صحيفة « مواطنون » : شهيد في العراق .. محاكم بالإرهاب في تونس
الصباح الأسبوعي: في حفل رائع: انتخاب ملكة جمال الطالبات بالوطن القبلي
الصباح الأسبوعي: قارئ يردّ على وزير النقل – لماذا أنفقتم 7 ملايين دينار على دراسة وأمضيتم فيها 5 سنوات والحل أقل كلفة ووقتا مما خصصتموه؟!
الصباح الأسبوعي: لماذا ارتفعت أحكام الطلاق وتراجعـت مساعـي الصلح؟
الحياة: … والانقسامات تحبط مؤتمراً موحداً في تونس
الشبكة الإسلامية: عنوان الفتوى: حكم الإشراف على بناء معهد ثانوي مختلط
صالح بشير: عن الفارق بين الشعبوية القومية ونظيرتها الإسلامية
رشيد خشانة: سياسة الجوار الأوروبية والبلدان العربية – الدعم المالي مقابل الإصلاحات
عبد الحليم قنديل: اعادة ربط سيادة مصر في سيناء بمعركة التحرير الفلسطيني.. مع حماس وضد عباس
السيد يسين: في الثقافة الغربية إيجابيات لا تستحق هجوم الإسلاميين عليها!
محمد أبو رمان: الأردن: انقلاب بنيوي في مفهوم الدولة ودورها
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
21- رضا عيسى 22- الصادق العكاري 23- هشام بنور 24- منير غيث 25- بشير رمضان |
16- وحيد السرايري 17- بوراوي مخلوف 18- وصفي الزغلامي 19- عبدالباسط الصليعي 20- لطفي الداسي |
11- كمال الغضبان 12- منير الحناشي 13- بشير اللواتي 14- محمد نجيب اللواتي 15- الشاذلي النقاش |
6- منذر البجاوي 7- الياس بن رمضان 8- عبد النبي بن رابح 9- الهادي الغالي 10- حسين الغضبان |
1– الصادق شورو 2- ابراهيم الدريدي 3- رضا البوكادي 4-نورالدين العرباوي 5- الكريم بعلوش |
السجن مع تأجيل التنفيذ لأربع طالبات ارتكبن » جريمة » .. مساعدة زوجة سجين سابق ..!
كشف الحساب..لقضاء .. »يكافح الإرهاب » ..! : الإفراج عن أيمن الدريدي ..!
واقع الحريات … بين الاعتقال و المحاكمات
بسم الله الرحمان الرحيم
عبدالله الزواري
جانفي 2008
حوارات وراء القضبان
السيد علي الشرطاني
صاحبنا من مواليد 1953 بدوار سقي العكارمة من بوادي بلدة المظيلة بجنوب قفصة هناك تلقى تعليمه الابتدائي و الثانوي في قفصة ثم كانت الرحلة إلى العاصمة حيث تابع لمدة قصيرة تعليمه الجامعين كان ذلك في وقت كانت مجانية التعليم واقعا و ليس شعارا حيث كانت تصرف قرابة ثلث ميزانية الدولة الناشئة..
و في الجامعة نشط ضمن التيار الإسلامي أواخر السبعينات، ثم انتظم في حركة الاتجاه الإسلامي التي أصبحت فيما بعد » حركة النهضة »..
عاد صاحبنا إلى مدينة قفصة بعد إقامة بالعاصمة لم تدم طويلا، و قفصة هذه كانت تضم كلا من ولايتي سيدي بوزيد و توزر في خارطة الحركة الإسلامية.. و في هذه المدينة ذات الماضي النضالي الناصع باشر نشاطه الإسلامي في مختلف أبعاده: الدعوي و السياسي و التنظيمي و النقابي… كان عضوا بمجلس منطقة قفصة المترامية الأطراف..و اتقل هناك إلى مسؤوليات مختلفة، فمن الإشراف على مكتب الدراسات إلى الإشراف على المكتب النقابي و حينا على المكتب السياسي.. و في سنة 1990 أصبح عضوا لمجلس الشورى العام لحركة النهضة و هو هيئة شورية تضم ستين عضوا عقد جلسة واحدة في جانفي 1991 رغم أن عددا من أعضائه قد بادر النظام الحاكم إلى اعتقالهم بمجرد الإعلان عن تركيبة هذا المجلس في وسائل الإعلام آنذاك..
من جهة أخرى انتقل صاحبنا بين مواقع مهنية متنوعة في ظروف مختلفة، فمن خطة قيم بالمعاهد الثانوية، إلى مرب بالمدارس الابتدائي، إلى موظف بشركة « فسفاط قفصة »..
و هو متزوج و أب لأربعة ولدان: ولدان و بنتان..
عرف الإيقاف و السجن كما عرفه والده إبان حملة الاعتقالات التي شنها النظام البورقيبي في صفوف الوطنيين إثر إيقاف السيد « الأزهر الشرايطي الضابط في الجيش التونسي » و السيد « عبدالعزيز العكرمي العربي لسانا و دما و الإسلامي عقيدة و ثقافة »..
و صاحبنا لا يزال من أبرز الوجوه الإسلامية في قفصة..
2) هل دار بخلدك يوماأنك قد تكون وراء القضبان؟
لقد كنت أعتبر أن ذلك يمكن أن يكون ممكنا في كل وقت ولأي كان، خاصة منذ أن وعيت بطبيعة الاستبداد وبأنظمة الفساد المالي والإداري والأخلاقي، وازداد ذلك تأكدا لدي منذ أن عرفت الانتظام في الحركة الإسلامية والانخراط في العمل السياسي من موقع المعارضة للنظام العلماني الفاسد ولأدعياء العلمانية والديمقراطية في بلادنا.
3) الصورة التي كانت منطبعة في ذهنك عن السجن: هل وجدت في الواقع ألسجني ما يرسخها أو ما يناقضها؟
لم أكن في الحقيقة أتمثل صورة نمطية معينه منطبعة في ذهني عن السجن حتي تحضرني المقاربة بين ما وجدت في الواقع السجني مما يرسخها أو يناقضها. ولكني أدركت لما تم الزج بي في السجن أني في عالم آخر غريب وليس له مثيل، ولا يستطيع أحد ممن لم يكن له سابق علم ومعرفة به أن يتمثله عن حقيقته.
4) السجون بين ما تسمعه في الإعلام الرسمي و الواقع ؟
بعد ما عرفت السجن وذقت طعم العيش فيه، وعانيت من آلامه ومآسيه، ورأيت بعيني رأسي كيف يفقد فيه الإنسان قيمته كإنسان، ويتم الحط منها إلى أقل من منزلة الحيوان، وبعد ما رأيت إلى أي حد هو مفسد للأخلاق وللسلوك وللمزاج وللخطاب، تأكد لدي أن التسمية الصحيحة لما يسمى في بلادنا السجون والإصلاح، لا يمكن إلا أن تكون السجون والإفساد. ومن هنا يبدأ التزوير والكذب والخداع والغش. ذلك أنه لا مجال على الإطلاق للمقارنة بين ما أسمعه وما يسمع في الإعلام الرسمي عن السجون والواقع.
5) هل تشعر انك أهنت في مرة من المرات؟
أحسب يا أخي أنه ما كان للسؤال أن يكون هكذا، بل كان ينبغي أن يكون على النحو التالي :هل تشعر أنك لم تهن في مرة من المرات؟
لأن مكان الأحرار ليس السجن. وما إن يزج بهم فيه إلا ليهانوا وإلا لينتزع منهم الرويبضاء العزة التي هم فاقدون لها، والتي هم مأمورون بأن يتساوى في السجن كل الناس في ذلك. و بذلك فقد لاحظت أنه بقدر ما يكون السجين حرا وفيه من العزة والرجولة ما فيه، وما يكرهون أن يكون فيه، وما لا يريدون أن يكون فيه، بقدر ما يمعن الجلادون الحاقدون في إهانته. و الذي يجب أن يكون معلوما أنه كلما آل الأمر لأشباه الرجال إلا وأدخل الرجال إلى السجون ليهانوا. ولكن يبدو أن هؤلاء لا يعلمون المفارقة الغريبة القاضية بأن الحر بقدر ما يهان بقدر ما يزيده ذلك عزة وشعورا بالرجولة، ويظل رافضا لكل الإهانات حتى يظهره الله على الجلاد وعلى كل برامج الإهانة الممنهجة.
6) ألا يوجد في السجن ما نال إعجابك أو أثار حفيظتك؟
إن المؤكد أني لم أر في السجن ما ينال إعجابي. و لكن رأيت كل ما أثار استعجابي واستغرابي. لأن السجن ليس مكانا طبيعيا، وكل ما يحصل فيه داخل الأسوار غير طبيعيومثير للحفيظة. فيكفي أنه المكان الذي تصادر فيه الحرية و هي أعز ما يملك الإنسان كعقوبة له ليكون الأسوأ من كل الأماكن في الأرض.
7) ما هي أقسى اللحظات عليك في السجن؟
إن كل لحظة من اللحظات في السجن هي في الحقيقة قاسية. وليس ثمة ما هو أشد قسوة منها. لأنها كلها لحظات أنا فاقد فيها للحرية. وموجود تحت تصرف الآخرين الذين من المفروض أن السجن هو مكانهم هم، لما اقترفوه – و لا يزالون- في حق الإنسان من جرائم. وإذا كان هناك من اللحظات ما هو أشد قسوة هي لحظات الإبقاء علي داخل أسوار السجن في حالة انتظار بعد انتهاء مدة العقوبة ومرور الوقت الذي من المفروض أن يفك فيه قيدي ويطلق سراحي.
8) ما هي أبرز الظواهر السلبية في الحياة السجنية؟
لا أدري إن كان ما يعيشه الإنسان في السجن هو حياة وأي حياة؟ ولعلها بئس الحياة. وعلى كل حال فهي لحظات من عمره وجزء منه قد أمضاه فيه وهو « حي » يرزق. وهي حياة سجنية وليست الحياة. ولعله لا يصح الحديث في السجن عن شيء سلبي وآخر إيجابي، ولا على لحظات سلبية وأخرى إيجابية، ولا على ظواهر سلبية وأخرى إيجابية. والسؤال في الحقيقة كان واضحا ليؤكد أن الحياة السجنية هي مجموعة من الظواهر السلبية. والمطلوب هو الإشارة إلى أبرزها والمتمثلة ربما في :
– التصرف في الإنسان كما يتصرف في الحيوان تقريبا. حيث لا حرية له ولا رأي ولا إرادة له ولا سلطان له على شيء حتى على نفسه وجسده.
– حشر الجميع في مكان واحد كما تحشر المواشي في الزريبة، حيث لا حرمة لأحد. ويتساوى هناك البر والفاجر والكبير والصغير والجليل والحقير في العقوبة والمعاملة السيئة. بل إن صاحب المواشي أفضل رعاية لما يملك فتراه يؤوي في « الزريبة » عدد أقصى لا يتجاوزه، بينما في السجن ليس هناك عدد نزلاء محدد لا تتجاوزه الإدارة..
– تكريس ثقافة الكفر والتطاول على مقام الجلالة والخطاب الفاحش النابي والألفاظ السوقية وحمايتها والدفاع عنها وتبريرها، ومعاقبة من يتصدى لها. و محاصرة ثقافة الإيمان والبر والتقوى والكلمة الطيبة ورفضها.
9) هل تمكنت من تنمية قدراتك المهنية أو العلمية طيلة إقامتك في السجن؟
في سجون أنظمة الاستبداد لا يمكن الحديث عن تنمية القدرات المهنية ولا العلمية طيلة الإقامة فيها إلا بصورة خجولة ومحتشمة في أحسن الحالات، تتناسب مع الطبيعة الاستبدادية لهذا النظام أو ذاك وما بينها من تفاوت. والحقيقة فقد كانت متاحة لي- كما هي متاحة لغيري- فرص تنمية قدراتي العلمية والمعرفية في نظام الهالك بورقيبة الاستبدادي من قبل. فقد كنت أقتني من الكتب ما أريد مع بعض ما هو متاح من الصحف والمجلات المختلفة، مما كان مساعدا في الحقيقة على تنمية قدراتي العلمية والمعرفية إضافة إلى ما كان متبعا من جمع سجناء الرأي بعضهم مع بعض بعيدا عن مساجين الحق العام، مما أتاح لي الفرصة لأستفيد من أصحاب المهارات والاختصاصات المختلفة ممن يتم الجمع بينهم من الإخوة في الغرفة الواحدة.
أما بعد انضمام العقلانيين والتقدميين للجنرال بن علي وتكوين نظام تحالف7 نوفمبر الرهيب، فقد كان الأمر مختلفا. ولم يعد بالإمكان مجرد المحافظة على قدراتي العلمية والمهنية طيلة إقامتي في السجن. وقد كانت خطة تجفيف المنابع وتقليم الأظافر متبعة داخل السجن وخارجه بخلفية سياسية ممنهجة.
10) ألآن و قد عرفت السجن و قضيت به ربيع عمرك و زهرة شبابك هل يمكنك أن تعود إليه؟
السجن هو سلب الإنسان للإنسان حريته. وهو وإن كان يصلح أن يعاقب به الأتقياء العدول وأصحاب الهمم العالية والفضيلة، المذنبون والمجرمون حقا، إلا أنه لا يصلح أن يزج فيه المذنبون والمجرمون بالأتقياء العدول والأبرياء وأصحاب الهمم العالية والفضيلة، لمجرد الاختلاف معهم ومخالفتهم الرأي. وهو وإن كان لابد من العقوبة به وفيه، فإنه لا ينبغي أن يضاف فيه وإليه سلب الإنسان إنسانيته بعد سلب حريته. والسجن هو من أسوأ العقوبات التي يمكن أن يعاقب بها الإنسان أخاه(المفترض) الإنسان، لأنه مهما كان في هذه العقوبة من الإيجابيات إذا ما افترضنا جدلا أن فيها إيجابيات، فإنها لا تطال المسجون وحده، ولكنها تطال كل من له عليهم مسؤوليات، ومن يرتبط مصيرهم في الحياة بمصيره من أب وأم وزوجة وأبناء وأهل وعشيرة، وقد يتجاوز كل ذلك إلى إلحاق الضرر والخسارة بالمجتمع والوطن وربما إلى الأمة والإنسانية كلها، ليكون عالة على الكل، ويكون من لهم علاقة مباشرة به عالة على المجتمع الذي من المفروض أن المعاقب إنما يعاقب من أجل إلحاق الضرر به. و لذلك جاءت الشريعة مقرة للكثير من العقوبات الأخرى غيره، وليس السجن إلا واحدة منها، بعد أن جاءت ضامنة لكل ما هو ممكن من حقوق من وجبت عليهم نفقته. ولا يصبح السجن عقوبة مقبولة عندي إلا حين تصبح مقتصرة على معاقبة الفرد وحده ولا تطال تداعياتها السلبية المادية منها والمعنوية بقية أفراد الأسرة من الآباء والأمهات والزوجات والأطفال خاصة، بضمان كل ما هو ممكن من الحقوق المادية والأدبية. وبذلك وبذلك فقط يمكن القبول بالسجن عقوبة كغيره من العقوبات. و يجب أن ينتهي فيه الأمر إلى مجرد العقوبة السالبة للحرية بعيدا عن التنكيل وعن سلب من الإنسان إنسانيته مثلما يحصل اليوم في سجون العالم المتحضر.
وبعد الاعتذار عن الإسهاب في التقديم أقول : أنه لا أحد يعود إلى السجن بعد أن يكون قد عرفه وقضى به ربيع حياته وزهرة شبابه قبل ذلك، إلا اليائسون من الحياة وفاقدو السند، فالسجن لا يذهب إليه أحد ولا يعود إليه، ولكن يؤتى بالناس وتتم إعادتهم إليه. و أنا لا أريد أن أعود طبعا ولكن يمكن لا قدر الله أن أعاد إليه.
11) هل حظيت بأي إحاطة من الإدارة أو من إحدى مصالحها طيلة هذه المدة؟
لم أحظ بأي إحاطة من الإدارة أو من إحدى مصالحها طيلة مدد الحبس. ولعل أهم إحاطة من أي جهة فيه أن لا يتم التنكيل بالسجين، وينظر إليه على أنه بشر، ويكون التعامل معه على ذلك الأساس.
12)هل وقع إطلاعك على قانون السجون؟ و هل تمتعت بما ورد فيه من حقوق؟
لم يتم إطلاعي على قانون السجون. و بما أن الأمر كذلك، فمن أين لي أن أعلم إن كنت قد تمتعت بما ورد فيه من حقوق أم لا. ربما كانت معاملة السجناء تتم وفق ما في ذلك القانون من مواد ومن حقوق من يدري؟ إلا أن الذي أستطيع أن أؤكده أن عدم تمكين السجين من الإطلاع على قانون السجون كان ربما من الإشارات الدالة على ما فيه من حقوق لا تفي بها الجهات المعنية لأصحابها، ولا تريدهم أن يحيطوا بها علما حتى لا تحدث أحد نفسه يوما ما بالمطالبة بها.
13) متى مكنت من فراش فردي؟ و متى عرضت على الفحص الطبي؟ و متى زارتك عائلتك أول مرة؟
– في ما يتعلق بالفراش بالسجن، فإن الأمر يختلف باختلاف الظروف والسجون. وبما أني سجنت أكثر من مرة، فقد كنت قد مكنت من فراش فردي منذ اليوم الأول أحيانا( في العهد البورقيبي)، وفي بعض السجون وفي أخرى في نفس الظروف وفي ظروف مختلفة بعد شهر وشهرين وأكثر، وقد مررت بظروف في بعض السجون لم أمكن فيها من الفراش مدة شهور طويلة.
– أما بخصوص العرض على الفحص الطبي، فقد كان ذلك يختلف في الحقيقة باختلاف الظروف وباختلاف السجون. فقد مررت بظروف في بعض السجون التي تم فيها عرضي على الفحص الطبي منذ اليوم الأول، وفي أخرى وفي نفس الظروف وفي ظروف مختلفة لم أعرض فيها على الفحص الطبي أصلا، وأخرى بعد مدد مختلفة ومتفاوتة.
– و أما زيارة العائلة أول مرة فهي كذلك مختلفة باختلاف الأوضاع والظروف والمناسبات والسجون ومراكز الإيقاف. فقد حصل أن بقيت شهورا طويلة ولم تتمكن عائلتي من زيارتي لأني لم أعط الفرصة لإعلامها بمكان وجودي. وأخرى لأنه كان من أفراد عائلتي من كان يجوب السجون ومراكز الإيقاف ومخافر الشرطة المختلفة مرورا بوزارة الداخلية نفسها ولم يجد من يرشده على مكان وجودي للاطمئنان على وجودي على قيد الحياة أولا ثم لإتمام الزيارة في الوقت المناسب.
وللحقيقة أقول، أنه في ظروف أخرى وفي بعض السجون كانت عائلتي تزورني في أول فرصة بعد انتهاء مدة الإيقاف والتحقيق وإحالتي إلى السجن.
14) الزيارة الأولى؟ مشاعر الزوار؟
غالبا ما كانت الزيارة الأولى من أفضل الزيارات بالنسبة لي. ولعلها الأفضل بالنسبة لكل سجين، لأنها الزيارة- و بقطع النظر عن الأوضاع والأحوال- التي أرى فيها أفراد عائلتي بعد طول فراق مهما كان هذا الفراق قصيرا في الزمن ومهما كانت المسافات قريبة، وأطمئن فيها على كل أفراد العائلة وأطلع أحوالهم، وأشعر أني قد أصبحت متواصلا مع محيطي الطبيعي وامتداداتي الطبيعية بعد الانتهاء إلى السجن كآخر محطة قد تبدو مريحة بعد طول مكث أحيانا وتطواف بمراكز التحقيق وما فيها من فواجع وآلام وإرهاب وتعذيب وتنكيل. وهي الزيارة التي أكون قد أصبحت من خلالها ومن التي تأتي بعدها أتابع العائلة وأتابع أحوالها المختلفة أمرا ونهيا ونصحا وتوجيها بحسب ما يكون متاحا في وقت كل زيارة.
– أما عن الزوار فإن الزيارة الأولى كانت مهما كان فيها من أتعاب و مشاق ونفقات، هي الزيارة التي يطمئنون من خلالها على أني مازلت على قيد الحياة، بعد أن أصبح التفكير أن الإيقاف قد يعني الموت أو الاستشهاد بعد تكرر هذا في أكثر من مناسبة (كمال المطماطي، عامر الدقاشي، نبيل بركات رحمهم الله جميعا..). وهي الزيارة التي يتأكد لهم من خلالها أني موجود بعد أن كنت عندهم ولوقت طويل يصل إلى الشهور أحيانا من المفقودين. ولذلك فإن فرحتهم على أي نحو وجدوني فيه كانت كبيرة. فيحمدون الله على أني لم أعد عندهم في عداد الأموات ولم أعد من المفقودين.
15) لماذا تجلب العائلة القفة؟ هل تفتش بحضورك؟ هل حدث أن فقدت بعض محتوياتها؟ ماذا فعلت؟
إن جلب العائلة القفة للسجين، لها اعتبارات ودلالات كثيرة مادية ومعنوية. وهي إنما تفعل ذلك لما لديها من علم أن الوجبات التي تقدم للسجين غير كاملة وغير كافية وغير صحية. وهي من نوع الإعاشة التي لا تتجاوز قيمتها الغذائية إقامة الأود بما يحول دون السجين والموت جوعا.
أما بخصوص تفتيشها فلا أتذكر ولو مرة واحدة أنه قد تم تفتيشها بحضوري، ولا أعلم إن كان ذلك وفق القانون أو خلافا له، طالما أن هناك امتناع متواصل من إدارات السجون عن إطلاع السجناء على قانون السجون.
وبهذه الطريقة في التعامل معي، كما مع كل المساجين في ما يتعلق بتفتيش القفة، فقد تبين بعد ذلك وفي كثير من الأحيان أني فقدت بعض محتوياتها، ومن هذه المحتويات ما علمت فقده إلا بعد خروجي من السجن، ومنها ما لم أعلم إلا في الزيارة الموالية بعد مدد تطول وتقصر، بحسب القرب والبعد، وبحسب ظروف العائلة والقدرة على فعل ذلك من عدمه. وبذلك كانت الأفعال مختلفة باختلاف هذه الظروف. وكان دائما لا طائل من الاحتجاج ولا طائل من المطالبة بالمفقود.
16) هل من إضافة حصلت لك في السجن؟
كان السجن بالنسبة لي عالما غريبا، فيكفي إضافة أني قد خبرت هذا العالم الغريب الذي لا يشبه أي عالم آخر، والذي لا يدرك غرابته إلا من دخله وعاش فيه وأدخل إليه وأمضى فيه ولو بضع أيام من عمره، وإن كان العلم بأوضاع سجن من السجون في وطني، لا يغني عن علم حقيقة الأوضاع في كل سجن من السجون الأخرى. لأني في نقلي من سجن إلى سجن شمالا وجنوبا ووسطا، وجدت أن كل سجن من هذه السجون عالم مستقل بذاته، له قوانينه وإجراءاته وعاداته وتقاليده الخاصة، وكأن كل هذه السجون ليست خاضعة كلها لإدارة عامة واحدة، ولا إلى إشراف وزاري واحد لنظام سياسي واحد، في وطن واحد.
وكانت الإضافات في الحقيقة سلبا وإيجابا كثيرة جدا ويطول الحديث بشأنها.
17) لنفترض أنك كلفت بإدارة هذا السجن، ماهي الإصلاحات التي تبادر بها؟
إذا كانت السجون خاضعة لطبيعة النظام السياسي بقطع النظر عن الوزارة أو الجهة الإدارية التنفيذية المكلفة بالإشراف عليها، وإذا كانت السجون التونسية قد مرت في مرحلتين من مراحل وجودها، إذا ما استثنينا فترة حكم البايات، وتم نقل الإشراف عليها من وزارة الداخلية « والتنمية الاقتصادية » إلى وزارة العدل « وحقوق الإنسان »، وفي ما بين مرحلة الاحتلال الفرنسي لبلادنا ومرحلة نقل السلطة إلى الطائفة العلمانية التغريبية الوفية لثقافة الاستعمار والخادمة لمصالحه، قد أدخل على نظام السجون إصلاحات كثيرة وكبيرة، ولكنه مازال رغم ذلك متأثرا بقوانين وتقاليد وإجراءات وممارسات الغزاة الفرنسيين، وبالنظر إلى الطبيعة القمعية الاستبدادية للنظام السياسي، فإن نقل الإشراف على إدارة السجون بالبلاد من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل لم يغير من الأمر شيئا، فإن الإصلاحات التي يمكن أن أبادر بها لو أنه يمكن أن يتم تكليفي بإدارة السجون أو سجن من السجون، ستكون حتما منسجمة مع طبيعة النظام السياسي القائم.
أما والإصلاحات التي يمكن أن أبادر بها قائمة على افتراض التكليف بالإدارة، فإنه ليس أفضل عندي من تحويل السجون إلى مساجد أو إلى ما يشبه المساجد. ويكون كل النظام الذي يحكمها وفق ذلك وفي انسجام مع طبيعة السجن.
18) وإن افترضنا انك أصبحت مديرا عاما للسجون و الإصلاح، ماهي الإصلاحات التي تحظى بالأولوية لديك؟
فإذا كان أول وأهم إصلاح عندي لسجن لو تسند إلي إدارته أن أحوله إلى مسجد أو إلى ما يشبه المسجد، فكيف يكون الأمر لو أصبحت مديرا عاما للسجون و »الإصلاح »؟ ! فإن أول إصلاح يمكن أن أقوم به هو تحويل كل السجون بالبلاد إلى مساجد أو إلى ما يشبه المساجد طبعا.ويكون ذلك هو الإصلاح الأول الذي تقوم عليه كل الخطوات الإصلاحية الأخرى.
وإذا كانت الإصلاحات مطلوبة للسجون على هيئتها التي هي عليها اليوم، فهي في الحقيقة من المفاسد التي لا إصلاح لها. وأن ما يمكن أن يحظى بالأولوية عندي هو إخلائها وهدمها جميعا، وإعادة بنائها وتأسيسها على قواعد وأسس غير القواعد والأسس التي أقامها عليها الاستعمار والاستبداد.
أما إذا كان لا بد من إدخال إصلاحات على الموجود، فإن الإصلاحات التي يمكن أن تحظى بالأولية عندي هي :– إعادة المساجد إليها.
– العمل على إنهاء ثقافة التطاول على مقام الجلالة وبذاءة الكلام والفاحش من القول والفعل فيها.
– إعادة الاعتبار لإنسانية السجين التي تسلب منه مع سلب حريته.
– وضع قانون جديد للسجون يكون للمساجين فيه إسهام ورأي.
– تحسين كل ظروف الإقامة للمساجين، من نظافة حقيقية، وأكلة متكاملة الغذاء، ودواء بكل ما يستحق الإنسان من عناية في ذلك، وكل ظروف الزيارة لزائريهم…إلخ
19) بم تنصح سجينا جديدا؟
إن أول ما أنصح به سجينا جديدا بان يعمل على أن لا تتم إعادته للسجن ثانية.
أما إذا كان السؤال يحيلني إلى ما أنصح به سجينا جديدا فيما يتعلق بإقامته بالسجن، فإني أقول له أن « القيمة » التي تكون لك في السجن هي التي تعطيها لنفسك. فإن كنت تريد أن تكون محترما مصانا فإنك أنت وحدك الذي يمكن أن تفرض على الكل احترامك. وإن كنت تريد أن تكون ذليلا مهانا فإنك أنت وحدك الذي يمكن أن تتسبب لنفسك في الإذلال والمهانة. وذلك لا يتناقض مع القول أن إنسانية الإنسان لا قيمة لها في سجون الاحتلال كما لا قيمة لها في سجون الاستبداد، وأنها تنتزع منه هناك كما تصادر منه حريته، ولكن تبقى دائما هناك قيمة لا يستطيع إلا الفرد أن يحتفظ بها لنفسه ويفرضها في النهاية على من يحب أو من يكره. وعليه أن يستعد في ذلك للكثير من الأتعاب والمعاناة.
20) حكمة( أية قرانية، حديث نبوي، مثل شعبي، بيت شعر..) كثيرا ما ترددها!
– لا إله إلا الله محمد رسول الله .
– أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.
– يا ألله يا كريم أكرمنا ولا تهنا وأعزنا ولا تذلنا يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
21- ممنوعات يجب مراجعتها دون تأخير؟
كثيرة هي في الحقيقة الممنوعات الواجب مراجعتها دون تأخير. وهي تختلف باختلاف السجون بالبلاد، وباختلاف المشرفين عليها، وباختلاف المناخ السائد بكل سجن من هذه السجون، التي يبدو للمنقول بينها أنها غير خاضعة لقانون بلاد واحدة، ولا تحت إشراف إدارة واحدة.
ومن هذه الممنوعات:
– المصحف الشريف، الذي كان سعي الإدارة كبيرا لمنعه، خاصة على المساجين السياسيين من الإسلاميين تحديدا وبصفة خاصة. وكنت، ككل إخوتي، الذين كانوا لا يسأمون من المطالبة بحق أن يكون لكل واحد منهم مصحفه. وكان دائما من الممنوعات التي لم يتأخر أحد عن مراجعة الإدارة المعادية لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وللعاملين بهما في ذلك.
– الكتب المختلفة، وخاصة ذات المضمون الإسلامي التي كان السعي في المطالبة بها مستمرا. وهي من الممنوعات التي كنت من المؤمنين بمراجعتها باستمرار وبإصرار، وإن كنت لم أوفق في الحصول على مبتغاي دائما، إلا أني أفرض على الإدارة المصرة على المنع على أن تمكنني من بعض الكتب التي أريد، من مكتبة السجن نفسه، مقابل رفضها تمكيني من الكتب التي أطلب من أهلي جلبها لي أثناء الزيارة. وقد كان حرص الإدارة ومن ورائها النظام السياسي على مصادرة منابر العلم والمعرفة ووسائلهما كبيرا. وكان الحرص شديدا على فرض الجهل، إمعانا في العقوبة، وعداء للعلم، شأنها في ذلك شأن أي إدارة من إدارات أنظمة الاستبداد…
-الصحف والمجلات، فقد كان منع السجين السياسي، خاصة من الصحف والمجلات، من أساليب التغييب والتهميش والتجهيل المتعمدة و الممنهجة في السجون التونسية.و قد كان ذلك من الممنوعات التي كنت من الحريصين على مراجعتها باستمرار. وكنت من الذين لا يكلون من المطالبة بذلك، ومن الباحثين عن الوسائل والأساليب المناسبة لافتكاك هذا الحق ومن المشاركين في ذلك.
– الصلاة في أوقاتها وجماعة، وقد كان ذلك من الممنوعات التي لم ننته يوما من التصدي لذلك المنع، ومن الاستمرار في فرض ذلك الحق، بقطع النظر عما كان ذلك يكلف من ضغوطات وعقوبات. وهو نوع من النهي عن الصلاة ومنعها وتحريمها. « أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى »…وهو شكل من أشكال التكفير المضاف إلى الأشكال السالفة الذكر واللاحقة لها. ولمثل هذا وغيره أقول، بأن النظام العلماني نظام تكفيري. وأن المدرسة العلمانية مدرسة تكفيرية. وأن الطائفة العلمانية هي طائفة تكفيرية. وأن الثقافة العلمانية ذات الأصول التوراتية الإنجيلية المحرفة في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، هي ثقافة تكفيرية…
– وقد كان من الممنوعات الواجب مراجعتها دون تأخير، العطور التي كانت تمنع بذريعة أنها من المواد المتجر بها، أو من المواد التي كانت تستعمل في غير غرض التطيب، وكان مساجين الحق العام يستعملونها للسكر بها وغير ذلك من الذرائع الواهية، والتي ليس لها من دلالة حقيقية سوى الإمعان في العقوبة بالنسبة للسجين السياسي والإسلامي خاصة، و لفرض على المساجين محيطا أشد ما يكون عليه من التلوث ومن القذارة ومن الروائح الكريهة المسببة للكثير من الأمراض التي كان ضحيتها الكثير من الذين عرفوا السجون التونسية، وفرض عليهم طول المكث فيها…
ولقد كانت الممنوعات كثيرة حتى كاد يكون كل شيء في السجون التونسية ممنوعا، وخاصة كل ما هو صحي وما هو معرفي علمي، وكل ما هو إنساني وأخلاقي.
والقائمة في الحقيقة طويلة نكاد لا نحصي لها عدا.
22- مباحات يجب التصدي لها بحزم؟
أما المباحات، فقد أفادتني التجربة في سجون النظام السياسي الاستبدادي في تونسنا الحبيبة التي أحالها الطغاة والمستبدون إلى جحيم لا يطاق، أن إدارات السجون فيه تبيح الكثير مما يوجب على المؤمن التصدي له من المباحات.
فقد كان من المباحات التي أصبحت من ثوابت ثقافة السجون في بلادنا، والتي يشترك فيها العون والمدير وكل المستويات الرفيعة في إدارة السجون، والمساجين إلا من رحم، وخاصة مساجين الحق العام :
– التطاول على مقام الجلالة وعلى الدين، ويعتبر شاذا في سجون النظام التونسي من ليس له هذه الثقافة، فضلا على أن يكون من الرافضين والمتصدين لها. وقد عرفت أن أحد مديري أحد السجون كان مقيما للصلاة وحريصا على أن لا يصليها في غير وقتها، وأعرف أنه، قبل استبدال المساجد في السجون، بالقنوات أو المشارب، كان يصلى وراء أي سجين يؤم أمثاله من المساجين، عندما تعطى لهم الفرصة في مسجد السجن الذي يشرف عليه. ولكن لسبب أو لآخر، كان لا يتردد في سب الدين أو التطاول على مقام الجلالة، ويبدوا أنه كان وفق ما يريد النظام السياسي، المعادي للدين وللهوية العربية الإسلامية لتونس العروبة والإسلام، أن يكون عليه الناس بالبلاد، من أن لكل مقام مقال، باعتبار أنه صاحب نظرية فصل الدين عن الدولة أو السياسة كما يقول العلمانيون التكفيريون، وأنه لا علاقة للدين وللتدين بإدارة الشأن العام.فهو يؤدي الصلاة كما يجب أن تؤدى، ويدير الشأن العام كما يراد له أن يديره، ووفق الثقافة السائدة والمعتمدة في إدارته.
فكنت بحمد الله، وكل من عرفت من إخوتي المؤمنين المجاهدين الصامدين، دائم التصدي لهذه الثقافة بكل ما أوتيت من الحزم والقدرة، وبحسب ما يكون ذلك ممكنا، وبحسب ما أكون قادرا عليه.
– الألفاظ السوقية والنطق بفاحش الكلام، فقد كانت تلك الثقافة السائدة والمجمع عليها في سجون النظام في تونس. وقد جعل منها مدرسة يتلقى فيها الكبير والصغير، والجليل والحقير، والعالم والجاهل، والبر والفاجر، ثقافة سوء الأدب وكل أنواع الانحطاط الأخلاقي، وقد كنا بحمد الله غيورين على الدين وعلى الأخلاق الحميدة وعلى النظافة وكل أسباب الصحة. وكنا نتصدى لتلك الثقافة وذلك الفساد والانحطاط بكل حزم، بالنصح والتوجيه مرة، وبالتوبيخ والتقريع أخرى، وبالإقناع تارة وبالقمع أخرى، وبكل ما من شأنه أن يبرئ ذمتنا أمام الله، قياما بالواجب وما يمكن أن ينفع الناس في الدنيا والآخرة.
وقائمة المباحات التي تستوجب من المؤمن التصدي لها بحزم كذلك طويلة في سجون أبت الخيارات الثقافية والسياسية للنظام العلماني الهجين في بلادنا، إلا أن تكون كذلك. ومع ذلك، فإن هناك إسرار على أن يظل يطلق على هذه المؤسسات التي تنتهك فيها كل الحرمات، اسم « السجون والإصلاح « . و من حيث أنها سجون فذلك صحيح، أما من حيث أنها إصلاح، فما ذلك بالإصلاح، وما تلك الثقافة بثقافة إصلاح، بل هي ثقافة إفساد. وهي من المؤسسات التي لا يصح إلا أن نطلق عليها اسم « السجون والإفساد ».
23) حادثة عالقة بذهنك؟
والله إنها لكثيرة هي الحوادث العالقة في ذهني، وجل إن لم تكن كل حوادث الحياة في السجن يمكن أن تبقى عالقة في الذهن، لما في تلك الحياة غير الطبيعية من غرابة وغرائب. ولكن التي كان ربما أشدها رسوخا، هي الفترة التي أمضيتها في سجن 9 أفريل المهدوم صائفة 1991 من 24 جويلية إلى ما بعد نصف سبتمبر على ما أذكر، حين كان قد تم حشرنا مع مساجين الحق العام بإحدى الغرف الكبيرة غير بعيد من الإدارة، وكان الاكتظاظ شديدا في فصل الصيف مع نقص التهوية، وكان المشهد غاية في الإثارة لشدة المعاناة، ولحالة الاعتصار التي كنا نعيشها، بحيث كان الواحد منا لا يطيق أي ثوب على جسده من شدة الحر، وتصبب العرق وضيق الأنفاس، وكان لا بد في كل مرة، وبمجرد دخول أي عون أو أي طرف إداري أن يرتدي كل واحد منا ما يلزم من الثياب الكاسية لكل البدن احتراما له، ويا ويح من يخالف ذلك. وقد علمت بعد ذلك، وكنا في تلك الغرفة عددا كبيرا من الأخوة، أنه قد ظل متواصلا بينهم ما كنت قد عبرت عنه في ذلك الوقت بالقول في وصف المشهد الذي كنا نعيشه في ذلك الجو الخانق وفي ذلك المحيط شديد الاكتظاظ، بأن الحالة كانت شبيهة بأهوال يوم القيامة، وبما يمكن أن يكون عليه الناس في نار جهنم بحسب ما قد يرتسم في مخيلة القارئ للقرآن الكريم وللأحاديث النبوية الشريفة المتحدثة عن مشاهد وأهوال يوم القيمة وأحوال الناس فيه.
فما زلت أذكر كيف كان (كبران) ناظر الغرفة يدعو الواحد منا لأخذ موقعه للنوم على جنبه بعضنا إلى جانب بعض، وكان عليه، لكي يأخذ كل منا موقعه الذي يقضي فيه ليلته « نائما »، أن يضع رجله في المكان المحدد لكل سجين حتى يرقده فيه، خشية أن يضيع منه بتمدد الآخرين المزدحمين، بعيدا بعض الشيء عن مضاجعهم المحددة لهم في تلك الحرارة الخانقة، ولا يجد في النهاية موطئا للبقية التي يجب أن تجد لها مكانا في الغرفة تبيت ليلتها فيه. فلئن كنت أنسى، فإني لن أنسى ذلك المشهد وتلك الحادثة التي هي أقرب إلى مشاهد يوم القيامة منها إلى أي مشهد وإلى أية حادثة أخرى.
24) هل تذكر اليوم الأول بالسجن؟ مشاعرك؟
نعم أتذكر جيدا اليوم الأول بالسجن، وكان ذلك في صائفة 1982 بسجن قفصة، وهو اليوم الذي كانت لي فيه المفاجأة الكبرى بوجودي في عالم بدا لي في منتهى الغرابة، ما كنت أستطيع أن أتخيله. وجدت نفسي في عالم جديد لا قبل لي به من قبل، بدا لي أن فيه من الناس من ليس ككل الناس، وفيه من الضبط ومن القوانين الصارمة ما لم أر في حياتي من قبل قط مثلها، ولا تسمع فيه إلا الأمر والنهي. وأذكر أنه تم إدخالنا، وكنت مع بعض الأخوة، بحالة من الرعب وطلب التحية. وقد علمت منذ البداية ثلاث قواعد :
– الأولى :احترام الحاكم من خلال احترام رموزه وممثليه، وأداء واجب التحية لهم في الأوقات المناسبة.
– الثانية : أن لا شأن لي إلا بنفسي ولا حفاظ لي إلا على جسدي.
– الثالثة : أن لا أهتم إلا بأغراضي.
لقد أحسست فيه بغربة كبيرة، لا سيما أني بت ليلتي الأولى في غرفة وحدي، بعد أن أتخذ إجراء بعزلنا عن بعضنا في الليلة الأولى، ليتم جمعنا في الغد في غرفة صغيرة واحدة لنكون فيها وحدنا. و كنت أنظر إلى هذا العالم بعين الفاحص في محاولة لاستيعابه، ولأعلم كيف أعيش فيه وكيف أتأقلم معه لأخرج منه بأقل الأضرار.
25) هل من نصيحة توجهها لإخوانك في المهاجر؟
كل الذي أوصي به نفسي وإخوتي في المهاجر وفي كل مكان، هو تقوى الله أولا، وتقوى الله آخرا.كما أحذرهم من الدنيا وزخرفها وأن يخلدوا إلى المال والراحة والمتعة والاسترخاء، وينسوا قضيتهم، وينسوا إخوانا لهم يعانون من الحرمان والفقر والفاقة، ومن المرض والغربة، ومن الإرهاب والمطاردة والمضايقة، ومحاربون في أرزاقهم.
كما أوصيهم بلزوم الجماعة ووحدة الصف، واعتماد الشورى الملزمة سبيلا لمعالجة المسائل الخلافية. وإذا كان لا بد من فراق فليكن بإحسان. وليتذكر كل واحد منا وليذكر بعضنا بعضا بأن نكون في حال الخلاف كما في حال الائتلاف على خلق الإسلام، ونحن من يعلم كلنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وهو معلمنا وقدوتنا وأسوتنا كان خلقه القرآن وكان بذلك على خلق عظيم.
26) رأيك في المحطات السياسية القادمة؟
اعلم يا أخي أنه بحسب فهمي وفي اعتقادي، أن بلادنا لم تعرف يوما منذ آداء المسلمين لآخر بيعة شرعية للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ورضي الله عنه وأرضاه محطات سياسية هامة في مستوى الشرعية التي يكون للشعب وللأمة صاحبا الحق الشرعي فيها الدور الذي منحهما الله إياه، لتكون كلمة الفصل فيها لهما. بل كل الذي كان سائدا ومازال انطلاقا من الحكم التقليدي المنتهي، وانتهاء بنظام الدولة العلمانية الحديثة الاستعمارية و الدكتاتورية، هو الاستبداد والحكم الفاسد الذي يستمد شرعيته من التسلط على الشعوب وعلى الأمة، واغتصاب السلطة ومصادرة حق الشعب والأمة في ممارسة السيادة الكاملة على الأوطان والأرض على أساس من نظام الشورى الإسلامي.
ولذلك لا أعتبر أننا مقبلون على محطات سياسية حقيقية بما في الكلمة من معنى، ولكننا مقبلون على فواصل مختلفة في الوقت عبر الزمن، نعطي فيها بشكل أو بآخر وبصيغة أو بأخرى للاستبداد شرعية الاستمرار جاثما على صدورنا.
وعلى فرض أن هناك محطات سياسية قادمة، وهي في الحقيقة محطة سياسية واحدة، لا أعتقد أن شيئا ذا بال يمكن أن يحدث إلا أن يشاء الله، طالما أن الشعب مازال ليس مستعدا وليس معدا، لتحمل مسؤوليته في حاضر ومستقبل بلاده، وأخذ زمام المبادرة في استعادة حقه المشروع المغتصب منه، في ممارسة السلطة والإشراف المباشر وغير المباشر على تصريف أحوال البلاد.
27) كم دخلت السيلون من مرة؟ لماذا؟ أين؟
أدخلت السجن المضيق(السيلون) أربع مرات :
– مرة أولى سنة 1983 في سجن9 أفريل الذي كان ينبغي أن لا يهدم، والذي لم يكن هدمه في ما أفهم إلا من قبيل محاولة إخفاء آثار جرائم الاستعمار، وجرائم الدكتاتورية والاستبداد، وأدعياء الجهاد والعلمانية والديمقراطية والحداثة في بلادنا، لم أمكث فيه إلا يوما، ولم أبت فيه ليلته، وكان ذلك في إطار تفريق عدد كبير من الأخوة من القواعد ومن القيادة الترابية والطلابية لحركة الاتجاه الإسلامي في حينه، ليتم جمعنا بعد ذلك وحشرنا في جناح السجن المضيق دائما، ولكن في أكبر زنزانة فيه. وهي التي لم يتم إخراجنا منها إلا بأشكال نضالية كثيرة، كان على رأسها إضراب جماعي متواصل عن الطعام استمر ستة أيام، ليتم نقلنابعد الفشل في محاولة تكسير الإضراب بالقوة من الجناح ومن الزنزانة في اليوم السادس إلى جناح(H).
– ومرة ثانية في سجن صفاقس عام 1986 وليوم واحد كذلك، من أجل ضرب أحد الأخوة لأحد حراس السجن هناك.
– والمرة الثالثة في سجن برج الرومي ببنزرت عام 1991، وقد أسند إلي الأخوة هناك بالتعاون مع أحد الأخوة من حزب التحرير مهمة الإشراف عليهم، من أجل دعوتهم لعدم دخول الغرفة بعد فترة التهوئة احتجاجا على عدم الاستجابة لبعض المطالب، وكان على رأسها الماء الصالح للعادة و للعبادة في ذلك الوقت، وكان الوقت شتاء، وقضيت في الزنزانة يوما كاملا إلى غاية بعد المغرب، وأنا فيه كيوم ولدتني أمي. ليتم نقلي بعد ذلك إلى غرفة أخرى بجناح آخر من أجنحة السجن.
– أما المرة الرابعة، فكانت سنة 2002 بسجن قفصة، وكنت قد دخلت وقتها في إضراب عن الطعام مند 32 يوما، وكان إدخالي السجن المضيق من أجل ادعاء أحد اللوطيين الذي عندما افتضح أمره، خشي أن شهادتي عليه ستكون شهادة من لا ترد شهادته، فادعى في الحين أني أتطاول على الهيئات العليا للبلاد، فأخذ افتراؤه بعين الاعتبار، وعوض أن أدعى للشهادة، تم اقتيادي إلى السجن المضيق حيث قضيت8 أيام ليتم نقلي بعدها في أول إرسالية (كونفةconvoi,) إلى سجن القيروان حيث أنهيت العقوبة.
28) كم اضربت عن الطعام من مرة؟ لماذا؟ في « أي سجن؟ كيف تعاملت الإدارة معك؟النتيجة؟ أطول إضراب خضته؟
أضربت عن الطعام 3 مرات :
– فكانت المرة الأولى كما أشرت سالفا سنة 1983 بسجن 9 أفريل المنهد، و تواصل الإضراب مدة 6 أيام متتالية، وكان ذلك من أجل المطالبة بإخراجنا من جناح السجن المضيق إلى جناح (H ) تحديدا، حيث كان هناك إخوة لنا يقضون العقوبة.وقد حاولت الإدارة ثنينا عن ذلك بالإهمال والتجاهل أولا، ثم بالتهديد والوعيد ثانيا، ثم بتفريقنا على الزنزانات المختلفة فرادى ومثنى وثلاث، ثم بمحاولة تكسير الإضراب عنوة بشد وثاق يدي الواحد منا بقيد الحديد وراء ظهره وتجريعه المرق عن طريق قطعة من خرطوم المياه رابعا.
ولما فشلت في كل ذلك أمام إصرارنا وصمودنا، لم تجد بدا من الاستجابة لطلبنا، وتم نقلنا في الحين إلى حيث نريد.
– وكانت المرة الثانية سنة 1991 بثكنة بوشوشة، حيث مازلنا في حالة إيقاف ولم تنته إجراءات التحقيق معنا بعد، وكنت قد أضربت عن الطعام وقتها مرتين، مرة لمدة أربعة(4) أيام، ومرة لمدة خمسة(5) أيام، وكان ذلك من أجل عدم تمكيني من أغراضي ومن بعض المال الذي كان معي وتم حجزه، والذي وقعت المحافظة عليه بوزارة الداخلية بعد نقلنا منها إلى الثكنة. وكان يتم في كل مرة استقدام عونين من أعوان الداخلية ليطلبا مني حل الإضراب على قاعدة الاعتراف بشرعية المطلب وبالوعد بتحقيقه، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، حتى انتهي من التحقيق السريع معي، ووقعت إحالتي على سجن9 أفريل يوم 23 جويلية 1991 حيث تكون المطالبة بذلك من هناك من قبيل العبث.
– أما المرة الثالثة، فكانت من أواخر شهر أفريل إلى أوائل شهر جوان من سنة 2002 بسجن قفصة. وكان أطول إضراب خضته، والذي انتهيت فيه إلى قرابة الأربعين يوما قضيت منها ثمانية أيام في السجن المضيق من أجل ما أشرت إليه سالفا في الإجابة عن السؤال ،26 وكان ذلك من أجل استعادة المحجوز المتمثل في كل مما مازال في صورة مسودات مما كتبته، وفي بعض الكتب والمجلات والوثائق، والذي لم يقع تسليمه للمحكمة ليدخل تحت طائلة الحجز القانوني، ولم يقع إعادته لي ولا الاعتراف لأهلي بالحق في استلامه. وإن لم تقع إعادته لي ولا تسليمه إلى زوجتي، إلا أن طول مدة الإضراب الذي تم إبلاغ كل الأطراف والجهات الأمنية والسياسية والحقوقية به، وبالغاية والغرض منه، وبتحرك زوجتي عبر هذه الجهات كلها، هو الذي ضمن لي استعادته واستلامه كاملا تقريبا بعد إنهاء العقوبة ومغادرة السجن.
29) أشكال نضالية أخرى خضتها أو سمعت بها؟ما هي؟ من خاضها؟ النتيجة؟
لقد خضت بعض الأشكال النضالية المطلبية، كالتمسك بكل ما بدا مشروعا وحقا ومقبولا من المطالب، والتفاوضية، كالتحاور مع الإدارة بخصوص ما يمكن أن يكون مقبولا وممكنا من الحقوق ومن المطالب، وما يمكن أن يتم تقديمه وما يمكن أن يتم تأخيره وتأجيله، والاحتجاجية، عندما يكون باب التفاوض والمطالبة موصدا. وعندما لا يكون هناك بد من ذلك. كالإعتصامات المتمثلة في رفض مغادرة ساحة التهوئة للالتحاق بالغرفة مثلا أو العكس، من أجل مطلب ما، أو من أجل مظلمة ما ارتكبت في حقي. وقد قمت بذلك سواء في مدة الإيقاف أو في السجن، وكالإضراب عن الطعام. و قد كانت كل هذه أشكالا نضالية قمت بها وقام بها كل الأخوة في مختلف مراحل حياتهم بالسجون، وغيرهم من سجناء الرأي والمعارضة السياسية، وحتى بعض مساجين الحق العام. وكانت النتائج مختلفة قبولا ورفضا وكليا أو جزئيا باختلاف المطلب، وباختلاف الشكل النضالي، وباختلاف الشخص أو المجموعة من الأشخاص، وباختلاف الظروف والأوضاع، وباختلاف الأطراف والجهات الإدارية…إلخ.
غياب حقوق الجامعيين التونسيين المادية والمعنوية
من الباب28 من ميزانية الدولة لسنة2008
لقد كان من حسن الصدف أن عثرت أثناء تصفحي للشبكة،وتحديدا للصفحة الخاصة بنشاط مجلس النواب على أشغال اللجنة الخامسة في اللجان المختصة للمجلس المنعقدة يوم15 نوفمبر2007 والتي استمعت الى مداخلة السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا التونسي مجيبا على استفسارات النواب في باب التعليم العالي،فبالرغم من أنه قد وقع التأكيد على أن قطاع التعليم العالي هو قطاع استراتيجي اذ أنه من الأولويات التنموية الوطنية لأهميته القصوى في ارساء اقتصاد المعرفة ومجتمع المعلومات الا أن الغريب العجيب،والمضحك المبكي أن حضرات النواب موالاة ومعارضة والذين تتحمل المجموعة التونسية بما في ذلك الجامعيين دفع رواتبهم ومنحهم وتحقيق امتيازاتهم المعقول منها والمبالغ فيه بصفة مباشرة وغير مباشرة،لم يكلفوا أنفسهم طالما أنهم ضمنوا لأنفسهم بعد الوصول الى المجلس مصالحهم ومصالح مقربيهم،لم يكلّف هؤلاء النواب أنفسهم أثناء استعراض مختلف محاور وفصول الاستفسارات وهي،
-دفع البحث العلمي وتشجيع الباحثين
-اصلاح مسارات التكوين الجامعي
-برنامج دعم جودة التعليم العالي
-انفتاح الجامعة على المحيط وخصوصا على المؤسسات الاقتصادية
-تطوير طاقة استيعاب المؤسسات الجامعية
-دعم لا مركزية التعليم العالي
-انتشار الجامعات في الجهات الداخلية
-التعليم العالي الخاص والجامعة الافتراضية
-معادلة الشهائد العلمية
-الترفيع في المنحة الطالبية
-النهوض بقطاع السكن الجامعي
-تطوير المنظومة الوطنية للبحث ودعم التكامل بين مكوناتها
-الخطة الوطنية لليقظة التكنولوجية
-الاستفادة من خبرات الباحثين المقيمين بالخارج
-برنامج الأيام الوطنية للبحث والتجديد التكنولوجي
فمن هو ياترى الطرف الذي سيأخذ على عاتقه تنفيذ وتحقيق هذا البرنامج تكريسا وتجسيدا لاقتصاد المعرفة ومجتمع المعلومات انهم بكل بساطة المسكوت عنهم ضمن الباب28 من ميزانية الدولة لسنة2008 أي الجامعيين التونسيين الذين تقاطع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا نقابتهم،وتصر على رفض الاستجابة لمطالبهم المادية والمعنوية مما دفع بهم الى الاضراب ورفع الشارة الحمراء أكثر من مرّة مما أدى الى حرمان الطلبة من دروسهم تأخيرا لقيام مجتمع المعلومات،ووفّر على الوزارة أموالا طائلة يمكن أن توظفها للاحتفال بخمسينية الجامعة التونسية خلال سنة2008 تحت شعار »فراغ جيوب الجامعيين وغربتهم المهنية والمعنوية تسريعا لقيام مجتمع المعلومات »
فما هي الفائدة والغاية من مناقشات مجلس النواب الذي تتحمّل المجموعة الوطنية أعباء ثقيلة في دفع مستحقات نوابه الثابتة والمتحركة،فماذا يكون موقف هؤلاء النواب لو فكرت الدولة مثلا اما بتخفيض رواتبهم ومنحهم،أو بتجميدها برغم أن المهمة التي يضطلعون بها هينة وهي الموافقة بالاجماع على كل شيء،وتثمين عمل الحكومة،لا ترتقي الى مستوى معاناة وتضحيات الجامعيين التونسيين الذين لم يتعرض الباب28 من الميزانية الى حقوقهم المغتصبة بامتياز،المستخف بها برغم تكرار الاشارة في كل الخطب الرسمية والمناسبات أن الثروة الأساسية لبلادنا المحدودة الموارد أصلا هي الموارد البشرية والاستثمار في الذكاء على رأي الدكتور القربي وزير التربية والتكوين،فأين هو تكريم الذكاء،وأين هي الحقوق الطبيعية للجامعيين التونسيين في الكرامة والعيش الكريم الذي لا حق للجامعيين التونسيين في التمتع بهما قياسا على أعضاء مجلسي النواب والمستشارين المختصين في التصويت بالاجماع؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الاسلام والعلمانية
قرات منذ سنوات كتاب الغرب والاسلام لمفكر التاريخ البريطاني ارنولد توينبي.وبفعل الوقت ولعدم امتلاكي لنسخة من ذلك الكتاب غابت عن ذاكرتي تفاصيله رغم ان خطوطه الكبرى لا تزال حاضرة وفلسفته ومنطقه واهم استنتاجاته.
جملة واحدة من كل ذلك الكتاب بقيت عالقة في ذهني ولم تبارحه منذ سنوات.جملة بقيت تتردد بعناد نادرا ما صاحبني طيلة كل هذا الزمن من القراءات المتعددة التي اقدمت عليها منذ امد طويل.
هذه الجملة تقول
ان الغرب في صدامه مع العالم الاسلامي تمكن من التغلغل الى الحياة العامة والخاصة داخل نمط الحياة التي جاءت بها الحضارة الغربية الى المسلمين. في كيفية لباسهم وتسييس عمرانهم واسلوب حياتهم عموما.ولكن اصطدم الغرب على نواة عقائدية صلبة هي الاسلام و لم يتمكن من اختراقها.
هذه هي الجملة الاخيرة التي علقت بذهني ولم تبارحه طوال عقدين من الزمن.كانت تبحث عن منفذ عقلي لدي ولكني كنت دائما لا افهم السبب الذي خول لذلك العالم بان يصوغها.فلقد كنت دائما اعتقد انه استنتاج غير منطقي لايتجانس مع مقولات توينبي الكبرى.
توينبي هو اول من اكد على ان الغرب كان يكتب التاريخ متجاهلا تاريخ الشعوب الاخرى.وهو من الاوائل الذين تفطنوا الى عنصرية النظريات التاريخية الغربية .فهي كانت قبله تضع الغرب مركز حركة التاريخ وتترك جانبا تاريخ الشعوب الاخرى. مما انتج رؤى تاريخية مبتورة ومشوهة وعنصرية.وهو لا يستثني رؤية ماركس التي اقدمت على استنتاجات عنصرية وضعت من خلالها نسقا لنمو التاريخ انطلاقا فقط من تاريخ الغرب.
ولكن توينبي الذي ترتكز عليه اهم المدارس التحليلية في امريكيا واوروبا وضع خريطة للتاريخ تقوم على تفتيت الحضارة الانسانية الى ثلاثة مفاصل.
الاولى فرعونية مصرية قديمة تقوم على مفهوم الدولة الكونية.
والثانية اغريقية رومانية تقوم على مفهوم المدينة والمدنية .
ومن هذا النوع تنحدر الحضارة العربية الاسلامية والحضارة الغربية القائمة حاليا
ثم هناك حضارة ثالثة وهي من نوع مختلف تماما عن الحضارات التي نمت على البحر المتوسط وهي الحضارة الصينية.
ويتخلص ان الحضارة الغربية الحالية تتجه الى التماهي مع الحضارة الفرعونية القديمة بذهابها الى مشروع الدولة الكونية.
منطقيا يمكن ان ندرج تفسيرا لتلك الجملة التي تقول بان الغرب لم يتمكن من اختراق الاسلام كنواة صلبة في اطار الصعوبات التي تواجهها الحضارة الغربية تجاه فرض دولة كونية تتحول بمقتضاها العقيدة موحدة وتقوم على تاليه الحاكم او تاليه الدولة وما يفرضه هذا من صعوبة تاقلم المسلمين مع هذا الوضع .ولكن تحول الغرب الى دولة كونية لا يحتوى على عنصر اديولوجي قوي مثلما كانت تحمله المثل الكونية الماركسية .بل هو تمدد مادي لمصالح تجارية وصناعية ومصلحية لا غير.
بقيت اعتقد لسنوات ان هناك مشكل مع هذه الجملة
ولكني مع الوقت بدات اعتقد ان توينبي تسارع في استنتاجاته.
توينبي كان متاكدا ان الحضارة الغربية متفوقة على الاسلام.وبدا له غريبا ان يبقى الاسلام رافضا للتقدم.
ولكنه كان على خطا.
لقد خلط بين غرب متفوق تقنيا وعسكريا وغرب قادر على صياغة مفاهيم متجانسة وفكر متجذر في فعله.
علينا ان نفهم ان كل محاولات وضع العلم في مواجهة الدين هو امر تتميز به الحضارة الغربية التي تاسست على انقاض الثورة الفرنسية..
لا يوجد على وجه الارض ومنذ النشاة الاولى حضارة قسمت بهذه الصورة عقيدة الانسان في معارفه بالكون بين ما هو ديني وما هو غير ديني مثلما فعلته حضارة السكيزوفرينيا الغربية.
الثورة الفرنسية كانت مدخلا في اوروبا لانهاء مازق الكنيسة.هذا المازق الذي تواصل في اوروبا على مدى قرنين من الزمن حسم في النهاية ضد الكنيسة بعد ان فقدت روما والبابوية سلطتها على كامل التراب الاوروبي وما كان يسمى العالم المسيحي.
ولقد تزامن مقاومة الكنيسة للعلم مع مقاومتها لسياسات ملوك اوروبا. فلم تحرق الكنيسة عالما الا وكانت محاولة منها لاحراق نخب اديولوجية كان ملوك اوروبا بصدد تنميتها لابعاد الناس عن سلطان الكنيسة.والا كيف نفسر ان اهم علماء عهد النهضة كانت لهم علاقة في بداياتهم بالكنيسة وبالتدين. بل ان الكنيسة هي من اوت العلماء في البداية.
الثورة الفرنسية في البداية لم تحسم العلاقة بين الدين والدولة .قامت فقط بتشريع ينهي سلطة الكنيسة على الضمائر والعقول والقلوب.
ولكن هذه الثورة ارادت ان تذهب بعيدا وان تكون الاولى في حسم العلاقة مع الدين.فادخلت عنصر توتر قادها مباشرة الى تبرير الرعب والعنف طالما ان خوفها من ان يكون التدين ذريعة لعودة سلطة الكنيسة.
لقد خلطت بين مفهوم النظام ومفهوم الاوامر.وكان هذا مدخلا لنشاة سكيزوفرينيا العصر الذي نعيشها اليوم.
السكيزوفرينيا هي مرض الذين لا يقدرون على تقبل الاوامر ولا فهمها ولا تبريرها.
ان التمرد على الكنيسة كان تمردا على عصابة مافيا تقبع في روما وتبتز الشعوب.و انهيار سلطة الكنيسة لا يعني انهيار حاجة الناس الى نظام يوحد مسيرتهم ويعطي معنى لحياتهم.
ولكن الثورة الفرنسية التي خلطت حاجة الناس الى التدين وحاجة الناس الى الكنائس قلبت الطاولة على الجميع وشرعت الرعب بحجة توجيه الضمائر حتى لا تعود سطوة الكنيسة على العباد.وصار مفهوم الثورة المستمرة الذي هو اعلان حرب مستمر على الاوامر والامر عنوان تلك الحرية المطلقة التي بشر بها روبيسبيير.
ان رفض الاوامر فهم على انه الضامن الوحيد لبقاء الانسان حرا.فالاوامر تقيد الحركة وتبعد الانسان عن تحقيق ذاته
في العمق.
فكان ان سطرت هذه الثورة طريقا لنشاة حضارة الانفصام.
ولقد تفطن الفنانون وحدهم الى ان نمو الرفاهةعلى مدى الماتي سنة المنقضية في الغرب تحقق في الحقيقة تحت واعز الرعب الذي سلطته اجهزة الدولة الغربية الحديثة الخارجة من صلب الثورة الفرنسية.دوستوفسكي وكافكا وحدهما فهما ميكانيكية ان تكون حرا في هذه البلدان مع ان تكون في حالة ارتعاب متواصلة.
الانتاج تحت الرعب هذا شعار الحداثة.
هذا الرعب مصدره تكدس الرفض للاوامر دون ان ينتفي من حولك النظام بل ان النظام حولك صار شبيها بالغول الذي يهدد بابتلاعك في اية لحضة.
ان الرعب هو امر معلق بالقتل.وهو معلق في انتظار ان يمتثل المامور بتنفيذ اوامر اخرى لا تقل وطاة من كابوس الامر المعلق على راسه بالقتل.
فالانتاج حتي الانهاك هو نوع من الاوامر حولت الانظمة الحديثة الى ثوابيت رعب عملاقة صورها كافكا بعبقرية نادرة وتستعمل كلمة الكافكاية اليوم للتعبير عن تلك الغرابة الموحشة التي عادة ما تصور كفضاءات وبناءات عملاقة ومتاهية فارغة وشبه مظلمة توحي بالقلق وعدم الاكتراث.
ان اقامة دولة الحرية انجزت بحرا من الانظمة البوليسية تتلاطم فيها حاجة قصوى الى رفض الاوامر كونت جيشا مرعبا من المتمردين وبالمقابل صارت تلك الجيوش تتعبا لترصيف طرقات سيارة صار يحسب فيها الموت مجرد حوادث طريق.
خرج الرعب من بين ايادي الملوك والامراء ليقع بين ايادي اغلبية الشعب.
لا يمكن باية حال من الاحوال ان يتحول رفض الاوامر الى عقيدة .فالمجتمع الانساني في حاجة الى جملة من الممنوعات
حتى يحكم بناءه وتواصله.ولكن صحيح ان الانسان الحر الحقيقي هو انسان قادر على رفض الاوامر.
الرومانسية تغنت على مدى نصف قرن بصورة انسان حر متمرد على القوانين.ولكنه انسان تعيس مهدد من قوى غيبية مشبوهة
تقوم دائما في النهاية بتحطيمه كما في التراجيديا الاغريقية القديمة.
وعلى مدى الماتي سنة الماضية توسع مفهوم ذلك التمرد على الاوامر الى مفهوم الثورية.ولكن الثوار يكتشفون بعد مرور الزمن انهم ينتجون انظمة قمعية محشوة بالممنوعات والاقصاء وغياب الحرية.
في الحقيقة كل هذه القرون لم نتجاوز فيها عتبات الماتي يوم الاولى من الثورة الفرنسية.فكهنة الكنيسة جاثمون على الابواب .بل ان الكنيسة لم تتوصل الى امتلاك امبراطورية كما تمتلكها اليوم.والحكومات الغربية اليوم هي حكومات كاثوليكية اكثر من اية وقت مضى.
وبعد توينبي كان بروديل اكثر وضوحا في فهم حضارة المتوسط من استاذه الانقليزي.بروديل كان اقرب عندما اعلن ان ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية ضلا على مدى اربعة الاف سنة في صراع لم يتوقف.وبات المستقبل في حوزة من يعرف كيف يكره اكثر من الاخر.
لم تكن علاقة الاسلام بالغرب رفض في المطلق.هناك فقط حالة من الكره.انه تجاذب مغناطيسي لا اطثر ولا اقل.
اما في العمق فان الغرب لم يتوصل الى انتاج ما يخول له ان يتفوق على الاسلام.لهذا لم يتمكن من اختراق النواة المركزية الصلبة لهذه الحضارة.
اديوليجيا يحق للمسلمين ان يعتبروا ان الغرب لم يات بالجديد الذي يخول له ان يقوض اسس عقيدتهم.الاسلام قبل الثورة الفرنسية اقر بمبدا كونية الانسان وحرمته .والثورة الفرنسية لم تخترع الديمقراطية.
من حق المسلمين التشبث بدينهم وعقيدتهم ليس في حركة من يذهب الى الانغلاق . ولكن لان الغرب لم يات برسالة جديدة حقيقية .
لانه وببساطة ما يمتلكه الغرب في عمق عقيدته يدين به الى الاسلام. وكل هذه الحرية التي جاء ليبشر بها سبقه اليها المسلمون
بل ان المسلمين الذين ضلوا على مدى اربعة عشر قرن يجلسون الى اقرب موقع للاستماع الى نصهم المؤسس لديهم احساس انهم اكثر انسانية من هذا الغرب المتهورالذي لايخفي احقاده القديمة على الضفة الجنوبية.وهذا وحده دليل على انه لم يتجاوز ضيقه القديم وان رسالته لا تحتوى الا على عنصرية يعتقد الاسلام انه قاومها ويقاومها منذ زمن بعيد.والا كيف نفسر ان الدولة الاولى التي ارادت اقامة الحرية والعدالة والمساوات والاخوة وهي بلاد الثورة الفرنسية تتحول بعد جيل واحد من قيام تلك الثورة الى دولة استعمارية متوحشة مغتصبة اهانت جزءا لا يستهان به من شعوب الضفة الجنوبية للمتوسط.باية منطق يمكن تفسير ذلك ان لم يكن ضعف عميق في العقيدة الجديدة التي جاءت بها.
الاسلام لم يعرف مازقا كذلك الذي عرفته الكنيسة في اوروبا.الاسلام هو دين جمهوري.و نظام الحكم فيه في العمق هو نظام جمهوري لولا عملية السلب التي قامت بها بعض القبائل الماكرة التي حولته الى نظام ملوكي.
وحضارة العرب والمسلمين لم تتحطم من مازق اديولوجي بل دمر العمران وسياسة الناس بفعل انهيار استراتيجي لافريقية
كقاعدة وسطى بين الشرق الاسلامي وغربه في الاندلس بعد ان ارتكب الفاطميين خطا شنيعا بان سرحوا قبائل جائعة دمرت افريقية وتركت الاندلس عاري الظهر.
على العكس لقد كاد النمو الحضاري والعمراني في اوج الحضارة الاسلامية ان ينتج مجتمعات صناعية كتلك التي تكونت في اوروبا في القرن التاسع عشر.
ولا وجود في تاريخ الاسلام الى صدام بين العلم والدين.
وكان بامكان شخص مثل فرويد ان ينشا في بغداد او القيروان في القرن العاشر وهذا امر لم يكن يقلق احدا ولم يكن الحكام سيلجؤون الى جلده او قتله طالما لم يكن يهدد سلطانهم.
كثيرون اليوم يعتقدون ان النظام الديمقرطي هو نظام علماني .والحال ان اثينا الديمقراطية كانت متدينة الى النخاع. وسقراط حوكم بحجة التهجم على الدين انذاك.
الحقيقة ان الديمقراطية هي نظام سياسي يقوم عندما يتوان الرعب.
اما الفكر العلمي فهو كما يقول ديكارت مسالة موزعة على البشر بعدالة فائقة.
ان التقسيم الاعتباطي الذي قام به بعض المفكرين المشبوهين الالمان والفرنسيين للفكر على ان هناك فكر اسطوري واخر لاهوتي واخر فكر علمي وقبول هذا التقسيم المشؤوم من جزء كبير من مفكري القرن الماضي ساعد على تصنيف الدين
كما لو انه مرتبط بحقبة قديمة من عمر الحضارة والانسان.الحقيقة ان هذا التقسيم الذي لا يستند الى الواقع ولا الى حقيقة الفكر والتفكير عموما الذي هو رغم توزعه على العالمين بعدالة فانه مسالة لا تقبل التجزا ولا التقسيم.
ثم ان تقسيم الفكر الى اجناس ساعد على نمو عنصرية شديدة الباس في الغرب حشرت الشعوب الاكثر تدينا في الشرق العربي وفي افريقيا وغيرها في قائمة الشعوب البدائية وبررت الاستعمار وكل الدمار الذي الحقه الاستعمار داخل هذه المجتمعات.
وحجب عنا مستوى مساهمات الديانات في تقدم وعى البشر بمحيطاتهم.
لقد فجرت الديانات التوحيدية ايما تفجير طاقات الشعوب التي استولت على قلوبها وعقولها.وكانت احدى ركائز تقدم الانسانية نحو التوحد والتقدم العمراني والمعرفي.
فالدين هو علم .حتى وان صنفت حقائقه من نوع الحقائق المطلقة. فهو علم مهتم بجانب هام وحوي من حياة البشر انه يعطي اجوبة عن معطيات ثابتة في تاريخ الانسان تمتد على مراحل شاسعة من الزمن.انه علم اعطى للانسان موقعا متقدما وجعل
منه دون غيره من الكائنات مخلوقا اخلاقيا.
لا توجد لحضة معرفة تصل الى النور المتاتي من معرفة اننا كائنات تحمل اعباء المسؤولية الاخلاقية.
لذلك يصنف الدين على انه علم المطلق.انه يجيب عن اسئلة عالقة من الالاف السنين والقرون.ولا احد تفطن الى قوة التحرير التي احدثتها الديانات في تاريخ الشعوب بمجرد ان قدمت تفسيرات للكون والوجود.
لا احد اليوم يدرس مليا طاقة التحرير التي احدثتها الميسيحية في حياة الشعوب .لا احد يهتم بما فعله المسيح الذي حرر المجتمعات القديمة من كوابيس القرابين وكل الدروس التي قدمها السيد المسيح كانت تدور حول تحرير الانسان من كابوس القربان.
المجتمعات القديمة قبل المسيح كانت معطلة بقضية القربان.والقرابين كانت تقدم لصرف وابعاد تهديد الموت.
وتاريخ القرابين هو جزء هام من تاريخ المؤسسة السياسية.ولقد كانت كل الرمزية للقرابين تشهد على معارك سابقة يكون فيها المنتفع بالقربان منتصرا سابقا افرزت انتصاراته على سن ثمن لابعاد الموت على المهزومين.وبمرور الزمن تحول القربان الى عقيدة راسخة اذلت الشعوب القديمة وعطلت نموها.
السيد المسيح الذي قدم جسده قربانا للانسانية انهى الرعب المتاتي من ثمن ابعاد الموت و اغلق الابواب على السلطة السياسية التي كانت تبتز الشعوب بسلبها حريتها مقابل الحصول على القرابين.فبعد المسيح خرج حق الموت والحياة من بين ايادي الملوك وتحررت الشعوب من ذلك الرعب الذي عانت منه شعوب العهود القديمة.
الاسلام انجز اكثر من ذلك .
الاسلام مهد لكل هذه العصور الحديثة بل ان الاسلام هو الذي فتح العهود الحديثة عندما دمر فكرة التماثل الارسطية.وهي فكرة قديمة قدم الانسان ولكنها كانت ايضا تعطل نمو وحرية الشعوب.مثلا كانت الكنيسة تتدعي لتبرير النظام الاقطاعي انه نظام يماهي ويشبه هرمية النظام الالاهي .
هذه الثورة يلخصها الغزالي في نظرية الارادتين.ويوضح ان الاسلام فصل بين ارادة الخالق وارادة المخلوق.بحيث انه لم يعد هناك تماثل او تشابه بين الخالق والمخلوق.وحرر بذلك الفكرمن عقدة الاسم والمسمى.وظهر ان الاسم هو مجرد علامة لمسمى لا اكثر ولا اقل .فكل ما نعلمه في الارض ليس العلم اليقين بل هي مقاربة لعالم لا تتسع له ارادتنا. وايمانويل كانط الذي خرج من رحم البروتستانتية لم يكن يعلم انه كان يستقى رؤيته التي ثورت العلوم الحديثة من الانفجار المعرفي الذي احدثه الاسلام.
لم يكن الغرب يوما من الايام مهدا لاية اضافة اديولوجية ذات بال.وسوف يبقى هذا على حاله ربما الى زمن غير مسمى.ولا احد اليوم يشك لحضة في حدود هذا الغرب الذي رغم مناخ الحرية التي عبرته بعض الوقت لم يتمخض الا عن نشاة افكار ورؤى مبتورة عنصرية ومغلقة.وحتى احلام الماركسية تبخرت بسرعة بعد ان انجزت انظمة سياسية مشوهة وقاتلة للنفس البشرية.بل ان هذا الغرب كلما اشتدت عزلته رايناه يتشبث بعبابث وارواح اديولوجيات مفلسة منذ قرون.كد فاعه المستميت اليوم عن اسطورة دولة اسرائيل كمحاولة اخيرة للخروج من مازق الفراغ الاديولوجي الرهيب الذي بدات تنزلق فيه شعوبه.
هذا الغرب الذي يدعي بهتانا انه اخترع مبدا حقوق الانسان يقوم بسجن نفسه خلف مشروع دولة اسرائيل العنصرية التي تميزت على غيرها من الديانات التوحيدية بان احتفضت بالطابع العرقي والقبلي للعقيدة.انها ديانة بدائية توتمية قديمة فقدت منذ الالاف السنين اديمها وربما لم تعد صالحة الا كمادة للدارسين في تاريخ الاديان.
الدين ليس مرحلة وليس طريقة تفكير ولا طبقة فكرية يمكن ا ن تفصل عن بقية ملكة تفكيرنا . انه الفكر في اقوى تجلياته .عصارة علاقة الانسان بالكون .انه جملة الاوامر التي توضح بجلاء موقعنا في الكون وتجعل منا كائنات اخلاقية .واذا كانت فيه حقائق تبدو جامدة فلانها حقائق تعنى بقطع كبيرة من الزمن تمتد على الالاف السنين.فالواح موسى التي تقول لا تقتل ولا تسرق ولا تكذب هي الواح تعنى بحقائق انسانية تمتد على حقب شاسعة من حياة البشر.واذا حفرت هذه القواعد على الحجر فلانه لم يعد لا حد الحق ان يمحوها الا ويعرض نفسه لغضب الله.ولغضب الانسان. من ؟ من يستطيع اليوم ان يبرر القتل.؟
علينا ان نعيد التفكير في كل هذا والا يخدعنا غباء وجهل اجيال من اشباه المفكرين الذي اعمو بصيرتنا عن هذه الحقائق البسيطة.
الامجد الباجي
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام علي أفضل المرسلين تونس في 3 /2 / 2008 يوم لا يمحي من الذاكرة الرسالة رقم 389 علي موقع تونس نيوز شكرا لمن أتاح لي هذه الفرصة
حرية الإعلام والتعبير والحوار في وسائل الإعلام المرئية و المسموعة لها شروط و آداب وفضائل سامية وأخلاق عالية وحقائق بعيدة عن الإثارة و التجريح .
جواب إلى الأخ محمد محسن الحمدوني
همسة
الصحبي صمارة
صنّاع الموت يخافون الفضيحة
تعرّض العدد 45 من » مواطنون » الأسبوع الماضي إلى محاصرة تامّة في السوق، حيث أصدرت أجهزة » الأمن » أوامرها بعدم عرضه علنا للبيع كسائر الصّحف. ويعود ذلك إلى كوننا تناولنا ملفّا تحاول الأجهزة الأمنية إخفاءه متصوّرة أنّ التاريخ لا يمكنه أن يكشف الحقيقة. الملفّ الذي تناولناه في الأسبوع الماضي كان موضوعه عمليات التنكيل بنشطاء وسجناء حركة النهضة سواء داخل الزّنازين أو حتى بعد قضاء مدّة سجنهم. وإن كنّا تناولنا الملفّ ونحن على اقتناع بأنّ القمع الذي طال المعارضين في التسعينات، والذي لم تهفت حدّته بعد، لم يطل فقط عناصر حركة النهضة، فإنّ تناولنا للموضوع كان في إطار سعينا إلى الكشف عن ملفّ مخجل من تاريخ البلاد السياسي للتحسيس بضرورة الإقلاع عن عقلية التشفّي بذوي الرأي المخالف والتراجع عن سياسة الاعتداء على حقوق الإنسان وحرية التعبير والتفكير والتنظّم في إطار الرسالة الصحفيّة. غير أنّ صنّاع الموت ومقترفي تلك الخطايا أزعجهم أن ننشر غسيلهم فهم يخافون الفضيحة رغم أنّهم لا يخافون تأنيب الضمير الإنساني الذي لا نعرف أين اختفى من داخلهم وهم يقودون هذا السجين أو ذاك إلى الموت السريع أو البطيء. ويتوهّم هؤلاء أنّه بمجرّد منع
» مواطنون » من التوزيع وفق الطرق القانونية فإنّ المواطنين لن يعرفوا شيئا ممّا ارتكبت أيديهم فيما يغفلون حقيقة مهمّة وهي أنّ ما ارتكب من جرائم في عهد ستالين وهتلر وفرانكو وغيرهم قد تمّ كشفها وأصبحت شواهد على فضاعة الاستبداد والقهر بل وأصبحت دروسا هامّة في مادة التاريخ يتلقّاها التلاميذ حتّى يتمكّنوا من معرفة الصفحات المظلمة من تاريخ الشعوب وحتّى يدركوا ضرورة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترامها كي لا تكون الأجيال القادمة ضحايا لمجازر من ذلك النوع.
كلمة أخيرة: الحقيقة كامنة في أعماق الإنسان كالنّار المكنونة في الحجر الصوّان.
(المصدر: صحيفة « مواطنون » (لسان حال التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات) (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 46 بتاريخ 23 جانفي 2008)
الرابط:
http://www.fdtl.org/IMG/pdf/mouwatinoun_46.pdf
شهيد في العراق .. محاكم بالإرهاب في تونس
أصدرت دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس بجلستها المنعقدة بحجرة الشورى يوم الثلاثاء 2 أكتوبر 2007 قرارها بإدانة 15 شابا تونسيا بتهمة ارتكاب جرائم الدعوة إلى ارتكاب جرائم إرهابية والانضمام داخل تراب الجمهورية إلى وفاق اتّخذ من الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضه.
وكان من بين المتهمين طالب تونسي يدعى فتحي بن صالح بن عمر بن محمّد المولود بمارث في 22 أفريل 1983 والحاصل على الباكالوريا رياضيات سنة 2004 والمرسّم بشعبة علوم الحياة والأرض بالنسبة للسنة الدراسية 2005 والذي كان يدرس بشكل طبيعي في كلية العلوم بقابس إلى حدود أفريل 2005 .
غياب غير مبرّر:
وقد صرّحت دائرة الاتهام المذكورة بالحكم غيابيا على هذا الطالب نظرا لعدم تواجده بين بقية المتّهمين، فيما تلقّت عائلة المتّهم معلومات عن طريق الهاتف تقول أنّه قد استشهد بالعراق بعد التحاقه بصفوف المقاومة العراقية في شهر ماي من سنة 2005، غير أنّ حادثة اختفاء فتحي بن محمّد تركت استفهاماتها تطفوا على السطح. فالطالب البالغ من العمر آنذاك 22 عاما كان يعيش وضعية عادية بين أهله إلى أن اختفى فجأة عن الأنظار ولم يقم بأي اتصال يدلّ على مكانه سوى أن شقيقته تلقّت اتصالا هاتفيا من سوريا بعد قرابة شهر من غيابه أي في شهر ماي 2005 وتحدّث معها مخاطبها على أساس أنّه شقيقها في الوقت الذي لم تكن متأكّدة من صوته. وقد أعلمها بتواجده داخل التراب السوري وفي تلك الفترة بلغ عائلة المتهم استدعاء من المصالح الأمنية بمارث ليعلمها بأنّ ابنهم في حالة فرار من تهمة تتعلّق بقانون مكافحة الإرهاب. وبعد أسبوع من الاتصال الهاتفي الذي دلّت أرقامه على أنّه من التراب السوري وفد على العائلة اتصال هاتفي آخر يؤكّد نبأ استشهاد الشاب في العراق.
تبرير غير منطقي:
من هنا تبدأ ملامح المتاهة في هذه القضيّة، فالحدود السورية اللبنانية مراقبة جويّا كما أنّ الانتقال البرّي إلى التراب العراقي يستغرق مدّة تتجاوز الأسبوع هذا ما يجعل الفترة الفاصلة بين الاتصال الأول من سوريا والاتصال الثاني من العراق محلّ شكّ خصوصا وأنّ الشاب تونسي الجنسية وإمكانية التحاقه بصفوف المقاتلين في العراق تتطلّب وقتا أطول للتنسيق مع من يقومون بالعمليّات الميدانية هناك فهل تكفي مدّة الأسبوع لتمكّنه من القيام بإجراءات السفر غير العادية بين البلدين والالتحاق بالمقاتلين ثم القيام بعمليّة تؤدّي إلى استشهاده؟؟
الحلقة الثانية من المتاهة تتمثّل في اتصال العائلة بالرقم الذي يفترض أنّه من العراق للتأكّد من معلومة استشهاده غير أنّ الرقم كان يردّ من طرف أناس عاديين ينكرون علاقتهم بالعراق ويتصرّفون في أجواء عادية تماما. هذا ولم تظهر أيّة تفاصيل أو معلومات من أية جهة سواء من السلطات العراقية أو من غيرها لإضافة أي معطى يمكن أن ينفي أو يؤكّد نبأ استشهاده.
لم يدخل التراب السوري:
في المقابل سافر والد المتهم المقيم بفرنسا إلى سوريا للبحث عن ابنه فلم يعثر له على أثر وأكّدت له السلطات السورية والسفارة التونسية هناك أنّ ابنه لم يدخل التراب السوري لا عن طريق البرّ أو البحر أو الجوّ ممّا يضاعف الاستفهامات حول أسباب وظروف غياب هذا الشاب الذي توزّعت أنباء اختفاءه بين ثلاث جهات هي تونس التي تطارده بسبب انتماءه إلى تنظيم إرهابي وسوريا التي وطأ ترابها عن طريق رابع لا هو بالبرّ ولا هو بالبحر ولا هو بالجوّ!! والعراق التي استشهد فيها ولم يذكر اسمه بين مقاتليها ولا بين ضحاياها ولا حتّى تركت لجثّته أثرا.
اتهام مبني على النوايا:
بالإطلاع على قرار دائرة الاتهام المذكورة والذي يتضمّن 20 صفحة نجد أنّ المحكمة بنت قرارها على ما ورد من محاضر أبحاث تكفّلت بها المصالح الأمنية واعتمدها حاكم التحقيق ويذكر التقرير في صفحته الثالثة ما يلي : » وحيث أنتج البحث أنّ أعوان الأمن وفي نطاق إجراءات التحرّي والبحث عن الجريمة الإرهابية ومرتكبيها وتعقّبهم وكشف غموضها تمكّنوا بتاريخ 22 نوفمبر 2006 من إلقاء القبض على المضنون فيهم ( … ) وبالتحرّي معهم تبيّن أنهم كانوا يعقدون اجتماعا وحصل بينهم وفاق لارتكاب أعمال تخريب داخل تراب الجمهورية بهدف الإطاحة بالنظام القائم بعد أن تمّ العدول عن فكرة التحوّل إلى العراق والقتال هناك والجزائر لتلقي تدريبات على الأسلحة … »
وبالرّغم من خطورة التهمة الموجّهة إلى هذه المجموعة من الشباب أصيلي ومتساكني منطقة مارث فإنّنا لا نعثر على أثر لعمل مادّي ارتكب وذلك حسب محضر البحث واستنطاق المتّهمين كما أنّه لا وجود البتّة لمحجوز بحوزتهم سوى أقراص مضغوطة لا نعلم إن كانت موجودة بالفعل. وقد ذكر التقرير أنّها تضمّنت تسجيلات قرآنية وخطبا دينية مشيرا إلى تواجد أقراص مضغوطة تتعلّق بتصوير تدريبات لمقاتلين.
وعلى الرّغم من ذلك فإنّ ما يبنى عليه الاتهام من أركان مادية تتعلّق بجريمة الإرهاب أو الإعداد لارتكاب جرائم إرهابية غير موجود وغير مذكور في التقرير الذي ادعى أنّه ينقل وقائع فيما هو قائم على مكافحات وأبحاث استنطاق تصف مجموعة شابة تميل إلى التديّن وتلتقي بين الفينة والأخرى للدردشة حول مواضيع تتعلّق بالعنصر الديني الذي هو عنصر ثقافي متوفّر لدى كلّ الشعوب ومتوزّع بينها وفق خصائصها الحضارية ومخيالها الجمعي وتجاربها التاريخية وليس جريمة مادية إنّما هو محاولة من محاولات المعرفة وطريق مشاع من طرق التصوّر والتفكير والتمثّل. أمّا فيما يتعلّق باعتبار التقرير لهؤلاء أنّهم يكفّرون النظام القائم فلم ترد خلال الصفحات أيّة إشارة إلى اعتراف هؤلاء الشباب بهذه التهمة بل بنيت التهمة على منطق تصنيفي قائم على أسلوب إقصائي هو من جوهر التهمة نفسها حيث تمثّل المعادلة التي بنيت عليها التهمة حسابيا ( أنت تصلّي إذن أنت سلفي وأنت سلفي إذن أنت متطرّف وأنت متطرّف إذن أنت تكفيري وأنت تكفيري إذن أنت إرهابي ). هذه هي القاعدة التي تمّ التعامل وفقها مع المئات من المحاكمين بقانون مكافحة الإرهاب الذي تمّت المصادقة عليه عمدا في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من العام 2003 . وطريقة المعالجة هذه هي كمن يعالج داء الجرب بسلخ جلد المصاب به في الوقت الذي تتعلّق المسألة بمراكمات نفسية واجتماعية لثقافة جيل من الشباب الذي تربّى في مجتمع أغلبيته مسلمة وهو غير معزول عن الانزلاقات الحضارية التي يشهدها العالم في إطار الوضع الدولي الجديد الذي انقلبت فيه عديد المعادلات والقيم لتعبّر على ضدّ دلالاتها.
المعالجة الأمنية ذات التوجّه القهري لا تجدي:
لا يمكن في هذه الحالة التي تحوّلت قهريّا إلى ظاهرة أمنية الوثوق في نجاعة التعامل الأمني بالمرّة إذ تتطلّب المسألة الكثير من الوعي بخطورة ما فرضته الثقافة العالمية من حالة انبتات ثقافي وحضاري تجعل شريحة الشباب الذي يبحث عن توازنه يهرب إلى عنصر التديّن الذي هو عنصر شخصيّ وفرديّ للغاية ينظر إليه باعتباره حقّا من حقوق الإنسان والمواطن في ممارسة شعائره الدينية. ومعالجة الانبتات لا يجب أن تسمح باعتماد أسلحة أصولية أكثر من الأصولية نفسها وهي المعالجة القمعية عبر طرق التعذيب والترهيب وتزييف الوقائع والمحاسبة على النوايا إذ أنّ هذا التناول الأمني هو أيضا أصولي وغير مبني على ثقافة السعي لتغيير الأفكار أو أنساق التفكير بل قائم على تدمير أصحاب الأفكار وإحالتهم إلى حطب لسياسة متحجّرة قائمة على عقليّة التعليمات وعلى المنطق القهري الذي يدين كلّ شيء على قاعدة الشبهة والاشتباه والتشبّه والشبه.
وإذا كانت أمنية أمّ الشاب فتحي بن محمد المتّهم في تونس والشهيد في العراق هي أن تبلغ سمعها أخبار تؤكّد وجود ابنها على قيد الحياة فإن ما نريده أن يسمعه أنصار الحملة الدولية لمعاضدة المجهود الأمريكي في مكافحة الإرهاب هو أنّ هؤلاء الشباب هم تونسيون وهم منتمون لجيل توقّفت بشكل شبه نهائي إمكانية الحلم والطموح لديهم وهم في أوج العطاء وفرضت عليهم سياسة إقصائية مدمّرة ولكنّهم في النهاية يضلّون جزءا من روح هذا الشعب التي تتوق للحرّية والعدالة والديمقراطية لذلك لن يكون الحلّ إلاّ بإعادة الاعتبار لقيم الحرّية والديمقراطية والعدالة.
الصحبي صمارة
(المصدر: صحيفة « مواطنون » (لسان حال التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات) (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 46 بتاريخ 23 جانفي 2008)
الرابط:
http://www.fdtl.org/IMG/pdf/mouwatinoun_46.pdf
في حفل رائع:
انتخاب ملكة جمال الطالبات بالوطن القبلي
انتخبت الأسبوع الفارط الطالبة ابتهال السلامي (21 سنة) ملكة جمال الطالبات بالوطن القبلي وذلك على هامش المهرجان الأول للطالب المبدع الذي نظمه المعهد العالي للغات التطبيقية والإعلامية بنابل. وشاركت في التصفيات 21 طالبة تنافسن خلال أربع جولات لجلب إنتباه الجمهور الغفير ولجنة التحكيم.
وقد أفادنا السيد قيس غومة المسؤول عن هذه المسابقة ان لجنة التحكيم توجت الطالبة ابتهال السلامي (سنة اولى انقليزية أعمال) أصيلة الحمامات ملكة جمال الطالبات بالوطن القبلي 2008 فيما حازت لبنى العوني (العاصمة) المرسمة بالسنة الثالثة لغات أجنبية مطبقة على لقب الوصيفة الاولى وهاجر الكعبي (زغوان) على لقب الوصيفة الثانية.
(المصدر: صحيفة « الصباح الأسبوعي » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 4 فيفري 2008)
مسابقة وطنية في الإملاء بالفرنسية لتلاميذ «النوفيام»
نهاية هذا الأسبوع آخر اجل لضبط قائمات المشاركين على الصعيد الجهوي
تونس ـ الاسبوعي: تشجيعا لاتقان التلاميذ للغات الحية وخاصة منها اللغة الفرنسية تنظم وزارة التربية والتكوين بالتعاون مع ممثلين عن سفارات بلدان اعضاء الفرنكفونية بتونس مسابقة وطنية في الاملاء باللغة الفرنسية يشارك فيها تلاميذ السنوات التاسعة من التعليم الاساسي.. وقد تم رصد عدة جوائز تشجيعية هامة للمتفوقين في هذه المسابقة..
افضل المعدلات
هذا وسيتم تنظيم المسابقة المذكورة على صعيدين الاول جهوي والثاني وطني.. فبالنسبة الى المستوى الجهوي ستقام المسابقة يوم الجمعة 22 فيفري الجاري في فضاء موحد تعينه الادارة الجهوية للتربية والتكوين..
وتتاح المشاركة في هذه المسابقة الجهوية لتلاميذ السنة التاسعة بالمدارس الاعدادية العمومية والخاصة بكل جهة من الجهات ويتولى مديرو المدارس الاعدادية تعيين تلميذ عن كل قسم يكون متحصلا على افضل معدل في مادة الفرنسية خلال الثلاثي الاول من السنة الدراسية الجارية 2007 ـ 2008 ثم ترسل قائمة اسماء هؤلاء التلاميذ مرفقة بمعدلاتهم الثلاثية العامة ومعدلاتهم في مادة الفرنسية الى الادارة الجهوية للتعليم في اجل اقصاه نهاية هذا الاسبوع. وستدوم هذه المسابقة ساعة ونصف ابتداء من الساعة الثانية بعد الظهر.
وستتولى لجنة متكونة من بعض اساتذة الفرنسية ومتفقد المادة اختيار نص الاملاء واعداد الاسئلة المرتبطة بالمسابقة وفي ضوء ذلك سيتم تحديد فائزين اثنين.. وفي صورة تساوي بعض التلاميذ في العدد فان اللجنة ستعود الى المعدلات العامة للتلاميذ خلال الثلاثي الاول من السنة الدراسية الحالية لتحديد افضلهم.. ثم ترسل قائمات الفائزين على صعيد جهوي الى الادارة العامة للامتحانات في اجل اقصاه 1 مارس المقبل حتى تتاح لهم فرصة المشاركة في المسابقة الوطنية.
تأمين النقل والاقامة
وسيكون موعد المسابقة الوطنية والنهائية يوم الجمعة 28 مارس القادم بتونس العاصمة بداية من الساعة الثامنة والنصف صباحا وستتولى الادارات الجهوية للتربية والتكوين دعوة المتفوقين بعد موافقة اوليائهم وتأمين نقلهم الى العاصمة ذهابا وايابا للمشاركة في هذه المسابقة فضلا عن تأمين الاقامة بالنسبة الى الراغبين منهم حتى تكون كل الظروف ملائمة لحسن المشاركة والفوز في هذه المنافسة النزيهة بين عدد من نوابغ المدرسة التونسية.
هارون
(المصدر: صحيفة « الصباح الأسبوعي » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 4 فيفري 2008)
قارئ يردّ على وزير النقل
لماذا أنفقتم 7 ملايين دينار على دراسة وأمضيتم فيها 5 سنوات والحل أقل كلفة ووقتا مما خصصتموه؟!
وردت علينا من أحد قراء جريدتنا رسالة رأينا أنها تستحق النشر كاملة دون زيادة أو نقصان..الرسالة جاءت بأسم أسرة التحرير وتطرقت لموضوع حساس الا وهو النقل العمومي وقدمت مقترحات جديرة بالمتابعة ومن يرى عكس ذلك فليبادر بالرد عليها وفيما يلي نصّ الرسالة.
إلى أسرة تحرير «الأسبوعي»
تحيّة احترام وتقدير على العمل الكبير الذي تقومون به وعلى رأسكم أستاذنا حافظ الغريبي حتى تصلنا صحيفتنا «الاسبوعي» بهذا المستوى العالي من الحرفيّة والضمير المهني الذي والحق يقال أصبح عملة نادرة في صحافتنا اليوم، مع ما يتطلبه ذلك منكم علاوة على الجهد المضني واليومي من تضحيات كبيرة لا نراها ولكننا نحترمكم ونجلكم من أجلها.
دراسة
أمرّ الى موضوع رسالتي ألا وهو النقل العمومي في تونس، موضوع لطالما طرح للدرس والنقاشات والاطروحات التي لم تغير في واقعه المزري شيئا.. في إجابة وزير النقل على سؤال لصحفي أحترم كثيرا قلمه وهو السيد رضا لحمر عن متى يمكن للشعب التونسي الاعتماد على نقل سريع وآمن ومريح؟
قال الوزير في جملة ما قاله أن ذلك في طريقه للانجاز؟ وأن الدراسة وحدها أخذت من وقت الوزارة خمس سنوات وكلفتها سبعة ملايين دينار!! عن هذه الفترة وعن هذا المبلغ أردت أن أتوقف وأبدي بعض الملاحظات. في آخر إحصاء رسمي قامت به وزارة التخطيط والتعاون الدولي ونشرت أرقامه جاء فيه أن700000 تونسي (تجنّب التقرير وصفهم بالفقراء) مدخولهم السنوي يتراوح بين 400 دينار و575 دينارا!! أي أنه وبعملية بسيطة يتضح أن وزارة النقل أنفقت على دراسة واحدة واشكال وحيد من أموال المجموعة الوطنية ما يفوق المدخول السنوي لـ14360 عائلة تونسية؟ !! سقت هذا المثال فقط لندرك جيدا حجم وضخامة هذا الرقم بالنسبة لبلد في ظروف وامكانيات تونس.
أما عن المدة التي استغرقتها وهي خمس سنوات، فإنني أعتقد أنه حتى بالنسبة لبلد من بلدان العالم الثالث هي مدة طويلة وليس لها ما يبررها.
أمرّ الآن الى النتائج لأقول وببساطة أنها غير موجودة وهي وإن وجدت فالأكيد أنها ضئيلة لدرجة تصبح معها غير مرئية وغير محسوسة بالنسبة لمستعملي النقل العمومي وهي في أفضل الحالات عبارة عن أرقام لا تهم سوى أصحابها تتحدث عن نسبة الزيادة في أسطول النقل وتتحاشى الاشارة الى النسبة المضاعفة لزيادة مستعمليه.
الحل ممكن
ما الحل إذا؟ أرى أن احد الحلول يكمن في دراسة ميدانية (من المؤكد أنها ستكون مغايرة عن تلك التي كنا نتحدث عنها) ترتكز على النقطة التالية:
ان نسبة كبيرة من مستعملي وسائل النقل العمومي يضطرون الى دخول العاصمة ومن ثم الخروج منها الى وجهات عملهم وهي غالبا التجمعات الصناعية (الشرقية I وII ، بن عروس ، بئر القصعة الخ) وذلك لتمركز كل الخطوط تقريبا في المحطات الكبرى داخل العاصمة (الحبيب ثامر، باب الخضراء، برشلونة، الجمهورية، المنصف باي) وهو ما يسبب ازدحاما مضاعفا: مرة في الدخول الى قلب المدينة ومرة في الخروج منها. يكفي أن نقوم بإحصاء دقيق لمناطق سكن المسافرين ووجهاتهم النهائية حتى نتمكن من تحديد الخطوط الجديدة المباشرة الواجب احداثها وتواتر سفراتها وحتى أكون عمليا أكثر اقترح الخطوات التي في رأيي يجب انتهاجها في هذا الاحصاء وهي تكوين فريقي عمل:
* فريق ميداني يتولى جمع المعلومات وتدوينها في استمارات بعد سؤال المسافرين الوافدين الى المحطات الرئيسية بالعاصمة 4 أسئلة وهي:
– مقر السكن
– مكان العمل
– ساعة مباشرة العمل
– ساعة مغادرة العمل
هاته العملية تباشر مع وصول كل حافلة بمعدل يوم عمل كحد أدنى لكل رواق على أن تقسّم ساعات العمل من الساعة 5 صباحا الى الساعة 8 صباحا ومن الساعة الثانية بعد الزوال الى السابعة مساءا وهي أوقات الذروة لتدفق المسافرين ذهابا وإيابا مع وجوب توفير استمارات توضع على ذمة بقية الحرفاء كامل اليوم مع صناديق خاصة لاسترجاعها بعد تعميرها من طرفهم.
* فريق إداري تكون مهمته التعاطي مع الكم الهائل من المعلومات واستنباط الحلول الممكنة.
على أن تسبق هاته العملية حملة تحسيسية بالغاية والجدوى التي تنتظر المواطن من ورائها (ومضات اشهارية في التلفزة والاذاعة ومقالات صحفية).
النتائج
عملية بسيطة وإن كانت تحتاج الى الوقت والأموال فالأكيد أن الوقت لن يكون بالسنوات والاموال لن تكون بالملايين نستفيد على اثرها من:
1- قاعدة معلومات دقيقة هي غير متوفرة حاليا عند شركة النقل التي تعتمد في احصاءاتها على عدد التذاكر والاشتراكات المقتطعة التي وإن وفرت بعض المعطيات فهي تعجز عن تحديد العدد الحقيقي للمسافرين لكثرة «الترسكية» هذا من جهة كما تعجز من جهة ثانية عن تحديد الوجهات بدقة نظرا لاعتمادها في تذاكرها واشتراكاتها على نظام الاقسام.
2 – الاقتصاد في الطاقة بعد أن نكون جنبنا حافلاتنا التحول الى المناطق المكتظة بحركة المرور.
3 – الحفاظ على القدرة الشرائية لعديد مواطنينا عوضا عن اقتطاع تذكرتين لسفرتين كما جرت العادة إذ سيقتصرون على تذكرة واحدة وسفرة وحيدة مع ما يعنيه ذلك من ربح الوقت.
4 – خلق مواطن شغل عمليا هذه المرة لبعض حاملي الشهادات العليا بعيدا عن الشعارات الجوفاء.
هو اقتراح أتمنى أن يلقى آذانا صاغية.
أبو رحمة
(المصدر: صحيفة « الصباح الأسبوعي » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 4 فيفري 2008)
قضاء: البت في 12567 قضية طلاق خلال السنة القضائية المنقضية
لماذا ارتفعت أحكام الطلاق وتراجعـت مساعـي الصلح؟
تونس ـ الاسبوعي: كشفت معطيات رسمية تطور قضايا الطلاق خلال السنتين القضائيتين الاخيرتين حيث ارتفع عدد الاحكام الصادرة بالطلاق من 11711 حكما بالنسبة الى السنة القضائية 2005 ـ 2006 الى 12557 حكما سنة 2006 ـ 2007 بينما تقلص عدد قضايا الطلاق المنتهية بالطرح نتيجة لوقوع الصلح بين الزوجين بالنسبة الى ذات الفترة من 1644 عملية صلح الى 796 اي قرابة نصف القضايا التي انتهت بالصلح.
ما المطلوب؟
وهو مؤشر على قدر من الاهمية للحفز على مواصلة الجهود لتفعيل هذه الاجراءات وتطويرها وتحقيق النتائج العملية المرجوة منها.. ولم لا مراجعة الوسائل والاليات المتبعة في محاولة التوفيق بين الزوجين وتقريب وجهات النظر لتفادي ظاهرة «الطلاق» وما تحمله من انعكاسات جمة على توازن العائلة وتماسك المجتمع.. هذا الى جانب مواصلة البحث الاجتماعي لتفادي الاسباب الموضوعية والاجتماعية المفضية الى الطلاق ومساعدة الاسر على تجنب امكانية الوقوع فيها وهي مهمة على درجة من النبل والاهمية.. (ربما يكون للمقترح الموجود بركن كلمة دور في ذلك).
جهود لكن!
حصلت هذه النتائج رغم المجهودات المبذولة من وزارة العدل وحقوق الانسان في تنفيذ القرار الوارد بالمحور السادس عشر من البرنامج الانتخابي لرئيس الدولة لفترة ما بين 2004 ـ 2009 والمتعلق بتخصيص فضاء مستقل في مقرات المحاكم لقضاء الاسرة والطفولة قصد حفظ كرامة الاطفال وحماية خصوصية الشؤون العائلية والزوجية وقد تم العمل منذ بداية السنة القضائية 2005 ـ 2006 بتخصيص فضاءات للاسرة بجميع المحاكم الابتدائية والاستئنافية ووضع الامكانيات المادية والبشرية اللازمة لحسن سيرها. وقد تبين من خلال متابعة هذا الاجراء انه ساهم في تحقيق الاهداف المرجوة من خلال تخصيص جناح متكامل ومستقل لهذه النوعية من القضايا الى جانب توفير مدخل لهذا الفضاء وكتابة خاصة وقاعة جلسات وقاعة انتظار مما مكن من فصل المتقاضين الذين يؤمون هذا الفضاء عن بقية رواد المحكمة بالنظر الى طبيعة هذه القضايا وما تنطوي اليه من ابعاد شخصية وذاتية.
سفيان السهيلي
(المصدر: صحيفة « الصباح الأسبوعي » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 4 فيفري 2008)
إنشاء محميتين بحرية وبرية وملاعب للغولف وشقق ومدينة العاب من أعلى طراز
مجموعة إيطالية تعد لإنجاز مشروع سياحي بيئي ضخم بغابة سجنان
تونس ـ الاسبوعي: علمت «الاسبوعي» من مصادر مطلعة ان مجموعة «بريياتوني» (preatone) الايطالية للاستثمارات بصدد دراسة انجاز مشروع ضخم بغابة سجنان بولاية بنزرت وهو ما تأكد عندما اشارت احدى الصحف الايطالية الصادرة الاسبوع الفارط ان مجموعة «بريياتوني» الايطالية للاستثمارات تنوي انجاز مشروع سياحي ضخم بمنطقة سجنان المعروفة ـ على حد قول الصحيفة ـ باثارها البونيقية والرومانية ومناظرها الطبيعية وثرواتها الطبيعية.
مشروع ضخم
واضافت ان المجموعة تنوي تشييد عدة منشآت بالمنطقة الغابية بسجنان وشقق اقامة ومطاعم سياحية ومدينة العاب من اعلى طراز اضافة لانجاز محميتين واحدة برية والثانية بحرية وملاعب للغولف ومسالك غابية ومسالك للفروسية وهو ما سيوفر للسياح اشكالا جديدة للترفيه.
ولم تذكر الصحيفة حجم الاستثمارات التي ستضعها المجموعة وبطرحنا الامر على المندوب الجهوي للسياحة ببنزرت افادنا ان خبراء ومهندسين من مجموعة «بريياتوني» الايطالية اجروا عملية استطلاع على المنطقة الغابية بسجنان (100 كلم شمال العاصمة) بواسطة طائرة عمودية في اطار الاعداد للطريقة المثلى لانجاز مشروع سياحي بيئي ضخم بها.
استقطاب السياح
واشار محدثنا الى ان المنطقة الغابية بسجنان التي تعتبر من اثرى المناطق الطبيعية بالبلاد ستتحول الى منطقة سياحية ستستقطب سنويا مئات الالاف من السياح العرب والاجانب لما تتميز به من طبيعة خلابة ومناظر غاية في الروعة اضافة لتهيئتها في اطار ما يعرف بالمشاريع الضخمة التي تنوي تونس انجازها بين عامي 2007 و2016 على غرار مشروع المدينة الرياضية.
تراجع
واضاف المندوب الجهوي للسياحة ببنزرت ان الاحصائيات الاخيرة كشفت تراجع عدد السواح الالمان والاسبان والفرنسيين والانقليز والصينيين الوافدين على بلادنا وقد اكدت الدراسات المنجزة انهم غيروا وجهتهم نحو بلدان تعتني بالسياحة البيئية والطبيعية وهو ما دفع الجهات المختصة الى اقتحام هذه النوعية من السياحة لاعادة استقطاب السياح العاشقين للبيئة وكذلك اطفالهم.
صابر المكشر
(المصدر: صحيفة « الصباح الأسبوعي » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 4 فيفري 2008)
… والانقسامات تحبط مؤتمراً موحداً في تونس
تونس – سلام كيالي
الاتحاد العام لطلبة تونس، أعضاؤه مرة رفاق ومرات فرقاء. ولعل السبب الذي أنشئ لأجله، أي تجميع مختلف وجهات النظر في إطار تنظيمي واحد، كان هو نفسه السبب الذي أدى إلى كثرة الخلافات بين منتسبيه وهم يساريون وقوميون وإسلاميون.
وكان الاتحاد تأسس عام 1952 على يد طلاب يدرسون في الخارج، خصوصاً في فرنسا ودول المشرق. وهدف إلى جمع أكبر عدد ممكن من الطلاب في صفوفه، لا سيما أن المؤسسة الطالبية الوحيدة التي كانت موجودة قبله هي «صوت الطالب الزيتوني» والتي كان منتسبوها هم طلاب الجامعة الزيتونية. وهي على غرار غيرها من الجامعات التي كانت منتشرة في البلدان العربية تهتم بالتعليم الديني.
ومنذ تأسيسه, لم يسلم الاتحاد من محاولات السيطرة عليه من جانب الحزب الدستوري، الذي كان يحمل لواء النضال في تونس آنذاك. إلا أن أفكار القائمين على الحزب المشبعة بالقيم الثورية كانت تأبى هذه السيطرة.
كذلك لم تخل السنوات التي تلت تأسيس الاتحاد من الكر والفر مع السلطة. ويمكن القول إن الأزمة الفعلية هي التي وقعت في عام 1972 بعد المؤتمر الثامن عشر للاتحاد، والذي تأكدت فيه سيطرة اليساريين على الاتحاد واستبعاد الدستوريين منه، وهو ما جعله عرضة لمحاولات التصفية. والرد الواضح على ما تم التوصل إليه في المؤتمر هو عمليات القمع التي قام بها عناصر الشرطة في الجامعات.
وأهم القرارات التي اتخذت في هذا المؤتمر تتمثل في أن الجامعة شعبية والتعليم ديموقراطي، وأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لحركة التحرر الوطني العربية، بالإضافة إلى ضرورة مساندة حركات التحرر في العالم.
ويمكن القول أن محاولات السيطرة على الاتحاد وتوجهاته بدأت منذ عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، لا سيما أن التناقض كان واضحاً في سياسته حيال الاتحاد. فهو من ناحية قام بتدشين المقر الجديد للاتحاد، وهو من كان طرد القائمين عليه من المقر السابق.
أدى كل ذلك إلى إفراغ النشاط الطالبي لأكثر من عشر سنوات فصار يفتقد إطاراً نقابياً موحداً, ما دفع الى بذل جهود حثيثة لإعادة تفعيله وهذا لم يتحقق إلا في عام 1984 في المؤتمر الذي سمي «مؤتمر الحسم». وتم التوصل آنذاك إلى قرار باعتماد مبادئ جديدة ذات توجه إسلامي وبالعمل باسم جديد هو «الاتحاد العام التونسي للطلبة», وذلك لإضعاف سيطرة التوجهات الأخرى على الطلاب.
وفي الثمانينات من القرن الماضي نشطت تيارات سياسية وفكرية كثيرة في الجامعات التونسية، كاليسار من ماركسيين لينينيين، والحزب الشيوعي، بالإضافة إلى الإسلاميين والقوميين والذين يضمون الطلاب العرب أو ما عرف بـ «الوحدويين التقدميين».
إلا أن هذا الاختلاف كله أفقد الحركة الطالبية قوتها الدافعة وجعلها تضعف. وهنا صار النزاع على الطلاب واضحاً, إلى أن فازت به الحركة الإسلامية. ودخل الإسلاميون بعد ثلاث سنوات من تجييش الطلاب، في نزاع مع السلطة أدى الى مواجهات أســـفرت عن وضع الجامعة تحت المراقبة الأمنية المبـــاشرة وحرمان الحركة الطالبية من حرية العمل السياسي في الحرم الجامعي.
حال الاتحاد اليوم
حال الاتحاد اليوم كالسابق، صرخات منتسبيه المتكررة «دعوة دعوة» في الحرم الجامعي لم تعد مسموعة كما السابق. نشاطات كثيرة يقوم بها هؤلاء محاولين لفت الانتباه، إلا أن جموع الطلاب لا تلبث أن تتشتت مرة أخرى. فالاتحاد الذي كان رأس الحربة في الدفاع عن حقوق الطلاب، والأساس الأول في تنظيم صفوفهم، لم يعد سوى حلبة لتصارع الفرقاء.
فالانقسامات دائمة داخل كوادره، والخلاف هذه المرة بين تيارين، الأول بقيادة الأمين العام عز الدين زعتور وهو الأمين العام منذ أكثر من عشر سنوات، والتيار الثاني هم مجموعة من أعضاء الهيئة الإدارية والمكتب التنفيذي.
ويزعم البعض أن زعتور حاول مرات عدة عقد مؤتمر موحد يشمل جميع الفرقاء، لكنها باءت بالفشل، خصوصاً مع الثقل الذي يتمتع به الطرف المقابل.
والمشكلة هنا أن كلا الطرفين يتهم الآخر بالعمالة والتواطؤ مع النظام. وكلاهما أعلن موعداً للمؤتمر العام في تاريخين مختلفين، والحجة هي صعوبة إيجاد رؤية موحدة للمؤتمر الذي كان من المفروض أن يكون مؤتمراً واحداً.
الأحاديث عن الخلافات كثيرة، لكن الإشكالية هي كيفية ترجمة هذه الخلافات، والمشكلة الأكبر في تصديق أحد الطرفين، أو على الأقل الانحياز الى أحدهما. وبحسب أحد أعضاء المكتب التنفيذي (من المقربين من زعتور) فقد تم اقتحام للمقر المركزي للاتحاد في ليلة 17 آب (أغسطس) الماضي، فخلعت الأبواب وسرقت وثائق الاتحاد وهو ما أضر بتجهيزات المقر. وبحسب ما أفاد فإن منفذي الاقتحام هم أحد الأطراف الذين خسروا غالبيتهم داخل المنظمة.
ويمكن القول أن هذه الأمور تحدث على خلفية الأزمة التي تعيق الإعداد لمؤتمر موحد لاتحاد الطلبة، وما زاد الطين بلة هو استفحال الخلافات على تطبيق الاتفاق في ما يخص اللجنة الوطنية المشتركة للتحضير للمؤتمر.
ويذكر ان أعضاء الاتحاد العام، بمختلف توجهاتهم، موجودون بكثافة في أهم الفروع الجامعية الكبرى بالجمهورية خصوصاً في الحرم الجامعي في تونس وحرم منوبة و9 أفريل ومعهد اللغات الحية وبنزرت وكليات جندوبة وسوسة والقيروان والمنستير وصفاقس وقفصة وقابس والتي تحوي أكثر من 70 في المئة من الطلاب التونسيين البالغ عددهم قرابة 400 ألف طالب جامعي.
وتظهر قوة الطلاب في الانتخابات السنوية للمجالس العلمية حيث يكون دوماً لطلاب الاتحاد نصيب الأسد في هذه الكليات فيما تتفرد السلطة بتنصيب طلاب الحزب الحاكم في المعاهد العليا والكليات الصغيرة والنائية التي لا تجرى فيها انتخابات، علماً أن الطلاب الإسلاميين استعادوا بعض حضورهم من خلال المشاركة بقائمات مستقلة فازت ببعض المقاعد خصوصاً في كلية العلوم في تونس.
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 4 فيفري 2008)
مؤسسات شبابية تعنى بالموضوع … استثمار النفايات في تونس
تونس – سليمان بن يوسف
انطلاقة «التشغيل الأخضر» في جمع النفايات واعادة تدويرها وتشجيع الشباب على إنشاء مؤسسات خاصة بهم في قطاع النفايات «النفايات مصدر للثروات» شعار رفع في تونس قبل ثلاث سنوات، وانطلق تجسيده عبر تطوير سوق للتشغيل وبعث المؤسسات البيئية الصغرى. وهذا برنامج ضخم تنفذه وزارة البيئة والتنمية المستديمة بالتعاون مع الهيئات المعنية بالتمويل والتأهيل والتشغيل. وقد خلق مئات فرص العمل في مجالات رفع النفايات وإدارة المساحات الخضراء والتجميل و«الرسكلة»، وهي المصطلح المتداول في تونس لاعادة التدوير (recycling).
في البدء كانت فكرة، انطلقت بغاية محاربة تناثر النفايات البلاستيـــكية من قوارير ومعلبات وأكياس وأغشية، مشوهة جمالية المدن. وتم في مرحلة أولى إعداد منظومة شبكة أحباء البيئة (شاب) وتمكين عدد من حاملي الشهادات العليا من فرص إنشاء وإدارة مؤسسات صغرى في هذه الميادين، سرعان ما مكنتهم من توفير موارد مالية خولتهم تدبر مصاريف التشغيل والمعدات ووسائل النقل التي وفرتها لهم الدولة مع ضمان أرباح محترمة.
وسعياً إلى إحكام الادارة، تم إحداث الوكالة الوطنية للتصرف بالنفايات عام .2005 وكلفت بالإشراف على القطاع من خلال إعداد المشاريع وإنجازها، وتقديم المساعدة الفنية والمالية للبلديات والصناعيين، وتـسيير النظم العمومية للنفايات وصيانة منشآت النفايات الخطرة.
واعتباراً للمردودية الاقتصادية للرسكلة، تم وضع النظام العـــمومي لجمع النفايـات «إيكولف» عام 1997 والنظام العمومي «إيكوزيت» لجمع الزيوت المستعملة عام .2004 ويجري الإعداد لوضع نظم أخرى للتصرف بالنفايــات القابـــلة للتـــثمين والرسكلة، ووضع الآليات والحوافز المالـــية والجـــبائية لتشجيع القطاع الخاص على إحداث وحدات لتدويرها.
ومكنت منظومة «إيكولف» للجمع من إحداث نحو 13 ألف فرصة عمل في ميدان تجميع االنفايات الزجاجية والمعدنية والبلاستيكية، كما أتاحت إنشاء عشرات المؤسسات الصغرى لحاملي الشهادات العليا (منظومة شاب) وأكثر من 60 مؤسسة لاعادة التدوير. وفي تطور ملحوظ سنة 2007، بلغ عدد مؤسسات الرسكلة 617 مؤسسة، استأثرت النفايات البلاستيكية بنحو 570 منها.
وقد تم انجاز خمسة مطامر هي في طور الاستغلال، ويجري إنجاز تسعة مطامر مراقبة مع مراكز التحويل التابعة لها، اضافة الى وحدة لمعالجة النفايات الخاصة.
ومن الآليات التي تم توفيرها للشباب، ولا سيما خريجي الجامعات، أنشئ موقع على الانترنت للتشغيل الأخضر عنوانه www.pagesvertestunisie.com وتم نشر وثائق وأدلة مبسطة تخول الشباب الإنخراط في مسار إنشاء مؤسسات خاصة في المجال البيئي. وقد أثار ذلك حماسة العديد من الشبان التونسيين.
ومثل المنتدى الدولي للإستثمار والتشغيل في المجال البيئي، الذي احتضنته تونس من 9 إلى 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، محطة هامة للتبادل وتكثيف فرص الإعلام والإتصال بين طالبي العمل والعارضين من المؤسسات والصناعيين والوكالات ومؤسسات التمويل في هذا الميدان الواعد.
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 4 فيفري 2008)
رقـم الفتوى : 104275
عنوان الفتوى: حكم الإشراف على بناء معهد ثانوي مختلط
تاريخ الفتوى: 26 محرم 1429 / 04-02-2008
السؤال:
أرجو منكم الإجابة على السؤال التالي… أنا طالب أدرس بالسنة النهائية هندسة معمارية بتونس… للتحصل على الشهادة النهائية تطلب منا إدارة الجامعة القيام بتربص إجباري مدته ثمانية أشهر بأحد المكاتب الهندسية أو بأحد شركات المقاولات… توكلت على الله وبدأت بالبحث عن مكان أقوم فيه بهذا التربص… المشكلة أن أغلب المكاتب والمقاولات في بلدنا لا تراعي الحلال والحرام في ما تقوم به من عمل فالمهندسون فيها يقومون ببناء البنوك الربوية والنزل التي تقدم الخمور وقاعات السينما وقاعات الرقص… إلخ رفضت العمل بهذه المشاريع وواصلت البحث… منذ أسبوعين وجدت تربصا بشركة مقاولات وقد أسندت لي مهمة مراقبة وتنفيذ مشروع بناء معهد ثانوي بمنطقة ريفية بتونس وقد قبلت الإشراف على الموقع الإنشائي لهذا المعهد… أخبرت أحد أصدقائي الملتزمين بما أعمل فأجابني بأن الأمر قد يكون فيه شبهة وذلك لأن أغلب المعاهد الثانوية في تونس مختلطة… وهل أواصل القيام بالتربص في هذا الموقع خاصة وأن الأصل في بناء المعاهد هو الحل لأنها ترفع الجهل عن المسلمين ولحاجتي الماسة للقيام بهذا التربص فهل أأثم بالإشراف على هذا المعهد وأتحمل أوزار الاختلاط بين التلاميذ والتلميذات رغم أني لست من يقوم بتعيين التلاميذ وإنما أكتفي بالمساعدة في بناء المبنى.. فهل أنا أتكلف ما لا طاقة لي به… أرجو منكم الإجابة مع عدم إحالتي على إجابة أخرى؟
** خلاصة الفتوى (من مركز الفتوى بالشبكة):
المعاهد تبنى للدراسة، وليست تبنى للاختلاط، وبالتالي فلا حرج في مراقبة وتنفيذ المشروع المذكور
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
نسأل الله أن يزيدنا وإياك هدى، ويجنبنا جميعاً الشبهات، ويرزقنا الحلال، وليس من شك في أن الإعانة على الإثم إثم، لقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، لكن الأصل في المعاهد -كما ذكرت أنت- هو الحل، وأنها تراد لإزاحة الجهل عن المسلمين… وليس الاختلاط هدفاً من أهدافها، وإنما هو أمر عمت البلوى به فيها، ولو كان وجود الاختلاط في المعاهد يحرم بناءها، لوجب القول بتحريم الهندسة العصرية من أصلها، لأنه لا تكاد تخلو مؤسسة من الاختلاط، خصوصاً في البلدان التي لا تلتزم التزاماً كبيراً بالدين، وعليه فلا نرى عليك حرجاً في ممارسة مراقبة وتنفيذ مشروع بناء المعهد المذكور.
والله أعلم.
(المصدر: موقع « الشبكة الإسلامية » (قطر) بتاريخ 4 فيفري 2008)
الرابط:
http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?lang=A&Id=104275&Option=FatwaId
عن الفارق بين الشعبوية القومية ونظيرتها الإسلامية
صالح بشير (*)
أصابت الإسلاموية المحدثة ما لم تصبه إيديولوجيا أخرى، سبقتها أو زامنتها في هذا الفضاء الموصوف بالعربي الإسلامي: فهي من وجهٍ، وحّدت القول الإيديولوجي، انتشارا على صعيد ذلك الفضاء كما لم يحصل من قبل، وهي من وجه آخر، جمعت بين «النخب»، نخب الحركات الإسلامية (وهذه تتسم بتلك السمة أقله بالمعنى التقني أو السوسيولوجي إن لم يكن بالمعنى «النوعي») وبين «الجماهير» أو الجموع، يبدو تواصلها معها، لقاءً حول هواجس ومشاغل ومطالب وطريقة في التعبير عنها لغة ومفردات وأفكارا، أكثر مما تيسر لسواها. حقيقتان يتوجب الإقرار بهما، لا من باب الانسحار، كما لدى أوساط معلومة، هالتها «جماهيرية» الحركات الإسلامية وتصدي بعضها لـ «المقاومة»، فأُخذت بها إلى حد الاستتباع والانصياع، كما تُؤخذ الطريدة بعينيْ الثعبان، ولا من باب الشكوى المريرة، كما لدى البعض الآخر، لم يطابق الواقع رؤاه، فأدبر عنه هاجيا منكرا وأقبل عليه تقريعا وتشنيعا. وبديهي أن لا جدوى تُرجى من هذا البعض ولا من تلك الأوساط.
فالإسلاموية، إذ طغت وسادت وأرست هيمنتها، قد وحّدت القول الإيديولوجي على صعيد المنطقة، وذلك بلا ريب صنيعها الذي لم يُضاهَ والذي لم يبلغ شأوه أحد سواها. الإيديولوجيات الوطنية، إبان حركات التحرر ومكافحة الاستعمار، كانت… وطنية، بطبيعتها، تهجس بأمّة مصرية أو تونسية أو ما إليهما، تنشد التمايز وتسعى إليه تأسيسا وتبجله على الانصهار. حتى الحركات القومية، على دعاواها العابرة لـ «الأقطار» والمستهينة بها تسومها ازدراءً ولا تقر لها بشرعية، ظلت، في نهاية مطافها، محكومة بشرط جغرافي، أو بحدود غير مرئية، ما انفكت تدحض دعاواها تلك. فـ «البعث» ولد في الشرق الأدنى ما بعد العثماني، أو في الهلال الخصيب إن شئنا، ولم يبرحه ولا امتد إلى ما ورائه، فلا بلغ مصر المجاورة، ولا تعداها إلى سائر الشمال الإفريقي، بل لم ترسخ له قدم في بقاع المشرق الأخرى، فلم يستمل غير بضع عشرات أو مئات هنا وهناك حتى في عز حقبة البذل والسخاء العراقيين في أعقاب الطفرة النفطية الأولى.
وأما العروبة الناصرية، فكانت أقرب إلى الاندفاع الإمبراطوري، قوامه ورافعته مصر، أي وطن بعينه، في حين كانت الحظوة التي نالتها لدى «جماهير» المنطقة (وربما كانت الناصرية هي مجترحة الجماهير في منطقتنا أو عصرها الذهبي لمن يحنّون إلى «الزمن الجميل») وكان الانجذاب إليها يشيان، من قبل كيانات هشة أو لم تكتمل بنيانا، بطلبٍ على قطب إمبراطوري تستظل به، والأرجح أنها، إذ فعلت، أناطت بمصر عبئا لا قبل لها بالنهوض به، أو أن لبسا كبيرا وانخداعا بصريا اعتريا كل ذلك، شأن الثورة الجزائرية التي كانت، وربما لا تزال تبدو للمشارقة مجرد امتداد للملحمة الناصرية وفصلا من فصولها، في حين أنها كانت، منظورا إليها من أماكن أخرى وخصوصا من قبل الجزائريين، الذين لم تنتشر الناصرية في صفوفهم وفي صفوف «جبهة تحرير»هم، حركة تحرر وطني «كلاسيكية».
وأما اليسار الماركسي، فظل حظه من التمكّن قليلا، شأنا نخبويا بامتياز. فهو في أطواره الأولى، أحزابا شيوعية، سرعان ما استغرقه الهم المحلي، الوطني والكياني (سواء كانت الكيانات قائمة أم قيد الإنشاء)، وهو عندما تطلع إلى ما وراء ذلك الهم، كان أمميا أكثر مما كان قوميا. ثم إن اليسار ذاك، لما قيض له الوصول إلى الحكم، انتحى طرَفا قصيّاً مُعدما من المنطقة العربية، اليمن الجنوبي السابق، وهذا ما كان يمكن التعويل عليه جديا في التحول إلى بؤرة ينطلق منها التغيير الكبير.
صحيح أن التيارات تلك تبادلت «العدوى» والتأثير، فاستعار القوميون من الماركسيين أدوات ومفاهيم كـ «الصراع الطبقي»، فلهجت ألسن الجميع بالاشتراكية، في حين استلهم هؤلاء من أولئك، لا سيما بعد هزيمة 1967، هاجس الأمة، لكن تلك العلاقة الكانيبالية بين الإيديولوجيات، وقد كانت من أوجه اصطراعها وتجلياته، لم تفض إلى تفسخ الحدود في ما بينها، بل ظل التعدد قائما ماثلا، داخل البلد الواحد أحيانا، وإن بمشقة، وعلى صعيد المنطقة بالتأكيد.
أما الإسلاموية الراهنة، فقد انفردت بالمنطقة، أو تكاد، وبناسها. هناك قول إيديولوجي واحد يستأثر بالوجود في أرجائها، فالتقت حول «كلمة» واحدة كما لم يسبق لها في تاريخها، نعني بذلك نمطية إيديولوجية بصدد الاستواء «إيديولوجيا-أمة»، بديلا عن الدول-الأمم (التي لم تكد تنشأ عندنا)، أو عن الأمة-الحضارة أو عن الأمة-العقيدة، كما عهدناها في السابق تحت مُسمى «دار الإسلام»، فهذه الأخيرة كانت تتسع لتعدد حقيقي، حيث كانت العقيدة الواحدة تتنزل، تعبيرات شتى، في واقع محلي متعدد متنوع، تتلوّن به وتتكيف مع ملابساته حتى في المنطقة الموصوفة بالعربية، ودونما حاجة إلى سوق أمثلة وخصوصيات الإسلام الأندونيسي أو إسلام آسيا الوسطى أو إسلام إفريقيا. أدلجة العقيدة أدى إلى إنكار تلك الخصوصيات وجحدها، ما دامت الشعارات ذاتها، ووسائل العمل ذاتها، خصوصا ما كان منها فعل عنف، تنزع إلى أن تكون تعبيرها الأوحد والحصري والقسري. ولكن وبما أن اختلاف الأحوال والأوضاع قائم لا محالة، وبما أنه ما عاد يفصح عن نفسه إلا من خلال المتماثل وفي الوحيد إيديولوجيّاً، فإن التباين داخل ذلك المتماثل، لا يمكنه إلا أن يتخذ طابع النزاع الأهلي… فما دامت تلك الواحدية الإيديولوجية الصارمة قد استبعدت سواها من وسائل التعبير، الفكري والسياسي، فإن التعدد، القائم واقعا عنيدا، يثأر على طريقته، نزوعا إلى المزايدة وسعيا إلى الاستئثار بأحقية القول الإيديولوجي، الذي بات الصنو الحصري للحقيقة، فإذا تلك الواحدية الإيديولوجية تصبح حيز توتر مستدام، من حيث سعت إلى «جمع الأمة» حول كلمة سواء. وذلك من تبعات تأسيس الإيديولوجي، بمعناه الشمولي، على المقدس، بما هو متعالٍ. فإذا مثل تلك الإيديولوجيا لا تُدحض، لأنها منظومة متكاملة منغلقة، وهي فوق ذلك لا تُساءَل، لأنها تتلفع بمناعة المقدس.
ولعل الجمع بين الملمحين ذينك، هو ما يصنع فرادة الإيديولوجيا الإسلامية، قياسا إلى كل إيديولوجيا شمولية سبقتها في العصر الحديث. كل الإيديولوجيات السابقة، توسلت السلطة تستولي عليها نخبة، استبدادا توتاليتاريا، كي تفرض نفسها، فجاءت إلى الجموع من خارجها، وإن زعمت النطق باسمها، فحشدتها إجبارا وقسرا… أما هذه الإيديولوجيا الإسلاموية، وهي على ما هو معلوم تضيق بالحرية الفردية كما تضيق بالتعدد، إنما انضوت فيها الجموع طوعا و»إرادةً»، اكتفت الحركات الإسلامية في مضمارها بالدّعوة دون وسائل القسر المادية (إلا حيثما حكمت) وهي وسائل لا تمتلك أسبابها عادة. كأنما في مجمعاتنا طلب على التوتاليتارية، «انحصر» دور الإسلاميين في تلبيته. وقد تكون تلك هي الفرادة التي تسم مجتمعاتنا بين سائر مجتمعات العالم: فنحن، بين كل أصقاع الأرض، مجتمعاتنا، وقد استبدت بها تلك الإيديولوجيا وتمكنت منها، توتاليتارية، أقله منزعا ومنحى، في حين أن أنظمة الحكم لدينا لا تعدو أن تكون استبدادية (وذلك ليس بالأمر الذي يُستهان به طبعا) بالمعنى الأمني الأوليّ غالبا.
ليس ذلك، وهو يتطلب بطبيعة الحال تناولا أوسع لا يعدو ما سبق أن يكون بعض خطوطه الأولى والمبتسرة حتما، غير وجه من الأوجه المتعددة والمتشابكة لاستعصاء الديمقراطية عندنا، والاستعصاء ذاك عميق الأسباب وربما بنيويّها، بما يحول دون الاكتفاء بتعليله، على ما اعتدنا، ببطش الأنظمة (دون تبرئة هذه الأخيرة طبعا) وبمؤامرات الغرب.
(*) كاتب تونسي مقيم بإيطاليا
(المصدر: ملحق « تيارات » بصحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 3 فيفري 2008)
سياسة الجوار الأوروبية والبلدان العربية:
الدعم المالي مقابل الإصلاحات
تونس – رشيد خشانة
مع انتقال الإتحاد الأوروبي من مرحلة الشراكة التقليدية مع البلدان المتوسطية إلى « سياسة الجوار الجديد »، تغير أسلوب التعاطي مع المتلكئين في تنفيذ الإصلاحات.
وباتت أوروبا تعتمد طريقة جديدة اعتبارا من سنة 2004 تتمثل في إعطاء مكافآت للبلدان التي حققت تقدما سريعا في الإصلاحات الإقتصادية والسياسية، كي تشكل حوافز لها على المضي في تلك الطريق، فيما حجبتها عن المتقاعسين.
وسُميت تلك السياسة آنذاك بـ »سياسة الجزرة من دون عصا » على اعتبار أنها تختلف عن سياسة « العصا والجزرة » التقليدية. وبدا أن الأوروبيين حرصوا على التمايز عن سياسة القبضة القوية التي اعتادت الولايات المتحدة على استخدامها مع البلدان التي تحكمها أنظمة دكتاتورية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بحجة فرض الديمقراطية على حكامها.
نقد شديد لمصر …
لم تكن تجسيدات تلك النقلة واستتباعاتها واضحة لدى انطلاقها، غير أن التطورات المُسجلة أخيرا في العلاقات مع كل من مصر والمغرب قدمت درسا تطبيقيا لصيغ التعاطي المقبل مع بلدان الجوار المتوسطي. فقد أبصرت العلاقات بين مصر والإتحاد الأوروبي تدهورا غير مسبوق في أعقاب اعتماد البرلمان الأوروبي قرارا انتقد بشدة سجل القاهرة في حقوق الإنسان. واستدعت الخارجية المصرية سفراء دول الإتحاد الأوروبي السبع والعشرين المعتمدين في القاهرة وهددت بقطع العلاقات معها إذا ما صادق البرلمان على القرار الذي كان مايزال مشروعا. لكن أعضاء البرلمان اعتمدوه رسميا في ظهر اليوم نفسه بأغلبية 52 صوتا وامتناع 7 نواب فقط عن التصويت.
وهذا يعني أنه لم يحضر الجلسة سوى 59 نائبا من أصل 784 نائبا هم أعضاء البرلمان الأوروبي، ما يدل على محدودية الإهتمام بهذا الملف، خلافا للعلاقات مع بلدان الجوار الأخرى مثل كرواتيا وتركيا ودول البلقان وجورجيا. والجدير بالذكر أن قرار البرلمان الأوروبي انتقد أوضاع حقوق الإنسان في السجون المصرية واستمرار سجن زعيم حزب « الغد » أيمن نور وإحالة قيادات حركة « الإخوان المسلمين » المعارضة على محاكم عسكرية.
لكن القرار تضمن أيضا في الفقرة الثالثة منه تشجيعا للدور المصري في عملية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتثمينا لجهود مصر في هذا المجال وحرصا على استمرار أداء الدور نفسه في المستقبل. وتضمن في الفقرة العاشرة مطالبة بدور مصري فعال في السيطرة على الحدود مع قطاع غزة واتخاذ الإجراءات التي تكفل إغلاق الأنفاق ووقف عمليات تهريب الأسلحة وغيرها من المواد التي يرى الأوروبيون أنها ما زالت تتدفق عبر الحدود إلى القطاع. وفيما قاطع رئيس مجلس الشعب المصري أحمد فتحي سرور اجتماعات برلمانية متوسطية احتجاجا على القرار، حث رؤساء كتل في البرلمان الأوروبي زملاءهم المصريين على التحاور معهم في مضمون القرار « إذا ما رأوا أنه يتسم بالقسوة والمبالغة ».
… وشهادة استحسان للمغرب
وتزامنت تلك الأزمة مع تطورات عكسية في العلاقة مع المغرب، إذ زارت مفوضة العلاقات الخارجية في الإتحاد الأوروبي بنيتا فريرو فالدنر الرباط لتُعطي حكومته شهادة استحسان في مجال دفع مسار الإصلاحات إلى الأمام. وقالت في خطاب ركزته على « سياسة الحوافز » التي يتوخاها الإتحاد الأوروبي مع شركائه المتوسطيين، إن المغرب يمكن أن يتطلع إلى « منزلة متقدمة » في علاقاته مع الإتحاد.
وكان واضحا أن الأوروبيين يُمنَون المغرب بوضع متميز لم يعدوا به أيا من البلدان المتوسطية الأخرى، استنادا إلى الحصاد الإيجابي الذي حققه في ميدان الإصلاحات الإقتصادية والسياسية، وإن كانت أوضاعه الإجتماعية مازالت هشة. وأسند الإتحاد الأوروبي علامة جيدة للمغرب (85) كانت هي الأعلى بين العلامات التي حصلت عليها دول الجوار المتوسطي.
وما أتاح للمغرب، الذي سبق أن طلب رسميا الإنضمام للإتحاد الأوروبي على أيام الملك الحسن الثاني، أن يستفيد استفادة قصوى من سياسة الحوافز هو الإنعطاف الذي أبصره مسار برشلونة الأورومتوسطي في سنة 2004. ففي تلك السنة تبنى الأوروبيون وثيقتين مرجعيتين هما « الشراكة الإستراتيجية مع المتوسط والشرق الأوسط » و »الإستراتيجية الأوروبية للأمن ». وعلى أساسهما كشفت فالدنر النقاب عن اعتماد الإتحاد سياسة جديدة ترتكز على سبع خطط خاصة ببلدان الجوار المتوسطي.
وصادق المجلس الأوروبي في فبراير 2005 على خطط العمل السبع لكن البلدان المعنية لم تُظهر حماسة للأسلوب الجديد، ولا أدل على ذلك من أن تونس والمغرب كانا آخر من صادق على الخطتين اللتين تخصهما في يوليو 2005، بينما رفضت الجزائر صيغة خطط العمل وفضلت المضي في تنفيذ بنود اتفاق الشراكة الذي توصلت له في وقت متأخر مع الإتحاد الأوروبي.
انزعاج هنا.. وتطمينات هناك
ما أزعج بلدان جنوب المتوسط في الصيغة الجديدة هو كونها أنهت سياسة « الحوار على انفراد » بين حكومات الضفتين ورمت الملفات بين أيدي وسائل الإعلام والرأي العام. فقد استعاضت أولا عن الإطار الجماعي الفضفاض بعلاقة ثنائية مع كل بلد على حدة، وهي عمدت ثانيا إلى نشر خطط العمل المُعتمدة خلافا لرغبة الحكومات المعنية. أكثر من ذلك، أولى الأوروبيون أهمية كبيرة لتوسيع التعددية وإقامة دولة القانون ودعم المجتمع الأهلي بعدما كانوا يمنحون أولوية مطلقة للتعاون الإقتصادي في الجيل الأول من اتفاقات الشراكة.
وعلى سبيل المثال ركزت خطة العمل الخاصة بتونس (أول بلد من جنوب المتوسط أبرم اتفاقية شراكة مع الإتحاد) على أربع نقاط اعتبرها الأوروبيون ذات أولوية، هي دعم المؤسسات الضامنة للديمقراطية، وتعزيز استقلال القضاء وزيادة نجاعته وتحسين ظروف الإعتقال، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وضمان حرية التنظيم والتعبير والتعدد الإعلامي في انسجام مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة. وهي تقريبا النقاط نفسها التي تضمنتها خطة العمل الخاصة بالمغرب مع إضافة بند تعلق بالتعاون في مجال مكافحة الرشوة.
على هذا الأساس يدافع الأوروبيون عن « سياسة الجوار » بوصفها ليست قطيعة مع المسارات السابقة وإنما هي تطوير لها. وفي تصريحات خاصة، رأى القائم بأعمال المفوضية الأوروبية في تونس برنار فيليب أن « سياسة الجوار » تشكل سندا لمسار الإصلاحات وتمنح البلدان التي تتقدم على هذه الطريق امتيازات وحوافز خاصة.
وقال فيليب لـ »سويس أنفو » إن هناك نوعين من الإمتيازات الأول خاص بالبلدان المرشحة للإنضمام للإتحاد الاوروبي، مثل كرواتيا ودول البلقان، والثاني مخصص لبلدان الجوار المتوسطي. وأوضح أن النوع الثاني يتجاوز التأسيس للتبادل الحر وإزالة جميع الحواجز الجمركية بين الجانبين، إلى التأسيس لأولويات جديدة مثل القضاء والحريات والأمن وأيضا قضايا حقوق الإنسان، مؤكدا أنه يتعين على الإتحاد الأوروبي « أن يفعل الكثير على هذه الأصعدة ».
وبحسب برنار تشكل سياسة الجوار الأوروبية جزءا من مسار يتعين بناؤه وهو مقتبس من سياسة الشراكة، وأساسا من البند الثاني في الإتفاقات التي تم التوصل لها مع البلدان المتوسطية، والذي بوأ حقوق الإنسان مكانة أساسية في الشراكة، لكنه اعتبر أن سياسة الجوار تُركز على المسائل المؤسساتية في الدرجة الأولى.
ضغوط برلمانية
غير أن تعريف المسؤولين في مقر الإتحاد الأوروبي في بروكسيل لسياسة الجوار أكثر صرامة من ذلك مع شركائهم في الضفة الجنوبية للمتوسط، وخاصة في مجال حقوق الإنسان. ويُعزى ذلك أولا للتعهدات المُضمنة في خطط العمل مع كل واحدة من الدول المتوسطية، وثانيا للضغوط التي يمارسها البرلمان الأوروبي على المفوضية لكي لا تتسامح مع الشركاء الجنوبيين في ملفات حقوق الإنسان أو تغض الطرف عن الإنتهاكات.
ويرى برلمانيون أوروبيون أن سياسة « فرك الأذن » بواسطة إصدار بيانات شديدة ضد « المتقاعسين » هي نتيجة الإخلال بالتعهدات التي وافقت عليها البلدان الأوروبية والمتوسطية، سواء في اتفاقات الشراكة أو خطط العمل.
وقالت رئيسة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي هيلين فلوتر (من حزب الخضر) لـ »سويس إنفو » تعليقا على رد الفعل الرسمي المصري على البيان القوي الذي أصدره البرلمان إنه « رد فعل غير متناسق مع التعهدات التي اندرجت ضمن اتفاق الشراكة مع هذا البلد ».
وسبق أن عبرت فلوتر عن رأي مماثل لدى تعليقها على سجل الحريات في تونس، وخاصة بعد تصديق البرلمان الأوروبي على بيانات انتقد فيها أوضاع حقوق الإنسان في هذا البلد الذي كان أول بلد متوسطي توصل إلى اتفاق شراكة مع الإتحاد الأوروبي في سنة 1995.
.. وأخرى من النشطاء الحقوقيين
وفي السياق نفسه يعتقد النشطاء المتوسطيون الجنوبيون أن سياسة الجوار تمنح فسحة أكبر من مسار برشلونة لتحسين أوضاع الحريات في بلدان الضفة الجنوبية.
وسألت « سويس أنفو » الناشط التونسي خميس الشماري، منسق الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان عما إذا كانت الهيئات الحقوقية استفادت من انتقال أوروبا إلى سياسة الجوار فرد فورا « بلى، استفادت كثيرا لأن خطط العمل تذهب إلى مدى أبعد من اتفاقات الشراكة السابقة، على رغم التحفظات التي تبديها بعض دول جنوب المتوسط ». وضرب مثلا بالحالة التونسية مُشيرا إلى أن الخطة الخاصة بها نصت على إيجاد سبع لجان فرعية من ضمنها لجنة لحقوق الإنسان، و »مثل هذه اللجان لم يكن موجودا في مسار برشلونة ولا في إطار اتفاقات الشراكة » كما قال.
لكنه استدرك مؤكدا أن « الحالة التونسية فريدة في استقطاع الوقت إذ لم تتمكن اللجنة من الإجتماع سوى بعد أربعة عشر شهرا من الإتفاق على تشكيلها »، وأوضح أن الجانب التونسي « لم يستطع فرض وجهة نظره القائلة بامتناع اللجنة الفرعية عن النظر في القضايا الفردية والإنتهاكات المعروضة على القضاء فتم السكوت على هذه النقطة في الوثيقة المشتركة، غير أن الاوروبيين أصدروا نصا مُرفقا لتوضيح رؤيتهم لعمل اللجنة ».
وأتت المفاجأة بحسب الشماري عندما اجتمعت اللجنة الفرعية للمرة الأولى في 12 نوفمبر 2007 إذ لوحظ حضور أوروبي رفيع المستوى، فبالإضافة للموظفين السامين الذين جاؤوا من بروكسيل حضر ممثلو 11 سفارة أوروبية من بينهم ثمانية سفراء. وأضاف أن الجانب الأوروبي فسح المجال لممثلي الحكومة التونسية كي يتحدثوا عن الإنجازات التي حققوها في مجال التنمية الإقتصادية والإجتماعية وكذلك في مكافحة الإرهاب، ليركز من ناحيته على نقطتين جوهريتين مفادهما، حسب الشماري دائما، أن مكافحة الإرهاب ينبغي أن تتم في إطار احترام حقوق الإنسان، والثانية أن لدى تونس التزامات دولية من خلال توقيعها على اتفاقات عالمية مثل اتفاق مناهضة التعذيب، كما أنها أخذت تعهدات أخرى بعد انضمامها لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وعليها الإلتزام بتلك التعهدات مقابل التزام الأوروبيين بما تعهدوا به وخاصة على صعيد المساعدات التنموية.
وأوضح الشماري في هذا السياق أن الأوروبيين انتهزوا فرصة الإجتماع ليجددوا طلبهم بالإفراج عن المساعدات التي سبق أن حولوها لمنظمات أهلية تونسية بغية تمويل مشاريع حظيت بالموافقة في عمليات شفافة لكنها ظلت مُجمدة في مصارف تونسية. وأفاد أن السلطات أفرجت عن مستحقات ثلاث منها بعد اجتماع اللجنة الفرعية ومازالت مستحقات رابطة حقوق الإنسان التونسية مُحتجزة.
إجمالا، يمكن القول إن البلدان العربية تميل في حال اندلاع « أزمات » تخص تنفيذ اتفاقات الشراكة وتتعلق بملف الحريات، إلى دعوة الجانب الأوروبي إلى بحث الموضوع عبر القنوات الرسمية وبعيدا عن « فضائح » الإعلام. وكان رئيس مجلس الشعب المصري أحمد فتحي سرور واضحا حين هدد أوروبا بـ »فتح ملف انتهاكاتها حقوق الإنسان في دول (أوروبية) كثيرة تدعي الإنتماء للديمقراطية » كما قال، لكنه استدرك مؤكدا أنه لن يفعل « احتراما للعلاقات التاريخية بين مصر وأوروبا » على حد تعبيره، حاثا الأوروبيين في الوقت نفسه على « الحوار الهادئ الذي يمكن أن يفعل المستحيل »، وهو يقصد بـ »المستحيل » ربما إسكات أصوات النواب الـ59 الغاضبين في البرلمان الأوروبي.
(المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 3 فيفري 2008)
اعادة ربط سيادة مصر في سيناء بمعركة التحرير الفلسطيني.. مع حماس وضد عباس
عبد الحليم قنديل نعم، ضد عباس، ولكن ليس ضد حركة فتح صاحبة الرصاصة الأولي في حرب التحرير الوطني الفلسطيني. ونعم، مع حماس، ولكن ليس ـ بالضرورة ـ مع محمود الزهار بتشدده الديني وخططه لهدنة طويلة الأجل مع إسرائيل. وربما لا يصح الانزلاق بحديث السياسة إلي مقارنات شخصية، رغم أن المعني الشخصي واضح ومؤثر بالإلهام، فقادة حماس الظاهرون علي درجة رفيعة من الاستقامة وحسن السلوك، بينما يبدو قادة فتح الظاهرون علي العكس بالضبط، فأن تنتهي حركة فتح إلي قيادات من نوع محمد دحلان وأحمد قريع وصائب عريقات، أن يكون هؤلاء في واجهة فتح، فهذه هي المأساة بعينها، فالإيحاءات الشخصية مسيئة لدم شهداء فتح، وحتي الرئيس عباس نفسه لا يقدم مثالا مقنعا بتصرفاته الأسرية، فابن عباس ـ مثلا ـ مشغول بشراكة في شركة اتصالات، بينما أبناء الزهار ـ مثلا ـ في زمرة الشهداء، وكأن عباس تحول إلي أبو البيزنس لا أبو مازن بينما يبدو الزهار في صورة أبو الشهداء قدم اثنين من أبنائه إلي مقام الشهادة إلي الآن، ويبدو ـ مع ذلك ـ صابرا محتسبا، لا يردعه خطر الاغتيال الشخصي عن نداء المقاومة، ولا تقعده أحزان كالجبال. والمقارنة التي تصح ـ قبل وبعد الشخوص ـ هي بين برنامج وبرنامج، وربما بين حركة وحركة، وقد لا يلتفت كثير إلي المنشأ المتقارب لحركتي فتح وحماس، حركة فتح بدأت خلاياها الأولي من غزة تماما كحماس، ومؤسسو فتح الأوائل ـ في غالبهم ـ خرجوا من معطف جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية، تماما كحماس، كان المؤسس المهندس ياسر عرفات إخوانيا قبل فتح، كذا خليل الوزير أبو جهاد وزير دفاع فتح الأول، وكلاهما انتهي إلي شهادة يستحقها، انتهي أبو جهاد إلي اغتيال في عملية إسرائيلية بتونس، وانتهي عرفات إلي اغتيال مرجح بالسم الإسرائيلي، وبعد حصار طويل في مبني المقاطعة برام الله، ولا تزال تتدفق إلي الآذان والقلوب صيحته الشهيرة وسط الحصار، صيحة شهيدا. شهيدا. شهيدا . وكان عرفات ـ بتداعيات السيرة ـ ملك مناورة بامتياز، وقطا بسبع أرواح، لكنه ـ مع حس المناورة في طبعه ـ تحول إلي رمز مجبول بالدم لعذاب الشعب الفلسطيني ، وحلمه في التحرير، كان عرفات هو الأكبر تأثيرا بين رفاقه المؤسسين لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان التالي في الأهمية القائد الراحل مؤخرا جورج حبش. وفي مذكراته يروي حبش نكتة بدت كأنها تعليق علي الطبع المناور لعرفات، تقول النكتة: ان عرفات امتنع عن رمي الجمرات في رحلة الحج إلي بيت الله الحرام، وحين سئل: لماذا؟، قال عرفات: دعونا لا نرجم الشيطان فربما نحتاجه فيما بعد! وقد كان هذا المزيج من الإخلاص الفدائي والمناورة السياسية واحدا من أسباب نهاية فتح إلي ما انتهت إليه، فقد تحصن عرفات بزعامته التاريخية موضع الإجماع، وكان لا يقطع خيطا مع عناصر ظاهرة السوء في قيادة فتح، أو في غيرها من حركات الفداء الفلسطيني، كانت هذه لعبته المفضلة، كان يأخذ الكل في حضنه، وكان يجمع الكل في معطفه، كان محمد دحلان مقربا من عرفات ربما أكثر من مروان البرغوثي قائد فتح الراديكالي، كان عرفات يركب جوادين في وقت واحد، كان يمسك بعجلة القيادة إلي اليمين، ويندفع إلي اليسار كإعصار، كان ملتبسا لأكثر المقربين، ودافئ العواطف علي الدوام. كان أسيرا ـ علي نحو ما ـ لفكرة التوحد بالمعتدي، وهي عرض نفسي يجعلك تتعلم من عدوك لتكرر فعله بالضبط، كان عرفات أسيرا لفكرة دور المال في سيرة ونشاط الحركة الصهيونية، ولعب بالفكرة ذاتها مع رفاقه، ومع مثقفين عرب، ومع الأحزاب في حرب لبنان، لكنه وقع في الخلط بسبب اختلاف الظروف بين سيرة الحركة الصهيونية وسيرة الحركة الفلسطينية، وحول التداول عند القمة إلي خزانة أسرار مفتاحها في يده شخصيا، لكنه ـ علي أي حال ـ ظل قادرا علي ضبط التوازنات في فتح بأثره الشخصي الحاكم. وحين اختفي ذهبت التوازنات، وتحولت القيادة إلي أكوام ملح، كان رأس الجناح الراديكالي المجدد لتنظيم فتح مروان البرغوثي في الأسر الإسرائيلي، بينما عباس ودحلان وصحبه علي رأس القيادة، وفي وضع الحصانة الممنوحة من إسرائيل، وسرعان ما أطيح بفاروق القدومي آخر صقور الحرس القديم، أعطيت له رئاسة فتح لوقت قصير عابر، وانتهت قيادة فتح إلي بيت مخصوص لعباس، كانت النهاية مسيئة لحركة فتح التي تمثل قطاعا هائلا من الشعب الفلسطيني، وظلت لعقود عنوانا للهوية الفلسطينية بكاملها، تحولت فتح ـ بعد عرفات ـ إلي تنظيم بلا رأس قادر، وانتهي تنظيمها الواسع إلي كيان مهلهل غير منضبط بالجملة، واندفعت التناقضات المتوارية بظل عرفات إلي منتهاها، تناقضات التوانسة مع قيادات الداخل الخارجة من رحم الإنتفاضة الأولي، ولجنة مركزية متيبسة متقادمة، شاخت قياداتها وأفسدتها الأموال السائبة وامتيازات سلطة العبث. وأثرت حملة الإعتقالات والأسر الإسرائيلي علي تنظيم فتح الداخلي بشدة، ولا يزال أغلب الأسري ـ إلي الآن ـ من حركة فتح، صحيح أن حماس أصابها هي الآخري ربما أكثر ما أصاب فتح، وتوالي اغتيال قياداتها بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين إلي اسماعيل أبو شنب وعبد العزيز الرنتيسي، لكن حماس بدت قادرة علي تجديد قياداتها بكفاءة عالية، زادتها المحن صلابة، بينما انتهت فتح إلي تفكك وذهاب ريح تكاثف بالضباب علي صورتها الأصلية، وبدت فتح ـ بالجملة ـ كأسطورة تنسحب من التاريخ، بينما حماس تتقدم إلي المنصة. صحيح أن قيادة عرفات في أواخرها عطلت التحول لصالح حماس لبعض الوقت، وبدت قادرة علي حفظ دور مرئي لتنظيم فتح في الإنتفاضة الثانية، والتي تفجرت بعد رفض عرفات التنازل عن القدس وحق العودة في مفاوضات كامب ديفيد الثانية، وهكذا تبقي لفتح بقية من دور مقاوم، وبدت قادرة علي حضور ميداني مؤثر، وبأدوار ظاهرة لقيادات من نوع البرغوثي وفارس قدورة وأحمد حلس، لكن المقارنة ـ بالجملة ـ بدت لصالح حماس التي ظهرت مع الإنتفاضة الأولي، وبدت علي درجة كبيرة من الحضور، وطورت تكتيك العمليات الإستشهادية إلي حد موجع بشدة ـ ربما مفزع ـ لكيان الإغتصاب الإسرائيلي، وتقدمت لدور البطولة الأولي علي مسرح الإنتفاضة الثانية، وهو ذات الدور الذي بدا محجوزا لفتح بالتقادم في الإنتفاضة الأولي، بدا كأننا انتقلنا من زمن فتح إلي زمن حماس، وبدا التنظيم العسكري لحماس كتائب عز الدين القسام في صورة الذراع الأقوي بامتياز لحركة التحرير الفلسطيني، بينما بدت الأذرع العسكرية لفتح مفرقة ممزقة وأقرب إلي مكانة الدور الثاني، وموزعة الولاءات علي قيادات مقربة من عرفات، ثم أقرب إلي تفكك وانحسار في الموارد بعد رحيل عرفات، خاصة أن عباس استغل حصار إسرائيل لعرفات، وكون جماعة ضغط ضد عسكرة الإنتفاضة، ولم يتورع ـ بعد وراثة عرفات ـ عن مطاردة الفدائيين حتي من فتح، وتحول بشباب فتح إلي ميليشيات سيئة الصيت علي طريقة محمد دحلان، وكلها ظروف انتهت إلي انحسار الدور العسكري المقاوم لفتح، وانكشاف لخواء القيادة بعد عرفات، والتورط في علاقات مريبة مع الإسرائيليين. وهكذا انتهي الدور السياسي لفتح ـ بعد تآكل دور السلاح ـ إلي عنوان مكروه بإطراد لدي قواعد الشعب الفلسطيني، بدت قيادة فتح كأنها خصم مباشر لفكرة المقاومة، وبدت سكنا مختارا للإمتيازات علي حساب عذاب الشعب الفلسطيني، والنتيجة: انحسار التعاطف مع فتح، وتقدم حماس إلي دور سياسي وعسكري حظي بتأييد مذهل، ولم تكن هزيمة فتح المدوية في انتخابات أوائل 2006 هي آخر دليل، ولا هزيمة ميليشياتها المتضخمة المترهلة بصدام غزة أواسط 2007 هي آخر خيبة، بل لا تزال القصة جارية بفصولها في رواية تقدم حماس إلي دور مركزي ينحسر عن فتح.. حتي اشعار آخر. وحيوية حماس ـ كحركة ـ هي الضمان الأكبر لحيوية برنامجها، فالشباب الظاهر لقيادات حماس هو النقيض ـ بالضبط ـ لشيخوخة قيادات فتح الظاهرة في الصورة، وعوضا عن شخص واحد من طراز عباس الطاعن بالسن في قيادة فتح المتخفية، يبدو خالد مشعل ومحمود الزهار وإسماعيل هنية كأنهم قادة لهم القيمة ذاتها، فالقيادة تبدو جماعية عالية الكفاءة في حماس، بينما القيادة فردية شائخة في فتح، وتغييب مروان البرغوثي في السجن الإسرائيلي انتهي بالغياب ـ أو ما يشبهه ـ لدور فتح وبرنامجها المقاوم، بينما بدت حماس كأنها العنوان الأظهر علي البرنامج المقاوم، وقد بدا دخول حماس إلي السياسة والإنتخابات كأنه النهاية لبرنامج المقاومة، أو كأنه التسليم بصيغة أوسلو والضياع في متاهاتها، لكن الاجتياح الانتخابي الذي تحقق لحماس حمل معني اجتياح أوسلو ذاتها، وكانت أوسلو قد ضربت قبلها في ما يشبه المقتل بحوادث الانتفاضة الثانية، والوضع الناشئ في غزة بالذات بعد خروج إسرائيل بالسلاح وتفكيك المستوطنات. ولم تبد إسرائيل ـ ومعها أمريكا ـ مصرة علي منع حماس من دخول الانتخابات، وإن فوجئت ـ مع النتائج ـ بالتداعي المريع في مكانة فتح بعد عرفات، كان أمل إسرائيل: ترويض حماس، وكانت تلك مخاوفنا أيضا ومخاوف غيرنا، لكن توالي الحوادث بالحصار انتهي بحماس إلي طلاق عملي مع معني السلطة وترويضاتها واستحقاقاتها، وإلي استعادتها لبرنامج المقاومة مجددا، أي أن التباري عاد سجالا ـ بغير التباس ـ بين برنامج المقاومة وبرنامج المساومة، وفيما يبدو برنامج المساومة مأزوما، إذ أن إسرائيل لا تبدو مستعدة لمساومة في الضفة والقدس بغير الضغط المسلح، ثم انها تبدو بلا رأس ـ بعد غيبوبة شارون ـ قادر علي مساومة تاريخية، ثم انها متشككة في مقدرة عباس علي لعب دور الشريك الكفء في مساومة تقنع الحد الأدني اللازم من شرائح الشعب الفلسطيني، وهو ما يعني أن خط المساومة ـ ولو بألف أنابوليس ـ انتهي إلي حائط مسدود، بينما تبدو الطرق سالكة لبرنامج المقاومة، وبالذات بعد دراما اقتحام معبر رفح، وعودة الموضوع الفلسطيني هاجسا ملحا ضاغطا في رأس السياسة المصرية، وانفتاح ملف الآثار الخطرة لقيود كامب ديفيد علي سيادة مصر ودورها، وانفساح المجال لتضاغط مؤثر في مصر بين هيمنة أمريكا وإسرائيل وتصاعد دور حركة الوطنية المصرية الراغبة في التغيير، ففتح ثغرة في الحصار إلي مصر. ان وجود الثغرة ينبه مصر إلي قيدها بقدر ما يلفت النظر لخطورة عزل الفلسطينيين، والمعروف أن ملاحق معاهدة السلام الأمنية حجزت الوجود المصري العسكري إلي شرق قناة السويس، وبعمق 58 كيلومترا فقط إلي داخل سيناء، وتركت عمق سيناء الإستراتيجي فارغا من السلاح إلا من أربع كتائب لحرس الحدود، ونزعت حق مصر في إقامة مطارات وموانئ حربية بسيناء، ونزعت سلاح شرق سيناء بالكامل، وإلي عمق 33 كيلومترا من خط الحدود مع غزة فلسطين ومع إسرائيل، وهو ما يعني ـ بالحقائق الصلبة ـ أن تفريغ سيناء أمنيا هو صناعة أمريكية وإسرائيلية، وقد تكشف الفراغ ظاهرا للعيان مع حوادث المعبر، وهو ما يتيح لصانع القرار المصري ـ إن أراد ـ فرصة غير مسبوقة في أثرها لاستعادة السيادة المضيعة، والمطالبة بتعديل جوهري في الملاحق الأمنية المهينة، وزيادة حضور القوات المصرية في شرق سيناء، والتي لا تتعدي إلي الآن 750 فردا من حرس الحدود، تقرر وجودهم بتعديل محدود جري أواخر 2005. أي أن الحوادث ـ بعد انتفاضة المعبر ـ فتحت الأقواس التي كانت مغلقة، وجعلت استرداد حق مصر في السيادة مرتبطا أكثر بمعركة التحرير الفلسطيني، وكما لم يحدث منذ غابت مصر عن واجهة الصدام مع إسرائيل باتفاقات أواخر السبعينيات، وهو ما يقبل التطور ـ بالتداعي ـ إلي دعم معنوي وربما سياسي من مصر لحركة التحرير الفلسطيني، وليست القصة معلقة بترتيبات عاجلة يتفق عليها أولا يتفق لإعادة تنظيم المعبر، بل الحال الفلسطيني كله ـ وربما المصري أيضا ـ علي المحك، خصوصا مع أزمة النظام في مصر، وأزمة عباس في رام الله، وأزمة الخيبة الأمريكية في العراق، وأزمة القيادة في إسرائيل بعد تقرير فينوغراد، وكلها موارد سياسة تدعم التحول لصالح برنامج المقاومة. أضف: دور قوة أقليمية مؤثرة جدا هي إيران، وهي تمد صلات بالسياسة إلي عواصم عربية مؤثرة من الرياض إلي القاهرة، وتدعم ـ بالمال وبالسلاح ـ برنامج المقاومة ضد إسرائيل وأمريكا، وهو ما يعني أن التطورات كلها ـ بنصاعة المغزي ـ مع برنامج حماس وضد برنامج عباس. ہ كاتب من مصر
في الثقافة الغربية إيجابيات لا تستحق هجوم الإسلاميين عليها!
السيد يسين (*)
لفتت نظرنا بشدة في مراجعات «الجماعة الإسلامية المصرية» وجماعة «الجهاد» إدانة الإسلاميين المتشددين – الذين مارسوا العنف والإرهاب» كوسيلة لتغيير المجتمعات الإسلامية بالقوة – للحداثة الغربية.
فالتاريخ لدى هؤلاء الإرهابيين الذين أعلنوا جهاراً عن توبتهم وإقلاعهم عن العنف والإرهاب، توقف عند سقوط الخلافة الإسلامية في أواخر العشرينات، بعد أن هوى الرجل المريض الذي تمثل في الإمبراطورية العثمانية. منذ هذا التاريخ وجهود أنصار الإسلام السياسي لا تنقطع في سبيل استعادة الخلافة، والتي هي بالنسبة اليهم الفردوس المفقود. ولذلك لم يكن غريباً هجومهم على الحضارة الغربية ورفضهم القاطع لها، باعتبار أنها هي وليس غيرها التي أفرزت القوى الاستعمارية التي حطمت الخلافة الإسلامية من جانب، واستعمرت بلاداً عربية وإسلامية عديدة من ناحية أخرى.
ويمكن أن يكون مقبولاً هجوم الإسلاميين على القوى الاستعمارية الغربية، غير أنه من غير المقبول في الواقع النظر إلى الثقافة الغربية وكأنها كتلة واحدة صماء، لا تمايز فيها ولا تنوع. والحقيقة أن الثقافة الغربية عاشت طويلاً في ظل المركزية الأوروبية التي زعمت أن أوروبا هي التي تحدد معايير التخلف والتقدم، وأنها هي منبع القيم الإنسانية والحارسة على حسن تطبيقها، غير أن هذه الثقافة أوسع كثيراً من الدوائر الاستعمارية التي مارست بوحشية منقطعة النظير الاستعمار الاستيطاني في الجزائر، والاحتلال التقليدي في عديد من البلاد العربية الأخرى.
غير أن هذه المركزية الأوروبية وصلت إلى منتهاها، ووجهت لها الانتقادات العنيفة من داخل الثقافة الغربية ذاتها. وهكذا يمكن القول إنه لا ينبغي التعميم الجارف على الثقافة الغربية، والادعاء أنها بطبيعتها مضادة للقيم الإنسانية الرفيعة، التي تتعلق بالحرية والعدل والمساواة، كما أنها ليست معادية أيضاً للإسلام وللمجتمعات الإسلامية.
ولو نظرنا الى الثقافة الغربية بصورة موضوعية لاكتشفنا أنها في الوقت الراهن توجد داخلها تيارات عنصرية، أعادت إنتاج الخطاب العنصري القديم الذي صيغ في القرن التاسع عشر، لكي يبرر شرعية الاستعمار الغربي لدول العالم الثالث. وهذه التيارات العنصرية الجديدة يزعجها أشد الإزعاج وجود ملايين من المهاجرين المتحدرين من أصول إسلامية في قلب البلاد الأوروبية.
ونحن نعرف – على سبيل المثال – أن الإسلام هو الدين الثاني في فرنسا. وأن عدد المسلمين فيها لا يقل عن أربعة ملايين مسلم، بكل ما يعنيه ذلك من مشكلات ثقافية تتعلق بعجز شرائح من هؤلاء عن التكيف مع الثقافة الفرنسية، ومشكلات اقتصادية تتعلق بإدماجهم في المجتمع.
غير أنه بالإضافة إلى هذه التيارات العنصرية، هناك في الثقافة الغربية تيارات تقدمية تؤمن بحق العالم الثالث في أن ينعم بثمار التنمية على المستوى العالمي، بالإضافة إلى تأييدها لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة جنباً إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية. ولا ننسى في هذا المقام التظاهرات المليونية التي خرجت في عدد من عواصم العالم الغربي محتجة على الغزو العسكري الأميركي للعراق.
ولو أضفنا إلى ذلك أن الاتحاد الأوروبي دخل في شراكة اقتصادية وثقافية مع كثير من البلاد العربية وخصوصاً في مجال البحر الأبيض المتوسط، لأدركنا أن الصورة السلبية التي ترسمها الجماعات الإسلامية السياسية المتشددة عن الثقافة الغربية ليست موضوعية تماماً.
غير أن ما هو أخطر من التحيز في رسم هذه الصورة النمطية السلبية للثقافة الأوروبية، هو ادعاء الإسلاميين المتشددين أن الخراب لم يلحق بالبلاد العربية والإسلامية إلا بسبب تبني مبادئ الحداثة الغربية، ومن بينها تطبيق القوانين الوضعية، ووقف تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وهو إدعاء ليس له من أساس.
وفي تقديرنا أن الرفض الإسلامي للحداثة الغربية – والذي يتخذ في بعض الأحيان رفضاً مطلقاً، وفي أحيان أخرى رفضاً جزئياً لبعض جوانبها – يمثل مخاطر ثقافية على المجتمع العربي لا حدود لها.
وذلك لأن هذا الرفض القاطع يعني في الواقع رفضاً لمجموعة من القيم المتماسكة التي قامت على أساسها الحداثة الغربية، وأدت في الممارسة إلى تقدم المجتمعات الغربية. ومن هنا فلا بد من الدراسة التأصيلية لمفهوم الحداثة، والذي يُستخدم في الخطاب العربي المعاصر – بمختلف مستوياته – بكثير من الالتباس.
ويبدو ذلك واضحاً وجلياً في الخلط الذي وقع فيه كثير من الكتاب العرب بين مفهومي الحداثة Modernity والتحديث Modernization.«الحداثة» كمفهوم يشير إلى المشروع الحضاري الأوروبي الذي صاغته الطبقة الرأسمالية الأوروبية الصاعدة على أنقاض المجتمع الاقطاعي. والحداثة تقوم على أسس عدة. أولها احترام الفردية، بمعنى إعطاء الفرد باعتباره فردا وكيانا مستقلا حقوقه السياسية في ظل نظام ديموقراطي يؤمن بالتعددية السياسية والحزبية، وحقوقه الاقتصادية والتي تتمثل في حقه في التنقل والعمل بغير إجبار، وحقوقه الاجتماعية والثقافية، والتي تتمثل في الخدمات التي توفرها الدولة للمواطنين.
والأساس الثاني من أسس الحداثة الغربية هو العقلانية. ونجحت الرأسمالية باعتبارها تنظيما اقتصاديا متميزا بحكم اعتمادها في التخطيط الاقتصادي والصناعي وفي التنفيذ على العقلانية، التي لا بد أن تنعكس على عملية صنع القرار، وهذه العملية لا تتم في الغرب بالطريقة العشوائية التي تتم بها في عديد من البلاد العربية، ولكن لها أصول علمية ومناهج في علم الإدارة معترف بها.
والأساس الثالث من أسس الحداثة الغربية هو الاعتماد على العلم والتكنولوجيا لإشباع الحاجات المادية لملايين السكان. وعبر عن هذه الحداثة الغربية المجتمع الصناعي، الذي استفاد بشكل لا حدود له في كثير من الميادين.
إذا كان ما سقناه من حجج صحيحا – وهو صحيح تاريخيا – فكيف تُرفض الحداثة ومشتقاتها في العالم العربي والإسلامي؟
يمكن القول إن ما سبّب الالتباس هو الخلط بين الحداثة كمشروع حضاري وعملية التحديث، والتي تعني تطوير مجتمع ما كالمجتمع الزراعي لكي يتحول إلى مجتمع صناعي.
غير أن عملية التحديث كما تمت في العالم العربي الذي يزخر بالنظم الشمولية والسلطوية وشبه الليبرالية، تمت في الواقع بطريقة عشوائية افتقرت إلى شمول النظرة لعملية التنمية المستدامة.
ونظرة إلى عديد من البلاد العربية التي اتسعت دوائر الفقر فيها في العقود الأخيرة تشير إلى فشل التحديث من ناحية، وغياب الحداثة بمفهومها الأصيل من ناحية أخرى.
والتفت محمد الشيخ في كتابه المهم الذي صدر عن دار «الهادي» عام 2007 وعنوانه «رهانات الحداثة» إلى هذه التفرقة المهمة بين الحداثة والتحديث.
يقول في مطلع كتابه عن غياب الحداثة في العالم العربي: «أقول ها هنا الحداثة ولا أقول التحديث. إذ ليس التحديث كالحداثة. وأنا لا أقول ليس «التحديث» من «الحداثة» في شيء بل هو شيء – أي آنية من أواني الحداثة- وإنما أقول ليس هو والحداثة سواء».
ويستطرد قائلا: «وإلا فإننا بدأنا التحديث منذ أكثر من قرن، وما أفلحنا في تحقيق الحداثة بعد».
ومعنى ذلك كله أن النقد الإسلامي الرافض للحداثة الغربية يحتاج إلى تحليل وإلى تأصيل لمفهوم الحداثة نفسه كما نشأ في ظل الثقافة الغربية.
ويكون من بين العلامات الإيجابية أن الفكر العربي التفت أخيراً إلى أهمية هذا التأصيل، ولذلك صدرت كتب عدة تستحق المطالعة والتأمل والتحليل. ومن بين هذه الكتب كتاب محمد سبيلا «مخاضات الحداثة» الصادر عن دار «الهادي» عام 2007 وهو يضم بين دفتيه خلاصة أبحاث المؤلف، وهو من أبرز الكتاب العرب في معالجة موضوع الحداثة، بالإضافة إلى كتاب محمد الشيخ «رهانات الحداثة» الذي أشرنا إليه من قبل، وكتاب إدريس هاني «الإسلام والحداثة: احراجات العصر وضرورة تجديد الخطاب»، صدر عن دار «الهادي» أيضاً عام 2005. وفي العنوان الفرعي للكتاب الأخير دلالة مهمة، لأنه يتحدث عن «إحراجات العصر»، وكأنه يقول: لا يكفي رفع شعار «الإسلام هو الحل» لمواجهة التحديات الكبرى لعصر العولمة!
(*) كاتب مصري.
(المصدر: صحيفة الحياة (يومية – لندن) الصادرة يوم 3 فيفري 2008)
الأردن: انقلاب بنيوي في مفهوم الدولة ودورها
محمد أبو رمان (*)
قطعت الحكومة الأردنية شوطاً كبيراً في تحضير المناخ الشعبي لعملية تحرير قطاع الطاقة والمضي قدماً في تحلل الدولة من التزاماتها الاقتصادية بدعم المشتقات النفطية والعديد من السلع الرئيسة. تجلّت تهيئة المناخ العام بإقرار مجلس النواب للموازنة بأغلبية كبيرة قبل أيام، وقد سبق ذلك إعلان الحكومة عن رفع رواتب القطاع العام، وبناء حملة إعلامية واسعة حول الزيادات المتوقعة إلى أن بات كثير من المواطنين يتساءلون عن الزيادات لا عن رفع الأسعار، على الرغم أنّ هذه الزيادات لا تتناسب مع الزيادات المتوقعة على أسعار السلع!
من الواضح أنّ تعامل الحكومة مع رفع الدعم عن المشتقات النفطية يقتصر على الحساسية والتوجس من مسألة «التعاطي الشعبي» مع تداعيات رفع الأسعار، يظهر ذلك في الحرص على تدجين القوى السياسية، والتلويح بالمواجهة معها، وكذلك في وضع حدود كبيرة على دور الإعلام وقدرته على مناقشة السياسات الحالية، بذريعة «حماية الأمن الوطني وعدم التحريض على العنف»، ولا غرابة أن يكون شعار العديد من المسؤولين والإعلاميين هو «تمرير المرحلة»! خاصة وأنّ في الذاكرة الرسمية لا تزال أحداث تمرد وشغب كبيرة حصلت على خلفية الأوضاع الاقتصادية، عامي 1989و1996، في مدن الجنوب المعروفة تقليدياً بموالاتها للحكم.
سياسات التعامل الرسمي (هذه) تختزل اللحظة التاريخية، التي تشكل منعطفاً حقيقياً في مسار الدولة الأردنية، بالطابع الأمني الآني. فلا تتضمن هذه السياسات أية قراءة استراتيجية معلنة تقوم على إدراك طبيعة التحول الكبير في النسق السياسي والاقتصادي، إذ تشكّل موازنة عام 2008 انقلاباً كاملاً على بقايا مفهوم «الدولة الريعية» على المستوى الاقتصادي (وما نتج عنها من «علاقة زبونية» على المستوى السياسي خلال العقود السابقة بين المواطن والدولة).
ما وصل إليه التحول الاقتصادي اليوم يُؤدي إلى «فجوة وطنية واسعة»، ناتجة عن الاختلال بين المسار الاقتصادي والتحولات السياسية والاجتماعية المقابلة، مما يشكل بالفعل عامل تهديد ليس على الصعيد الأمني المباشر، وهو ما يُقلق المسؤولين، إنّما على الصعيد السياسي العام المرتبط بالإجماع والتفاهم الوطني حول صيغة العقد الاجتماعي ودور الدولة والعلاقة بين المؤسسات السياسية والاقتصادية، وكلها قضايا تتطلب حواراً وطنياً عميقاً، غاب تماماً عن جلسات الموازنة في البرلمان، وكذلك عن المناظرة الإعلامية حول الموضوع، وأصبح ملف الأسعاروكأنّه كرة ملتهبة تتقاذفها الأطراف المختلفة، لا استحقاقا اقتصادياً وسياسياً تاريخياً يتحمّل السياسيون والمواطنون والإعلاميون جميعاً مسؤولية التعامل معه.
هذا التحول الكبير (في دور الدولة الاقتصادي) كان مضمون تقرير مهم صدر عن مؤسسة «كارنيغي إنداومنت» الأميركية قبل أشهر، بعنوان «إعادة التفكير في الإصلاح الاقتصادي في الأردن: مواجهة الوقائع الاقتصادية والاجتماعية»، للخبير في السياسات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط الدكتور سفيان العيسة. ويشير التقرير إلى أنّ المعضلة البارزة في برنامج الإصلاح الاقتصادي الأردني هي عدم القدرة على إعادة إنتاج العلاقة بين الدولة والمجتمع، ما يسمح بالالتزام بمضامين الإصلاح الاقتصادي المطلوبة كافة، التي تتضمن أبعاداً سياسية واجتماعية حيوية وضرورية لإنجاح الإصلاح وتلافي انحرافه عن الطريق.
تكمن الإشكالية الرئيسة، التي يضع التقرير يده عليها، في سؤال التقاسم التاريخي الوظيفي بين فئة اجتماعية هيمنت على القطاع العام (الأردنيون من أصول أردنية) وأخرى هيمنت على القطاع الخاص (الأردنيون من أصول فلسطينية)، ما يُحيل إلى أبرز معوِّقات مشروع الإصلاح الاقتصادي أو بعبارة التقرير «فهم مقاومة الإصلاح»، إذ يُقسِّم التقرير مقاومي الإصلاح إلى فئتين: الأولى، طائفة يسميها «الأقل حظوة»، ويشير هنا إلى فئات فقيرة وضعيفة كانت تعتمد على الغطاء الاقتصادي من الدولة، الذي كان يوفر تاريخياً ضمانةً من البطالة والفقر والجوع،ثم أدّى انحسار دور الدولة إلى شعور هذه الفئات العريضة (بخاصة في المحافظات) بغياب شبكة الأمان والحماية وتعرضها لأزمات اقتصادية. والفئة الثانية (من أعداء الإصلاح) هي النخب السياسية والاقتصادية التي تتضرر مصالحها من برنامج الإصلاح الاقتصادي، فتسعى إما إلى تبطيئه أو عرقلته أو حرفه عن مساره، وإذا كانت النخب التقليدية البيروقراطية تتهم بالعرقلة ومحاولة التبطيء، فإنّ التقرير يشير إلى النخب «الجديدة» التي تحرف البرنامج لخدمة مشاريع اقتصادية خاصة بها أو بمن لها علاقة بهم.
المثير في الموضوع أنّ تقرير كارنيغي صدر قبل أشهر، أي أنه سبق إقرار الموازنة الحالية التي تخطو بصورة أوسع وأكبر نحو «لبرلة الاقتصاد الأردني»؛ لكن بدلاً من وجود حكومة سياسية لها رصيد من الخبرة والقدرة على إدارة الحوار الوطني لعبور هذا المنعطف التاريخي – وما يثيره من إشكاليات وحساسيات داخلية- جاءت حكومة لا تمتلك أية خلفية سياسية حقيقية للتعامل مع الشأن الاقتصادي، وكأنه استحقاق قائم بذاته لا سياسات تصيب حياة الناس اليومية وتضرب على الوتر الحساس من علاقة المواطن بالدولة.
ولم تكن مخارج الانتخابات النيابية أفضل حالاً؛ فقد أدت الحسابات الرسمية، وبالتحديد سؤال الأزمة مع الحركة الإسلامية، إلى برلمان ضعيف سياسياً، مع شغور مقعد المعارضة فيه، وبروز واضح لنخبة ليبرالية جديدة مع غياب ممثلين عن الطبقة العامة التي تعاني من تداعيات السياسات الاقتصادية.
أمام تحول اقتصادي بنيوي وتاريخي ينعكس على مفهوم الدولة ذاته، في ظل ضعف شديد يصيب الدور السياسي للحكومة والبرلمان، فإنّ السؤال الرئيس: من سيتعامل مع الاستحقاق السياسي التاريخي المرتبط بهذه التحولات؟!
(*) كاتب أردني
(المصدر: صحيفة الحياة (يومية – لندن) الصادرة يوم 3 فيفري 2008)