحقة في اعقاب الحرب العالمية الاولى التي غيرت حدود الخارطة الدولية واعادة تقسيم التركة بين الاقوياء .  واذا كان التاريخ سجل لاتاتورك موقفا معلوما من التحرر عندما اعتبر ان التاريخ لم يسبق له ان سجل استقلال احد بخطط اونصائح الغرباء وان البلد الذي يقع تحت الوصاية يفقد استقلاليته فان الاكيد ان التاريخ قد سجل على اتاتورك انه ربما وحده من تجرا وتجاسر على الغاء استعمال حروف الهجاء العربية رمزالقران من اجل لغة مستحدثة وهي خطوة يشار اليها في مسيرة اتاتورك العلمانية «بفيل دفريمي» اوالثورة اللغوية حيث كان اتاتورك يعتقد ان احد وجوه تركيا الحديثة يقتضي تغييرا راديكاليا للغة التركية وهوما تم تحقيقه في ظرف زمني وجيز لم يعرف له مثيل وقد استقدم اتاتورك لذلك العالم اللغوي لوي بازين وحتى سنة 1928 كان قلة من الاتراك يعتقدون انه سيقدم على استبدال الحروف العربية ولكن اتاتورك فرض كل ثقله لتحقيق هذا الهدف واستحدث من اجله «لجنة لغوية» لوضع حروف تركية منبثقة من اللاتينية وذلك ضمن برنامج سياسي تركي قومي ورفض اتاتورك التدرج في اقحام اللغة الجديدة التي فرضت في الاوساط التربوية والاعلامية في غضون اشهر ويقال ان اتاتورك نفسه كان يجوب القرى والمدن ليتفقد سير الدروس بالاعتماد على اللغة التركية الجديدة بعد منع استعمال اللغة العربية والفارسية فيما تم الغاء لفظ «العثماني» من القاموس الرسمي واعتماد وصف «التركي» كبديل وفي كل ذلك فان اتاتورك الذي كان مفتونا بالثورة الفرنسية ورموزها جعل من المؤسسات الاوروبية مثالا يقتدي به في بناء تركيا الحديثة ولكن وهذا الاهم فان اتاتورك كان يروج لذلك بطريقته الخاصة حتى لا يتهم بتبني وترويج مبادئ الغرب فكان يصر في خطابه الرسمي على التاكيد على ان اصلاحاته نابعة من الجذور التركية ومن التقاليد التركية للقرون الوسطى وللعصور الاسلامية وان كل ما كان يقوم به هوالعودة الى تلك الجدور والى الاصالة التركية هوايضا ما جعله يعتبر نفسه كوريث للسلطان السلجوقي ارسلان الذي هزم البيزنطيين في الاناضول وفتح البلاد امام الاتراك المسلمين . ولاشك ان في المشهد التركي اليوم الممتد بين الشرق والغرب ما يعكس الكثير من ماضي تركيا وكذلك مستقبلها بعد ان اختارت  القطيعة مع عالمها الشرقي والاسلامي واختارت نهج الحداثة والعلمانية في سباقها المتواصل للالتحاق بركب الدول المتقدمة ولكن وبرغم كل ما قدمته وتقدمه تركيا من تضحيات فانها لم تنجح بعد في تجاوز عتبة الاتحاد الاوروبي ولا يزال المسار المتبقي امامها طويلا جدا ولا يخلومن التحديات الجسام التي قد تفوق كل ما قدمه اتاتورك حتى الان قبل ان تحضى برضا اوروبا وتقتلع شهادة الانضمام الى ناديها.                                      

 

اسيا العتروس

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 21 ديسمبر 2006)


نظرا لحصول خطإ  عند نشرنا لمقال السيد الطاهر الأسود نعيد نشره مرة أخرى مع الإعتذار للسيد الطاهرالأسود و لقرائنا الكرام

 

في تقييم جدوى الدكتاتورية(بعد رحيل بينوشيه)

الطاهر الأسود،باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية

 

إثر وفاة دكتاتور الشيلي السابق عاود الجدل حول تقييم « الدكتاتورية و مساوئها و منافعها » البروز و خاصة في علاقة بمسألة جدوى الدكتاتورية من جهة تحقيق الأمن و النمو الاقتصادي. و السؤال في غاية الأهمية و لهذا تحديدا لا يمكن التعامل معه بمنطق شعاراتي سطحي فحسب من قبيل الاكتفاء بترديد مقولات من نوع « لا أمن في ظل الخوف » و « لا توجد حريات اقتصادية من دون حريات سياسية » و هي المقولات المناسبة لمسيرات شعبية و ليس لبرامج جدية تطرح بدائل جذابة. إن « الأصالة التاريخية » للتصرف الدكتاتوري في أمور الدولة و الوجود الواقعي لعديد الدكتاتوريات في الواقع الراهن و إثباتها قدرتها على البقاء و الاستمرار بل و أيضا ضمان دعم محلي (و لو  حتى من خلال الصمت) و دعم دولي بما في ذلك من قبل أنظمة ديمقراطية يحث بالضرورة على محاولة فهم الظاهرة بشكل أكثر جدية و أكثر تجردا من الحسابات السياسية.

 

إن الوضع في تونس يفتقر بالتحديد لنقاش جدي في علاقة بهذه المسألة. و هو النقاش الذي يمكن أن يحدث حتى لو صمم الطرف الرسمي على الامتناع عنه. حيث يمكن أن يكون الموقف الرسمي جزءا من مواضيع النقاش حتو لو رفض الرسميون الجدل للشعور بعدم جدواه.

 

من الجهة الرسمية و بغض النظر عن الخطاب الظاهر يبدو أن هناك قناعة جدية لدى الكثيرين أن وضعا دكتاتوريا (أو « حازما » كما ينطقه البعض) يسمح بضمان الأمن و من ثمة بتوفير انضباط سياسي و اجتماعي (نقابي) ضروري لتمرير اجراءات و سياسات محددة (خوصصة، نظام الأجير المؤقت…) وحدها تسمح بحد أدنى من النمو الاقتصادي. و لأن المعادلة الدولية جوهرية في هذا النمو فإن عدم السماح بأي معارضة للاستراتيجية الرسمية الخارجية يسمح بالقيام بأي شيء تقريب دون « ضوضاء غير ضرورية » تضر بـ »المصلحة العامة ». إن أي انفتاح سياسي جدي من وجهة النظر هذه (أي انتفاح يسمح بتعبير سياسي معارض نقدي حقيقي) سيهدد في أقل الاحوال « الاستقرار الاقتصادي و الأمني ». و من هنا بالتحديد توجد أوساط دولية تشارك في هذا الرأي سواء بشكل رسمي (مثلما فعل الرئيس شيراك في تصريحات قليلة الديبلوماسية) أو ضمنيا من خلال الممارسة العملية و طبيعة العلاقة القائمة بين الطرفين.

 

في المقابل لا يبدو هناك أي رؤية مفصلة تعالج بجدية و بشكل معمق هذه الرؤية. كما لا توجد أي رغبة في نقاش الرؤية الرسمية أعلاه بشكل جدي و غير سياسيوي أي لا يطمح لتسجيل نقاط تعبوية بقدر ما يطمح قبل كل شيء الى فهم الظاهرة. إن الخطاب المعارض للنظام و الذي يتميز بصبغة « حقوقية » باردة و جافة في الأساس لا يعكس رؤية استراتيجية و واقعية للوضع التونسي و يفسر جزئيا على الأقل سبب انحسار القوى المعارضة. إن المسألة المطروحة ليست أخلاقية (من هو « السيئ » و من هو « الجيد ») كما أنها لا تتعلق بـ »الجزاء » الواجب فرضه على « الظالم » حيث تحدث الكثيرون في ذلك و لا أعتقد أن هناك خلاف جدي حول هذا الجانب بما في ذلك من قبل بعض الأطراف الرسمية المؤثرة. إن من الضروري الاجابة الجدية (و ليس « الحقوقية ») على أسئلة بنيوية من نوع: لماذا الدكتاتورية ممكنة و ناجحة حتى لو تعلق ذلك بالمدى « القصير » (الذي يعني أعمار أجيال أحيانا)؟ هل إسقاط الدكتاتورية ممكن في كل الظروف فقط لأن « لا أمن في ظل الخوف »؟ و ما معنى « إسقاط » الدكتاتورية من الناحية العملية: هل يمكن لذلك أن يتحقق من دون مشاركة حقيقية من قبل أوساط الدكتاتوريين أنفسهم؟ هل هناك درجات مختلفة للأنظمة الدكتاتورية: حيث يفرق بعض الباحثين في العلوم السياسية عند تقييم الأنظمة المعاصرة بين أنظمة « توتاليتارية » (Totalitarian) و أخرى « سلطانية » (Sultanic)؟ و هل أن الأنظمة الأخيرة أكثر قدرة على التكيف و تحقيق الشرعية و من ثمة آليات بقائها و زوالها أكثر تعقيدا مما يعتقد البعض؟

 

مقابل هذه الأسئلة البنيوية تأتي المقالات القصيرة للعدد الأخير لمجلة « الايكنوميست » المحافظة أسفله لتطرح معطيات أولية ليس من جهة تقييم بينوشيه (كنموذج للدكتاتور) كرجل « سيء » أساسا و لكن أيضا من خلال طرح معاني « سوئه » و التي تتخطى التقييم الأخلاقوي و الحقوقي. ولأن « الايكونوميست » كنشرية بريطانية مهتمة بالمسألة لأسبابها الخاصة (الاحساس بالعار من جراء الدعم التاريخي لثاتشر لبينوشيه ثم سماح غرفة اللوردات سنة 1998 بترحيل بينوشيه لاسبانيا) فإن النقاط المطروحة مفيدة خاصة من زاوية مقارنة وضع الشيلي بأوضاع أخرى (الصيني مثلا). 

Augusto Pinochet

The passing of a tyrant

Dec 13th 2006 From The Economist print edition

 

No ifs or buts. Whatever the general did for the economy, he was a bad man.

 

HIS was not the bloodiest of the military dictatorships that afflicted South America in the 1970s. That accolade belonged to the Argentine junta. Nor was it the longest-lasting: Alfredo Stroessner misgoverned Paraguay for 35 years and Brazil’s collegial military regime lasted for 21. But General Augusto Pinochet, who ruled Chile from 1973 to 1990 and who died last weekend, was the most brutally successful of the dictators. He presided over a viciously effective police state and came to personify a whole era of bloody despotism during the latter stages of the cold war (see article).

 

The left abhorred him not only because of his brutality but because he overthrew the elected Marxist government of Salvador Allende. The coup in 1973, which had the backing of the United States, ended a democratic tradition in Chile that stretched back to the 1930s. For his defenders both at home and abroad—who not long ago were numerous—he was the saviour of his country. They argue that he rescued Chile from communism and went on to turn it into the fastest-growing economy in Latin America by applying free-market policies that would be imitated in eastern Europe and Asia. General Pinochet hoped that a record of economic success, not just intimidation, would enable him to win a referendum in 1988 and remain in power. Chileans voted instead to restore democracy, by 56% to 43%. The general stayed on as army commander, casting an overbearing shadow. He was finally brought to book, if not quite to trial, thanks to a Spanish judge, Britain’s House of Lords and the courts in Chile.

 

The Pinochet story raises two uncomfortable questions for liberals. If the coup did indeed rescue Chile from an elected government that was Marxist-dominated—and thus anti-democratic—was it justified? The answer is no. The Allende government generated economic chaos and extreme political tension and would probably have imploded. But the intention of the junta was to crush democracy, not just communism.

 

The second uncomfortable question is whether Chile’s subsequent economic success was possible only because of dictatorship. Like most Latin American dictators, General Pinochet was instinctively an economic nationalist. But he saw the “Chicago Boys”, a group of free-market economists, as a means to consolidate his personal dictatorship. The radical shrinking of Allende’s bloated state was a way to avoid sharing patronage, and thus power, with the armed forces.

 

With Chileans cowed, the Chicago Boys could work as if in a laboratory, with no regard for social costs. They made mistakes: a fixed exchange rate and unregulated bank privatisations triggered a massive recession and financial collapse in 1982-83. More pragmatic policies and a renewal of growth followed. But it took the return of democracy in 1990, with its ability to bestow legitimacy, to create an investment-led boom and a large fall in poverty. Elsewhere in Latin America, free-market reforms were enacted by democracies.

 

When economic and political liberty are divorced

 

Most dictators are economic bunglers. A few get the economy right, as Spain’s Franco did after 1958. But in the long run (as China is likely to discover) economic liberty seldom thrives in the absence of political liberty. And General Pinochet’s claim to have stood selflessly for the former was tarnished when it emerged that he had amassed a fortune incommensurate with his salary. Even if history bothers to remember that he privatised the pension system, that should not wipe away the memory of the torture, the “disappeared” and the bodies dumped at sea. His defenders—who include Britain’s Lady Thatcher—really should know better

 

http://www.economist.com/opinion/displaystory.cfm?story_id=8413038

 

 

Chile

After Pinochet

Dec 13th 2006 | SANTIAGO From The Economist print edition

 

The dictator’s funeral may presage political change. His trials have already changed international law (see article)

 

HAD it occurred a decade ago when he was still army commander, Augusto Pinochet’s death might have divided Chileans much as he did when he was their dictator. Yet in the event his funeral showed how much Chile has changed. And it may cause it to change even faster.

 

To be sure, news of his death from a heart attack on December 10th prompted familiar, polarised images. Several thousand of his opponents gathered in Santiago’s Plaza Italia. They popped bottles of sparkling wine and a few went on to trash bank branches and clash with police. The next day some 60,000 supporters of the man they called “My General” queued for up to seven hours to file past his coffin as it lay in Santiago’s military academy.

 

The centre-left Concertación coalition, which has governed since the return of democracy in 1990, had ceased to be intimidated by General Pinochet or the army. The president, Michelle Bachelet, ruled out a state funeral and any official mourning. Her father, an air-force general opposed to the dictatorship, died after being arrested after the coup; she was briefly detained and roughed up. She argued that a man indicted for murder and tax evasion deserved no special honours

 

The government was represented at the military funeral by Vivianne Blanlot, the defence minister. She was heckled. But in a symbolic gesture, the four commanders of the armed services sat with Ms Blanlot rather than with the dead man’s family. The body was then flown by helicopter to a cemetery near the port of Valparaíso, his birthplace, for cremation. There will be no tomb to be desecrated.

 

Until his arrest in London in 1998, and subsequent legal cases against him in Chile, some 40% of his fellow-countrymen supported the former dictator. Most conservative politicians have since taken their distance, especially after hard evidence emerged of his secret bank accounts abroad, opened using false passports. Neither of the two defeated conservative candidates in last year’s presidential election attended the funeral.

 

Will General Pinochet’s death change Chile’s political landscape? It could help the right finally to win the majority that has eluded it since the 1950s by freeing it from association with the dictator. But that may require a new crop of politicians with no ties to the past. Oddly, the impact on the ruling Concertación might be as great. Created to defeat the dictatorship in a 1988 referendum, it has suffered recent allegations of corruption. It may now be forced to redefine itself, says Eugenio Tironi, a sociologist. But many Chileans will merely breathe a sigh of relief

 

http://www.economist.com/world/la/displaystory.cfm?story_id=8418189

 

 

Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.