الجمعة، 23 أكتوبر 2009

TUNISNEWS

9 ème année, N 3440 du 23 .10 .2009

 archives : www.tunisnews.net

الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو

ولقيادات إنتفاضة الحوض المنجي

ولضحايا قانون الإرهاب


حــرية و إنـصاف:زوجة الناشط الحقوقي زهير مخلوف من المحاصرة.. إلى المراقبة اللصيقة

عريضة المحاميين العيادي وعبّو لوكيل الجمهورية

حزب العمال الشيوعي التونسي:تكثف الاعتداء على الناشطين السياسيين الديمقراطيين

كلمة:الصحفية الفرنسية المطرودة من مطار تونس تكشف أسباب طردها

الحوار.نت:هل سيَتَغَيُّرُ ويُغَيّرُ نظام بن علي بعد الانتخابات أم لا؟

منصف المرزوقي:انتخابات تونس بين التمرير والتبرير والتحرير 

المختار اليحياوي:انتخابات تونس 2009: سيناريوهات لما بعد الاحتفالات

عماد الدائمي:الانتخابات التونسية … المهزلة المتكررة

ظاهـر المسعـدي:انتخـابات بـاردة بنكهـة الثلـج

هيثم مناع:الدكتاتورية الباردة

بسام بــــــــــــــوننـــي :وبعد ؟

  رويترز:أحزاب تونسية تخطب ود الشبان العازفين عن السياسية على شبكة الانترنت

الصباح:في ندوة لجمعية دراسات دولية:التعددية والانتخابات في تونس خلال 50 عاما..

شوقي بن سالم:معا لرفع التحديات برنامج الأمل والمستقبل

البديل عاجل:باريس: تجمع احتجاجي – لا الإرهاب البوليسي… لنفضح مهزلة 25 أكتوبر…

رابط لبرنامج أضواء على الأحداث حول الإنتخابات الرئاسية في تونس

الطاهر العبيدي: الانتخابات العربية / تونس نموذجا

رويترز:تونس تجري انتخابات رئاسية وبرلمانية

رويترز:حقائق عن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي

كلمة أحمد إينوبلي في اختتام الحملة الانتخابية

بلاغ صحفي حول اختتام الحملة الانتخابية لحزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي

ابن الرومي التونسي:لنبايع بالرّئاسة ليلى الطّرابلسيّة

المسلم الصغير :نزيف خواطر حول أفكار الحمدي

الطلبة يشنون إضراب عن الدروس بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس

كلمة:أزمة عميقة في نقابة تونس الجوية

سمير ساسي:لماذا المواطنة، ولماذا الديني والسياسي؟*

د. عدنان المنصر:في جذور مسألة الهوية لدى الحركة الوطنية التونسية

عادل الثابتي :تاريخ الزمن الحاضر التونسي أي آفاق بحثية؟

الصحبي عتيق:العلامة محمّد الطاهر ابن عاشور دوحة فارعة في التفسير والمقاصد

نورالدين العويديدي:مجلة الأحوال الشخصية.. نموذج يحتذى أم وثيقة في حاجة للمراجعة؟


 (Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivan : Affichage / Codage / Arabe Windows)To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)


منظمة حرية و إنصاف

التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس

جانفي200

فيفري2009    
مارس 2009      https://www.tunisnews.net/08avril09a.htm 
أفريل 2009     
جوان2009  https://www.tunisnews.net/20juillet09a.htm      جويلية 2009  https://www.tunisnews.net/23Out09a.htm   أوت/سبتمبر2009    


الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 04 ذو القعدة 1430 الموافق ل 23 أكتوبر 2009

زوجة الناشط الحقوقي زهير مخلوف من المحاصرة.. إلى المراقبة اللصيقة

 


تعرضت السيدة أم يحي ماجدة المؤدب زوجة الناشط الحقوقي السيد زهير مخلوف المعتقل حاليا بسجن المرناقية صباح اليوم الجمعة 23 أكتوبر 2009 إلى مراقبة لصيقة بعد خروجها من منزلها المحاصر بأعوان البوليس السياسي، فبعد الزج بزوجها في السجن من أجل نشاطه الحقوقي والإعلامي جاء دور العائلة لتنال نصيبها من الترويع والمضايقة والإزعاج. علما بأن السيد زهير مخلوف قد دخل في إضراب مفتوح عن الطعام للاحتجاج على منعه من ممارسة حقه في النشاط الحقوقي والإعلامي وللمطالبة بإطلاق سراحه، كما دخلت زوجته في إضراب عن الطعام لمساندته والتضامن معه والمطالبة بإطلاق سراحه. وحرية وإنصاف: 1)تندد بالمضايقات التي تتعرض لها عائلة الناشط الحقوقي السيد زهير مخلوف من قبل جهاز البوليس السياسي وتجدد مطالبتها بالإفراج الفوري عنه وتمكينه من حقه في النشاط الحقوقي والإعلامي. 2)تناشد الجمعيات والمنظمات الحقوقية في الداخل والخارج للتدخل من أجل الإفراج عن السيد زهير مخلوف ووضع حد للمضايقات التي تتعرض لها عائلته في تونس العاصمة وفي مدينة المعمورة من ولاية نابل.   عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري


عريضة المحاميين العيادي وعبّو لوكيل الجمهورية


ننشر نصّ العريضة التي قدمها الأستاذان عبد الرؤوف العيادي ومحمّد عبّو عريضة لوكيل الجمهورية. وللتذكير فقد وجهت الفرقة الثانية لمقاومة الإجرام بالقرجاني (تونس العاصمة) عددا من الإستدعاءات للرفيق حمّه الهمامي وزوجته الأستاذة المحامية ورئيسة الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب « لأمر يهمّهما »، وقد رفضا الإستجابة إليها لعدم قانونيتها. وفيما بعد طوقت قوات البوليس السياسي محل سكنى الرفيق حمة الهمامي بقصد إلقاء القبض عليه، وألمحت جريدة الحدث، لسان حال فرق البوليس السياسي، يوم الاثنين 12 أكتوبر الماضي بما يفيد أن الرفيق وزجته مطلوبان للمحكمة في قضية اعتداء على مواطن بالعنف اللفظي والمادي الشديد. وكان واضحا أن اختلاق هذه القضية، بما أن المواطن المنسوب إليه الشكوى مازال حتى الآن غير معروف، إنما القصد منه منع الرفيق من السفر ومن الإدلاء برأيه بخصوص الوضع السياسي العام في البلاد والمهزلة الانتخابية الحالية. الأستاذ عبد الرؤوف العيادي الأستاذ محمد المحرزي عبو النيابة عن السيد حمة الهمامي المعين محل مخابرته بمكتب محاميه 19 أكتوبر 2009

جناب السيد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس

حيث وجه بعض الأشخاص بالزيّ المدني استدعاء للمنوّب للمثول أمام الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية يوم 10 أكتوبر 2009 بعد نصف ساعة من بلوغ الاستدعاء كما وجهوا استدعاء آخر لزوجته الأستاذة راضية النصراوي. وحيث تم صبيحة اليوم الموالي منع المنوّب من السفر بدعوى وجود قرار تحجير سفر وأشير عليه بالاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس. وحيث قام عدد غفير من الأشخاص التابعين للأجهزة الأمنية بمحاصرة المسكن الذي يقيم فيه المنوّب بالمنار 1، كما تولى بعضهم طرق باب منزله وتخويف ابنته البالغة من العمر 10 سنوات ومطالبتها بنزع سلسلة الأمان بالباب لتمكينهم من تسليمها استدعاء لوالدها. وحيث أنه قد سبق للمنوّب أن تعرّض بمطار قرطاج حال وصوله يوم 29 سبتمبر 2009 إلى الاعتداء بالعنف الشديد من طرف مجموعة من الأشخاص التابعين للأجهزة الأمنية مع سبّه وسبّ قناة الجزيرة التي تدخل فيها عندما كان في الخارج للتعبير عن رأيه في الأوضاع في بلاده. وحيث أن الاعتداء على المنوّب بهذه الطريقة وفي المطار مع منعه بعد ذلك من السفر ثم محاصرة منزله ما يدعو للخوف من أن يكون هؤلاء الأعوان يعملون خارج الشرعية و لتصفية حسابات لا علاقة لها بالقانون. وحيث أنه بالاتصال بوكالة الجمهورية بتونس تبين أنه لا وجود لقضية ضد المنوّب . وحيث ينصّ الفصل 13 م.إ.ج على أنه على مأموري الضابطة العدلية إخبار وكيل الجمهورية بكل جريمة بلغهم العلم بها. وحيث أن في عدم إعلام وكيل الجمهورية، ما يؤكد أن الإجراءات المتخذة ضدّ المنوّب تتم خارج سلطة الدولة والقانون. وحيث أننا أصبحنا نخشى على المنوّب الاعتداء على حياته أو حرمته الجسدية أو تلفيق تهم له خاصة وأن جريدة الحدث القريبة من البوليس السياسي قد نسبت له في عددها الأخير أنه تورط في عنف. وحيث أنه لا يعقل أن يبقى مواطن دون حماية الدولة بل و في خشية من استعمال أجهزتها ضده للتنكيل به خارج القانون. وحيث نرجو من الجناب التدخل في الموضوع لكف محاصرة الأجهزة الأمنية لمسكن المنوّب والإذن لهم – إن وجدت قضية – بالتخلي عنها لفائدة الجناب طبقا للفصل 16 م.إ.ج وتسجيل أن المنوّب مستعد للمثول حال استدعائه لدى القضاء. وللجناب سديد النظر. (المصدر: « البديل عاجل »، قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي بتاريخ 22 أكتوبر 2009)  


حزب العمال الشيوعي التونسي
تكثف الاعتداء على الناشطين السياسيين الديمقراطيين  

كثف البوليس السياسي في المدة الأخير من حملات الاعتداء على الحريات العامة والفردية وكان الناشطون السياسيون الديمقراطيون كالعادة ضحية لهذه التعديات. فبعد أن تم استجواب السيد زهير مخلوف ثم إيقافه لإحالته على المحكمة بداية شهر نوفمبر القادم بسبب فيلم كان أعده للحملة الانتخابية قبل أن يتم إسقاط قائمة الحزب الديمقراطي التقدمي بجهة نابل التي ترشح ضمنها، حاصر البوليس محل سكنى الرفيق حمّه الهمامي وزوجته راضية النصراوي بعد أن تم منعه من السفر إلى فرنسا ثم أصبح مطلوبا « للعدالة  » في قضية حق عام مفتعلة. كما تم منع السيدة راضية النصراوي من التحول إلى فرنسا بدعوى وجود شكاية ضدها منذ سنة 2008 رغم أنه ليس هناك أيّ أثر لقرار بتحجير السفر ضدها. ومن جهة أخرى تم الاعتداء بالعنف الشديد على السيدة سهام بن سدرين منسقة المجلس الوطني للحريات بتونس لمنعها من دخول مقر الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بتونس وكان أعوان البوليس احتجزوها قبل أيام من ذلك صحبة زوجها السيد عمر المستيري بجهة جندوبة ومنعهما من إجراء تحقيق لفائدة راديو « كلمة ». وفي مدخل مدينة بنزرت احتجز أعوان البوليس السياسي السادة علي بن سالم ولطفي حجي ومحمد الهادي بن سعيد وياسين البجاوي ومحمد علي بن عيسى لعدة ساعات وهم عائدين من العاصمة حيث زاروا الأستاذة النصراوي. وفي تونس العاصمة اعتدى « شخص مجهول » تذهب كل الشكوك إلى أنه عون بوليس سياسي على السيد زياد الهاني عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسيين المنقلب عليها، كما تعرّضت مدونته الالكترونية « الصحفي التونسي » إلى القرصنة. وأوقف البوليس الطالب والناشط النقابي الطلابي زهير الزويدي وسرعان ما أودع بالسجن يوم 16 أكتوبر 2009 عند خروجه من مبيت الطالبات بمنوبة حيث جرى اعتصام طلابي وينتظر أن يحال على محكمة ناحية منوبة يوم 29 أكتوبر 2009 بتهم حق عام. وعلى صعيد آخر يحرك البوليس السياسي جرائد العار الناطقة بلسان حال وزارة الداخلية « الحدث » و »كل الناس » للتهجم على الشخصيات السياسية المعارضة والديمقراطية مثل السيدتين مية الجريبي وراضية النصراوي والسادة خميس الشماري وأحمد نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر وأحمد إبراهيم وحمّه الهمامي. إن تكثيف هذه الحملة يدل مرة أخرى على أن السلطة ماضية في تصعيد القمع الشامل ضد الجميع، وحزب العمال الشيوعي التونسي، إذ يندد بهذا التوجه ويعبّر لضحاياه عن مساندته وتعاطفه معهم، يدعو كل القوى الديمقراطية إلى تكتيل الجهود لمواجهة هذه الحملات ولتنظيم النضال الميداني دفاعا عن الحقوق والحريات.  يسقط حزب الدستور يسقط جلاد الشعب.  جميعا من أجل وضع حد للقمع والاستبداد. حزب العمال الشيوعي التونسي تونس في 22 أكتوبر 2009


الصحفية الفرنسية المطرودة من مطار تونس تكشف أسباب طردها


معز الباي في الخميس, 22. أكتوبر 2009 في تعليقها على ما وقع لها من طرد في مطار تونس قرطاج ، ذكرت الصحفية الفرنسيّة « فلورانس بوجيه » أنها لدى وصولها إلى مطار تونس قرطاج الدولي وجدت في انتظارها على مدرج الطّائرة ثلاثة أعوان أمن بالزيّ المدني أعلموها أنها ممنوعة من الدخول إلى تونس وأنّ المسألة تتعلّق بقرار سياديّ دون شرح للأسباب. مصرّحة أنها علمت لاحقا من خلال مصادر غير رسميّة أنّ هذا الإجراء يتعلّق بمقال نشرته قبل الحادثة بأيّام حول الاعتداء الذي تعرّض له السيّد حمّة الهمّامي والأستاذة راضية النصراوي على إثر تصريحات أدلى بها الأوّل للجزيرة داعيا لمقاطعة الانتخابات، معتبرة أنّ مقالها هذا كان القطرة التي أفاضت الكأس بالنسبة للنظام التونسي، حيث أنها ما فتئت منذ عشر سنوات تفضح الانتهاكات المتكرّرة لحقوق الإنسان في تونس.  وتستمعون الآن إلى تصريحها باللغة الفرنسية: (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 22 أكتوبر 2009)


هل سيَتَغَيُّرُ ويُغَيّرُ نظام بن علي بعد الانتخابات أم لا؟


هذا السّؤال يُعتبر تعليقا على الإستفتاء منذ مدة على موقع الحوار نت . الإستفتاء كان على سؤال هل تتوقع انفراجا سياسيّا بعد فوز الحزب الحاكم في تونس الجوابان المهمّان كانا ,الأول نعم فالوضع لم يعد يحتمل ولا بدّ من حلّ وكانت نسبة التصويت عليه 53,5 % والثّاني كان لا فطبيعة الحزب الحاكم ومصالحه لا تسمح بذلك وكانت نسبة التصويت عليه 45,7 % المفاجأة بالنسبة لي كانت التصويت على الاحتمال الأوّل أي نعم سيكون هناك انفراج سياسي بعد الإنتخابات لأن الوضع لم يعد يحتمل ولا بدّ من حلّ ؟؟ ومع ما أكنّه من احترام لكلّ من اختار هذا الجواب ولكن هذا جهل خطير وعظيم بطبيعة هذا النّظام ورأسه بن علي  ومع غضّ النّظر عن مدى هذا الانفراج وحجمه , وغضّ النّظر أيضا عن معنى لم يعد يحتمل ومعنى لا بدّ من حلّ , أقول إنّ بن علي عندما تولّى السّلطة بنى شرعيّته على أنّ الرّئاسة الأبديّة ستلغى وأنّه سيفتح الباب لجميع الأحزاب السّياسيّة لتتنافس في ظلّ انتخابات حرّة ونزيهة من أجل مصلحة البلاد . ولكنّه لمّا رأى أنّ هذه الإنتخابات قد تأتي بغيره للسّلطة تنكّر لوعده وزيّف انتخابات أفريل 1989 وبعد ذلك بمدّة ظهرت خطّته وخطّة حزبه الّذي كان قد تنكّر لمؤسّسه ( الدنيا مع الواقف) لتجفيف منابع التديّن للشعب التونسي وليركّز القارئ معي على كلمة منابع , فكلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بالدّين وقد يساهم ولو بشكل ضئيل في تغذية روح التّديّن يجب القضاء عليه وجاء حينها بالمقبور الشرفي وجعله وزيرا للتعليم لتنفيذ الخطّة في المناهج التعليمية . ثمّ تلى ذلك الحرب على الحركة الإسلاميّة ومن بعدها المعارضة التي كان البعض منها متحالفا معه في حربه على الحركة الإسلامية وتمثّل ذلك في سجنه لمحمد مواعدة . قدّمت ما سبق باختصار لأخلص إلى ما يلي : نظام تنكّر لوعده بإلغاء الرّئاسة مدى الحياة وبالسماح بالديمقراطية وتعدد الأحزاب نظام قتل وعذّب وشرّد الآلاف وقد شهد بذلك القاصي والدّاني ما عدى هو نفسه الذي ينفي وجود مساجين سياسيين نظام أقام حربا على الرّموز الإسلاميّة,الحجاب الّذي لا زال مصرّا على تسميته بالزّيّ الطائفي وكلّ يوم نسمع الجديد ….. نظام مافيا مكّن لحفنة من اللصوص سرقة أملاك الدّولة ناهيك عن سرقة أفراد الشّعب , والنّهب يتم بعمليات منظّمة و آخر الأخبار طالعتنا بسرقة يخت من كورسيكا ؟ نظام يشتري تزكيات دولية بأموال الشعب لتبييض وجهه الكالح السواد ؟؟ نظام ما انفكّت الأخبار تطالعنا كلّ يوم باعتداءاته على الناّشطين في مجال حقوق الإنسان.. وآخرها محاولة اغتيال ….؟؟ نظام سطا بالقوّة على نقابة الصّحفيّين ممّا يجعل الحديث عن حرّيّة الصحافة أمرا لا قيمة له؟؟ كلّ هذه الأمور وغيرها كثير تجعل الحديث عن انفراج سياسي خرافة؟ اسمعوا ما قاله بن علي في خطابه الإنتخابي الأخير: ( واليوم فإننا نتقدّم إلى شعبنا ببرنامج جديد اخترنا له شعارا معا لرفع التّحدّيات برنامج للسنوات الخمس القادمة 2009 / 2014 ويمهّد في الآن نفسه للمراحل الّتي ستليه والّتي تمتدّ إلى أواخر العشريّة القادمة وما بعدها..) أليس هذا تصريح من بن علي برئاسته الأبديّة ؟؟؟ ماذا تريدون ؟؟ أن يتنحّى بن علي من الغد عن الرئاسة ويقول لكم يرحمكم الله هاكم منصبي؟ ماذا ستفعلون له ولحزبه ؟ هل ستحاكمونهم على جرائمهم ؟ هل ستصادرون الأموال الّتي سرقوها من الشعب والدولة ؟؟ هل ستقولون للضحية اقتصّ لنفسك؟؟ وإن سمح بحرية الصحافة ؟ هل ستفضحونه أمام الملأ؟؟ هل ستتحدّثون عن التعذيب الّذي لازال إلى اليوم ؟؟ هل ستتحدّثون عن سرقة أصهاره للملك العام ولأموال الشعب ؟؟ هل ستتحدّثون عن الرّشوة؟؟ وإن سمح بحريّة إنشاء الأحزاب ؟؟ هل سيترككم تفوزون بالإنتخابات لتفضحوه بعدها ؟؟ (آش تحبّوا يعطيكم رقبتو ويقلّكم قصّوها ؟ ياخي هبلتم ؟) نعم قد يطلق سراح بعض المساجين السياسيين؟ ولا أظنّه يفعل ؟ فهل هذا يسمّى انفراجا سياسيّا ؟؟؟ وما معنى الوضع لا يحتمل ؟؟ والله لن يترك الحكم للمعارضة ما دامت فيه عين تطرف؟؟ ولو انفجرت البلاد وسقطت في السرداب وانحدرت للهاوية ؟؟ ولو مات الشعب جوعا ؟؟ ولو زجّ بنصفه في السجن وقتل ربعه ؟؟ كل ذلك لا يهمّ طالما هو على كرسيّه بسلام ؟ وعلام الإنفراج والأمن مستبدّ ؟ عفوا مستتبّ ؟؟ أصدق كلمة قيلت في هذا النّظام للمنصف المرزوقي : هذا نظام لا يَصلُح ولا يٌصلِح ؟؟ (المصدر: « الحوار.نت » (ألمانيا – محجوب في تونس) بتاريخ 23 أكتوبر 2009)  


انتخابات تونس بين التمرير والتبرير والتحرير

  


منصف المرزوقي السلطة والفخّ الذي نصبته لنفسها المعارضات والتحدّي الضخم الحامي الخارجي والخيار الصعب
 
تنظّم السلطات التونسية يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الحالي مهرجانا انتخابيا معروف النتائج مسبقا سيعاد فيه انتخاب بن علي رئيسا بنسبة لن تقل عن الـ90% العادية، وسيتمّ فيه توزيع عدد من المقاعد في البرلمان كرشوة سياسية على أشخاص ينتمون للحزب الحاكم، وآخرين تمّ اختيارهم تحت يافطات أحزاب معارضة صورية، والقاسم المشترك وفاؤهم لوليّ نعمتهم وخدمته بسنّ كل القوانين التي تضمن دوامه وسلطته. لا أحد مخدوع بهذا التزييف وبكل ما سبقه من اصطناع أحزاب معارضة وما يتبعه من رمي البطاقات في الصندوق وحتى دعوة مراقبين لا يراقبون شيئا، ولا أحد في تونس أو خارجها ينتظر شيئا من استشارات صورية هي البيعة في ثوب عصري.  » الانتخابات الحقيقية محطّة في حياة اجتماعية تتّسم بحوار ساخن بين أحزاب سياسية لها كل الحرية في نقد السلطة الحاكمة دون أن تخشى على نفسها شيئا, لكن ما يحدث في تونس شيء آخر  » فبديهي اليوم حتى لأبسط الناس في تونس وخارجها أن الانتخابات الحقيقية محطّة في حياة اجتماعية تتّسم بحوار ساخن بين أحزاب سياسية لها كل الحرية في نقد السلطة الحاكمة دون أن تخشى على نفسها شيئا وتتقدم ببرامجها لناخبين يستطيعون طرد الحكومة القائمة واختيار البديل بكل أمان. أما ما يجري فهو بعلم الجميع إجراء شكلي هدفه التمديد الآلي للسلطة الحاكمة في ظل استشراء الفساد والقمع والتضليل الإعلامي . إن الموضوع لم يعد في فضح ما لم يعد خافيا على عين بصيرة أو في التنديد بما لا يستأهل حتى التنديد. الأهمّ من هذا تفحّص رهانات انتخابات مفبركة تنظمها ديمقراطيات مزيفة -اليوم في تونس، البارحة في الجزائر غدا في مصر- هي اليوم مع الدكتاتوريات القديمة الشكل الآخر للنظام السياسي العربي الفاسد. ثمة ثلاثة أطراف سياسية تطرح عليها هذه « الانتخابات » تحديات بالغة الخطورة. السلطة والفخّ الذي نصبته لنفسها منذ توليه السلطة والنظام التونسي ضالع في عملية مغالطة وتزوير شامل للنظام السياسي لإخفاء دكتاتورية بوليسية في ثوب نظام ديمقراطي، أو على الأقل في ثوب نظام في طور التطور البطيء لكن الثابت نحو النظام الديمقراطي. ربما لا يكون من باب المبالغة القول إنه لا يوجد نظام استبدادي في العالم عمل بمثل جدية وخبث وإصرار النظام التونسي لبيع العالم صورة النظام الديمقراطي المعتدل المتسبب في « معجزة اقتصادية ». هذه الانتخابات الرئاسية والتشريعية « التعددية » التي تنظم كل خمس سنوات تعدّ مظهرا من مظاهر وآليات هذا التزييف الشامل الذي ربما بدا لأصحابه في بداية التسعينيات قمة الدهاء السياسي. المشكلة أنك تستطيع كما يقول المثل الفرنسي « أن تكذب مرة واحدة على شخص ولا تستطيع أن تكذب طول الوقت على كل الناس ». هذا ما يجعل النظام في وضع بالغ الحرج وهو مضطرّ للتزوير المفضوح تحت نظرات الإشفاق والسخرية من شعب استخفّ بسرعة بذكائه… وهكذا يجد نفسه في كل موسم انتخابي في قلب مشكلة متعددة الأوجه. ثمة في البداية استحالة تمرير كذبة بحجم إيهام الناس بأنهم يعيشون حدثا ديمقراطيا وكأن « الدهاة » الذي خططوا لعملية التضليل هذه يحاولون إخفاء ذئب ضخم تحت قناع حمل صغير. بديهي أيضا أن الأضواء الخارجية تسلّط في هذه الفترة على دكتاتورية لا يجد أصحابها راحتهم مثل الخفافيش إلا داخل المغارات المظلمة مساهمة في عملية التعرية لرأي عام جاهل أو مخدوع. هناك أيضا نقمة الناس ضدّ النظام وهي تتصاعد من مهزلة انتخابية لأخرى للوعي بأن الاستخفاف لا يتعلق بذكائهم فقط وإنما بكرامتهم ولسان حال السلطة يقول: أعلم أنكم تعلمون ومع هذا تصدّوا لي إن استطعتم.  » تورّط الدكتاتورية في تنظيم انتخابات تحاكي الديمقراطية أمر محفوف بالأخطار, إنها اعتراف ضمني بأولوية الديمقراطية على الدكتاتورية لأن المزيّف لا يزيف إلا ما له قيمة  » أضف إلى هذا أن تورّط الدكتاتورية في تنظيم انتخابات تحاكي الديمقراطية أمر محفوف بالأخطار. إنها اعتراف ضمني بأولوية الديمقراطية على الدكتاتورية لأن المزيّف لا يزيف إلا ما له قيمة. ثمة خاصة صعوبة التحكم المتزايدة في اللعبة حيث يتصدى للتزييف من هم ضحاياه مثل السياسيين المقصيين من اللعبة المغشوشة. فهؤلاء يجدون آذانا صاغية من « الغلابة » الصامتين الذين يساقون خاصة في الأرياف كالقطيع للبصم على تواصل معاناتهم. المعارضات والتحدّي الضخم نخلص إلى الطرف الثاني المواجه بتحدي الانتخابات المفبركة. هنا يجب تفحص الإستراتجيات التي اعتمدتها الأحزاب السياسية منذ بداية لعبة الانتخابات « التعددية » أي سنة 1999. بالطبع نحن لن نعتبر في التقييم الذين قبلوا أن يكونوا جزءا من التزييف بقبول تعيينهم في البرلمان من طرف البوليس السياسي والادعاء بأنهم يمثلون الشعب. فهؤلاء الناس سواء من المعارضة الرسمية أو من الحزب الحاكم، عرضة للمتابعة أمام المحاكم العادية بتهم التغطية على التزوير والمشاركة فيه وانتحال صفة كاذبة وهي جرائم يعاقب عليها القانون في كل بلدان الدنيا. لنعتبر فقط إستراتجيات الأطراف المستقلة عن النظام. ثمة في البداية الإستراتجية الحقوقية لمنظمات حقوق الإنسان. هي تحتجّ على غياب الظروف الضرورية لنجاح أي استفتاء شعبي قبل وقوعه أي حرية التنظيم والتظاهر والرأي. هي تركّز أيضا على غياب الضمانات إبان الاستفتاء نفسه ومنها كثرة المراكز لمنع كل مراقبة جدية، ناهيك عن علنية الاقتراع وسرية الفرز. هي تصدر توصيات تذهب مباشرة لسلة مهملات الدكتاتور، على فرض أنه أخذ الوقت لقراءتها. وفي آخر المطاف فإن هذه التقارير التي توزّع بعد انتهاء عملية اغتصاب سيادة شعب ليست هي التي ستعيد لهذا الشعب شرفه وسيادته. يبقى أن مثل هذه الحملات ضرورية لأنها تساهم، ولو بقدر متواضع، في إنهاك الاستبداد بجعله يتحرك عاريا تحت الأضواء الكاشفة. هناك إستراتجية المشاركة الاحتجاجية. إنها خيار بعض السياسيين الديمقراطيين -الذين تسمح لهم السلطة بالنشاط لمعرفتها بقلة خطرهم- الداعي لاستغلال الفرصة لمزيد من توريط السلطة في تناقضاتها. هم يريدون إظهار سوء نيتها وتعصّبها وأحاديتها برفضها للمنافسين، حتّى الذين لا يريدون الخروج على اللعبة وإنما الانخراط فيها بكل نواقصها وعيوبها. الاقتناع وراء هذا الموقف أن الانتخابات المفبركة مرحلة للمرور للانتخابات الحقيقية. يكفي أن يكون المرء صبورا ومطمئنا و »معتدلا » حتى يقبل المشارك الإيجابي يوما في اللعبة، فتتحقق تدريجيا الانتخابات المنشودة ولو ضمن نفس الإطار السياسي أي استبداد مروّض. إضافة للضغط الداخلي لا يرى أصحاب هذه الإستراتيجية حرجا من استعمال الضغط الخارجي لدول الوصاية، خاصة فرنسا وأميركا، ومن ثمّ زياراتهم المتكررة إبان « حملتهم » الانتخابية لواشنطن وباريس وبروكسل. المشكلة أن السلطة ليست بحاجة لمن يثبت سوء نيتها وتزييفها والأمر واضح للجميع بل هو أساس ومنطلق كل العملية. الضغط الخارجي أحسن وصف له مثالنا الشعبي « استني (انتظري) يا دجاجة حتى يجيك القمح من باجة » (مدينة بالشمال الغربي اشتهرت بوفرة إنتاجها من الحبوب).  » التجربة وحدها أصدق دليل على خواء التوجه الاحتجاجي حيث لم تؤد المشاركة الاحتجاجية في 2004 و2009 إلا لبعض الإشهار لحزب أو شخص يلعب دور الضحية ويشتكي ويتباكى، وما أتعس هذا الدور  » إن التجربة وحدها أصدق دليل على خواء هذا التوجه حيث لم تؤد المشاركة الاحتجاجية في 2004 و2009 إلا لبعض الإشهار لحزب أو شخص يلعب دور الضحية ويشتكي ويتباكى، وما أتعس هذا الدور. أما تحريك جلمود الصخر خطوة إلى الأمام، فلم يقع مطلقا وإنما العكس هو الذي حدث حيث تتحرك الصخرة كل « انتخابات » خطوة إلى الوراء. هل من الضروري التذكير هنا بالنتائج المتواضعة حتى لا نقول المعدومة لكل القوى السياسية وخاصة الإسلامية التي قبلت بدخول برلمانات لا سلطة لها، جامعة وصمة قبول صفة ممثلي الشعب وهم أول من يعلم أن وزارات الداخلية هي التي عينتهم ووصمة المشاركة في ديكور ديمقراطي مع ادّعاء مناهضته. أخيرا لا آخرا إستراتجية المقاطعة التي دعت إليها أحزاب ليس من الصدفة أنها كلها غير معترف بها.. المشكلة في هذا الخيار المنطقي القائل بعبثية الدخول في لعبة عبثية، هو ترك الحبل على الغارب لدكتاتورية آخر ما يهمها نسبة مشاركة تعرف ضعفها بدعوة أحزاب المعارضة إلى المقاطعة أو بدونها. فالسلطة القادرة على منح الزعيم المزمن 90% من الأصوات لا يقلقها رفع مستوى المشاركة الشعبية إلى نفس الرقم السحري. أما الاحتجاج المصاحب لطلب المقاطعة فليس أكثر ضررا من صراخ الحقوقيين والمشاركين المحتجين. إن الفشل النسبي لهذه الإستراتجيات المختلفة هو الذي سيجبر الطبقة السياسية والمجتمع كله على ابتكار أساليب جديدة لرفع التحدي. إن ما يختمر في الأذهان، وما يدعو إليه كاتب هذه السطور منذ مدة، هو الانطلاق من عبثية واستحالة المعارضة تحت نظام استبدادي وقبول الواقع الصعب أي أنه لا خيار للشعب المقهور إلا بين المقاومة المسلحة والعصيان المدني. السؤال المحوري ليس هل الدخول في إضرابات قطاعية مسترسلة تنتهي بالإضراب العام إلى رحيل الدكتاتور خيار قابل للترجمة على أرض الواقع؟ وإنما هل هو خيار متقدم على الوضع، أو جاء متأخرا عليه وقد وصل القمع والفساد والإذلال مستوى غير مسبوق وبدأ الاستعداد للمواجهة الدموية من كل الأطراف؟ الحامي الخارجي والخيار الصعب لا أحد يجهل اليوم دور الطرف الثالث أي كبرى الحكومات الديمقراطية الغربية التي تدعم النظام السياسي العربي الفاسد عسكريا ومخابراتيا وماليا. لقائل أن يقول ما الغرابة في ذلك وقد عوّدنا الغرب على ازدواج المعايير وعلى أنه كلما وقع تناقض بين مصالحه ومبادئه ضحى بالمبادئ من أجل المصالح. السؤال الحقيقي ليس هل هذا مقبول أخلاقيا أم لا، وإنما ما التكلفة السياسية لموقف مثل رفض الاعتراف بنتائج انتخابات حرة ونزيهة في غزة، والمبادرة ببرقيات التهنئة حال « انتخاب » الدكتاتور التونسي سنة 1999 و2004 ومن المؤكد يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الحالي؟ كثيرا ما ننسى أن الغرب الذي نتحدث عنه بصفة عامة هو « غربان » اثنان: الأوروبي والأميركي، وهما واقعان غير متطابقين تطابق اليد اليمنى واليسرى، وثلاثة « غروب »: غرب القيم والحضارة وغرب الحكومات وغرب المجتمعات المدنية. ستقودنا مثل هذه القراءة إلى بديهية نتعامى عنها بالتبسيط والتعميم وهي أن حليف دكتاتورياتنا هو تحديدا حكومات الولايات المتحدة والدول الأوروبية المتوسطية وليس كل الحكومات الغربية، فما بالك بالمجتمعات المدنية المتعلقة بالمبادئ والتي كانت دوما في صفنا ضد قمع حكوماتنا وجشع وأحيانا غباء حكوماتها. يعني هذا أن هناك تكلفة داخلية للاعتراف بالانتخابات العربية المفبركة لا تزال خفيفة لأننا لم نعمل كثيرا على تأليب الرأي العام الغربي ضد حكوماته. ويوم تصبح قضية التواطؤ فضيحة داخلية فإن السياسيين الميكافيليين سيبدؤون في مراجعة حساباتهم. على كل حال هم أخذوا في هذه المراجعة وكل المؤشرات تظهر أن الأنظمة التي يساندون آيلة إلى السقوط بفعل التعفّن الداخلي أكثر من فعل معارضات دمّرت إلى العظم ولا تزال في طور إعادة التكوين. بديهي أيضا أن حجم الفساد والإذلال والفشل في كل الميادين لأنظمتها العميلة هو الذي يولّد أخشى ما يخشاه الغرب: العنف الإسلامي والهجرة السرية.  » الانتخابات العربية المفبركة تطرح لكبرى الحكومات الغربية الخيار بين مواصلة الاعتراف بشرعية انتخابات لا شرعية لها والتواطؤ مع أنظمة تجلب لها الحرج وحتى العار, أو التضحية بأنظمة متخلفة والبحث الحثيث عن بدائل تحفظ المصالح الكبرى  » هذا ما سيزيد من صعوبات كبرى الحكومات الغربية في تبرير الدفاع عن سياسة هي على الأمد المتوسط وليس فقط البعيد كارثة على القيم وعلى المصالح. معنى هذا أن الانتخابات المفبركة التي نشاهد تواتر مسرحيتها هنا وهناك مرحلة انتقالية هامة في حياة وموت النظام السياسي العربي الفاسد. هي تطرح لكبرى الحكومات الغربية الخيار بين مواصلة الاعتراف بشرعية انتخابات لا شرعية لها والتواطؤ مع أنظمة تجلب لها الحرج وحتى العار أو التضحية بأنظمة متخلفة والبحث الحثيث عن بدائل تحفظ المصالح الكبرى وتكون مقبولة ولو نسبيا من شعوبها. أما بالنسبة للدكتاتورية فهي حيلة ساذجة لإرجاء لحظة الحسم بين خيارين لا ثالث لهما: إما العودة للدكتاتورية الفجة أو المرور للديمقراطية الفعلية. هي بالنسبة للقوى السياسية الحالية قضية مصيرية، فإما قيادة العصيان المدني –وهو خيار كاتب هذه السطور- للانتهاء مع أنظمة الفساد والقمع والتبعية.. أو الاختفاء لصالح عناصر جديدة تقود معركة التحرير وتحقيق الاستقلال الثاني. ربما لا يترك تحالف الاستبداد والاستعمار لهذه القوى من خيار غير المقاومة المسلحة وهو الاتجاه الذي تدفع له بكل وعي أشرس القوى داخل الدكتاتورية لتوهمها قدرة السيطرة على « الإرهاب » بل وتجدّد شبابها بالحرب الأهلية. وإذا وصلنا لا قدّر الله مثل هذه الحالة، فالتحالف الشيطاني وحده من يتحمل مسؤولية وضع شعوبنا بين خيار التمرّد أو الاستعباد إلى الأبد والموت البطيء. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 22 أكتوبر 2009)


انتخابات تونس 2009: سيناريوهات لما بعد الاحتفالات


المختار اليحياوي يتأكد مع مرور الأيام الإنطباع العام عن الحملة الإنتخابية الحالية و التي توشك على نهايتها حول الصبغة الإحتفالية التي إعتمدها مهندسوها و هيمنة الحملة الرئاسية على إهتمامات الآلة الدعائية بمختلف أجهزتها و تبدو الصورة التي ترسمها الحملة عن تونس مختزلة في بلاد ترقص فرحا بتجديد إنتخاب رئيسها. و هكذا بعد سنتين من التوسل و المناشدة حتى يعلن الرئيس قبوله بالترشح لدورة خامسة و سنة كاملة من المباركة و المساندة لقبوله بالإعلان عن ترشحه لا يمكن أن نستغرب أن تتلخص الحملة الإنتخابية في أسبوعين من الإحتفالات بانتخابه فضلا عما سيعقبها من إحتفالات بمناسبة حلول ذكري توليه السلطة بعد أيام في 7 نوفمبر القادم. ويمكن القول رغم أن تونس ليست مملكة بصفة رسمية فإننا لا نزال ننظم أطول وأضخم إحتفالات بعيد العرش يمكن أن يشهدها بلد في العالم. يمكن للكثيرين أن لا يتفقوا معي على هذه الصورة و لكنني لا أعتقد أن هناك أحدا لا يلاحظ حالة الهوس و الهستيريا التي أصبحت تسيطر على الحكم في بلادنا و التي تذكرنا إلى حد كبير بنهاية حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة عندما وقع تحويله إلى مجرد صورة تتصارع حولها أجنحة النظام و الحاشية على النفوذ للتموقع إستعدادا لخلافته عن طريق المزايدة في تأليهه و تقديم شواهد الولاء له. الرئيس بن علي ظهر مرة واحدة « للعموم » خلال هذه الحملة بمناسبة إفتتاحها يوم 10 أكتوبر بقاعة الرياضة برادس حيث قام بتلاوة خطاب نشر ملخصا في 24 نقطة و مطولا في كتاب من أكثر من مائة صفحة وهو عبارة عن مقتطعات من مخطط الدولة العشري للتنمية الذي وقع البدء في تنفيذه منذ سنتين و قدمه باعتباره  » برنامج للسنوات الخمس القادمة، ويمهد في الآن نفسه للمراحل التي ستليه والتي تمتد إلى أواخر العشرية القادمة وما بعدها… » وقد تميز بخلوه من أي مضمون سياسي و تجنبه التعرض لكل القضايا السياسية المزمنة و المطروحة حاليا. و إذا كان لنوعية العبارات المستعملة و نسبة ترددها في الخطاب من معنى فإننا نجد أن الرئيس بن علي يردد ذكر سنة 2014 حوالي 20 مرة في نفس الخطاب بما يؤشر للهاجس الحقيقي الذي يحمله و المقصودين منه الذين أراد طمأنتهم بهذا الخطاب. و يمكن القول أن إنتخابات 2009 و إن كانت خالية تماما من أي مضمون سياسي و لا تحمل أي رهان سياسي أو حتى إنتخابي، لا لأن نتائجها معروفة سلفا فقط أو لكونها حسب كل المؤشرات  ستزيد من تركيز السلطة و التفرد بها بين أيدي أشد المدافعين على النهج الشمولي التسلطي القائم، فإنها تمثل نهاية مرحلة وبداية دخول البلاد التونسية لمرحلة عدم استقرار سياسي بسبب الظروف الموضوعية للسلطة ذاتها و مواجهتها لتحدي ضرورة تجديد نفسها. فالرئيس بن على المتمسك بالسلطة بقوة يواجهه تحدي دستوري شكلي على الأقل يجعل من دورته القادمة آخر دورة يمكنه مباشرتها في السلطة. و لئن كانت إعادة تحوير الدستور لا يمثل إشكالا بالنسبة له على المستوى الداخلي على الأقل فإن قدرته على الإضطلاع بها في سن الثامنة و السبعون و لو بصورة صورية قد لا يكون مضمونا أو مقبولا و سيمثل بالنسبة للنظام الإشكالية الحقيقية التي تشغله في الفترة القادمة. لذلك يبقى السيناريو التقليدي للتوريث السائد في المنطقة العربية و الإفريقية حاليا الحل الأكثر إحتمالا بالنسبة لنظام السابع من نوفمبر فضلا عن كونه قد وضع فعلا في بداية التنفيذ منذ مدة من قبل العائلة المالكة حسبما تؤكده عديد المؤشرات المتضافرة سواءا من خلال تدعيم الوزن السياسي و الإقتصادي لصهر الرئيس « صخر الماطري » أو من خلال تعاظم الدور السياسي الذي أصبحت تحتله زوجة الرئيس « ليلى الطرابلسي » كوصية حقيقية على رئاسة الجمهورية. وهكذا يتضح أن أهمية إنتخابات تونس 2009 لا تكمن في ما سينبثق عن إقتراع 25 أكتوبر 2009 و لكن في ما وراء 2009. ليس المقصود هنا البحث عن إستشراف مستقبل الوضع العام في تونس على خلفية ما يحصل حاليا بقدر ما هو محاولة رصد التحولات المترتبة عن الواقع الحاضر كما يتجلى من خلال هذه الإنتخابات. و أعتقد أن القصور الواضح في فرض طرح المشاكل السياسية الحقيقية سواء من داخل السلطة أو من خلال المعارضة بكل أشكالها سيزيد من تعميق إستقلال المجتمع عن النخبة السياسية. و إذا كانت السلطة و المعارضة يشكلان النظام القائم بكل ميزاته و هناته فغن فشل هذا النظام في التعبير عن تطلعات وإستحقاقات و مطالب المجتمع لا يعني سوى بداية القطيعة بين المجتمع و النظام. و يتأكد اليوم أكثر فاكثر ولدى فئات متعاظمة داخل المجتمع كما داخل النخبة أن تونس ليست في حاجة إلى سلطة جديدة و لكنها في حاجة إلى نظام جديد. لذلك فإننا عندما نطالب بعدالة أفضل و قضاء أفضل أو بحرية تعبير و إعلام أفضل أو بانتخابات أفضل هناك من يضن أننا لازلنا نتوجه لنظام السابع من نوفمبر و نتوسل له لتحقيقها لنا لأننا لا نختلف معه فقط في ما يمكن تقديمه حتى تصبح هذه المؤسسات على سبيل المثال على شكل أفضل و لكننا نتناقض معه في مقاصد الكلمات نفسها فما هو أفضل بالنسبة لنظام كنظام السابع من نوفمبر لا يمكن أن يكون أفضل لمجتمع كمجتمعنا. لقد أقام جانب كبير من المعارضين لحكم الرئيس بن علي خلال العشرية المنقضية سواءا في تيارات وتنظيمات اليمين أو اليسار استراتيجيتهم لحل الأزمة السياسية على المطالبة بالعفو التشريعي العام كمدخل لحل الأزمة السياسية و بينما كنا نمارس النضال الحقوقي في وجه دكتاتورية غاشمة ضد الظلم و على أساس عدم شرعية الجرائم و العقوبات المسلطة على كل المضطهدين كان القادة السياسيين لهؤلاء المضطهدين أنفسهم لا يتجاوزون المطالبة بالعفو و المصالحة مع النظام. و هو ما يعني أننا كنا نختلف جذريا في تقييم طبيعة النظام الذي نتعامل معه. لقد أعطى النظام جرائد و صحف عديدة لمنتقديه و قام بتمويلها لبعضهم و لكننا لم نكن نقصد هذا النوع من حرية التعبير و الصحافة كما لم نكن نقصد هذا النوع من حرية التنظم و تكوين الجمعيات و الأحزاب الممول حسب درجة الخضوع والإنتهازية. و بنفس الشكل خبرنا العفو الذي يمنحه نظام السابع من نوفمبر و حدوده و معانيه و يمكن لأي شخص بدون إستثناء ممن شمله هذا الإجراء أن يحكي لنا حياة المعفي عنه في ضل نظام يعتبر لديه عدوا له. كما خبرنا ديموقراطية معارضته و كيف يرتب مؤتمراتها و ينتقي قياداتها. و عندما فشلت مساعي إقامة هيئة وطنية في وجه الإستبداد على تراكمات نجاح وصدى إضراب الطعام من أجل الحقوق و الحريات بمناسبة إنعقاد المؤتمر العالمي للمعلومات بتونس ظهرت بكل وضوح عيوب النخبة السياسية بكل ما تحمله من عقلية ماضوية و أنانية وحسابات ضيقة سواء لدي الوصوليين داخل الحزب الحاكم أو لدى المعارضين و غلبت إستراتيجية البحث على التموقع والمشاركة على ضوابط المحافظة على المطالب المبدئية الأساسية التي نعرف جميعا أنه لا تحرر لمجتمعنا و وطننا من الإستبداد و النهب و المحسوبية بدون تحقيقها. و قد تجلى بشكل مكشوف هذا الوضع من خلال المواقف من إنتخابات 2009 و إهتزاز المواقف و ترددها بين المشاركة والإنسحاب و المقاطعة. بل أننا و جدنا في بعض الفترات مجرد الجهر بضرورة الدعوة لمقاطعة هذه المهزلة ورفض نظام المحاصصة يثير من التشنج لدى بعض المعارضين أكثر مما يثيره لدى أجهزة الإستبداد. و نعرف اليوم بدون حاجة للإنتظار أو التذكير حصيلة الحقل من البيدر وسوء تقدير حسابات كل المناورين. عندما يحل يوم 26 أكتوبر 2009 تكون كل الأمور تقريبا قد اتضحت ليتجلى أمامنا وضع جديد لا يمكن لأي تونسي إلا أن يعيد النضر في مواقفه أمامه. و هو وضع ليس بالضرورة في صالح النظام القائم و قد إنتقل من الإستبداد إلى التملك حتى أصبحنا لا نعرف إن كان لدينا رئيس أو إثنين و إن كانت الحكومة حكومة أو محكومة و هل الأمن في أيدي مؤسسات معلومة أم سنشاهد فرق الموت وصنوف المليشيات وهو وضع لا أعتقد أنه مازال سيجد فيه من يشاركه في انتخابات بنفس المواصفات أو أن النظام نفسه بقي بحاجة و لو لمهزلة إنتخابات كما أنه وضع سيجد فيه الحزب الحاكم نفسه و هو الحامل لشعار الحزب القائد في التحرير و الضامن للمصير يسأل نفسه أي ضمان بقي يمثله بعد أن ترك البلاد صفقة تباع و تشترى يتنازع عليها أصحاب النفوذ ممن أثروا بالنهب واستغلال النفوذ. إنه عهد جديد سيفرز الأحرار من العبيد. (المصدر: مدونة مختار اليحياوي (محجوبة في تونس) بتاريخ 20 أكتوبر 2009) الرابط: http://www.tunisiawatch.com/?p=1060


الانتخابات التونسية … المهزلة المتكررة


عماد الدائمي (*) لا زالت الانتخابات لم تجر بعد في البلاد ولكن نتائجها باتت معروفة مسبقا لدى كل التونسيين والمراقبين المتابعين لسلوك النظام الحاكم طيلة الحملة الانتخابية والاسابيع التي سبقتها. لم تحصل المعجزة التي كان يحلم بها البعض (معجزة الانفتاح النسبي واحترام الشكليات)، ولن تحصل، لأن الخلل بنيوي وعميق ولأن ميزان القوى بين السلطة وقوى المجتمع الحية لا زال مختلا لصالح الأولى، كما لايزال الضغط الخارجي من أجل احداث حدود دنيا من الانفراج والاصلاح ضعيفا أو ربما منعدما تماما. وصمة عار جديدة هي بصدد الاضافة الى سجل بلادنا، وأغلب التونسيين مشدوهون يتابعون الأوضاع بكثير من الأسى والاحباط والخجل. ولا عجب أن يخجلوا ونخجل جميعا لأن فصول المهزلة فاقت حدود التصور والتحمل. وفيما يلي غيظ من فيضها. 1 ـ اخراج ردئ لمسرحية عفا عنها الزمن لم يكن لدى المتابعين الذين يعرفون النظام التونسي جيدا وهم أن تكون هذه الانتخابات مختلفة في النتيجة عن سابقاتها في تاريخ البلاد الحديث. غير أن الكثير منهم توقع أن تغير السلطة من تكتيكاتها هذه المرة وأن تعد لعبتها جيدا حتى لا تقع في الأخطاء والفضائح التي وقعت فيها في المرات السابقة، خصوصا وأن هرم السلطة والمقربين منه انطلقوا في الاعداد لهذه المسرحية الانتخابية منذ زمن طويل. وكلفوا لاخراجها فريقا من الأمنيين والقانونيين والسياسيين والدوائر النافذة أطلقوا يده منذ أول يوم في موارد الدولة وامكانيات الادارة، وأعطوه بطاقة بيضاء للتعامل مع مختلف الفاعلين والمفعول بهم بكل الأشكال المناسبة ترهيبا وترغيبا، ضمانا للولاء أو دفعا للبلى. وقد حدد لهذا الفريق من المخرجين هدف شديد الوضوح غير قابل للتأويل وبدون أي هامش للتصرف. فاجتهدوا كيفما يقدرون، وفتحوا أرجلهم بأكثر مما يقدرون ليصلوا طرفي موازنة مستحيلة شعارها: ضمان النتيجة مع المحافظة على الديكور. غير أن ما خفف الوطأة عنهم وجود قاعدة ذهبية للتحكيم عندما تتشابك الأمور، شعارها: أولوية النتيجة على الديكور، مع التعويل على الزمن كي ينسى الناس ويتعودون وتستقر الأوضاع كما خطط لها دون تنغيص أو حاجة لتنفيس .. ولكن رغم الاستعدادات والامكانيات والجنود المجندة، لم تخرج المسرحية حتى الان، ولن تخرج، عن المنتظر المألوف الذي يمكن أن يتنبأ به أي مواطن عادي: كل شيء فيها معروف مسبقا: الأبطال والكومبارسات والادوار المختلفة .. وموقف الأبطال من الطامعين والمشاغبين والمترددين .. وفكي التنين المشرعة على المناوئين الساعين لافساد الحفلة واثارة الفتنة. ولم يبق في علم الغيب الا موقف الجمهور من مسرحية بهذه التفاهة واخراج بهذه الرداءة، هل سيقاطعونها بكثافة كبيرة كما ينتظر، أم أن الخوف سيقود أعدادا منهم الى مسارح التصويت كما يفعل عادة في مثل هذه المناسبات. 2 ـ هل هي انتخابات حكم أم انتخابات خلافة؟ عودوا الى كتب التاريخ وتجارب الأمم ولن تجدوا موقفا انتخابيا أشد غرابة من الذي تعيشه بلادنا هذه الأيام. ففي الوقت الذي تستعد فيه حثيثا للتجديد للمرشح لخلافة نفسه في ظل صخب اعلامي وغطاء سياسي ونداءات وتحالفات والتحاقات (شملت حتى الطامعين من الضحايا السابقين)، ينسحب هذا البطل الأوحد فجئيا من المشهد، ويتقلص حضوره، وتشتد الريبة حول مصيره، مع بروز مؤشرات متواترة على فقدانه للسيطرة على المافيات صنيعة يده، وعلى احتدام صراع الأجنحة لخلافته، ومع سيل الشائعات المتعددة حول المؤمرات التي تحاك على الزعيم الحاضر الغائب من داخل قصره وحول الصفقات التي تعقد من وراء ظهره .. فأي وضع سريالي هذا : رئيس ينتخب بنسبة تقترب من الاجماع ولا أحد يدري ان كان سيحكم غدا، أم أن صفحته ستطوى قريبا انتزاعا أوضغطا أو اضطرارا. 3 ـ غياب الناطق الرسمي والخوف من تمثيل النظام في كل الدكتاتوريات عبر التاريخ يحتكر الدكتاتور تمثيل الدولة والكلام باسم الحزب الحاكم، ولا يسمح عادة لوجوه أخرى بالبروز الشديد وملء الساحة مهما كانت درجة وفائها له. أما في بلادنا فاننا نعيش وضعا شاذا يكاد لا يكون له نظير … فدكتاتورنا لا يتقن فن الكلام، ولم يعرف التونسيون عنه يوما أنه تكلم من غير ورقة أو كتب مجرد فقرة ناهيك عن المشاركة في ندوات صحفية أو حوارات تلقائية .. ومع ذلك اعتمد منذ وصوله للحكم قبل 22 سنة سياسة تكميم الأفواه من حوله، تحجيما لطموحات معاونيه المقربين، ومنعا لاضفاء أي شرعية تمثيلية أو سلطة تقديرية لأي من وزرائه أو مستشاريه. وقد أنتج هذا الوضع أمرا واقعا غريبا لنظام أبكم يتهرب كوادره من الكلام خوفا من البروز الذي قد يثير حفيظة الزعيم الأوحد، وخشية من الخروج ولو قليلا عن المرجعية التي يحددها القائد الملهم والاجهزة الاستشارية والامنية التي تنال ثقته وتعمل تحت ظله. وأمام الحاجة الماسه لحدود دنيا من الحضور الاعلامي، الخارجي أساسا، للدفاع عن خيارات النظام والتهجم على معارضيه وصد الهجمات المتزايدة التي تأتيه من كل صوب، اعتمدت السلطة سياسة التمثيل غير الرسمي المرتكز على بعض الوجوه ذات حدود من الكفاءة الاعلاميه ومن القدرة على المراوغة واتقان اللغة الخشبية، وتكليفها بمهام محددة دون أي هامش للاجتهاد والتصرف. وتحرص هذه الوجوه دوما، للأسباب المذكورة أعلاه، على دفع « تهمة » تمثيل النظام بكل قوة. وفي هذا الصدد لا يفوتني التذكير بالموقف الطريف الذي حدث منذ أيام خلال ندوة حول الانتخابات التونسية نظمتها جمعية طلابية بمعهد الدراسات السياسية بباريس وحضرها مع ممثلي المعارضة الوطنية بعض المكلفين بمهام اعلامية وامنية من قبل النظام التونسي، حيث احتج أحدهم بشدة على عبارة « قريب من النظام » التي اعتمدها أحد المنظمين للتعريف به، مؤكدا أنه يعتبر نفسه « قريبا من الطبيعة ومن الحيوانات .. لا قريبا من النظام » !! ولعل كل ما سبق يقدم لنا عناصر لتفسير السياسة الاعلامية للنظام القائم خلال هذه الانتخابات المبنية على ملء المشهد الاعلامي بالمكلفين بالمهام مع اجتناب السقوط في فخ الحوارات المباشرة أو التصريحات التلقائية التي تفترض دوما حدودا من هوامش التصرف لا يمتلكها في البلاد غير هرم النظام. 4 ـ المشاركة في اللعبة المغشوشة … لاثبات أنها مغشوشة! في أغلب بلدان العالم التي يمارس فيها التزوير الانتخابي وتنتهك فيها ارادة الناخبين، ينقسم موقف الأطراف السياسية المعارضة عادة بين توجهي المشاركة طمعا في الحصول على فتات الموائد، أو المقاطعة ورفض المشاركة في تزييف الارادة الشعبية. أما في بلادنا فينضاف الى هذين الموقفين الواضحين موقف ثالث يسميه اصحابه موقف المشاركة الاحتجاجية الذي تمارسه وتدعو اليه أحزاب وقوى يضم بعضها خيرة المناضلين الذي لا يشكك أحد في وطنيتهم واخلاصهم. والهدف المعلن من موقف البين ـ بين هذا استثمار هذه اللعبة للوصول للناس، حيث تنعدم فرص التواصل في الأيام العادية، ثم كشف خور الانتخابات واظهار زيف الادعاءات بالتعددية والشفافية. غير أن بعض المشككين يضيف الى هذه الأهداف أخرى أقل نضالية كالحصول على المنح المادية التي تهبها الدولة للقوائم المشاركة والحرص على عدم قطع شعرة معاوية مع نظام يعتبر المقاطعة خطا أحمرا لا يسمح للأحزاب « القانونية » تجاوزه. وبقطع النظر عن أهداف تلك الأطراف وتخطيطاتها، فان الواقع يثبت أن النظام يمتلك وحده خيوط اللعبة الانتخابية حيث يستثمر في كل مرة مشاركتها « الاحتجاجية » بأقصى قدر ممكن لتزيين الديكور واضفاء الشرعية والتعددية الوهمية أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، وفي نفس الوقت يضع الحواجز والعراقيل أمام تلك القوى لحرمانها من التواصل مع المواطنين ومنعها من تحويل المشاركة ـ الديكور التي يريد الى مشاركة حقيقية. وهكذا تجد تلك الأطراف نفسها كل مرة مضطرة في اخر المطاف اما للانسحاب بكف فارغة وأخرى لا شيء فيها عدى الصراعات الداخلية والخلافات مع بقية مكونات الساحة الوطنية المعارضة، واما مواصلة المشاركة في المهزلة الى النهاية وقبول كل التنازلات المهينة التي تفرضها سلطة حريصة على النتيجة أكثر من حرصها على الديكور، دون أن يكون لديها أي وهم في الحصول على أدنى مكسب انتخابي … ويا خيبة المسعى. وهكذا يخرج النظام في كل مرة الرابح الوحيد من منطق المشاركة الاحتجاجية، حيث يسحب نسبة معتبرة من المعارضة من خندق المقاطعة الى مسرح المشاركة قبل أن يلفظها كالنواة ويواصل مسيرته المظفرة نحو تأبيد الدكتاتورية .. فمتى تكسر تلك الأطراف هذه المعادلة الخاسرة وتقطع مع نظام متهالك لا يلقي لها أي اعتبار، ولا يتعامل معها بغير عقلية القمع والابتزاز والاذلال؟ ان السبيل الوحيد للتصدي لسياسة التزييف والاقصاء التي تنتهجها السلطة، هو التقاء مكونات الطيف الوطني المعارض وقوى المجتمع المدني الحية في استراتيجية نضالية موحدة وابداع أشكال جديدة وجريئة لكسر الحصار المضروب على المجتمع والتواصل مع عموم التونسيين. ان الحاجة باتت ملحة، والنظام يستعد للتجدد ومن ثمة للتوريث، لنبذ الخلافات الهامشية وتنسيق الجهود من أجل اعادة الاعتبار للتونسيين ونفض الغبار عن كرامتهم وغسل العار الذي ألحقه ببلادنا نظام متخلف حول تونس لأضحوكة في المجالس ومضرب للمثل في الدكتاتورية واستبلاه الشعب. (*) كاتب من تونس (المصدر: موقع « ليبيا المستقبل » بتاريخ 23 أكتوبر 2009) الرابط:http://libya-al-mostakbal.org/Articles1009/emad_addaimi_231009.html


انتخـابات بـاردة بنكهـة الثلـج


لم تعرف تونس في تاريخها مسارا ديمقراطيا ولم يمارس شعبها ديمقراطية حقيقية ولو ليوم واحد، وما شبه الانفتاح الذي عشناه بُعيد تغيير 7 نوفمبر 1987 سوى سراب سرعان ما تبخر ليفسح المجال لسياسة العصا الغليظة ولغة السجون والمنافي، ليبقى الشعب التونسي ينتظر، وقد طال انتظاره، لتحقيق الوعود التي قطعت له من قبيل  » لا مجال لرئاسة مدى الحياة أو لخلافة آلية لا دخل للشعب فيها  » أو  » لا مجال للظلم والقهر بعد اليوم  » ! تحل علينا هذه  » الانتخابات  » في نسختها الخامسة وهي ترتدي نفس اللباس الذي تزينت به عام 1989 ، مما جعل ثيابها بالية ورثة وأفقدها النكهة التي تعرفها كل انتخابات المعمورة من أقصاها إلى أقصاها، ففي صباح السادس والعشرون من هذا الشهر سيطل علينا السيد وزير الداخلية ويعلن فوز مرشح التجمع الدستوري في الرئاسية بنسبة تسعينية، ثم تنظم ندوات صحفية يقول فيها أمين عام الحزب الحاكم بأن  » الشعب التونسي اختار الاستمرارية مع رجل التغيير « ، وهي صورة طالما تكررت ولكنها صورة قاتمة هذه المرة لأن الانتخابات تجري في أجواء باردة وبدون أدنى منافسة خاصة في ظل غياب الحزب الديمقراطي التقدمي بعد انسحابه من الرئاسية والتشريعية ،جراء قانون قد على المقاس في الأولى، وإسقاط ثلثي قائماته زورا وبهتانا في الثانية. بعض المرشحين في الرئاسية فضلوا التواصل مع المواطنين بشكل خفي أشبه بالعمل السري ونزحوا انتخابيا إلى المناطق القروية مبتعدين عن الفضاءات العمومية ولهيب الناخبين المسيسين وأسئلة المجروحين والغاضبين، كل غرار ما حصل مع مرشحي الوحدة والوحدوي في قرية المطوية من ولاية قابس، حيث زارنا هؤلاء بشكل برقي في حدود الساعة التاسعة ليلا في أحد المقاهي، وهو ما لم يثير اهتمام الحاضرين ولم يسمع به الغائبين، أما مرشح حركة التجديد فلم يبرمج أصلا زيارة إلى جهة قابس، بالإضافة إلى بقاء المكان المخصص لصورته شاغرا من بين المعلقات الرئاسية إلى حدود النصف الأول من الحملة الانتخابية ! أما مرشحي المعارضة للبرلمان فحدث ولا حرج، لا تسمع لهم صوتا ولا تجد لهم أثرا، تواروا عن الأنظار درءا لكل إحراج، يخرجون بعد الغروب يجوبون بعض الأزقة بخجل على عجل ووجل ولسان حالهم تشي بأنهم هم أنفسهم غير مقتنعين بما يأتونه من صنيع، وأن ما يقومون به من توزيع لبيانات باهتة وباردة ومثيرة للشفقة، ما هو إلا ضرب من الوهم والعبث، فالطريق إلى البرلمان أبعد ما يكون عما ستفرزه صناديق الاقتراع ، فهو يمر عبر رفوف وزارة الداخلية حيث توزع المناصب حسب الأهواء ودرجات الطاعة والولاء ! الحزب الحاكم واصل حملته الانتخابية الممتدة منذ سنوات على وقع الطبل والمزمار مكتفيا برفع شعارات مخجلة وجوفاء تعكس درجة الإفلاس السياسي التي انحدر إليها حال هذا الحزب ، من قبيل  » الله وحد الله وحد بن علي ما كيفو حد  » !   سألت شابا في العشرين من عمره، إن كان ينوي الذهاب لممارسة حقه يوم الانتخاب، فأجابني قائلا  » من المخجل أن يمثلنا في البرلمان من كان جاهلا وأميا ليتقاضى راتبا شهريا رفيعا، وأمام القبة المجيدة جحافل الدكاترة المعطلين عن العمل من مختلف الاختصاصات يستدرون من الدولة شغلا يضمن لهم الحق في العيش الكريم  » ثم أردف  » ولماذا أذهب للاقتراع والنتائج معلومة من الآن ؟  » الحملة الباردة لهذه الانتخابات تؤكد أن الظاهرة خطيرة ومقلقة يمقتها حتى أشباه المثقفين، ونعتقد أن هذا الانحدار هو الأسوأ في تاريخ تونس، فأن تعكف النخبة حتى على متابعة الحملة الانتخابية ببلادهم بسبب قناعتهم بزيف نتائجها مسبقا، فيما تنظر بعين الحسرة والإعجاب إلى تجارب متميزة في بلدان من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، لهو أمر جلل مسيء لسمعة تونس ويفتح أبواب مستقبلها على المجهول، وينذر بهزات لا أحد يمكنه التنبؤ بحجمها أو توقيت مواعيدها، ولن يتحمل مسؤولياتها إلا الحكم والأحزاب الدائرة في فلكه.

 ظاهـر المسعـدي   

الدكتاتورية الباردة  

هيثم مناع
لأن تونس لم تفقد روح الإبداع وخصب العطاء, تخرج أصوات كثيرة لتختصر ما يجري باعتباره وسيلة من وسائل الإستعباد السياسي في أي مشروع دولة، يشكل موضوع تنظيم حقل التعبير لجملة الصراعات بين مختلف الفئات الاجتماعية-السياسية وظيفة أساسية للسلطة الحاكمة. وبقدر ما تخلق السلطة صمامات الأمان الضرورية بين الطابع العسفي لممارسة السلطة والدور المسلم به للدولة والقانون: دور حماية الإنسان فردا أو مواطنا أو رعية، تنجح السلطة السياسية في خلق حد أدنى من الثقة بين الحاكم والمحكوم وفي اقتصاد العنف، على الأقل على الصعيد الداخلي. وبقدر ما يغيب دور الحماية المادية والمعنوية عن الأشخاص، تختزل الدولة في ذهن المواطن إلى مؤسسة احتكار للعنف الفيزيائي المشروع وإدارة الشرعية الشكلية والسيطرة على الضرائب. وكون الدولة في البلدان القائمة أو الوريثة لنظام الحزب الواحد في العالم العربي، هي العامل الرئيسي في إدارة وتوجيه وإنفاق رأس المال، فقد تم توحيد مركزي السلطة والثروة، وتوظيف الاثنين لمصالح فئة أمنية بيروقراطية محدودة قائمة على علاقات القرابة والمحسوبية والولاء. ولا غرو والأمر كذلك، أن يصبح العسف والفساد الشكلين اللذين يكثفان أهم أشكال توظيف واستعمال السلطة التنفيذية في أي بلد يخضع لحكم بوليسي.  » لا غرو عندما تتحكم الدولة في إدارة وتوجيه وإنفاق رأس المال أن يصبح العسف والفساد الشكلين اللذين يكثفان أهم أشكال توظيف واستعمال السلطة التنفيذية في أي بلد يخضع لحكم بوليسي  » يأتي تحجيم مفهوم القانون في الحياة الفعلية مع حضوره المبالغ فيه في الخطاب الرسمي ليخلق أزمة مفهومية جوهرية في الثقافة السياسية حيث تجري عملية بناء نمط السلطة السياسية في حالة فصام تام بين الكلمات ومفهومهما وبين الخطاب والواقع. ويبدو لنا من الضروري والحال هذه، العودة إلى المسلمات الأولية في محاولة لوقف عملية احتواء الأفكار والمفاهيم. من الصعب الحديث عن نظام (REGIME) سياسي في تونس، ومن الأفضل الحديث عن سلطة (POUVOIR). فالنظام وسيلة مقوننة للحكم، مطلقة أو ديمقراطية، وسيلة تحترم قواعد اللعبة التي تفرضها على المجتمع. هذه القواعد قد تفرض من فوق ومن جانب واحد، أو قد تكون محصلة وفاق نخبوي أو جماهيري، وفي كل الأحوال، فهي عقد عادل أو جائر يفترض احترامه من قبل المتعاقدين. وفي هذا الإطار يمكننا قراءة عقد البيعة في التاريخ السياسي العربي الإسلامي باعتباره -والجملة لمحمد حافظ يعقوب- « فعلاً مؤسّسًا للشرعية شرطه احترام الطرفين للعقد وعدم إخلالهما بشروطه ». كذلك يمكننا أن ننتقد أو نقبل بنظام الذمة، إلا أن هذا النظام يشكل قانونا أو عهدا أو اتفاقا بين أطراف تحترم ما اتفقت عليه. وليس الأقوى هو صاحب الحق في المبادرة لإلغاء هذا العهد! دولة القانون هي قراءة حديثة وتنسجم مع موضوعة الزمان والمكان كعنصرين محددين لاستقراء النمط السياسي الأكثر نضجا واستفادة من المعارف والخبرات البشرية. أي قراءة حقبتنا للعهد السياسي للذمة، كما كانت دولة العقل قراءة ابن خلدون لحقبته السياسية. هي حالة ذمة معممة تتوحد فيها حقوق المواطنين باختلاف معتقداتهم واتجاهاتهم. بكلمة موجزة، وخارج أية محاولة لإدخال القارئ في تعاريف القواميس وكتب علم السياسة: عهد يقوم على مبدأ الاحترام الكامل للآخر في ضوء المساواة في الحقوق والمساواة أمام القانون. إن التحديد الدقيق للصلاحيات والحقوق والفصل الصارم بين السلطات يشكلان أساسا مقبولا للجم جنوحات السلطة. إلا أنه لا توجد وصفة سحرية تتجاوز في فعاليتها الصحوة الدائمة لمواطنين ومواطنات يملكون الحق الفعلي فيما نص عليه الدستور وأقرته الالتزامات الدولية، خاصة عندما تجري عملية تأميم السلطات التشريعية والقضائية والرابعة من قبل السلطة التنفيذية الأمنية وتلجم تعبيرات السلطة المضادة، أي الفضاء غير الحكومي الرافض للتدجين والتهجين. من هنا، كانت عملية إدماج الأمن السياسي في القانون العام والحياة اليومية بتفاصيلها، ليس فقط جريمة ضد المواطنة ومستقبل الديمقراطية، وإنما أيضا الماكينة الجهنمية القادرة على تحطيم كل تكوين اجتماعي سياسي متماسك قادر على المقاومة.  » في العقدين الأخيرين في تونس حلّت الخلايا السرطانية للسلطة الأمنية والمالية الجديدة محل الأجهزة التي لم تعد تصلح إلا للديكور الخارجي والحفاظ على الشكليات الضرورية لتغليف صلافة العلاقة بين المجتمع والسلطة  » إن أية سلطة ترفض تبلور قوى اجتماعية وسياسية واقتصادية خارج حقل سيطرتها المباشرة، هي سلطة تجنح للعسف والتوسع وتعميم الإذعان. والنزوع الدائم لأي سلطة للتوسع واندفاعها الفطري لتجاوز حدودها وكسر قواعدها وأعرافها يجعل منها قوة قاهرة بالعافية. ونعود للصديق محمد حافظ يعقوب في مقالته عن « السلطة » لنؤكد على استنتاجه: « بما أن السلطة نزوع بنيوي إلى التمدد على حساب الحريات التي هي نقيضها، فإن السلطة السياسية مصابة بعطب مركزي بيانه التالي: في حركتها الدائمة نحو التحقق الذي لا ينجز، تلتهم السلطة النظام السياسي الذي هو مصدر شرعيتها وإطار تمددها ووعاء تداولها ومبرر وجودها كقوة قاهرة. وفي اللحظة التي تلتهم نقيضها، تدخل السلطة في إشكاليتها أو في عطبها البنيوي وحرجها التأسيسي ». من هنا يصعب في العقدين الأخيرين في تونس الحديث عن حزب الدولة ودولة الحزب، كما يصعب الحديث عن دولة المؤسسات، فقد حلّت الخلايا السرطانية للسلطة الأمنية والمالية الجديدة محل الأجهزة التي لم تعد تصلح إلا للديكور الخارجي والحفاظ على الشكليات الضرورية لتغليف صلافة العلاقة بين المجتمع والسلطة في غياب أي شكل من أشكال الضبط والرقابة والمحاسبة والاعتراض. تختلف السلطة الأتوريتارية (التسلطية) عن السلطة التوتاليتارية (الشمولية). ويصعب في رأينا الحديث عن سلطة شمولية في تونس. فما يجري هو إفقار ثقافي عام، برنامج مرسوم من فوق لمناهضة الثقافة والمعارف عن سابق إصرار وتصميم وخوف من الثقافة يجعل من مدينة مثل سوسة لا تحتوي إلا على مكتبة عامة واحدة وأكثر من 600 قهوة. ومع تقديرنا لأهمية أماكن الترفيه واللقاء، فإن من السهل مراقبة الخوف السلطوي من الثقافة كحنين وطموح ومشروع، أكثر منه مشروع دعم ثقافة أو ثقافات محددة على حساب أو في مواجهة ثقافة أو إيديولوجية معينة. لذا ليس من الغريب أن نجد نصا ضد حكم الإعدام في المناهج التعليمية لألبير كامو أو نعثر على كتاب بالفرنسية في تفكيك أواليات السلطة في المكتبات، وفي الوقت نفسه أن نشهد تورط محكمة سياسية في قرار بإعدام الكتب المصادرة من مكتبة المتهم ثم التراجع أمام الفضيحة إلى قرار « باستصفاء المحجوز ». إن النهج التدخلي الشمولي موجود عندما يتعلق الأمر بحياة المواطنين والمعارضين، وفي بعض الحالات لا تتورع الأجهزة الأمنية عن محاولات التطليق أو فبركة أفلام خلاعة والتدخل في جزئيات الحياة الخاصة كسلاح تشهير أو توظيف وإفساد بشتى الوسائل. ومن ذلك الاعتداءات التي تعرضت لها أم زياد وعائلتها وسهام بن سدرين وعائلتها وحمه الهمامي وراضية النصراوي أو المنصف بن سالم، هذا العالم الفذ الذي جمع بين جمال الأخلاق وجمال البحث العلمي. والقائمة طويلة وتطول. ما أنعمها هذه الدكتاتورية، يقول الشاعر توفيق بن بريك الذي استغنى منذ زمن عن التحليل العقلاني لعبثية السلطة الأمنية واستبدل به نوعا من الفكاهة السوداء..  » أصاب العطب الحزب الحاكم في تونس الذي تقدم دوره الأمني والمصلحي على طابعه السياسي والإيديولوجي، ويتندر أبناء تونس في المهجر بالقول « اشتريت بطاقة الحزب » عند الانتساب له لغاية انتهازية محضة  » إن كانت الشرعية السياسية بالمعنى الفيبري للكلمة، أي قدرة السلطة السياسية على اكتساب الاعتراف بها وعلى النظر إليها بوصفها المعبرة عن المصالح الفورية والمباشرة أو البعيدة للجماعة، إذا كانت الشرعية هذه في أزمة حقيقية على الأقل منذ انتخابات 1994، فإن السلطة ما زالت تتمتع بالقدرة على تحييد قطاعات واسعة من السكان وبعثرة الأطراف الاجتماعية ذات المصلحة في التغيير. أليست الدولة القاعدة الاقتصادية لكتلة هامة من الأنتلجنسيا، ألا نشهد يوميا تدخلات الأمن بكل وسائل الضغط والقرار في نطاق القطاع الخاص والمهن الحرة؟ ألا يتم ضرب نويات نشوء قوى اجتماعية تجمع بين استقلالية المورد المالي ووعي ضرورة الاحتجاج المدني والسياسي بشكل ممنهج؟ ألا تعطي التجربة التونسية المثل في خردقة النقابات المهنية وإلغاء آخر هوامش الاستقلالية فيها؟ القيود المكبلة للاجتماع والتنظم والاحتجاج تحد كثيرا من فرص تحول الشبيبة العاطلة عن العمل إلى قوة تعبوية رغم أن نسبة البطالة تقارب خمس السكان. كذلك تستفيد السلطة التنفيذية من سياسة تحديد النسل والحقوق الاجتماعية وموارد قوة العمل المهاجرة للتخفيف من اتجاهات بلترة (إفقار) الطبقات الوسطى. ورغم أن الإصلاح السياسي أصبح اليوم حاجة جوهرية لوقف تدهور الأوضاع، تستمر السلطات في نهج مصادرة الحريات ومحاصرة الديمقراطيين في إصرار على المضي في سياسة الطريق المسدود الذي يحاول إلغاء أي هامش للعمل السياسي والمدني وضرب التناسب المنطقي بين الفعل والعقوبة رغم اتساع الهامش الأمني الحامي للممسكين بزمام الأمور. من جهة ثانية، ما زالت أصوات مناهضة الفساد في القطاع العام محدودة لكون النزاهة أصبحت تهمة في نظر المسؤولين والفاسدين ومجرد الحديث في الشفافية الاقتصادية يمكن أن يعرّض للمحاكمة. إلا أن وضع السلطة يشبه النعامة التي تخبئ رأسها حتى لا يراها الناس. ففي كل يوم تضيف السلطة قيدا حقوقيا جديدا عبر حاجتها لغطاء دولي. ورغم كون حالة الغفران التي عرفتها من أطول ما تمتعت به سلطة تسلطية في بلدان الجنوب، سواء كان الدافع العرفان بالجميل لامتيازات معطاة لدول غربية على حساب الاقتصاد الوطني، أو تعبيرا عن الرضى للمقايضات المحببة لقلوب جماعات الضغط الغربية في مواضيع مثل التطبيع مع الدولة العبرية واحتلال العراق، فإن من الصعب إخفاء عورات السلطة الأمنية فيما يتعلق بانتهاكات الحقوق الإنسانية وضرب الحريات الأساسية. لقد أصاب العطب الحزب الحاكم الذي تقدم دوره الأمني والمصلحي على طابعه السياسي والإيديولوجي، ويتندر أبناء تونس في المهجر بالقول « اشتريت بطاقة الحزب » عند الانتساب له لغاية انتهازية محضة. وفي الوقت نفسه، تم كسر احتكار السلطة للمعلومات في مرحلة تسعى لمصادرتها بكل الوسائل مع الثورة السمعية البصرية على الصعيد العالمي، وإن كانت أجهزة الأمن تراقب البريد الإلكتروني وتمنع صفحات حقوق الإنسان على الويب، فهي تناطح بطواحين هواء القرون الوسطى. ففي أية بلدة تونسية نائية تغطي الهوائيات أكثر من 60% من سطوح المنازل، وأقل هذه الهوائيات أهمية يسمح بمتابعة مئتي محطة تلفزيونية. هذه المحطات تشكل الغذاء اليومي للناس أكثر مما تفعل المحطات المحلية والصحافة الرمادية في البلاد. وبالتالي لم تعد وسائل الإعلام السلطوي تثير انتباه أحد، بما في ذلك أعضاء الحزب الحاكم. لذا تحولت مهمة موظفي قرطاج إلى ملاحقة محطات التلفزيون العربية والدولية عندما تدعو معارضا تونسيا. أليس من المضحك تقديم اعتراض للسيدة كريستين أوكرانت مسؤولة الإعلام السمعي البصري الدولي في فرنسا لمجرد أن قارن منصف المرزوقي بين إلغاء فقرة تحديد ولاية الرئيس في فنزويلا معها في تونس؟؟  » ها هي احتفاليات « البيعة » في تونس تبدأ قبل الإجراءات الروتينية المعروفة لمناسبة كهذه، وكأن القواعد الانتخابية مجرد شر لا بد منه, ولا يعدم الناس كاتب حالٍ يعتبر ما يحدث الترجمة التونسية للحداثة والحرية السياسية  » باردة هذه الدكتاتورية، بل لعلها تجمد الدم في العروق من صقيع لا يتعاقد مع شركات الأمن الخاصة لتزويده بوسائل حديثة للتعذيب، بل مع الشرطة العلمية في فرنسا لتعطيه وسيلة الاستماع لكل حديث خارج عن الإيقاع الرسمي. وقد اكتشفت هذه الدكتاتورية أن من الأفضل ضرب المعارضين أمام أطفالهم وجيرانهم في الشارع في محاولة لتشويه صورتهم في الذاكرة المجتمعية، الأمر الذي لا يحول دون اللجوء لأقسى وسائل التعذيب بحق كل من لا حق له ولا مدافع عنه، قصدنا مئات المتهمين بالإرهاب. النوام الذاتي المغناطيسي الإجباري لكل مواطن، هو طوق النجاة من الملاصقة الأمنية التي تعتبر قتل المبادرة السياسية والمقاومة المدنية شرطا واجب الوجوب للبقاء على قيد الحكم. ها هي احتفاليات « البيعة » تبدأ قبل الإجراءات الروتينية المعروفة لمناسبة كهذه، وكأن القواعد الانتخابية مجرد شر لا بد منه. ولا يعدم الناس كاتب حالٍ يعتبر ما يحدث الترجمة التونسية للحداثة والحرية السياسية، ولا يتورع البعض عن وصف المشهد بوسيلة التعبير الراقية عن المواطنة والتمدن. لكن، ولأن تونس لم تفقد روح الإبداع وخصب العطاء، تخرج أصوات كثيرة لتختصر ما يجري باعتباره وسيلة من وسائل الاستعباد السياسي الحديث. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ  22 أكتوبر 2009)  


وبعد ؟ 

بقلم بسام بونني لنفترض أنّ السيد حمة الهمامي زعيم لحزب محظور وكذا الإسلاميين ومن سار في ركبهم. ولنعتبر أنّ السادة أحمد نجيب الشابي ومصطفي بن جعفر يصطادون في الماء العكر ُتحَرّكهم في ذلك أجندات « غير وطنية » وأن الدكتور المنصف المرزوقي بعيد كلّ البعد عن الحقيقة بسبب غربته « المرفهة ». لكن، هل يُعقل أن تصطدم حركة التجديد بنفس الاتهامات رغم طابعها القانوني وصبرها الأيوبي على ما عانته منذ ستينات القرن الماضي إلى جانب قطاعات واسعة أخرى من المعارضة التونسية ؟ ما المبرّر من هضم حقّ الحركة في أن يكون لها حملة وصوت تصدح به في كامل أرجاء البلاد شأنها في ذلك شأن الحزب الحاكم ؟ ألم يشفع لها أنها استبعدت منذ الوهلة الأولى خيار الانسحاب من الانتخابات ؟ ما التفسير للاعتداء على منضاليها، يوم الأحد الفارط، في صفاقس وأمّ العرائس ؟ ما الغاية من حجب صحيفتها وحظر برنامجها الانتخابي، بعد « التخلّص » من الحزب الديمقراطي التقدمي بال »الأساليب القانونية » ؟ لنزعم بصوت عال أنّ لا مرجعية ولا شرعية تاريخية لباقي القوى السياسية التي ذكرناها آنفا ولو أنّ ذلك مبرّر إقصائي مردود على أصحابه فالقوى السياسية تُقاس شعبيتها بالعمل والبرامج. لكن، حركة التجديد لمن نسي أو يتناسى هي من أعرق القوى السياسية في البلاد. فالحزب الشيوعي التونسي التي قامت الحركة على أنقاضه تأسس في 1920 وامتحن في خيرة شبابه خلال المعركة من أجل الاستعمار وإن كان الآلاف من التونسيين يناهضون نهجه الداعي إلى توحيد صفوف العاملين في تونس وفرنسا ضد الإمبرليالية. كما خسر الكثير أثناء مرحلة بناء الدولة الحديثة التي لم تخلُ من تجاوزات وحملات استهدفت كلّ صوت معارض. بل وقدّمت الحركة للبلاد زعماء ورموزا دخلوا التاريخ عبر بوابات سياسية ومدنية عدة، ليس أقلّها تكريس مبدأ المواطنة في الصميم، من علي جراد إلى محمد النافع، مرورا بجورج عدة. لست هنا لأذكر بتاريخ حركة التجديد. لكن، لو اتّبعنا ما تنشره بعض الجهات الرسمية من مزاعم في الصحف وعلى مواقع الإنترنت لتبرير تمجيدها للحزب الحاكم أو رفضها لهذا الحزب أو ذاك بداعي الشرعية التاريخية، فإنّ حركة التجديد لا ينطبق عليها أيّ اتّهام من سيل الاتهامات الذي لم يعد لينطلي على أحد. في الأثناء، تتواصل حملات شيطنة رموز المعارضة والمجتمع المدني بل والعودة إلى أساليب الترهيب كالاعتداء على الزميل زياد الهاني. بل إنّ بعض الجهات مازالت تتلمّس ميادين أخرى جديدة للشيطنة، من جهة، وكسب دعم أكبر لمرشّح الحزب الحاكم والرئيس المنتهية ولايته، من جهة أخرى. فمن صحافة مصر إلى لبنان، مرورا بسويسرا والسعودية، نُشرت سيول من الهجائيات ضد المعارضة، مقابل معلّقات في حبّ تونس ومنقذها. بل إنّ المسألة خرجت من مجرّد إطار الدعم الإعلامي لترتقي إلى الدعم الرسمي الديبلوماسي، إذ عبّر رئيس دولة شقيقة عن مساندته لمرشح الحزب الحاكم. وعلى حدّ علمنا جميعا، يُعتبر هذا الدعم تدخلا في الشؤون الداخلية للجمهورية التونسية المستقلة، إذ ماذا لو فاز في الانتخابات مرشّح آخر لا قدّر الله ؟ طبعا لو كان أحد مشعوذي اليسار الفرنسي الحاقد والمُغرض قد عبّر عن مساندته لأحد رموز المعارضة أو المجتمع المدني لقامت الدنيا ولم تقعد. ولسائل أن يسأل، هنا، لماذا كلّ هذا التجييش في وقت تؤكد فيه الأرقام أنّه لو أدلى أعضاء التجمع الدستوري الديمقراطي بمفردهم بأصواتهم فإن مرشحيه في الرئاسية والتشريعية سيفوزون كلهم دون استثناء ؟ لنَكن واضحين : لن تُحلحل انتخابات يوم الأحد مشاكلنا طالما أنّ الساحة مأزومة وكأنّنا في حرب، يتبادل فيها الأطراف جميعهم الكره بالكره والعداء بالعداء. طالما أنّ سياسة تغييب الحوار متواصلة بل ومستفحلة باسم القانون وأشياء أخرى فإنّنا لن نتقدّم خطوة واحدة. وهنا، من الضروري التأكيد على أنّ الحوار حق للقوى السياسية على السلطة حسب القانون فهي سلطة الجميع لا على الجميع. ونتحدث، هنا، عن الحوار الشفّاف والواضح والمباشر والنِدّي وفي تونس ذاتها لا في أروقة مجلس حقوق الإنسان في جنيف أو في مدرجات إحدى الجامعات الفرنسية أو في قاعة عامة في واشنطن. بالمناسبة، من المثير للانتباه أنّ النظام جلس حول طاولة واحدة مع المعارضة بكلّ ألوانها السياسية في كلّ أرجاء العالم بل ورأينا تقارير تلفزية يتبادل فيها الطرفان القبلات والأحاديث الدافئة … إلاّ في تونس. وهذه مسؤولية يتحمّلها الطرفان. بل لسائل أن يسأل، هنا، أين نحن من تلك الأيام التي كان يحمّل فيها رئيس الجمهورية رموز المعارضة برسائل لزعماء الدول الشقيقة والصديقة ؟ ثمّ هل ذهبت تلك المبادرات التي جمعت مجدّدا بين النظام وحركة النهضة بدون رجعة في وقت تصوّر فيه البعض أنّ الملفّ سيغلق نهائيا وإلى الأبد ؟ لنَكن أكثر وضوحا الآن : ليس الخطير أن لا يحلّ يوم 25 أكتوبر مشاكلنا، لكنّ الخطير في حالة الركود والانغلاق السائدة في وقت يعلم فيه الجميع، سلطة ومعارضة ومجتمعا مدنيا وشعبا أنّ  بلادنا تمرّ بفترة تاريخية فارقة. لن يُدوّن التاريخ سوى المُنقذين من التونسيين، أولئك الذين يقدّمون التنازلات دون التخلي عن أفكارهم ومبادئهم ودون التورّط في صفقات سياسية مشبوهة … أولئك الذين تهمّهم البلاد، قبل العباد والغنائم، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها … أولئك الذين لا يتسوّلون المناصب لكن يسعون إليها خدمةً للوطن … أولئك الذين يعرفون متى تُطوى صفحات الماضي مع فرض واجب الذكرى … إلى أن يتحقّقّ ذلك، نبارك مسبقا لسيادة الرئيس ولايته الأخيرة، كما ينصُّ الدستور والقانون الانتخابي على ذلك، ومعه جميع الفائزين من حزبه الحاكم والنواب الثلاثة والخمسين. ولو كان بودّنا أن يتذوّق الفائزون فوزهم ويتلذّذون انتصارهم. لأنّ من المؤسف القول إنّ انتخاباتنا ليست سوى إعادة لسيناريوهات سياسية سابقة باءت بالفشل لعجزها عن تكريس نضج الشعب التونسي الذي أشاد به الرئيس نفسه ذات 7 نوفمبر 1987. وأملنا في أن يكون يوم 26 أكتوبر غدا آخر مغايرا للأمس واليوم
عن جريدة الموقف


أحزاب تونسية تخطب ود الشبان العازفين عن السياسية على شبكة الانترنت


تونس (رويترز) – اعتاد عماد أن يقضي ساعات طويلة كل يوم أمام جهاز الكمبيوتر ليناقش مع أصدقائه على منتديات الانترنت عدة موضوعات من بينها السياسة والانتخابات التي قال انه لا يمكنه الحديث عنها في المقهى أو مع الأصدقاء. وقال هذا الشاب الذي يبلغ عمره 25 عاما انه لم يكن يهتم من قبل بالسياسة أصلا وان اهتماماته لم تكن تتجاوز الرياضة والحديث عن فريقه المفضل في كرة القدم. لكنه اعترف بأن موقع الفيسبوك جعل اهتماماته تتغير وجعل السياسية تقتحم حياته من أوسع الأبواب. وتحول الموقع الاجتماعي فيسبوك خلال الأشهر الأخيرة الى أحدث ساحة للتنافس الانتخابي. واحتلت كل الاحزاب السياسية في البلاد مواقع لها في هذا الموقع الذي يضم نحو 850 ألف مشترك تونسي قصد استقطاب شبان مثل عماد وغيره للتصويت لها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تجري يوم الاحد 25 اكتوير تشرين الاول. ويشارك في الانتخابات الرئاسية أربع مرشحين يتقدمهم الرئيس الحالي زين العابدين بن علي ممثلا لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي واحمد ابراهيم عن حركة التجديد ومحمد بوشيحة عن حزب الوحدة الشعبية واحمد الاينوبلي عن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي. ويتوقع ان يفوز الرئيس بن علي الذي يحكم البلاد منذ 22 عاما بولاية رئاسية خامسة دون عناء. لكن محللين يتوقعون ان تدور رحى المنافسة على جزء من مقاعد البرلمان البالغ عددها 189 مقعدا والتي يسيطر الحزب الحاكم على 80 بالمئة منها. وبرز الشبان خلال الانتخابات السابقة بمشاركتهم الضعيفة لذلك لجأت الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات الحالية الى الانترنت بقصد استقطاب أكثر ما يمكن من هذه الفئة المهمة. وسيتمكن في انتخابات يوم الاحد المقبل نحو 450 الف شاب تونسي يتراوح عمرهم بين 18 و20 عاما من التصويت لأول مرة بعد تعديل على قانون الانتخاب. ويمثل الشبان قرابة نصف سكان تونس البالغ عددهم أكثر من عشرة ملايين نسمة. ولم تنتظر الاحزاب السياسية اشارة انطلاق الحملة الانتخابية التي بدأت يوم 11 من الشهر الحالي بل بدأت بالفعل حملاتها على الانترنت منذ أكثر من شهر. وبدأ حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم في بث صور وتسجيلات فيديو لمرشحه زين العابدين بن علي على الفيسبوك منذ اشهر اضافة الى تغطية اخباره وأنشطته وخطاباته. وتمكن بالفعل منظمو حملة بن علي على الانترنت من جمع مساندة عشرات الالاف من الاعضاء. والى جانب الفيسبوك أطلق التجمع ثلاثة مواقع انترنت أخرى مخصصة للتعريف بانجازات بن علي وتتضمن تسجيلات فيديو لشخصيات تونسية واجنبية تشيد فيها بما تحقق للبلاد طيلة حكم بن علي. كما أطلق التجمع أول تلفزيون تونسي على الانترنت. أما باقي الاحزاب السياسية والتي ليس لها وزن كبير على الساحة السياسية فانها حاولت ان تكسب على الانترنت ما لم تستطع ان تحققه في الواقع. ويعتبر الديمقراطي الوحدوي أحد أكثر الاحزاب المعارضة في تونس استخداما للفيسبوك في حملته الانتخابية اذ ينشر صورا وتسجيلات واخبارا لامينه العام الاينوبلي ولقائماته الانتخابية. ويرى معارضون ان اللجوء الى الفيسبوك أصبح ضرورة فرضها ضيق قنوات الاتصال الجماهيرية واحتكارها من طرف واحد مشارك في المعركة الانتخابية. وقال سفيان الشورابي عضو حركة التجديد المعارضة والذي أنشأ موقع لمساندة أحمد ابراهيم زعيم حركة التجديد ان اللجوء للفيسبوك أصبح ضرورة لمخاطبة فئة كبيرة من الشبان الذين لايمكن الوصول اليها بسهولة في الواقع نتيجة عدة عراقيل من بينها تجنيد كل وسائل الاعلام المحلية لخدمة مرشح الحزب الحاكم على حساب بقية المنافسين. واضاف الشورابي انه فوجئ بترحيب كثير من الشبان ومساندتهم للمرشح ابراهيم رغم انهم ليسوا من أعضاء حزبه. لكن رغم هذا التجاوب فان الشورابي أشار الى انه ليس هناك أي ضامن بأننا كسبنا أصوات ليوم التصويت وقال « هل سيصوتوا لنا ام لا هذا أمر غير محسوم ». وتقول شابة عمرها 24 عاما واسمها صابرة لرويترز « حقا لم أكن أعرف أسماء الأحزاب السياسية في البلاد باستثناء حزبين هما التجمع الدستوري الديمقراطي والحزب الديمقراطي التقدمي..لكن الفيسبوك فتح أمام عيني نافذة لم أكن أعرفها. » ولكن المهدي مبروك استاذ علم الاجتماع بجامعة تونس حذر من ان التعاطف أو المساندة التي قد يحصل عليها العديد من السياسيين قد تكون في أوقات كثيرة نوع من المجاملة واللطف بين الأصدقاء أو الأقارب. واضاف لرويترز « من المهم ايضا ان أؤكد ان التفاعل الرقمي لايحدث أي التزام حقيقي لذلك ترى الجميع يساندون ويعارضون على الانترنت كما يشاؤون ». ويشتكي صحفيون مستقلون من ان الحكومة تشدد الرقابة على حرية التعبير وحرية الصحافة في البلاد ويقولون انهم ملاحقون بسبب كتاباتهم. وتنفي الحكومة باستمرار هذه الادعاءات وتؤكد انها تضمن حرية التعبير بلا قيود. وبرر توفيق العياشي وهو صحفي بجريدة الطريق الجديد اللجوء الى الانترنت بضيق سبل التعبير الاخرى مثل التلفزيون والصحف المحلية وعدم قبولها لرأي مخالف للرأي الرسمي. ويتبادل صحفيون ومواطنون على الفيسبوك تسجيلات فيديو لضحايا فيضانات أو احتجاجات اجتماعية مثلا لم يتعرض لها التلفزيون الحكومي إضافة الى تسجيلات دينية أو جنسية يمنع تدوالها. لكن جماعات حقوق الانسان في تونس حذرت من ان الحكومة تشدد رقابتها على الانترنت أيضا وانها تلاحق البعض بسبب كتابات وآراء على الانترنت. وتنفي الحكومة هذا. وقال الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض هذا الاسبوع ان السلطات اعتقلت عضو الحزب زهير مخلوف بسبب تقرير اعلامي بثه على الانترنت وتعرض فيه للاوضاع المتردية لحي صناعي بمدينة نابل. ومن المقرر ان تتم محاكمة مخلوف في الثالث من نوفمير تشرين الثاني المقبل بتهمة الاساءة للغير باستعمال شبكة الانترنت. من طارق عمارة (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 23 أكتوبر 2009)


 في ندوة لجمعية دراسات دولية:التعددية والانتخابات في تونس خلال 50 عاما..

 


تونس ـ الصباح اكد السفير علي الحشاني على الطابع الاممي لمقاربة تونس في اعتماد التنمية كطريق ضامن الى تطبيق حقوق الانسان، واعتبر الدكتور قيس سعيد ان العملية الانتخابية في تونس تنطلق من نظرية ليبرالية ومن ناحية اعتبر السيد عبد الرحمان كريم ان القانون التونسي مثل في ضمان حق الطعن في كل اطوار العملية الانتخابية وشدد على تفعيل دور القضاة في مراقبة الانتخابات.  كان ذلك خلال ندوة انعقدت اول امس  الاربعاء 21 اكتوبر حول تطور الانتخابات والدستور في تونس طوال 50 عاما وذلك ببادرة من جمعية �دراسات دولية� وشارك في هذه الندوة ثلة من الكفاءات التونسية على غرار السفير علي الحشاني وقيس سعيد نائب رئيس الجمعية التونسية للقانون وعبد الرحمان كريم عضو المجلس الاعلى للاتصال ونائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان سابقا. وادار الحوار الزميل كمال بن يونس. قضايا الانتخابات والاصلاح أمميا في مداخلة، تطرق الدكتور علي الحشاني الى الاولويات التي تنظر من خلالها الامم المتحدة لمبادئ احترام سيادة الدول ومبدإ حقوق الانسان والاصلاح الديمقراطي. فاكد على ان القمة الاممية لعام 2000 في نيويورك اتخذت قرارات تعد اساسا العمل الدولي للالفية الثالثة فقد اكدت عدم وجود نموذج للتحول الديمقراطي او للحكم الرشيد رغم التنصيص على وجوب التغيير السياسي والاقتصادي في العالم، وشددت على احترام سيادة الدول وحريتها في شأنها الداخلي دون ان تكون المساعدات الاممية ابتزازا وان لا تعطى الا باختيار واع وقبول منها، وبالتالي ركزت على التنمية كمبدإ ضروري وجب احترامه، فلا تحولات سياسية دون اقتصاد متين. وقد دعت تونس في ندوة فيينا حول حقوق الانسان لان تكون التنمية الطريق المؤدية الى تطبيق حقوق الانسان، وهو التمشي الاممي الذي يولي التنمية الاقتصادية والاجتماعية اهمية في تطور الدول ومبدإ السيادة الوطنية كقيمة اساسية لضمان تطورها، ومن جانب آخر خلقت الهيئات الدولية آليات لدعم الديمقراطية ومنها تأسيس الامم المتحدة لقسم مساعدة على الانتخابات، انتفعت منها 50 دولة في سنة 2008 لتنظيم انتخاباتها، وتأسيس الامم المتحدة لصندوق الديمقراطية في 2005، وقيام صندوق النقد الدولي ببرنامج لمساعدة الدول في تحسين الشفافية، كما بدأ البنك الدولي واليونسكو الحراك في هذا الاتجاه. وهذه الآليات تخضع للقرار الاممي الصادر في 1999 الذي يذكر بالسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول حتى وان قدمت لها مساعدات. وفي تقديمه للمثال التونسي انطلق الدكتور قيس سعيد من مقاربة نظرية حدد من خلالها تعريفا للانتخاب التي تعني الاختيار والاختيار الافضل ووصف العملية الانتخابية التونسية بانطلاقها من نظرية ليبرالية صرفة، فنظرية سيادة الشعب تقتضي ان يكون للشعب الحق في الانتخاب وهو المعمول به في تونس. فهناك شرطان دستوريان في تونس يحددان المنتخبين وهما الجنسية التونسية وبلوغ 18 سنة مع استثناء القوى العامة لغرض تحييدها والاشخاص المحكوم عليهم من اجل جناية او من اجل جنحة. من ناحية اخرى افاد السيد قيس سعيد ان تونس تعد من اول الدول التي عرفت قانون التمثيل النسبي وذلك زمن الحماية الفرنسية وتحديدا في سنة 1922 والتمثيل في المجلس الاكبر للسكان الاصليين آنذاك. شروط الترشح للرئاسية في قراءة تاريخية استعرض قيس سعيد تاريخ تطور شروط الترشح في الانتخابات التونسية، ففي محطة 1974 الانتخابية تقدم ولاول مرة شخص منافس لرئاسة الجمهورية وهو �الشاذلي زويتن� والذي رفض ترشحه آن ذاك وانطلاقا من هذا الحدث اصبح المشرع يعتمد شرط تقديم المرشح للرئاسية من قبل عدد من المنتخبين في المجالس التشريعية او البلدية وذلك منذ سنة 1974، ثم تطور المشرع الى ان وصلنا لوضع نقاط استثنائية بالمحطة الانتخابية التي تشهدها البلاد في 25 اكتوبر 2009 ليصبح من حق كل امين عام او رئيس حزب تولى مهامه منذ عامين التقدم للترشح للانتخابات الرئاسية وهو ما يضمن شروطا مناسبة تضمن حق المشاركة لاكبر عدد من ممثلي الاحزاب الوطنية في هذه المحطة. ويتضمن المشرع التونسي مجزءا بين نظامي الاقتراع بالاغلبية والتمثيل النسبي وكان ذلك اول مرة في الانتخابات البلدية لعام 1990. وتبدأ عملية الانتخابات التشريعية بتحديد العدد الجملي لمجلس النواب والذي يقدر في هذه المحطة لـ2009 بـ214 مقعدا حسب عدد السكان، ويقع تحديد عدد المقاعد بالاقتراع بالاغلبية وقد وصل عددهم لـ161 مقعدا، في حين يحدد الـ53 مقعدا الآخرين حسب التمثيل النسبي ووفق اكبر المعدلات. ويتم ذلك بجمع كل القائمات التي لم تفز في المستوى الوطني ويجمع الحاصل الانتخابي وذلك بقسمة عدد الاصوات التي اقترعت القائمات التي لم تفز على عدد المقاعد المحددة للتمثيل النسبي. ومن هنا تقع المجابهة بين القائمات وتعطى المقاعد حسب الدوائر ويأتي رؤساء القائمات في الصدارة. وتعرض السيد عبد الرحمان كريم في مداخلته لمبدإ الشفافية في الانتخابات واكد على دور الادارة السياسية في تونس والح على وجوب حياد الادارة لضمان انتخابات شفافة ونزيهة. واعتبر ان كل مراحل العملية الانتخابية تضمن حق الطعن من قبل المشاركين فيها، فمن لم يرسم في القائمات الانتخابية له حق الطعن، والذي لم يتسلم بطاقته الانتخابية له حق الطعن ايضا، ويمكن للمرشحين في الرئاسية الطعن وللقائمات المرشحة للانتخابات التشريعية حق الطعن. وبعد ذلك يمكن الطعن في سلامة الانتخابات من قبل المترشحين للانتخابات الرئاسية ويضمن القانون هذا الحق لكل مترشح في القائمات التشريعية. مراقبة الانتخابات تشهد الفترة المتراوحة بين اخذ الوصل النهائي للمشاركة في الانتخابات التشريعيةالى حدود اعلان النتائج عدم توفر مسؤول قانوني عن هذا التمشي، لذلك اقر الرئيس زين العابدين بن علي: مرصدا وطنيا للانتخابات وقد قدم المرصد في تجاربه السابقة جملة من المقترحات تجسدت في مستوى التنقيحات في المجلة الانتخابية ولكن دوره لا يسمح له بالاصلاح ولا يمكنه من التدخل في اطوار الانتخابات. لذلك اقترح السيد عبد الرحمان كريم اعطاء مركزية قانونية للمرصد الوطني للانتخابات والاعتماد على امكانية قيام المجلس الدستوري بمراقبة لا فقط الاستفتاء وانما الانتخابات الرئاسية والتشريعية ايضا. وشدد على دور القضاة الذين يجب تدعيم صلاحيتهم لتشمل هذه العملية فالقاضي هو �المراقب الكبير� حسب تعبيره. وتفاعلا مع جملة المداخلات وعرض المشرع التونسي المتعلق بالعملية الانتخابية اكد السيد ساهر الحاج عيسى المستشار بمركز جامعة الدول العربية على تطور الحياة السياسية بتونس مهنئا الحاضرين بمستوى النضج والتحضير الجيد للاستحقاقات القادمة في البلاد وعلى الاستقرار السياسي والامني الذي قل نظيره في المنطقة. أيمن الزمالي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 23 أكتوبر 2009)  


معا لرفع التحديات برنامج الأمل والمستقبل


مستقبل الأمم تصنعه العقول المفكرة وإرادة صلبة لا تلين وقادة إلى الشعب ينتمون وإليه يعودون. ولأن الرئيس بن علي قائد ينتمي إلى شعبه وعقل مفكر لا يؤمن بالصدفة وإرادة متواصلة من أجل تحقيق الرخاء لهذا الوطن فقد استطاع أن يظل دوما فوق كل التناقضات والاختلافات ويحظى بإجماع شعبي يؤكد تمسك التونسيين بخياراته ليواصل مسيرة البناء. واستقراء البرنامج الانتخابي للرئيس بن علي يكشف مقاربات سياسيو واقتصادية واجتماعية وثقافية توحد مطالب كل التونسيين باختلاف توجهاتهم ورؤاهم الفكرية والإيديولوجية. لذلك يتجاوز هذا البرنامج إطار الزمان الانتخابي ليكون عنوان مرحلة شعارها (معا لرفع التحديات). ولا شك أن هذا الشعار يكشف جملة من المسارات المستقبلية أهمها أنه برنامج مشترك بين عموم التونسيين كل له دور ووظيفة فيه، وانه أيضا برنامج واقعي لم ينكر وجود تحديات في ظل عالم متقلب ومضطرب وعلاقات دولية معقدة. ولا خلاف أن هذا المستقبل يستند إلى دعائم قوية تحققت خلال السنوات الخمس الأخيرة حيث ارتفع أمل الحياة عند الولادة إلى حدود 75 سنة وتجاوز الدخل الفردي حدود 5000 دينار بعد أن كان في حدود 3500 دينار سنة 2004 وتضاعف حجم التمويلات الاجتماعية ليبلغ 61 بالمائة من ميزانية الدولة وانخفضت نسبة الفقر إلى ما دون 4 بالمائة إضافة إلى ما شهدته الطبقة الوسطى من تطور وارتفاع. وما تحقق هو وليد برامج ومشاريع آمنت دوما أن رأس المال الحقيقي هو الإنسان. ولأن هذا الإنسان هو الغاية في فكر الرئيس بن علي وضع البرنامج الانتخابي إستراتيجية واضحة المعالم بنيت وفق مقاربة تلازم بين البعد السياسي والبعد الاقتصادي والاجتماعي. ومن هذا المنطلق حظيت مسألة الديمقراطية بالمرتبة الأولى في برنامج الرئيس بن علي اعتبارا لأهمية الوفاق الوطني وثراء الحياة السياسية في إنجاح البرامج التنموية. فقد تعهد الرئيس بن علي بمزيد دعم أحزاب المعارضة وصحفها ومزيد الارتقاء بمنظومة حقوق الإنسان وتطوير المشهد الإعلامي حتى يكون معبرا أكثر عن مشاغل وتطلعات المواطنين التونسيين. فالاستقرار السياسي وضمان الحقوق السياسية للمواطن في فكر الرئيس بن علي هي المدخل لدعم أسس المجتمع المتوازن والمتضامن وتوفير مستوى عيش أفضل ونوعية حياة أرقى. والاستقرار السياسي هو الضامن لمشاركة الكل في فتح آفاق جديدة أمام طالبي الشغل حيث يظل التشغيل أولوية مطلقة للرئيس بن علي، ورسم رؤى متجددة لدعم برامج التنمية الجهوية وخاصة في المناطق الأقل حظا. عديدة إذا هي المقاربات التي تضمنها البرنامج الانتخابي لرئيس الدولة وهي مقاربات تتنزل ضمن رؤية شاملة هدفها الأسمى وطموحها الأرقى جعل تونس في مصاف الدول المتقدمة. وهذا هو التحدي الأكبر أمام الجميع بقطع النظر عن الموقع سواء في الحكم أو في المعارضة. لست من قراء الغيب لكن كل المؤشرات تؤكد أن الناخب التونسي سيختار الرئيس بن علي ليواصل مسيرة الإصلاح والبناء. وسيختاره لأنه رئيس لكل التونسيين فعلى امتداد عشرين سنة من التغيير اختفت الرؤية الحزبية الضيقة واحتلت الرؤية الوطنية موقعها الأسمى فمهما اختلفنا في البرامج والتصورات يظل الوطن جامعا لنا. إن المطلوب في هذه الأيام القليلة ليس فقط مواصلة عرض البرامج الانتخابية بل أيضا دعوة الناخبين إلى ممارسة حقهم في اختيار من سيقود البلاد خلال السنوات الخمس القادمة. فالمشاركة المكثفة في الاقتراع يوم 25 أكتوبر 2009 هي الخطوة الأولى لرفع التحديات. فبحلول يوم 26 أكتوبر 2009 ستدخل تونس مرحلة جديدة من تاريخها لا إقصاء فيها لأحد إلا من أقصى نفسه. لقد راكمت تونس منذ 7 نوفمبر 1987 تجربة سياسية واقتصادية واجتماعية رائدة بشهادة كل المنظمات الدولية المختصة واستطاعت أن تتحول إلى نموذج رائد إقليميا ودوليا رغم ضعف مواردها الطبيعية. وما تحقق من نجاحات لم يكن وليد صدفة بل هو وليد رؤية متبصرة وبرامج طموحة والتفاف حول الرئيس بن علي باعتباره حاملا لبرنامج إصلاحي شامل دعامته الأولى الحرية والمبادرة والتسامح. واستطاعت تونس بفضل هذا البرنامج النأي بنفسها عن عديد التقلبات المدمرة سياسيا واقتصاديا والتي مست دولا . ولا شكّ أنّ بلادنا وهي تقبل على مرحلة أخرى من تاريخها الحديث ستؤكد مرّة أخرى أنّ ما تحقق من مكاسب وما يحدوها من طموحات هو نتاج فكر تحرري يؤمن بالاختلاف ورفض الانغلاق والتحجر والجمود ومستعد دائما لمقاومة كل أشكال التطرف. شوقي بن سالم إعلامي وناشط سياسي  


أخبـار باريس: تجمع احتجاجي – لا الإرهاب البوليسي… لنفضح مهزلة 25 أكتوبر…

 


يعقد نظام بن علي « انتخابات » رئاسية وتشريعية في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، لا تعدو أن تكون مجرّد مهزلة انتخابية معلومة النتائج مسبقا على غرار سابقاتها. فهي تجري في ظل أوضاع تتسم بحرمان الشعب التونسي من أبسط حقوقه ومن أيّ حرية، فهو لا يتمتع بحرية التعبير والتظاهر والتنظم… عشية هذه « الإنتخابات » يخيم جوّ من الإرهاب يستهدف المعارضين ونشطاء المجتمع المدني، ففي الأيام الأخيرة تعدّدت في حقهم الإيقافات والإعتداءات والمحاصرة البوليسية والمنع من السفر بغاية إخماد كل صوت مندّد بالمهزلة الإنتخابية. ولا يزال مناضلو الحوض المنجمي يقبعون في السجون في ظروف لاإنسانية منذ جوان 2008 بعد أن صدرت في حقهم أحكام جائرة بالسجن تجاوزت 8 سنوات بالنسبة لبعضهم. يدعو ائتلاف مقاطعة انتخابات أكتوبر 2009 إلى تجمّع احتجاجي يوم السبت 24 أكتوبر 2009 على الساعة الواحدة بعد الزوال بنافورة الأبرياء بالعاصمة الفرنسية باريس (مترو شاتولي لي هال) Fontaine des innocents – M° Chatelet les Halles بمساندة: جمعية العمال المغاربيين بفرنسا ؛ جمعية المغاربة في فرنسا ؛ النهج الديمقراطي – جهة أوروبا ؛ حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي – فيدرالية أوروبا ؛ اللجنة الثقافية من أجل الديمقراطية بالبينين ؛ حزب العمال الشيوعي الفرنسي ؛ الحزب الشيوعي الفرنسي ؛ الحزب الجديد المناهض للرأسمالية ؛ المؤتمر من أجل الجمهورية ؛
حزب العمال الشيوعي الفرنسي
(المصدر: « البديل عاجل »، قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي بتاريخ 22 أكتوبر 2009)

رابط لبرنامج أضواء على الأحداث حول الإنتخابات الرئاسية في تونس

 



الانتخابات العربية / تونس نموذجا

 


الطاهر العبيدي ذاك هو عنوان الندوة التي انتظمت بباريس يوم الجمعة 16 أكتوبر 2009، التي دعت لها وأشرفت عليها اللجنة العربية لحقوق الانسان، والتي واكبتها بعض الفعاليات الحقوقية والأطراف السياسية، وتابعتها وسائل الاعلام، لتفتح الندوة على الساعة السابعة مساء بمداخلة للدكتور هيثم مناع الناطق الرسمي باسم اللجنة العربية لحقوق الانسان، والذي أدار الندوة، مبتدئا حديثة بإعطاء معلومات حول آخر تطورات تقرير  » جولدستون « ، حيث كما ذكر للحاضرين أنه آت لتوّه من محكمة  » لاهاي  » بهولندا، باعتباره أحد المنظمات الحقوقية التي ساهمت في رفع شكوى ضد صانعي الحرب على غزة، كما قام ببسطة سريعة حول واقع الانتخابات في العالم العربي، وغياب الشفافية، وتكرار نفس المسرحيات التي تستبله المواطن العربي، وتحسم فيها النتائج قبل الانطلاق، ما يجعل الانتخابات باهتة وفاقدة للمصداقية، وعملية مكرّرة، معرّجا على حالة التصحّر السياسي وغياب الوضوح، مما يجعل المواطن العربي غير مبال وغير متحمّس لأيّ انتخابات، حيث كما قال « الحاكم يحاسب الرعية على ما تفعل، والرعية لا يمكن لها أن تحاسب الحاكم عمّا يفعل »، مستخلصا أننا هنا في وضع غير تعاقدي، بمعنى العقد القيمي والأخلاقي بين الحاكم والمحكوم، ذلك لأنه تمّ تأميم الدولة لصالح النظام، عدا بعض الاستثناءات القليلة، ليصل في الأخير إلى طرح نقطة استفهام، متسائلا لماذا هناك في تونس حركة مقاطعة كبيرة للانتخابات؟ ثم جاء دور الدكتور منصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، مستهلا حديثه حول الديمقراطيات المزيفة كما سمّاها، معتبرا إياها ديكتاتوريات مقنعة، كما تطرق إلى شرح عمليات الانتخابات في الوطن العربي من وجهة نظرة، معتبرا أنها انتخابات  » مفبركة »، ما يجعل الأنظمة الغربية المساندة لهذه الأنظمة هي نفسها في حالة حرج، وأحيانا على حد قوله تشعر بالخجل تجاه هذه النتائج، كما أن الأنظمة في تصوّره تستعمل التمرير،  لتمرير هذه المهزلة، معتبرا أن هناك يقظة لدى الناس، وأصبحت الجماهير حتى وإن كانت مساقة إلى الانتخابات تحت التهديد بقطع الأرزاق، فهي تخبأ في صدورها الامتعاض والاشمئزاز، الذي سيتحول في يوم ما إلى بركان… ومن ناحيته تحدث السيد وليد البناني ممثل حركة النهضة عن احترامه لكل المقاربات، مضيفا أن الحركة تفتح أيديها للجميع بما فيها السلطة، وأن الوقت حان لطي الصفحة للخروج من الأزمة، وقناعتنا راسخة أننا لسنا وحدنا المعنيون بالمساهمة في البناء بل الجميع دون إقصاء، كما لا يكننا أن ننسى أننا معارضة جادة كما غيرنا من القوى الوطنية ولسنا وحدنا، ومن منطلق المبدئية فإننا نؤمن أننا طرف من الإطراف، نرفض الثنائية السياسة، والاحتكار وأيدينا مبسوطة للجميع.. هذا وقد تدخل المحامي عبد الرؤوف العيادي مبينا التناقض بين القوانين والتطبيق، مضيفا أن السياسة حسب مفهومه هي رؤى وتصورات وشجاعة، وأن السلطة سقفها إداري يعسر معها إمكانية الحوار، مختتما أن الدول التي لا تحترم رعاياها في الحقوق المشروعة، لا يمكن إلا أن تكون انتخاباتها صورية.. ووضّح السيد عادل ثابت عن حزب العمال الشيوعي أن هذه الانتخابات لا تتوفر فيها الشروط الدنيا، متسائلا ما هي الأوضاع السياسية التي ستجري فيها الانتخابات؟ مشيرا إلى وضعية الرابطة التونسية لحقوق الانسان – جمعية القضاة – نقابة الصحفيين- اتحاد الطلبة..وما تعرضت له الحركة الاحتجاجية المنجمية، ملخصا أن المقاطعة للانتخابات التي تبناها حزبنا ليست استقالة، بل هي فعل سياسي تجاه الإعداد للانتقال التغييري.. وتمحورت مداخلة السيد حمادي عوينة عن الائتلاف من أجل مقاطعة الانتخابات التونسية، حول الأوضاع الاقتصادية الدولية وانعكاساتها على واقعنا العربي المرتهن اقتصاديا  لهذه التغيرات، مبينا أن خيار مقاطعة الانتخابات كان من موقع الحراك الفاعل، تجاه تأسيس وعي يستند على عدم قبول فرض إرادة الأمر الواقع على المواطن، الذي يطمح للتغيير الحقيقي…  لتختتم المداخلات بإعطاء الكلمة للراغبين في القاعة المتابعين للندوة، وقد تدخل عدد من التجمعيين  الوالين للنطام التونسي الحاضرين، الذين أشادوا بانجازات النظام، وعبّروا عن مساندتهم لمرشح التجمع، ورد عليهم بعض الحاضرين من حساسيات مختلفة، من خلال وجهات نظر معاكسة، وممّا يلفت الانتباه أنه لم تحصل مشادات كلامية، سوى بعض التعاليق الجانبية، التي لم تأثر على أشغال الندوة، التي اتسمت بالتحاليل والمطارحات والمصارحات.. (المصدر: صحيفةالموقف لسان حال الحزب اليمقراطي التقدمي(أسبوعية معارضة – تونس)،بتاريخ 23 أكتوبر2009 )


تونس تجري انتخابات رئاسية وبرلمانية

(رويترز) – فيما يلي بعض الحقائق عن تونس التي تجري فيها يوم الأحد المُقبل انتخابات رئاسية وبرلمانية. * الاقتصاد: – تونس من بين أبرز الوجهات السياحية في افريقيا. استقبلت 2.2 مليون سائح في الأشهر الخمسة الاولى من عام 2009 من بينهم نحو مليون أوروبي. – السياحة في تونس من أكثر القطاعات مُساهمة في توفير العملة الأجنبية إضافة الى الصادرات من زيت الزيتون والتمور والنسيج والفوسفات. – تهدف تونس الى المحافظة على استقرار عائدات صناعة السياحة فيها التي بلغت خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام 808 ملايين دولار متحدية بذلك تراجع الإنفاق لدى السياح الغربيين أبرز عملاء السوق التونسية. – ارتفعت عائدات صناعة السياحة خلال 2008 الى 3.3 مليار دينار مقارنة بحوالي ثلاثة مليارات دينار في 2007 . واستقبلت تونس نحو سبعة ملايين سائح العام الماضي لأول مرة. – صناعة السياحة قطاع حيوي لتونس حيث انها ثاني أكبر مُشغل لليد العاملة بعد القطاع الزراعي بنحو 360 الف فرصة عمل وتساهم في تغطية العجز التجاري بنسبة 70 بالمئة. – خفضت تونس في وقت سابق هذا العام من توقعات النمو الاقتصادي من 5 بالمئة الى 4.5 بالمئة بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية. ويعتقد مسؤولون حكوميون الآن ان معدل النمو سيكون في 2009 حوالي 3.5 بالمئة على ان يرتفع الى 4 بالمئة في 2010. *تفاصيل عن البلد: – عدد السكان: 10.3 مليون نسمة – العاصمة: تونس – الأعراق: نحو 93 بالمئة من سكان تونس عرب و5 بالمئة منهم من أصل بربري وهناك عدد قليل جدا من الاوروبيين. – الديانة: 99 بالمئة من التونسيين من المسلمين السُنة وهناك طائفة يهودية وأخرى كاثوليكية صغيرة. – اللغة: العربية هي اللغة الرسمية. يتكلم التونسيون أيضا الفرنسية كلغة ثانية ثم الانجليزية كلغة ثالثة كما يتحدث بعض السكان الأمازيغية. الموقع الجغرافي: تقع تونس بين شمال افريقيا بين الجزائر وليبيا ومساحتها 000 ر164 كيلومترا (63.378 ميلا) (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 23 أكتوبر 2009)  

حقائق عن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي

 


 (رويترز) – يدلي التونسيون يوم الاحد المقبل بأصواتهم في انتخابات رئاسية وبرلمانية في البلد الواقع شمال افريقيا. ويقود الرئيس زين العابديين بن علي الحليف الوثيق للغرب البلاد منذ 7 نوفمبر تشرين الثاني 1987. وفي مايلي حقائق عن حكم بن علي: *بن علي يحظى باشادة وتأييد واسع لجهوده في تركيز استقرار سياسي وأمني في تونس وتحقيق نمو اقتصادي كبير وخلق مناخ تضامني لافت في البلاد لكنه يواجه انتقادات بالتضييق على معارضيه وبتسجيل انتهاكات في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان. * تولى الحكم في نوفمبر 1987 بعد ستة أسابيع من تعيينه وزيرا أولا للبلاد حينما أعلن أطباء ان الرئيس السابق الحبيب بورقيبة مؤسس تونس الحديثة أصبح عاجزا عن اداء مهامه كرئيس للبلاد. * انتخب عام 1989 ثم أُعيد انتخابه لمدة خمس سنوات عام 1994 دون منافسين. في عام 1999 انتخب من جديد بنسبة 99.4 رغم دخول منافسين له السباق. واستقبلت هذه الأرقام في الغرب ولدى جماعات حقوق الانسان باستهجان شديد ووصفت الانتخابات بأنها مهزلة. * في 2002 سمح استفتاء دستوري لبن علي بتمديد حكمه نظريا الى 2014 اذا أردا الترشح في انتخابات 2009. وأظهرت أرقام رسمية ان الشعب صوت بنعم بنسبة 99 بالمئة. * فاز بن علي في انتخابات 2004 بنسبة 94.4 عندما واجه ثلاثة مرشحين من أحزاب صغيرة. * تقول حكومة بن علي باستمرار ان الديمقراطية والحريات في تقدم مستمر. وفي وقت سابق هذا الشهر تعهد بن علي بتوسيع الديمقراطية ودعم الصحافة وتوفير مزيد من فرص الشغل وتقليص نسب البطالة. * تتهم جماعات حقوق الانسان تونس بأنها تقدم واجهة ديمقراطية للخارج بينما تمارس تضيقات على الصحفيين والمعارضين. وتنفي حكومة بن علي باستمرار هذه الادعاءات وتقول انها تنطوي على تشويه لمنجزات حقبة التغيير. تفاصيل عن حياة بن علي: * ولد بن علي في سبتمبر ايلول عام 1936 بمدينة حمام سوسة المُحاذية لسوسة التي تقع على بعد 110 كيلومترات جنوبي العاصمة تونس. *درس بن علي في فرنسا والولايات المتحدة. كان ضابطا ثم أنشأ عام 1964 إدارة عسكرية أمنية وقادها لمدة عشرة أعوام. في عام 1974 عُين مُلحقا عسكريا في المغرب واسبانيا ثم بعد ذلك أصبح مديرا عاما للأمن الوطني في ديسمبر كانون الاول عام 1979. *تم تعيينه سفيرا لبلاده في وراسو في بولندا من 1980 الى 1984.أصبح وزيرا للأمن الوطني من عام 1984 الى 1986 ثم وزيرا للداخلية في 86-87 ثم وزيرا أولا في 1987. * تنتشر صور بن علي في كل المتاجر وكل الإدارات العمومية في البلاد. (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 23 أكتوبر 2009)

حزب الإتحاد الديمقراطي الوحدوي تونس في: 23 اكتوبر 2009

كلمة السيد أحمد إينوبلي الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الوحدوي المرشح للرئاسية أكتوبر 2009 في اختتام الحملة الانتخابية

 


بسم الله الرحمان الرحيم  أيها الإخوة، أيتها الأخوات،   اليوم نختتم الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية  لحزبنا- حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي وأنصاره-، وهي الحملة التي حرصنا على خوضها عبر مختلف جهات البلاد شمالا وجنوبا ووسطا، متسلحين بإيماننا القوي بأن المشروع الديمقراطي الوحدوي وبرنامجه الانتخابي يمثل إجابة على ما يطرحه واقع البلاد من تحديات ويحمله شعبنا من طموحات وانتظارات. لقد اخترنا مدينة جندوبة كمحطة أخيرة في هذه الحملة الانتخابية بعد سلسلة من الاجتماعات الشعبية في تونس وجرجيس والقصرين وأريانة وذلك استجابة للتاريخ الوطني العريق لهذه المدينة وتقديرا للجهد النضالي الذي تبذله القوى الوحدوية في هذه الربوع منذ سنوات الكفاح التحريري ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم وما شهدته المنطقة من تلاحم بين ثورة شعبنا العربي في تونس وفي الجزائر. إن مدينة جندوبة تمثل رمزا حيا من التاريخ على وحدة شعوب المغرب العربي ووحدة طموحاتها وانتظاراتها،لذلك اخترناها لكي نختتم حملتنا الانتخابية.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، لقد أكدنا في مناسبات عديدة على أن مشاركتنا في هذا الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والتشريعي تتنزل أساسا في التزامنا الوطني الأصيل بالعمل مع شعبنا العربي في تونس لاسترجاع حيويته التاريخية، وصيانة هويته الحضارية في عمقها العربي الإسلامي، وتطوير فضاءات فعله السياسي وما يستوجبه  ذلك من بدائل وبرامج نوعية، تخرج بالساحة الوطنية من جمود الفكر الأحادي ومستنقع الزعامات السياسية الكاذبة وأمراض أحزاب الوكالة والانبتات. لقد حرصنا في كل محطات حملتنا الانتخابية على تركيز خطابنا حول البدائل التي نقترحها على شعبنا وعلى جمهور الناخبين وعيا منا بأن الرهان الانتخابي القائم حاليا ليس رهان سلطة ونفوذ كما يذهب إلى ذلك البعض من الانتهازيين وإنما هو رهان بدائل تستطيع العودة بالشعب إلى دائرة الفعل وتهيئ الساحة  لدخول مرحلة جديدة من العمل الوطني قوامها التعددية السياسية والمشاركة الشعبية في ظل دولة القانون والمؤسسات.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، دخل حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي غمار الانتخابات الرئاسية والتشريعية انطلاقا من: إيمان راسخ بوحدة كيان الأمة العربية من خلال وحدة التاريخ ووحدة الحضارة ووحدة الأرض العربية ووحدة المصير ومن ثمة وحدة المصالح الإستراتيجية والوعي بها والنضال من أجلها وذلك بمقاومة الاستعمار بكافة أشكاله ومناهضة التجزئة وثقافتها ومواجهة ذلك عبر ثقافة المقاومة والممانعة والنضال الوحدوي المستجيب للتصدي لسائر أشكال التطبيع والتطويع لأعداء الأمة العربية. دخل حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي وأنصاره غمار هذه الانتخابات مؤكدا على تمسكه بمنطلقاته ومنها:   ·أن تونس جزء لا يتجزأ من أمة عربية واحدة تتأثر سلبا وإيجابا حاضرا ومستقبلا بكل المتغيرات التي تحيط بها. ·إن الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين يظل صراعنا وصراع أحرار الأمة ضده صراع وجود لا مجال فيه للتفريط والتطبيع والاستسلام. ·إن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي يعادي من يعادي الأمة العربية ويصادق من يصادقها. ·إن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي يرفض العولمة بما هي إعادة لصياغة آليات الهيمنة الامبريالية المتسترة بمزاعم حضارية ولكنها زائفة وهو يدعو إلى حوار متكافئ بين الحضارات والشعوب. ·إن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي يدعو كل القادة العرب والشعب العربي عبر قواه الفاعلة إلى ضرورة وضع إستراتيجية قومية تستند إلى المصالح العليا للأمة العربية وتناهض الاستعمار بكافة أشكاله وتلوناته القديمة والمستحدثة. ·إن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي يعتبر أن الديمقراطية والمشاركة الشعبية في الشأن العام هي الأسلوب الوحيد لبناء دولة الوحدة العربية الديمقراطية الاشتراكية وهو بذلك يناهض ويرفض كل وحدة أسلوبها الإكراه والتوحد باستعمال قوة السلاح. ·إن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي يؤمن بأن الدين الإسلامي مقوم رئيسي وجوهري من مقومات الأمة العربية ومن ثمة فإنه يعتبر إن العروبة والإسلام عنصران متلازمان لا انفصام بينهما. وأن الأمة العربية هي الأمة الوحيدة في العالم التي أتم تكوينها الاجتماعي والحضاري الإسلام وهي بذلك أمة الإسلام – إسلام العقلانية والإبداع – إسلام الإنسانية والتحضر – إسلام الوسطية – إسلام التحرر والانعتاق لا إسلام من يحاولون جعله بوتقة انغلاق. ومن هذه الرؤية فإن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي يناضل من أجل دولة ذات دين ويدعو لها ويرفض ويناهض الدولة الدينية التي تأخذ من الدين برنامجها السياسي وتلتحف بلحافه لتبني مؤسساتها على الإيمان في الصدور الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. فالدولة ذات الدين هي التي ترعى الدين وتحفظه وتكفل حرية ممارسته وإقامته وإشعاعه ومناصرته بعيدا عن المزايدات السياسية وتتمسك به مرجعية لها، تحفظه من كل أشكال التحريف والتوظيف.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات،
وانطلاقا من هذا فإن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي فصيل سياسي وطني وحدوي عروبي من بين أهدافه إقامة مجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية. يعمل على أرض تونس العروبة، للمساهمة في تعميق وترسيخ الديمقراطية والارتقاء بها من تعددية حزبية إلى تعددية سياسية فاعلة ومنتجة. إن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي يعمل على توسيع مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان وترسيخ قيم الحرية والمواطنة وتثبيت قيم الجمهورية وأركان مؤسساتها. إن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي يعمل على تحقيق عدالة اجتماعية وتنمية اقتصادية تكون الدولة الفاعل الرئيس فيها من خلال مؤسسات قطاع عام قاطرة للتنمية، وهي أيضا الضامن للتكافؤ بين الجهات والفئات من خلال التوزيع العادل للثروة وللجهد الوطني والمحافظة على السلم الاجتماعية. إن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي إذ يؤكد دعمه للتضامن العربي والأمن القومي العربي فهو يدعو الشعب العربي وكل قواه الوطنية والوحدوية إلى المساهمة بجدية وفعالية في إقامة دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية على كامل الأرض العربية من المحيط إلى الخليج، الوحدة العربية المستندة في تحقيقها إلى الإرادة الحرة للجماهير العربية صاحبة المصلحة الأولى فيها وعبر الخيار الديمقراطي الذي يرفض التعصب والانغلاق ويضمن الحريات الفردية والعامة وحقوق الإنسان وحق الاختلاف والتعددية. إن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي فصيل وطني وحدوي يناضل ضد الصهيونية والامبريالية والهيمنة الأجنبية والرجعية العربية ممثلة في دعاة الإقليمية بمعناها الاجتماعي والسياسي وضد طوابير الإلحاق والانبتات والخيانات الوطنية مهما كانت أشكالها وتعلاتها ومبرراتها فهو جزء من حركة التحرر العالمي ضد كل أشكال التسلط والهيمنة والتمييز بين البشر يناصر حركات التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي والنضال الديمقراطي ويدعو إلى ضرورة إقامة نظام عالمي عادل يضمن السلم بين الشعوب.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، إن ما ذكرته على مسامعكم يعد اختزالا لمبادئ وثوابت وأهداف حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي الذي تقدم إليكم في اثنين وعشرين دائرة انتخابية للانتخابات التشريعية، الحزب الذي وضع مناضلوه ثقتهم في شخصي لأكون مرشحه للانتخابات  الرئاسية التي ستجرى يوم 25 أكتوبر 2009. فإني وإذ أعبر عن ولائي المطلق للوطن ولشعبنا الذي كافح أبناؤه في الماضي التخلف والاستعمار والهيمنة وتعمل أجياله الحاضرة على مواصلة مسيرة البناء والتنمية في جميع أبعادها فإننا سنعمل على صون المكاسب والسعي معكم لمجابهة تحديات الداخل والخارج والنهوض بما تتطلبه مرحلة البناء الوطني من إصلاح وتطوير يضمن التقدم بالوطن والمواطن ويحمي السيادة والاستقلال.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، إننا على يقين من أن الحوار الوطني الجاد والمسؤول بين جميع الأحزاب ومكونات المجتمع السياسي والمدني هو المنهج السليم في معالجة جميع القضايا الوطنية لذلك فإننا نحرص على الانتصار لهذا المنهج على قواعد الولاء للوطن والأمة العربية والوفاء لنضالات أجيالها والانحياز لخط المقاومة والممانعة في التعامل مع كل أشكال الاستعمار والصهيونية والهيمنة وسياسات الاستقواء بالخارج لغاية الداخل. إن الالتزام بهذا النهج هو الطريق لحماية الاستقرار وصون المنجزات الوطنية ومراكمتها تطويرا وتحديثا وتفعيل روح المواطنة والعطاء في مؤسسات المجتمع والدولة لذلك كنا أول الداعين إلى مَأسَسَةِ الحوار الوطني وتنميته منهجا وطنيا خالصا.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، دخل مناضلو ومناضلات الاتحاد الديمقراطي الوحدوي الانتخابات انطلاقا من رؤية مبدئية قوامها أنّ المشاركة الشعبية هي المدخل السليم للبناء… البناء الذي يثبت المنجز الوطني ويساهم إيجابا في التطوير والتحديث. دخلنا الانتخابات بهذه العقلية البنّاءة لأننا في حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ندرك تمام الإدراك أن المحافظة على الاستقلال الوطني ومكتساباته يشكل دائما المدخل الرئيس نحو الديمقراطية السليمة أسلوبا للتفاعل والتطور والتقدم بخطى ثابتة على كافة الدروب لذلك نؤكد دائما على أن الديمقراطية هي بوابة المداخل الحياتية العامة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، يا أبناء شعبنا إننا متمسكون بولائنا لوطننا تونس وبوفائنا لهذه الأرض  ولرموز كفاحها ولرواد الإصلاح ورجالاته الأبرار… هذا مدخلنا للولاء لأمتنا العربية من المحيط إلى الخليج. فالوحدوي العروبي لا يمكن أن يكون إلاّ وطنيا أصيلا مدافعا عن قاعدة المنطلق ومحصنا لها في مواجهة كل أشكال الهيمنة ومحاولات الاختراق من الداخل والخارج. إن وطننا تونس هو منطلقنا نحن الوحدويون نحو الكل الشامل نحو أمتنا العربية الصامدة موحدة ومصانة. نحن أيها الإخوة جزء من نسيج حماة وطننا تونس ووطننا الكبير الممتد من المحيط إلى الخليج في مواجهة الاستعمار بمختلف ألوانه وأعوانه وأذنابه من الخونة والمتخاذلين وسنظل على العهد أوفياء لتونس ولأمتنا العربية ونقول للمناوئين والمشككين في نهجنا وفي صدقيتنا وفي صدقية الوطنيين المخلصين لهذه الأرض أن الجبناء لا يصنعون تاريخ الأوطان وان الأيادي المرتعشة لا تقوى على البناء.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، إن قراءة راهننا السياسي الوطني قراءة المسارات والعوائق والآفاق الممكنة هي المدخل الضروري لسلامة النهج السياسي….، « السياسة هي فن تحقيق الممكن » وهذا الممكن لا يمكن إدراكه إلا بعقل بَنَّاء لذلك انتهج حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي نهجا وسطا بِنَاءً على إدراكه لطبيعة المرحلة السياسية الوطنية ولمُحَرِّكاتها وعوائقها متجنبا المغامرات السياسية المسكونة بهواجس الذاتية وحَرَصَ أن يكون دائما مجانبا لمفاسد الانتهازية. وانسجاما مع نهجنا هذا كان برنامجنا برنامجا واقعيا نأى بنفسه عن الشعاراتية والمزايدات المجانية، لكنه كان عميقا شخّص المشكلات وطرح البدائل الملموسة والممكنة. نحن حين اعتبرنا أن البناء السياسي الوطني يحتاج اليوم إلى إطلاق جيل جديد من الإصلاحات السياسية لم يكن ذلك نكرانا لما تحقق في تونس من مكاسب كثيرة بل لأن هذا  المحقق والمنجز يستدعي بذاته هذا الجيل الجديد من الإصلاحات للتقدم على درب النهوض بتونس الديمقراطية والعدالة والتنمية لبلوغ المراتب المتقدمة على كافة الأصعدة.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، في الاجتماعات الشعبية السابقة التي نظمها حزبنا في دار الثقافة « ابن رشيق » تونس، وفي جرجيس، والقصرين، وأريانة،  تحدثنا عن بديلنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي وشرحنا رؤيتنا لمفهوم الولاء للوطن والأمة… وقدمنا رؤيتنا حول بعض الملفات المحددة من ذلك الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام لطلبة تونس وبطالة أصحاب الشهادات العليا وكيفية الحد منها ودور المرأة… أريد أن أؤكد من جديد أننا  نقف بكل جدية دعما لكل الجمعيات والمنظمات الوطنية التي بُنيت نتيجة لمطلب شعبي أو تتويجا لعمل نضالي شعبي أو مهني أو ثقافي. إننا نعلن اليوم بأننا ضد كل أشكال وأساليب التفرد أو الاحتواء أو الإقصاء في تسيير هذه المنظمات والجمعيات، التي تحول دون مساهمتها في البناء الوطني لذلك نؤكد كما أكد غيرنا على أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تمثل مكسبا وطنيا، لا نقبل أن تحتكر جهة سياسية ما هذه المنظمة وتنفرد بوضع سياساتها وتتحكم في مسالك الانخراط ضمن صفوفها أيا كانت هذه الجهة مضطلعة بأعباء الحكم أو في المعارضة. وإننا نجدد الدعوة اليوم إلى حوار وطني حول الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تشارك فيه كل القوى الوطنية والديمقراطية ينبثق عنه مؤتمر ديمقراطي يفرز هيئة مديرة وطنية ديمقراطية مستقلة وممثلة بعيدا عن المُحاصصة السياسية. إننا نعتقد أنّ الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان رابطة وطنية لكل التونسيين ولا يجب أن  تتحول إلى منبر سياسي لفصيل أو بعض الفصائل السياسية تخدم أغراضها ولا تخدم المبادئ والقيم التي من أجلها قامت. تلك هي رؤيتنا وهذا هو موقفنا.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، إن الشباب عماد مستقبل المجتمع وأحد بناة صرح الوطن وقد شكل دوما (وفي أي مجتمع عَرَف الاستعمار والاحتلال) فرسان مقاومته. كان لشباب تونس إبان الاحتلال الفرنسي دورا هاما في الحركة الوطنية التحريرية لذلك نعتبر أن الاهتمام بالشباب وتنشئته النشأة الوطنية وغرس روح المواطنة وروح المشاركة فيه، هي تأثيث لمستقبل أفضل. وعلى الرغم مما تحقق للشباب من مكاسب وفتح باب الحوار حول شواغله فإن هذه الفئة العمرية تحتاج إلى هياكل تؤطرها وترسم توجهاتها الوطنية والمستقبلية وتذلل الصعوبات أمام إبداعها ومتطلبات حياتها خاصة في مجال الإدماج في الحياة العامة والشغل والأخذ بيده لدخول معترك الحياة المهنية وما تقتضيه من ضرورات. لذلك نرى إضافة إلى الإجراءات والطرائق المعتمدة في التشغيل ضرورة البحث عن سبل جديدة تساعد شبابنا العاطل عن العمل وخاصة خريجي الجامعات. إنه كما لا يخفى عليكم أن قطاع التعليم بمراحله التحضيري والابتدائي والأساسي والثانوي يشغل حوالي 135 ألف مدرس وإن ساعات التدريس أسبوعيا تساوي 25 ساعة بالنسبة إلى المعلمين و20 ساعة لمعلمي التطبيق و18 ساعة لأساتذة التعليم الأساسي والثانوي فإننا ولغرض جودة التعليم والمساعدة على تشغيل الشباب خريجي الجامعات نرى ضرورة الحط من عدد ساعات التدريس الأسبوعي بالنسبة إلى المعلمين إلى حدود 18 ساعة لكافة الأصناف والحط من ساعات التدريس بالنسبة لأساتذة التعليم الثانوي إلى حدود 15 ساعة في الأسبوع، دون المساس بالمكتسبات المادية والمعنوية للمدرسين وهو ما سيوفر حوالي 20 ألف  موطن شغل جديد بخطة معلم وحوالي 7 آلاف موطن شغل جديد بخطة أستاذ تعليم ثانوي أي ما يعادل إجمالا قرابة 27 ألف موطن شغل جديد. وإذا أضفنا إلى هذا اقتصارنا على عدد 20 تلميذ لكل قسم فإن الحاجة للمدرسين في كل المستويات ستزداد بالخمس على الأقل أي ما يتجاوز 10 آلاف مدرس جديد. إن التخفيض من ساعات التدريس لمدرسي التعليم الأساسي والثانوي فضلا عن كونه سيوفر سنويا مواطن شغل لأصحاب الشهائد العليا يمكن أن يساهم أيضا في تطوير الأداء البيداغوجي للمدرسين ويمكّنهم من أوقات إضافية لتقديم الإضافة إلى التلاميذ.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، إن الشباب الطلابي بما يملكه من علم ومعرفة مؤهل أن يلعب دورا طلائعيا في المجتمع ويساهم مساهمة فاعلة في استقراره وتطوره وتقدمه في مجالات الفكر والثقافة فانه يحتاج اليوم وبإلحاح إلى إطلاق مبادرة وطنية تحل الأزمة التي تتخبط فيها منظمة الاتحاد العام لطلبة تونس ولخروجها من زاوية الفئوية السياسية الضيقة والتي أغلقت الباب أمام غالبية عموم الطلبة بمختلف توجهاتها الفكرية وأبقتها خارج التنظم داخل المنظمة الطلابية. الاتحاد العام لطلبة تونس لا يجب أن يبقى أسيرا لأي من الفصائل السياسية بل يجب أن نُحافظ عليه هيكلا ومؤسسة وطنية لها هويتها وتوجهاتها التقدمية في ممارسة العمل النقابي الطلابي بما يخدم مصلحة عموم الطلبة دون تصنيف فكري أو سياسي….منظمة تخدم مصلحة الوطن وتساهم في بنائه بإعداد جيل طلابي عقلاني وحداثي بعيدا عن المحاصصة السياسية أو الحزبية.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، تمثل المرأة في رؤيتنا المجتمعية نصف المجتمع و نعتبر أن محاولة فصل هذا الجزء عن المجتمع هي محاولة هدم وتفكيك له في جوهر كينونته لذلك فإن ما تحقق للمرأة من مكاسب تقدمية هي مكاسب للمجتمع بأسره لا بد من صيانتها والمحافظة عليها وتعزيزها. لذلك نؤكد دائما من وجهة نظر الاتحاد الديمقراطي الوحدوي أن المرأة والرجل هما جناحا المجتمع وباختلال أحد جناحيه فان المجتمع لا يستطيع الإقلاع والتقدم والرقي فالمرأة والرجل متساويان في الحقوق والواجبات  وحرية المرأة من حرية المجتمع وتقدمها مرتبط بتقدمه. هذا مع ضرورة التأكيد على دور المرأة في الأسرة وتربية النشئ ممّا يدفع إلى ضرورة التفكير في إجراءات جديدة تساهم في مساعدة المرأة للقيام بهذا الدور.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، وانسجاما مع انحيازنا لخط الممانعة والمقاومة العربية في مواجهة الصهيونية والاستعمار وانسجاما مع تمسكنا بأن الصهيونية حركة عنصرية وان صراع الأمة العربية ضدها في فلسطين صراع وجود لا صراع حدود… وإن عِدائنا لدولة الكيان الصهيوني هو تجسيد لعِداء أمتنا العربية كلها لهذا العدو الغاصب… فهو ليس عدوا لشعبنا العربي في فلسطين فحسب كما يروّج الإقليميون . إن ما يؤكد هذا الموقف أن شعبنا العربي في تونس لا ولن ينسى العدوان الغاشم لدولة الكيان الصهيوني على تونس في حمام الشط يوم غرة أكتوبر 1985 والذي استشهد فيه عشرات من الإخوة لنا من تونس وفلسطين، كما لن ينسى  شعبنا اغتيال المناضل أبو جهاد خليل الوزير على أرض تونس ولن ينسى أيضا أبناء تونس الذين رووا بدمائهم الزكية  ارض فلسطين المحتلة منذ 1948. لذلك أيها الإخوة أيتها الأخوات ندعو ومن على هذا المنبر كل القوى الوطنية من أحزاب ومنظمات ونقابات مهنية وفعاليات فكرية وثقافية إلى اعتبار يوم غرة أكتوبر من كل سنة يوما لمناهضة التطبيع بكل أشكاله وألوانه مع العدو الصهيوني يوما تقام فيه الفعاليات للتذكير بجرائم الصهيونية ضد الإنسانية.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، تلكم هي ثوابتنا الحضارية والسياسية التي قادتنا طيلة حملتنا الانتخابية وستقودنا في المرحلة القادمة من نضالنا الحزبي، وتلكم هي برامجنا للنهوض بمستقبل البلاد في جميع مجالات التنمية لا نزايد فيها على أحد و لا نساوم فيها أحدا مرجعيتنا الوحيدة فيها ولاء لتونس وتاريخها العريق وولاء لامتنا العربية وأهداف نضالها العادل. ونحن إذ نؤكد على هذه الثوابت والبرامج وعلى هذا الولاء نتطلع في نضالنا إلى أن تكون هذه المحطة الانتخابية بما ستحققه من نتائج سياسية وحزبية أرضية للانتقال بالمشروع الديمقراطي الوحدوي في تونس نحو أفق جديد من التجذر والرسوخ على جميع مستويات الفعل السياسي والجماهيري والتنظيمي يحقق به التواصل مع تاريخه الوطني المجيد ومع تاريخ النضال البطولي لأمتنا العربية رفعا لتحديات الداخل ومؤامرات الخارج. إن هذا التطلع يقودنا فيه وعينا الدائم بأن المشروع الديمقراطي الوحدوي ليس مجرد رقم حزبي يسعى للحصول على مكاسب انتخابية آنية وإنما هو فوق ذلك مشروع مجتمعي يهدف إلى تعزيز الاستقلال الوطني وصون الهوية الحضارية وتحقيق العدل الاجتماعي والسياسي الذي بدونه تنتقص سيادة الأوطان وتضعف مناعتها أمام اختراقات الداخل والخارج. ولهذا فإن عملنا في المرحلة القادمة لن يكون أيسر من عملنا الراهن خصوصا مع ما يطرحه الواقع من تحديات استهداف وتآمر وتشكيك . إن ثقتنا كبيرة في شعبنا وفي ما نطرحه عليه من بدائل ويقيننا أن قوى الشد إلى الوراء وحلفاءها من الانتهازيين والمنبتين والمزايدين عبثا على مشروعنا الوطني لن تفسد علينا عزمنا للتقدم باتجاه تطوير حضورنا السياسي وأدائنا الحزبي  واستنهاض همم  شعبنا حتى يكون قوة فاعلة في إنجاح  الاستحقاق  الوطني والديمقراطي وذلك بتأصيل خياره الحضاري وتصليب تعدديته السياسية ومزيد التمكين لنفسه في المؤسسات الوطنية.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، لقد حرص حزبنا على الإعداد للحملة الانتخابية وإننا على يقين أنها كانت حملة متميزة من ناحية التنشيط والخطاب المقدم والمضامين والشعارات والرسائل الانتخابية. كما حرصنا على أن يكون خطابنا معبرا عن ثوابتنا ورؤيتنا لمختلف القضايا الوطنية والعربية والدولية، وصادقا بالتزاماتنا، ونعتقد أن حزبنا نجح إلى حد كبير في إدارة الحملة الانتخابية تجلى ذلك في الإقبال الشعبي على الاجتماعات العامة التي عقدناها في كل الجهات وفي التفاعل مع خطابنا الذي قدمناه. وهذه مناسبة نتوجه بالشكر إلى كل مناضلي وأنصار الحزب الذين عملوا واجتهدوا طيلة الحملة الانتخابية للتعريف بالحزب وببرنامجه الانتخابي وبأهدافه، واتصلوا بالمواطنين في المدن والقرى والأرياف والأحياء… لإيصال صوت الاتحاد الديمقراطي الوحدوي.   أيها الإخوة، أيتها الأخوات، في الوقت الذي حرصنا فيه على أن تكون هذه الانتخابات الرئاسية والتشريعية مناسبة لنا ولغيرنا لطرح البدائل على الشعب وتفعيل التنافس والصراع حول البرامج والمضامين التي يقترحها كل طرف مستقبلا لشعبنا ولأجياله القادمة سعت بعض الأطراف الحزبية الفاقدة لصلوحية البقاء الإديولوجي والسياسي إلى المس من مقاربتنا الوطنية والتهجم على نهجنا المعارض في محاولة لتأبيد حضورها المفلس والمحافظة لنفسها على موقع لم يعد ممكنا في ساحة المعارضة الوطنية الجادة. ختاما ندعوكم إلى التصويت للورقة البنية – لون الأرض – في الانتخابات الرئاسية والقائمات البنية في الانتخابات التشريعية.     عاشت تونس حرة عربية منيعة النصر للمقاومة الباسلة في فلسطين والعراق وعلى كل شبر من أرض العروبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته  


حزب الإتحاد الديمقراطي الوحدوي

بلاغ صحفي حول اختتام الحملة الانتخابية لحزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي

 


يختتم اليوم الجمعة 23 أكتوبر حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي حملته الانتخابية الرئاسية والتشريعية  في مدينة جندوبة ، وينتظم بالمناسبة اجتماع عام يشرف عليه الأمين العام للحزب ومرشحه للانتخابات الرئاسية الأستاذ أحمد الاينوبلي .وذلك على الساعة الخامسة مساء بالمركب الثقافي « عمر السعيدي ». كلمة الأخ الأمين العام للحزب ومرشحه للانتخابات الرئاسية ستتضمن تذكيرا بدوافع الترشح لهذا الاستحقاق الانتخابي « .. إن مشاركتنا في هذا الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والتشريعي تتنزل أساسا في التزامنا الوطني الأصيل بالعمل مع شعبنا العربي في تونس لاسترجاع حيويته التاريخية، وصيانة هويته الحضارية في عمقها العربي الإسلامي، وتطوير فضاءات فعله السياسي وما يستوجبه  ذلك من بدائل وبرامج نوعية، تخرج بالساحة الوطنية من جمود الفكر الأحادي ومستنقع الزعامات السياسية الكاذبة وأمراض أحزاب الوكالة والانبتات… » ودعوة إلى حوار وطني بين جميع الأحزاب ومكونات المجتمع السياسي والمدني ».. إننا على يقين من أن الحوار الوطني الجاد والمسؤول بين جميع الأحزاب ومكونات المجتمع السياسي والمدني هو المنهج السليم في معالجة جميع القضايا الوطنية لذلك فإننا نحرص على الانتصار لهذا المنهج على قواعد الولاء للوطن والأمة العربية والوفاء لنضالات أجيالها والانحياز لخط المقاومة والممانعة في التعامل مع كل أشكال الاستعمار والصهيونية والهيمنة وسياسات الاستقواء بالخارج لغاية الداخل. » كما سيتعرض الأمين العام للحزب ومرشحه للانتخابات الرئاسية إلى مبادرات الحزب في  الدعوة إلى « حوار وطني حول الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تشارك فيه كل القوى الوطنية والديمقراطية ينبثق عنه مؤتمر ديمقراطي يفرز هيئة مديرة وطنية ديمقراطية مستقلة وممثلة بعيدا عن المُحاصصة السياسية. » والدعوة الى التخفيض في ساعات التدريس  بالنسبة لمدرسي التعليم الأساسي و الثانوي لتوفير مواطن شغل لأصحاب الشهائد العليا و الارتقاء بالأداء البيداغوجي  للمدرسين.  ودعوة  » كل القوى الوطنية من أحزاب ومنظمات ونقابات مهنية وفعاليات فكرية وثقافية إلى اعتبار يوم غرة أكتوبر من كل سنة يوما لمناهضة التطبيع بكل أشكاله وألوانه مع العدو الصهيوني يوما تقام فيه الفعاليات للتذكير بجرائم الصهيونية ضد الإنسانية. عبد الكريم عمر عضو المكتب السياسي المكلف بالإعلام

لنبايع بالرّئاسة ليلى الطّرابلسيّة

اليك يا سيّدتي**** رئاسة أبديّة   تخلفين  فيها **** قبضة الزوج الحديديّة   وتمكّنين فيها **** لآلك الطّرابلسيّة   تغيّرين القوانين **** خصوصا الأساسيّة   فهذه سيّدتي **** لعبتكم الذّنيّة   فتكون الرّئاسة **** في تونس أنثويّة   تعيشين مع شعبك **** عيشة هنيّة تضربينهم صبحا**** وتبيعينهم عشيّة   تحكمين تونس **** بشرطة وبوليسيّة تسيرين فيهم **** سيرة البانديّة   تسومينهم الخسف**** في كلّ طريق وثنيّة ان كنت أيضا في بيتك**** هات بطاقتك الوطنيّة   هكذا تكون الدّكتاتوريّة **** كلمة أنثويّة وليس هذا غريبا **** فزوجك أصل البليّة   ابن الرومي التونسي  


نزيف خواطر حول أفكار الحمدي


بقلم: المسلم الصغير   بسم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم أخي عبد الحميد وحمدا لله على سلامتك، نأيت بنفسي من أمد غير يسير عن التعليق والكتابة لكثرة الشواغل، وأحيانا لقلة الاهتمام بما يكتب، إذ رأيت بعضه غير ذي نفع. أما عن حديث عودتك أيها الرجل الطيب، إن شاء الله، فقد راودتني نفسي كثيرا في الكتابة في أمرك ولكن قصر بي الداعي، حتى رأيتك اليوم تعيد فتح الأمر من جديد فلم تقو أصابعي عن مقاومة الكتابة وامتلأت نفسي بكلمات، لكم كنت أكتّمها. ولا أرى اليوم لي راحة إلا إذا أطلقتها. الأخ عبد الحميد العداسي رجل أحبه، ولكنه استحيا منك حتى قصر في سؤالك عن أمور أنت من ورط نفسه فيها. وقد كنت والله أرى أولى بك لو أجبت عن سلسلة أسئلة أثارها الأخ منجي الفطناسي تعليقا على ما نشر لك في السياسية، وأتمنى عليه إن قرأ كلامي هذا أن يعيد طرحها عليك وسنرى بما تجيب! ظننتك ستصمت ولا تعيد الحديث في هذا الأمر إلا أنك عاودت الحديث فيه ولم تفوت فرصة شكر صاحب النعمة بن علي وتعديد إنجازاته هكذا صدفة قبل الانتخابات، وهذا وقعة خفيفة كان أولى بكريم مثلك أن يربأ بنفسه عنها. على فكرة: إنك لم تنتبه إلى أنك لم تشكر الله في أمر عودتك وشكرت بن علي. فهل أسقطتها أسرة الحوار سهوا هذه المرة أيضا؟ هل اختزل عندك أمر البلاد في العودة يا رجل؟ ألا تبا لها من عودة! في الوقت الذي نرى فيه أحرارا من تونس، دون خلفية إسلامية، يقومون في وجه الظلم ويضحون بالغالي والنفيس ويتصدون للسجون، نرى أئمة الإسلاميين قد صاروا مداحين مسيدين (بكسر الياء الأولى) لبن علي لأجل رخصة بعودة، لعلها نغصتها الأحلام المرعبة بالاعتقال وكوابيس الاقتحام في الليل. والله لقد اكتشفت صدفة أن زملاء سابقين لي في الجامعة صاروا اليوم مناضلين حقوقيين، وما كنت أنتظر أبدا من أمثالهم مثل تلك الخطوة الجريئة في التصدي لفساد هذا النظام. أولما قامت البلاد في وجه الظالم بَرَكَ الإسلاميون. (عفوا أقصد البعض فقط). زعمت أنك لم تدفع ثمنا لعودتك يا شيخ. وهل رسالتك هذه إلا ثمن؟ وهل تصديك ومعارضتك للفتوى التي حدثت عنها إلا ثمن؟ وهل حديثك لجريدة السياسية عن أمر تلك الفتوى إلا ثمن؟ وهل كان ذكرك لتلك المسألة إلا استرضاء لمن منوا عليك بالعودة؟ أما تقرأ على صفحات النات ما ينشر من اضطهاد لعباد الله سرا وعلنا؟ وأنت تعود وتبارك سيدك سود الله وجهه كما سود هو شعره. إلى أي بلد أعود؟ أعود لبلد لازال فيه الصادق شورو يقبع خلف القضبان، وأنا أتمايل بين الأهل والأصحاب والخلان غير آبه؟ أعود ولا أزور قبور الشهداء الموتى والأحياء؟ أعود ولا أذهب إلى رجال صبروا خلف القضبان فأكب على رؤوسهم وأقبل أيديهم وأقول: سامحونا! بينما كنتم تتقلبون في السجون كنا نحن نتمرغ في نعيم أوروبا وما ذكرناكم والله إلا قليلا يا أسفى عليكم يا أخي. لقد صدق عليكم بن علي حكمه: \ » كما فررتم تعودون\ » فررتم فرادى خائفين وتعودون فرادى معتذرين \ »كل واحد حدو روحو\ » \ »اللي يحل فمو ياكلو الصباط\ » تقول إن بن علي يريد التسامح وصدق بالعمل؟ لماذا؟ ألأنه منّ عليك بعودة ما كنت تضمن كيف كانت تنتهي؟ وما شأن إخوانك الذين يسامون الهوان يا رجل؟ أبعت شهادة الحق على ما يلقون من عذاب بعودة؟ أبشروا يا من تريدون العودة فثمن العودة زهيد! أسكتوا عن آلام إخوانكم عن انتظار أمهاتهم عن لوعة زوجاتهم عن دموعهم يوم العيد! وامدحوا سيدكم الرئيس وامدحوا العهد الجديد! وزكوه \ »بحسن نية\ » قبل الانتخابات واذكروا أمره الرشيد! أما من رفع الرأس منكم وعاند فمآله كالدكتور العشي في العذاب الشديد وقد علمتم أنه لولا شفاعة فرنسا في العشي للبث في بطن السجن لعيد ثم عيد تحدثت عن صلة الرحم يا رجل؟ لو طبقنا هذا الحديث لما كان لحديثنا هنا مجال؟ أشهد أمامكم يا إخوتي أني عققت أبوي بأمركم. فاستغفروا الله لي اليوم. كان أبي يقف أمام الباب يمنعني من الخروج، وهو يعلم أني منصرف تلبية لدعوتكم في خروج إلى مظاهرة أو عقد اجتماع. فكنت أقول له أنا خارج لا محالة، وأستأسد عليه رحمه الله، وأتحداه، فيستسلم لضعفه وشيبته وقلة حيلته، ثم يقعد إلى دمعته ويقول لأمي: أتركيه يذهب، لقد تودع منه. إن أمره هذا لن ينتهي حتى أموت وتموتي ويموت. وقد مات أبي كمدا علي وأنا في السجن، وأمي اليوم تقاوم المرض والهرم والشوق إلي. ولا أدري ما يكتب الله في شأنها. وها أنذا قد نيفت على الأربعين وقد بدأت المحنة ولما أجاوز سبعة عشر ربيعا. وقد رأيت صدق ما قال أبي وقد كان والله أميا قليل العلم. تدعونا اليوم لنصل الرحم يا شيخ؟ تأخرت بالنداء يا رجل! فررتم لما رأيتموها \ »اتخذت\ » وتركتمونا فرادى نصرف وجوهنا فلا نرى لنا مصرفا. واليوم تتاجرون بنا من جديد وتعودون ويسمونكم في الصحف \ »دعاة\ ». وهل كانوا حاربوكم إلا لأنكم دعاة أيها الشيخ؟ يا لسخرية الأيام: جريدة السياسية تذهب لتستقبل الداعية. داعية في تونس. داعية تونسي يعود إلى تونس. من طرد الداعية التونسي من تونس قبل عشرين عاما؟ ولماذا تستقبله تونس اليوم؟ وتنوه به وتسميه داعية، وهي التي أطردته من قبل لأنه داعية، أو ربما مشروع داعية؟ لماذا تحتفي تونس بداعية وتنكل بدعاة؟ لماذا يعود داعية ويفر دعاة؟ لماذا يأمن داعية ويخاف دعاة؟ لماذا سمحوا لك أن تعانق أباك، ولم يسمحوا لي أن أشهد جنازة أبي يوم مماته في فجر شبابي، وتأخر علمي بوفاته أسبوعا كاملا؟ لماذا أيها الشيخ لماذا؟ كنت سأصمت لو لم أر في حديثك هذا تزلفا مع ما ترى من ظلم بيّن. ولكنك أبيت إلا أن تدفع الثمن، وتكتب \ »صدفة\ » \ »وبحسن نية\ » توضيحا حول ما راج عن عودتك، وأبت الدراهم إلا أن تمد أعناقها. وتشاء الأقدار \ »صدفة\ » \ »وبحسن نية\ » أن تكتب هذا قبل الانتخابات تزكي وتمدح وتشكر وتتمنى على سيدك أن يسامحنا لنعود. فمن قال لك أن مشكلتنا جميعا هي العودة؟ ولماذا تطلب باسمنا دون إذن منا؟ ومن خولك بذلك أيها الرجل الطيب؟ لقد نسيت سريعا اتهامك للمتحدثين باسم المهجرين أنهم يتاجرون بهم، وقد أراك انقلبت على قولك وصرت أنت الذي تتاجر بنا اليوم أيضا وتطلب باسمنا ما لم نأذن لك فيه؟ أما وقد سألت باسمنا، أفلا سألت سيدك أن يترك خلق الله يحيون أحرارا في بلدنا قبل تسأله لنا العودة. هربتم ساكتين ولم تخبرونا، ألا عودوا اليوم ساكتين ولا تخبرونا. فصدقني مشكلتي في تونس أخف من مشكلتك بكثير ولو شئت العودة لتركوني أعود.!!! بل عفوا أخطأت أنا هذه المرة. فسيدك الرئيس يريد أن يعود الدعاة أولا كما فروا أولا. أما أنا فلست إلا دويعية صغيرا صغيرا صغيرا لعلي لا أنفعهم كثيرا. فهم يرحبون فقط بالكبار. أمثالك وأمثال النمري، والونيسي، والعبعاب، إلخ. هذه آلام حركتها في فنطقت من نفسها، فمعذرة أيها الشيخ الذي أرى في وجهه سمة الإيمان إن كنت قد تطاولت عليك أو أسأت إليك فقد أخذتني سكرة الحمى من شدة الجرح. (المصدر: « الحوار.نت » (ألمانيا – محجوب في تونس) بتاريخ 23 أكتوبر 2009)


الطلبة يشنون إضراب عن الدروس بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس

 


حرر من قبل قصي في الخميس, 22. أكتوبر 2009 شهدت كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس يوم أمس الخميس اضرابا عاما عن الدروس نظمه المكتب الفدرالي للاتحاد العام لطلبة تونس بالجزء المذكور و ذلك للمطالبة بمراجعة المنشورالخاص بطلبة السنة الرابعة وسنة اولى ماجستير الذي يضع شهر ماي 2010 كآخر اجل لقبول حاملي الماجستير كمحامين، ومن أجل العناية بالبنية التحتية للكلية و خاصة المدرج عدد 1 الايل للسقوط. وقد علمت كلمة في اتصال هاتفي بمسؤولين نقابيين بالجزء أن قوات غفيرة من رجال الأمن بالزي المدني قد حاصرت الكلية مانعة مناضلي الجزء من دخوله بحجة كونهم عناصر مثيرة للإضطراب، وقد تسببت المواجهة مع قوات الأمن في كسربالساق اليمني لأحد الطالبات.  و أفادت نفس المصادر نقلا عن عميد الكلية أن ما حدث خارج عن مسؤوليته وان من حق الاتحاد أن ينشط. (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 22 أكتوبر 2009)


أزمة عميقة في نقابة تونس الجوية

 


التحرير في الخميس, 22. أكتوبر 2009 علمنا ان اللجنة الوطنية للمراقبة المالية قد تعهدت بملف نقابة تونس الجوية التي شهدت تطورات كبيرة تتمثل في نية سحب الثقة من الكاتب العام الحالي للنقابة من قبل غالبية أعضاء مكتبه. وقد نظرت اللجنة في الدعوى واستمعت لأصحابها واطلعت على الوثائق التي تقدموا بها ومنها نسخ مصورة لصكوك بنكية تم سحبها.  يشار إلى أن اللجنة الوطنية للمراقبة المالية هيكل نقابي منتخب من المؤتمر الوطني للنظر في مثل هذه القضايا.  وبعد النظر في الوثائق والملفات، تقوم اللجنة برفع تقريرالى الأمين العام المساعد المكلف بالمالية وفي صورة وجود اخلالات تحيل الملف إلى اللجنة الوطنية للنظام الداخلي وهي ايضا هيكل منتخب من المؤتمر الوطني. (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 22 أكتوبر 2009)


لماذا المواطنة، ولماذا الديني والسياسي؟*

 


سمير ساسي شكل تطور مفهوم المواطنة في الغرب ومحاولات تعاطي المفكرين العرب مع الفكر السياسي الحديث والتشريعات الدولية التي تدور حول هذا المفهوم والمتغيرات المتسارعة التي شهدها العالم الإسلامي دوافع رئيسية لهذا البحث. وهي دوافع اصطدمت بإشكالية تنزيل هذا المفهوم في مجتمع يحضر فيه الدين حضورا قويا وفاعلا في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، ويلعب فيه مفهوم الجماعة دورا رمزيا بالغ الفعالية خاصة ان مجتمعاتنا لا تنقصها الكتابات والنظريات بقدر ما كانت تحتاج الى بحث في معيقات تنزيل كل ذلك في الواقع الذي اثبت وجود هوة بين المنشود والموجود لم تستطع الكتابات التي تملا المكتبة العربية ان تردمها. كان ثمة حاجة بالنسبة إلينا إلى البحث في القضايا الحارقة او المشكلة التي تعيق نمو وتطور الاجتماع المدني في عالمنا وحتم علينا غمار البحث ترك المركب السهل وتتبع مجاهل الفرضيات الممكنة دون مصادرات مسبقة. وقد افترضنا في هذا المجال ان المواطنة تختزل جوهر إشكالية الديني والسياسي في الفكر العربي الإسلامي، وان الديني والسياسي إشكالية تتحكم في كل حراك اجتماعي وسياسي في الإسلام بتعبير فهمي جدعان وانها تقف في صدارة المشكلات التي تعيشها المجتمعات العربية الإسلامية وتشكل المصدر الأول والأهم لكل الانشغالات العامة والفردية وان المواطنة هي حالة قصوى في هذه الاشكالية تكشف لنا مكمن الخلل بين المنشود والواقع. وكان حتما علينا ان نخصص مدونة ما من المدونات الكثيرة والمتنوعة التي أسهمت في ابداع هذا الفكر نظرا لطبيعة البحث. واستقر رأينا على مدونة الباحث برهان غليون لاننا لمسنا ان هدفه من بحوثه ودراساته لم يكن طرح مفهوم جديد للمواطنة أو البحث فيها كمفهوم مجرد ومستقل وهذا يحقق هدفا أول لنا ورئيسيا هو أننا لا نريد ان نضيف الى المكتبة العربية عناوين اخرى مجردة ونظرية. ولأننا وجدنا برهان غليون يرفض من حيث المنهج المناقشة خارج الواقع او ما يسميها بالسكولاستيكية ويجعل همه المساهمة في الخروج بالثقافة العربية من وضع الدون الذي تعيشه انطلاقا من اعتقاده بان الثقافة المغلوبة لا تطرح على نفسها إلا القضايا التي لا علاقة للمجتمع بها ولأنه يعتقد أن المهمة الاوكد للباحث العربي والإسلامي هي الخروج من حالة الصراع حول المفاهيم الى مرحلة الفهم والتفهم من اجل ايجاد الحلول المناسبة لقضايا المجتمع فقد رأينا أن مدونته يمكن أن توجهنا نحو الخروج من متاهة السجال العقيم والبحث في القضايا المهومة خارج الواقع دون أن نسلم بذلك تسليما مطلقا فذلك مما لا يتناسب مع طبيعة البحث العلمي اولا وثانيا لأن هذه المدونة كغيرها من المدونات لا تخرج عن اطار الفكر البشري الذي له حدوده ونقائصه ولحظات تأزمه. مثلما كان لهذا البحث حدوده وصعوباته التي حالت دون مزيد تعمقنا في الاشكالية المطروحة ودفعتنا الى طرح اسئلة للمستقبل قد نخوض غمار البحث فيها كلها او جلها لتعميقها وتجلية ما بدا أنه لم يتعد الملامسة الأولية في هذا البحث. يمكن تلخيص النتائج التي توصل اليها البحث في ما يلي: المواطنة نموذج اجتماع مدني يراها الباحث النموذج الامثل والخاتم لنماذج الاجتماعات البشرية بعد نموذج الاجتماع الديني وقد اثبت الواقع فعاليتها وبرز سعي المفكرين والسياسيين العرب الى احتذائها بمعنى أن الدولة الحديثة قد أسست لرابطة سياسية قائمة على فكرة المواطنة التي تعني حرية الأفراد واستقلالهم وخضوعهم بالتساوي إلى قانون واحد وتعاونهم ضمن إطار القانون على تحقيق مصالحهم الخاصة والعامة، وذلك لا يقلل من شأن الاجتماع الديني ولا يزيد من قيمة الاجتماع السياسي. نحن أمام نمطين للترابط الاجتماعي حصلا عبر التاريخ.، فالدين اليوم يلعب دورا كبيرا في المجتمعات المدنية الحديثة التي أنتجها نموذج الدولة السياسية. فهو في البلاد العربية والإسلامية أكبر محرك لعالم الجمعيات الخيرية وشبكات التضامن والتعاون بين الأفراد. ومما يزيد من حيويته في هذا المجال هو غياب الدولة أو وجود الدول الضعيفة وغير المكتملة وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها في ميدان التكافل الاجتماعي. الواقع المعيش يناقض هذه الرغبة وهذا السعي وعلينا استجلاء مكمن الخلل بين المنشود والواقع. إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة تختزل في الأصل كل الإشكالات الواجب تشريحها من اجل ردم الهوة بين المعيش والمنشود. وهي نتيجة هامة من حيث المنهج تعيد طريقة طرح الإشكال اذ تدفع إلى عدم التسليم بالإشكالية الظاهرة للعيان على قيمتها لانها قد لاتكون هي جوهر المشكل وان علينا السعي الى إدراك ما وراءها وسبر أغوارها. وإذا دفعنا بهذه النتيجة الى اقصاها يمكننا ان نقول ان ما يطرح من اسئلة حول المواطنة وفشلها في عالمنا هو طرح مغلوط للقضية الجوهرية وان علينا ان نفكك الإشكاليات المتحكمة في هذا المبحث. ولا بد من التنبيه هنا الى ان هذا لا يعني ان الباحث لم يسبق في هذا المجال أو أن قضايا علاقة الدين والسياسي لم تبحث ولكن الفرق بين تناول الإشكال كإشكال جوهري يقف خلف القضية المطلوب بحثها وبين دراسته كمبحث ثانوي او تابع هو المقصود. من حيث المضمون توضح هذه النتيجة محور الجدل الدائر في المجتمعات العربية والاسلامية ذلك انها تثير: – إشكالية المرجعية التي تعود في المفهوم الحديث إلى الدولة بصفة مطلقة بحيث لا سلطة غير سلطة الدولة في التشريع وهو ما يتعارض مع مبدأ سلطة النص في الفكر السياسي الإسلامي ويثير سؤال وضع غير المسلم في الدولة الإسلامية. – إشكالية الولاء الذي يرتبط بالأمة في الفكر الإسلامي في حين يحصره الفكر الغربي الحديث في الدولة. وهي في نفس الوقت توضح مكامن الخلل التي يراها الباحث في:       سيطرة السلطة السياسية على الدين ومنعه من تكوين سلطة مستقلة سيادية، وليس العكس، وحولت الدين بالمناسبة إلى مدونة فقهية في خدمة الدولة. لذلك وجب البحث أولا عن كيفية فصل الدين عن الدولة وتحريره منها، وإجبار الدولة على الإستناد إلى شرعية وطنية حديثة بدل إستنادها إلى شرعية دينية منعتها من الانعتاق والتحول إلى دولة مواطنيها بالفعل وجعلتها دائما ميالة وقادرة على أن تعيد إنتاج نموذج الدولة السلطانية الأتوقراطية الممسكة بجميع موارد الشرعية الدينية والزمنية. ( وهذا وجه الجدة عن غيره من المقاربات التي ترى العكس) – إن العلمانية التي تتأسس عليها الحياة الاجتماعية داخل النموذج المواطني تعني النظر إلى الدولة كمؤسسة جامعة لا تميز بين مواطنيها حسب الاعتقادات، ولكنها لا تعادي أي عقيدة دينية أو لا دينية أيضاً. وهو ما يتطلب ضمان الحرية الفكرية والسياسية والمحافظة عليها حتى لا يفقد المفهوم شرعيته ويتحول إلى أداة لتسويق عقيدة سائدة. كما لا يمكن لهذه الفكرة أن تشكل عقيدة بحد ذاتها، ولكنها تشكل المبدأ الذي يكفل ممارسة العقائد جميعاً بقدر ما هو مؤسس لمفهوم الحرية الفكرية. بما يمكننا من القول ان كل محاولة لتحويل هذا المبدأ إلى هوية وعقيدة خاصة بديلة وفرضه كعقيدة دولة بدل العقيدة الدينية من شأنها أن تجعل الرهان على إنجاز مشروع اجتماع مدني مواطني رهانا خاسرا. ان ارتباط المواطنة بمفهوم الدولة الحديثة يفرض على الدولة – حلا لإشكالية المرجعية والولاء- أن لا تشتغل بأمور العقيدة، أي كل ما يتعلق بموضوعات الإيمان وما يشكل مسلمات إيمانية عند الناس، سواء أكانت مسلمات دينية أو عقلية لا دينية و أن تقتصر مهمتها على تحسين شروط حياة أعضائها، المادية والمعنوية، من جميع المذاهب والاعتقادات، والارتقاء بثقافتهم وتكوينهم العلمي والمهني. أما مناقشة العقائد وإقرارها فهي متروكة للجماعات المدنية نفسها تتنازع فيها على قاعدة الحرية الفكرية والاعتقادية والمساواة الكاملة والتنافس السلمي. هذه الحيادية الاعتقادية للدولة لا تكون إلا بإقرار الحرية الكاملة خارجها لجميع الأديان والمذاهب والعقائد، وأن الارتباط بين الدولة والدين يتطلب تعزيز استقلال السلطة الدينية من أجل حرمان الدولة والقائمين عليها من فرصة المناورة بشرعية دينية مصطنعة تعوض عن الشرعية الشعبية، وتغطي على انتهاك السيادة الشعبية الدائم والشامل وهذا يفترض تجديد النظام الديني ودمقرطة الدولة وتحويلها إلى دولة سياسية، وهذا ما يطلق عليه الباحث بالثورة المدنية التي يراها المدخل الرئيسي والوحيد لتجاوز الصعوبات التي نعيشها فيما يتعلق بمسألة جدل الدولة والدين، وتتمثل الثورة المدنية التي دعا إليها الباحث في تجاوز أهداف « الثورة السياسية ذاتها » التي أجهضت في الوطن العربي لأن الديمقراطية كثمرة لهذه الثورة أصبحت بحد ذاتها مؤسسة مستقلة « وليس هناك ما يمنع المجتمعات التي أجهضت ثورتها الوطنية أو لم تعرف مثل هذه الثورة ولم تنجح في تكوين علاقات الأمة والمواطنية الحقيقية من أن تبدأ تاريخها المدني الجديد من حيث انتهت المجتمعات التي حققت هذه الثورة، أعني من الدولة الديمقراطية والقانونية وهذا الحل يمهد للمصالحة بين الدين والدولة، بين غلاة التطرف من الجانبين، لنقل بين أصوليتين وصلتا حد المأزق والطريق المسدود، في تنظيرها لدولة الاستبداد التي عايشناها أو تلك المرتقبة، ممثلة بالدولة الدينية أو الدولة المستبدة العلمانية. يقول غليون: « يعتقد الإسلاميون أن قضية الشرعية مرتبطة بتطبيق القيم الدينية، باعتبار أن الحكم في النهاية لله وحده، ويعتقد العلمانيون أن الشرعية مستمدة من القيم الوطنية الحديثة وفي الحالتين ترتبط الشرعية بالعقيدة، باعتبارها التعبير عن الأهداف والقيم الاجتماعية السائدة. لكن ما يجمع النظرتين ويوجههما الواحدة معاً ضد الأخرى هو كونهما تنطلقان في الواقع من فرضية الدولة الاستبدادية، فلو انطلقنا من فرضية الدولة الديمقراطية لأدركنا أن مبدأ السيادة الشعبية قادر بنفسه على حل هذا التناقض الحقيقي في القيم، ذلك لأنه لا يهتم مسبقاً بالقيم والمعايير والأفكار التي ينبغي على هذه السيادة أن تلتزم بها، وإنما يحدد فقط الطريقة الإجرائية التي يمكنها أن تساعد الجماعة على الوصول إلى إجماع في موضوع هذه القيم والأفكار ». ولا يمكن تأسيس دولة ديمقراطية بالمحافظة على منظورات السلطة والقيادة والتنظيم والتسيير والتفكير القديمة، ولا من خلال إصلاحها وترميمها، وإنما عبر إعادة بناء هذه النظم أي المجتمعات على أسس جديدة تمكنها من الرد على التحديات التي كانت في أساس نشوء الأزمة. ومن هنا، يرتبط الخيار الديمقراطي بالعمل على دفع حركة التجديد والتغيير في الفكر والسياسة والمجتمع والأخلاق. ولأن المسألة لا تتعلق بعودة وإنما ببناء وضع جديد مختلف عن السابق، فهي تبدأ لا محالة وتشترط القيام بنقد الأسس التي قام عليها الوضع السابق المتهاوي. وإذا كنا لم ننجح في التقدم على طريق إعادة البناء هذا بعد، ولا نزال نعيش تفاقم الأزمة، فذلك لأننا لم نتقدم كثيرا على طريق تحقيق هذا النقد الاجتماعي التاريخي الذي يعني كشف أسباب فساد النظم السابقة وهشاشتها بقدر ما يعني بلورة نظرية ورؤية ايجابية للوضع الجديد المأمول وتبيان شروط وفرص إنتاجه في الواقع التاريخي. جملة النتائج السابقة تفتح المجال على بعض الأسئلة التي تحتاج الى مزيد التعمق والبحث خاصة اننا لامسناها ملامسة أولية كما ذكرنا ومن بين هذه الأسئلة سؤال ما إذا كان من الممكن للمجتمع الاسلامي والعربي أن يتطور نحو المواطنة؟ قد يعترض معترض بان جوهر البحث ونتائجه جواب هذا السؤال وهو اعتراض لا يخلو من وجاهة ولكنه يغفل أن البحث وان لامس هذا السؤال في بعض جوانبه فانه انطلق من مسلمة ان المواطنة هي النموذج الامثل للاجتماع المدني، وهي مسلمة تعترضها حقيقتين الأولى من داخل البحث الذي أكد أن المواطنة نتاج الشروط الاجتماعية والتاريخية التي تنتجها بما يجعلنا امام الاشكال التالي: هل يمكن ان تتوفر الشروط الاجتماعية والتاريخية داخل المجتمع الاسلامي لتحقيق اجتماع مدني بناء على المواطنة، وهل من الضروري ان تكون المواطنة هي النموذج الأمثل ؟ وهذا الإشكال الأخير يحيلنا على الحقيقة الثانية التي تعترض السؤال المطروح وهي تتعلق بما يشهده هذا المبحث في بلد المنشأ من تطور ذلك أنه ما إن يبدأ الفكر العربي في اقتباس مفهوم من المفاهيم من أوروبا حتى يبدأ ذلك المفهوم في فقدان بريقه وإجرائيته ودخول مرحلة شيخوخته في موطنه الأصلي، ليقوم بعده مفهوم جديد يخلفه يدفع بالمفهوم السابق إلى سلة « الماضي ». وهكذا يجد العرب أنفسهم يطلبون مستقبلاً لهم في « ماضي » ثقافة أوروبا، فتتوسع دائرة « التخلف » عندهم لتشمل ليس الحاضر فحسب، بل أيضاً البديل المستقبلي الذي يطلبون حسب محمد عابد الجابري. كثيرة هي الاسئلة التي يطرحها البحث في قضية المواطنة وحضور الديني والسياسي فيها داخل المجتمع الاسلامي نحسب ان البحث في مدونة كمدونة الباحث برهان غليون خطوة هامة في إطار مقاربة هذه الاشكاليات بما يسمح لنا بالخروج من حالة الجمود التي نحياها. هذا النص هو مقدمة رسالة الماجستير التي ناقشها مؤخرا الزميل سمير ساسي ونالها بملاحظة حسن جدا. وإننا في أقلام أون لاين إذ نهنئه على هذا الإنجاز فإننا نتمنى له مزيدا من النجاح والتوفيق في بقية مشواره العلمي وفي نشر أعماله البحثية والادبية
(المصدر: موقع أقلام اون لاين العدد الرابع والعشرون السنة السابعة/ أكتوبر – نوفمبر 2009)

في جذور مسألة الهوية لدى الحركة الوطنية التونسية


د. عدنان المنصر (*) لا يمكن التطرق لتطور مقاربة الهوية في تونس دون عودة إلى جذور الوطنية التونسية. ذلك أن طرح هذه المسألة إنما تم في خضم السعي لحماية مقومات الثقافة والانتماء الحضاري التونسي، بإزاء محاولات الاستعمار الفرنسي فسخ تلك المقومات أو الحط من شأنها. بالعودة إلى الثلاثينات من القرن الماضي تتضح لنا الأزمنة الحاسمة لطرح مسألة الهوية، والطريقة التي واجه بها الوطنيون، يتقدمهم بورقيبة بصفة خاصة، تلك المحاولات. كما أن العودة لمواطن الذاكرة تلك تمكننا من الولوج إلى تصور بورقيبة للهوية والانتماء الحضاري لتونس والتونسيين، ذلك التصور الذي سيحدد إلى درجة بعيدة طبيعة السياسة التي سينتهجها عندما سيتزعم دولة الاستقلال، وسيكون عليه أن يضبط خيارات الدولة الفتية إزاء المسألة الثقافية. وتمثل محاضرة السيدة المنشاري حول الحجاب والتي ألقتها في سنة 1929 على منبر جمعية التقدم نقطة مركزية في تعبئة الوطنيين حول القضية الثقافية، كذلك الشأن بالنسبة لقضية التجنيس في بداية الثلاثينات. ففي المناسبتين رأينا بورقيبة منتفضا ضد محاولات الفرنسيين إهانة الشخصية التونسية التي كانت تعيش خطر التفسخ أمام ثقافة فرنسية غازية. ففي رده على محاضرة السيدة المنشاري وعلى تدخل الزعيم الاشتراكي جواكيم دورال، رفض بورقيبة بشدة الأفكار التي سعت إلى اعتبار الحجاب خارجا عن مقومات الشخصية التونسية، تلك الشخصية التي أنكر الزعيم الاشتراكي وجودها أصلا، ورمزا من رموز تقهقر المرأة وتخلفها الاجتماعي. كتب بورقيبة في جريدة الرائد التونسي آنذاك مستنكرا : « هكذا إذا فإن وحدة التراب والاشتراك في المعتقد واللغة والعادات والماضي، والأفراح التي عشناها سوية والهزائم والإهانات التي عشناها معا أيضا، كل ذلك لا يمثل للسيد جواكيم دورال عاملا كافيا ينشئ بين أبناء هذه البلاد أي إحساس بالوحدة، وأية فكرة للوطن ». ذلك أن بورقيبة وإن تبنى تعريف الأمة بمفهومه الأكثر شيوعا، فإنه أعطى للتاريخ المشترك قيمة تضاهي القيمة التي تحتلها وحدة الاعتقاد واللغة والمجال، ذلك أن العيش المشترك يرسخ بين الناس نوعا من الوحدة التي تجعلهم يتصرفون كمجموعة متراصة إزاء كل ما يتهددهم. ويضيف ورقيبة « إن هذا التاريخ المشترك يخلق عادات، وأخلاقا وخاصيات تصوغ الشخصية المتفردة للمجموعة ». وهكذا فإن بورقيبة الذي كان في بداية مسيرته السياسية قد اعتبر الحجاب عنصرا من عناصر الشخصية التونسية وعادة تطورت عبر القرون إلى حد أن أصبحت مميزة للذاتية التونسية. انطلاقا من هذه النقطة تساءل بورقيبة أيضا عن جدوى الفكرة القائلة بأنه كلما تفسخت الشخصية التونسية كلما سهل ذلك إدماجها في البوتقة الثقافية الفرنسية، مستخلصا لا فقط أن ذلك غير ممكن، وإنما أيضا غير ضروري. كان الأمر في علاقة بالدعاية الاشتراكية والشيوعية التي تهدف إلى نشر فكرة أنه كلما تخلت الشعوب عن خصائصها الثقافية كلما كان ذلك جيدا لوحدة الإنسانية وتقريبا لنشأة المجتمع العادل الذي لا فرق فيه بين المجموعات إلا على أساس طبقي. ليس هنا مجال التأكيد على حدود التحليل المادي التاريخي للمسألة الثقافية، باعتبار أن الموضوع قد حظي بدراسات عديدة، ولكن علينا أن نشير إلى أن الطابع المحافظ لردة الفعل الوطنية تجاه خطر الإدماج والفرنسة، كان منطلقه موقف يسند إلى خصوصية الهوية وتفردها. غير أن بورقيبة كان يرى أن التقدم ليس مناقضا للمحافظة على مقومات الذاتية التونسية المتفردة، بل إن العكس هو ما سيؤسس لحالة من الإنبتات يفقد بموجها الشعب المدمج في الوقت نفسه خصوصيته وقدرته على متابعة السير، لذلك نجده يصرح بقوة أن « التطور ضروري، وإلا كان الموت. غير أنه يجب أن يكون تطورا سلسا، دون قطيعة، بالطريقة التي تحفظ لوجودنا المتفرد وحدته وبما يجعل تلك المميزات بارزة باستمرار في وعينا ». كان بورقيبة الشاعر بتلك الأخطار معبرا عن حالة من القلق العميق، التي كانت تجتاح قطاعات عريضة من التونسيين أمام ميل البعض إلى الحصول على الجنسية الفرنسية، بالتوازي مع الزحف الساحق للقيم الثقافية الفرنسية المهددة للذاتية التونسية في أدق مراحل وجودها. كان بورقيبة يبدو مسكونا بهاجس الاستمرارية وبرفض للذوبان في ثقافة الغازي لا ينقص من حدته إيمانه بأن التطور بالانفتاح على مكاسب الحضارات الأخرى هو الشرط الحقيقي للاستمرارية. غير أنه في الآن نفسه انفتاح إرادي لا يجب أن يعني أية قطيعة أو تمزق تمليه الثقافة الغازية. كان الأمر يتعلق في نظره بنوع من الاندماج الإرادي السلس والتدريجي في قيم العصر، مثلما كان الأمر باستمرار عبر تاريخ البلاد التونسية. ما هي مكانة الدين في خطاب بورقيبة حول الحجاب؟ لقد أكد مهاجمو بورقيبة باستمرار على استخدام الزعيم للخطاب الديني، ونحن نعتقد أن هذا البعد حاضر دون أدنى شك في خطابه حول الهوية، ولكنه ربما لم يكن البعد الأهم. فإذا كانت جملة من الاعتبارات المتأخرة (اللاحقة) قد أعطت لمسألة الحجاب أهمية أكثر من التي كانت تميزه، فإن الخوف من السقوط في هوة اللاتاريخية يمنعنا من اعتبار البعد الديني أهم أبعاد قضية الحجاب عندما طرحت في ثلاثينات القرن العشرين. ذلك أن مقاربة بورقيبة للمسألة بوصفها مقاربة ثقافية وهوياتية identitaire بامتياز كانت تولي القيمة الأساسية للجانب الاجتماعي والسياسي حتى وإن لم تنكر حضور الاعتبار الديني. هناك دليل على ذلك نجده في تصدي بورقيبة، في كتابات لاحقة، لمسألة الدفاع عن حمل التلاميذ التونسيين للشاشية. فقد نشر بورقيبة في 1933 مقالا رد فيه على الإجراءات التي اتخذتها إدارة المعهد العلوي بمنع التلاميذ التونسيين من ارتداء غطاء الرأس التقليدي. في هذا المقال يركز بورقيبة على نقطة أساسية، وهي أن الرمز الثقافي ليس له نفس المعنى من فضاء حضاري إلى آخر، فإذا كان الفرنسيون يرون في بقاء الرأس مغطى دلالة على عدم الاحترام، فإن العكس تماما هو ما يفهم من تعرية الرأس في الثقافة التونسية، من هنا انطلق بورقية لإدانة ذلك « الهوس بجعل المجموعات المختلفة ثقافيا وتاريخيا، والتي يتميز كل منها بعادات وتقاليد متمايزة، كتلة واحدة متجانسة: تلك أكبر إهانة يمكن أن توجه لكرامتنا ». وهكذا ففي حين أن خطابه في الرد على مهاجمي الحجاب اتسم بنوع من الهدوء فإنه اتخذ هذه المرة طابعا حادا، وهو أمر لا يمكن فهمه بمعزل عن الظرفية المتفجرة لبداية الثلاثينات في العلاقة بالمؤتمر الأفخارستي وبمسألة التجنيس، والتي أدت لاحقا إلى اضطرابات دامية، ثم إلى ظهور جناح متشدد داخل الحركة الدستورية تجسم في انشقاق مارس 1934. كانت كل تلك المسائل تقترب من الحقل الديني وهو أمر لم يخفف من الشعور بحدته أي مسعى جدي من قبل الدعاية الرسمية. وقد بقي بورقيبة كغيره من التونسيين حساسا لما بدا كعمل منسق لإهانة معتقدات التونسيين، والحط من كرامتهم الحضارية، منذ ما قبل هذه الفترة وبالخصوص منذ 1925 عندما وقع نصب تمثال الكاردينال لافيجري في مواجهة المدينة العتيقة، موليا وجهه شطره جامع الزيتونة وحاملا في يده الصليب. ورغم أن بورقيبة كان إبان تلك الأحداث لا يزال مشغولا بدراسته، أو بتركيز نشاطه المهني، فلا شك أنه كان لها بالغ الأثر على نفسيته وعلى التزامه الوطني، بل وعلى صياغة الوعي الوطني بحماية الهوية الثقافية للبلاد، والتصدي لإهانة العامل الأكثر حيوية فيها، وهو الشعور الديني. كان شعور الإهانة شديد الحضور في خطابات الزعيم الذي جعل منه عنصرا لتهييج الشعور الوطني. فقد أحسن الرجل استغلال « الهفوات » الفرنسية، وحول الشعور الديني من مجرد مكون ضمن مكونات الهوية المدافع عنها، إلى محرك أساسي للشعور والعمل الوطنيين. هناك زمن قوي آخر لرد الفعل المنطلق من اعتبارات الهوية حيث سينجح الزعيم في الحصول على خلطة متفجرة من الشعور الديني والوعي الوطني، وهو أمر تجسم إبان التصدي لقضية التجنيس. يجب التوضيح هنا أنه إذا كانت أول بادرة لإدانة التجنيس من منطلق الاعتبارات الدينية قد صدرت عن مفتي بنزرت (الشيخ إدريس)، وليس عن الوطنيين، فإن سلطات الحماية هي من أقحم الهاجس الديني في هذه المسألة بالتوجه بطلب فتوى المجلس الشرعي في المسألة. سيكون للمسألة انعكاسات خطيرة، حيث أنه باستعانتها بالجهاز الديني الرسمي فإن السلطات كانت قد أعطت الوطنية الفرصة التاريخية لإقحام قرار سياسي في معترك الجدل الديني، في ظرفية شديدة التأزم اقتصاديا واجتماعيا، وهو ما سيؤدي إلى بداية مسار التحرر الشامل طريقة النهائية. ما يهمنا بالأساس هنا هو اندماج بورقيبة في الجدل الديني، حيث كتب محتجا على فتوى المجلس الشرعي، التي فصلت بين الجانب الديني والجانب السياسي للمسألة: « إن الإسلام كل لا يتجزأ يؤخذ كله أو يترك كله، ولا يمكن أبدا حصره في العبادات أو النطق بالشهادتين… أليس من العبث أن الإسلام الذي صمد أمام كل الأحداث واحتفظ بهيبته وحيويته كاملتين عبر القرون يمكن أن يسمح، اعتمادا على أمل الغفران، بالخيانات ». لقد نعت بورقية المتجنسين « بالمرتدين » الذين بهروبهم من وضعيتهم كتونسيين « يفلتون من القضاء الشرعي الإسلامي ومن قانون الرسول ». يبدو هذا الخطاب جديرا بفقيه متشدد، لكنه صدر عن سياسي تزعم النضال الوطني وآمن بحساسية الشعور الديني كمنبع رئيسي للحماس الوطني. مع ذلك فقد ظلت مقاربة بورقيبة ثقافية بالأساس حيث بدا وكأنه يواصل السجال مع الاشتراكيين من حيث توقف في 1929: « طالما استمر الوضع الاستعماري، فإن من حق المقهورين، ومن واجبهم، الدفاع بكل ما أوتوا من قوة ضد التفتت والتفسخ والموت. من حقهم، ومن واجبهم أيضا، حماية وجودهم بالتصدي لهروب البعض وخيانة البعض الآخر، من حقهم، ومن واجبهم، أن يحموا ذاتيتهم الوطنية والدينية ضد تعديات المحتل الأجنبي ». وهكذا فإن بورقيبة كان يقارب مسألة الكفاح الوطني بالخصوص كصراع من أجل حماية الهوية التونسية. ومن الطبيعي هنا أن الكفاح من أجل استعادة السيادة الوطنية كان يمر حتما باستعادة الكرامة المهدورة لشعب يرفض الذوبان في ثقافة الغازي. كان الأمر يتعلق بنوع من الغريزة التي تدفع بكائن حي للدفاع عن وجوده المهدد باستعمال كل متاح لديه، وبالأخص السلاح الذي كان يضمن تكتيل المستعبدين وتوحيدهم واستعصائهم عن الابتلاع. مؤرخ من تونس (*)
(المصدر: موقع أقلام اون لاين العدد الرابع والعشرون السنة السابعة/ أكتوبر – نوفمبر 2009)

تاريخ الزمن الحاضر التونسي أي آفاق بحثية؟

عادل الثابتي « إن مجتمعنا يطمح للتمكّن من تاريخ للزمن الحاضر » روني ريمون (مؤرخ فرنسي) أثارت شهادة أحمد التليسي على منبر مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بتونس، خلال شهر جويلية/تموز الماضي، وهو أحد المشاركين في المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي خلال خمسينيات القرن الماضي، وهو في نفس الوقت أحد مديري أشهر معتقل نُصب لتصفية المعارضة اليوسفية، ألا وهو المحلّ المعروف بصبّاط الظلام، العديد من التساؤلات. كما أثارت العديد من الردود والاحتجاجات، وصل بعضها إلى درجة المطالبة بإحالة التليسي على المحكمة بتهمة التعذيب، وهي جريمة لا تسقط بالتقادم(1). وتعرض التليسي، الذي ارتبك بعد ارتفاع الأصوات المنادية بمحاكمته، إلى ضغوط كبيرة من العديد من الجهات، التي يبدو أنها تخشى أن يكشف تواصل الإدلاء بشهادته عن تورطها في قضايا تحرص هذه الأطراف على أن تبقى طي النسيان. هذا الارتباك وهذه الضغوط أفضت في النهاية إلى إلغاء حصة ثالثة من الاستماع إلى شهادة أحمد التليسي، كان الدكتور التميمي مدير مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات قد وعد بها رواد مؤسسته في نهاية حصة الاستماع الثانية. ولكن بقطع النظر عن هذه الحيثيات وما صاحبها من احتجاج بعض الحقوقيين على « السماح لجلاد بالحديث كشاهد على تاريخ البلاد »، وردود الدكتور التميمي، الذي دافع عن دور مؤسسته في كشف حقيقة ما خفي من تاريخ الزمن الحاضر التونسي، فإن شهادة التليسي وغيرها من الشهادات، التي تداول على الإدلاء بها على منبر مؤسسة التميمي عشرات من الوزراء السابقين وكبار الموظفين السابقين، وأيضا العديد من المعارضين للنظام البورقيبي، تحيلنا إلى أسئلة معرفية هامة حول تاريخ الزمن الحاضر التونسي. هل يبقى هذا التاريخ رهين شهادات يدلي بها البعض على منبر هذه المؤسسة العلمية الخاصة؟ وهل تكفي هذه الشهادات لتكوِّن رصيدا معلوماتيا يستعمله المؤرخون للوصول إلى الحقيقة التاريخية في ما يتعلق بتاريخ دولة الاستقلال، أم إنّ الباحثين يجب أن يرفعوا أصواتهم للمطالبة بالإفراج عن الأرشيف العمومي، الذي لا يزال مغلقا أمامهم(2). وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة يجب أولا البحث في مدى إمكانية إنجاز بحوث في تاريخ الزمن الحاضر، فهل فعلا ثمة إمكانية لإنجاز بحوث حول هذا الاختصاص؟ وأي إمكان للحديث عن تاريخ للزمن الحاضر؟ لا شك أن عمل المؤرخ ظل يعتمد على المصادر الأرشيفية بدرجة أولى، وهي التي حددت المدرسة الوضعية طرق وآليات التعامل معها. وظلت هذه المدرسة تُقدِّس الوثيقة، وتتوجه أساسا إلى التاريخ السياسي كتاريخ السلالات الحاكمة، وتاريخ المعارك الكبرى، إلى أن جاءت مدرسة الحوليات الفرنسية خلال عشرينات القرن الماضي، وفتحت آفاقا جديدة للبحث التاريخي، متعلقا بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية. ولكن المصادر الأرشيفية ظلت أداة أساسية من أدوات بحث المؤرخ. هذا من جهة ومن جهة أخرى ظل الابتعاد عن الأحداث الساخنة والآنية ميزة البحث التاريخي، إلى حدود الحرب العالمية الثانية. بعد هذه الحرب، طُرِحت، خاصة في فرنسا، عدة أسئلة حول المقاومة وحول حكومة فيشي، التي تعاونت مع المحتل النازي، وغيرهما من المواضيع المتعلقة بوضع فرنسا خلال تلك الحرب، وأنشئت لهذا الغرض لجنة بحثية سميت « لجنة تاريخ الحرب العالمية الثانية ». وتواصل الجدل بين المؤرخين الفرنسيين حول مدى علمية الحديث عن تاريخ للزمن الحاضر، وخاصة بعد تأسيس معهد تاريخ الزمن الحاضر (I.H.T.P) سنة 1980، وامتد مجال بحث تاريخ الزمن الحاضر من سنة 1939 (سنة اندلاع الحرب العالمية الثانية) إلى أيامنا هذه. تحجّج الرافضون لاختصاص تاريخ الزمن الحاضر بغياب الأرشيف. ولكن المدافعين عن هذا الاختصاص بينوا قصور الوثيقة عن الوصول إلى الحقيقة، التي تبقى دائما رهينة توفّر عدة عوامل ليست حكرا على الأرشيف. وبيّن أحد المختصين أن تقريرين لعميلين لجهاز البوليس السري حول اجتماع واحد بإمكانهما أن يكونا غير متماثلين(3). كما بيّن باحثون آخرون أن ندرة الأرشيف هي مشكلة تتقاسمها كل الاختصاصات التاريخية، بما فيها اختصاصات التاريخ القديم والتاريخ الوسيط والتاريخ الحديث(4)، وانتبه الباحثون في تاريخ الزمن الحاضر إلى أهم مصدر من مصادر هذا التاريخ، ألا وهو الشهادات الشفوية، ذلك أن هذا التاريخ كما يقول المؤرخ الفرنسي مارك بلوك هو « تاريخ ينجز بحضور الشهود »، ولكن هذا – طبعا- لا ينفي وجود المزالق والمتاهات، مما يفرض حذر المؤرخ ويقظته، فالذاكرة دائما انتقائية بصفة إرادية أو لا إرادية(5). ولكن رغم هذه المحاذير فإن الاتجاه الغالب اليوم لدى المؤرخين يذهب إلى إمكان البحث في مواضيع تاريخ الزمن الحاضر، بل إن بعضهم يعتبر ذلك مطلبا اجتماعيا(6). أسئلة حول تاريخ دولة الاستقلال التونسية تنتظر الإجابة:  كما أسلفنا القول أيقظت ندوات مؤسسة التميمي للذاكرة الوطنية الأسبوعية أو كما يحلو للدكتور التميمي تسميتها بـ »سمينارات الذاكرة الوطنية »، الأسئلة النائمة أو المحرّم تداولها سابقا حول العديد من الأحداث، التي شهدتها البلاد، خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. ومسّت بعض الحلقات أحداثا قريبة منا، دارت خلال تسعينيات القرن الماضي. ولم يقتصر النبش في ملفات تاريخ الزمن الحاضر التونسي على مؤسسة التميمي، بل كُتِبت بعد نوفمبر 1987 العديد من المذكرات، أغلبها لمسؤولين سابقين في الدولة، نذكر على سبيل المثال مذكرات الطاهر بلخوجة وزير الداخلية الأسبق في عهد بورقيبة، ومذكرات محمد مزالي الوزير الأول الأسبق، ومذكرات الباجي قائد السبسي وزير الخارجية الأسبق. وخلال هذه المذكرات لئن اعترف البعض بقليل من التجاوزات، التي حدثت، فإنهم حاولوا التملص من المسؤولية، وإظهار توقهم للديمقراطية، ودفاعهم عنها خلال توليهم للمسؤولية. كما إن العديد من الأحداث لم تقع دراستها دراسة علمية، وهي أحداث كثيرة، ولا يزال المجتمع بصدد البحث عن أجوبة عنها. إذ إلى حد الآن لا يتم إلا تناول الرواية الرسمية لها. ومن هذه الأحداث أحداث الخلاف البورقيبي اليوسفي، وأحداث القيروان في جانفي/كانون الثاني 1961، فالمتهم الرئيسي فيها المرحوم الشيخ عبد الرحمان خليف مات ولم يتحدث عمّا حصل له خلال تلك الأحداث(7)، وأحداث ما سمي بالمؤامرة سنة 1962، وكذلك سنوات الصراع بين بورقيبة واليسار الماركسي، وأحداث الأزمة بين الدولة والاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1978، وانتخابات 1981 التشريعية وما رافقها من تزوير، وكذلك تاريخ الحركة الطلابية التونسية. كل هذه الأحداث ينتظر المجتمع إجابات عنها. والهدف من هذه الإجابات ليس قضائيا كما ذهب إلى ذلك الأستاذ محمد رضا الأجهوري في تعقيبه على شهادة أحمد التليسي، بل هو هدف مزوج المقصد: أخلاقي ومعرفي. الهدف الأخلاقي يتمثل في واجب الذاكرة وإنصاف الضحايا، أو ما اعتبره بول ريكور « دينا تجاه من نسيهم التاريخ، ضحايا التاريخ »(8)، ودعوة الدولة الحديثة، دولة الاستقلال إلى الاعتذار للضحايا، إثر الجدل الذي أثارته شهادة أحمد التليسي أحد مشرفي مخفر « صباط الظلام »، الذي عُذِّب فيه اليوسفيون زمن الخلاف البورقيبي اليوسفي على منبر مؤسسة التميمي يومي 4 و11 جويلية/تموز 2009(9). أما الهدف المعرفي العلمي فهو يتمثل في ضرورة دراسة تاريخ الزمن الحاضر التونسي دراسة علمية، تخرج به من ملاحقة « بعض قدامى السياسيين والصحافيين و »المشاركين » وغيرهم من المتطفلين على هذا التاريخ »(10) إلى الدراسة التاريخية، التي تخضع إلى منهجية علمية صارمة. تاريخ الزمن الحاضر التونسي: مهمة الخواص أم مسؤولية مؤسسات الدولة؟ لا بد من الإشارة إلى أن معهد تاريخ الحركة الوطنية حسب القانون المؤسس له لا تتجاوز فترة اهتمامه بداية الستينيات، أي فترة خروج آخر فلول الاستعمار الفرنسي. وكما أسلفنا القول تكفلت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بجمع الشهادات الشفوية، التي لا ترتقي إلى أن تكون تاريخا للزمن الحاضر التونسي، بل قاعدة بيانات لا تعدو أن تكون مادة خاما للبحث، تجتاح إلى باحثين متمرّسين لاستثمارها وتسليط الأضواء على العديد من الزوايا المظلمة في تاريخ تونس ما بعد الاستعمار، والإمكانيات المادية لتلك المؤسسة هي بلا أدنى شك دون أن تكفي لانتداب باحثين، تكون لهم القدرة على استعمال وسائل أخرى للبحث، ويعودون إلى الأرشيف الصحفي، الذي يبقى هو أيضا من أهم أدوات عمل مؤرخ الزمن الحاضر(11). لقد حان الوقت حسب رأينا لتأسيس معهد لتاريخ الزمن الحاضر التونسي، له استقلالية أكاديمية ومالية، يسعى الباحثون فيه إلى محاولة الإجابة العلمية عن كل الأسئلة المطروحة حول هذه الفترة من تاريخ البلاد. إن رفع هذا المطلب لا يحجب عنا أبدا أن إشكاليات تاريخ الزمن الحاضر في البلدان التي تغيب فيها تقاليد الحوار الديمقراطي، هي إشكالية صعوبة تقبّل الدولة الفتية نتائج هذه البحوث، بحكم أنها « لم تكتسب بعد القدرة على مكاشفة ومحاسبة نفسها، ونقد ذاتها، وتحمل وطأة الاعتراف بنقاط ضعفها… »(12). ولكن هذه الصعوبات لن تكون عائقا أما سعي الباحثين إلى تحقيقه، و »مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة ». الهوامش طلب الأستاذ محمد رضا الأجهوري وهو محام وأستاذ قانون بالجامعة التونسية  1  الوطنية ،المجلة التاريخية المغاربية عدد 130،مارس 2008 منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات،تونس أفريل 2008 ص 8/9  2 Prost (Antoine), « Histoire du temps présent et enseignement », Historiens et géographes, Paris , N°287 ,décembre 1981, p447  3 حمزة (حسين رؤوف)،مقدمة كتاب عدنان منصر، دولة بورقيبة. فصول في الايدولوجيا والممارسة 1956- 1970 )، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة،الطبعة الأولى 2004، ص 10  4 Ricœur (Paul).(Remarque d’un philosophe) in Ecrire l’histoire du temps présent en hommage à François Bédarida, actes du journée d’étude de Institut d’Histoire du Temps Présentle 14 mai1992 ;édition CNRS , Paris 1993 ;p 36  5 Remond (René), Pourqoi notre société veut-elle une hitoire du temps présent ? in Ecrire l’histoire du temps présent en hommage à François Bédarida, actes du journée d’étude de Institut d’Histoire du Temps Présent le 14 mai1992 ;édition CNRS , Paris 1993 p423  6 الحماص (محمد) تداعيات مظاهرة جانفي 1961 بالقيروان، المجلة التاريخة المغاربية عدد 114،جانفي 2004 منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات زغوان ص70  7 ريكور (بول)، ريكور والسرد (ندوة )، الوجود والزمان والسرد.فلسفة بول ريكور،جماعي، تحرير ديفيد وورد،ترجمة وتقديم سعيد الغانمين الطبعة الأولى 1999،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء /بيروت،ص246  8 حوار المؤرخ عبد الجليل التميمي مع وكالة القدس براس وجريدة مواطنون،مواطنون عدد 115 -22 جويلية 2009  9 حمزة (حسين رؤوف)،مقدمة كتاب عدنان منصر، دولة بورقيبة. فصول في الايدولوجيا والممارسة 1956- 1970 )، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة الطبعة الأولى 2004  10 Prost (Antoine) ( Histoire du temps présent et enseignement)…op.cit p 447  11 حمزة (حسين رؤوف)،مقدمة كتاب عدنان منصر، دولة بورقيبة…. مرجع مذكور سابقا، ص 12 12
(المصدر: موقع أقلام اون لاين العدد الرابع والعشرون السنة السابعة/ أكتوبر – نوفمبر 2009)

العلامة محمّد الطاهر ابن عاشور دوحة فارعة في التفسير والمقاصد

الصحبي عتيق  قال فيه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: « رجل القرآن الكريم وإمام الثقافة الإسلامية المعاصرة… أقرأ كلماته في التحرير والتنوير فأستغرب لأنه وطأ كلمات مستغربة وجعلها مألوفة، وحرّر الجملة العربيّة من بعض الخباث الذي أصابها أيّام انحدار الأدب في عصوره الأخيرة، ولكن الرّجل لم يلق حظه…ابن عاشور لا يمثل صورة من اللحم و الدّم ، وإنّما يمثّل تراثا أدبيّا علميا عقائديا أخلاقيا » (ملتقى بن عاشور، مجلة الوعي الإسلامي – العدد 18 أفريل 1986 – سنة 11 ص44). ينحدر العلامة محمد الطاهر ابن عاشور من أسرة أندلسيّة انتقلت إلى « سلا » ببلاد المغرب ثم استقرّت بتونس. وُلد ابن عاشور بضاحية المرسى من أحواز تونس الشمالية في جمادي الأولى 1296هـ/ سبتمبر 1879م ومنذ ولادته كفله جدّه للأم الوزير محمّد العزيز بوعتور، ولما بلغ السادسة من العمر بدأ تعلم القراءة وحفظ القرآن في المنزل وهذه عادة أمثاله المنحدرين من العائلات العلمية والثرية بالبلاد التونسيّة آنذاك إذ إن جدَّه الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور  كان عالما وتقلد مناصب كبيرة كالإفتاء والقضاء والتدريس والإشراف على الأوقاف الخيرية، وجده للأم الوزير محمد العزيز بوعتور. ونشأ الشيخ ابن عاشور في وسط علمي إذ إنه تعلم اللغة الفرنسية  -وهذا لا يُتاح لكلّ الناس وقتئذ – وقد ظهرت عليه علامات الذكاء وزادت هذه المواهب في البروز لما دخل جامع الزيتونة الأعظم ونهل من هذا المعين الثري بالإضافة إلى وسطه العائلي ما جعله يحرز على شهادة التطويع بسهولة. وقد اكتسب ابن عاشور ثقافة موسوعيّة شملت التفسير والحديث والقراءات والبيان واللغة والتاريخ والمنطق والعروض، فقد تعلم وتفقه على أيدي علماء مشهود لهم بالاطلاع والثقافة من أشهرهم: الشيخ سالم بوحاجب والشيخ عمر بن الشيخ والشيخ محمد النجار والشيخ محمد النخلي. وقد تأثر الشيخ ابن عاشور بآراء الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية وخاصة في مجال التربية والتعليم والإصلاح الاجتماعي الهادئ. كُلف الإمام ابن عاشور سنة 1932م بخطة شيخ الجامع الأعظم بتونس وفروعه، فأعطى التعليم الزيتوني دفعا قويا في اتجاه إصلاح التعليم وتعميمه بكامل البلاد التونسية. وقد ركز جهوده على النهوض بالتعليم الزيتوني فاعتنى بالكتب الدراسية وأساليب التدريس. ويمكن أن نستخلص أهم آرائه الإصلاحية في التعليم من خلال خطبته في شهر رمضان من سنة 1945م وقد ركّز على الجوانب التالية: – الاعتناء بالقرآن والسنّة – النّهي عن التعسير والتنفير والقول بدون عمل. – تجنّب الاختصار فيقول « طريقة المختصرات والحواشي أدّت بنور الهداية إلى التلاشي ». وينقل عن ابن خلدون رأيه في أن كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم مُخلّة بالتعليم. – ضرورة تعلم العلوم العصرية. – نبذ التقليد والجمود. – اجتناب طريقة المتون والحواشي في سنوات التعليم الأولى. – يدعو إلى اعتماد القواعد الحديثة في البيداغوجيا والكتابة العصرية، ويدعو إلى التأليف والكتابة لاستبدال كتب كثيرة كانت معتمدة في التدريس منذ أمد بعيد. – الاعتناء بعلم الأخلاق وتدريسه دراسة علمية. – تعلم اللغات الأجنبية ويعتبر ذلك فرضا في الدين. ولقد شغل التعليم حيزا هامّا من نشاط الشيخ ابن عاشور فبذل جهدا كبيرا في الكتابة، ويمكن أن نلاحظ ذلك من خلال كثرة تآليفه وتنوعها في العلوم الإسلامية: – يعد تفسير القرآن الموسوم بـ » التحرير والتنوير »، وهو أهم تأليف له. وقد قضى خمسين سنة في تأليفه. وقد صدر منه في حياته عشرة أجزاء ثم طبع بأكمله في 15 مجلدا سنة 1984م. – مقاصد الشريعة الإسلامية: وهذا الكتاب كان ولا يزال محورا لأطروحات علمية خاصّة في تونس والمغرب، فلم يقتصر ابن عاشور على إبراز أصالة المقاصد عند الشاطبي بل تعدّى ذلك إلى محاولة الدفع بالكتابة في مبحث المقاصد في الوجهة التي يقتضيها التطوّر، وحاول الارتقاء بالمقاصد ليكون علما في إطار نظري مترابط. – أصول النظام الاجتماعي في الإسلام. – أليس الصبح بقريب. – الوقف وأثره في الإسلام. – كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ. – حواشي على التنقيح لشهاب الدين القرافي. – ردّ على كتاب »الإسلام وأصول الحكم » تأليف علي عبد الرّازق. – التوضيح والتصحيح في أصول الفقه . – النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح. – تعليق وتحقيق على شرح حديث أم زرع المروي في الصحيح. – آمالي على مختصر خليل. – أصول التقدم في الإسلام. – أصول الإنشاء والخطابة. – موجز البلاغة. – شرح قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلق. – تحقيق ديوان بشار. – الواضح في مشكلات المتنبي . – سرقات المتنبي. – شرح ديوان الحماسة لأبي تمام. – ديوان النابغة الذبياني (جمع وشرح وتعليق). إن المتأمل في هذه العناوين يشهد لهذا العلامة بسعة الاطلاع والضّلاعة في العلوم الشرعية واللغوية، بل يندر أن نجد في عصرنا من يمتلك هذه الثقافة الموسوعية. وإذا عرفنا إلى جانب هذه المهام والأنشطة التي كان يضطلع بها الشيخ ابن عاشور فلا يسعنا إلا أن نكبر في هذا الرجل همّته ومكانته الكبيرة في مصاف علماء الأمة الإسلامية. ولعلّ منشأ هذا التميّز هو خصائص مؤلّفاته التي تتمثل في: الاعتداد بالنفس والانتقاد المنهجي والمضموني للعلماء السابقين وسجالاته العلمية معهم. منهج الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في التفسير  نقد ابن عاشور للتفسير: لقد احتلّ التفسير مكان الصدارة في العلوم الإسلامية لشدّة اهتمام العلماء بالقرآن الكريم درسا وتفسيرا. كما إن المتتبّع لهذه التآليف التفسيريّة يمكنه أن يستخلص أهم الاتجاهات، التي عرفتها مسيرة التفاعل مع الوحي عبر تاريخ الفكر الإسلامي. ولئن مثلت هذه المصنفات – على كثرتها – ثروة هامّة في البناء الثقافي للأمّة، فإنها لا تعدو أن تكون جهدا بشريا يعبّر عن قراءة تحتاج إلى المراجعة والنقد. يقول ابن عاشور: « التفاسير وإن كانت كثيرة فإنك لا تجد الكثير منها إلاَّ عالة على كلام سابق، بحيث لا حظّ لمؤلّفه إلاّ الجمع على تفاوت بين اختصار وتطويل ». يرى الإمام ابن عاشور أنّ العوامل التي ساهمت في تضييق دائرة التفسير هي: – الولع بالنقل في التفسير، في حين يقول السلف « إنه لا تنقضي عجائبه ولا تنفد معانيه »، كما ساد اتقاء الرأي لتوهّم الخروج عن المدلولات السليمة والصحيحة للقرآن، والإمام تعرّض لهذه المسألة في المقدّمة الثانية، ورأى جواز التفسير بمعان تقتضيها العلوم، التي يستمدّ منها علم التفسير. – المبالغة في عدّ أسباب النزول وتوقيف التفسير عليها، ذلك أنّ التوسّع في تفسير الآيات في حدود مناسبات النزول يضيق المعاني المطلقة والمقاصد الخالدة للوحي. – الاقتصار على ما يؤثر من استنباط القدامى. – الضّعف في علوم يظنّونها بعيدة عن القرآن وهي ضرورية لفهم القرآن والواقع مثل التاريخ وعلم الاجتماع وتاريخ الأديان والعلوم السياسية. – خروج بعض التفاسير عن ذكر العلوم التي لها صلة بفهم الآية إلى الإطناب والتوسع الذي تتقلص فيه دائرة التفسير. – الانحراف الذي مس التفسير، وهي من ابتداع غلاة الشيعة والباطنيّة. منهجه العام في التفسير: بعد أن بيّن الإمام ابن عاشور أنّ علم التفسير أصابه العقم والجفاف، وانتهى إلى شروح وهوامش لم تضف إليه جديدا، ولكي يساهم التفسير في الإضافة منهجا ومحصولا، يرى تأسيس الجهد التفسيري على القواعد التالية: – تفسير التراكيب القرآنية جرْيا على معاني الكلمات القرآنية بحسب استعمال اللغة العربية. – أخذ المعاني من دلالة الألفاظ والتراكيب وخواصّ البلاغة. – استخلاص المعاني المدوّلة منها بدلالات المطابقة والتضمن والالتزام، مما يسمح به النظم البليغ ولو تعددت المحامل. – نقل ما يؤثر عن أيمّة المفسرين من السلف والخلف ممّا ليس مجافيا للأصول والعربية. – تجنّب الاستطراد والاندفاع في أغراض ليست من مضادّات تراكيب القرآن فتُجعل الآية منافذ لأغراض دعائيّة أو مذهبيّة أو حزبيّة، حتى تصير الآية القرآنية بمنزلة عناوين لمقالات صحفيّة. – عدم الاقتصار على تبيين المعنى، بحيث يصير التفسير بمنزلة ترجمة كلام من لغة إلى لغة أخرى. أدواته في التفسير: الأدوات المعتمدة في التفسير هي أهم المصادر، التي يُستمدّ منها التفسير ويتوقّف عليها وتمثّل المقوّمات أو اللّوازم الأساسية لعلم التفسير، وهي ما لا يمكن الاستغناء عنه في مهمّة التفسير، ولا يعدّ منها ما كان من التوسّع الحاصل من إفاضات المفسّرين مما اكتسبوه من علوم عصرهم وتفاوت ثقافاتهم الخاصة واهتماماتهم الشخصية. فإذا نظرنا إلى اتجاهات التفسير نجد اختلافا وتنوّعا بحسب ثقافة المفسّر وأفقه العقلي، وبحسب مشاكل عصره، فتسلط الأضواء على نواحي أكثر من أخرى بحسب الواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي، وما يفرضه من بحث وإجابة كالتفسير في ضوء العقيدة، والتفسير في ضوء التصوف والفرق الدينية والمنهج البياني/ والتفسير ذي المنحى الإصلاحي أو المنهج الحركي في التفسير. ويرى الإمام ابن عاشور أنّ التفسير يعتمد الأسس التالية: – اللغة العربية: يفسّر الشيخ القرآن الكريم طبقا لقواعد اللغة العربيّة وأساليب استعمالاتها ومقاصد العرب من كلامهم وأدب لغتهم. والمقصود بقواعد العربيّة هي مجموع علوم اللسان العربي، وهي متن اللغة والتصريف والنّحو والمعاني والبيان والاستعمالات المتبعة في أساليب الشعر والخطابة والتراكيب، وكل ما تسمح به اللغة العربية، منطوقا أو مفهوما أو مجازا أو تمثيلا. ويشير الشيخ ابن عاشور إلى ما وراء قواعد العربية من أساليب العرب في الخطب والأمثال وخاصة الشعر كالمعلقات. وقد جلب آراء كبار اللغويين كالسكاكي والشيخ عبد القاهر الجرجاني والإمام الزمخشري الذي يقول: « وكم من آية من آيات التنزيل وحديث من أحاديث الرسول قد ضيم وسيم الخسف بالتأويلات الغثة والوجوه الرثة لأن من تأوّلها ليس من هذا العلم (العربية) في عير ولا نفير ولا يعرف قبيلا منه من دبير ». – الآثــار: وتشتمل على مبهمات القرآن والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وما أجمعت عليه الأمة في التفسير. – أصول الفقه: ويشتمل علم أصول الفقه على قواعد تفسير النصوص فيكون بذلك مادة للتفسير، فهو يتضمن القواعد التي يستعان بها على فهم الأحكام واستخراجها من مصادرها، بطرق الاستنباط المتعددة، فيكون آلة للمفسر في استخراج المعاني الشرعية من الآيات القرآنية، باعتبارها المصادر الأولى والأساسيّة للتشريع والأدلة، لذلك عدّه الإمام ابن عاشور من أدوات التفسير. وهو لا يَعدّ علم الكلام ولا الفقه من أدوات التفسير بناء على أن فهم القرآن لا يتوقّف عليهما، وإنّما يحتاج إليهما عند التوسّع في التفسير، كما إنّه لا يعدّ القراءات من لوازم التفسير بل من الشواهد اللغويّة، فترجع إلى اللغة العربية، ولا يحتاج المفسّر لها إلاّ عند الترجيح لأحد المعاني فليست أداة قائمة بذاتها. إن ابن عاشور في تفسيره « التحرير والتنوير » نحا منحى المدرسة البيانيّة البلاغية، التي تقوم على البيان والمعاني والبديع والوقوف على النكت البلاغية، إلى جانب اعتماده اللغة من نحو وصرف وشعر وبلاغة، فسّر القرآن بالقرآن وبالسنة، واعتمد أوجه القراءات وأسباب النزول، ونقل عن الصحابة والتابعين والأئمة، واهتم بالجوانب الفقهية عند تناول آيات الأحكام، وزاوج بين الرواية والدراية، مما يجعل من هذا التفسير الجليل موسوعة ومرجعا هامّا للباحثين، فمثل هذه المدوّنات لا تصدر إلاّ عن عالم موسوعي فذ، فكان كالدّوحة الفارعة مهّد الطريق واستجلى الغوامض بفسيح نظره وعميق علمه. وكما قال الإمام عن تفسيره: « ساوى هذا التفسير- على اختصاره – مطوّلات القماطير، ففيه أحسن ما في التفاسير، وفيه أحسن ممّا في التفاسير ». وقد سماه « تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد، من تفسير الكتاب المجيد »، واختصره باسم « التحرير والتنوير » في التفسير. منهج ابن عاشور في الترجيح الفقهي الفقه في « التحرير والتنوير »: إن تفسير الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الموسوم « بالتحرير والتنوير » شامل من حيث الموضوعات، بل هو موسوعة تحتاج إلى جهد كبير للبحث من جوانب مختلفة من فكر الإمام ابن عاشور. ولئن كان لا يعد من تفاسير الأحكام، فإنه يحتوي على مسائل فقهية خلافية، فهو يتوقف عند آيات الأحكام، ويستعرض أهمّ الآراء الفقهيّة من أقوال الصحابة والتابعين والأئمّة الأربعة والمذهب الظاهري والشيعة، ويلخّص بعض الفروع الفقهيّة، ولا يتوسّع كثيرا في الاستدلال ومناقشة المذاهب الفقهية، ولا يهتم كثيرا بالتفريع، ولا يبحث عن بناء هذه الفروع على الأصول والقواعد، ويذكر مسائل الأصول، لأنه يعدها من مصادر التفسير، لاشتمال علم أصول الفقه على قواعد تفسير النصوص، ولأن هذا العلم يتضمن القواعد التي يُستعان بها على فهم الأحكام الفقهية واستخراجها من مصادرها بطرق الاستنباط المتعددة. والإمام ابن عاشور لا يتقيّد بمذهب الإمام مالك، رغم انتسابه للمذهب وتقيده بأصوله، فنراه يرجّح ما بدا له صوابا ووجيها، وإن كان قولا ضعيفا في المذهب، أو كان قولا خارج المذهب، ويعارض الأئمة بأدب، وإن رأى غرابة في الرأي الآخر يقول: « من عجيب ما يتعرض له »، ويذكر صاحب الرأي من الفقهاء. وكثيرا ما يقول في مسألة من مسائل الفقه: « تفصيله في كتب الخلاف » أو « والمسألة مبسوطة في كتب الفقه ». والإمام ابن عاشور لا يعتبر الفقه من أدوات التفسير، بناء على أن فهم القرآن لا يتوقف عليه، ولكنه يتطرّق إلى الأحكام المرتبطة بالآيات القرآنية المستخرجة منها، ويذكر ما استنبط منها، ثم يرجّح ما يراه صوابا فما هو منهجه في الترجيح الفقهي؟ إن هذا المصنَّف الكبير « التحرير والتنوير » في علم التفسير اشتمل على ترجيحات فقهية عديدة، تدل على سمو درجة الإمام العلمية، واستيعابه للفقه، وقدرته على الترجيح بين الآراء والمذاهب الفقهية. وبعد استقراء منهج ابن عاشور في الترجيح الفقهي من خلال تتبع آيات الأحكام في تفسيره « التحرير والتنوير »، تبيّن أنّها تندرج ضمن أسس ثلاثة نذكرها بإجمال: الترجيح بالاعتبار اللغوي وبالقراءة: – نلاحظ ابتداء أنّ الإمام ابن عاشور لا يعدّ القراءات من لوازم التفسير بل من الشواهد اللغوية، فترجع إلى اللغة العربية. لذلك فالترجيح بها يندرج ضمن الأساس اللغوي عند الاختيار الفقهي، وهذا ما يبرّر جمعنا للاعتباريْن اللغوي والقراءة في عنصر واحد. – يُعدّ تفسير « التحرير والتنوير » في منهجه ضمن المدرسة البلاغية، فقد توسّع في عرض دقائق اللغة فهو في تفسيره: يعرض اللفظ القرآني في الآية ويستشهد بكبار اللغويين وبالشعر العربي، ويتوسع في المعاني وفق ما يحتمله اللفظ العربي، فيستعمل اللفظ المشترك في معنييْه أو معانيه، كأن يستعمله في معناه الحقيقي ومعناه المجازي معا، ويجمع المعاني المكنّى عنها مع المعاني المصرح بها. يقول ابن عاشور: « وإنك لتمر بالآية الواحدة فتتأملها وتتدبرها فتنهال عليك معان كثيرة، يسمح بها التركيب على اختلاف العبارات في أساليب الاستعمال العربي، وقد تتكاثر عليك فلا تك من كثرتها في حصر، ولا تجعل الجمل على بعضها منافيا للحمل على البعض الآخر، وإن كان التركيب سمحا بذلك فمختلف المحامل، التي تسمح بها كلمات القرآن وتراكيبه وإعرابه ودلالته من اشتراك وحقيقة ومجاز وتصريح وكناية وبديع ووصل ووقف إذا لم تفض إلى خلاف المقصود من السياق، يجب حمل الكلام على جميعها ». والإمام ابن عاشور يعتمد الأساس اللغوي في الاختيار الفقهي والترجيح بين الآراء والمذاهب. – كما يبني ابن عاشور تفسير الآيات على قراءة نافع مختارا رواية عيسى بن مينا المدني الملقّب بقالون، لأنها القراءةَ المدنيّة إمامًا ورواية والمعتمدة في تونس. ثم يذكر القراءات الأخرى. ولا يرى بأسا من القول بتفاوت بعض القراءات لاشتمالها على خصوصيّات البلاغة أو الفصاحة أو كثرة المعاني وهو تمايز متقارب « قلّ أن يُكسِب إحدى القراءات في تلك الآية رُجحانا ». ولذلك لا يرى حرجا في القول بالترجيح إلا أنه يراه قليلا وقد استدلّ بقول ابن رشد في المسألة فقد سُئل عن ترجيح قراءة على أخرى وتحسين بعض القراءات واختيارها على بعض فلم ينكرْ ذلك وكان الإمام مالك يكره النبرة (إظهار الهمزة) وهي قراءة صحيحة فقال : » أمّا القراءات فلا يحتاج إليها إلا في حين الاستدلال بالقراءة على تفسير غيرها، وإنما يكون في معنى الترجيح لأحد المعاني القائمة من الآية أو الاستظهار على معنى ». يقول ابن عاشور: « على أنه يجوز أن تكون إحدى القراءات نشأت على ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للقارئ أن يقرأ بالمرادف تيسيرا على الناس… فتُروَى تلك القراءة للخلف فيكون تمييز غيرها عليها بسبب أن المتميزة هي البالغة غاية البلاغة وأنّ الأخرى توسعة ورخصة ». وابن عاشور كثيرا ما يذكر القراءات المختلفة بل يعتبر أنّ القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلّها حق وصحيحة فيذكر ما يترتّب عليها من المعاني، وإذا ثبتت الرواية عنده فلا يجوز ردّها لأن الرواية هي الحجّة. الترجيح بالاعتبار الشرعي الأصولي: يحتوي علم أصول الفقه على قواعد تفسير النصوص، فيكون مادة للتفسير ويشتمل على طرق الاستنباط المتعددة وبذلك يكون أداة المفسر وخاصّة في استخراج الأحكام الشرعية من الآيات القرآنية، أو الترجيح بين الآراء الفقهية بالعودة إلى أصولها ومناقشة أدلّتها. وكثيرا ما يتبع ابن عاشور في تفسيره مسلك الأصوليين وعلماء أصحاب القواعد في الترجيح والاختيار بين المذاهب. فهو يعتمد الكثير من القواعد والأصول إلى جانب علوم القرآن كالناسخ والمنسوخ وأسباب النزول. الترجيح بالاعتبار المقاصدي: إن مراعاة المقاصد الشرعية في التشريع الإسلامي أمر ثابت، ذلك أن كلّ حكمٍ شرعيّ يهدف إلى تحقيق مصلحةٍ ودرء مفسدةٍ، والشريعة كما قال ابن القيم « مبناها وأساسُها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ». ولمقاصد الشريعة أهمية في أحكام الشريعة في كلٍّ من مجاليْ فهم الأحكام وتنزيلها على الواقع. والعلم بالمقاصد يساعد على الترجيح في الأحكام وأحيانا ردِّ بعض الآثار لمخالفتها لروح الشريعة ومقاصدها كما فعلت عائشة في ردِّ خبر ابن عمر بأن الميّت يُعذَّب ببكاء أهله قارئةً قوله تعالى: ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾، وكما أجّل عمر بن الخطاب تطبيق حدّ السرقة عام المجاعة، وعلّق العمل بسهم المؤلّفة قلوبهم في مصارف الزكاة. والمقاصد تُرشِد الفقيه إلى التحري في فهم الأحكام واستنباط العلل والترجيح بين الآراء. لذلك يمكن أن نتحدث عن فقه ابن عاشور المقاصدي من خلال تعرّضه لآيات الأحكام في تفسيره، فهو كثيرا ما يعتمد مقاصد الشريعة في الترجيح بين الآراء والأقوال، وهذا أساس من أسس الترجيح الفقهي، من خلال تفسير آيات الأحكام. ونختم بما قاله الدكتور عبد الله دراز: « فالاختلاف منشؤه أحد أمرين: ضعف في اللغة العربية واستعمالاتها، أو جهل بمقاصد الشريعة أو هما معا ». غير أن هناك عوامل أخرى لها دور في الترجيح بحسب كل مجتهد في فهمه لعصره وطبيعة التحدّيات المطروحة على الفكر الإسلامي في ذلك العصر، وطبيعة المشروع الإصلاحي، الذي يحمله، سواء في عالم الفكر والثقافة، أو في عالم السياسة والإصلاح الاجتماعي، إلى جانب المنزع الشخصي. فقد عُرف الإمام  مالك بعدم الخوض فيما لا يترتب عليه عمل، وأثر عنه قوله « دعها حتى تقع » في حين تميّز أبو حنيفة بما يُسمّى الفقه الافتراضي، وقال: « نستعدّ للبلاء قبل وقوعه ». واليوم يُفاجأ المسلمون بأحداث جديدة ومستجدّات يوميّة في حياتهم السياسية والاقتصادية وعلاقاتهم الاجتماعية، ولا يعرفون لها حكما، وهو ما يحتاج إلى عقلية استشرافيّة تنظر للمستقبل بالاستناد إلى الأدلة الشرعيّة، وتعالج الوقائع، وتبحث عن حلول، وهذا ما يسمى اليوم بمآلات الأفعال والاجتهاد المقاصدي وفقه الموازنات ومراعاة المصالح وسد الذرائع.. وهذه خطوات فقهية اجتهادية في مجال الاجتهاد المعاصر ولا يحدّدها إلا فهمُ المجتهد. التحق  الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور إلى جوار ربه يوم الأحد 3 رجب 1393هـ الموافق ليوم 12 أوت 1973م، وخسر العالم الإسلامي عموما وتونس خصوصا طودا عظيما من المعرفة والعلم، وقطبا من أقطاب الفكر الإسلامي.
(المصدر: موقع أقلام اون لاين العدد الرابع والعشرون السنة السابعة/ أكتوبر – نوفمبر 2009)

مجلة الأحوال الشخصية.. نموذج يحتذى أم وثيقة في حاجة للمراجعة؟

نورالدين العويديدي ينظر في تونس، في أوساط نخب الحكم وكثير من نخب المعارضة، لمجلة الأحوال الشخصية، نظرة تقدير تكاد تلامس القداسة. فالرئيس الراحل الحبيب بورقيبة اعتبرها أبرز إنجازات حكمه وثورته المظفرة بعد ثورة استعادة الاستقلال. أما الرئيس ابن علي فقد اعتبر المجلة مكسبا مهما للتونسيين والتونسيات، واستمر العمل بها في عهده، باعتبارها من الوثائق المؤسسة لحرية النساء وتقدمهن، ومن ثوابت الحكم « الجديد ». وعلى نفس المنوال مضت المعارضة التونسية في النظر لمجلة الأحوال الشخصية. فبالإضافة للمواقف الخاصة بكل حزب أو قوة سياسية تونسية معارضة، تشيد بالمجلة وتعتبرها من أهم مكاسب البلاد في عهد الاستقلال، فإن الوثيقة التي وقعت عليها قبل أعوام قليلة القوى المتآلفة ضمن ما عرف بهيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات، تذهب إلى اعتبار أن مجلة الأحوال الشخصية قد حققت المرأة التونسية بمقتضاها « مكاسب هامة على طريق تحررها كإنسان، ومشاركتها على قدم من المساواة مع الرجل، في مختلف مجالات الحياة »، إذ « ساهمت في الحد من مظاهر الحيف والتمييز، ومن أسباب التوتر في العلاقات الأسرية، من ذلك أن منعت مجلة الأحوال الشخصية تعدد الزوجات، وأقرت التراضي أساسا لقيام عقد الزواج، واعتبرت المرأة أهلا لتزويج نفسها، دون ولاية من أحد، وحددت سنا دنيا للزواج »، كما تقول الوثيقة. نحن إذن أمام ما يشبه الإجماع على الإشادة بمجلة الأحوال الشخصية. فهل تستحق المجلة كل هذه الإشادة؟ وهل مثلت فتحا عظيما على النساء التونسيات كما نقرأ ونسمع باستمرار؟ وهل كانت بالفعل سببا في ريادة المرأة التونسية، إذا ما قارنا وضعها بوضع النساء العربيات، اللاتي لم تعرف بلدانهم مجلة مثل مجلة الأحوال الشخصية التونسية؟ وهل ساهمت المجلة حقا في الحد من « أسباب التوتر في العلاقات الأسرية » أم فاقمتها؟. ينطلق هذا المقال إلى مناقشة ما تحقق للمرأة التونسية من وراء المجلة، وهو يستحضر النتائج المنجزة واقعا، والسلبيات التي تعد بعض إفرازات مجلة الأحوال الشخصية، أو بالأحرى وللمزيد من الدقة تعد من إفرازات الثقافة التي صيغت مجلة الأحوال الشخصية وتشكلت في إطارها. أعني ثقافة الندية الصراعية بين المرأة والرجل، وإلغاء قوامة الرجل على الأسرة، التي كرستها المجلة، بطريقة فوقية، دون تطور طبيعي في أوساط المجتمع. فماذا تحقق للمرأة التونسية، بعد عقود من إقرار مجلة الأحوال الشخصية، زائدا عما تحقق لأخواتها من النساء العربيات، من اللواتي لم تعرف بلدانهن مجلات نظيرة لمجلة الأحوال الشخصية؟ للكشف عن النتائج الإيجابية والسلبية التي تحققت في واقع المرأة التونسية ومقارنة مدى تفوقها أو تأخرها عن نظيراتها العربيات، نستعرض فيما يلي وثيقة صادرة عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا: إسكوا، تحت عنوان « موقع المرأة في عملية التنمية: تحليل إحصائي على أساس النوع الاجتماعي »، تستعرض معطيات وأرقاما نستغلها للمقارنة بين ما تحقق للمرأة التونسية وما تحقق لباقي أخواتها العربيات. عرض أهم نتائج الدراسة تبدأ الدراسة الصادرة عن المنظمة عام 2003، ولا يقلل تاريخها من أهميتها، إذ لم يحدث تطور دراماتيكي لا سلبا ولا إيجابا في واقع المرأة التونسية بعد هذا التاريخ، من حجم ونسبة وفيات النساء أثناء الولادة، وتنتهي بمشاركتهن في الحياة السياسية، وبين هذا وذاك تتناول الدراسة نسبة إلمام النساء بالقراءة والكتابة، ومشاركتهن في الحركة الاقتصادية. وعلى امتداد القائمة الطويلة من مجالات الدراسة المقارنة، التي جاءت في نحو 30 صفحة، لم يرد دليل واحدا على ريادة تونس في موضوع حقوق المرأة، قياسا بما تحقق لها عربيا وإسلاميا. 1- تبدأ الدراسة باستعراض واقع الدول العربية في مجال انخفاض معدل وفيات النساء أثناء الولادة، وتتابع تطور حالهن بين 1990 و2000. في هذا المجال تتقدم على تونس الدول العربية التالية: قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والأردن والبحرين (وهذه دول متخلفة في العرف التونسي). وحتى عمان، التي كانت تونس أفضل منها في العام 1990 فقد تفوقت هذه الدولة الخليجة في قلة عدد النساء اللواتي يتوفين أثناء الولادة، عن تونس، وذلك في العام 2000. وكذلك الحال بالنسة لمصر، فقد كان الفارق كبيرا بينها وبين تونس لصالح الأخيرة في العام 1990، لكن حال النساء في مصر صار أفضل من حال أخواتهن التونسيات في العام 2000، من حيث عدد من يتوفى منهن أثناء الولادة. (مصدر هذه المعلومات مجموعة الإحصاءات الاجتماعية للأسكوا للعام 2003). 2- وبخصوص نسبة الولادات التي تمت تحت إشراف موظفي صحة مؤهلين، ففي هذا المجال أيضا نجد دولا نعدها متخلفة قد سبقت تونس كثيرا. وقد سبق تونس في هذا الميدان كل من الإمارات العربية المتحدة (99 في المائة) والكويت وقطر ولبنان والسعودية والأردن والبحرين، وحتى فلسطين المحتلة والجماهيرية الليبية وسورية، ثم تأتي تونس بنحو (80 في المائة). وكانت أسوأ الدول العربية في هذا المؤشر اليمن. ونلاحظ في هذا الإحصاء أن حال التونسيات كان في 1990 أفضل منه في العام 1996، وقريبا منه في 2001. كما نجد أن حال النساء الليبيات كان مماثلا لحال أخواتهن التونسيات في 1990، لكنه تفوق عليه كثيرا في العام 2001. أما لبنان فحال النساء فيه كان في عام 1990 في موضوع الولادة تحت إشراف طبي سيئا ومتخلفا كثيرا عن تونس. أما في العامين 1996 و2000 فقد فاق حال المرأة التونسية بأشواط، وبلغ في العام 2001 نحو 97 في المائة من اللبنانيات، يلدن تحت إشراف طبي تام. (مصدر هذه المعلومات مجموعة الإحصاءات الاجتماعية للأسكوا للعام 2003). 3- ميدان آخر تفخر فيه تونس كثيرا، وبتبجح زائد عن اللزوم، دون وجه حق، بما تحقق للنساء في مجال الإلمام بالقراءة والكتابة لدى البالغين. لكن الدراسة تثبت أن تونس لم تحقق نتائج أفضل من دول عربية يعدها التونسيون متخلفة. ففي قطر بلغت نسبة النساء البالغات الملمات بالقراءة والكتابة 85 في المائة، في حين كانت نسبة الرجال القطريين المتعلمين في حدود 81.4 في المائة. كذلك كان الأمر في الإمارات، حيث كانت نسبة النساء المتعلمات في حدود 81.5 في المائة مقابل 76 في المائة للرجال. وبلغت أعلى نسبة للنساء البالغات المتعلمات من العرب في الأردن، إذ وصلت 86.6 في المائة. في حين كانت نسبة النساء البالغات المتعلمات في تونس في حدود 60 في المائة. وتتفوق على تونس في هذا الميدان إضافة للدول المذكورة كل من لبنان والكويت والبحرين والسعودية وحتى ليبيا وعمان. (مصدر هذه المعلومات قواعد بيانات اليونسكو للإحصاء للعام 2003). 4- في ميدان الإلمام بالقراءة والكتابة لدى الشباب في الفئة العمرية 15- 24 حققت كل من الأردن والبحرين ولبنان وفلسطين وعمان نسبة تفوق 95 في المائة من الشباب ذكورا وإناثا من المتعلمين، متقدمة على تونس. كما تقدمت على تونس أيضا في هذا المجال الجماهيرية الليبية وقطر. أما بالنسبة للتساوي بين الذكور والإناث في هذه الفئة العمرية فتونس مسبوقة بكل من فلسطين والمملكة العربية السعودية ومصر وعمان والكويت ولبنان والبحرين والجماهيرية الليبية. وبالكاد تبلغ تونس المعدل العام في العالم للمساواة بين الذكور والإناث في التعليم ضمن هذه الفئة العمرية. أما الدول العربية المذكورة آنفا في هذه الفقرة فتفوق المعدل العام الدولي بكثير. وتتفوق فلسطين حتى على الدول المتقدمة، أعني الدول الغربية، بحسب تصنيف الدراسة. (مصدر هذه المعلومات قواعد بيانات اليونسكو للإحصاء للعام 2000). 5- بالنسبة لما أسمته الدراسة المعدلات الصافية للالتحاق بالتعليم الابتدائي في بعض البلدان العربية في العام الدراسي 2000/2001، يتحسن ترتيب تونس، لكنها تظل مسبوقة بكل من البحرين، المعتبرة من الدول الخليجية المتخلفة لدى الكثير من التونسيين، ومسبوقة أيضا بمصر، التي يبلغ حجم سكانها 7 أضعاف حجم سكان تونس، وتعد بلدا محافظا. وتقترب تونس في هذه الفئة من 99 في المائة. وأما بالنسبة للمعدلات الصافية للمساواة بين الجنسين في الالتحاق بالتعليم الابتدائي فتونس تصير مسبوقة بكل من عمان ولبنان والبحرين. والدراسة هنا تصنفها ضمن كوكبة من الدول، تتراوح المساواة فيها بين 95 و99 في المائة، وتضم كلا من الأردن والجزائر والمملكة العربية السعودية وفلسطين والكويت والبحرين ولبنان وعمان. فأين ريادة تونس المزعومة، والمعتبر أن مجلة الأحوال الشخصية مسؤولة عنها. (مصدر هذه المعلومات مجموعة الإحصاءات الاجتماعية للأسكوا للعام 2003 ومعهد اليونسكو للإحصاء). 6- أما بالنسبة للمعدلات الصافية لالتحاق الفتيات بالتعليم الثانوي في العام الدراسي 2000/2001 فقد سجلت في البحرين أعلى المستويات العربية، إذ بلغت 86.5 في المائة، مقابل 76.4 في المائة للفتيان، وفي الكويت بلغت 81.2 في المائة مقابل 77.5 في المائة للفتيان، وبلغت النسبة في فلسطين 80.9 في المائة مقابل 74.7 في المائة للفتيان. وسبقت تونس أيضا إضافة لهذه الدول كل من الأردن ومصر وقطر ولبنان والإمارات، وإن كانت بلادنا مصنفة من قبل الدراسة ضمن الدول التي تفوق فيها نسبة الفتيات الداخلات للتعليم الثانوي نسبة الذكور، لكن الدول العربية السالفة الذكر تفوق نسبة الفتيات فيها عن نسبة الذكور أكبر من نسبتها في تونس. (مصدر هذه المعلومات قواعد بيانات اليونسكو للإحصاء للعام 2001). 7- بالنسبة للفجوة بين الجنسين في ميدان الالتحاق بالتعليم الجامعي فتسجل الدراسة أنه في كل من قطر والكويت والبحرين وعمان والمملكة السعودية والأردن ولبنان، فإن نسبة الفتيات الملتحقات بالتعليم العالي أكبر من نسبة الذكور. أما تونس فتكاد تتساوى فيها النسبة بين الذكور والإناث، مثلها مثل فلسطين. وفي المعدلات الإجمالية لالتحاق بالتعليم الجامعي للذكور والإناث فتونس مسبوقة بكل من ليبيا ولبنان ومصر والأردن وفلسطين والبحرين وقطر والمملكة العربية السعودية. (مصدر هذه المعلومات قواعد بيانات اليونسكو للإحصاء للعام 2001). 8- في زاوية المرأة والنشاط الاقتصادي تلاحظ الدراسة تراجع مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي في الدول العربية الغنية، مقابل زيادة نسبتها في الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل. ففي حصة المرأة من القوة العاملة تقول الدراسة إن نسبة مشاركة المرأة الأعلى كانت في موريتانيا ثم في الصومال ثم في جزر القمر ثم المغرب.. بعد تلك الدول تأتي تونس في الترتيب الخامس. أما أقل نسبة لمشاركة المرأة في اليد العالمة فكانت في الإمارات العربية المتحدة. ومن الغريب أن الدراسة حين تتناول حصة المرأة في العمل غير الزراعي المأجور في بعض البلدان العربية، في العام 2001، فنراها قد أسقطت أو أهملت ذكر تونس جملة وتفصيلا. وفي هذا الميدان نجد المغرب الأقصى يتصدر الترتيب تليه عمان فالكويت ثم الأردن فمصر.. إلخ. وقد يرجع الإهمال إلى عدم توفير الحكومة التونسية معلومات للأمم المتحدة عن واقع عمالة المرأة التونسية في العمل غير الزراعي المأجور.. وهذا أمر يثير الكثير من التساؤلات، أقلها التساؤل عن أسباب حجب تونس هذه المعلومات عن هذه الهيئة الدولية؟ هذه عينة من عينات المقارنة التي تستمر فيها الدراسة لتطال المشاركة السياسية للمرأة. وتسجل الدراسة أن سورية تسبق تونس في نسبة تمثيل المرأة في البرلمان، وذلك حتى العام 2003، وهو ما سبقت فيه تونس شقيقتها الشامية في الأعوام الأخيرة. إذ تلاحظ الدراسة أن أعلى تمثيل للمرأة في البرلمان في الجمهورية العربية السورية (12 في المائة)، تليها تونس 11.5 في المائة. وخلافا لذلك وجدت أدنى المستويات في موريتانيا (1.7 في المائة)، واليمن (0.3 في المائة)، وذلك ما قبل 2003. جدير بالذكر أن نسبة تمثيل المرأة في تونس في البرلمان بلغت في الأعوام الأخيرة التي لا تشملها الدراسة نحو 20 في المائة. وإن كان يلاحظ أن نسبة تمثيل المرأة التونسية لم يتم عن جدارة ومنافسة حقيقية، وإنما بواسطة كوتا. ملاحظات تحليلية للدراسة 1-بغض النظر عن التفاصيل الجزئية، وهي مهمة بل بالغة الأهمية، لأنها تقدم أرقاما ملموسة، تثبت أن واقع النساء في تونس، في مجالات مقارنة مختلفة، ليست أفضل من واقع النساء في بلاد عربية كثيرة، بل الحقيقية أن واقع النساء في بلاد عربية كثيرة أفضل من واقعهن في تونس. وقد تغيرت الدول التي احتلت مواقع الصدارة، بحسب اختلاف المؤشرات بين صحة وتعليم ومشاركة سياسية. لكن المرأة في تونس لم تحتل موقع الصدارة ولو في مرة واحدة. وفي أحسن الأحوال كانت تونس الثانية بعد سورية حتى العام 2003 على الأقل. أما في أغلب الأحيان فقد كان وضع المرأة التونسية في مستويات وسطى. وكان لافتا أن دولا تعد في بلادنا ضمن دول التخلف العربي قد حققت فيها النساء مراتب متقدمة على ما حققته المرأة التونسية. 2-ما تحقق للنساء العربيات تم دون دعاية مبالغ فيها، ودون وجود مجلة مثل مجلة الأحوال الشخصية. ولم تشهد تلك المجتمعات خلخلة متعمدة للأسرة، مثلما حصل في تونس، وأرقام الطلاق خير شاهد على ذلك. إذ تعد تونس الأولى عربيا في معدل الطلاق والرابعة عالميا. وهنا في مجال السلبيات تحتل تونس موقعا متقدما في العالم العربي، في حين لم نرها تحقق ذلك في الجوانب الإيجابية. 3-يبالغ جهاز الدعاية التونسي فيما تحقق للمرأة التونسية من مكاسب، عبر مجلة الأحوال الشخصية، حين يوحي بتميز النموذج التونسي، وكأن المرأة العربية تعيش في عصور الظلمات، والتونسيات وحدهن من تمكنّ من ولوج عصر الأنوار. إذ تثبت الدراسة السالفة أن أشياء كثيرة تحققت للنساء في عدد من الأقطار العربية، من دون تبجح، ولا مصادمة لثوابت دينية ولا اجتماعية، ولا كسر للنسق الاجتماعي السائد، بل عبر تطوير تدريجي له، وهي منجزات لم تتحقق واقعا للتونسيات، بعد مرور نحو نصف قرن على إقرار مجلة الأحوال الشخصية. 4-لا يمكن إرجاع ما تحقق للكثير من النساء العربيات إلى واقع الوفرة المالية والطفرة النفطية. فهذه قد تصدق على دول الخليج دون سواها. لكننا رأينا في الدراسة تفوقا لواقع نساء عربيات في دول فقيرة وأخرى مكتظة بالسكان على واقع أخواتهن في تونس. وبالتالي فلا يمكن تبرير تخلف الحالة التونسية بالعوامل الاقتصادية الخالصة. 5-لم تكن مجلة الأحوال الشخصية ثمرة تطور اجتماعي وثقافي عام، ينحت للمرأة موقعا جديدا، يتم بالاقتناع والتراضي بينها وبين أخيها الرجل، بل جاءت نتيجة فرض سلطاني، مخالف للقناعات العامة لدى الرجال، الأمر الذي جعل الأسرة ميدان صراع بين رجل لم يقتنع بعد بحقوق للمرأة فرضت عليه فرضا، وامرأة تجد القانون إلى جوارها فتتمرد و »تتنمرد » على سيطرة الرجل المتوارثة، ما يجعل الأسرة حلبة صراع، لا مؤسسة يظللها الحب والتكامل بين مختلفين متكاملين، لا مثيلين متصارعين. 6-أحدثت مجلة الأحوال الشخصية في الواقع التونسي اختلالات اجتماعية كبيرة، نرى ثمارها توترا دائما في الأسر التونسية، وكثرة في الطلاق، وعزوفا عن الزواج، وإثقالا لكاهل المرأة بمسؤوليات إضافية، زادتها أعباء جديدة، دون أن تخفف عنها من أعبائها السابقة. وهكذا فإن ثقافة الندية الصراعية بين المرأة والرجل، وإلغاء قوامة الرجل على الأسرة، بطريقة فوقية، دون تطور طبيعي في أوساط المجتمع، تسببت وترافقت مع تصحر سكاني « يتجلى في التهديد بتقلص عدد السكان وإقفار جهات بكاملها, كما يهدد بما يسميه الديمغرافيون أيضا بـ »التهرم » السكاني أو « التشيخ » السكاني، من حيث تقلص أفواج الأجيال الجديدة، وتضخم أعداد كبار السن، مقابل التناقص المتواصل لصغار السن، مما يهدد التوازن الديمغرافي للبلاد، بل ويهدد أيضا التوازنات المالية، في ظل تضخم عدد كبار السن الذين يغادرون مجالات العمل، ويتناولون مرتبات تقاعدية، تثقل أكثر فأكثر كاهل الصناديق الاجتماعية للتأمينات » (عبد اللطيف الفراتي: التصحر الديمغرافي / الجزيرة نت 16/6/2005). وتقول الأرقام مصداقا لقول الفراتي إن عدد أطفال المدارس الذين سجلوا في التعليم الابتدائي في تونس للعام الدراسي 2009 – 2010 قد نقص عن العام السابق بـ38 ألف تلميذ، بحسب الإحصائيات الرسمية. 7-    يخطئ في تقديري خطأ بليغا من يحاول فهم هذه الاختلالات الكبيرة، المشار إليها آنفا، سواء في الأسرة أو في المجتمع التونسي، من دون أن يستحضر أثر مجلة الأحوال الشخصية، والثقافة التي قامت عليها، والقوانين التي انبثقت عنها، على الأسرة والمجتمع والبلاد بأسرها، ما يجعلها وثيقة في حاجة ملحة للمراجعة، ووقف النظر التقديسي لها، وكأنها نص فوق مصلحة المجتمع والدولة، وهو ما لا يقول به عاقل، ولا يستساغ إلا من قبل عناصر تعميها الإيديولوجيا، فلا ترى سوى قناعاتها الضيقة أكثر من رؤيتها لواقع مجتمعها ومصلحته. 8-كل ما سبق لا يعني أننا لا نقر بأن تكون مجلة الأحوال الشخصية قد حققت مكاسب عديدة للنساء التونسيات لا يمكن إنكارها. فهذه مكاسب واقعة، وباتت من حقائق الاجتماع التونسي. لكن ما يريد المقال التأكيد عليه أن مثل تلك المكاسب وأكثر قد تحققت للنساء في بلاد عربية كثيرة، حتى وإن بقيت بلاد عربية أخرى تمنع على النساء مجرد الحق في قيادة السيارة. المهم أن تلك النتائج تمت في تونس بطريق القصر والفرض والإرغام والقرار السلطوي، في حين تمت في بلاد عربية كثيرة بشكل طبيعي، من دون مصادمة للدين والموروث الاجتماعي، وإنما عبر تأويل منفتح للدين، وتطوير تدريجي للقناعات والتقاليد، وهو ما يجعلها أرسخ، ويجعل التهديدات لها أقل. يمكن الاستفادة من تقرير عن دراسة الاسكوا في الموقع التالي:http://www.bintjbeil.com/articles/2004/ar/0709_escwa.html
(المصدر: موقع أقلام اون لاين العدد الرابع والعشرون السنة السابعة/ أكتوبر – نوفمبر 2009)

Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.