الخميس، 10 مايو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2543 du 10.05.2007
 archives : www.tunisnews.net


عبدالله الـزواري: انتهاء مدة المراقبة الإدارية الأخبار:اعتقال مسؤول الإعلام فى المرصد الموريتانى لحقوق الإنسان فى تونس الأخبار: السلطات التونسية تفرج عن مسئول الإعلام بالمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان رويترز:موظفو شركة الاتصالات التونسية يضربون رفضا لخصخصتها الصباح: المفاوضات الاجتماعية:عين اتحاد الشغل على العقود المشتركة… والثانية على صندوق البطالة صــابر التونسي: »غـزوة » 8 ماي 1991 من « بطولات » التغيير! موقع الجزيرة.نت:الكاتبة التونسية آمال موسى: علاقة بورقيبة بالإسلام نفعية   محسن المزليني :الشورى والديمقراطية:  تنافر أم تكامل؟ زهير الخويلدي: في حقيقة التوأمة بين الديمقراطية والشورى حسن بن عثمان: الحارقون على الأرض… والحارقون إلى السماء!  طارق الكحلاوي: إيران بين العفة الثورية المذهبية والمصلحة القومية توفيق المديني: نيكولا ساركوزي رئيساً محمد أفزاز: بنوك إسلامية بالمغرب.. حلم يتحقق إسلام أونلاين.نت »:الجزائر.. سعيد مرسي يدعو لتحالف الأحزاب الإسلامية


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


 

بيان ومناشدة إلى الحقوقيين والإعلاميين وفرسان الحرية في تونس وخارجها.

الصحفي والسجين السياسي السابق عبد الله الزواري يطالب  بسراحه من ربقة الإقامة الجبرية بعد إنقضاء مدتها.

الهادي بريك
توصلنا من المناضل عبد الله الزواري ـ صحفي سابق بجريدة الفجر التونسية وسجين سياسي سابق ضمن محاكمة قيادة حركة النهضة أمام المحكمة العسكرية ـ بالبيان التالي باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية. وإننا إذ ننشر هذا البيان فإننا نطالب فرسان الحرية من حقوقيين وإعلاميين وسياسيين ببذل أقصى الجهد من أجل تمكين المنفي المأساة في بلده المناضل عبد الله الزواري من الخروج من ربقة الإقامة الجبرية بعد إنقضاء مدتها : خمس سنوات كاملة لم يتمكن فيها من العيش مع أسرته التي أبعد عنها بما يزيد عن 600 ميل كامل دون إحتساب مدة السجن التي دامت 11 عاما كاملا قضى جزءا كبيرا منها في العزلة الإنفرادية. مع العلم أنه سجن مرتين بعد ذلك : مرة بسبب إستخدامه للشبكة العنكبوتية ـ الأنترنت ـ في بلد تصنف دوليا من لدن منظمات دولية مختصة ومحايدة في كل سنة بأنها الأسوأ مطلقا في العدوان على حق المواطن في التعامل مع الأنترنت ومرة بسبب مجاوزته لمنطقة الإقامة الجبرية التي يخضع لها ببضعة أميال في إتجاه السوق الشعبي بمدينة بنقردان لقضاء بعض حاجياته المنزلية الخاصة. لا ندري أيهما أولى بالكفاح من أجل تحريره في تونس : أهو السجين القابع تحت الأرض منذ سبعة عشر عاما كاملة يقضي زملاؤه واحدا بعد الآخر في غياهب النسيان والتجاهل والحرمان من التداوي والإستشفاء فيما عرف بخطة الموت البطيء المفروضة على المساجين السياسيين التي تقابلها خطة تجفيف منابع التدين خارج أسوار السجن أم هو السجين المسرح الخاضع للإقامة الجبرية لا يتميز في ذلك سجين سابق عن سجين سابق سوى بمدى فسحة تلك الإقامة فبالنسبة للمناضل علي لعريض مثلا هي العاصمة الكبرى وبالنسبة لكثير من غيره هي حجرة نومه بمثل ما يفعل بالمناضل حمادي الجبالي الذي ترافقه مجموعات من الشرط والعسس ليل نهار عند غدوه إلى المسجد ورواحه إلى السوق. شعب بأسره معتقل مسجون : هذا محروم من جواز سفره وذاك محروم من مزاولة التجارة طلبا للرزق الطيب الحلال وتلك محرومة من حريتها في إرتداء ما يناسبها من لباس وذلك محروم من مخالطة الأصدقاء لئلا ينكل بهم ولعل أقسى درجات الحرمان ما تعرض لها المناضل الدكتور الصادق شورو عندما عذب في مخافر الداخلية في بداية أيام الإعتقال قبل سبعة عشر عاما كاملة بسبب ما قص لإخوانه لرؤيا في منامه. هي نكتة سمجة نحملها لأجيال قابلة ولكنها تثير الضحك الساخر ـ ضحك كالبكاء ـ : أنت في تونس فأحذر أن يتسلل إليك حلم النائم. هل يسجل التاريخ كفلا من مأساة شعب لا أظن أن شعبا تعرض لمثلها ولا لعشر معشارها في العصر الحديث أم تطويها الليالي طيا في منافي الغفلة ومجاهيل النسيان؟ عندها تكون عذاباتنا مضاعفة مركبة. عندها نخشى على أنفسنا شهادة الزور بسبب أقلام أغمدت وألسنة ألجمت. إليكم سادتي الكرام فرسان الحرية نداء زميل لكم أشهد بالله بعد علم وسلطان وتجربة بأنه لم يعش لنفسه إلا قليلا جدا من عمر تقدم به إلى حد اليوم حتى 55 سنة. إليكم سادتي بيانه عسانا ألا نظلم رجلا عاش للحرية مرفوع الهامة تأبى أن تتطأطأ إلا للرحمان راكعة أو ساجدة. :
 
 بسم الله الرحمان الرحيم
 
جرجيس في 06 مــــاي 2007
 

انتهاء مدة المراقبة الإدارية

 
السيد المحترم: بعد ما يقارب الشهر تنتهي مدة « المراقبة الإدارية » المحكوم بها علي من قبل المحكمة العسكرية و لا يخفـى على سيادتكم أن هذه العقوبة انقلبت – تعسفا- إلى نفي، حيث أني أجبرت على الإقامة في الجنوب التوتسي بعيدا عن عائلتي المقيمة بالعاصمة بنحو 500 كلم، و بلغ التعسف مداه بحرماني من مجرد زيارتهم لقضاء الأعياد مع زوجتي و أطفالي طيلة 5 سنوات و أخضعت إلى مراقبة أمنية لصيقة و مستمرة بالليل و النهار كل هذه المدة و تحديد مجال تنقلي بما لا يزيد عن 30 كم مربع أو يزيد قليلا… و الآن و بعد خمس سنوات و ما مثلته من تدمير على مستويات مختلفة لا شيء يشير إلى انتهاء هذه الهرسلة المتواصلة بانتهاء الحكم الصادر عن المحكمة، و أجد نفسي في حاجة ملحة إلى طلب بذل ما يكون مناسبا من أجل انتهاء هذه المأساة.. ختاما، تقبلوا فــــــــــــــــــائق التحية… و الســــــــــــــــــلام عبدالله الــــــــزواري abzouari@hotmail.com

اعتقال مسؤول الإعلام فى المرصد الموريتانى لحقوق الإنسان فى تونس

 
أعتقلت السلطات التونسية اليوم الأربعاء 09/05/2007 مسؤول الإعلام فى المرصد الموريتانى لحقوق الإنسان والناشط الحقوقى المعروف السيد أحمد فال ولد الدين فى العاصمة التونسية واقتادته إلى جهة مجهولة حتى الآن بعيد زيارة قصيرة قام بها ولد الدين لناشطين حقوقيين فى تونس. وفى اتصال مع والدة السيد أحمد فال ولد الدين الموجودة حاليا فى تونس للعلاج قالت الأخيرة ل « لأخبار » إن الأمن التونسى اعتقل ابنها اليوم الأربعاء حوالى الساعة الثانية عشر والنصف فى العاصمة تونس وتركها دون رفيق رغم حالتها الصحية المتدهورة حيث قدمت إلى تونس من أجل العلاج قبل أيام وستغادر بعد يومين. وقالت والدة ولد الدين إنها ناشدت السلطات التونسية السماح لها ولابنها الوحيد معها فى رحلة العلاج بمغادرة البلاد التونسية فى أقرب فرصة لكن الأمن رفض واقتاد ولد الدين إلى جهة مجهولة وتركها على سريرالمرض. وقد تمت عملية الإعتقال بعد زيارة مجاملة قصيرة قام بها أحمد فال ولد الدين لأحد نشطاء حقوق الإنسان فى تونس (المصدر: وكالة أنباء « الأخبار » الموريتانية بتاريخ 9 ماي 2007)

اعتقال مسؤول الإعلام فى المرصد الموريتانى لحقوق الإنسان فى تونس

 
أعتقلت السلطات التونسية اليوم الأربعاء 09/05/2007 مسؤول الإعلام فى المرصد الموريتانى لحقوق الإنسان والناشط الحقوقى المعروف السيد أحمد فال ولد الدين فى العاصمة التونسية واقتادته إلى جهة مجهولة حتى الآن بعيد زيارة قصيرة قام بها ولد الدين لناشطين حقوقيين فى تونس. وفى اتصال مع والدة السيد أحمد فال ولد الدين الموجودة حاليا فى تونس للعلاج قالت الأخيرة ل « لأخبار » إن الأمن التونسى اعتقل ابنها اليوم الأربعاء حوالى الساعة الثانية عشر والنصف فى العاصمة تونس وتركها دون رفيق رغم حالتها الصحية المتدهورة حيث قدمت إلى تونس من أجل العلاج قبل أيام وستغادر بعد يومين. وقالت والدة ولد الدين إنها ناشدت السلطات التونسية السماح لها ولابنها الوحيد معها فى رحلة العلاج بمغادرة البلاد التونسية فى أقرب فرصة لكن الأمن رفض واقتاد ولد الدين إلى جهة مجهولة وتركها على سريرالمرض. وقد تمت عملية الإعتقال بعد زيارة مجاملة قصيرة قام بها أحمد فال ولد الدين لأحد نشطاء حقوق الإنسان فى تونس (المصدر : وكالة الأنباء الموريتانية « الأخبار » (مستقلة) بتاريخ 10 ماي 2007) الرابط: http/www.alakhbar.info/page1.php?id=7441&catid=2  

السلطات التونسية تفرج عن مسئول الإعلام بالمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان

عادت السلطات التونسية أدراجها وأفرجت عن الناشط الحقوقي الموريتاني ومسئول الإعلام بالمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان السيد أحمد فال ولد الدين الذي يزور تونس لغرض علاج والدته وقد اقتادت عناصر من الأمن التونسي زوال اليوم ولد الدين الذي كان رفقة والدته على خلفية زيارته لناشط حقوقي هو المحامى عبد الرؤوف العيادى من اللجنة العربية لحقوق الإنسان. وقد حققت سلطات الأمن التونسي مع ولد الدين لعدة ساعات وأطلقت سراحه مساء اليوم وقد أصدر المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان بيانا طالب فيه السلطات التونسية العليا بالتدخل لوقف هذا الإعتداء من طرف الأمن التونسي على ضيف موريتاني حل بتونس في إطار مهمة انسانية نبيلة هي علاج والدته مهيبا بالمنظمات الحقوقية العربية والإفريقة التضامن مع قضيته وهذا نص البيان الذي حصلت وكالة أنباء « الأخبار » المستقلة على نسخة منه:

 
المرصد الموريتانى لحقوق الإنسان بيــــــــان حول اعتقال مسؤول الإعلام بالمرصد في تونس
 
09/05/2007 علم المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان أن مسؤول الإعلام في المرصد الأستاذ محمد فال ولد الدين تم اعتقاله ظهر اليوم في تونس. وكان الأستاذ محمد فال صحبة والدته التي تزور تونس حاليا في رحلة استشفاء. وقد تم عتقال مسؤول الإعلام بعيد زيارة قصيرة قام بها ولد الدين لناشط الحقوقي و المحامى عبد الرؤف العيادى فى تونس العاصمة ، في لقاء عمل يتضمن التحقق من معلومات عن اعتداء على مواطن موريتاني مقيم بتونس، ضمن تنسيق بين المرصد واللجنة العربية لحقوق الإنسان. ونحن في المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان إذ نتابع بكامل الدهشة والصدمة أخبار اعتقال أمين الإعلام في المرصد: •نطالب السلطات التونسية العليا بالتدخل فورا لوقف هذا الانتهاك الصارخ من طرف الأمن التونسي لحقوق مواطن موريتاني حل ضيفا على تونس في مهمة إنسانية نبيلة وهي علاج والدته. •ندعو السلطة الموريتانية المنتخبة مؤخرا بالتدخل فورا لضمان إطلاق سراحه وعودته إلى بلده دون عوائق، انسجاما مع سياساتها المعلنة حول الدفاع عن حقوق الإنسان الموريتاني أينما كان. •ندعو منظمات حقوق الإنسان العربية والإفريقية والدولية للتضامن مع زميلنا المعتقل في تونس، والسعي إلى إطلاق سراحه فورا، والاعتذار له عما بدر من الأمن التونسي في حقه.
 

(المصدر : وكالة الأنباء الموريتانية « الأخبار » (مستقلة) بتاريخ 10 ماي 2007)  


 
 أخبارجريدة « الصباح »
 
 
تعميم مراكز الأعمال على كامل الولايات قبل نهاية العام
ينتظر أن يتم تعميم مراكز الأعمال على مختلف ولايات الجمهورية مع نهـاية العام الجاري وذلك بعد أن تم احداث 12 مركزا منها لحد الآن. وذلك بكل من ولايات تونس وبنزرت ونابل وباجة وسوسة وصفاقس وقابس وقفصة في غرف الصناعة والتجارة بالاضافة إلى مراكز أعمال بكل من سليانة والقصرين ومدنين وجندوبة. وتهدف مراكز الاعمال إلى دعم الاحاطة بالباعثين وتقديم الخدمات التي يحتاجونها لتركيز أو تطوير مشاريعهم.  مسابقة ابتكار 2007 في الأحذية ومنتوجات الجلد
ينظم المركز الوطني للجلد والاحذية اليوم وغدا بالتعاون مع الفدرالية الوطنية للجلد والاحذية مسابقة «ابتكار 2007» لفائدة الشبان المصممين في مجال الأحذية ومنتوجات الجلد. وسيتم إسناد جائزة كبرى للفائزين بالمسابقة إضافة إلى جوائز أخرى من بين المبتكرين الشبان وطلبة المدارس العليا للفنون الجميلة وتلاميذ المراكز المتخصصة في التكوين المهني سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص. وسيتم اختيار الأعمال المشاركة في المسابقة من بين 80 عملا ترشح أصحابها للتسجيل فيها ويتم عرض هذه الأعمال بإحدى نزل العاصمة لمدة يومين. تعاون تونسي إيطالي في مجال التعليم العالي والبحث العلمي
نظرا لوجود أقطاب تكنولوجية في الطاقات المتجددة والنسيج ومخابر بحث ومعهد عال للنقل في تونس فإن هناك امكانيات تعاون هامة بينها وبين جامعة كوري دانا الايطالية.. وفي هذا الصدد ينتظر تكثيف الشراكة بين الطرفين ودعم عمليات تبادل الطلبة والأساتذة الزائرين وإنجاز مشاريع بحث مشتركة وتعزيز آفاق التعاون مع تونس في مجال البحث العلمي المتعلق بالطاقات المتجددة والنقل والنسيج. تكثيف المراقبة
لوحظ خلال الأيام الاخيرة تكثيف شركات النقل العمومي لعمليات المراقبة في وسائل النقل التابعة لها من حافلات وعربات مترو خفيف قصد الحد من عمليات «الترسكية».. من مضار التدخين
تشير الدراسات العلمية إلى أن مدة 15 و20 سنة تدخين تؤثر على القدرة الجنسية للرجل واليوم ومع تأخر سن الزواج إلى 35 و36 سنة للشاب التونسي وإذا ما كان قد بدأ التدخين في سن مبكرة تصل أحيانا إلى مرحلة الطفولة فإن الانعكاسات على الحياة الجنسية والقدرة على الانجاب ستتضاعف. حملات مكثّفة للرافل..
لوحظ في عدة شوارع من العاصمة، عودة مكثفة لما يعرف بـ«الرافل» ضمن حملات في المقاهي والشوارع ووسائل النقل، وهي حملات تستهدف الشباب المؤهل للتجنيد.. ترشحات عديدة لعمادة المحامين
عبر العديد من المحامين عن نيتهم الترشح لعمادة المحامين التي ستجري انتخاباتها موفى شهر جوان القادم. وبلغ عدد الذين أعلنوا ترشحاتهم نحو التسعة إلى حد الآن من بين الوجوه المعروفة في أوساط المحامين.. (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 10 ماي 2007)

 

موظفو شركة الاتصالات التونسية يضربون رفضا لخصخصتها

 
تونس (رويترز) – قالت نقابة البريد والاتصالات في تونس إن آلاف العاملين بشركة الاتصالات التونسية أكبر شركة اتصالات في البلاد أضربوا يوم الخميس عن العمل احتجاجا على بيع الحكومة حصة أخرى من أسهمها بالشركة. وقال الهادي صميدة رئيس النقابة « شارك نحو 90 في المئة من موظفي الشركة بالاضراب احتجاجا على بيع أي حصة حكومية في شركة الاتصالات التونسية… هذا يمثل تهديدا لنا وسيسفر عن تسريح موظفين. »

وتعتزم الحكومة بيع حصة أخرى قدرها 16 في المئة من أسهمها بالشركة بعدما باعت 35 في المئة العام الماضي لشركة تيكوم ديج في دبي مقابل 2.34 مليار دولار بعد ان تفوق عرضها على عرض تقدمت به شركة فيفيندي الفرنسية. وتجمع قرابة 3000 من عمال الشركة التونسية يوم الخميس وسط تونس العاصمة أمام الاتحاد العام للعمال التونسيين الذي يضم تحت لوائه نقابات العمال في البلاد وأخذوا يهتفون « لا للخصخصة » و »سنكافح ». وطالبوا أيضا بزيادة أجورهم. (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 10 ماي 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


المفاوضات الاجتماعية عين اتحاد الشغل على العقود المشتركة… والثانية على صندوق البطالة

 
تونس ـ الصباح تقرر صلب المنظمة الشغيلة الشروع في إعداد صيغ مشاركتها في المفاوضات الاجتماعية القادمة التي من المقرر البدء فيها في نهاية الصائفة المقبلة.. وكان السيد عبد السلام جراد، الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، دعا في المنستير خلال الاحتفال باليوم العالمي للشغل، النقابات والقطاعات إلى التحضير لجولة جديدة من المفاوضات الاجتماعية، التي تعدّ السابعة من نوعها منذ العام 1989. ومن المنتظر أن تنكب دوائر اتحاد الشغل، على إعداد مقترحات المنظمة بشأن العقود المشتركة المنظمة للعلاقات الشغلية، كي تقدمها للحكومة في نهاية شهر سبتمبر القادم، وهو التاريخ «الرسمي» لتقديم هذه المقترحات بالنسبة للمنظمتين المهنيتين، اتحاد الشغل ومنظمة الاعراف.. وعلمت «الصباح» في هذا السياق، أن أقسام الدراسات والتشريع والقطاع الخاص، ستشرع قريبا في عقد اجتماعات ماراطونية لاعداد مقترحاتها المتعلقة بمراجعة العقود المشتركة، التي تعدّ أحد أهم عناصر المفاوضات بين الاطراف الاجتماعية، باعتبارها تستغرق الوقت الاكبر من التفاوض، خصوصا بين الاعراف والشغالين.. محاور التفاوض.. وحسب المعلومات التي توفرت لـ «الصباح»، فإن النية صلب المنظمة الشغيلة، تتجه نحو مراجعة ما يوصف بـ «هشاشة التشغيل»، حيث يرى اتحاد الشغل أن عقود العمل في بعض مجالات القطاع الخاص، تستغل في غير وجهتها التي جرى عليها الاتفاق بين الاطراف الاجتماعية في الجولة الماضية خلال العام 2005 «وهو ما خلق بيئة شغلية هشة، تضرر منها المقبلون على سوق العمل، سيما منهم أصحاب الشهادات العليا وخريجو الجامعة التونسية، بل حتى أصحاب الديبلومات في اختصاصات فنية مختلفة». ويجري التفكير في المركزية النقابية، في مقترحات من المنتظر عرضها على الاطراف الاجتماعية خلال المفاوضات القادمة بغاية تجاوز هذا الاشكال.. المناولة وصندوق التشغيل وسيكون موضوع المناولة، على رأس أجندا القيادة النقابية في جولة المفاوضات الجديدة، وذلك على إثر تقارير أعدتها المنظمة الشغيلة، بشأن التجاوزات الكثيرة في هذا القطاع الذي بات يستخدم كبديل عن التشغيل، من دون ضوابط قانونية أو أخلاقية في بعض الاحيان، فضلا عن الجانب المالي الذي يتضمن خروقات عديدة ومتنوعة في هذا المجال.. وكانت جولة المفاوضات السابقة تناولت هذا الموضوع، لكنها لم تنته إلى نتائج ملموسة، ويأمل الجانب النقابي، أن يتوصل من خلال جولة التفاوض القادمة إلى حلول عملية لها..  على أن الملف الاكثر حيوية بالنسبة لاتحاد الشغل في المفاوضات الجديدة، هو تحريك المنظمة النقابية ملف صندوق التشغيل الذي يسميه النقابيون بـ«صندوق إعادة إدماج المسرحين عن العمل»، وذلك على خلفية عمليات التسريح التي تتم في بعض مؤسسات القطاع الخاص وبطريقة أفقدت العمال المسرحين مواقعهم في الشغل، وحالت دون استئنافهم للحياة المهنية بعد أن أحالتهم عمليات التسريح على البطالة القسرية، على حد وصف المصدر النقابي..  اهتمام بالجوانب الترتيبية وعلى عكس ما تصور البعض، فإن اتحاد الشغل، يلح على الصبغة العملية لمقترحه الداعي بإنشاء صندوق لادماج المسرحين عن العمل.. وذكرت مصادرنا النقابية، أن المنظمة الشغيلة، لا تريد التشجيع على البطالة في البلاد، ولكن إنقاذ الالاف من العمال من ورطة أزمة اجتماعية، وجعل اقتصاد البلاد يستفيد من خبرات عديدة في قطاعات مختلفة، بدلا من ركونها لبطالة قسرية لا يجني منها الاقتصاد شيئا.. ومن المنتظر، أن يحرك اتحاد الشغل مقترحه الداعي إلى تمويل هذا الصندوق من قبل الشغالين والاعراف والحكومة على حد السواء، بغاية جعله مؤسسة وآلية وطنية وليس صندوقا خاصا باتحاد الشغل لوحده..   من جهة أخرى، لكن في سياق ملف العمال المسرحين، من المتوقع أن تشرع الدوائر المختصة في اتحاد الشغل، في إنجاز عمل ضخم، يتمثل في تجميع النصوص والاجراءات القانونية والتنظيمية الخاصة بالعمال المسرحين، وذلك بغاية تجاوز التشتت الذي تعاني منه هذه النصوص. الجدير بالاشارة، أن المركزية النقابية، تحرص خلال جولة المفوضات المقبلة، على الاهتمام بالجوانب الترتيبية، المتعلقة بالقوانين والاجراءات المنظمة للعلاقات الشغلية، بالتوازي مع الجانب المالي ومسألة الزيادات في الاجور، إذ لا معنى ـ في رأي النقابيين ـ لزيادات مالية من دون خلفية قانونية متماسكة تسندها وتعزز المكاسب بشأنها… وتؤشر هذه المعطيات الاولية حول المفاوضات الاجتماعية القادمة، التي ينتظر البدء فيها في خريف العام الجاري، لجولة ربما كانت الاكثر حرارة في سياق الجولات الدورية للتفاوض بين الاطراف الاجتماعية… صالح عطية (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 10 ماي 2007)


 

« غـزوة » 8 ماي 1991 من « بطولات » التغيير! (*)
 
صــابر التونسي مر بنا الحديث أحبابي الصغار في جلسات سابقة عن بعض العباقرة الخالدين الذين كان لهم لمسات وبصمات  واضحة في مسار التاريخ. حتى وصل بنا الحديث إلى « بطل التغيير » وإنني وإن كنت أكره تمجيد الأحياء لأن كل حيّ لا تؤمن عواقبه، فإنني لم أجد غضاضة في أن أجعله إستثناء من القاعدة لأنه بإقدامه على التغيير في ذلك الظرف العصيب من تاريخ تونس وما كانت عليه من وضع حرج! قد أنقذ البلاد من هاوية كادت تتردى فيها وقطع الطريق على « عصابة المفسدين » وفعل ذلك بمهارة يعجز عنها قطاع الطرق المحترفين! وفعله ذلك يغفر له ما تحمله مقبلات الأيام! كما مر بنا الحديث عن أشهر معارك التاريخ وقادتها، فتحدثنا عن اليرموك والقادسية وعين جالوت والزلاقة وغيرها من المعارك الهامة والمفصلية في تاريخ أمتنا وبلادنا! حتى وصل بنا الحديث إلى معركة الجلاء ببنزرت ونقلنا عن المسيّس أنه برهن على أن  » السيد » الرئيس قد أبلى البلاء الحسن في تلك المعركة وقد كان حينها ضابطا شابا! واليوم أحدثكم عن معركة من أهم المعارك في تاريخ تونس المعاصر، معركة ليست ككل المعارك! و قد كنت شاهدا  على أحداثها وتطوراتها! وقعت المعركة في الثامن من ماي سنة واحد وتسعين، سبقتها مشادات وتحرشات هنا وهناك ثم أعقبتها بعض أحداث « شغب » متفرّق! وأما فريقي النزاع فهما من جهة « جنود » « التغيير »، أو ما يُعبّر عنهم بقوات التدخل السريع ومكافحة الشغب! الغرابيب السود حماة « الديمقراطية » والأمناء على أمن « المأمون ». وأما في الجهة المقابلة فيأجوج ومأجوج! قوم هُمّج كما عبر عنهم المنصف السلايمي في مقامته الثقافية حيث قال عنهم  » قوم يقال لهم: « بنو كُــلّـية من المارقين على الشرائع البشرية ». فهم من جهة يرفضون الواقع والأعراف والتقاليد، طوباويون يحاربون الواقع ويفترضون له خيالات وأحلام بديلة! يستحيل أن يوجد لها في الواقع نظير! وهم كما عبر عنهم برنامج المنظار في « ملفه وما لف لفه » بأنهم قوم متوحشون، جامعاتهم ومراكزهم  غابات وحوش ضارية الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود! لا يحترمون قانونا ولا يوقرون « كبيرا » ولا يقدرون مصلحة عليا! ولا يرون بامتيازات خاصة « للخاصة »! يعملون لحساب جهات خارجية مغرضة! ويلبون نداءات من وراء الحدود! يزعمون أنهم وطنيون ! متحمسون جدا ويندفعون وراء أهدافهم اندفاعا شديدا! وشعارهم: نُفُوسُنَا السَّلْسَلُ الصّافِي فَإِنْ غَضَبَتْ***لِلْحَقِّ ثَارَتْ عَلَى البَاغِي بَرَاكِينَا عِشْنَا أَبِيِينَ أحْرَارًا فَإنْ هَلــــكَـــــتْ ***فِي الحَـــقِّ أنْفُسَنَـــا مِتْنَا أبِيِينَــا وأما عن تسليح الفريقين وعتادهم فقد كان التفاوت واضحا والإختلال كبيرا وقد كانت الكفـــة راجحــة « لبني الكلية » عتادا وعدة واندفاعا! فلم يكن لرجال النظام وغرابيبه السود ما يكفي من السلاح والعتاد ما يخوضون به غمار معركة شرسة من هذا النوع! ولكن إصرار « أبطال » التغيير وعزيمتهم ـ في حرب كل من تسوّل له نفسه أن يحلم بما يناقض هوى الزعيم أو يعلن ردة سياسية ويطالب بتغيير « التغير » أو إصلاحه وإدخال تعديلات عليه ـ جعلهم يخوضون المعركة مكتفين بالبنادق الأوتوماتكية! وقاذفات الغاز الخانق والرصاص المطاطي وخراطيم الماء الساخن! والكلاب المدربة! والدروع! والخوذات والعصي والسيارات المصفحة! وفي المقابل كان سلاح « بني الـكُــلّـيّـة » مرعبا ومخيفا! كانوا يحملون في حقائبهم أقلاما ضخمة على شكل صواريخ مِدَادُها فيه الدمار الشامل! ولهم ألسنة كالسيوف تقطع كل من اعترضها! وأسنان حادة ومخالب مخيفة  وعضلات مفتولة! أما الحجارة فتتحول في أيديهم إلى شهب حارقة وقذائف عابرة للجامعات! إنهم من سلالة الجبارين الذين خَافَهُمْ بنو إسرائيل وتَهيّبُوا حربهم وقالوا لموسى: » اذهب أنت وربك فقاتلا إننا هاهنا قاعدون »! ولو لا « الخبزة » لفعل جنود « التغيير » ما فعله بنو إسرائيل ولكن « الخبزة مرة » والجوع كافر! لذلك دخلوا المعركة يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى كانوا يتدافعون على الصفوف الخلفية! من شدة شراسة الأعداء! التقى الجمعان على أرض النزال! صاح « بنو الكُـلّـيَّة » بصوت واحد: وإنْ أُقْـتَلْ فحبُّ الموتِ قِدْمًا***لأجلِ الحقِّ كان لنا شِعارا سَأُوقِدُ من دمي للحقِّ فَجْرًا ***وأَجْعَلُ لَيْلنَا الدّاجِي نَهارا وقد استجاب « أبطال » التغيير للطلبة وحققوا لهم أمانيهم فجعلوا دمائهم للحق فجرا! واستفاد الغرابيب السود من خبرة النعامة في حماية نفسها! فحشوا رؤوسهم في الرمل وصوبوا بنادقهم تجاه الطلبة وأطلقوا الرصاص بشكل عشوائي! أصيب « بنو الكُـلّـيَة » بالإرتباك ولم يتمكنوا من استعمال أسلحتهم الفتاكة! وسقط منهم قتلى وجرحى! وأما « أبطال » التغيير فقد أفادهم أسلوب النعامة! فانقلبوا بقدرة قادر لم يمسسهم سوء في المعركة ! وأمّا الآخرة فعدالتها قدسية الأحكام والميزان! و: تَبَّ الجُناةُ لقَدْ أصْمَوْا بِخِسّتِهِمْ*** قَلْبَ المُرُوءَةِ والأخْلاقِ والذِمَـــــــــمِ …. مَا قَارَبَتْهُمْ وُحُوشُ الغَابِ ضَارِيَةً***في نَشْوَةِ الفَـتْـكِ أو في خِسّةِ الجُرمِ أفْحَشْـتُ في الظّلمِ إذ قَارَنْتُهَا بِِهِِـــمِ***أسْتَغْفِرُ الوَحْشَ في غابٍ وفي أجَمِ أبيات الشعر للأستاذ عصام العطار

(*) نشر هذا النص على الحوارنت وتونس نيوز بتاريخ 8 ماي 2006


الكاتبة التونسية آمال موسى: علاقة بورقيبة بالإسلام نفعية

   

 
                          ما تزال شخصية الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة أول رئيس للبلاد ويوصف بأنه أبو الحداثة في تونس مثار جدل واهتمام من جانب الدارسين رغم مرور سبع سنوات على وفاته. وتحاول الكاتبة التونسية آمال موسى في كتابها المعنون « بورقيبة والمسألة الدينية » أن تعيد النظر في علاقة بورقيبة بالدين وتبرز كيف تعامل الخطاب السياسي في تونس مع الدين نصا وعقيدة وسلوكا طيلة فترة حكمه. واعتبرت موسى الخطاب السياسي عند بورقيبة لا ينطلق من مواقف دينية ثابتة، بل إن الموقف من المسألة الدينية قابل للتحول وللانقلاب عليه إن حتمت النفعية ذلك. وتستدل موسى في كتابها بشهادة لرئيس الوزراء الأسبق محمد المزالي الذي اعتبر أن بورقيبة حاول توظيف الدين الإسلامي في المساواة في الإرث بين الرجال والنساء لكنه لم يفلح. وخلصت الكاتبة إلى أن تعاطي بورقيبة مع الدين يتصف بالنفعية وبالأسلوب الانتقائي، واعتبرت أن مثل هذه الأوصاف تعني أن شروط تحقق الدولة العلمانية التي تفصل بين السلطة الروحية والسلطة السياسية غير متوفرة. ويتضمن الكتاب الذي يقع في 235 صفحة 23 خطابا لبورقيبة مثلت المادة الرئيسية لتحليل المضمون، وانقسمت الخطب إلى ثلاثة أنواع، هي خطابات بورقيبة في مناسبات دينية وخطابات في مؤتمرات سياسية وأخرى في رحلاته خارج البلاد. وسادت علاقة بورقيبة بالدين طيلة فترة حكمه للجمهورية التونسية (1956-1987) مد وجزر، حتى إن البعض اتهمه بالإلحاد وعداء الإسلام، بينما اعتبره آخرون أبرز الساسة العرب التحديثين وأن لا مشكله له مع الدين سوى أنه يريد فصله عن السياسة. واستعانت آمال موسى بحوارات مع شخصيات سياسية عايشت بورقيبة على غرار رئيس الوزراء الأسبق محمد المزالي. كما قامت الباحثة بدراسة تحليلية لشخصية بورقيبة، وخلصت إلى أنه تأثر بشدة بشخصية كمال أتاتورك الذي أرسى الدولة التركية الحديثة العلمانية وكذلك القائد القرطاجني حنبعل. توظيف الدين ورأت في دعوة بورقيبة الشهيرة الناس في تونس للإفطار خلال أحد أشهر رمضان علامة بارزة لتوظيف الدين للسياسة، حين قال إن ذلك بمثابة الجهاد الأكبر في معركة التقدم التي تخوضها البلاد. وكان بورقيبة قد دعا في بداية فترة السبعينيات التونسيين إلى الإفطار حينما اشتد الحر في فصل الصيف في مسعى لحثهم على مضاعفة الجهود في العمل ووصف ذلك بأنه جهاد في سبيل تقدم البلد. واستشهد بورقيبة آنذاك بأن النبي محمدا (صلى الله عليه وسلم) رسول العمل والجهاد وأن الرسول أعطى الأولوية لشؤون الدولة عندما تكون بحاجة لمزيد من القوة. وانتفض آنذاك العديد من التونسيين خاصة في مدينة القيروان على تلك الدعوة، واعتبروها مخالفة لشريعتهم الإسلامية واتهموه بأنه عدو للإسلام. لكن موسى أشارت في كتابها أيضا إلى أن بورقيبة أخضع السياسي لما هو ديني أحيانا، مثل إظهار اهتمامه بالدين الإسلامي وفتح الجامعة التونسية للطلاب للتفقه في الدين بدافع المراوغة والمناورة والتكتيك السياسي حتى إنها عزت خطاب بورقيبة الإسلامي لظهور معارضة دينية قوية منذ بداية فترة السبعينيات. ويوصف بورقيبة بأنه أبو تونس الحديثة، حيث كانت له الجرأة في إصدار أول مجلة للأحوال الشخصية في العالم العربي تقر منع تعدد الزوجات بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان استقلال تونس عن مستعمرتها السابقة فرنسا. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 10 ماي 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

الشورى والديمقراطية:  تنافر أم تكامل؟

 
محسن المزليني أثار تناول علاقة الشورى بالديمقراطية خلال النّدوة التي عقدت بمنتدى الجاحظ يوم الخميس 3 ماي الجاري نقاشا واسعا بين مثقفين من مشارب سياسية وفكرية مختلفة عكست عمق الإختلاف في مقاربة هذه المسألة. اعتبر الكاتب السوري محمّد خالد عمر في محاضرته أنّ الديمقراطية والشورى وسيلتان لا يمكن أن تقبلا الجمود والتنميط، كما أنّهما لا تُقبلا أو تُرفضا لتسميتهما. ونحن نجزم أنّ الشورى لو بُنيت على اجتهاد الحاضر وتمّ ضبطها عبر آلية واضحة تتوخّى العدالة لالتقت مع الديمقراطية خاصّة إذا تناولناه من باب مصلحة الأمّة والحفاظ على ثوابتها والدّفاع عن الإنسان المكرّم. ولمّا كنّا ندّعي أنّنا أصحاب ثقافة هي الأولى بالديمقراطية فإنّنا نعتبر هذه الأخيرة، في مفهومها الواسع، شكلا من الاجتهاد العصري للشورى التي تبحث عن مصلحة الإنسان والمجتمع، كما أنّنا نرى في الشورى وجها اجتهاديا من وجوه الديمقراطية.
قياس مع وجود الفارق
كما شدّد على أنّ هناك صعوبات أساسية تعترض من يريد المقارنة بين المفهومين. فمن جهة أولى يمكن التأكيد أنّ الشورى مفهوم يستند إلى تاريخ اجتماعي مخصوص هو الفضاء العربي الإسلامي. كما أنّه وبعكس، ما يوحي به المدلول اللساني لهذا المفهوم من وضوح، فقد حمّلته الآداب السلطانية إرثا كاملا من الحيل التي أفرغته من أيّ فاعلية تمكّنه من الحدّ من الاندفاع السياسي المحموم نحو الملك العضوض وسيطرة النّزعة الفردية. ذلك أنّ مثقفي السلطة، وهم عادة فقهاء البلاط أو ما كان يسمّيهم العلامة ابن خلدون بأصحاب القلم،  لخّصوا الشورى في مراياهم المعكوسة في عنوان أقلّ إثارة للحاكم هو « الاستشارة ». وفي التفصيل شروط وأهلية جعلت من المشيرين فئة قليلة من أهل الولاء من ذوي « الحلّ والعقد » أو ذوي الشّوكة. كما أنّه غالبا ما تكون في مضمونها نصائح ذليلة توافق رغبات الخلفاء القياصرة أو السلاطين الأكاسرة مذيّلة بالتشفّع و الالتماسات المتعدّدة ليهضمها صاحب الزمان دون عسر. وبذلك وقع اختزال هذه القيمة التي كانت باستطاعتها فيما لو طبّقت أن تشكّل واقعة حضاريّة مختلفة لما عاشته المجتمعات الإسلامية وما ترسّب في ذاكرتها تفكيرا وتدبيرا من صنوف الحجر على العقل والعمل كليهما وخلق حقلا خصبا لقيم الاستبداد والتفرّد لتبيض وتفرّخ.  كما أنّ ذلك الانقلاب المبكّر على مفهوم الشورى بما يرمز إليه من محاولة التأسيس لمفهوم المشاركة، ساهم في الحيلولة دون خلق الآليات القانونية والإجرائية التي تمكّنها من أن تكوّن نظرية في الحكم تصلح بديلا عن الديمقراطية أو ندّا لها. أمّا الديمقراطية فهي مفهوم سياسي يمثّل نظريّة يمكن تطبيقها في أيّ مجتمع بما يتناسب و ظرفه الثقافي أو أصوله العقائديّة والاجتماعية. كما أنّها تتوافر على آلية عامّة لتداول السّلطة نضجت عبر تاريخها الطويل. واعتبر المحاضر أنّ مفهوم الديمقراطية ذاته لا يخضع للتنميط فهو مفهوم رحّالة وفي كلّ تجربة أو أرض أناخ فيها راحلته إلاّ واصطبغ ببعض خصائصه. غير أنّ الجامع المشترك بين هذه الدلالات هو ما حدّده عبد الرحمان منيف في كتابه « الديمقراطية أوّلا الديمقراطية دائما » كتعريف مفاده « الديمقراطية بجوهرها العميق ممارسة يومية تطال جميع مفاصل الحياة وهي أسلوب للتفكير وسلوك للتعامل وهي بهذا المعنى ليست شكلا قانونيا سياسيا فقط وليست حالة مؤقّتة ». فالحقل الدلالي للمفهوم يستوعب الحيّز السياسي الذي قصره اليونانيون على مسألة الحكم ليعانق البعد الإنساني في تعدّد أبعاده ومستوياته خاصّة بعد أن اجتاز الوعي البشري مرحلة معقولة من النّضج أسّس لمشاركة حقيقية وفعالة في بناء الحضارة الإنسانية وعمارة الأرض. ووصل إلى قناعة أكيدة أنّ وجود الآخر النظير والتعايش معه ميزة إنسانية، فالآخر هو « إمّا أخ لك في الدّين أو نظير لك في الإنسانية  » كما جاء في مقولة الإمام عليّ بن أبي طالب. أمّا الصعوبة الأخرى فتكمن في محاولة المقارنة بين مفهومين ولدا في سياقين حضاريين متناقضين، كلّ منهما يحيل إلى زمنه الخاصّ به، ثقافيا واجتماعيا وسياسي. أصول مختلفة، تاريخ مغاير، أهداف متباينة… كيف يمكن الجمع إذن وبالأحرى المقارنة بين متغايرين؟
الأسماء ومدلولاتها
كانت مجمل الأفكار التي عرضها المحاضر مجال نقاش واسع ركّزت على أنّ المراوحة بين المفاهيم شغل مجمل الساحة الفكرية والثقافية عن الفعل واستنزف أكثر طاقاتها  منذ ما يزيد عن قرنين. وإذا كانت لهذه الطريقة في تبيئة المفاهيم ومحاولة إيجاد البديل المحلّي لكلّ مستجدّ حضاري له ما يبرّره في بداية الاحتكاك مع الغرب المستعمر، فإنّنا لا نحتاج إلى البقاء أسرى هذه المشكلات الشكلية كما اعتبر بعض المتدخّلين. ذلك أنّ المشاكل الواقعية لا تحلّ بالتعويذات الكلامية، فأزمتنا العميقة لا تتطلّب مفاضلة بين الشورى والديمقراطية أو صراعا إيديولوجيا له أُوار من أجل غلبة هذا المفهوم على الآخر في حين يُترك المجال للمستبدّ عدوّ الديمقراطية والشورى كلاهما ليشكل الواقع بما يؤبّد وجوده على عرشه الخاصّ. فلماذا نبحث عن حسم القضايا بهذه الشاكلة ولماذا نبحث عن الزيجات سواء نجحت أو فشلت طالما أنّ الديمقراطية بإمكانها أن تستوعب كلّ الخصوصيات وتعبّر عنها طالما أنّها تمثّل المشترك الغالب في مجموعة بشرية ما وفي زمن معيّن. اعتبر المحاضر في ردّه أنّ الكثير من هذه الاعتراضات صائبة وشدّد على أنّ المسألة ليست من الترف الفكري طالما أنّ مصيرنا صار مهدّدا من قوى تستغلّ المفاهيم العالمية وتشحنها بالكثير من المدلولات خدمة لأهدافها. لذلك فإنّ السعي يجب أن يبقى متواصلا للفصل بين ما هو مشترك إنساني نسعى لهضمه أوّلا قبل المشاركة في تراكمه وبين ما هو خصوصي وهجوميّ وجب كدح الفكر والجهد للتقليص من آثاره.


 

في حقيقة التوأمة بين الديمقراطية والشورى

زهير الخويلدي
 » المشاورة أصل في الدين وسنة الله في العاملين وهي حق على عامة الخليقة  » ابن العربي الديمقراطية غير موجودة في حضارة اقرأ،هذا من تحصيل حاصل،وكل ماهو موجود هو مجرد محاولات متعثرة من أجل بناء العمارة الديمقراطية هنا وهناك وولادات قيصرية اضطرارية لبعض التجارب  التي تزعم تطبيق الديمقراطية مثلا في إيران وفي موريتانيا وفي المغرب وفي ماليزيا،لكن الديمقراطية كعقلية وثقافة ومؤسسات وضرب من الوجود في العالم لا وجود لها على الإطلاق لا في الأنظمة السياسية ولا في المعارضات الكرتونية ولا في مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية،فكل ماهو موجود هو ثقافة التسلط وحب الهيمنة على الغير وسيطرة الأقلية على الأغلبية واحتكار القرار في يد فئة قليلة من الملأ الأعلى بل إننا نلاحظ هذا الغياب حتى في الإيديولوجيات السياسية المتنافسة،إذ أن المشروع النيوليبرالي يصدر ديكتاتورية السوق أما المشروع القومي فيعطى للطليعة أو الصفوة مشروعية القيادة والتحكم في  شؤون المجتمع ومصير الأمة في حين أن المشروع الماركسي ينظر لديكتاتورية البروليتاريا ويغيب حقوق الفرد داخل حقوق الجماعة بينما يشرع المشروع الإسلامي في نسخته السلفية لإلزامية طاعة أولي الأمر من فقهاء أهل الحل والعقد وينتصر إلى مبدأ الشورى ويعتبرها بديلا عن الديمقراطية، فما المقصود بالشورى؟ هل يجوز أن نعتبرها الديمقراطية الإسلامية المنشودة؟ ألم تمثل الشورى كمنهج في السياسة عقبة حالت دون تبني الخيار الديمقراطي؟ ماذا قدمت الشورى للحضارة العربية من مزايا؟ وماهي مساوئها؟هل هي قاعدة فقهية أم فكرة أخلاقية؟هل تصلح كمنهج لتسيير شؤون الحكم؟ أليست الديمقراطية مشترك حضاري إنساني وباراديغم مستقبلي ينبغي أن نسعى جميعنا إلى زرعه ورعايته وصيانته من كل اعتداء محلي أو عالمي؟ ما العيب في أن تكون الديمقراطية فكرة إغريقية أو غربية ؟ ألم نترجم عنهم العلوم والفلسفات والأساطير والأشعار؟ فلماذا لا نترجم نظم الحكم والدساتير والقيم والمبادئ التوجيهية للفعل؟ ألم يكن دستور قرطاج باعتراف أرسطو نفسه يحتوي على مبادئ ديمقراطية وكان هناك مجلس شيوخ وبرلمان؟ ثم ألم توجد فكرة الديمقراطية نفسها في شرائع حمورابي والألواح السومرية والحكمة الطاوية والبوذية والكونفوسيوشية؟ كيف وقع تغيب جهود شيوخ المعتزلة في تأصيل ثقافة الاختيار والعقل والمصلحة في الحياة السياسية ولا ننظر إليها كأولى المحاولات الجادة لزرع سياسة العدل والإنصاف؟ ماهو في محك النظر وميزان العمل هو الكف عن وضع الشورى كمقابل للديمقراطية والشروع الجدي في إطلاق النفس من الأسس إذا كنا نريد أن نقيم في السياسة الاستخلافية شيئا وطيدا مستقرا.

1-    في قيمة مبدأ الشورى:

–         من جهة النص: ورد لفظ الشورى في آيتين من سورتين مختلفتين وهما سورة آل عمران الآية 158 أين قال الله عز وجل مخاطبا نبيه محمد صلعم: »فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ». السورة الثانية تحمل اسم الشورى الآية 37 أين قال تعالى عن المؤمنين: »والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ». ونجد أحاديث للرسول محمد عليه الصلاة والسلام يؤكد فيها هذا الأمر عندما يقول: » ما شقي امرُؤ عن مشورة ولا سعد باستبداد برأي ».ويقول أيضا: »ما ندم من استشار ولا خاب من استخار ». وعن على ابن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: » من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها ».

–         من جهة التأويل: قد فسر المفسرون آية سورة الشورى بأنها نزلت في الأنصار حين دعاهم الرسول صلعم إلى الإيمان فاستجابوا للأمر وقد أجابوا في نفس الوقت ربهم إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة وأقاموا الصلاة وأداموها واحتكموا إلى الشورى في كل أمر يبدو لهم ولا يعجلون وأجمعوا على ذلك. أما تفسير الآية الثانية فقد وردت في شأن الحرب التي ينبغي أن يشنها النبي ولكن قبل ذلك لابد أن يتكلم مع صحابته ويستظهر برأيهم ويستخرج أفكارهم ويطيب نفوسهم وحين يستقر على أمر بعد المشاورة وليعزم ويمضي فيما اتفق عليه معهم وليتوكل على الله. ما نلاحظه من هاته النصوص أن الشورى تحتل المركز الأول في الحياة الاجتماعية وهي القاعدة التوجيهية الأولى التي ينبغي أن يحتكم الجميع إليها في تسيير شؤون أمورهم الدنيوية والدينية.لكن  هذه النصوص لا تتضمن بشكل قطعي أمرا إلى الحاكم بوجوب الاستماع إلى الشورى والتقيد بنتيجة مداولاتها كما لم يقع تحديد: من هم أهل الشورى؟ والى من يتجه طلب المشورة؟ وهل أن الحاكم ملزم بطلب المشورة؟

–         من جهة الواقع: دار الندوة ودار ابن أبي الأرقم وشجرة الرضوان وسقيفة بني ساعدة والمسجد النبوي في المدينة ودار أنس ابن مالك كلها أمكنة عامة مارس فيها الصحابة مبدأ الشورى بحضور النبي أو بعد غيابه وتمخضت عنها معظم القرارات الحاسمة وكتبت فيها الصحيفة التي تمثل ميثاق ودستور سياسي بالنسبة للمسلمين والتي أثرت على تكون الأمة ومستقبل الجماعة وبناء الدولة التي ستحمل لواء الإسلام إلى العالم بأسره. غير أن المسلمين انقلبوا على مبدأ الشورى والبيعة العامة ومارسوا شورى الأعيان والبيعة الخاصة ورأوا أن نصب الإمام واجب شرعا وفرض كفاية ويكون بالعهد والنص والوصية ويشترط النسب القرشي وليس واجب عقلا وفرض عين ويكون بالمشورة العامة والاختيار والإجماع ويشترط فقط الانتماء إلى أمة الإسلام  والولاء لحضارته فقط. وهكذا انقلبوا على الحق الإنساني ونظروا إلى الخليفة كممثل للحق الهي في الأرض عندما نظر عثمان إلى الملك على أنه قميص ألبسه الله إياه ولا يجوز لأحد أن يخلعه عنه دون الله وعندما افتك معاوية ابن أبي سفيان الإمامة عنوة وبحد السيف وصرف شؤونها بنفسه حسب أهوائه دون مشورة وورثها بعده فجعلها ملك عضود بعد أن كانت خلافة راشدة وحكما صالحا. ويذكر لنا التاريخ أن أئمة الفقه الكبار تعرضوا إلى المضايقات والحبس والتعذيب من طرف الحكام والولاة ورفضت مقترحاتهم وآرائهم التي تنتصر إلى حقوق الناس ومقاصد الشرع،فأبو حنيفة النعمان تداول على ضربه وقمعه مروان ابن محمد آخر خليفة أموي وأبو جعفر المنصور ومالك ابن أنس اضطهده والي المدينة في زمن أبي جعفر المنصور ومحنة أحمد ابن حنبل حصلت مع المأمون والمعتصم. وبالتالي فقد غابت الشورى من التجربة التاريخية للأمة وحل محلها الانفراد بالرأي والاستبداد والطغيان والتعسف.

2-    في الموائمة بين الشورى والديمقراطية:

يقول الرسول صلعم: » من بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا الذي بايعه » ماهو في غاية الوضوح والبداهة وما لا يحتاج أمره إلى حجة وبيان أن الإسلام يحتوي على عناصر ومبادئ لا فقط تتفق وتتماشى مع الديمقراطية بل تستوعبها وتقومها وتسددها، ألم يتحدث العقاد عن الديمقراطية في الإسلام ونحت محمد إقبال مفهوم الديمقراطية الروحية وأكد خير الدين في أقوم المسالك أن من أهم أصول الديمقراطية وجوب المشورة التي أمر بها الله عباده وربط حسن حنفي بين الإسلام والبديل الديمقراطي وكانت العلاقة في كل ذلك بين الإسلام والديمقراطية ليست علاقة تنافر وتضاد بل علاقة استيعاب وتجاوز بحيث يستوعب الإسلام المبادئ الديمقراطية ويهضمها من أجل أن يحفظها ويصونها ويتجاوزها نحو نظام الحكم الصالح والسياسة الاستخلافية الراشدة والتي تمثل الديمقراطية نواتها الأصلية وجوهرها النفيس. فكيف يستوعب الإسلام الديمقراطية في ظل وجود مبدأ الشورى؟ وهل سيتخلى عن الشورى في ظل تبنيه الخيار الديمقراطي؟  صحيح أن نظرية المعتزلة في السياسة هي الوسيط الضروري بين الإسلام والديمقراطية لاحتكام شيوخ الاعتزال وأئمة التوحيد والعدل إلى العقل والمصلحة وتأسيسهم السياسة على العدالة والإنصاف والصداقة ولاعتقادهم أن نصب الإمام واجب عقلا ويتم بالبيعة العامة والاختيار ويسقط عنه الشرط القرشي ولكن هذا الوسيط ليس المسلك الوحيد بل هناك جسور أخرى تربط بين الإسلام والديمقراطية ولعل مبدأ الشورى يمكن أن يكون من الوسائل المؤدية إلى نشوء الديمقراطية خاصة إذا وقع التخلي عنها كمنهج في الحكم والسلطة والقوة ونظرنا إليها كمقولة أخلاقية تدخل في منطق النصح والإرشاد والوعظ ألم يقل الرسول: »إن الدين هو النصيحة » والشورى هي شرط إمكان النصيحة للحكام. اللافت للنظر أن السياسة في الإسلام متروكة للمسلمين وتدرج ضمن الدائرة التي قال عنها الرسول محمد: » أنتم أدرى بشؤون دنياكم » وأن الصحيفة التي تركها لنا هي وثيقة سياسية بالغة الأهمية تضمنت حكمة الرسول السياسية البالغة بوصفه إنسان مخير يتعامل مع واقع متقبل وسياق تاريخي متغير وليس بوصفه نبي يوحى إليه وترعاه العناية الإلهية وبالتالي فإن الصحيفة تحتوى على منجم من الآراء والمبادئ وعالجت قضايا واحراجات سياسية كبيرة وأعطت منزلة متميزة لمبدأ الشورى ويمكن أن تكون لبنة أولى نحو ديمقراطية إسلامية.

 من هذا المنطلق نجد في الصحيفة ما يلي :

–         احترام الحق الإلهي لا يتم إلا إذا وقع احترام الحق الإنساني. جاء في الصحيفة ما يلي: »هذا كتاب من محمد النبي رسول الله،بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم…إنهم أمة واحدة من دون الناس ». –         الدولة في الإسلام مدنية ذات أساس تعاقدي وليست دولة دينية ذات أساس غيبي. « وأن اليهود بني عوف أمة مع المؤمنين،لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فانه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته » –         الحكم والمال والعلم للأمة وليس من حق أي كان أن يستأثر بها لنفسه بل ينبغي أن تسود قيم العدل والإخاء والإيثار في المجتمع . وقد قال صلعم: »المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم » « وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثما أو عدوانا أو فسادا بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم » –         الناس سواسية أمام الشرع كأسنان المشط لا فرق بين غني أو فقير أو بين عربي وأعجمي. « وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في الصحيفة » وعن الرسول أنه قال: »من آذى ذميا فليس منا ». –         المواطنة لا يحددها الإيمان والتقوى بل العمل الصالح والولاء للوطن والأمة والحضارة. « وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فان مرده الله والى محمد ». –         الاعتراف للأمة بسلطة المراقبة والمحاسبة للحكام إن أخطئوا أو استبدوا برأي. « وأن ذمة الله واحدة يجير عليها أدناهم … وأنه ما كان بين أهل الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله والى محمد رسول الله ». و »أن من اعتبط مؤمنا عن بينة فانه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول » وقد ذكر الغزالي: »الخلفاء وملوك الإسلام يحبون الرد عليهم ولو كان على المنابر » –         تقر الصحيفة مبدأ الحرية والشورى والملكية والأمن والتعددية ونصر المظلوم كأصول عامة. « وأنه من خرج آمنا ومن قعد آمن إلا من ظلم وأثم » و »أن بينهم النصح والنصيحة » و »أنه من تبعنا من يهود فان له النصر والأسوة » و »أن ذمة الله واحدة ». –         نجد في الصحيفة حقوق اقتصادية مثل الدية أو المعاقلة وفداء العاني وطلب النفع العام. « المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عاتيهم بالمعروف والقسط بين الناس ». يرى عباس محمود العقاد أن: » شريعة الإسلام كانت أسبق الشرائع إلى تقرير الديمقراطية الإنسانية  » ويقر أن الديمقراطية الإسلامية تقوم على أربع أسس:

1-     المسؤولية الفردية تصديقا لقول النبي : »كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ». 2-     عموم الحقوق وتساويها بين الناس إذ يقول خير الدين في أقوم المسالك في أحوال الممالك حول الديمقراطية الإسلامية ما يلي: »من أصولها المحفوظة إخراج العبد عن داعية هواه وحماية حقوق العباد سواء كانوا من أهل الإسلام أو من غيره واعتبار المصالح المناسبة للوقت والحال وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح وارتكاب أخف الضررين اللازم أحدهما ». 3-     وجوب الشورى على ولاة الأمور تصديقا لقول علي ابن طالب: »لا صواب مع ترك المشاورة ». 4-     التضامن بين الرعية على اختلاف الطوائف والطبقات،يقول العقاد في هذا الأمر: »إن التعاون بالآراء خاصة من خواص الديمقراطية الإسلامية لأنها أصل من أصولها الاجتماعية التي لا تأتي عرضا ولا تنحصر في شؤون السياسة دون غيرها ». نتبين من كل ذلك أنه لا تعارض بين الإسلام ونظم الحكم المدنية فهو نموذج للسياسة الاستخلافية و منبع الحكم الراشد والشورى كفكرة سياسية جسدت في الماضي عقبة أمام انبثاق النظرية الديمقراطية وبررت الطغيان وافتكاك الحكم عنوة ولكنها اليوم كفكرة أخلاقية تصلح لكي تكون قاعدة نظرية هامة للانطلاق نحو بناء بديل ديمقراطي حضاري شامل يخاطب الإنسان أين ما كان من أجل الخروج من حالة القصور التي هو متسبب فيها ويستقبل أنوار الحرية والعدالة والمساواة بشرط أن تكون فكرته مطابقة لخصوصية واقعه وأن يطلب التقسيم العادل للثروة والسلطة والمعرفة وأن تكون الحكومة بيد هيئة وقع انتخابها وفق مبدأ الإجماع والإرادة العامة وليس وفق مبدأ التفويض وولاية العهد والكتابة بالنص من طرف أهل الحل والعقد. لكن كيف يكون الإسلام الديمقراطي رسالة للعالمين؟ وهل يستطيع أن يكون الدين الحق ويترك حرية المعتقد والعبادة للآخرين ويتسامح معهم دون أن يعتبرهم أهل ذمة بل مواطنين لهم كامل الحقوق طالما يؤدون كامل واجباتهم تجاه أوطانهم؟ تلك هي المعضلة السياسية الكبرى التي ينبغي أن تعمل كل العقول الحرة على تفهمها من أجل تدبر سكن أصيل في المعمورة .  * كاتب فلسفي

 

 

الحارقون على الأرض… والحارقون إلى السماء!

    

 
      حسن بن عثمان   اليوم العالمي للكتاب في نهاية شهر إبريل. ومعرض تونس الدولي للكتاب في نهاية شهر إبريل والأسبوع الأول من شهر مايو2007. حدثان، أحدهما كوني، وثانيهما محلّي ـ بينهما معارض للكتب أخرى لا تعنينا في هذا المقام- يحيلان على فعل القراءة الذي لا يخلو منه وجود البشر، مهما كان الوجود مظلما وبلا حروف، أو كان البشر أميين جهلة وعميان. لا مناص من القراءة، ولا مهرب من التدوين الشفوي أو المكتوب. لنقرأ مع بعض، البعض من عيّنات هذا المكتوب. القراءة مثل الكتابة. هي ترياق، سمّ محايد، قد يكون قاتلا وقد يكون شافيا. المسألة، كل المسألة، في حكم الثقافة السائدة، التي سبق أن قرأت وكتبت وسادت واستبدت بالسيادة حين أصابت كبد الحقيقة فقتلها. السيادة قاتلة دوما، خصوصا حين يتواطأ معها في ذلك المعنى والزمن، مهما كانت سيادتها، عدما أو غارا، في رئاسة، أو على مزبلة. السيادة بطبيعتها قوّة لها خصائص النّار تأكل نفسها إذا لم تجد ما يُؤكل. تقابلها في الجهة الأخرى تلك الثقافة المستعدة، أو التي تحاول أن تعدّ العدّة، والتي ترغب في أن تسود عبر محاولاتها المشكوك فيها في القراءة والكتابة، وهي تضمر شهوة متعاظمة متمادية في السيادة، مهما كان نوع تلك السيادة. السعي إلى السيادة هو حياة، وبلوغ السيادة والإيغال فيها وتوثينها موت. الترياق هو أيضا في حكم الحياة والموت. في هذا السياق هو صيدلة وتطبب: حسن التشخيص، نوعية الدواء، نسبة الجرعات وتوقيتها ورغبة الجسد وقدرته على الاحتمال والتحمّل والاستفادة والشفاء، أو العطب والفساد. وكل ذلك بمساعدة العقل، أو الذهن، سلبا أو إيجابا. يكون الجسد أحيانا هو الكتابة، والعقل أحيانا هو القراءة. والأحيان دوما هو المهيمن. لست من أنصار القراءة ولا الكتابة والكتاب، ولا أنا من الخصوم. ماذا تقرأ؟ لمن تقرأ؟ كيف تقرأ؟ متى تقرأ؟ لماذا تقرأ؟ تلك أسئلة للقارئ، بما أنه في مقام أول قبل الكاتب. كل كاتب هو قارئ قبل أن يكون كاتبا. ويصحّ، عكسا، طرح تلك الأسئلة على الكاتب والكتاب والمكتوب. على الحرف والمنحرف والمحترف والحرفة وكل القرف. معارض الكتب، في كل مكان زرته، سواء أكانت سوقا للبيع والشراء مثلما حالنا العربي، أو كانت واجهة براقة لآخر ما يبرق من بريق التسويق والتبادل والترجمة والنجوم، هي كلّها أيام للقيامة الفكرية والذوقية، الجهنمية، مهما كانت عناوينها وأسماؤها، فوضوية وكريهة ومبلبلة للخواطر والأفكار، وهي في كل الأحوال مرعبة، للقارئ والكاتب، ومثيرة للفزع والدوار، تفلسنا، ولا تفلسفنا، وتستنزفنا روحيا وماليا. أخرج منها مصدّع الرأس وتائها وتافها، تشتعل في أطرافي النيران، دون أي إحساس بالغفران ولا أي إحساس بالإنسان قارئا أو كاتبا. أفضّل المكتبات القارة المعلومة في أماكنها الثابتة المعلومة. هي تاج القارئ والكاتب بلا منازع. شبيهة بمتاجر الحارات والأحياء والتجمعات السكانية. تقصدها لحاجة معلومة، فتقتني منها معلومك، أو شيئا من ودّ مبهومك. المعارض، قرينة اللهفة والاستعراض وشراهة الاستهلاك. هي بالضبط فضاءات تجارية واسعةعملاقة، عولمية في ظاهرها وفي نواياها وفي منتهاها، تذكرك دائما بأنك ضئيل، دون أن تمدّ لك يد المساعدة. وتوحي لك بأنك في حاجة لما أنت في حاجة إليه وإلى ما أنت لست في حاجة إليه. تصيبك بلهفة المعرفة وسعارها، فتقتني منها معلومك و مبهومك ومجهولك، وما أنت في غنى عنه أو ما هو في غنى عنك، ما يفيض عن وقتك ومالك وقدراتك، وتكون رهينة وجود عند تلك المعارض. وفي ذلك تظل المكتبات حبيبة إلى النفس، لأن لها صلة رحم لغوية بالكتاب، بل لعلها رحم أمومي للكتاب. المكتبة لا تتعسّف ولا تتبجّح، تتيح لك ما جئت، تقريبا، من أجله. المكتبة خليلة الكتاب. معارض الكتب هي مواخير وإخلال وخلل. هي ما يخللك ليس من أجل تصبيرك وإنما من أجل تعفينك. أن تتعفن في مشترياتك التي أنت لست بحاجة إليها. لست بحاجة إليها توّا. أو هي ستتعفّن بعد فترة، وحين تتناولها ستصيبك بالتعفن حتما. عن التعفن الثقافي وعن التعفن الاجتماعي، كتابة وقراءة، نحن أمام مثل هذه العيّنات التي صادفتني وأنا بصدد ما يشبه الحياة والكتابة والكتاب. الحياة التي كأنها موات. العيّنة الأولى ها أنا، بعد عامين من المقاطعة، كرها في المعرض وفي المعارض، وثقلا في التنقل، ورهبة من التعارف والمعارف، أجدني في الطريق إلى معرض تونس الدولي للكتاب. فقد آن الأوان وأزفت الساعة، ساعة محاولة العمل ومراودات مهنة الشؤم. في الحافلة، الحافلة بكل شيء سوى بالناس، رغم كثرتهم الكاثرة، الناس الذين لا أدري ما الذي يؤجّل قرار موتهم أو انتحارهم. كأنها حافلة الحشر لا البشر، لا بقاء وإنما فناء يتفانى. لا أنكر أن ذهني الانشقاقي هو من يصوّر لي الأمور على شاكلة قيامية. لكن ليس بدون أسباب منطقية. كنت أفكر في شهر إبريل الغريب، الذي ليس بالطويل وليس بالقصير. ورغم اعتداله في الطول والقصر، إنما كان متطرفا وسخيا في تطرفه عند الحوادث معنا. في يومه التاسع من عقد الثلاثينات من القرن الماضي، سقط، يا للسقوط! في تونس الكثير من الشهداء، الذين تظاهروا ضد التجنيس بالجنسية الفرنساوية، وسمّت تونس الاستقلال يوم التاسع من إبريل من كل عام عيدا للشهداء. والرائع أن شهداءنا لهذا الشهر من عام 2007، بعد أن تجاوز عمر الاحتفال بعيد شهدائنا الرجال المقاومين نصف القرن، كانوا من النساء وكانت اسماءهم: أمل، ندى، هناء، نورس، هشام (12 سنة)، نادية وسنية… نساء تونس الشهيدات العتيدات سقطن، هذه المرة سقوطا مروّعا، جليا وحقيقيا، في آخر يوم من شهر إبريل، داستهن الأقدام الوطنية الهمجية في ملعب في مدينة صفاقس في حفل ما يسمى « طلبة ستار أكاديمي ». احتفل الناس واندفعوا واحتكت الساق بالساق والمنكب بالمنكب والجموح بالجموح والجموع بالجموع وقد أصابهم جنون الحشود. كل حفلة الناس التونسيين كانت من أجل الأيقونة الفنية الموسيقية العولمية على نطاقنا العربي التي هي من تصميم سعودي لبناني. سعودي لبناني يعرفان كيف يٌحياننا أحيانا، وكيف يفتنانا ويغواننا، أو يقتلانا في كثير من الأحيان الراهنة. من مات مات وفات. له الوفاة كل الوفاة. فقط وفاء للوفاة. وعدم سماح للفوات، تفوت الحوادث، الدنيا كحادث وحوادث وحواديث لمن نقرأها حين لم نكتبها. فوات، وليست وفاة. كل موتانا فوات وليسوا في عداد الوفاة ولا الأموات، لأننا، للأسف، نفوّت ولا نوفّي. فلا موتانا متوفين ولا نحن بمقدورنا أن نمنع الفوات. هنا ثمة مشكلة معرفية ووجودية تمثيلها في من هو ميّت في الحياة، ومن هو حيّ ولا جود له. هل نحن، ما نُسمّى نحن، أحياء في الحياة؟ هل أسلافنا ماتوا في موتهم؟ هل نحن وأسلافنا موت ومقبرة ودعوة للقبر. أليست مهمتنا الأولى، أوكد مهامنا، أن نشرع مباشرة في دفن موتانا، القدامى والجدد. بأن نجعلهم يموتون وينتهون. لأن عليهم أن يموتوا ككل أحياء، أو ككل حياة، من المفروض أنها منذورة بطبيعة وجودها للموت. الموت جدير بالتقديس شأنه شأن الحياة. إنما الانتحار ليس حياة وليس موتا بالضرورة. أردأ أنواع الشهادة أن نشاهد الموت حياة والحياة موتا. ومن نكد الدنيا حين تُخلط الدنيا عقلنا بحسّنا، فنصير لا نميّز حسّا عن عقل، فنهجر الحسّ والعقل معا، ونكون في مهبّ شهوة الخلط بين الدنيا والآخرة، والفناء بالبقاء، حتّى لا نعود نتعرّف أين نقيم. هل في الدار الفانية أم في الدار الباقية؟ كان ثمة شهداء تونسيون، وطنيون متحمسون وغافلون عن الدنيا ومعترضون بحماس عما يجري في الدنيا، كأي شهداء. أقصد كأي أناس بإمكاننا أن نسميهم انتحاريين، بلغة العصر، يستبدلون دنياهم بآخرتهم، دار الفناء بدار الفناء. أو الأحرى، دار البقاء بدار الفناء، أو العكس، لا أدري! خاضوا معارك حياة أو موت. معارك شهداء وشهادة، على مسألة تبدو لنا غريبة الآن، في هذا الأوان. معارك ضد تجنيس التوانسة بالجنسية الفرنسية، وكان السياسيون المحليون المحنّكون حاضرين ومحرّضين. رغم أن الجنسية الفرنسية العزيزة، والتي كان يتمتّع بها العديد من الشخصيات الوطنية المناضلة والمرموقة، هم ونساؤهم وأبناؤهم. تلك الجنسية كانت ومازالت لا تمنح إلا لمن يستحقها حسب تعريف الاستعمار. كانت مشتهاة في ذلك الوقت وفي كل الأوقات للنخب وللشعوب ، في الماضي كما في الحاضر، وفيما نراه من مستقبل. وهي جنسية لن تكون ممنوحة لمن يطلبها في كل الأحوال، في القرن الماضي أو في أي قرن يقرنهم بالوجود… شهداؤنا، هم شهداؤنا رغم كل شيء، رجالا ونساء، شهدوا بدمهم المراق، لكي نشهد عليهم، ما أمكننا، بحبرنا المراق هو الآخر. هنا ثمة ثمرات أُخر، من المعاني والشهادة والشهيد. يعني من القتل ومن معنى القتل والنحر والانتحار الأرضي والسماوي. وتلك أيضا شهيداتنا اللواتي سقطن ضحايا حلمهن التلفزي المسفوح، وهمّ أنوثتهن المغدورة المهدورة، التائهة في فنطازم وجودهن الحديث غير المعقول… هن شهيدات شكل من أشكال الدفاع عن ما يحقق المواطنة والوطن، بتصديق الوطن وتلبية ندائه للنضال أو للاحتفال. كلنا جنود للوطن في القتال وفي الاحتفال. شكل من أشكال الشهادة الوطنية الجامحة. شكل من أشكال الانتحار المضمر، المسبوق بالرغبة والتصميم. أناس يموتون من أجل ما يمسى استقلالا، وأناس يولدون في الاستقلال ويموتون من أجل شهوة التمتع ببريق الاستقلال. أو ما كان يسمّيه زعيم تونس الأول: « فرحة الحياة ». أيها الاستقلال العظيم كم تأكل منّا في كآبتك وفي بهجتك. « حارقون » على الأرض. حارقون إلى السماء! من السخريات أن الحبيب بورقيبة، ذلك الزعيم الأوحد لدولة الاستقلال، مات في بداية شهر إبريل سنة 2002. من السخريات أن عيد استقلال تونس يوم 20 مارس من سنة 1956 تزامن مع يوم 20 مارس 2003 يوم غزو بغداد. ومن السخريات أيضا أن يوم عيد الشهداء في تونس تزامن مع يوم 9 إبريل يوم سقوط بغداد سنة 2003… لا بأس علينا في تونس، مازلنا نحتفل باستقلالنا وبعيد شهدائنا رغم مصادفات الأرقام السخيفة التي لا شأن لنا بها. أرقام سحرية، أرقام ساحرة، أرقام ساخرة. كنت أفكر بهذا الشأن وأنا في طريقي لمعرض تونس الدولي للكتاب إلى حين اجتيازي بوابة الدخول. العيّنة الثانية بلغني أن هذه الدورة من معرض تونس الدولي للكتاب، وقع فيها استبعاد الكتب ذات المحمول الشعوذي وتلك التي تعلى من شأن الخطاب الديني السلفي. كنت أشك في الأمر. لا يمكن أصلا تنظيم معرض للكتب في أي بلاد عربية، مهما كان اسم تلك البلاد، ما لم يستحوذ الكتاب الديني، السلفي منه خصوصا، على نصيب الأسد وعلى نصيب كل الحيوانات المفترسة الأخرى. فالكتاب الديني هو الخبز الذهني والروحي للشعوب العربية والإسلامية التي لم تعرف خبزا سواه، خصوصا إذا تبدّى لها في غلافه السميك المقوّى، المنجّد البرّاق، الذي يخطف الأبصار مهما كانت محترفة أو منحرفة. الكتاب السيّد بمظهره وبخضرته الغامقة وخطوط عناوينه الذهبية المحفورة النّاهدة. اخضرار على ذهب على نهود. وماذا يطلب العربي والمسلم أكثر من هذا؟ لون الجنّة ولون الدنيا حين يقترنان ويمتزجان وينهدان على غلاف كتاب هو سيّد سيادة مطلقة على من سواه، أو من عداه، من كتب مهما كان بهرجها، أو أناقة مظهرها. الكتاب الديني والكتاب التراثي هما اللذان يتمتعان بوهج الكتاب، كتاب الماضي الذي لم يمض بعد، في غياب فادح لكتاب الحاضر، والعدم الفاغر لكتاب المستقبل. يبدأ كتاب الماضي من غلافه، بحجمه وطوله وعرضه. والغلاف هو، تقريبا، كل شيء، في ثقافة شعارها: المقال يقرأ من عنوانه. أو من مظهره الخارجي حسب ثقافتنا المظهرية والمرئية المرائية التي نحن عليها. اجتزت مدخل قصر المعارض بضاحية « الكرم » حيث يقام معرض تونس الدولي للكتاب، كما يسمّى رسميا، دون اقتطاع تذكرة دخول بنصف دينار. جرّبت الاستظهار ببطاقتي الصحفية الرسمية فنجحت التجربة. في الباحة الفسيحة، الفاصلة بين المدخل وأروقة المعرض، اعترضني شخص أول يعلّق شارة على صدره وخاطبني متوسلا وداعيا لي برحمة الوالدين وبرحمة من الله ومغفرة من لدنه إذا ساهمت بالتبرع المالي لبناء جامع بمنطقة « صنهاجة » في وادي الليل من محافظة « منوبة ». وستكون الرحمة والمغفرة مضاعفة كلما ضاعفت من قيمة التبرع. تخلصت منه ومضيت في سبيلي. على بعد بضعة أمتار اعترضني شخص ثان، أكبر في العمر وفي الجسم، وطلب الطلب نفسه وبالعبارات ذاتها، إنما من أجل بناء جامع في معتمدية سجنان من ولاية بنزرت. فعلت معه الفعل ذاته الذي كان لي مع من سبقه. وبدأت أستغرب الأمر. رددت بيني وبين نفسي ما يردده التوانسة ذوو الذاكرة البحرية كلما أرادوا التعبير عن خيبة أملهم من البدايات الفاشلة: « من المرسى بدأنا التجذيف ». يرددون ذلك كلما كانت الرياح غير مواتية للمراكب الشراعية القديمة. أو حين تتعطّل محرّكات المراكب الميكانيكية عند إقلاعها. وفي الحالتين، يتحتم، حينئذ، على السواعد أن تلتحم بالمجاديف لهدر الطاقة البشرية واستنزافها. فعلا كان تجذيفا في البحر وتجذيفا على اليابسة. اعترضني ثالث. كهل متقدم في كهولته، ورجاني، بمزيد من الرجاء والأدعية، اقتطاع ما أقدر عليه من مقتطعات تبرع لفائدة بناء جامع آخر في جهة أخرى من الجمهورية التونسية، في برج العامري من ولاية (محافظة) أريانة. ازداد تجذيفي، بالمعنى البحري وتجديفي بالمعنى العقائدي، للوصول في أسرع وقت إلى جوف معرض تونس الدولي للكتاب حيث متاهة أمعائه، بما تحتويه من متصلبات دافئة وسوائل دافقة وغازات غافقة وإكراهات نافقة. عزمت على الدخول والخروج في أسرع وقت ممكن، وأن أتفادى ما أمكن زوّار المعرض، الذين أعرف الكثير منهم، مثقفين وكتابا وعارضين وإعلاميين… إلخ. ثمة ما يُحكى في الحيّز الفاصل بين الدخول والخروج. لكن لأؤجّل ذلك ولأخرج الآن. خرجت من كل فضاء قصر المعارض. أين المهرب؟. هنا كان يتربّص بي متطوع رابع لجمع التبرعات لبناء جامع التوبة بالقتمة، معتمدية سجنان، ولاية بنزرت. شاب في الثلاثين من عمره، بائس الهيئة واللباس والملامح. شبك على سترته المهلهلة بطاقة متطوع مسلّمة من اللجنة المكلفة ببناء المسجد ومختومة بخاتمها. ومسك بيده اليسرى دفتر مقتطعات، كل ورقة منه بقيمة دينار تونسي، أقل من دولار أمريكي بقليل. قلت له أنني سبق أن قابلت شخصا يطلب التبرع لجامع في سجنان. هل سجنان (سجن زائد سجن) كلها تنوي بناء جوامع والانخراط في صلاة جماعية؟ أجابني وهو يبلل شفتيه من فرط جفاف ريقه، ووقوفه النضالي تحت شمس ربيعية نضرة تسومه العذاب. قال إن اللجنة بعثت للمعرض مندوبين اثنين لجمع التبرعات لجامع التوبة بمشيخة القتمة، هو أحدهما. نقدته دينارا وسألته عن اسمه بعد أن قلت له أنني أعمل في الصحافة. سلمني مقتطعة وقال لي أن ثمة زوارا للمعرض يعطونه دينارا ليتخلصوا منه، وكانوا يشيرون عليه بأن يحتفظ بالمقتطعة في الدفتر وبالدينار لنفسه، ولكنه يعتبر نفسه في مهمة مقدسة لا يجوز فيها الغشّ، وأخرج من جيبه مقتطعة ممزقة وقال أنها آخر ورقة لم يرغب المتبرع في تسلمها، في حين أنه مزقها ولم يستأثر بقيمتها المالية. اسمه عز الدين سعيداني، تفضّل متطوّعا مشكورا بمدّي شفويا بإحصائية سكانية لقريته التي تتألف من 8 آلاف ساكن، ولا يوجد بها لا جامع ولا مسجد. وأفادني بأن شيوخها التقاة يضطرون للسفر إلى مدينة سجنان، التي يسكنها 48 ألف ساكن، من أجل الصلاة. في مشيختهم، قريتهم القتمة، عندهم مستوصف، وعندهم مقاه، وعندهم مدرسة ابتدائية وأخرى إعدادية، ولديهم منطقة فلاحية سقوية بصدد التهيئة، ينتظرونها بفارغ الصبر ليسترزقوا منها. لكن ليس عندهم مكتبة ولا أي مرفق من مرافق الترفيه. عز الدين لا يصلي ولكنه يحبّ عمل الخير. كان يعمل كهربائيا، ولكن صعقته قوة كهربائية، فكفّ عن مزاولة عمله وراح يتعاطى بعض الأعمال اليومية التي تجود بها الحياة أو لا تجود. وهو الآن متطوع بإرادته ورغبته للمساهمة في بناء جامع في قريته، يقول أن تكلفته في حدود 90 ألف دينار تونسي. ويشدد أن لا أحد من أبناء القرية يعرف موقع الجامع المرتقب ولا مساحته ولا مثاله الهندسي. كل ذلك في علم المُعتمَد والجهات الرسمية. عز الدين متطوّع تقريبا، فقد تلقّى من الجهات المسؤولة 25 دينارا تونسيا لتسهيل مهمته، وعلى ضوء المصاريف التي سينفقها يكون حسابه مع الجهة المعنية. ومن أجل تقليص المصاريف يأكل قليلا ويقضّى ليله مع لفيف من أبناء جهته العاملين في مدينة تونس. سلّمني عز الدين مقتطعة بدينار تثبت أنني تبرعت لجامع التوبة بالقتمة، حسب ترخيص من الجهات المعنية، تحت عدد 485 بتاريخ 25/ 1/ 2007. وكتب فيها رقم الحساب البنكي، ورقم المقتطعة وكل المعلومات الضرورية. وأضاف أنه وزّع من المقتطعات ما قيمته 150 دينارا تونسيا خلال يومين. أزيد قليلا من مائة دولار أميركي. وبعد أن تتجمع التبرعات فإن عز الدين لا علاقة له بالحسابات ومراقبة الحسابات. عز الدّين هو معنى حارق وجسد محروق بالشمس والكهرباء، يتردد وجوده بين الأرض والسماء. سألته في الختام، هل صادف أن تقابل مع أحد من أبناء قريته، وأبناء مدينة سجنان التي قضّى فيها سنوات دراسته، في معرض تونس الدولي للكتاب. أجابني أن لا أحد ممن يعرف صادفه في هذا المعرض، فالكتب هي للمسؤولين والمثقفين وليست للمواطنين… نين! العيّنة الثالثة والأخيرة للضرورة بعد مغادرتي لمعرض الكتاب، كنت على سفر إلى جهة من الجهات الساحلية في تونس. علق في ذهني من زيارتي للمعرض كيف أن موقع المملكة العربية السعودية يحتل دائما، منذ زمن بعيد، منذ بداية تأسيس معرض تونس الدولي للكتاب، تقريبا، صدارة المعرض، في مواجهة مدخله الرئيس. السعودية في الصدارة العربية دائما. في الروح وفي الدين وفي السياسة وفي الإعلام وفي الثقافة وفي… السعودية قبلتنا في كل شيء. يا لسعدنا الذي بلا مثيل! في جناح السعودية الأخضر الفاخر، في زاوية منه، تجمهر أناس، أغلبهم من النساء، المتحجبات وغير المتحجبات، وبعض الرجال، الملتحين وغير الملتحين، وكانوا جميعا يستعطفون ويتوسلون المسؤول عن ذلك الحيّز من الجناح، وكان ذلك المسؤول لا يكفّ عن تمسيد لحيته الطويلة، شبه البيضاء، والتغزّل بها ومداعبتها بأصابعه الناعمة، وهو مستغرق في حديث مع واحد آخر له لحية أقل طولا. كانت النساء وكان الرجال التوانسة يستعطفون ويتوسلون الملتحي السعودي الذي كان يلبس جلبابا ومداسا ويضع ساقا على ساق، من أجل الحصول على نسختهم المجانية من القرآن، الذي دأب الجناح السعودي على إهدائها لزوار المعرض. يبدو أن النسخ المتوفرة وقع توزيعها كلها. لكن نساء معرض تونس في جناح السعودية مستعدات للتضحية وللاستشهاد من أجل نيل نسختهن من القرآن السعودي، حالهن في ذلك حال قتيلات تونس، أو شهيداتها العتيدات، في عرض ستار أكاديمي الصفاقسي… أنا على يقين أننا بإمكاننا في تونس أن نخسر أضعاف أضعاف النساء القتيلات في ستار أكاديمي، الذي هو الآخر من تمويل سعودي واستنساخ لبناني وابتكار عولمي، فيما لو شاءت السعودية إقامة حفل لتوفير القرآن لمن منّت عليه بالإيمان ومنحته دين الإسلام والغفران. أليس صاحب روتانا وأخواتها الخليعة، وصاحب القنوات الدينية الملتحية المحجبة كثيرة التقوى والتحريض على… هو سعودي يجمع طلبة ستار أكاديمي بطلبة الفناء في الدين الإسلامي في نسخته السعودية المعاصرة؟! وصلتُ محطّة القطارات الساحلية والجنوبية في ساحة برشلونة بعاصمة تونس. بيني وبين زمن سفر القطار ساعة، أو شبه ساعة. فرصة لتأمّل المكان. حظّي الكئيب تأمّل الكتب والأمكنة وأناس الأمكنة. خرجت من قاعة المسافرين، ألفيت مكتبتين من مكتبات الرصيف، يحوم حولها فتيان وشباب في عمر العشرين، وما فوق قليلا وما تحت قليلا، ومعهم نفر من رهط مختلط. يحوم حول مكتبتيْ الرصيف الفتيان والشباب مثل الذباب، حومان الذباب على العفن أو على الحلوى. يقبلون ويدبرون، يتصفحون الكتب، ويتشاورون ويهمسون ويتناقشون، يغادرون ثم يعودون. اقتربت من مكتبتيْ الرصيف. نظرت في الكتب. في أغلفة الكتب. تصفحت بعضها. وفي اللحظة ذاتها تصفحت الوجوه الفتيّة للشباب المقبلين على التصفح، وليس بينهم شابات. لن أورد قائمة بالكتب المعروضة على شبه رصيف « محطة برشلونة » وتلقى إقبالا متناميا، والتي بعض عناوينها في حوزتي، ولكنّي ألخّص العنوانين حسب معناها. الأول هي عناوين تدعو إلى تعلّم اللغات الأوروبية الأساسية في أقل من شهر. وهذه متاحة للذين يرغبون في حرق المراحل وحرق أنفسهم في البحر أو في البر. من أجل الوصول إلى الجنّة في الدنيا. كتب لغوية بسيطة وتبسيطية تجعل الجنّة الدنيوية متاحة لكل لسان حاذق وروح مغامرة وانتحارية في أقل من شهر، حسب زعمها. وجنّة أخروية متاحة هي الأخرى ببعض الأدعية والتلخيصات الفقهية الغيبية التي تتمحور في كيفية كسب رضاء الله ودخول الجنّة في بضعة أيام، لمن ضاقت به الدنيا ورغب في الآخرة، زهدا أو نضالا أو انتحارا. من لا يرغب في الجنّة؟ وعلى رأي سيغموند فرويد، من لا يرغب في جنّة رحم أمّه أو فرجها قبل أن يقذفه منتظرا متى يبتلعه؟ هنا مسألة وعي بالخروج من الرحم وبشهوة العودة إليه. جنّة فُقدت وجنّة نُشدت. وما بينهما جنّة يحققها الجنيّ ويهدرها البشري الذي لا نصيب له من الجِنٌّة، أي مما هو مخفي. جنّة في الدنيا، وجنّة في الآخرة، للمحاربين والاستشهاديين والوطنيين والمنتحرين والمغامرين والمتطوعين والراغبين والمجانين. من نلوم؟ كلهم أهلنا، بلا تأهيل ولا مؤهلات. كلهم بلا أهلا ولا سهلا، لأن الأمر ليس فيه معاني الأهلية ولا السهولة. موت يقتفي أثر موت لكي يؤهله لمفارقة الحياة ويدرّبه على الجهل والنسيان وعشق الموت. ما بين جنتي الدنيا والآخرة ثمة كتب الطبخ تباع بكثرة. يأكلون للحصول على طاقة ضرورية من أجل الوصول إلى جنّة ما. بضعة أيام وبضعة حروف مبهمة تكفي لشقّ البحر والإقامة في جنّة الكفّار الدنيوية. بضعة أيام وبضعة حروف تكفي لحذق صناعة حزام ذهني انفجاري يُخلّص من الدنيا ويفوز بالآخرة لكي تكون الإقامة الأبدية في جنّة المؤمنين المسلمين الأزلية بجوار الله والملائكة والأنبياء والشهداء. فن للطبخ يتلخّص في بضع لقم وبضع ملاعق، وبقليل من وعي الحراريات والدهنيات والطاقات لتهيئة البدن لما ينبغي أن يتحمّله لكي يضطلع بالمهمة المطلوبة على أفضل، أو أبشع، وجه؟ أي كتب وأي يوم عالمي للكتاب وأي معارض محلية ودولية وأي قراءة؟ كل شيء في المتناول، وكل شيء يشجّع على ثقافة الانتحار إما في اتجاه الأرض أو في اتجاه السماء، خدمة للحارقين على الأرض أو الحارقين إلى السماء. في الأخير يظل السؤال: هل أن الأوان هو ما خرج عن السيطرة، هو ما فارقنا وما كُتب علينا وليس ما كتبناه؟ أم أن الأوان هو حتمية مجابهتنا للزمان والمكان والإنسان، من أجل التصدي المتفائل، العتيد، الباسل، الحكيم، الدرويش… مجابهة بكل المعاني والأوضاع والإمكانيات والتحالفات والحسابات، لكل ما هو انتحار، وشهوة انتحار، وثقافة انتحار، وغذاء انتحار، حرقا ومفارقة للزمان والمكان والإنسان؟ (*) كاتب من تونس (المصدر: موقع « الأوان » بتاريخ 10 ماي 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=300&Itemid=7

إيران بين العفة الثورية المذهبية والمصلحة القومية

 
                    طارق الكحلاوي (*) عندما أعد في الأسبوع الماضي منظمو المؤتمر الدولي حول العراق في شرم الشيخ حفل العشاء الختامي اختارت يد غير معلومة وضع صحن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في مواجهة صحن نظيرها الإيراني منوشهر متكي. وفي الوقت المحدد الذي كانت جميع كاميرات المؤتمر تتهيأ فيه بكل التقنيات العالية التي يمكن توفرها لالتقاط الصورة المنشودة، وبينما كانت رايس في طريقها لعشاء طال انتظاره اكتشف السيد متكي أن عازفة الكمان المرافقة للعشاء ترتدي فستانا أحمر قانيا متبرجا مما جعله -كما يبدو- يحجم عن تناول العشاء. من المناسب التذكير هنا أن كل هذا يحدث في مؤتمر حول العراق، أي تحديدا في الملف الذي يشهد أكثر مجال للتقارب بين الإدارة الأميركية و « الجمهورية الإسلامية ». وبمعنى آخر حيث لا يحتاج -حقيقة- أحد إلى أي صور درامية لكي نرى الإدارة الأميركية و « الجمهورية الإسلامية » في فراش واحد. ترغب « الجمهورية الإسلامية » في صيانة عفتها. ولن تسمح بالتأكيد لفستان أحمر عاري الأطراف أن يفسد مسيرة صافية على مدى ثلاثين عاما من الخطاب الثوري. هناك طبعا فرضية أخرى أكثر جدية لتفسير مغادرة متكي حفل العشاء وصوره الدرامية. بداية هذه الفرضية تكمن في خلفية ومحتوى مبادرة إيرانية لم تحظ بالتغطية المناسبة. وتمر هذه الأيام أربع سنوات على تاريخ المبادرة الإيرانية السرية المؤرخة في 4 مايو/أيار 2003 والتي لم يكشف عنها بشكل تفصيلي إلا في فبراير/ شباط 2007 بعد سلسلة من التسريبات الصحفية والتلميحات الأميركية الرسمية (نسخ مصورة عن الوثيقة الأصلية متوفرة الآن على النت على عدد من المواقع). وتؤكد الوثيقة أن السياسة الإيرانية لا تتبع، كما يشير عدد من التحليلات لـ « مصلحة شيعية » بقدر ما تتبع « مصلحة قومية إيرانية » رغم كل ما تبديه القيادة من « عفة ثورية مذهبية » توهم بوجود « حلف إيراني » في عموم المنطقة يستهدف تحقيق مشروع « هلال شيعي ». خلفية وثيقة 4 مايو/أيار 2003 قام المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي فلينت ليفريت منذ انضمامه إلى مؤسسة التيار الواقعي التي بدأت تفرض نفسها على المشهد الإعلامي الأميركي « مؤسسة أميركا الجديدة » بمحاولات متعاقبة للكشف عن وثيقة إيرانية تم إرسالها عبر السفارة السويسرية في إيران القائمة بأعمال الولايات المتحدة هناك بتاريخ 4 مايو/أيار 2003 عبر الفاكس إلى عدد من السفارات الأميركية بالمنطقة بالإضافة إلى مقر الخارجية الأميركية في واشنطن. بداية تجب الإشارة إلى أن هذه الوثيقة مرسلة عبر السفير السويسري وبالتالي ليست مرسلة مباشرة من قبل الإيرانيين إلى الطرف الأميركي، وهو الأمر الذي أكد عليه الموقف الرسمي الأميركي بما في ذلك تصريحات لرايس للتشويش على صدقيتها. ولكن مثلما يكشف ليفريت فإن هذه هي القناة المعتادة للاتصال بين الطرفين بما في ذلك ما يتعلق بالأمور السياسية ذات الطابع السري. تتمثل الوثيقة في صفحتين وفي قسمين. الصفحة الأولى محررة من قبل السفير السويسري، وتعرض تفاصيل تطور الحوار الذي أدى إلى إنتاج مبادئ عامة (مضمنة في الصفحة الثانية). ويؤكد السفير السويسري في هذا القسم على خمس نقاط من الضروري الاطلاع عليها لفهم مستوى القرار الإيراني الذي تمخض عن هذه الوثيقة ومن ثمة مدى جديتها. وهي كالتالي أولا: يشير السفير السويسري إلى أنه كانت له حوارات في طهران مع السفير الإيراني في باريس توجت على ما يبدو بحوار مطول يوم 21 أبريل/نيسان 2003 حول وثيقة « خريطة طريق » لحوار إستراتيجي مع الولايات المتحدة. ما يرغب السفير السويسري في التركيز عليه هنا هو أهمية شخص السفير صادق خرازي، وهو ليس فقط ابن أخ كمال خرازي وزير الخارجية آنذاك بل أيضا صهر مرشد الثورة أحمد خامنئي (أخت صادق خرازي هي زوجة ابن خامنئي). وبمعنى آخر لا يتعلق الأمر بأي دبلوماسي إيراني بل بشخص له صلة مباشرة بمركز القرار. ولهذا وعد صادق خرازي السفير السويسري بأنه سيحمل وثيقة المبادئ التي تم التوصل إليها إلى وزير الخارجية والمرشد ذاته. ثانيا: يوم 2 مايو/أيار 2003 أي بعد أقل من أسبوعين يشير السفير السويسري إلى التقائه مع صادق خرازي لثلاث ساعات أخبره خلالها أنه كانت له جلستا حوار مطولتان مع المرشد حضر فيها كل من رئيس الجمهورية محمد خاتمي ووزير الخارجية كمال خرازي. يستشهد هنا السفير السويسري بكلمات صادق خرازي للتشديد على جدية النقاش الذي تم في شكل بالغ السرية مع المرشد « لقد تم نقاش كل كلمة » في وثيقة « خارطة الطريق ». يشير السفير إلى استفسار المرشد لصادق خرازي عما إذا كانت الوثيقة من إعداد أميركي، وهو ما نفاه مشددا للمرشد على أنها حصيلة حوار مع شخصية أوروبية مقربة من الخارجية الأميركية. ثالثا: في تعليق صادق خرازي على حصيلة اللقاء مع المرشد وعلى تعليق الأخير على محتوى الوثيقة يشير إلى أن المرشد أعرب عن تحفظات إزاء بعض النقاط، في حين تعامل خاتمي ووزير خارجيته بإيجابية كاملة معها. وفي المحصلة حصل إجماع على ما بين 85% و90% من نقاط الوثيقة، مع الإعراب حسب صادق خرازي عن قبول أن « كل شيء قابل للتفاوض ». هناك نقطة أساسية في هذا الإطار مهمة للغاية عند قراءة نقاط الوثيقة. إذ أكد صادق خرازي أن معنى « موافقة » القيادة الإيرانية على نقاط الوثيقة خاصة الجزء المسمى بـ « الأهداف الأميركية » أنها لا تعني فقط الموافقة على إدراجها ضمن الحوار بل أيضا الموافقة على قبولها. وفي هذا الإطار يطلب صادق خرازي من السفير السويسري إدخال بعض التعديلات على الوثيقة في العلاقة بالمنطقة بشكل عام بناء على الجلسة التي أجراها مع المرشد، مقرا بأن « عملية السلام العربية الإسرائيلية أمر واقع ». رابعا: هنا اهتم صادق خرازي -حسب السفير السويسري- بالجانب اللوجستي مما يعكس رغبة إيرانية في تسريعه. يقول خرازي حسب الوثيقة « إذا وافق الأميركيون على الإبقاء على سرية الحوار الثنائي يمكن إقامته في ظرف سريع جدا حيث يمكن نقاش بقية تحفظاتنا التي أنا متأكد أنه يمكن إنهاؤها ». ويمضي صادق خرازي حتى اقتراح اسم المسؤول الأميركي الذي يرغب في مشاركته في اللقاء الأول وهو رتشارد أرميتاج مساعد وزير الخارجية السابق (نظرا لتصريحاته آنذاك المحبذة لـ « الديمقراطية الإيرانية ») وهو ما استبعده السفير السويسري، مقترحا في المقابل مسؤولين من درجة أقل وهو ما كان متاحا في لقاء مرتقب في الأمم المتحدة حول الإرهاب كان سيوفر إمكانية اجتماع خليل زاد مع السفير الإيراني في جنيف. خامسا: يختم السفير السويسري ملاحظاته بإشارته إلى سؤال صادق خرازي عن الجوانب التي وافق عليها المرشد، وهنا يتهرب خرازي من إجابة واضحة وهو ما يفسره السفير بأنه رغبة إيرانية في عدم الالتزام بأي شيء حتى تقدم المفاوضات فعليا وذلك لتخوف المرشد من الداخل الإيراني.  » استعداد إيراني للقيام ببيان يتضمن دعم حل سلمي في الشرق الأوسط يقبل بأي حل يقبله الفلسطينيون مع متابعة جدية للنقاش حول خريطة الطريق المقترحة من قبل الرباعية  » محتوى المبادرة الإيرانية تتكون وثيقة « خريطة الطريق » الموجودة في الصفحة الثانية من ثلاثة أجزاء: الأول بعنوان « الأهداف الأميركية » والثاني « الأهداف الإيرانية » والثالث « خطوات ». « الأهداف الأميركية » وتحتوي على أربع نقاط أولا-موضوع أسلحة الدمار الشامل: رفض أي توجه إيراني نحو امتلاك أسلحة دمار شامل، وضمان ذلك من خلال الانصياع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال الآليات الموجودة وأي صيغ بروتوكولية أخرى. ثانيا-موضوع الإرهاب: العمل الحاسم ضد أي إرهابي، وقبل كل شيء أعضاء القاعدة -بمن في ذلك الموجودون على الأراضي الإيرانية- بالإضافة للتعاون الكامل مع تبادل المعلومات بين الطرفين. ثالثا-موضوع العراق: التنسيق مع النفوذ الإيراني في اتجاه الدعم الفعال للاستقرار السياسي ومؤسسات ديمقراطية وحكومة ديمقراطية تمثل جميع الأطراف العرقية والدينية في العراق. رابعا-موضوع الشرق الأوسط: وهنا توجد ثلاث نقاط تفصيلية. بداية وقف أي دعم مادي من الأراضي الإيرانية لمجموعات المعارضة الفلسطينية (حماس والجهاد.. إلخ) والضغط عليها لمنع الأعمال العنيفة ضد المدنيين داخل أراضي سنة 1967. ثم العمل في اتجاه حزب الله ليتحول إلى منظمة سياسية واجتماعية فحسب داخل التراب اللبناني. وأخيرا القبول بالحل القائم على وجود دولتين فلسطينية وإسرائيلية. « الأهداف الإيرانية » وتحتوي على ست نقاط: أولا-توقف الولايات المتحدة عن القيام بأي مجهود للتدخل في إيران بهدف إحداث تغيير في النظام السياسي. ثانيا-إلغاء كل العقوبات بما في ذلك التجارية من جانب الولايات المتحدة، ومنع إيران من دخول منظمة التجارة العالمية. ثالثا-وهي نقطة خاصة بالعراق: مطالبة بملاحقة وطرد المعارضة الإيرانية المسلحة على الأراضي العراقية، ودعم المطالب الإيرانية بدفع تعويضات عراقية لإيران عن الحرب بين الطرفين، ورفض أي اجتياح تركي لشمال العراق، واحترام المصالح القومية الإيرانية في العراق (و هنا أستعمل المصطلحات الواردة في الوثيقة كما هي) والروابط الدينية مع النجف وكربلاء. رابعا-وهنا تتعرض الوثيقة لموضوع الحق في اكتساب التكنولوجية السلمية النووية وغيرها من المجالات المشابهة. خامسا-تتعرض الوثيقة لمسألة الإقرار بالمصالح الأمنية المشروعة لإيران في المنطقة، واعتبار ذلك محددا في القدرات العسكرية الإيرانية. سادسا وأخيرا-الإرهاب من منظور إيراني مواجهة المعارضة المسلحة الإيرانية وفروعها بما في ذلك داخل الولايات المتحدة. في الجزء الأخير المتعلق بـ « الخطوات » تشير الوثيقة إلى الصيغ اللوجستية التي يمكن من خلالها تنظيم الحوار بين الطرفين. وهنا يتم اقتراح ثلاثة أطر للحوار: أولا-التركيز على أربعة ملفات للتوصل لاتفاق حولها على أساس النقاط أعلاه، وهي موضوع العراق والإرهاب والصراع بالشرق الأوسط ودخول إيران منظمة التجارة العالمية. هنا يتم عموما تكرار نفس النقاط المذكورة أعلاه، في حين يتم التفصيل بشكل أكثر وضوحا في موضوع الشرق الأوسط حيث تتم الإشارة إلى استعداد إيراني للقيام ببيان يتضمن الآتي « دعم حل سلمي في الشرق الأوسط يقبل بأي حل يقبله الفلسطينيون وأن هناك متابعة جدية للنقاش حول خريطة الطريق المقترحة من قبل الرباعية ». ثانيا-تكوين ثلاث فرق عمل تهدف إلى وضع خرائط طرق لنزع التسلح والإرهاب والأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي. أخيرا-تتويج الإطارين الأخيرين من خلال الإعلان الرسمي على مستوى عال على نتائج الحوار. تعليق يبقى هنا أن أشير إلى ملاحظات أساسية في تقديم الوثيقة لم يتم التركيز عليها حتى في النقاشات التي بادر بها ليفريت. إذ من الضروري التأكيد على توقيت المبادرة الإيرانية التي تأتي في غمرة الإحساس الأميركي -وربما حتى الإيراني- بانتصار عسكري بالعراق في أبريل/نيسان 2003. وهي هكذا بالتأكيد معنية بظرفية خاصة، ولكنها في النهاية مبادرة توضح حدود مبدئية النظام الإيراني غير المنسجمة مع الصخب الشعاراتي. وهنا آتي إلى نقطة أخرى محورية في تقييم حاضر السياسة الإيرانية حيث وقعت هذه المبادرة خلال عهد الرئيس خاتمي، ويمكن أن يتوهم البعض أن قدوم الرئيس أحمدي نجاد بكل الزخم الإعلامي المردد لشعاراتية « الموت لأميركا » يعني التراجع عن وثيقة « خريطة الطريق » المعنية. وهذا تقييم غير دقيق لأنه من الواضح أن المبادرة ومعظم الوثيقة (بين 85% و90%) تحظى بتأييد « القائد المرشد » الذي هو المعني بشكل رئيسي بالقرارات الإستراتيجية بمعزل عن هوية رئيس الجمهورية. إن الدلالة الأساسية التي يمكن الانتهاء إليها على أساس محتوى المبادرة الإيرانية في هذه الوثيقة، هي أن المرشد يضع حدودا دنيا للتنازل وهي مصلحة النظام الإيراني بالتحديد في الأراضي الإيرانية، ومن ثمة هناك استعداد لتوظيف النفوذ الإيراني خارج الحدود في العراق ولبنان وفلسطين على أساس خدمة هدف بقاء النظام. وهكذا يصبح دعم المنظمات الفلسطينية واللبنانية ورقة للمبادلة مع وقف الدعم للمعارضة المسلحة الإيرانية. وفي نفس الإطار يصبح دعم مشروع الاحتلال الأميركي في العراق تحت عنوان « دعم الاستقرار السياسي » ورقة للمبادلة في نفس الاتجاه بالإضافة إلى الملفات القومية الإيرانية الأخرى بما في ذلك الملف النووي والدخول في منظمة التجارة العالمية. ولا أعتقد أن أيا من هذه المعطيات قد تغير الآن. طبعا يمكن أن يكون تضايق متكي وبقية المسؤولين الإيرانيين من العازفة المتبرجة جديا، ولكن لا يبدو ذلك في الحقيقة سوى مؤشر على تعثر الحوار المنشود مع إدارة أميركية لا ترغب في التوصل إلى اتفاق بقدر ما ترغب أحيانا في إيهام الداخل الأميركي برغبتها في الحوار مع الجميع كما هي الظرفية الراهنة. أما في حالة توصل الإيرانيين مع إدارة أخرى (الديمقراطية القادمة؟) على اتفاق ما، فلا أرجح أن يفسد حفل العشاء المرتقب بين الطرفين وصوره الدرامية الجماعية وجود بعض الموسيقيين « العراة ». (*) كاتب تونسي (المصدر: ركن « المعرفة » بموقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 10 ماي 2007)


 

نيكولا ساركوزي رئيساً

 
       توفيق المديني

وصل ماراثون الانتخابات الرئاسية الفرنسية المثير للجدل إلى نهايته المعروفة بفوز نيكولا ساركوزي، “مرشح بوش، وبرلسكوني، واثنار. . مرشح الثروات الكبيرة، وأرباب العمل” على حد قول منافسته المهزومة الاشتراكية سيغولين رويال. وشكل 6 مايو/ ايار قطيعة في تاريخ الانتخابات الفرنسية، إذ إن الفوز الكبير الذي حققه ساركوزي بنحو 53 في المائة من الأصوات، وهي النسبة نفسها تقريباً التي منحته إياها معظم استطلاعات الرأي، في مقابل 47 في المائة لمنافسته رويال، يقفل الدورة المفتوحة للدخول إلى قصر الإليزيه من قبل الرئيس الراحل فرانسوا ميتران في 10 مايو/ ايار 1981.

حصل ساركوزي مرشح التجمع من أجل الحركة الشعبية على أفضل نتيجة لمرشح يميني في مواجهة اليسار في ظل الجمهورية الخامسة، بعد الجنرال ديغول في سنة 1965 (52،2%)، وحسمت فرنسا هذا السباق إلى قصر الاليزيه، وتوَجت ساركوزي رئيساً سادساً للجمهورية الخامسة بعد معركة حامية مع الاشتراكية رويال. ولأول مرة منذ ثلاثين سنة، اليمين الخارج من السلطة يعزز وضعه عقب انتخابات ناقلة للسلطة الوطنية (انتخابات رئاسية أو تشريعية، باستثناء الانتخابات التي تجري في غمرة السباق إلى الإليزيه).

فرنسا تغيرت سياسياً في سنوات ،1981 ،1988،1986 ،1993 و1997 وفي سنة 2002. تارة تنتقل إلى اليسار، وتارة تنتقل إلى اليمين، وهكذا دواليك. و شكلت الانتخابات الرئاسية في سنة 1995 الاستثناء في قانون التعاقب المنتظم هذا. وإذا كان مرشح التجمع من أجل الحركة الشعبية نجح في تجسيد التغيير، في قطيعة مع الإرث الشيراكي، فإن المغزى السياسي لنجاحه هو مختلف تماماً، لا لأن اليمين ظل في السلطة فقط، بل لأنه نجح في تجسيد توجه يميني أكثر من أي وقت سبق.

ويشكل 6 مايو/ ايار 2007 بكل المقاييس اليوم الأول في العهد الجديد: عهد فرنسا من دون الرئيس جاك شيراك، بوصفه آخر ممثل لجيل كامل من الشخصيات العامة التي ظلت في السلطة ما يقارب الأربعين سنة، وآخر ممثل لنهاية عصر الديغولية في فرنسا، بعد ثمانٍ وثلاثين سنة من ترك الجنرال شارل ديغول بطل تحرير فرنسا من قبضة النازية الهتلرية، ورئيس حكومتها المؤقتة، ومؤسس جمهوريتها الخامسة السلطة في 28 أبريل/ نيسان 1969. رئيس الدولة الجديد لفرنسا يبلغ من العمر 52 سنة، وقد ولد بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وهو يصغر الرئيس شيراك بنحو خمس وعشرين سنة، أو قبله الرئيس الراحل فرانسوا ميتران. الرئيس المنتخب ساركوزي، وصل إلى قمة هرم الدولة الفرنسية، قادماً من هنغاريا، من أب أرستقراطي هو بال ساركوزي، أما جده من ناحية الأم، فهو الدكتور بينيديكت ماالله، يهودي سافاردي، مهاجرمن سالونيك. وإذا كان العرف المتعارف عليه في فرنسا يقضي أن يكون رجالات الدولة الفرنسية متخرجين جميعهم من المدرسة القومية للإدارة، فإن ساركوزي يشكل استثناء في ذلك.

ماذا سيفعل ساركوزي؟ المحللون الفرنسيون يقولون إنه سيعيد لليمين كرامته المفقودة. منذ عهد فيشي المتعاون مع الاحتلال النازي، ظل اليمين صورة عن وعيه البائس. يأسف، يتستر، ويخجل من نفسه. و كان كذلك دائماً. فالذكاء السياسي كان دائماً إلى جانب اليسار، والأمر عينه للوعي الجيد. الرئيس الراحل ميتران الذي جسد أيقونة الاشتراكية من دون أن يكون متحدرا من عائلة اشتراكية،كان يمارس سياسة يمينية في ظل الحصانة من العقاب: إنه يمتلك القدرة على ذلك، لأنه من اليسار.

الرئيس شيراك المنتخب من اليمين، كان يمارس في الخفاء سياسة راديكالية  اشتراكية أكثرمنها ديغولية. أما ساركوزي، فهو يعلن عن نفسه أنه يميني وبكل جرأة واستفزاز. فهو ينتهج خطاً راديكالياً ضد اليسار، وبشكل خاص ضد ذكاء اليسار، الذي ما انفك يتهمه بالفاشية والتوتاليتارية. بل إن كوهين بنديت أحد قياديي ثورة مايو ،1968 ذهب إلى أبعد من ذلك حين اتهم ساركوزي أنه “بلشفي”.

ومنذ قيام الجمهورية الخامسة على يد الجنرال ديغول لم تعرف فرنسا، هذا البلد العريق، منارة الحرية وحقوق الانسان في العالم كله، رئيساً يصف بعض مواطنيه بالحثالة، أو يهاجم متظاهري مايو/ ايار 1968 الذين شكلت حركتهم نقطة تحول في مسار النشاط الطلابي والثقافي، لافي فرنسا وحدها، والذين خضع الجنرال ديغول أمام إرادة تحركهم وانسحب من الرئاسة من دون أن يطلق كلمة انتقاد واحدة بحقهم. لم تعرف فرنسا ولا أي بلد يسمي نفسه ديمقراطياً رئيساً يعتبر من شروط المواطنة “أن تحبه او تغادره”. كما لم تعرف فرنسا رئيساً لا يمنعه “تواضعه” من مقارنة نفسه بالملك لويس الرابع عشر ونابليون بونابرت، فضلاً عن الجنرال ديغول نفسه! حتى فرنسوا ميتران، ذلك المثقف الراقي ورجل الدولة الحكيم لم يجرؤ على مثل هذه المقارنات.

ساركوزي يريد أن يلعب دور غرامشي، ولكن هذه المرة لمصلحة اليمين. فهو يعتقد أن القيم والأفكار هما اللتان تحركان الأمور. ولديه فكرتان، فيما يتعلق بالأفكار. الأولى أن اليمين ضعيف لأنه منقسم، فهو يموت بسبب انقساماته. ولقد كان اليمين منقسما بين بومبيدو وألان بوهير. وكان منقسماً أيضاً، في مواجهة ميتران، وازداد انقساماً بين الرئيسين فاليري جيسكار ديستان وجاك شيراك، وعمقت أربع عشرة سنة من الاشتراكية هذا الانقسام. وهاهو اليوم، اليمين منقسم بين شيراك وساركوزي نفسه، وحول شيراك، بين دومينيك دوفيلبان ونفسه. أما العلاقات مع الرئيس شيراك، ودوفيلبان، فهي سيئة جدا، ومع ذلك، قاتل ساركوزي لكي يفرض نفسه مرشحاً لليمين الديغولي، ويوحد خلفه يمينا متصالحا مع نفسه. والمفاجأة التي أتت بها هذه الانتخابات الرئاسية هي تصالح اليمين مع نفسه.

الفكرة الثانية، مرتبطة بالأولى، وهي أن وحدة ونجاح أكثرية يمينية في فرنسا كانتا مهددتين من قبل انشقاق اليمين المتطرف بقيادة جان ماري لوبان، منذ أكثر من عشرين سنة. وخلال أربع عشرة سنة من الولاية الاشتراكية، وما أبعد من هذه الولاية، كان لوبان الورقة الرابحة لفرانسوا ميتران ولليسار، إذ حصل على ما يقارب 20% من أصوات الناخبين. اليميني الأول والوحيد الذي استطاع أن يجفف ينابيع الجبهة الوطنية بزعامة لوبان، وينجح في إخضاع عودة الناخبين المتطرفين إلى بيت الطاعة: اليمين الجمهوري، هو نيكولا ساركوزي.

ماذا فعل؟ لقد اتبع الأسلوب عينه الذي طبقه ميتران مع الحزب الشيوعي الفرنسي، حين قضى عليه. ولم يتهم أحد ميتران أنه شيوعي بحجة تحالفه مع الحزب الشيوعي، أو حين أدخل إلى حكومته وزراء شيوعيين. وإذا كان ميتران عانق الحزب الشيوعي ليخنقه بطريقة أفضل، فإن ساركوزي لم يتحالف مع لوبان، ولكنه تبنى بعض أطروحاته، فنجح في كسب أصوات اليمين المتطرف، وبالتالي في خنقه.

 
(المصدر: صحيفة الخليج رأي ودراسات بتاريخ 10 ماي 2007)


 
مبروك لساركوزي!
La France a enfin des couilles
 
بقلم: المدون التونسي الساخر Trap Boy أنا في العادة مانيش مهتم بصفة خاصة بالسياسة في فرنسا، بصراحة يكفيني نعاني كل يوم في البيروقراطية اللي ورثناها عليهم من عهد الإستعمار. الفرنسيس كيما العالم الكل يعرف، عندهم برشة حديث وكلام ونظريات بالبالة، أما في الفعل يوحلو، ويقعدو يحكيو ويتناقشو في الحلول ميتين سنة، حتى كيف يتفاهمو على حل باهي، يبدى فات عليه الفوت وما عادش يصلح، أما مادام التوانسة الكل عندها ما تحكي في الموضوع والحكاية ولاّت تهمّنا بالسيف، مافيها باس نعطي رأيي مع العرب، وهانا نحكيو على كل حال، ما هوش بالفلوس ساركوزي ربح، والحكاية هاذي كنت متأكد منها قبل حتى ما يشد وزير المالية ومن بعدها الداخلية، موش على خاطرو هو جن ياسر وطيارة ياسر، أما على خاطرو أحسن ما فمّا على الساحة في الوقت الحاضر، هذا شيء يدلّ على الميزيريا الفكرية والسياسية اللي ضربت الفرنسيس: من بعد ما جابو « فولتار » و »مونيسكيو » و »روسو »، عجزو باش يجيبو واحد يصلح يشد رئاسة الجمهورية متاعهم، يحرزلهم الهجرة جابتلهم واحد كيما ساركوزي، كيما جابتلهم ملاعبية كرة القدم متاع الفريق الوطني اللّي ولاّ تقولش عليه إجتماع في الأمم المتحدة. على كل حال، ساركوزي في الإنتخابات هاذي ما كان ينجم كان يربح. بالله جايبين وحدة ما جات شيء كيما هاك سيقولان رويال، عامين لتالي كانت تبيع في الحمص في المرشي سونترال ويحبوها تربح؟ المرا مسكينة أمورها تاعبة، داخلتها بالحسنى تقول تحز في عركة وباش ترضّي العباد الكلّ وتحلّ المشاكل الكلّ بتوسيع البال والصلاة عالنبي، توة هاذا حديث؟ فرانسا حسب رأيي سعدها ماشي ويتكب، والإنتخابات هاذي كانت آخر فرصة باش يفيقو على رواحهم وياخذو مواقف واضحة من المشاكل اللّي يعانيو فيها من سنين. العالم قاعد يتبدل، والصين من غادي تخدّم في المرابيط متاع الحبوسات والفروخ الصغار، أعطيها بركة تبيع سلعتها بأرخص سوم في أسواق العالم، والفرنسيس قالك ما نحبوش نخدمو أكثر من 35 ساعة في الجمعة، وما نحبوش شكون يطردنا كيف نخدمو خدمة كيف وجوهنا، وكي ما نخدموش تخلصونا وتلوجولنا على خدمة، ما كانش رانا نولّيو « فاشي » ونهزو خشوماتنا، ويمكن حتى ننتحرو، ووقتها تخلّصونا على حادث شغل، وغيرو من الدلال والريق البارد اللي تعرفوه واللي تعلمناه عليهم، أما نحنا عاد حكاية أخرى، الفقر والهيجة آه ، نسيت، نحنا… ماهو نحنا زادة داخلين في البيعة متاع ساركوزي، كيفاش ما ندخلوش؟ اللّي يقرا المدونات متاعنا في هالمدة متاع إنتخابات فرانسا يقول سيقولان باش تربح عالأقل بـ99 بالمئة من الأصوات، أما خسارة، الجماعة اللي جاو ضد ساركو أكثرهم ما عندهمش صفة الناخب وحق التصويت. أنا شخصيا كان جيت فرانساوي ما نصوت كان لساركوزي، الراجل محراث متاع خدمة وفين يشدّ بلاصة يعمل فيها إضافة والأهم هو أنو عندو الشجاعة، على عكس السياسيين الفرنسيس المعروفين، باش يمشي لجوهر المشاكل وما يقعدش يلف ويدور في الفارغ ويعمل في الحلول الترقيعيـّة (على فكرة، بالله اللّي في يدو جعبة « دونتيفريس » وإلاّ حتى قلب صابون يعطيه لتركيا خلّيها تمضمض بيه على الإتحاد الأوروبي) الحدث اللّي شدّ إنتباهي أكثر من الإنتخابات اللي كي تجي تشوف ما تعنينيش، هو أنها بعد ما طلعت النتائج متاع الإنتخابات، الحثالة، -أو كيما يقول صديقي ساركو: « لاراكايي »- اللي نصدّرو فيها للعالم خرجت للشارع تكسر في الدنيا وتحرق في الكراهب، علاش؟ على خاطر الفرنسيس إختارو رئيسهم بصفة ديموقراطية وبنسبة مشاركة تاريخية (85 بالمئة) وبفارق واضح على المنافسة متاعو… بجاه ربي فهموني؟ ياخي بالسيف هو الشيئ؟ فرانسا خلـّفتكم ونساتكم؟ ياخي في بلدانكم تعملو هكّا؟ تتبوربو على الحاكم؟ تحتجّو على نتائج الإنتخابات الـ »ديموقراطية »؟ بصراحة، مع كل إحترامي للمهاجرين المحترمين، أنا ماعادش إنّجم نلوم على ساركوزي، الله غالب يا نيكولا ياخويا، ما عرفناش نربّيوهم، فروخ أولاد حرام، يهبطو علينا في الصيف كيف الجراد، البلاد يخمّجوها ويزيدوها إجرام على إجرام وحوادث طرقات وخمج على خمج، بجاه والديك يا ساركو، كان ناوي تتخلّص منهم لا تبعثهملنا لهنا، أهوكا وصّلهم لحدود إيطاليا وسيّبهم خلّي يتبوربو على المافيا والكامورا، وإلاّ طيّش العزى في البحر، آشكون لوّج عليهم؟ نحنا رانا واحلين في كحّة وماناش ناقصين. ياخويا إخدم على روحك وربي يعينك، بلادك وإنتي حر فيها،أما إبكي على همنا نحنا وبرّة، كيف بول الجمل، ديما لتالي (المصدر: مدونة Extravaganza الساخرة (تونس) بتاريخ 7 ماي 2007) الرابط: http://trapboy.blogspot.com/

 


بنوك إسلامية بالمغرب.. حلم يتحقق

 
محمد أفزاز (*) بعد نضال طويل دام زهاء 20 سنة، يتوقع أن يشهد المغرب خلال شهر مايو 2007 الانطلاقة الفعلية للعمل بالمنتجات البنكية الإسلامية البديلة. فقد أعلن والي البنك المركزي المغربي عبد اللطيف الجواهري في يناير 2007 عن قرب العمل بثلاثة منتجات بنكية بديلة وفق الشريعة الإسلامية، وتتعامل من خلال الإيجار والمشاركة والمرابحة. حسب الدكتور محمد نجيب بوليف خبير الاقتصاد الإسلامي كان الضوء الأخضر قد أعطي بشكل شفوي لإحدى المؤسسات البنكية ذائعة الصيت لاعتماد هذه البدائل التمويلية للبنوك الإسلامية خلال الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي. لكن الفكرة أجهضت في آخر مراحل المصادقة عليها من قبل البنك المركزي للمغرب، نتيجة ضغط « لوبيات » مغربية لم ترغب في هذه البدائل؛ لأن ذلك يشكل برأيها تهديدًا لمصالحها. خاصة أن المغرب دخل وقتها ما سُمّي ببرنامج خصخصة منشآته العمومية، وهو المسلسل الذي كانت تتطلع البنوك التقليدية إلى أن تكون طرفًا رئيسيًّا فيه؛ لتنعم بخيراته بعيدًا عن قلاقل المواطنين، حيث إن البنوك الإسلامية في حال إحداثها في رأي بوليف كانت ستجعل المواطنين يدخلون حلبة المنافسة بحكم رؤية تلك البنوك التشاركية. إلا أن عامي  2005و2006 شهدا ضغطًا كبيرًا على الحكومة المغربية على المستوى الداخلي، كما حدث عقب تشديد الخناق من قبل التيارات الإسلامية والجمعيات والمواطنين، وعلى المستوى الخارجي خاصة من قبل المستثمرين الخليجيين الذين تحدوهم رغبة في استثمار أموالهم وفق الشريعة الإسلامية بعدما فروا بها من جحيم تداعيات الحرب على ما سُمّي بالإرهاب. خطوة مرحلية ومع إقرار والي البنك المركزي لمنتجات مالية إسلامية اختلفت الآراء تجاه هذه المبادرة فيؤكد الدكتور عمر الكتاني خبير في الاقتصاد الإسلامي رئيس الجمعية المغربية للبحث في الاقتصاد الإسلامي، أن هناك رأيًا يذهب إلى كون هذه المبادرة جاءت لتلبية احتياجات شريحة كبيرة من الزبائن المغاربة في التعامل مع البنوك بطريقة شرعية سعيًا لتأسيس مؤسسات مالية إسلامية. فيما الاتجاه الآخر يرى أن إدخال مثل هذه المنتجات ضمن منظومة البنوك الربوية بمثابة نوع من التناقض، وهو ما يتماشى مع الموقف الذي يقول إن أي تعامل مع البنوك الربوية بأية صيغة كانت، هو دعم لها ولربحيتها في آخر المطاف. ويتساءل الكتاني في ضوء ذلك كيف يمكن التمييز من الناحية المحاسباتية بين المعاملات الإسلامية والمعاملات الربوية، وهل هناك ضمانات قوية للنزاهة والشفافية. غير أن الكتاني أعلن عن موقف إيجابي بقوله: « إذا كنا واقعيين فإن هذه الخطوة هي مرحلة مفيدة، خاصة على مستوى كسر الحاجز النفسي لدى المسئولين بالبنوك الذين يصدرون ردود فعل ضد أي تعامل مبدئي مع المنتجات البنكية الإسلامية »، وأضاف: « إنها خطوة ستسمح بنوع من الاستئناس؛ فهي بذلك ستضطلع بدور تربوي ومعنوي دون أن نركز الاهتمام بالضرورة على نتائجها المالية والاقتصادية ». ويعتبر رجل الأعمال الكبير ميلود الشعبي تلك المبادرة « خطوة نحو مطلب تأسيس البنوك الإسلامية التي لن نتنازل عنها أبدًا »؛ « فكل منتج يحتاج إلى مراحل » كما يؤكد الدكتور نجيب بوليف غير أن ذلك يستلزم برأيه ضرورة إدخال تعديل على القانون البنكي المغربي؛ وهو ما لن يتأتى إلا من خلال أغلبية برلمانية مقتنعة بجدوى هذا الأمر. وتمنى الدكتور عمر الكتاني أن تفتح هذه المبادرة الطريق أمام تأسيس بنوك إسلامية، لا سيما أن دخول اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية ستضع البلاد أمام تحدّ خطير يتعلق بإمكانية فتح بنوك أمريكية تتعامل بطريقة إسلامية، وأوصى في سياق ذلك أن يأخذ المغرب السبق في هذا الإطار قبل أن يكون مرغمًا على ذلك بناء على مضمون الاتفاقية، مشيرًا إلى أن جمعيته ناضلت منذ أكثر من 15 سنة لإقامة البنوك الإسلامية، لكن تكلس موقف وزارة المالية حال دون ذلك، وهو الموقف الذي لم يجد له الدكتور الكتاني أي مبرر أخلاقي أو حضاري أو منطقي. خلخلة النظام القائم وإذا كانت شهية الإسلاميين والمحافظين لا تزال مفتوحة على مكاسب جديدة فإن موقف والي بنك المغرب كان واضحًا في هذا المقام؛ إذ قال في أحد تصريحاته بشهر فبراير 2007 إن رفض طلبات البنوك الإسلامية وعددها سبعة نابع من الرغبة في عدم خلخلة النظام البنكي القائم، كما أن التوجه العالمي يستقر حول فتح نوافذ بالبنوك القائمة بحيث يختار المواطن الخيار الذي يناسبه. وفي تعليق له على ما قاله والي بنك المغرب أوضح الدكتور بوليف أن البنوك الإسلامية ستخلخل بالفعل النظام البنكي، لكن في الاتجاه الإيجابي الذي سيسمح بتكريس نوع من التكامل بين المؤسسات البنكية القائمة التي تضطلع بدور الوساطة ومنح القروض -ليس إلا- وبين المؤسسات البنكية الإسلامية التي تقوم على مبدأ المشاركة، وهو ما سيحتاج إلى سنتين أو ثلاث سنوات لتحقيقه. الآثار الاقتصادية يقول الدكتور بوليف إنه من الناحية الاقتصادية والتنموية فإن مبادرة إدخال المنتجات البنكية الإسلامية سيسهم في جذب زهاء 30 مليار درهم (3 مليارات دولار) بمثابة رؤوس أموال كان من المفترض أن تدخل الدورة الاقتصادية لو كانت هناك بدائل إسلامية حقيقية؛ وهو ما يوازي 6% من الناتج القومي. هذه الفوائض المالية ستمسح -بحسب الدكتور بوليف- بالرفع من نسبة الادخار الوطني ونسبة الاستثمار العمومي ما بين 2 – 3%، ومن ثَم معدل النمو الاقتصادي بما يقارب 1.5%، بالإضافة إلى بعث ثقة كبيرة في النظام البنكي، ذلك أن نسبة ولوج الزبائن إلى البنوك سترتفع إلى 33%، مقابل 25% في الوضع الراهن. وستخلق هذه المنتجات رواجًا اقتصاديًّا كبيرًا، خاصة فيما يتعلق بالتجارة المتوسطة والتي ستكون كما يؤكد الدكتور بوليف أول القطاعات التي ستستفيد من التدفقات المالية التي ستوفرها المنتجات البنكية الإسلامية، بالإضافة إلى قطاع البناء والسكن والعقارات. أما المقاولات الكبرى فقد استبعد أن تستفيد من هذه المنتجات على الأقل في الوقت الراهن؛ لأن فلسفة التمويل لديها تقوم على الضمانات، ومن ثَم فهي ليست لها مشاكل على مستوى الاقتراض، خاصة مع هبوط نسبة الفوائد المترتبة عن القروض ما بين 6 – 7%. ويبرز ميلود الشعبي رئيس هولندينغ « إينا » أن البنوك الإسلامية لن تحرم البنوك العادية ولن تزاحمها في السيولة، ذلك أن عشرات الملايين من الدولارات لا تزال مدخرة في بيوت ومنازل المواطنين الذين لا يرغبون في التعامل مع البنوك العادية، فضلاً عن أن 90% من التجار الصغار (حوانيت ودكاكين المتوسطة) لا يتعاملون هم أيضًا مع هذه البنوك. ويزيد الشعبي بالقول عندما اقترحنا مشروع البنوك الإسلامية كنا نؤكد أنها لن تأخذ من ودائع البنوك العادية، بل إنها ستضيف ودائع جديدة، ثم يضيف قائلاً: « أعتقد أنه عندما ستتذوق هذه البنوك حلاوة المنتجات الجديدة فستقوم هي بإرادتها الذاتية بتوسيع نطاقها، كما حصل في العديد من البلدان وإن لم تكن إسلامية ». شروط وضمانات ويؤكد الدكتور بوليف على أن هناك شروطًا لإنجاح تجربة البدائل الإسلامية؛ فهي تحتاج إلى العناية بتكوين العاملين بالبنوك، خاصة ما تعلق منه بالجانب الشرعي وإعداد الكوادر ذات الكفاءة في المجال، بالإضافة إلى أهمية ربطها بمشروعات كبيرة ذات ربحية مرتفعة وليس فقط بالمشروعات الصغيرة. ويقول الدكتور محمد رضا المحلل الاقتصادي والإطار المالي بالمغرب إنه على المستوى القانوني والتشريع لم يقع أي تعديل في النظام البنكي القائم؛ لأن هذا الأخير يستوعب العمل بالمنتجات البنكية البديلة. ويوضح محمد رضا أن الحديث عن إمكانية إحداث نظام بنكي جديد أمر مستبعد جدًّا؛ لأن المطالبة بالبنوك الإسلامية تنقلنا من الحديث عن مطالب وحاجات فردية ومجتمعية إلى مطالب سياسية لتيارات تحكمها أيديولوجية، وهي مطالب في آخر المطاف تظل مشروعة لكنها محفوفة بالعديد من الإكراهات. ولئن كانت مطالب تأسيس البنوك الإسلامية مشروعة في رأيه إلا أن للفوز برهان تأسيسها يفترض على أصحابها أن يكونوا أكثر واقعية وأن يتجاوزوا المثالية. فالبنوك الإسلامية بأي حال من الأحوال لن تكون بديلة لما هو معمول به الآن؛ لأنها تظل غير قادرة على تلبية كل احتياجات السوق المالية والاقتصادية، خاصة ما تعلق منها بتجارة النقود؛ لذلك كلما كانت خطوات من أجل توسيع نظام النظام البنكي القائم كان ذلك إيجابيًّا. وختامًا يمكن القول إن المغرب التحق بركب الدول التي تسمح بالتوظيفات المالية الإسلامية، وفتح صدره بعد ضيق طال أمده، وعين شريحة واسعة من المواطنين تنظر إلى ذلك اليوم الذي يشرق فيه صباح البنوك الإسلامية. (*) صحفي مغربي مهتم بالشأن الاقتصادي (المصدر: موقع « إسلام أونلاين.نت » (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 8 ماي 2007)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.