الخميس، 1 مارس 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2474 du 01.03.2007

 archives : www.tunisnews.net


عائلات ضحايا قانون مكافحة الإرهاب: نــداء الرابطة التونسية للدفـاع عن حقوق الإنسان:بيــان – عامان على سجن الأستاذ محمد عبو الحوار.نت: ملف خاص بمناسبة الذكرى الثانية لإعتقال  الأستاذ المحامي محمد عبو المختار اليحياوي: تحية إلى محمد عبو بمناسبة انقضاء السنة الثانية على اعتقاله – أموت مرتين حـزب  » تونـس الخضــراء « : الذكرى الأولى للسطو على حزب  » تونس الخضراء  » نورالدين الخميري: وصلتنا أخبار مؤكّدة من سجن المرناقيّة رويترز: تونس تحبط تهريب 250 كيلوجراما من المخدرات د. محمد قديش: تجارة الأعضاء في تونس: لصالح من تروج هذه الادّعاءات؟ القدس العربي: سفير فرنسا بتونس: لن نغيّر سياستنا تجاه الضفة الجنوبية للمتوسط محمد الصادق عدلي: الإسلام بتونس في ظلّ حُكم الرئيس زين العابدين بن علي مراد حجي: الوضع الاجتماعي و آفاق التشغيل: بدون اقتصاد متين وحكم رشيد ليس هناك حل للبطالة صـــابر:تونس..عندما يتحول  » بوليس  » إلى إمبراطور فى جمهورية !!!؟ المختار الطريفي: توضيـــح فتحي الرّحماني: ثقافة الخوف سلاح سياسيّ لفرض الطاعة واستئصال الجرأة محمد الحمروني : أقسام الاستعجالي بين نقص التجهيزات وتهاون الإطار مصباح بالرايس: جرجيس: وزير التربية يحضر حصة تسييس خطرة للمدرسة د. منصف المرزوقي: إشكاليات بلورة » الإنسان الحرام  » في ثقافتنا عبدالباقي خليفة: 200 ألف ضحية من مسلمي البوسنة ثمنا لاستقلال كوسوفا في شرعة تجار البشر وقانون الغاب د. خــالد الطــراولي: الطــائفية والحلول المنقوصة… جمال الدين أحمد  الفرحاوي:شعر:ابجدية الغرباء عبد الكريم وشاشا: قراءة كتاب عبد الوهاب بوحديبة: الاسلام والجنس ــ الجنسانية ( 1 من2)


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


عائلات ضحايا قانون مكافحة الإرهاب
نــداء
 
نحن عائلات ضحايا قانون مكافحة الإرهاب الذين سيعرضون على المحكمة الابتدائية بتونس يوم 3 مارس 2007، نرفع إلى جميع المنظمات الحقوقية المستقلة في تونس وفي العالم نداء من أجل الوقوف إلى جانبنا ومراقبة محاكمة أبنائنا الذين يمرّون بمظلمة كبرى من تعذيب خضعوا له في وزارة الداخلية وتنكيل بهم في السجون وظلم كبير لهم من طرف القضاء. نطلب من كل المدافعين عن حقوق الإنسان متابعة هذه القضيّة والوقوف على حقيقة التهم الباطلة الملفّقة لأبنائنا ومساندتهم بكلّ الوسائل لإنقاذهم من هذه الورطة التي حيكت لهم. تونس في 1 مارس 2007
 

الرابطــة التونسيــة للدفــاع عن حقــوق الإنســـان تونس في 01 مارس 2007

بيــــــــان عامان على سجن الأستاذ محمد عبو

 
مضت سنتان كاملتان على سجن الأستاذ محمد عبو، ففي غرة مارس 2005 تمّ اختطاف الأستاذ عبو في الطريق العام وثم محاكمته بطريقة لم يحترم فيها الحدّ الأدنى لمعايير المحاكمة العادلة وتمّ منع المحامين من الترافع ونقل الأستاذ عبو إلى سجن الكاف في حين أنه كان من المفروض أن يبقى بسجن تابع لدائرة المحكمة المتعهدة بالقضية وهي محكمة تونس، وبمناسبة تلك القضية تمّ الإعتداء على عميد المحامين وعلى عدد هام من زملائه. وقد تم كل ذلك اثر  نشر الأستاذ عبو مقالات على شبكة الإنترنت، ومنذ ذلك التاريخ تشهد ظروف سجن الأستاذ عبو تدهورا مستمرا وتواجه زوجته وأبناؤه وأفراد عائلته مصاعب جمّة لزيارته وتحرم زوجته السيدة سامية عبو و أبنائها من الحق في الزياره دون حواجز وقد تمّ الإعتداء عليها عديد المرات  . وتواصل السلطة تجاهل كل المطالبات الصادرة عن الجمعيات والمنظمات والأحزاب التونسية وكذلك الجمعيات والمنظمات الدولية لاطلاق سراح الأستاذ عبو، وتواصل إبقاءه بسجن الكاف بعيدا عن عائلته مما يحمل هذه الأخيرة وخاصة زوجته مصاعب التنقل لتلك المدينة. وتعبرالهيئـة المديـرة عن تضامنها الكامل مع الأستاذ عبو وعائلته و تطالب مجددا وبإلحاح بإطلاق سراحه وإنهاء معاناة عائلته واحترام حقه وحقها في الحياة الآمنة وبدون مضايقات.وتدعو المنظمات والهيئات والجمعيات والأحزاب والشخصيات الوطنية إلى تكثيف مساندتها للأستاذ عبو والعمل بكل الوسائل على إطلاق سراحه في أقرب الآجال. عن الهيئــة المديــرة الرئيـــس  المختــار الطريفـــي

بسم الله  الرحمن الرحيم

ملف خاص بمناسبة الذكرى الثانية لإعتقال  الأستاذ المحامي  محمد عبو أحد فرسان الكلمة في تونس الشهيدة الفاتح من مارس 2005 – الفاتح من مارس 2007

ملف من جمع وإعداد : الحوار.نت ـ ( الهادي بريك ـ ألمانيا ).
محتويات الملف :
1 ــ من هو الأستاذ المحامي محمد عبو ؟ 2 ــ كلمات عبو : عبوات ناسفة تهدد عروش الفساد في تونس. 3 ــ محاكمة فارس الكلمة عبو : مسرحية رديئة التأليف سيئة الإخراج بحسب أهل الإختصاص. 4 ــ مقال بعنوان :  » تونس الشهيدة لعنة تلاحق أعداء الحرية ودوحة تظل فرسان الكرامة « . 5 ــ حوار صحفي مع الأستاذ العياشي الهمامي رئيس لجنة الدفاع عن الأستاذ عبو. 6 ــ حوار صحفي مع الأستاذة سعيدة العكرمي الكاتبة العامة للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين في تونس.   من هو الأستاذ محمد عبـــو ؟
ــ محامي لدى المحاكم التونسية. ــ متزوج وأب لثلاثة أولاد. ــ عضو سابق بالهيئة الإدارية لجمعية المحامين الشبان. ــ عضو سابق في المكتب التنفيذي لمركز تونس لإستقلال القضاء والمحاماة. ــ عضو مؤسس بالجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين بتونس. ــ عضوالهيئة الوطنية للحريات بتونس. ــ عضو قيادي بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.  
 
 كلمات عبو : عبوات ناسفة تهدد عروش الفساد في تونس. المقال الذي بسببه حوكم الأستاذ عبو.
تونس في 28 فيفري2005 . محمد عبو.

بن علي ـ شاورن

 

دعت الحكومة التونسية رئيس وزراء الكيان الصهيوني أرييل شارون الى تونس لحضور ندوة دولية حول تكنولوجيا المعلومات في نوفمبر المقبل وهو ما سيوفر فرصة تاريخة للقاء تاريخي بين صانع صبرا وشاتيلا وصانع التغيير فالرجلان تجمع بينهما عديد الصفات فكلاهما عسكري وكلاهما خبير في قمع الإنتفاضات بالإضافة لكون كلاهما قد إبتلي بتورط عائلته في جرائم فساد مالي زد على ذلك أنهما في بحث متواصل عن الدعم الدولي.
ويعتبر لقاء الرجلين المرتقب ـ إن حصل ـ لقاء مهما جدا سيعبر به الرئيس بن علي عن كونه فعلا رجل سلام في الشرق الأوسط وعن كون فلسطين هي قضيته الشخصية وربما الأولى ولا أدل على ذلك من كونه طبع مع  » إسرائل  » حتى قبل التطبيع مع شعبه الذي يحكمه مند أكثر من 17 سنة بالترهيب .  ولا شك أن هذه الزيارة المرتقبة ستكون مقدمة للتعاون بين البلدين وتبادل الخبرات من الجانبين فيمكن  » لإسرائل  » مثلا أن ترسل لنا خبراء فلاحيين مساعدة لنا على تحقيق الإكتفاء الذاتي الفلاحي.
أما تونس فيمكنها أن ترسل بعض قضاتنا الأفاضل للمساهمة في وضع حد لحالة التسيب في النظام القضائي  » الإسرائيلي  » فقضاتهم يبرؤون من حين لآخر بعض الفلسطينيين ويصدرون أحكاما خفيفة على من لم يثبت عليه إعتداء على الأشخاص على عكس قضاتنا الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم والذين لم يتسامحوا حتى مع أبناء بلدهم الذين خططوا للسفر لمساعدة المقاومة الفلسطينية وأصدروا أحكاما بلغت بالنسبة للبعض 15 سنة سجنا.
كما أن تونس يمكنها أن تسدي خدمة لشارون بإنقاذ إبنه من التتبعات العدلية التي يخضع لها لو قبلت  » إسرائيل  » أحد قضاة النيابة العمومية لدينا ليشغل منصب مدع عام لديها إذ يمكن ساعتها غلق ملفه بدعوى أنه طرابلسي أو أنه تابع لإدارة أمن الدولة أو لمركز شرطة قلعة العطش وبالإضافة لذلك فإنه يمكن تبادل الخبرات في التعذيب : نعلمهم مفاحشة الموقوفين والموقوفات ويعلمون رجال أمننا تقنية إستعمال الحجارة لكسر الأيادي .
نحن شعب لا يستحي فلرئيسنا أن يفعل ما يشاء ولا سيما إذا كان موقفه الأخير قد يجعل بعض الأوساط في الغرب ترضى عنه وما دمنا لا نستحي فلماذا لا نخوض ضده حملة في الغرب لإقناعهم بأنه قد تجاوز كل الخطوط الحمراء وانه غرس الحقد في النفوس لدرجة تهدد بالإنفجار.  
 

محاكمة عبو : مسرحية رديئة التأليف سيئة الإخراج

 بحسب أهل الإختصاص القضائي

ــ إعتقل الأستاذ عبو يوم الفاتح من مارس 05. ــ أحيل على قاضي التحقيق يوم 2 مارس : تعرض يومها عشرات المحامين الذين جاؤوا يدافعون عن زميلهم إلى التعنيف الشديد ومنهم نقيبهم الأستاذ عبد الستار بن موسى. ــ نظمت يوم 4 مارس محاولات تظاهر شعبية إحتجاجا على دعوة شارون : ووجهت بقمع شديد. ــ تعرضت الأستاذة راضية النصراوي يومها لجروح بليغة في وجهها من قبل البوليس. ــ يوم 9 مارس : هيئة المحامين تنظم إضرابا عاما ناجحا. ــ منذ الخامس من أبريل يعتصم بشكل دائم جمع من المحامين بدار المحامي التابعة لنقابتهم. ــ أوقف عبو في سجن العاصمة ثم نقل إلى الكاف يوم 4 مارس فتحرك المحامون بقوة. ــ تفصيا من تهمة التطبيع لجأت عصابة الفساد في تونس إلى حيلة ماكرة : محاكمة الأستاذ عبو بمقتضى نشره لمقال بعنوان :  » أبو غريب العراق وأبو غرائب تونس  » يوم 26 آب 04. ــ بين المحامون أنها مسرحية رديئة بسبب أن مدة التقادم في قضايا النشر هي ثلاثة أشهر. ــ جلب الأستاذ عبو لأول جلسة يوم 28 أبريل وتقدم للدفاع عنه أكثر من 850 محام. ــ حضر الجلسة مراقبون أجانب منهم : ( جان هوفديك وهو محامي هولندي ـ توماس براون وهو محامي بلجيكي ـ بريجيت أزيما و أرونتيه لوفرا دي هيلين وهما محاميتان فرنسيتان ـ ساره ليه وتسون مبعوثة عن أكبر منظمتين حقوقيتين في العالم أي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش ـ ممثلون عن سفارة فرنسا والمجموعة الأروربية وسفارة ألمانيا وسفارة كندا وسفارة الولايات المتحدة وسفارة سويسرا). ــ حكم على الأستاذ عبو بثلاث سنوات ونصف سجنا نافذا. ــ سجل أهل الإختصاص القضائي خروقات شنيعة في محاكمة عبو منها العبث بإستقلال القضاء ومنع المحامين من الإدلاء بمرافعاتهم فضلا عن تعنيفهم بشدة ووحشية.  
 

تونس الشهيدة : لعنة تلاحق أعداء الحرية

ودوحة تظل فرسـان الكرامـة

الهادي بريك ـ ألمانيا
 » تونس الشهيدة «  عنوان جريدة كان يصدرها الفقيه المقاوم المرحوم عبد العزيز الثعالبي جامعا بين صنوين لا يفترقان سوى في صدر منافق أو عابث : الإيمان بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة ومقاومة الفساد تحت سقف ذلك الإسلام . نشأت الصحوة الإسلامية المعاصرة لمواجهة تحديين : الإنحطاط تقليدا للأسلاف تقليد الببغاوات والقرود والتغريب الحامل بقوة العصا ومكر الإغواء سموم الهمجية الغربية ـ سيما الأوروبية ـ ينفثها في جسم أمة تصارع من أجل البقاء. ذلك هو التجديد الذي نعيش اليوم على صداه يموت دونه رجال بعد رجال ما بدلوا وما غيروا.
لم يكن حال تونس بين أخواتها شرقا وغربا ضمن الأرض العربية والإسلامية يتميز بشيء تقريبا سيما في بداية الإحتلال الفرنسي في نهاية القرن التاسع عشر. ومع ذلك إلتقط لها أحد أبرز المقاومين تحت سقف الإسلام ـ المرحوم الثعالبي ـ لقب الشهيدة. كانت تونس شهيدة على مذبحة الإحتلال الفرنسي ولكنها شهيدة حية حياة مادية ومعنوية شأنها شأن الشهداء الذين لا يموتون.
بذل الشهداء دماءهم رخيصة في سبيل الله سبحانه تحريرا لتونس من الإحتلال الفرنسي ومنهم المرحوم فرحات حشاد ثم إلتقط عملاء فرنسا ثمرة ذلك الحصاد فتربعوا على عرش البلاد في كنف حكم فردي أحادي دكتاتوري واجه كل صوت حر مهما يكن لونه الفكري أو إنتماؤه السياسي بالقمع والإغتيال والتنكيل ( بن يوسف خير مثال ) . لم يكتف عملاء فرنسا بذلك بل قادوا مشروعا تدميريا ضد ثقافة البلاد ودينها وهويتها العربية الإسلامية حتى تجرؤوا على غلق أول معلم إسلامي تعبدي وعلمي ودعوي في الأرض طرا بعد مكة والمدينة والأقصى.
قامت في وجه قائدهم الكالح ثورات وإنتفاضات ثم نشأت منظمات وحركات وأحزاب وعاد الوعي بالذات ينداح في الجامعات والمعاهد والنقابات وسائر الفئات والطبقات حتى أنهك بورقيبه العجوز بعدما سلم البلاد إلى المجهول ولكن تكررت ذات القصة القديمة : يدفع الشعب ثمن المقاومة من دمه ورغيف خبزه ثم تؤول الثمرة إلى ألد أعدائه.
جاء الحاكم الجديد على ظهر دبابة بيضاء متوسلا بأحلى ما يدغدغ مشاعر الناس المطحونين من مثل شعارات الحرية والتعددية والكرامة والعدالة وإعادة الإعتبار للهوية العربية الإسلامية وما هي إلا شهور قلائل حتى كشر عن نابه الغليظ ودشن عهده بتزوير إنتخابات الثاني من نيسان أبريل 89 تزويرا شنيعا وسن خطة تجفيف منابع العروبة والإسلام وخطة وأد الحريات الشخصية والدينية والعامة ( سياسية وإجتماعية ) جرعة بعد جرعة وفتحت السجون على مصراعيها لتؤوي كل صوت حر وقلم حر مهما يكن لونه الفكري أو السياسي وإكتمل المشهد القاسي بالتطبيع علنا وسرا مع الكيان الصهيوني السرطاني الخبيث الذي يقاومه أهلنا في المشرق بالحجارة بعدما غرقت الجيوش العربية في ملاهيها الليلية تحيا على نخب خصر عاهر وكأس فاجر.
وماتت السياسة بحق لأول مرة تقريبا في تونس موتا سريريا قاسيا وساد الذعر بين الناس وألجم الخوف كل قلم تقريبا وكل صوت تقريبا إلا من تحصن بالفرار إلى الخارج أو شجاع نحرير لا يأبه إن وقع على الموت أو وقع الموت عليه أو سجين عض على قيم الصبر والثبات والإباء عضا لاذعا.
دارت رياح دولية كثيرة تجلب خيرا لسياسة قتل السياسة ووأد الحريات في تونس وظل الحال كذلك على مدى عشرية كاملة أو أكثر فمن تقهقر الدب الروسي حتى حروب الخليج الكثيرة المتوالية ومن حرب البلقان حتى إعلان الحرب ضد الإسلام والعروبة والخصوصيات القطرية وما سمي بعد ذلك عولمة ومن سياسة دولية لتجفيف منابع الإغاثة والتضامن العربي والإسلامي رسميا وشعبيا حتى عودة الإحتلال العسكري المباشر في العراق وافغانستان .. إنتشى رئيس عصابة الفساد أيما نشوة وراح يصدر ثورته الحمراء زاعما إختراع سم جديد لم يسبق إليه ضد صعود الحركة الإسلامية وتوسع صحوتها ولكن عاجلته الحركات الحقوقية الدولية وكثير من أحرار العالم بضربات قوية موجعة فتدحرج إلى الوراء قليلا.
في تلك الأثناء كانت فعاليات التحرر في تونس من محامين ونقابيين وإعلاميين وسياسيين ومثقفين وطلبة وغيرهم تلملم جراحاتها الثخينة وتستعد للنزال رغم عدم تكافؤ القوى لا عددا ولا عدة ولا مناخات دولية ولكنه تصميم الأحرار حين يفيؤون إلى وعيهم بالذات فيدركون أن الحياة عقيدة  وجهاد أو لا تكون كما قال الشاعر الحكيم.
كان الأستاذ المحامي الشاب محمد عبو في كل تلك الأثناء رجلا من بين آلاف من الرجال لا يشار إليه ببنان مخصوص حتى إنتفض إنتفاضة الجبل الأشم وزمجر زمجرة الليث الذي يداهم عرينه على حين غرة ولم يكن جمال تلك الإنتفاضة ليفوقه شيء سوى جمال الموضوع الذي لم يترك لذلك الأستاذ المحامي الشاب الطموح دقيقة دعة ينعم فيها بدفء أسرة وملاعبة ذرية.
إنتفض عبو في أول لحظة أعلن فيها رئيس عصابة الفساد في تونس على إستضافته سفاح العصر شارون بمناسبة مؤتمر الإعلامية. لم يحتمل تصور الأقدام القذرة لسفاح العصر بإمتياز تطأ أرض تونس وفيه عرق ينبض حياة وأملا في حياة كريمة . وأي كرامة بعد ذلك ؟
إنها كلمة الحق التي جفلت عنها أقلامنا فوجدت بعد عناء من يحملها : إذا كان شارون سفاح العصر في الشرق الأوسط فإن رئيس عصابة الفساد في تونس سفاح العصر في الغرب الأقصى فما رأت تونس ولا أي بلد من بلدان المغرب العربي ولا شمال إفريقيا سفاحا شبيها يعصف بكل من يقف أمامه ولو بعشر معشار كلمة مكتوبة في عمود من صحيفة إلكترونية. كان الناس يتحدثون عن صدام عليه رحمة الله سبحانه وعن حافظ النعجة وعن القذافي وربما عن عبد الناصر ولكن أين أولئك من هذا السفاح الأهوج؟ إذا كان صدام مستبدا فإنه وقف كالطود الشامخ في وجه الصهاينة والأمريكان وأعداء الأمة وإذا كان النعجة كذلك فإنه قصر جرمه على الحركة الإسلامية وإذا كان القذافي كذلك فإنه نهج منهج الأسد وكذلك كان عبد الناصر.
هل سأل واحد منا هذا السؤال : لم غفرت الأمة بأسرها تقريبا للمرحوم صدام إستبداده في أرض العراق ضد السنة والشيعة والأكراد حتى سوى كل الناس في بطشه؟ لم تغفر الأمة بأسرها تقريبا ذلك له سوى لأنه شفى صدرها المتحرج ألما من العدو الأكبر لها في كل زمان ومكان : الصهيونية وما جلبت إليها من فلول هاوية وجيوب فارغة. ذلك معنى من كون الأمة في مجموعها لا في آحادها لا تجتمع على خطأ أو ضلالة.
أما أن يحكمنا رئيس عصابة فساد ونهب وسلب وتصهين يجمع بين أكبر جريمتين في آن واحد: جريمة الحرب ضد أبرز قسمات هويتنا : العروبة والإسلام وما يندرج تحتهما من صون للحريات الخاصة والعامة وحرص على العدالة الإجتماعية وجريمة التطبيع مع الكيان الغاصب للأرض والعرض وأبناؤنا بالحجارة في فلسطين تدك ديارهم وتهدم مساجدهم وتحرق حقولهم ويقطع زيتونهم .. ذلك أمر لا يكون أبدا وإن كان فهي المقاومة.
ناكية النواكي التي لا يدركها كثير من غير التونسيين هي : سفاح العصر في المغرب العربي أهلك الحرث والنسل بالكلية : حرب مدمرة ضد الهوية العربية والأسلامية ضمن خطة تجفيف منابع التدين وليس ضد الحركة الإسلامية فحسب وحرب مدمرة ضد كل ضروب الحريات حتى الشخصية والدينية وليس الحريات العامة والسياسية  فحسب وحرب ضد إرادة الشعب الرافض للتصهين والتطبيع ولو كان التطبيع مشروعا مباحا لأبيح في إسطبل داوود أو في وادي عربة ولكنه فاحشة الفواحش فكيف يجرؤ عليه سفاح تونس.
أنى بعد ذلك للشاب محمد عبو أن يصمت على ذلك؟
لم يقبع مئات من المساجين السياسيين في أقبية السجون التونسية يقتلهم الموت البطيء واحدا بعد الأخر إهمالا وتشفيا وتنكيلا على مدى عقدين كاملين تقريبا؟ أليس من أجل الحريات الشخصية والدينية والعامة ومن أجل الهوية العربية والإسلامية ومن أجل رفض التطبيع التصهين ودعم المقاومة ومن أجل العدالة الإجتماعية؟ هنيئا لعبو برجولته و لكل سجناء الرأي وللصامدين على الحق والعدل والحرية أينما كانوا.
هنيئا لكل من حمل قضية تونس الشهيدة أيام التحرير الوطني من ربقة الإحتلال الفرنسي من مثل حشاد والثعالبي ولكل من حمل قضية تونس الشهيدة أيام التحرر من ربقة الأستعباد الأعمى في مواجهة مشروع الإلحاق الثقافي وتداعياته الإقتصادية والإجتماعية من مثل المساجين السياسيين وليس آخرهم الشاب المحامي الأستاذ محمد عبو.  لئن إستشهدت تونس على يد الإحتلال الفرنسي مرة وعلى يد الدكتاتورية في عهديها مرة بعد مرة فإن الله سبحانه قيض لها رجالا من أمثال عبو ينفقون من حرياتهم لتحيا.
شكرا والسلام .
ملاحظة : نوافي السادة قرّاء الحوار نت  بالحوارات المصاحبة لهذا الملف في الأيام القليلة القادمة بإذنه سبحانه. الهادي بريك : ألمانيا  01/03/2007
(المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 27 فيفري 2007) E-Mail: info@alhiwar.net Site: www.alhiwar.net  

تحية إلى محمد عبو بمناسبة انقضاء السنة الثانية على اعتقاله:

أموت مرتين

 
عادت الأفعى لتغتالني. تعودني في كل صبح مرة، و في المساء مرة، و كل فجر مرتين. أموت مرتين، مرة لأجلكم، و مرة لأنني أراكم رضيتم بالعدم يسوقكم. *      *      * وبعد كل موت أستفيق أبعث في الصحراء فألقى حيّتي تعود لي تلدغني صرنا وليفين يا صاحبي هي السم و أنا العدم *      *      * و كلما مت في الصحراء وسرى سمها في جسدي يعاودني هاجس الموت في حاضرة بلدي و أنا بها مقصيّ وكل العيون، مرتابة، سرا تراقبني أنازع الموت وحدي فأشهد و أحمد ربي على الموت الذي حل بي. *      *      * و كلما أدركني النزع الأخير و اشتد بي أنسى كل ما في الوجود عدى عطشي فتجول في الصحراء مقلتي وأشكر ربّي لأنني ما مت في الخضراء عطشانا، بين عين زغوان و وادي مجرده في عهد ظلم « بن علي ». *      *      * أموت مرتين مرة لأنني أحبكم و مرة لأنني لم أرى إرادة الحياة بينكم. المختار اليحياوي – 01 جوان 2007
 

الذكرى الأولى للسطو على حزب  » تونس الخضراء « 

 
  تتعرض الأحياء الشعبية في العديد من المدن التونسية من سيدي حسين إلى باش حامبة ( أوتيك) وحي التضامن وكذلك في جبنيانة والرديف والصخيرة وقصيبة المديوني  إلى مشاكل بيئية جمة عجزت السلط الجهوية والمحلية على حلها ولم تجد أصوات المتساكنين فيها أي صدى لدى وسائل الإعلام الرسمية . زيادة على هذه الأوضاع تعرف بلادنا مشاكل بنيوية تنموية بيئية  بعد استنزاف عشوائي لمواردنا الطبيعية وتردي المنظومة البيئية الحيوية في الغابة والواحة  وتزايد الغازات المنبعثة من وسائل النقل والمعامل، إضافة إلى الزحف العمراني والتصحر وتلوث البحر وتدهور حالة الشواطئ والنقص الكبير في ثرواتنا السمكية  إلى جانب الكوارث الطبيعية المريعة التي تهدد الكون من جراء الانحباس الحراري ، فيضانات ، شح ماء الشراب  وتردي المحاصيل الزراعية .
أمام كل هذه المشاكل البيئية المتراكمة وتنامي الوعي البيئي الجمعياتي والسياسي وإيمانا منا بأن تأسيس حزب  » تونس الخضراء » قانونيا سوف يمكننا من المشاركة الديمقراطية الفعلية في صنع القرار السياسي المناسب والدفاع عن برنامجنا البيئي ضمن سياسة التنمية المستدامة كما حددته الأمم المتحدة،  والتزام بلادنا للاتفاقيات الممضاة مع الاتحاد الأوروبي.  »  فجعت الساحة السياسية        وكامل المجتمع المدني بعملية سطو سياسية  على حزبنا في 03/03/2006   إن الاستياء والغضب الذي عم كل مكونات المجتمع المدني واستنكار أحزاب الخضر في العالم كانت من نتائجها الأول عزل الحزب المنصب عن المجتمع المدني في تونس ودوليا لدى حركة الخضر  الأروبية والافريقية  وكذلك العالمية .
ولقد توجت حركتنا الإعلامية الهادئة والواسعة ، رغم قلة إمكانياتنا باللائحة الصادرة عن 35 حزب خضر  فاعل في أوروبا يوم 15/10/2006 مجتمعين  في مؤتمر جنيف . لقد تضمنت هذه اللائحة اعتراف كل أحزاب الخضر الأوروبية بحزب تونس الخضراء، وإدانتهم لعملية السطو التي تعرض لها حزبنا . وإذ نذكر بهذه الأحداث، فنحن نؤكد على أن الاستفزاز والشتم الرخيص الذي اعتمدته جريدة الشروق ( التي تصدر بدون وصل قانوني) بتاريخ 01 نوفمبر 2006 لن ترهبنا، كما أن « الرسائل » الأخرى التي يراد بها التنصل من المسؤولية  وتحميلها لما يسمى  « بالجناح المتصلب »  لا نقبلها  وهي بضاعة قديمة نردها لأصحابها !  كما نرد أيضا الحلول التصفوية التي تستهدف  حزب  » تونس الخضراء » لأننا لا نساوم على مبادئنا  الديمقراطية وأهدافنا البيئية . غير أنه يجب أن نؤكد (لأصحاب القرار!) أنا ايماننا بقوانين البلاد ودستورها  وبالحوار الحقيقي  سيظل راسخا ما دامت هناك نوايا صادقة  كما لمسنا ذلك في الحوار الرسمي الأخير . إن الحلول التي تتطلبها المرحلة هي ملحة وملحة جدا ! 
إن رفع التضييقات عن حزب   » تونس الخضراء  » ورابطة حقوق الإنسان   والحركة الديمقراطية  وإطلاق الحرية لروح المبادرة الشبابية والعفو عن المساجين السياسيين هو الحد الأدنى الذي سيفتح المجال للمصالحة المنشودة والحوار الوطني الحقيقي  لنجنب البلاد ما يهددها من أخطار وانفلات أمني مدمر كما يجري في بعض البلدان الشقيقة . هذه مطالبنا الدنيا ولو أن الأوضاع والبيانات الرسمية توحي لنا بأن الاتعاظ بكل ما حدث مازال بعيدا ونحن نأسف لذلك ولا نجد إلا في التاريخ موعظة وننهي بياننا بما جاء في رسالة مصطفى فاضل باشا  إلى السلطان عبد العزيز سنة 1866 ( وما أشبه اليوم بالبارحة!)   » ما أصعب وصول كلمة حق إلى حظيرة الملوك والأمراء، البطانة تحجبها وتخفيها، والملوك سكارى بخمرة الملك منصرفون عن الصواب بلذة السلطان » .                   وعــــــاش حـــزب  » تونــــس الخضــــراء  » ! تونس في : 03 مارس 2007 المنسق العام عبد القادر الزيتوني


 

وصلتنا أخبار مؤكّدة من سجن المرناقيّة نحيط الرأي العام الوطني ومنظّمات حقوق الإنسان بها وتتلخّص في ما يلي :

 

1 ـ أنّ السفّاح  الذي اعتدى على السّجين السيّاسي رضا البوكادي يدعى عبد الحميد الدّريدي

2 ـ أفاد السيّد رضا البوكادي بأنّه تعرّض لاعتداء جسدي ولفظي تمثّل في :

 

أ ـ أنّ المسمّى عبد الحميد الدريدي قام بشتم والدته المتوفّاة وسبّ الجلالة

ب ـ أنّ  المسمّى عبد الحميد الدريدي بالتّعاون مع عونين اثنين ،  أحدهما يدعى سمير والآخر مازلنا لم نتعرّف على اسمه بعد انهالا عليّ بالضرب ولولا تدخّل أعوان التّمريض لأصبحت في أعداد الأموات والسّبب في ذلك يعود إلى مطالبتي  مدير السّجن فيصل الرّماني عبر رسالة خطيّة  بالحمية الغذائيّة نظرا لأنّي  أشكو عدّة أمراض أصبت بها في السّجن

ت ـ منعت أختي من زيارتي يوم الخميس الفارط لكي لا تلاحظ آثار الضرب التي مازالت لحد الآن ظاهرة للعيان وعندما طالبت بمقابلة المدير وافاها مساعده بأنّي معاقب في السّيلون

ث ـ أعاني من أوجاع كبيرة وخاصة في مستوى الفم والفكّين ممّا يجعل عمليّة الأكل والتّثائب صعبة ومؤلمة

حيث بدت على وجهي آثار الإنتفاخ وخاصّة على الجهة اليسرى من الوجه

ج ـ وضعت في السيلون لمدّة 48 ساعة وبلباس أزرق علما وأنّي مصاب بالتهاب خطير ومستعصي العلاج

ح ـ أطالب كلّ الضمائر الحيّة والمحامين ووكيل الجمهوريّة ووزير العدل بمتابعة عدليّة للإعتداء الوحشي الذي تعرّضت له  ، علما وأنّ عائلتي قد أبلغت الصليب الأحمر الدّولي  بالموضوع

 

3 ـ كما تفيد المعلومات الواردة من سجن المرناقيّة أنهّ لوحظ كذلك انتفاخ على مستوى الوجه بالنّسبة للسّجين فرج الجامي

4 ـ أكّدت لنا أغلب عائلات  المساجين السيّاسيّين انتظارهم  لساعات طويلة قبل مقابلة ذويهم

 

وإذ نتابع بقلق شديد هذه التطوّرات الخطيرة  فإنّنا ندعو الجميع أحزابا ومنظّمات ونخب تونسيّة  لتحمّل مسؤولياتهم  التّاريخيّة  للدفاع عن المساجين السيّاسيّين والمطالبة بوقف عمليّات التنكيل بهم وإطلاق سراحهم ضمن عفو تشريعيّ عام

 

نورالدين الخميري ـ ألمانيا

 2007.03.01

 


السيّد فتحي الورغي يتعرّض لإعتداء

 خاص بالحوار نت -:بلغنا من مصادر حقوقيّة في تونس أنّ السيّد فتحي الورغي السجين السياسي السابق لحركة النهضة تعرّض لنوبة قلبيّة نقل على إثرها للمستشفى و عند عودته وجد منزله قد تمّ خلعه وهناك من قام ببعثرة أدباشه كلّها دون أن يأخذ منها شيئا فقام بإبلاغ الشرطة بالحادث الذين عاينوا المكان دون الوصول إلى نتيجة فتوجّه لبيت صديقه للنوم عنده بعد أن أحكم غلق باب منزله و في اليوم الموالي و عند عودته وجد الباب مكسورا وقد تمّ العبث بأدباشه. تتزايد مخاوف السيّد فتحي الورغي من هذه الأحداث و الجهة التي تقف وراءها خاصّة و أنّ عامل السرقة تمّ استبعاده . فمن فعل هذا ؟ و ماذا يريد ؟. (المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 28 فيفري 2007)

بلاغ عاجل قيادات حركة النهضة بسجن صفاقس ينهون إضرابهم

 خاص بالحوار نت – وصلنا الآن من مصادر قريبة من عائلات مساجين الرأي من قيادات حركة النهضة الذين يقبعون في سجن صفاقس نذكر منهم السادة (نجيب اللواتي- عجمي الوريمي- …) أنّهم قد أوقفوا اضرابهم عن الطعام بعد أنّ تمّ تلبية مطالبهم… (المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 28 فيفري 2007)

 

 

هـــام ..  جــدا جدا جدا

تستعد شبكة « سكاي نيوز » الانجليزية لنشر الرسوم الكارتونية المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم و ذلك بعد إكمالها استفتاء حول نشره من المشاهدين عبر التصويت على موقعها على الانترنت الرجاء التصويت بـــ No ثم بالضغط على كلمة Vote Now رابط التصويت http://news.sky.com/skynews/polls/displayresults/1,,91153-1003326,00.html أنصر رسولك محمد صلى الله عليه وسلم بلغها من تعرف ومن لا تعرف
 

سفير فرنسا بتونس: لن نغيّر سياستنا تجاه الضفة الجنوبية للمتوسط

تونس ـ يو بي آي: استبعد ديبلوماسي فرنسي امكانية أن تؤثر التغييرات المحتملة في رئاسة فرنسا علي السياسة الفرنسية الهادفة الي دعم وتعزيز التعاون مع دول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. وقال سارج ديجالي سفير فرنسا لدي تونس خلال مؤتمر صحافي عقده امس الثلاثاء بتونس العاصمة، انه بغض النظر عن اللون السياسي للرئاسة الفرنسية الذي قد تفرزه نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية خلال شهر نيسان/ابريل المقبل، فان باريس لن تغير سياستها تجاه الشركاء في المنطقة المتوسطية. وأضاف أن تعاون فرنسا مع دول جنوب البحر المتوسط،سيتواصل بنفس الوتيرة،ومن ضمنها تونس شريكنا الرئيسي في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي تربطنا به علاقات متميزة. ولم يتردد السفير الفرنسي في وصف بلاده وتونس بـ المحركين الأساسين في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وقال ان فرنسا تسعي الي تعزيز تعاونها مع تونس خلال العام الجاري ليشمل مختلف الميادين، وخاصة منها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وقال ان تعاوننا مع تونس سيشمل مجالات عديدة خلال العام المقبل منها مساهمتنا في مشاريع كبري مثل مشروع تبرورة البيئي في محافظة صفاقس الواقعة علي بعد 270 كيلومترا جنوب تونــس العاصمة. وكانت العلاقات التونسية ـ الفرنسية قد تحسنت كثيرا منذ وصول الرئيس جاك شيراك الي سدة الحكم، حيث أظهرت احصاءات حديثة صادرة عن غرفة التجارة والصناعة التونسية ـ الفرنسية أن حجم الاستثمارات الفرنسية بتونس ارتفع خلال العام الماضي بنسبة 44 بالمئة بالمقارنة مع النتائج المسجلة عام 2005، لتستقر في حدود 80 مليون يورو. كما أظهرت أن الفرنسيين حافظوا علي المركز الأول علي مستوي المبادلات التجارية مع تونس،حيث بلغ حجمها العام الماضي نحو مليار يورو، بينما تجاوز حجم المساعدات الفرنسية لتونس 100 مليون يورو سنويا. الي ذلك،امتنع السفير الفرنسي التعليق علي الهجوم المسلح الذي استهدف أمس الاول سياح فرنسيين في السعودية، وقلّل بالمقابل من شأن تراجع علاقات بلاده التجارية مع تونس لفائدة بعض العواصم الخليجية. وقال ان الحضور الخليجي مهم في تونس، ولكن ذلك لا يقلل من الأهمية التي تتمتع بها تونس لدي الفرنسيين والدليل أن شركة اتصالات فرنسية كادت أن تفوز بصفقة شراء حصة من اتصالات تونس . وكانت شركة ديجيكوم الاماراتية قد فازت بصفقة شراء 35 بالمئة من رأسمال مؤسسة اتصالات تونس علي حساب مؤسسة فيفندي الفرنسية بصفقة تجاوزت 2.2 مليار دولار. يشار الي أن الاستثمارات الاماراتية أضحت بهذه الصفقة تحتل المرتبة الأولي بين الاستثمارات العربية في تونس، متقدمة بذلك للمرة الأولي علي الاستثمارات الكويتية، حيث تدفقت الاستثمارات الاماراتية خلال العام الماضي علي تونس بشكل ملحوظ، وشملت مجالات العقارات والاتصالات والسياحة. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 28 فيفري 2007)  


تونس تحبط تهريب 250 كيلوجراما من المخدرات

تونس (رويترز) – قال مصدر في الديوانة التونسية يوم الخميس أن حرس الديوانة بميناء حلق الواد أحبط تهريب حوالي 250 كيلوجراما من المخدرات في واحدة من أكبر جرائم التهريب في البلاد. وأضاف مصدر من الديوانة رفض نشر اسمه لرويترز « لقد تم حجز 250 كيلوجراما من المخدرات في ميناء حلق الواد واعتقلنا شخصين تونسي وجزائري كانا ينويان تهريب هذه السموم الى بلد أجنبي في سقف عربة. » وأشار المصدر الى ان اعتقال اشخاص اخرين في الآونة الاخيرة بمنطقة الكاف الواقعة شمالي العاصمة ساعد السلطات على احباط تهريب هذه الكمية الكبيرة من المخدرات الى بلد أجنبي لم يذكره بالاسم. وتحارب تونس تجارة المخدرات ووضعت عقوبات صارمة لمتعاطيها لا تقل عن الحبس لمدة عام وعقوبات للمتاجرين فيها تصل الى 20 عاما سجنا.  


تجارة الأعضاء في تونس: لصالح من تروج هذه الادّعاءات؟

بقلم الدكتور: محمد قديش نشرت مجلة «التبرع والحياة» الصادرة عن الجمعية التونسية للتحسيس بالتبرع بالأعضاء افتتاحية هامة بقلم الدكتور محمد قديش الوزير المستشار لدى رئيس الجمهورية والرئيس الشرفي للجمعية المذكورة. ننشرها كاملة نظرا لأهميتها. وقد جاء فيها: يمثل التحسيس بالتبرع بالأعضاء الركيزة الأساسية للنهوض بزرع الأعضاء وهذا التمشي ثبتت نجاعته في العديد من البلدان التي عملت على ترسيخ ثقافة التبرع بالأعضاء لدى مواطنيها وتمكنت من التقليص بين الحاجة للأعضاء لدى المرضى وتوفرها.
وقد راهنت تونس العهد الجديد بهدي من الرئيس زين العابدين بن علي على هذا التمشي فأحدثت الجمعية التونسية للتحسيس بالتبرع بالأعضاء واليوم الوطني للتحسيس بالتبرع بالأعضاء ووضعت الآليات والأطر القانونية لتسهل على المواطن الانخراط في ثقافة التبرع بالأعضاء ونذكر منها بالخصوص اعطاء الحق لكل مواطن ليعبر عن رغبته في التبرع بأعضائه بعد وفاته وذلك بإدراج عبارة متبرع على بطاقة تعريفه الوطنية كما أنه بإمكان كل مواطن ادراج رفضه التبرع بأعضائه في دفتر الاعتراض إذا لم يكن راغبا في ذلك.
ولكي يبقى التبرع بالأعضاء في أعلى مراتب النبل الانساني ونبعد عنه مخاطر الانزلاق في المتاجرة فقد أحيط بجميع الضمانات وخاصة منها القانونية وهذا ما جعل المنظمة العالمية للصحة تشيد في العديد من المناسبات بالتجربة التونسية في مجال حماية وحفظ حقوق المتبرع حيا كان أو ميتا وتريد أن تجعل من التجربة التونسية مثال لبلدان تفتقر إلى أطر وآليات وضمانات تحمي عملية التبرع بالأعضاء من الممارسات اللاأخلاقية.
ولكن مع الأسف الشديد ورغم كل هاته الانجازات في مجال ضمانات التبرع بالأعضاء في بلادنا فإن بعض أجهزة الاعلام وبعض الأشخاص يروجون من حين إلى آخر بصفة صريحة أو بطريقة غير مباشرة ادعاءات وشائعات لا أساس لها من الصحة حول تجارة الأعضاء في بلادنا!
هذا التصرف اللامسؤول والخطير يهدم كل ما نقوم به من عمل وجهد من أجل ترسيخ ثقافة التبرع بالأعضاء ويحرم آلاف المرضى من حقهم في الحياة. فلماذا هذا التصرف؟ أهو صادر عن جهل بالموضوع أم لوجود قناعات وأفكار مغلوطة غذتها بعض الفضائيات التي تنقل وقائع وأحداث عن تجارة الأعضاء في بلدان تفتقر إلى قوانين وآليات ومؤسسات تضمن وتحمي عملية التبرع بالأعضاء؟
نأمل أن يتنبه هؤلاء الذين يروجون هاته الادعاءات الباطلة لأمر بالغ الأهمية ألا وهو أن المساس بهذا العمل الانساني النبيل يمكن أن يؤدي في يوم ما إلى حرمان شخص عزيز عليهم من الحياة!!! (المصدر: صحيفة « الشروق » (يومية – تونس) الصادرة يوم 1 مارس 2007)

الإسلام بتونس في ظلّ حُكم الرئيس زين العابدين بن علي

 

 محمد الصادق عدلي

 

               أستسمح القارئ الكريم لأكتب بعض الأسطر عن تونس، التي ربّما تزعجه أو لا تهمّه كثيرا مقارنة بشغفه بالعمل السياسي، ومتابعته للأحداث اليومية على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية. إلاّ أنّني نتيجة للمضايقات التي نتعرّض إليها يوميا في سفرنا من باريس إلى تونس، وجدت نفسي مضطرا لأقول كلمة علّها تساعد في رفع بعض المعاناة ووضع حدّ للإهانة التي يتعرّض لها المواطن التونسي على يدّ رجال الأمن والجمارك بمطارات تونس الدولية. داعيا في ذلك المسؤولين إلى مساواتنا بكلاب السيّاح أو قططهم إن عزّ الأمر لمساواتنا بالسيّاح ذاتهم، الذين صاروا أسيادنا بأرضنا وصرنا عبيدا لهم بديارنا. ولعدم الإطالة فإنّني سأعرض لحالتين فقط:

الحالة الأولى:

               روت لي فتاة تونسية متديّنة، أنّها في خلال زيارتها إلى تونس تعرّضت إلى ما لا يتصوّره العقل حدوثه في بلد عريق في الإسلام، مثل تونس بلد الزيتونة وعقبة. فلقد تمّ تفتيشها تفتيشا دقيقا نكالا في لباسها الإسلامي، وما صحب ذلك من أسئلة توجّه عادة للمتّهمين أو المورطين في قضايا خطيرة. ولم يقف الحد عند ذلك التعدي الصارخ على حرمة الإنسان وكرامته من تفتيش ملابسه الخاصة أمام الناس، بل وأُمِرت المسكينة بنزع خِمارها وسترتها وحذائها. فلما سألت عن السبب، أجابها رجل الأمن بقوله: لعلّك تُخفِينَ قنبلة تحت خمارك أو في ملابسك.

               يحدث هذا أيّها السادة تحت مرأى ومسمح المسافرين وخاصّة أسيادنا السيّاح أصحاب الوجوه الملاح، وهم يبتسمون وعن المشهد راضون. فأيّ كرامة بالله عليكم مازالت تُرجى للمواطن في بلده. أليس بلد الآخرين أصبحت نعيما مقيما وحاكمها بالمؤمنين رحيما. أين الأوامر الرئاسية الداعية لتيسير إجراءات المسافرين وخاصّة القادمين، بعد تعب السهر والسفر فضلا عن انتظار مواعيد إقلاع طائرة « الشرتار »، التي لا تتخلّف إلاّ عن موعد دفع التذكرة قبل سحبها، ثم تلقيك في المجهول وتسبح في اللاّمعقول ولا من مسؤول عن صلف هذا الغول. كما لن أتحدّث عن الروائح الكريهة التي تفوح من « أفواه » السكارى الذين ينعمون بالخمر التونسية الأصيلة على متن الخطوط الجوية التونسية أو الخطوط الخاضعة « لسلطان » الحكومة التونسية.

               علما بأنّ تونس دولة مستقلة الإسلام دينها والعربية لغتها. واسمحوا لي بإضافة « الخمر بضاعتها والسياحة صنعتها »، حتى نلتمس عذرا للمسؤولين التونسيين لاعتبارهم مسلمين، والرسول صلى الله عليه وسلّم يقول: »التمس لأخيك عذرا »، أو كما قال.

الحالة الثانية:

               كنت أتصفّح بعض المجلاّت الإشهارية في وكالة للأسفار، فوقعت يدي على مجلّة زرقاء تزيّن صفحاتها أكثر من حسناء، وتزيد في رغبة السفر إلى تونس ما عرض فيها من صور للشقراء، التي لا تشتغل مسؤولة إدارية أو مضيفة جوية، بل مدلّكة فنية متخرّجة من معاهد تخصصية. تدخل حمّام البخار مع الضيوف الكرام، لتنزع ملابسهم وفي الماء الساخن تغمسهم. فتقوم بترييضهم وتحريكهم وتقليبهم وشدّهم ومدّهم، بحثا عن راحتهم وتفانيا في مودّتهم وإيفاء بحقّ بضيافتهم. لما لا ونحن مسلمين وإكرام الضيف واجب، بل من شروط إيمان الإنسان، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلّم « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه »، وبحسب المصطلح الحديث « لإبراز الوجه الحضاري للإسلام عامّة وللترحيب التونسي الأصيل خاصّة ».

               ولأكون صادقا مع القارئ الكريم فإنّني أضع بين يديه اسم المجلّة ليراجعها إن وجد في نفسه استعدادا أو سمح له الوقت بذلك، وكذلك سوف أعرض لبعض من فقراتها ترجمة بالعربية وكذلك إثباتا للنص بالفرنسية، مع ذِكر الصفحة وعنوان الفقرة المعنونة به.

ـ اسم المجلّة: TUNISIE, ETE 2007 – SANGHO.

ـ لون المجلّة: BLEUE MARINE.

ـ ذُكِر في غلاف المجلّة الأخير من الداخل على يمين خريطة تونس الفقرة الأولى تحت الصورة الأولى ما نصّه باللّغة الفرنسية ولا أريد أن أعلّق لعلّ المواطن التونسي يكتشف بنفسه إن بقي عنده شيء من البداهة لو لم تغمره البلاهة:

 

L’histoire de la TUNISIE

Une succession de civilisations

12ème S. avant J.C : Les Phéniciens.

      814 avant J.C : La Reine Didon, venue de Tyr, fonde Carthage.

      146 avant J.C : Destruction de Carthage (guerres puniques).

        46 avant J.C : César s’installe à Carthage.

                       439 : Les Vandales s’installent à Carthage.

                       646 : Les Arabes arrivent et s’installent à Kairouan.

                                Les dynasties se succèdent : Aghlabides,

                                Fatimides, Almohades, Hafçides.

                     1140 : Les Normands débarquent mais seront

                                rapidement vaincus.

                     1534 : Les Turcs s’installent à Kairouan malgré

                                 l’intervention de l’invincible Armada de

                                 Charles Quint. En 1574, ils prennent Tunis

                                 et le sultan nomme un pacha, entouré de deys

                                 et de beys qui vont se révolter et s’installer au

                                  pouvoir. Le dernier bey de Tunis fut expulsé

                                  en 1943.

                       1836 : Arrivée des Français.

                       1956 : L’indépendance est proclamée le 20 mars.

كما أستسمح القارئ الكريم لأدرج تاليا جزء من كلمة « حسني جمالي « رئيس »:

Mais nous ne serions pas arrivés à un tel succès sans le concours des hommes. De la femme de chambre au directeur de l’hôtel, chacun est pleinement conscient de son rôle. Ces équipes, stables et passionnées par leur métier, savent être les meilleurs ambassadeurs d’un pays ou l’hospitalité et la chaleur de l’accueil sont légendaires.

               وبعد هذا التقديم على صفحة العلاف الأوّل من الداخل، عرضت المجلّة جملة مقالات صحفية فرنسية تمجّد وتثني على فندق « صانغو جرجيس ». ومن تلك الصحف: LE FIGARO, ouest France, Télé Loisir, TV MAGAZINE, France soir, Challenge, madame FIGARO.. وما قولنا في ذلك إلاّ قول من قال: إذا كان الغراب دليل قوم حطّ بهم على جيف الكلاب.

ويسمح لي القارئ أن أضع بين يديه بعض الملاحظات:

أ ـ فعلا يجد السائح الأجنبي إلى تونس الراحة التامة، ولكن لماذا؟. الجواب بسيط: فإن أنت كتونسي زرت هذه الشواطئ المحاذية للفنادق المنتشرة على طول الساحل التونسي، ونويت مجرّد النيّة أن تقترب منها، فإنّك تمنع من ذلك، أولا عن طريق الحبال الممتدة من خارج الشاطئ إلى أعماق البحر، وثانيا إن أظهرت شيئا من الرجولة والفحولة لا الغيرة الوطنية لأنك عندها تتهم بتعريض مصالح تونس العليا للخطر فإنّ مركز الشرطة مأواك والتعذيب مثواك.

ب ـ كنت في فترة ما أشتغل مرشدا سياحيا في العاصمة، ولما كنا عند ساعة سبعة نوفمبر قال لي أحد السياح الأمريكيين: ما أجمل المكان. قلت له مازحا: ظاهره أم باطنه؟، فقال لي: ما تقصد؟. قلت له: لم تعلمك إدارتك بالمخابرات الأمريكية بطبيعة الأرض التي أنت تقف عليها، خاصّة وأنتم تمتلكون حتى صورنا في بيوت نومنا مع زوجاتنا، تبسّم ضاحكا، وقال: أنت ذكي. قلت له: هذا ما جنيته على نفسي وما جناه علي أبي. قال لي: هل هذا قرآن؟. قلت له: لا هذا أحدهم عاش في عصر مثل عصرنا فجادت قريحته بذلك. إلتففت إلي زوجته وقالت لي: ما الذي يوجد في الأسفل؟. قلت لها: لا يفرّق المرء هناك بين اللّيل والنهار. تعجّبت، وقالت: كيف؟. قلت لها: هل رأيت تلك البناية في الركن الغربي، قالت: نعم. قلت لها: الوقت لا يسع بالحديث لأن موعد الرجوع إلى الفندق قد حان.

ج ـ درسنا في مدرسة الفندقة، وكنا في رمضان نجري امتحانات عملية، فنجبر على تذوق الخمر لمعرفة نوعها وهويتها…كما نفرّق بين لحم الخنزير التونسي الأصيل وغيره من المستورد من فرنسا وهولندا وبريطانيا، ولكلّ خصائصه وفوائده الصحية والنفسية. وكان مدير المدرسة يومها يطوف علينا ويشجّعنا ويقول: أنتم مستقبل تونس، لقد إلتقيت مع سيادة الرئيس، يسلّم عليكم ويشجّعكم، لأن السياحة أهم مدخل للعملة الصعبة بتونس، فهي ركيزة الاقتصاد الوطني.

د ـ كنت قبل سنوات قليلة أحد أفراد الاستقبال بفندق تونسي معروف، فكلّما قدمت طائرة ونلنا نصيبا منها بحسب الرحلات المنظّمة، نجد أنّ أغلب القادمين هم أناس كبار في السن محالين على التقاعد أو ممّن يسكن مأوى العُجز أو من أصحاب الدخل المحدود، وغيرها من الحالات السيئة. كما أنّ الشباب يأتون لغايات غير شريفة، فمنهم الشاذ جنسيا ومنهم باحث عن الرذيلة، وهو ما أشرنا إليه عند حديثنا عن الحسنوات والشقروات؛ تونسيات وفي بعض الأحيان تأتي النجدة من المغربيات أصيلات منطقة « الخميسات ». فنحتار فعلا عن المرابيح التي سنجنيها من جيوب خالية، أقصى ما تشتريه بعض السندويتشات من الأسواق أو ما يهبه لهم بعض التجار من هدايا طمعا في قربهم منه وشرائهم بعض البضاعة. وكنا نحاول إقناع السياح بميزة الصناعة التقليدية التونسية التس أصبحت في غالبها استنساخا للصناعات الصينية والهندية، بعد زوال الفنيين التونسيين وعدم وجود من أخذ الصناعة عنهم.

هـ ـ كنا بعض الأحيان نرسل إلى دول خارجية وخاصة جنوب شرق آسيا، فنلاحظ الفارق الشاسع بين السياحة في تونس والسياحة هناك. حيث المستوى الاقتصادي الأكثر تدهورا والناس أكثر استعداد لبيع أجسادهم والتفويت في أعراضهم. بينما رأينا أن السياحة الحقيقية توجد في نيوزلندا وأستراليا واليابان…حيث ينفق السائح أموالا طائلة على مسائل نافعة؟؟؟.

و ـ أكاد أجزم أن وضعية السياحة في البلاد العربية هي نفسها في تونس، فلا يدري أحد من أين تأتي الفنادق بالميزانية لسدّ نفقاتها المرتفعة وخاصّة أجور المدير وحاشيته. وبعد بحث وتفتيش وصلت شخصيا إلى نتائج مذهلة لا يمكن أن تحكى أو تلقى جزافا.

               معذرة على الإطالة، ويكفيني أن أشير إلى أنّ أحد الطلبة التونسيين بقسم علم الاجتماع أعد رسالة دكتوراة بجامعة تونسية تحدّث فيها عن الخلل السياحي وقضية الاغراء السياحي والانحراف الأخلاق، فكاد يحرم من بحثه ويلقي بنفسه في داهية، لولا وصله الدائم لأستاذه بالهدايا وخاصّة الشاي والقهوة الأجنبية، وخاصّة وخاصّة تمكينه أستاذه من بيت أسرته الوحيد بالعاصمة ليسكنه ويتنعّم فيه على أن تدبّر الأسرة حالها.

 


 
الوضع الاجتماعي و آفاق التشغيل

بدون اقتصاد متين وحكم رشيد ليس هناك حل للبطالة

مراد حجي نظمت جامعة بنزرت للحزب الديمقراطي التقدمي يوم السبت 24فيفري2007 لقاءا حول قضايا التشغيل   و بطالة أصحاب الشهادات بحضور للدكتور فتحي التوزري و ممثلين عن اتحاد أصحاب الشهادات العاطلين عن العمل وقد استهل هذا اللقاء السيد سالم العياري ممثلا عن اتحاد أصحاب الشهادات العاطلين عن العمل حيث أكد أن تشكل هذه الفئة في منظمة هو محاولة للدفاع عن مطالبها المشروعة وحقها في الشغل و السعي نحو إيجاد جملة من التصورات البديلة في قضية التشغيل دون الاقتصار و الاكتفاء بتوصيف لظاهرة البطالة خاصة و أن الحلول المقدمة فشلت في معالجتها مبينا أنها لم تكن سوى حلول ظرفية ووقتية و ليست جذرية .كما تتطرق إلى الانعكاسات الخطيرة لظاهرة البطالة على الفرد و المجتمع باعتبارها مولدة لظواهر اجتماعية أخرى لا تقل خطورة كالمشاكل النفسية و الانحراف و الهجرة السرية وغيرها.
وفي مداخلته حول الوضع الاجتماعي وآفاق التشغيل أكد الدكتور فتحي التوزري أن مسالة البطالة وقضية التشغيل من صلب اهتمامات الحزب الديمقراطي التقدمي مشيرا إلى ضرورة وضع هذا الموضوع في إطاره السياسي رغم أبعاده المتعددة والمختلفة . اعتبر الدكتور التوزري أن الحكومة التونسية ومنذ منتصف الثمانينات اتخذت منحى ليبراليا كنتيجة للازمة الاقتصادية التي عاشتها البلاد حيث قبلت بالشروط الخارجية و المتمثلة أساسا في برنامج الإصلاح الهيكلي الذي يعتمد أساسا على تشجيع القطاع الخاص وتحرير الأسعار وبناء نظام اقتصادي ليبرالي . وفي سياق حديثه تتطرق صاحب المداخلة إلى مفهوم الدولة الاجتماعية حيث اعتبرها دولة حديثة العهد, ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية في انقلترا و شاعت في بلدان أروبية أخرى إلى أن أصبحت منوالا للدولة الحديثة ومن خصوصياتها أنها اقترنت بمسألتي الحداثة و الديمقراطية كما أنها تقدم خدمات اجتماعية وغايتها في ذلك ضمان تواصل النظام الرأسمالي و كسب رضاء الناس.لكنها شهدت تراجعا     ودخلت في مراجعات كبرى و شاملة حتى برزت مكانها « النيوليبرالية »التي أعطت نفسا جديدا وأفرزت أشكالا أخرى من العلاقات بين الدولة والسوق والمجتمع المدني من أجل تقليص الجوانب الكارثية للنظام الرأسمالي على القضايا الاجتماعية.
أما بالنسبة لتونس أردف الدكتور فتحي التوزري يقول ان الدولة الاجتماعية قامت فيها دون ديمقراطية ودون إجماع حول الحداثة.كما دفعت بعد ذلك الظروف الخاصة بالبلاد للخروج من منظومة الدولة الاجتماعية وأفرزت نخبة من رجال الأعمال و رأسمالية مستفيدة من الدولة تشكل اليوم 60 %  من الناتج القومي الخام.ولكن بقيت نسبة الاستثمار ضعيفة وهذا وضع خاص بتونس مما أدى إلى خيارات سياسية تتمثل في تحرير الاقتصاد, وهي مخاطرة كبرى لا مناص منها في ظل غياب سوق إفريقية أو عربية أو مغاربية مشتركة .ومن هذا المنطلق نتساءل عن مدى إمكانية صمود الاقتصاد التونسي أمام هذه الرأسمالية المتوحشة لان الفشل يعني النهاية أي نهاية الاقتصاد الوطني الذي يرتبط بنسبة 80 % من المبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي و يتميز اليوم بنسبة عالية من المديونية .
فرغم ما تذكره الإحصائيات الرسمية من ان نسبة النمو في  العشر سنوات الأخيرة بلغت 5 % من النمو الاقتصادي و هذه النسبة حسب الخبراء تخلق تقريبا بين 50 و 60 ألف موطن شغل, إلا أن ذلك لم يقلص من حجم البطالة ليبقى الاقتصاد التونسي بمؤهلاته الحالية غير قادر على تحقيق مطالب الشغل. ومن هذا المنطلق يرى الدكتور التوزري أن هذه الأزمة ستتواصل و سيتحول العاطلين عن العمل إلى  فاعلين اجتماعيين وعنصر ضغط اجتماعي وسياسي و قد رد ذلك إلى أسباب عديدة منها : ــ الحلول التي قدمتها السلطة في هذا المجال و التي تفتقد إلى الكفاءة و تعتبر غير جدية فهي ليست سوى تأجيل للمسألة وتقديم القليل من المسكنات وليس خلق فرص حقيقية للتشغيل . ــ عدم فاعلية الرأسمالية التي استفادت من الدولة و التي لا تشعر بواجب وطني تجاه هذا النوع من القضايا. ــ غياب أجواء تسمح بالمنافسة السياسية و أحزاب معارضة قوية وجماهيرية لها وسائل للضغط نظرا للطوق المفروض عليها, وعدم وجود بيئة ملائمة للتحرك. وكنتيجة لهذه الأوضاع  من المؤكد أن يكون العلاج سياسيا وذلك من خلال تحسين المناخ السياسي مما سيكون له أثر في تطوير الاقتصاد ودفع عجلة الاستثمارو توسيع قاعدة المشاركة بالنسبة للمجتمع المدني كطرف أساسي وضروري في نقد سياسة الحكومة وطرح بدائل،كما أن تنظم أصاب البطالة هام لحيوية المجتمع المدني إذ بدونه لا يمكن لهذه الفئة من إيصال أفكارها و تقديم اقتراحاتها وتحقيق الضغط السلمي ووضع المسالة في سياقها التاريخي والسياسي دون أن ننسى وظيفة المنظومة التعليمية في إفراز جيلا له قدرة عالية على التأقلم مع التحديات والمهن المستقبلية . أثارت هذه المداخلة الكثير من الجدل و النقاش بين الحاضرين تمحور حول المسائل التالية : ــ التأكيد على أن ظاهرة البطالة مرتبطة بالعديد من العوامل و هي واقع قائم لايمكن تبريره لكن في الظروف الدولية الراهنة ليس للدولة خيار آخر دون الانفتاح على الاقتصاد العالمي. أما الخلل فيكمن في الأداء و في علاقة الشراكة . ــ مناخ الأعمال و الاستثمار غير ملائم والسبب المنظومة التشريعية والفساد وعدم الشفافية إضافة إلى وجودة تعليم غير قادر على إنتاج أشخاص مؤهلين . ــ حلول التشغيل كانت حلول ترقيعية وهناك ضوضاء سياسية مفرغة من المحتوى في هذا المجال أفرزت الاحتقان مما اعطي لظاهرة البطالة عمقها. ــ المعارضة و الأحزاب السياسية لم تستطع إنارة الطريق للشباب التونسي بل تميز خطابها في غالب الأحيان بالتهديد والشتم دون حلول إجرائية لتبقى قضية التشغيل مطروحة بشدة فالمفروض المساندة من الجمعيات والأحزاب. ــ النضال مسؤولية شخصية لكل عاطل عن العمل ومؤسساتية أيضا من خلال تأسيس  تجربة نضالية متراكمة ومحاولة التعبئة والهيكلة للضغط. ــ المجال السياسي يتميز بالفساد و انعدام الوطنية  والإصلاح ماهو إلا دعاية حزبية ضيقة والحل يجب أن يكون متعدد الأبعاد. ــ التدهور سببه الفساد مهما كان نوعه مما يستوجب تجنيد المجتمع المدني بأسره وبمؤسساته لهذه الظاهرة والانخراط في هذه المنظمات. وفي رده على تدخلات الحاضرين أضاف الدكتور فتحي التوزري أن مسألة البطالة معقدة وهي مجال للتنافس السياسي وتعد من الأولويات مما يستوجب تقديم طرح سياسي لها وهذا ما يعتبر واجبا      ومهمة سياسية لكل الأحزاب و المنظمات,فهي قضية تهم البلاد ولا يجب أن تعزل عن الوضع العام. كما انه في ظل الواقع العالمي الحالي الذي يقوم على التجمعات الإقليمية يبقى خيار الشراكة مع الاتحاد الأوروبي خيارا صائبا رغم مشاكله ومفاسده.فالاقتصاد التونسي هش و ليس أمامه خيارات لمحدودية موارده و للتغيرات العالمية و الاقتصادية, فإما أن ندخل في المنظومة أو أن نهمش.


توضيـــح
نشـرت جريـدة « الواشنطن بوست » الأمريكية يوم 13 فيفري 2007 مقالا بإمضاء الصحفية آن آبلبـوم استهلته بسؤال نسبته إليّ ويفهم منه دعوة للتدخل الأمريكي في تونس لفرض الديمقراطية، وقد وجهت التكذيب التالي( والأصل كان باللغة الفرنسية) للصحفية المذكورة وذلك بتاريخ 23 فيفري2006.فأجابت السيدة آبلبـوم  يوم 25 فيفري 2006 برسالة يوجد نصها مرفقا(الأصل بالانقليزية) وقد تولى الصديق مسعود الرمضاني ،مشكورا ،الترجمة من والى الانقليزية.   المختار الطريفي
 
Dear Madam: First, I would like to thank you for giving me the opportunity to express my opinion concerning the problems of democracy and human rights in my country, Tunisia . Also, I am thankful for the publication of most of our conversation in the “ Washington post” – the February 13, 2007 issue – However, I would like to draw your attention to an unintentional misunderstanding which has twisted my remarks. In fact, your article begins with a question which could be interpreted as a request or a call for an American intervention to support democracy in Tunisia . However, the gist of our conversation was totally the opposite. Moreover, I insisted on the double standard policy followed by the American Administration, citing the examples of Iraq and Palestine . I said that the use of terms such as “freedom”, “democracy”, “human rights” and “fight against terrorism” to justify the occupation of Iraq and the unconditional support to the Israeli aggressions against the Palestinians spoil these noble ideals and discredit the American Administration in the eyes of people in the region. Furthermore, I insisted on the fact that this American double standard policy is also conspicuous when dealing with different regimes: it threatens and sometimes pulls the sword in face of regimes which are not allied to its policy, denouncing the lack of democracy in their countries but, it continues to support unconditionally the allied regimes even if they have no respect for democratic ideals, and no belief in human rights. The only condition is that these regimes preserve the American interests. Nonetheless, like all the democrats in the world, I do hope that democracy and human rights become the most important components of the American Interior and Foreign Policy and that they would not be used as arms serving only the US interests and those of its allies at the expense of peoples and states that refuse the US domination. Ultimately, I would be grateful should you clarify the above points to your readers and rectify what could otherwise be misunderstood. Looking forward to hearing from you, Yours sincerely, Mokhtar Trifi. (Ci dessous le texte en français) Chère  Madame, Tout d’abord permettez moi de vous remercier de m’avoir donné l’occasion de m’exprimer sur les problèmes de la démocratie et des droits de l’homme dans mon pays, La Tunisie , et d’avoir publier l’essentiel de notre conversation dans le  « Washington Post » du 13 Février 2007, néanmoins je voudrais attirer votre attention sur un contre sens, certainement involontaire, qui a dénaturé mes propos. En effet votre article commence par une question qui pourrait être comprise comme étant une demande ou un appel de ma part à l’intervention américaine en Tunisie pour soutenir la démocratie. Or toute le teneur de notre conversation allait dans le sens contraire , et j’avais insisté sur la politique  » du double standard  » utilisée par l’administration américaine en matière de politique étrangère et j’avais cité plusieurs exemples comme l’Irak, la Palestine pour dire que l’utilisation de termes comme  » liberté »,  » démocratie », »droits de l’Homme « , « lutte contre la terrorisme « … de la part l’administration américaine pour justifier l’occupation de l’Irak  et le soutien sans faille de l’agression israélienne contre le peuple palestinien , dessert ces nobles idéaux et décrédibilise cette administration aux yeux des peuples de notre région . Aussi avait-je insister sur le fait que l’administration américaine, et toujours dans le cadre de sa politique des  » deux poids deux mesures  » lève la voix et parfois l’épée contre les régimes qui ne sont pas ses alliés en argument du manque démocratie dans leurs pays, mais continue à apporter un soutien sans faille à des régimes  alliés qui ne respectent nullement les principes démocratiques et de droits humains pourvus qu’ils continuent à veuillez   sur les  » intérêts américains « . Et j’espère toujours, comme tous les démocrates de ce monde, que la démocratie et les droits de l’Homme deviennent des éléments déterminants dans la politique intérieure et étrangère des États Unis et qu’ils ne soient pas utilisés comme armes pour servir les seuls intérêts des États Unis et de leurs alliés  au détriment des peuples et des États qui refusent la domination américaine. Je vous prie de bien vouloir apporter ces précisions à vos lecteurs et rectifier ce qui m’a été prêté comme propos. Veuillez agréer Chère Madame mes salutations distinguées.                                            Mokhtar Trifi  Ci dessous la réponse de Mme Applebaum en date du 25 .02.2007 Dear Mr Trifi, Many thanks for your letter. I am glad you saw the article, which I sent to you but was not absolutely sure you received. I am also sorry that you didn’t agree with it, but I think in fact there has been a misunderstanding on your part: In fact I was not arguing for « intervention » in Tunisia . And I do agree with you, that American democracy rhetoric sounds very hypocritical in the Arab world, as I have written many times before. What I was saying is that we should have long ago interested ourselves in democrats like yourself, rather than thinking we could create democracy in places like Iraq by invading it. I think most Americans would read the article in that light, as being critical of the « democracy promotion » rhetoric coming from  the United States ; that was certainly my intention. If you would like, however, to write a short letter for publication in the Washington Post, I will certainly try to get it printed. But I really don’t think we disagree, and I really don’t think that anyone in  Washington  would have interpreted that article as you did.  Many thanks, Anne Applebaum   (La traduction en français) Cher monsieur Trifi, Je vous remercie de  votre lettre .Je suis contente que vous ayez  lu l’article. Je vous l’ai envoyé mais je n’étais pas sûre que vous l’avez  reçu. Je suis désolé que vous ne soyez pas d’accord sur le contenu de l’article, mais il y a une petite confusion  de votre part. En fait, je n’étais pas en train de plaider pour une intervention américaine en Tunisie. D’autant que, je suis d’accord avec vous que la rhétorique de l’administration américaine concernant la démocratie parait plutôt hypocrite dans le monde arabe, comme je l’ai écris à  maintes reprises avant. Ce que je voulais dire c’est qu’on aurait pu  porter plus d’intérêt à  des démocrates comme vous-mêmes, plutôt qu’imaginer qu’on pourrait bâtir une démocratie dans des pays comme  L’Irak. Je pense que les américains liraient mon article dans ce sens : critique envers la rhétorique de « promouvoir la démocratie », et c’était sûrement mon intention. Toutefois, si vous désirez écrire une courte lettre d’explication, j’essaierai de la publier dans le Washington Post. Mais, je pense que vous et moi sommes du même avis et personne à  Washington n’aurait interprété le contenu de l’article comme vous l’avez fait. Merci beaucoup Anne Applebaum

ثقافة الخوف سلاح سياسيّ لفرض الطاعة واستئصال الجرأة

فتحي الرّحماني / مدنين لم نخترع في هذا المقال موضوع الخوف ولم نفتعله وإنّما التقطناه من بين تلافيف الواقع ورصدناه في ملامح النّاس وحركاتهم ولاحظناه في كلامهم ومعاملاتهم إلى درجة أصبح معها هذا الخوف طبقات بعضها فوق بعض، فهو يداهم القلوب، فكثيرون يخافون بلا سبب أو لسبب تافه وقد يصل بهم الخوف إلى درجة الرّعب الذي يشلّ نشاطهم ويسلبهم مذاق الحياة ويحرمهم من أيّ متعة. ولسنا نتحدّث هنا عن الخوف الغريزي الطبيعي الذي يعني تشديد الإنسان حذره لكي يحمي نفسه من المخاطر التي تتهدّده، وإنّما نقصد الخوف الذي يتمّ تصنيعه وغرسه وتحويله إلى ثقافة هي في جوهرها منتج من منتجات الاستبداد والقمع المرافقين لأيّ نوع من أنواع السّلطة وخاصّة السّياسيّة. فالنّظام السياسي يمتلك حسب ميشال فوكو القدرة على تدبير الخوف سواء من خلال تشييد السجون والمعتقلات أو من خلال بعث أجهزة للمراقبة والعقاب، فيدخل الفرد والمجتمع في دوّامة من الرّعب يغذيها الخوف من القوّة والبطش والملاحقة والإقصاء. وفي واقعنا العربي عامّة فإنّ الدّولة الحديثة ولدت مشوّهة إذ لم تكن دولة تعاقديّة تمثّل مصالح جميع مواطنيها لذلك جرت عمليّات تعطيل المجتمع على حساب بناء سلطة الدّولة في أشدّ صورها الإكراهيّة والقمعيّة ثمّ سعت إلى السّيطرة عليه وتسخيره في خدمة توجهات المتنفّذين فيها. ولم تكتف هذه السّلطة بوسائل القمع الماديّة بل ابتكرت وسائل رمزيّة هي التي جعلت الخوف جزءا من حياتنا اليوميّة فاستثمرت في الخوف كما استثمرت في شتّى المشاريع، واعتبرته مفيدا لبقائها وسعت إلى ترويع النّاس لضمان إسكاتهم وإخضاعهم، وهو ما حوّل الخوف إلى ثقافة وسلاح سياسيّ ناجع تتجلّى ملامحه في الكثير من المظاهر منها: * تثبيت صورة نمطيّة لرجل السياسة وللمسؤول عامّة بوصفه كائنا مقدّسا مفارقا للواقع متعاليا على التّاريخ، فهو فوق المحاسبة، يسأل ولا يُسأل، و لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه. * ترسيخ صورة للمواطن الذي لا يكون صالحا إلاّ إذا كان مستجديا لحقوقه متعاونا صابرا خاضعا، وإن صادف وتجرّأ أو رفع صوته فلا يفسّر ذلك بحريته أو إرادته وإنّما يقال إنّه مسنود أو مدعوم من جهات رفيعة. * اطمئنان النّاس إلى الشائعات عند تداول الأخبار أحيانا لأنّ الإشاعة لا يتحمّل مسؤوليّتها ولا وزرها أحد فمصدرها مجهول في الغالب . * انتشار نوع من عقائد الجبر والإرجاء التي تكرّس منطق التسليم والقبول بالأمر الواقع بل وتبريره أحيانا. * تفشّي النّفاق الاجتماعي بسبب تفكيك الدّولة لكلّ الرّوابط التي تنتظم النّاس وهدمها لكلّ القيم الأصيلة ليصبح المجتمع غبارا من البشر ومجرّد أفراد خاضعين لمشيئة السّلطة، وهو ما يدفعهم إلى التقوقع على أنفسهم والتفكير في الخلاص الفردي وتجاهل بعدهم الاجتماعي. * فقدان النّاس بفعل استبطانهم للقهر والخوف كلّ مظاهر الحيويّة والنشاط والاتّزان النفسي والاعتدال السّلوكي والانشراح والتفاؤل، لتعوّضها مظاهر اليأس والإحباط والترهّل وشرود الذهن والقلق، ولتتسم ردود أفعالهم بالتردّد والتخبّط والتشنّج والعشوائيّة. * هيمنة نزعة محافظة على النّاس تجعلهم يخافون من كلّ تغيير ويرفضون أيّ تجديد ويميلون إلى السكون والثبات لأنّهم لا يثقون في الآتي ويخافون القادم وليس لهم أمل في المستقبل. * اختزال كلّ العلاقات الإداريّة والقانونيّة في جملة من الأوامر والتعليمات التي تخضع المواطن وتخيفه وتحصره في نطاق الممنوعات والمحظورات التي لا توحي إلاّ بالعقاب. * نشر عقليّة الوشاية وتحويل النّاس إلى مخبرين ودسّاسين ومتآمرين، وإخضاعهم لأصناف من الرّقابة في العمل و الشارع و الحيّ و القرية إلى درجة يصبحوا معها مستعدّين للتضحية بأقرب النّاس إليهم وحتّى يسكن الرّقيب داخلهم. وعموما فإنّ ثقافة الخوف من حيث هي سلاح سياسي تهيئ الظروف لينمو استعداد الجمهور لتقبّل الخوف والرّعب وهو ما يسهّل شلّ إرادة النّاس وإعادة تكوينهم وفق شروط ثقافة تسلطيّة تقتل الأسئلة وتستأصل الجرأة وتشيع بينهم صفات الخضوع واللاّمبالاة والطّاعة والانسحاب من الحياة العامّة. وباختصار فإنّ أيّ سلطة استبداديّة تضمن بقاءها ما أبقت على الخوف قائما حيّا في النّفوس. (المصدر: « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس) العدد 393 الصادر يوم 23 فيفري 2007)  

أقسام الاستعجالي بين نقص التجهيزات وتهاون الإطار

محمد الحمروني تعرف عديد الأقسام بالمستشفيات العامة ببلادنا حالة سيئة بسبب تردّي الخدمات والاكتظاظ ونقص التجهيزات والإطار الطبي وشبه الطبي بما حول حياة العديد من المرضى وأهاليهم إلى ما يشبه الجحيم. وحتى لا نكون عدميين وجب التأكيد أن مجهودا محمودا بذل من اجل تطوير أوضاع المستشفيات وأن اكبر ما تحقق في هذا المجال من انجازات يعود الفضل فيها لمجموعة كبيرة من الأطباء الأكفاء الذين تميزوا في اختصاصاتهم، وبعضهم خير العودة للعمل في بلادنا رغم المغريات المادية الكبيرة التي قدمت لهم من قبل بلدان مثل فرنسا أو أمريكيا. وتعتبر الخدمات المقدمة للمرضى في أقسام الاستعجالي بالمستفشيات العامة الأسوأ في البلاد وذلك على الرغم من الخصوصية التي تميز هذه أقسام باعتبارها تتقبل أناسا في حالة خطرة وحرجة جدا في اغلب الأحيان: حوادث طرقات، سقوط من أماكن مرتفعة، غرق، حروق، أو أمراض أخرى مثل جلطة قلبية أو غيرها- عفا الله الجميع-..واغلب هذه الحالات لا تحتمل الانتظار بما يفرض أن يقع التعامل معها آنيا ويصبح توقيت التدخلات العلاجية يحسب بالدقائق وأحيانا بالثواني فتأخير دقيقة أو تقديمها قد يعني موت أو حياة احد الأشخاص. ونظرا للأهمية التي تحظى بها مثل هذه الأقسام في الدول الغربية تم تجهيزها بأحدث المعدات وأكثرها تطورا، إضافة إلى تخصيص طاقم كفء وذو خبرة طويلة للإشراف عليها. زيادة على ذلك أصبح الطب الاستعجالي في عدد من دول العالم المتقدم اختصاصا مستقلا بذاته فمثلما هناك طب الأطفال وطب النساء والتوليد وطب الأعصاب هناك الطب الاستعجالي. أما في بلادنا فإن أقسام الاستعجالي عادة ما تكون الأقل تجهيزا ولا يوجه إليها إلا المتخرجين الجدد من الأطباء من مختلف الاختصاصات ممن لا يملكون الخبرة اللازمة. فوضى عارمة في استعجالي الرابطة كنت بصدد إعداد هذا الملف عندما رنّ هاتفي الجوال وطلب منّي أحد أقاربي الالتحاق به في إستعجالي الرابطة لأشاهد بأمّ عيني آلام عدد كبير من المرضى وأغلبهم في حالة حرجة دون أن يهتم لأمرهم أحد. ولكيْ أسرع ركبت سيارة أجرة وطلبت من سائقها التعجيل بي إلى المستشفى المذكور، وما إن وصلت حتى رأيت المرضى مطرحين على الأرض يستصرخون الأطباء .. كانوا بالعشرات ومنهم من كان في حالة حرجة حتى أن أنينهم يسمع عن بعد كما يسمع استجداؤهم أهاليهم إعادتهم إلى بيوتهم. كانت هناك طبيبة واحدة تبذل، على صغر سنّها، ماستطاعت من الجهد لفحص بعض الحالات وتخفيف آلام الموجوعين.. حالات كانت في أغلبها لا تحتمل الانتظار، وأخطرها كانت حالة أحد أبناء الشمال الغربي، قالت عائلته انه أصيب بجلطة قلبية ولمّا حملوه إلى أحد أطباء الجهة أمرهم بنقله فورا إلى احد مستشفيات العاصمة ولكن.. المريض بقي أكثر من ساعتين ينتظر دوره قبل أن يتم فحصه وإدخاله إلى المستشفى. أين الأطباء؟ إلى جانب خطورة حالات المرضى كانت علامات التعب الكبير والتوتر الشديد بادية بوضوح على وجوه الأقارب والمرافقين لهم…فتاة جاءت بوالدها وهو في حال جد خطرة: أنبوب الهواء موصول بأنفه وأنبوب التغذية موصول بوريده ولما طال بها المقام دون أن تجد حلا تحولت هي إلى ممرضة، فقامت بتغيير كيس التغذية بنفسها بما يتطلب ذلك من غرز للإبرة في الوريد، في الوقت الذي كان فيه والدها يبحث عن الـ »نفس فلا يجده ». وتواصلت الأوضاع على حالتها دون أن يجد المرضى وأهلوهم من يستمع إلى أناتهم ..انفعل شاب وبدأ في الصراخ مطالبا بإنقاذ والدته التي كانت تحتضر بين يده وسط بكاء أفراد عائلتها وبكاء من حضرها من المرضى ومرافقيهم، فتوجه إليه احد الأشخاص قدم نفسه على انه « من المسؤولين » وقال له : صراخك لن يفيد شيئا لأنه لا يوجد أطباء غير تلك « الستاجار »، وإن أردتم حلا فاذهبوا إلى الإدارة. وفعلا توجه فوج من الأهالي إلى الإدارة ولم يسمح لهم بالدخول إلا بعد لأْي واصطحبهم عون إلى مكتب سيدة قال إنها مسؤولة وخاطبتها امرأة باسم المرضى بلسان فرنسي فصيح وقالت لها ما معناه أن هناك مشكلة كبيرة في قسم الاستعجالي وان المرضى وعدد كبير منهم في حالة خطرة لا يجدون من يهتم إلى أمرهم. اصطحبت المسؤولة جموع الغاضبين إلى القسم وسألت عن الأطباء فقيل لها إنهم ذهبوا لتناول الغذاء …هكذا بكل بساطة! وغادرت المسؤولة دون أن تقدم حلا واكتفت بان تتمتم لا ندري أهي تلعن الأطباء أم المرضى وأهليهم أم ماذا؟ بعد ساعة أخرى من الانتظار توجه الأهالي، إلى إدارة المستشفى يبحثون عن مسؤول يكون قادرا على أن يقدم لهم حلا، وقد استشاطوا غضبا، فاعترضهم شخص بميدعته البيضاء وقدم نفسه على انه مسؤول أوّل ولم يقدم للمرضى وأهليهم من حل سوى قوله: أتفهّم مشاكلكم. وبعد هنينهة إجتمع الثلاثة المسؤول الأول ومن قال انه من المسؤولين وسيدة المكتب وبقوا يعبّرون للمواطنين عن تفهمهم لمشاكلهم ويؤكدون أن السلطات العليا لا تقبل بهذا التهاون وان المسؤولية يتحملها رئيس القسم شخصيا.. في تلك الأثناء كان المرضى لا يزالون مكدسين في القسم وأمام فداحة ما يجري أخرجت آلة التصوير وبدأت التقط صورا لكل ما يجري من حولي لعلّي انقل بعضا من تلك المعانات إلى الناس والي الرأي العام والى « أولى الأمر » في بلادنا عسى أن تجد تلك الأنات أذنا منصتة. فالتقطت صورا للمرضى وهم مكدسين في رواق الطبيبة الوحيدة بالقسم ثم توجهة إلى جسد مكوم مغطى على نقالة و…وإذا برئيس القسم يقبل عليّ ومعه عدد من حراس المستشفى والممرضين وغلّقوا الأبواب وبعد شدّ وجذب طويلين وحوار عن الحقوق والواجبات تكدّس حولي عدد كبير من أصحاب الميدعات البيضاء ورجالا كتب على ملابسهم (سَاكُوِريتَيْ) ليقوم احدهم بخطف آلة التصوير الشاهدة الوحيد على المعاناة التي عاشها المواطنون تلك الأمسية. أسئلة حائرة غادرت المستشفى متجها إلى مقر الجريدة وقبل ذلك كنت سلمت رقم هاتفي الجوال إلى بعض أهالي المرضى على أساس أن نتقابل بعد أن يكونوا قد فرغوا من الاعتناء بأهاليهم لأخذ تصريحاتهم حول المعاناة التي عاشوها. ولم أكد ابلغ المقر حتى جاءني اتصال من احد أقرباء المرضى وعلمت من خلال ذلك الاتصال أن أعوانا من مركز الأمن بباب سعدون مدعومين بعناصر من الأمن بالزّي المدني قدموا إلى المستشفى وسألوا الحاضرين عن هوية الصحفي الذي كان بالمكان وهل كان معه رفقاء أم لا و في أي صحيفة يعمل، كما علمنا أن أعوان الأمن اخذوا آلة التصوير واصطحبوا إحدى معهم احدى المسؤولات الرفيعات بالمستشفى. كثيرة هي الأسئلة التي طرحها عليّ الأهالي الذين اتصلوا بي بعد هذه ممن حضروا الواقعة أسئلة لم استطع الإجابة عنها ومنها هل ستقوم الجهات المعنية بفتح تحقيق في التهاون الكبير الذي حصل والذي سبب احتجاج المواطنين؟ أم أن همّها سيظل معلقا بالبحث عن هوية الصحفي الذي قام بتلك الزيارة في ذلك الوقت غير المتوقع؟ وماذا لو كان الذي قام بتلك الزيارة الفجئية احد المسؤولين الكبار هل كان سيعامل بنفس الطريقة وهل ستسحب آلات التصوير من الصحفيين المرافقين له؟ هل يجب إلقاء اللوم على الأطباء وحدهم أم أن الإدارة هي التي تتحمل المسؤولية؟ ولماذا لا يطالب الأطباء بتحسين أوضاع الأقسام التي يعملون فيها؟ (المصدر: « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس) العدد 393 الصادر يوم 23 فيفري 2007)  

جرجيس: وزير التربية يحضر حصة تسييس خطرة للمدرسة

مصباح بالرايس. جرجيس في نطاق الإصلاح التربوي الجديد الذي أُقرّ تحت تسمية « مدرسة الغد » صدر سنة 2004 الأمر المنظّم للحياة المدرسية. وممّا جاء فيه إحداث عدّة آليات ومجالس داخل المؤسسة التربوية. ومن هذه الآليات مجلس سمّي بمجلس المؤسسة ويضمّ نوابا عن مختلف العاملين بالمدرسة أو المعهد ونوابا عن التلاميذ والأولياء والجمعيات. و أعلنت نقابتا التعليم الابتدائي والثانوي موقفهما من هذه الإجراءات مبديتين تحفّظات أثبتت الأيام وجاهتها. لكنّ وزارة التربية تشبّثت بموقفها وواصلت تنفيذ برنامجها. وقد طلبت في بداية هذه السنة الدراسية من مديري المؤسسات التربوية تشكيل هذه المجالس وجوبا رغم مقاطعة إطار التدريس لها. و اضطر هؤلاء المديرون تحت التهديد والوعيد والضغوط (والكلّ يعرف هشاشة سلك المديرين في الاعدادي والثانوي بالخصوص وتبعية أغلبية عناصره العضوية للسلطة وحزبها)، إلى  » تدبير رؤوسهم حتى لا تطير »، و »ولادة  » مجالس  » مفبركة »، الكثير منها على الورق. وفي نشوة « الانتصار » ( على النقابة كما يبدو) انتشر المسؤولون يعقدون اجتماعات عامة في الجهات تجنّدت لها « السلطات الجهوية الإدارية والتجمّعية  » ، كالعادة . وآخر هذه الاجتماعات وقع في مدينة جرجيس الأسبوع الفارط تحت إشراف وزير التربية. والمتابع لهذه التظاهرة يتألّم حسرة لما آلت إليه الأمور من تردّ وبؤس. إذ جُمع التلاميذ النوّاب الذين أوتي بهم من كل ّولايات الجنوب، في إحدى المؤسسات التربوية ( مدرسة الصيد البحري) وأوحى لهم مختصّون أتوا مع الوزير ( وإيحاء المعلّم للمتعلّم أمر) بأن يُطالبوا رئيس الدولة بالترشّح سنة 2009 في الكلمة التي سيلقونها أمام الوزير عندما يذهبون إليه في النزل السياحي الفاخر الذي وقع فيه الحفل الرسمي. فهل يُعقل أن تلاميذا ومنهم أطفال في الابتدائي يُجنَّدون لأهداف سياسية حزبية ضيّقة من قبل اللاهثين وراء الكراسي والمناصب والمواقع؟ أيوجد فرق بين هذا التجنيد  » الدماغي » وبين التجنيد العسكري للأطفال الذي يقع في بعض الدول والذي عُقد من أجله مؤتمر دولي في الأيام الأخيرة ؟ أهكذا تتصرّف المؤسسة التربوية مع جيل المستقبل؟ أبهذا أتى الأمر المنظم للحياة المدرسية ؟ إذا كان ذلك كذلك فشكرا لنقابات التعليم على رفضها البرنامج جملة وتفصيلا. – أحد التلاميذ النوّاب وفي تدخّله أمام الوزير  » اغتنم الفرصة » كما قال، وبكلّ تلقائية لـِ  » يُحيّي المجاهدين ألأبطال في العراق وفلسطين ». قامت الدنيا ولم تقعد وتشابكت العيون الحائرة فوق المنصّة الرسمية وعمّ الارتباك والهلع والفزع : من هو هذا التلميذ ومن أيّ مدرسة ومن هو مديره ومن أتى به وكيف مرّ من الغربال ليُفسد العرس؟ وما زالت الأبحاث جارية. حرام ، عيب، أيّها السادة.. »تبهذلون » كهول اليوم، تئِدون أحلامهم، وتريدون إطفاء ومضة الأمل في شباب اليوم، كهول الغد؟ رأفة بهذا الشباب الذي تتقاذفه أرضيات الأصولية الحزبية الانتهازية وفضائيات الأصولية السلفية. نترجّاكم، نشدّ على أيديكم، افعلوا بنا ما شئتم فنحن، أغبياء الألفية، نستأهل ذلك، فقط ارحموا هذا الشباب، لا تزيدوه همّا على غمّ وتيها على ضياع، بل علّموه، وإن لم تستطيعوا أو تعارض ذلك مع مصالحكم، اتركوا غيركم يعلّمه القيم الإنسانية الخالدة التي تسمو على هذه الممارسات سموّ السماء على الأرض.   أمّا المضحك المبكي فقد حصل بعد الحفل، إذ بقي الوزير ومعه  » الإطارات الجهوية الإدارية والتجمّعيّة  » في النزل لتناول الغداء وأُحيل أهل التربية والتعليم من مديرين وتلاميذ وغيرهم، والذين انتهت مهمّتهم وشُكروا على تأدية الرسالة، أُحيلوا على مبيت أحد المعاهد لتناول الغداء في مطعمه. ولن نكون تونسيين إن لم نقسّم حتى طبقة  » الشعب الكريم  » إلى طبقات . وفعلا فقد قُدّم للمديرين وبقية المرافقين أكلة  » مدرسية » دسمة نسبيا ، أمّا التلاميذ فقد اكتفوا بما قُدّم لهم ممّا تبقّى. التلاميذ النواب في مجلس المؤسسة  » المنتخبون انتخابا حرّا، مباشرا وديمقراطيا  » من طرف عشرات الآلاف من زملائهم بمدارس الجنوب ومعاهده، كما قيل لهم، يعيشون التفرقة ويرون  » العوج » بأمّ أعينهم ثم يُطلب منهم أن لا ينبسوا ببنت شفة وإلاّ… الويل الويل..  » يا ريت » وقع الاجتماع من ألفه إلى يائه في أحد المعاهد ببساطته عوضا عن نزل سياحي بفخامته ! يا ريت زار السيّد الوزير جرجيس العميقة وقضّى يومه متجوّلا بين مدارسها ومعاهدها، مُطّلعا، مستطلعا، مستفسرا، سائلا، مجيبا عن حال التربية والمربّين و أحوال العلم والمتعلّمين ! يا ريت تناول السيّد الوزير الغداء مع  » القاعدة  » المدرسية في مطعم مدرسي من يديْ طبّاخ مدرسي، هكذا، بكل تلقائية وعفوية ودفء تربوي. قد كان السيد الوزير يوافق لو اقتُرِح عليه ذلك، أمّا « الإطارات الجهوية الإدارية والتجمّعية  » فلا نظنّها تتنازل عن النزل السياحي وتنزل إلى  » صُبّة البيّاته  » . خسارة … كانت فرصة وأُضيعت ( وما أكثر الفرص الضائعة) للاقتراب من قاعدتنا الشبابية الطيّبة النقيّة لنصغي إليها ونفهمها ونتفهّمها وننأى بها عن  » القاعدة » .. تلك التي تعرفون. يا ريت…. أبعد الله عنّا وعنكم وعن البلاد العجاج والأعاصير. (المصدر: « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس) العدد 393 الصادر يوم 23 فيفري 2007)

 نعيد نشر مال الدكتور منصف المرزوقي نظرا لأن النص المنشور في عدد 2473 م بتارخ 28 فيفري 2007 كان منقوصا

 

إشكاليات بلورة » الإنسان الحرام  » في ثقافتنا

 

د.منصف المرزوقي

 

تثبت هذه الدراسة السريعة للأسباب والمراحل المعقّدة التي أدّت إلى تراجع التعذيب في الغرب أنّ محاربته في بلداننا قضية بالغة التعقيد و لا تقتصر على  مجرّد النضال السياسي

( رغم أهمّيته ) بإدانة التعذيب ليلا نهارا وفضحه في كلّ  مجال . فالمطلوب ليس تغيير البنية السياسية الفوقية فقط وإنّما ربح معركة فكرية قيمية في عمق الحضارة التي نحمل انتماءنا إليها إكليل شوك وإكليل غار .

يتعلّق الأمر بداهة بإعادة هيكلة العلاقة بين الفرد والمجموعة في صلب المجتمع نفسه أىّ بكل بساطة بإعادة صياغة الذهنيّة العربيّة في إحدى أهمّ « الملفّات  » الاجتماعية   .

لنحدّد في البداية ما نتوفّر عليه من عوائق وأوراق ونحن نضع طموحنا في هذا المستوى.

لا جدال أنّ التيّار الغالب إلى اليوم في حضارتنا هو التيّار « المجموعاتي ». فليس للفرد من كرامة وقيمة إلا  تلك التي يستعيرها من انتماءه إلى القبيلة أو الدّين أو الأمّة أو الدّولة وفي اضطلاعه ب »واجباته « تجاههم.

يبقى أن هناك قانون في الكون يسنّ على أنّه لا يوجد شيء إلاّ ووجد بالضرورة نقيضه ومن ثمّة وجب علينا أن ننقّب داخل حضارتنا عن النقيض لعلّه يكوّن قوّة دفع ننطلق منها ونطوّرها .

 نكتشف بسرعة أنّنا أمام نقيض سلبي بل وخطير وهو ما يمكن أن نسمّيه ب « الفردانية  المتشدّدة » التي رأينا عيّنة منها في الحضارة الغربيّة عند الفوضوي  . Stirner

إنّ تاريخ الشعر العربي ملآن بصرخات هذه الفردانية المتمرّدة  كصرخات الصعاليك أو المتنبّي الذي فاخر بأن قومه  هم الدين فاخروا به وليس العكس أو المعرّي  « الأخير زمانه الآتي بما لم تستطعه الأوائل  » أو أبو نواس المزدري لقيم وقوانين المجموعة.

لا جدال أنّ أحسن ما يعبّر عن هذه الذهنيّة المتمرّدة هي المقولة الشهيرة « واحد كألف وألف كأفّ  » وهي المخرج  الوحيد طوال تاريخنا الذي اقترح على الإنسان العربي .

إنّ ما لا يزال يطبع  مخيالنا ونحن نعاني من « المجموعاتية المتشدّدة » هو دور البطل الخارق للعادة أي « السوبرمان  » بمفهوم نيتشه أو بمفهوم كتب الأطفال ويشكّل منذ القدم البديل المغري.

هكذا ترانا نجاهد كلّ من جهته لننقذ ذواتنا من الاختناق والرداءة والامتثال لعقليّة القطيع التي تفرضها « المجموعاتية  » بأن نصبح الواحد كألف تاركين الألف كأفّ للرعي والرّاعي للذئب. معنى هذا أنّ عمليّة إنقاذ الذات هذه وتلبية حاجتها للكرامة والاعتراف بها من قبل المجموعة هي عمليّة فردية صراعيّة، العدوّ فيها هو كلّ آخر، شعارها « إنّما العاجز من لا يستبد  « .لا غرابة أن يبقى التعذيب في المنطقة العمياء من الوعي الجماعي. فما قيمة واحد من « الألف كأفّ  « وقد انتصرت الذات وملكت نواصي المجموعة وطوّعتها بالاستبداد العائلي أو القبلي أو السياسي ؟.

وهذا بطبيعة الحال طريق مسدود بل هو الطريق الذي يقود حتما إلى بيوت الأشباح، ومن ثمّة ضرورة البحث عن طريق آخر مبني على اعتراف كلّ ذات بالذوات الأخرى واعتبار عملية الإنقاذ من الاختناق والرداءة والسلبيّة وعقليّة القطيع عملية جماعية ننتصر فيها الكل أو ننهزم فيها الكلّ.

يعني هذا أن ندخل بدورنا الرّؤيا الجديدة.

ولقد بدأنا ندخلها لا بفعل العدوى والتقليد ولكن أساسا لأنّ العوامل الموضوعية التي رأيناها تفعل فعلها في الغرب قد بدأت تأتي أكلها عندنا أيضا.

إنّ  التقدّم الاقتصادي والاجتماعي والصحّي والتعليمي عامل بأهميّة إخفاق الأنظمة الاستبدادية وأيدلوجيتها المبنيّة على مزيج غريب من الفردانية المتشدّدة والمجموعاتية المتشدّدة .

من بين المؤشرات الإيجابية العديدة على انخراطنا في الرّؤيا الجديدة أنّنا بدأنا نعرف أدب الرواية عندنا وأيضا بروز إشكالية التعذيب داخله ابتداء من السبعينيات مثلما هو الأمر في رواية عبد الرحمان منيف   » شرق المتوسّط » والتي تذكرنا برواية Koestler في الثلاثينيات. لكننا  ما زلنا في بداية طريق طويل مهدّد بكلّ  أنواع الردّة والتراجع والجمود، و سنجد صعوبات كبرى في جعله المسار الملكي لفرط تجذّر وقدم التيّارين الآخرين .

إن الإشكالية بالنسبة للمناضلين العرب هي كيف نعجّل بمفاعلة استقامت بعض شروطها؟

إنّ دور معارك السطح  مواصلة التشهير بالتعذيب وفضحه ولا بدّ هنا من التنويه بالعمل الجبّار الذي قامت به المنظّمات العربية لحقوق الإنسان منذ نشأتها في نهاية السبعينات.

لقد سلّطت النّور على الظاهرة وأخرجتها من المنطقة العمياء للوعي الجماعي وهيّأت الذهنية العربية لحتمية إلغاء هذه الآفة .كما لا ننسى أن أكثر من مائتي أستاذ قانون وقاض وضابط وصحفي ودبلوماسي من الوطن العربي اجتمعوا أربع مرّات ما بين سنة 1988 و 1989 بدعوة من المعهد الدولي للدّراسات في العلوم الجنائية بمدينة سيراكوازا في إيطاليا لوضع مشروع اتفاقية عربية لمنع التعذيب، نشرت بنودها سنة  1990،  لكنّها لا زالت تنتظر التصديق من قبل الدول والجامعة العربية (16). بداهة هناك وعي عربي جديد بالظاهرة وهو المكسب الكبير في هذه المرحلة من تطوّر الإشكالية.

لكن هناك  معارك العمق وهي الأساسية في القضاء على التعذيب ومهمّتها بلورة   » الإنسان الحرام  » عبر الأدب والفلسفة والفنّ  والسياسة في إطار برنامج واعي طويل المدى يدرك أن تغيير ذهنيّة  حضارية أمر صعب معقّد مكتسباته هشّة سريعة الزوال إن لم يقع تعهّدها طول الوقت تعهّد أطرى نبتة وأسهلها عرضة للتلف .لا جدال أنّ هذا المنحى الجديد سيواجه بصفة ضارية من قبل المتشبّثين بالمجموعاتية .بداهة سنخطئ  إذا أردنا إقناع النّاس بالتصدّي للتعذيب أو عقوبة الإعدام وهم لا يزالون على الرؤيا القديمة .

إن استراتجية مبنية على الدعوى والإيمان بأفضلية أفكارنا وعلميتها وإنسانيتها وحداثتها الخ ومن ثمّة على ضرورة انتصارها عاجلا أو آجلا تنبع  من الرّؤيا لا من حقيقة مطلقة سابقة متقدّمة على المتصارعين. ترتطم أفكارنا بالرؤيا الأخرى التي يمكنها على غرار الجسد المهدّد بالجراثيم إفراز أجسام فكرية مضادّة تبطل مفعول أفكارنا .

نحن لم ننتقل إلى الرّؤيا الجديدة من باب الحجج والإقناع وإنّما من باب الانقلاب النظري الشامل ثم بدأنا نبحث بعدها عن الحجج والمبرّرات. معنى هذا أنّنا سنفقد كلّ معارك الحجج العقلانية لإدانة التعذيب وعقوبة الإعدام طالما لم نغيّر الرّؤيا التي نتوّجه إليها. و إذا نجحنا في تغييرها ولو جزئيا فإنّ أيّ موضوع محدّد سيجد طريقه إلى الفكر والقلب دون مقاومة تذكر. إنّ زعزعة الرّؤيا القديمة أمر سهل حتّى عند القوى الإسلامية التي يجب أن لا ننسى أنّها هي التي تعرّضت إلى أبشع أنواع التعذيب. ويكون ذلك بالتركيز على نقطتين أساسيتين:

-فضح ما يختفي وراء مفهوم مصطلح  » المصلحة العليا  » لهذا البعبع أو ذاك.

 -إثبات خطأ اعتبار الإنسان في الرّؤيا الجديدة فردا وقع تأليهه على حساب المجموعة.

 

المخادعون والمخدوعون

ينتمي المؤمنون بأولويّة المجموعة وعلويّتها على الشخص إلى فريق المخادعين والحديث عنهم وليس معهم. والمخدوعون هم الذين يجب أن نتوجّه إليهم بالحديث هم وقد عرّفهم الفكر الغربي بمفهوم l’aliénation  أي التغرّب .

 يصبح  المرء ضحيّته عندما يعتنق  المبادئ التي تتنافى مع مصلحته، عندما يصبح جلاّد ذاته، عندما يتعهّد بنفسه القيود والأغلال التي يرسف فيها. إنّ العمل السياسي الفكري للتحرّر هو مواصلة كشف الخديعة التي هي حجر الزاوية في التغرّب وذلك بتفكيك مفهوم « المصلحة العليا « التي تنتهك باسمها حقوقنا وكرامتنا. إنّ نفس عمليّة التفكيك التي رأيناها في الطبّ يجب أن تتواصل في الميدان السياسي مثبّتة  أن  » المصلحة العليا » للوطن التي يبرّر بها التعذيب ليست إلا غطاء مصلحة أنظمة عنيفة فاسدة معدّل حياتها عشرون سنة  وطغمة من الأفراد يمارسون الإجرام القانوني. نعرف أيضا أن تطبيق أحكام الشريعة باسم المصلحة العليا للدين لا يقع إلاّ على  الفقراء والضعفاء وأنّ كبار أسماك القرش لا تعرف الجلد وبتر الأطراف لأنّها هي التي تفرضه .

لا جدال أنّ تعريف « المصلحة العليا  » في غياب الشفافية والحرّية يعني التسليم بهذه  المصلحة لتكون الغطاء النظري للمصالح الحقيرة التي تشكّل في الواقع والفعل النقيض الأقصى للمصلحة العليا الحقيقية.

إنّ من أهمّ عوامل موقف الطبّ من التجارب الوحشيّة على الإنسان اكتشافه أن نتائجها الهزيلة لا تغطّى بلغة الاقتصاديين كلفتها ممّا تحدثه من شرخ في صورة الطبّ وإفسادها وتعفينها للأطبّاء أنفسهم وضرب العلاقة الطبيعية والضرورية التي يجب أن تربط بين الطبيب ومن يلتجئ  إليه. إضافة إلى هذا اكتشف الطبّ أنّه يستطيع أن يجد لتجاربه متطوّعون مستعدّون للتضحية بحياتهم من أجل مصلحة عليا حقيقية يشاركون من موقع المعرفة والمسئولية في تحديدها.

والقانون أنّه بقدر ما يكون تحديد المصلحة العليا مبنيّا على الحوار الحرّ والمسئول بين كلّ أطراف المجتمع  بقدر ما يحصل عليها الوفاق ويسهّل قبولها والدّفاع عنها.

لنذكّر المخدوعين المقتنعين بأنّ المجتمع لا يستقيم إلاّ إذا أخضع الفرد للمجموعة بهذا القانون الثاني الذي أعطانا منه التاريخ ألف عيّنة وعيّنة تاركين لحصافتهم تفسير المفارقة.

بقدر ما تكون الثقافة السّائدة والممارسة السياسية مرتكزة على تقديس المجموعة عبر أيّ شكل من أشكالها (الأمّة -الدين – السياسة-الوطن) بقدر ما يكون الحكم فردانيا سرّيا استبداديا. وبقدر ما تكون الثقافة السّائدة والممارسة السياسية مرتكزة على قيمة الإنسان بقدر ما يكون الحكم شفّافا ضعيف التشخيص وجماعيا.

إنّ ضرب التعذيب لصورة الدولة والنظام السياسي وإطلاق أحطّ الغرائز وتعفين العلاقات السياسية والاجتماعية وتغذية الحقد وما يترتب عنه من عنف وعنف مضادّ ظواهر نعايشها يوميّا ولا تحتاج لشرح مطوّل. يبقى علينا أن لا ننسى دوما أنه ليس إلاّ جزءا من كلّ حضاري ثقافي وخاصّة سياسي.

إنّ ضعف الأمّة هو ضعف الإنسان والمواطن داخلها وطول مدّة تبلورهما.

لقد كان الخطأ والخطيئة في الأيديولوجيات الوطنية أنّها اعتبرت أن الوطن شيء أخر غير جملة المواطنين الذين يكوّنونه. وأنّها اعتقدت أن حقوق الشعب لا تعني ضرورة تمكين الأشخاص الذين يكوّنونه من حقوقهم وحرّياتهم الفرديّة والجماعية. هو ما يعني أن معركة الاستقلال الثاني التي نحن بصدد خوضها ليست إلاّ معركة بلورة المواطن الحقيقي والإنسان الحرام شعارنا. أنّه لا حرمة للوطن ألاّ عبر حرمة كلّ مواطن.

إنّ الفكرة الثانية التي يجب تدميرها في ذهنية المخدوعين هي أنّ الإنسان اسم جديد نغلّف به البضاعة القديمة للفردانية التي تضع مصالحه الأنانية فوق مصالح المجموعة، وهو الأمر الذي لا يمكن لعاقل أن يقبل به لما يتضمّنه من أخطار على التماسك الاجتماعي، أيّ الدرع الواقي للفرد والمجموعة على حدّ السّواء.

فالإنسان في الرّؤيا الجديدة ليس الفرد أي هذا » السوبرمان « أو ذاك الناجي من المذبحة الجماعية للذات وكرامتها وقدراتها والذي أطلقت لنرجسيته العنان، وإنّما هو كلّ شخص تشكّل حقوقه واجبات كلّ شخص آخر وتشكّل واجباته حقوق كلّ شخص آخر. وهو الممثّل الشرعي والوحيد للإنسانية والوطن في كلّ لحظة ومكان ويشكّل التعدّي على حرمته تعدّ على حرمة الوطن والإنسانية نفسها. لأن حرمة الإنسانية وقداستها لا تتجسّم إلاّ في احترامها في كلّ ممثّل لها أي الإنسان الحرام بما هو جزء في كلّ وكلّ في جزء .

تختفي داخل الرّؤيا الجديدة الإشكالية التفاضلية المغلوطة أيّا كان الطرف الغالب فيها لندخل علاقة أخرى ليس فيها أولوية وهرميّة وإنّما ارتباط وثيق وتشابك والتحام أفقي ودائري تستمدّ المجموعة فيها قوّتها من قوّة الإنسان ويستمد فيها الإنسان قوّته من قوّة المجموعة التي يغذّيها بدوره لكي تغذّيه وهكذا دواليك

إنّ هذا مشروعنا للقرن نواصل به  من أجل أطفالنا حلم بناء  وطن لا نستحي منه ولا يستحي منّا

  


أم المجازر في محكمة ( العدل ) الدولية في لاهاي

200 ألف ضحية من مسلمي البوسنة ثمنا لاستقلال كوسوفا في شرعة تجار البشر وقانون الغاب

سراييفو : عبدالباقي خليفة
انتظر المسلمون في البوسنة 14 سنة ليقول القضاء الدولي كلمته الأخيرة في مظلمتهم التاريخية والابادة التي تعرضوا لها على مدى 4 سنوات متواصلة ،وعلقوا الآمال العريضة على عدالة الغرب ،بعد أن فقدوا الثقة في سياسته ،لكن خيبة أملهم كانت كبيرة والصدمة مزلزلة والالم فاق الوصف ، فذاك الثوب من ذاك القماش .
في 26 فبراير 2007 وبينما كان الجميع بما في ذلك الجناة الصرب ، ينتظرون إنصاف الضحايا وإنزال العقوبات الرادعة بحق المعتدين ممن تسببوا في قتل أكثر من 200 ألف نسمة من بينهم أكثر من 10 آلاف في سريبرينتسا ،وإجبارالدولة المعتدية على تقديم التعويضات والتي مهما كانت لن تعيد مقتولا أو تحيي ميتا أو تداوي جرحا من جراح العدوان النازفة وحتى اليوم . بينما كان العالم أجمع ينتظر ذلك ، نزل حكم المحكمة على رؤوس الضحايا وأهاليهم والبوسنة وكل محبي العدل والحرية في العالم نزول الصاعقة ، حيث قضت رئيسة المحكمة الدولية ، البريطانية ،روزا لين هينغز ، ببراءة صربيا من من جرائم الإبادة العرقية في البوسنة 1992 /1995 . ورغم تأكيدها على أن ما حصل في سريبرينتسا في الفترة ما بين 13 و19 يوليو 1995 كان إبادة جماعية وفق التعريف الدولي للابادة ،إلا أنها لم تعتبرماجرى في غيرها من الاماكن ولا سيما في بريدور،وبيالينا ،وبيهاتش ،وبريتشكو و،غيرها حرب إبادة .
قرار متناقض : كما سقطت المحكمة في أتون التناقض ،فقد أكدت على أن صربيا  » قامت بمساعدة صرب البوسنة عسكريا  » مما مكنهم من تنفيذ الابادة في سريبرينتسا وغيرها ، لكنها ذكرت في نفس الوقت بأن  » صربيا لا تتحمل المسئولية المباشرة عن تلك الابادة  » وإنه  » لا توجد أدلة على تورط صربيا مباشرة فيها « والجميع يعلم أن صربيا وريثة يوغسلافيا السابقة هي التي شنت العدوان على البوسنة ، وهي التي أمدت صرب البوسنة بالمال والسلاح والمقاتلين والخبراء ، كما تبنت قضيتهم سياسيا ووقعت نيابة عنهم في دايتون في 21 نوفمبر 1995 عن طريق الرئيس الصربي الاسبق سلوبودان ميلوشيفيتش . لذلك يحق وصف أحكام محكمة ( العدل ) الدولية في لاهاي ،بأم المجازر،و » أشد الضربات إيلاما للمسلمين في البوسنة ،وكل محبي العدل والحرية في العالم ،وسابقة خطيرة في عالم تسييس القضاء الدولي « ، وفق الدبلوماسي البوسني السابق وأستاذ القانون الدولي الدكتور قاسم ترنكة .
مرارة وخيبة أمل : رئيس العلماء في البوسنة الدكتور مصطفى تسيريتش الذي كان حاضرا في محكمة لاهاي وعاد للبوسنة . قال  » للمجتمع  » بأن شعوره عقب سماع رئيسة المحكمة وهي تنطق بالحكم الجائر  » مزيجا من المرارة وخيبة الأمل  » وتابع  » المرارة هي أن البوسنة مرت بظروف قاسية وتعرض المسلمون فيها للابادة ولكل أنواع الجرائم ثم تعلن المحكمة أن صربيا لم ترتكب جرائم إبادة ، بينما الجميع وكلنا شهود وضحايا نعلم أن ذلك وقع ، أما خيبة الأمل فقد انتظرنا طويلا ومنذ 1993 عدالة المحكمة الدولية ولن توقعاتنا وآمالنا ذهبت أدراج الرياح ، مما يؤكد بأن الانسانية لا تزال في مرحلة الطفولة ولا تزال تتلاعب بها الاهواء « واعتبر موقف المحكمة أكبر من كونه حكما قضائيا وإنما يتجاوز ذلك بمراحل . وأضاف « دائما هناك من لا يزال مصرا على عدم قول الحقيقة حول ما جرى في البوسنة ،ونحن نعلم ذلك جيدا ،ولا نحتاج لمن يخبرنا عمن خطط للابادة وأين ومن نفذها وكيف  » ؟ وأثنى الدكتور تسيريتش على الفريق القانوني البوسني في محكمة لاهاي ،وقال « كانوا مدافعين جيدين عن قضية عادلة ولكن الامر يتعلق بحسابات ثانية « وجدد أسفه مرة أخرى على « عدم تحميل صربيا والجبل الاسود المسئولية المباشرة على جرائم الابادة « ،ولكن « المحكمة اعترفت بحصول إبادة في سريبنتسا وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في البوسنة ومقابر جماعية ،وهذا مهم جدا للوضع في البوسنة و مستقبلها « .وعن رسالته للمسلمين قال  » أريد أن أوضح أمرا مهما ، يجب أن نعيش على أمل أن يكون مستقبل أجيالنا أفضل من ماضينا ، لقد طلبت محكمة لاهاي من صربيا أن تحول دون تكرار ما حدث من إبادة في البوسنة ،هذا يعني أن صربيا مسئولة عن الابادة السابقة ، فالذي يقدر على منع الابادة ،ولا يفعل يعد مسئولا عنها  » .
محو نتائج الابادة : عضو مجلس الرئاسة الدكتور حارث سيلاجيتش قال  » للمجتمع  »  » لقد حملت محكمة العدل الدولية صرب البوسنة المسئولية عن جرائم الابادة في سريبرينتسا ،وكانت المكاسب التي حققها صرب البوسنة نتيجة لجريمة الابادة ،ولذلك لا بد من إلغاء تلك النتيجة بعد قرار المحكمة الدولية  » في إشارة إلى الحكم الذاتي الذي يسيطر عليه صرب البوسنة والذي لا يزال سيلاجيتش يدعو لالغائه منذ عدة سنوات لصالح دولة مركزية و طبيعية في أوربا .  » بما أن المحكمة الدولية في لاهاي لم تحمل صربيا والجبل الاسود المسئولية عن الابادة فإننا نرغب في اتخاذ الاجراءات اللازمة حيال الموقف الصربي المتخاذل في منع الابادة وهو ما أكدت عليه المحكمة  » واعتبر سيلاجيتش قرار محكمة لاهاي رغم افتقاده لروح العدالة ،وعصفه بآمال الضحايا ينطوي على بعض المكاسب  » لقد اعترفت المحكمة بحصول إبادة جماعية بما لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية ،ونتائج تلك الابادة واضحة اليوم طالت كل المؤسسات وعلى كافة المستويات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في البوسنة ، لقد تم تدمير كل شئ تقريبا . إضافة إلى أوضاع التمييز العنصري أو الابرتايد في مناطق السيطرة الادارية لغير البوشناق المسلمين  » وأشار سيلاجيتش إلى أن  » فصول الابادة تحتوي على الذبح الجماعي والاغتصاب الجماعي ،ومعسكرات الاعتقال الجماعية ،والطرد الجماعي ،والسطو الجماعي على ممتلكات البوشناق المسلمين ، وتدمير المعالم الثقافية للمسلمين ومساجدهم بشكل شامل ،وهو ما لم يحصل مثيل له على مدى ألف عام من عمر البوسنة « وشدد سيلاجيتش على أن « العدالة للضحايا وعودة المهجرين إلى الاماكن التي هجروا منها و تعويض ضحايا الابادة هو الطريق للمصالحة والتعايش المشترك بين أجيال البوسنة وشعوب العالم قاطبة « . وحمل الدكتور حارث سيلاجيتش الامم المتحدة جزءا من المسئولية عن جرائم الابادة التي تعرض لها المسلمون في البوسنة « الامم المتحدة مسئولة بشكل مباشر أو غير مباشر عما جرى في البوسنة ،من خلال فشلها في ايقاف العدوان منذ البداية وحظر السلاح عن البوسنة وهو ما يعني منعها من حق الدفاع عن نفسها  » ووصف قرار المحكمة بأنه سقوط جديد للامم المتحدة في امتحانات البوسنة منذ سنة 1992 .وطالب المجتمع الدولي مجددا بالمساعدة في إلغاء نتائج الابادة في البوسنة . كما طالب بإصدار قانون يعاقب من ينكر الابادة الجماعية في البوسنة .
أما العضو الكرواتي في مجلس الرئاسة جيلكو كومشيتش الذي كان قائدا في الجيش البوسني إبان الحرب ،فقد ذكر بأنه يحترم قرار المحكمة بقطع النظر عن موقفه منه ،وقال بأنه شاهد عيان لما جرى في أثناء العدوان و أنه سينقل ذلك لاولاده  » لدي الحق في أن أعلم عائلتي وأبنائي بما جرى في هذه البقعة من العالم  » . في حين دعا العضو الصربي في مجلس الرئاسة « رادمانوفيتش  » « جميع السكان  » إلى « عدم التصعيد والهدوء « وإلى الولوج لما وصفه ب  » المستقبل السعيد  » . وقال  » في هذا المكان يجب أن نعيش جميعا وأعتقد بأنه بامكاننا العيش جميعا  » لكنه لم يرغب في الحديث عن الابادة في سريبرينتسا .
هدية لبلغراد : يعتقد بعض المراقبين والمؤرخين بأن قرار محكمة العدل الدولية كان بمثابة هدية لصربيا ، بل للجناة المجرمين ، في حين يرى محللون سياسيون بأن البوسنة وضحاياها المسلمون وجدوا أنفسهم ضحايا للمرة الثانية على التوالي بعد 14 سنة على مأساتهم الاولى ،فإن كانوا في سنوات 1992 و 1993 و 1994 و1995 ضحايا للابادة فإنهم في بداية القرن الواحد والعشرين وتحديدا في 26 فبراير 2007 قد قدموا قرابين في سمسرة دولية وضحايا عملية مقايضة غير عادلة في سوق النخاسة الغربية ،حيث تمت التضحية بهم مجددا لارضاء بلغراد ،مقابل قبول خطة المبعوث الدولي إلى كوسوفو مارتي اهتساري ، أوعلى الأقل تقديم تنازلا لصربيا على حساب البوسنة وتحديدا مسلميها . وقال المؤرخ ومدير معهد جرائم الحرب في سراييفو الدكتور اسماعيل تشاكيتش  » للمجتمع  » هذا انتصار للجناة المجرمين ، كما يبقي على امكانية تكرار المذابح بحق المسلمين في المستقبل ، ويجعل شعبنا يعيش في خوف دائم ، لأن المجرمين أمنوا العقوبة ،هذا عار جديد تتسربل به الامم المتحدة والمسؤلين عن أمن الامن والاستقرار في العالم  » .
وكانت منظمات بوسنية مثل  » نساء ضحايا الحرب « و »نساء سريبرينتسا « و « معاقي الحرب  » و »ضحايا معسكرات الاعتقال الجماعية  » وغيرها قد تظاهروا أمام محكمة لاهاي يوم 26 فبراير ،وأمام المؤسسات الحكومية في سراييفو يوم 27 فبراير ضد قرار محكمة لاهاي ، معتبرين إياه « هدية لبلغراد  » وقالت فضيلة ميميشوفيتش من منظمة  » التكتل من أجل شعب مهدد  » حسب هذه المحكمة فإن ما حدث في البوسنة كان حربا أهلية وليس عدوانا وإبادة ، هذه مهزلة وليست محكمة ، هذا موقف سياسي يراعي توازنات الوضع في المنطقة وليس الادلة القانونية ، هذا دليل على أن أوربا شريك رئيسي في الابادة التي تعرض لها شعبنا « .وقالت كاديتا هوتيتش ، رئيسة جمعية « أمهات سريبرينتسا « وقد بدت متعبة جدا  » لدي ثلاث أحفاد سأروي لهم ما حدث ، هذا هو السلاح الذي يمكنني به مقاومة شر العدوان الذي تعرضت له مع أسرتي وشعبي « . ورددت ما قاله رئيس العلماء في وقت سابق  » لا يمكن لاحد الهروب من الحقيقة للابد  » .
الجناة في جنازة الضحايا : كان المسئولون الصرب طيلة السنوات الماضية يتوقعون ، بناءا على ما اقترفوه من جرائم في البوسنة،أن تصدر محكمة ( العدل ) الدولية قرارا بإدانة صربيا ،وتحميلها المسئولية عن جرائم الابادة ، ليس في سريبرينتسا لوحدها ، كما تم يوم الاثنين 26 فبراير 2007 ،وإنما بشكل شامل ،غير أن لعبة السياسة تغير مجرى العدالة ،كعادتها ،عندما يتعلق الأمر بالمسلمين . وكان الصرب ولا سيما في بلغراد قد حاولوا كثيرا التوصل إلى صيغة للتراضي مع البوسنة خارج محكمة لاهاي الدولية ،وعرضوا ذلك على الرئيس البوسني الأسبق سليمان تيهيتش العام الماضي ، وقدموا اغراءات كثيرة من بينها تعبيد طرق وتقديم أموال للضحايا ، لكن تيهيتش ومن ورائه المسلمين في ذلك الحين ،رفضوا تلك العروض . وهو ما يؤكد بأن المسئولين في بلغراد يعتقدون في قرارة أنفسهم أنهم مسئولون عن جرائم الابادة في البوسنة كلها وليس سريبرينتسا فحسب . ليس ذلك فقط ، بل إنهم عرضوا مقايضة شكواهم ضد حلف شمال الاطلسي ، الذي قصف صربيا سنة 1999 إبان الحرب في كوسوفو بسحب شكوى البوسنة ضد صربيا . وقد تمت المقايضة بين صربيا والغرب كما يبدو ، شكوى بشكوى مع إضافة كوسوفو للصفقة ،في مذبحة بل إبادة جديدة للتاريخ والأجيال ،التي من حقها معرفة الحقيقة ،وإبادة جديدة أيضا لحقوق الضحايا المسلمين في البوسنة ،ماضيهم ومستقبلهم .
ومع كل ما سبق ،فإن الصرب وبعد صدور قرار محكمة لاهاي الدولية بتبرئة صربيا من جريمة الابادة في سريبرينتسا ، اعتبروا القرار  » تاريخيا  » ليس ذلك فحسب ، بل  » يعبر عن روح العدالة  » !!! الرئيس الصربي بوريس طاديتش احتفل بالقرار ،الخطيئة ،على طريقته ،حيث دعا في مشهد من مسرحية هزلية وركيكة ،البرلمان الصربي لاصدار إعلان يدين مجازر الإبادة في سريبرينتسا .. لم يفعل البرلمان الصربي ذلك خلال السنوات الاربعة عشر الماضية !!! وفي سنة 2005 اختلف أعضاء البرلمان الصربي حول الصيغة التي يجب أن يصدر بها اعلان إدانة الابادة ، وفي يوليو من نفس السنة وقف بعض أعضاء البرلمان دقيقة صمت (على أرواح ضحايا لندن وسريبرينتسا و براتوناتس ) حيث رفض أكثر من ثلثي الاعضاء وهم الراديكاليون والاشتراكيون ذلك .
وقال طاديتش يوم 27 فبراير إنه  » من المهم جدا إصدار إعلان من البرلمان يدين جرائم الابادة في سريبرينتسا ، وهو واجب تفرضه علينا مسئوليتنا في هذا الخصوص  » وقال إن « عدم التعاون مع محكمة لاهاي وإصدار إدانة لجرائم الابادة في سريبرينتسا يعد عملا ضد مستقبل صربيا وشعبها  » وقد تكررت تصريحات المسئولين الصرب منذ 10 سنوات على ضرورة اعتقال وتسليم المتهمين والتباكي على ضحايا سريبرينتسا دون أن يتم اعتقال المتهمين بارتكاب جرائم الابادة أو الاعتراف بالمسئولية الاخلاقية عن تلك الجرائم . وهوما عده الكثير من المسلمين  » تلاعبا بالعواطف وتظاهرا بالبراءة  » . وتابع طاديتش « إذا لم تتعاون صربيا مع محكمة جرائم الحرب في لاهاي فإن الاوضاع السياسية والاقتصادية في بلادنا ستصبح دراماتيكية  » وبالتالي فإن الموقف من جرائم الحرب ليس احقاقا للحق وإنفاذا للعدالة واقتصاصا للضحايا وتبرئة للذمة ، وإنما خوفا على الاوضاع السياسية والاقتصادية في صربيا وحسب .
تكريس المغالطات : الاتحاد الاوروبي من جهته دعا صربيا للتعاون الكامل مع محكمة جرائم الحرب في لاهاي ،وهي دعوة أصبحت روتينية ، ولم تؤت ثمارها لا سيما فيما يتعلق باعتقال وتسليم مجرمي الحرب رادوفان كراجيتش ،والجنرال راتكو ملاديتش ، حيث يعد أغلب المعتقلين في السجن التابع لمحكمة لاهاي في انتظار صدور الحكم عليهم أو ممن تمت محاكمتهم من الحيتان الصغيرة . في حين يوجد 6 من عتاة المجرمين في حالة فرار،وقد تغلق المحكمة دون جلبهم للقضاء . وقال بيان لوزارة الخارجية في المانيا التي تراس الاتحاد الاوروبي حاليا  » رئاسة الاتحاد الاوروبي تدعو بلغراد لاعتبار قرار المحكمة الدولية فرصة للتخلص من الجرائم التي ارتكبت باسم يوغسلافيا السابقة في ظل نظام سلوبودان ميلوسيفيتش « . واعتبرت المصادر الصربية ،قرار المحكمة الدولية ، ونداء الاتحاد الاوروبي بمثابة  » نداء للحكومة الصربية الحالية والمقبلة لاعتقال وتسليم الجنرال راتكو ملاديتش في أقرب وقت ممكن « . كما أن « اعتقال ملاديتش خطوة أوروبية وإشارة ذكية لكل جيران صربيا تخلصت من الماضي ودخلت في المستقبل من بابه الاوروبي بل شطب كل علاقة مع جرائم الابادة في البوسنة بتحميل بعض الأشخاص المسئولية عنها بدل الدولة  » . وهكذا تستبين طبيعة المحاكمات التي تجري في لاهاي : تحميل بعض الاشخاص المسئولية عن جرائم الحرب والابادة بدل الدولة ،عكس ما حصل مع المانيا واليابان حيث حملت الدولتان كل المسئولية ،وتم الاقتصاص من كل جندي ألماني أوياباني ،ولا يزال البلدان موطئا لجنود الحلفاء ،وتحديدا القوات الاميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 م .
الولايات المتحدة الاميركية أعربت عن أملها في أن يساهم حكم محكمة لاهاي بتبرئة صربيا من جرائم الابادة في سريبرينتسا في تحقيق المصالحة في البلقان بين مختلف شعوب المنطقة . وقال الناطق باسم البيت الابيض شون ميكورمارك  » نود تشجيع الشعوب في المنطقة على قطع خطوة جديدة على طريق المصالحة ، ووضع حد للانقسامات وتنكئة الجراح التي لا تزال قائمة في تلك المنطقة  » وتابع  » لقد تمت تبرئة صربيا من المسئولية المباشرة عن مجازر سريبرينتسا ولكن طلب منها إدانة الابادة في سريبرينتسا ،وأشار إلى عدم منعها صرب البوسنة من القيام بجرائم الابادة « وتابع « هذا يشجع صربيا على اعتقال و تسليم المتهمين بارتكاب جرائم حرب و في مقدمتهم قائد قوات صرب البوسنة سابقا الجنرال راتكو ملاديتش « وأعرب ميكورمارك عن أمله مجددا في تحقيق المصالحة بين شعوب المنطقة و نسيان الماضي . وكانت محكمة لاهاي قد برأت صربيا من جرائم الابادة في البوسنة لكنها أكدت على أنها لم تعمل على منع صرب البوسنة من ارتكاب تلك الجرائم ،كما إنها لم تقم باعتقال وتسليم المتهمين بارتكاب جرائم حرب وفي مقدمتهم الجنرال ، راتكو ملاديتش .
ماذا تعني التبرئة :إن تبرئة صربيا من جرائم الابادة في البوسنة ،وإثبات الابادة في سريبرينتسا فقط ،وتحميل صرب البوسنة أو قيادات منهم المسئولية عنها لا تخلو من معاني ،وفي مقدمتها البعد حضاري ،وتكريس صورة نمطية عن المسلمين بكونهم ارهابيين وجناة ومشكلة أمنية في أوربا ،وليس ضحايا ومضطهدين ومعتدى عليهم . ثانيا : يذكرنا قرار محكمة ( العدل ) في لاهاي بموقف الولايات المتحدة الاميكرية قبل 4 سنوات عندما رفضت التوقيع وإلى حد الان على انشاء محكمة الجنايات الدولية ،وقامت بتوقيع اتفاقات ثنائية علنية وسرية مع الدول الهشة والديكاتورية بعدم مقاضاة الجنود الاميركيين أمام محكمة الجنايات الدولية . وذلك قبل غزو أفغانستان والعراق ، مما أكدا فيما بعد نية العدوان وارتكاب جرائم ما يوصف بالحرب القذرة . فهل تبرئة صربيا مقدمة لتبرئة جرائم إبادة مماثلة تلوح في الأفق ولا سيما في منطقتنا الاسلامية تضاف لما جرى و يجري في العراق وفلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير والفلبين وغيرها . أو ما حصل في الجزائر في حين يصادق البرلمان الفرنسي على مشروع إدانة لكل من ينكر ما يوصف كذبا بمجازر الارمن في تركيا ،وبدون محاكمة أو رجوع لقانون دولي . هل هناك نية لشيطنة المسلمين حيث تصدر الاحكام القاسية بحقهم عبر الشك وليس الادانة بينما يتم التساهل مع الوالغين في دمائهم في صبرا وشاتيلا وكفر قاسم وقانا وغروزني وبيالينا وسريبرينتسا وسراييفو وتسرنغاروبيروت وبغداد ومزار شريف وغيرها .إنها أسئلة مشروعة نختمها بسؤال هام عما إذا كان للهولوكست دور في صدور قرار محكمة ( العدل ) الدولية حيث يبقى الوحيد في الذاكرة والمخيال الدولي بصورته الراهنة متربعا في أعماق الجرح الانساني بلا منازع أو ربيب . بعد أن تم نسيان الضحايا الآخرين من الاعراق والديانات الاخرى بمن فيهم المسلمون الذين حملتهم قوات الاحتلال على القتال في حرب ليست حربهم .و قتل منهم الآلاف ولم يتم يتم تعويض أسرهم .
الشئ المؤكد هو أن المسلمين لا بواكي لهم ،ولكن رب ضارة نافعة ، فالمسلمين في حاجة دائما لما يذكرهم بأعدائهم وطبيعة أعدائهم كقرار محكمة لاهاي الدولية لا يخدعوا دائما بتلك الشعارات الدولية الجوفاء . وإذا كان فاقد الشئ لا يعطيه ، فكيف يرجى من أبناء حضارة مضرج تاريخها بالدماء وبنيت كثير من دولها على أنقاض أمم واشلاء شعوب أخرى ،وتاريخها مترع بالعدوان والسطو والاحتلال والنهب ،والمصالح لديها تعلو فوق كل قيمة انسانية كالعدل والرحمة أن تحكم لصالح الضعيف وصاحب الحق ،وهي التي تؤمن أن ( الحق مع الاقوياء دائما ) وأن الحياة كما تعلمت ( هي ) من داروين  » صراع من أجل البقاء  » تماما كما يجري في البراري بين الضواري أو الغابات بين أصحاب الانياب والمخالب . وبذلك حولوا الحياة الانسانية إلى غابة يموت فيها الضعيف وقد تأكد الجميع من ذلك أمام أكبر مؤسسة قضائية دولية في لاهاي يوم 26 فبراير 2007 . إنه تاريخ موت العدالة رسميا رغم مرور دهرا على موتها غير الطبيعي ،وهو ما يستوجب قيام دولة الحق والقوة لتعيد للضحايا من كل دين وعرق حقوقهم المغتصبة على مذبح المصالح والاهواء والشهوات المختلفة . * تقرير أعد خصيصا لمجلة المجتمع الكويتية سينشر بعون الله في يوم السبت القادم (المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 28 فيفري 2007)

 

الطــائفية والحلول المنقوصة…

د. خــالد الطــراولي ktraouli@yahoo.fr كانت أيام السقيفة أياما حاسمة في مسار حركة التاريخ الإسلامي، ولعل كل حادثة وقول وفعل وصمت وحديث ومواقف وممارسات وقعت في ذلك المشهد العام والخاص، قد أعطى لمسار الأمة توجها معينا وعلاقات محددة بين أطرافه ومجتمعاته وأفراده وفرقه… كُتب التاريخ اٍلإسلامى إذا على وقع آثار هذا اللقاء المفصلي في حياة أمة وحضارة، وكانت أياما لها ما بعدها. ولعل تحول الإختلاف السياسي إلى خلاف عقائدي  ودخول اللون الأحمر فيما بعد على الخط، زادا هذه العلاقة ارباكا وتشذرما، وساهما و لا شك في زعزعه استقرارالأمة وانقسام وحدتها إلى فرق وطوائف، لعل أكثرها حساسية ووضوحا ما فرّق بين السنة والشيعة.
 لم تخلو هذه العلاقة من لحظات تاريخية محددة ومتميزة مثلت نقاط توتر عالية في ظل حالة عامة اصطبغ أغلبها بهدوء مشرئب بالتوجس أو بالرضاء بالقليل المتعارف عليه، تحت سطوة السياسة أو التقية أو الرضوخ. لقد كان لدخول البعد العقائدي في هذه العلاقة الأثر الكبير في تمزقها أو وقوفها على جرف هش يكاد أن ينهار في أي لحظة من ليل أو نهار… لقد كانت السقيقة لحطة تاريخية، كانت انطلاقة التاريخ، وكانت الفتنة الكبرى لحظة مميزة، وكان مقتل الحسين رضي الله غنه لحطة أخرى، وكانت ثورات ومقتل أئمة آل البيت لحظات متجددة، وكان دخول التتار بعداد وحادثة الوزير بن العلقمي لحظة جديدة، وتتوالى هذه اللحظات التاريخية شرقا وغربا على وقائع تكوّن إمارات ودول شيعية أو تفككها.
كانت هذه اللحظات تمثل نقاطا قصوى في هذه العلاقة في اعتمادها الصارخ والعنيد في استجلاب التاريخ والتعويل عليه في كسب شرعية التواجد ومصداقية المواجهة والخلاف، فيدخل هذا التاريخ بمعسكره الحامل لأدواته المقدسة والمعصومة وتدخل محاكم التفتيش على الخط، ويستظل الجميع تحت رايات التكفير والتجهيل…
تدخل الأمة مجددا هذه الأيام في هذه اللحطات التاريخية القصوى والخطيرة في العلاقة بين طرفي الأمة على وقع مصالح متشابكة داخلية وخارجية، حُمل بعضها على ظهر دبابة تحمل أرقاما غير وطنية، والبعض الآخر على ظهر نياق يحملن يافطة إسلامية أو علمانية! ويُستدعى التاريخ مجددا من لياليه المظلمة ويعاد نسج قميص عثمان رضي الله عنه من جديد، ويقف أبو لؤلؤة على خبث وفي « مزاره » وهو يمسك من جديد بخنجره لطعن الخليفة الثاني رضي الله عنه، ويسقط رأس الحسين الشريف مجددا بين صياح وعويل وضوضاء ودعوة آثمة للثأر ولو من جيل القرن الرابع عشر!!!
لقد كتبت منذ مدة مقالا حول السنة والشيعة وضرورة « الخروج من التاريخ » لرأب صدع هذه العلاقة المتهاوية وحل هذه الأزمة المتعاضمة، اعتبرت فيه أن كل محاولة للتقريب والتعايش تكون مبنية أساسا على الدعوات للندوات واللقاءات المشتركة وعلى نداءات التفاهم والتفهم لاختلاف الآخر وتميزه، ليست مجدية ولا تؤدي في أقصاها إلا إلى عقَود مجاملات وبشاشة تملأ محيّا كل الأطراف وتنتهي بمجرد انتهاء اللقاء ومغادرة الجميع قاعة الحفل، ولا تزيد الأزمة في النهاية إلا استفحالا وتشددا، خاصة بين عامة الناس، وإن كانت تظل تطبخ في بعض الأحيان على نار هادئة! ولقد رأيت في ذلك المقال أن سبب الفشل وإن كان مقنّعا، يعود أساسا إلى هذه الغفلة في استدعاء التاريخ مجددا ولو بدعوى الفهم والتفاهم والمصارحة، والبناء على هذا الزخم الهائل من المقدس التاريخي الذي يستقرئه كل طرف لتدغيم أمسه وحاضره ومستقبله.
ويتأكد لي هذا الرأي مجددا بعد اللقاء الذي وقع في الدوحة أخيرا وجمع العديد من علماء الأمة من كل الطوائف والذي شابته كثير من لحظات متوترة، ولم يحرج بنتائج حاسمة تنعكس مباشرة وبسرعة على الأوضاغ الخطيرة التي تمر بها الأمة. ويزداد تشبثي بهذا الموقف واعتباره الأصلح ولعله الأسلم في معالجة هذه الأزمة المستفحلة باستبعاد اللجوء للتاريخ في محاولة التقريب بين الأطراف، فيما واكب اللقاء الأخير الذي جمع على الهواء مباشرة الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ رفسنجاني، من سطحية وعدم نجاح في شفاء انتظار المشاهدين والاستجابة لتلهفهم. لقد لمسنا جميعا هذا الفشل حيث تجلى تناقض الخطابين، فبقدر ما طالب الشيخ القرضاوي بإفصاح الطرف المقابل بكل وضوح ودون تردد في رفضه لبعض المقولات والمواقف التي تطفح بين الحين والآخر لدى الشيعة وتجد لها مواقع داخل الكتب الصفراء والمعاصرة، وخاصة تجاه الصحابين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والطاهرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وبقدر ما كان المطلب واضحا، بالقدر الذي كان رد رفسنجاني ديبلوماسيا وهادئا يدعو إلى وحدة المسلمين ورأب صدع الهوة التي تمزقهم، دون التعرض لأي من تساؤلات القرضاوي، وبقي المشاهد على تعطشه وانتظاره، وخاب أمل الجميع في الوصول إلى هذا الشجب العام لكل ما يطال هذا المقدس من تطاول واستفزاز. كانت أطر التشخيص والتساؤل مختلفة، فكانت الأجوبة مختلفة، فبين الإطار العقائدي الذي انطلق منه الشيخ القرضاوي واعتبر خطورة ما يقع انطلاقا من توضيفه، وبين التشخيص السياسي الذي استند إليه الشيخ رفسنجاني وجعله يقرأ الأحداث في بعدها السياسي الضيق، ظهرت الفجوة وسقطت منهجيتان لعدم صلوحيتهما. سقطت منهجية المصارحة لأنها سعت إلى فتح قنابل موقوتة وتستدعي اللجوء إلى مقدسات حاسمة ومتناقضة، وسقطت المجاملة لأنها لا تستطيع الوقوف عند بابها وتقنع الطارق أن لا يجتاز العتبة، وهو لا يرى دخول الدار إلا مطية لما بعده وهو البيت العقائدي الذي يراه المنزل والمستقر.
لم تكن المصارحة حلا ولم تكن المجاملة حلا، فكلاهما يصطدم بمقدس صلب وتاريخ أصلب ويصبح اللجوء إليه حتميا، حينيا ومباشرا أو بعد حين ومتأخرا وعلى مراحل، يعود إليه كل طرف ويستند إلى رواياته ورجاله، فتقع المواجهة مصارحة أو مجاملة.
لقد كانت أكثر لقاءات الشيعة والسنة نجاحا في التنزيل ما وقع في الستينات من القرن الماضي من قبول للمذهب الجعفري داخل جامع الأزهر واعتباره خامس المذاهب الإسلامية الفقهية، وتوقف التقارب والقبول في مستوى فقهي بسيط ينتهي عند العبادات وفقه الطهارة والرضاعة وما شابهها، وهو حل جميل وطيب لكنه لم يستطع ولن يستطيع أن يتجاوز هذه المحطة العبادية الضيقة دون حدوث أزمة، ولا أن يتبلور إلى قبول كامل ومتبادل يملأه الصفاء والوضوح كما هي الحال لبقية المذاهب الأربعة.
ورغم هذا الدخول الفقهي الضيق لرحاب الأزهر الشريف، فقد بقي دخوله علميا بحتا وعباديا خالصا، وظل حذرا ولعله وقف عند الباب بالنسبة لمخيال العامة من المسلمين السنة، حيث لم يتجرأ أحد أن يفتح باب الفقه السياسي على مصراعيه خوفا مما يحمله من أوجاع ومفارقات وخلافات جوهرية وقاسية. إن أربعة عشر قرنا لم تفلح في لمّ الشمل وفي هزيمة الطائفية ولن تعيده القرون المقبلة إذا تواصل الاستناد لهذه المنهجية التي ظلت ترقب التاريخ من طرف خفي، هذا التاريخ الذي يحمل جراحا وتوترات ويستند إلى مقدسات يعتبرها كل طرف أنها الحق ولا سبيل إلى رفضها أو حتى تأويلها.
تبقى المنهجية السليمة القادرة على رأب هذا الصدع التاريخي في عدم اعتماده، وإذا كانت القاعدة تقول أن من ليس له تاريخ لن يكون له حاضر ولا مستقبل، فإنها تنتفي في حالنا ونحن ننسج علاقة الوفاق والتفاهم بين طرفي الأمة، وإذا أردنا أن نزع فتيل الطائفية وأن يكون لنا حاضر يجمعنا ومستقبل يوحدنا، فإنه يجب ترك هذا التاريخ بعجالة ودون تردد. لن ننستطيع تغيير هذا التاريخ و لامقدسات كل طرف، ولن نستطيع سوى قراءته من خلال ثقافة وغقلية ومقدس كل مجموعة، ولن نكون داخل التاريخ مجددا إلا إذا كنا خارجه في هذه النقطة المنعزلة والأساسية في مشوار مجتمع وأمة وحضارة، وهي مفارقة غريبة ولا شك ولكنها تمثل حلا هيكليا ودائما يبني للحاضر ويؤسس للمستقبل على وعي ورشد واحترام متبادل,
المصدر: ركن « اللقــاء الفكري » موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net  

ابجدية الغرباء شعر جمال الدين أحمد  الفرحاوي الف الإبتداء أَلم بداخل نصي حروف الهجاء أصفها حرفا بحرف أحرض فيها حروف النداء وعبر المدود اســافر اجسر كل الفراغات وأصل بالالف ألى الياء وعودا على البدء في اظل اراوح ما بين نصي وبين إبتدائي بأول حرف تألف من الف الإبتداء باْء المساء بباب الغروب تحط  مساءات كل الذين يجئيؤون  رفضا لهذا المساء محملة بكل المعاني حروف  الجر هي تجر الملوك وتلغي رفعة السلاطين وتنفي النصب عن المناصب وتكسر الرؤساء جريئة هي حروف الجر اشجع من الكتاب والشعراء رائعة هي  حروف الجر من…إلى…..عن…..على في…..ب…….. رائعة هي حين  تكسر الجبارين وتجر خلفها الوزراء ******** جميلة هي حروف الهجاء بكل المعاني حين تؤلف نصا يتكثف فيه المعنى تتحد فيه الكلمات لتعلن ان المساء قريب وان الأبواب توصد حين الغروب يوصدها السجان هناك وهنا يوصدها البلغاء اوصيك وانت الملهوف يا عاشقا لحروف الهجاء خذ حرف الالف مع النون وجعله للغة إناء تاء التاويل تحدثني بقايا نصوصي تحاصرني ذاكرتي تتمرد في القصيدة تتجاذبني العبارات نحو كل المعاني تستلمني المباني نحو رموزها نحو إيحاءاتها نحو كل ابعاد النص الذي يحمل كل إحتمالات التآويل ترحل بداخلي كل المعاني تستوقفني كل  صيغ الكتابه تداهمني غربتي بكل حروف النصوص يأخذني النص نحو كل الإحتمالات وامضي بنصي لنصي واعبر عبر الحروف عبر كل الفضاءات يمتد حرفي بنصي نحو كل المجالات التي تئـد غربتي في الّلغه ثاء الإنتماء ثوت في الفؤاد ثلاث ُمساراتٍ تؤدي لسمتِ هو الإنتهاء وهجر التنائي وعود النّصوص إلى الإبتداء ثلاث تحط بكل النصوص إغتراب المعاني وابتداء التآويل بالمستحيل وصلب الحروف بعمق المباني  
جيم التنزيل أجمع حروفي أنزل من خلالها إرتدادات نصّي أماهيه بالصمت أراوح فيه المكان وأمحو الزمان بمحو السنين من زمانات هجري ويمسي المساء بلا ليل يليه الصباح ذاب النّهار تقلصت الزمانات ليلا يحطّ دونه الارصفه حاء التّناص حللت بنصّي نقاطا تعيد الحروف لكل المعاني وتلجئني أسكن  حلمي وأنئ بعيدا حيرتي تسبق النّص فيّ تحيلني جمعا من الأسئله خاء الخلاف خلافا لكل اللغات تخالف لغتي معاني الحروف وتبحر بالنّص نحو عمق التآويل وتخلو كعادة لغة الشعر من وضوح المعاني وخلف النصوص أحاول أخفي وضوحا يعري إغترابي ويسحب مني إختلاف المعاني ويتركني أعزلا أمام الضوح دال الأســى دروبي تشعب فيها الطريق ودبت بكل المسافات فيها شعاب إغتراب تدلت الكلمات على ضفتيها طريقا جديد. وسمتا إلى الصمت يوصل عند إبتداء الكلام    ذال ذرتني الريّح بكل الصحاري إغترابا تشتّت قصائد بين الهنا والهناك تلملمها حالة من غياب النصوص مخبأة بين حروف العطف وتشابيه لا تشبه  النّص ولا تنتمي لها الكلمات راء  الرؤية رأيتني بين الأسى والأسى أسكب في الحروف أساي عساني ألمّ رويّ القصيدة وأبدأ نصا بدون روي أراني أرى النص يسحب الكلمات لآخر حدود الحروف زاي .زهرتان من الأقحوان كانتا تمتصان في الحرف الرحيق ماكنت يوما للحروف  عدوا لا ولا كنت للكلمات صديقا كل ما أدريه أني كنت للشّعر رفيقا زاده النأي إغترابا فرأى في الكلمات وطنا يجتاح الورق سين سئمت التوحد في الكلمات وأن أسكن في خبايا الحروف وأن  استجير بالمعنى من اللامعنى وأن أستبيح الضياع في ثنايا التآوبل لأبحر في المستحيل شين شربت مياه إغترابي وأشرعت للريّح بابي وأبحرت دون شراع تتقاذف مركبي الأنواء لترسي النصوص بشعري مخالفة كل أبعاد الدلالات واضعة للنص معنى جديد تكتبه أبجدية الغرباء ولا يحسن تأويله إلا المرتوون من العطش حدّ الضمأ صاد صيرني النّص صبّا لكل اللغات عاشقا للحروف هجاء وجرا ورفعا وعطفا ووصلا وفصلا صاغتني الكلمات نصوصا بطول مسافات هجري تمتد بين الحبر والحبر عكس إتجاه الورق ترتفع …نزولا تنزل ..إرتفاعا تحاول لا تستقيم فيها المعاني إلا ضياعا بين السطور ضاد كلما ضاقت مسافات الكتابه ضاق جسر الكون عمّته الكآبه والقصيدة كالربابه لا تمل الضياع موزعة بين نص مقفى  ونص تتيه به نغمة القافيه مستفعلن مستنزف مفاعيلن مواويل فاعلاتن/ نائحات فعولن /نصوص فعالن /لغات وكل الحروف بحسب الظروف تحيل الكلام إلى أسئله
طاء طويت المسافة شعرا فطالت بي الكلمات طاف بي نحو الهناك طيف نص لم تزل حروفه عذراء لما تطأها   معاني اللغه أطل بي خواؤها نحو تيه الكلمه ضعت فيها بين صمتي وانطوائي تطوي غربتي نصوصي المترعة بعشق النوى ظاء ظل ّ باب الحرف سمتا  يختصر به الغرباء المسافات أسكن نصي أحولني دربا لا ظِلّ فيه لغير القصيد تسافر الكلمات بين ألف اللغة ويائها وترد نصا مثقلا بالتآويل غائبة فيه المعاني تبحث فيه الإجابات عن أسئلتها الممكنه عين عاودتني حالة الشوق لكل الأزمنه ماض أرتد على حاضري الموزع في الأمكنه تراني هناك أضم الهنا ابحث في إغترابي عن المستحيل اصوغ الوجود نصا جديدا اسكن الأسئله غين غاب لم يكن يهوى الرحيل غادر الصمت يريد البوح للنص بما في الحرف من وجع تراكمه الكلمات هجر صمته نأيا غيّر الحرف مساراته تسلق معاني النص أوغل فيها عشقا تلبسه تأويل فضح في النص سره ولم يكشف المعنى فاء فتنتني حالة العشق لحرف يتدلىمن خبايا الذاكره أفر من قصيدتي تحاورني تلمني تنشرني تجعلني حروفَها المبعثره أنسحب من وجعي يأخذني ألق الشعر يخطني  نصا تتكثف فيه المعاني وتغيب فيه الكلمه قاف قديمة هي الكلمه قارئها مغترب موزع بين الحروف المعتمه وتائه كاتبها في متاهات الأبجديات القديمه أبجد /هوز حطي /كلمن حرفا يرحل فيه الألم غربة ترتد فيه الكلمات وجنونا يبحر فيه القصيد قالت الأيام يوما للمهاجر عش غريبا بين حرفك والقلم قف هناك إملأ بياضك  سوادا حبّر نصوصك إجعل الحبر عطر روحك إجعل هيامك لغة للعاشقين كاف كان كالتيه يسافر في مسارات القصيده حرفه كان بنصه عصاه التي يهش بها الكلمات يلمها ….ينثرها…..يفككها يفرغها من  معانيها يسكب فيها مراميها يسحب من الحرف لغته يتيه في النّص ينسكب فيه حرفا…..حرفا حرفا……….. ح..ر…ف…ا لام الألم لملم يقينك لست أول من يسافر في متاهات الحروف للريح التي تبعثرك نصيبها فيك للروح طقوس عشقها الساكن في خفاياك لتباريح العطش الموزعة في تفاصيل ضمئك لتقاسيم النوى لرجع صدى إغترابك لنصّك الذي لا يكتمل نص آخر لا يجيئ ميم
مازلت أبحث معبرا يجتاز بي مكامن لغتي مازال الصمت مسلكي نحو الكتابه مازالت الكلمات تجتاحني تسكنني تصيرني خارطة للنص تنسخها المعاني شرقا تحدها الحروف ويلفها  التيه غربا وشمالا وجنوبا  تجتاحها اللغة المترعة بالشوق حد الجنون أحاول أغادر لغتي عساني أطفئ شمعة غربتي لئوقد قنديل نأي جديد نون
نفتني قصائدي فيّ نثرتني جراحا على سلم أبجدياتها لم يبق في قراطيسي غير بياض يسع همستان وحرف أختزل في الهمسة الأولى بقايا نصوص  تأخر تدوينها فاتها حبر الكتابة ظلت هناك على قارعة الورق قصائد دونها الحبر والحروف أكثف في الهمسة الأخيرة نصا  ألم فيه شتاتي أدون فيه ماهيةالكتابه أفتح مساحة الحرف الأخير لأبواب القصيدة من جديد يرتد في حرفي …ينتفض يجترح للشعرأرضا جديدة ومسافات بمد الرّفض وعمق البصر هاء
هام …هزه الوجد إليها وهفت روحه لبريق يسكن مقلتيها تلحف بالصبابة سكب فيها حروف الروح                                                    عاود الرّحلة                                                  شعرا ..إمتطى صهوة الكلمات تاه فيها…..ألما أصبحت  رجع الصدى وبقايا كلمات للهجاء واو الوطن
واحة الروح أنت ايها الوطن الهناك وجهي المشرع للريح أنت لغتي الحبلىبمفردات العشق بالشوق بزغاريد الألم ترانيم النأي تائه أنت بين الهنا والهناك ملامح نص أخير ليس يكتمل بقايا عشق تحتل فيّ الروحَ تفضحه الحروف وتنبئ به الكلمات واحتان صار قلبي واحة للشعر تسكنها الحروف ثم واحه هي للنصّ مسار ينتهي فيه القصيد ياء الإنتهاء يتيه النص مني يغادر الحرف بقايا الكلمات تنتهي اللأبجدية بحرف تمرد خارج النصوص بحبر تسلل داخل شرايين القلم يرسم القلم نهايات النص ويكتب بدء إنتهاء الرحيل واحة الروح أنت ايها الوطن الهناك  لغتي الحبلىبمفردات العشق بالشوق بزغاريد الألم ترانيم النأي تائه أنت بين الهنا والهناك  ملامح نص أخير ليس يكتمل بقايا عشق تحتل فيّ الروحَ تفضحه الحروف وتنبئ به الكلمات واحتان صار قلبي واحة للشعر تسكنها الحروف
 

 

قراءة كتاب عبد الوهاب بوحديبة: الاسلام والجنس ــ الجنسانية ( 1 من2)

قراءة: عبد الكريم وشاشاہ صدر للباحث التونـــــسي عبد الوهاب بوحديبة دراسة باللغـــــة الفرنسـية تحـــت عنـوان Sexualitژ en Islam.. سنة 1975 وعرف الكتاب ترجمات بلغات عديدة، وقد قامت هالة العوري بتعريبه من النص المترجم باللغة الانجليزية (القاهرة سنة 1987) وأشارت إشارة تكاد تكون عابرة إلي ذلك في مقدمة ترجمتها (صفحة 12). واقترحــت بأن تعنون ترجمتها بـ الإسلام والجنس .
الإسلام والجنس: كلمتان متجاورتان، كلمة الإسلام التي تعني إحدي الديانات السماوية التوحيدية الكبري في التاريخ البشري، والتي جاءت بعد اليهودية والمسيحية، وهي مجموعة من التعاليم والقواعد والضوابط تقدم نمطا، ونظام حياة، من خلال مدونة هائلة من التشريعات الإلزامية المترابطة، أما الكلمة الثانية الجنس، فعلاقة خاصة جدا، استجابات جسدية ووجدانية، تجمع في الغالب بين ذكر وأنثي، وتلزم مجموعة من الشروط عضوية ونفسية وثقافية واجتماعية، بدونها لا يمكن إنجاحها كما أنها تؤدي أدوارا مهمة وخطيرة في الأنساق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية…
يمكن القول من خلال ذلك، ومن خلال التقديم الذي دبجته المترجمة، أن العلاقة بين الإسلام والجنس ليست علاقة تجاور ندي كقولنا مثلا: الإسلام والغرب.. أو الإسلام والمسيحية..الخ حيث يقف عالمان متقابلان متضادان وجها لوجه علي قامة واحدة أمام مرآة الزمان المتماوجة، بل هي علاقة داخلية، تضمينية يتبوأ الجنس فيها مكانته داخل منظومة تشميلية شمولية، من التعاليم المقدسة والشرائع والقوانين اللاهــوتية التي هي الإســـلام.
والمترجمة واعية كل الوعي ـ من خلال مقدمتها ـ بالتدني الذي وصلته مكانة المرأة العربية، اجتماعيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا..وحضاريا وأن الذي أصــابها هو النكوص بها إلي ما قبل الإسلام … والخطير لدي هالة المترجمة أن الممارسات الاجتماعية المغلوطة التحقيرية، انصهرت في نسق واحد، هي والإسلام سواء، وقدمت الخطيئة الأولي كحجرة مركزية في المعتقدات الشعبية الرائجة حول المرأة، فحواء هي أس البلايا وتتحمل المسؤولية الأولي عن الغواية والعذاب الأرضي الذي حاق بالجنس البشري..
ففي حين نجد ـ تؤكد المترجمة جازمة ـ أن القرآن يحمل المسؤولية لآدم، تم تستدير المترجمة في نفس الفقرة لتلقي بالمسؤولية علي الشيطان الذي أوقع حواء والتي بدورها أوقعت آدم في الإثم …
طالما اشتكت المترجمة هالة العوري بإصابة الرؤية العربية بطابع الجزئية والسطحية في كافة نواحي الحياة…ولكن عندما نعتبر أن تاريخنا الحضاري والمعرفي والثقافي ابتدأ وانتهي مع الإسلام.. وفيه تجلت حقيقتنا، مطلقة لا يأتيـــــها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، فما قبل الإسلام جاهــــلية وإظلام مطبق وما بعد الإسلام هو تدين أهل الحرفة وزيغ وأهواء…. فالإسلام هو الفطرة، المبتدأ والمنتهي…
ألا يمكن اعتبار هذه النظرة في حد ذاتها جزء من التجزيئية والسطحية و تتحمل بعض المسؤولية عن حالة التردي والنكوص، وهي التي ساهمت بشكل كبير في إغلاق النوافذ والأبواب كلها وفي ترسيخ جدران الانحطاط وسيادة الفكر الخرافي والأسطوري والغيبي…. هي الغذاء الأساسي، منه تقتات ذهنية التحريم التي اتسعت اليوم أكثر مما مضي وشرعت في ابتلاع كل قيمنا التنويرية، هي المسؤولة عن اشتداد النظام الثقافي الارتوذوكسي.. والارتفاع المتزايد لغبار الحقبة الفكتورية الخانقة
وقارنت المترجمة كتاب بوحديبة بكتاب خواطر مسلم في المسألة الجنسية لصاحبه محمد جلال كشك، وهي مقارنة تبدو لنا خاطئة وفارقة، وفيها إسقاطات تعسفية علي المنهج والمفاهيم التي ميزت كتاب بوحديبة عن كتاب كشك… بالرغم من أن كتاب كشك صودر وقدم للمحاكمة وبرأه الأزهر.
والحقيقة أن التنبيه الذي أطلقته دار النشر سراس علي الغلاف الأخير للترجمة المميزة التي أنجزها الأستاذ محمد علي مقلد وراجعها المؤلف نفسه، تحت عنوان دقيق وأمين الجنسانية في الإسلام عن إحدي الترجمات التي ظهرت في إحدي العواصم العربية ويعني بها تلميحا ترجمة هالة العوري، ينطوي علي اختلالات عديدة وثغرات تنم عن تسرع كبير، ونحن نضيف أن فيها إسقاطات ذاتية كثيرة شوهت النص الأصلي، وعدم استيعاب لترسانة المفاهيم ودلالاتها وفتوحاتها المبينة إيبستيمولوجيا التي قام باستخدامها الباحث بوحديبة…
نفس الشيء ينطبق علي المراجع الذي اقترح عنوان: الشبقية في ثقافة العرب المسلمين والذي نحيله علي كم كبير من الإصدارات والدراسات حول المرأة والجنسوية والجنسانية علي الرابط التالي: hp://www.bustanbooks.com/arabic/gender/index.htm مفهوم الجنسانية مفهوم الجنسانية، مفهوم راسخ ورائج يحتل مكانته الآن علي صعيد علم الاجتماع وجسوره الممتدة من وإلي علم النفس والفلسفة والحفريات المعرفية، لا يمكن بحال من الأحوال الالتفاف عليه أو تجاوزه بدواعي التغريب والاستشراق الواهية الضيقة التي لم تعد تجدي علما غير حصاد الهشيم.
وفي نظري أن اللحظات المنهجية التي توسلها الباحث عبد الوهاب بوحديبة2 (ترجمة محمد علي مقلد التي نفضلها صراحة) لتفكيك الجنسانية، ودراسة مواقعها، تكتسي أهمية قصوي وهي مدخل أساسي لقراءة برنامجه الطموح قراءة منتجة ومدركة للأنظمة التوليفية سواء في لحظات الفصل علي كل المستويات النفسية والسيميائية والثقافية والاجتماعية… وسواء في لحظات الوصل كلية، كـ ظاهرة تمتد بعيدا في الزمان وفي المكان وتتعدد عواملها .
لذلك قسم الباحث الدراسة إلي قسمين كبيرين :
القسم الأول تحت عنوان عريض: النظرة الإسلامية إلي الجنسانية ويحمل ثمانية فصول تناول فيها محددات الجنسانية في الوعي الإسلامي ووظائفها في الماضي و في الحاضر، تناولا جدوليا، غير خطي؛ ينطلق من القرآن ثم السنة والفقه و يعتمد علي المباحث الغرامية (نوادر الإشراق في مكارم الأخلاق، طوق الحمامة، غالية المواعظ.. ألف ليلة وليلة…) تلك المؤلفات العديدة في التراث العربي التي أسست لعلم إيروتيكي3 عربي معمق ومرهف (علم الحب) تمت بلورته عبر العصور. وكما لاحظت الباحثة مني فياض صار علي من يرغب في اقتناء هذه الكتب أن يتوجه إلي المكتبـــــات الغربية !!
أما القسم الثاني: الممارسات الجنسية في الإسلام فموزع علي الفصول الباقية الي 13، قام فيها الباحث بكشف التجليات المعاشة وإعادة القراءة للإيروس علي قاعدة مادية قاهرة، غير متوازنة، فلذة الجنس بتعبير أدق لميشيل فوكو غير معزولة عن لذة السلطة.
وعلي طول الدراسة (200 صفحة من الحجم المتوسط) امتدت حقول حفرية قام الباحث التونسي بوحديبة راصدا فيها بيقظة متمرسة كل الإشارات والعلامات والرموز في ذاكرتنا الموشومة وعلي جسدنا العربي ـ الإسلامي الجريح. سلوكات العشق وسلوكات القداسة.. المتعة والإيمان.. أو ما اشتهر بالمدنس والمقدس وجدليتهما المختلة والعاصفة داخل مجتمعاتنا العربية.. فالإسلام (النظري) قد برأ الجنسانية من الإثم ومنحها تدفقا لذيذا وساميا بل هي حوار مع الله وحوار بين الجنسين..
لكنه يعتبر بإقرار بأن الأصولية ملازمة للثقافة العربية الإسلامية، حنين متواصل لنظام مطلق، فالجديد دائما يتماهي مع القديم.. كلاهما تابعان للمكتوب السماوي، لذلك فالتـــــاريخ عند الشخصية الإسلامية التقليدانية يمشي بالمقلوب؛ كلما توغلنا في الزمـــان كلما انحدرنا مبتعدين باطراد عن النموذج.. عن السلف الصالح والفئة الناجية.
وكانت هواجس البحث والتقصي تتكاثف حول سؤال رئيسي مقلق، غير عابئ بالعديد من المسوغات المزيفة التي تخترقه: هل تحققت ولو مرة واحدة تلك الشخصية النموذجية المتناسقة المتوازنة بين العشقي والإيماني، خارج الأطر النظرية للمدونة الأرثوذوكسية الإسلامية. إنها مثال يلوح في الأفق أكثر مما هي واقع تحقق.. تلك هي الترسيمات الأساسية لنظام الثقافة العربية الإسلامية، وشروط لازمة لفهم وإبراز أزمة الحب والإيمان، وتلك الوعكة الفيزيولوجية الجماعية التي انتابت النساء من خلال زليخة (الكيدية ربيبة الشيطان والحية) أمام جمال يوسف الخارق الإيروتيكي… المقارنة التاريخية: وقصة الخلق في بداية القسم الأول يقترح علينا المؤلف الخطاطة التالية: (1) دراسة تاريخية ومقارنة. (2) تأسيس أركيولوجيا (علم الأثريات) للنظرات الإسلامية إلي العالم..
هنا نرتطم بالمفارقة المنهجية الأولي:
فالسنة والفقه هما تفسير متواصل للمطلق، فالسنة لا تخضع ولا تؤمن بالتاريخانية لذلك ينبهنا الباحث بوجوب التعامل مع السنة ككتلة واحدة مركبة من إسهامات أجيال مختلفة.. كذلك لا بد من الإشارة إلي مفهوم (رؤية للعالم)، يورد عبر الكتاب مرات بالنظرة أو النظرات الإسلامية إلي العالم.. ومرات بالرؤية للعالم فلا بد من الاحتراس والاحتراز وتدقيق المفهوم وسياقات الاشتغال….
في بداية الحديث عن المسألة الجنسية في القرآن استحضر الباحث من كل زوجين اثنين وموقعها الأساسي في السردية القرآنية ـ (لا يكف الباحث عن تنبيهنا الي أن السردية القرآنية تختلف عن السردية التوراتية لكن لا يمكننا أن نغفل التقاطعات والتوليدات التناصية التي شكلت الوعي القريشي ثم الإسلامي بعد ذلك) ـ آية الآيات ودليل علي القدرة الإلهية، هي المعجزة الدائمة المتجددة لمشيئة ربانية شاملة جبرية ومطلقة.
تعكس الأسطورة الأولي ـ خطيئة آدم وحواء ـ أول زوجين، شبكة من المعاني والدلالات وبداية لتأويلات أهمها:
ـ أولية الرجل وتراتبيته علي المرأة مسألة مطلقة في الجنسانية الإسلامية (الضلع الأعوج). ـ الدخول في الحياة الاجتماعية ترافق مع الشعور بالحشمة وضرورة الرداء والزاميته. ـ العريـ الفضيحةـ العورةـ العصيان.أضلاع رباعية لتقابلات وتجاذبات التباسية في قلب الاستعراض الإسلامي عن المرأة.
وتعتبر حكاية زليخة الغواية ويوسف الجميل من الخطوط الرئيسية في المؤنث الأبدي والإسلامي (الفصل الثالث) تحكي صراع الحب والنبوة صراعا ملحميا، وقد قدمت تأويلات وصياغات عديدة لهذه الجدلية، داخل الموروث الشعبي الإسلامي.. لكن التصوير الفني والسيكولوجي وتنامي الحدث بكل عناصره دراماتيكيا في الحكاية القرآنية يبقي مؤثرا ومميزا.. ففي الذروة وأزمة السرد الإغوائي ولقد همت به وهم بها وبتفسير ابن عباس: فك سرواله متخذا وضع الخائنين ..فضل الباحث المنعرج الفرويدي لنزع فتيل قنبلة الرغبة المشتعلة داخل جسد يوسف، وذلك بظهور صورة الأب يعقوب حاجزا وعقدة أبوية لا يمكن تخطيها، مثلت نهاية الإغواء، بها تنبه يوسف وتحققت المعجزة، أما زليخة فتسقط في الارتباك والتشوش، ومن خلالها وعبر نساء المدينة ومنهن إلي جنس النساء (المؤذيات بعذوبة). بين تخوم الجنسين في فصل بين تخوم الجنسين الذي نعتبره من الفصول المدوية والإرباكية بالمعاني الإيجابية، ربما لتلك الأحاسيس التي ستنتاب القارئ (العربي/ المسلم) وهو يلج ويقف علي تلك التخوم المشوشة والمتناقضة وأكثرها تواطؤا ومخاتلة وازدواجية …
فبعد أن يؤكد الباحث أن العالم الإسلامي يقوم علي ثنائية الذكر والأنثي ويعتبرها ثنائية تكاملية متجانسة خلاقة ومنجبة… وكل اختلال وتحريف لهذه الثنائية هو خرق لنظام الحياة وهندسة الكون والناموس الإلهي.. واعتداء علي الحدود التي رسمها الله؛ بهذا المستوي إذن فالإسلام (النظريــ نؤكدها مرة أخري) يعادي بحدة كل الأشكال الأخري من تحقيق الرغبة الجنسية الخارجة عن إطار الثنائية المرسومة الشرعية منها ما يسمي بـ الرجل المخنث و المرأة المسترجلة وأنواع الشذوذ الذكري والأنثوي… فكل هذه الانحرافات هي تمرد علي نظام الخلق الإلهي.. وينطبق نفس الشيء علي زنا المحارم هو خرق لسنة الحياة…
ثم يستفيض الباحث في استعراض التفريعات الجنسية وفصلها وتمييزها من خلال مدونة سوسيوثقافية تتناول ملابس وأزياء كلا الجنسين، برموزها ووظائفها، كلها تتجه نحو تأكيد الفصل بين جنس الذكر وجنس الأنثي وتمييز كل جنس عن الآخر، واعتمد في ذلك علي مصنفات عبر جينالوجيا الأخلاق الإسلامية (البخاري، العيني، زيات، شمس الدين الأنصاري… نوادر الإشراق في مكارم الأخلاق..)
في هذه العملية التقابلية تم استلهام مقولة سارترية كائناـ نظرا في كتاب سارتر الكائن والعدم، ظهور الآخر في النظر وعبر النظر، كيف يري المرء وكيف يُري هي جزء عضوي من عملية انخراط المسلم في البنية الاجتماعية حسب الهندسة التالية:
+ ما يمكن أن يراه الرجل من المرأة + ما يمكن أن تراه المرأة من الرجل + ما يمكن أن يراه الرجل من الرجل + ما يمكن أن تراه المرأة من المرأة
هذه معالم أساسية لميثولوجية قادرة علي الجمع والربط بين النظر والجنس وبمعني أثير للرازي أن النظر والتلصص أمر مثير للشهوة قوي، وإغواؤه لا يقاوم (= الوهم والحقيقة) وهي تعبر عن تحديد الكيان والدور عبر قانون الفصل القاسي بين الجنسين. المخنث أمام ظاهرة التخنث الحقيقي وقف الفقهاء أنفسهم حسب الباحث مرتبكين.. فما هو المخنث؟ ما هي هويته؟ في فصل قاس وحاد بين ثنائية تؤطر الوجود وتحده.. ثم ما هي أدواره ومواقعه في الأنساق ؟ في الإرث، الحجاب، الصلاة، الزواج؟ الموت؟؟….
غموض وتشوش، وسنضيف تواطؤ ومخاتلة، والحادثة التالية تكشف ذلك بوضوح (أوردها الباحث نفسه ولكن بدون تعليق): مخنث اسمه نادرة ـ ويقدم في القصة علي أنه مخنث المدينة ـ حضر مجلسا رسوليا في بيت أم سلمي، إحدي نساء النبي، وقد وعد قائلا: إن فتح الله عليكم الطائف غدا فإني أدلكم علي بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان لها ثغر كالأقحوان إذا مشت تثنت وإذا تكلمت تغنت بين رجليها كالإناء المكفوء وتفيد نهاية الحكاية وهذا ما يجب في رأيي أن نتوقف عنده كثيرا، أن المخنث هذا تزوجت واحدا من الصحابة…. !!!
في النسق الاجتماعي العربي ـ الإسلامي يتم تعليق المخنث (التعليق بمفهوم دريدا كحالة اليهودي التائه) عليه أن يصلي محجبا فلا هو في صفوف الرجال ولا هو في صفوف النساء.. لا يجوز له لباس الحرير و لا المجوهرات، خلال مواسم الحج لا يجوز له أن يلبس ثيابا ضيقة أو أن يخلع الحجاب لا أمام الرجال ولا أمام النساء، لا يجوز أن يختن علي يد رجل ولا علي يد امرأة !! إذن ماذا يفعل ؟؟ يشتري له وعلي نفقته أو علي صاحب بيت المال، عبد يقوم بعملية الختان، وإذا توفاه الله قبل التأكد من جنسه فلا يغسل !!! مجرد عملية تيمن عليه ويغطي قبره بحجاب وقت دفنه (حتي وهو ميت يتم إقصاؤه)… أما في الإرث فله الحصة الصغري، وإذا مات والده عن صبي غيره، يرث هذا الصبي حسب الإمام الشافعي حصتين ولا يرث هو سوي حصة واحدة. الطهارة في الفصل الخامس نصل إلي إضاءة قوية لفهم المعني العميق للجنسانية داخل البنية الاجتماعية الإسلامية، وهي الطهارة، ما أطلق عليه الباحث بفن إبعاد النجاسة. فحياة المسلم ما هي إلا تعاقبات من حالات الطهارة المكتسبة ثم المفقودة وحالات النجاسة المزالة ثم المستعادة…فالطهارة أو التطهر طبيعة ماورائية هي التسامي بالجسد والقضاء علي قذارته، خلال عمليات من التبادل والإعارة والرفض..فالتطهر وسواس، فعل احتفالي يعيد للإنسان كيانه الأصلي، ماهية سحرية، لضبط الجسد وترويض النفس الأمارة دوما بشياطين وأبالسة السوء.. الطهارة إذن في السياق الإسلامي نظرة أخلاقية ورسالة نيقوماخية.. وكل خارج عن السياق الإسلامي أي غير المسلم هو بالضرورة عاجز عن التطهر وسجين عبودية الجسد !! والعجيب في هذا السياق التطهري هو التناقض التالي الذي ينطلق من القذف، هذه الظاهرة الفيزيولوجية والمادية التي تصنع الدنس وليس الزنا، بعبارة أوضحها الباحث أن عدم القذف في حالة الزنا لا يؤدي إلي الدنس.. ففي المسألة التي طرحها الفقه في معرض بقاء الصوم قائما عند من يمارس النكاح وسط النهار مع غلام أو امرأة غريبة، الجواب بالإجماع: هو أن الصوم يبقي قائما طالما لم تحصل الرعشة الجنسية مما يعني أن الخطيئة، هي الرعشة أو القذف أما ممارسة الجنس مع غلام أو مع امرأة غريبة (لماذا غريبة؟) فقد تم هضم كل شيء بمرونة وسهولة تثير الإعجاب من هذا العقل الفقهي الراسخ في المتناقضات والمفارقات…
كتاب الفتاوي الهندية مركزي في ثقافة الاستبراء الذي يرصد الجسد كرقابة ذاتية مصحوبة بالوسواس والقلق، طهارة طقوسية يجسدها هذا القول: علمنا رسول الله كل شيء .. هي نتيجة جدلية بين النفسي والبيولوجي وحوار مع المقدس، وبتعبير الغزالي سكينة النفس والسيطرة علي الجسد . هي علاقة بين قوتين، قوة الجنس وقوة المقدس.
فالإسلام في هذا الإطار هو تحمل أعباء الحياة الإنباتية، فن معيشة الجسدانية وذلك بإعادة قدسنة الجسد بشكل مستمر، وكتاب إحياء علوم الدين للغزالي يتحدث عن الحالة الطبيعية والحقيقية للأشياء، مصالحة الإنسان مع الذات في مواجهة الجنسانية المدنسة بقوي: الهذيان والجنون والنشوة.
في الفصل السادس، ممارسات مع عالم الملكوت انطلق الباحث من الأمانة المعروضة علي الإنسان في القرآن، التي تخوفت منها الجبال والسماوات، معتبرا أنها تحمل إيحاءات ومعاني جنسية، فعلي لسان القرطبي جملة تؤكد هذا التأويل: أول ما خلق الله تعالي من الإنسان فرجه وقال هذه أمانة استودعتكها.. فالفرج أمانة..
فخطاطة الخليقة في الفكر الاسلامي مصنفة إلي كل من الملائكة ـ الشياطين ـ الجن ـ الإنس، فإبليس هو التعبير عن جوهر الإنسان؛ إنه صورته المقلوبة وكل خطيئة بشرية هي تبرير له (هناك قصيدة للشاعر المغربي عبد الله زريقة تعبر بمعني من المعاني عن تماهي وتداخل هذه التخوم بعنوان إبلينسان..) ولباس الأفعي اللاصق أبدا بالشيطان/ إبليس هو مبدأ عام من مبادئ الشر ويمكن تعزيز ذلك من خلال هذه التقابلات الثلاث: الخسيس/ الأفعي/ العقرب، ناهيك عن المعاني الجنسية الواضحة التي تحملها شخصية إبليس… ولمواجهة الإبليسية والانتصار عليها وإبطال خططها الجهنمية وخستها نعثر علي إستراتيجيتين داخل المتن الثقافي الإسلامي: إستراتيجية مواجهة مباشرة طفولية وساذجة نوعا ما يمثلها عمر بن الخطاب الذي أراد قتل الشيطان في مقابل إستراتيجية تفكيك آلية الإغواء المعتمدة علي الحوار أساسا، إقامة حوارات ومقابلات وسجالات لا تنتهي مع الشيطان، بدءا من محمد مرورا برسالة الغفران للمعري، وعجائب الخلق للقزويني وأخيرا مسرحية لتوفيق الحكيم مقابلة مع الشيطان .
والجدير بالذكر أن الشيطان غالبا ما يتحلي بالشفافية والصدق والصراحة أثناء لحظات الحوار معه..
ينتقل بعدها الباحث ليبرز الاختلاف ما بين الصورة الإسلامية عن الشيطان والصورة التي رسمتها المسيحية عنه… فالشيطانوت المسيحي يمثل كل أشكال الإفراط الجنسي، والآثام والخطايا والرذائل، ويتمتع بمخيلة واسعة من المكر والحيل، بها يحقق دائما انتصارات كبيرة ماحقة علي الإنسان، لهذا تتملكنا الدهشة دائما من الاختراق الحاد للصلوات الليلية التبركية ومحافل السحر علي المخيال والثقافة المسيحية (لا شك أن أبرز مثال فلكلوري ولج الأدب من بابه الواسع هو الدكتور فاوست الذي باع روحه للشيطان بميثاق من أجل القوة والحب والجاه والمال..) لكن الباحث يعتبر أن الخطوة التي يخطوها الفكر الإسلامي وتميزه بذلك عن اللاهوت المسيحي هي إمكانية الزواج مع الجني.. ويري أن تلك المصنفات الهائلة داخل الموروث الإسلامي تشكل أحد أكثر الفصول جاذبية لإعادة القراءة وللدراسة.
فالإيمان بهذه المخلوقات مبدأ مهم للعقل الإسلامي، بل الأكثر من ذلك فالعقل الفقهي يثبت بمنطقه المشروعية الكاملة لعلاقات الحب والزواج مع الجني (أنظر مثلا الأشباه والنظائر..) بل المدهش أورد الباحث دعاء لفقيه محدث في كتاب له لتلقينه الناس منه: اللهم أرزقني بجنية أتزوج بها فتصاحبني حيث كنت.. . الصور الحسية في الجنة في الفصل السابع، الغبطة الجنسية المتصلة، تتبوأ الجنة في المخيال الإسلامي المكان الحلمي للمتعة الجنسية، والموروث الإسلامي زاخر بالأخرويات : الاندماج المزدوج بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة (أكثر من ثلاثمئة آية قرآنية ومئات الأحاديث الشريفة في السنة تتناول هذه المسألة) وحولها وضعت كتابات وفيرة، تم فيها تضخيم وإغناء علم الأخرويات بتفاصيل جديدة إضافة إلي تلونه بالتقاليد المحلية وحتي الفولكلورية.
وقد استحضر الباحث في إطار الصور والتمثلات الدينامية المنقولة عبر التقاليد الشعبية كتابين يعتبرهما وثيقتين نادرتين للرمزية والعجائبية: كتاب دقائق الأخبار الكبير في ذكر الجنة والنار للإمام عبد الرحمن القاضي وكتاب الدر الحسان في البعث ونعائم الجنان للشيخ جلال الدين السيوطي. هناك نقرأ عن نشأة الكون الماورائي، وعن النار، ووصفا عجائبيا للجنة.. فالجنة مكان نأكل فيه دونما قلق من عواقب الهضم والتغوط، لأن سكان الجنان حسب السيوطي ليس لهم أدبار، إنما يرشحون الأكل مسكا..أما المتعة أو الرعشة الجنسية فتدوم ثمانين عاما.. وحكاية الرقم السبعين التي تتكرر، الألوان والبدلات، الأسرة والحوريات اللواتي ينبعثن من دماء بكاراتهن عذراوات عند كل افتضاض.. أما الانتصاب فهو أبدي…
بعد أن يعرض الباحث وصفا مسهبا خلابا عن نمط العيش في الجنة أورده جلال الدين السيوطي، يستنتج بأن المساهمة الملحوظة التي وفرها البحث التاريخي أكدت التماثل الحاصل بين التقاليد الإسلامية وبعض التقاليد المسيحية، كإجراء مقارنة بين علم الأخرويات الإسلامي وأناشيد الكاهن أفرام ؛ وكذلك القرابة بين الرؤي القرآنية ورؤي القديس يوحنا، إلا أنه يؤكد علي الطبيعة السيكولوجية واللاهوتية التي تملكها وتتميز بها النظرة الإسلامية عكس النظرة المسيحية ذات الطبيعة التاريخية ، وكلاهما مجرد نظام للتصور …
ففي التصور المسيحي لا يعقل أن يكون للجسد حضور في الحياة الآخرة، فهو مصدر الخطيئة الأصلية، وملذاته هي هموم دنيوية، عكس الحضور الطاغي للجسد الإسلامي، فبحضوره هذا تتحقق الذات في إطار الحب وفق نظام تصوره، حب شامل، اتحاد واتفاق مع العالم، مصالحة مع المادة، من هنا يمكن لنا فهم ذلك الإسراف المادي الذي يميز جنة الإسلام، وليمة لجميع الحواس… وكل معاني التمتع الفردوسي، حلمية متيقظة، ولذة معلقة.. فإشباع اللذة بشكل مطلق يعني العودة إلي المتخيل وبكل اختصار تكامل الجنسي والمقدسي.. وببليغ قول لـ(باشلار): فالأسرار الكبري المعلقة بكائننا تخفي علينا، فهي موجودة في سر أعماقنا . اشكال السلوك الجنسي وفي الفصل العاشر: تنويعات حول الباه، بغض النساء، التصوف، المجون. ثلاثة أشكال السلوك، وهي ليست سوي طرق لمخادعة روح الإسلام، فحسب الباحث دائما، أن اعتناق الإسلام وكره وبغض النساء ومقتهن أمران متناقضان ولا يتطابقان أبدا.
مع ذلك يحذر الباحث من أن واقع مجتمعات البلاد العربية والإسلامية تكتسحها موجات حادة من احتقار النزعة الأنثوية، فهذا التناقض الحاصل بين النظرية والواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي هو ما يفسر التنويعات العديدة التي تتناول المرأة والجنسانية، وأن عملية إفراغ المرأة من كيانها الإنساني هو في العمق خوف وقلق أمام القوي النجابية الكامنة فيها.. فالهروب أمام المرأة كالهروب فيها تماما يتخذ أشكال كراهية مباشرة مثل التصوف والزهد والطرقية ووجوه أخري مراوغة، كاعتبارها موضوعا للمتعة والمجون والفسق.. كلها تنويعات واحدة علي الجنسانية..سلوكات تنم عن تسلط الشعور، ثم ان تاريخ الحضارة العربية الإسلامية يزخر بتصريحات معادية للنساء ضمنها أقوال لعمر وعلي: شر لا بد منه، الفتنة وحبائل الشيطان… فحديث ملفق، يكون أكثر دلالة اجتماعيا بالطبع من حديث صحيح.. فترات عديدة من الدورات الجنسانية المقموعة، حينها يتطور التقشف بينما يسود الفسق في الممارسات الموسمية الجماعية واللواط في أوساط الطلبة والجمعيات الدينية وربما اغتصاب الأطفال في الكتاتيب القرآنية… يمكننا أن نستخلص مع الباحث بأن المرأة لعبت دورا في تطور الصوفية، فالعفة والكتمان شرطان ضروريان للانتقال إلي الصوفية، استلهاما لحديث شريف: من عشق فظفر فعف فمات، مات شهيدا .
لكن الباحث سيتناول نموذجا استثنائيا في تاريخ التصوف: ابن عربي الأندلسي إنه الإنسان الذي عاش بطريقة مكثفة: أدين بدين الحب أنَي توجهت ركائبه، فالحب ديني وإيماني . إنه التسامي الذي تظهر فيه المرأة ويتجلي فيه الحب، ثم هذه الثنائيات التكثيفية: الحب والإيمان، الحساسية والروحانية. ولبلوغ جوهر الصوفية (= تسامي الجنسانية) انطلق ابن عربي من الحب المدنس، فعبر الحب الجسدي تتم الوحدة الأساسية بين الجسد والروح، حينذاك يصبح ممكنا البحث عن الله (وقد عرج الباحث باقتضاب عن تجربة الحلاج المميزة وعمر بن الفارض). فالصوفية في هذه التجارب هي انتقال من الإيروس إلي المحبوب، تواصلية بين الجسدي والروحي، فتحرر الجسد وفي الجسد، أمران متلازمان، يتمان عبره وعلي قنطرته الإيروسية، هذا عكس الحب العذري البدوي بكل تمثلاته: إيديولوجيته، وموضوعاته، دوافعه، نماذجه وصوره، هو عبادة مجانية وفروسية للمرأة (مراوحة في الحب) عزوف عن الجسد وتسام ينطوي علي ذاته. هوامـــــــــــش: 1 ـ وعلي ذكر المراجع، بالاتفاق مع دار النشر التوحيدي قد قام هذا الأخير ليس بعرض مقارن بين ترجمة هالة و ترجمة مقلد، بل باستعادة تكاد تكون حرفية تركيبية عجيبة ومشوهة، مضحكة ومؤسية في آن واحد للترجمتين، كأن يأخذ فقرة من الترجمة الأولي ويركبها مع فقرة من الترجمة الثانية، باستخفاف دون أدني مجهود ولا حياء، اللهم بعض التحويرات التي تزيد النص تشويها واختلالا كالشبقية التي اقترحها عنوانا…. 2 ـ الدكتور عبد الوهاب بوحديبة من المؤسسين الأوائل لقسم علم الاجتماع في الجامعة التونسية. هو صاحب كتاب ثقافة القرآن الذي أثير حوله جدل واسع… 3 ـ الايروتيكية: عنصر جوهري من عناصر الحياة عموما: هي نزع صفة الحيوانية عن الفعل الجنسي، وتحويله عملا فنيا يجتمع فيه الخيال والحساسية والفانتازيا والثقافة. 4 ـ أورد الباحث قصة محمد مع إبليس في صورة شيخ أعور، علي أنها صورة ترميزية توحي بالشر وهي بالأحري من تلك التفاصيل الزخرفية الإبليسية المتقنة، وقد سلط التحليل النفسي الضوء علي فكرة العقاب الرمزي الذي تمثله خسارة العين الواحدة وأشار الباحث للإيحاءات الجنسية للعين الوحيدة المشقوقة عموديا. الكتاب: Sexualitژ en Islam 1975/Pree Universitaires de France 1 ـ ترجمة هالة العوري بعنوان: الإسلام والجنس القاهرة: 1987 2 ـ ترجمة محمد علي مقلد بعنوان: الجنسانية في الإسلام/ سراس للنشر ـ تونس 2000 7 (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 01 مارس2007)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.