الثلاثاء، 17 أبريل 2007

Home – Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2520 du 17.04.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


كلمة: أخبار العدالة نورالدين ختروشي: هيئة 18 أكتوبر عفوية أرّخت للسياسة فهل تستثمر في المعنى د. محمد الهاشمي الحامدي: نداء للقبول بحق الإختلاف صالح الزغيدي: يعتقدون أنهم « جابوا الصيد من وذنو » …… الطاهر الأسود: تعليق حول  » حوار حول الحلقة الثالثة من مسلسل زمن بورقيبة حول موقف بورقيبة من القضية الفلسطينية المنجي الفطناسي: إلى متى التخفي وراء الأسماء المستعارة  سيدي بو: هوني عليك يا أم اسامة القدس العربي: السعودية: صحيفة الوطن تعيد تعيين جمال خاشقجي رئيسا للتحرير رويترز: القاعدة تقول العراق أصبح « جامعة الإرهاب » آمال موسى: المغاربيون والأخطبوط د. محمد صالح المسفر: الجزائر والمغرب و القاعدة خالد حسن: الأحزمة الناسفة: ‘هدية’ قاعدة العراق إلى العالم الإسلامي قنطرة: مقابلة مع تورستن غيرالد شنايدرز حول العمليات الإنتحارية: »هؤلاء الناس ليسوا مرضى نفسيين » خليل العناني: عن «تشظي» الحركة الجهادية في بلادنا  أنور مالك: أوراق عائد من بلاد البلقان: عرب البوسنة… هؤلاء المطاردون!! أحمد عطا المرأة التي عرت رئيس البنك الدولي زهير الخويلدي: نظرية السياسة عند المعتزلة وسيط ضروري بين الإسلام والديمقراطية

ناجي علوش: هل هناك إمكانية للسلام بين العرب والعدو الصهيوني؟

هشام الدجاني: المجتمعات العربية امام عقبات الإصلاح


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


بو سالم في 2007-4-16

إعلام  
 جاب االسيّد صلاح الدّين العلوي سجين رأي ونقابي سابق بعض شوارع مدينة بوسالم تبعد130 كم عن تونس العاصمة حاملا يافطة على صدره كتب عليها    » من يجوّعنا ؟ « .    وكان هذا صباح يوم الخميس 13  أفريل 2007 .    ولما توجّه إلى مركز الشرطة للإمضاء كعادته كلّ أسبوع تمّ حجز اليافطة.    ملاحظة : السيّد صلاح الدّين العلوي قضى 14 سنة سجنا . مصرّح بتاريخ 27  جوان 2004 مع مراقبة إداريّة ب16 سنة .      مطلبه الأساسي الحصول على مورد رزق يحفظ له كرامته وعائلته.
       الإمضاء صلاح الدّين العلوى

أخبار العدالة

عبد الرؤوف العيادي

 

من المستهدف ؟

فوجئ لسان الدفاع الذي حضر جلسة سماع السيد عمر المستيري من طرف مساعد وكيل الجمهورية بمحكمة تونس الابتدائية بمسألة أوّلية أثارها المساعد المذكور وهي نيابة الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني إذ طلب منه المساعد التخلي عنها بعد أن طلب الشاكي توجيه التهمة إليه- دون بيان وصفها تحديدا- فكان جواب الأستاذ الكيلاني أن طلب توجيه التهمة إليه إلاّ أنّ عضو النيابة رفض ذلك. واستمرّ الجدل في الموضوع إذ أصرّ المساعد على طلب انسحاب الأستاذ الكيلاني دون بيان سند ذلك من الناحية القانونية بما جعل بقيّة زملائه الحاضرين يتمسّكون بحضور زميلهم وعبّر البعض منهم عن استغرابه من ذلك الموقف ورأى فيه تدخّلا من وزارة العدل في الحملة الانتخابية للمحامين عبر توظيف لملفّ ما كان ليفتح لولا الضوء الأخضر للوزارة المذكورة.

 

الرهينة والتعذيب

شيخ يبدو أنّه قارب السبعين من العمر ومظاهر الفقر بادية عليه زارني بالمكتب ليطلب منّي نيابة ابنه في قضيّة ما يسمّى بالمجموعة السلفية وقد روى لي أنّه أُخذ رهينة لعدّة أيّام من قبل البوليس السياسي وبقي محتجزا إلى حين إيقاف ابنه المذكور. لكن الاعتداء لم يقف عند هذا الحدّ فقد روى لي كيف تم تعذيبه وتجريده من ثيابه حتى لم يبق منها إلاّ تبّانه الداخلي الذي أُمر بخلعه قصد إيلاج عصا في دبره فتمسّك به متوسّلا والدموع تنهار من عينيه… ثم توقف عن الحديث وقد خنقت صوته العبرة. فلم أجد في نفسي الجرأة لأن أطلب منه كيف انتهت المحنة.

 

منحة التفريط في استقلال المهنة

رئيس الجمعية التونسية للمحامين الشبان الذي جرى « انتخابه » بعد محاصرة البوليس السياسي للنزل الذي فرضت فيه الانتخابات ومنع عشرات المحامين المستقلّين من الدخول إليه، تحوّل إلى وسيط بين المحامي المتمرن ورئيس المحكمة الابتدائية الذي أصبح بموجب الأمر عدد 3140 بصرف ما يسمّى بمنحة التربص للإعداد للحياة المهنيّة إذ وضعت الجمعيّة مطبوعات وعددها ثلاثة على ذمّة المحامي المتمرّن الذي يتولّى تعميرها.

وما يثير الاستغراب هو أنّها تتضمّن ما سمّي « مذكّرة في الأعمال التفصيلية للأعمال المنجزة طيلة الثلاثة أشهر الفارطة » بما يسمح لرئيس المحكمة الابتدائية بتقويم أداء المحامي و »تصريح على الشرف » تضمّن التزاما بإعلام رئيس المحكمة المذكور بكلّ تغيير يطرأ في المعطيات المتعلقة بمكتب التمرين وما يتنافى مع صرف منحة التمرين. والحال أنّ الإعلام بتغيير المكتب إنّما هو واجب فرضه القانون المنظّم لمهنة المحاماة بالفقرة 3 من الفصل 29 الذي نصّه: « ويجب على المحامي إعلام العميد ورؤساء الفروع المعنيّة مسبقا بعنوان مكتبه وبكلّ تغيير يطرأ عليه ».

وبذلك يتَّضح الدور المشبوه الذي تقوم به الهيئة المديرة للجمعية في ضرب استقلالية المحاماة عبر فرض واجبات جديدة نحو سلطة دخيلة ومقابل مبلغ مالي زهيد إذ لا تتجاوز تلك المنحة 120 دينارا.

 

صدور الحكم فأين العدالة ؟

تم توزيع منشور بمدينة صفاقس يتهم قضاة المحكمة الابتدائية بها بالفساد. وقد ذكر من الأسماء رئيس المحكمة المنصف لكشو ومنجي ليمام رئيس الدائرة الجنائية بها والشاذلي والي. بعض المحامين أفادنا أنّ ذلك المنشور جاء كردّ فعل على صدور حكم في قضيّة تعاضدية لبيع الخمور أبرأ مسيّريها من تهم سوء التصرف التي أحيلوا بموجبها على القضاء ممّا جعلهم يشعرون بنشوة البراءة بعد أن ذهبت نشوة الخمرة.

 

لا قدرة للقاضي…

والدة السجين الموقوف وليد العيوني الذي فقد مداركه العقلية إثر تعرضه للاعتداء بسجن الإيقاف حسب تصريحها، اتصلت بالسيد قاضي التحقيق المتعهد بملفّه وطلبت منه المساعدة على الإفراج عن ابنها المريض إلاّ أنّه عبّر لها عن عدم إمكانية ذلك في الوقت الحاضر وأنّه غاية ما يقدر عليه هو توجيه تهمة واحدة للموقوف !

 

لا علم للقاضي…

تم جلب السجين الموقوف بسجن المرناقية وائل العمامي إلى إدارة أمن الدولة أين تمّ سماعه وتكرر ذلك أربع مرات. كما تم وضعه في العزلة بعد تجميعه مع متهمين آخرين منذ حوالي شهرين اثنين. وبسؤالي السيد حاكم التحقيق المتعهد بالقضية التي أحيل فيها وائل عن سبب جلبه من طرف أعوان أمن الدولة وإن كان أصدر إنابة في الموضوع مثلما يقتضيه القانون. فوجئت بأنّه ليس على علم بما يحصل وبمّا اتخذ في شأن الموقوف المذكور من إجراءات داخل السجن وخارجه.

 

تنقيح بين الدعاية وعدم التنفيذ الفعلي

عزفت فرقة المطبّلين لحنها الممجوج بمناسبة تنقيح الفصل 57 من مجلّة الإجراءات الجزائية الذي خوّل للمظنون فيه إنابة محام عند استنطاقه لدى باحث البداية المناب من طرف حاكم التحقيق.

إلاّ أنّ المتأمّل في النصّ لا يمكنه أخذ الأمر مأخذ الجدّ فقد جاءت عباراته عامّة وغير دقيقة ممّا يحول دون مراقبة تنفيذ الالتزام المحمول على مأمور الضابطة العدلية (البوليس) إذ لم ينصّ على كيفية إعلام المحامي المنتدب وهل يكون ذلك كتابة أم بواسطة مكالمة هاتفية لا تترك أثرا يثبت حصولها. ثمّ إنّ التجربة مع حكّام التحقيق الذين يخرقون أحكام الفصل 69 من مجلة الإجراءات الجزائية لن تجعل المرء متفائلا بما ستكون عليه ممارسة البوليس في هذا الشأن.

فما رأي المشرّع لو يُجري تنقيحا يتم بموجبه إعلام المحامي كتابة بفرع هيئة المحامين التابع له. كما أنّه لماذا لا تكون إنابة المحامي وجوبيّة أمام التحقيق الذي يعرّفه شرّاح القانون بكونه محكمة.

 

(المصدر: مجلة « كلمة » (أليكترونية شهرية – تونس)، العدد 52 لشهر أفريل 2007)

الرابط: http://www.kalimatunisie.com/article.php?id=526

 


 

هيئة 18 أكتوبر عفوية أرّخت للسياسة فهل تستثمر في المعنى

بقلم: نورالدين ختروشي

Noureddine_khatrouchi@yahoo.fr

 

 

** مدخل: حركة النهضة من الملاحقة الأمنية إلى الملاحقة الفكرية يبدو ان الموقف من الإسلامية المعتدلة، قد حسم نهائيا في العالم العربي والإسلامي لصالح التعامل معها على أنها مكونا أساسيا للمشهد الاجتماعي والسياسي، لايمكن إقصاءه دون التضحية بمعنى الاجتماع المدني والسياسي ذاته.  

تمثل تونس استثناءا غريبا قي هذا المشهد، حيث تواصل السلطة القائمة سياسة الاستئصال الشامل للإسلاميين، تساندها في ذلك وبصفة مباشرة ومنخرطة رسميا في هياكل الدولة نخبة لائكية – من يسار وليبراليين- هيأت لإنجاز مشروع الاستئصال التنظيمي بإستراتجية تجفيف المنابع ثقافيا. وعضدت مشروع الكل لائكي، نخبة ناشطة من خارج الدائرة الرسمية، بل وعلى أرضية المعارضة لسياسة الكل أمني الرسمية، لتقوم بدور الحارس الأمين على حدود المجتمع المدني، سدّا للطريق أمام أي عودة ممكنة للإسلاميين لساحة المجتمع المدني فضلا عن رديفه السياسي .  

في الحالة التونسية نحن أمام مفارقة جوهرها انفتاح الإسلامي وانغلاق العلماني. ولقد أتى على الساحة الوطنية حينا من الدهر، كانت فيها النهضة تفاحة ممنوعة على الجميع، ودنس الحياة العامة التي عفّت الطهارة اللائكية على نجاسة الاقتراب منها.  

تطورت الأحداث، وانتبه اليسار الوطني وجزء من النخبة إلى حدة وشمول وتوحش الخيارالامني الرسمي، فبدأت في أواخر التسعينات مواسم الهجرة إلى ضفة الحقوقي، ليجد اليساري الذي صفق في الحد الأقصى وأرتاح في الحد الأدنى لجاذبية شعار »مجتمع مدني بدون أصولية » رصيدا من ألم النهضويين سهل التسويق لخارج اجترح الفلسفة الحقوقية كبطانة جديدة لمعمودية المنظومة الدولية ذاتها. ومازالت الذاكرة تحتفظ للحقوقية الفرنسية إنها استقبلت الإسلاميين في بداية التسعينات على أنهم نصف ظلمة ونصف مظلومين، وانتظرت شهادة اليسار الوطني في أواخر التسعينات، كي تقتنع بان الإسلامي التونسي ضحية ومظلوم بالكمال والتمام (1).  

لم يكن من السهل على رموز اليسار التونسي التي رفعت شعار الدفاع عن الإسلاميين حقوقيا وتجنبهم سياسيا، إقناع رفاقهم بأن أبناء حركة النهضة مواطنون قبل أن يكونوا إسلاميين. ولكن تطور مسار الأحداث، ومواصلة السلطة لسياساتها القمعية والتي شملت الجميع، وحضور الإسلاميين المتفهم لهواجس الوافدين الجدد، وفسح حركة النهضة المجال لتلك النخبة كي تشرف على إدارة يوميات المرحلة، ضمن السقف الذي اختارته ،وبالأدوات التي حددتها، وبالوتيرة التي ألتزمتها، بالإضافة إلى حجم المتغيرات الدولية والإقليمية من حول القطر، كل تلك العوامل ساهمت قي بروز قطب وطني جديد تجمع على عناوين كبرى تمثل هاجس المرحلة أو الجامع المشترك بين خصوم الأمس القريب.

وكان إعلان هيئة 18أكتوبر ملخص تلك التراكمات وحدّها الجاذب نحو الأدنى المشترك.  

لقد كان من المفروض بحصة الزمن السياسي التونسي، أن تتبلور جبهة عمل وطني على أرضية صلبة، وبرنامج مرحلي واضح بحكم اتفاق الجميع على تقييم الأوضاع، ووحدة الرؤية للمطلوب سياسيا. ولكن حصة الزمن الأيديولوجي والحسابات الذاتية والحزبية، لم تسمح بأكثر من ذلك اللقاء العفوي، والذي حركته حرارة الشعور بضرورة الاحتجاج على الموجود، بأكثر مما حركته لحظة التفكير في الموعود، بديلا بتأسيس أو إصلاحا بمشاركة. تعددت التحاليل لهيئة18 أكتوبر والمواقف منها، ولعل تراكم تلك المواقف، سواء كانت متمسكة بتلك المبادرة ومتحمسة لها أو متشائمة منها ومشككة في لزوميتها وفاعليتها، تدور حول خلاصتين: الأولى تقول أن مبادرة18 أكتوبر هي بكل الوجوه وعلى كل الأصعدة وبكل المقاييس، مكسب للحركة الوطنية، لا بد من تسييجه والمحافظة عليه بالرعاية والإنضاج والتطوير في حدود ما تتحمله أرضية اللقاء، ومفاعيل اللحظة، ومطالب الساحة.  

الخلاصة الثانية تقول بأن العفوية لا تبني مستقبلا، وبان حجم التناقض بين مكونات تلك المبادرة سيعبر عن نفسه في ربع أو منتصف الطريق، ولن يفتح مسارها إلا عن الفراغ.  

في موقف التفاؤل البريء قدر من الحقيقة، وأقدارا من الإخلاص النضالي، الذي يبحث صادقا على مخرج من عقدة التشتت السياسي لمكونات الحركة الوطنية. وهي في عمقها مقاربة أخلاقية، لأنها تركز على الانتصار للضرورة على حساب الحرية، وتستدعي الحس بالمسؤولية لتضغط على الذات لصالح المختلف.  

قي الخلاصة الثانية قدرا من الحقيقة المحايدة، وأحيانا الغيورة، وأخرى المخاتلة، يقر كلها أو جلها أن الضرورة مقبرة الحرية، وان لقاء الأضداد يفتح على العدم. وهي خلاصة وان تدثرت بمنطق الانسجام، فإنها مفتوحة على ما لا يسعدها إن نحن هززنا عليها بجذع بديهياتها مصدر تماسكها وانسجامها.  

لعلنا لا نضيف جديدا إذا ركزتا على الطابع العفوي لاجتماع 18 أكتوبر، لكن نسجل على المتداول إن عفوية 18/10 من نوع العفوية الإرادية، التي نقابلها بعفوية الصدفة. فهي ممكن ومحتمل حدثي في إطار منطق مسار عام وتراكمي لحواصل التجربة النضالية الوطنية منذ بداية التسعينات إلى اليوم.  

فضمن تعقد وتركيب ووتيرة ذلك المسار العام، كان عنوان العمل المشترك كثيفا حضورا، ومستشكلا تنزيلا، بحكم العقد التاريخية التي واكبت علاقة الأطراف الوطنية ببعضها طوال مدة المطارحة مع الدولة الوطنية. فالعفوية لا تتقمص في الحالة معطف الصدفة الرمادي، لذلك أستقبلها مسار تطور النضال الوطني عند لحظة 18/10 كهدية قدر عاقلة في ذاتها بما احتوته من مضامين أخلاقية، وسياسية وحركية، تقع في قلب الهم الوطني.  

يبدو القول بأن مسار تطور تلك الهيئة محكوما استراتجيا بقابلية دائمة لامتصاص الأيديولوجي لصالح السياسي، قولا وجيها بحساب الوعي الحاد بتناقض المنظومة المرجعية للأطراف المشكلة للهيئة، إلى الحد الذي يوحي بأن براد يغم نسيان الذات هو المحرك لشرط استمرار المبادرة ذاتها.  

على تخوم تلك المبادرة وحدودها الطاردة للذات، نسجل أن المطروح يفترض في مفعول الالتقاء على الحد الأدنى المشترك، ان يجوّف المختلف ذاته إراديا وأن يتخلى عن مقومات هويته ليمارس المشترك، وهو ما يسقطها في وهم الاندماجية الذي واكب مشاريع الوحدة على الساحة العربية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حيث تكسرت على عصى التمايز والخصوصية التي لم تحترمها . ونخشى حقيقة على هيئة 18/10من مفاعيل ذلك الوهم.  

إن المطالب الثلاثة التي تأسست عليها هيئة 18/10 وهي العفو التشريعي العام وحرية الإعلام والتنظم، لا تتطلب جهدا كبيرا على الذات باعتبار أن الطرف المطلوب منه الاقتراب من الآخر حد التماهي هو الطرف الإسلامي، وهو على ما أكدت أدبياته منذ نشأته ليس لديه ما يخسر من ثوابته السياسية بتبنيه لمطلب دولة الحرية والعدل والقانون، ولعل الجميع قد لاحظ السرعة التي تفاعل معها قيادات السجن من حركة النهضة مع المناخ العام للحياة السياسية بالبلاد والخطاب السائد فيها، مما يؤشرا على عمق الخط السياسي المدني والمعتدل لتلك الحركة، فلقد كان مفترضا في رموز تلك الحركة الذين خرجوا من السجن حديثا كالسادة حمادي الجبالي ولحبيب اللوز وعلي لعريض أن ينظروا للساحة بعيون مناخ « معركة فرض الحريات » في بداية التسعينات بعد انقطاع صلتهم التنظيمية بمؤسسات حركتهم في الخارج، و بعد أن قضّوا أكثر من عشر سنوات من السجن الانفرادي، ولكنهم وفي انسجام ملفت للنظر، تناغموا خطابا مع المطروح وطنيا كحصيلة تراكمية وتقييمية ليوميات نضالية صيغت في غيابهم. لعل من حسن حظ بلادنا أنها تتمتع بوجود إسلامية حركية من النوع الرقي و الرفيع((islamisme de luxe وهي ليست بحاجة إلى مراجعات انطولوجية لتثبت لخصومها وسطيتها واعتدالها، ولا نفهم حقيقة مطالبة النهضة بالتجديد لتدخل مربع المشترك النضالي الوطني، فهو مطلب غير مبرر بحكم مقصد العمل المشترك الذي يمكن أن يتحقق من دون الحاجة إلى جهد التجدد، وغير دقيق بالمعنى التاريخي لان السياسة لا تطلب من المغاير التجدد وإعادة انتاج نفسه في فضاء الحليف لإنجاز المشترك وتكتفي بالتكيف لإدارة يومياتها ، ولا تلتفت لعمل الثقافي إلا إذا تعطلت أو قررت تغيير الأفق والاستراتيجية .

 

وفي الحالة التونسية نلاحظ نزوعا لدى بعض الأطراف العلمانية وبحساب استراتيجي إلى الاستفادة من تحجيم النهضة أمنيا لتعميق اختلال ميزان القوة الثقافي لصالحها، وكأنها تسابق الزمن لتلتفّ على حقيقة امتداد وعمق تأثير الخطاب الإسلامي في الأوساط الشعبية والشبابية، وهو امتداد حصل في ضل غياب كامل للفعل الإسلامي المنظم. وإذا كانت المراهنة على الخطاب الإسلامي المعتدل مراهنة استراتيجية في بناء ديمقراطية قادمة على اعتبار شرطية الرقم الإسلامي فيها ، فان إحراج تلك الحركة اليوم لتوقع على تنازلات مرجعية في رؤيتها، قد يعصف بافتراض قدرة النهضة مستقبلا على القيام بدورها التعديلي للظاهرة الإسلامية، وهي ظاهرة تتشكل تونسيا بعفوية تحمل مخاطر الجموح نحو ردة الفعل على الأصولية اللائكية بأصولية إسلامية متشددة قد تدفع البلاد إلى المجهول.  

لقد غادر النهضة العديد من فاعلياتها، ويلاحظ المراقب صعوبة تلك الفاعليات في فرض وجودها الفردي على مربع التجديد في الرؤية. وهي حاجة دفعت بأغلبهم للسقوط في أخدود مفارقة عجيبة، حدها الجاذب سلفية عقائدية متشددة وحدها الطارد ميوعة سياسية انتهازية. ان المزايدة بالتشدد والاعتدال من طرف المستقيلين من النهضة، أعطى الانطباع أن تلك حركة ستبقى اللاعب الأكثر مصداقية على الخارطة السياسية في المرحلة والمقبلة، وبقطع النظر عن الموقع الذي ستشغله من تلك الخارطة.  

إن منطق المصلحة الوطنية الشاملة، وهاجس الحاجة إلى الجدية والفاعلية في هده المرحلة الحساسة من التاريخ الوطني، يرجح ألتعامل مع النهضة على أنها رصيدا في شرط التحول السياسي الممكن بحساب طموحنا الديمقراطي ذاته. ويخطأ استراتجيا من يراهن على تفتتها، فلا نرى في بدائلها الممكنة ما يوازي حجمها بمقاس مؤشرات تطورها التي تسير نحو الأحسن، سواء نظرنا بمنظار الثقافي أو بمنظار السياسي. لقد خرجت النهضة سياسيا من أفق المأزق إلى أفق الأزمة قي التسعينات، وهي اليوم بعد أن أغلق أو يكاد ملف السجن على مكتبها، تتحرك في فضاء أعادة صياغة وجودها الحركي وطنيا، ولا شيء يفرض عليها إعادة صياغة وجودها الأيديولوجي، والخشية على النهضة وهي تدشّن مرحلة جديدة في أفق تطورها، ليست من خصومها بل من المشرفين على تلك المرحلة حيث نلاحظ في أداءهم صعوبة التخلص من وهم النهضة الصورة، وصعوبة التمثل للدور السياسي الجديد الذي يدفعها تاريخيا إلى التموقع في قلب معركة الحريات لا على الهامش الذي استأنست الإقامة على تخومه تحت الغطاء الأخلاقي لمحنتها . يعضد جزء من النخبة اللائكية التي من المفترض إنها سحبت ثقتها من السلطة سياسة « الملاحقة الأمنية » لحركة النهضة بسياسة  » الملاحقة الفكرية  » بالتأكيد على المراجعة العقائدية،وكأنها تريد تجويف تلك الحركة إيديولوجيا، بعدما تمكن النظام من تحجيمها أمنيا . هذا في حين يشهد تاريخ تلك الحركة أن تجذّرها الاستثنائي (سنة 1987و 1991 ) كان تجذّرا سياسيا ارتبط بمؤشر علاقتها بالسلطة، ولم تتطرف في خطابها العقائدي تجاه المجتمع، ولم ترتدّ بها حملة الاستأصال الشامل إلى منابع الجهادية السياسية والتشدّد العقائدي رغم إغراء الواقع والمحيط للسقوط قي ذلك الخيار الأحمر.

 

لقد تمسكت تلك الحركة منذ يوم نشأتها بوسطية فكرية جعلت منها مرجعا لتلك المدرسة داخل التيار الاخواني نفسه. فحركة النهضة وقفت منذ نشأنها على يسار المدرسة الاخوانية وعبرت عن فائض انحياز فكري وإيديولوجي لسؤال التحديث والتجديد داخل المرجعية الإسلامية وانتبهت مبكرا إلى ضرورة التواصل مع الجهد الإصلاحي والتحديثي للمدرسة الزيتونية وللإرث التونسي أساسا في هذا المضمار الذي كان رياديا في محيطه العربي والإسلامي على مدى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

 

والسؤال المطروح على النخبة السياسية بتونس هو لماذا لم توظف سياسيا رصيد الإسلاميين الوسطي خارجيا، في محيط دولي قابل للتعايش مع إسلامية معتدلة وهادئة، بل ومراهن عليها أحيانا، هذا في حين سارعت إلى « تسويق ألمهم » حقوقيا.؟؟؟؟؟ تنسي اللائكيّة التونسية أن في صفوفها » ظلامية يسارية » لم تتورع عن التحالف العضوي مع آلة القمع الرسمية والمساهمة النشطة في تدمير حصون المقاومة للاستبداد في المجتمع. وهي اليوم وبدون أن تتقدم بنقدها الذاتي تزايد على الصف الديمقراطي بتقديسها لحداثة بورقيبية، كانت في منطوق مرجعيتها العقائدية حداثة لقيطة ومقلوبة بالنظر إلى علاقات الإنتاج التي أفرزتها. ولعلها بإلحاحها على النهضة بقتل الأب، تمارس المصادرة على مطلوبها الذاتي وتسقط مكبوت « عقدة أوديبها » على الإسلامي المطارد.

لا يفهم منطق الملاحقة الفكرية لحركة النهضة في هذه المرحلة من تاريخ نضالنا الوطني ألا كمحاولة مشبوهة لتعطيل جهد استنبات واكتناه السؤال السياسي والتحايل على مسار تنزيله وطنيا. ربما كانت السلطة من أول من راهن على مفاعيل الإيديولوجي في تدمير تجربة هيئة 18/10وذلك بإثارتها الباهتة لقضية الحجاب في بداية السنة الجديدة. ومع رهان السلطة تحالفت اللائكية الاستئصالية، لتدفع شبهها الإيديولوجي داخل الهيئة كي يستثير مفاصل وتفاصيل الاختلاف مع مرجعية الإسلامي لعزله سياسيا مع المحافظة على » رصيد ألمه » الذي شرع لبعض تلك الأصوات استعادة رأسمالهم النضالي، بعد أن فقدوا رصيدهم السابق في مصرف التحالف مع الخيار الأمني. ولعل شعار الدفاع عن الإسلاميين كضحايا حقوقيين، وعزلهم كفاعلين سياسيين، لا يمثل سوى تحايل بائس وقصير النظر على عمق الأزمة التي تعيشها أصولية علمانية تونسية مستعدة لممارسة خيانة قيمها الحداثية لتجميد عودة الإسلام الحركي، الذي ترى فيه نقيضا سياسيا وليس ثقافيا فقط لتسقط بذلك، وبوعي أو بدونه، في وضعانية ميكانيكية تمسخ المجال السياسي بتحويله إلى ميدان حرب.

** هيئة 18/10 : بين الاستراتيجي والسياسي إن القيمة التاريخية لهيئة18/10 وإنجازها التاريخي سيتحدد بمدى قدرتها على اجتراح و تأسيس آلية تواصل مبدئية وثابتة مع المختلف،من شأنه أن يفتح للثقافي مسار جدليته وسجاله التاريخي على أرضية التثاقف والتراكم الطبيعي والمنتج . وتخطئ تلك المبادرة إذا تحركت على خط البحث عن آلية تذويب ودمج، فمخزون والاعتراف المتبادل والتنازل الممكن الذي يواكب قيمة التواصل، يؤسس قي ذاته لثقافة سياسية جديدة، هي عينها لب المطلوب تونسيا وعربيا. إن صيغة التحالف العريض بين مكونات الساحة الإيديولوجية والسياسية وفاعليات المجتمع المدني، تمثل مركبا تاريخيا جديدا على الساحة الوطنية، يمكن أن يكون رياديا على المستوى العربي والإسلامي في استنبات حوارية منتجة وفعالة تاريخيا بين ما حصحص من المتون الأيديولوجية الكبرى من قيم عامة كتبت بدماء الشهداء وحبرت بمعاناة أجيال على مدى أكثر من قرن. ونستغرب السرعة التي أعلنت بها الثقافة العربية العالمة موت الأيديولوجية لتغطي على كسلها في البحث عن عناصر أزمة تلك المرجعيات.

نمسك بشدة تطمح إلى الصرامة المعرفية بمربع قيم حصحص من تلك المتون الأيديولوجية، ففي خضم تجربتها التاريخية وما واكبها من إنجازات أو إعطاب أو مآزق، يبدو أمامنا معنى الأصالة أو الهوية مركز الثقل في الخطاب الإسلامي، ومعنى العدل أو العدالة الاجتماعية كقيمة / أساس للمدرسة اليسارية، ومعنى الوحدة كحد جاذب ومتجدد للفكرة القومية، وقيمة الحرية كجوهر للطرح الليبرالي.

ان مربع الهوية والحرية والعدالة والوحدة، ملخص كثيف للقيم الحية في حقل المرجعيات الإيديولوجية التقليدية في عالمنا العربي والإسلامي، ويمكن أن يمثل مرجعية تراكمية لمدرسة جديدة في العمل العام، ستكون مدى جدتها وطرافتها المعرفية مرتبطة بمدى ابتعادها عن التوفيقية الكسولة، ومدى قدرتها على الربط المعرفي بين مرجعية المعنى وحدود التمثل الذاتي والتنزيل التاريخي لها، علها بذلك تتجاوز حدّة أحساس التنظير العربي بالضياع، والإحباط، وتشوش الرؤية، وفوضى المعاني، قي عالم معولم نبحث في منعرجاته عن موقع، نساهم فيه بأصالة وتجدد في صياغته المؤلمة والمتوترة في ضل الجنوح الأمريكي ومن تحته الغربي إلى تنميط مستقبله.

لعفوية لقاء الجوع فرصته التاريخية في أن يتحول إلى مكسب استراتيجي بمقاس الطموح الثقافي العربي الإسلامي، وتتوفر النخبة التونسية على غطاء شرعي لدعوى التجديد، تمسك بأطرافه أسماء لامعة في جهد الإصلاح الإسلامي، من أمثال ابن أبي الضياف، والخضر حسين، والثعالبي، والحداد، وابن عاشور، وهو ارث إصلاحي أثرته التجربة البورقيبية رغم اعتداءها المقصود على حلقة الوصل فيه بين الحقيقة والمصير. وعلى جيلنا أن يرمم ويجبر ذلك الكسر بين حميمية الذاتي ومطمح الإصلاح بتجديد وتحديث.

لن تنجح ورشة العمل التاريخي والاستراتجي تلك، إلاّ بانتباه القائمين على الهيئة لضرورة تأسيس فضاء حواري مهيكل لا يسقط في الأكاديمية المحايدة والباردة، بقدر ما يبتعد عن بؤرة السياسة وأجندتها الآنية والساخنة.

إن الخط الفاصل بين السياسي والثقافي خيط شفاف لن تراه العيون المرمّدة بهاجس احتكار الحقيقة الرمزية والوصاية على المعطى الاجتماعي. ويراه كفلق الصبح العقل التواصلي المؤسس انطولوجيا وفلسفيا على إعادة إنتاج الذّات في مفصل التمايز والتعايش مع النظير المختلف وعلى ذلك نشدد على مكسب فضيلة التواصل الذي حققته هيئة 18 أكتوبر. وهو مكسب صالح للتوريث لأجيال قادمة وصالح للتصدير لتجربة عربية وإسلامية نشاركها عناوين محنتنا التاريخية. أما الإنجاز أو المكسب السياسي لتك المبادرة فلا نراها حيث تركز بصر الجميع الذي واكب لقاء الغنوشي والهمامي على أنه مستجد الساحة وإضافتها النوعية بعد إضراب 18/10 . ففي تقديرنا أن السياسة ترى مكسبها الأساسي قي غير ما ذهبت إليه التحاليل السائدة، فلقاء الحزبية المطاردة رسميا والتي تضم الإسلاميين وأقصى اليسار والقوميين لن يضيف لها سوى تعقيد إدارة الناقضات الايديولوجية لتلك الأطراف.

لا يمثل الالتقاء بين إسلامية جريحة ومطاردة، ويسارية مأزومة وحائرة، جوهر الإضافة النوعية لإضراب الجوع الشهير . إن مفصل التمايز والتجانس على أرضية 18/10 ، تراه السياسة بمعيار هواجسها الملحة وممكنات تطورها المستقبلي في هيكل مغاير تماما لما تمثله المعنيون داخل ذلك الإطار. فاللقاء بين الحزبية القانونية والدستورية من جهة، والحزبية المناضلة والمطاردة من جهة ثانية، هو المكسب الأساسي الذي تبتهج له السياسة في بلادنا، بحكم الفاعلية الممكنة التي يختزنها مربع المشترك بين الرصيد الرمزي والتاريخي للأطراف المطاردة، والرصيد السياسي والدستوري للحزبية الرسمية.

لقد ارتاحت السياسة للقاء النهضة وحزب والعمال الشيوعي، وسعدت أكثر للتقاطع المفصلي بين الغنوشي والهمامي من جهة وبين الشابي وبن جعفر من جهة أخرى، ولعل التحدي الحقيقي الآن أمام القائمين على المبادرة بعد التوافق على المطالب الثلاثة الشهيرة، هو كيفية اختراق النصاب التعددي الرسمي والقانوني بمطالب الحركة الوطنية الحقيقية والعينية، والتي بلورتها سنوات تراكم نضال الجميع ومن مختلف المواقع.

إن العائق الذي نراه أمام هذا التحول الاستراتيجي في أداء المعارضة التونسية عائق منهجي بالأساس وليس سياسيا.

فنقص الخبرة أو انعدامها في إدارة المعارضة القانونية، وهيمنة السلطة على ذلك المجال، وإصرارها على تأميمه وتحويل فاعليه إلى عرائس متحركة تستعمل لتزيين واجهة النظام، يمثل ولا شك صعوبة سياسية وميدانية مباشرة من الممكن تجاوزها بتنشيط المخيال النضالي، ولكن العائق المنهجي يتصل أساسا بالثقافة السياسية لمكونات مبادرة18/10 التي تعودت في غالبيتها على المباراة الإيديولوجية، والعمل الحزبي السري، والميل نحو التعبير عن نفسها من خلال هياكل المجتمع المدني، لذلك لاحظنا أن الحركة داخل تلك الهيئة تنزع إلى التوجه نحو ضفة الممنوع. فالشابي يسرع الخطى ربما دون أن يعي نحو أرضية الغنوشي والهمامي سياسيا، هذا في حين كان من المطلوب أن تتمكن القانونية من استيعاب المطارد وإعادة إنتاج مطالبه وعلى أرضية القانونية، ليتحقق تلاحما جديدا وفريدا على أرضية النصاب التعددي الرسمي تخرجه من الجمود والكآبة التي تخيم على مناخه منذ أستأنس دور شهادة الزور وموقع الديكور.

المعارضة المطاردة ليست في حاجة الى طريد جديد، بل أن حاجتها الماسة والملموسة هي في افتكاك شرعيتها وحقها الدستوري في التنظّم والمشاركة في الشأن العام.

أن الإنجاز الحقيقي الذي حققه تجمع 18/10 هو عملية الفرز المزدوج إلتي أنجزها في مستوى إعادة لحم علاقة الأطراف السياسية ببعضها في مناخ تصالحي يبحث جديا عن الأدنى المشترك من ناحية، وعملية الفرز الهيكلي قي مستوى أعادة صياغة العلاقة بمجال الحركة وأرضيتها من ناحية أخرى. حيث يتقدم المجتمع السياسي الرسمي لأول مرة جديا ليستوعب تخمر مطالب الساحة وتقاطعات أطرافها على أرضية المجتمع المدني، وليعبر عنها على أرضية التعددية الرسمية ذاتها.

ان الفرصة متاحة اليوم لتفعيل المجال الرسمي على اعتباره عراب عملية التحول الممكنة في اتجاه الديمقراطية تونسيا وليواصل المجتمع المدني دوره كرافد تاريخي لتلك العملية. فقد تعب المجتمع المدني من تحميله وزر السياسة المناضلة ورهاناتها الحزبية والإيديولوجية وبدأت بعض مؤسساته تتعفن نتيجة ذلك التخمر والاحتقان.

يجب أن تعترف المعارضة الوطنية إنها أرهقت المجتمع المدني بتأميمه واستعماله الأداتي في تصفية رهانات السياسة فالمجتمع المدني قد يتحمل تقاطعات السياسة، ولكن لا يطمئنّ إلى أقامتها المتوترة على أرضيته، خاصة وان ذاكرة المجتمع المدني التونسي لم تتخلص بعد من تداعيات اختراع شعار »مجتمع مدني بدون أصولية « والذي تسبب قي فضيحة دولنة الفضاء المدني بتواطؤ نشط أو صامت من نخبة أصولية في لائكيتها واستئصالية في ممارستها.

لقد تعب المجتمع المدني من التنفس برئة السياسة، حيث تحمل تونسيا استقبال يسارية فاشلة حزبيا وحائرة تاريخيا لتعيد إنتاج نفسها من خلال الالتفاف على أجهزة البث الرمزي واحتكارها باسم حداثة بلا حداثيين

ليس مكتوبا علي البلاد ان تسلم لبعض الأطراف الاستئصالية في أن تمارس أزمتها ومآزقها بعناوين نضالية مازلنا نعتقد في معانيها ونعدل يومياتنا على نبضها، ولا يعني المصلحة الوطنية في شيء اختلافات بدون ملح بين رموز لبسوا معاطف الزعامة بعد أن بللوها بقيح مؤلم ينز من جسد الوطن، ويصرفه سماسرة الألم بثمن بخس

لا نريد أن نتسرع في تفسير حالة التعفن الذاتي داخل وحدات مجتمعنا المدني المناضل، بمصلحة أطراف بعينها في تأجيل أي انفتاح سياسي حقيقي خوفا من البعبع الإسلامي. ولكن نسجل أن الاستخدام الاداتي لذلك المنتظم، هو الوجه الآخر لمحنة المعارضة الوطنية ، ودراما الشلل الذي أصاب قريحتها النضالية. وهي محنة أبدعت تلك المعارضة في المناورة عليها بنواسها الحاد بين جذرية حالمة، واعتدال مهادن، وانتظارية حائرة علقت مصير البلاد على سرير مرض للرئيس.

لقد عوض الرهان الاستراتيجي للنخب السياسية العربية على الدولة كعراب لعملية التحديث، وكغاية قصوى لمشاريعها التغييرية بالرهان الرمادي على المجتمع المدني، وهو رهان مثلما شوه تجربة الدولة الوطنية، ينحو إلى تأميم المجتمع المدني وتقليصه إلى أداة أيديولوجية لخدمة استراتجياتها الثقافية بعد أن تبين محدودية قدرتها على التجدد، سواء من حيث التكيف مع المتغيرات العميقة من حولها، أو من ناحية الاستجابة لهاتف الطموح العام.

إن المصلحة الوطنية كما نتمثل هواجسها في هذه المرحلة نراها في ربح الميدان على أرضية الخصم. ففي ظل استحالة التغيير الجذري للسائد، لابد أن ننشط مخيالنا النضالي لإدارة المناورة معه وعليه في مجال تعود فيه على مقايضة الوجود بالصمت. وتخطا مبادرة 18/10اذا عملت في الاتجاه المعاكس، أي جلب القانونية إلى دائرة الممنوع، فالقانونية حق دستوري، ومكسب نضالي، تمسًََُّكنا به لا يعتمد على ثقتنا في قيمته الوظيفية المباشرة لإنجاز الديمقراطية، وإنما ينبع من قناعتنا بأنه سلاح بيدنا، يمكن أن أحسنا التعامل معه أن يفتح ممكنات جديدة في حلحلة ميزان القوة مع السلطة والذي فشل الرصيد الأخلاقي للنضال على أرضية المجتمع المدني في التأثير على معادلته.

سيكون التحدي المركزي سياسيا أمام القائمين على تلك المبادرة، هو نقل مفردات وعناوين النضال الوطني إلى أرضية القانونية، حيث السياسي على تلك الأرضية هو دستوريا حاكم بالقوة، إلى أن يتحول إلى حاكم بالفعل، بشرط أن تعي تلك المعارضة الفرق بين الممارسة من خلال الموقع والممارسة من خلال الحجم.

مطلوب من السياسة على تلك الأرضية أن تستحث المخزون الوظيفي لموقعها الدستوري، لان حجمها الذي مارست من خلاله إلى حد اليوم، لا يكاد يذكر على اعتبار عجزها في أن تتحول إلى أحزاب شعبية ذات قاعدة انتخابية وازنة في معادلة الحراك الوطني.

إن الفرصة مواتية اليوم داخل هيئة 18/10لتتبادل الأدوار بين الحزبية المطاردة والحزبية القانونية، ونحسب أن السجال الدائر اليوم بين مختلف أطرافها حول مشروع الجبهة بلا معني وبلا أفق، لأن مشروع الجبهة يفترض وحدة البرنامج الذي لن يتأسس في الحالة إلا على ميكانيزم نسيان الذات. والا بعمل محايث وحثيث على الذاكرة قد يدفع إلى تزويرها بمبرر التجاوز والتنازل المتبادل حول مواضيع الخصومة. وهي خصومة لا تتصل بالمطلوب السياسي، بقدر ما تحوم حول المرجعية العقائدية. لذلك وعلى ذلك، نحسب أن ما تسعه تلك الهيئة هو برنامج التحالف العريض على العناوين الكبرى للمرحلة، والتي قد وفقت تلك الهيئة في تحديدها بثالوث العفو التشريعي العام وحرية الإعلام والتنظّم.

أما مشروع الجبهة فهو ممكن على أرضية التعددية الرسمية بين حزب التجمع التقدمي والتكتل الديمقراطي، ويمكن أن تتّسع تلك الجبهة لتسع حزب التجديد، إنقاذا له من نفسه ،ودفعا للتيار الإصلاحي داخله ليلتحم بالأفق التاريخي لمشروع التغيير المطلوب.

أمام الهيئة فرصة لتأسيس جبهة عمل وطني على ضفة النصاب التعددي الرسمي منسجمة مرجعيا، ومتوافقة سياسيا على برنامج موحد، لا يتحدد بالضد المطلق عن السلطة، بل يعمل في اتجاه بلورة طرف وطني وسطي ديمقراطي، يؤهل نفسه عبر المتابعة اليومية لهموم الوطن والمواطن، وعبر دربة مجتهدة ومتواصلة لتربية جيل جديد من السياسيين، يكون همهم المباشر المشاركة في الحكم، وتحقيق مبدأ التداول على السلطة عبر تحصيل الكفاءة الفنية والسياسية لإدارة الشأن العام. أما في المستقبل المنظور، فيمكن لتلك الجبهة أن ترغم النظام على تقديم تنازلات جدية، إذا تذكرنا أن الأنظمة المغلقة تنهكها السياسة لأنها لا تحسن إلا المباراة بالعنف.

أمام هيئة 18/10موعد مع ورشة عمل مزدوجة الأولى استراتيجية وهي أساسا استثمار في وللمعنى والثانية مرحلية وسياسية وهي أساسا استثمار للجسد.

نرجو أن لا نكون قد أثقلنا على تلك الهيئة بما تنوء عن حمله.

 

*******************************************************

(1) لمن يريد التعمق في ذلك الفاصل فليراجع السادة منذر صفر وأحمد المناعي وعبد الخالق التوكابري وهي أسماء تنحو ذاكرة « النهضة » إلى نسيانها اليوم رغم أنها تتشرف بأنها تحملت وزر صداقة تلك الحركة أيام شدتها.

 

(المصدر: مجلة « كلمة » (اليكترونية شهرية – تونس)، العدد 52 لشهر أفريل 2007)

الرابط: http://www.kalimatunisie.com/article.php?id=528

 


 

يعتقدون أنهم « جابوا الصيد من وذنو » ……

  صالح الزغيدي أتفحص ،وأقرأ من جديد ،وأعيد القراءة..أقرأ وأقارن..وأقول ،ماذا يقولون ؟ هل هذه هي « القنبلة » التي وعدونا بإلقائها في الساحة السياسية بمناسبة العيد العالمي للمرأة ؟ هل هذه هي الوثيقة الهامة ، »أهم وثيقة سياسية منذ الاستقلال » كما لم « يحشم » واحد منهم من التأكيد عليه ؟
غريب والله أمر البعض منا..ينسون أنفسهم ، ينسون كتاباتهم ،ينسون تضحياتهم ،ينسون البعض من مساهماتهم الهامة ..ويركزون على ما عزموا على اعتباره أغلى وأعمق وأعز ما أنجزوه في حياتهم النضالية الطويلة..هذه الوثيقة الغراء ، والذين قضوا أشهر عديدة « يعرقون » عليها هم وأصدقاؤهم الجدد ،ما عسى أن تكون يا ترى ؟ أسمعوا وعوا ،لقد قبلت جماعة « النهضة » كل ما ورد في مجلة الأحوال الشخصية بتمامه وكماله، وبالضبط  كما ورد في نصها الأصلي الذي صدرقبل احد وخمسين سنة خلت ،نعم نعم ،منذ أكثر من نصف قرن ….علينا جميعا أن نصفق ،ونصفق ،انها الفرحة الكبرى ، انه العرس الذي لا قبله ولا بعده عرس..آش بيك ،موشك فاهم  آش صار ؟ الاسلاميين  ،صايي ..قبلوا  enfin ! مجلة الأحوال الشخصية ! !
لا أدري في الحقيقة إن كان كل هذا مضحكا أم مبكيا ….هل أضحك على » هم الزمان » الذي جعل الأمور تسير هكذا…هل أبكي على أصدقاء لي حملهم انغلاق السلطة وتحجرها على حشر أنفسهم في متاهات  وتحالفات واستراتيجيات ما أنزل الله بها من سلطان ..هل أنوح على أصدقاء لي  ،تحولوا ،ليس تحت ضغط الجماهير بل تحت ضغط السلطة ،الىحلفاء الماضويين والظلاميين …المثل الفرنسي يقول انه ليس ثمة أسفل من » ذاك الذي يحرق اليوم ما عشقه بالأمس »..الحقيقة المرة ،أنه لدينا في تونسنا اليوم ،أسفل من ذلك ،وهو « ذاك الذي يعشق اليوم ما حرقه بالأمس »……
لم كل هذه الضجة ؟ لماذا يكذب البعض على أنفسهم ثم يكذبون على الناس ؟ فاذا اعتبرنا جدلا أن ما ورد في « وثيقة 8 مارس التاريخية » أمر هام ،يحق لنا أن نتساءل ،وما الجديد في الأمر ؟ هل يكمن الحدث في أن حركة النهضة تقر لأول مرة بقبولها لمقتضيات مجلة الأحوال الشخصية ؟؟
من ذا الذي يريد طي عنق التاريخ هكذا لتطويعه لمآربه أو لإرضاء  سكيزوفرينيته ؟ هل نسي من يصر على تسمية نفسه « الشيخ » راشد الغنوشي ( والبعض من التقدميين يقرون له بالمشيخة) التصريح الذي خص به جريدة « الصباح » منذ ما يقارب العشرين سنة وعبر فيه عن قبول حركته بمجلة الأحوال الشخصية ؟ وهل نسي المشرفون على جريدة « الموقف » التصريح الذي خص به « شيخكم » جريدتكم وأكد فيه اقراره بمجلة الأحوال الشخصية ؟ هل نسي جميعكم أن الطرفين الأساسيين في حلفكم الجديد أمضيا سويا، والى جانب السلطة ، سنة 1988 ميثاقا وطنيا  صادقت عليه والتزمت به كافة الأطراف الممضية وجاء فيه بالخصوص ، »لقد جاءت مجلة الأحوال الشخصية والقوانين المكملة لها ، مباشرة بعد الاستقلال،لتقر  عددا من الإصلاحات أهمها إلغاء تعدد الزوجات ،وتمكين المرأة من الزواج دون وصاية بمجرد بلوغها سن الرشد ، واقرار المساواة بين الرجل والمرأة في مجال الطلاق واجراءاته..وتهدف هذه الاصلاحات الى تحقيق حرية المرأة و انعتا قها….. »
 أقرأ وأعيد القراءة..فأتأكد من أن ما  يتظاهر البعض باكتشافه اليوم ،قرأته وقرأناه وقرؤوه قبل سنوات عديدة خلت..فشيئا من النزاهة والصدق مطلوب من الجميع ..وحذار من الانغلاق داخل هذا الخيار المحموم.. ولا تتسرعوا على الأقل في » تبييض » حليفكم ولا تنسوا انه (أقصد حليفكم) على كل شيء قدير..أما الصديق الذي ارتأى التسرع في تحبير افتتاحيته  على ألحان أن صدور « وثيقة 8 مارس التاريخية » تدل على  أن مصطلحات « الماضوية » و » التطرف  » لم يعد لها معنى ،فبودي أن أقول له فقط  » عيب عليك أن تسكت أشهرا وسنوات ثم تخرج علينا بهذه الخرجة..ألماضوية والظلامية ،ما عادش ؟ هكذا ؟ الله يهديك ……         
 
                            salahzeghidi2004@yahoo.fr    

 


 
 
بسم الله الرحمن الرحيم

نداء للقبول بحق الإختلاف

د. محمد الهاشمي الحامدي قال تعالى: « وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم، إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ». (الإسراء: 53) * * * أدعو الإخوة المشاركين في النقاش حول الدعوة للوفاق والمصالحة بين السلطة والإسلاميين إلى الإلتزام بالتوجيه البيّن الواضح في الآية الكريمة 53 من سورة الإسراء، والقبول بحق الإختلاف.
أفهم أن يعترض أي تونسي على هذه الدعوة، لكنني لا أرى ضرورة لأن يتلازم إعلان الرفض مع التهجم الشخصي على المخالفين في الرأي والتجني عليهم. يجب أن نتواصى جميعا بفضيلة التسامح والقبول بحق الإختلاف وإحسان الظن بالناس. كاتب هذه السطور يدعو منذ فترة طويلة لمصالحة تاريخية بين السلطة والتيارات الإسلامية المعتدلة في تونس، يكتب ذلك علنا، ويبين أسبابه وغاياته. وهو مع ذلك لا يفرض رأيه على أحد، ولا يهين من يعارضة في الراي، ولا يشكك في دينه أو وطنيته أو أخلاقه. لذلك فإنه يتوقع من المخالفين في الرأي، سواء كتبوا بأسمائهم الصحيحة أو المستعارة، أن يكون لهم نفس المنهج. أن يردوا دعوة الصلح والوفاق بكل الحجج والأدلة التي بوسعهم، من دون النزول بمستوى النقاش إلى التفتيش في قلوب المخالفين ورميهم بكل نقيصة.
***
ما الفائدة، ومن المستفيد؟
*** لنسأل أنفسنا جميعا: ما الفائدة من التجريح الشخصي عند مناقشة أمر المصالحة؟ الجواب: لا تبدو هناك أية فائدة وجيهة. ثم لنسأل: من المستفيد من التجريح الشخصي عند مناقشة أمر المصالحة؟ الجواب: الشيطان، بدليل الآية القرآنية الكريمة التي تبيّن أنه متخصص في الوقيعة بين المؤمنين. ثم المتطرفون الإستئصاليون الذين يريدون للعداوة المستحكمة بين السلطة والتيارات الإسلامية المعتدلة أن تستمر أبد الدهر. فهل يرضى مؤمن أن يخدم استراتيجية الشيطان والإستئصاليين، ولو بحسن نية؟ وما الذي يلزمه بذلك، وفي وسعه أن يعبر عن رأيه بكل وضوح وقوة، دون سب المخالفين؟
* * *                        تجارب اليساريين * * *
لليسار التونسي تجارب طويلة في العمل السياسي تستحق الدراسة والتأمل. ومن أبرز ما يلفت النظر فيها توافق اليساريين الموضوعي على احترام اجتهاداتهم المختلفة في التعاطي مع السلطة. تجد منهم الوزير والمستشار والمدير العام في الهيئات الحكومية، وتجد منهم ألد المعارضين للسلطة. لكنهم لا يصرفون أوقاتهم في التناحر فيما بينهم، بالرغم من أن الخلافات بينهم حقيقية وموضوعية. وقد نجحوا في الإلتزام بهذا النهج حتى ظن بعض الناس أنه تقاسم مرسوم للأدوار، بحيث يعزز اليسار نفوذه في هياكل الدولة وفي قيادة المعارضة. والحقيقة أن خلافات اليساريين قائمة وموضوعية كما ذكرت آنفا، ولكن نهجهم في التعامل معها جعلهم في وضع أفضل للإستفادة من تنوع اجتهاداتهم، وجعل تجربتهم حرية بالتأمل والدراسة من كثير من المتدينين المتحمسين، فإن طلب الحكمة مطلوب ومرغوب ولو في الصين.
* * * أشققت على قلبه؟ * * *
عندما يُعرض الكتاب في شأن المصالحة بين السلطة والإسلاميين عن نقد الفكرة وأسبابها وغاياتها للإنشغال بانتقاد النوايا المزعومة لدعاة المصالحة فإنهم يخرجون من الشأن الموضوعي إلى الغيبيات التي اختص بها الله عز وجل. ومشهورة تلك الحادثة التي أجهز فيها صحابي شاب على خصم له كان كافرا ثم نطق بالشهادتين قبل لحظات من قتله. اعتذر الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الرجل نطق بالشهادتين للنجاة من القتل، فرد عليه صاحب الرسالة زاجرا غاضبا: أشققت على قلبه؟ إذا اتجه كاتب معارض لدعوة الصلح بين السلطة والإسلاميين إلى التجريح في الداعي لها وتشويه دوافعه، فإن النقاش يخرج عن إطاره السليم. يمكن للداعي للمصالحة أن يرد التهم بمثلها، لكنه يكون قد أخطأ هو أيضا وأساء للحوار. ويمكن له أن يبين رصيده في نجدة ضحايا سياسة المواجهة بين السلطة والإسلاميين خلال الأعوام الماضي، وأن يستشهد بأنه جعل موضوع الصلح في قلب كل فرصة أتيحت له للحديث مع كبار المسؤولين في الدولة، وأنه أول من سلط الأضواء الإعلامية على هذ الموضوع بطريقة لم يسبق إليها. لكن هذا النهج أيضا غير ضروري وغير مفيد، وقد يساء فهمه من هذا الطرف أو ذاك.
* * * لنترك الأمور الشخصية أيها الإخوة في الله والوطن.
الأمر الذي نناقشه أمر جليل، ومن أجل تعميق الحوار بشأنه نحتاج لأعلى قدر ممكن من الموضوعية والتجرد، ونحتاج لتنقية قلوبنا من الغضب والحقد والكراهية. على كل منا أن يلتمس الأعذار لمخالفيه في الرأي، وأن يحسن الظن بهم، مع احتفاظه بحقه في رفض أطروحاتهم جملة وتفصيلا. لسنا مختلفين على أمر شخصي ليجرّح بعضنا في بعض أيها الإخوة الأعزاء، وإنما نحن نتبادل الرأي في السبيل للم شمل العائلة التونسية الكبيرة، وطي صفحة الصدام بين الإسلاميين والسلطة.
كل منا له الحق في الدفاع عن رأيه بموضوعية، وبصراحة، وبقول التي هي أحسن كما وجهنا القرآن الكريم، فذلك أفضل لنا جميعا. أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا إلى البر والتقوى والعمل الصالح، وأن يؤلف بين قلوبنا نحن التونسيين ، وأن يصلح ذات بيننا، إنه تعالى سميع مجيب.

 

إلى متى التخفي وراء الأسماء المستعارة

المنجي الفطناسي

ظاهرة عجيبة ومحيرة للعقول لازالت ترافق العديد من المقالات التي يكتبها بعض إخوة المهجر بعد قرابة عشرين سنة من المحنة وهي التستر والتخفي وراء الأسماء المستعارة.
الصحفيون الصامدون في الداخل عبدالله الزواري المنفي في مدينة جرجيس وسليم بوخذير ورشيد خشانة وصلاح الدين الجورشي والمناضلون الحقوقيون الأساتذة الأفاضل محمد النوري والمختار الطريفي وعلي بن سالم والقاضي مختار اليحياوي والأسعد الجوهري والأستاذات الفضليات راضية النصراوي ونزيهة رجوب وسامية عبو والسجين السابق نبيل الرباعي وغيرهم يكتبون رغم كل الأخطار المحدقة بهم من كل جانب مقالات جريئة جدا ( يعجزعلى مثلها الكثير من إخوة المهجر المتنعمين في أجواء الحرية والأمان ) ويذيلونها بأسمائهم الحقيقية.
في حين أن بعض إخوة المهجر هذا يكتب باسم تونسي ونصف ( طيب كيف إنت تونسي وربع ليش ما تكتب باسمك الحقيقي) وهذا يكتب باسم عاشق الحرية ( ياأخي اعشق الحرية باسمك الحقيقي ليش تعشقها باسم مزور) وهذا يكتب باسم سيدي بو ( سيدي بو شنوه سيدي بوسعيد ياعالي ، سيدي منصور يابابا ونجيك انزور يابابا ) وهذا يكتب باسم سنمار (نحتاج أن يقوم سبويه من قبره حتى يفسر لنا معنى هذه الكلمة أنا شخصيا ومن باب التواضع اللا مزيف لا أعرفه ) وآخر يكتب باسم مهاجر في أرض الله ( كلنا مهاجرون في أرض الله هل نكتب جميعا مقالاتنا باسم مهاجر في أرض الله ).
سألت أحد الإخوة الطيبين من ذوي الخبرة والتجربة والحنكة عن الأسباب الكامنة وراء الكتابة بأسماء مستعارة فقدر أن هناك مجموعة من الأسباب منها :
– هاجس الخوف الذي انتاب الجميع وعم كل أرجاء البلاد خلال حقبة التسعينات المظلمة التي مارست خلالها الطغمة الحاكمة كل أنواع الإرهاب والبطش والترويع والتنكيل والتعذيب والتقتيل ضد أبناء تونس العزل الآمنين.
هذا الهاجس مازال وللاسف مسيطرا على العديد من إخوة المهجر إلى حد جعلهم يعطلون الكثير من مساهماتهم في مجال نصرة المظلوم والتصدي للظالم.
– تصفية الحسابات : البعض يتستر وراء الأسماء المستعارة ليصفي حساباته مع مخالفيه في الرأي والتوجه ، المسلم إنسان شجاع يقول رأيه بكل جرأة ويدافع عنه ويتحمل تبعات هذا الرأي.
– حيطة أصحاب نظرية الخلاص الفردي الذين يكتبون بأسماء مستعارة حتى لا يعرضوا زوجاتهم وأولا دهم أثناء عودتهم المظفرة في عطل الصيف للمساءلة أوالمضايقة والإحتياط واجب.
– حلم وسراب المصالحة الذي يروج له بعض المنبوذين الإنتهازيين الوصوليين الدائرين مع المصلحة الشخصية حيث تدور جعل البعض من دعاة العقلانية وأصحاب النظر البعيد يأخذون حذرهم ويكتبون بأسماء مزيفة توفيرا لكل شروط هذه المصالحة وبغية التمتع بربيع تونس والترويج لزيت زيتونها.
أقول لهؤلاء الإخوة الأعزاء جميعا إن خوفكم ليس مبررا فبن علي أوهن من بيت العنكبوت ولن يفعل بنا وبعائلاتنا أكثر مما فعل ( أنا الغريق فلا خوف من البلل ). وقد سقطت بفصل الله ثم بفضل صمود مناضلي الداخل والخارج كل مشاريعه التآمرية على تونس وأهلها.
الأصل أن نطلق على هذه المرحلة من حياتنا النصالية مرحلة التحدي ، مرحلة لا خوف بعد اليوم ، مرحلة ارفع رأسك يا تونسي ، مرحلة لن نركع لن نستسلم لن نهن لن نحزن لن نيأس لن نقدم الدنية في ديننا لن نصالح من دنس ومزق كتاب ربنا ، ومن نزع حجاب أخواتنا ، ومن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، ومن اعتقل وعذب وقتل وشرد إخواننا ومن هتك أعراضنا حتى نكون بحق سندا وعونا وعضدا لجهود وتحركات مناضلي الداخل ونكون كذلك قدوة لأولادنا إذا أردنا أن نربي جيلا طيب الأعراف مناهضا للظلم والظالمين.
المنجي الفطناسي (المصدر: موقع الحوار.نت (ألمانيا) بتاريخ 17 أفريل 2007)  


هوني عليك يا أم اسامة

أم أسامة مالك تتوعدين هكذا؟ وأنت تدركين أنه من استعمل اسمه الحقيقي لن يسلم لا هو ولا أهله و لا من تبعه الى يوم الدين و هذا من ظلم النظام الذي يسبح بحمده الهاشمي الحامدي وليس خوفا, فأخي المهاجر ما هاجر الا من اجل دينه, ولم يغير و يبدل كما فعل الهاشمي و هذا يستحق عليه الشكر و التقدير ,والمهاجر ليس له (معارف في قرطاج كما للهاشمي) فهو يخشى على أهله كما خاف الصحابي حاطب بن ابي بلتعة في فتح مكة على اهله ,كيف لا يخاف هو ممن قتلوا الهاشمي المكي و سحنون الجوهري و الطيب الخماسي وغيره؟
سئل الرسول صلى الله عليه مرة و هو مهاجر من اين أنت؟قال من ماء!!!هذا ليس خوفا منه وأنت تدركين ما أقول يا أم أسامة,و عودا لأخي مهاجر فانه ليس نبيا يوحى اليه و لكن من باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين فهو يعرف الحامدي و أسلوبه القديم المتجدد فأخي المهاجر فهم الدرس و هذه فراسة المؤمن وليس وحيا أما صاحب المستقلة ما زال يراوح مكانه و للكلام بقية و السلام.
سيدي بو 17/4/2007 (المصدر: موقع الحوار.نت (ألمانيا) بتاريخ 17 أفريل 2007)  


تعليق حول  » حوار حول الحلقة الثالثة من مسلسل زمن بورقيبة حول موقف بورقيبة من القضية الفلسطينية

 » (المنظم من قبل « مؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات »)

الطاهر الأسود

باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية

laswadtaher@yahoo.com

http://taherlaswad.blogspot.com

أتابع كما يفعل عدد من التونسيين حلقات الشريط الوثائقي « زمن بورقيبة » الذي تبثه قناة العربية و أعده تونسيون حول الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بما في الحلقة الثالثة حول الموقف البورقيبي من الصراع العربي الاسرائيلي (3 أفريل الجاري). كما طالعت على صفحة تونسنيوز (عدد الاثنين 16 أفريل الجاري) حوارا نظمه الجامعي (المتقاعد) المتخصص في الدراسات العثمانية السيد عبد الجليل التميمي عبر « مؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات » حول الحلقة الثالثة من « زمن بورقيبة ».

و من الضروري بداية أن أؤكد على أهمية الدور الذي يقوم به السيد التميمي في إثارة النقاش على أسس جدية منذ فترة في علاقة بالحقبة البورقيبية من خلال اللقاءات المختلطة التي تجمع الأكاديميين بالـ »شهود » و التي حرص على نشرها بانتظام، و هي على ما اعتقد باتت تكتسي صفة ربما لم يقصدها السيد التميمي و هي فرصة فسح المجال لعدد من التيارات السياسية (و ليس كلها) للنقاش ليس حول بورقيبة فحسب بل أيضا حول تجاربها. و هذه مسألة في غاية الأهمية في الظرفية السياسية الراهنة.  

و في سياق الرغبة في إثراء النقاش الناشئ حول الحقبة البورقيبية و الذي لا يزال في خطواته الأولى على كل حال حتى تتوفر ظروف سياسية أفضل تسمح لنا بشهادات و رؤى أكثر اتساعا، أود القيام بالتعليقات التالية على الحلقة الثالثة من « زمن بورقيبة » و « حلقة الحوار » التي نظمها السيد التميمي على السواء:

1-من الواضح أن معدي الحلقة الثالثة كانوا يدافعون عن رؤية للأحداث و لم يكونوا كما يفترض أن نتوقع من « شريط وثائقي » أي أن يتصرفوا كوسائط للمعطيات المتوفرة. طبعا تم الالتجاء الى شهود يمثلون وجهة النظر « الأخرى » و لكن التعليق المصاحب للبرنامج (و هو الذي يمثل وجهة نظر معديه) تبنت رؤيتها الخاصة مما يقلل من الثقة في طريقة اختيارها لشهود الرؤية « الأخرى » (بالمناسبة لا يبدو لي أن السيد أحمد السعيد و هو المتخصص في الدعاية السياسية في زمن « صوت العرب » هو أفضل من سيقدم رؤية تحليلية تمثل وجهة النظر »الأخرى »).

و الرؤية التي تم الدفاع عنها من قبل معدي « زمن بورقيبة »،  و كما أشار الى ذلك بعض المشاركين في « حوار مركز التميمي »، تتلخص في أن الرئيس الراحل كان يتميز برؤية « عقلانية » للصراع العربي الاسرائيلي مقابل الرؤية الناصرية التي اتسمت في أحسن الأحوال بالخشية من الإفصاح بالرأي « الصحيح » أمام الجمهور و في أسوأ الأحوال بأنها رؤية « غير واقعية » و « متشنجة ». يجب هنا الإشارة الى أن معدي البرنامج كانوا تونسيين (السيدين عبد الرحمان و الحناشي) و لكن لم تترك قناة العربية في جينريكها شكا في علاقة بدورها المباشر فيه حيث أشارت الى اسم السيد عبد الرحمان الراشد مدير القناة حاليا (رئيس تحرير صحيفة « الشرق الأوسط » سابقا) بأنه « المشرف العام » على الشريط. و من المعروف أن للسيد الراشد رؤاه الخاصة بالصراع العربي الاسرائيلي التي لا تختلف عن الرؤية التي تم الدفاع عنها في « زمن بورقيبة ». و من الصعب الاعتقاد أن ذلك التوافق كان مجرد صدفة.

2- آتي هنا للتأكيد على أهمية التعليق على مسألة رؤية بورقيبة من حيث المصادر و التناول الأكاديمي و ليس من جهة السجال السياسي. حيث أن جزء أساسي من مشكل الطريقة التي صور من خلالها معدو برنامج « زمن بورقيبة » رؤية الرئيس الراحل للصراع العربي الاسرائيلي أنها إفترضت مبدئيا أنها رؤية نابعة من تقدير استراتيجي محايد و خالي من أي حسابات سياسوية لظروف الصراع. و هنا لن أتعرض لنوايا بورقيبة فذلك يدخل تحديدا ضمن طرق السجال السياسي. عوضا عن ذلك سأحاول استقراء الرؤية البورقيبية ليس على أساس افتراض بديهي بخلوها من الحسابات السياسوية و إنما من خلال إستقراء الكم الهائل المتوفر من الوثائق حول هذه العلاقة.

3-أمر الآن في الحقيقة الى السبب الأساسي الذي جعلني أقوم بهذا التعليق. و هي مسألة الدراسة الأكاديمية للعلاقة بين الرئيس الراحل و الأطراف الاسرائيلية أو تلك المقربة منها. و في الوقت الذي كتبت فيه أكثر من مرة حول هذا الموضوع أشرت فيها الى دراست أساسية حوله لاحظت خلو البرنامج و الحوار من أي استفادة من هذه الدراسات (أنظر أسفله النقطة 4). و تفاجئت هنا في الحقيقة بمساهمة السيد عبد الجليل التميمي و هو الأكاديمي المميز خاصة في اختصاصه (تاريخ شمال افريقيا العثماني) و الذي كان من المفترض أن يعكس إطلاعا معقولا حول الموضوع و ما توصلت اليه الدراسات غير أنه كان محدودا ضمن مجال مقال وحيد كتبه أخيرا. حيث من الواضح أن السيد التميمي قدم رؤيته للرؤية البورقيبية بناء على وثيقة منفردة (لقاء بورقيبة بإسترمان في جويلية 1957) و قدم بناء على أساسها مجموعة من الاستنتاجات من بينها: « كان بورقيبة منذ تلك الفترة يؤمن إيمانا راسخا بحتمية الحوار مع إسرائيل، وكانت هذه قناعته ورؤيته من القضية منذ البداية » و من ثمة يستنتج السيد التميمي: «  وطلب أن يمهل بعض الوقت لتهيئة الرأي العام العربي وليسهل لهم قبول الأمر الواقع. وكانت تلك هي سياسة بورقيبة وفلسفته. ومن هنا أنتظر مؤتمر أريحا ليعبر عن موقفه هذا » و أخيرا أن هذه العلاقات مع الأطراف الاسرائيلية أو اليهودية المقربة من إسرائيل هي « علاقات معروفة وليست سرية« .  و كما سأبين أسفله هي رؤى في الحقيقة لا تنسجم مع الدراسات الراهنة الأكثر عمقا و لا مع محتوى الوثائق المنشورة و التي تتجاوز بكثير كما و نوعا الوثيقة التي بنى عليها السيد التميمي استنتاجاته.

4- كما أشرت أعلاه كتبت أكثر من مرة في موضوع الرؤية البورقيبية للصراع العربي الاسرائيلي و كان الذي جذبني الى ذلك النافذة الأكاديمية التي افتتحت تدريجيا في العشرية الأخيرة و التي سمحت لنا أخيرا أن ندرس الرؤية البورقيبية ليس بناء على الموقف السياسي العام من الرئيس الراحل و لكن على أساس مصادر أرشيفية محايدة هي في الأغلب محاضر إجتماعات سواء مع أطراف اسرائيلية مباشرة أو يهودية مقربة من دواشر القرار الإسرائيلي أو دوائر غربية خاصة أمريكية. و قد أكدت في هذه المقاربات بشكل خاص على دراسات مايكل لاسكير و الذي تخصص في دراسة الأرشيف الإسرائيلي الخاص بمنطقة المغرب العربي و الذي يحتوي على عشرات الوثائق. و أعيد في هذا الإطار في أسفل هذا التعليق نشر العرض النقدي الذي كتبته حول مؤلفه الرئيسي في هذا المجال « إسرائيل و بلاد المغرب » (نشر العرض في صحيفة القدس العربي 28 فيفري 2005). و قد تفاجأت أنه باستثناء أحد الحاضرين أو ربما اثنين في « حوار مركز التميمي » فإن البقية و منهم مؤرخون مختصون في الحقبة البورقيبية ليسوا حتى على علم بوجود مقالاتي أو حتى مؤلف مايكل لاسكير المشار (بالإضافة الى السيد مصطفى الزيتوني الذي يبدو أنه على علم بشكل عام بوجود كتاب لاسكيير و ببعض محتواه فإن البقية لم تشر اليه على الرغم من أهميته المركزية في النقاش المطروح. السيد المنصف الشابي أشار الى أن الكتاب « صدر بألمانيا » و ذلك طبعا غير صحيح حيث تم نشره من قبل جامعة فلوريدا في الولايات المتحدة).

و قد أشرت في هذا المقال الذي تعرض في جزء منه للرؤية البورقيبية بناءا على الدراسة الدقيقة للاسكير الى تققيم عام للرؤية البورقيبية بنيته على معطيات أخرى توصلت اليها بشكل مباشر في الأرشيف الأمريكي و كنت قد تعرضت اليها في مقال سابق قبل حوالي العام من ذلك بعنوان« ثوابت العلاقات التونسية الأمريكية و آفاقها في ظل رؤى المحافظين الجدد للمنطقة العربية » (أقلام أون لاين العدد العاشر فيفري 2004). و ملخص الرؤية البورقيبية حسب استقراء مطول للوثائق المتوفرة (و يمكن الاطلاع على بعض التفاصيل في مقالي السابق أسفله) أن الرئيس بورقيبة كان يعتمد استراتيجية عامة جوهرها هي البحث عن دور للدولة الوطنية ضمن الاستراتيجيا الأمريكية و اعتبار ذلك حجر الزاوية الأساس في قيام ثم في استمرار الدولة الوطنية الناشئة. و وفق هذا المبدأ يجب النظر للرؤية البورقيبية للصراع العربي الاسرائيلي. فعلى أساس نصيحة مبكرة تسبق الاستقلال بسنوات اعتبر الرئيس الراحل الى أن من أهم مفاتيح مواقع القرار في واشنطن هي الأطراف الإسرائيلية بمختلف مؤسساتها المباشرة و غير المباشرة (و هنا تتنزل أهمية « المؤتمر اليهودي العالمي ») و على ذلك الأساس كانت بداية العلاقات من خلال الباهي الأدغم في نيويورك في شهر جوان 1952 على أساس الدور الذي يمكن أن يلعبه الإسرائيليون في إقناع واشنطن في الضغظ على الفرنسيين لبدء التفاوض (لم يدعم الإسرائيليون الموقف التونسي لأن مجمل أوراقهم في تونس كانت تتقاطع مع مصلحة الوضع الإستعماري الفرنسي في تونس و لهذا ماطلوا بورقيبة للحصول على تنازلات بدون مقابل كما تبين الوثائق المعروضة من قبل لاسكيير). و كلما رجع بورقيبة لموضوع الموقف من إسرائيل كلما كان ذلك في إطار هذه الرؤية التي تنطلق أساسا من مصلحة الدولة القطرية-الوطنية كما يراها الرئيس الراحل. و يندرج ضمن هذا الإطار بالتحديد « زيارة بورقيبة للشرق » بما في ذلك « خطاب أريحا » الشهير حيث يتوافق من حيث التوقيت مع المعطيات المتوفرة في الأرشيف الأمريكي و التي تشير الى جهود بورقيبة و بروقيبة الابن منذ سنة 1965 للتقرب بشكلأ أكبر من الولايات المتحدة (إثر تداعيات أزمة بنزرت) و خاصة بهدف الحصول على دعم إقتصادي متعدد الأشكال (قروض مباشرة و غير مباشرة و استثمارات سياحية… الخ). و تشير محاضر الاجتماعات مع الأطراف الإسرائيلية بالتحديد الى هذا الملف بوصفه الملف الأكثر الأهمية لدى الجانب التونسي. و بالمناسبة فإن كل الإجتماعات بين الطرفين سواء مع شخصيات إسرائيلية مباشرة أو عبر ممثلي « المؤتمر اليهودي العالمي » (و الذين كانوا بالطبع يرفعون تقارير عنها للقيادة الاسرائيلية و جزء من الأرشيف في الواقع هذه التقارير تحديدا) كانت تتم بشكل سري تماما و ذلك بطلب و « إلحاح شديد » كما تشير الوثائق من قبل الجانب التونسي (في إحدى المرات اشتكى ايسترمن بقاؤه في غرفة مغلقة لأيام في أحد النزل التونسية قبل لقاء الرئيس بورقيبة).  كل المعطيات تشير الى أن الرؤية البورقيبية لا تعبر عن « فلسفة » أو « قناعة » مبدئية « منذ البداية » للصراع العربي الاسرائيلي بشكل مجرد يتصف بالـ »العقلانية ». فهي رئية لم تكن معزولة بل هي قائمة أساسا على الحسابات السياسية و تحديدا تلك المتعلقة بمصلحة الدولة القطرية-الوطنية كما يراها الرئيس الراحل. و في هذا الإطار عنونت عرضي النقدي لكتاب لاسكيير « في التطبيع و ميكيافيلية الدولة الوطنية في المغرب العربي » (ينطبق الأمر على رؤية الحسن الثاني و بشكل جزئي على بعض قيادات جبهة التحرير).

إن الموقف الذي عبر عنه السيد التميمي و من ثمة شريط « زمن بورقيبة » لا يعبر عن قراءة جدية للدراسات المتوفرة و لا لوثائق الأرشيف بقدر ما يعيد إستهلاك منظومة دعائية عبر عنها الخطاب البورقيبي بانتظام في علاقة بالصراع العربي الإسرائيلي (كما هو بارز في أشرطة وثائقية موجهة للجمهور الفرنسي موجودة على موقع بورقيبة في الانترنت مثلما هو الحال مع شريط تم إعداده أياما قليلة بعد حرب جوان 1967): و تتمثل هذه المنظومة التي لا تقل تصميما عن المنظومة الموازية في « صوت العرب » في أن بورقيبة يملك رؤية « غير متشنجة » و « أبوية » و لا تتأثر برأي الجمهور بقدر ما تعلمه. و طبعا لا يمكن فصل هذه المنظومة الدعائية التي اخترقت كل الميادين عن قناعة بورقيبية جدية بأنه فقط نظام أبوي هو القادر على حماية الدولة القطرية-الوطنية. و لكن ذلك موضوع آخر. لكن من الضروري أن أشير الى نقطة أساسية هنا أكدت عليه في السابق أكثر من مرة. يجب الكف عن التعامل مع الرئي بورقيبة من خلال قوالب جامدة. لا ينطبق ذلك فقط على أولاءك الذين يقدمونه على أساس أنه « عقلاني » و « مستنير » مجرد من السياسوية بل ينطبق أيضا على من يعتبره مجرد « عميل » و « خائن ». حيث أني على قناعة أن التجربة البورقيبية قبل و بعد 1956 كانت بالضرورة ممكنة لأن التونسيين سمحوا لها بذلك. و بشكل آخر فالبورقيبية هي تعبير عن الظرفية التونسية حتى و لو أنها لا تعبر بالضرورة عن قناعات جميع التونسيين. و لهذا اليبب تحديدا لم يكن من الممكن أن تستمر حيث كانت تداعياتها الكشف عن رؤى بديلة بشكل كبير. غير أن الأخيرة لم تكن على النقيض من البورقيبية بقدر ما كانت تختلف معها حتى لو خاصمتها و شتمتها. ينسحب ذلك على رؤية التونسيين تجاه إسرائيل و طبيعة العلاقات معها. فبورقيبة لم يطبع العلاقات في النهاية منفردا و كما أشار « زمن بورقيبة » فقد عارض بدوره الأسلوب الإنفرادي للرئيس السادات عند إمضائه إتفاقية كامب دافيد. و ذلك تحديدا يخبرنا عن حدود البراغماتية البورقيبية بعيدا عن الشعارات و التي تعي تماما ظرفيتها التونسية.    

5-آتي هنا لنقطة أخرى و هي كيفية تمثل الصراع و تعرجاته من زاوية « وجهة النظر الأخرى ». و هنا من الضروري التصرف بأكثر جدية و عدم النظر للمواقف « غير البروقيبية » على أنها متجانسة و متماثلة حيث من الضروري أن نتفهم أكثر الفارق بين المقاربة المصرية-الناصرية و المقاربة السورية-البعثية مثلا خلا الستينات.

كما أنه من الواضح أن الرؤية الناصرية كانت تتوفر، كما هو الحال مع معظم الرؤى الناصرية، على شقين: الاول استراتيجي عام و الثاني سياسي خاص. و من جهة ثانية كانت الرؤية السياسية الخاصة تحظى في المجمل بأولوية خاصة. و لهذا تحديدا كان موقف القيادة المصرية مستعدا بشكل دائم للأخذ و العطاء (أو « خذ و طالب » حسب تعبير الرئيس بورقيبة) و المشكل لم يكن في أن هناك رغبة مصرية « متشنجة » في « رمي إسرائيل في البحر » بل في العروض المقترحة (خاصة أمريكيا) قبل حرب السويس سنة 1956 حيث كانت تتعارض مع آفاق بناء الدولة القطرية-الوطنية بالذات (كما هو واضح من الوثائق الأرشيفية المنشورة في معظمها الآن). و بمشاركة إسرائيل في العدوان الثلاثي بدون أي مبرر و مشاركتها في إحتلال أو الحد من السيادة على أراضي مصرية لم يكن من الممكن التعامل مع العلاقات مع إسرائيل خارج إطار المصلحة القطرية-الوطنية المصرية بالتحديد. و من ثمة أصبح الوجود الإسرائيلي تهديدا مباشرا لوجود الدولة الوطنية المصرية. و هكذا من الدعائية الترويج لمقولة أن عبد الناصر كان « متشنجا » و « غير عقلاني » أو خاصة أقل براغماتية من بورقيبة. و بمعنى آخر فإن المقارنة الوحيدة الممكنة بين بورقيبة و عبد الناصر هي مقارنة مستحيلة: حيث علينا أن نضع بورقيبة على رأس مصر لكي نعرف ماذا كان أن يفعل و لم يفعله عبد الناصر.

إن مسألة طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي و آفاق حله هي مسألة معقدة و لا يمكن أن أتعرض اليها بالتفصيل في هذا الإطار. و لكن رجاءا دعنا نكون جديين بعض الشيئ، و هنا أوجه كلامي تحديدا لمن يتصور أن « المرحلية البورقيبية » هي إكتشاف نادر لم يتفطن اليه أحد باستثناء الزعيم الراحل، لا يوجد ما يكفي من الأدلة على رغبة إسرائيلية أو أمريكية و ذلك منذ 1948 على رغبة جدية في القبول بجسم دولة عربية متصلة في فلسطين سواء على أساس قرارات التقسيم الأولى أو القرارات الأممية اللاحقة. إن أي سياسة واقعية و عقلانية تتجنب الشعارات بما في ذلك شعارات من نوع « الرؤية العقلانية غير المسبوقة » لا يمكن لها أن تتغاضى عن هذا الموقف المتطرف و العدمي و الذي يرى في الحقيقة (و هنا للتذكير أتحدث عن الموقف الإسرائيلي السائد و ليس عن « المتطرفين العرب ») أن القوة قبل أي عامل آخر هي أساس الحل في المنطقة. و هنا تحديدا علينا مراجعة « التناقض » على الأقل رسميا بين مواقف « الأنظمة العربية المتطرفة » و الموقف البورقيبي و الذي أكد مرارا (رسميا على كل حال) على ضرورة الجمع بين « غصن الزيتون و البندقية » كما أشار الى ذلك شريط « زمن بورقيبة ». هل يعني ذلك أنه لم تكن هناك خلافات؟ لا طبعا. منها بالتأكيد نزعة ميكيافيلية مغالية للرئيس بورقيبة. و لكن أعتقد أن العامل الرئيسي لهذه الخلافات يبقى ما يتعلق بالظرفيات القطرية الجغراسياسية المتمايزة و ما يستتبعها آليا من تفارق في المصالح أو في أقل الأحوال ما يقع تمثله و تقديره من تفارق في المصالح.      

6-لا أستطيع في النهاية أن أتجنب القيام بملاحظة عامة خاصة بالتحديد بالشهود المقربين من الرئيس الراحل الذين ظهروا عبر حلقات الشريط حتى الآن. حيث كان من إيجابيات شريط « زمن بورقيبة » أنه منحنا فرصة للتعرف عن قرب على « أعوان بورقيبة » و الذين كانوا متوارين مشهديا خلف صورة الزعيم الراحل رغم أنهم مثلوا قطع أساسية في بنية النظام. و باستثناء السيدين أحمد بن صالح و العياري فإن « الشهود البورقيبيين » و غالبيتهم من الوزراء السابقين كشفوا عن درجة مفاجئة من الضعف على مستوى التبليغ و التحليل. حيث كان من الصعب أن يقوم أي منهم و غالبيتهم شغلوا مناصب في غاية الحساسية (و أعني هنا للذكر لا الحصر السادة المصمودي و المزالي و الصياح) بصياغة جملة كاملة سليمة. و لا أعني هنا الجانب اللغوي فحسب بل مستوى المعنى أيضا. و رغم أنه كان من الممكن توقع ذلك منذ بضع سنين بعد مشاهدة السيد الطاهر بلخوجة في حلقات « شاهد على العصر » (قناة الجزيرة) و مستواه المتواضع للغاية من حيث الرؤية و التحليل فإنه يبقى أمرا مفاجئا. و لكنه يمنحنا أيضا صورة انطباعية عن طبيعة غالبية الطبقة السياسية الحاكمة المؤسسة للدولة الحديثة. و المعضلة التي تبعث على الحزن أنه سيكون من الصعب حقا أن نجد مسؤولا حكوميا سابقا قادرا على أن يتحدث باتزان و بشيء من العمق عن تجربته في السلطة. و لا أعني هنا أننا من المفترض أن نتوقع من المسؤول السياسي الرفيع أن يكون أكاديميا فصيحا و لكن من الجهة الأخرى من المشروع أن نفترض منه أن يحضى ببعض التوازن و البلاغة و القدرة على التعبير عن رؤية واضحة و ليس مجتزأة عن تجربته. و في الحقيقة لا أدري إن كان هذا المستوى المحدود للغاية ناتجا عن ميل الرئيس الراحل لمن يقل عنه كثيرا من حيث المواهب أم هو نتيجة لوضع بنيوي شامل لم يكن لأحد أن يتجاوزه. أخيرا من الضروري أن ألاحظ أننا نفتقد في تونس شاهدا إعلاميا من طينة ما يمكن أن نجده في ساحات عربية شهدت تجارب إعلامية عريقة (هيكل في مصر، البزاز في العراق…) و من ثمة و بجانب مواقع « المؤرخ » و « الشاهد » كان موقع « الإعلامي » شاغرا رغم وجود « إعلاميين » من بين ضيوف « زمن بورقيبة ».


 

السعودية: صحيفة الوطن تعيد تعيين جمال خاشقجي رئيسا للتحرير

الرياض ـ من أندرو هاموند قال الصحافي السعودي جمال خاشقجي ان صحيفة (الوطن) السعودية المؤيدة للاصلاح أعادت تعيينه رئيسا للتحرير بعد أربعة أعوام من اقالته لانه انتقد متشددين اسلاميين في علامة علي ان القيود المفروضة علي وسائل الاعلام خفت. وأقيل خاشقجي من صحيفة (الوطن) التي يملكها الامير خالد الفيصل أمير منطقة عسير بعد أن احتج رجال دين علي عدد من المقالات التي صورت أفراد هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بأنهم مستبدون وأصحاب أفكار عفا عليها الزمن. وقال خاشقجي لرويترز الزمن تغير الان. الاعلام بات أكثر انفتاحا مقارنة بحاله قبل أربعة أعوام. معظم الامور التي كانت مثيرة للجدل تناقش الان في أي صحيفة سعودية. البيئة صحية الان . وأضاف كانوا بحاجة لرئيس تحرير جيد وكنت بحاجة لوظيفة . وقال انه مدرك للقيود التي سيعمل بموجبها في البلد المحافظ الذي تواجه فيه جهود الحكومة لتشجيع الاصلاح معارضة من المؤسسة الدينية القوية. وأضاف التغيير في السعودية يشجعني لكنني أيضا أعرف حدودي . وينظر الي الملك عبد الله علي أنه مؤيد حذر للاصلاح لكن الاصلاحات الاقتصادية كانت لها الاولوية عن الاصلاحات السياسية والاجتماعية في أكبر بلد مصدر للنفط في العالم. وواصلت المؤسسة الدينية انتقاداتها الحادة لصحيفة (الوطن) بسبب مقالات كتابها المؤيديين للاصلاح. لكن وسائل الاعلام السعودية لم تشر الي عريضة تدعو للاصلاح قدمها كبار الامراء للعاهل السعودي هذا الشهر. واعتقل بعض الموقعين علي العريضة. ويملك معظم الصحف السعودية أمراء ذوو نفوذ وتخضع لرقابة مشددة من الحكومة. وقال خاشقجي الذي عمل في الاونة الاخيرة مستشارا للامير تركي الفيصل سفير الســعودية في واشــنطن ولندن ان متابعة مسألة العريــضة اعلاميا يتوقف علي مدي تقدم الذي يحرز بشأنها. وقال اذا كان هناك رد (من الحكومة) فقد نغطيها لكن بما أنها تبدو حوارا خاصا بين عدد من المواطنين وصاحب السمو فلا ينبغي أن نتدخل نحن العاملين في مجال الاعلام في ذلك . (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 17 أفريل 2007)

القاعدة تقول العراق أصبح « جامعة الإرهاب »

دبي (رويترز) – قال زعيم جماعة تهيمن عليها القاعدة في العراق يوم الثلاثاء أن العراق أصبح « جامعة للارهاب » تخرج مقاتلين على درجة عالية من التأهيل منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 . كما حاول أمير ما يسمي دولة العراق الاسلامية أبو عمر البغدادي في تسجيل صوتي نشر على شبكة الانترنت رأب الصدع مع جماعات المسلحين الاخرى في العراق المناهضة للولايات المتحدة عقب أنباء عن وجود توترات بين جماعته وبينها. وقال زعيم الجماعة التي شكلت العام الماضي من تنظيم القاعدة في العراق وبعض الجماعات السنية الاخرى « وأما من الناحية العسكرية فصدق أحد شياطينهم اذ قال اذا كانت أفغانستان مدرسة الارهاب فان العراق جامعة الارهاب. » وقال البغدادي « ونحن نعلن عن تخريج اكبر دفعة في تاريخ العراق لضباط الجهاد في سبيل الله وبالدرجة العالمية العليا فان الدراسة متواصلة بلا انقطاع صيفا وشتاء ليلا ونهارا. » واضاف قوله « سقطت هيبة المارينز الامريكية من قلوب الشعوب العالمية جميعها وتضاعف عدد المجاهدين وبلغ الالاف بعد ان كانوا قلة قليلة بعد سقوط دولة البعث الكافرة. » وأضاف « هذا بعض ثمار الجهاد لاربع سنوات. » ولم يمكن التأكد على الفور من صحة الشريط الصوتي الذي صدر في مناسبة مرور اربع سنوات على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 لكنه نشر في مواقع على الانترنت يستخدمها تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المسلحة في العراق. ودعا البغدادي جماعات المسلحين الاخرى الى المحافظة على وحدتها محذرا من ان الاعداء يريدون شق صفوفهم. وقال « فيا اخواننا في جيش انصار السنة وجيش المجاهدين والجيش الاسلامي ان الود بيننا عميق وما بيننا أقوى مما يظنه بعضهم. » وتؤكد تصريحاته فيما يبدو تقارير بشأن خلاف متزايد بين جماعته وجماعات المسلحين الاخرى التي تتهم القاعدة بمحاولة السيطرة عليها. وخاطب البغدادي تلك الجماعات وقال انه يعارض بشدة أي اقتتال بين جماعات المسلحين وتعهد باتخاذ كل الاجراءات الضرورية لمنع اراقة الدماء فيما بينها. وأقسم على أن تلك الجماعات لن تسمع أو ترى سوى أخبار سارة من جماعته. وكانت الجماعة التي يقودها البغدادي اعلنت مسؤوليتها عن حوادث خطف جماعية وسلسلة من الهجمات الكبيرة. (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 17 أفريل 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


المغاربيون والأخطبوط
آمال موسى (*) هل أصبحت منطقة المغرب العربي على كف عفريت، يمارس في أقطارها الانتحاريون القتل وهدر دماء الأبرياء؟ وهل تحولت وجهة السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة من بؤرها المعروفة الشرق أوسطية والأوروبية الى عواصم المغرب العربي؟ أسئلة هي من نتاج الدهشة التي قد تصيب أي متابع للعمليات الإرهابية الأخيرة سواء في الدار البيضاء أو في الجزائر وما قبلهما في تونس: عمليات تحمل إمضاءات إرهابية، مختلفة في التسميات ومشتركة في الخلفيات والآليات والأهداف، تتفنن في ابتكار تسميات مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو جماعة «الهجرة والتكفير» وغير ذلك من التنويعات التكفيرية والإرهابية، التي تتناسل من صلب نفس الايديولوجيا والفكر «القاعدي»، الذي يحاول أن يخلق لنفسه جغرافيات جديدة، كلما يشتد الخناق عليه في جغرافيات أخرى. ولكن ما أن تنقشع سحب الدهشة والاستغراب خاصة بالنسبة إلى الذين لم تتغلغل فيهم القناعة بأن الجميع مهددون بالإرهاب، وأن لا أحد في مأمن منه، حتى تسترجع الذاكرة لياقتها في التذكر، وبالتالي تجدنا نقر دونما تردد بأن ظاهرة الإرهاب في مرحلته المعاصرة، ليست جديدة على منطقة المغرب العربي، بل انها أقدم من المشرق وأكثرها تجذرا تاريخيا وآثارها لا تزال عميقة ومؤلمة. فالجزائر أكثر الدول العربية اكتواء بالإرهاب ولم تعش أي دولة عربية أو إسلامية أخرى تلك العشرية السوداء، التي شطح فيها الإرهابيون كما أرادوا، وأزهقت فيها أرواح أهم المبدعين والأقلام الحرة الشجاعة، بالإضافة إلى حالة التأخر التي عرفتها البلاد، بعد أن أجبرت على أن تكون خارج الزمن وخارج العمل والتنمية وداخل الكهف، طيلة عقد كامل انشطرت فيه الأسرة الجزائرية، بل وحتى الفرد الجزائري نفسه الذي يعيش ألم الذاكرة المثقلة بالدم وفي نفس الوقت ضرورة الإقبال على المستقبل، كشرط من شروط الحياة. وكما هو معروف عندما كانت الجزائر، تتقلب بين جمرات الإرهاب وتوضع رؤوس الجزائريين في أكياس الفضلات السوداء، ساعتها كان العالم يتفرج لأنه لم يكتو بعد بتلك الجمرات، بل ان الولايات المتحدة الامريكية التي تتزعم منذ تاريخ أحداث 11 سبتمبر 2001 الحرب ضد الإرهاب، لم تتردد في زمن العشرية السوداء الجزائرية في قبول لجوء أحد القادة الكبار في جبهة الإنقاذ السيد أنور هدام والإقامة في ترابها. لذلك فإنه يمكن التأصيل لظاهرة الإرهاب جغرافيا، بأنه انطلق من المغرب العربي ثم غادرها ليعود إليها بجرعات خاطفة ومتباعدة وبشكل تعكس كل الأحداث الإرهابية، بأنه نتاج خطة تبدو محكمة ومنظمة وتهويمية في الآن ذاته. ولعل قدم ظاهرة الإرهاب في المغرب العربي، كان يستلزم من أنظمة المنطقة استعدادا أكثر حكمة ووقاية من أخطبوطه، الذي تطال أصابعه كل الشقوق الظاهرة أو المتخفية. من ناحية أخرى وبعيدا عن أحداث العنف سواء التي شملت الدار البيضاء في 16ماي 2003 أو ما حدث في شهري ديسمبر ويناير بتونس، فإن نصيب المغاربيين في العمليات الإرهابية، التي قام بها تنظيم القاعدة لا يستهان به، والأفواج الكبيرة من الشبان الذين توجهوا الى أفغانستان والعراق، تشير إلى أن المساهمة المغاربية قائمة الذات وتحتل مواقع أمامية في عدة تنظيمات. وهكذا يصبح المعطى الجديد، ينحصر في إعادة توطين ظاهرة الإرهاب في الرقعة المغاربية وتضخيم أهدافها السياسية والمجتمعية، مع المراهنة على المهاجرين المغاربة المقيمين في أوروبا والذين أصبح المتطرفون منهم قنابل موقوتة داخل أوروبا وبالنسبة إلى أوطانهم الأصلية أيضا. فليس من قبيل الصدفة أن يستعيد الإرهاب أنفاسه في الجزائر، التي أقبلت على مشروع المصالحة الوطنية بما تبقى لها من قوة، وبعد أن تعسف الجزائريون على ذاكرتهم وآلامهم. ويدل استهداف مدخل القصر الحكومي الجزائري وأيضا مركز الشرطة، على أن الفاعلين يستهدفون المشروع الجزائري للتجاوز والتدارك، خصوصا أن الجزائر تعيش هذه السنة فعاليات ثقافية متنوعة على إثر اختيارها عاصمة للثقافة العربية. وفي الحقيقة ان العمليات الإرهابية في المغرب العربي، وإن كانت في الفترة الأخيرة رغم تواترها محدودة في الفعل، فإن المتوقع أن تمتد أصابع الاخطبوط أكثر، لا سيما وأن الأحداث الأخيرة سواء في المغرب أو في الجزائر أو في تونس نوعية، نظرا لاستهدافها العواصم المغاربية وفي نقاط تعتبر محمية أمنيا. لذلك، فإنه يعد من العبث أن تحتكر الأنظمة المغاربية ملف الإرهاب، وأن تعتبره مسألة سياسية، وحدها المعنية والقادرة على مواجهتها. ولقد أفقد تكتم بعض هذه الأنظمة على التحركات الإرهابية وعلى المقبوض عليهم بتهمة الإرهاب، ورقة اعلامية مهمة، إذ كان من المفروض فضح كل حركة أو مشتبه به قصد تعميق الوعي المدني لدى المجتمعات المغاربية وإقحام النخب في المعركة الثقافية لتتحقق عزلة الإرهابيين بشكل تام، وبعيدا عن الدمغجة، التي تظهر الأنظمة ظالمة لهؤلاء دعاة الدفاع عن الدين الإسلامي في دول هي إسلامية. إن النجاة من اخطبوط الارهاب، تستوجب قطع سبل الاختراق من خلال تحصين المجتمعات المغاربية، وجعلها على بينة من أمرها وما يدور فيها ويحاك ضدها، وفتح كل مجالات الحوار وممارسة الحرية في الرأي، لصنع مناعة مدنية، وحدها القادرة على قتل الاخطبوط بالسكتة القلبية والدماغية. (*) كاتبة وأديبة تونسية amelmoussa@yahoo.fr (المصدر: صحيفة « الشرق الأوسط » (يومية – لندن، الرياض) الصادرة يوم 16 أفريل 2007)  


الأحزمة الناسفة: ‘هدية’ قاعدة العراق إلى العالم الإسلامي

بقلم خالد حسن هكذا هي ثقافة قاعدة العراق..نثر الموت ونشر فوضى القتل..من خلال أحزمة ناسفة..لا تبقي ولا تذر..وأعجب ممن يطالب بالتريث والانتظار والتروي، فلعله الموساد أو « المجوس الجدد » أو أجهزة المخابرات، ولعلها فرق الموت الطائفية..عشنا فترة من الزمن، أطبق فيها الصمت، وأقنعنا أنفسنا بمبررات مسكنة مهدئة، كالتورية والاعتذار لهم والتغطية عليهم وتأول صنيعهم، عمقت الشرخ وأراحتهم من المساءلة والملامة، فضلا عن بيان الحقائق وكشفها. بل لم يأبه كثير منا، وتحديدا بعض المواقع، التي اختارت مسلك التحفظ والتوقف، ولم تكلف فريقها عناء التقصي والتبين، وكلما تكلم منا عارف، هوجم وشهرت في وجهه رزمة من المسوغات والذرائع، طلبا للسلامة والعافية، وحفاظا على مزاج الجمهور ومخافة الفتنة، عجبا وأي فتنة أكبر من أن تنسف مواقع وبشر بالجملة؟ نحذر من تصدير الثورة الخمينية، ونفرض صمتا رهيبا على تصدير ثقافة الأحزمة الناسفة، وفي الوقت الذي كان يحذر فيه بعض المفكرين والعقلاء، من تضخيم ما نعتقد أنه « الخطر الداهم »، ونهول من شرره، تناسينا النخر الداخلي، وأغفلنا عن شريحة لا تمارس التصفية والاغتيال الشخصي فقط باسم الديانة، وإنما تنسف أحياء وشوارع وأسواق ومباني بمن فيها. إنه آن الأوان، لأن نصدع بالحقيقة، وأهيب بمن يمسي ويصبح على التلويح بخطر حزب الله وإيران والرافضة والفرق التاريخية قديما وحديثا، أن يحمي مقاومة الأمة من الاختراقات وجالات الاختطاف والتشويه، ويرفع عن هؤلاء الذين حولوا مدن بغداد وأحياءها إلى جحيم، الغطاء الشرعي، إذ يكفي أن يجتمع أفراد منهم في حي، حتى تعم الفوضى ويقذف في قلوب السكان والأهالي الهلع والرع، غطاء التحفظ والتوقف والتريث. كشفنا « كل » مؤامرات الأكراد وشيعة إيران و…وشنعنا بهم، وعممنا الأحكام والنوازل، ولم نحفظ لبعض أهل البدع والأهواء حرمة إسلامهم، وفقدنا القدرة على بيان خطر حملة الأحزمة الناسفة، لأنهم من « السنة »؟؟؟ أستغرب من البعض، إذ يصطحب معه منطق التشكيك في كل واقعة تتعلق بثقافة الأحزمة الناسفة، بينما تجده يخوض في جرم نسب إلى التيار الصدري ولواء بدر الحكيم، حتى دون أن يتبين، وإنما يسوق ما قرأه وسمعه كمسلمات. ولا أنفي عن هؤلاء الجرم، بل هم أحد صناعه في العراق الأمريكي الجديد، وإنما لماذا نشهر بهؤلاء وقد لا نتبين من بعض صنيعهم، بينما نسمح لأنفسنا بالتغطية على جرم قاعدة العراق، أو لا نكلف أنفسنا عناء التقصي مما ينسب إليهم ممن اكتووا بنيرانهم من أهل العراق والمغرب والجزائر. ما يحدث في العراق على يد قاعدة العراق لا أستغربه، لأني رأيت أضعاف ما نسمعه وما تحققنا منه في الجزائر، فالانحرافات تقريبا تكاد تستنسخ، على أيدي مجموعات غلب عليها الجهل والافتئات والغلو، ويكفي أن الذين قتل منهم على أيدي طوائف منهم، أكثر مما قتلت منهم الأجهزة الأمنية، لا يتورعون لا في الحكم على الآخرين ولا في الدماء، أعمتهم شهوة القتل وأصمت آذانهم، ثم يخرج علينا أيمن الظواهري على قناة الجزيرة، ليتبني جرائم « أشبال الجزائر ». هكذا أصبح الوضع بفعل صنيع المغرر بهم من الجهلة وأهل الغلو، لا يحطون في ساحة مقاومة إلا ويحولونها إلى مستنقع للأفكار القاتلة ـ وأخص بالذكر أفغانستان سابقا وإن بشكل أقل ضررا والعراق حاليا، وفيها بلغ الغلو ذروته ـ وبعد أن يتلقفوا الشباب القادم للقتال من الدول العربية أو من أوروبا، يصنعون من أكثرهم أحزمة تنسف أوطانهم ومقدراتها، وهذا ما ظهر جليا في الآونة الأخيرة في المغرب والجزائر، وليس بالضرورة أن يكون الناسف تربى على القتل الأعمى في أحضانهم داخل مواقعهم في العراق وعاد إلى موطنه، وإنما من خلال التأثر بصنيعهم وجرمهم، كل هذا يحدث ولا يزال البعض من المؤثرين في الساحة العلمية الشرعية أو الإعلامية يؤثر الصمت والتروي. أين الذين حثوا الشباب على الذهاب إلى العراق، ألم يعاينوا مآلات وتداعيات فتواهم، لم لا يستدركون على ما سبق منهم ويرفعون الغطاء الشرعي عمن تأثر بكلامهم وساهم في جرائم قاعدة العراق، وسوق الأحزمة الناسفة في الجزائر والمغرب؟ وليسمح لي فصائل المقاومة الشرفاء في العراق، سكتوا عليهم دهرا وهم ألصق بهم ومن أعرف الناس بهم، وليتهم لم يفعلوا، صحيح أن حماية مشروع المقاومة والتحرير يتطلب أحيانا التغطية والمعالجات بعيدا عن الأضواء الكاشفة، ولكن ليس إلى الحد الذي باتوا يهددون فيه مشروعكم وجهادكم، ويفتح عليكم جبهة داخلية، تستنزف جهدكم ومخزونكم، يهنأ بها المحتل المجرم، أصل البلاء. وهكذا بعدما وعدتنا قاعدة العراق بدحر الصليبيين من بغداد، إذا بها تصدر لنا الأحزمة الناسفة، تدمر بها ما عجزت أمريكا عن تدميره. إنه أفق مسدود لجيل أشبع بثقافة القتل وأغرم بالأحزمة الناسفة.. (المصدر: مجلة « العصر » الالكترونية بتاريخ 14 أفريل 2007)   


الجزائر والمغرب و القاعدة

د. محمد صالح المسفر (*) (1) قبل كل شيء فلا بد من إعلان الرفض المطلق والذي لا يحتمل الشك لأي عمل أو أعمال يقوم بها تنظيم سياسي يؤدي بحيات أبرياء، كما الفعل الذي حدث في الجزائر والمغرب في الأسبوع الماضي. إنها أعمال لا تليق بحملة لواء الإسلام ولا دعاته إنها اعمال يمكن وصفها بجريمة ضد المواطن البريء الذي لا حول له ولا قوة، النظام السياسي في مثل هذه الأعمال لا يمس بأي أذي، وهذه الأعمال ستزيد من استشراس النظام ضد المواطنين عامة، انه سيفقد الثقة في كل مواطنيه، وبالتالي كل مواطن متهم بالإرهاب حتي تثبت براءته وبذلك يتحول النظام إلي وحش شرس تحت ذريعة الدفاع عن امن الوطن والمواطن، وفي هذه الحالة سيلقي النظام السياسي المتوحش تعاطفا كبيرا من أفراد الشعب ولا عتب علي الإنسان في هذه الحالة أن يتعاطف حتي مع الجلاد الذي يوفر له الأمن والطمأنينة لان الحياة عنده غالية. قلوبنا في المشرق العربي تقطر دما عند سماعنا بنازلة تحل بالجزائر وأيا كانت تلك النازلة، سواء أكانت طبيعية كالزلازل أو غير ذلك، لأننا ارتبطنا بالجزائر ذات المليون شهيد الذين لاقوا ربهم نتيجة لمقاومة الاستعمار الفرنسي من اجل الحرية والاستقلال، مازلنا متعلقين بموقف الجزائر البطولي في عام 1967 الذين وضعوا كل إمكانيات الشعب الجزائري في خدمة معركة العرب، أصبنا بفاجعة عندما تفجرت الأوضاع في الجزائر منذ مطلع التسعينات وراح ضحيتها عشرات الآلاف من الابرياء نتيجة لسوء إجراء عملية حسابية خاطئة عشية الانتخابات التي كاد يفوز بها ما تعارف القوم علي تسميته التيار الإسلامي. لقد عم الفرح قلوبنا عندما تسنم السيد عبد العزيز بوتفليقة صهوة القيادة في الجزائر وأخذت عواصف الاضطراب تهدأ إلي أن استقرت الأحوال وسعد الناس بما آلت إليه كل جهود المصالحة، صحيح انها لم تكتمل حلقاتها إلا انها سارت في الطريق الصحيح، لكن كما يقول المثل المصري يا فرحة ما تمت لقد فجعنا بما حدث في يوم الأربعاء الأسود في الجزائر العاصمة. إن الفاجعة التي حلت بنا كبيرة ولكني علي ثقة بان الجزائر قادرة علي تضميد الجراح والخروج من شرنقة العنف إلي رحابة الأمل والاستقرار. (2) إذا كان ذلك حالنا في المشرق العربي تجاه الجزائر أم الشهداء لما أصابها في الأسبوع الماضي، فحالنا ليس اقل لما أصاب إخواننا في المملكة المغربية، كنا نحسدكم في المغرب العربي لبعدكم عن بؤر العنف، فلا نفط يتنافس عليه الجبابرة، وانتم الضحية، ولا كيان دخيلا مثل إسرائيل زرع في وسطكم، ونهب الأرض واستبد حتي بمقومات الحياة وأهمها الماء، ولا جيران لهم أطماع فيما انتم فيه وصدورهم مشحونة بالاحقاد والكراهية يريدون الثأر منكم، في مشرقنا الكل، الجار والكيان الدخيل يعبثون بأمننا وسلامتنا ووحدة أرضنا ونتطلع إليكم كي تشدوا من أزرنا في مواجهة عاديات الزمان علينا. ماذا حل بكم يا أهلنا في المغرب والجزائر! إلي ما الخلف بينكم؟ لماذا هذه الضجة والدماء تسال علي ترابكم الذي قاوم جيش الغاصبين، من ألمان وفرنسيين وأمريكان وبريطانيين وأسبان وطليان وانتصرتم عليهم وحققتم الاستقلال لبلادكم. سؤال نتوجه به إلي النخب الحاكمة في ذينك القطرين المهمين؟ لماذا الاستبداد في قطريكم العزيزين؟ لماذا جحافل الفاسدين والمفسدين يجدون ملاذا وحماية لهم من قبلكم ؟ لماذا تحجبون العدالة الاجتماعية لصالح ثلة قليلة تحيط بكم والشعب منها محروم من تلك العدالة؟ لماذا الاستبداد بالسلطة وحرمان مواطنيكم من المشاركة في رسم خارطة مستقبل الوطن والمواطن ومن فوقهم الأمة العربية ؟ لماذا عامة الشعب تعيش في بيوت من الصفيح وتكاد مقومات الحياة تنعدم عندهم في هذه البيوت بينما القلة القليلة من أعوانكم تعيش في حياة لا يمكن وصف رفاهتهم. ماهو الحل للخروج من هذه الدوامة المميتة ؟ بكل بساطة المساواة والعدالة الاجتماعية والشوري أي الديمقراطية الحقة وليست المزورة هي من العوامل الهامة للخروج من دائرة العنف المميت. الدولة القطرية في المغرب العربي أو المشرق تسلك السلوك الخاطئ في مواجهة المقاومة السرية المسلحة إذ تعتقد أن الحل لهذه المعضلة السياسية يرتكز علي تعزيز قوي الأمن المدجج بالسلاح والجيش السري الذي يعد أنفاس المواطنين والاعتقالات العشوائية وتوسيع السجون والزج بكل من يشك في ولائه للحكم في غياهب تلك السجون والمعتقلات. إنها عوامل لا تبني دولة، ولا ترفع مكانة الحاكم في الداخل والخارج إني أدعو كل النخب الحاكمة في وطننا العربي أن تمتنع عن إرهاب مواطنيها ومطاردتهم بحجج محاربة الإرهاب وتأكدوا بأنه لأ خوف عليكم من أصحاب الرأي الوطني وإنما الخوف عليكم من أعداء الأمة من خارج الحدود. (*) كاتب من قطر (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 17 أفريل 2007)


مقابلة مع تورستن غيرالد شنايدرز حول العمليات الإنتحارية:

« هؤلاء الناس ليسوا مرضى نفسيين »

صارت العمليات الإنتحارية في يومنا هذا واقعاً مفزعاً. حول دوافع الإنتحاريين أجرت إينغا غيباور هذه المقابلةً مع الباحث تورستن غيرالد شنايدرز (*). ** تتناول في كتابك العمليات الإنتحارية التي يقتل المرء فيها نفسه عن طريق حزام ناسف في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إلا أنك تسمي هذه العمليات عمليات تمويت الذات، لماذا تستخدم هذا التعبير؟ ألا يُعتبر هذا انتقاصا من مخاطر هذه الظاهرة؟ تورستن غيرالد شنايدرز: لا أبداً، لا أعتقد ذلك. ما أردته هو أن أقرع ناقوساً، عندما خطرت لي فكرة هذا العمل في العام 2002، تقريباً في بداية موجة العمليات كانت هناك طبعاً رؤية أحادية للأمور. فكرت في إقصاء كلمة « قتل » لأتمكن من تناول هذا الموضوع شديد الحساسية والمشحون بالعواطف بشكل حيادي. يتجنب خبراء ظاهرة الإنتحار أيضا تعبير « الإنتحار ». يحمل هذا التعبير معاني معينة مثل القتل لأسباب تافهة وهو ما لا ينطبق على هذه العمليات حسب رأيي. أنا لا أريد إيجاد التبريرات أو الدفاع عن تلك الهجمات وهذا يظهر جلياً من خلال استعمالي لكلمة هجوم. يُعتبر أي هجوم أصلاً عملاً إرهابياً، وهذا ما يجري هناك. ** نشرت كتابك تحت عنوان: « اليوم أفجر نفسي – الهجمات الإنتحارية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. » هل لك أن تخبرنا أكثر عن هؤلاء الأشخاص الذين يفجرون أنفسهم وعن دوافعهم؟ شنايدرز: من المهم أولاً أن نعلم أن هؤلاء الناس ليسوا مرضى نفسيين، بل هم أناس عاديين يتخذون قرارهم بكامل إرادتهم ووعيهم. وهم يشكلون خليطاً من المجتمع: رجال ونساء، كبار في السن وفي معظم الأحيان في عمر الشباب، متعلمون وغير متعلمين وغيرهم من طبقات المجتمع. عندما تتخيل هذا المزيج، تسأل نفسك عن السبب. في رأيي اننا هنا في الدرجة الأولى بصدد صراع سياسي وأن تلك العمليات ترتكز على دوافع سياسية سببها الظروف المعيشية المزرية في الأراضي المحتلة مقارنة بالظروف الحياتية في إسرائيل. اتخذت هذه العمليات الصبغة الدينية في الفترة الأخيرة فقط مع أني لا أميل إلى اعتبارها صراعا دينيا. فالدين أصلاً يُستخدم من قبل كلا الطرفين لتحقيق أهدافهما. وهنا تلعب الدوافع الدينية دوراً ثانوياً. وقد تلعب دوافع شخصية عديدة دوراً أيضاً كالإنتقام مثلاً لفرد من العائلة كان قد تعرض للذل والهوان أو القتل على يد الإسرائيليين. وقد تكون أيضاً مجرد ميول انتحارية أو لتأمين المال للعائلة، حيث تحصل عائلات منفذي العمليات الإنتحارية – كما يُقال – على دعم مادي من قبل بعض المنظمات مثل « حماس ». نحن لا يمكننا تصور هذا الأمر ولكن عندما يكون المرء في ضائقة مالية بسبب الوضع الذي فُرض عليه وغير قادر على إعالة عائلته، فيمكن ان تكون الظروف الحياتية السائدة هناك دافعاً لتفجير نفسه لتستطيع أفراد عائلته الخروج من الضائقة المادية بالمال الذي سيُدفع لهم. عندما نأخذ هذه العناصر بعين الإعتبار تتكون لدينا مجموعة متنوعة من الأسباب. وهذا ما أصفه في كتابي بمنظومة الدوافع التي ينسج منها كل منفذ هجوم نموذجه الخاص. هذا يعني انه لدى البعض ممن ينفذون العمليات مزيجا من الأسباب: بعضها سياسي وبعضها الآخر ديني وشخصي. ** ألا تقلل بهذا من أهمية الدور الذي يلعبه الإسلام في العمليات الهجومية في إطار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟ شنايدرز: طبعاً سرعان ما يدور في ذهن أي شخص أن الإسلام هو السبب الرئيسي، ولكن أليس هذا ما يريدنا الإسلاميون أن نعتقده؟ أردت معالجة النظرية بعين ناقدة. صحيح أن العمليات الهجومية في جميع العالم تُنفذ بدوافع إسلاموية، إلا أنه يبدو أننا نسينا انه لغاية عام 2003، أي لغاية بدء الحرب على العراق تم تنفيذ أغلب عمليات تمويت الذات في سيريلانكا، ومن غير المعقول أن يكون الإسلام السبب وراءها. كما علينا أن نتذكر أن أكبر عدد من عمليات تمويت الذات – ما يزيد عن ألف عملية – تم تنفيذها من قبل طياري الكاميكازي من اليابان. هذه الحقائق من شأنها ان تجعلنا نعيد التفكير في هذه المسألة. ** تذكر في كتابك أنه منذ بدء الإنتفاضة الثانية تصاعدت وتيرة العمليات الهجومية في إسرائيل. ما السبب وراء هذا التصعيد المفاجئ؟ شنايدرز: قبل الإنتفاضة الثانية في عام 2000 كان الطرفان يشعران بنشوة، إذ أن التسعينيات كانت تشير – رغم بعض الإنتكاسات – إلى امكانية التوصل إلى اتفاقية سلام وإلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وكان من المفروض ان يشكل مؤتمر كامب ديفيد في صيف عام 2000 نقطة الذروة في هذا الشأن. كان من المنتظر أن يعود كل من كلينتون وباراك وعرفات إلى وطنه وفي جيبه اتفاقية السلام. أما ما حصل، فكلنا نعرفه. وهذا سبّب خيبة أمل للطرفين ووضعهم في موقف لم يعرفوا له مخرجاً. في هذا الوقت تم تنفيذ أول هجوم انتحاري ولكنه لم يثر ضجة عارمة. وبعدها توالت العمليات بكثرة. وفي ظل رواج الإسلاموية في جميع أنحاء العالم فقد أُثير السؤال حول شرعية عمليات تمويت النفس: هل هي عمليات انتحارية، علماً ان الإنتحار محرم في الدين الإسلامي؟ وسرعان ما وُجدت الأجوبة على تلك الأسئلة وكانت على النحو التالي: بما ان هذه العمليات تُنفذ ضد إسرائيل فهي ليست انتحاراً. من ناحية أخرى لاحظت بعض المنظمات أنها بتلك العمليات تلفت نظر الرأي العام وتلحق أضراراً بإسرائيل وتعرقل تطورات سياسية معينة مثل مبادرات السلام. وكان الجانب الإسرائيلي على وشك الإستسلام بين عامي 2001 و2002 لأنه لم يعرف سبيلاً لوضع حد لمثل تلك الهجمات. وهو ما جعل المنظمات تمتلك الشعور بأنها تستطيع مجابهة العدو الجبار على نفس المستوى. ** لماذا تراجع عدد العمليات الإنتحارية في الوقت الحالي؟ شنايدرز: لسببين: أولاً تكللت الإجراءات الإسرائيلية المضادة بالنجاح مثل بناء الجدار الفاصل والقتل المتعمد والعمليات العسكرية في مخيمات اللاجئين. ثانياً أدرك الفلسطينيون أنهم لم يحققوا نجاحاً عن طريق العمليات الإنتحارية ولم يصلوا إلى ما يصبون إليه، بل أتت النتائج عكسية، حيث أدت تلك العمليات إلى إنعدام الثقة وخسارة مساحة أكبر من الأراضي، خصوصاً إذا ما اعتبر الجدار بمثابة حدود بين فلسطين وإسرائيل. ** يبدو صراع الشرق الأوسط وكأنه نفق مظلم حالياً. هل تعتقد أن هناك حلا لصراع الشرق الأوسط وما هو هذا الحل حسب رأيك؟ شنايدرز: نعم هناك حل وهو إقامة دولتين ولا يوجد حل آخر. وما زال أمامنا وقت طويل لتحقيق ذلك ولإمكانية التعايش السلمي بين الدولتين. لقد حصل الكثير ولم تعد هناك ثقة بين الطرفين بسبب سنوات العنف الطويلة التي قد تستغرق أجيالاً أخرى لتصبح في طي النسيان. يعتمد الأمر أيضاً على سياسيي الطرفين، في الدرجة الأول على سياسيي إسرائيل لأنها تُعتبر العنصر الأقوى لما تحظى به من دعم من قبل الدول الغربية ولما تتمتع به من قوة إقتصادية وعسكرية. وأنا أتوقع منها أن تتحرك في هذا الإتجاه أكثر مما أتوقع من الطرف الأضعف. لكنه من الصعب علينا معرفة متى سيتحقق ذلك. أجرت الحوار إينغا غيباور ترجمة منال عبد الحفيظ شريده حقوق الطبع قنطرة 2007 (*) تورستن غيرالد شنايدر متخصص في علوم السياسة ويعمل باحثاً علمياً في مكتب التدريس في قسم علوم الدين الإسلامي في مركز العلوم الدينية في جامعة فيستفاليا ـ فيلهلم في مونستر (المصدر: موقع قنطرة (ألمانيا) بتاريخ 17 أفريل 2007) الرابط: http://qantara.de/webcom/show_article.php?wc_c=492&wc_id=544


عن «تشظي» الحركة الجهادية في بلادنا

خليل العناني           مائة وعشرون ألف قتيل كانت حصيلة العنف الديني في الجزائر طيلة عقد التسعينات، ويبدو أنها لم تكن كافية لوقف تيار العنف المتجدد في بلد المليون شهيد، هذا في حين تقف تفجيرات الجزائر والمغرب التي وقعت قبل أيام دليلاً ساطعاً علي قدرة الفكر الجهادي على تجديد نفسه بشكل مذهل، لا يضاهيه في ذلك أي فكر أيديولوجي عرفته البشرية.
بصمات تنظيم «القاعدة» جلية، و»نوعية» ضرباته وأهدافه رسالة تحدٍ واضحة، ورائحة أفكاره تفوح من بين أشلاء القتلى. وليست معجزة أن يعيد التنظيم بناء نفسه من جديد، ما دامت مادته موجودة، وهي الفكر المتشدد، وما بقيت أهدافه قائمة ممثلة في العدَوين القريب والبعيد. فالمشكلة ليست في التنظيم بقدر ما هي في محاضن الفكر والتربية التي تفرخ يومياً «مجاهدين» على طريقة بن لادن والظواهري والزرقاوي وأبو مصعب عبد الودود.
لسنوات طويلة ظلت اقترابات البحث في صعود الظاهرة «الاسلامية» بشقها المتشدد، تدور في فلك البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات العربية التي تهيئ التربة لبروز أجيال من المتشددين الناقمين علي مجتمعاتهم، بيد أن حوادث الدار البيضاء والجزائر تثبت أن الأمر أبعد من ذلك بكثير، إنه كامن في مناهجنا ونمط حياتنا وطريقة تفكيرنا، كما لو كان مرضا عضالا تتوارثه الأجيال.
البداية تعود لشهر كانون الثاني (يناير) الماضي حين أعلنت «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية، التي حلت محل الجماعة الإسلامية المسلحة، انضمامها لتنظيم القاعدة وغيرت اسمها كي يصبح «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي» معلنة الولاء لزعيم التنظيم أسامة بن لادن.
ومذاك تعهد التنظيم الجديد بتوسيع نشاطه كي يشمل كافة بلدان المغرب العربي، فضلاً عن جيرانها الأوروبيين كفرنسا وإسبانيا، وربما إيطاليا مستقبلاً. وقد استفاد التنظيم من عوامل جيبولوتيكية ولوجستية عديدة ساهمت في إنجاح ضرباته، ليس أقلها استغلاله لحال التراخي الأمني الموجود في المناطق الصحراوية الممتدة في مثلث الجزائر – مالي – تشاد. كما ساعده أيضا الخلاف الجيوسياسي الموجود بين المغرب والجزائر حول الصحراء المغاربية، وانعكاسات ذلك علي درجة التعاون الأمني واللوجيستي بين أجهزة المخابرات في البلدين، إلي الدرجة التي تحدثت فيها تقارير عديدة عن وساطة فرنسية بين المغرب والجزائر لزيادة التعاون الاستخباراتي والأمني بين البلدين. وتكاد تكون ظاهرة لدي التنظيم حين ينشط في المناطق الهامشية التي غالباً ما تشهد خلافات جيوسياسية بين أطرافها، كما حدث أوائل التسعينات في السودان ونشط التنظيم في المنطقة الفاصلة بين إثيوبيا وإريتريا والسودان، وكما حدث في منطقة الحدود الباكستانية – الأفغانية، وكما هي الحال في منطقة الأحراش بين إثيوبيا والصومال، أو ما يحدث حالياً على الحدود الجزائرية – المغربية.
السؤال الآن ليس ما فعله تنظيم القاعدة ببلادنا وبشبابنا، وإنما ما الذي يمكن فعله لوقف هذا المد الجنوني لفيروس الفكر الانتحاري، من باكستان شرقاً حيث قتلت قبل أسابيع وزيرة المرأة برصاصة أصولي معارض لعمل المرأة، وأخرى ربما ينتظرها نفس المصير بعد معانقتها أحد الرجال، إلى أفغانستان حيث ينتظر الجميع «هجوم الربيع» لطالبان «الجديدة»، مروراً بالمذبح العراقي، وانتهاء بكتائب «أنصار المهدي» و»تحرير الأندلس» في المغرب العربي، وأخيراً غزوة بدر الجزائرية.
لم يعد الأمر يتعلق بالقاعدة كتنظيم أو كأيديولوجيا، إنما بظاهرة عامة تنتقل بسرعة بين التنظيمات الدينية في مجتمعاتنا، تتمثل في التحول من السلفية «الساكنة» إلي السلفية الجهادية العنيفة. فلا يكاد يمر أسبوع حتي يتم الإعلان عن ظهور تنظيمات جهادية لم يسمع عنها من قبل، كما هي الحال مع كتائب «أنصار المهدي» و»تحرير الأندلس» في المغرب، أو «عصبة الأنصار» و»جند الشام» في سورية ولبنان، و»دولة العراق الإسلامية»، أو «التوحيد والجهاد» في تونس… إلخ.
وقد بات «تقعيد» التيارات السلفية أحد ميكانيزمات تنظيم القاعدة في إعادة تشبيك التنظيمات الجهادية التي لم يكن لها سابق علاقة مع التنظيم، كي تصبح «تروساً» في ماكينته الجهادية. وقد بات التنظيم مصدر «إلهام» للعديد من هذه التيارات، التي ترى أن مجرد الالتحاف بـ»قميص» القاعدة، شرف رفيع تُراق لأجله «الدماء الغالية» على حد وصف مصعب عبد الودود «وكيل» القاعدة في المغرب العربي. وتبدو عمليات بعض هذه التنظيمات، كما لو كانت «عربوناً» يتم من خلاله شراء رضا التنظيم «القائد»، على غرار ما حدث في الجزائر مؤخراً. حال التشظي في الحركة الجهادية تثبت أننا على أعتاب مرحلة جديدة ربما تكون الأكثر دموية في تاريخ العنف الديني في المنطقة، وقد يزيدها إثارة جيش «العائدون من العراق» بعد انتهاء جهادهم في بلاد الرافدين.
كاتب مصري. (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 16 أفريل 2007)


أوراق عائد من بلاد البلقان: عرب البوسنة… هؤلاء المطاردون!!

تحقيق الصحفي أنور مالك يعيش قدماء المقاتلين العرب في البوسنة والهرسك حالة استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معاني، وخاصة في الآونة الأخيرة، فبعد انتهاء الحرب على إثر اتفاقية دايتون في باريس، والتي كان من بين بنودها إخراج كل المقاتلين الأجانب، وقد تم تنفيذ ذلك، وبقي البعض ممن تزوجوا من بوسنيات وأغلبهم يحملون الجنسية البوسنية، ومن بين هؤلاء يوجد ما صار يعرف الآن بعرب البوسنة، وان كانت بعض الجهات تصر على تسميتهم بالمقاتلين العرب… تفرغوا إلى أسرهم وحياتهم العادية، أنجبوا الأطفال وما لهم من أمر السياسة شيء… إلا أنهم بقدرة قادر أصبحوا بضاعة تساوم بها أطراف أوروبية على الحكومة البوسنية، التي كل همها الآن الإنضمام للإتحاد الأوروبي…
بعد رحيل الرئيس علي عزت بيغوفيتش –رحمه الله- والذي كان شديد الدفاع عن كل من ساهم مع المسلمين في دفاعهم عن أنفسهم من حملة الإبادة الصربية والعرقية، بقي العرب خاصة في وضع لا يحسدون عليه بل صاروا لقمة سائغة وسهلة المنال، تسعى أطراف نافذة لجعل هؤلاء كالأفغان العرب، بالرغم من الفرق الشاسع بين هذا وذاك… للكشف عن الحقيقة الغائبة والمغيبة بسبق الإصرار والترصد، سوى ما يذاع من طرف مأجورين هدفهم خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة، عن طريق المساهمة في حربها على ما سمته بالإرهاب، والحكومة البوسنية لم تجد سوى هؤلاء العرب طبعا، فلقد أردنا من هذه الرحلة الشاقة أن ننقل الواقع على ألسنة مواطنين بسطاء هم أعرف الناس بمن يبادلونهم لقمة العيش ووصل حتى المصاهرة، ليست لهم أطماع ولا ينتمون الى أجهزة سرية أو علنية، قالوا الحقيقة ببراءة الصغار وصدق النبلاء، وفيهم من أصر علينا أن ننقل ما قالوه بأمانة فقد مرت عليهم وجوه إعلامية حرفت مواقفهم وأسندت لهم ما لم يخطر على بالهم… في سراييفو… حطت بنا الطائرة في مطار سراييفو الذي يقع في منطقة إليجا، فبعد الإجراءات الأمنية المشددة والتي إستهدفتنا أكثر من كل الناس، لأن ملامحنا عربية بالرغم من أننا نحمل هوية أوروبية، والعروبة صارت تهمة يعاقب عليها في بلاد البلقان ولكن خارج القانون وأطر العدالة والشرعية… خرجنا سالمين بعدما راودنا الإحساس بأن يتخذ حيالنا ما لا نرضاه، استقلنا سيارة أجرة، ومن حسن حظنا أن السائق يتكلم اللغة الفرنسية بطلاقة، فقد عاش لسنوات إبان الحرب في فرنسا حسبما رواه لنا، طلبت منه أن يحدثنا عن الموضوع الذي أنا بصدده، والذي تحول في الآونة الأخيرة إلى حدث إعلامي لا يستهان به، الرجل كان شديد الغضب على ما تقوم به الحكومة، إلا انه لا يهتم كثيرا بالسياسة، فهمه أن يضمن المال الكافي حتى يهاجر من البوسنة التي ما عاد فيها عيش على حد تعبيره، وعن الأسباب علل ذلك بتدهور الحكومة التي أصبحت تشتغل بسفاسف الأمور والقضايا التي ما فيها فائدة كالعرب مثلا، ولما سألته عن موقفه الشخصي رد قائلا: « العرب مسالمون ورجال… الحكومة هي التي تضطهدهم وتظلمهم، لأنها لا تملك برنامجا للشعب فراحت تبحث عن حكايات وهمية للتغطية على فشلها… »، أخذني الى فندق متواضع ويبدو أنه يشتغل وسيطا له، وينال حصته من كل زبون يجلبه من المطار أو أي محطة من محطات المسافرين…لا خيار لي سوى الحجز فيه، لأنه ليس لي الوقت الكافي حتى ابحث عن فنادق أخرى، فبعد أن أخذت قسطا من الراحة في الغرفة، قررت أن أنطلق في البحث عمن يساعدني في رحلة البحث هذه… خرجت من الفندق وأخذت أتمشى في الشارع من دون أن أحدد مسارا لوجهتي فهي أول مرة أحط أقدامي بهذا البلد، ووسط الزحام كنت أرقب ملامح المارة والناس علني أرى وجوها تحمل الملامح العربية، ولكن من دون جدوى، لذلك اضطررت أن أسأل أحدهم عن مسجد يكون قريبا من حيث أنا، فبعد عدة أشخاص واعتذارات دلني شاب في مقتبل العمر على أكبر مسجد في المدينة، ألا وهو مسجد الملك فهد بن عبد العزيز وقد تم بناؤه بعد الحرب، أعطاني العنوان وأرشدني على الطريق، وكان المسجد يقع في منطقة دوبرينيا ولا يبتعد كثيرا عن المطار… مسجد الملك فهد بن عبدالعزيز… وصلت المسجد وكان بعد صلاة العصر بحوالي نصف ساعة تقريبا، وجدت ثلاثة شبان يقفون قبالة بوابته، وكانوا يتبادلون الحديث، سلمت عليهم فردوا السلام ببشاشة، ورحت أبادلهم الحديث، ومن حسن حظي مرة أخرى أن أحدهم يتقن اللغة الإنجليزية، لما عرفتهم على نفسي وطبيعة مهمتي، قدم لي هذا الأخير نفسه على أنه سلفدين، كان يحمل ملامحا شقراء وهو لم يتجاوز العقد الرابع من عمره، رحبوا بي كثيرا ووعدوني بأن يقدموا لي كل المساعدة لكنهم أيضا اشترطوا علي الأمانة والنزاهة وأن لا أظلم أحدا… سلفدين كان شديد المقت على موقف الحكومة من العرب عامة والمقاتلين خاصة، ومما قاله:
« … لقد سطروا تاريخ البوسنة بجماجمهم وبدمائهم اذ تصدوا لرابع أقوى جيش في أوروبا… ». يتنهد بصوت مسموع وتنبعث زفراته كأنها تجتث من براكين متفجرة بأعماقه… ويسترسل: « لقد أوقفوا المجازر الجماعية والتهجير والاغتصاب الذي تعرضت له نساؤنا… ».
ثم يشير إلى جبل إيغمان الذي تراه منتصبا على مشارف سراييفو كانتصاب أبي الهول في الجيزة… ويقول: « أنظر إلى هذا الجبل، كان الصرب يقصفون منه المدينة ليلا ونهارا، فكادت أن تسقط لولا أن الله بعث لنا حينها أي في عام 1992 الجنرال أبو أيمن المصري الذي وضع خطة دفاع بالتعاون مع جنرالاتنا وهو صاحب فكرة حفر نفق تحت الأرض لربط سراييفو بالمناطق المحررة والعالم الخارجي وحماية المارة من القناصة الصرب… ».
بلهجة غاضب:
« عوض أن نكرمهم ونعزهم كما فعلت فرنسا مع المقاتلين العرب الذين تصدوا للنازيين، حكومتنا تتآمر عليهم وتريد أن تحرمهم من العيش مع صغارهم وزوجاتهم… ». ثم يزيد: « أنا أستاذ تاريخ وقد ذهبت للسياحة وفي زيارتي لمعالم أثرية بباريس أستوقفني نصب تذكاري قريب من برج ايفل، عندما سألنا الدليل السياحي قال لنا: هذا إعتراف بالجميل للجنود المغاربة الذي ساعدونا في حربنا ضد الألمان… »، للتذكير أن النصب التذكاري يروي قصة أسر جنود جزائريين وتونسيين ومغربيين لجنود ألمان في الحرب العالمية الثانية، وقدر عددهم بـ 8000 جندي نازي…
كان صديقاه يتابعان حديثنا ولكن يبدوان أنهما لا يتحدثان الإنجليزية أصلا، وكان سلفدين ذو العينين الزرقاوين والشعر الأشقر، من حين لآخر يلتفت اليهما ويترجم للبوسنية ما كنت أنا أسأله أو هو يحبذ أن يفهماه، وفي هذه الأثناء تدخل أحدهم بلغته وقد قدمه لنا قبلها سلفدين على أنه ألمير، الذي بدت من التجاعيد المتوزعة فجأة في تقاسيم وجهه، أنه قد انتابه الغضب الجامح… ومما ترجم لنا: « ألا يكفي أمريكا وأوربا والناتو بن لادن والظواهري في أفغانستان أو الزرقاوي في العراق أو المحاكم الإسلامية في الصومال… وغيرهم، أتريد أن تصنع إرهابيين جدد وتجهزهم للمستقبل على حساب إستقرار بلدنا ».
بمرارة ظهرت حتى على سلفدين وهو يترجم لنا: « ماذا سيفعلون مع ياسر بن أسامة فرج الله؟ الذي رحل –بضم الأول- أباه لمصر وهو يقضي عقوبة 10 سنوات أشغال شاقة، أو عبدالله بن بدرالدين الفرشيشي الذي تم ترجيله لتونس والآن ينتظر المحكمة العسكرية… ». كان ألمير على دراية بموضوع المقاتلين العرب، وأظهر متابعته المتميزة لتطورات الموضوع، ليسترسل في حديثه الشيق والممتع والحزين في آن واحد: « كذلك حمزة وطه ياسين أبناء عماد الحسين الذي سحبت جنسية الأب وهو مهدد بالطرد الآن، إبراهيم بن منير السليني الذي ترك عائلته تواجه مصيرا مجهولا، وفر بجلده خشية ترحيله إلى تونس، وأبناء الجزائريين الستة الذين رحلوا إلى غوانتانامو أو سجن العار كما أحب أن اسميه، رغم تبرئة قضاءنا لهم… ». يقاطعه سلفدين مضيفا: « لا تنس ألمير حمودة الذي قتل الصرب أباه يوم العيد في بانيالوكا ويريدون الآن أن يحرموه من أبيه الثاني الذي أنساه حرمان الأبوة وترعرع في أحضان عماد الحسين… أين منظمات حقوق الإنسان؟ أين منظمات الدفاع عن حقوق الطفل؟ أين منظمات الدفاع عن المرأة؟ أين… أين…؟؟؟؟؟ ». ليزيد في ثورته: « أم أن هؤلاء ليسوا بشرا؟؟ ». كان الحديث مؤثرا معهم الى حد بعيد، وقد قالوا الكثير عن هؤلاء العرب الذين أصبحوا مضطهدين من طرف الحكومة البوسنية… في باش تشارتشيا…
تركنا الرجلين ثم شددنا رحالنا في زيارة سياحية بالفعل، إختارها لنا سلفدين، ولم تكن سوى باش تشارتشيا، وهي المدينة القديمة لسراييفو، ويوجد بها مسجد الباي والذي يطلقون عليه في البوسنة (بيقوفا جامع)… لقد أسعدنا كثيرا قرار سلفدين بقاءه معنا للترجمة ومساعدتنا، فهو أقل ما سيقدمه للعرب الذين قدموا الكثير لأجل البوسنة والهرسك… في المدينة الرائعة بآثارها ومعالمها حدثنا أحدهم كان من الزوار، حيث وجدناه يلتقط صورا تذكارية، قدم لنا نفسه على أن اسمه ملادن، هذا الأخير علق على الحملة التي تستهدف العرب قائلا: « العرب لا تستطيع أن تلاحظهم في المدينة فقد بقي العدد القليل منهم حوالي 300 أو 400 عربي في كل البوسنة، لكن أنظر… الصينيون غزونا في بعض الأماكن هم المسيطرون فأعدادهم تنمو بسرعة ودكاكينهم مثل الفطر نبت هنا وهناك ». وهو يرفع قبضته للسماء قائلا: « عندما نذهب الى زنتسا ستراهم من هنا إلى غاية رايلوفاتس، بين كل دكان ودكان صيني يوجد دكان لصيني آخر… » بلهجة غاصبة توحي أن نقمة الرجل عامة ولا تستثني أحدا… فالأجانب كلهم يهددون البوسنيين في لقمة عيشهم –على حد قوله-… يزيد: « يجب على الجميع أن يرحلوا عرب، صينيين، روس، رومان، بلغار… كلهم عليهم أم يرحلوا، لأنهم أخذوا الجنسية وقت الحرب أو بعدها… ». يخاطب الحكومة: « عليها أن لا تهتم بأمر العرب فقط، فيوجد من هم أخطر على خبزنا منهم… ». ثم خاطبنا نحن: « أعرف أنكم من الصحافة العربية ولن تنشروا كلامي لأنه ضدكم… إذا كنتم نزهاء فأنشروا ما قلت بلا تحريف ». وعدناه بأننا سنفعل وودعنا ساخرا من وعدنا… سلفدين أكد لنا أن الرجل صربي، من دون أن يفصل ذلك، فهو به مني… لقد حاولنا أن نلتقي ببعض الأحزاب المشاركة في الحكومة أو المعارضة فلم يتسن لنا ذلك، وتجدهم يقدمون إعتذارات، فمرة المسؤول الإعلامي مسافر أو الناطق الرسمي في إجازة وآخر في إجتماع لا يكمله إلا بعد أسابيع!! مما أكد أن الموضوع تكتسيه حساسية مفرطة ومبالغ فيها، لذلك أصررنا على تسجيل ما يقال بين الناس خارج الأطر الرسمية، لأنه غالبا ما يكون أقرب للحقيقة… كدمات في ظلال سربرنيتسا في اليوم الموالي قررنا أن ننتقل إلى مدينة سربرنيتسا والتي تقع في شرق البوسنة، المدينة توحي ظلالها الحزينة أنها بالفعل مدينة منكوبة، شربت من علقم الحرب حتى الثمالة، وغرقت في دمائها حتى جعلت من صغارها صرخات موجعة تطلب النجدة من عالم، كان يغط في سكره من تراجيديا السياسة… لقد رأينا أطلالها التي تروي بشهادة موقعة بقسم الهي أنها مدينة الموت فعلا، حتى الطيور هجرتها ولا تأتيها لعدم وجود فتات خبز تقتات منه، انها الصورة المفجعة لشوارع كانت زقزقة العصافير ترافق مزامير سيارتها وضجيج محركاتها… التقينا بالناس وروت ملامحهم حجم الفجيعة، واختزلت قطرات الدمع المعلقة بالأهداب حدود المأساة، تحدثنا إلى العجائز والشيوخ الذين لا زالت ترهقهم رحلة البحث عن ذويهم المفقودين… ساقتنا الخطوات نحو مقبرة بوتوتشار، وهي المقبرة التي يدفن فبها كل من عثر على رفاتهم في المقابر الجماعية، وجدنا الكثيرين ممن يبكون موتاهم، هناك من لم تسمح الظروف أن نحدثهم، فهم في وضع ليس من اللائق أن نفتح عليهم ما يؤجج أحزانهم أكثر… لكن أحدهم جاء من مدينة توزلا للزيارة طبعا، فدعانا برفقة أصدقاء له لشرب القهوة التركية، ومن الصدف أن تصدرت مجلسنا إمرأة لم تناهز الخمسين من عمرها، كانت تتحدث البوسنية ورفيقي سلفدين قد شرح لها طبيعة مهمتنا، وظلت تحدق فينا من حين لآخر، مما دفع صديقي المترجم بأن يحدثها بلهجة لم نفهمها، لكنه يطبع من حين لآخر حديثه ببسمات تبدو للثورة أقرب، وهي بدورها تغزوها حمرة توحي أنها تحمل بين ثناياها ما لا يتحمله سواها… بدت لهفتها أنها تريد الخوض فيما يكبدها أحزانا لا تنتهي، فوجهت لها سؤالا فيما يخص الحملة التي تشنها الحكومة على العرب، فاجأتها الدموع متدحرجة على خديها، حتى تفاعلنا معها وأبكتنا، أنا لم أفهم أسباب بكائها لكن الآخرون يعرفون جيدا قصتها، حتى أن أحد الحاضرين سماها خنساء البوسنة وما أكثرهن في هذا البلد الذي عاش حرب إبادة لا مثيل لها… قالت بعدما كفكفت دمعها واستعادت أنفاسها:
« لقد فقدت أبنائي الأربعة وزوجي و3 إخوة لي رجال، لكن لم أتألم كما أتألم الآن عندما أسمع عن سحب جنسيات العرب الذين أتوا لنجدتنا ومساعدتنا، للأسف الشديد نقولها لو كان المقاتلون العرب وقتها في مدينتنا ما كان الصرب ليجرأ على ذبحنا كالخراف، وما ارتكب تلك الجرائم في حقنا… أنا خجولة مما تفعله حكومتنا ولذلك أدعو الكل للوقوف مع هؤلاء المظلومين حتى لا يجعلوا من أبنائهم إرهابيي المستقبل… ». وفي زيارتنا لإحدى المقابر الجماعية التي دفن فيها الضحايا بالجملة كما أبيدوا بالجملة، وسط آهات الثكالى ودموع الأرامل مررنا بقرية كونييفيتش بولي، استوقفتنا قصة عجوز مسلمة أخبرونا ان اسمها فاتا أورلوفيتش، بنى الصرب على أرضها كنيسة من دون ترخيص، وعند عودتها الآن إلى أرضها بعد طول فراق أصرت على إزالة الكنيسة، رغم العروض المغرية والمختلفة من أجل أن تبيع أرضها لهم حتى لا يضطرون لتهديم الكنيسة، لا أنها ظلت رافضة الرفض المطلق، ومما قالته لهم: « كيف سأعطيكم أرضي وقد قتلتم زوجي و 22 من أبناء إخوتي و 6 أشقاء لزوجي كلهم عزاب… »، وظلت تصرخ: « لن أبيعهم الأرض مهما قدموا من عروض »، وهذه خنساء أخرى تضاف إلى خنسوات البوسنة الواجب تخليدهن لأجيال قد تناست حق الإنسان في البقاء والحياة… ومما علمناه في ما بعد أنها صارت متهمة من قبل حكومة صرب البوسنة بالهجوم على قس الكنيسة وإثارة الكراهية العرقية، وطبعا هذا جزاء من يشق عصا الطاعة الصربية!! في مدينة الملح ثم إنطلقنا الى مدينة توزلا والتي معناها بالتركية « مكان الملح »، ويوجد بها مصنع كبير لصناعة الملح، التقينا بالعديد من المواطنين وسألناهم عن رأيهم فيما تقوم به الحكومة من سحب لجنسيات العرب، سجلنا الكثير من السخط والغضب فالكل يشيد بالدور البارز الذي لعبه العرب في حمايتهم من الصرب الذين أعلنوا عليهم الإبادة المطلقة، ومما نسجله ما قاله راتكو: « هذه سياسة من الحكومة للتغطية على المشاكل التي نعاني منه أصلا، فأنظر هناك بلغار ورومان وروس لهم جنسيات بوسنية وهم يقيمون في دولة ما يسمى بصرب البوسنة ولا أحد يتكلم عنهم، مشكلتنا التي لا تريد الحكومة أن تتحدث فيها هي موضوع الرشوة… البوسنة على رأس القائمة حسب تقرير قام به معهد للأبحاث من جمهورية التشيك ومن ضمن 16 دولة في أوروبا الشرقية ». ويزيد: « المهاجرون البوسنيون الذين تم تهجيرهم أثناء الحرب لا يستطيعون الرجوع إلى مساكنهم التي كانت لهم قبل الحرب » ويؤكد: « على سبيل المثال لا الحصر توزلا الآن لم تعد كما كانت قبل الحرب نصف سكانها من شرق البوسنة وهذا ما يسبب لنا بطالة كبيرة، المعاقين من جراء الحرب وكانوا مقاتلين انتحر منهم الى الآن حوالي 3000 شخص بسبب الظروف السيئة التي يعيشونها ». بحدثني آخر لم يذكر اسمه: « هل زرت سوق كوريدور؟ وهل رأيت فيه بوسنيين؟ لا طبعا… ذلك السوق إلى غاية 1998 كان التجار فيه كلهم بوسنيين، الآن كلهم صينيون… هذه هي مشاكلنا الحقيقية وليست مشكلتنا 100 عائلة عربية في كل التراب البوسني، وسترى عند دخولك توزلا سترى الصينيين يتسللون اليها وبشترون المحلات التجارية والمصانع… » وسوق كوريدور هو سوق للتجارة الحرة مساحته حوالي 20 كم مربع، يقع في إقليم برتشكو بالبوسنة والهرسك والذي تديره الآن الأمم المتحدة… وبلهجة الغاضب: « المافيا منتشرة في كل مكان من سرقة السيارات وسرقة البنوك، حتى أن بعض البنوك أقفلت معلنة إفلاسها، المخدرات طالت حتى الأطفال في المدارس الابتدائية… ». ليضيف كيمو: « لقد حاربنا فكرة عبديتش في الشمال لتبقى البوسنة وحدة متكاملة، الآن في السلم قسموها إلى فيدرالية البوسنة والهرسك 51% للمسلمين الكروات، وجمهورية صرب البوسنة 49% للصرب حسب اتفاقية دايتون ». تشن المدينة الشامخة بعد تلك الجلسة الرائعة والحزينة انطلقنا في اتجاه آخر ولم يكن سوى وسط البوسنة الى كانتون زنتسا – دبوي، حيث زرنا مدينة تشن وقلعتها الشامخة منذ العهد العثماني، التي توحي لنا بأنها ذات عمق عريق في الصمود ضد الغزاة على مر التاريخ، وتعتبر المدينة الأكثر نموا اقتصاديا في الكنتون وبها المصنع الوحيد لصناعة شمع المحركات في يوغسلافيا وأوروبا… وقد روى أحد المواطنين قصصا فضيعة عن المجازر التي إقترفها الصرب في حق المدنيين والعزل في القرى المحاذية لمدينتهم، نذكر ما حدث في دبوي وتسليش وبانيالوكا… حيث حدثنا شمس الدين الذي يناهز 60 عاما قائلا: « الحمد لله أن من علينا ببعض العرب الذين كانوا قد أتوا لنصرتنا وكان معهم أبو حمزة، فقد رفعوا من معنوياتنا حتى تمكنا من الدفاع عن مدينتنا ولم يتمكن الصرب من دخولها »، وللتذكير أن ابا حمزة هو عماد الحسين الناطق الرسمي بإسم المقاتلين العرب سابقا…
فلما غادرنا في إتجاه زنتسا فمررنا على مدينة ماغلاي (مدينة الضباب) دخلنا على قرية بوتشينا التي سكنها المجاهدون بعد الحرب إلى غاية نهاية 2000، حيث غادروها ولم يبق سوى 15 عائلة إشتروا بها بيوتا وبنوا فيها مسجدا وفتحوا ورشة لتصليح السيارات، الآن أغلبهم يعيش على تربية النحل والمواشي، لقد وصلنا في موعد صلاة الظهر كان المؤذن يرفع النداء يصوت ندي وفي الجهة المقابلة للمسجد كنيسا صربيا تدق نواقيسها وفي الخلف على الضفة الثانية لنهر البوسنة كنيسا كرواتيا يدق هو الآخر أجراسه، وهذا دليل على إمكانية التعايش بالرغم من الفوارق الدينية إن بعدت عنهم المزايدات السياسية، أردنا أن نسأل شابا طويل القامة ونحيف البنية وله لحية خفيفة فأدرك أننا غرباء وبادرنا من دون أن نطرح سؤالنا متحدثا عن القرية، على أنها أشهر من البيت الأبيض في واشنطن ولسنا الوحيدين الذين مررنا بها… قائلا: « أكتبوا ما شئتم »، فعرفنا أنهم لا يثقون بالصحافة والصحفيين الذين ينقلون عنهم الصور الخاطئة…!! في زافيدوتش أما في زافيدوتش والتي كانت بها أخطر المعارك وأشرسها، وهي المدينة الرائعة والجميلة حيث ينتصب جبل بليزنا يرقب الحركة فيها، وهي ملتقى لنهري البوسنة وكريفايا، حتى الترجمة لإسمها معناه « المدينة المحسودة »، فيروي لنا شهباز قصة العرب، وقد وجدناه بمحاذاة السوق البلدي برفقة صديق له، شدنا الفضول إلى حديثه الغاضب وهو يحاور من معه بصوت عالي، تقدمنا منهما وعرفهم سلفدين على هويتنا الإعلامية، رحبا بنا مبتسمين وتحول الحوار الصاخب إلى هدوء، ومما قاله لنا شهباز: « قصتهم ترويها مقبرة لفدا ومقبرة قرم التي هي موجودة في طريقك على اليمين وأنت ذاهب من زنتسا الى مهوريتش، ثم مقبرة مهوريتش. وقد سقط منهم أكثر من 100 قتيل و150 جريح ». ثم يستدرك للحديث عن العرب قائلا: « نحن لا نمكنهم من الإقامة بهدوء رغم أن الدستور البوسني كفل لهم هذا الحق، وهؤلاء حصلوا عليها لأنهم كانوا في الجيش والإغاثة وأي مصلحة عليا تأتي قبل هذه المصالح في وقت الحرب ». للتذكير أن الفصل 13 من الدستور البوسني يؤكد أنه في حالات فردية تعطى الجنسية البوسنية لمن كان يرجى منه مصلحة البلاد، ومن دون استيفاء الشروط المطلوبة في الفصل 9 الفقرات: 1 – 2 أو 6. أما أسد فيؤكد أن كل ما يمارس على العرب هو نتيجة ضغوط أوروبية وأمريكية، وحول ما يروج له في بعض الدوائر الإعلامية الغربية، بأن كتيبة المجاهدين قد قتلت أكثر من 60 صربيا تم أسرهم في عملية تحرير فوزوتشا ولم يعثر على جثثهم إلى الآن، قال: « هذه دعاية صربية الغرض منها أننا كلنا (صرب وكروات ومسلمين) قمنا بجرائم حرب، وهذا تمهيدا للمحكمة الدولية لغلق ملف البوسنة على أنها حرب أهلية، الشيء نفسه في جويلية 2006 على ما أذكر وجدوا مقبرة جماعية فيها 8 جنود، 20 كم عن زافيدوفيتش، ادعى الصرب حينها بأن المجاهدين قاموا بذلك ولما أتى الفريق المختص بتقصي الحقائق وجدهم بوسنيين قتلهم الصرب في بداية الحرب ودفنهم هناك ». ونحن في المدينة حاولنا الاتصال بعائلة المغربي عبد الإله كراش ولكن للأسف كان في العاصمة سراييفو، ولقد تلقى قرار سحب الجنسية منه وللتذكير أن كراش حاصل على وسام زلاتني ليليان من الرئيس علي عزت بيغوفيتش القائد العام للجيش البوسني وقتها، وعلى هذا الأساس وافقت الحكومة لتقديم مساعدة مادية لشراء بيت بزافيدوفيتش في الجلسة البرلمانية الخاصة بكنتون (زنتسا دوبوي) رقم 19 بتاريخ 07/06/2006، وهو أيضا متزوج من بوسنية وله منها أربعة أطفال… نهاد من بانيالوكا في هذه المدينة التي لا تزال تروي قصة مسجدها الذي يطلق عليه البوسنيون « فرهديا جامع »، حيث فجره الصرب في عام 1992، وبعتبر هذا المسجد من أقدم المساجد في البوسنة وعمره أكثر من 500 سنة ومسجل في اليونسكو… تعرفنا على قصة نهاد الذي قتل الصرب أمه ووالده وإغتصبوا أخته، يروي لنا قصته بنفسه قائلا: « في معركة فوزوتشا الثانية كنت مع الجيش والمجاهدين وقتها أسروا إثنين من الصرب فاردت الإنتقام منهما، لما فعلوه بأمي وأبي وأختي، لم يسمح لي بذلك، وقال أحد المجاهدين لي: هل هؤلاء هم الذين قتلوا أمك وأبيك واغتصبوا أختك؟ فقلت: لا، رد علي: نحن الأسرى عندنا أهم من كل شيء، لأننا نبادل بهم أسرانا عندهم، فممكن أن نبدل واحد بعشرة، فما هو الأفضل؟ » يتنهد بصوت مسموع ويردف: « ولقد وجدته على حق بالفعل ». ويؤكد: « لم يسمح لأي أحد بأن يطال الأسرى بأي أذى ». زنتسا… الأرض والعرض! زنتسا مدينة لها جراحها أيضا… تبتعد عن سراييفو بـ 60 كم، وتعتبر مدينة صناعية، حيث يوجد بها أكبر مصنع للحديد والصلب في يوغسلافيا… حدثنا سمين وهو يجيد اللغة العريبة بطلاقة ويعرف العرب كثيرا، حدثنا « كتيبة المجاهدين »، والتي كانت وحدة عسكرية تابعة للفيلق الثالث، وتضم المتطوعين العرب مع بوسنيين، وفي إطار عسكري نظامي تابع للجيش البوسني… قائلا: « لقد قتلوا الشيخ أنور شعبان والدكتور أبو الحارث الليبي ورفاقهم غيلة يوم توقيع اتفاق دايتون في باريس، وكانت لدينا أسلحة كثيرة وأفراد كنا بإستطاعتنا إبادة مدينة جبشا الكرواتية عن بكرة أبيهم، لكن أبو المعالي قائد كتيبتنا رفض ذلك وقال إنهم مدنيون لا يجوز قتلهم سيأتي يوم يقاضى فيه القتلة إن عاجلا أو آجلا… وجريمة الإغتيال قام بها جنود كروات من تلك المدينة ». سألناه: « هل كنتم وحدة تابعة للجيش البوسني أم منظمة مستقلة؟ » أجاب: « كنا فرقة تابعة للفيلق الثالث، وحدتنا كانت من أبرز وحدات الجيش البوسني، وكانت عندنا رتبا عسكرية، ولقد تحصلنا على أوسمة عسكرية رسمية من القيادة العليا، في كتيبتنا الحاصلين على الوسام الذهبي زلتني ليليان أكثر من عشرين شخصا، أغلبهم من العرب… « . وفي رده عن سؤال آخر حول رأيه في العرب المتجنسين، تدخل زميل له اسمه نصرت عرفنا على نفسه على أنه من جليز نابولي وهي قرية جبلية تقع شمال زنتسا، قائلا: « لقد حضرت يوم حل كتيبة المجاهدين وكان يومها جنرالات الجيش حاضرون، تكلم الرائد أبو المعالي قائد كتيبة المجاهدين وقال كلاما في حينه غريبا… ». قاطعناه متلهفين لمعرفة ذلك: « ماذا قال؟ ». أجاب: « قال: نحن الآن سنغادر البوسنة وهذا قرار سياسي اتخذه الرئيس علي عزت بيغوفيتش ونحن نحترم قراره والتزامه الدولي، وان الغرب الآن سيصبح يروج بأننا إرهابيون وقتلة… الخ، فلا تصدقونهم نحن لسنا كذلك، فكما عرفتمونا ندافع عن المظلومين من شيوخ ونساء وأطفال، وكما إستطعنا أن نأتي في أصعب الظروف رغم الحصار المفروض « . مأساة عائلة التونسي منير سليني… في رحلتنا هذه قيل لنا الكثير عن عائلة منير سليني، والذي تناقلت قضيته وسائل الإعلام المحلية والدولية، خاصة لما نزلنا على زنيتسا حيث منزل هذه العائلة التونسية التي تعيش مأساة حقيقية، منذ أن فر بجلده منير سليني إلى الخارج خوفا من أن يتم ترحيله على تونس كما فعل ببدرالدين الفرشيشي الذي يواجه الآن المحكمة العسكرية بتونس… إستقبلتنا السيدة مرسية توبيتش في بيتها المتواضع، وكان برفقتها أبناءها، مريم (9 سنوات ونصف)، جميلة (7 سنوات)، شيماء (5 سنوات ونصف)، إبراهيم (18 شهرا)، وأسماء الرضيعة التي وضعتها من بعد رحيل زوجها، والذي لم يراها لحد كتابة هذه السطور… السيدة كانت حزينة للغاية وعيناها تذرفان الدموع وهي تروي لنا مأساة أسرتها الصغيرة والظروف الصعبة التي مرت عليها، فقد كان زوجها يقيم بصفة شرعية وأنتهت إقامته في 2000 بإنتهاء جواز سفره التونسي طبعا، حاول تجديده فلم يستطع، حيث رفضت السفارة التونسية ببلغراد ذلك رفضا قاطعا، ومن أجل أن يجس نبض السلطات التونسية أرسلها إلى تونس في 2003، لتقول: « ذهبت برفقة أولادنا فعاملتني السلطات بالمطار معاملة سيئة وفضة وغليظة بسبب أنني زوجة منير سليني، وخلال الفترة التي مكثتها هناك شدد البوليس مراقبتي ومراقبة محل إقامتي يحصون أنفاسي وأنفاس أهله، وتم استدعائي عدة مرات إلى مركز الشرطة وتعرضت للإستنطاق وكانت كل الأسئلة تتعلق بزوجي وأرادوا معرفة أسباب عدم نزوله إلى تونس ولماذا أرسلنا لوحدنا وعن نشاطاته السياسية » بلغت أن زوجها محكوم عليه بأربع سنوات بسبب مشاركته في أنشطة سياسية ضد النظام الحاكم خلال إقامته في ايطاليا، ولما تأكدت بأنها غير مرغوب فيها حملت أطفالها وعادت للبوسنة، بلغت زوجها بما حدث لها، فتقدم بطلب اللجوء في أواخر 2005، ويتم تجديد الإقامة بموجب ذلك كل ثلاثة اشهر، وتم استدعاءه للتحقيق في طلبه حيث ضرب الموعد في 12/06/2006، لكن حدث قبله ما لم يكن متوقعا فقد هوجم البيت من طرف القوات الخاصة البوسنية بتاريخ 24/05/2006 وتم تفتيش البيت ومنه اعتقال الزوج موجهين له اتهام تموين الإرهاب، لكن السيدة سليني فندت كل ذلك لأنها أعرف بخبايا زوجها على حد تعبيرها، وظروفهم المادية ليست ظروف رجل يقدر على تموين غيره، وهم يعيشون في ظروف جد متواضعة… الإهتمام الإعلامي بالإعتقال بلغ ذروته، واتصلت بها عدة تلفزيونات محلية وعالمية، تريد معرفة حقيقة ما روج له محليا، كانت في هذه الأثناء حاملا في شهرها الخامس، مما سبب لها متاعبا صحية بدت الآن على المولودة التي تعاني من أمراض مختلفة… لقد ظنت من خلال ما روج له أنها فقدت زوجها للأبد وأنه سوف يتم ترحيله لتونس، غير أن المفاجأة السعيدة أن تم الإفراج عنه في مساء اليوم نفسه بعد ساعات من الإعتقال ومن دون متابعة تذكر، حتى أن بعض الصحف علقت ساخرة على مهزلة الأمن البوسني في القضية وتحت عناوين بارزة نذكر منها مثلا « أطلق سراح الإرهابيين!! ». مرت الأمور عادية في موعد التحقيق معه حول طلب اللجوء وكأن ما حدث كان مجرد كابوس كما قالت، ولكن فيما بعد حدثت بعض الأمور كترحيل التونسي بدرالدين الفرشيشي الى تونس، الذي هو بدوره أعتقل من قبل مع زوجها وأطلق سراحه… أصبحت العائلة تعيش كابوسا مرعبا، وزاد الطين بلة لما انتهت الثلاثة أشهر وقدم طلبا لتجديد الإقامة لكن الرد تأخر على غير المعتاد، فأرسل محاميه لتبيان السبب إلا أن الإدارة المعنية بعد طول إنتظار فاجأته بطلب غير بريء، ويتمثل في دفع البطاقة القديمة لوضعها في الأرشيف، مما أكد له بأن هناك أمر يحاك ضده في الخفاء، وتأكد أكثر بعد أيام لما تلقوا رفض طلب اللجوء مرفوقا بأمر مغادرته البلاد في أجل أقصاه 15 يوما… لقد لاحظنا نحن كيف آلت مزرعة النحل (50 خلية) التي كان يشرف عليها الزوج وتقتات العائلة من عسلها، حيث مات أغلب النحل لقلة الرعاية والأدوية؟ ولأن السيدة سليني ليس لها المعرفة ولا القدرة على مواصلة أنشطة زوجها … وكذلك بالنسبة للأطفال الذين كانوا متفوقين في دراستهم وتدهور مستواهم إلى حد ينذر بالخطر، وذلك بسبب غياب الأب وقد كانوا متعلقين به إلى درجة لا توصف، حتى الطفلة التي أنجبتها في غيابه تعاني من أمراض مختلفة كما ذكرنا سابقا ودخلت المستشفى مرات متعددة مما سبب متاعبا للأم وبقية الأطفال وخاصة يوم عيد الأضحى الأخير والسنة الميلادية الجديدة حيث تشتت شمل العائلة لأول مرة… لقد وجدت الأم نفسها بين المطرقة والسندان، العائلة أصبحت الآن تعيش على إعانات المحسنين من الجيران و »بعض ممن يشفق على حالنا عند زيارتنا نحمد الله على كل حال » كما قالت السيدة مرسية توبيتش لتغتنم الفرصة وتناشد المنظمات الدولية لحقوق الإنسان من أجل إعانة زوجها في طلبه للجوء بفرنسا… الأطفال بدورهم وجهوا صرخات باكية يطلبون عودة أبيهم، مما أبكانا ونحن نسجل صرخة مريم وهي تنادي بأعلى صوتها وبلغتها البوسنية: « إشتقت اليك أبي… إشتقت إليك… كلنا إشتقنا إليك… أرجع أبي… »، وشيماء التي إرتمت في حضني وهي تسألني ببراءة: « متى يأتي أبي؟ ». في ترافنيك ساقتنا خطانا إلى هذه المدينة التي تقع على سفح جبل فلاجيتش المكسو بالثلج على مدار السنة… وفي جلسة مع بعض المقاتلين البوسنيين القدامى، قال لنا الحاج درويش بعدما تنهد متحسرا على الماضي: « الله يرحمك يا علي »، فقلت له: « من علي هذا وقد ظننته أحد المقاتلين؟ »، فأجابني: « علي عزت بيغوفيتش رئيسنا قال ذات يوم رادا على أعدائه: أقسم بالله العظيم أن لا نكون عبيدا، لكن أنظر الآن من يحكموننا، هم عبيد للكل، للصرب للكروات للأمريكان للأروبيين للمارك… لا هم لهم سوى أنفسهم الآن، كل شغلهم هو إخراج العرب من البوسنة وهذا عار علينا وأنا مستحي منكم لأنكم عرب، الرئيس علي عزت الله يرحمه عند تحرير مدينة فوزوتشا وفتح الطريق إلى توزلا مخاطبا المجاهدين (أنتم في فوزوتشا قصمتم العمود الفقري للصرب التشنيك، أنتم أظهرتم لنا الطريق الذي سنواصل فيه، مثال في القتال، كيف سنواصل كسر هذا العمود حتى تتحرر البوسنة والهرسك، أشكركم أيها الجنود، وهذا بإسم شعبنا الذي سوف لن ينس ما قدمتموه لنا) ». تدخل آخر وإسمه كمال وينادونه كيمو: « عندما حررنا فوزوتشا وتقدمنا على مدينة دبوي قال لنا الشيخ أنور شعبان رحمه الله: (إن إنتصاركم هذا لكبير، ان أعداء الإسلام والمسلمين سوف لن يسمحوا لنا بالمواصلة وهم أكيد سيوقفوننا ومن يومها سيبدأون ملاحقتنا)، وبعدها قتل الشيخ أنور رحمه الله ورفاقة أبوالحارث الليبي وأبوهمام وابوزياد وابوجمزة الجزائري ». موستار… في مدينة موستار (الجسر القديم) التي كان قد قصف جسرها الكروات بالدبابات فدمروه، وتمت إعادة بناءه بعد الحرب، وعند مرورنا بمدينة فيسكو (العالية) 30 كم شمال سراييفو، وقد شاهدنا على قارعة الطريق باعة اللحم المجفف على الدخان وجلود البقر المدبوغة وقد حدثنا سلفدين، أن في هذه المدينة اكتشفوا اهرامات على شكل اهرامات الجيزة بمصر، وقد شاهدناها ونحن من على الطريق السريع الرابط بين زنتسا وسراييفو… التقينا أحد الشيوخ وإسمه نياز كان ينتمي الى جمعية الشبان المسلمين التي أنشأها الرئيس الراحل علي عزت بيغوفيتش رحمه الله بعد الحرب العالمية الثانية، فبعد أخذ ورد في الكلام والحديث عن حياته والظروف الصعبة التي مر بها المسلمون في أيام يوغسلافيا السابقة، قال لنا: « ها ان التاريخ يعيد نفسه »، قلت له: « كيف؟ »، أجاب: « بعد الحرب العالمية الثانية قام الجنرال تيتو بعفو عام على الصرب الذين قاتلوه، فأندس الصرب وقتها في أجهزة الدولة تحت الشعار الذي وحد يوغسلافيا سابقا *وحدة وأخوة*، فإستولوا على الأجهزة الفاعلة وقتها مثل الجيش والشرطة والمخابرات (UDBA) فقاموا بتجنيد العديد من الأئمة وقتها للتجسس علينا نحن في جمعية الشبان المسلمين، وقد صدر كتابان أحدهم إسمه *المخابرات قدرنا* وقد ذكر هؤلاء العملاء بالإسم ومنهم من هو مازال يؤم الناس حتى الآن، وما زالوا يواصلون عمالتهم لأجهزة المخابرات الحالية بنفس الطريقة الماضية… لكن عدوهم الجديد هم الشباب الملتزم والدعاة الى الله، وقد أصدروا كتابا تحت عنوان *السلفية والوهابية* ألفه ياسمين مردان وعدنان ميشانوفيتش وذكروا فيه كل الدعاة المخلصين في البوسنة وتاريخ حياتهم لتشويه صورتهم لدى الشعب بدعوى أنهم وهابيين وإرهابيين وغير ذلك، كما قاموا بتسليم أسمائهم للمخابرات الأجنبية مثل الولايات المتحدة الأمريكية للقيام بترحيلهم الى غوانتانامو، لكن الحمد لله تمكن البعض منهم من مغادرة البوسنة أو تغيير محل سكناهم المعلن لدى الشرطة… وصدق الله تعالى اذا يقول: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك)… ». تهمة « الوهابية »…!! أما فيما يخص الوهابية التي تحدث عنها الرجل وتداولتها الألسن والأجهزة الرسمية والإعلامية، فقد سألنا هروستان أستاذ جامعي عن الموضوع فأجابنا قائلا: « ان رئيس المشيخة الإسلامية وهو رئيس العلماء في البوسنة أعلى مسؤول على الديانة الإسلامية عندنا في حوار صحفي له بتاريخ 19/02/2007 قال: (الوهابية لا توجد في البوسنة بل توجد في النمسا)، لكن هناك شخص إسمه أسد هشيموفيتش يدعي أنه متخصص في قضايا الإرهاب والجماعات الإسلامية كان له سوء تفاهم مع المجاهدين أثناء الحرب لأنه يريد أن يذهب للجبهة من دون سلاح بدعوى أنه صحفي يحمل كاميرا التصوير فقط، وهذا ما لم يسمح له به من طرف قيادة المجاهدين لأنه كل من يذهب للجبهة لابد أن يكون معه سلاح تحسبا لأي طارئ، وهو طبعا يخشى أن يقحمه المجاهدون في أحد عملياتهم فأصبح الآن يكتب ضد كل من له نبض إسلامي واصفا إياه بالتطرف والإرهاب والوهابية وغيرها من الأوصاف التي هو أصلا لا يعرف معناها لأنني أعرفه جيدا، حتى أصبح ينادونه الآن بخبير في الجماعات الإسلامية والإرهاب، وأنت لو تقرأ المواضيع التي يتناولها كلها تقارير كاذبة ومغلوطة، وخذ على سبيل المثال أي شخص يتعرض له بالذكر عند سرده لقصته تظن أنه أخطر عنصر على وجه الأرض، لكنك عندما تلتقي بالمعني تكتشف أن كل ما حكى عنه من صنع الخيال، ويكفي تأييدا لكلامي هذا أنه لا يكتب إلا في صحيفتين معروفتين بعدائهم للإسلام والمسلمين، ولكل ما فيه من خير للإنسانية، ألا وهما صحيفة الدان وسلوبودنا بوسنة… ». على هامش الوداع… وما يمكن استخلاصه من هذه الرحلة أن العرب بالفعل يواجهون حرب إبادة لكنها من نوع آخر، فعملية سحب الجنسيات منهم متواصلة، وحسب تقرير صادر عن هلسنشكي كوميت، أن اللجنة التي شكلت خصيصا لمراجعة الجنسيات قد قامت يمراجعة 1500 طلبا للجنسية أغلبهم ممن التحقوا بالجيش البوسني في الفترة 1992-1995 أو الذين أتوا للعمل في الهيئات الإغاثية، كما أن اللجنة البوسنية لحقوق الانسان التي ذكرناها آنفا ومنظمة العفو الدولية طلبتا من الحكومة تأمين الناس الذين يمكن سحب جنسياتهم، بحيث لا يتم ترحيلهم وأن لا يسلموا إلى بلدانهم الأصلية، مما قد يعرضهم للتعذيب أو الإعدام أو السجن أو أي معاملة لا إنسانية… ومما سجلناه أيضا عن القضاء البوسني أنه مستقل نوعا ما لكن قدراته غير ملزمة وهذا تراه في جل القضايا التي بت فيها، مثل ما يعرف بقضية الجزائريين الستة المعتقلين يغوانتانامو، وللأسف لم نتحدث في تقريرنا عن عائلاتهم لأسباب لا نستطيع ذكرها تتعلق بالعائلات نفسها سنفرد لذلك موضوعا آخر في القريب إن شاء الله، وكذلك قضية أسامة فرج الله واشرف حسن، تم ترحيلهما الى مصر ولا يزالان يقبعان في السجون المصرية، حتى أن بعض المحامين المدافعين عن العرب أصبحوا الآن يتجنبون العرب وقضاياهم، فمثلا ما حدث للمحامي كدريا كوليش وهو شاب كان قد رافع في قضية الجنرال سفر هليلوفيش أمام محكمة جرائم الحرب في لاهاي، وقد قامت المخابرات البوسنية بالتسلل خلسة لمكتبه وقاموا بتقطيع كل أسلاك الهاتف وربطات الكمبيوتر وبعثرت أوراقه وملفاته، وذنبه أنه قام بالدفاع عن موكله المغربي سعيد عثماني الذي تم ترحيله فيما بعد إلى الرباط… حتى الحالة الإقتصادية فهي متعثرة للغاية فحسب ما قاله لنا زلاتن في سراييفو أن البطالة بلغت أكثر من 30%، الإستثمار فيها قليل للغاية بسبب التعقيدات الإدارية وتكلفة تسجيل الشركات بالمقارنة مع البلدان المجاورة، كما نصح المستثمرين العرب بعدم المغامرة في البوسنة مجددا كما وقع مع مستثمرين كويتيين في مصنع الحديد والصلب بزنتسا حتى لا تصادر أموالهم، بدعوى تمويل الإرهاب وخاصة في الفترة الحالية التي تشن فيها حربا شعواء ضد الوجود العربي عموما في بلاد البلقان… ما يحدث للعرب الآن تعتبر مأساة حقيقية، فالترحيل والسجن المنتظر والتعذيب في زنازين أنظمة بلدانهم الأصلية هي الشبح المرعب الذي يطاردهم في حلهم وترحالهم، أمثلة كثيرة رصدناها ونضرب مثلا بالدكتور الفلسطيني عبدالحكيم جودت الذي يعمل بالمستشفى الجهوي بزنتسا، درس في بنيالوكا قبل الحرب وتخرج بدرجة طبيب عام، شارك في الحرب كطبيب يداوي الجرحى ويسعف المكتوين بنيران القذائف الصربية، سحبت منه الجنسية بالرغم من أنه أب لأربعة أطفال وزوجته بوسنية… وكذلك جيلالي رفاق وهو مغربي معاق في الحرب بنسبة صمم تام بإحدى أذنيه، متزوج من بوسنية مهاجرة من إحدى قرى بنيالوكا الخاضعة للصرب، أب لثلاثة أطفال، سحبت منه الجنسية أيضا وهو مهدد بالترحيل… نذكر أيضا فاضل الحمداني يعيش في البوسنة منذ 1980 تزوج عام 1987 من بوسنية لما قدم طلبا للجنسية في بداية الحرب كان عنده حينها 12 سنة مقيما على التراب البوسني وله ثلاثة أبناء، أما الآن فهو أب لخمسة أطفال… وطبعا الدكتور أبو الحارث الليبي كان طبيب ميدان يداوي الجرحى أصيب مرات متعددة بجراح، كان الأطباء البوسنيون يتعجبون من شجاعته وإقدامه ويروون مآثره، قتل يوم توقيع اتفاقية دايتون غيلة في مدينة جبشا، هو الآخر سحبت منه الجنسية بالرغم من وفاته!!… ثم نذهب إلى خارج التراب البوسني ونذكر مأساة عائلات عرب يطلبون اللجوء الآن في سويسرا منذ سنة 2001، ويروي لنا أحدهم قصتهم قائلا: « عندما تم إغلاق الهيئات الإغاثية العربية في البوسنة تم ترحيل عرب إلى غوانتانامو ومصر، شد هؤلاء الرحال تحت جنح الظلام مع عائلاتهم بحثا عن مكان آمن يحترم حقوق الإنسان، فحط بهم المطاف في العاصمة السويسرية جنيف طالبين حق اللجوء السياسي فتم رفض طلباتهم لأنهم أتوا من بلد فيه حق اللجوء، طبعا البوسنة والهرسك، وعلى هذا الأساس طلبوا لهم رخصة مرور للعودة للبوسنة، والبوسنة بدورها ترفض إعطاءهم هذه الرخصة، لأنها تريد التخلص منهم ومن كل العرب، فصاروا في ظروف قاهرة قد تسلمهم البوسنة إلى بلدانهم الأصلية إن عادوا… ». ثم شخص آخر لا يقل أهمية عن الآخرين ويتعلق الأمر بمحمد زيتوني برندا الذي تم إعتقاله من طرف القوات الأمريكية في ديسمبر 2003، في مدينة ترافنيك التي زرناها من قبل والكل فيها يعرف قصته، تم نقله الى القاعدة الأمريكية (ORAO) ومعناها بالعربي (النسر) في توزلا للتحقيق معه من طرف أعوان FBI لمدة 72 ساعة، أطلق سراحه وأعتذروا له، الآن الأجهزة البوسنية تضعه في قائمة الإرهابيين في البوسنة، حتى أن أحدهم من أبناء ترافيك تساءل قائلا: « هل FBI أعلم بمحمد زيتوني أم القوات البوسنية التي بدأ تكوينها بعد الحرب، ولا تزال لم تتعلم بعد أبجديات العمل المخابراتي والأمني؟!!… ». الآخرون يرون أن هذه الحملة التي تستهدف العرب، إن هي إلا دعوة مباشرة نحو صناعة أجيال جديدو قد يصل بها حقدها على افعال الحكومة في حق ذويهم على « الإرهاب »، وقد تساءل الكثيرون عن ذنب الأطفال، ورددت الأفواه أسماء سليني التي لم تر أباها ولا هو رآها أيضا، ولم يكن الأب سوى المعارض التونسي منير سليني، وذكروا أسماء أخرى وهي بنت المصري جمال معاطي الذي إختفى في ظروف غامضة في شهر فبراير 2001 ولم يعثر عليه حيا أم ميتا الى الآن، وكل الذي علمناه أنه عثر على سيارته ملقاة في نهر البوسنة بين مدينتي ماغلاي وزافيدوفيتش، وكان مصيره كمصير اللاجئ في الدنمارك المصري طلعت فؤاد قاسم الذي إختفى من أحد النزل في العاصمة الكرواتية زغرب عام 1995 ولم يظهر الى يومنا هذا، حتى أن منصور بسراييفو علق قائلا: « ربما سنسمع يوما خبره عن طريق أحد المحامين أو البرلمانيين الأوروبيين الباحثين في قضايا السجون السرية الأمريكية في أوروبا الشرقية ». في الختام نؤكد على أن الرحلة كانت متعبة فوجودنا بالبوسنة غير مرغوب فيه سبب لنا المتاعب الكثيرة، فضلنا أن لا نخوض فيها ونعتبرها ضريبة المهنة التي صار الصحفيون يدفعون حياتهم قربان الحقيقة، التي غالبا ما تلتهمها رغبات متوحشة لساسة صاروا أكبر من الإنسانية بجبروتهم… ودعنا سلفدين الذي إغرورقت عيناه بالدموع متحسرا على ما آل اليه حال العرب، وقد حملنا في أذهاننا كلمات وخواطر وإنطباعات آثرناها في هذه الأوراق عن العرب الذين قال لي سلفدين كلمة أخيرة وهو يعانقني بالمطار: « العرب في البوسنة مطاردون ومظلومون… »، والحكم يبقى للتاريخ الذي لا يرحم أحدا مهما كانت مكانته أو سلطته… ولنا عودة مؤكدة إلى البوسنة قد نكون في شأن طائفة أخرى يرتقب أن تشن حملة ضدها بعد إنهاء الوجود العربي، ولسنا ندري من سيكون كبش الفداء في المرة القادمة… (المصدر: صحيفة « الوطن » (أليكترونية – الولايات المتحدة) بتاريخ 17 أفريل 2007) الرابط: http://www.watan.com/modules.php?op=modload&name=News&file=article&sid=11885&mode=thread&order=0&thold=0


 

المرأة التي عرت رئيس البنك الدولي

أحمد عطا واشنطن- إذا كان المثل القائل إن وراء كل رجل عظيم امرأة صحيح فإن الأحداث أثبتت فى أمريكا أن وراء كل عظيم امرأة « تكون سببا في انهياره »، فإذا كانت مونيكا لوينسكي تسببت في أزمة كبرى للرئيس الأمريكي السابق بل كلينتون، فإن عرش رئيس البنك الدولي بول ولفويتز أقوى رجال إدارة جورج بوش اهتز بقوة على يد امرأة من أصول عربية. شاها رضا على، أمريكية من أصل تونسي في الخمسينيات من عمرها، وتعمل مسئولة العلاقات العامة بقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي، هي المرأة التي هزت عرش رئيس البنك الدولي بعد أن كشفت لجنة المحاسبة داخل البنك قيام وولفويتز الذي يقيم معها علاقة عاطفية بترقيتها وإعطائها راتبا يفوق راتب وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس. صحيفة واشنطن بوست أول من كشف فضيحة شاها ولفويتز حيث نشرت منذ أيام تقريرا ذكرت فيه أن شاها رضا حصلت على زيادات في الراتب بلغت 61 ألف دولار، ما رفع أجرها السنوي إلى أكثر من 193.5 ألف دولار، أي أكثر مما تحصل عليه وزيرة الخارجية كوندليزا رايس نفسها والذي يبلغ 186 ألف دولار قبل خصم الضرائب منه. وأثارت تلك الفضيحة مطالبات بإقالة ولفويتز الذي تعهد عند تقلده منصبه بمحاربة الفساد الإداري فى المؤسسة التي تقرض أكثر من 150 دولة لدعم مشروعات التنمية ومكافحة الفقر. وبعيدا عن مشهد الاحتجاجات والدعوات لإقالة ولفويتز والجدل حول دوره في شن أمريكا حربا لغزو العراق وتورطها في حرب تعتبر الأكثر كلفة فى تاريخ الولايات المتحدة، تظهر شاها من خلف المشهد لتعطي إجابة على تساؤلات حول مواقف ولفويتز في الشرق الأوسط.  الحرب ..والمال ..والنفوذ فبعد طلاق شاها من زوجها القبرصي التركي برلنت علي رضا، توجهت للعمل في الولايات المتحدة، حيث جمعها العمل مع ولفويتز في مؤسسة ريجان لنشر الديمقراطية في العالم ليشكلا مثلث الغرام « الحرب، والمال، والنفوذ ». فالسيدة شاها التي أحرقت جنة البنك الدولي لولفويتز يصفها المراقبون بأنها أقوى المسلمين تأثيرا فى واشنطن، فيما يوصف صديقها ولفويتز اليهودي من أصل بولندي بأنه زعيم المحافظين اليهود الجدد في واشنطن، حيث يقود سياسة مؤيدة لإسرائيل في الشرق الأوسط  بشكل أعمى. كما أن أخته تعيش في إسرائيل ومتزوجة من إسرائيلي، وهو يعتبر من أهم مهندسي العلاقات الأمريكية الصينية، وهذا ما يجعله من المسئولين النافذين في إدارة بوش. كان للحرب اليد الطولى في تقارب قلبي الزميلين المطلقين، ففي الوقت الذي كان يعمل ولفويتز على وضع أيديولوجيات السياسة الأمريكية الخارجية من خلال عمله فى مؤسسة ريجان، كانت شاها تقوم بمساعدة العراقيين المعارضين فى إطار الجهود الأمريكية للإطاحة بصدام حسين عقب حرب الخليج الثانية. وتقول مجلة « كونتر بانش » الأمريكية إن العديد من المراقبين يعتقدون أن لشاها التأثير الأساسي على ولفويتز لدفع الإدارة الأمريكية لشن حرب على العراق عام 2003. وعملت شاها في البنك الدولي لمدة 8 سنوات منذ عام 1997، قبل تولي ولفويتز رئاسة البنك، وكانت تعد واحدة من كبار مستشاري الاتصالات في إدارة الشرق الأوسط بالبنك وأسند إليها ملف إعمار العراق. وبجسب كونتر بانش، فإن شاها عاشت فترة من حياتها في المملكة العربية السعودية قبل توجهها في السبعينيات إلى بريطانيا، حيث أكملت دراستها الجامعية الأولى في مدرسة لندن للدراسات الاقتصادية، ثم نالت شهادة الدكتوراة في العلوم السياسية من كلية القديس أنتوني في جامعة أكسفورد البريطانية الشهيرة. الفضيحة وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، حاول العشيقان أن يحيطا علاقتهما بالكتمان، فنادرا ما يظهرا فى نفس الفعاليات العامة. فقط يحضران سويا الحفلات الخاصة. ولكن بعد تعيين ولفويتز في البنك الدولي بدأت الشائعات فى الظهور، حيث اشتكى الجيران في الضاحية التي تسكنها شاها لصحيفة واشنطن بوست من الزيارات المتأخرة في الليل التي يقوم بها ولفويتز لمنزلها والإجراءات الأمنية التي كان يتم اتخاذها على مدار اليوم. وقال أحد السكان فى المنطقة التي يؤيد معظم سكانها الحزب الديمقراطي للصحيفة: « هذه ضاحية عالمية وهذا الرجل يعد رمزا للحرب المأساوية التي كلفتنا كثيرا. هذا الشيء الوحيد الذي يهمنا الآن ». وبعد فترة من تولي ولفويتز منصبه، في منتصف العام 2005، أشارت عليه لجنة القيم بمجلس إدارة البنك الدولي بأن وجود شاها بالبنك يمثل « تضارب مصالح »، وأنه يجب نقلها إلى عمل خارج البنك، فقام بنقلها وترقيتها في وزارة الخارجية الأمريكية بزيادة فى راتبها مخالفا القواعد الوظيفية المعمول بها. وقالت رضا في تصريحات لرويترز تعليقا على تلك الأزمة « لم أكن أرغب في مغادرة البنك… لقد أصبحت ضحية قرار عارضته ولم أر أنه في مصلحتي من البداية ». وأضافت أنها تأمل في العودة إلى البنك في أقرب وقت ممكن لاستئناف عملها، مؤكدة أنها لم تكن تعمل تحت رئاسة ولفويتز. وأضافت أنها تأمل في أن يجد مجلس مديري البنك « حلا معقولا وعادلا ينهي الهجمات العنيفة على حياتها العامة والخاصة ». وأصدرت رابطة موظفي البنك الدولي رسالة دعت فيها ولفويتز إلى « التصرف بكرامة وتقديم استقالته »، مطالبة في الوقت نفسه بـ « البدء فورا في البحث على الصعيد العالمي عن رئيس جديد قادر على إعادة النزاهة إلى البنك الدولي، واستعادة ثقة الجهات المانحة للبنك »، بحسب وكالة أسوشيتد برس الأمريكية اليوم الجمعة. مصير معلق وانشغلت الصحف الأمريكية بفضائح ولفويتز، إذ تبيّن أنه، فضلا عن فضيحة رضا كان هناك شخصان مقربان منه عملا معه في البنتاجون، يحصلان على رواتب خيالية، هما روبن كليفلاند ومساعد الملحق الإعلامي في البنك الدولي كيفين كيليمز. وذهبت صحيفتا « نيويورك تايمز » الأمريكية و »فايننشال تايمز » البريطانية إلى تعداد الفضائح الإدارية التي ارتكبها داخل البنك الدولي، عندما أطلق ما أسماه حملة مكافحة الفساد على الدول التي تحصل على قروض من البنك، حيث ذكرت الصحيفتان أنه تجاوز مجلس إدارة البنك مرارا لتجميد قروض الدول الفقيرة بسبب « ذرائع سياسية ». وحول مصير ولفويتز ترى وكالة رويترز أن فضيحة شاها رضا قد تدفع رئيس البنك الدولي إلى الاستقالة من منصبه. ولكن بعد اعتذار ولفويتز عن فعلته بشأن فضيحة شاها رضا وإعلان جورج بوش أمس تأييده له، يرى مراقبون أنه من المستبعد أن يترك ولفويتز منصبه. كما أن بعض مسئولي البنك  -لم يرغبوا في نشر أسمائهم- يتوقعون الإبقاء عليه في منصبه، ولكنه سيكون في وضع أضعف.  قال أحدهم لنيويورك تايمز: « إن مصير ولفويتز متعلق برمية العملة في لعبة الحظ، فيما إذا كان سيستمر فى منصبه أو سيتركه »، واستدرك قائلا: « من المحتمل أن يفضل أعضاء المجلس رئيسا ضعيفا بحيث يديرون هم السياسات بأنفسهم خلال العامين القادمين ».  (المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت (القاهرة – الدوحة) بتاريخ 16 أفريل 2007)

نظرية السياسة عند المعتزلة

وسيط ضروري بين الإسلام والديمقراطية

  زهير الخويلدي*

 

من البين أن الانتصار إلى روح الاعتزال اليوم هو بحد ذاته نبذ لروح الفرقة والتشرذم في حضارة اقرأ وتعالى عن الانقسام بين السنة والشيعة وابتعاد عن التقليد والتعصب واعتصام بالعقل والمصلحة وأخذ بعين الاعتبار للواقع والتجربة التاريخية للملة للانطلاق نحو التجديد والاجتهاد التأويلي ومن الجلي أيضا أن استعاد كنوز هذا التراث العقلاني الحر هو توطين لجهة السؤال ومغادرة لكهف الجواب من أجل بناء التنوير الأصيل المقصود وتأويل القرآن تأويلا يوائم روح العصر. ولعل التنبه إلى اجتهادات شيوخ أهل التوحيد والعدل في مجال السياسة والإمامة هو خير ما يمكن أن يبدأ به الفكر الحاذق ويقتنصه من هذا التراث خاصة أذا ما كان ديدنه هو الارتكاز على نصوص شرعية ترفض الثيوقراطية المستندة للحق الإلهي وتتوجه نحو السياسة الاستخلافية المستندة للحق الإنساني. بيد أن القول بوجود شورى اجماعية في فكر المعتزلة تمثل الإرهاصات العربية الإسلامية لفكرة الديمقراطية قد يكون قولا مغالطا يفتقد إلى أسانيد وحجج حقيقية وقد يجعل البعض يتساءل:أليست الديمقراطية فكرة يونانية وقع استعادتها وتحريكها على مسطح حداثي من طرف الغرب؟ وأليس العرب والمسلمون لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الفكرة بل رفضوها رفضا كليا بدعوى الحاكمية لله والعمل على تطبيق الشريعة وإقامة دولة الخلافة؟ هل يوجد بالفعل تناقض صارخ وجوهري بين الإسلام في حد ذاته والقيم الديمقراطية الأصيلة؟ لماذا تعثرت التجارب الديمقراطية في الدول التي تنتمي إلى حضارة اقرأ ونجحت في دول ليس لها أي تراث ديني؟ هل يفسر ذلك التعثر باحتماء الاستبداد السياسي بالاستبداد الديني؟ ألا ينبغي أن نبني ديمقراطيتنا المنشودة من خلال القيام بعلمنة جذرية للإسلام مثلما نشأت الديمقراطية الغربية عبر الفصل بين الكنيسة والحياة السياسية؟لكن إلى أي مدى نستطيع أن نفصل الإسلام كدين في معظمه معاملات عن حياة الأفراد الذين يعتقدونه ومن دائرة الشؤون التي يتدبرونها بعقولهم ؟
ما ينبغي تفاديه هو الإسلام الشمولي الذي مورس تاريخيا وجعل الشدائد والأحكام والتعسير تطغي على الرخص والتخفيف والتيسير وما ينبغي السعي إليه هو الإسلام العقلاني الذي ينشد الحرية والعدل لبني البشر قاطبة عبر الكلمة الطيبة والعمل الصالح. فكيف ساهم أئمة الاعتزال في بلورة هذا الفهم المستنير للإسلام منذ الفترة التأسيسية الأولى؟
المعتزلة هم الذين أسسوا علم الكلام  و »هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة.وسر هذه العقائد الإيمانية هو التوحيد. »[1]  ويستند هذا العلم على مجموعة من الأدلة: »أولها:دلالة العقل،لأن به يميز بين الحسن والقبيح ولأن به يعرف أن الكتاب حجة وكذلك السنة والإجماع وربما تعجب من هذا الترتيب بعضهم فيظن أن الأدلة هي الكتاب والسنة والإجماع فقط أو يظن أن العقل إذا كان يدل على أمور فهو مؤخر وليس الأمر كذلك لأن الله تعالى لم يخاطب إلا أهل العقل ولأن به يعرف أن الكتاب حجة وكذلك السنة والإجماع،فهو الأصل في هذا الباب وان كنا نقول:إن الكتاب هو الأصل من حيث أن فيه التنبيه على ما في العقول كما أن فيه الأدلة على الأحكام وبالعقل يميز بين أحكام الأفعال وبين أحكام الفاعلين ولولاه لما عرفنا من يؤاخذ بما يتركه أو بما يأتيه ومن يحمد ومن يذم ولذلك تزول المؤاخذة عمن لا عقل له » [2]
ومن المعلوم أن الاعتزال يقوم على أصول خمسة:
– التوحيد:وهي القول بأن صفات الباري هي عين ذاته تنزيها له من كل تشبيه أو تجسيم.
 – العدل:إن كل شيء بقضاء وقدر إلا المعاصي والإنسان هو مسؤول عن أفعاله أما الله فمنزه عن إرادة الشر بالعباد بل لا يفعل إلا ما فيه حكمة ومصلحة لهم.
 – الوعد والوعيد:العدل الإلهي يقتضي أن يجازي كل إنسان بعمله فأهل الخير يجازون بالجنة وأهل الشر يجازون بالنار.
– المنزلة بين المنزلتين: مرتكب الكبيرة لا يسمى كافرا ولا مؤمنا بل هو فاسق وحكمه على درجة قريبة من المنافق.
– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هما واجبان على المسلمين يكونان باللسان أولا أي بالقول اللين فإن لم يفد فبالقول الخشن وباليد ثانيا أي بالضرب فإن لم ينفع ذلك فبالسيف إلى أن يقع ترك المنكر.
وقد رد المعتزلة على عقيدة الجبر واعتبروها تبريرا للاستبداد استعملها معاوية ابن أبي سفيان للقضاء على كل من يناوئه في الحكم،فكان أول من أعلن تبنيه عقيدة الجبر ليوهم الناس أن حكمه مقدر من الله وبمشيئته ومن عانده في خلافته فكأنه غير راض بحكم الله وبالتالي فقد كفر ويجوز معاقبته في الدنيا والآخرة ويحكى عنه أنه قال: »لو لم يرني ربي أهلا لهذا الأمر ما تركني وإياه ولو كره الله تعالى ما نحن فيه لغيره ». وجهم ابن صفوان هو القائل بالجبر في أفعال العباد عندما صرح: »الإنسان لا يقدر على شيء ولا يوصف بالاستطاعة وإنما هو مجبور في أفعاله لا قدرة له ولا إرادة واختيار وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات وتنسب إليه الأفعال مجازا كما تنسب إلى الجمادات كما يقال أثمرت الشجرة وجرى الماء وطلعت الشمس إلى غير ذلك والثواب والعقاب جبر كما أن الأفعال كلها جبر وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضا كان جبرا »[3]
ولما اتفق المعتزلة أن العبد قادر على خلق أفعاله خيرها وشرها وأن الله لا يفعل إلا الصلاح والخير للعباد سقط الأساس الذي يقوم عليه الظلم والجور وتنزه الله عن أن يضاف إليه الشر لأنه لو خلق الظلم في العباد كان ظالما ولجاز أن أراد من العباد على خلاف ما أمر. كما رد المعتزلة على المرجئة وهي جماعة تقول بالتأخير أي يؤخرون العمل عن النية والقصد ويقولون:لا تضر المعصية مع الإيمان كما لا تنفع الطاعة
 مع الكفر ويعتقدون أن الإيمان معرفة بالله ومحبة بالقلب، فقد رأى عبيد أن ما دون الشرك مغفور لا محالة وأن العبد إذا مات على توحيده لا يضره ما اقترف من الآثام واجترح من السيئات.وقد وظفت عقيدة الإرجاء من أجل تبرير التساهل في القيام بالواجبات وتعطيل الحدود فغذت هذه العقيدة التواكل والانتظارية والعجز عن الحكم والقعود عن فصل الأمور بالحجة والعقل وقد روي عن واصل بن عطاء أنه قال: »الحق يعرف من وجوه أربعة:كتاب ناطق وخبر مجتمع عليه وحجة عقل وإجماع من الأمة ».

بيد أن أهم كشوفات المعتزلة التي تحسب لهم والتي أيدتها الفلسفة الحديثة هو تجويز شيخهم النظام إجماع الأمة في كل عصر على الخطأ من جهة الرأي والاستدلال وقوله بأن من أخبار الأحاد ما يوجب العلم الضروري ومن الخبر المتواتر يجوز أن يقع كذبا. وقد انعكس ذلك في فهمهم لأمور الإمامة والرئاسة فهم رفضوا منذ البدء تواصل الوحي عن طريق عصمة الأئمة كما ترى الشيعة ورفضوا نظرية الخلافة كما استقرت عند أهل السنة وحاولوا أن يعالجوا الإشكاليات التالية معالجة عقلية حرة:  

هل الإمامة مصلحة دينية لا يجوز إغفالها ولا تفويضها للأمة أو إنها مصلحة دنيوية يوكل أمرها إلى الأمة فتتولى النظر فيها وتختار من يصلح لها ؟ وهل يشترط في الإمام النسب القريشي إلى جانب العلم والعدالة والشجاعة أم أن الإمامة حق لكل مسلم بغض النظر عن نسبه وقبيلته وجنسه؟

ترى المعتزلة أن الإمامة ليست ركن من أركان الدين بطريق التعيين والوصية بل من المصالح الدنيوية التي يوكل أمرها إلى الأمة بطريق الانتخاب والاختيار يستحقها كل من كان قائما بالكتاب والسنة ولم يراعوا في ذلك النسب وذلك لأن الله تعالى لم ينص على رجل بعينه ولا الرسول صلعم.
قال القاضي عبد الجبار: »وأما الكلام في طرق الإمامة فقد اختلف فيه وعند المعتزلة انه العقد والاختيار »[4] ويشير النوبختي أن المعتزلة لم يجعلوا النسب القرشي شرطا أساسيا في صحة الإمامة بل ترى أنه إذا اجتمع قرشي ونبطي وهما قائمان بالكتاب والسنة ولت القرشي وقد خلفهم ضرار في هذا الرأي عندما قال إذا اجتمع قرشي ونبطي ولينا النبطي وتركنا القرشي لأنه أقل عشيرة وأقل عددا فإذا عصى الله وأردنا خلعه كانت شوكته أهون ».وقد توصل المعتزلة إلى هذه النظرية العقلانية في السياسة الاستخلافية بعد أن نظروا نظرة مجردة إلى المسائل الخلافية ابتعدوا عن المغالاة والتعصب واحتكموا إلى صوت العقل والمصلحة والواقع وقد أعطوا للأمة حق الممارسة الفعلية للسلطة فهي التي تختار عن طريق البيعة العامة الحاكم وهي التي تراقبه وتعمل على خلعه إن غير وبدل واعتدى على المقاصد الكلية للشرع وأضر بمصالح الناس.

ومن المعروف أن المعتزلة رفضوا الخروج بالسيف والاستيلاء على السلطة بالقوة كما ينظر إلى ذلك الخوارج ورفضوا تكفير عامة المسلمين وارتضوا بالمعارضة العلنية عن طريق الكلمة الصادقة والدعوى الصريحة واختاروا منهج النصيحة والنقد البناء للملوك والسلاطين ولم يخشوا في ذلك لومة لائم رغم ما تعرضوا له من تنكيل ومطاردة ولكنهم لم يتخلوا عن هذا النهج ولم يبدلوا مسلكهم طبقة بعد أخرى وذلك لإيمانهم العميق بتهافت أراء خصومهم ووجاهة أطروحتهم. ويحسب للجاحظ أنه أسس السياسة على العدل إذ يقول: »فاجعل العدل والنصفة في الثواب والعقاب حاكما بينك وبين إخوانك فمن قدمت منهم فقدمه على الاستحقاق وبصحة النية في مودته وخلوص نصيحته لك مما قد بلوت من أخلاقه وشيمه »[5]. واللافت للنظر أن الجاحظ بني نظريته السياسية على أسس استخلافية فهو رأى أن الناس طبعوا في جبلتهم على حب المنفعة ودفع الضرر فكانوا ميالين إلى المحافظة على وحدة الجماعة والتنظم ونابذين لروح الفرقة والفوضى محبين العدل والقسط كارهين للظلم والتعدي. وقد عرف السياسة أنها حسن التدبير وجعل « الرهبة والرغبة أصلا كل تدبير وعليهما مدار كل سياسة عظمت أم صغرت »[6] وقصد بذلك أن الناس لا يصلح حالهم ولا يستقيم معاشهم إلا بترغيبهم فيما يحتاجونه وترهيبهم مما يخشونهم حتى يحسن ترويضهم وتأديبهم وإيناسهم واستئناسهم ومن هذا المنطلق نصح أبو عثمان كل سائس بقوله: »ليعمل كل عامل على ثقة مما وعده وأوعده فتعلقت قلوب العباد بالرغبة والرهبة فاطرد التدبير واستقامت السياسة لموافقتها ما في الفطرة وأخذهما بمجامع المصلحة » [7] وواضح هنا أن السياسة الاستخلافية ينبغي عليها أن توافق الفطرة الإنسانية وأن تراعي المصلحة ولا يكون ذلك ممكنا إلا بإقامة الرغبة والرهبة على حدود العدل وموازين النصفة بحيث لا يجوز الإفراط في الوعيد أو التفريط في الوعد حتى لا تتحول الطاعة إلى خضوع والأمر والنهي إلى إكراه وإجبار. وقد قدم الجاحظ آداب في معاملة العدو ينصح أن يعتبر بها أولي الأمر ليستظهر بها عليه وهي: – أن يأخذه بالفضل ويبتدئه بالحسنى.

–         أن يحصن عنه أسراره ويطلع على مواضع عيوبه ولا يظهرن عليه حجة.
–         أن يستبطن الحذر منه ويستعد له ويظهر الاستهانة به.
وهنا رفض الجاحظ من حيث المبدأ الطموح العسكري للسياسي ونبذ المحاربة ومنطق العداوة وآثر منطق التدافع والتعارف ولذلك نراه مدح قيمة الصداقة ورأى أنها أفضل من الأخوة تكرس المؤانسة والتعاون وتخرج المرء من الوحدة والوحشة إذ قال في هذا السياق عن الصديق: »فإنما هو شقيق روحك وباب الروح إلى حياتك ومستمد رأيك وتوأم عقلك » وأضاف في نفس المعنى: »ثم لا يمنعك ذلك من الاستكثار من الأصدقاء فإنهم جند معدون لك ينشرون محاسنك ويحاجون عنك. » [8] لكن كيف يمكن أن نحول مؤسسة الصداقة من مؤسسة أخلاقية تهم خصال الفرد الممدوحة إلى مؤسسة سياسية تهم القوانين العادلة التي يجب أن تنظم علاقته مع غيره؟ ثم ألا تحتاج هذه النصوص الاعتزالية الغنية بالأفكار الثورية إلى المزيد من الاستكشاف والتنقيب من تمكينها من التفتح والإزهار على أحسن وجه؟
المراجع:
ابن خلدون  المقدمة دار الجيل تحقيق سعيد محمود عقيل الطبعة الأولى بيروت2005
فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة تحقيق فؤاد السيد الدار التونسية للنشر1986
القاضي عبد الجبار  شرح الأصول الخمسة  تحقيق عبد الكريم عثمان القاهرة1965
الشهرستاني الملل والنحل تحقيق صدقي جميل العطار دار الفكر بيروت الطبعة الثانية 2002
الجاحظ الرسائل السياسية تحقيق على أبو ملحم دار ومكتبة الهلال بيروت الطبعة الثالثة1995
 
* كاتب فلسفي

 


 ابن خلدون  المقدمة دار الجيل تحقيق سعيد محمود عقيل الطبعة الأولى بيروت2005ص392[1]

[2]  فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة تحقيق فؤاد السيد الدار التونسية للنشر1986ص139

[3]

 الشهرستاني الملل والنحل تحقيق صدقي جميل العطار دار الفكر بيروت الطبعة الثانية 2002ص87

[4]  القاضي عبد الجبار  شرح الأصول الخمسة  تحقيق عبد الكريم عثمان القاهرة1965 ص753

 [5] الجاحظ الرسائل السياسية تحقيق على أبو ملحم دار ومكتبة الهلال بيروت الطبعة الثالثة 1995ص75

[6]

الجاحظ الرسائل السياسية تحقيق على أبو ملحم دار ومكتبة الهلال بيروت الطبعة الثالثة 1995ص74

[7]  الجاحظ الرسائل السياسية تحقيق على أبو ملحم دار ومكتبة الهلال بيروت الطبعة الثالثة 1995ص74

[8]  الجاحظ الرسائل السياسية تحقيق على أبو ملحم دار ومكتبة الهلال بيروت الطبعة الثالثة 1995ص85

 


المجتمعات العربية امام عقبات الإصلاح

هشام الدجاني      الحياة    تظهر قراءة شمولية معمقة لعالمنا العربي اليوم توقعات تشاؤمية حادة في كثير من بلدان هذا العالم. فالجزائر والعراق، الدولتان اللتان كانتا مرشحتين للوصول إلى مصاف بعض الدول الأوروبية، كما جاء في تقرير للأمم المتحدة في أواسط السبعينات، وذلك بسبب قدراتهما الذاتية الضخمة وإمكاناتهما البشرية، انتهتا إلى شبه حرب أهلية متصاعدة مما أعادهما إلى ما تحت نقطة الصفر. العراق تحول إلى بلد محتل وموطن للدمار الأعمى والحرب الطائفية، أما الجزائر فقد تبددت أحلامها بالتنمية والتقدم بعد أن أصبحت عرضة للفساد والنزاع الأهلي السافر.
العراق المقسم عرقياً كانت الدكتاتورية قد أنهكت قواه على مدى عقود، وتبددت قدراته البشرية والعلمية في المهاجر. وجاء الحصار ليستنزف المزيد من هذه القوى. وتلاه الاستعمار ليشله نهائياً ويجبر الكثيرين من سكانه على اللجوء إلى دول مختلفة. أما الجزائر فقد أنهكتها صراعات الجماعات الإسلامية المسلحة وتورط الدولة في هذه الصراعات.
السلطة في الدولة العربية الراهنة لا تملك في حقيقتها عقيدة ذاتية، لا قومية ولا تنموية ولا تحديثية. إن عقيدتها الحقيقية هي إيمانها بذاتها وبوجودها وبأجهزتها. ويلاحظ الباحث برهان غليون بحق أن الأنظمة العربية قادرة على تغيير سياستها من النقيض إلى النقيض، فنراها تنتقل من برامج اشتراكية إلى برامج انفتاحية ليبرالية من دون أن تشعر هذه النظم حتى بضرورة الحاجة إلى تبديل الحكومات والأشخاص. لقد أصبحت البنية الاستبدادية متجذرة في هذه الأنظمة، وبات يهمها بقاؤها واستمرارها فحسب. وهذا ما جعل مستقبل معظم البلدان العربية ينتهي إلى آفاق مسدودة، ولا سيما مع انسداد آفاق التغيير في ضوء الواقع العربي الراهن. هذا التشخيص السياسي الاجتماعي يجعل الديموقراطية خياراً حتمياً لا بد من تبنيه حتى تتحول الأزمة السياسية إلى جزء من النقاش العلني يشارك فيه الجميع ويسهم بالتالي في تحقيق البدائل السلمية عن طريق التبادل السلمي للسلطة والذي يضمن تحقيق الرغبات المجتمعية للأغلبية.
قد يقول قائل إن الديموقراطية هي النظام السياسي الأكثر قدرة على التكيف مع الخلافات والنزاعات. هذا صحيح. ولكن الوصول إليها في العالم العربي ليس بهذه السهولة ومسارها يكاد يكون عصياً وممتنعاً على التحقق لا سيما بعد حدوث اصطفافات جديدة نتيجة الاستبداد السياسي الطويل الذي عاشته البلاد العربية، اصطفافات ارتبطت معها مصالح اقتصادية فئوية ومكاسب مالية ليس من السهولة التنازل عنها. ما تقدم يحتم على الباحثين السياسيين العرب النفاذ إلى عمق الأزمة السياسية العربية لدراستها بإسهاب وتمحيص، ووضع الخطوط العريضة لطريق الإصلاح. إذن يبقى التحليل السياسي – الاجتماعي هو الأقدر على قراءة أزمة المجتمع. هذا التحليل هو المنهج الأكثر التصاقاً بالواقع العربي، ولكن مع تجديد رؤيته وتطعيمه مع رؤى أخرى. إن الزمن القادم يفرض علينا تحديات من نوع جديد، تحديات تتعلق بأزمة المجتمع العربي، وبالتالي التعمق في دراستها وإجلاء أبعادها لوضع الحلول السليمة لها. كاتب سوري
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 17 أفريل 2007)

هل هناك إمكانية للسلام بين العرب والعدو الصهيوني؟

ناجي علوش
هل هناك إمكانية لسلام بين العرب والكيان الصهيوني؟ هذا موضوع مختلف فيه، لا من أيام منظمة التحرير الفلسطينية فحسب، بل من قبل ذلك، في أيام الهيئة العربية العليا والحاج أمين الحسيني.
فقد انفجر الخلاف بين المجلسيين والمعارضين عام 1936، حين كان المجلسيون بزعامة الحاج أمين الحسيني مع الثورة واستخدام السلاح، وكان المعارضون وعلى رأسهم راغب النشاشيبي والمحامي أحمد صدقي الدجاني ولويس شحادة صاحب جريدة « مرآة الشرق »، ضد الثورة.
واشتد الصراع حتى قامت حركة اغتيالات اغتيل فيها النشاشيبي وأحمد صدقي الدجاني، لأنهم كانوا يدعون إلى التفاهم مع الإنجليز واستتباعا عمليا مع الصهيونيين. وعندما طرحت قضية التسوية والحل المرحلي بعد 37 عاما في 1973، أثار نايف حواتمة الموضوع ولام الحاج أمين الحسيني لأنه لم يتجه إلى التسوية.
وكان من رأي حواتمة أن الحاج أمين أخطأ لأنه لو اتجه إلى التسوية لكانت هناك دولة فلسطينية اليوم، ولما كان شعبنا الفلسطيني في الشتات. ونرى من الضروري أن نعود إلى المشكلة وأن نسأل: هل كانت حقا ثمة إمكانية لسلام؟
ونحن نقول لا إمكانية لسلام بين العرب والصهاينة، لا لأن العرب لا يريدون سلاما، بل لأن فهم القيادات الصهيونية للسلام مختلف عن فهم العرب له، وكان ذلك هو موقف بريطانيا، ثم الآن الولايات المتحدة ومن يأخذ برأيها. فكل ما طرح من مشاريع للتسوية، بما في ذلك تقسيم 1947 كان استدراجا للتنازلات الفلسطينية والعربية، وإعطاء الشرعية للهجرة الصهيونية وقيام الكيان الصهيوني، بينما كان قادة المشروع الصهيوني يرون أن الكيان « الدولة » لا يقوم إلا باغتصاب الأرض وتهجير السكان، لأن قرار التقسيم لم يكن قابلا للتطبيق، إذ كيف تقوم دولة يهودية أغلب أرضها ملك للعرب وأغلب سكانها من العرب.
والسلام بالنسبة للولايات المتحدة ليس سلاما بين العرب والكيان الصهيوني، بل هو سلام أميركي يفرض على العرب والوطن العربي كله. ولو كان الموضوع يتعلق بالفلسطينيين لكان الأمر سهلا.
وقد قدم محمود عباس، وياسر عرفات من قبله، كل ما يجب أن يقدم من استعداد للاعتراف بالعدو والتفاوض معه والتنازل له. ولم يقتصر ذلك على القادة الفلسطينيين وحدهم، بل تقدم مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002 بصفقة شاملة، فلم تلتفت حكومة العدو ولا حكومة الولايات المتحدة إلى المبادرة العربية، ما اضطر القادة العرب إلى تكرار المبادرة في قمة ثانية.
ولم يجد القادة العرب استعدادا لدى العدو الصهيوني ولا لدى الولايات المتحدة لمباحثتهم حول مبادرتهم، لأن الحكومات الأميركية وحكومة دولة العدو تريد أن يحل الاعتراف أولا ويسلم بالأمر القائم الآن، بما في ذلك الجدار والحدود، ويسبقه ثانياً إجراء تغييرات عميقة في الوضع العربي، كالذي جرى في العراق قبل حديث السلام. وقد أتت ضربة العراق لتحدد معنى السلام.. تدمير كامل وإسقاط نظام الحكم، وحل القوات المسلحة، وتهديم بنية الدولة، والحديث عن فسيفساء طائفية بدل الدولة. والذي جرى في العراق جزء من عملية السلام الصهيونية الأميركية، ولا يدري أحد متى يطبق مثل ما جرى في العراق على سوريا ومصر والجزائر والمغرب، وقد لا يفلت بلد عربي واحد من التجزيء.
وهذا هو ما يطبق جزئيا الآن في السودان، وبعدئذ قد ينظر العدو الصهيوني الأميركي في موضوع السلام. ولهذا فإننا نقول للرؤساء العرب وللمولعين بحديث السلام، إن المطلوب منكم أن تدمروا بأيديكم ما لم يدمره العدو الصهيوني الأميركي، وما يجري العمل على تدميره. إن العدو الصهيوني الأميركي لا يرى إمكانية للسلام ما دامت حماس قائمة ومسلحة، وما دام حزب الله موجودا ومسلحا، وما دامت هنالك ممانعة شعبية عربية، وأدنى أدنى ممانعة رسمية عربية.
فالمطلوب الاستسلام الكامل لما يريده المشروع الصهيوني، ولذلك فإن الجهود منصبة الآن على تفجير حرب أهلية في لبنان وفلسطين والعراق وسوريا، وفي مصر والجزائر والمغرب، ليصبح السلام ممكنا. فينبغي أن لا تتعب القيادات العربية نفسها وأن لا يتعب المهووسون بالسلام أنفسهم، لأن العدو يعرف ما يريد، وهو يريد أرضا مستنزفة وخاوية، وقيادات وحكومات مستسلمة بلا مطالب، لا قدس، لا قضية لاجئين، ولا مطالب أخرى، وعندئذ يجيء السلام الصهيوني الأميركي.
إن فهم قضية السلام بغير هذه الطريقة يجعل حديث العرب عن السلام غير مقبول ولا محل له من وجهة نظر أميركا. ومن ثمّ فإن المطلوب ليس تكرار مبادرة السلام العربية أو طرح قضية السلام على العدو، بل إعادة نظر شاملة في قضية ما يسمى السلام ومعرفة نوايا المعسكر الصهيوني الأميركي البريطاني الدولي. يريدون سلاما مع أموات ومدن مخربة، ومع بقايا أحياء اقتتال بين سنة وشيعة ونصارى ومسلمين، ولا يريدون سلاما مع أحياء يبحثون عن وطن ووحدة وحرية وكرامة وحقوق مشروعة.
لقد عارضت مشروع السلام منذ طرح، وقلت ذلك عندما طرحت النقاط العشر في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974.. وأعود الآن فأكرر ما قلت ليسمعني، لا الفلسطينيون فقط، بل العرب كلهم أيضا، بعد ما جرى في العراق وفي السودان والحبل على الجرار. ليس هدفي المعارضة وإن كنت معارضا، ولكن إيضاح المشكلة وتنبيه العقلاء في الوطن العربي، والحريصين على ما تبقى من الوطن العربي، والذين يريدون أن يتعلموا وأن يروا الحقيقة وأن يفهموا ما يجري، لأن مصلحة العدو أن تلتبس الأمور وأن تتراكم الأوهام وأن تختلط المفاهيم، وأن يصبح مفتاح كل القضايا في أيدي الضعفاء والمستسلمين.
__________________ كاتب فلسطيني
(المصدر: موقع الجزيرة نت  (قطر) ركن المعرفة بتاريخ 10 أفريل 2007)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.