الثلاثاء، 26 ديسمبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2409 du 26.12.2006

 archives : www.tunisnews.net


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: بلاغ لجنة الدفاع عن حجاب المرأة في تونس بألمانيا  ولجنة الدفاع عن المتحجبات بتونس: بيـان نص عريضة موجهة  من السادة محمد ثامر ادريس، نور الدين الطرهوني وعادل الشاوش نواب حركة التجديد الى السيد رئيس مجلس النواب قدس برس: قوى سياسية تونسية تدين احتجاز متحدث سابق باسم حركة النهضة المعارضة الشروق: كل التفاصيل عن المواجهة المسلحة بين قوّات الأمن وعصابة المخدرات كلمة: نساء قاومن في صمت – من إبداعات الأجهزة الأمنية التونسية: عقوبة الطلاق الطاهر العبيدي: حوار شامل مع فريق تونس نيوز د. خالد الطراولي: المشروع الإسلامي التونسي ونزيف الانسحابات (2/3) الحبيب أبو وليد المكني: لماذا لم ينجز الحر ما وعد؟  تعقيبا على مقال محمد حداد سليم بن عرفة: نقابة – مؤتمر مفتـوح الصباح: ديوان الأسرة والعمران البشري يكشف – توقعات بتواصل انخفاض الخصوبة وإمكانيـة ظهـور مشاكل في الحمل والولادة والانجاب خارج إطار الزواج تقرير واشنطن: كيف يمكن هزيمة الإسلاميين من خلال صناديق الانتخابات؟ قيادي في حزب العدالة والتنمية المغربي في حديث مطول لـ « قدس برس » توفيق المديني: الصراع على المياه في القرن الإفريقي

 


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 


أطلقوا سراح الأستاذ محمد عبو أطلقوا سراح كل المساجين السياسيين الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 33 شارع المختار عطية تونس 1001 الهاتف /الفاكس:71354984 Email: aispptunisie@yahoo.fr 26/12/2006

بلاغ
 

وقع جلب المناضل السياسي و السجين السياسي السابق السيد علي العريض الناطق الرسمي السابق لحركة النهضة و عضو هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات أمس الاثنين 25 ديسمبر 2006 حوالي الساعة الواحدة بعد الظهرإلى منطقة الأمن بباردو و لم يقع إطلاق سراحه إلا حوالي الساعة العاشرة و النصف ليلا و ذلك لاستجوابه حول الكلمة التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحزب الديمقراطي التقدمي و لسؤاله عما إذا كان الأستاذ العياشي الهمامي هو الناطق الرسمي لهيئة 18 أكتوبر للحقوق  و الحريات.   رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري


بسم الله الرحمن الرحيم

لجنة الدفاع عن حجاب المرأة في تونس بألمانيا

ولجنة الدفاع عن المتحجبات بتونس

بيـــــــــــان

 احتدم الجدال  في تونس في الآونة الأخيرة حول موضوع الحجاب وتباينت مواقف النّخبة التّونسيّة بين مؤيّد ومعارض على إثر قيام السّلطات التّونسيّة بحملة أمنيّة مشدّدة وصلت حذّ الإعتداء على المحجّبات وإرغامهنّ على التّوقيع على تعهّدات تنصّ على نزع الحجاب وعدم العودة إليه ، تزامنت في الوقت نفسه مع عدّة تصريحات لمسؤولين في الدّولة اعتبروا فيها  الحجاب مناقضا لمفاهيم الحداثة والعصرنة وما حقّقته المرأة التّونسيّة من مكاسب منذ صدور مجلّة الأحوال الشّخصيّة ،وانضمّت لهذا الموقف عدّة صحف تونسيّة بإعلانها رفض ارتداء الحجاب  واعتباره ظاهرة غريبة  وزيّا طائفيّا دخيلا لا يتماشى وتقاليد المجتمع التّونسي.

 

وفي حين كان من المفترض أن تدعم   السّلطات الـتّونسيّة كلّ  مظاهر التديّن وتحافظ على مقدّسات الأمّة وهويتها وأصالتها الإسلاميّة أصرّت على المضيّ في نفس المنهج  المعادي لكلّ  ما هوّ إسلامي، وما مواصلة العمل بمنشور 108 سيّء الذكر الذي تمنع بمقتضاه المرأة التّونسيّة من ارتداء حجابها  الإسلامي إلاّ  محاولة عدوانيّة من السّلطة لتجفيف منابع التدين وملامح الشخصية الإسلامية بالّرغم من وضوح الصورة عبر المواقف والتصريحات لعلماء الأمّة ودعاتها . ويكفينا هنا الإشارة لما قاله الشّيخ يوسف القرضاوي في خطبة الجمعة التي ألقاها بمسجد عمر بن الخطاب بتاريخ 06.11.03  حيث اعتبر بأنّ الحرب التي يشعلها النّظام التّونسي ليست ضدّ الحجاب فقط وإنّما ضدّ اللّه ورسوله ، كما أكد في نفس الوقت كل من  مفتي مصر السيّد علي جمعة والشّيخ سلمان العودة والداعية وجدي غنيم على  أحقيّة المرأة في اختيار لباسها الشّرعي واعتبار الإعتداء عليه خروجا صريحا عن شرع اللّه وتعدّى صارخ على الأحكام الشّرعيّة .

 

وفي الوقت الذي تتعامل فيه السلطات التّونسيّة  بخلفية أيديولوجية معادية للهوية العربية الإسلامية لحد اعتبار الحجاب رمزًا لتخلف المرأة والحجر على حريتها بدأت تتعالى  أصوات العقلاء في الغرب إلى احترام المحجّبات والإهتمام بهنّ وتسجيل مشاركتهنّ في جميع أنشطة الحياة .

 

لكنّ المتابع للحالة السيّاسيّة التّونسيّة يدرك أنّ الحرب التي تخوضها السّلطات التّونسيّة ضدّ المحجبات تأتي ضمن سياق عام لسياسات النّظام السياسي المعادي للحرّيات الشّخصيّة  لفرض التوجّهات العلمانيّة للدّولة بالقوّة والقضاء على معالم الصحوة  بعدما تبيّن للسّلطة  فشل مشروعها التّغريبي من خلال العودة القويّة للدّين خاصّة في أوساط الشّباب .

 

إنّنا إذا أمام وضع  يتطلّب منّا  جميعا مزيدا من الجهد لفضح كلّ  الإنتهاكات والإعتداءات  التي تمارسها السّلطة التّونسيّة على المقدّسات والشّعائر  وكشف حجم الكارثة التي حاقت بتونسنا الحبيبة  حتّى يعلم علماء الأمّة ودعاتها وكافة العاملين في حقل الدعوة إلى اللّه حقيقة الحرب  المعلنة التي تخوضها سلطة 7 نوفمبر  لتعطيل شريعة الإسلام وإهانة شعائره .

 

لذا فإنّ النّضال من أجل إلغاء منشور 108 المصادم للحرّيات الشّخصيّة للأفراد ودعم حقّ المرأة في احترام كرامتها الإنسانيّة حتّى لا تصبح مصدرا للبيع والشّراء كما تروّج له السّلطات التّونسيّة  عبر احتضانها يوم 2006.12.16 لمسابقة ملكة جمال العالم  بمشاركة تونسيّة ،  ليس وفاء لمبادئ الإسلام  فحسب بل انتصارا للقيّم الإنسانية وتحريرا للمرأة من العسف والظّلم الذي تفرضه الأنظمة الرّجعيّة .

 

** عن لجنة الدفاع عن حجاب المرأة في تونس بألمانيا

حسيبة سويلمي    hassiba_07@yahoo.fr

**ولجنة الدفاع عن المتحجبات بتونسprotecthijeb@yahoo.fr    (2006.12.24 )

     

 


نص عريضة موجهة  من السادة محمد ثامر ادريس، نور الدين الطرهوني وعادل الشاوش نواب حركة التجديد  الى السيد رئيس مجلس النواب:

عريضة

 

فوجئنا بعد استقبال رئيس الجمهورية للسيد فؤاد المبزع،رئيس مجلس النواب،والسيدة حبيبة المصبعي ، النائب الثاني لرئيس المجلس ،ببلاغ صحفي،نسب لرئيس مجلس النواب مفاده ان اعضاء المجلس يناشدون الرئيس زين العابدين بن على الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2009.

ومن منطلق ايماننا بالديمقراطية والتعددية داخل مجلس النواب الموقر كمكسبين وطنيين،ومن منطلق الايمان بحق التعبير وحق الاختلاف، وحق الترشح والترشيح،وباعتبار ان التصريح يتنافى مع الصبغة التعددية والديمقراطية، فاننا نعبر عن حقنا في الاحتفاظ بصوتنا فيما يتعلق بالترشحات الى الانتخابات الرئاسية لسنة 2009، ونعتبر ان ذلك البلاغ الصحفي لا يعنينا، مع التمسك بحق الاحزاب في التقدم الى الانتخابات الرئاسية القادمة بمرشحيها وتحت الوانها الخاصة، وفق ما يسمح به القانون.

(المصدر: صحيفة الطريق الجديد عدد 55 – ديسمبر 2006)


قوى سياسية تونسية تدين احتجاز متحدث سابق باسم حركة النهضة المعارضة

تونس – خدمة قدس برس

ندّدت « هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات » بما وصفته بالهرسلة والاعتداءات المتواصلة التي ما انفكّ يتعرض إليها الناطق الرسمي السابق لحركة النهضة علي العريض، منذ أن أطلق سراحه.

وذكرت الهيئة، وهي تجمع لأحزاب سياسية ومنظمات حقوقية، أن السلطات التونسية « لا تزال تتمادى في القيام بإجراءات تعسفية لحرمان العريض من حقوقه الأساسية في حرية التنقل والتعبير عن آرائه ».

وشجبت الهيئة احتجاز عضو هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات علي العريض الاثنين (25/12) من الساعة الواحدة بعد الظهر في منطقة الأمن بباردو، حيث لم يتمّ إخلاء سبيله إلا قبيل منتصف ليل الاثنين، دون تمكين عائلته من الحصول على أي معلومات عن مكان وظروف إيقافه.

ووفقا لمصادر مطلعة في حركة النهضة فقد ذكر العريض أن الشرطة حققت معه بشأن الكلمة التي ألقاها كضيف على المؤتمر العام للحزب الديمقراطي التقدمي، الذي بدأ أعماله الجمعة (22/12).

يذكر أن السلطات الأمنية هددت العريض بإعادته إلى السجن، إن هو استمر في ممارسة أي نشاط سياسي، أو المشاركة في نشاطات سياسية تنظمها جهات أخرى، متذرعة في ذلك بأن إطلاق سراحه كان مشروطا، وهو أمر يرفضه السيد العريض، الذي قضى حوالي 14 عاما في السجن، ولم يطلق سراحه إلا منذ أكثر من عام.

 

(المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال بتاريخ 26 ديسمبر 2006)


خلفـت قتيلين وجريحـين:

كل التفاصيل عن المواجهة المسلحة بين قوّات الأمن وعصابة المخدرات

 

* تونس ـ الشروق:

 

قتيلان وجريحان في مواجهة دامية بين أعوان الأمن وأفراد عصابة دولية تنشط في مجال المخدّرات، وذلك بأحد احياء الضاحية الجنوبية للعاصمة خلال الليلة الفاصلة بين السبت والأحد الماضيين، وفق ما أكّدته مصادر رسمية.

 

وحسب شهود عيان، فإن المواجهة جرت بمنطقة «الشعبية» بحمام الانف التي تبعد قرابة العشرين كيلومترا عن العاصمة في اتجاه الجنوب. وقد استعملت في هذه المواجهة  أسلحة مختلفة وأسفر ذلك عن قتيلين من أفراد العصابة واعتقال اثنين منهم، فيما اصيب عونا أمن بجروح متفاوتة الخطورة.

 

وكانت وكالة تونس افريقيا للانباء قد نقلت عن مصدر بوزارة الداخلية ان مسلحين اثنين قتلا في تبادل لاطلاق النار بين قوات الامن ومجموعة من المسلحين ليل السبت في الضاحية الجنوبية.

وأضاف المصدر «ان المواجهات حصلت بين مجموعة انفار مقيمين باحد المساكن الكائنة بالضاحية الجنوبية ودورية أمنية بالمكان».

 

وحسب ما نقلته وكالة (رويترز) للانباء فان مصدرا من الشرطة قال «نعم حصلت مواجهة شرسة مع هذه المجموعة بجهة حمام الانف».

 

وحسب مصادر رسمية، فإن مجموعة من الانفار كانوا على متن سيارة، متجهين نحو  العاصمة قادمين عبر الطريق الوطنية رقم 1، فأوقفتهم دورية للحرس الوطني على مستوي مفترق برج السدرية، الا أنهم لم يمتثلوا لذلك، فاضطر اعوان الدورية الى الالتجاء لزملائهم ببرج الباي، فرفض افراد المجموعة للمرة الثانية، مما جعل قوّات الامن تشتبه في الأمر وتستنفر وحداتها، خاصة أمام ورود انباء عن سعي عصابة دولية تنشط في مجال تهريب المخدرات وادخال كميات هامة من المواد المخدرة، فجرت عملية مطاردة للسيارة المشتبه بها، الا ان المفاجأة كانت كبيرة عندما باغتهم افراد هذه العصابة بالمبادرة باطلاق النار تجاههم وبوابل من الرصاص، عندها اضطرّت قوّات الامن الى التمترس والاستنفار ثم تبادل اطلاق النار مع افراد هذه المجموعة.

 

وحسب شاهد عيان، وهو حارس ليلي بجهة الشعبية، فإن المواجهة فعلا كانت شرسة ودامية.

وقال «ظننت انه بين عصابتين، في بادئ الامر، اذ جرت سابقا معارك بين افراد متورّطين في قضايا مخدّرات لكن الامر لم يصل الى هذا الحد».

 

وقال شاهد آخر، يعمل بمقهى انه فوجئ عندما شاهد تفاصيل المواجهة بين اعوان الامن من جهة وأفراد العصابة من جهة أخرى. وأضاف بأنه اختبأ خوفا من ان يصاب، وقال ان المواجهة جرت على مدى اكثر من ساعة.

 

وحسب مصادر مطلعة، فإن افراد العصابة بادروا باستهداف اعوان الأمن باطلاق الرصاص، فكانت اجابة قوات الامن باطلاق النار  ايضا، وجرت مواجهة شرسة، تمكّن على اثرها اعوان الامن من قتل عنصرين في العقد الثالث من عمرهما، وتمكنوا ايضا من ايقاف شخص حاول الفرار بعد اصابته بطلق ناري.

 

وحسب نفس الرواية، فلقد دل هذا الشخص على منزل بجهة بئر الباي، التي تبعد قرابة الكيلومترين عن مكان المواجهة حيث تمترس باقي افراد العصابة.

 

وقد قام اعوان الأمن باقتحام المنزل بعد التنبيه على من فيه وتمكنوا من القاء القبض على شخص آخر.

 

مصادر حسنة الاطلاع اوردت ان عوني أمن اصيبا في المواجهة بجروح متفاوتة الخطورة وأنهم تمكنوا من حجز كميات هامة من المخدرات وبعض قطع الأسلحة.

 

وحال انتهاء المواجهة حل اعوان الحماية المدينة وهرعت سيارات الاسعاف وجرت طمأنة المواطنين ومتساكني الجهة، وتم نقل المصابين الى أحد المستشفيات بالعاصمة، فيما  ابلغ ممثل النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية ببن عروس الذي عاين جثة الهالكين.

 

وتمت معاينة آثار طلق النار وأذن بفتح تحقيق في القضية والكشف عن كل ملابساتها.

 

نفس المصدر قال لـ «الشروق» ان التحقيقات الاولية أكّدت ان أفراد هذه العصابة مرتبطون بشبكات دولية لتهريب المخدرات والسلاح، وأنهم

دخلوا البلاد التونسية قادمين من احدى الدول وأنهم يريدون ترويج كميات هامة جدا من المواد المخدرة.

 

وقد عملت «الشروق» في هذا  الباب أن افراد العصابة سبق وان انتموا الى عصابات للجريمة المنظمة في دول اوروبية… وانهم قدموا الى تونس لمواصلة نشاطهم في دنيا الاتجار في المخدرات صلب عصابات مهيكلة ومنظمة… غير ان قوات الامن كانت لهم بالمرصاد… حيث تم تتبع انشطتهم المشبوهة ورصد كل تحركاتهم قبل ان تتم مداهمتهم ومحاولة ايقافهم ليحصل الاشتباك المشار اليه.

 

مع الاشارة الى أن قوات الامن باحدى الدول المجاورة تمكنت خلال احد الايام القليلة الماضية من تفكيك شبكة دولية لترويج المخدرات وحجز سبعة أطنان من مواد مخدّرة.

 

وعموما، فإن الحياة في مكان المواجهة تجري عادية، فقط يتناول الناس الحكاية بتفاصيل وسيناريوهات جرت ولم تجر، وأصبح بعض حديث المقاهي شراسة هذه المواجهة التي لم تحصل سابقا في تونس، ولا يمكن حسم الامر الا بانتهاء التحقيقات، مع الاشارة الى أن حمل السلاح في تونس ممنوع الا على من له ترخيص خاص وهو حكر على القوات المسلحة.

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 26 ديسمبر 2006)


نساء قـاومـن في صمت من إبداعات الأجهزة الأمنية التونسية: عقوبة الطلاق

تحقيق لطفي حدوري يعلم الجميع أنّ تونس تملك منظومة تشريعية متفوّقة على نظيراتها في المنطقة العربية في ما يخص تنظيم الأسرة. حصلت بها المرأة التونسية منذ إصدار مجلة الأحوال الشخصية في أوت 1956 على مكاسب قانونية على طريق جعلها متساوية مع الرجل، وكان أهمّها منع تعدد الزوجات واشتراط صحة الزواج بوثيقة رسمية يضبطها القانون ومنع التطليق وعدم صحّته إلاّ أمام القاضي. أمّا ما يخفى فهو أنّ الطلاق بالإكراه أصبح منذ بداية التسعينات إبداعا من الأجهزة الأمنية التي استخدمت العلاقة الزوجية وسيلة ضغط على المعارضين من أجل تحطيمهم. قاد الجهاز الأمنيّ مرحلة سياسيّة منذ بداية التسعينات فصبغها بشعاراته وممارساته. وصنع الاستبداد أكثر الممارسات تخلّفا ووحشيّة حتى في ظلّ أفضل القوانين عصريّة وحداثة. لقد اختارت الأجهزة الأمنية أن تنفّذ عقوبة موازية على المساجين السياسيين، فكانت عقوبة الطلاق. وتحوّل الطلاق من إجراء قانونيّ خاص ينتهي إليه طرفا العلاقة الزوجية إلى عقوبة ترغب فيها الدولة وتُكره الزوجين عليها بعد أن كانت راعية ومنظّمة لتوافقهما الأسري. احتفل حاتم زرّوق وزوجته التي انفصلت عنه في بداية التسعينات بخطوبتهما الجديدة ولم يمرّ على خروجه من السجن خمسة أيّام. أطلق سراحه مساء يوم 5 نوفمبر 2006 بموجب سراح شرطي فتوجّه إلى بيت مطلقته التي كانت تنتظره هي وأبناؤهما شعيب وبلقيس. كان حفل يوم 10 نوفمبر غير عاديّ مطلّقان يعلنان خطوبة رمزيّة قبل تجديد الزواج رسميا ويحتفلان باستعادة الحرية. كان ذلك انتصارا وتأكيد أنّهما أكرها على الافتراق وعلى الطلاق.  

عاش حاتم زروق شخصا مجهولا طيلة 14 سنة قضاها في السرية في غرفة مظلمة بجوار مسكن زوجته. كان مطلوبا من فرقة أمن الدولة ثم حكم عليه غيابيا في المحكمة العسكرية صيف 1992 بـ12 سنة سجنا نافذة. نجا من قبضة الأجهزة الأمنية في وقت تردّدت فيه الأنباء عن بشاعة التعذيب وعن سقوط ضحايا وعن اتساع دائرة الحملة يوما بعد يوم.  

لجأ حاتم زروق إلى حلّ كان يعتقد أنّه وقتيّ. فبنى لنفسه سجنا مضيّقا واحتمى به. وعندما زرته صبيحة أوّل يوم له خارج السجن عاينت معه بقايا ذكريات يومياته في الزنزانة الملجأ التي تحوّلت اليوم إلى جزء من مصنع للمرطبات، غرفة لا تتجاوز مساحتها مترين على ثلاثة أمتار تحتوي مكان سرير ومطبخ صغير ومرحاض. كان لهذا السجن الصغير نافذة تطلّ على حديقة المنزل طلاها من الداخل بالدهن إلاّ جزءا صغيرا في الأعلى يطلّ منه على حركة ولديه الصبيّين. ومكث في هذا السجن ثماني سنوات. أمّا في الجوار فكانت زوجته سهام النجّار فريسة لزوّار الليل والنهار من فرق البوليس السياسي كما يقع اقتيادها إلى مراكز الشرطة وتهديدها حتى تدلّ على مكان زوجها الفارّ من قبضتهم.

وضاقت ذرعا بهم ووجدت نفسها وحيدة في مواجهتهم ولم يقنعهم النفي المتكرر لعلمها بمكان اختفائه أو توقّعها تسلله خارج البلاد. فتواطأت مع « سجينها » على الحلّ حتى تتوقف وتيرة الضغط عليها وحتى لا يضعف هو فيستسلم. بعد أشهر عديدة توجّهت إلى أقرب مركز شرطة تعلم باختفاء زوجها وإهماله عياله وتطلب حقّها في الطلاق. فقضت المحكمة بطلاقها. واطمأنّ بذلك البوليس السياسي فولّى وجهة أخرى للبحث. وسعدت هي بذلك الطلاق الذي أبقى على حرية زوجها في الجوار وأبعد كابوس زوّار الليل واستنطاقات النهار.  

وطيلة ست سنوات لم يكن شعيب ولا بلقيس يدركان حرمانهما من أبيهما الموجود في الجوار. أعلمتهما أمّهما أوّل الأمر أنّه سافر إلى فرنسا للعمل. ثم أخبرتهما سنوات بعد ذلك بعودته المرتقبة وحذّرتهما من نشر الخبر فأبوهما مطلوب للسجن. وبعد « اختبارات أمنيّة » في الكتمان وجدا حضن والدهما. فدخلا معه حياة السرية حينا بعد آخر إلى أن سلم نفسه للمحكمة في جانفي 2005.  

خاضت سهام النجار وابنتها بلقيس إضرابا عن الطعام خلال قمة مجتمع المعلومات المنعقدة في تونس في نوفمبر 2005. وشاركت في اعتصام مع عائلات المساجين السياسيّين في نوفمبر 2006. ولم يكن أحد من المدافعين والمساندين لها يدري أنّ هذه المرأة تتحدّث عن طليقها وأنّها تريد أن تضع حدّا لما أكرهت عليه.  

النجاة من الملاحقة باللجوء إلى الطلاق  

جاء في شهادة للسجين السياسي الطاهر الحراثي (1) أنّ زوجته اختارت الطلاق لينجو أطفالها من وطأة الملاحقات الأمنية المسلطة عليها. والطريف في هذه الحالة أنّ المطلّقة بقيت في كفالة عائلة زوجها.  

في أوّل الأمر طردت « أمّ عبد الرحمان » من وظيفتها كمدرسة ابتدائي سنة 1991 بعد إيقاف زوجها وإيداعه السجن فالتحقت بعائلتها في سليانة فلحقهم أذى البوليس السياسي ووضعوا تحت المراقبة الأمنيّة وحرم والدها العجوز من منحة اجتماعية كان يتقاضاها. فاختارت أن ترحل نحو شقيقة زوجها في العاصمة تونس سنة 1996 وما إن وصلت حتى كان أعوان مركز ضاحية المروج في انتظارها، وفي مقرهم وجهوا لها توبيخا على عدم الإعلام بتنقلاتها. وكان « الدرس البوليسيّ » المعتاد أنّها تشقى بهذا الزوج وأنّه جنى عليها وأنّ الانفصال عنه أفضل لاجتناب تبعات تجربته السياسية والسجنية. فانحنت في وجه العاصفة وزارته في سجن « برج الرومي » في مكتب مدير السجن رفقة المحامي وأسرّت له بمرارة بأن يقبل الطلاق المؤقّت.  

أطلق سراح الطاهر الحراثي بموجب سراح شرطيّ في 25 فيفري 2006 فسارع إلى استعادة زوجته. وعلى هذا النحو فعل خالد الكوّاش الذي أعاد زوجته مميّة المطلّقة قهرا أسبوعين بعد إطلاق سراحه في فيفري 2006. كما أنّ عبد اللطيف الوسلاتي الذي غادر السجن في نفس التاريخ قد أعاد زوجته أيضا بعد خروجه من السجن.  

ومن المآسي الواقعة في هذا السياق أن يُضرب سجين سياسي لا من أجل إطلاق سراحه أو مطالبة بحقوقه بل حتى تكفّ الأجهزة الأمنيّة عن الضغط على زوجته من أجل الطلاق. ففي سنة 1994 خاض السجين السياسي محمود البلطي إضرابا وحشيا عن الطعام 15 يوما احتجاجا على الضغوطات المسلطة على زوجته من قبل فرقة الإرشاد بجندوبة حتى تطلّق.  

ويروي أحد المساجين السياسيّين في شهادة منشورة بكتاب مأساة المساجين السياسيين (1) أنّ « فرقة الإرشاد بجندوبة قد قامت بضغوطات كبيرة على زوجات المساجين السياسيّين حتى يرفعن قضايا في الطلاق ومنهنّ زوجة محمود البلطي وعبد اللطيف الوسلاتي وكمال العطافي وتم تهديدهن بأن تلفّق لهنّ قضايا وتدخلن السجن ورضخت بعضهن. ولكن مع طول إجراءات التقاضي سحبن دعاوى الطلاق. فمنعن من الزيارة لأسابيع. »  

ويضيف السجين السياسي رضا البوكادي المحكوم بالمؤبّد (خفض بعد ذلك إلى 30 سنة) في نفس السياق أنّ زوجته « اعتقلت سنة 1991 وجلبت إلى محلات أمن الدولة حيث عذّبت بالتعليق بعد أن جردت من ملابسها وضربت على الأماكن الحساسة من بدنها مع التهديد باغتصابها، وطيلة الفترة الممتدة من نوفمبر 1991 إلى سبتمبر 1996 (تاريخ تسليمه من قبل السلطات الليبية) تعرضت للتعذيب وصنوف الإهانات وضغوطات عديدة لإجبارها على طلب الطلاق » وبالفعل تم الطلاق بعد ذلك. وتطول قائمة من أكرهن على الطلاق وذلك شأن زوجات المساجين السياسيّين كمال بسباس وفرج الجامي ومعتوق العير ومحمد العيادي وحسونة النايلي وجلال مزغيش وحبيب اللوز

 

ضحايا التعذيب والاضطرار التراجيدي للطلاق  

أمّا الحالة الأشدّ قسوة من سابقاتها وكان لها مآل حزين والقصّة المثيرة للألم فقد فكانت بحق نتاجا لممارسة التعذيب الجسدي، قصّة زوجين من ضحايا التعذيب تفككت الرابطة الأسرية بينهما. فلئن أنهى حاتم زروق والطاهر الحراثي وخالد الكواش وعبد اللطيف الوسلاتي الانفصال القسري فإنّ طلاق « ن » زوجة السجين السياسي فيصل ڤربع كان دون رجعة. لم تكفّ عنها الملاحقات والضغوط حتى انفصلت قضائيا عن زوجها السجين. وبعد سنوات اختارت زوجا آخر فيما دخل فيصل قربع في عزلة عن الناس بعد خروجه من السجن وأغلق باب غرفته على نفسه ورفض دعوات ملحّة من أصدقائه في أن يخرج إلى الناس وأن يعالج تبعات الانهيار العصبي المصاب به والاضطرابات النفسية.  

أوقف فيصل قربع مع مجموعة من الأشخاص المتهمين بالانتماء إلى حركة النهضة المحظورة في أكتوبر 1991 بمنطقة الحرس بنابل وكانت زوجته « ن » من بين الموقوفين. خضع جميع الموقوفين لحصص تعذيب وحشي وكان محدثي الذي تحفّظ على ذكر اسمه شاهدا على ما حدث في تلك الأيّام فقال إنّها كانت أيّام رعب وخوف هائل. وأنّ جميع الموقوفين وعددهم يناهز 90 فردا كانوا شهودا على وفاة شخصين تحت التعذيب هما رشيد الشماخي وفيصل بركات(2). كما ذكر أنّ جلاّديهم تركوهم طيلة أسبوعين عراة إلاّ من ملابسهم الداخلية.  

وفي هذه الظروف كانت السيدة « ن » موقوفة أمّا زوجها فيصل فقد صمد تحت التعذيب فاستخدموا ضدّهما وسيلة أبشع. وفي محاولة أولى للضغط على فيصل نفسيا جلبت زوجته إلى قاعة التحقيق ووقع تعريتها أمامه كما تعمّد أحد الأعوان إهانتها أمامه. وفي مشهد بشع لاحق ألقي فيصل ڤربع على الأرض في وضع شذوذ مع موقوف آخر من نفس المجموعة وتعمّد المحقّقون إدخال السيدة « ن » عليهما لتصاب بذهول ويدخل هو في انهيار عصبي تحوّل تدريجيا إلى اختلال عقلي وانعزال. لم تتم إحالة « ن » على القضاء وأخلي سبيلها ولكن واصل موظفو مركز الحرس ملاحقتها بعد إطلاق سراحها حتى طلقت. وقد انجلى الكابوس عنها فجأة دون رجعة ولكن بعد طلاقها وزواجها الجديد.

 

نساء قاومن في صمت  

كانت نهاية الثمانينات وبداية التسعينات أوج الصراع بين الحركة الإسلامية والدولة في تونس. بعد أن حصل الحزب الحاكم على جميع مقاعد البرلمان في انتخابات أفريل 1989 التي نافسته عليها بشكل قوي في الحملة الانتخابية القائمات المستقلة المدعومة من حركة « النهضة » الإسلامية المحظورة وظهرت خلالها هذه الحركة في شكل استعراضي. اُتّخذ قرار التصفية لهذا المنافس وتجفيف منابع كل منافس آخر محتمل. فانطلقت حملة الاعتقالات مع نهاية سنة 1990 وتواصلت بشراسة حتى منتصف التسعينات. كان الاحتجاز غير القانوني والتعذيب وحتى الموت والأحكام الثقيلة بالسجن وفرار المعارضين خارج البلاد ودخول آخرين للسرية عنوان تلك الفترة. ولكنّها لم تكن معركة مع طرف سياسي فقط بل تعدته إلى المجتمع بأسره.  

وهكذا وجدت مئات النساء التونسيّات من زوجات وأمّهات أنفسهنّ في مواجهة قمع الدولة. لم يكن ذلك اختيارا منهنّ، وما كان معظمهنّ يتوقع ذلك. لقد دفعن ضريبة انخراط الأزواج والأبناء في العمل السياسي، فخضن تجربة مريرة بين أماكن الاحتجاز ومكاتب أجهزة الأمن وتوابعها مرورا بالمحاكم في مختلف أطوارها. وبمرور الوقت صارت حركة عائلات المساجين السياسيّين وبالذات النساء عملا نضاليّا يقاوم الإبعاد والتجويع ويعيد الأمل إلى المحبوسين. لم يفت هذا الأمر عبقرية الاستبداد فواجهه بحزم وفي الصميم. لاشكّ أنّ الحلقة الأضعف في هذه المعركة والتي كان يسهل اضطهادها وكان من الصعب نجاتها هي المرأة. فواجهت مصيرها في صمت وقاومت بألم وجلد كبيرين… نساءٌ وقع إهانتهنّ وتعذيبهنّ وحتى سجنهنّ. وصار الطلاق بالإكراه أحد وسائل القمع.  

كشفت هذه الحالات أنّ الطلاق بالإكراه كان يعني أنّ شهيّة الانتقام لم تشبع لدى الدولة فكانت تريد أن يكون هناك دائما خصم تهزمه فلم تجد غير النساء بعد إضعاف السجين السياسي وقطع الروابط العائلية وحرمانه من السند المادي والنفسي. لقد وقع بث الرعب في المحيط الأسري ثم المجتمعي للسجين السياسي وتحوّل القمع إلى استعراض للقوّة أمام المجتمع كلّه. وهذا ما يحدث عادة في معركة سياسيّة تحسمها الأجهزة الأمنيّة.

——————————- (1) « مأساة المساجين السياسيين في تونس »- باريس 2003 –Solidarité tunisienne (2) أنظر تقرير المجلس الوطني للحريات المحاكمة المنعرج 2002 ، ص 31

 

(المصدر: موقع مجلة « كلمة »، العدد 48 – ديسمبر 2006)

الرابط: http://www.kalimatunisie.com/article.php?id=423


 

حوار شامل مع فريق تونس نيوز

أجرى الحوار الطاهر العبيدي

taharlabidi@free.fr

إذا قلنا تونس نيوز، فقطعا سوف لن نسأل من يكون هذا الموقع وما هو انتمائه الفكري والسياسي؟ ذلك لأنه صار غنيا عن التعريف، استنادا إلى الاستمرارية والمصداقية التي كانت عنوان سبع سنوات من المتابعة والحضور والجهد اليومي المتواصل، ولأن الاسم يحمل في بداية تسميته الجواب، لتكون تونس عبر تعدّد أطيافها السياسية، وألوانها الاجتماعية، وتنوّع رؤاها الفكرية، حاضرة في هذا المنبر طيلة كل هذه السنوات، التي حافظ فيها الموقع على قدر كبير من الاستقلالية ومساحة من الحرية الإعلامية، ونجح في أن يكون مرآة المهجر والداخل، وبات فضاء رحبا يستوعب الرأي والرأي المضاد، في نطاق الإيمان بأن تونس لكل التونسيين دون استثناء، وأن حرية التعبير حق مقدّس لكل الفرقاء، مما جعل هذا الموقع يصبح علامة بارزة في الصحافة الجادة، كغيره من بعض المنابر والمواقع التونسية الحرّة التي تساهم في استنهاض الوعي الإعلامي للفرد والمجموعة، حتى أن تونس نيوز أضحت وطنا إلكترونيا يلتقي فيه وجها لوجه ودون حواجز، المواطن والزعيم، والأستاذ والتلميذ، والطالب والمعلم، والمعارض والمسؤول، والبطال والمدير، والمفكر والبسيط، والعامل والإعلامي، والمرأة المحجبة وغير المحجبة… باختصار مجتمع بتنوع مشاربه، يجتمع ويلتقي أمام شاشات الحواسيب، للتعرف على التضاريس السياسية والاجتماعية والفكرية داخل وخارج البلاد، عبر نافذة موقع تونس، نيوز الذي ارتأينا أن نحاور الفريق المشرف على هذا المنبر، فأجابونا مشكورين على أسئلتنا فكان هذا الحوار المفتوح..

في المدة الأخيرة تعرض منبركم تونس نيوز إلى عملية قرصنة استهدفت صندوق بريد قرائكم، هل يمكنكم توضيح هذه العملية فنيّا وأيّ الجهات التي تعتقدون أنها كانت وراء هذا السطو؟  

فعلا تعرضت قائمة المراسلة البريدية الإلكترونية التي نشرف عليها مساء السبت 19 أوت 2006 إلى عملية قرصنة، تمثلت في تمكن القائمين بهذه العملية الدنيئة من اختراق القائمة وتغيير مفتاح الدخول إليها والتلاعب بها، حيث قاموا بإرسال نتائج بطولة الدوري الإنكليزي إلى المشتركين في تونس نيوز عوضا عن الرسالة اليومية المعتادة.. أما الجهات التي كانت وراء هذه العملية فلا نستطيع الجزم بشيء حول هويتها، رغم أن أصابع الاتهام قد تتجه إلى طرف أو أطراف في السلطة، يسبب لها بعض ما تنشره تونس نيوز بعض الإزعاج أو القلق. أما ما نعرفه جيدا فهو أن الجهة التي نفذت العملية دخلت مخفية هويتها ونقطة اتصالها وذلك بالتسلل عن طريق شبكة كمبيوتر بإحدى مختبرات المعلوماتية في جامعة درسدن Dresden  بألمانيا، وقد وجهنا مراسلة رسمية للجهات المعنية في الجامعة وأحطناها علما بجميع التفاصيل التي بحوزتنا. علما وأنه في نفس الساعة وقعت محاولة السطو على موقعنا أيضا tunisnews.net .

أنتم متواجدون على الساحة الإعلامية المهجرية في العلن منذ 7 سنوات فلماذا الآن فقط تقع هذه القرصنة؟  

أولا ليست هذه هي المرة الأولى، فقد سبق أن حصلت عدة محاولات لإغراقنا بالفيروسات (نجحت واحدة منها لكنها لم تعطل عملنا إلا لأيام معدودة) ومع أنها لا زالت مستمرة لكن حدتها تراجعت في الأشهر الأخيرة. أما لماذا تقع هذه القرصنة اليوم فليس بإمكاننا الإجابة بدقة حيث أن طيف التخمينات والاحتمالات واسع جدا لكن الواضح أن وجود مصدر « مغاير » ومستقل ومتوازن للمعلومة والرأي المتعلقين بالشأن التونسي يُزعج كثيرين داخل السلطة وخارجها بلا ريب.     ما هي انعكاسات هذه القرصنة على منبركم إعلاميا وإخباريا وسياسيا وهل أثرت على تواصلكم مع القراء؟ وهل يمكنكم استعادة قائمة المشتركين معكم ومعاودة إرسال النشرية عبر البريد كما كنتم من قبل أم أن هذه العملية معقدة تكنولوجيا؟   الحمد لله، كان تأثيرها محدودا جدا حيث تعطل النسق العادي للإرسال اليومي لقائمة مراسلاتنا لبضعة أيام لم نتمكن خلالها من التواصل مع جميع المشتركين في القائمة لكن، بما أن قائمة المشتركين عندنا محفوظة على أكثر من وسيلة – تداركنا الأمر شيئا فشيئا ونجح الفريق التقني لتونس نيوز بعون الله في إطلاق خدمة جديدة في بداية شهر أكتوبر شملت جميع المشتركين القدامى والآلاف من المشتركين الجدد.      هل يمكننا معرفة بداية انطلاق فكرة بعث منبر تونس نيوز وهل كنتم تتصورون مثل هذا الانتشار؟  

أولا لم يكن هناك انطلاق حقيقي أي لم يكن هناك قرار مسبق تم الاتفاق عليه أو التخطيط له. ما حدث ببساطة هو أنه حصل – بفضل وتسخير من الله تعالى – لقاء بنّاء بين مجموعة من أبناء هذا الوطن مزج بين توافق على أمور أساسية وجوهرية ( تتلخص في أن الوطن التونسي يجب أن يكون ملكا مُشاعا لكل التونسيين وأنه لا بد للتونسيين أن يتعرفوا على أفكار بعضهم البعض وأن يتحاوروا ويتجادلوا ويختلفوا ولكن في إطار الثوابت الوطنية لأنه ليس هناك أي خيار آخر للجميع) إضافة إلى تواجدنا في مناخات من الحرية وتوفر الوقت والصحة وشيء من المال وإمكانية الارتباط تكنولوجيا وماديا بالإنترنت. هذا اللقاء حصل بالضبط قبل فترة بسيطة من الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس لشهر أكتوبر 1999 وحينها أطلقنا قائمة مراسلات محدودة جدا تضم عددا من الأصدقاء التونسيين (معظمهم من اللاجئين السياسيين أو من المقيمين في الخارج منذ فترة طويلة) وأسميناها Liste99. وكنا نجمع فيها مواد منشورة على الإنترنت أو مقالات تصدر هنا وهناك حول تونس ثم شيئا فشيئا بدأ عدد المشتركين ينمو بسرعة، فقررنا استعمال الوسائل المجانية المتاحة على الشبكة وهكذا أطلقنا رسميا يوم 1 ماي 2000 قائمة مراسلات « تونس نيوز » عن طريق موقع المجموعات egroups.com الذي اشتري فيما بعد من طرف موقع ياهو Yahoo للمراسلة المعروف. بعد ذلك وقع تبني المشروع والفريق من طرف جمعية أنصار الحرية في السويد مشكورة، فتكفلت الجمعية بالدعم اللوجستي بينما واصل الفريق عمله اليومي بكل استقلالية. علما وأن جل أعضاء الفريق غير معروفين بالنسبة لجمعية أنصار الحرية.  لقد فهمنا منذ البداية أن المادة الإعلامية التي نوفرها للمتابعين تحظى بالاهتمام لكننا لم نكن نتخيل أبدا تحقيق مثل هذا الانتشار.  

فريق تونس نيوز يساهم بجهد إعلامي وطني محترم ومع ذلك بقي هذا الفريق طيلة كل هذه السنوات يشتغل في الظل لا أسماء ولا صور فلو سمحتم من أنتم؟   ما هي الفائدة من الأسماء والصور؟ ماذا ستضيف إلى قيمة العمل المنجز أو إلى مصداقية الجهد اليومي الذي يستفيد منه كثيرون داخل تونس وخارجها؟ لقد اخترنا منذ البداية أن نكون فريقا (لا أفرادا وشخصيات) من المتطوعين (لا نتقاضى أي أجر على ما نقوم به) المستقلين (لا نتلقى أي مليم من أي طرف كان) العاملين من أجل المساهمة في إعلام التونسيين بكل ما يحدث في بلادهم ورفع درجة وعيهم ومعرفتهم بحقائق الأمور في بلادهم ومحيطهم المغاربي والعربي والدولي إضافة إلى توفير ساحة افتراضية حرة لإجراء حوار جدي وتعددي ومسؤول بين كل التيارات والأحزاب والفرقاء الموجودين على الساحة التونسية.   البعض يفسر عدم ظهوركم للعلن بأنه تواضع منكم والبعض الآخر يرده إلى العقلية التنظيمية وآخرون يفسرونه بأنه احتياطات أمنية فماذا تقولون أنتم المعنيون؟   نحن نقول أنه لا علاقة له بأية عقلية تنظيمية فهذه مسألة تجاوزناها منذ زمن بعيد، أما عن التواضع فنحن نسأل الله تعالى أن نكون من المتواضعين وأن تكون نيتنا من خلال هذا العمل خالصة لوجهه الكريم، أخيرا، هناك احتياطات أمنية بلا شك لأننا لا نريد أن يتحول أي من العاملين في فريق تونس ولا أي فرد من أفراد عائلاتهم أو أقاربهم أو أحبابهم إلى رقم إضافي في سجون الديكتاتورية التي أسست استراتيجياتها على تكميم الأفواه ومصادرة حق وصول التونسيين إلى المعلومة ومنعهم من الحق في التعبير والتفكير والتنظم والنشاط المستقل عنها وعن الأطر التي وضعتها. هناك نقطة إضافية، لقد اخترنا عدم الظهور للعلن لأن نرفض – وبشدة – أن تتحول المآسي الرهيبة التي تعاني منها بلادنا (المساجين السياسيون، المسرحون المنبوذون في وطنهم، التعذيب ومآسي السجون والعائلات، المنفيون، البطالة، القمع بشتى أنواعه..) إلى أداة لأي نوع من أنواع المتاجرة والتكسب أو إلى وسيلة للحصول على الحظوة أو الشهرة أو أي شكل من أشكال الامتيازات. كما أننا أردنا أن ننأى بأنفسنا عن مطب النجومية والزعامة ضمانا لديمومة العمل واستمراريته وابتعادا به عن الحساسيات بشتى أنواعها.       بعد إذنكم أنتم مرابطون على مر السنة تشتغلون باستمرار دون عطل ولا انقطاع فهل هذا الجهد يسبب لكم بعض الهموم العائلية؟   بلا شك هناك بعض الأشياء من هذا القبيل، ومع أن هذه الهموم تعتبر ضريبة عادية لعمل تطوعي من هذا القبيل لفائدة الوطن والمواطن إلا أن الفضل الكبير في تخفيف حجم المشاكل والتقليل من آثارها يعود أساسا – مثلما قلنا في مرات سابقة- إلى الدعم الهائل والسند الكبير الذي يلقاه أفراد الفريق من جانب الزوجات الكريمات اللواتي تحملن الكثير – ولا زلن – على مدى السنوات السبع الماضية. فشكرا لهن على سعة البال وجميل التحمل وحسن العون.     هل أنتم متفرغون أم نصف متفرغين أم متطوعون؟ وهل تعتبرون أنفسكم جزء من الحراك السياسي أم مديري الحوار أم لاعبون أساسيون؟

 نود الإشارة بداية إلى أنه وبعد الرجوع في كل مساء من العمل الذي نقتات منه، نخصص جزءا من السهرة لواجباتنا العائلية ونقضي بقية الوقت (أي إلى حوالي منتصف الليل وفي كثير من الأحيان إلى ما بعد ذلك) لإعداد النشرية وإرسالها ثم وفي الصباح الموالي نكون متواجدين في أماكن عملنا. ونحن على هذا النسق منذ انطلاق النشرية، لذلك نرجو أن يتفهم الجميع ظروفنا وأن لا يطالبنا الناس بما لا نطيق. بالعودة إلى السؤال، نقول إذن نحن متطوعون ونعتبر أنفسنا مجرد مساهمين في إدارة وتنشيط الحوار الوطني المتعطل منذ أكثر من 18 سنة، وفي حقيقة الأمر، هو حوار متعطل ومبتور ومجمد منذ استيلاء حزب الدستور على مقاليد السلطة بالكامل في البلاد بعد تصفيته لأول فصيل من المعارضين له (أي اليوسفيين) في الأشهر الأولى من الاستقلال. ليست لدينا أوهام بأننا أصبحنا لاعبين أساسيين فنحن لا نتحرك داخل الوطن ساحة النضال الحقيقي، كما أننا لسنا حزبا سياسيا أو تيارا فكريا بل نحن تجربة إعلامية محدودة قد تكون فريدة أو استثنائية لكن دورنا لا يتجاوز هذا السقف.      ما هو سر استمرارية هذا المنبر وهل فكرتم يوما في الاسترخاص قصد الراحة أم أنكم أصبحتم رهائن للقراء والمتابعين؟   نعتقد جازمين أن توفيق الله عز وجل وحفظه هو السر الحقيقي الكامن وراء استمرارية هذا المنبر، أما الأسباب الأخرى – وهي أيضا من تيسير المولى الكريم – فتتمثل في توافر مجموعة من الظروف المادية والموضوعية والنفسية التي ساعدت على ديمومته كل هذه الأعوام وفي اقتناع القائمين عليه بأنهم يؤدون واجبا شرعيا ووطنيا لا يمنون به على أحد ولا يرجون جزاء عليه من أي كان. صحيح، لقد فكرنا في أكثر من مناسبة بالاسترخاص لفترة محدودة من مشتركينا وقرائنا الكرام ولكننا كنا نتراجع عن ذلك في اللحظة الأخيرة ليس لأننا أصبحنا رهائن للقراء والمتابعين ولكن لأن المشروع الذي انطلق بسيطا تحول إلى مُنجز مهم يلعب دورا محترما في الساحة التونسية وهذه مسؤولية ثقيلة بل ثقيلة جدا بالنظر إلى ما يعرفه الوضع التونسي من انسداد وضبابية ومظالم وتعقيدات.   هل تقرؤون كل ما يرد عليكم من مقالات وعرائض وبيانات ونصوص وحوارات وتقارير وروبورتاجات؟ وما هي المقاييس المتبعة لديكم في ترتيب المقالات ؟   بالطبع، نحرص كل الحرص على قراءة كل ما يرد علينا (بل ونقوم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا بتصحيح الأخطاء اللغوية والنحوية فيها) ولكننا سنكون مجانبين للحقيقة إن قلنا إنه لم تحدث زلات أو أخطاء بسبب عدم الانتباه أو ضيق الوقت أو زحمة العمل أدت إلى نشر بعض النصوص التي تضمنت قذفا أو تعريضا بغير حق أو افتراءات أو معلومات غير دقيقة. لذلك، نقوم بالاعتذار علنا كلما حصل خطأ من هذا القبيل، كما نضطر أحيانا عند تراكم المواد إلى تأجيل نشرها من أجل قراءتها والتثبت مما فيها وهو ما يؤدي إلى « زعل » بعض الكتاب لاعتقادهم بأننا نقوم بعمل تمييزي ضدهم أو بصنصرة مقالهم لكن الأمر أبعد ما يكون عن هذا. أما ترتيب المقالات في الرسالة اليومية فهو لا يخضع لمقاييس معقدة حيث عادة ما تمنح الأولوية للمسائل المرتبطة بحقوق الإنسان والحريات ثم بأحدث البيانات والأخبار ثم مقالات الرأي والتحليل والردود.     الكثيرون يذكرون أن تونس نيوز منبر يتمتع بمصداقية من حيث الخط العام، غير أنه من حيث الشكل الفني وجمالية الإخراج بقي متواضعا ولم يتغير؟   هذا صحيح، يكمن السبب وراء ذلك في تركز اهتمامنا على المضمون بشكل أساسي ثم في محدودية إمكانياتنا المادية وفي افتقار فريقنا إلى خبراء متطوعين في مجال تصميم المواقع والتقنيات المعلوماتية عموما. لذلك اكتفينا بإعداد موقع بسيط جدا يضمن الوصول إلى المادة الموزعة عبر البريد في نفس يوم النشر مع إمكانية العودة إلى الأرشيف الكامل للقائمة. وبما أننا فريق محدود العدد فإن الأهم مقدم على المهم والأهم بالنسبة لنا يتمثل في البحث عن المعلومة ثم جمعها وتبويبها وإيصالها إلى المعنيين بها وخاصة في داخل البلاد التونسية أما المهم مثل تحسين الشكل الفني للمراسلة أو جمالية إخراج الموقع فسنقوم به حالما يتيسر ذلك إن شاء الله.   هل تصلكم رسائل شخصية من بعض الشخصيات في السلطة حول موقعكم أو حول شيء آخر؟   لا لم تصلنا رسائل شخصية (أي ممهورة بتوقيع واضح يحمل الهوية الشخصية كاملة) من بعض الشخصيات في السلطة لكن تصلنا العديد من الرسائل الموقعة بأسماء مستعارة يُحتمل أن يكون أصحابها قريبين من السلطة أو يتقلدون مواقع فيها لكن لا يمكن لنا الجزم بأي شيء بهذا الخصوص رغم معرفتنا الأكيدة من مصادر موثوقة بأن العديد من كبار المسؤولين في الدولة والحزب الحاكم يحرصون على الإطلاع على تونس نيوز بشكل منتظم.    هناك من يعتبركم منحازون إلى جهة سياسية ما نذكر من بينهم الشيخ خميس الماجري الذي يذكر بالقول والبيان أن حقه في الرد والنشر صودر عدة مرات من طرفكم  وكذلك آخرون فما حقيقة هذا الأمر؟   نحن حريصون على التمسك باستقلاليتنا عن جميع الأطراف مهما كانت. وبالعودة إلى كل ما نشر على صفحاتنا على مدى الأعوام السبعة الماضية ستجدون الدليل الساطع على ذلك. أما بالنسبة للسيد خميس الماجري فيمكن لكم العودة إلى أرشيف تونس نيوز للتأكد بأنفسكم من أن حجم المساحة التي توفرت له على صفحاتنا تفوق بأضعاف الأضعاف ما مُنح لمن انتقدوه أو عارضوه. وفي العادة نحن لا نحجّر على أحد ولا نُصادر حق أي كان في الكتابة أو الرد ما عدى ما يحظره قانون الإعلام في بلد المقر أو ما تمنعه أخلاقنا وقيمنا الإسلامية من تجاوزات في حق الأديان والأنبياء والرسل والمقدسات. كما أننا نرفض أن تتحول مساحة الحرية الثمينة المتاحة لنا إلى حلبة سجال طائفي أو مذهبي أو فقهي لا يقدم ولا يؤخر.

وعموما فإن رضى الناس غاية لا تدرك خاصة إذا كان هؤلاء يعتقدون أنهم وحدهم يملكون الحقيقة المطلقة.       هناك من يحسبكم على المستقلين وفريق آخر على الإسلاميين الوسطيين المعتدلين ومنهم من يحسبكم على الوطنيين وبعضهم على حركة النهضة. فأين أنتم من كل هذه الأقاويل؟   نحن مواطنون تونسيون عرب مسلمون نريد الخير والسؤدد والرقي لبلادنا ونرفض الإقصاء والمغالطة والقمع. قررنا – اعترافا منا بفضل آبائنا وأمهاتنا ومعلمينا وأساتذتنا وبلدنا علينا – أن نتطوع بشيء من وقتنا ومالنا وجهدنا وإمكانياتنا من أجل تقديم خدمة إعلامية عصرية متوازنة وأمينة وتعددية لفائدة أبناء وطننا في الداخل والخارج للمساهمة في كسر حجب التعتيم والانغلاق ولتمكين كل المحرومين من التعبير عن أنفسهم من منبر يحترمهم ويمكنهم من التواصل مع بقية أبناء وطنهم. نحن نعمل في فريق تونس نيوز بصفاتنا الشخصية وليس بناء على انتماءاتنا الحزبية أو توجهاتنا الفكرية أو الثقافية أو الجهوية ونحرص أشد الحرص على تمكين كل تونسي مهما كان موقعه أو انتماؤه من حقه الإنساني الحيوي في حرية التعبير لأننا على يقين بأن الأوطان العزيزة لا تُبنى إلا بالمواطنين الأحرار المتمتعين بكرامتهم التامة وبحقوقهم كاملة غير منقوصة.

من موقعكم كيف تنظرون للوضع التونسي وما هو الممكن المتاح للخروج من هذا المضيق؟  

سؤال عسير عُسر الوضع التونسي نفسه.

نحن نرى من خلال التعاطي الإعلامي اليومي مع مختلف التيارات والأحزاب والفعاليات التونسية أن شعبنا ووطننا لا يستحقان الحالة التعيسة التي يُوجد عليها على المستوى السياسي والحقوقي والإعلامي والثقافي والاجتماعي. كما نعتقد جازمين أن تونس تتسع لكل أبنائها وبناتها وأنها قادرة على تقديم واحد من أفضل نماذج التعايش الديمقراطي السلمي المدني المتحضر في العالمين العربي الإسلامي. في المقابل، هناك فئة أو سمها أقلية متطرفة ممسكة بمفاصل السلطة والقرار والنفوذ في البلاد ومرتبطة بأجندات داخلية أو خارجية مشبوهة غير مستعدة لأي تنازل وغير قابلة بأي حلول وسط بل تبدو مستعدة لإغراق السفينة برمتها مقابل الحفاظ على امتيازاتها ومصالحها ومواقعها ومكاسبها. لذلك لا يمكن الخروج من هذا المضيق إلا بتظافر جهود جميع المخلصين والوطنيين والشرفاء من أجل التوصل إلى عقد اجتماعي جديد يجنب بلادنا مصيرا خطيرا وهزات مروعة قد تأتي على الأخضر واليابس لا سمح الله.      بعض قيادات الجبهة الجزائرية وعلى رأسهم السيد رابح كبير عادوا من المنفي في إطار قانون الوئام الوطني، فهل انتم متفائلون بعودة المهجرين التونسيين قريبا أم ستبقى تونس استثناء؟   عودة المنفيين التونسيين كما الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين لا تتوقف إلا على إرادة سياسية واضحة وراسخة من طرف أعلى هرم السلطة لطي صفحة سنوات الجمر والرصاص التونسية. وفي ظل غياب هذه الإرادة (رغم مؤشرات محدودة جدا عن احتمال حدوث تغير طفيف في الوضع)، نظل متفائلين لأن وعد الله صادق لا يكذب: « إن مع العسر يُسرا.. إن مع العسر يُسرا ».    ماذا تقولون لكل الفرقاء سلطة ومعارضون وقراء ؟    نقول لهم جميعا من منطلق الأخوة وحق الوطن المشترك ارتفعوا بأنفسكم فوق الحسابات الضيقة وتساموا على الأحقاد والنزوات والضغائن وتأملوا في أي مستقبل ينتظر أبنائكم وبناتكم وأحفادكم إذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال في البلاد والعالم يتحرك ويتغير من حولنا بسرعة جنونية. نقول للسلطة إنها تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية باعتبارها الحاكمة والمتصرفة في البلاد وأن عليها أن تبادر لنزع فتيل التوتر وإشاعة الاطمئنان في القلوب وإقرار العفو التشريعي العام تجاوزا لكل مظالم الماضي وأخطائه وتأسيسا لانطلاقة جديدة تسع الجميع ولا تستثني أحدا. ونقول للمعارضة أن تحرص على أن تتجمع على الحد الأدنى وأن تتحلى بأكبر قدر من الجدية حتى يستمع لها الشعب ويمنحها ثقته يوما ما لقيادة البلاد. أما السادة القراء فنقول لهم أعينونا بالنصح وإن أخطأنا فلا تترددوا في تقويمنا.     

(المصدر: الموقع الإعلامي لحركة 18 أكتوبر بتونس (هيئة ألمانيا) بتاريخ 26 ديسمبر 2006)

الرابط: http://www.aktion18oktober.com/upload/up/T%20Labidi261206.htm

 


 

المشروع الإسلامي التونسي ونزيف الانسحابات (2/3)

الجــــــزء الثــــاني

 

د. خــالد الطــراولي

ktraouli@yahoo.fr

لو أردنا تشخيص حالة النزيف الذي طال أصحاب المشروع الحركي التونسي بأكثر دقة بعيدا عن التجريح والشخصنة المباشرة، فهمّنا هو البناء على وعي، والإصلاح على رويّة، وليس الهدم والثلب وردات الفعل، لأبرزنا تبويبا مقلقا ومسارا يدعو إلى الكثير من الحيطة والحذر على مستقبل المشروع السياسي إجمالا، ويضعه في مفترق طريق رهيب، بين غلبة منحى الإقصاء، أو التعامل الحضاري الراشد والرصين. فيمكن الحديث عن أصناف ثلاثة لهذا التوجه، متمثلا أساسا فيما سنصطلح على تسميتهم بالخروج السياسي والخروج المعيشي والخروج الفكري، وكلها حالات عنونّا خروجها حسب المآل الذي تواجدت فيه بعد مغادرتها، أو للأسباب التي دعت لهذا الانسحاب.

 

الخــروج المعيشــي

وهو يمثل في الأغلب حالة إنسانية، حيث أظهرت للعموم أن الفرد الإسلامي ليس نجما طارقا واستثناء داخل فلك الظاهرة الإنسانية، حيث لاحقته عناوين الجيل الفريد والنخبة الخاصة والصفوة المتميزة، فكان المطلوب منه يتجاوز في بعض أحيانه قدرته على التحمل والقبول بالضريبة العالية والثمن الباهظ لمواجهة الاستبداد والوقوف والمقاومة، حيث أن الناس معادن وطاقات مختلفة ومتنوعة، منها الصلب الذي لا ينكسر ومنها اللين الذي ينحدر، وهو إنسان قبل هذا وذاك، بما يحمل من تضاد الثنائيات من خوف وشجاعة، وحزم وتسيب، وصبر وسقوط، ومقاومة وتنازل. ولسنا هنا في إطار التقييم أو الشتم والذم وتوجيه أصابع الاتهام والتخوين، فلكل أسبابه ومنطلقاته وتبريراته، غير أننا من منطلق محاولة فهمنا لها كظاهرة رجت المشروع وأعقبت تساؤلات حوله، فإننا نزعم أن خلطا كبيرا وقع بين مطالب النخبة وبين مطالب العامة، فليس المطلوب من الصفوة والقيادة والرواد، كالمطلوب من الفرد العادي والعوام، حتى وإن وجدوا أنفسهم في بعض الثنايا والأزمنة في علو وارتفاع. ولذلك فإن الخروج المعيشي هو في أقصى الحالات غربلة وانتقاء، ولكنه يبرز كذلك وهو الأهمّ، خللا في التكوين وخللا في المتابعة وخللا في الإطار التنظيمي.

 

وإذا كانت المحنة وما اصطحبها من ويلات وتشريد وسجون، قد تشفع عند البعض من هذا التردي لبعض الأوضاع الذي ولّد هذا النزيف، وأن طولها وشدة عذاباتها وحنين الأوطان قد يغلب طبع البعض وتطبّع البعض الآخر ولو كانوا قادة ورواد، وتبرر هذا الخروج المعيشي بعيدا عن آليات التنظيم وثقافته، فإننا نكرر أن هجرة الأوطان لم تكن فقط فرارا بالأجساد من هول المأساة، ولكن أيضا فرارا بالمشروع، وهذا المشروع لم يعد! ومهما كان طول الرحلة وعذابات السفر، فإن تشكل عقلية الصبر والمصابرة والثبات والمقاومة السلمية قولا وكتابة وممارسة، وثقافة النموذج والقدوة، وإطار التجاذب الحر والنزيه، درئا لليأس والإحباط، لعلها لم تكن بالوزن الضروري والحاسم لمثل هذه الأحوال في تكوين العنصر المنتمي ومتابعته، قائدا كان أو قاعدي.

 

الخــروج السيـــاسي

وهو حلقة مثيرة لهذا النزيف حيث تبين أن خللا هيكليا وقع داخل الإطار التنظيمي حيث لم يسمح هذا الأخير بتواجد أكثر من تصور حركي وسياسي داخله، ولم يسع إلى بلورة إطار وآلية داخلية تحمي حق الاختلاف والتنوع وتوجد منافذ تنظيمية لتفعيله. وبعيدا عن ردات الأفعال والسقوط في الأحاديث الهامشية والجانبية والاتهامات المتبادلة… فإن الخروج السياسي يمثل في الحقيقة هزيمة للمشروع في كيفية تنظمه وآلية قراراته وخططه، و عن عجزه في عدم استيعاب الرأي الآخر والكلمة المخالفة والطرح الموازي. ومهما كانت التبريرات والتفسيرات لحالات هذا التجاذب الداخلي الذي أفرز الخروج، ولعل في بعضها صواب، فإن الانشقاق السياسي يمثل رجة تجاه البناء الحركي في تواجد خلل داخلي في آلياته.

 

لقد حمل الخطاب الخارجي والأدبيات المكتوبة والمسموعة ثراء  في وجهات نظر واجتهادات معتبرة في مجال حق الاختلاف والتنوع، وهو ما وجب تنزيلها بكل أمانة وصدق حتى لا يختل البناء وتعلو الازدواجية أو التناقض بين التنظير والتفعيل.

 

إن مضاعفات الخروج السياسي كبيرة ولا يستهان بتأثيراتها، ففي غياب التوظيف السليم والجماعي لما بعد الخروج وهو ليس بالسهل، فإنه كثيرا ما تصحبه مرارة ومعاناة داخلية لا تنتهي، حيث يغلب على صاحب المأساة الإحساس بالجور في حقه مما يولد في العديد منها إما رغبة في « الثأر » وتصفية حساب ونشر الغسيل على المكشوف ومحاولة البناء على ردة الفعل وهو أتعس البناء وأفشله، أو اللواذ بالصمت ومحاولة نسيان الماضي ورفقة الأمس، والخروج مكرها من التاريخ… أو الالتحاق بفضاءات سياسية أخرى ولو على حساب المرجعية أحيانا من أجل حق الحياة والبقاء.

 

الخــروج الفكـــري

وهو حسب ظني أخطره لأنه ليس اختلافا حركيا أو معيشيا لا يتجاوز المشروع ويغادره فقط، ولكنه يطرح بناء وتصورا فكريا يمكن أن يكون في تضاد وتصادم مع مرجعية المشروع ذاته وفلسفة بناءه الفكري، ومنظومته القيمية، وتنزيلاته السياسية والاقتصادية والثقافية. فالدعوة إلى تبني الطرح الليبرالي، كمنظومة فكرية وفلسفية أو كمشوار سياسي ذو مرجعية فكرية ليبرالية، إنما يمثل أقصى ما يمكن أن يحدثه هذا التوجه من رجة كبيرة للمشروع الإسلامي، وطرح تساؤلات عميقة عن جدواه وفعاليته وربما وجوده أصلا! ولا تهمني حقيقة في هذا المجال الذي لا يحمله موضوع المقال، الحديث والدخول قي التجاذب بين الأفضلية والصلوحية والتفوق بين المشروع الإسلامي الإصلاحي المدني، في مستواه الإجرائي والحضاري، الذي أتبناه وأعض عليه بالنواجذ، وبين المشروع الليبرالي الذي أحترمه ككل المشاريع الإصلاحية، وأثمّن ما حواه باب الحقوق السياسية، ولكني لا أرى له مستقبلا جماهيريا داخل ديارنا، وتعتريه الكثير من التساؤلات الفكرية والفلسفية والميدانية داخل دياره.

 

إن ما يهمنا في هذه الورقة المتواضعة وهو جوهر المقال، أن هذا التوجه الجديد يؤكد أن الحالة التي عليها المشروع الإسلامي في الإجابة على العديد من تحديات الواقع ومستجداته، تبدو مهتزة أو ضعيفة أو غائبة، وأن العديد من التساؤلات حول أطروحاته، السياسية منها، وخاصة الاقتصادية، لم تجد الإجابة الكاملة والواعية والعميقة، ولم تثلج صدور السائلين، أو تشفي غليلهم، ومثلت ولا تزال أحد فجوات المشروع وفراغاته المحيرة. ولن تشفع المصطلحات الفضفاضة ولا الشعارات الجوفاء في ملئ هذا الفراغ وكسب المصداقية المرجوة. كما لا يهوّن عمق الأزمة الحديث المهتز والمتكرر حول اختلاف مشاريع المعارضة مع مشاريعها وهي في الحكم، فدعها حتى تقع ولكل مجال مقال وحديث! ولا نعني في طلبنا هذا البرامج التفصيلية والتي يستدعي إنجازها معايشة الواقع اليومي للناس وهو شيء معدوم اليوم نظرا لحالة الرفض والاستبداد وقمع الحريات وإقصاء أصحاب المشروع الإسلامي جملة وتفصيلا عن المشهد العام.

 

إن الخلل يبرز أكثر وضوحا وأشد إيلاما في عدم وعينا بهذا النقص الفادح الذي يحمله المشروع الإسلامي التونسي، وفي الخلط الخطير الذي وقعنا فيه في ارتهان كل المشروع بالمطالب الحقوقية للمرحلة، حيث بدعوى أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وقع التغاضي عن البناء المعرفي والفكري للمشروع، وكان من الممكن مسايرة الغضبة الحقوقية والممارسة الميدانية مع وجود إنتاج فكري خصب يمثل باكورات تكوّن المشروع، عبر إنشاء مركز بحوث وتفرغ أفراد للبناء، خاصة أن إطار الحريات في المهجر يدعم وييسّر مثل هذا التوجه.

 

ليس الخطأ في المشروع السياسي المدني ذي المرجعية الإسلامية الذي نتبناه وسنبقى أوفياء له ما حيينا، ولا في القراءة والمقاربة التي نلتزم بهما، فهذه المرجعية بما تحمله من ثراء وتنوع، تجعلنا في حالة أسلم وألطف وأيسر لرفع تحدي عملية البناء، رغم شقوتها وعنائها، وإعطاء الأجوبة الممكنة بكل ثقة في النفس وجرأة على الحق، بعيدا عن قدسية الأفكار وعصمة الأفراد، وفي إطار من التعايش السليم والجريء بين هذا المنقول في ثراءه، وبين المعقول في تجلياته، وبين هذا الواقع الخصب في تحدياته.

ـ يتبــــــع ـ

المصدر : موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net

 


لـمـاذا لـم يُـنـجـز الـحُـرّ ما وعـد؟

تعقيبا على مقال محمد حداد

الحبيب أبو وليد المكني

Benalim17@yahoo.fr

 

تطالع هذه الأيام تداعيات قضية  » اكتشاف ممارسة بعض الشباب المصري لرياضة الكاراتي  » المتمثلة في قيام السلطات المصرية بشن حملة من الاعتقالات الواسعة في صفوف جماعة الإخوان المسلمين لم تتجه إلى قاعات ممارسة هذه الرياضة الإرهابية ؟؟ ولكن اتجهت إلى ما جاء في هذا التقرير الإخباري «  وقامت السلطات باعتقال أحمد أشرف مدير دار التوزيع والنشر الإسلامية، وأكثم الطويل صاحب دار البشائر، والدكتور محمد حافظ، ومدير شركة حياة للأدوية، والمهندس أحمد شوشة صاحب شركة مقاولات، وتمت مصادرة مبالغ مالية تقدر بـ165 ألف جنيه. وشنت سلطات الأمن حملة وصفتها الجماعة بـ«الشرسةً» أغلقت خلالها عددا من دور النشر والمكتبات الإسلامية، وقامت بتشميع أبوابها، كان على رأسها مكاتب دار التوزيع والنشر الإسلامية، ودار البشائر بالهرم، ومكتبة الإعلام بمدينة نصر، ودار الطباعة للنشر والتوزيع، وتم تشميع المخزن التابع لدار التوزيع والنشر بمدينة قليوب، وإغلاق المطبعة التابعة لدار الطباعة للنشر والتوزيع بمدينة العاشر من رمضان، وإغلاق مكاتبها بمدينة نصر…. »

 

وفي نفس الوقت بكتب باحثان جامعيان تونسيان  على هامش الأحداث التي تشهدها المنطقة فيعلن الأول وهو المدعو محمد حداد عن مسؤولية الحركات الإسلامية عن الثالوث الخطير الذي يعصف بالأمة في هذه المرحلة من تاريخها :الطائفية و الإرهاب و الفتنة .أم الثاني وهو المدعو زهير الشرفي فيكشف عن ذكائه الخارق الذي تفوق به عن كل الملاحظين فيعلن أن المشروع الحقيقي الأمريكي الجديد هو تقسيم المنطقة العربية و وسيلته في ذلك ليس الجيوش التي أتى بها و التي تطوق المنطقة من كل الجهات و ما توفر لها من دعم لوجستيكي بمختلف المستويات الإعلامية و السياسية و المالية ولكنه تقديم الدعم المباشر والعير مباشر لحركات المقاومة الإسلامية ومن ذلك إجراء الانتخابات حيث من المرجح أن تفوز هذه الحركات وشن الحروب لزعزعة الاستقرار و فتح المجال أمام هذه الأوساط لتوسيع نشاطها وفرض سيطرتها كما جرى في العراق و أفغانستان و لبنان و ما إلى ذلك من كلام على هذا القياس « العلمي الخارق » الذي كان ينقص العرب طوال العصور السابقة ويبدو أن الفرج قد حل علينا أخيرا، لندرك بهذا الذكاء التونسي الأخاذ ما خفي علينا من قبل (1)

 

و في المقالين ليس هناك كلمة واحدة عن الاستبداد و أدواره في تخريب الدول و الاستعمار القديم والجديد و مسئوليتهما عن فرض التخلف و عوامل الضعف والاحتلال الصهيوني و المؤامرات التي يحيكها من أجل الإبقاء على واقع التجزئة و الجهل و الفرقة وليس هناك إشارة من قريب و لا بعيد إلى ما تمارسه الأنظمة العربية من تنكيل و تعذيب وعمليات إخصاء و إعاقة في الداخل و ما تمارسه من سياسات العمالة والخيانة و التبعية تجاه الخارج …فكل مصائب الأمة و إخفاقاتها  المتتالية نتجت عن ظهور الصحوة الإسلامية و تعبيراتها السياسية و الثقافية … جميل جدا  ؟؟  و لا مجال بعد هذا لمزيد البحث و الدراسة و التحليل ، لقد عرفنا السبب و بطل العجب و هلموا للكفاح بالقلم والمدفع و الرشاش لمقاومة العدو الذي طالما تستر بشعارات دينية  براقة ، و نجح هاذين الكاتبين بأن بكشفا عنه الغطاء دون حاجة إلى مفتشين و كلاب مدربة ، و الشكر كله يجب أن يتوجه إلى الجامعة التونسية و مخبريها الذين يحملون صفة الباحث والأكاديمي ..

 

يبدأ السيد محمد حداد في مقالته التي نشرت ضمن ملحق « تيارات » لصحيفة الحياة التي تصدر  بأموال خليجية تنويرية عكس قناة الجزيرة التي تبث بأموال خليجية رجعية ؟؟ كما يلي  »        

تقول الأساطير الشرقيّة القديمة إنّ نوحا حمل على ظهر سفينته ثلاثة أبناء هم سام وحام ويافث فمنهم انحدرت شعوب المعمورة. وإذا كان هذا الثالوث قد صنع الذاكرة الأسطوريّة للبشرية فإنّ أسطورة الإسلامويّة الحديثة التي تقول إنّها ستعيد أمجاد الأمّة قد فرّخت أبناء ثلاثة هم الطائفيّة والإرهاب والفتنة. إنّه الثالوث الذي خرج من رحم الإسلامويّة وسيقبرها اليوم ويقوم بديلا عنها ويحمّل الأمّة المثقلة بالمشاكل والمآسي مزيدا من الضعف والوهن. »

 

أراد محمد حداد أن يبدأ مقاله بالإشارة إلى ما يسميه بالأسطورة القديمة  ليتناغم مع الموضة هذه الأيام في الكتابة « الجامعية ، فكل من يدعي في العلم فلسفة يختار مدخلا « أنثروبولوجيا  » يريد به إثبات قدرته على فهم عمق قضايا المجتمعات انطلاقا من الأساطير القديمة وما لها من نجاعة رمزية ؟؟ ولكن خيب الله مسعاه في هذه الحالة إذ لا علاقة مطلقا بين عدد أبناء نوح الثلاثة و ثالوث الطائفية والإرهاب و الفتنة الذي يتحدث عنه باحثنا الجامعي المتألق ؟؟ و لا فائدة من المزيد من معالجة هذه النقطة لأنها ستذهب بنا مذاهب شتى في تأكيد تهافت الكاتب وسذاجة مدخله الأنثروبولوجي إذ يمكن لباحث عيره أن يعدد عشرات المآخذ على الصحوة الإسلامية وليس من العلمية في شيء أن يتوقف عن سرد هذه الثلاثة حتى يتناغم كلامه مع أسطورة سفينة نوح القديمة .

 

ومثلما أخطأ باحثنا في المدخل سوف يقع في الإسفاف وهو يلفق الأسباب و المسببات و يعصر مخيلته المريضة والحاقدة لينتهي لنتائج عير منطقية ،إذا صارت منهجا معتمدا في التحليل و الاستنتاج فلن نقدر أبدا على التمييز بين الحق و الباطل ، بين السبب و النتيجة ، بين القتيل و القاتل ، بين الظالم و المظلوم ، بين المقاومة والاحتلال بين الاحتجاج و القمع  وبين الشرف و الوضاعة …

 

يقول صاحبنا  : »  لم تكن المجتمعات العربيّة والإسلاميّة على أحسن ما يرام عندما اكتسحتها الإسلامويّة، لكنّ الطبيب الذي يقدّم نفسه للعلاج فيتسبّب في علّة أكبر يصبح أكثر جدارة بالتنديد من العلّة نفسها التي زعم علاجها. وقد وعدت الإسلامويّة بأنّها ستوحّد المسلمين فانتهت بتأجيج التنازع الطائفي بينهم، ووعدت بتربية أجيال جديدة على الأخلاق الحميدة فانتهت بتفريخ الإرهاب الذي لا يعدو أن يكون إجراما مغلّفا… »

أنظر أخي القارئ معي هنا التشبيه الركيك بين الطبيب الذي يعالج مريضا والجماعة الإسلامية التي وعدت بأن توحد المسلمين ولم تستطع ذلك بل انتهى عملها كما يقول الكاتب إلى تأجيج التنازع ، الطبيب ينفرد بمريضه  يشخص مرضه و يعطيه علاجا قد يسبب له علة أكبر ، هذا الطبيب المخطئ هل منعه أحد من تأدية واجبه؟؟ ،هل حالت السلطة بينه وبين فحص مريضه فألقت به في السجن ثم ادعت أنه مسؤول عن علة ذلك المريض ؟؟ ، ما هذا المنطق ؟؟ أي علاقة بين معالجة المريض في المستشفى و ظاهرة الإرهاب الدولي الإقليمي التي تتجاوز بالتأكيد الخيار الذاتي للإرهابيين  لتجد تفسيرا لها في حالة الغبن التي يشعر بها أحرار الأمة الإسلامية من كل الاتجاهات وذلك الغضب الذين ينحسر في صدورهم من جراء تلك السياسية الدولية التي تكيل بمكيالين وتصب نيران ترسانة أسلحتها الفتاكة على رؤوس العرب و المسلمين ، من المتسبب الأول في هذا الإرهاب وإن كنا لا تقبل بأي مبرر له إذا كان يستهدف المدنيين الأبرياء ، من هو الإرهابي حقيقة ؟ من خطف الجنديين أو من أطلق سلاحه الجوي ليدك لبنان ويستحل دماء شعبه ؟؟ من هو الإرهابي الذي يغذي الروح الطائفية و ينشر الفتنة في مصر اليوم  ؟؟ ، الذي منع طلاب الإسلاميين من الترشح لعضوية اتحاد الطلاب جامعة الأزهر و أطلق عليهم أعوانه من البلطجية و قوات القمع وعندما أسسوا اتحادا موازيا فصلهم من الجامعة و ألقى بهم في الشارع ليتحولوا  بعد حين لجماعة عنف ؟؟ ،أم أولئك الطلاب الذين صبروا حتى لم يعد ينفع الصبر، فاجتمعوا مام مكتبالعميد ليحتجوا بطريقتهم على هذا الظلم و التعسفالذي فاق كل الحدودأمام مكتب العميد ومارسوا حركة احتجاج لوحوا فيها بإمكانية لجوءهم إلى استعمال القوة البدنية ؟؟ ،

 

هل تُرك الإخوان وشأنهم حتى ينفذوا ما وعدوا به من تربية الأجيال و تشييد المؤسسات الاقتصادية التي تسير وفق منهاجهم وتأسيس الأحزاب التي تعبر عن مواقفهم و إنشاء مكاتب الدراسات التي ستنكب على إعداد البحوث العلمية التي بدونها يصبح الحديث عن البرامج السياسية لا معنى له ؟؟ .من الذي يمارس سياسة الإجهاض المنظم على الإخوان في مصر منذ أربع وثلاثين سنة؟ حتى لا يولد لهم مشروع مدني وحتى تستنفذ طاقاتهم في السجون و المنافي و الاستثمار في مشاريع ثقافية وسياسية ونقابية واقتصادية ستقوم السلطة الغاشمة بإلغائها في الوقت الذي تراه مناسبا ،خدمة لعدو و محافظة على توازن الذل و الظلم  والاستبداد … واستغلالا لما جعلوه هم أنفسهم من ضابط عدم الاستدراج للعنف و الوقوع في الفتنة ، وهو ما يكشف عن خلق انتهازي وضيع لا يليق بحاكم مسؤول عن رعاية الوطن وتنميته مثلما هو مسؤول عن أمنه و استقراره 

 

لماذا لا يكتب الجامعيون العرب عن إغلاق شركة لصناعة الأدوية و عدد من دور النشر و المكتبات وإيقاف العمل قي شركة مقاولات ناجحة كما يشير التقرير الإخباري الذي بدأنا به هذا المقال؟؟ أليست هذه مؤسسات مدنية تساهم في نشر الفكر و تنشر المعرفة و تقدم العلاج للمريض وتقوم بالبناء والتشييد .؟؟ أم أن رسوم ملكيتها  تجعلها » مستوطنات صهيونية » مطلوب إزالتها في كل وقت ؟؟ ثم يقال بعد ذلك ما هي الإنجازات التي أضافتها الصحوة الإسلامية لمصر ، هل بنت أهرامات جديدا ؟؟ أم شيدت مثل طلعت حرب مسرحا عظيما بمصر ؟

 

أيها الجامعيون و الباحثون الكبار هل يمكنكم أن تكشفوا لنا عن خطة ناجحة ، بها، يمكن البناء والتشييد مع إطلاق الرصاص الذي لا يتوقف ؟؟، كيف يمكن أن تتراكم أسباب التنمية و هناك سياسة يقظة لهدم الأسس قبل أن تكون قادرة على حمل الجدران ؟، كيف يمكن ـ  سيد محمد حداد ـ للحركات الإسلامية أن توحد المسلمين كما وعدتك وهي مستهدفة في الداخل و الخارج و لو فتحت عينيك قليلا للنظر إلى ما يجري حولك في تونس و ما يعانيه أجوارك من الإسلاميين من محاصرة وتنكيل و تجويع و قتل منظم لما كنت في حاجة إلى مطالعة عاجلة واستنتاجات ساذجة عن الوضع في العراق و أفغانستان حتى تفهم سر عدم وفاء الحر بما وعد. فلا  يستدرجك هواك إلى كتابة ما كتبت …

 

هذه بعض الأفكار أردت أن أعقب بها على مقالة الباحث الجامعي التونسي محمد حداد أما مقال أستاذه زهير الشرفي فليس لي حاجة للتعليق عليه خشية الإضرار بسمعة أبناء بلدي :

 

(1) المقالتان نشرتا في موقع تونس نيوز ليوم 24 ديسمبر 2006

 

 


نقابة:

مـــؤتمــر مفتــــوح

سليم بن عرفة

شهد الاتحاد العام التونسي للشغل في المدة المنصرمة حراكا نقابيا مكثفا بمناسبة الاعداد لمؤتمره الواحد والعشرين بعدما تقدم موعده الى أيام 14  15 و16 ديسمبر الجاري في مدينة المنستير وقد عكس مضمونه ومدلوله التحولات العميقة المطلوبة في استراتيجية العمل النقابي ودمقرطته وتحديثه.

وتتالت  الهيئات الادارية التحضيرية وطرحت للنقاش أرضية نقابية من قبل مجموعة من اعضاء الهيئة الادارية الوطنية تحت عنوان  مواجهة الاستحقاقات المهمة تقتضي تغييرا جذريا، ذات منحى تقييمي نقدي لمرحلة ما بعد جربة  وتتصدى الى  كل مؤامرات الهيمنة والارتداد، والى تفشي  مظاهر الفساد والافساد. وتعتبر أن  الرداءة ليست قدرا، وتدعو المؤتمر الى رسم  خطط وقرارات ملموسة حول المقدرة الشرائية والاستقرار في العمل والتأمين ضد البطالة وضمان الحق النقابي، و تحصين الاتحاد امام  مشاريع التعددية النقابية المشبوهة، و الاسهام في المعركة ضد العولمة الرأسمالية وآثارها المدمرة.

بالتوازي  تبلورت قضايا وملفات كبرى يأمل النقابيون أن تحسم في المؤتمر مثل:

ـ وضع حد لتعثر إعادة هيكلة الاتحاد ومراجعة كل من النظام الداخلي في اتجاه تعزيز دور الهياكل القطاعية الدنيا والوسطى  والقانون الأساسي للمنظمة كالفصل 76 الذي يحد من إبداء الرأي وحرية التعبير والفصول المتعلقة بلجنة النظام الوطنية واللجنة الوطنية للمراقبة المالية بتوسيع دائرة صلاحياتها وربطها بالهيئة الادارية الوطنية وارساء علاقة تنسيق لا تبعية بقسمي النظام الداخلي والمالية والتمسك بمبدإ التداول على المسؤولية عبر تحديد الدورات النيابية لعضوية المكتب التنفيذي واعتماد النسبية في التصويت داخل الهيئة الادارية حسب حجم كل قطاع.

ـ تطوير طرق التسيير بالحد من المركزية المشطة وايجاد حل سليم للمعادلة بين النضالات القطاعية المشروعة وسياسة المركزية النقابية واستراتيجيتها  وهي اشكالية تتطلب المعالجة بشفافية ومسؤولية.

 ـ  المفاوضات الجماعية وسياسة الحوار الاجتماعي.

ـ انحسار الحضور النقابي في مؤسسات القطاع الخاص وضعف تأطير العمال المنتمين للقطاعات الهشة

ـ الحق النقابي.

ـ معظلة البطالة والتشغيل والمناولة وملف التقاعد ومستقبل الصناديق الاجتماعية والصحة والتأمين على المرض والتعليم والجامعة.

  ـ التفاعل البناء مع  مكونات المجتمع  المدني والسياسي والتآزر معها لتحقيق مزيد من الحرية والديمقراطية والعدالة واستقلال القضاء والمساواة بين الجنسين في وطننا.

إن تقديم المؤتمر شدد من الضغط على الأجواء الانتخابية بدرجة اولى  اذ بلغ مجموع المترشحين للمكتب التنفيذي 55  « 12 من المكتب المتخلي و7 كتاب عامين للاتحادات الجهوية، حسين العباسي  عبد الستار منصور  المولدي الجندوبي  توفيق التواتي  بلقاسم العياري  محمد الشابي  سعيد يوسف، و6 نسوة: نعيمة الهمامي  كلثوم شطارة  منجية بن دعدوش الزبيدي  فتحية القصار.. وعدد هام من الكتاب العامين للنقابات العامة والجامعات: خليل الزاوية  قاسم عفية  محمد المنصف الزاهي  المنجي عبد الرحيم  بلقاسم الجمني  عبد الحميد الجلالي  الجيلاني الهمامي  الجنيدي عبد الجواد  مصطفى بن آحمد  البشير عرجون  المنصف بن رمضان  الحبيب بسباس  بدر الهرماسي ومسؤولين آخرين مثل: نزار العمامي  حمادي بن ميم  شاكر بن حسن  زهير العيدودي  عبد المجيد الصحراوي  حاتم الفقيه  علي الطرابلسي  سمير الشفي  النوبي بن فرج..

 وتقدم للجنة الوطنية للنظام 21 مترشحا « من بينهم منعم عميرة وأحمد القاسمي والحبيب الطريفي وعلي العياشي ونورالدين الطبوبي وبوعلي المباركي، كما تقدم للجنة المراقبة المالية 21 مترشحا ايضا « من بينهم فوزي الشيباني وخميس صفر ووناس النجومي وكمال الزنايدي…)

إن هذه الأرقام القياسية في الترشحات تكشف عما تزخر به الساحة النقابية من امكانيات وتنوع وكذلك عن عدم اقتناعهم بأداء المكاتب المتخلية وعن القدرة علي تقديم الاضافة أو دعم تيارات داخل الحركة النقابية.

وبما أن الأداء النقابي يخضع في المدة النيابية الأخيرة الى تقييمات متباينة  فقد فسح المجال لمناورات انتخابية  غير معلنة  من كل الاطراف تهدف الى تثبيت القيادة من جهة  أو تجديدها وبأي قدر من جهة اخرى  رغم التطمينات التي قدمها الأمين العام عبد السلام جراد بتمسكه بـ11 عضوا من المكتب التنفيذي المتخلي.

فهل بهذا الشكل يمكن أن تحترم التوازنات الداخلية؟ وهل تعكس تنوع الحساسيات النقابية في الوقت الذي يُغيّب اليسار النقابي وهو الحائز على نسبة محترمة من النيابات ويتميز بحركية ونضالية وتأثير مشهود.

ما هو مستقبل قائمة كهذه في صورة المحافظة على تحديد الدورات النيابية باثنتين فقط ؟ فهل سيجازف بتغيير شامل في المؤتمر المقبل؟

هل يمكن لقائمة مثل هذه أن تصمد رغم الصراعات البارزة والخفية التي تخللت الدورة النيابية المنقضية؟ أم أنها ستتفرع الى قائمتين أو أكثر؟

هل يقع كسر حاجز اقصاء المرأة  على غرار جل المنظمات  وتضم القيادة المقبلة الجنسين على أسس الكفاءة والنضالية؟

تساؤلات سيجيب عنها حتما نواب المؤتمر الذين لا شك أنهم سيتعاملون مع  مواضيع النقاش بمسؤولية وديمقراطية ويحافظون على دفء البيت النقابي ووحدته ومناعته.

(المصدر: صحيفة الطريق الجديد عدد 55 – ديسمبر 2006)


ديوان الأسرة والعمران البشري يكشف: توقعات بتواصل انخفاض الخصوبة وإمكانيـة ظهـور مشاكل في الحمل والولادة والانجاب خارج إطار الزواج

 

 
تونس ـ الصباح: كشف الديوان الوطني للاسرة والعمران البشري عن نسب جديدة تتعلق بمتابعة ظاهرة تأخر سن الزواج في تونس، وهي نسب تعود لسنة 2006. اذ تفيد اخر المعطيات التي استقيناها من الديوان ان نسبة العزوبة لدى الاناث تطورت من 80 فاصل 4 بالمائة سنة 2001 الى 85 بالمائة سنة 2006 لدى الفئة العمرية الممتدة من 15 الى 29 ومن 16 بالمائة الى 20 فاصل 8 بالمائة خلال نفس الفترة لدى الفئة العمرية من 30 الى 49 سنة. ولوحظ تطور نسبة العزوبة في كل الفئات العمرية، وينتظر ان تكون لهذه الظاهرة تبعاتها الديمغرافية والصحية والاجتماعية.. وبالنظر الى النسب المائوية للعزوبة لدى الاناث وحسب الفئة العمرية بالتفصيل يمكن ملاحظة ما يلي: ـ تطور نسبة العزوبة للفئة العمرية (19-15) سنة من 98 فاصل 7 بالمائة سنة 2001 الى 99 فاصل 2 بالمائة سنة 2006. ـ تطور نسبة العزوبة للفئة العمرية (24-20) سنة من 85 فاصل 3 بالمائة سنة 2001 الى 88 فصال 4 بالمائة سنة 2006. ـ تطور نسبة العزوبة للفئة العمرية (29-25) سنة من 53 فاصل 9% سنة 2001 الى 65 بالمائة سنة 2006. ولعل الملفت للانتباه هو تطور نسبة العزوبة لدى الاناث بالنسبة للفئة العمرية بين 30 و34 سنة.. اذ بلغت سنة 2006 ما يساوي 37 فاصل 5 بالمائة مقابل 17 فاصل 7 بالمائة خلال سنة 2001. كما تطورت النسبة من 14 فاصل 8 بالمائة سنة 2001 الى 20 بالمائة سنة 2006 لدى الفئة العمرية بين 35 و39. وتفيد معطيات الديوان ان نسبة العزوبة لدى الاناث في الفئة العمرية بين 40 و44 سنة تطورت من 8 فاصل 9 بالمائة الى 13 فاصل 5 بالمائة خلال نفس الفترة ومن 3 فاصل 9 بالمائة الى 7 فاصل 3 بالمائة بالنسبة للفئة العمرية بين 45 و49 سنة.

دراسات معمقة انطلاقا من هذه المؤشرات الاحصائية يرى الديوان الوطني للاسرة والعمران البشري ان الظاهرة تستوجب التعمق في دراستها والاستعداد لتبعاتها الديمغرافية والصحية والاجتماعية وايجاد الحلول لها لما قد يبرز من ظواهر واشكاليات. ومن بين الاشكاليات المتوقع بروزها نجد تواصل انخفاض الخصوبة بفعل تقلص عدد سنوات الانجاب لدى المرأة المتزوجة؟ كما يتوقع ان تتضاعف امكانية ظهور مشاكل في الحمل والولادة لما يكون ذلك متأخرا.. خاصة وان القاعدة الذهبية للحمل والانجاب هي «قاعدة الثلاثة».. ويقصد بها انه من المستحسن ان يكون اخر حمل لدى المرأة في سن الثالثة والثلاثين.. وان يكون عدد الاطفال لكل امرأة ثلاثة اطفال وان تبلغ المدة الفاصلة بين الحمل والاخر ثلاث سنوات.. ومن خلال متابعته لمجال الصحة الانجابية والجنسية يتوقع الديوان الوطني للاسرة والعمران البشري ان ظاهرة العزوبة يمكن ان تتسبب في تعرض الشباب الى خطر الاصابة ببعض الامراض نتيجة العلاقات خارج اطار الزواج خاصة وان النشاط الجنسي يبدأ لدى بعض الشباب قبل سن 18 سنة، اي ان هناك 13 سنة من النشاط الجنسي المحتمل قبل الزواج.. كما يمكن ان تطرح مسألة الانجاب خارج اطار الزواج وما ينجر عنها من إشكاليات. كما يبدو من خلال المتابعات الاحصائية بروز ظاهرة الزواج المتأخر في الريف ايضا.. وهو ما قد يكون له مردود سلبي على المدى الطويل من حيث قوة العمل الفلاحية.. اما عن اسباب تأخر سن الزواج وظهور بودار العزوف عنه، فيردها الشباب اساسا الى ارتفاع كلفته اولا وللبحث عن شغل ثانيا ثم الى الرغبة في مواصلة الدراسة والسكن..   سعيدة بوهلال   (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 26 ديسمبر 2006)


تقرير لمركز بحوث المرأة العربية …

صورة المرأة في الإعلام تقليدية وسلبية

تونس – أحمد فرغلي رضوان    

 

لا تزال صورة المرأة في الفضائيات تشغل بال الكثيرين، خصوصاً في ما يتعلق بفاعليتها في المشهد الإعلامي العربي. ولعل النقاش الذي دار الاسبوع الماضي في تونس في لقاء شبكة «أنجد» العربية حول «تقرير المرأة العربية والإعلام» يمثل شريحة صغيرة من مجتمع لا يكف عن طرح الأسئلة حول دور المرأة في الإعلام. فالتقرير الذي صدر أخيراً عن مركز بحوث المرأة العربية «كوثر»، والذي تحدث بالتفصيل عن وضع الإعلاميات في الوطن العربي، أكد أنه من سمات المشهد الإعلامي العربي – بالنظر إلى العاملين فيه – طغيان العامل الذكوري من حيث العدد، إذ تظهر الأرقام أن الإعلاميات لا يزيد عددهن على الثلث في غالبية المؤسسات الإعلامية في العالم العربي.

 

ويشير التقرير إلى أن مصر تشكل حالة استثنائية، إذ تبلغ نسبة الوظائف القيادية والإشرافية التي تتولاها النساء 67.5 في المئة. إذ تولت 16 امرأة منصب رئيس قناة تلفزيونية في حين أن ثمانية رجال فقط تولوا هذا المنصب، فيما تولت ثماني نساء منصب رئيس انتاج مركزي في التلفزيون في مقابل أربعة رجال.

 

ويوضح التقرير في عدد من الجداول نسبة العاملات مقابل العاملين في أقسام التلفزيون المختلفة، فمثلاً تراوحت نسبة الإعلاميات في التلفزيونات العربية بين 3.4 في المئة في قطر (أقل النسب) و18 في المئة في الجزائر و26.2 في المئة في سورية و30 في المئة في تونس والسودان و44.3 في المئة في مصر (أعلى النسب). وتصل نسبة العاملات في التلفزيونات العربية إلى أدناها في قسم الإخراج، وتتراوح النسبة ما بين 5 في المئة و28 في المئة. أما في قسم الأخبار فجاءت النسبة متوسطة، وتعدت الـ 50 في المئة في تونس ومصر، بينما اقتربت منها في سورية والجزائر والأردن.

 

وخلصت البحوث (23 بحثاً) إلى أن صورة المرأة في الإعلام سلبية تقليدية. فمثلاً تكررت صورة المرأة التي تظهر الجسد بضاعة بنسبة 16 في المئة. بينما قدمت الفضائيات فاسدة الأخلاق بنسبة 26 في المئة، والجميلة بنسبة 21 في المئة.

 

في المقابل تظهر وسائل الإعلام المرأة في صورة إيجابية على هذا النحو: المرأة العاملة بنسبة 17 في المئة، القادرة على القيادة بنسبة 12.7 في المئة، ذات الأخلاق العالية بنسبة 10.35 في المئة والمناضلة بنسبة 8.6 في المئة.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 22 ديسمبر 2006)


كيف يمكن هزيمة الإسلاميين من خلال صناديق الانتخابات؟

 أفكار أمريكية

تقرير واشنطن – محمد فايز فرحات

 

رغم مرور ما يقرب من أربعة أعوام على إعلان مبادرة الشرق الأوسط، والجهود الأمريكية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، أفرزت نتائج الانتخابات التي أجريت في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة صعود الإسلاميين والأحزاب الإسلامية عبر صناديق الانتخابات: الإخوان المسلمين في مصر والأردن، حماس في الأراضي الفلسطينية، الشيعة في العراق ولبنان، بالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية في تركيا. وعلى العكس فقد شهد التيار الليبرالي درجة كبيرة من التراجع.

 

وقد أثارت تلك المفارقة الكثير من التساؤلات النظرية والتحديات العملية لدى الإدارة الأمريكية والمؤسسات الأكاديمية الأمريكية. وقد طرح في هذا الإطار عدد من الأفكار والسياسات البديلة في محاولة التوفيق بين هدفين رئيسيين يبدوان متناقضين إلى حد كبير، وهما نشر الديمقراطية، والحيلولة دون صعود الإسلاميين عبر الوسائل الديمقراطية ذاتها.

 

ويعرض « تقرير واشنطن » هنا نموذجا لإحدى الدراسات (قام بتحريرها ديفيد شكينر David Schenker من معهد واشنطن لسياسيات الشرق الأدنى، وهو أحد المعاهد المعروفة بقربها من دوائر اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة) التي حاولت تقديم إجابة محددة لإشكالية التوفيق بين هدفي نشر الديمقراطية وهزيمة الإسلاميين عبر صناديق الانتخابات، من خلال ثلاثة رؤى مختلفة.

 

وقد طرحت تلك الرؤى تفسيرها لصعود الإسلاميين وفشل التيار الليبرالي في استغلال الانتخابات وعمليات الانفتاح السياسي النسبية التي تشهدها الكثير من دول المنطقة، كما طرحت بعض الأفكار والاستراتيجيات لدعم التيار الليبرالي وهزيمة الإسلاميين عبر صناديق الانتخابات، اتسمت بدرجة كبيرة من الاختلاف، وصل بعضها إلى حد الدعوة إلى تأجيل نشر الديمقراطية والانتخابات في العالم العربي.

 

1- سونر جاجابتاي Soner Gagaptay: عزل الإسلاميين

 

يبدأ جاجابتاي بالتأكيد على أن أحد عوامل صعود الإسلاميين في الانتخابات هو ضعف الليبراليين. ويعزو جاجاباتي هذا الضعف إلى عدد من العوامل أهمها ضعف الأحزاب الليبرالية العلمانية في العالم العربي بسبب القمع الذي تعرضت له تلك الأحزاب على يد النظم التسلطية خلال العقود الماضية، كجزء من القمع الذي تعرضت له المعارضة السياسية بشكل عام. ورغم تعرض الإسلاميين للقمع ذاته لا أنهم استطاعوا التحايل على هذا القمع من خلال العمل داخل مؤسسة بديلة هي المسجد، حيث استطاع الإسلاميون الاعتماد على المسجد كفضاء بديل للنشاط السياسي وبناء قاعدتهم الاجتماعية وقدراتهم التنظيمية، وهو ما لم يتحقق في حالة التيار الليبرالي. وهكذا، عندما بدأ الانفتاح السياسي النسبي استطاع الإسلاميون ترجمة قوتهم التنظيمية تلك، بينما انكشف ضعف الليبراليين.

أما في حالة الدول التي لم تشهد قمعا سياسيا واضحا ضد الليبراليين، كما هو الحال في حالة الأراضي الفلسطينية وتركيا، فقد كانت هناك عوامل أخرى ساهمت في صعود التيار الإسلامي. ويطرح جاجابتاي هنا انتشار الفساد في تركيا خلال عقد التسعينيات.

 

ورغم انتشار الفساد في معظم دول الشرق الأوسط، إلا أن المستوى المتقدم من الحرية الذي تمتعت به الصحافة التركية جعل الفساد هناك قضية عامة وأكثر إلحاحا لدى الرأي العام، وهو ما أدى إلى ضعف مصداقية التيار الليبرالي الحاكم، والبحث عن قوة سياسية بديلة.

 

ويطرح جاجابتاي في حالة الأراضي الفلسطينية توافر مصادر التمويل الضخمة- والتي جاءت معظمها من دول الخليج- وهي مسألة لا تقتصر على التيار الإسلامي في فلسطين فقط، حيث تشترك فيها معظم التيارات الإسلامية في العالم العربي ولكنها كانت أكثر وضوحا في الحالة الفلسطينية. وقد استطاع التيار الإسلامي استخدام تلك الأموال ليس فقط لبناء قدراته التنظيمية وقاعدته الاجتماعية، ولكن أيضا القيام بالوظائف التقليدية للدولة في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية…الخ.

 

ويعقد جاجابتاي هنا مشابهة بين تجربة الدعم الذي قدمته « الاشتراكية الدولية » للأحزاب الشيوعية والاشتراكية في الكثير من الدول الأوروبية خلال فترة الحرب الباردة، والدعم الذي يحصل عليه التيار الإسلامي من بعض دول الخليج، حيث يطرح هنا مفهوم « الإسلامية الدولية ». وعلى العكس لم يتوفر للتيار الليبرالي مثل هذا الدعم المالي الخارجي الضخم. ويستدرك جاجاباتي بالتأكيد على أن نجاح الإسلاميين في الانتخابات لا يعود فقط لعامل المال، حيث يضيف هنا أيضا الخطاب الثوري المثالي أو « اليوتوبي » الذي يمتلكه الإسلاميون، بالمقارنة بالخطاب الواقعي الليبرالي.

 

كيف يمكن إذن هزيمة الإسلاميين في صناديق الانتخابات؟

 

يعود جاجابتاي هنا إلى خبرة الولايات المتحدة مع الأحزاب والتيارات الشيوعية في نهاية الحرب العالمية الثانية، ويناقش جاجابتاي هنا حالة صعود التيار الشيوعي في إيطاليا والذي حصل في انتخابات سنة 1947 على 219 مقعدا مقابل 207 مقاعد للديمقراطيين المسيحيين. وقد استقرت سيطرة الشيوعيين على البرلمان حتى عام 1958. ويشير جاجابتاي إلى أن الولايات المتحدة اتبعت عددا من السياسات المهمة في هذا المجال، أولها اعتبار الحرب مع التيار الشيوعي الإيطالي حربا سياسة متعددة الأبعاد يجب إدارتها على مدى زمني مناسب، تعتمد على عدد من المبادرات السياسية وليس مجموعة من الإجراءات القصيرة المدى، وهو ما انعكس في إعادة هيكلة مؤسسات صنع القرار الأمريكية وإنشاء وحدة « تخطيط السياسة الخارجية » Policy Planning Staff داخل وزارة الخارجية، ثم إنشاء مجلس الأمن القومي، واللذين استحدثا في ذلك الوقت للتعامل مع الصعود الشيوعي في إيطاليا وهزيمة الشيوعيين من خلال صناديق الانتخابات. كما تم تعبئة المنظمات غير الحكومية لهذا الهدف، والتي نجحت بدورها في تعبئة الجالية الإيطالية في الولايات المتحدة ضد سيطرة الشيوعيين من خلال وسائل عدة، منها إرسال عشرات الملايين من الرسائل والخطابات التي أرسلها الإيطاليين المقيمين في الولايات المتحدة إلى ذويهم في إيطاليا والتي أكدت على معنى رئيسي مفاده تعارض سيطرة الشيوعيين على السلطة مع مستقبلهم ومستقبل وطنهم. ويطرح جاجابتاي إمكانية إعادة السيناريو من خلال الجاليات العربية المقيمة الآن في الولايات المتحدة. كما نجحت الولايات المتحدة في عزل الشيوعيين من خلال تقديم المساعدات المالية المشروطة، مثل اشتراط عدم توظيف الشيوعيين في المشروعات التي يتم تنفيذها بواسطة تلك المساعدات، أو عدم وجود علاقة بين الأطراف المحلية المنفذة لتلك المشروعات ومؤسسات الشيوعيين خاصة اتحادات العمال.

 

واستنادا إلى الخبرة الإيطالية يطرح جاجابتاي استراتيجية لهزيمة الإسلاميين من خلال صناديق الانتخابات تقوم على العناصر التالية:

 

(1) تحديد الحلفاء بوضوح، وهم المسلمين غير الإسلاميين « Muslims who are not Islamists » ، باعتبار أن الصراع الأساسي ليس بين الغرب والإسلام، بقدر ما هو صراع بين الغرب والإسلاميين

 

(2) تعميق التمييز والانقسام بين « الإسلاميين » والمسلمين غير الإسلاميين من خلال وسيلتين أساسيتين اقترحهما جاجابتاي، الأولى هي تمويل مشروعات وخدمات موازية لتلك التي يقوم الإسلاميون بتنفيذها خاصة في مجالات التعليم والصحة والمجتمع المدني والمساعدات الاجتماعية. ويؤكد جاجابتاي على أن فعالية تلك الاستراتيجية تعتمد على توافر عدد من الشروط، أهمها دراسة الأنشطة الإسلامية في تلك المجالات وطريقة عملها، وتوفير الموارد المالية الكافية بشكل يفوق إنفاق الإسلاميين على تلك الخدمات وتوفيرها بمستوى أفضل، وأخيرا يجب أن تكون تلك الاستراتيجية بعيدة المدى استنادا إلى خبرة هزيمة الشيوعيين في إيطاليا التي استغرقت ثلاث عشرة عاما.

 

(3) رفع تكلفة العمل مع الإسلاميين أو الانضمام إلى الأحزاب الإسلامية من خلال منع الإسلاميين من الاستفادة، بشكل مباشر أو غير مباشر، من المنح والمساعدات الأمريكية، ومنع الإسلاميين من الاستفادة من مزايا الهجرة أو التعليم في الولايات المتحدة.

 

2- جريجوري جوس F. Gregory Gause: تأجيل نشر الديمقراطية في العالم العربي

 

يطرح جريجوري جوس بديل تأجيل نشر الديمقراطية في العالم العربي. ويدافع جريجوري هنا عن مقولته بحجتين رئيسيتين:

 

الحجة الأولى أنه لا توجد علاقة واضحة- على عكس ما يشاع – بين طبيعة النظام السياسي والإرهاب، بل على العكس فإن معظم الدراسات والتقارير الإحصائية حول التوزيع الجغرافي للأنشطة الإرهابية تشير إلى ارتباط النظم الديمقراطية بعدد أكبر من الأنشطة الإرهابية بالمقارنة بالنظم غير الديمقراطية. ويستند جريجوري هنا إلى الدراسات الأولية التي ظهرت خلال عقد الثمانينيات حول تلك القضية، والتي انتهت إلى أن « الإرهاب هو مشكلة خاصة بالديمقراطيات »، ويفسر جريجوري هذا الاستنتاج بأن تلك الدراسات استندت إلى خبرة « الألوية الحمراء »، وحركة « الباسك » الانفصالية، و »الجيش الأحمر » الياباني، وهي حركات نشأت داخل دول ديمقراطية. كما يؤكد الاستنتاج ذاته تقارير وزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب خلال الفترة (1999-2004)، إذ جاءت الهند في مقدمة دول العالم من حيث عدد الأنشطة الإرهابية، وذلك في الوقت الذي تعد فيه الهند واحدة من أقدم وأكبر الديمقراطيات في العالم. ورغم أن بعض تلك العمليات قام بتنفيذها عناصر من المتسللين من خارج الحدود إلا أن نسبة مهمة من تلك العمليات هي عمليات هندية خالصة. وعلى العكس، فإن عدد العمليات الإرهابية التي شهدتها الصين – غير الديمقراطية- لم تتجاوز 10% من إجمالي عدد العمليات التي شهدتها الهند.

 

الحجة الثانية أن نشر الديمقراطية في العالم العربي لن يؤدي إلى القضاء على الإرهاب، لأن التنظيمات الإسلامية المتشددة لا تربط بين غياب الديمقراطية وممارسة « الجهاد »، ولكنها تربطه بغياب ما تطلق عليه « الحكم الإسلامي » أو تطبيق الشريعة الإسلامية. بل إنها لا تقبل بفكرة الديمقراطية باعتبارها فكرة غربية. ومن ثم، فإن نشر الديمقراطية في العالم العربي وإقامة نظم سياسية ديمقراطية وفقا للصيغة الأمريكية (التي تلتزم بفكرة التسامح، والتعددية، وقبول الآخر، والاعتراف بإسرائيل) لن يثني تنظيم القاعدة، أو غيره من التنظيمات المرتبطة به، عن الجهاد، سواء الجهاد ضد الولايات المتحدة أو ضد النظم السياسية. وبمعنى آخر – وفق تحليل جوس – فإن النتائج النهائية لنشر الديمقراطية في العالم العربي لا تتوافق والمصالح الأمنية الأمريكية. ويدعم جوس حجته هنا بأن الخطأ الذي وقعت فيه السياسة الأمريكية هو تركيزها على تشجيع الانتخابات، واختزال الديمقراطية في الانتخابات، وذلك في الوقت الذي تفتقد فيه الدول والمجتمعات العربية شروط المجتمع الليبرالي الحقيقي بشكل يضمن إقامة ديمقراطيات حقيقية. ويدعو جوس إلى تأجيل مسألة نشر الديمقراطية في الدول العربية إلى حين تحقق تلك الشروط.

 

3- منى مكرم عبيد: دمج التيار الإسلامي المعتدل في الحياة السياسية ولبرلة هذا التيار

 

ترى منى مكرم عبيد أن أحد العوامل الرئيسية المسئولة عن تصاعد التيار الإسلامي، استنادا إلى خبرة الانتخابات التشريعية المصرية الأخيرة في 2005، هو غياب البديل الليبرالي الحقيقي، إذ لم يكن أمام الناخب سوى بديلين فقط هما الحزب الحاكم أو الإخوان المسلمين، وهو ما أدى إلى عزوف حوالي 80% عن المشاركة في تلك الانتخابات. واستنادا إلى الخبرة المصرية ذاتها، تستبعد عبيد فكرة العمل على استبعاد الإسلاميين من الحياة السياسية، بالنظر إلى صعوبة استئصال التيار الإسلامي المعتدل، ممثلا في الإخوان المسلمين، من الحياة السياسية، الذي استطاع اختراق الكثير من المؤسسات والمنظمات والأنشطة الاجتماعية، بالإضافة إلى سيطرة الثقافة الدينية على الشعب المصري، وضعف الأحزاب الليبرالية المعارضة وعدم قدرتها على تطوير خطاب قوي، وهو ما كشفت عنه نتائج الانتخابات الأخيرة، حيث وجدت الأحزاب الليبرالية نفسها مضطرة لمخاطبة ود الإخوان المسلمين ومحاولة تأمين حصولها على بعض المقاعد من خلال عقد بعض الصفقات والتحالفات مع الإخوان المسلمين في الكثير من الدوائر. أضف لذلك الإدراك السلبي للمواطنين لمبادئ الديمقراطية و »الحكم الجيد »، و »التعددية »، بسبب عوامل عدة، منها الاستخدام السلبي لتلك المبادئ من جانب الحكومة بشكل عمق الشكوك حول مصداقية التزام الحزب الحاكم والأحزاب السياسية التقليدية بتلك المبادئ، في الوقت الذي استطاع فيه الإخوان المسلمين تطوير خطابهم في اتجاه التوافق مع تلك المبادئ.

 

وفي هذا الإطار، تطرح عبيد بديل العمل على دمج الإسلاميين المعتدلين في الحياة السياسية الرسمية وعدم التعويل على انتظار بديل الأحزاب السياسية الليبرالية، وذلك رغم اعتراف عبيد في الوقت ذاته بأن دمج الإسلاميين لن يكون بدون تكلفة سياسية، ولكن السؤال المهم هو كيف يتم دمج هذا التيار بأقل تكلفة سياسية واجتماعية ممكنة؟

 

تطرح عبيد هنا عددا من الأفكار حول دور الولايات المتحدة والشركاء الخارجيين في هذا المجال، تتمثل فيما يلي:

 

(1) التركيز على الإصلاح الثقافي والسياسي والتعليمي جنبا إلى جنب مع الإصلاح الاقتصادي.

(2) دمج هذا التيار في أي عملية تحديث سياسي واجتماعي في الدول العربية.

(3) دمج مفهوم العدالة الاجتماعية في خطاب هذا التيار.

 

وأخيرا، تؤكد عبيد على أن هناك فرصة مهمة لدمج التيار الإسلامي في الحياة السياسية بالنظر إلى التطورات المهمة التي طالت خطاب جماعة الإخوان المسلمين ومحاولة دمج مفاهيم الليبرالية والديمقراطية والإصلاح السياسي والدستوري ضمن هذا الخطاب. بالإضافة إلى التطورات الداخلية المهمة التي تشهدها الجماعة خاصة تطور جيل جديد داخل الجماعة يسعى إلى تمييز نفسه عن الجيل القديم. وتطرح عبيد هنا ضرورة تشجيع هذا الجيل داخل الجماعة، وتشجيع اكتمال عملية التحول الراهنة في خطاب الجماعة، خاصة فيما يتعلق بالموقف من حقوق المواطنة. 

 

(المصدر: تقرير واشنطن، العدد 89 بتاريخ 23 ديسمبر 2006)

الرابط: http://www.taqrir.org/showarticle.cfm?id=547


أكد أن مشاركتهم في الحكم ستكون بما يحفظ التوازن السياسي والاستقرار..

قيادي في حزب العدالة والتنمية المغربي في حديث مطول لـ « قدس برس »:

سنتوسل إلى التغيير بالتربية والإقناع والاجتهاد في إبداع بدائل جديدة.. ولم نتحالف مع جماعة العدل والإحسان حتى يتهموننا بأننا تخلينا عنهم

 

الرباط ـ خدمة قدس برس

( مريم التيجي)

 

رغم أن كتاب « الحكومة الملتحية » الذي أصدره وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق عبد الكبير العلوي المدغري أسال الكثير من المداد، إلا أن قيادة حزب العدالة والتنمية، المعنية الأولى بهذا الكتاب الذي يتحدث عن آفاق الحكومة المغربية المقبلة في حالة ما إذا قادها الإسلاميون المنضوون تحت لواء حزب العدالة والتنمية، التزمت الصمت ولم تصدر عنها مواقف واضحة من مضامين الكتاب.

 

في أول خطوة في اتجاه فتح الحوار بين مضمون الكتاب وبين قيادة حزب العدالة والتنمية حاورت « قدس برس » عبد العزيز الرباح  الكاتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية، وقد حاول القيادي الإسلامي أن يرسل إشارات إيجابية في اتجاه الخائفين من « الحكومة الملتحية » سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، مشيرا إلى السيناريوهات المحتملة عشية انتخابات العام المقبل إذا تحققت التكهنات التي تترقب فوز الحزب بالمرتبة الأولى. وفيما يلي النص الكامل للحوار:

 

قال الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري في بداية كتابه « الحكومة الملتحية »، « الذي نتوقعه إذا جاءت حكومة اسلامية بواسطة الانتخابات في ظل الظروف الراهنة لن يكون لها من الاسلام إلا اللحية » ، في نظرك ، لو قدر لحزب العدالة والتنمية أن يشكل الحكومة المقبلة فهل ستكون مجرد حكومة ملتحية وكفى كما يقول وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية السابق؟

 

في البداية أؤكد أن كتاب الوزير السابق في الأوقاف والشؤون الاسلامية الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري يحتمل عدة قراءات بعضها إيجابي وبعضها الآخر سلبي، وأول قراءة إيجابية يمكننا تقديمها للكتاب هي أن نعتبره رسالة لطمأنة الرأي العام الداخلي والخارجي مفادها أن حزب العدالة والتنمية لو قدر له أن يشارك في الحكومة المقبلة فسيأتي بمبادرات تقنية فقط ولن تطرح حكومته أية إمكانية لتغيير الاختيارات الكبرى في البلاد، وأنا أميل لهذه القراءة لأن مشاركتنا كحزب سياسي على الاقل في المنظور القريب في أية حكومة لن توقف الأوراش والمشاريع الكبرى التي أطلقها الملك وبدأت في تنفيدها الحكومة الحالية ،.بل إن حزبنا سينخرط في الاختيارات الكبرى وسيندمج فيها بشكل قوي وسيدعمها وسيأتي فقط بمقاربة جديدة على مستوى التدبير حيث سيحاول أن يرفع من مستوى الشفافية ويقوي المراقبة حتى تؤدي هذه الأوراش والاختيارات الاهداف التي من أجلها وضعت.

وهناك قراءة ثانية تسير في الاتجاه الايجابي أيضا مفادها أن التحول في المغرب لا يحدث بشكل سريع كيفما كان التيار الذي سيشكل الحكومة، ورأينا ذلك مع حكومة التناوب (عام 1998)التي جاءت باليسار دون أن تحدث انقلابا في توجهات الحكم في المغرب. فالحكومة المقبلة وإن قادها الاسلاميون فلن تحدث تغييرات كبيرة في البلاد لأن التغيير يحتاج الى وقت كبير نظرا للاكراهات الواقعية.

هذه القراءات الايجابية لا تنظر الى ما قاله الوزير السابق على انه نقد او تنقيص من كفاءة حزب العدالة والتنمية او من القيمة المضافة التي يمكن ان ياتي بها الحزب، لكن هناك قراءات سلبية تعتبر ان سقف التغيير وهامش التنفي ذ الممنوح لأية حكومة هو هامش ضيق، بمعنى آخر سيكون الحزب كباقي الأحزاب الأخرى قد يتميز بخطاب أخلاقي ولكن هامش فعله سيكون محدودا في الشأن العام. نحن نتفق على بعض ما يؤخذ على حزب العدالة والتنمية ، حيث أنه لحد الساعة في بعض خطاباته يركز على ما هو أخلاقي فقط ولم يستطيع أن يرسم لنفسه اتجاها متميزا يجعله اذا تسلم مقاليد الحكومة يخلق خطا تدبيريا جديدا يختلف عن بقية الأحزاب الأخرى، لكن هذا لا يعني أن الحزب لن يضيف جديدا، بل قد تكون له قيمة مضافة على مستوى التدبير والتخليق. وما أؤكد عليه أن حزب العدالة والتنمية ليس حريصا على المظاهر كما جاء في الكتاب، كما أن مساهمة حزبنا في التدبير مستقبلا قد يرفع من درجة الشفافية ولكن لن يغير التوجهات الكبرى وأعتقد أنه إذا استطاع أن يقوم بهذا الدور فقط فهذا سيكون له أثر كبير في مسيرة البلاد الاجتماعية والاقتصادية .

وأعتقد أن حزب العدالة والتنمية إذا نجح في تدبير ه للشأن العام فسيكون لذلك أثره ال كبير على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهناك تفكير على مستوى قيادة الحزب في الجواب على سؤال القضية المركزية والمشروع المركزي الذي يجب أن يتبناه في المرحلة المقبلة، وربما تكون قضية المرحلة المقبلة هي تخليق الحياة العامة والشفافية وحسن التدبير.

 

مبدأ التدرج

 

هناك أطراف لا تتوقع أن تقدم هذه « الحكومة الملتحية » شيئا لأنها تعجلت الوصول إلى الحكم، وهذا ما يلمح له وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية السابق في كتابه، ونجد تهمة استعجال قطف الثمرة متداولة داخل عدد من الأوساط السياسية الداخلية، فما رأيك في هذه التهمة؟

نحن ننظر إلى هذا الكتاب كمرجع، لأن الكاتب هو فقيه مارس السياسة في منصبه كوزير للأوقاف والشؤون الإسلامية مدة 28 سنة، وقد ساهم في نزع الفتيل بين القصر والحركة الإسلامية، مما أعطى للمغرب علاقة متميزة بين النظام السياسي وبين الإسلاميين، ولهذا نعتبر أن الكتاب هو قراءة نقدية للحركة الإسلامية التي يعرفها الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري جيدا. لكن هذا لا يمنعنا أن نرد على بعض ما جاء فيه ونؤكد أن حزب العدالة والتنمية تبنى منهج التدرج منذ البداية . ولا يجب ان ننسى أن حزبنا في نسخته الجديدة ـ لأنه استمرار للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية ـ جاء نتيجة تفكير انطلق منذ الثمانينيات من القرن الماضي في مسألة المشاركة السياسية، وبعد حوالي عشرين سنة أو أكثر انتبهت الحركة الإسلامية إلى أنها يجب أن تساهم في الشأن العام، ليكون لها رأي ولتتمكن من تنزيل ما تؤمن به من مثل وقيم و مبادئ على واقع متحرك يتغير بسرعة. وهكذا انتقلنا من مناقشة المبادئ والمفاهيم الكبرى في المجال السياسي مثل مفهوم الشورى والعدل وغيرها إلى المشاركة المباشرة التي اعتمدت أيضا مبدأ التدرج، وطيلة عشر سنوات من المشاركة نعتبر أننا لا زلنا نخطو بتدرج، ونحاول الانسياب في المجتمع انسيابا تدريجيا بسبب الاكراهات الواقعية ونأخذ بعين الاعتبار حداثة التجربة السياسية بالنسبة للحركة الإسلامية ونأخذ بعيد الاعتبار كذلك بقية التجارب في العالم الإسلامي ولذلك أعتقد أن هذه التهمة غير واردة بالنسبة لنا، لأننا مستعدون للمشاركة في الحكومة المقبلة بقدر معين كما أننا مستعدون للبقاء في المعارضة، ونحاول من خلال مشاركتنا أن نساهم في المحافظة على التوازن السياسي داخل البلد وهدفنا أن نحافظ على استقرار البلد.

ويجب أن يعلم الجميع أن مساهمتنا السياسية جزء من مشروع كبير فيه مكون أخلاقي وتربوي ودعو ى واجتماعي وثقافي ولا نريد أن يهيمن الاهتمام السياسي على بقية المكونات بل يتكامل معها، وهذا المكون السياسي ترتفع درجته حسب درجة الانفتاح في البلد وقد تتراجع نسبته حسب الإكراهات الموجودة.

 

سيناريوهات الانتخابات

 

ما هي السيناريوهات المحتملة، في نظرك، عشية انتخابات 2007 في حالة فوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى؟

– إن الحديث عن المشاركة في الحكومة المقبلة بالنسبة لحزبنا سابق لأوانه لأن الانتخابات التي ستقرر ذلك ستجرى عام 2007 والمعطيات تدل على وجود أكثر من سيناريو للواقع السياسي المغربي لما بعد الانتختابات، وحسب السيناريو الأول قد يبقى حزب العدالة والتنمية في المعارضة، ويدفع بعدد من الفاعلين السياسيين في اتجاه هذا السيناريو حتى لو حصل الحزب على الصف الأول في انتخابات 2007، وهذا السيناريو وارد جدا، خصوصا أن هناك أصوات من داخل حزب العدالة والتنمية تطالب بأن يبقى الحزب في المعارضة، على اعتبار أنه إن لم تكن هناك شروط للمساهمة تسمح بأن تؤخذ اقتراحاتنا بعين الاعتبار على الأقل جزئيا ، وإذا لم يكن الحزب جاهز ا للمشاركة يمكن أن نبقى في المعارضة.

السيناريو الثاني أن نشارك في الحكومة المقبلة لكن احتمال أن يكون رئيس الحكومة من داخل الحزب هو احتمال ضعيف جدا ، وبالتالي ستكون مشاركتنا المقبلة لو تحقق السيناريو الثاني مشاركة محدودة ببضع مناصب في إطار تحالف مع ثلاثة أو أربعة أحزاب وهذا يحقق منهجنا في التدرج لتكون مشاركتنا متدرجة كما كان دخولنا إلى المعترك السياسي متدرجا قبل دخول مرحلة التطبيع النهائي مع وجود حزب ذو مرجعية إسلامية في الحياة السياسية المغربية وليتم تقييم مشاركتنا بعد ذلك من خلال جودة الأداء والتدبير الجيد.

 

ما يستند إليه كتاب « الحكومة الملتحية » في تهمة التسرع، وعدم القدرة على الاتيان بجديد في أية تجربة مرتقبة للإسلاميين في الحكم داخل المغرب، أن الإطار النظري الذي يمكن أن يؤطر تجربة الحكومة الإسلامية لم ينضج بعد، حيث لا تزال عدة مفاهيم تحتاج إلى الوضوح و التأصيل والحسم، ما تعليقك على ذلك؟

أولا لا بد من أن نوضح بأننا نتحدث تجاوزا عن حكم إسلامي، أما الحقيقة فالحديث ينصب حول تجربة حزب سياسي يستند على المرجعية الإسلامية. وقد أسس حزبنا منتدى سياسي ا هدفه مناقشة القضايا الفكرية المرتبطة بالشأن السياسي مثل قضية الدعوة والسياسة، والدين والدولة، والتوجهات الكبرى في الاقتصاد، ومسألة الديمقراطية والحرية، وقضية التشغيل… ومثل هذه القضايا ليست مطروحة على حزبنا فقط بل على كل التيارات السياسية الأخرى في كل العالم الإسلامي، لذلك أعتقد أنه بعد دخول الحركة الإسلامية إلى المعترك السياسي سيتبلور فقه جديد يمكن أن نسميه بفقه ممارسة الشأن العام، لكن مع ذلك نحن لدينا اختيارات كبرى حسمنا فيها منذ زمن، ربما لم نكتب فيها بالشكل الكافي ولم نروج لها كما ينبغي، لكنها موجودة، فمثلا تصورنا لقضية المرأة ولموقعها داخل الأسرة والمجتمع حسمنا فيه منذ سنوات وهناك كتابات في هذا المجال، ونفس الشيء بالنسبة لمفهوم الحرية والديمقراطية، لكن تبقى هناك العديد من الإشكالات التي تناقش على مستوى العالم الإسلامي..

 

الثوابث الكبرى

 

هناك تخوفات من أن يبادر الحزب في حالة حصوله على السلطة في التدخل في مجموعة من الأنشطة الحساسة مثل محاولة الوقوف في وجه البنوك الربوية، فهل فعلا تخططون لمواجهة بعض الاختيارات التي تعتبرونها محرمة شرعا؟

نؤكد أن حزب العدالة والتنمية حتى لو حصل على الأغلبية وقاد الحكومة فلن يقصي التيارات السياسية الأخرى ولن يخرج على الث وابث الكبرى التي يجيزها الدستور ومؤسسات الدولة ونعتبر في هذا الصدد أن البنوك الربوية هي امتداد للنظام المالي العالمي، والمغرب كغيره من البلدان الأخرى انخرط في هذا النظام، وما نطالب به في إطار الحرية والديمقراطية أن يكون هناك تنافس بين البنوك الربوية والبنوك اللاربوية، ب معنى أننا لن نمنع قيام بنوك ربوية لكننا سنسمح بإقامة بنوك لاربوية وللمجتمع أن يتحمل كامل مسؤوليته في الاختيار، وسنحاول المساهمة في إيجاد نظام بنكي شفاف يخلق المنافسة الحرة ويسمح بالممارسات اللاربوية ويفرض نوعا من المساهمة في بناء الاقتصاد الوطني بدل أن يتوقف دور البن وك على الإقراض، وهذا التصور عبرنا عنه ونؤكده كذلك، ونفس الشيء بالنسبة للسياحة مثلا، فنحن لا نحاربها ونعتبر أنها ت حتاج إلى التطوير والتجديد لكن هناك اعتراضات يشاركنا فيها غيرنا عبر العالم، فنحن نعترض على السياحة الجنسية والسياحة اللاخلاقية، والسائح الذي لا يحترم أخلاق البلد لا يمكن الترحيب به، وليس هناك عبر العالم فقط السياح الذين يغادرون بلدانهم طلبا للجنس، فهناك ملايين السياح عبر العالم يمكن تصنيفهم في إطار سياحة الأعمال والاقتصاد، أو السياحة الثقافية، أو السياحة العلمية والطبية أو السياحة التي تبحث عن الطبيعة أو سياحة كبار السن التي ازدهرت في السنوات الأخيرة، ولكني أعترف أن الرأي العام لم يطلع على كل مواقفنا لأننا ربما لم نكتب بما يكفي مما يقنع الآخرين بأننا حسمنا في الخطوط الكبرى في تدبير الشأن العام. وكل الحركات الإسلامية عبر العالم اليوم مطالبة بأن يكون في صفوفها مفكرون يعالجون مجموعة من القضايا على المستوى الفكري والنظري.

 

خاض الحزب بعض المعارك في السنوات الأخيرة ضد بعض المهرجانات الفنية والثقافية، مما يطرح التساؤل هل سيلجأ الحزب غدا عندما يصل إلى الحكومة إلى منع هذه المهرجات ومجموعة من التظاهرات الفنية والثقافية؟

بداية أؤكد أن هامش أي حزب سياسي كيفما كان وحتى لو كان يحكم لوحده محدود، فهناك الملك ومؤسسات القضاء ومؤسسة المجتمع المدني، أي منظومة وفاعلين في الواقع السياسي المغربي أكبر من الحكومة في بعض الأحيان، هذا أولا نؤكده لمن يعتقد أنه في نيتنا إلغاء بعض الامور في الواقع اليومي للمواطن المغربي. وحزب العدالة والتنمية ما ثبت عليه أنه حارب الفن أو حارب السينما أو حارب المهرجانات من الناحية المبدئية، لكنه رفض بعض المظاهر المرتبطة ببعض المهرجانات، فنحن نطالب بالشفافية في تدبير هذه المهرجانات الفنية اولا، لأن الواقع أن تدبيرها يوكل في بعض الأحيان إلى شركات تنشأ بين عشية وضحاها، وإلى بعض المقربين وتفوت لهم مئات الملايين من الدراهم، كما نرفض أن يصاب البلد بإسهال حاد في المهرجانات في الوقت الذي فشلنا فيه في تدبير أبسط الشؤون اليومية مثل تدبير النفايات والأزبال التي تخنق بعض المدن، ونغطي هذا الفشل بكثرة المهرجانات التي لا نحاربها لكن يجب التوسط فيها. والمسألة الأخرى أن هذه المهرجانات التي ملأت السمع والبصر أصبحت وسيلة لترويج منتجات الآخر وتكريس إهمال الإنتاج والإبداع الوطني، والمأخذ الرابع الذي يجعلنا نرفض بعض المهرجانات هو وجود مجموعة من السلوكات المخلة التي لا يمكن أن يقبلها عقل أو منطق، مثلا غياب الأمن، وتوزيع المخدرات وممارسة الجنس علانية وعرض إنتاجات تتعارض مع قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا الوطنية.

وما يؤكد أننا لسنا ضد المهرجانات الفنية أن بعضها تم تنظيمه من طرف فاعلين من داخل الحزب، كما أن بعض المدن التي يساهم في تسييرها أطر الحزب نظمت بعض هذه التظاهرات. وأعتقد أن مصدر هذه المخارف اننا كامتداد لتيار هوياتي أخلاقي لم نستطع التمييز في البداية بين ممارسة الدعوة وبين ممارسة السياسة ومع مرور الوقت بدأ الحزب يتجه نحو قضايا ترتبط بالاقتصاد وبالتوجهات الكبرى للبلاد بدل الانغلاق داخل الخطاب الاخلاقي الذي تحملت مسؤوليته جهات أخرى.

 

المصالح والمفاسد

 

الاقتصاد المغربي يقوم في جزء أساسي منه على الخمور فلاحة وصناعة، وعلى مداخيل الحانات والمراقص، وعلى زراعة القنب الهندي في الشمال، وعدد من المداخيل التي تعتمد عليها مالية الدولة رغم أنها حرام، فكيف ستواجهون هذا الواقع في حالة تسلمكم للمسؤولية؟

أولا أي حزب وأي تيار يريد أن يدبر الشأن العام يأخذ فيه بعين الاعتبار المصالح والمفاسد والحزب السياسي الناجح هو ذلك القادر على التعامل مع الاكراهات برزانة، وأن يحاول أن يجتهد مع بقية الشركاء الآخرين في تقوية وتنمية ما هو إيجابي ومحاولة إضعاف ماهو سلبي، بمعنى أنه ليس هناك أي تيار في العالم ولا أية رسالة حتى لو كانت سماوية ستغير الواقع بين عشية وضحاها، وبدل أن نعتمد على المواجهة والمنع سنتوسل إلى التغيير بالتربية والاقناع والاجتهاد في إبداع بدائل جديدة، فالمناطق التي تعتمد على زراعة القنب الهندي مثلا يجب مساعدتها على تبني بدائل جديدة، والذين يستثمرون لسنوات طويلة في زراعة وصناعة الخمور ملايين الدولارات لايمكن أن نوقف استثماراتهم بين عشية وضحاها، لابد من الاجتهاد والبحث عن البدائل الجديدة، لكن ليس معنى ذلك أننا مطالبين بأن نغض الطرف على بعض الأنشطة فقط لأنها مصدر مالي مهم، سنحاربها حتى لو كانت مصدر دعم الاقتصاد، وأعتقد أن هناك مشاكل بنيوية تحتاج إلى بحث جماعي جاد عن بدائل، وإلى تربية ولكن هناك أمور يجب الحسم فيها ومحاربتها بصرامة مثل الدعارة وتهريب البشر وتجارة المخدرات.

 

في إطار تجربة التدبير المحلي، تسلطت الأضواء على مدينة مكناس لأنه يوجد على رأسها منذ الانتخابات البلدية الأخيرة حزب العدالة والتنمية، ومدينة مكناس ليست هي مدينة الزيتون فقط ولكنها أيضا مدينة تحتضن مناطق كبيرة تعتمد على زراعة الكروم الموجهة لتصنيع الخمور، ماذا فعل الحزب ليقدم بدائل جديدة عن هذه الزراعة المزدهرة في هذه المنطقة؟

ـ ولا مدينة مكناس لا تعتمد على زراعة الخمور ولكن المناطق المحيطة بها هي التي تعتمد في جزء من فلاحتها على زراعة الخمور، كما أن الجماعات المحلية (البلديات) لا تتدخل في الاقتصاد والصناعة، ونحن عندما جئنا وجدنا أثرياء ومستثمري ن كبارا استثمروا في صناعة الخمور، ولا يمكن في وقت وجيز أن ندخل معهم في حروب ونوقف استثماراتهم، بل الأمر يحتاج إلى وقت، كما أن البلاد تحتاج إلى الاهتمام ببعض الأولويات الأكثر أهمية والأكثر خطورة، مثل البطالة، والأمن، والخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم ونقل حضري، وأولويات بيئية وأولويات ثقافية اجتماعية.. وسيكون من غير اللائق أن يبدأ حزبنا بإشكالات عويصة عالميا ويترك أمورا أكثر أولوية وأسهل من حيث المعالجة .

وفي اعتقادي يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يقترح على المغاربة ورشا للنقاش، نعلن من خلاله أننا بلد إسلامي عندنا زراعة وصناعة الخمور، ونسائل الجميع كيف نتخلص من هذه الصناعة؟ نفتح النقاش أمام الجميع لنصل إلى طرق بديلة ونستدعي علماءنا الأفاضل ونضع أمامهم كل المعطيات بما فيها مساهمة هذه الصناعة في مالية الدولة، وعدد المناصب الشغل التي تقدمها خصوصا أن هذه الصناعة وجدت مع الاستعمار قبل عقود طويلة ولا يمكن التخلص منها في سنوات.

 

يقول وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق، الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري بأن « الحكومة الملتحية«  ستكون قنطرة للوصو ل إلى الحكومة الاسلامية الحقيقية، ما رأيكم في هذا الطرح؟

الإصلاح هو عملية متدرجة، وإذا كانت مشاركتنا في الحكومة المقبلة ستعبد الطريق لاجتهادات يتبناها جيل آخر أفضل منا فيعالج الاختلالات الموجودة في المجتمع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا فنحن فخورون بأن يكون لنا أجر المساهمة في التحول وفي تحقيق التنيمة والعدالة ومصالحة الناس مع ذواتهم، ونحن لا ننظر إلى أنفسنا على أننا نحن المخلصون أو أننا نحن البديل المنتظر بل نعتبر أننا نعيش زماننا ونسعى لخدمة هذا البلد ولخدمة ديننا بما نستطيع ليأتي من بعدنا ويتمم البناء. ونعتز بهذا الدور إن تحقق.

هناك تيارات سياسية مغربية ساهمت في الانتقال الديمقراطي ونحن نتمنى أن نساهم في الانتقال الاصلاحي الشامل. فقط لدي تحفظ بسيط حول تسمية الحكومة الاسلامية، وعلى أية حال لو وجد أي تيار سياسي آخر تمكن من طرح اجتهاد أقرب لما جاء به الاسلام فنحن سنؤيده.

 

المقاصد والواجبات

 

هل لا يزال من الممكن اليوم رفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية؟

لا أحد في حزبنا يرفع هذا الشعار بهذه البساطة، فقد ضاع من عمر الحركات الإسلامية زمن وهي ترفع هذه الشعارات، والأمة اليوم يجب أن تنشغل بالأعمال وبالإشكالات الكبرى التي تخالف مقاصد الشريعة الإسلامية مثل معضلة التشغيل، الصحة، البنية التحتية… وهذه هي المقاصد والواجبات التي يجب أن نحققها، وسيكون مضيعة للوقت أن نتداول شعارات وألفاظ دون أن نعمل ونشتغل في مقاصدها.

 

واجب كل التيارات

 

يؤكد عدد من المتتبعين أن المواطن المغربي يعيش حالة انهيار نتيجة الانفتاح الإعلامي سواء الذي فرضته الظروف الدولية أو الذي نتج عن مناخ الحرية الذي بدأت تعيشه البلاد في السنوات الأخيرة، حيث بدأ هذا المواطن يطرح التساؤل حول مجموعة من الثوابت، واستهدف الإعلام المستقل هدم كل ما كان ثابتا حول الملكية، وحول الوحدة الترابية، وبعض القيم القومية، وحتى حول الدين الإسلامي، فماذا أعد الإسلاميون في المغرب لمواجهة هذه الزلازل التي تزداد حدتها كلما زادت وتيرة الانفتاح؟

ج ـ الانفتاح هو قدر محتوم، والبشرية تتقدم اليوم والتواصل يزيل الحواجز الجغرافية والثقافية وغيرها، لكن هذا الانفتاح ياتي بصدمات ظهرت تجلياتها في أول الأمر على الاقتصاد وستظهر في الثقافة المحلية، لذلك أعتقد أن إدارة الانفتاح ومواجهة الصدمات هو واجب كل التيارات الثقافية والسياسية وليس واجب حزب العدالة والتنمية أو الحركات الإسلامية وحدها، ولن نتمكن من إدارة ظهورنا لهذا الانفتاح لأنه من المستحيل التحكم في القنوات الفضائية أو في الانتريت، لكن يمكن أن نخلق لدى المواطن قيما جديدة تساعده على الانفتاح وهو مطمئن إلى أنه يقف على أرض صلبة. هذا هو الواجب الأول على الجميع، فالمطلوب هو المزيد من التربية ومن التحصين ومن التوعية، وفي إطار العولمة الجميع يبحث عن المحافظة على هويته من الضياع.

لكني شخصيا لا أميل إلى هذا التشاؤم ولا أوافق من يقولون بأن ثوابتنا تنهار، فنحن كدولة ومجتمع لم يتم تأسيسيهما في وقت وجيز بل لنا تاريخ عريق وحضارة متجذرة، ولو كان الاسلام سهل الانخلاع لزال من المجتمعات الاسلامية في أور وبا الشرقية، حيث اعتقد البعض أن مأساة الاندلس ستتكرر في قلب أوروبا مرة أخرى لكن تلك الشعوب صمدت واستمرت وحافظت على وجودها وعلى هويتها كشعوب مسلمة، هناك أقلية بيننا تتبنى ثقافة الآخر وتحاول أن تروج لها داخل المجتمع لكن الأغلبية متمسكة بهويتها، بل على العكس سيحدث في المستقبل القريب ما يمكن تسميته بالصدمة المضادة، أي مزيدا من التمسك بهذه الثوابت. و لا يجب أن نبالغ في الوصف ونقول بأن كل شيء ينهار، حقيقة هناك صدمات، وهناك زلازل لكنها لن تؤدي إلى الانهيار الكلي لثوابتنا وقيمنا وداخل حزب العدالة والتنمية نحن نعتبر بأننا كتيار سياسي مطالبين بتحصين قيم سياسية مثل الحق والقانون، الديمقراطية.. إضافة إلى تنمية الثقافة والهوية المغربية وتطوير الاعلام المغربي بما يجعله قادرا على خلق عقول قادرة على التمييز، وهذه مسؤولية الجميع..

 

في الساحة السياسية المغربية هناك مفارقة خاصة، حيث ان أهم الفاعلين حاليا هم القصر من جهة وبعض التنظيمات المدنية التي تقف وراء الصحافة المستقلة، في ظل غياب كبير للأحزاب، مما يهدد الاستقرار السياسي الداخلي، فأي مستقبل للأحزاب المغربية في ظل هذه المفارقة في نظرك؟

ـ المغرب يمر من مرحلة انتقالية، وخلال هذه المرحلة ينمو بجانب الاحزاب السياسي مجتمع مدني أوتيارات مستقلة تخلق نوعا من التوازن مع الاحزاب، ولا يجب أن ننسى خصوصية المغرب التي تتجلى في تعدد الفاعلين السياسيين بدءا بالقصر الملكي ووصولا إلى المجتمع المدني، وبدل تضييع الوقت في انتقاد هذا الواقع يجب أن نجتهد لكي يعود لكل فاعل دوره الأساسي والطبيع ي، وفي هذا السياق لا يمكن أن نلوم من يتحرك اليوم ولا نلوم الأحزاب السياسية التي يجب أن تتحرك وأن تعمل، وهذا ما يجعلنا نناضل لكي يكون لنا دور فاعل ومؤثر ، وإذا شعرنا أننا فقدنا هذا الدور علينا أن نغلق هذا الحزب. وخلال مسيرتنا قبل عشر سنوات استطعنا بناء دور معين على الأقل في ترشيد مجموعة من المشاريع ومن المبادرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعلى الأحزاب الأخرى أن تناضل بدورها في هذا الاتجاه، وبدل انتقاد المبادرات التي قد تصدر من خارج الأحزاب علينا خلق انسجام بين هذه المبادرات. وعلى سبيل المثال؛ « المبادرة الوطنية للتنمية البشرية » أطلقها الملك لكن انخرطت فيها الحكومة، وعلى الأحزاب السياسية الانخراط فيها اقتراحا وانتقادا ومساهمة بدل الانسحاب منها والاحتجاج عليها على اعتبار أنها مبادرة ملكية.. في انتظار أن يقع نقاش ما بعد انتخابات 2007 حول التوجهات السياسية والدستورية المرتقبة والتي نريدها أن ترجع لكل المؤسسات دورها الطبيعي ولكل القوى مكانها الطبيعي.

 

واجب كل التيارات

 

– هل تتفق مع من يقول إ ن الأحزاب المغربية تعيش حالة ضعف وانسحاب وفقدان الثقة بشكل غير مسبوق في المجتمع المغربي؟

أريد أن أؤكد أننا في مرحلة انتقالية والأحزاب بدأت تسترد دورها الطبيعي بتدرج وسيرد هذا الدور كاملا عندما نفتح ورش الاصلاحات السياسية والدستورية بعد الانتخابات المقبلة، لكي نخرج من مرحلة الانتقال الديمقراطي إلى الديمقراطية الحقة، وإلى دولة المؤسسات وإلى التنافس الطبيعي بين القوى السياسية وإلى منطق المحاسبة والمراقبة وهذه مرحلة مؤقتة نتمنى أن لا تطول حتى لا ندخل في انتظارية قاتلة تقتل الأحزاب وتقتل المجتمع المدني وتقتل الأمل في التغيير..هناك أحزاب أضعفت نفسها لأنها قبلت تزوير الانتخابات لصالحها ولا تقوم بمبادرات ولا تتواصل مع الناس لكن هناك أحزاب أخرى لا تزال تحتفظ بدورها وبمكانتها داخل المجتمع المغربي. والحراك السياسي الذي بدأنا نلمسه في الأيام الأخيرة يدل على أن الأحزاب المغربية بدأت تسترد عافيتها وأنا متفائل بأننا سننتقل إلى مرحلة رشد سياسي يكبر معها دور الأحزاب.

 

أي حزب تشعرون أنه أقرب إليكم ويمكنكم التحالف معه بعد انتخابات العام المقبل ؟

ج ـ هناك اختلاف داخل الحزب حاليا، فهناك من يميل أكثر إلى حزب الاستقلال (يمين) وهناك من يميل أكثر إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يسار) وهناك من يميل إلى حزب الحركة الشعبية (وسط)، لكن انطلاقا من منطق الاكراهات ومن منطق الواقع الموجود أعتقد أنه إذا طلب من حزب العدالة والتنمية لو فاز بالمرتبة الأولى – وأنا أستبعد ذلك- أن يشكل الحكومة ، فالمنطق الطبيعي هو تشكيل الحكومة مع حزب الحركة الشعبية ومع الأحرار (وسط) ومع الأحزاب الأخرى التي تنتمي إلى المنظومة اليمينة المحافظة، وتبقى كل الاحتمالات واردة بما فيها التحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

 

العلاقة مع العدل والإحسان

 

تتهمكم جماعة العدل والاحسان الاسلامية المحظورة بأنكم دخلتم إلى تجربة لا يمكن أن تقدموا فيها شيئا، بسبب الدستور الحالين فما رأيكم في هذا الاتهام الذي يوجه لكم من داخل نفس المنظومة التي تنتمون إليها؟

ليناضل إخواننا في العدل والإحسان من أجل الاصلاح الدستوري، أما نحن فقد كان اختيارنا منذ البداية واضح وقررنا أن نشارك ضمن ما هو موجود وان نشتغل مع الفرقاء السياسيين في خلق الثقة بين الملك وبين الفاعلين السياسيين من أجل إنجاح الانتقال الديمقراطي، وأرسلنا عدة رسائل في هذا الاتجاه للخروج من مرحلة الصراع التي كانت تطبع علاقة الملك بالأحزاب السياسية. والاتجاه الغالب داخل قيادة الحزب هو فتح النقاش حول الاصلاحات الدستورية بعد الانتخابات المقبلة، وفتحنا نقاشات حول ضرورة تقوية مؤسسة الوزير الأول، وحول تعديل الدستور، وقائمة الملفات التي نتمنى فتحها في حينها لا تزال طويلة.

 

–   لماذا لا تودون فتح ورش الاصلاح الدستوري قبل انتخابات عام 2007؟

لأن البلاد فتحت في المرحلة السابقة عدة ملفات كبرى، كان لدينا ملف المصالحة السياسية بين القصر والمعارضة السابقة، وملف الاصلاحات الاقتصادية،و الاصلاحات الاجتماعية وا لأسرة، و ملف الانتقال الديمقراطي، وإعادة الثقة بين الفرقاء السياسيين، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة ، وتخليق الحياة السياسية.. وأعتقد أن الوقت سيكون مناسبا بعد انتخابات 2007 لكي تتوج كل هذه الاصلاحات بفتح ورش الاصلاحات الدستورية والسياسية وسيحدث نقاش يؤدي إلى اتفاق بين كل الفاعلين من أجل دستور يضمن واقعا سياسيا أفضل.

 

ما موقف حزب العدالة والتنمية من المواجهات الحالية بين جماعة العدل والاحسان وبين السلطات الأمنية؟

نحن أبدينا موقفنا بشكل معتدل، فهناك صراع بين طرفين لا يعترف أحدهما بالآخر ومن الطبيعي أن يحدث مثل هذا الاصطدام، فجماعة العدل والاحسان لا تعترف بالأنظمة القائمة ولا تريد أن تعمل من خلالها، والدولة لا تعترف بالجماعة، ونحن نطالب أن يكون القانون فوق الجميع وأن لا يؤدي الصراع بين الطرفين إلى اصطدام ليس في مصلحة البلد ولا في مصلحة الجماعة ولا في مصلحة الانتقال الديمقراطي، ولذلك مطلبنا أن يلتزم الجميع بالقانون، ونؤكد أن اختيارات جماعة العدل والإحسان مخالفة لاختياراتنا.

 

تتهمكم الجماعة بأنكم تخليتم عنها في محنتها الحالية، فما ردكم على ذلك؟

ما ثبت أننا تحالفنا معهم حتى نتخلى عنهم، فنحن لا ن لومهم لأنهم لم يساندونا في الانتخابات لأن هذا كان خيارنا وحدنا. وليس لهم أن يلومونا إذا لم نساند اختياراتهم، ونعترف أن هناك تجاوزات في هذه المواجهات وقعت من طرف السلطة وما كان لها أن تقع، لكن هناك أيضا تجاوزات وقعت من طرف الجماعة، ونحن نتمنى أن يحدث حوار بين الطرفين لتطبيع العلاقات ولتنخرط جماعة العدل والإحسان في الحياة السياسية بشكل طبيعي وفي إطار النسق القائم، وتعبر عن رأيها مثل باقي المكونات السياسية.

 

(المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال بتاريخ 20 ديسمبر 2006)


الصراع على المياه في القرن الإفريقي

 

توفيق المديني
تعتبر قضية المياه    أخطر قضية لها تأثير مباشر على الأمن القومي العربي . لذا سوف يفقد العرب قدراتهم الاستراتيجية إذا لم يعملوا على حماية  رأسمالهم المائي ( و هو محدود ) من المطامع الدولية . فالأمن القومي العربي الشامل ( و حتى الإقليمي ) لن يكون ممكنا بمعزل عن الأمن المائي . و هذا يعني ضرورة وضع أو تطوير استراتيجية عربية مشتركة تقوم في حدها الأدنى على منع سرقة المياه العربية .    وتعاني الدول العربية من شحة كبيرة في المياه ، بسبب طبيعتها الجافة ، و شبه الجافة و هي من أكثر الدول حاجة إلى المياه . و من المعروف تاريخيا أن المياه للدول و كل الدول ، تعكس ثلاثة أمور ، الأول أنه رمز لغنى الدولة ، و الثاني مصدر ازدهارها الاقتصادي ، والثالث ورقة رهان سياسي في يدها . و هكذا أصبحت مصادر المياه نقطة تجاذب بين دول منطقة القرن الإفريقي، و خلقت وضعا أطلقت عليه تسمية  » حرب المياه « .     و قد برزت في الفترة الأخيرة الأزمة المائية في كل منطقة الشرق الأوسط عامة ، والقرن الإفريقي خاصة ، إذ تسارعت وتيرة هذه الأزمة بسبب النقص في المصادر المائية ، لدى بعض دول المنطقة .     و تعتبر قضية المياه من القضايا الحيوية التي تصل دول حوض النيل و خصوصا دولتي المصب ، و هما مصر و السودان  . فهاتان الدولتان تتغذيان من نهر النيل ، الذي هو أطول أنهار العالم ، إذ يبلغ طوله 6825 كلم . و يمتد على مساحة 3،1ملايين كلم ، أي مساحة حوض النيل تحتل 10 في المئة من إجمالي مساحة القارة . و للنيل رافدان رئيسيان هما النيل الأزرق و النيل الأبيض . و ينبع الأخير من بحيرة فكتوريا ، و هي جسم ضخم من الماء العذب تصل مساحته إلى  485 ،69 كلم مربع . و تعد ثاني أكبر بحيرات العالم بعد بحيرة سومير يور . و في الخرطوم ، يلتقي النيل الأبيض بالنيل الأزرق في منطقة المقرن ( أي ملتقى النهرين ) . و ينبع النيل الأزرق من بحيرة تانا في المرتفعات الأثيوبية ، و يسير من منبعه إلى الخرطوم قاطعا مساحة 1500 كلم و يساهم النيل الأزرق و أنهار الهضبة الأثيوبية الأخرى بنسبة 84 في المائة من إيراد النيل على مدار العام ، و ترتفع هذه النسبة إلى 95 في المائة في موسم القيطان .     و بالتقاء النيلين الأبيض و الأزرق يتكون النيل الرئيسي الذي يسير من الخرطوم حتى مصبه في الإسكندرية على البحر المتوسط ، في سهول منبعه . و يصل إيراد النيل إلى 85 مليار م مكعب عند أسوان ، و هي حصيلة النيل الرئيسي ، إضافة إلى إيراد نهر عطبرة البالغة 13 في المئة من إجمالي إيراد النهر و يجري اقتسام هذا الإيراد بين مصر و السودان طبقا لاتفاقية عام 1959 بين البلدين ، التي تحدد 6، 55 مليار م3 لمصر و 5 ، 18 م3 للسودان .     و من أهم الاتفاقيات التي توضح حقوق مصر في مياه النيل : –       بروتوكول  روما الموقع في نيسان / أبريل 1891 بين بريطانيا و إيطاليا بشأن ترسيم الحدود بين أرتيريا و السودان ، و ينص على تعهد إيطاليا بالامتناع عن إقامة أي أعمال على نهر عطبرة ، قد يكون من شأنها التأثير بدرجة محسوسة في كمية مياه النهر ، و الذي يعد أحد الروافد الأساسية التي تغذي النيل المصري . –       اتفاق الكونغو و بريطانيا عام 1894 ، و ينص بأن يتعهد الكونغو بعدم السماح بإقامة أي أشغال على نهر سمليكي أو سانجو يكون من شأنها خفض حجم المياه التي تصب في بحيرة ألبرت . –       اتفاقية أديس أبابا عام 1902 بين بريطانيا و إثيوبيا ، و فيها يتعهد الإمبراطور منليك الثاني ، إمبراطور أثيوبيا بعدم إقامة أي مشروعات سواء على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو على نهر السوناج ، و يكون من شأنها التأثير في نهر النيل . –       الاتفاق المعقود في كانون الأول / ديسمبر 1906 بين بريطانيا و فرنسا وإيطاليا تعهدت فيه الأطراف الثلاثة بالمحافظة على مصالح مصرفي حوض النيل و تنظيم مياه النهر وروافده . –       مذكرات متبادلة بين بريطانيا و إيطاليا عام 1925 ، و تنص على الاعتراف بالحقوق المائية لمصر و السودان و أحقية مواطني البلدين في استخدام المياه . –       اتفاقية مياه النيل عام 1929 و المبرمة بين مصر و السودان ( في عهد الاحتلال الثنائي ) و التي تنص على ضرورة المراعاة الكاملة لمصالح مصر المائية و عدم الإضرار بحقوقها الطبيعية في مياه النيل .     و في السنوات الأخيرة برزت الأزمة المائية في مصر ، التي أصبحت قلقة على حصتها من مياه النيل ، و يعود ذلك إلى العوامل الرئيسية التالية : 1-النسبة العالية في النمو السكاني الديموغرافي ، و هي من أعلى النسب في العالم وتصل إلى 5، 3 في المائة ، الأمر الذي جعل قسم من السكان ينتقل بصورة مكثفة  من الريف إلى المدن ، و بالتالي أدى هذا الى تزايد في الطلب على المياه للاستعمالين المنزلي و الصناعي . و هناك فارق ضخم بين عدد السكان في مصر و عدد السكان في دول الحوض الأخرى . وبالتالي ستختلف الحاجة إلى التنمية الاقتصادية في الدول الأخرى ، و ذلك من حيث الكم والتكلفة ، على أن التقديرات تشير إلى أنه في عام 2025 سينخفض نصيب الفرد سنويا في مصر إلى 500 متر مكعب من الماء ، و هو أقل من حد في المياه العذبة ، و بالتالي أي تصرف من دول الحوض من شأنه أن يؤدي إلى إنقاص حصة مصر المقررة من المياه ، يهدد مباشرة المصلحة الوطنيةالمصرية. 2-وضع مشاريع طموحة جدا ( سدود ضخمة على الأنهر ) موضع التنفيذ لدى أثيوبيا ، بهدف تحقيق زيادة مهمة في المساحات الزراعية المروية ، و إنتاج كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية .و لا شك أن المشروعات التي تخطط لها دول حوض النيل منذ سنوات خاصة من قبل أثيوبيا ، تؤثر على الأمن القومي المصري . 3- لما كانت مصر لديها خطط تنموية طموحة ، فإن احتياجاتها من المياه ما انفكت تتعاظم ، إذا انتقلت من 5، 55 مليار متر مكعب إلى حوالي 63 مليار متر مكعب . و مع دخول مصر القرن الواحد و العشرين ، فإن احتياجاتها من المياه تصل الآن إلى حوالي 73 مليار متر مكعب .  و الحال هذه ، فإن مصر في حاجة شديدة إلى المياه ، و لكن استراتيجيتها المائية الداخلية ( استراتيجية التنمية ) أصبحت محكومة و محددة ، إلى حد كبير ، باستراتيجيات الدول الأخرى بسبب اختراق النيل دولا عدة تربطها علاقات صراع و عداوة ، الأمر الذي يصعب تحقيق استراتيجية مائية مستقلة داخل مصر لوحدها ، بسبب وجود استراتيجيات دول حوض النيل الأخرى ، التي تعمل على إقامة مشروعات منذ سنوات تضر بالأمن القومي المصري ، ومن هذه المشروعات ، إقامة مشروعات عدة للري و توليد الطاقة على نهر كاجيرا على بحيرة فكتوريا ، وشروع  إثيوبيا في تنفيذ 33 مشروعا للري و لتوليد الكهرباء حول النيل الأزرق .     و هناك اتفاق بين الكيان الصهيوني و إثيوبيا على إقامة سد لتوليد الكهرباء . فقد استعملت اثيوبيا كمصدر تهديد لمصر عن طريق مياه النيل ، تارة بين أميركا أيام الإمبراطور هيلا سيلاسي في أواخر الخمسينات للضغط على مصر في موضوع السد العالي ، و أخرى من الاتحاد السوفياتي في أواخر السبعينات للضغط في موضوع مياه سيناء . و هذا يفسر ، إلى حد كبير الدعم المتبادل للحركات الانفصالية في كل من إثيوبيا و الصومال و السودان ، بمعنى أنه مقابل إشهار سلاح المياه من دولة ضد أخرى تشهر الثانية سلاح الأقليات في وجه الأولى . * باحث اقتصادي
 
(المصدر: صحيفة الخليج -آراء و تحليلات- الصادرة يوم 26 ديسمبر 2006)
 


Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.