الأحد، 9 نوفمبر 2008

Home – Accueil

TUNISNEWS

8 ème année, N° 3092 du 09.11.2008

 archives : www.tunisnews.net


21  سنة عبثا بتونس..كفى.تحيين العريضة

إسماعيل دبارة : تونس: التقدمي يتمسّك بالشابي مرشّحا للرئاسية

محمد الحمروني : بعد احتجاجها على منع حزبها من عقد لجنته المركزية  : الجريبي تضع خطاب الرئيس عن التعددية بين ظفرين

اسلام أونلاين : أول حوار مع الرئيس الأسبق للحركة الإسلامية في تونس الصادق شورو : « النهضة » تراجعت ولكنها لم تتصدع تنظيميا »

نصر الدين السويلمي : أفــراحُ الـمـُسـرّحـيـن … ما بــال أقــوام لا يهنّئون!!؟ عبدالحميد العدّاسي : قف!… فبالمدينة عصبي!…

صــابر : سويســراَ: واقع تونس لا يغطّى بغربال التدليس وأوهام التلبيس

 

دهليز: تعليق فوري على الشهادة الميدانية لمرسل الكسيبي في أعقاب

عبد الجبار الرقيقي: قابس في المرتبة الأخيرة…و تحصل على جائزة؟؟؟

المولدي الزوابي:الوجه الآخر من معتمدية طبرقـــة

الصباح : بعد دعوة الجيلاني إلى هدنة  وميثاق اجتماعي خلال 2009 : هل هي مزايدة.. أم مغازلة للنقابيين ..أم هو التأسيس لمرحلة جديدة

الصباح : في المفاوضات الاجتماعية

أبوذر: هوامش على دفتر اﻷزمة

الهاشمي الطرودي : أربعينية جورج عدّة : الزيارة الأخيرة

أبو يعرب المرزوقي : كيف نفهم تعثر الإبداع في الفلسفة العربية

رويترز : اهتمام مغربي رسمي بالطرق الصوفية كوسيلة لمحاربة التطرف

السبيل أونلاين:غادة الطويل: ربحت قضية الحجاب فاستأنفت عملها بالتلفزيون

المركز الفلسطيني للإعلام:قوات عباس تستعرض دورها في محاربة المقاومة وحماية الاحتلال على التلفزة العبرية

القدس العربي:فشل الحوار الفلسطيني واسبابه

طارق الكحلاوي : الإدارة الانتقالية لأوباما والأزمة

اسلام اولاين:من شعبولا إلى هيكل: لا جديد لدى أوباما!!


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To readarabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
 

العنوان الوقتي لموقع مجلة ‘كلمة

http://kal.mediaturtle.com


21  سنة عبثا بتونس..كفى.

   

1.كفى عبثا بالدستور وانفرادا بالسلطة ورئاسة مدى الحياة وتزييفا للانتخابات ونيلا من علوية القانون. 2.كفى حماية للفساد والفاسدين واستباحة للمال العام والخاص. 3.كفى تلجيما للأصوات الحرة ومصادرة لحق المواطن في الإعلام واحتكار الفضاء العام. 4.كفى وصاية على القضاء وتوظيفا له للانتقام من خصوم النظام وتسخيرا له لحماية المتنفذين وتمريرا للجريمة بواسطة القضاء. 5.كفى تعذيبا واستباحة لكرامة التونسيين وحرماتهم وحماية الجلادين. 6.كفى تسخيرا لأجهزة الدولة من جباية وديوانة وأمن وخدمات .. الخ للانتقام من خصوم النظام وترهيب المواطنين. 7.كفى تهميشا للجهات المحرومة واستثناء لها من الثروة الوطنية ومصادرة لمستقبل الشباب.  
الإمضاء (قائمة أولى) 1.                 أحمد القلعي 2.                 أحمد الورغمي 3.                 توفيق العيلشي 4.                 توفيق بن بريك 5.                 جمال الدين أحمد الفرحاوي 6.                 حامد بوجمعة 7.                 حجلاوي رياض 8.                 خالد الكريشي 9.                 خليل الزاوية 10.               خولة الفرشيشي 11.              رفيق بن قارة 12.              زكية الضيفاوي 13.              زهير مخلوف 14.              سامية حمودة عبو 15.              سعيد المشيشي 16.              سليم بوخذير 17.              سمير النفزي 18.              سمير بن عمر 19.              سهام بن سدرين 20.              شكري رجب 21.              الصحبي صمارة 22.              طارق السوسي 23.              عبد الرؤوف العيادي 24.              عبد الرزاق الكيلاني 25.              عبد القادر بن خميس 26.              عبد الوهاب معطر 27.              عبدالحميد العدّاسي 28.              عبدالله الزواري 29.              عدنان الحسناوى 30.              علي النفاتي 31.              علي الوسلاتي 32.              علي بن سالم 33.              عماد الدائمي 34.              عمر المستيري 35.              فاتن الحمدي 36.              فتحي الجربي 37.              فوزي جاب الله 38.              لبلى بن دبة 39.              لطفي الحيدوري 40.              محمد الطالبي 41.              محمد المختار العرباوي 42.              محمد الهادي بن سعيد 43.              محمد صالح النهدي 44.              محمد ظافر عطي 45.              محمد عبو 46.              محمد علي بن عيسى 47.              محمود الذوادي 48.              مختار العيدودي 49.              مختار اليحياوي 50.              المنجي بن صالح 51.              منذر الشارني 52.              نزيهة رجيبة 53.              الهادي الرداوي 54.              الهادي المناعي 55.              الهاشمي جغام 56.               يسين البجاوي


 
 

تونس: التقدمي يتمسّك بالشابي مرشّحا للرئاسية

 

إسماعيل دبارة من تونس  قالت ميّة الجريبي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدّمي المعارض في تصريحات خصّت بها « إيلاف إنّ « الحزب تمسّك اثر عقده للجنته المركزيّة أمس السبت بالأستاذ أحمد نجيب الشابي مرشّحا للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 2009″. وكشفت الجريبي لإيلاف: »صوّت أعضاء اللجنة المركزية بكلّ شفافية وديمقراطية لصالح التمسّك بالأستاذ أحمد نجيب الشابي بنسبة 70 بالمائة  من الأصوات ، في حين حصل الموقف الآخر على 30 بالمائة من أصوات أعضاء المركزية ». وعلمت « إيلاف » إنّ نقاشات معمّقة دارت بين أعضاء اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي استمرّت من عصر السبت إلى فجر الأحد. وكان الحزب الديمقراطي قد رشّح في أبريل الماضي المحامي أحمد نجيب الشابي للانتخابات الرئاسية المزمع إجرائها في تشرين الأولّ من العام المقبل، إلا أنّ تعديلا دستوريّا أعلن عنه الرئيس بن علي في مارس /آذار الماضي أقصاه من السباق الرئاسي مقابل السماح للأمينة العامة الحالية مية الجريبي بالترشّح للرئاسة. و تنادى عدد من قيادات الحزب وقواعده إلى ضرورة استبدال مرشح الحزب (الممنوع قانونا من الترشح) و إعلان الأمينة العامة مرشحة بدلا عنه. وتقول الجريبي: »لقد عُقدت أجواء اللجنة المركزية في جوّ ديمقراطي و شفاف   على الرغم من الظروف التي دارت فيها ومنعنا من فضاء عمومي أو قاعة بفندق- و عبّر الجميع عن آرائهم بكلّ حرية واستقلالية ، وقد حُسم الأمر الآن لصالح مرشحنا ، و نعلن بصفة رسمية دخولنا في المرحلة الثانية للحملة التي أطلقناها من أجل انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة ». ويرى متابعون مقرّبون من الحكومة التونسية إنّ الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض لا يحمل رهانا انتخابيا بإعلانه المشاركة في الانتخابات الرئاسية و التشريعية المقبلة بمرشّح ممنوع قانونيّا، و لكنه يطمح إلى الرهان السياسي عبر لفت الانتباه و محاولته التوسّع و التعريف ببرامجه. (المصدر: موقع « إيلاف » (بريطانيا) بتاريخ 9 نوفمبر 2008)  
 


 

بعد احتجاجها على منع حزبها من عقد لجنته المركزية  تونس: الجريبي تضع خطاب الرئيس عن التعددية بين ظفرين

تونس – محمد الحمروني أعلنت ميّة الجريبي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي عن عزم حزبها افتتاح اجتماع لجنته المركزية في الشارع احتجاجا على رفض السلطة تمكينه من نزل أو أية قاعة عمومية لعقد هذا الاجتماع، وقالت الجريبي في ندوة صحافية عقدت أمس السبت 8 نوفمبر الجاري إن قرار منع الحزب من قاعة عمومية ?قرار سياسي تريد من خلاله السلطة معاقبة الحزب وجعله يدفع ضريبة مواقفه، وخاصة ما تعلق منها بالانتخابات الرئاسية القادمة . وأضافت الجريبي أن الحكم وفي الوقت الذي يتباهى فيه باحترام قواعد اللعبة الديمقراطية لم يتسع صدره للصوت المعارض، وصار يمنع عنه الفضاءات الخاصة علاوة على العامة. وينتظر أن تناقش اللجنة المركزية للديمقراطي التقدمي التي من المفترض أن تنعقد مساء السبت مسألة ترشيح أحمد نجيب الشّابي الزعيم التاريخي للحزب للانتخابات الرئاسية القادمة، وذلك في ضوء التعديل الدستوري الذي أقدمت عليه السلطة في يوليو الفارط، والذي يمنع الشّابي من الترشح، وفي المقابل سمح القانون الجديد للأمينة العامة للحزب بالمنافسة على منصب الرئاسة. وتوجد بالحزب وجهتا نظر.. ترى الأولى ضرورة مواصلة ترشيح الشّابي، ومن خلال ذلك خوض معركة سياسية بهدف تحقيق شروط انتخابات حرة ونزيهة ومن أجل السماح لأحزاب المعارضة باختيار من يمثلها في الانتخابات الرئاسية، وتحوز هذه النظرة على موافقة غالبية الرموز التاريخية للحزب مثل مية الجريبي ومنجي اللوز ورشيد خشانة وعصام الشّابي، ولا ترى هذه المجموعة في الانتخابات القادمة أي رهان انتخابي، وأن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد حسم أمر الانتخابات القادمة سلفا، كما ترى أن الأفضل هو جعل هذه المناسبة فرصة لخوض معركة فرض حق الترشح بدل الانجرار للمشاركة في الديكور الانتخابي. أما وجهة النظر الثانية فتعتبر أن في مواصلة ترشيح الشابي إصرارا على النهج الراديكالي الذي انتهجه الحزب منذ مؤتمره الأخير في 2004، وأن الإصرار على ترشيح الشابي -الذي يمنعه القانون من الترشح- دليل على الخط الصدامي الذي انتهجه الحزب في السنوات الأخيرة، إضافة إلى أن الحزب وهو من أكبر الفاعلين السياسيين في البلاد سيجد نفسه -وفق هؤلاء- خارج ?اللعبة? في أهم محطة سياسية تشهدها البلاد، وهي محطة لا تتكرر إلا مرة واحدة كل 5 سنوات. ويحظى هذا الرأي بدعم مجموعة من الرموز خاصة من الذين التحقوا بالحزب سنة 2001، وعلى رأسهم محمد القوماني وفتحي التوزري. يذكر أن الرئيس بن علي قال في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى 21 لتغيير السابع من نوفمبر إنه سيعمل على أن تكون الانتخابات القادمة حرة ونزيهة، وإنه سيضمن حق جميع المرشحين في مداخلات تلفزيونية دون رقابة، كما أكد الرئيس بن علي في خطابه على سلامة التوجه الذي انتهجه منذ تسلمه السلطة، مشيدا بالمنهج المتدرج الذي سار عليه والذي جنّب تونس المزالق التي وقعت فيها بعض التجارب الأخرى عبر العالم. (المصدر: صحيفة « العرب » (يومية – قطر) الصادرة يوم 9 نوفمبر 2008)

أول حوار مع الرئيس الأسبق للحركة الإسلامية في تونس الصادق شورو : « النهضة » تراجعت ولكنها لم تتصدع تنظيميا »

   

 السيد زايـد  (*) كان مصيره الإعدام أو السجن مدى الحياة في أحسن الأحوال، لكن لم يتوقع أحد أن يتم الإفراج عنه ويعود لحياته الطبيعية، حيث أسرته وأبناؤه وزوجته التي جاءنا صوتها عبر الهاتف محملا بإحساس الفرح والبهجة بعودة الغائب، الدكتور الصادق شورو الرئيس الأسبق لحركة النهضة الإسلامية التونسية، والذي تم الإفراج عنه الخميس 6 /11/2008 ضمن آخر مجموعة من قيادات النهضة، وذلك بعد ثمانية عشر عاما قضاها في سجن « المرناقية » الذي يقع على مسيرة ساعة بالسيارة من تونس العاصمة. في هذا الحوار الذي ينفرد به « موقع إسلام أون لاين.نت » مع الصادق شورو كأول مقابلة لوسيلة إعلامية عربية أو أجنبية بعد خروجه من السجن تحدث ضيفنا عن تجربة السجن والاعتقال، وعن رؤيته للحياة والعمل السياسي داخل حركة النهضة، والتحولات التي حدثت للحركة منذ دخوله السجن أوائل التسعينات حتى خروجه. رغم ثمانية عشر عاماً قضاها قيد الاعتقال منها 13 عاما كاملة في سجن انفرادي، إلا أن صوته عبر الهاتف كان هادئا ومتفائلا بالمستقبل، ولا يزال مصرا على استكمال مشواره السياسي في صفوف حركة النهضة التي انتمى إليها منذ الشباب. يتحدث الرجل قليلا، ويجيب عن الأسئلة بأقل الكلمات، ربما لأننا أجرينا الحوار معه بعد وقت قصير من وصوله بيته، وقد تكون هذه إحدى سماته كرجل قاد الحركة في ظروف صعبة وقاسية أعلن النظام خلالها حملته الشرسة عليها. الصادق شورو من مواليد عام 1952، حصل على دكتوراه في الكيمياء من كلية العلوم بتونس، وعمل مدرسا بكلية الطب إلى أن تم اعتقاله سنة 1991، وهو بجانب ذلك كان عضوا بلجنة البحث العلمي في تخصصه بالمركز الجامعي للبحث العلمي بمنطقة برج السدرية في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، وعضوا بنقابة التعليم للاتحاد العام التونسي للشغل. وقد عرف الصادق شورو بتأييده للنضال الطلابي، وحضر المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للطلبة، وهو حافظ لكتاب الله، ومعروف باهتمامه بالتربية الايمانية، وقد انضم لعضوية مجلس الشورى المركزي لحركة النهضة الإسلامية منذ بداية الثمانينيات، وانتخب في مؤتمر 1988 رئيسا للحركة وواصل القيام بمهامه حتى اعتقل في 17 فبراير 1991، وقد تعرض لتعذيب شديد نقل على إثره أكثر من مرة للمستشفى في حالة خطيرة، كما خاض عدد من الإضرابات عن الطعام كان آخرها العام الماضي. حوكم شورو أمام المحكمة العسكرية سنة 1992على رأس 265 من قيادات النهضة، وقد طلب الادعاء العام إعدامه، ولكن تحت ضغط المنظمات الحقوقية والإنسانية اكتفى النظام بإصدار حكم في حقه بالسجن مدى الحياة، ونقل بعد ذلك لأكثر من سجن، وتعرض لضغوط شديدة لحمله على إدانة الحركة وطلب العفو من رئيس الدولة، ولكنه لم يرضخ، ومما أثر عنه أمام المحكمة العسكرية قوله: « يا سيادة القاضي إذا كنتم بعملكم هذا تريدون اجتثاث حركة النهضة من مجتمعها ومن التربة التي أنبتتها فهي شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ». تجربة السجن والاعتقال *بداية وبعد العودة من خلف القضبان ماذا تقول لنا عن تجربة السجن والاعتقال؟ – هذه مسألة قد يطول الحديث فيها وتحتاج إلى كتابات كثيرة، وباختصار شديد فإننا نحمد الله تعالى أن وفقنا إلى الثبات طيلة ثمانية عشر عاما، قضيت منها 13 عاما في سجن انفرادي، وهي لا شك تجربة صعبة، ولم تكن لتمر هذه السنين إلا بقدرة الله تعالى وعونه، فقد كنا نعتمد في سجننا على حفظ القرآن الكريم، وتدبر آياته، وتوطيد علاقتنا بالله تعالى، من خلال المداومة على الذكر والصلاة والصيام وتلاوة القرآن وتدبر آياته وفهم معانيه، وقيام الليل، كل هذا أعطانا زادا روحيا مكننا من قضاء هذه الفترة بثبات وعزم قويين. ونحن نعتبر أن سجننا يمثل فترة مظلمة في تاريخ تونس، نسأل الله تعالى أن يقينا شر أمثالها، كانت ظروف السجن جد صعبة، حيث استهدفنا في ديننا وأنفسنا ومالنا وأهالينا، رأينا كيف يحارب الإسلام في السجون التونسية، حيث تمنع الصلاة وأداء الفرائض وقراءة القرآن ويداس المصحف الشريف. *هل الإفراج عنك كان إفراجا مشروطا من قبل النظام؟ وما هي حجم القيود والرقابة المتوقع أن  يمارسها عليكم النظام بعد الإفراج؟ – يعد الإفراج الأخير عن 21 عضوا من قيادات الجماعة إفراجا غير مشروط، فخروجنا من السجن لم يكن له أي مقابل، وبدون أية تنازلات من جانب قيادة الحركة أو أعضائها، ولم نقدم أي تعهدات تجاه النظام تكون بمثابة الثمن لهذا الخروج من السجن، وإنما هو بمبادرة محمودة من قبل النظام الحاكم، نتمنى أن تتبعها خطوات أخرى في طريق فك الحصار الأمني المضروب على الحركة منذ عدة سنوات. أما عن حدود ممارسة الحياة والتحرك فلن يكون الأمر عاديا، ولا تزال سيارة للبوليس السياسي ترابط أمام منزلي بمنطقة « بن عروس » منذ أن وصلت إلى المنزل، وبشكل عام فإن بعض المفرج عنهم يخضع للرقابة « الإدارية » من قبل الأمن، والبعض الآخر تحت الملاحظة الأمنية، ولذلك ستبقى مطالب فك الحظر والرقابة الاجتماعية والسياسية والمدنية ملفا مطروحا للمتابعة من طرف الحركة. لكن الحياة المهنية بالنسبة لي قد انتهت ولا يمكن الرجوع إلى وضعي المهني السابق في ظل الظروف الحالية، وهذا حال أغلب المفرج عنهم من قادة الحركة وأعضائها، والح ركة في هذا الجانب ستطالب باسترجاع حقوق كل المساجين السياسيين الاجتماعية والمدنية وغيرها. النهضة والنظام التونسي *ما تأثير هذه الانفراجة من قبل النظام بالنسبة لحركة النهضة الإسلامية في تونس؟ وما هي انعكاسات ذلك على مستقبل العلاقة بين الحركة والنظام التونسي؟ – بهذا الإفراج يغلق ملف معتقلي حركة النهضة الإسلامية داخل السجون التونسية، وهو ما يجعل مطالب الحركة من المفترض أن تتجه إلى وجهة أخرى، وأعتقد أن هذا العفو الرئاسي عن معتقلي « النهضة » سيكون بادرة خير في اتجاه تحسين العلاقة بين النهضة والنظام، ونحن نأمل أن يصب هذا في طريق تمكين الحركة من الحصول على حقها في ممارسة النشاط السياسي القانوني، وكذلك حل قضية المهجرين من أبناء الحركة إلى الخارج في بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية الذين فروا تحت وطأة الضربات الأمنية، بحيث يتم تمكينهم من الرجوع إلى وطنهم تونس، ونأمل أيضا أن يسمح النظام بمزيد من تحسن المناخ الديمقراطي الحقيقي. *بالنظر إلى أحوال الحركة إبان فترة اعتقالكم عام 1991 وأحوالها الآن بعد مرور سنوات ثمانية من الألفية الثالثة.. هل ثمة تغير في أداء الحركة وتطورها؟ – حقيقة نقص أداء حركة النهضة عما كان عليه في نهاية الثمانينيات، حيث حققت الحركة تقدما ملحوظا في آخر انتخابات تشريعية عام 1989، لكن النظام لم يرحب بتقدم الحركة، فقام بالقبض على كل أطرها وقياداتها وحتى قواعدها، حيث زج بهم في السجون والمعتقلات، هذا بلا جدال ترك فراغا كبيرا في الحيز الذي كانت تشغله الحركة في المجتمع التونسي. الآن وقد أطلق سراح آخر دفعة من قيادات النهضة فنأمل أن تستعيد الحركة عافيتها ونشاطها حتى تبلغ ما كانت عليه أواخر الثمانينيات، وعليها في سبيل تحقيق ذلك أن تتجاوز العقبات التي تواجهها، كالحظر الأمني، وتعمل على إعادة البناء من جديد، وأن تسعى أيضا لإعادة شعبيتها السابقة لدى الشارع التونسي. الطريق إلى مصالحة وطنية *إذا ما نظرنا إلى الإفراج عن قيادات الحركة كبادرة خير من قبل النظام الحاكم فهل يمكن أن نتحدث عن مصالحة وطنية بينكم كحركة إسلامية وبين النظام مثلما يحدث في الجزائر مثلا؟ – قررت النهضة وهي في أوج محنتها إبان فترة سجني أن الهدف لعملها السياسي هو تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة التي لا تستثني أحدا، وقام هذا التوجه على اعتبار أن بلادنا تحتاج إلى إعادة التوازن السياسي بما يمنع أي طرف من الاستبداد بتقرير مصير البلاد، والعمل من أجل التداول السلمي للسلطة، وقد أعلنت الحركة في حينها أنها لم تعد مرحليا معنية بالوصول إلى السلطة، وتأسس ذلك على قناعة إستراتيجية من قبل الحركة. لكن رغم ذلك دعني أقول إن طرح مبادرة للمصالحة مرهون باستعداد النظام للقبول بمصالحة مع الحركة، بشرط أن يكون استعدادا حقيقيا لحل كل القضايا المتعلقة بمهام الحركة ودورها وبمصالح البلاد، فإذا توفر هذا الاستعداد فالحركة ستكون مستعدة للمصالحة، لكن لا بد قبل المصالحة من ظهور مؤشرات إيجابية حقيقية تثبت أن النظام قد غير مواقفه تجاهنا، وأن يسمح للحركة بممارسة نشاطها الطبيعي وحقها في العمل. *ولكن في سبيل نجاح مثل هذه المبادرة ألا يمكن أن تغير الحركة من مطالبها من أجل أن تدفع النظام للتعامل بإيجابية معها واتخاذ خطوات فاعلة تجاه أعضاء الحركة في الداخل أو الخارج؟ – في تقديري أن مطالب الحركة السياسية، والتي تتلخص في السماح لها بالعمل السياسي والحزبي بهدف الإصلاح والتغيير، من أجل مصلحة الأمة والتداول السلمي للسلطة.. هذا لا يمكن التنازل عنه أو المساومة عليه من أجل مصالحة مع النظام، فالحركة يمكن أن تقبل المصالحة، ولكن المصالحة مرتبطة بضمان تحقيق مصالح الحركة، وإذا لم تتحقق هذه المصالح فهذه مصالحة لا خير فيها. ما حقيقة التصدع التنظيمي؟ *في كتابه « الحركات الإسلامية بالوطن العربي – تونس نموذجا » يرى د. « أعلية العلاني » أن أسباب إخفاق حركة النهضة الإسلامية المحظورة منذ 1990 ومحدودية تأثيرها على الرأي العام « ليس نتيجة للملاحقات الأمنية فحسب، بقدر ما هو بسبب التصدع التنظيمي للحركة، وبسبب التداخل بين السياسي والديني.. ما ردكم على ذلك؟ -هذه قراءة خاطئة لا يصدقها الواقع؛ لأن واقع الحركة تنظيميا ليس فيه أي تصدع، كما أن تكوين الحركة من الداخل ليس متصدعا، كما أنه ليس هناك أي تصدع فكري لدى الحركة، فلا تزال الحركة رغم كل ما حاق بها من مطاردة وتعذيب وتنكيل محافظة على وحدتها التنظيمية والفكرية والسياسية، وذلك منذ نشأتها قبل 27 عاما حتى الآن. ومسألة العلاقة بين الديني والسياسي، فهذه واضحة بالنسبة للحركة، وهو أن « النهضة الإسلامية » حركة سياسية، لكن لها قراءتها وتفسيرها للنص الديني، اعتمادا على مبدأ التجديد في رؤاها الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها، وهذا من طبيعة الأسس الرئيسية التي قامت على أساسها الحركة ونأمل أن تحرص عليها مستقبلا. ولهذا نرى أن هذا الثبات على المبدأ هو من أهم ما تتميز به حركة النهضة، وهو ما يجعل من هذا الثبات مانعا لتقنين وجودها السياسي من قبل النظام، والحركة لن تتنازل عن ثوابتها من أجل الحصول على مكاسب من النظام، وهي في هذا الجانب لا تختلف عن غيرها من الحركات السياسية الإسلامية المتواجدة في الوطن العربي ككل فأغلبها إما محظور سياسيا أو يعمل في كنف النظم الحاكمة. *منذ أن بدأ الصدام بين « النهضة » والنظام التونسي تحول ملف الحركة من السياسي إلى الأمني، ولكن بعد الإفراج عن كافة المعتقلين هل تتوقع أن يرجع من الأمني إلى السياسي؟ -حقيقة فإن التجربة التي عاشتها الحركة بحلوها ومرها منذ ولادتها وتأسيسها إلى الآن أثبتت أن حل قضية الحركة ومشاكلها لا يمكن أن يكون حلا أمنيا، فاللجوء إلى الحل الأمني طيلة هذه السنوات فشل في القضاء على الحركة أو اقتلاعها من جذورها، وإن كان قد نجح في إضعافها وتشريدها بين الداخل والخارج، وهذا يعني أن حل قضية الحركة لا يمكن إلا أن يكون حلا سياسيا بالأساس. شعبية النهضة الإسلامية *الأوضاع الحالية في تونس تؤكد أن حركة النهضة لم يعد لها وجود مؤثر في الشارع وأن هناك قوى سياسية ودينية أصبح لها من الوجود والنفوذ ما تعجز النهضة عن اللحاق به.. ما رأيكم؟ -لا أنكر أن شعبية الحركة ووجودها في الشارع والمجتمع التونسي تراجع كثيرا عن ذي قبل، لكن هذا لا يعني أن الحركة ليست قادرة على استعادة وجودها ومواقفها في الشارع ولدى الرأي العام الداخلي والخارجي، وأحسب أنها الآن تعمل على استعادة هذه المواقع وعلى استعادة وجودها الحقيقي في الشارع التونسي وفي المجتمع المدني بصفة عامة. * لكن السؤال هنا.. هل سيسمح النظام للحركة بأن تعمل وتمارس نشاطها في وضح النهار وأمام عينه، خاصة وهي الخصم اللدود الذي ناصبه العداء؟ – يبدو أن النظام غير مستعد الآن للسماح للحركة بالعودة والرجوع إلى مواقعها السابقة، لكن نرى أن مصلحة البلاد ومستقبلها تقتضي السماح للحركة بحقها في العمل السياسي والقانوني، ويؤكد هذا الخيار أن الحل الأمني لم يعد هو الخيار، فهو يعمل على منع الحركة من الحصول على حقها في العمل السياسي القانوني، ومن الدمج داخل المجتمع كحركة طبيعية. هل تجاوز الواقع قيادات الحركة؟ * لا شك هناك متغيرات كثيرة طرأت على الساحة في تونس ولكن هل فعلا القيادة الحالية للنهضة قادرة على الخروج بها من مأزقها.. فهناك مثلا من يصف القيادات الحالية بالجمود وأن الواقع قد تجاوزها وأنه لا بد من التغيير؟ – هذا الرأي لم يصدر من داخل الحركة، فلا تزال الحركة محافظة على تماسها وكيانها ولم يحدث إلى الآن أي شق لصفوفها، ومسألة قيادات الجماعة هي مسئولية أعضاء الحركة، ولو كانت القيادة الحالية غير صالحة لتم إقصاؤها، وما يتعلق بإستراتيجيات الحركة وخطتها المستقبلية عموما يتم تحديده حسبما يقتضي الواقع وتطوراته، وحسبما يحدث ويدور على المستوى القريب والإستراتيجي وكذلك على المستوى الداخلي المحلي والعالمي.. لا شك أن الحركة الآن مطالبة بطرح موضوع المستقبل على ضوء تطورات الواقع من كل جوانبه السياسية والاجتماعية وغير ذلك، ورغم كل الصعوبات يبقى الإنسان المؤمن مستبشرا بالخير عملا بقوله تعالى: « وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتًا، واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة، وبشر المؤمنين » (يونس : 87).فرغم البلاء الشديد، فإن الله تعالى يبشر المؤمن برسالته بالنصر العزيز.. فوفّى الله وعده بأن نصر موسى وقومه على فرعون، ورغم أن الانطباعات الأولى عن الواقع لا تبشر بخير، فنحن مستبشرون وأملنا في الله سبحانه مستمر. (*) صحفي بموقع إسلام أون لاين.نت (المصدر: موقع « إسلام أونلاين.نت » (القاهرة – الدوحة) بتاريخ 9 نوفمبر 2008)


 

أفــراحُ الـمـُسـرّحـيـن … ما بــال أقــوام لا يهنّئون!!؟

 

نصر الدين السويلمي بالتوازي مع التهاني المتقاطرة على الإخوة المسرحين توافدت التهاني على مؤسسات حركة النهضة « محضنهم الأول » من القريب والبعيد وبادرت شخصيات سياسية وفكرية ودعوية إلى إرسال التهاني بشكل وديّ ورسمي سواء كان ذلك عن طريق الكتابة أو المكالمات الهاتفية أو حتى التواصل المباشر، مفاجأة سارة تلك التي فوجئ بها أبناء الحركة من الجالية التونسية فقد بادر الكثير منهم إلى الاتصال والاستفسار حتى أنّ أعضاء من حركة النهضة تفاجأوا بتفاصيل الخبر من لدن أبناء الجالية ومعلوماتهم الدقيقة إلى درجة أنّ الكثير منهم تحدث عن الدفعات السابقة التي أفرج عنها بتفاصيل تنم عن إطلاع واسع … آخرون استفسروا عمن تبقّى من المساجين وفرحوا كثيرا عندما علموا أنّ الحركة أعلنت رسميا أنه وبإفراج السلطة عن دفعة يوم الأربعاء الموافق لـ 5 نوفمبر 2008 تكون الكوكبة الأخيرة من أبنائها قد غادرت السجون. بفطرتهم الميّالة إلى الحق وبسريرتهم الخيّرة عبّر الكثير منهم « أبناء الجالية  » عن سعادتهم لإصرار الحركة على تذكير النظام بالشباب ضحايا قانون الإرهاب الجائر المدفونين في الزنازين وغيرهم من المضطهدين والمتابعين لتوضح أنّ أبناء تونس مهما كانت مشاربهم هم في دائرات اهتمامها بالدفاع عنهم والأخذ بأيديهم وترشيدهم إنّما حال بينها وبينهم عقدان من القهر والظلم ومتاريس من العسس المسخّر للحيلولة دون الشعب ونخبه الخيّرة. وسط هذه الكوكبة من الأفراح والتهاني كثر هم الذين شاركوا الأحبة  هذه الأجواء المفعمة بالغبطة والسرور كما كان غياب البعض ملفتا و لعل أبرز المتأخرين عن عرس الحرية هذا بعض نخب « الثمنطاش » فإن كان الشكر موصولا لمن تحرك منهم وآزر وقت المحنة ثم ختم بإرسال التهاني وتذكير النظام بأنّ للمفرج عنهم حقوق يجب أن تسترد فإنّ البعض لاذ بالصمت وألهى فعالياته بالحديث عن أخبار الجهات وشيء من البلاغات المحلية وكثير من اللمم. بعض الذين امتهنوا التجريح و »التصويب » واستعملوا أقلام مزودة بمجاهر لكشف ثغرات الحركة ونقائصها تكاسلت أقلامهم اليوم عن عبارة تهنئة وكأنّ حبرها مبرمج على اللسع دون غيره…هذه الأقلام المختصة في ثقافة الصنصرة وزرع الإحباط وتشييد بروج من التثبيط يا حبذا لو استراحت قليلا من مهنتها المقززة وأخذت فسحة لدقائق مارست فيها ثقافة الفرح … فرح الأبناء بعودة آباء مغيبين، منهم من غاب قبل الولادة وحضر بعد أن انطوت مرحلة الطفولة وردح من الشباب..فرح نساء متزوجات مع تأخير التنفيذ يعشن على أطياف أرواح أجسامها احتُجزت خلف جدران الموت…فرح أمهات انتظرن أبناءهن على شرفات المنازل حتى استنفذن ضوء أبصارهن فاستقبلن فلذات أكبادهنّ مكفوفات يستنجدن بحاسة الشمّ واللمس…فرح آباء في ثمالة خريف أعمارهم يستقبلون بعضا من أصلابهم عادوا لتوّهم من الأسر وقد كان بعض نظرائهم عادوا قديما ورفضوا هم دفع الفدية فلبثوا في سجنهم بضع سنين عددا…فرح أسر مهماتها الفطرية تمويل مؤسسات ومعاهد ومصانع الوطن بأبنائها فإذا هي تمول سجون ومقابر البلاد بأرحامها!!! وسائل إعلامية كبيرة وغيرها تناولت الخبر وأجرت حوارات وكانت في قلب الحدث ومنابر أخرى منتبهة لغير هذا…مشغولة بقضايا الأمة وأخرى محلية دولية أكبر من الكل وأصغر من الجميع مهتمة بقضايا أممية…مشغولة منشغلة متشاغلة بلا شغل!!! أيها السادة هنا وهناك…إذا تحرر واحد أو واحدة بعد ساعة قضاها في مخافر أو زنازين الرعب علينا أن نمارس الفرح..أما إذا خرج بعد ثمانية عشر عاما فعلينا عندها أن نمارس الفرح المقدس…لما!!!!نعم سأقول لما، لأنهم كانوا يعيشون في أقبية يسكنها الموت… إنّها كرامة… إنّها رحمة الله الواسعة… ما يناهز العشرين سنة قضوها يمشون على ألغام مزروعة في كل مناحي السرداب بأعينهم شاهدوا أحبتهم تقع أقدامهم على ألغام فترتفع أرواحهم وتهوى أجسادهم… هذا لغم الرّبو فمن نجا منه أصابه لغم السرطان ومن نجا من هذا وذاك أصابه لغم الجلطة أو الجرب أو ألغام أخرى خاصة  في هذه الأماكن لا نعلمها الله يعلمها… إنّهم لم يخرجوا من سجون عادية إنّها المقابر تبعث أبناءها من جديد. لقد عاشوا مرحلة الموت السريع ومرحلة الموت البطيء ومرحلة التعذيب الأعمى وقطعوا ماراتون الألغام …عندما كانوا في صراعهم هذا كان الكثير من غيرهم تحفّهم الرفاهية ينعمون في فرشهم الوثيرة فتخطفهم الردى…مات أولئك ورحلوا من قصورهم إلى قبورهم وعاد هؤلاء من على بوابات المقابر إلى منازلهم سالمين… (والله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِه ولكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون) .. (المصدر: موقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 8 نوفمبر 2008)  

 

قف!… فبالمدينة عصبي!…

 

عبدالحميد العدّاسي  جاء في خبر يتحدّث عن منع الأستاذ محمّد النوري رئيس منظّمة حرّية وإنصاف الحقوقية المناضلة: « … وخاطبه عونان بكل لطف بأنّ الأوامر صدرت لهما بمنعه من حضور فعاليات الندوة، وما أن همّ الأستاذ محمد النوري بالعودة إلى مكتبه [فقد انصاع إذن للأوامر] حتى التحق أحد أعوان البوليس السياسي وانبرى متهجّما بكل غطرسة وصلف متسائلا عن سبب عدم الامتثال للطلب مهددا الأستاذ محمد النوري ذاكرا له بالحرف الواحد  »أنا إنسان مريض بالأعصاب ولم أجد طبيبا يداويني »… يعلّق الخبر: وكأنه يشير إلى أنه غير مسؤول عما يفعله في صورة القيام بالاعتداء على أي شخص ولن تقع معاقبته…. ويضيف الخبر: واتضح أنّ هذا العون هو الذي سبق له أن اعتدى بالعنف الشديد الناتج عنه سقوط ضد السيد مراد النوري …كما اتضح أنه كان مصاحبا لمجموعة أخرى من البوليس السياسي حاولت قتل السيد مراد النوري بافتعال حادث طريق مزيف…. واتضح كذلك أنه كان من بين المجموعة التي اعتدت على الأستاذة إيمان الطريقي أمام المكتب بدفعها والتلفظ تجاهها بما ينافي الحياء على مرأى ومسمع من المارة وأنه لم تقع محاكمته رغم أن الأستاذة قدمت شكاية في الغرض لوكالة الجمهورية بتاريخ 09/05/2008… (انتهى) فهذا المريض المباشر للمواطن التونسي يكتسب مرضه العضال، هذا، من مرضى مَصَادِر يوجدون في دوائر القرار… فمن قويت مناعته من الأعوان العاملين معنا في الشارع وفي البيت(*) وفي السجن وفي مراكز العمل، استطاع دفع أمراض المصدر بمقادير متفاوتة، فكان منهم هذان اللذان خاطبا الأستاذ محمّد النوري بكلّ لطف (واللذان نشكرهما بالطبع على حسن القول ونسأل الله أن يجد لهما مخرجا فلا يخدمان ظالما سيورّطهما لا محالة مع الله سبحانه وتعالى)، ومن ضَعُفت مناعتُه أو فُقِدَت كان كهذا الكلب الذي نهشه بعد أن جرّب لحم ابنه من قبل ولحم امرأة شريفة تقضي النصوص الشرعية والعرف والمواثيق وحتّى العادات الجاهلية ? عادات ما قبل الإسلام ? باحترامها… الوضع إذن خطير! و »أطبّاء الأعصاب » مطالبون ببذل الجهود الاستثنائية لمحاصرة هذا الدّاء الوباء النّاخر للسلم الإجتماعية وللأمن الفردي والعشائري والإقليمي والقومي!… وعلى الجميع أن يساهم في مناصرة هؤلاء الأطبّاء ويتعاونوا معهم في إيجاد الحلول الكفيلة بالحدّ إن لم أقل بإبطال خطورة هؤلاء المرضى… ولعلّ ممّا يمكن المسارعة به هو عزل هؤلاء المرضى، فقد علّمتني تربية الدّواجن ? وهي مهنة أتقنتها بعد أن فقدت وظيفتي السابقة ? ضرورة عزل الفراخ المصابة عن بقية المجموعة ومعاملتها معاملة تليق بحالتها… وقد كنّا نعزلها خوفا عليها من أصحابها الصحيحة، وحريّ بالمجتمع أن يعزل المرضى الخطِرين خوفا على المجتمع منهم من العدوى!… إذ تصوّروا لو أنّ المجتمع أو جزءًا منه ? على الأقلّ ? أصيب (عافاكم الله) بذات الدّاء الذي تمكّن من هذا العون، ثمّ بَدَلَ أن يتوجّه بشحنته – عند النوبة العصبية ? إلى الأستاذ محمد النوري أو ابنه أو إلى إيمان أو إلى أمّ زياد أو إلى عبدالكريم الهاروني أو إلى عمّى علي بن سالم مثلا يفرغها فيهم، توجّه بها إلى عناصر الأمن، كلّها، بمختلف تشكيلاتها وأزيائها، تصوّروا كيف تكون الحال!… لا بدّ من أخذ الأمر بجدّ، ولو كنت صاحب نفوذ لوضعت هذا العصبي في مكان مغلق تكثر فيه المراقبة ووسائل النجدة كي يقع إسعافه مباشرة في بداية نوبته، فيوضع في القصر مثلا، فإنّه إلى جانب وجود الإمكانيات والأطبّاء المتخصّصين هناك، فقد تتوفّر الفرصة للمسؤول الكبير فيلحظ – ولو مرّة ? نوبته، فيداويه بمعرفته أوبوسائله، أو يحرّره من الخدمة، إذ كثيرا ما كانت الخدمة ومحيطها سببا في « الأمراض العصبية »!…(**) أمّا أن يُطلق في الشارع بإصابته دون أن يجد من يداويه، فهذا ما لا يخدم صورة البلد ولا أمن شعبها،… وهذا ما قد يغضب جمعيات الرّفق بالحيوانات، إذ لماذا نقتل الكلب العقور السائب ونترك هذا العصبي العقور ينهش لحم من يريد؟!… ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*): عَبْر الزيارات الليلية أو المراقبة اللصيقة أو بالخنوس في أسلاك الهاتف أو في بيتات النات (جمع bit)… (**): عرفنا كثيرا من النّاس خلال فترة الدراسة بمختلف مراحلها على شاكلة ورأيناهم بعد ذلك على شاكلة أخرى لمّا باشروا أعمالهم، وقد كان التغيير (لا أعني ذلك التغيير المحتفى به) جليّا خاصّة في الأفراد الذين التحقوا بمراكز الأمن المختلفة!…  (المصدر: موقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 9 نوفمبر 2008)


بسم الله الرحمان الرحيم  واقع تونس لا يغطّى بغربال التدليس وأوهام التلبيس

     

تحوّلت بعض الأبواق إلى ملكية أكثر من الملك نفسه ، بعد أن تحوّلت من صف المعارضة إلى ملعب السلطة و انخرطت في جوقة الحزب الحاكم ، وأوكلت إلى نفسها مهمة تزييف الواقع التونسي على شاكلة خطاب النظام الذى أغرق نفسه في لغة خشبية يسخر منها العرب والأجانب ، ومع الأسف البالغ فإن هذا يصدر ممن انتمى يوما الى الصف الإسلامي وانقلب على نفسه بعد أن عجز على حيازة مكان في قيادة حركة النهضة أو وجد نفسه صوتا معزولا داخل التيار الإسلامي أو لعب على وتر الإصلاح ، فبحث لنفسه عن مكان تحت قيادة « الرئيس بن علي » ، وأصبح يصور تونس وكأنها قطعة من الجنة على الأرض ، وأنها تفوّقت على أوروبا في المنجزات الإقتصادية ومجّد الحزب الذى استحوذ على البلاد منذ الإستقلال إلى الآن وعده حامي الحمى والدين وأن الإسلام في رعاية النظام التونسي وووو…وهي سفاهات لا تليق بغير النفوس الضعيفة التى إرتكست إلى الحضيض ، ولقد وجدت في من هاجر من أجل قوت أهله ونفسه ويعود دوريا إلى تونس وليس لديه في سوق المعارضة شأن ، نقاءا يرى الواقع التونسي بغير ما يصوره قوم تعلقت همتهم بطموح زائل زعموا يوما أنهم إعترضوا على سياسات السلطة وانقلبوا يزكونها ، ولسان حالهم يلهج بـ »التوبة » لتعويض سنوات الإعتراض ، يسابقون الزمن للحصول على رضاها بماء وجوههم ، أما خصال الرجال بإبحث عنها في مضانّها . إن الواقع التونسي لم تتغير مفرداته منذ كان الجنرال بن علي في السلطة، وإن تغيرت بعض تفاصيله ، ويمكن أن ننظر إلى ما يحدث كمثال قريب (للحزب الديمقراطي التقدمي) المعترف به ، وكيف تعامله السلطة ، وكيف تتعامل مع صحيفته « الموقف » ، وموقعه الإلكتروني الاجىء بالخارج ، ومع الكثير من أعضاءه ، ونشاطات ونشطاء الحزب الذين يعيشون في تونس ، وقد وصل الأمر بالحزب المعترف به رسميا إلى أن يعقد جلسة لجنته المركزية في الشارع بعد أن وجد في كل الأماكن في تونس أن الأوامر سبقته كي تقطع عليه الطريق للحصول على مكان عمومي بمقابل وليس بالمجّان ليعقد جلسته ، أما من لم يعترف به النظام أصلا فحاله أسوء بكثير ، فهو ممنوع من السياسة ومنهم من منعت عنه الحياة وحتى التداوي كما يحدث مع عبد اللطيف بوحجيلة الذى يطالب بالدواء من أسقامه التى سببها له النظام في سجونه المظلمة ، أما السجون فهي منازل الإسلاميين بلا منازع ، وقد خرجت آخر دفعة من السجناء القدامي وعجّت بأبناء الصحوة الإسلامية من جيل الشباب وهذه المرة تحت دعاوي « مكافحة الإرهاب » ، بعد أن كانت تحت مسميات أخرى منها « محاربة الأصولية  » و »الظلامية » وغيرها من المسميات التى منعت الحجاب والتدريس في المساجد وحظر الكتاب الإسلامي وإرتكبت الجرائم المشينة ، تحت ظل الخطة الساري بها العمل إلى اليوم « خطة تجفيف ينابيع التدين » ، ولاحقت كل من يقيم شعائر الإسلام ، وإلى اليوم فإن أي معتقل يواجه بالسؤال عن الصلاة وبذلك تكون فاتحة التحقيق ، وأما الممارسات القميئة مثل التعذيب والإعتقال والإهانة والمحاكمات الظالمة والتعسف وهضم الحقوق وغيرها من الممارسات التى استحلها النظام بحق أبناء الإسلام في تونس فرحاها لم تتوقف وما تزال تحصد الأجيال ، وتلك الممارسات لا تصنعها المعارضة ولا شبكة اللانترنت ولكنها حقائق ماثلة ويومية تشوّش على « حزب آلات الطرب » ليستمر في رسم الصور المبتورة ، والتى تهتم بإنشاء طريق ولا تهتم للإنسان المقهور الذى يسير وحتى يمنع من السير فوقه ، ولم يسأل قوم أنفسهم ، ماذا بعد العودة ؟ وقبل ذلك ، بماذا خرجت وبماذا عدت ؟ ، أما تصوير العودة على أنها عودة تاريخية ، فهي بحق عودة من الأبواب الخلفية للتاريخ . لقد أنكر الله تعالى على نفسه الظلم فقال في الحديث القدسي « يا عبادي إنّى حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا » ، وقد سوّى بين أعظم الذنوب التى لا يغفرها وهو الكفر به ، وبين الظلم حتى سمّى عز وجل الكفر نفسه بأنه ظلم عظيم ، فقال تعالى : إن الشرك لظلم عظيم. وشدّد على عدم الركون للظلمة فقال في محكم تنزيله ، في سورة هود الآية 113: »وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ » ، وأنظر إلى الجزاء فإنه مروع ، ولك أن تتحسس نار الدنيا ، والتى لا تساوي أمام نار جهنّم شيئا ، لتقيس الجزاء مع الفارق . ولكن قوم أسقطوا ذلك من حسابهم وتعلّقوا بالتملّق ، ووجدوا أن مرور الزمن و »حق القوة » التى يملكها الظالم بحكم سلطته وسيطرته على مقدرات البلاد هي الأحق من « قوة الحق » ، ولله درّ خليل الرحمان إبراهيم عليه السلام ، الذى زكّاه رب العزة في القرآن العظيم « ان ابراهيم كان أمة  » ، فرغم أنه كان وحده في مواجهة قومه ، فقد ثبت على الحق الذى هو عليه ، وبذلك حق له أن يكرمه الله تعالى في الدنيا بأن أخرجه سالما من النار التى ألقي فيها ، وأن يكرمه في الآخرة بأن يكون أول من يحلّى باللباس من عباده ، وفي قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام عبرة عظيمة لمن ألقى السمع . ان الصحوة التى شهدتها تونس لم يكن للنظام التونسي فيها فضل ، وأين فضله !!!؟ .. وقد سبق التأكيد على أن النظام لا يمكن له أن من باب العجز أن يلاحق جميع المتدينين في البلاد الذين تعج بهم المساجد وخاصة من الشباب، ولا جميع المحجبات الذين تفوق أعدادهن عدد غير المحجبات في غير مكان من تونس ، ولكن سياسته تجاه الإسلام ثابتة لم تتغير وهي محاربة كل الظواهر الإسلامية في المجتمع ووضعها تحت المراقبة ، وقد روي لى شاب تونسي في رمضان الماضي أنه منع من السفر إلى خارج تونس وأعيد إلى مركز البوليس في مقر سكانه ليكتشف أن لديهم تقارير مفصّلة حول حضوره الصلوات في المساجد ، وقد تمكن بعد محاولات من الخروج من البلاد وهو الآن يلعن حكامها الذى لم يتغير فيهم شيء وهم أحرص على باطلهم ، ممن إستقبلهم وجعلهم مناط آماله ومظن طموحاته ، ولكن كسراب يحسبه الضمآن ماء . ان نظام « الرئيس بن علي » لم يعد كما كان قادرا على تدجين التيار الإسلامي بالبوليس، كما أنه إستنزف الكثير من أساليبه تجاههم فلم تعد بالفاعلية التى كانت عليها في أول استخداماتها ، وسيبقى التيار الإسلامي في نظر نظام بن علي والحزب الحاكم في تونس العدو الأول الذى يستخدمه فزاعة لنيل رضى الخارج ودعمه المالي والسياسي ، وأما تعامله مع الواقع ومع توسع التيار الإسلامي فإن هناك اجراءات تكتيكية يعتمدها لتصريف الزخم الإسلامي المتصاعد في تونس ، وسيبقى التيار الإسلامي في تونس رغم كل الأساليب التى يعتمدها النظام تجاهه الرقم الصعب ، من المستحيل عليه شطبه أو الغائه أو تحييده ، وستبقى تونس عرجاء أمام العالم ما لم يعطى التيار الإسلامي حقه في النشاط وقد آن الأوان لأن يبادر الإسلاميون بفرض أشكال عمليه لبلورة مشروعهم السياسي على أرض تونس دون النظر الى ما يسمح به النظام وما يرفضه ، فالحق لا ينتظر أصحابه أن يُهدى إليهم ولكن أن ينتزعوه من بين يدي من إغتصبه . ان ترديد مقولات طبختها « أجهزة النظام » حول « المعجزة الإقتصادية » ، لم تعد تغري ولا تنطلي على أحد إلا من في نفسه هنة، و من يراجع الديون التونسية والمال السياسي الذى يرهن النظام به تونس ، وحجم البطالة وارتفاع الأسعار والتضخم وعجز الكثير من المواد التونسية على المنافسة خاصة مع المنتجات الأوروبية وغيرها من مظاهر القصور في الإقتصاد التونسي ، سيجد أنها لا تغطّى بأرقام مشكوك فيها يتلقفها سذّج للترويج لها ، وإذا كان ما يتملقون به هؤلاء صحيح فليستقروا في بلد الرغد والهناء ، بدل العودة على عجل إلى أوروبا « الأقل تقدما“… ولكن في نفوسهم ريبة ، فقد يلدغهم غدر النظام فيبقون في مجاهل 7 نوفمبر خلف قضبان موحشة وزبانية لا ترحم ، وينقطعون على منابر « الكيبورد » وحينها ستنوح عليهم « المراهقة الإفتراضية » في السياسة ، وهناك سيتعلمون ثقافة أخرى ، مثل لغة « الصُبة » و « المشي في الزوز » و « الحساب » و « البلوار » ، وستتحول المعاملة المبرمجة في المطار إلى نكد من زبانية يعملون بالجراية والإمتيازات ليحولوا حياتهم إلى حجيم أرضي خالص . ماذا تغيّر في النظام !!! كي يهرول البعض الى أحضانه !!!! … لا شيء ، ولكن ما تغير هم الذين غيروا من أنفسهم بلا موجب ولا مسوغ ، وقد فعلها قبلهم كثر ، وشكروا بن علي وزوجته على الشاشات وقالوا كلاما لا يجرى إلا على لسان حزبي عتيق ، ولكن ماذا كان الحصاد!!!! … لا شيء غير الإغتراف من بركة المذلة المجانية . ان عدمية النظام تجاه الجميع لا تحتاج إلى دليل ، وقد أعطى خروج المساجين السياسيين الأخير بعد 18 سنة من السجن درسا مضافا في طبيعة النظام وتعاطيه مع خصومه، فقد كان إطلاق سراحهم بعد كل هذه المدة الثقيلة باردا جافا كما وصفه أحد الإخوة المسرحين (رضا البوكادي) ، وليس فيه أي رسالة للإنفتاح السياسي كما يحتمل الأمر وقد صادق على ذلك أحد أبواق النظام بقوله أن عملية الإفراج ليس لها طابع سياسي ، وعلى شاكلة هذا التعاطي تسير الأمور في بلادنا . ان الأماني والمشاعر الجياشة المتفلة لا يمكن أن تصنع منجزا مع نظام بن علي ، الذى سحقت آلته الأمنية آلاف من خيرة شباب وبنات تونس ، وحولتهم على هامش الحياة وأثخنت فيهم المآسى والعذابات ، وقتلت وسجنت وشردت وفعلت فيهم ما يرق له الصخر ولا يرق له زبانية قدت قلوبهم في مراكز التأهيل الرسمي ليكونوا شياطين من الإنس . أما الشهادات المدلّسة التى يمنحها اليوم البعض لنظام بن علي والمغموسة بالهوس الذاتي والطموح الى الشهرة والقيادة دون الأهلية ، ليس له ما يقدم غير النعيق على « لوحات المفاتيح » بين يدي سرعة قصوى لشبكة الأنترنت لا يحلم بها مواطن في تونس إلى آخر هذا القرن ، وليلتفت وراء ظهره وليحصي من يسير على خطاه ليعلم أنه يرمي نفسه في واد سحيق من الأوهام لن تزيدها مجاملة احدهم (…) غير المزيد من الإغراق في الوهم الذى تبدده الأيام … وان كان بعض الناس لا يأبه فقد باع هواه لمن سواه واصبح يبارك العلمانيين ويبغض الإسلاميين ويتزلف للسلطة واذنابها الذين يجرى الكذب على ألسنتهم كما يجرى الماء والطعام ، ورغم ذلك فقد عقد فيهم حسن النية وهي لا تخرج عن كونها تزلف تأباه النفس الكريمة ، أو سذاجة تسلى بها قطعان النظام وألسنة السوء المأجورة . وسيكتبون غزيرا ليتباكو وليس لهم غير ذلك . أخيرا…ويبقى السؤال ، ماذا بعد العودة ، ولا عصفور في اليد غير جواز يجدد في أقرب سفارة ؟؟؟  صــابر : سويســراَ

تعليق فوري على الشهادة الميدانية لمرسل الكسيبي في أعقاب

زيارته التاريخية الى بلده تونس بعد غربة دامت أكثر من 17 سنة

 

-حللت، حسب شهادة الزور، بأرض البقيع فلما العودة إلى دواميس ألمانيا إذا؟ إن استعصى عليك أمر الإقامة في جنة بن علي و صحبه فإني مستعد، في إطار المبادلة (كما يقع في سلك التعليم) أن أتنازل لك عن موقعي مقابل خندق في بلاد إقامتك مع تمتيعك بعمولة قيمة، مع العلم أني جامعي و أتمتع بخبرة تفوق 27 سنة في المجال الهندسي و لا أنتمي الى أي حزب (إشهار مجاني ).   -و في الأخير، مع الاعتذار لقراء تونس نيوز على الأسلوب البرقي المعتمد غالبا في المنتديات (الموصدة أو المتلفة من قبل صانع المعجزات) لهذه المداخلة –لضيق الوقت-، سؤال أريد أن أطرحه على كل من خولت له نفسه في الانسياق إلى هذه اللعبة السخيفة  و الانفصام التي تجعل من المرء بوقا لطغمة ظالمة، فاسدة و جاهلة مع التنكر و التشهير برفاق و إخوة النضال (مهما كانت قيمته أو مرجعيته) تجعله في وفاق مع آدميته و إنسانيته : ما الفائدة التي سيجنيها نظام حقق كل ما تصبو إليه النفوس من منجزات اجتماعية و اقتصادية (بشهادة موثقة من منفيين و معارضين قدامى) بكوادره و هياكله من توسيع رقعة الكفاءات إلى مجموعة (الونيسي، المناعي، الحمروني، النمري، العمري، بو عبد الله، الحامدي، شوكات…) ظهر بالكاشف أنها لا تختلف في شىء عن الحشد العرمرم الذي صقل هاته المعجزات من حيث اللهث وراء منافع مادية آنية بطرق مجردة من الأخلاق (كذب، تدليس، تزييف، نفاق و خاصة قلة الحياء) و رفع شعارات يدحضها الواقع (تونس لكل التونسيين، تونس بحاجة لكل الكفاءات…) كما يدحض شهادات هؤلاء السواح الذين اكتفوا بالفرجة دون السعي إلى استقراء المعاناة التي يتلظى بها سائر مكونات المجتمع و على كافة المستويات (حريات، ظلم، ظروف معيشية، تفشي السرقات و الجرائم، تدني مستوى التعليم و الخدمات الصحية والإدارية، انحطاط أخلاقي،  …) ؟   و ليعلم أصحاب شهادات الزور هذه أني لا أنتمي لقائمة الحاقدين و الحاسدين (و أتساءل عن ماذا) ولكني، والحق يقال، ولست الوحيد  أخجل من نفسي ومن جيلي (أصحاب الخمسين و ما فوق) لاستكانتنا و جبننا و سكوتنا، بتعلات شتى، عن الوقوف في وجه عصابة آلت على نفسها، و نجحت و للأسف الشديد، أن تجعل من هذه الأرض الطيبة ريعا للتخلف الفكري و الفساد و الدجل يستحي من الانتماء إليها كل وطني حقيقي مع أن كل المؤشرات كانت تؤهلنا، منذ عشرين سنة، للاضطلاع بدور بارز في المنطقة على نخب الديموقراطية و الانعتاق. وفي نفس الوقت، و عند الاطلاع على هذه الشهادات، أشعر بهدوء نفسي نسبي و أحمد الله أني، و رغم سلبيتي، لم أساهم في يوم من الأيام في تزيين الباطل و تقديس الطاغوت. ولا يسعني في الأخير الا أن أشد على أيدي زمرة المجاهدين (لرفع الالتباس، بطرق سلمية) الذين ذاقوا الأمرين، في بيئة  طغى عليها الظلم و النفاق و التكالب على الدنيا، دون التخلي عن مبادئ بناء وطن يستقيم فيه العيش ويفتخر به كل أبنائه (مساجين الرأي بمختلف مرجعياتهم، الشابي، المرزوقي، الطريفي، الهمامي، الغنوشي،عزيز كريشان، بن سدرين، أم زياد، العداسي، النصراوي، المعطر، العيادي، عبو، الجبالي، العريض، الزواري، الدايمي، مبارك، بقة….).     دهليــــــــــــــز  
المعذرة إن التجأت، مرة أخرى و حتى ما يخالف ذلك، الى توقيع رمزي خوفا، خاصة على عائلتي، من بطش سلطة نقر لها بتقدمها و حداثتها و نجاعتها في … طمس الحقائق و كبت الحريات و توظيف االآليات المعلوماتية في تتبع النشطاء الوطنيين.  

 قابس في المرتبة الأخيرة…و تحصل على جائزة؟؟؟

 

عبد الجبار الرقيقي أشارت جريدة « الصباح » في عددها الصادر بتاريخ 30/06/2008 إلى تقرير بيئي جديد يكشف وجود تفاوت واضح في نسبة المناطق الخضراء الحضرية بمختلف الولايات و ما يهمنا هنا أن التقرير قد كشف عن حصول قابس على المرتبة الأخيرة. و لا نعتقد أن هذا التقرير البيئي أعدته أو أصدرته جهة معارضة بنظام الحكم أو معادية له و لا نظن أن جريدة الصباح يمكن تصنيفها ضمن (الصائدين في المياه العكرة) أو ضمن الذين (يحسدون تونس على نجاحاتها الباهرة) أو من منهج (الإستقواء بالخارج). كما أن الغريب هو تقدم جهات أخرى في الترتيب على قابس على غرار تطاوين و قبلي و قفصة و توزر رغم أنها جهات تمتلك منطقيا موارد مائية أقل و تتوفر على إمكانات إقتصادية أضعف بينما تعد جهة قابس ساحلية جنوبية شرقية ذات نشاط فلاحي و تجاري عريق إضافة إلى كونها قطبا صناعيا منذ أواخر السبعينات فهي إذن بعيدة كل البعد من حيث الإمكانات عن الجهات المتقدمة عليها . كل هذا يهون و لكن الأدهى و الأمر أن بلدية قابس تفتخر بحصولها على جائزة وطنية للنظافة و العناية بالبيئة بفضل مجلسها البلدي الذي حصل في أخر إنتخابات بلدية على نسبة مائة بالمائة من أصوات الناخبين و هو يوشح يوشح صدره بهذا التشريف العظيم « شماتة » بالقائمة الديمقراطية التي ترشحت وحدها لمنافسته و لكن الإدارة أسقطتها دون مبرر إلى حد هذه اللحظة رغم تقديم الطعون في الآجال القانونية و بالتراتيب الجاري بها العمل. و لكن كيف يعقل أن تكون جهة في المرتبة الأخيرة في مجال العناية بالبيئة و صحة المواطنين و في الآن ذاته تنال التكريم بالحصول على جائزة وطنية في المجال ذاته الذي رتبت فيه الأخيرة  . إذن فالأمر لا يخرج عن إحتمالين فإما أن التقرير الذي إستمدت منه جريدة الصباح معطياتها خاطئ أو معاد و إما أن الذين أسندوا الجائزة لم يعتمدوا معايير بيئية و صحية دقيقة و موضوعية بل إعتمدوا إعتبارات سياسية هم أعلم بطبيعتها و غاياتها . و الحقيقة أن المرتبة الأخيرة التي أسندها التقرير إلى قابس في مجال المساحات الخضراء الحضرية أصدق من الجائزة في نظرنا و برهاننا على ذلك ما يشتكي منه مواطنو هذه الجهة في مجال النظافة و حماية البيئة و إسداء الخدمات للمواطنين عموما منذ سنوات عديدة و سنكتفي في هذا الحيز الضيق بان نسوق بعض الأمثلة المحدودة الدالة على عدم جدارة البلدية بالجائزة و المبرهنة على أهليتها للمرتبة الأخيرة : 1) لقد عمدت بلدية قابس إلى إغلاق سوق السمك بمنطقة « جارة » التجارية المعروفة بتعلة عدم صلوحية  السوق للإستعمال و تعارضها مع شروط حفظ الصحة و حماية البيئة و رغم الإحتجاجات المطولة التي خاضها بائعو السمك و التي إمتدت شهرا كاملا بعرض بضاعتهم على قارعة الطريق و الإلتجاء إلى القضاء إلا أن البلدية تمسكن بقرارها و فرضت عليهم الإنتقال إلى سوق جديدة أصبحت مثالا صارخا على الفوضى و خرق قواعد النظافة و الشروط الدنيا على الصحة فهندسة هذه السوق لم تضف إلى الوضع السابق سوى المزيد من الفوضى و الأوساخ و أثقلت كاهل التجار بمعاليم كراء أرفع و أرهقتهم بصعوبات جمة في عملهم و عرضت صحة المواطن إلى الخطر. 2) كيف  يمكن أن تتحصل بلدية على جائزة في النظافة و حماية البيئة و هي التي لم تقدر على حماية أرواح المواطنين فالجميع يعلم أن ثمانية أشخاص قد قتلوا بعد إنهيار جدار عليهم في السوق الأسبوعية في مكان عرض الملابس القديمة و هي كارثة ما يزال صداها يتردد بآلام أهالي الضحايا و لكن البلدية لم تدخل مطلقا دائرة المحاسبة عما حدث رغم أن الكارثة وقعت في مكان تحت مسؤوليتها بأنها سمحت للتجار بالإنتصاب فيه و لم تحذر أحدا من وجود مخاطر تتهدده و برهنت مسؤوليتها بعد الحادثة بحملة هدم لعشرات البناءات المتداعية في قلب المدينة و أطرافها. 3) و كيف يمكن لبلدية الحصول على جائزة في النظافة و هي التي جربت إسنادها هذه الخدمة للقطاع  الخاص ففشلت ثم تولتها البلدية فلم يتحسن الوضع و يكفيك أن تتجول في محيط الأسواق و حتى الأحياء الراقية لترى بعينك أكوام الفضلات التي تقضي في نفس المكان أياما قبل رفعها و من حسن الحظ أن الأمطار نادرة لأن المدينة تصبح مجموعة من البرك لأقل كمية من الأمطار ، أم في حالة الطرقات و التنوير العمومي فحدث و لا حرج. 4) و بطبيعة الخال لا يمكن الحديث عن قابس دون إثارة موضوع التلوث الذي سبق لنا أن كتبنا عنه و لنا إليه عودة في مقال منفصل. و ختاما نعود إلى القول بأن ما دامت الإنتخابات البلدية غير تعددية و غير ديمقراطية فلا أمل عندها في مجالس بلدية تثبت جدارتها بخدمة المواطن و لا بتقديم فروض الطاعة و الولاء و خدمة المصالح الضيقة و لن تفلح هذه الأنواع من الجوائز في تحقيق الإصلاح المنشود للعمل البلدي. عبد الجبار الرقيقي المصدر/ جريدة الموقف لسان الحزب الديمقراطي التقدمي


الوجه الآخر من معتمدية طبرقـــة

 

 المكان قرية الخذايرية التي يمر عبرها كل من يقصد مدينة طبرقة على الطريق الرابطة بينها ومدينة جندوبــــة. العنوان فقر وجوع ،عراء وحفاء ،خصاصة وحرمان ،حقــــرة وإقصاء وتهميش . المشهد مساكن هدمت جدرانها وخلعت أبوابها ونوافذها، مدرسة لاصقت جدرانها الأربع الأرض بشكل يوحي بآثار قصف جوي أو حرب طالتها ولكن لا وجود لقتلى بل هناك أحياء ميتين !! . بقيت المدرسة عنوانا صارخا من عناوين الاعتداء، ولئن كنّا لا نسجل اعتراضا عن قرارات هدم هدفها تجنب المخاطر قبل حدوثها ،فان الشكل لدرئ الخطر كان يجب أن يراعي قبل تنفيذه جملة من الاعتبارات أولها ان المدرسة يعود تاريخها إلى سنوات ليست بالقليلة مضت، تحولت بموجب المدة وطبيعة المنطقة الريفية بالنسبة لأهالي تلك القرى المنسية إلى عنوانا من العناوين الشامخة التي نوّرت عقول أبنائهم  الريفيين وبلوغهم درجات من العلم ومناصب لا باس بها للبعض منهم. لكن أن يأتي الهدم لا القرار قبل أن يباشروا التلاميذ دراستهم ويتأقلموا مع مدرستهم المنقولين لها وقبل ان تدرس استعداداتهم واستعدادات أطفالهم الذين تتراوح أعمارهم بيت الخمس والاثنى عشر سنة، الجسدية والنفسية والمادية فهو لعمري اعتداء حقيقي بل وسافر على الطفولة والعلم ونوره. ثانيها: هو صمت السلط المحلية والجهوية عن تلك المناشدات والتشكيات التي قدمت فرادى وجماعات  منذ أن علم المعنيين بقرار الهدم بدليل الشروع في إقامة سد الوادي الكبير المحاذي للقرية لا الإعلام به طبق ما يقتضيه العمل الإداري ،بل وتجاهل عمدة المنطقة لحقيقة المعاناة ونقلها تحت كامل المسؤولية القانونية إلى أهل القرار حول معاناة الأهالي وخاصة قرى الخناقة وسدي عبد الله والزويتينة التي قد يصعب لبقية الهياكل ان تصلها وتدقق الدراسة فيها. هي تلك ،العوامل التي أثارت حفيظة الأهالي لينظموا مسيرة يوم الثلاثاء 28 اكتوبر 2008 عُدّ المشاركون فيها بالمئات  معظمهم تلامذة رافق البعض منهم أمهاتهم وآبائهم .حسب بعض المشاركين وشهود العيان. الثنايا الموصلة لتلك القرى لا يمر فيها مترجل أو دابة دون أن يتعثر،استحضرت مقولة عمر بن الخطاب الشهيرة : والله لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله يوم القيامة لماذا لم تمهد لها الطريق يا عمر » أو كما قال. هذه المقولة قالها عمر قبل 14 قرن من الزمان وفي مكان لا يختلف جغرافيا كثيرا عن القرى التي نتحدث عنها من الناحية الطوبوغرافية بدرجة اولى. صحيح أن طبيعة المنطقة الجغرافية معقدة والثنايا الموصلة تلتقي فيها الجداول والممرات التي تعانق أشجار الفلين والزان والبلوط  لتتحول إلى قطع من الكون في منتهى الروعة والجمال مشكلة بذلك قطعة فنية غابت عن الرسامين والفنانين والشعراء لينشدوها في اطارمذهب الادب الواقعي او حتى الرمزي. عدد السكان في تلك القرى لا يستهان به، فهو يعد بالآلاف  وعلى ذلك الأساس لابد للمخططين أن يراعوا الواقع ومبدأ التطور وافقه الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية وحتى السياسية .فمعلوم ان تلك المناطق يقطنها تونسيون ويديرها تونسيون ويستفاد منها تونسيون وأجانب أيضا وفق مشاريع الاستثمار والقوانين المنظمة له. ولئن بدا مبدأ الاستقرار وحماية المنطقة من عناصر دخيلة تهدد امن المنطقة والبلاد نجاحه أمرا بادي الوضوح فيها ،فان عدم الاستجابة لمطالب المواطنين العزل لا يكون مبررا للبحث في خفايا وشكل ومضمون أولئك البسطاء الذين شاركوا في المسيرة ليكال لهم التهم باسم « اللحية » وباسم « آثار السجود » لبعضهم وان توجه لهم الاهانات والاستفزازات والتهم من المسؤول الحزبي الأول في الحزب الحاكم بالجهة بهدف الترهيب عقابا على مطالبته بحق كفله له الدستور وتعبيرا أقرته له القوانين ودفعت بــه الضرورة. الأجدى إذا للحكم ،وكل من يحمل هم هذا الشعب وهذه الأمة أن لا تكون اهتماماته مقتصرة على بعض المواضيع التي تثار من حين لآخر، بل ان نضع كذلك مشاكل المواطنين أمثال سكان تلك القرى والقرى المشابهة لها لأنها لا تقل أهمية وحساسية عما يثار يوميا. والأجدى بالسلطة ايضا ان تسهل عمل مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات لأنها بالتأكيد ستصب كلها في التغيير الحقيقي وتنسج بدائل ومقترحات وحلول ومساهمات ترقى بتونس إلى الأفضل . فلا مبرر لأي جهة ان تخضع سيارة طرف ما إذا ،أراد الاطلاع على أوضاع السكان والاستماع لمشاغلهم ومطالبهم طالما انه لم يخالف الدستوراملا في نقلها لاهل القرار وكل الاطراف المعنية بحثا عن حل، ولا مبرر لتفتيش وثائقه وأغراضه وثني الرأس تحت الكرسي دون اعتبار لهدر الوقت لمحام  ومسؤول حزبي ثلثي أوقاتهم كرست للقيام بواجبهم السياسي والحقوقي  والإعلامي دفاعا ليس على مصالح وحقوق المواطنين فحسب بل دفاعا حتى عن مؤسسات الدولة التي حادت عن أداء واجبها والمهمة التي انيطت بعهدتها بما يتنافى والنصوص القانونية والأمور بما فيها دستور البلاد  . محام ينتظره منوّبوه بالمكتب ومسؤول ينتظره أطفاله الجياع بالبيت الذي عجز عن دفع إيجاره البسيط بعد أن حرم ظلما وبهتانا من حقه في الشغل تحت « مبرر » مضحك وسخيف « المعارضة »وتحقيقاته الصحفية والإعلامية التي لم تكن لترضي أصحاب القرار لأنها لم تجانب الحقيقة والواقع ! كان يسرع قاصدا الوصول إلى مسكنه وزوجته وأطفاله خشية أن تعاد مداهمته ليلا بإحدى ميليشيات الحزب الحاكم التي سبق وان داهمته لأكثر من مرة  فاق عدد المجموعة فيها العشرون وفي ساعة متأخرة من الليل وللوالي والمعتمد والمسؤولين الأمنيين ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان والنقابيين والحقوقيين والسياسيين بالجهة علم بذلك. تركتها بين أيديهم وفضلت ألا افضح لان في الفضيحة عار لنا جميعا كتونسيين.   فضلا على اعتداءات وحشية بلغت حد الاختطاف ليلا، وقضايا بلغت في غضون السنتين الثمانية عشر دون اعتبار لتلك التي حسم أمرها بشكل ودي ورفض الأطراف فيها الانصياع للضغوط التي مورست على من دفعوا للتشكي به ودون تلك التي حفظت لعدم وجود الجريمة أصلا. والتي لازال بعضها قائم؟ ولئن وددت أن احيي السادة القضاة الذين أنصفوني في بعض القضايا من الطور الأول إلى الطور الأخير في محكمة التعقيب وهيئة الدفاع التي دافعت عني بما رأته صالحا. أريد أن أقول لكل من يفتعل هذه القضايا ويكيل تلك التهم أن هذه الممارسات لن تثنينا عن أداء واجبنا لأننا على حق ننقل الصورة بمنتهى الأمانة والمصداقية لان دمائنا تحمل في كل ذراتها حبا لهذا البلد ماضيا وحاضرا ومستقبلا ونريد أن نزرعه في مخيخات أطفالنا فهلا رفع عنا الظالمون مظالمنا وهل كف المتبجحون عن ادعاءاتهم الباطلة.،وهلا وفروا اموال الشعب ومؤسساته لخدمة الشعب في مثل تلك القرى المنسية :الوجه الاخر لتونس . وعذرا أن كنت سردت بعض معاناتي وضمنتها لهذا التقرير وما سردته لا يمثل سوى الجزء البسيط البسيط  جدا منها ومن يعرفني لايكذّب. المولدي الزوابي


 

بعد دعوة الجيلاني إلى هدنة  وميثاق اجتماعي خلال 2009: هل هي مزايدة.. أم مغازلة للنقابيين ..أم هو التأسيس لمرحلة جديدة في خطاب منظمة الأعراف؟

تونس – الصباح: يبدو أنها المرة الأولى التي يدعو فيها رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، السيد الهادي الجيلاني، إلى ما أسماه بـ « الهدنة الاجتماعية الشاملة » مع الطرف النقابي (الاتحاد العام التونسي للشغل)، تمتدّ كامل سنة 2009. وناشد رئيس منظمة الأعراف، المركزية النقابية، « إبرام ميثاق اجتماعي، من شأنه تجنيب المؤسسات مختلف أشكال التململ والاضطرابات الشغلية في غضون العام المقبل »، على حدّ تعبيره.. وتعدّ هذه المرة الأولى، التي تدعو فيها منظمة الأعراف إلى هذا النوع من الميثاق، في وقت تمر المفاوضات الاجتماعية الخاصة بالزيادة في الأجور في القطاع الخاص، بوجه أساسي، بمصاعب عديدة لم تقتصر على الجوانب المالية فحسب، وإنما طالت حتى المسائل القانونية والترتيبية التي تهم تنظيم العمل والعلاقات الشغلية داخل المؤسسات.. تساؤلات واستفهامات ولم تمر دعوة الجيلاني هذه من دون أن تحدث « ضجيجا » في الأوساط النقابية والسياسية، حيث طرح أكثر من تساؤل واستفهام.. فقد تساءل البعض عن توقيت هذا المقترح، باعتباره يتزامن مع تعطل المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص، ومن ثم رغبة رئيس منظمة الأعراف في صرف الأنظار عن الملفات الحقيقية المطروحة على طاولة التفاوض، فيما رأى فيه آخرون، نوعا من المزايدة التي تحاول رهن المفاوضات باتفاق اجتماعي يمكن أن يعطي لقيادة المنظمة مسوّغا تمضي من خلاله باتجاه التوقيع على زيادات في القطاع الخاص ربما ترفضها بعض المؤسسات الخاصة، سيما في بعض القطاعات الاقتصادية والصناعية الحساسة، على غرار النسيج والصناعات الميكانيكية، بالإضافة إلى السياحة.. بل إن البعض من الملاحظين، لم يخفوا الطابع السياسي لهذه الدعوة، وصنفوها ضمن خانة « المزايدة السياسية » على بعض الأطراف الاجتماعية، في محاولة لتوظيف السنة الانتخابية المقبلة واستثمارها اجتماعيا لمصلحة رجال الأعمال، على أساس أنها سنة استحقاقات انتخابية لافتة وعلى درجة كبيرة من الأهمية.. عقلية تضخيمية ويبدو أن هذه التعليقات، تعكس حالة من ردّ الفعل المتسرّع، أكثر منه تعاطيا دقيقا مع تصريحات السيد الهادي الجيلاني، وخلفية دعوته للنقابيين بإبرام ميثاق اجتماعي، يكون إطارا لتنقية المناخ الاجتماعي صلب المؤسسات خلال عام كامل.. ووفق الكلمة التي ألقاها الجيلاني في المجلس الوطني للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، يتضح أن السياق العام الذي أدى إلى هذا المقترح، الأول من نوعه الذي تقدمه منظمة الأعراف في تاريخها، قد لا يؤدي إلى مثل هذه الاستنتاجات بالضرورة.. فقد كان رئيس منظمة الأعراف يجيب أعضاء المجلس الوطني، عن جملة من المشاغل التي كانت تداعيات الأزمة المالية العالمية الراهنة، محورها ومرتكزها الأساسي.. لاحظ الجيلاني، أن قطاعات اقتصادية عديدة مهيّأة للتأثر بهذه الأزمة، مثل السياحة والصناعات الكهربائية والميكانيكية، بالإضافة إلى النسيج، بسبب التراجع المتوقع على الطلب في الأسواق الأوروبية، ونتيجة للصعوبات التي تواجهها بعض الشركات والمؤسسات الاقتصادية ذات صلة بهذه القطاعات.. ودعا رجال الأعمال، إلى الاستفادة مما وصفه بـ « التأثيرات الإيجابية » للأزمة المالية الدولية، عبر استقطاب الاستثمارات الأجنبية.. ويرى مراقبون وخبراء، أن مدلول كلمتي « التأثيرات الإيجابية » التي أطلقها الهادي الجيلاني، تعني ـ فيما تعنيه ـ الاستفادة من أزمة الثقة في الرهون العقارية التي بات يعيشها المستثمر الغربي وجزء من المستثمرين الخليجيين هناك، كما تتضمن هذه العبارة ضمنيا، الدعوة إلى استغلال النظام المصرفي والمالي في تونس، الذي يبدو بعيدا عن السياق العام لأزمة البنوك والسوق المالية الدولية وميكانيزماتها، خصوصا من جهة توظيف القطاع المالي في مجال النمو والتشغيل بعيدا عن المضاربة، أو التوجه منذ عدة سنوات، نحو تعميم صنف البنك الشمولي الذي يخضع نشاطه إلى مقاييس محددة، من دون الإخلال بأهداف الاستثمار وتمويل المشاريع.. وهو المناخ الذي قد يساعد على جلب استثمارات تبدو في أمسّ الحاجة إلى مناخ مالي واقتصادي أكثر سلاسة من النظام المالي والمصرفي في الغرب بشكل عام، وبإمكان تونس ـ وفق هذا المنطق ـ أن تكون ترجمة عملية لذلك.. ولا شك أن هذه الظرفية التي « ينظّر » لها السيد الهادي الجيلاني، تحتاج ـ فيما تحتاج ـ إلى مناخ اجتماعي ملائم قادر على أن يستوعب هذه التطورات بصيغتها الإيجابية، ويعطيها معنى اقتصاديا وتنمويا، وهو ما يفسر دعوته اتحاد الشغل إلى إبرام اتفاق اجتماعي، والتوقيع على « هدنة » نقابية خلال العام 2009. مبررات أساسية لكن لماذا هذا العام بالذات وليس سنة أخرى أو فترة زمنية أطول (ثلاثة أو أربعة أو .. سنوات)؟ حسب بعض المقاربات للوضع الدولي الراهن، فإن عديد الخبراء يعتقدون أن سنة 2009، ستكون المحرار لتداعيات الأزمة على بلادنا، سواء من حيث تأثيراتها على المناخ المالي (السوق المالية والبنوك)، أو الاقتصادي (خاصة في مجالات السياحة والتصدير ونسق استقدام الاستثمار الأجنبي)، أو حتى الحفاظ على الاستثمارات الموجودة وعلى الحراك التنموي بشكل عام.. ويرى مراقبون في هذا السياق، أن العام القادم سيقدم صورة عن مدى الصمود الذي بوسع الاقتصاد التونسي أن يحافظ عليه في وجه الأزمة المالية الدولية الراهنة، خصوصا أن البلاد شرعت منذ بداية السنة الجارية، في التعامل مع منطقة التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي، التي دخلت حيز التنفيذ بموجب اتفاق الشراكة الذي يربط تونس بهذا الفضاء، مع ما يعني ذلك من ارتباط وثيق بالسوق المالية والاقتصادية الأوروبية، وبالتالي إمكانية التأثر، سلبا أو إيجابا من تداعيات الأزمة، بحسب ما سيكون عليه الوضع في الدول التي نتعامل معها بنحو 80 بالمائة من مبادلاتنا التجارية.. إذن، فالسياق الذي تحرك فيه السيد الهادي الجيلاني، إنما كان الأزمة الدولية وتداعياتها الممكنة على اقتصاد البلاد، وعلى المؤسسة التونسية بكيفية خاصة.. ليس هذا وحسب، بل إن الرجل حرص على أن يدلي بدلوه في أمرين اثنين على درجة كبيرة من الأهمية، سواء في المناقشات المطروحة على الصعيد الدولي، أو فيما يتداول من مطارحات على الصعيد الوطني، وهما: ++ حرص الأعراف على أن لا تكون الأزمة المالية الدولية مدعاة للتراجع عن التوجهات الاقتصادية الليبرالية والرأسمالية، بما يعني الحفاظ على ذات الخلفية والشروط الفلسفية التي تحرك المناخ الاقتصادي الدولي، الذي تعدّ تونس أحد مكوناته، أو على الأقل أحد ملحقاته.. ++ التشديد على أن القطاع الخاص في تونس، مطالب اليوم بأن يثبّت قدرته على مواجهة الصعاب، بعد أن استفاد من الأجواء الإيجابية التي عاشتها البلاد خلال العقدين الماضيين.. ومعنى هذا دعوة صريحة لرجال الأعمال لكي يستعدوا للمرحلة المقبلة التي لن تكون في كل الأحوال شبيهة بالمرحلة الماضية، على الأقل في مستوى حجم الحصاد والثمار الممكنة للتنمية.. إن خطاب الجيلاني في المجلس الوطني لاتحاد الصناعة والتجارة، يحيل إلى مرحلة جديدة من خطاب الأعراف، ضمن حرص عميق على قراءة الظرفية الدولية الراهنة، بأدواتها واستحقاقاتها، وليس بما نريد أن نحصل منها.. وهو من هذه الزاوية، يحتاج إلى رؤية أعمق من مجرد « اللعب » على بعض التلميحات القابلة للتوظيف السياسي، الذي قد لا يكون الخطاب بمنأى عنه.. صالح عطية (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 9 نوفمبر 2008)


في المفاوضات الاجتماعية

في اطار الجولة السابعة من المفاوضات الاجتماعية تم التوقيع على اتفاق يخص الزيادة في أجور العاملين في قطاع صناعة مواد التنظيف ومبيدات الحشرات الذي يشغل حوالي 3500 عامل. كما تم التوقيع على اتفاق يخص الزيادة في أجور العاملين في: ـ قطاع الصحافة المكتوبة الذي يشغل حوالي ثلاثة عشر الف عامل. ـ قطاع صناعة البلاستيك الذي يشغل حوالي احدى عشر الف عامل. افريقيا والازمة المالية من المقررأن يجتمع وزراء المالية في الدول الافريقية بتونس يومي الاربعاء والخميس لبحث موقف افريقي مشترك من الازمة المالية العالمية وانعكاساتها على دول القارة وسيصدر عن المؤتمر بيان تونس. رخصتان للتزويد بالهاتف يجري التفكير حاليا لفتح ملف المزود الثاني للهاتف القار، وإسناد ترخيص مزود ثالث للهاتف الجوال، بعد كل من اتصالات تونس وتونيزيانا.. وتتردد في هذا السياق إمكانيتان، الأولى إسناد الرخصتين لمزود واحد، والثانية إسناد كل رخصة لمزود على حده، لكن من المرجح أن يكون هذا المزود أجنبيا.. (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية ? تونس) الصادرة يوم 9 نوفمبر 2008)


هوامش على دفتر اﻷزمة

   

على إثر نكسة سبعة و ستّين كتب أمير شعراء العرب في حينه نزار القبّاني هوامشه على دفتر النّكسة و قال:   « أنعي لكم يا أصدقائي اللّغة القديمة و الكتب القديمة أنعي لكم كلامنا المثقوب كاﻷحذية القديمة ومفردات العهر والهجاء والشّتيمة أنعي لكم… نهاية الفكر الذّي قاد إلى الهزيمة »    كانت النّكسة, في ظاهرها، خسارة معركة حربيّة في حرب عسكريّة طويلة و لكنّ الشّاعر، باستدعاءه مفردات النّكسة و الفكر و اللّغة و الكتب, ينبّهنا أنّ اﻷمر أكبر من ذلك بكثير. المعركة  هي معركة فكر و حضارة و نهضة شاملة وتطوّر اقتصادي. المعركة لا يمكن أن تنحصر في الجانب العسكري و الهزيمة أو النّصر لا تنحصر في ميادين المعارك الحربيّة. لقد كان النّظام النّاصري في مصر يبني السّدود و ينمّي الصّناعة بالتّوازي مع بناء القوّة العسكريّة لذلك كانت خسارة المعركة نكسة تستوجب تصحيح المسار.   في سنة ألف و تسعمائةواثنتان و ثلاثون أي ثلاث سنوات بعد اندلاع اﻷزمة الماليّة بوول ستريت كان ثلث الشّعب اﻷمريكي عاطل عن العمل. إنّه ما بات يعرف بعدها بالكساد العظيم. « جون شتاينبرك » الرّوائي اﻷمريكي الكبير خلّد تلك النّكسة في  « عناقيد الغضب »:   « كان الفلاّحون الصّغار يرون ديونهم تتزايد، كانوا يعلمون أنّ الإفلاس يتربّص بهم. كانوا يعتنون باﻷشجار ولكنّهم لا يتمكّنون من بيع المحصول.. في العام الموالي سيضظرّ هذا الفلاّح الصّغير إلى بيع أرضه للشّركة العملاقةفالدّيون تحاصره بل تخنقه. عمل الإنسان والطّبيعة، عناقيد العنب و ثمار اﻷشجار كانت تتلف حتّى لا تزداد اﻷسعار انهيارا في اﻷسواق، من ضمن كلّ الرّذائل التي كانت تحصل، كان هذا أكثرها إثارة للإشمئزاز. حمولات البرتقال كانت تلقى في كلّ مكان. كان النّاس يأتون من بعيد لكي يأخذوا منها ما يمكن أكله ولكن هذا اﻷمر لا يجب أن يتواصل. لماذا سيشترون البرتقال ولو مقابل بعض السّنتات القليلة فقط إن كان بإمكانهم أن يأتوا إلى هنا و يحصلو عليه بالمجّان ؟ لهذا كنت ترى رجالا مسلّحين بخراطيم البنزين يروون أكداس البرتقال و هم غاضبون لاضطرارهم ارتكاب مثل تلك الجريمة فيصبّون جام غضبهم على  أولائك الذين قدموا من بعيد لجمع البرتقال بالمجّان »   لقد وصف « شتاينبرك » فيما وصف موقف شابّين من ضمن عائلات الفلاّحين الذّين نزحو إلى مدينة كلفورنيا هربا من الجوع و هما يقفان مشدوهين أمام الحنفيّات العصريّة التي كانا يرونها ﻷوّل مرّة. هذه العائلات البسيطة التي لم تعرف حنفيّات المياه الصّحّيّة بعد، جرّها إلى الإفلاس و الفقر همج وول ستريت الحضريّين الذّين كان كلّ همّهم أن تزداد ثرواتهم مليونا جديدا كلّ يوم و هم جالسون.   « ولكن يا سيّدتي، لم يعد هناك من أحد يمكنه العيش من إيراد اﻷرض.. إنّ ملكيّة اﻷرض الزّراعيّة أصبحت شكلا متخلّفا للثّروة هذه اﻷيّام. إنّها كانت تمثّل الرّكود بعينه للمال الذّي نجحنا في مضاعفته أضعافا مضاعفة بتحريكه و تسهيل حركته، باستعمال اﻷوراق الماليّة و مختلف أشكال الصّكوك التّجاريّة. هكذا سيتغيّر وجه العالم فلم يكن بالإمكان أيّ شئ بدون النّقد، النّقد السّائل الذّي يتسرّب في كلّ اﻷشياء، ما كان للتطبيقات العلميّة أن ترى النّور و لا السّلام النّهائي العالمي و لا أيّ شئ.. آه الأرض الزّراعيّة إنّها ذهبت إلى غير رجعة. إنّنا نموت بمليون من تلك اﻷراضي و نحيى بربع رأس المال هذا إذا وظّفناه في المشاريع المناسبة ذات الخمس عشر، العشرون أو حتّى الثّلاثون بالمائة من الإيراد.. »   بهذا المقتطف و بغيره ممّا تزخر به رواية « المال »، خلّد  الفرنسي « إميل زولا » أزمة سنة ألف و ثمانمائة و ثلاث و سبعين التي ابتدأت كغيرها ماليّة خانقة ثمّ اقتصاديّة مدمّرة. إنّنا نقرأها وكأنّنا نتصفّح أحد أعداد « الوالت ستريت جرنال » قبيل انطلاق سلسلة الدّومينو التي أطاحت بأعتى بنوك الغرب الرّأسمالي قبل شهور. إنّه نفس الصّلف، نفس الكذب، نفس التّزوير و نفس اﻷساليب في التحيّل. إنّه نفس الكلام الذّي يردّدونه في كلّ مرّة و منذ مئات السّنين : يمكننا أن نحوّل اللاّشئ إلى ثروة و يمكننا أن ننمّي تلك الثّرةة إلى ما لا نهاية وكلّ هذا دون أيّ عناء بدون أيّ تعب و بدون أيّ عمل.   في كلّ مرّة كانت التّحوّلات ضخمة بحجم المآسي التي أنتجتها اﻷزمات. في كلّ مرّة كان الإنسان البسيط الذي يصطدم به تجّار الوهم وهو يعاني ما أنتجت أيديهم من شرور يفرض عليهم التّنازل عن كثير ممّا جنوا من مكاسب. ﻷنّه كانت في كلّ مرّة  « في ضمير النّاس تنموا عناقيد الغضب و تنضج لتنذر بقرب قطف الثّمار »(جون شتاينبرك، عناقيد الغضب). من المعلوم أنّ الرّجل الجائع ليس له وطن و أنّ الثّورة تولد من رحم اﻷحزان.   رحل نزاربعد أن قرّت عينه وأنشد انتصارات أطفال الحجارة و أسود جنوب لبنان ويبدو أنّ أمّة العرب تأبى أن تبقى بدون أمير لشعرها فولدت تميم البرغوثي و هي ولاّدة، فأنشد:   « قل للعساكر في الجسر يا أمّة من غبار اﻷمم.. و يا من تهينون أهل الكرامةللعنصريّة أو للسّأم إلى أن تكون لكم جدّة مثلنا إلى أن يدور الزّمان وأن تحملوا حملنا إلى أن تروا أنّ قتل سوانا لكم لا يحلّ لكم قتلنا إلى أن يكون لكم مثل هذا تنحّوا وخلّوا الطّريق لجدّاتنا أن تمرّ لتجعلكم قصّة مثل كلّ من احتلّنا »     أبوذر ، التّاسع تشرين الثّابي


 

أربعينية جورج عدّة: الزيارة الأخيرة

بقلم: الهاشمي الطرودي في يوم مشمس وزاه، ينذر بالتغيير، يحمل بصمات الصيف، ويلوح بتباشير الخريف، التقينا أنا وسالم رجب والأساتذة: المنجي العزابو، وهشام القروي، ومهدي المسعودي، لم نكن على موعد، ووجدنا أنفسنا على موعد، تحدثنا، عن عجل وعزمنا على زيارة جورج عدّة. سمعنا أنّه متعب وأنّ متاعبه لا تشبه هذه المرّة متاعبه السابقة. ومن ثمّة كان الوجل. يبدو أنّ كلاّ منّا كان يشعر، ودون البوح للآخرين، أنه ذاهب لتوديع جورج الوداع الأخير، لإلقاء النظرة الأخيرة. وصل الموكب إلى تلك الفيلا الصغيرة المتوسدة عرش حدائق البلفيدير جوار معهد العالم الكبير باستور. لقد خيل لي، يومها، أنّ الصمت، الذي يلف ذاك المكان المنزوي، أشدّ وطأة من المعتاد. بدا لي أنّ ذاك الصمت المطبق أشبه ما يكون بصمت القبور، وبدت لي الشمس، التي تلف ذؤابات جدران المنزل وستائره، قد فقدت تألّقها الصباحي. أصبحت أشبه ما تكون بشمس الأصيل. استأذنا للدخول، كنا نمشي الهوينا، وكأننا نأمل أن تطول المسافة التي تفصلنا بين باب الحديقة وباب المنزل. استقبلنا الرجل، وعلى غير العادة، في مكتبه الصغير: منضدة وبعض كراسي تحتضنها جدران مكسوّة برفوف مكتبة صغيرة. لا ندري ما تزخر به من كتب، ووثائق، وصور، وتحف، وقد تكون بها أشياء صغيرة وحميميّة، ربّما كانت ستبوح، لو تناثرت بين أيدينا، ببعض من أسرار حياة هذا المعمّر، وربّما رسمت بعضا من ظلال حياة حافلة بالأحداث، مترعة بمتع النضال، بالأحلام والآمال، بالانتصارات والاخفاقات، بحكايا كبيرة وأخرى صغيرة، بمذاقات حلوة وأخرى مرّة، حياة مثخنة أيضا بالجراحات، والتمزقات، والعذابات. هذا الكل، من المتع والمعاناة، التي تطفح بها، عادة، حياة كل من ناضل ليكون مختلفا، كل من تجرّأ ليخرق الإجماع، كل من رأى أنّ الصواب ليس دوما قدر الجماعة. وجورج من هذه الفئة القليلة. أزعم أنّ مفتاح شخصية الرجل لا يمكن أن نعثر عليه إلا عبر هذا الطريق، أو بالأحرى لا يمكن أن نكتشف عنوان أصالة جورج إلا بمتابعة نضاله المتواصل من أجل أن يمارس، وعلى أرض الواقع، حق الاختلاف. كان يفعل ذلك دون تهوّر وأيضا دون حسابات، وتحسّب للتبعات.رغم عتوّ الايديولوجيا، رغم الجهاز الحزبي الطاحن، جاهد الرجل، وبقدر المستطاع، أن يحرم هذين الجبارين من حرمانه حق الاجتهاد، من اغتيال قدراته على الخلق والابداع. في خضم هذه المعارك الجارحة وطّن في نفسه خلق الصبر والمصابرة على احتمال الضيم، خلق الشجاعة على تحمّل شتّى ألوان المضايقات، والضغوطات، والاكراهات، ومختلف ضروب الارهاب الفكري والنفسي التي تمارس عادة على الأقلية، كلما تشبّثت بمواقفها، وأصرّت على الدفاع على ما تعتقد أنه الحق. لقد ضاق صدر أحد المسؤولين الكبار، ذات مرّة، من تصرفاته فصاح بغضب « فليذهب إلى الجحيم، لا مكان له في الحزب ». ليس من اليسر أن تتحدّث عن شخص تعرفه ولا تعرفه، عايشته ولم تعايشه، عرفت مرحلة من حياته ولم تعرف مراحلها الأخرى. لقد رحل جلّ الناس الذين عايشوا هذا المعمّر، عندما كان في طور الخصوبة وموسم العطاء، من شاركوه أفراحه وأحزانه، من عايشوا نشواته وعذاباته. والصديق فتحي بن الحاج يحيى مُحِقٌّ عندما قال في تأبينه اللطيف لجورج « لقد تعودنا على أن نحب موتانا أكثر من أحيائنا وتبجل الميّت على الحيّ ». وفعلا لو كرّم جورج، أو غيره من رموز الحركة التقدّميّة أحياء لنفض بعض الركام الذي حجب عطاءات هذه الحركة واسهاماتها في مجد الوطن، وفي فعل الخير لأهله. ولرفع شيء من الإجحاف الذي لحقها ولايزال. لا شكّ أنّ جورج كان سيكون سعيدا لو شاهد صورته في عيون الآخرين وربّما سيكون التكريم فرصته الذهبية لنبش الماضي والادلاء بذكريات، وتفاصيل ثمينة من شأنها إثراء الذاكرة الوطنية. كان لا بدّ من هذا الاستطراد المرهق لنضع الحديث عن جورج في نصابه، والآن نعود لنتابع قصّة الزيارة. وجدناه جالسا خلف مكتبه، بدا لنا كما هو، نظرته الحادة، بريق عينيه، صوته الوقور، حركاته المتزنة، هدوءه المعتاد، كلّها تشي بذلك. لكن خلف الاطمئنان الذي أوحى به المشهد، كان شعور يحوم في دواخلنا يسعى لتقويض ذلك الاطمئنان، شعور مبهم فجّره الصمت الذي لفّ المكان، بعد تبادل التحيات، ورنّت أصداؤه في الكلمات المتقطعة، والمحتبسة في الحناجر. بدوا كأنّ شيئا يجثم على الصدور، ويخنق الأنفاس. لا أحد لديه ما يقول، وربّما لا أحد يعرف ما ينبغي أن يقال وكيف يقال. توجه إلي جورج سائلا  أش ثمّ جديد؟  أجبت بذاك الجواب المعتاد لا جديد، خيّم الصمت ثانية ليقطعه الأستاذ المنجي، عندما خاطب جورج قائلا « لنعش قد ما عشت »، قالها بنبرة عالية، ملأى بالحيوية والثقة، وكأنه أراد إعادة الحياة للمشهد بدأ أشبه ما يكون بحالة احتضار. وكان الردّ المفاجأة، الردّ الذي هزّ النفوس، وقطّع أوصال المألوف: « لا أتمنّى لكم ذلك » كلمة اختزل بها كل شيء، قال فيها كل شيء، نحت بها وعلى عجل Son portrait   وأهدى كلاّ منا نسخة منه. لا تشي هذه العبارة، فحسب، بالآلام والأوجاع، التي كان يكابدها، وإنما تحيلنا قسرا على معاينة ما قد يكون عاناه من محن ومتاعب في المراحل الأخرى من حياته. لم ترسم فقط صورة الجراح التي كان يلملمها خفية، والأحزان التي كان يدوسها دون شفقة، والعذابات التي كان يقاسيها في صمت، وإنّما أفضت لنا بأسرار صموده وأثارت فضولنا لمحاولة المسك بذاك الخيط الرفيع، الذي وصل بين مختلف أطوار هذه الحياة المفعمة بالعناء والعطاء، ذاك الخيط، الذي به ندرك، أنّ شيخوخة الرجل ليست في الحقيقة سوى الوجه الآخر لشبابه. تفاؤله المثير للانتباه، قدراته على مغالبة المرض، اصراره على مقاومة الوهن ومواصلة العطاء، انتصاره على دواعي اليأس والإحباط، إرادته أن يظلّ إنسانا مفيدا إلى آخر رمق في حياته، ما هي، في الواقع، سوى أصداء للقيم، والطباع، والعادات، التي اكتسبها في عنفوان الشباب وفاز بها في غمار النضال. ما كان لشيخوخته أن تصطبغ بلون « الشباب » وتحافظ على معنى الحياة، لولا تلك الأصالة التى وسمت رصيده النضالي، وشكّلت ماهيّة شخصيته، ومنحته وبجدارة وصف المختلف. ذاك الرصيد الذي مكّنه من لملمة شتات الذات، وموّنه بتلك القدرات، وبرّر له الطموح في أن تحمل شيخوخته بصمات من شبابه وكهولته. ينتمي جورج مثل العديد من شبان جيله إلى الفئة العصرية، التي تشبّعت بالثقافة الغربية، وآمنت بقيم الحداثة والتقدّّم واللائكيّة، تلك الفئة التي تبنت هموم صغار الناس، وانحازت لهذا السبب أو ذاك، ومن هذا المدخل أو ذاك، لفكرة العدالة الاجتماعية، فوجدت نفسها في دوائر الفكر الاشتراكي والشيوعي، وجدت نفسها، وبهذا القدر أو ذاك، في أحضان الماركسيّة. في معاشرة ماركس وأنجلز ولينين وستالين وأيضا في معاشرة تلاميذهم النبغاء منهم والأغبياء. تمثل الفقيد، وفي العمق، هذه الإيديولوجيا كأرضية للحريّة والعدل فنذر حياته للاسهام، في زرع مبادئها، وتوطينها في وطنه. التحق جورج بالحزب الشيوعي، ولمّا يبلغ 20 ربيعا، كان ذلك في أواسط عقد الثلاثينيات، ذاك العقد الذي لاحت فيه إرهاصات تونس الحرّة والعصرية. في خضم أحداثه ولد الدستور الجديد، الذي افتك زمام المبادرة واضطلع بقيادة حركة التحرير. وفي عشية رحيله اندلعت أحداث 9 أفريل، التي شقّت طريق تونس إلى النصر. لكنّه لم يشهد هذا فحسب بل شهد ثاني محاولة لاقتة من الشيوعيين للالتصاق بهموم الوطن وإخصاب الفكرة الوطنيّة. قصّة الشيوعيين مع بورقيبة تضرب بجذورها في ثلاثينيات القرن الماضي. لقد اخترق الأمين العام للدستور الجديد صفوف الشيوعيين، وكشف أو كاد، تهافت مقالتهم حول طبيعة الأحزاب الوطنية، تلك الأحزاب التي دأبت الحركة الشيوعية العالمية ومنذ مجازر شنغهاي الصينية (أفريل 1937). على نعتها بالاصلاحية والرجعية، وقذفها بتهم الخيانة ومهادنة الاستعمار. لقد نفضت الأمميّة أيديها من هذه الشلّة من الأحزاب ورفعت، بكل وثوقية وغباء سياسي أيضا، شعار « طبقة ضدّ طبقة » دون تأويل أو تخصيص. صمود بورقيبة وثلة من صحبه في برج الباف، معارضته الحازمة لمواقف الجناح المهادن الذي كان يتزعمه الدكتور الماطري، إيحاءه بمواصلة الاحتجاجات على السياسة القمعيّة للمقيم بيرطون، تضافرت في مجموعها لتزعزع قناعات الشيوعيين، وتحملهم على مراجعة سياستهم حيال هذا الحزب. اكتشف الشيوعيون، سواء من كان منهم في معاشرة المبعدين الدستوريين بالبرج أو من بقوا أحرارا، أنهم أمام حزب من نشأة أخرى. وتتبأوا أنّ الصراع الذي يشقّه. هو بصدد بلورة جناح راديكالي يساري، وصفه بعضهم بالثوري، وهو نعت أثير إلى نفوسهم لا « يتكرمون  » به عادة إلاّ على الأحزاب التي تمتلئ بأيديولوجيتهم وتقتفي أثرهم. لقد خلصوا من كل ذلك إلى القناعة بضرورة دعم هذا الجناح، ودفع الأحداث في اتجاه بناء « حزب وطني ثوري » (تفاصيل وتحاليل مهمّة عن هذه الحقبة في مؤلفات الأساتذة مصطفى كريم، وعلي الحجوبي، والحبيب القزدغلي وغيرهم). وتكريسا لهذا التوجه انضمّ الشيوعيون للحركات الاحتجاجيّة التي نظّمها الدستور، للمطالبة بعودة المنفيين، كما حاولوا التنسيق مع الدستوريين، لتجذير حركة الاحتجاج، ودعم صمود الصامدين. ما يعنينا في هذا السياق هو أنّ جورج كان في معمعة هذه الأحداث، على الرغم من صغر سنّه وحداثة عهده بالحزب. يذكر الأستاذ القزدغلي « أن الديوان السياسي الرابع ضمّ عناصر كانت لها علاقات شخصيّة وسياسيّة بالشيوعيين مثل مصطفى المؤدب وخاصة الهادي السعيدي الذي كانت تربطه علاقات حميميّة بجورج عدّه، والذي كان مسؤولا على طبع المناشير الشيوعيّة. وقد حدث أن تمّ استعمال أدوات الطباعة التـي يملكهـا الشيوعيـون لاستخـراج مناشير دستوريّة »(1). لكن لم تتواصل هذه العلاقات، ولا يمكن أن تتواصل، بعد أن شهدت سياسة الشيوعيين حيال القضية الوطنية، وعلاقتهم بحزب الدستور، ما شهدت من تقلبات وتناقضات وأزمات. عدّل الشيوعيون خطّهم السياسي ودعوا لبناء جبهة وطنية موحّدة، لكن بعد فوات الأوان. لقد بنى بورقيبة، بعد، جبهته، وهو واع تمام الوعي أنّ نجاح خطته، في ذروة الحرب الباردة، لا يتحقّق بالتحالف مع الشيوعيين بقدر ما يتحقّق بالتبرّؤ من الشيوعيّة، والشيوعيين. كان متيقنا أنّ ذلك هو جواز العبور لقلب زعيمه العالم الحرّ. لكن هذا لم يفتّ في عضد الشيوعيين، فقد واصلوا النضال ليجدوا أنفسهم، مرّة أخرى، في المنفى جنبا إلى جنب مع كبار قادة الدستور. روى لي جورج: أنهم قضوا أمسية كاملة يتحاورون مع بورقيبة كان السؤال: أين تكمن مصلحة تونس، أفي التحالف مع الغرب أم مع الشرق؟ لم يكن بوسع أي طرف أن يقنع الآخر، كل منهما ينحدر من عالم يختلف عن العالم الذي ينحدر منه الآخر، كل منهما ينطلق من أرضية تختلف عن الأرضية التي يقف عليها الآخر، كل منهما يرسم صورة لتونس الغد تختلف عن الصورة التي يرسمها خصمه. وعندما استنفذ الحوار أغراضه، ولم تبق جدوى من المزيد. خاطبهم بورقيبة ليقول « نحن شركاء في الوطن، هذه ورقة أمريكا، ودسّ يده بجيبه، فإذا نجحت بها ونعمت، وإذا فشلت فاخرجوا ورقتكم »، رواها جورج بنبرة تعبّر عن انبهاره بشخصية الزعيم. ولا غرابة في ذلك. فقد يكون وقف في ذاك اللقاء، على ذكاء الرجل وسرعة بديهته، وخبرته بالشأن الدولي، وبراعته في الحجاج والمناظرة، ولنقل باختصار وقف على معالم كارزمتية. كان جورج فخورا بالاستقلال معجبا، أيما إعجاب، بجرأة بورقيبة ومنجزه الحداثي والتقدّمي، لم يتوان عن الإشادة بذلك كلّما سنحت الفرصة. إلاّ أن اعتزازه بمكاسب الدولة الوطنية، لا يضاهيه سوى إيمانه بضرورة مواصلة النضال من أجل المزيد. فهموم الوطن لا تنتهي، ونضال الشغالين والنخبة، من أجل التقدّم الاجتماعي، لن يتوقف. ولهذا السبب وذاك واصل النضال مع رفاقه القدامى والجدد، أجيال الحقبة الاستعمارية، وأجيال ما بعد الاستقلال. كان حاضرا معها وبجوارها، يتابع، يتضامن، يساند، باختزال، يشاركها معاركها من أجل الديمقراطية والحريات، من أجل العدل الاقتصادي والاجتماعي. لكن اللافت في مسيرة جورج، هو تلك الحزمة من الرموز التي أثثت شيخوخته، فأضفت عليها مسحة من الروحية. ما كان لافتا هو شعوره الحاد بضرورة أن يكون إنسانا مفيداUn homme utile  في كل طور من أطوار حياته، بما في ذلك هذا الطور، الذي يخلد فيه الإنسان عادة إلى الراحة، ويستسلم فيه لأوجاع الجسد، وتباريح النفس. ما كان لافتا هو شعوره الحاد بضرورة أن يواصل الإنسان العطاء، أن يستمرّ ودون حساب، في إنفاق مخزون ما راكمه من معارف، وتجارب، وخبرات لخدمة الآخرين. إنّ فكرة الإفادة، والبحث المتواصل عن المعنى، إنّ الحرص على الاسهام في توحيد القوى الديمقراطيّة والتقدّمية، إنّ الاحساس الباطن بأنّ رصيد الرموز حق مشاع للجميع، تشكل في مجملها، إحدى عناوين عقلانية الرجل وواقعيته. إنّها الخصال والحوافز التي قد تضيء بعضا من عتمات سيرته، والذي تميّز بالشح الشديد في الحديث عنها. لقد عرضت عليه، أكثر من مرّة، أن أشاركه في توثيق ذكرياته فأبى، ويبدو أن آخرين قد فعلوا مثلي. فكرة الإفادة هي التي حفزته على الالتحاق، مجدّدا، بعالم العمل. لقد عزم الرجل على أن تكون نهايته أشبه ما تكون ببدايته. بدأ رحلته السياسية رفقة العمال والنقابيين، حمل قضيتهم ودافع عن حقوقهم. وأصرّ على أن يقضي أخريات سنواته النشيطة في معاشرتهم وبجوارهم. انتقل بمهجته إلى ساحة محمد علي، ذهب ليضع كفاءته، وخبرته، ومعارفه على ذمّة الشغالين، ومن تلك الساحة خاط البلاد، عرضا وطولا، يحادث العمال، يحاورهم، يسمعهم ويستمع إليهم، يفهمهم ويتفهمهم، لم يكتف بذلك بل أهدى قلمه لجريدتهم « جريدة الشعب ». نهاية تحمل أكثر من دلالة، وتشيء بأكثر من سرّ، لقد فصّل الزميل فتحي العيّاري – عشيره في هذه المرحلة- فيها القول فأحسن القول. أشير فقط إلى التقرير الذي كان يعدّه في مطلع كل سنة، حول « تدهور المقدرة الشرائية للسميقار ». يا حبّذا لو أنّ أحدا من اقتصاديينا، يتسلّم منه المشعل، ويواصل هذه السنّة الحميدة. أعتقد أنّ ذلك سينزل بردا وسلاما على جورج. لقد كانت هديته السنوية للشغالين. أزعم أنّ اللحظة التي سلمه فيها السيد عبد السلام جراد الأمين العام للاتحاد « درع الاتحاد » كانت من أسعد لحظات حياته، لقد رمّزت للحميميّة التي تربطه بعالم العمل، وعبّرت، في الآن ذاته، عن اعتراف الشغالين بمآثره، وتقديرهم لخدماته الجليلة لهم وللوطن. كان جورج يكبر أيّما إكبار الاتحاد العام التونسي للشغل. كنّا ذات مرّة نتجاذب أطراف الحديث حول أزمات الحركة النقابية، والمشاكل والاشكاليات، التي واجهتها ولا تزال، فصمت فجأة وكأنّي به سرح إلى مكان بعيد ثمّ خاطبني قائلا « انظر يا طرودي، لقد لعب الاتحاد دورا محوريا في معركة التحرير، وفي صنع تونس المعاصرة، وسيبقى أمل تونس في الملّمات » قالها بنبرة ملأى بالاعتزاز والثقة بالمستقبل. إيمان جورج بأنّ رصيد الرموز الوطنية وإشعاعها حق مشاع للجميع، يتعيّن توظيفه لخدمة القضايا النبيلة، وإنارة السبيل، هو الذي يفسّر مثابرته على المشاركة في الندوات، والتجمعات والتظاهرات السياسية والثقافية. لقد كان من مدمني « سيمينارات » الذاكرة الوطنية التي تنظمها مؤسسة التميمي، يتحدّث، يناقش، يعارض، يتساءل، لم يتخلف عن حضورها إلا بعد أن أقعده المرض، ورغم اشتداد المرض، وتحذير الأطباء بقي حريصا على المشاركة في المناسبات الكبرى، فقد أبى إلاّ أن يشارك في المظاهرة التي نظمت لمساندة لبنان في الحرب الأخيرة، وقف بضع دقائق في ساحة السابع من نوفمبر وعندما انطلقت المظاهرة قفل راجعا إلى بيته، وفعل ذلك في مناسبات أخرى. حرص جورج على الاسهام في جمع كلمة القوى الديمقراطية والتقدميّة على كلمة سواء، هي التي تفسّر تلك الشبكة الواسعة من العلاقات، التي نسجها مع المناضلين والنشيطين، على اختلاف مشاربهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية. تعرفت على جورج في مطلع السبعينيات استضافني إثر خروجي من السجن، ربطيتي الأولى بلغة (Recidiviste)، اجتمعنا حول الطاولة، جورج، وأنا وصالح، وليلى، وزوجته قلديس، التي أضفت ببشاشتها وحيويتها، مسحة من الحبور عن تلك السهرة. تطرّق الحديث إلى شتّى المواضيع لكنّه تمحور، إذ لم تخن الذاكرة، عل حكايا السجن وذكرياته وعوالمه. عندما أنبش الذاكرة وأنزل ذاك الحديث في سياقه، يحق لي القول: أنه كان حديث التواصل والأمل، كان حديثا عن المنجز والمنشود. شيخ من مناضلي حركة التحرّر الوطني يستحضر ذكريات السجون والمنافي. ويروي مآثر ذلك الجيل الذي كافح من أجل أن تعيش تونس حرّة مستقلّة. ويستمع في الآن نفسه، لذكريات سجناء جيل ما بعد الاستقلال وتحديدا في العهد البورقيبي، تلك الفينة من شباب تونس، التي رأت أنّ المعركة لم تنته، فعقدت العزم على حمل رسالة السلف ومواصلة النضال. لا يهمّ أكانوا محقين أم مخطئين، المهمّ أنهم كانوا مؤمنين، بأنّهم شركاء في الوطن، وأنّ من حقّهم قول كلمتهم في قضاياه، والاسهام في إدارة شؤونه مهما كان الثمن. كانوا مؤمنين، هم أيضا، بأنّ العسف وعذابات السجون ضريبة لا بدّ منها لتجسيد الحلم، حلمهم بتونس أكثر حريّة وعدلا، حلمهم بتونس أفضل وأجمل. اللافت أخيرا لا آخرا في جورج، أنه بقي وفيّا، وخلافا للكثيرين، لشيوعيته. رغم سقوط جدار برلين وتنبّؤات منظري نهاية التاريخ، رغم كثرة الناعين لعصر الإيديولوجيات، رغم تزعزع إيمان غالبية البشر بالفكرة الاشتراكية: البعض أقرّ بهزيمتها، البعض الآخر تبرّأ منها، فريق ثالث مرّغ أنفها في التراب وكال لها سياط العذاب. جورج لم يصب بالهلع، لم يفقد اليقين، لم تنطفئ في قلبه شعلة الأمل، لم يغادره التوق إلى الأفضل. عاش واثقا بالنصر، ومات واثقا أن النصر النهائي سيكون حليف المستغلين والمضطهدين، وأنّ الإنسانية لن تعدمها السيل لتلبية أشواقها للحريّة والعدل ومن ثمّة فإنّ تكريمه هو في الواقع تكريم للأمل. لازمته هذه الأبجديات للفكر الشيوعي. وهذه الروحية التي ترشح منها حتى النهاية. يبدو وكأنّه استبطن في أعماقه تلك المقولة الشهيرة لماركس « إمّا الاشتراكية أو الهمجيّة ». جدّد هذا الالتزام وأعرب عن هذا التفاؤل في الحوار الذي أجراه معه الاستاذ محمود بن رمضان، بمناسبة الذكرى السبعين لحوادث 9 أفريل، وذلك عندما قال في معرض نقده لموقف الحزب الشيوعي من تلك الأحداث « كنت شيوعيا لا أزال شيوعيا »:  
Mais pour moi, qui êtais et qui suis encore communiste, je ne peux que mettre un grand regret: mon Parti; officiellement, dans sa majorit?, peut être relative, n’a pas pris sa part, n’a pas apporté sa contribution á cette grande bataille. Nous étions un petit nombre, un certain nombre de communistes qui considéraient le 9 Avril comme leur 9 avril, mais, malheureusement, ils n’étaient pas dans la majorité.  
 
إنّ ثبات الرجل وتشبثه بإيديولوجيته ليس مظهرا من مظاهر التعصّب والدّغمائيّة. وأزعم أنّ مصدر اليقين يكمن تحديدا، في أنه لم يتعاط مع الشيوعيّة كعقيدة جامدة، أو كنموذج متحجر للاقتصاد والمجتمع، بقدر ما تعاطى معها كمرشد للعمل. لقد حاول النفاذ إلى ما هو جوهري فيها ألا وهو تحرير الإنسانية لتقرّر مصائرها بوعي، والتمكين للعدل في الأرض. يبدو ذلك من انحيازه وفي أكثر من مناسبة، لمواقف الأقلية، وإسهامه في صنعها، تلك المواقف التي نزعت، بهذا القدر أو ذاك، صفة القداسة على تعاليم وسياسات الأمميّة الشيوعية، ووكلائها الإقليميين والمحليين. لم تكن ممارسة حق الاختلاف، أو حتى التململ، من إملاءات كبار القوم داخل الأحزاب الشيوعيّة، في ثلاثينيات القرن الماضي بالأمر الهيّن. « قصّة شيطنة الأمين العام للحزب الشيوعي التونسي علي جراد إحدى الشواهد على ذلك ». لقد كان القاموس الإيديولوجي والسياسي، أشبه ما يكون بالقاموس الديني. كان يحمل ذات الثنائيات « الإيمان/الكفر، المؤمن/الملحد، الحق /الباطل، العدل/الظلال، الاستقامة/الاعوجاج، الملاك/الشيطان ». بعبارة مختزلة كان مشحونا بنفس الدلالات، والإيحاءات، والإحالات، والرموز، التي يزخر بها ذاك الخطاب رغم تناقض المرجعيات. جورج كان من بين الأقليات التي أباحت لنفسها، بهذا القدر أو ذاك، ضمن هذه الحدود أو تلك، الاجتهاد. أو بالأحرى حاولت انتزاع حقّ الاجتهاد. يبدو أنّه نسج، ومن هذا المدخل، تلك العلاقة الحميمية مع عقيدته والتي تواصلت حتى النهاية، فقد أبى إلا أن ترافقه إلى القبر. غمره الأمل، سكنه الحلم وحتى النهاية. فقد أبى إلاّ أن يودع ذلك الحوار، وأظن أنه آخر حواراته، وصيته لشباب تونس « عليكم حمل المشعل، ومواصلة النضال، لتحقيق الديمقراطية، والحريّة والعدالة الاجتماعية، وإنّي على يقين أنّكم ستكسبون هذه المعركة ». لكل هذا سيبقى جورج حاضرا وبقوّة في تاريخ تونس المعاصرة، في ضمائر التونسيين وأيضا في ضمائر الفلسطينيين الذين حمل معهم حلم العودة وكان لهم نعم النصير. سيبقى حاضرا في ضمائر كل الشرفاء. لقد فتحت الكلمة/الصرخة، كما رأيتم، هذه النوافذ التي أتاحت لنا إطلالة سريعة على مسيرة الرجل، فلنغلقها إلى حين، ونعود لسرد أخبار تلك الزيارة. صرّخ جورج ثمّ قال ما معناه: « لم يعد هناك ما يمكن إصلاحه، انتهى كل شيء » (ما معناه أنه في حالة موت) كان يتكلّم بهدوء وحكمة، فبدت الكلمات كوصيّة أخيرة، أو كتحيّة وداع. لقد غادره التفاؤل إذ لم يعد للتفاؤل من معنى. خبا الأمل إذ لم تبق أرض لينبت فيها، ومع ذلك كان في منتهى التوازن والثبات، والتماسك، والحضور. كان يواجه مصيره بكل وعي، كان يمارس حقيقة الموت، أو قل يعيش الموت، ويوطّن نفسه على الرحيل. انتهت الزيارة وقفلنا راجعين، دون أن يصاحبنا الاطمئنان الذي اعتاد أن يصاحبنا في الزيارات السابقة، هجره التفاؤل فهجرنا الاطمئنان. لم نتحدّث عما حدث، لم نعلّق على ما قيل، لكن نظراتنا وملامح وجوهنا كانت تشي بأنها الزيارة الأخيرة، كانت تقول وداعا جورج. بعد خمسة أيام، أو ستّة أيام، هاتفني سالم بن رجب ليبلغني نعيه. الهوامش: (1) تطور الحزب الشيوعي التونسي « .صــ204-205 (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 9 نوفمبر 2008)  

 

كيف نفهم تعثر الإبداع في الفلسفة العربية (*)

 

أبو يعرب المرزوقي  

تمهيد: لن نطيل الكلام في عوائق الإبداع الواهية التي يكثر الكلام عليها في خطاب الأصوليتين المتصارعتين[1] على الساحة الثقافية الخالية من الإبداع الفلسفي في ربوعنا. فكلها تبدو لي ناتجة  عن خللٍ منطقي في الفكر العربي الحديث، خللٍ قلب المشروط فجعله شرطا ليفسر ضمور الإبداع، إما بالطغيان السياسي أو بالطغيان الديني، لكأن كل الأمم انتظرت التحرر منهما لتصبح مبدعة.  وإذا كنا لا ننكر أن هذين الطغيانين يمكن أن يعطلا الإبداع إذا كان موجودا فإننا يمكن أن نضرب أمثلة على دورهما في تحفيزه. ولذلك فهما مُحايدان في مسألة وجوده وعدم وجوده بل إننا نعتبرهما معلولين لعدم الإبداع بدلا من أن يكونا علَّة له. فالأمم لا تتمكن من التغلب على هذين الطغيانين إلا بما تحققه من شروط التحرر الفعلي منهما، ومن ثم من الوصول إلى مبدأ الإيمان الحقيقي: ألا معبود إلا الله وهو معنى الكفر بالطاغوت شرطاً في الإيمان الصادق (البقرة 256). وهذه الشروط جميعاً راجعة إلى أصلها الذي يمكن من التغلب على ثلاثة أصناف من أسباب للعبودية ويكون التحرر منها كلها ثمرة الإبداع: أولها هو الإبداع في العلوم الطبيعية وتطبيقاتها للتغلب على أسباب الطغيان الصادر عما في تاريخ الإنسانية الطبيعي من عوائق لا إرادية، طغيانها على الإنسان أدى إلى عبادة الظاهرات الطبيعية وتأليهها في الميثولوجيات والأديان الطبيعية، بل هي مصدر الإيمان بالسحر والخرافة عامة. والثاني هو الإبداع في العلوم الإنسانية وتطبيقاتها للتغلب على أسباب الطغيان الصادر عما في تاريخ الإنسانية الحضاري من عوائق إرادية، طغيانها على الإنسان أدى إلى عبادة الشركاء أعني: المستبدين بالرزق والمتحكمين في رقاب الناس، ومنها نماذج صورة الله في الميثولوجيات والأديان الطبيعية. والأخير هو الإبداع في الفنون وتطبيقاتها للتغلب على أسباب الطغيان الجامعة بين الطغيانين والصادرة عما في النفس الإنسانية ذاتها من عطالات تحول دونها والإبداع. لذلك فهي الأهم في كل التجارب التي عرفتها الإنسانية وهي التي أدت إلى تأليه الغرائز وعبادة الهوى ومنها التعابير الرمزية والوثنية على الروحانيات في الأديان الطبيعية والميثولوجيات. عدم الإبداع في هذه المجالات هو الذي يجعلها مرتعاً للعقبات التي تحول دون الإنسان والتحرر من الخضوع لآلهة مزيفة من الطبيعة والتاريخ وحتى المبدعات البدائية للإنسان. ولا تحرر منها من دون إبداع علمي وخلقي وجمالي. ولما كان  الإبداع في الفلسفة إبداعاً « مابعدياً » مشروطا بهذه الإبداعات فإنه ليس إلا حصيلة هذه العدوم التي يملأ الفكر العربي الحالي فراغها إما بالتقليد الماسخ لفضلات منها مستوردة، أو لفضلات مما أنتجته الأمة ولم يبق منه إلا وجهه التاريخي بعد فقدانه فعالية الإبداع الحي، الذي له علامة لا تكذب: تحقيق التحرر مما يتصوره التفسير الخاطئ عللا لعدم الإبداع. لذلك فالعلل التي نطلبها لا صلة لها بآراء من يتعلل بحال الأمة السياسية والروحية ليفسر عدم الإبداع، بدل اعتبار هذه الحال نتيجة لفقدانها الإبداع وسلطان التقليد بوجهيه عند الأصولية العلمانية لماضي الغرب والأصولية الدينية لماضينا. العلل التي نطلبها لها صلة بأصلين يفسران فقدان النخب البصيرة، ومن ثم فقدانها القدرة على الفهم فلا ترى شروط الإبداع ومقوماته.إنهما:  الأفق الوجودي الذي يصوب منظور الفكر إلى الأشياء فيمكنها من الرؤية الحافزة للإبداع والأفق التاريخي الذي هو العين الراهنة منه في لحظة من لحظات التاريخ الروحي للامم. وكلا الأفقين شارط للفهم والإبداع وعدم جعلهما أفقاً مبيناً يساعد على الفهم ومن ثم على الإبداع  هو الذي يغرق الأمة في أزمتين تتفرعان عن هذين الأصلين نراهما رؤية العين المجردة في الظرفية العربية الحالية وفي كل الظرفيات المماثلة التي عاشتها أمم مثلنا، تردّى فيها الإبداع فصارت أمة التقليد والاتباع، إما لماضيها أو لماضي المتغلبين عليها. ولذلك فإن هذه المحاولة مدارها توضيح معنى الأفقين وصلة الأزمتين بما اعتراهما من شوائب في لحظتنا الروحية والتاريخية الراهنة، دون الكلام في تاريخ الفلسفة العربية الذي عالجنا أهم منعرجاته في غير موضع[2]. وبذلك تكون المسائل التي سنعالجها في هذه المحاولة مسألتين أصليتين ومسألتين متفرعتين عنهما نبدأهما بعلاج الأفق الوجودي والأزمة التي تترتب عليه، ونثني بالأفق التاريخي والأزمة التي تترتب عليه، عَلَّنا بذلك نفهم العلل العميقة لما يعاني منه الإبداع الفلسفي في لحظتنا الراهنة دون أن نزعم تقديم الحلول التي هي ثمرة اجتهاد الجماعة وجهادها وليست تصورات شخص أيا كان نفاذه لمعاني الوجود: المسألة الأصلية الأولى هي مسألة الأفق الوجودي Ontological horizon:  وهي تبحث في مقومات الأفق الوجودي العقيم لتبين مقومات كل أفق شارط ليس للإبداع فحسب بل وكذلك للوجود الصادق فتحدد مقومات الأفق الخصب للإبداع وفيها نبين التلازم بين الفكرين الديني والفلسفي شرطاً في الإبداع الرحم لما بعد الممارسات العملية والنظرية في الوجود الإنساني أعني الفكرين الديني والفلسفي.والمسألة الفرعية المترتبة على مسألة الأفق الوجودي هي مسألة الأزمة الوجودية: التي يعاني منها المبدعون ما طبيعتها وكيف يمكن فهمها وعلاجها من المنظور الوجودي. المسألة الأصلية الثانية هي مسألة الأفق التاريخي Historical horizon: وهي تبحث في مقومات الأفق التاريخي العقيم ودوره في الحيلولة دون الإبداع عند النخب العربية الحالية. وسنركز فيه على الأفق التاريخي الغربي المجهول لأنه هو بات النموذج الوحيد الذي يغذي عقلية التقليد باسم التجديد: تقليد ماضي الغرب صار يعتبر تجديدا رغم كونه لا يختلف عن تقليد الماضي الذاتي. والمسألة الفرعية المترتبة على مسألة الأفق التاريخي هي مسألة الأزمة التاريخية: التي يعاني منها الإبداع ما طبيعتها وكيف يمكن فهمها وعلاجها من المنظور التاريخي.  
 أولاً: الأفق الوجودي: « في أن سوء فهم أفق العلاقة بين الديني والفلسفي هو الذي يكبل الإبداع العربي »[3].كثير من الأوهام يطغى على عقول المتعجلين ممن يقتات بتعميمات سطحية أفسدت التصورات الفلسفية والدينية عند من يعتبرون أنفسهم رواد الحداثة والتصورات الدينية والفلسفية، عند من يعتبرون أنفسهم حماة التأصيل دون فهم من الفريقين للظاهرتين، حتى جعلوهما حدوثة يهزأ منها كل من له علم دقيق بمصادر الفكر الغربي والعربي الحقيقية: أعني الفلسفة اليونانية وعلم اللاهوت المسيحي بعد أن اندمجا في ما يسمى بالفلسفة الغربية الحديثة، وخاصة في فكر الحداثة وفكر ما بعدها في حالة الحداثة[4]. وسأكتفي بمثالين من هذه الأوهام الخاصة بالفكر الغربي لأن أفق فكرنا الحالي هو أفقه غير المفهوم: فأما المثال الأول فمداره حول وظيفة النص في الوجود الإنساني والمقابلة الساذجة والسطحية بين الأمم النصية والأمم غير النصية. والزعم بأن الأمم تنقسم إلى نوعين أحدهما تكبله النصوص، ويمثلون له بالمسلمين تحقيراً منهم، والآخر متحرر منها ويمثلون له بالغربيين رفعا من شأنهم، هذا الزعم هو الأغنية التي لا يني يرددها الكثير من المثقفين، وكأنهم قد اكتشفوا المفتاح السحري لتحرير الأمة من النصوص التي يزعمونها مكابح للتقدم ومن ثم فالحل عندهم هو التحرر من المرجعات الرمزية، التي يستند إليها وجود الأمة الروحي والتاريخي. وأما المثال الثاني فمداره حول وظيفة الواقع الموضوعي في الفكر الإنساني والمقابلة الساذجة والسطحية بين الواقع والرمز في الوجود الإنساني. وأصحاب هذا الوهم يعتقدون أن الإنسانية يمكن أن يستقيم لها مقام في العالم الطبيعي من غير الإيمان بعالم ما بعد طبيعي، أياً كان، يؤسس لفعل الإنسان، ومن غير التسليم بدور له، أياً كان، في عالمهم الطبيعي. وهذا الزعم الثاني هو أساس الحل البديل الذي يقترحونه دون أن يعلموا أنهم في الحقيقة يستبدلون مرجعية رمزية بأخرى، ولا ينتقلون من الرمز إلى الواقع المزعوم. وهذا الوهم الثاني هو الأصل الذي يرجع إليه الوهم الأول: الزعم بأن الغرب قد تحرر من الإيمان والميتافيزيقا، ولذلك فهو متحرر من سلطة النص -أي نص- بشرط أن نفهم أنه النظام الرمزي الذي يعتبره شعب من الشعوب معين المعنى. ويمكن للقارئ الفطن أن يلاحظ أن كلا الوهمين مضاعف، وأنهما يرجعان في العمق إلى العلاقة الوطيدة التي تربط بينهما. ومن يغفل عنها لا يمكن أن يفهم كيف يمكن لمثل هذا الفكر العجول أن يكون أكثر سلفية من السلفيين؛ لأنه يقلد مثلهم من دون وعيهم بما يقلدون. إن هذا الموقف يقتل فكر صاحبه بما يفقده ما عنده من مخزون حضاري، هو سماد الإبداع في كل حضارة، دون أن يعطيه ما عند غيره، فينضب  بهذا الجهل المضاعف معين الإبداع لديه، ويصبح ممثلاً لنخبة تحكمها سطحية التصورات وفجاجة المقابلات الصبيانية التي تحول دون الفكر وفهم أسرار الوجود. ولا فرق عندئذ بين الفكر الديني الذي ينحط إلى خرافات العجائز وهذا الفكر الإيديولوجي الذي ينحط إلى ثرثرات النوادي. وإذن فهذان الوهمان هما في الحقيقة نفس الوهم بصيغتين مختلفتين: فالوهم الثاني ليس هو في الحقيقة إلا الغفلة عن طبيعة الصورة البنيوية لعلاقة الفكر بالوجود، والوهم الأول ليس هو في الحقيقة إلاَّ الغفلة عن طبيعة التعين تاريخي لهذه العلاقة في كل الحضارات.  
وهم المقابلة بين الأمم النصية والأمم غير النصية هذا الوهم مبني على مغالطتين: مصدر أولاهما مفهوم النص ودوره في الفكر عامة والفكر الفلسفي خاصة،ومصدر الثانية مفهوم التكبيل ودوره في منع الإبداع المتحرر من المرجعيات. إذا كان القصد بالنص ما كان مكتوباً من النصوص، فالمقابلة بين أمم نصية وأمم غير نصية قد يبدو فيه بعض الصحة. فبعض الشعوب لم تكتشف الكتابة وهذا لا يحتاج إلى دليل. ولكن هل توجد أمة في التاريخ ليس لها حديث حول حدث تاريخها الحاصل والمأمول يضفي عليه المعنى وينقله من جيل إلى جيل؟ ذلك هو معنى النص المرجعي أو الكتاب المقدس في كل حضارة سواء كان محفوظا بالكتابة أو محفوظا في الذاكرة: وكلاهما يمثله سدنة يجعلونه ناطقا في كل حين. والمعلوم أن بعض الأمم تعتبر ذلك الحديث أساطيرها، وبعضها تسميه تراثها، وبعضها تؤمن بأنه كتابها المقدس. وليست التسمية هي الأمر المهم، بل هو التلازم بين الحدث والحديث وكلاهما لا يتعلق بالحاصل الفعلي بل به وبغيره مما يعبر عن خيال الأمم وآمالها. ولذلك فهو مرجع إبداعها الدائم ومعينه الذي ما أن ينضب حتى تموت تلك الأمة أو تصبح في سلطان غيرها. فالحديث عن حدث التاريخ لا بد فيه من الإيمان بما وراء التاريخ أيا كانت طبيعة هذه المعتقدات.[5] ومن ثم فلا بُد أن يكون فيه عند كل أمة شيء من المقدس سواء كان دينياً أو دنيوياً كما في ما تحاول الحضارات الحديثة أن تضفيه على بعض أحداث تاريخها من قداسة رمزية لتحفيز أجيالها على العطاء والإبداع. وإلا لما كان الحدث  يستمد معناه من الحديث عند الأمم جميعا بل ولاستغنت عنه الأمم. لذلك فالقول إن بعض الأمم نصية وبعضها غير نصي هو إذن من التعميمات المتسرعة التي مردها إلى حصر المقصود بالنص النص المكتوب أو المنزل. والمغالطة الثانية مصدرها مفهوم التكبيل[6]. فإذا كان القصد بالتكبيل عدم الاجتهاد في تأويل النص من حيث هو أساس المعنى للتعامل مع كل شيء وخاصة مع العالم الطبيعي الذي يظنه السطحيون أمراً قابلاً للوجود فضلاً عن الإدراك من دون هذا المعنى، فهذا القصد من الأوهام كذلك. فما من أمة إلا ومجرد بقائها وعدم اضمحلال قيامها المستقل دليل قاطع على أن معنى حديثها لا يزال عندها فاعلاً في حدثها ومن ثم فهي ليست مكبلة بنص ميت بل مجرد بقائها وصمودها في التاريخ الذي هو صراع دائم بين الأمم من خلال هذه المرجعيات التي بها يتم فهم الوجود وتأويل الأحداث دليل قاطع على كون النص ما يزال معيناً لا ينضب. لكن ذلك لا يعني أن الأمم لا تتفاوت في هذه الفاعلية. وذلك هو المعيار الذي يمكن استعماله لتحديد مدى حيويتها. وكل الذين يتهمهم مزعوم العقلانيين بالظلامية أو الإسلاموية ليسوا كما يزعمون ساعين إلى العيش في الماضي، بل هم يحاولون أن يستعيدوا أقصى قدر ممكن من حيوية الماضي بجعل النص المؤسس مصدر إيحاء، بما يجعل الإبداع مطلق الحرية ومطلق الطموح، فلا يكون تقليداً لنص بديل بزعم أنه تحرر من النص، وهو في الحقيقة وقوع في حبائل نص مجهول: مزعوم العقلانيين يقلدون نصاً ميتاً ولا يدرون وهو نص ميت مرتين:  
 فهم يجهلون وجود النص الذي يكبلهم في تصورهم متحررين من النص الذي يظنوه مكبلا.  
والنص الذي يكبلهم بلا عروق تغذيه في تربتهم الحضارية، بخلاف من يزعمونهم ظلاميين.

والفرق بين أصحاب الموقفين ليس بالنصية وعدمها بل بطبعية العلاقة بالنص التي لا غناء عنها: فهؤلاء يسعون إلى استرداد فعالية نص ذي عروق ضاربة في حضارتهم لقرون، ولا يزال ينبض بالحياة بدليل قدرتهم على الصمود، بل ونجاحهم في التحرر من الاستعمار. وأولئك يحاربون معينهم ولا يستمدون من المعين المستورد إلى قشوره فيكون ما يفعلون انتحارا غير واع لأن ليس مقصودا ببصيرة. ولْنُثَنَّ بالوهم المضاعف الثاني الذي هو الصورة البنيوية من الوهم الأول. فهو أيضا مبني على مغالطتين تبدوان متقابلتين رغم كونهما من طبيعة واحدة وخاصة من منظور الثمرة التي هي العقم المطلق: مغالطة تفسد الواقعية[7]؛ لأنها تخضع النظر لأعيان العمل فتقتل الحكمة النظرية أو الخيال العقلي الذي يطلب الحقيقة النظرية فيتمكن من الذهاب بالفرضيات الرمزية إلى غايتها ليكون مبدعا للنظريات. مغالطة تفسد المثالية؛ لأنها تخضع العمل لمجردات النظر فتقتل الحكمة العملية أو الخيال الإرادي الذي يطلب الحقيقة العملية فيتمكن من الذهاب بالعمليات الفعلية إلى غايتها ليكون مبدعاً للوقائع. ويبدو التوجهان متقابلين لكنهما في الحقيقة من طبيعة واحدة. فالعمل يعالج لامتناهي التعين الفعلي، وهو إذن صراع فعلي مع لامتناهي مادة الأفعال والمثال الأعلى للفعل؛ أعني تصوره محيطاً بمادته، مطلق الإحاطة، بحيث يزول الفارق الوجودي بين المادة والصورة[8]. والنظر يعالج لامتناهي التحديد الرمزي لموضوعه وهو إذن صراع رمزي مع لامتناهي تصوير الأفعال. وهدف العلاجين هو التلاقي في الغاية: فعندما يصل تحديد لامتناهي التصوير في النظر إلى الغاية نكتشف أنه قد أبدع أدوات علاج لامتناهي المادة في العمل دون أن يحصل ذلك الحصول التام لامتناعه. ومجرد الظن أنه حصل نهائيا يصبح قاتلا للإبداع على الأقل في الأذهان إن ليس في الأعيان. وهذه المغالطات الأربع علتها هذان الوهمان وهما عين العلاقة بين الطبيعة وما بعدها في الأعيان (النص والوجود) وفي الأذهان (الرمز والواقع) لأنهما جوهر فاعلية العقل الناظر والعامل، وهما لا يكونان فعلين نسبيين إنسانيين من دون الإيمان -ولو فرضياً- بأن لهما مثالاً أعلى يكونان دائما دونه في الحصول الفعلي لأنهما فيه يكونان فعلين مطلقين هما غاية سعي الفعلين الإنسانيين في حصولهما الفعلي: وذلك هو مفهوم الله من حيث هو المثل الأعلى المطلق. وهذا أمر لا تخلو منه حضارة في أي لحظة من لحظات حياتها، وهو المقصود بالإسلام الفطري الذي هو الدين عند الله أعني الديني في كل دين.  ولن نطيل الكلام في هذه المغالطات أكثر من هذا، لأننا درسناها جميعاً بدقة متناهية في مقال « الواقع » صنم الفكر العربي الحديث.[9]  
 أزمة النخب الوجودية

« في أن المقابلة بين الواقع الطبيعي والمرجعيات التي هي رمز ما بعد الطبيعي من علامات القصور الفكري الموصل إلى العقم الإبداعي ». فقد ذهب المتقحمون على الفكر الفلسفي بزاد بدائي أن المرجعيات الدينية من المبتذلات، وأنهم بعقولهم فوق هذه المرجعيات التي يتركونها  للمتدينين من العامة ومن التصق بها من الصف الثاني من النخب، التي يصفونها بكونها ظلامية. وهم لا يدرون أنهم بهذا الترك الذي يتصورونه خياراً يعترفون بأمرين خضعا إليهما اضطراراً فكانوا ممثلين للظلامية الحقيقية ذات الشعبتين اللتين هما الجهل والحمق بخلاف ما يتوهمون: الاعتراف الأول هو أنهم صاروا عبيداً لدين آخر يجهلون طبيعته، وهم غير دارين؛ لأن مجرد طلب الحقيقة مشروط بمقومي الدين أعني الاعتقاد في وجود نظام معلوم، ووجود قدرة عقلية تستطيع علمه. وكلا الأمرين من الإيمان لأنهما شرط بداية التعقل الفلسفي وليسا نتيجة له. الاعتراف الثاني هو أنهم صاروا عبيداً لإرادة حضارية خفية تحول دون أيّ إمكانية للإبداع؛ لأن مجرد استمداد المرجعية الرمزية من غير التكوينية الحضارية الذاتية للفكر يجعله عقيماً، لخروجه من أفقه الحر الذي هو عين تكوينيته حيث يكون المبدَع والمبدِع متطابقين إلى أفق مضطر يصبح فيه الإنسان مقصورا دوره على التلقي البهيم أعني التلقي الذي يصف القرآن الكريم أصحابه ب »صم بكم عمي فهم لا يعقلون »، لأن معايير الحذق في المحاكاة التي للعبيد تصبح عندهم بديلاً من معايير الإبداع التي للأحرار: فيكون غاية المرء أن يكون مثل نموذجه المستلب، وليس مبدعاً لما لم يسبق إليه. أما الزعم بأنهم ينشغلون بالعقل ولاشيء دون العقل، فمعناه أنهم يتصورون العقل شيئا آخر غير هذا التعالي على العرضي، الذي يفرضه تَعَيُّن المثال في أعيانه –الصنم أو الوثن- نحو الحقيقة، في صورتها المثالية المتحررة من أعراض التعين أعني جوهر الدين سواء كان طبيعيا أو منزلا. وطبعا فلو كان زاعمو التعارض بين الفكرين الديني والفلسفي  ذوي عقل جرب معنى طلب الحقيقة، التي لا تدرك إلا بفضل هذا التعالي؛ ذوي عقل عانى التجارب الوجودية التي تترتب عليه، لما زعموا ما زعموا. ولنتركهم في خوضهم يعمهون. فيكفي دليلاً على سخف هذا الموقف المؤدي إلى العقم الإبداعي، بما هو تخلٍ عن التجارب الروحية المؤدية إليه، أن ينظر المرء في تاريخ الفكر، هل فيه مَنْ يُعْتَدُ به مِنَ كبار الفلاسفة أو العلماء مسلمين كانوا أو مسيحيين، أو حتى وثنيين من اليونان أو من غيرهم من الشعوب التي عرفت الفكر الفلسفي والعلمي، يمكن أن يعتبر الفكر العقلي ممكنا من دون التعالي الذي لا يختلف وصفه بالفلسفي أو الديني إلا من حيث الأسلوب، لاتفاقهما في كل شيء جوهري أعني في الأمرين اللذين يعرف بها الفكر الإنساني من حيث هو فكر إنساني: 1-أن العقل من حيث هو ملكة حكم علمي –يدرك القوانين العلمية ويصوغها- لا يستطيع أن يعلم الظاهرات بهذا المعنى إدراكا وصوغا ما لم يسلم بمبدأين قبليين ليس له عليهما دليل غير إيمانه بذاته منظمة للعالم، أوبنظام العالم الذاتي، أو بالتوافق المسبق بينهما، فيكون موقفه في الجوهر ومن حيث هو سائل السؤال العلمي موقفاً إيمانياً. 2-أن العقل يتجاوز ذلك؛ لأنه لا يستطيع أن يتوقف عند الظاهرات ولا حتى عند قوانينها العلمية، بل هو يطلب لها أصلاً متعالياً مكتفياً بذاته، ويطلب مَعْنىً للأشياء لا ينتج عن تحكمه الذاتي، ويعتبر الأصل والمعنى متجاوزين للظاهرات والقوانين ليس في ذهنه فحسب، بل في ذاتهما، فيكون بذلك جوهره عين عدم الرضا بالمتناهي. فإذا لم يكن ذلك هو الدين، فعن أي دين يتكلم الأميون من المتعاقلين، الذي يريدون أن يبدعوا وهم يبدأون بإلغاء شرط كل إبداع أعني التجارب الروحية الحدِّية؟ هل الدين عندهم مقصور على خرافات العجائز التي ربوا عليها صغارا ولما يتجاوزوها؟ لكن العجائز معذورات فهن لم يزعمن التفلسف ولا التعلمن، ولا خاصة الجدل في دقائق الأمور التي لا ينفذ إليها أصحاب الأذهان الكليلة، الذين حدد القرآن منزلتهم بالأكل مثل الأنعام، فيكون معنى الدنيا عندهم مقصوراً على الحياة البهيمية؟ ولعل السر في التشبث بهذه الأحكام المسبقة أن قراءة الجرائد السيارة والمجلات صارت كافية عند الكثير من المتحادثين: صار الفكر كله مادة ملاحق الجرائد وثرثرات الفضائيات، ولم يعد في الجامعات إلا من هو في خدمة إيديولوجيا الأحزاب الحاكمة، ولم يفرغ أحد حتى لتعليم الزاد العام من حصيلة المعرفة الإنسانية؛ لأن ذلك صار بضاعة مبخوسة في سوق النخاسين التي بيد الإيديولوجيين، الذين ينعون شروط الإبداع، وهم أول عوائقه. فقد صار الواحد منهم يكفيه ليصبح من ثوار التنوير: التنظير في المقاهي والفنادق، والخلط بين الأقوال المباشرة والتنظير العلمي، الذي ليس له علاقة بالمباشر من الشؤون اليومية إلا بتوسط سلسلة لا تكاد تتناهى من الأقوال والممارسات التي لا صلة للمبدعين بها. يتصورون أنفسهم أهلاً للكلام في كل شيء وخاصة في ملاحق الصحف وواجهات المواقع التي صارت تدفع وتستضيف كل من يتحالف مع الحرب النفسية على الثقافة العربية الإسلامية. تكفيهم مداخل الموسوعات ذات التقريب الجمهوري حتى يصبحوا قادرين-وكلما كان الفهم محدوداً كان ذلك أكثر مدعاة للجرأة على الحكم المسبق- على طي صفحة الثقافة الأهلية التي يتهمون أهلها بتقليدها ليستبدلوا بها تلك الثقافة التي يتوهمون أنفسهم قد فهموها فوجدوا في تقليدها ضالتهم. ولا حيلة مع هذا النوع من الثقافة السطحية: فهي الداء الدوي الذي حاول الغزالي الرد عليه في جل كتبه، وخاصة في كتاب تهافت الفلاسفة حيث يستثني الفلاسفة في مقدمات الكتاب، ويرد على المتفلسفين الذين حولوا فرضيات العقل في ما بعد الطبيعة إلى حقائق نهائية دونها عقائد المتدينين تزمتاً وتعصباً. تلك هي الأزمة الأولى التي صدرت عن فساد الأفق الوجودي. وقد يجد المرء بعض العذر للعامي إذ يقف موقف العجائز من الدين أما أن يتحول من يزعمون أنفسهم رواد العقلانية والحداثة إلى مؤمنين بما يسمونه عقلا وهو عندهم لا يتعدى معتقدات دونها خرافات العامة تعصبا وتزمتا فتلك هي الطامة التي جعلت جيلنا يعاني من عاهتين: عاهة النزول بالدين إلى الخرافة وبالعقل إلى السخافة. لذلك كانت الساحة الثقافية مرتع الأصوليتين: أصولية دينية تقلد ماض أهلي لا تفقه منه شيئا وأصولية علمانية تقلد ماض أجنبي هي دون الأولى فهما لنموذجها وكلتاهما تسرع معصوبة العينين إلى الحرب الأهلية التي تبدأ رمزية يسيل فيها الحبر وقد تنتهي مادية يسيل فيها الدم.. ثانياً:المسألة الأصلية الثانية: الأفق التاريخي
   « في أن سوء فهم أفق التحديث هو الذي يُكَبِّلُ الحياة الروحية والفكرية العربية ». يمكن بعبارة بسيطة وواضحة أن نبين ما أسلفنا في كلامنا على الأفق الوجودي، بتحليل مقومات الأفق التاريخي، الذي صار نموذج من يزعم التصدي لمسألة الإبداع الفلسفي خاصة والإبداع عامة من نخبنا. فيمكن القول إن الفكر العربي يعاني اليوم من عدم فهم نموذجه، أو بصورة أدق من الفهم السطحي لأفق الإبداع الإنساني، من حيث هو إبداع في الظرفية الحالية، بصرف النظر عن النسبة إلى حضارة معينة. والمعلوم أن هذا النموذج الذي يمثل أفق الإبداع عند نخبنا هو أفق التحديث الغربي سواء عند قابليه أو عند رافضيه من نخبنا أعني الأصوليتين العلمانية والدينية. ونحن نزعم أن كلا الفريقين القابل والرافض كلاهما يفعل ما يفعله من دون فهم طبيعة هذا الأفق، وبصورة أدق طبيعة موقف أصحابه من علاقة الفكرين الفلسفي والديني أحدهما من الآخر. فكلا الفريقين يزعم أن الفكر الغربي الحديث تحرر من المرجعية النصية وأنه فصل بين الدين والفلسفة. والفرق الوحيد بين الفريقين أن العلماني يمدح ذلك، والأصلاني يهجوه. لكن الممدوح والمهجو ليس له وجود في الحقيقة التاريخية وفي المبدعات الرمزية الغربية، ووجوده الوحيد هو في أذهان الفريقين المادح والذام لا غير. لذلك فأول ما ينبغي عمله لفهم معوقات الإبداع عندنا هو تقويم فهم النخبتين لهذا الأفق، وتحرير وعينا منه، تمهيداً لشروط الإبداع عامة والإبداع الفلسفي خاصة. ولما كان هذا الأفق هو النموذج السائد؛ أعني طبيعة تحديده للعلاقة بين الديني والفلسفي بمنظور إيجابي عند العلماني وبمنظور سلبي عند الديني، فإن عملية التحرير الضرورية -دون أن تكون كافية- تتمثل في مساءلة هذين الفهمين، لبيان خصائص هذا الأفق، بتحديد معاني تكوينيته التاريخية، التي لم تنفك مرتبطة بتاريخنا الفكري منذ نشأة الفكر العربي الإسلامي بعد نزول القرآن، ونشأة الفكر الغربي المسيحي الموالي للصدام بحضارتنا[10]. فبرسم سريع يمكن أن نحصر مراحل التحديث الأوروبي؛ مراحله التي حددت طبيعة الصلة الجديدة بين فكره الفلسفي وفكره الديني في خمس مراحل: وُسطاها هي العصر الكلاسيكي أو عصر الثورة العلمية، التي مثلت بداية القطيعة الفعلية مع التاريخ المشترك بين المسلمين والأوروبيين، رغم أن هذه المرحلة دينية التأصيل والدوافع عند كل كبار المؤسسين من الفلاسفة والعلماء في الطبيعيات والإنسانيات. وذلك أمر لا يجادل فيه أحد ممن له دراية بالنصوص المؤسسة سواء كانت فلسفية نظرية (الطبيعيات وما بعدها) أو فلسفية عملية (السياسيات وما بعدها). ففيها جميعا كان التأسيس إضافيا إلى الدين بالإيجاب غالبا سواء كان المقصود الدين النقلي (أي المستند إلى الكتاب) أو الدين العقلي (أي أديان الفلاسفة) [11].                     مراحل التحديث الأوروبي من منظور علاقته بحضارتنا 1. صدام منفعل بالحضارة العربية الإسلامية           القرن الثامن- السادس عشر 2. صدام فاعل /الإصلاح الديني                      القرن السادس عشر 3. عصر الثورة العلمية                                 القرنان السابع عشر-والثامن عشر 4. الثورة الصناعية                                      القرنان التاسع عشر والعشرون 5. العولمة                                               النصف الثاني من القرن العشرين.  
وقبل هذه المرحلة الوسطى أو العصر الكلاسيكي مرحلتان، حكمهما السعي الدؤوب إلى تحقيق الاستقلال عن التأثير العربي الإسلامي خلال التعلم من العرب والمسلمين. فكان التحرر الفلسفي بالعودة إلى اليونان والتحرر الديني بحسم الموقف من مسألة العلاقة الجديدة التي حددها القرآن بين الدين والدنيا: وذلك هو جوهر الإصلاح الديني في بداية القرن السادس عشر الذي لم يذهب إلى حد نفي الكنيسة وإن أخذ بأهم إصلاحات القرآن أعني جعل العلاقة بين المؤمن وربه متحررة من سلطان الوسطاء. ويرمز إلى هذه العلاقة الجديدة التي اكتشفها القرآن وعرفها الغرب عند الصدام بالمسلمين أمران صريحان:  أولهما ذو صلة بالحياة النفسية والعاطفية السوية للأفراد، رمزاً إليها بتحرير الجنس إيجاباً وبتحريم الرهبانية سلباً، وما يشترطه ذلك من إلغاء السلطة الروحية الوسيطة بين الإنسان وربه، بحيث تكون المسألة الروحية مسألة صلة مباشرة بالله بتوسط الصلة المباشرة بالكتاب والسنة. والثاني ذو صلة بالحياة الاجتماعية والسياسية السوية للجماعات، رمزاً إليها إيجاباً بالسعي إلى تحقيق القيم الروحية في التاريخ الفعلي بأدوات التغيير السياسي والاجتماعي، وسلباً برفض الفصل بين غاية الحياة الجماعية أو القيم الروحية وأداتها أو الأدوات السياسية (وتلكما هما مصدرا كل التهم الموجهة لنبوة محمد وأخلاقه). وبعد المرحلة الوسطى أو العصر الكلاسيكي مرحلتان كذلك، قَلَبَ فيها الغربُ العلاقةَ بين الدين والدنيا رأساً على عقب، لكأنه يسعى حثيثا إلى ما دعا إليه نيتشة، فانتقل الأفق من نفي الدنيا باسم الدين، نفيها الغالب على فكر الغرب الوسيط، إلى نفي الدين باسم الدنيا، نفيها الغالب على فكره ما بعد الحديث. والنفي مثل الإثبات في الحالتين لم يحقق الفصل بين الأمرين بل هو أبقى على التلازم بينهما رغم قلب العلاقة. فغاية هذا السعي لن تكون ابتداع نظام جديد غير مسبوق، بل هي على ما يبدو نكوص بالإنسانية إلى ما قبل الثورتين الدينية والفلسفية المؤسستين للكونية الخلقية الإنسانية، أعني إلى الخصوصية الخلقية والثقافية، رغم تحقيق هذا المسعى في العولمة التي هي كونية طبيعية اقتصادية ومحو لكل الروابط الأخرى. ذلك أن الفرق الوحيد بين غاية التطور الغربي وما قبل الكونية الدينية والفلسفية، هو انتقال السلطان الرمزي الذي كان بيد السحرة والكهان والمنجمين إلى صناع الرأي العام في مؤسسات إعلامية وثقافية واستعلامية تخطط للحرب النفسية الدائمة بحيث إن كل القيم تدنت إلى ما يصيب الفن، عندما يصبح أداة دعاية تجارية وتنويم إيديولوجي: العامل الرمزي صار أكثر فاعلية مما كان عليه في المجتمعات النصية؛ لأن أدوات بثه ونشره صارت بقوة لا تضاهيها قوة: كهان اليوم وسحرته ومنجموه يوجدون في « هولي وود » وفي الإعلام الممثلين لأدوات الحرب النفسية الرهيية بيد الطاغوتين الاقتصادي والثقافي العالميين. فالمرحلة الوسطى معلومة للجميع. إنها مرحلة القرنين السابع عشر والثامن عشر أعني قرن الثورة العلمية وقرن التنوير السياسي الخلقي: قرني الشروع في إخضاع الطبيعة والشريعة لمعايير العقل العلمي والفلسفي، تنظيما وتقويماً، مع مواصلة الإيمان بقيم الثورتين الدينية والفلسفية اللتين أشرنا إليهما أي إن الحداثة تستمد كلياتها المعرفية والقيمية التي ستتخلى عنها في ما بعد الحداثة من هاتين الثورتين أصلا لكل كونية. وأما المرحلتان المتقدمتان، فهما مرحلة الصدام المنفعل بالحضارة العربية الإسلامية ثم مرحلة الصدام الفاعل منذئذ إلى استتباب الإصلاح الديني في غاية القرن السادس عشر (حوالي ثمانية قرون تنقسم مناصفة تقريبا بين المرحلتين). وأما المرحلتان المتأخرتان أخيراً، فهما المحققتان لهذا النكوص خلال مرحلة الثورة الصناعية في القرنين التاسع عشر والعشرين، نصفه الأول ومرحلة العولمة التي نعيشها منذئذ. ولعله من المناسب قسمة القرنين الأخيرين مناصفة بين المرحلتين. ذلك أن العولمة التي لم تعلن رسميا إلا بعد نهاية الحرب الباردة بدأت في الحقيقة مباشرة بعد الثورة البلشفية أي منذ أن أصبح الصراع الإيديولوجي عالمي النزعة فعلاً، لا بمجرد القول في بيانات الأحزاب الشيوعية الغربية من منطلق التبشير  بعالمية الاقتصاد الرأسمالي مرحلة معدة للشيوعية. وإذن فالمرحلة الوسطى هي سر كل المراحل، لأنها كانت الجسر الواصل بين العهدين القديم والوسيط مصدراً، والحديث وما بعد الحديث مورداً: وهي كما يعلم الجميع لم تؤسس العصور الحديثة على القطيعة بين الفكرين الديني والفلسفي بل هي أسسته على التلازم الوثيق بينهما على الأقل عند أهم أعلامها. ذلك أنها كانت غاية المرحلتين المتقدمتين عليها، وبداية المرحلتين المتأخرتين عنها، ومن ثم فخصائصها موروثة عن المتقدمتين ومورثة للمتأخرتين. فما كان غاية في الأوليين (=العلم والعمل على علم) بات أداة كل سلطان على العالم والعالمين في الأخيرتين. والمقصود بالحداثة هو المضمون الذي تحددت معالمه في المرحلة الوسطى. لكن تكوينيتها تنسحب على هذه المراحل الخمس. وكلها مراحل ذات أفق ديني إيجاباً وفلسفي سلباً، إلى حدود منتصف المرحلة الوسطى (لأنها مضاعفة: السابع عشر للثورة العلمية والثامن عشر للتنوير). ثم هي صارت ذات أفق ديني سلبا وفلسفي إيجابا منذئذ. فيكون الثابت في كل الحالات هو التلازم بين الفكرين الفلسفي والديني بصرف النظر عن الوصف. وذلك من حيث الأهداف والأدوات وحتى الدوافع والمحركات التاريخية. ولعل أفضل ما يعبر عن ذلك هو فلسفات التاريخ التي تأسست خلال النقلة من المرحلة الوسطى إلى المرحلتين الأخيرتين: فكلها دينية إيجابا (المثالي منها) أو سلبا (المادي منها). ومثلما كانت الحضارة الغربية هي الحضارة الوحيدة التي صمدت أمام الحضارة الإسلامية، صموداً بالأفق الديني المعارض للنظرة الجديدة، التي تمثلها كونيةٌ مبدؤها الأساسي عقيدة جديدة حول العلاقة بين الدين والدنيا (وهو ما يفسر الحروب الصليبية وحروب الاسترداد).  فنحن اليوم الحضارة الوحيدة الصامدة بأفق ديني معارض للغلو في الميل إلى أحد حدّي هذه العلاقة، الميل الذي بلغ مرحلة قلب القيم النيتشوي (وهو ما يفسر الطابع الديني الغالب على حروب التحرير العربية الإسلامية الجارية حاليا). والنوبة القادمة في التاريخ الكوني لن تبقى حكراً على الغرب، بل هي ستقسم العالمين الشرقي والغربي إلى شرق (الصين وتوابعها) وغرب (الولايات المتحدة وتوابعها) أقصيين وشرق (العالم الإسلامي) وغرب (الغرب القديم) أدنيين. ونحن (العرب) في قلب هذه المعادلة.                         
تقسيمات منتظرة للعالم لكننا إلى الآن لم نفعل شيئا إيجابياً بحق، لكي يكون لنا فيها دور يتجاوز مجرد الصمود السلبي، بمقتضى كوننا في قلب المعادلة جغرافياً، (قلب العالم الإسلامي الذي هو قلب العالم) وتاريخياً (التاريخ الإسلامي) وسلَّمياً (منازل البشر في العمران الإسلامي)، ووجودياً (تصورنا الشهودي للعلاقة بين الدنيا والدين نفيا لطبعانية الإنسان الشرقية وتأليهية الإنسان الغربية): كل المقاومات التي تحرك التاريخ العالمي بعد الحرب الباردة إسلامية وكل قياداتها عربية من الفيليبين إلى الشيشان. وهذا الأفق التاريخي هو شرط الإبداع الفعلي الذي يصنع الدور في التاريخ، من حيث هو حدث، قبل الإبداع الرمزي الذي يصنع الدور في التاريخ، من حيث هو حديث. ومن المتوقع -بحسب هذا المآل الذي يبدو أمرا لا مفر منه- أن تصبح الجغرافيا السياسية خاضعة للمنطق التالي: فالشرق والغرب الأقصيان سيلتقيان حول مركز هو المحيط الهادي  بحيث إن أثر أمريكا سينحصر عن الغرب الأدنى والشرق الأدنى اللذين سيلتقيان حول مركز هو الأبيض المتوسط والمحيط العربي والهندي. ويكون الاتصال بين المجموعتين حول المحيط الأطلسي. وبذلك تتحد المعمورة، مع ما سيعود إليها من توازن بفضل هذه الديناميكية الجديدة. وكل ذلك مشروط بمرحلة وسيطة ينبغي أن تكون فيها المبادرة للمقاومة العربية والإسلامية من أجل تحالف مع الغرب الأقصى الذي يمكن من حماية البيضة إلى تحقيق شروطها الذاتية حمايتها من الغرب الأدنى ومن الشرق الأقصى المحيطين بالعالم الإسلامي. ورغم أني لا أقول إن كل الموجود مقصود، بكل ما فيه من حدود، فإن رمز وجودنا الجغرافي هو الجزيرة العربية التي هي شبه قارة تلتقي فيها القارات الثلاث التي صنعت مقومات التاريخ الكوني الحالي، إلى حدود القطيعة التي أشرنا إليها في المتن. وهي ذي نفس الجزيرة تعود إلى الصدارة ليس بسبب البترول فحسب بل لعلل كثيرة ليس هنا محل الكلام عليها، وقد يكون البترول الزائل قريبا أقلها أهمية دورنا في التاريخين الرمزي والفعلي هما تربة الإبداع، إذا كنا فعلا نريد تحقيق شروط التحرر، بدل عكس الأمر فنطلب التحرر قبل الإبداع لكأنه ممكن من دون السعي إليه بأسبابه التي ينبغي.  
أزمة النخب التاريخية
« في أن الفكر الإنساني مشدود دائما إلى قطبين قيميين لا ينفصلان وكل أزماته التاريخية علتها محاولة الاقتصار على أحدهما دون الثاني ». وإذن فما حصل في الفكر الحديث ليس هو القطع مع الفكر الديني، بل هو مجرد قلب للأفق الفكري والوجودي يعكس الحدين الأقصيين، لكأن المرحلة الحالية هي مرحلة قلب القيم النيتشوي. وما يجري في أزمة الحضارة العربية هو بالإضافة إلى المقومات الداخلية التي تدور حول هذه المسألة كذلك انعكاس بيِّن لهذه المعركة الكونية. فقد كان الفكر الفلسفي عامة في وضع الدفاع والمعارضة والفكر الديني عامة في وضع الهجوم والحكم، ثم أصبح العكس هو المحدد بداية من ثورة العلوم الحديثة أعني القرنين السابع عشر والثامن عشر. لكن العلاقة بين الفكرين لا انفصام لها، وهي من ثوابت الوجود الإنساني، كيفما قلبتها وجدت مقوماتها فاعلة في تاريخ الفكر الإنساني، سواء كان شرقيا أو غربيا. ولعل ما يجعل هذه الثابتة لا يدركها  أنصاف المثقفين هو خفاؤها، الذي نتج عن كون كل الفلسفات الغربية الحديثة حققت الوحدة الجوهرية بين الفلسفي والديني في المجالات النظرية فضلا عن المجالات العملية، وخاصة منذ أن تصدر الفكر الجرماني الإبداع والتأسيس فيهما كليهما. ومع ذلك فالصراع بين النخب العربية، الناطقة باسم الفكرين لا ينفك دورانه حول فصام وفصل بين الفكرين، واهمين دون وعي بكون الأمر يتصل بتغير أفق العلاقة بين الفكرين، وليس بالفصام بينهما: ما كان موجبا صار سالباً، وما كان سالبا صار موجباً، لكن القطبين بقي فعلهما ناتجا عن  تقاطبهما، تماما كما في المغناطيس أو في الكهرباء. ولا غرابة فالفكر الفلسفي عند النخب العربية ما زال في المرحلة التي يطغى عليه فيها نقد الفكر الديني، ما يجعله مخضرما بين الأفقين، لا يدري أيهما تعود إليه فاعلية تحديد أفق الفهم والتأويل في مجريات التاريخ الفكري والحضاري، فضلاً عن غياب المرحلة الجوهرية عند من يريد أن يحاكي مسار التطور الغربي، وينسى أن الثورة العلمية والتنويرية ليس لها وجود في زادنا الرمزي، فضلا عن الفعلي. والمعلوم أن الفصام بين الدنيا والدين من الأمور التي سعى القرآن إلى تجاوزها[12]. لكن ذلك لم يمنع من تحقق شروط الفصام الناتجة عن دوافع الصراع بين ممثلي الفكرين: صراع على المنزلة والسلطة وليس صراعاً معرفياً أو قيمياً. إن تأسيس السلطان الروحي وتواطؤه مع السلطان الزماني في الصيغة الفرعونية الهامانية، لم يتأخر نشوؤه في الحضارة العربية الإسلامية مباشرة بعد الفتنة الكبرى، التي هي حرب أهلية صريحة، حول هذه المسألة في المجال العملي السياسي،[13] فاقتضى العودة إلى هذا الفصام بين العالمين الديني والدنيوي. وهو فصام صريح في الفكر الشيعي لما بينه وبين الفكر الكاثوليكي من شبه. لكنه ضمني في الفكر السني وخاصة بسبب تأثير التصوف الذي نافس الفقه على سلطة التوسط بين الحكم والشعب، مغلبا العودة بالدين إلى الخرافة والأسطورة والسحر، ليؤسس لسلطان خفي مطلق. ولذلك فالمتوقع عند النظر إلى الأمور من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية أن يكون الفكر الشيعي في وضعية الصراع الحاد بين العلمانية وسلطة الحق الإلهي، أكثر مما يمكن أن يؤول إليه الأمر في الفكر السني. لكن تأثير الغرب الكاثوليكي في المغرب، أعني مَنْ تأثر من العرب بالنظرة اليعقوبية، أضاف عاملا جديدا في المعادلة، فبات من الصعب فهم ما يجري من المنطلق الذاتي للعرب والمسلمين وحده. وقد بقيت المبادرة التاريخية الفعلية بيد النخب التقليدية، على الأقل خلال حروب التحرير الأولى قبل الخمسينات، وخلال محاولات تجاوز الفشل الذي آلت إليه حركات التحديث العلماني في الوطن العربي بعد الحرب الباردة التي كانت فيها المبادرة للقطبين وآل فيها دور النخب إلى الانضواء في إستراتيجية هذا القطب أو ذلك لا تخرج عنها. ولا يهمنا من هذه الظاهرة إلا وجهها الفكري من حيث وجهيه: التصوري والفعلي أعني ما يكون به التاريخ إنسانيا ولا يبقى مقصورا على قانون التاريخ الطبيعي. فهي تحتاج إلى التفسير في مستوى الفكر الذي هو مطلوبنا في هذه المحاولة دون الحط من منزلة الوجه السياسي. ذلك أن مجرد قرب الحزب الديني من الجماهير يمكن أن يفسر المسألة السياسية، لكنه لا يكفي لتفسير المسألتين الثقافية والفكرية اللتين تبدو النخب العلمانية قد فقدت فيهما المبادرة، لأنها اكتفت من الفكر الحديث بشعاراته ربما لطول قربها من السلطان السياسي. والسؤال الأساسي هو:  هل تكون العِلَّة في احتدام الصدام بين العلمانيين والأصلانيين أن هؤلاء قد تداركوا أمرهم في هذين المستويين الفكري والثقافي خلال إقصائهم من السلطة، فتجاوزا ما كانوا يُعرَفون به من جهل بالحضارة الحديثة، وباتوا قادرين على منافسة الحداثيين في التمكن من قيم الفكر الحديث ومهاراته، على الأقل بمستوى الكفاءة التي كانت للحداثيين الذين كانوا يتصورونه حكراً عليهم؟ ذلك أن الفعل الرمزي لم يتجاوز عند العلمانيين مرحلة رد فعل. ولعل من أبرز علامات تدني فعل العلمانيين الرمزي لجوء أغلبهم إلى أقل أدوات النقد فاعلية أعني الاستفزاز ومجاراة الحرب النفسية الأمريكية على الحضارة العربية الإسلامية. وهذا الفعل من حيث لا يعلم أصحابه يبقيهم تابعين لموضوع الفكر الذي يميز خصومهم، وهو ما يحول دونهم وجعل فكرهم حركة تنويرية إيجابية. لذلك اعتبرنا فكر العلمانيين فكرا دينيا بالسلب: إنه علم كلام متخلف لم يتجاوز  الجدل الخصامي بين النحل والملل، بسبب استبدال مقومي الفكر الحديث بشعاراتهما الإيديولوجية. ومحاولة فهم هذا الموقف الديني بالسلب أرجعته هنا إلى ادعاء علوم معدومة والاقتصار على الكلام باسمها، ومن ثم الكلام باسم الحداثة دون أداتيها الأساسيتين: فبدل العلم والديموقراطية يقتصر العلمانيون على شعاراتهما، حتى إنهم بمجرد أن يعينوا في مسؤولية ما تراهم يتصرفون تصرف المستبد فيعيدون بلادهم إلى إمارة ستالين تماما كالأصلاني الذي يعود بها إلى إمارة طالبان: فلا تختلف إلا الشعارات والاستبداد واحد. وبذلك يتبين أن الأزمة الناتجة عن فساد الأفق التاريخي يحددها عرضان أساسيان هما، ولا شيء غيرهما، يفسران أزمة الإبداع الفلسفي في الفكر العربي الحالي: عرض خلقي تميزت به النخب بصنفيها العلماني حليف مافيات الحكم في الداخل والخارج، والأصلاني حليف مافيات المعارضة في الداخل والخارج، فجعلها تدعي كفاءات اسمية تمكنها من سلطان على كل الأدوات سلطان زيفت به كل القيم: كلها بدون استثناء تستمد سلطانها المزعوم علميا أو روحيا من قربها من سلطان الحكم أو من سلطان المعارضة السياسية وليس من منزلة علمها أو خلقها الرمزية[14]. والمعلوم أن النخب هي في كل المجتمعات بعدة أصناف القيم: أولاها وأكثرها تأثيرا رمزيا هي قيم الذوق (وأصلها الجنس) والثانية أكثرها تأثير ماديا هي نخب قيم الرزق (وأصلها المعاش) لكن تأثير النخبتين يتضاعف بالاستحواذ على سلطان الذوق (فيتحول الذوق إلى أداة سلطة)، وذلك هو السلطان الروحي، وعلى سلطان الرزق (فيتحول الرزق إلى أداة سلطة)، وذلك هو السلطان الزماني، ثم يمتاز البعض من النخب ليكون ناطقا باسم قيم الوجود أو السلطان المطلق على أصناف القيم الأربعة الجزئية لمدار قوله على الوجود الإنساني كله: أعني الدين والفلسفة. وعرض عقلي أصاب المعرفة التي تستعملها النخب لعلاج الأمور تمثل في  أمرين: أولهما هو عدم الفراغ  الفعلي للمعرفة العلمية في كل العلوم المتعلقة بمجالات القيم التي أسلفنا، وخاصة علوم السلطان المطلق. أعني علوم الدين والفلسفة. فالعلوم الدينية تحتاج إلى التأسيس من رأس؛ لأن التقليديين يمضغون تاريخا لم يعد ذا أثر في التاريخ! والتحديثيين يمضغون شعارات ليس لهم منها إلا الأسماء! ذلك أن الفلسفة انحصرت في المواقف الإيديولوجية. أما العلوم الحديثة فهي لا تكاد ترقى إلى مستوى التقنيات البدائية، وذلك بسبب إفساد النخب للمؤسسات التعليمية التي استتبعتها الأحزاب الحاكمة أو المعارضة، فغلبت الوظائف الإيديولوجية للمدرسة على وظيفة المحرك لكل فعاليات العمران: أعني شروط التعاون (أي العلوم الطبيعية وتطبيقاتها) وشروط التآنس (أي العلوم الإنسانية وتطبيقاتها).  
الخاتمة
وحاصل القول وزبدته أن الأفق الوجودي والأزمة الوجودية المترتبة عليها، والأفق التاريخي والأزمة التاريخية المترتبة عليها تبين أربعتها أن العقم الإبداعي عند الأمم هو الذي يفسِّر غياب الحريات ولا يُفسَّر بها، حتى وإن كانت من علاماته.  ذلك أنه بخلاف ما يتصور متسرع المنظرين ليست الحرية السياسية والدينية وحتى الخلقية والاجتماعية شروطاً في الإبداع، بل هي من ثمراته. وبوسع المرء أن يثبت هذه القضية النافية مفهومياً وتاريخياً. فمفهومياً شرط الإبداع هو الحرية الميتافيزيقية التي هي عين القدرة على الإبداع: والحرية الميتافزيقية هي قدرة الإنسان على التعالي على كيانه العضوي المحكوم بعطالة الضرورة الطبيعية. وكل ما عدا هذه الحرية هو من ثمرات فعلها ونتائجه وليس من شروطه ومقدماته. وهذه الحرية الميتافيزيقية هي قدرة يملكها الإنسان بمقتضى كونه إنساناً، ولا يمكن سلبه إياها، وهي تحقق ما عداها من الحريات بما تبدعه من أدوات رمزية (العلوم والفنون) ومادية (تطبيقات العلوم والفنون) فتتحقق الحرية السياسية والدينية والخلقية والاجتماعية. وهذه الحرية الأصلية لا يمكن أن تلغيها معوقات المعاني الفرعية للحرية، حتى وإن كنا لا ننكر أنها تعطلها وقد تلغي قدرتها على إبداع أدوات التحرر الرمزية والمادية والتي من ثمراتها هذه الحريات. وقد سبق أن عولجت هذه المسألة في موقع آخر من جميع جوانبها فلا فائدة للعودة إليها. [15] أما تاريخياً فإن كل شواهد التاريخ تنفي التعلل بالمعيقات السياسية والاجتماعية والدينية لتفسير نضوب الإبداع في حضارتنا وخاصة في لحظتها الراهنة. كل الشواهد التاريخية سواء استمددناها من تاريخنا أو من تاريخ غيرنا من الأمم وخاصة من الغرب الحالي، تبين أنها حجج واهية تخفي العلل الحقيقية، لفقدان فكرنا القدرة على الإبداع. فالكلام عن الحريات السياسية لممارسة الفكر  والحريات الدينية للجرأة على التفلسف كل ذلك من أوهام العاجزين عن الإبداع، فضلا عن إدراك شروطه. لكن هذا التعلل يبين أن الأفق الرمزي الذي يحكم فعالية الإبداع عند النخب العربية والإسلامية لم يفقد شفيفه فحسب، بل إن مقوماته قد اختلطت ففقد هويته الفاعلة، منذ أن بلغت الصدمة مع أوروبا ذروتها خلال سعي الغرب المتدرج للانتقال من الدفاع إلى الهجوم، فآل الأمر إلى افتكاكه المبادرة من المسلمين في جميع مجالات الإبداع[16]  ولم يبق للنخب العربية بصنفيها العلماني والأصلاني[17] إلا رد الفعل والاتباع (من استرداد الأندلس والاكتشافات إلى غاية استعمار الوطن العربي كله: من القرن الخامس عشر إلى بداية العشرين). ولما كان اطلاع هذه النخب بصفنيها على الفكر الغربي في غاية السطحية (فضلا عن الجهل شبه الكامل بطبيعة العوامل الفاعلة في الفكر العربي الإسلامي بمقتضى سيطرة هذا الأفق السطحي) بات فكرها وفعلها محكومين بالأفق الهجين الذي وصفنا، والذي ظنوه أفق الحداثة الغربية، حاصرين إياها في تقديم الإقبال على الهم الدنيوي (مدحا عند العلماني وهجوا عند الأصلاني). هذا الأفق آل بهم إلى فرض الفصام بين المتعاليات الروحية ومحددات الوجود الدنيوي، رغم تنافيه مع فلسفة القرآن، التي تستند إليها المقومات الأساسية في الحضارة العربية الإسلامية. ورغم أن الوهم بأن الفكر الغربي الحديث في قطيعة مع الفكر الديني هو أمرٌ مخالفٌ لخصائصه الجوهرية[18] عند من له اطلاع عميق ودقيق على مراحله الحديثة، فإن حال النخب العربية الإسلامية الحالية يتحدد بهذا الوهم حول مميزاته بالمقابلة السخيفة بين الشرق الروحاني والغرب المادي.     


* ورقة قدمت لمؤتمر: « الفلسفة في الفكر الإسلامي: قراءة معرفية ومنهجية » الذي نظمه المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الأردن بالتعاون مع الجامعة الأردنية ووزارة الثقافة الأردنية يومي 29-30 أكتوبر 2008م. [1]  أكبر أدواء الفكر العربي الحالي وأهم معيقات الإبداع هي تحوله إلى مجرد مجال صراع بين نخبتين متطرفتين أحداهما تنفي الدين باسم الفلسفة والثانية تنفي الفلسفة باسم الدين وكلتاهما حصرت ما تتكلم باسمه في اسمه دون جوهره. فما ظل الفكر يتصور هذين المجالين مختلفين بالجوهر وليس بالشكل فمعنى ذلك أن أصحابه لم يجربوا معنى التفكير أصلا. فما من عالم حقيقي سعى إلى الحقيقة سعيها لم يلامس علاقة علمه المحدود بالمطلق في موضوع علمه بحيث إنه كلما تقدم في العلم أدرك حدوده. وما من متدين صادق في تجربته الروحية لم يدرك الفرق بين مجرد التصور السطحي للدين الذي لا يميزه عن الخرافة والتصور العميق الذي يرى جوهره في طلب الحقيقة التي لا تكون خارج المعرفة الإنسانية المتدرجة وخاصة وجهها الثاني المتمثل في إدراك حدودها ومن ثم في التسليم لعظمة الوجود وخالقه. فيكون العلم السبيل إلى الإيمان الصادق ويكون الدين الدعوة إلى الفهم  والعلم: وذلك هو جوهر المضمون القرآني والمعنى العميق وإسلام الوجه لرب العالمين. [2]  كما في تجليات الفلسفة العربية دار الفكر دمشق وبيروت 2005 أو في إصلاح العقل في الفلسفة العربية مركز دراسات الوحدة العربية بيروت الطبعة الثالثة 2004 أو في شروط نهضة العرب والمسلمين دار الفكر دمشق وبيروت 2002. [3]  ليس هذا عنوانا بل هو القضية التي نسعى إلى إثباتها. وهذه طريقة خلدونية في وضع القضية التي ستكون نتيجة البحث في شكل دعوى thesis يكون البحث سعيا لإثباتها. وهي طريقة تحليلية تنطلق من المشروط إلى الشرط وتعد أفضل طرق البرهان والبحث لأن البرهان التركيبي مشروط بها وهي من ثم متقدمة عليه في البحث والاكتشاف رغم تقدمه عليها في العرض والتعليم. لذلك فسنعمد إلى استعمال هذا الضرب من العلاج فنقدم دعوى كل مسألة من مسائلنا الأربع لنبدأها به. [4]  وكان نفس الاندماج قد حصل في الفكر العربي الإسلامي لكننا لن نتكلم على ذلك في هذه المحاولة لأن الأفق المحدد يعد الاندماج الذي حصل في فكرنا بل الاندماج الحاصل في الفكر الغربي ولا يدركه الفريقان فيتصوران الفكرين منفصلين ولا صلة لأحدهما بالآخر. فالمعلوم أن الفكر العربي الإسلامي هو بدوره محدده هو الفلسفة اليونانية وعلم الكلام الإسلامي بوصفهما محاولات فهم الوجود بالنص والنص بالوجود وخاصة بعد أن اندمجا في ما يسمى بالفلسفة العربية بعد الجدل الطويل الذي كان الغزالي قلبه وكان ابن سينا بدايته وابن رشد غايته من منطلق « تديين » الفكر الفلسفي وكان الغزالي كذلك قلبه والأشعري بدايته وابن تيمية غايته ومن منطلق فلسفة الفكر الديني، بحيث أصبح الفكر العربي متصالحاً فيه التوجهان فكان ابن خلدون بدره. [5]  ليس مطلوبنا هنا التمييز بين الأديان الصحيحة والأديان غير الصحيحة بل ما يعنينا هو بيان القاعدة الرمزية لكل فكر فلسفي سواء كانت هذه القاعدة ديناً صحيحاً أو أساطير أو مبدعات رمزية ليس لها مؤلف معلوم صار القوم يعتبرونها حديث وعيهم الجمعي عن حدث فعلهم الجماعي وفعل ما يؤمنون به من قوى غيبية أو حتى شاهدة. والمعلوم أن الأمم الحديثة صارت تعطي هذه الوظيفة المرجعية لأسطرة تاريخها السياسي والثقافي كما في ما يسمى بالبنتيون الفرنسي قياسا على البنتيون اليوناني. والمسلمون لهم صنفا المرجعية: فلهم المرجعية المقدسة التي هي القرآن والسنة ولهم المرجعية التاريخية التي من أهمها الكلام عن الخلفاء الراشدين وبعض الصلحاء من كل أصناف النخب كالفقهاء والمتصوفة والعلماء والأدباء الكبار وخاصة الشعراء وحتى الخلفاء بعد العهد الراشدي فيكون للمسلمين أيضا بنتيون. [6]  كثرة التسطيح جعلت النخب تتصور التكبيل سلبيا دائما فظنت الحرية في الإبداع الشرط الوحيد، ورفضت دور التكبيل وخاصة دور القواعد والصرامة التي يخضع لها كل إبداع معتبر. فبات الشعراء باسم هذه الحرية رافضين لكل القيود حتى إن أغلبهم اليوم يهزأ حتى من أول شروط التعبير الشعري أعني التمكن من اللغة، فيتصور هذا الشرط الأدنى عائقا. بدأ الأمر بالكلام عن التحرر من الأشكال القديمة باعتبارها قيوداً للإبداع، وانتهي بالتخلص من شرط الشروط في الإبداع الشعري: التمكن من أمرين ليس منهما بد أعني التمكن من فنون اللسان إلى حد مضاهاة كبار المبدعين في الحضارة التي نتكلم على شعرائها، والتمكن من خلجات النفس الإنسانية والتجارب الروحية إلى حد مضاهاة كبار المعبرين عنهما في الحضارة الإنسانية. لكن الشعراء اليوم صاروا عندنا من ذوي المعرفة الغفلة بالنفس الإنسانية ومن ذوي التمكن الابتدائي في اللسان العربي. أغلبهم لا يحفظ بيت شعر واحد، إذ حتى شعره فهو يقرأه مكتوبا على مناديل المقاهي. وقس عليه الروائيين والسينمائيين، ناهيك عن المفكرين الذين يمضغون بعض الأغراض الإيديولوجية ويسمون ذلك فكراً ثورياً، يريدون به أن يحرروا الأمة ليصبح الإبداع ممكناً، بعد القضاء على عوائقه. ولا يرون أن أهم عوائقه هي هم بثقافتهم الهزيلة وذائقتهم الحثيلة. [7]  للمزيد في مسألة الواقع راجع كتابنا عطالة الإبداع عند النخب العربية الدار المتوسطية للنشر تونس 2007 فقد خصصنا للمسألة دراسة نسقية بينا فيها مفهوم الواقع في الفكرين الفلسفي والديني، كما تعين في الحضارات السائدة منذ سبعة آلاف سنة، أعني في حضارات ملتقى القارات الثلاث الوسطى التي تعد حضارتنا عصارتها وزبدتها: آسيا وإفريقيا وأوروبا. [8]  وكل الأصوليات سواء كانت دينية أو علمانية علتها مرض واحد اسمه تصور هذا الفارق قد زال: فهم يأخذون الأعيان على أنها حققت مطلق التصور مما هي عين منه. فلا يرون الفارق بين المثال وتعيناته في الحصول. فأصولية العلماني علتها أنه يتصور الحداثة الغربية- التي هي عين من العمل بما يعلمه العقل هي عين العلم العقلي ومن ثم فعمله يقتصر على تلك العين عندهم. أمَّا أصولية الإسلامي فَعِلَّتها أنه يتصور الأصالة الإسلامية- التي هي عين من العمل بما حدده القرآن- هي عين قيم القرآن ومن ثم فهو يقتصر على تلك العين عندهم. فيكون كلا الفريقين قد وثَّنَ مُثُلَه العليا وتصورها محايثة في أحد أعيانها لا تعلو عليه في حين أنها تعلو على كل تعين مهما كان كاملا، ومن ثم فهو يحكم على نفسه بالتقليد الدائم لهذه العين: وذلك هو معنى السلفية عندما يموت ما فيها من سلف أي سبق دائم وريادة (المعنى الأصلي للسلف) سواء طبقناه على الأصولية الدينية، أو على الأصولية العلمانية. [9]  المرزوقي، أبو يعرب.عطالة الابداع عند النخب العربية، تونس: الدار المتوسطية للنشر، 2007، والكتاب  متوافر في عدد من المواقع على الشبكة العتكبوتية الدولية. [10]  ليس في هذا المنظور مركزية عربية إسلامية ولا خاصة رداً على المركزية الأوروبية، بل هو سعي إلى وصف ما حصل فعلا في تاريخ العلاقة بين الحضارتين والفكرين، حتى نتحرر من المركزيتين ومن علاقة الفعل ورد الفعل المرضية. ذلك أننا من منظور إسلامي نسلم بأن الحضارات ليست أرخبيل جزائر بل هي متواصلة دائما وكل منها يتصل بالأخرى بمعيار التصديق والهيمنة إذا كان سويا حتى عندما يغلب على العلاقات الشكل الصدامي والحرب. [11]  ويكفي أن نذكر أعلام هذه الثورة الثلاثة الرئيسيين أعني ديكارت ولايبنتس ونيوتن ناهيك عن باسكال. فثلاثتهم كانوا صريحين في تأسيس فكرهم على معتقدات دينية يعتبرونها أساس نسقهم الفكري ونظرياتهم العلمية. ولم يكن ذلك أمرا شاذا فقد كان سمة العصر وهو من توابع الحركة الإصلاحية التي عمت الدين والعلم والفلسفة والعمران. ويمكن أن نضرب أمثلة من كل الكبار في العصر الكلاسيكي حتى ممن يتصورهم البعض ملحدين. فإلحادهم لم يكن نفيا للدين بل كان قولا بالدين الكوني الذي هو دين وحدة الوجود كما هي الحال في فلسفة سبينوزا مثلا. [12]  وهو أمر يعجب المرء أنه يوجد من يجادل فيه، وفي معنى العلمانية الإيجابية التي تنتج عنه، رغم أنه لم يفت حتى هيجل الذي لا يخفى على أحد تحامله على الإسلام، فهو يسلم في الباب الرابع من فلسفته في التاريخ، الفصل منه المتعلق بالمحمدية، أن الإسلام -حتى وإن حكم عليه بالفشل لما يتهمه به من التجريد-كان يسعى إلى جعل القيم ذاتها متحققة في التاريخ والواقع، متجاوزا الفصام بين العالمين الديني والدنيوي، ومن ثم محققاً للقيم في العالم، وهو معنى العلمانية الحقيقية، أي إنها تعني العالم الذي تتحقق فيه القيم فلا يبقى مصاباً بالفصام، بين قيم العقل التي هي عينها قيم الدين والواقع الذي ليس له من معنى إنساني يتجاوز الحيوانية إلا بهذه القيم المتحققة فعلاً، لا المقصورة على مجرد المعتقد في الضمائر. والفعل المحقق لهذه القيم في التاريخ الفعلي هو ما يسميه الإسلام بالجهاد من أجل تحقيق القيم ومنها السياسة بمعناها السامي كما في مفهوم الاستخلاف واستعمار العالم القرآنيين، وتلك هي العبادة التي تجعل الأنبياء الذين اتصفوا به يلقبون بأولي العزم من الرسل. [13]  فالفتنة الكبرى أو الحرب الأهلية كان مدارها كما فهمه الغزالي في فضائح الباطنية وابن خلدون في المقدمة حول طبيعة أساس الشرعية ما هي. فالأغلبية أو السنة اعتبرت مسألة الحكم مسألة مصالح عامة وأرجعتها إلى مسؤولية الجماعة فاختارت الحكم المدني الذي يستمد الشرعية من الاختيار أو البيعة (وهي تقبل عدة درجات من بيعة النخب وتسمى بيعة أهل الحل والعقد، إلى بيعة الكل، وهي البيعة الديموقراطية). والأقلية أو الشيعة اعتبرت مسألة الحكم مسألة عقيدة فاختارت الحكم الديني أو الثيوقراطي الذي يستمد الشرعية من الوصية، ومن ثم حصروها في آل البيت. وهذه المسألة هي الترجمة العملية للقضية النظرية التي تتعلق بطبيعة التقاطب بين النقل والعقل أو بين الدين والفلسفة. [14]  لست أجهل الرد السهل على وجهي المسألة: وجه التمييز بين الإيديولوجي والمعرفي ووجه التمييز بين السياسي والفكري. لكني سأقتصر على الوجه الثاني، لأنه هو قصدي الأول في هذه المحاولة، ولأني بصورة أكيدة أرد الأول إلى الثاني. فالمميز الأساسي للفكري عن السياسي ويتبعه المميز الأساسي للإيديولوجي عن المعرفي معياران أولهما هو المباشرة وعدم المباشرة من حيث طبيعة الفعل والثاني هو المدى القصير والمدى البعيد من حيث محددات التحليل. فالسياسي محكوم بالنجاعة العاجلة الآن وهنا، لاعتماده على المفعول المباشر والذاكرة القصيرة للأثر عند الرأي العام المؤلف ممن يرون المفعول سواء كانوا مستفيدين منه أو ضحاياه فيكون لرد فعلهم أثر عليه. في حين أن الفكري يهمه المدى البعيد والتأثير البطيء وغير المرئي، ومن ثم التأثير الذي قد لا يراه الرأي العام رغم أن نتائجه أكبر وأهم. ولهذه العلة فإن الفكر العربي الحالي بكل أصنافه سواء كانت أصولية أو علمانية مقصور نظره على المباشر وقصير المدى لارتباط فكر نخبه بالسياسي والإيديولوجي. قضايا الفكر والعلم عندها ليست أمورا ذات فاعلية ذاتية بل هي تستمد فاعليتها من الصيت الكاذب المتكئ على السلطان الوحيد الذي يعترفون به ويستمدون منه قوتهم للسيطرة على المؤسسات التعليمية والثقافية فيكونوا أكثر استبدادا من الحكام أنفسهم: لذلك فسلطانهم من جنس سلطان هامان المساند لسلطان فرعون. والتفسير الوحيد لحدة الصراع بين أغلب الأصلانيين والعلمانيين من المثقفين لا علاقة له بالمسائل المعرفية أو القيمية، بل هو مقصور على التنافس على الحظوة لدى السلطان الحاكم أو المتربص بالحكم. [15]   المرزوقي، أبو يعرب، وتيزيني، الطيب. آفاق فلسفة عربية معاصرة، دمشق، وبيروت: دار الفكر 2001. [16]  لذلك فالتاريخ العربي الإسلامي لا يمكن أن يفهم إلا إذا قدمنا في تحليله وتأويله العامل الدولي على العامل الداخلي: إنه تاريخ الكونية بامتياز. فكتابه المؤسس كوني الدعوة وكوني العلاج يبدأ بحسم الأمر مع الماضي الإنساني بمنهج التصديق والهيمنة ويشرع في حسم الأمر مع المستقبل بمنطق الاجتهاد والجهاد، لأن الرسالة لم تكن مقصورة على شعب بعينه، بل هي موجهة إلى العالمين، ومن ثم فهي بالأساس فتحٌ غايته دينية وأداته سياسية ومجال فعله كل المعمور من الأرض. والأفق الذي حدده بمنهج التصديق والهيمنة هو الذي كان مدار صراعه مع الغرب الذي كان قد صار مسيحياً بالمعنى القديم، ثم بدأ تقريبا في نفس العصر الإسلامي يصبح مسيحياً بالمعنى الجديد، الذي آلت فيه قيادة الحياة الروحية والسياسية الغربية إلى شعب بدائي له بكارة الشعب العربي وعزيمة قبول التحدي الإسلامي، في أوروبا أولا ثم في الشرق نفسه خلال الحروب الصليبية وحروب الاسترداد: جرمان أوروبا. وفي الجملة فإنه لا توجد لحظة واحدة من التاريخ الإسلامي ليس الخارجي فيها متقدما على الداخلي: السياسة الدولية متقدمة على السياسة المحلية لأن السياسي والديني بالمعنى الإسلامي يتعلقان بالإنسان من حيث هو خليفة في الأرض وليس بجنس معين. [17]  اختيارنا لمصطلح أصلاني ليس بسبب الإتباع مع علماني ولا حتى حبا في صك المصطلحات بل لأن مصطلح أصولي مستعمل قديما نسبة إلى علم الأصول. فكان من الضروري إذن أن ننطلق من مفهوم الأصل لا الأصول التي تضمر وجود علم في النسبة التقليدية ونشتق منها على وزن فعلان مع النسبة.(علم = علماني، أصل = أصلاني) [18]  فسواء اعتمدنا على فكر مؤسسي الفلسفة والعلم الحديثين في العصر الكلاسيكي أو أصحاب فلسفة التنوير أو خاصة فلسفة المثالية الألمانية والرومانسية كل ذلك جوهره متصل وثيق الاتصال بمسائل علم الكلام واللاهوت المسيحي سواء كان كاثوليكيا أو منتسبا إلى حركة الإصلاح الديني. وما يسمى بالفلسفة المادية رغم هامشيته هو نفسه كان ذا أفق ديني على موضوعا مفضلا لنقدهم نقدا حدد فكرهم بالتضايف مع الفكر الديني، فحتى القائلين بوحدة الوجود فإنهم كانوا لاعالميين أي إن الحقيقة هي بالذات الجوهر الإلهي وليس العالم الطبيعي.

 
 (المصدر: موقع « الملتقى الفكري للإبداع » (لبنان) بتاريخ 8 نوفمبر 2008)
 

 

اهتمام مغربي رسمي بالطرق الصوفية كوسيلة لمحاربة التطرف

الرباط (رويترز) – عاد الحديث بقوة عن دور التصوف والزوايا (مقار تجمع الطرق الصوفية) وعلاقتهما بالسلطة في المغرب الى بؤرة التركيز بعد أن أبدت الدولة اهتماما زائدا بالطرق الصوفية مؤخرا. فهناك فريق يرى أن الدولة تستعمل الطرق الصوفية لاعادة ارتباط المغاربة بما يعرف باسم « الاسلام الشعبي » الذي افتقدوه أمام هجمة الاسلام المتشدد القادم من الشرق والذي زاد من انتشاره وسائل الاعلام خاصة الفضائيات والاقراص المدمجة. وهناك فريق آخر يرى أن اهتمام الدولة بالتصوف يأتي في اطار من الاستمرارية والتجديد لصيانة تراث ديني ثقافي ان وجد « فهو مؤهل لعلاج الغلو. » جاء في رسالة وجهها العاهل المغربي محمد السادس في 19 سبتمبر أيلول الماضي الى المشاركين في الدورة الوطنية الاولى للقاء (سيدي شيكر للمنتسبين للتصوف) « انكم في لقائكم هذا كطائفة واحدة مشربكم واحد وقصدكم واحد.. خدمة الدين والوطن. أما خدمة الدين فمنهجكم القويم فيها يتمثل أساسا في الاعتصام بالكتاب والسنة واشاعة العلم وتهذيب النفس بالاكثار من الذكر.. « وأما خدمة الوطن فتتمثل أساسا في القيام بالواجب نحو الامامة العظمى التي تمثلها امارة المؤمنين والحرص على خصوصيات المغرب الثقافية حتى لا تضمحل تحت تأثير كل المشوشات الدخيلة. » والعاهل المغربي هو أمير المؤمنين حسب الدستور المغربي. ويدرج منار السليمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط المساجد والحركات الصوفية في اطار « الاسلام الشعبي أي أنه مرتبط بالبنية الاجتماعية للمجتمع. » ويقول السليمي ان « طبيعة نظام الحكم في المغرب الوراثي كان لابد لها أن تتعامل مع الزوايا (المساجد) في اطار الاسلام الشعبي بحيث كانت تلعب الزوايا دور التأطير وادماج الفئات الضعيفة وفئات المعدمين في المجتمع. » لكنه يضيف أنه في مرحلة ما بعد استقلال المغرب 1956 « الزوايا لم تعد تثير الاهتمام على مستوى النقاشات السياسية كما في السابق لعدة أسباب من بينها أنها لم تطور أدواتها مما جعل خطابها يفشل في الصمود أمام غزو الاسلام المتشدد القادم من الشرق مع بداية ثمانينات القرن الماضي بعد الثورة الاسلامية الايرانية بالاضافة الى تيارات أخرى كالسلفية الوهابية التي شجعتها الدولة في البداية لضرب التيار الشيعي. » ويقول محمد ضريف المحلل السياسي المتخصص في الحركات الاسلامية لرويترز « بدأت الدولة تستعد لمواجهة المد الاسلامي المتطرف وهي مرحلة بعد العام 1979 تاريخ الثورة الايرانية وبدأت تلعب على تناقضات الحقل الديني اذ استعملت التيار السلفي الوهابي لمواجهة التشيع. » وأضاف « لكن في العام 2001 بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة تبين للدولة أن الخطر قادم من التيارات السلفية.. هنا بدأت (الدولة) تفكر في اعادة توجيه دور الزوايا. » ويتفق معه السليمي في أن هذه المرحلة « تقوى الاسلام المشرقي وبدأت نزعات التطرف وشرعت الدولة في هيكلة الحقل الديني وتشجيع الزوايا للمحافظة على هذه التوازنات. » وبدأ المغرب خطة لاعادة هيكلة الحقل الديني بعد تفجيرات الدار البيضاء الانتحارية لعام 2003 التي أشارت فيها السلطات باصبع الاتهام الى جماعات اسلامية متشددة وخلفت 45 قتيلا بمن فيهم 13 انتحاريا الذين فجروا أنفسهم. ويقول المغرب ان خطة اصلاح الحقل الديني ليست مرتبطة بتفجيرات الدار البيضاء الانتحارية. ويقول محللون ان خطة الاصلاح الديني في المغرب بدأت بعد الثورة الاسلامية في ايران وتخوف المغرب من امتداد تاثيراتها اليه. لكن تفجيرات الدار البيضاء سرعت من وتيرة الاصلاحات لاخضاع الدين لهيمنة الدولة. ويرى محللون أن الزوايا أصبح لها طابع احتفالي بعد أن فقدت تاثيراتها وتراجع الدور الذي لعبته عبر التاريخ بدءا من نشر الاسلام الى الدور السياسي وقيادة الجهاد. ويقول السليمي « الفئات الفقيرة المهمشة بدأت تذهب الى الاسلام المشرقي نظرا لانتشار وسائل اعلامه وبثه عبر الشارع في حين بدأت الفئات الارستقراطية وهي أقلية تتجه الى الزوايا لممارسة نوع من التطهير الروحي عن طريق الاذكار والتخشع وكأننا أمام مزاولة نوع من اليوغا. » لكن ضريف يرى ان هذا الاتجاه الجديد للزوايا أي ابتعادها عن السياسة واهتمامها بما هو روحي يصب في مجال اهتمام الدولة اذ تبين لها « أن الاسلام الرسمي ممكن تدعيمه من طرف الحركات المتصوفة لانه يقترب من تصورها. » فعاهل المغرب « هو الذي له الحق في الجمع بين الدين والسياسة. » ويضيف « التصوف أصبح مطلوبا منه أن يقدم تصور الدولة عن الاسلام المنفتح المعتدل الذي لا يتدخل في السياسة. » وفي هذا الاطار يقول أحمد التوفيق وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية لرويترز « التربية على السلوك الصوفي تلتقي مع المجهود المنتظر لاعادة اكتشاف قيم فاعلة لا يجوز أن يجهلها الشباب حتى لا يظن أننا بحاجة الى استيرادها من منابع أخرى. » واذا كان التوفيق يعتبر أن اهتمام الدولة بالتصوف ليس جديدا وانما هو « اهتمام في اطار الاستمرارية والتجديد اذ أن المغرب لا يمكن أن يترك تراثا نفيسا في هويته الدينية يندثر فهو من جهة أخرى يرى أن هذا الاهتمام « مقترن بالسكينة وبالغيرة لذلك فهو مؤهل لعلاج الغلو اليوم كما عالجه بالامس ومن ثم فلا يتعلق الامر برد فعل بل بفعل مستمر. » غير أن هذا الدور الذي تعول عليه الدولة اي معالجة الغلو يعتبره المحللون سلاحا ذا حدين اذ من المفروض أن يكون شيوخ الزوايا « متسيسين » للقيام بهذا الدور. ويقول ضريف « الدور الذي أصبحت تطلبه الدولة من المتصوفة لا يمكن أن يقوموا به الا اذا كانوا متسيسين. » وأشار الى بيان رد فيه الشيخ حمزة رئيس الزاوية البودشيشية على ناديا ياسين كريمة الشيخ عبد السلام ياسين زعيم أكبر تنظيم اسلامي معارض غير معترف به (العدل والاحسان) حينما صرحت لجريدة مغربية في عام 2005 انها تفضل النظام الجمهوري على النظام الملكي. واستنكر الشيخ حمزة من لهم موقف ضد النظام الملكي. ويقول ضريف « اهتمام الدولة بالحركات الصوفية سيساهم في تسييسها وهذا سيخلق لها طموحا وبالتالي تبقى كل السيناريوهات محتملة وممكن أن يخرج التطرف من داخل الزوايا. » (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 8 نوفمبر 2008)


غادة الطويل: ربحت قضية الحجاب فاستأنفت عملها بالتلفزيون

 

السبيل أونلاين – متابعة سمح لمقدمة البرامج التلفزيونية المصرية غادة الطويل في الأسبوع الماضي بالعودة إلى مزاولة عملها بعد غياب استمر ست سنوات، ربحت خلالها قضية رفعتها للحصول على حق ارتداء الحجاب . وقد تحدثت إلى بي بي سي عن معركتها فقالت :  » لقد انتظرت هذه اللحظة ست سنوات، لحظة ارتداء الحجاب أمام كاميرا التلفزيون. لم أبدأ ارتداء الحجاب قبل 2002… بعد أن أدركت أنني أريد القيام بما يأمرني به الله. وبعد صراع داخلي استمر عاما. إن ارتداء الحجاب ينتشر بين النساء أكثر فأكثر، خصوصا هنا. فمن أصل عشر نساء في الإسكندرية لا يتعدى عدد من لا ترتدين الحجاب امرأة واحدة أواثنتين، لذا لست سوى جزء من توجه عام، لم أكن واعية به في البداية. القاهرة مدينة مختلفة، لأنها مدينة ضخمة، وشديدة التنوع. على كل حال عندما ارتديت الحجاب في شهر فبراير/ شباط عام 2002، منعت من الظهور على الشاشة. وكانت العديد من المذيعات قد فقدن عملهن عندما أصررن على ارتداء الحجاب على الهواء. إلا انني والزميلة هالة المالكي كنا أول من رفع قضية أمام القضاء. و صدر لفائدتنا حكمان، آخرهما في يوليو/ تموز 2005. وجاء فيه أنه من حقنا ارتداء ما نرغب في ارتدائه ما دام ليس غريبا. لكن مستخدمينا [القناة الخامسة بالإسكندرية التابعة للدولة] لم يلتزموا بالحكم، إلا مؤخرا. نحن الآن 5 نساء نلبس الحجاب على الهواء. لا أفهم لماذا لا تحب الإدراة أن نرتدي الحجاب. ربما لأنها تعتقد أننا ننتمي إلى جماعة دينية، أو شيء من هذا القبيل. لم يشرحوا لنا أبدا أسبابا معقولة لاعتراضهم. لكن الواقع هو أن الكثير من النساء يرتدين الحجاب. أنا من الإسكندرية، وكمقدمة برامج، أمثل جمهوري أكثر من أي وقت مضى. أنا أقدم برنامج حوار يناقش القضايا الاجتماعية، وهدفه الأساسي هو النساء. وعندما عدت إلى تقديمه الأسبوع الماضي تلقيت مكالمات تهنئة على الهواء! لكن مستخدمي لا يزالون مصرين على منعي من العودة إلى قراءة نشرات الأخبار باللغة الإنجليزية. لقد قمت بهذا العمل لمدة 12 عاما، قبل أن يقرروا توقيفي. وهم الآن يقولون إنه علي أن أجتاز اختبارا جديدا. رفضت على أساس مبدئي. عندما غطيت شعري، لم أفقد قدرتي على قراءة الأخبار. لا أستطيع أن أفهم دواعي هذا المنع. يسمحون لي باستئناف إحدى مهامي، ومنعي من ممارسة أخرى. آمل أن أربح هذه القضية. » الموقع العربي للوكالة البريطانية بي بي سي (05.11.2008) (المصدر: السبيل أولاين بتاريخ 9 نوفمبر 2008)

تصريحات ومشاهد تذكر بغزة في التسعينيات قوات عباس تستعرض دورها في محاربة المقاومة وحماية الاحتلال على التلفزة العبرية ممارسات الأجهزة الأمنية واجهت استنكارا شديدا من ابناء الشعب الفلسطيني (أرشيف) الخليل/غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

 

لمشاهدة الفيلم.. اضغط هنـا http://www.palestine-info.info/ar/default.aspx?xyz=U6Qq7k%2bcOd87MDI46m9rUxJEpMO%2bi1s7JOeUGqjTdGtzWFXFbO6FekjMdTajSklqJ6TdbNklD96nkjOkq60dhSsr%2fbR5ioo5dMP9kGNxX3wRbEKgJB2d6UKLJgZGCl9CHpYslysz%2fsg%3d#1 « الصدمة » هذا أقل ما شعر به الفلسطينيون بعدما تابعوا التقرير الذي بثته القناة العاشرة في التلفزيون الصهيوني حول عمليات الاقتحام والمداهمات، التي تنفذها أجهزة الأمن الخاضعة لإمرة رئيس السلطة محمود عباس لملاحقة أعضاء وأنصار حركة حماس في مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة. وكشف التقرير الذي أعده الصحفي الصهيوني تسفي يحسكلي، والذي سمح له بمرافقة قوات السلطة في إحدى مهماتها لاعتقال أنصار « حماس » ومداهمة مؤسسات الجمعيات الخيرية في الخليل خلال الأيام القليلة الماضية، عن طبيعة الدور المناط بهذه الأجهزة في محاربة حركة « حماس » والمقاومة، وإبعاد المغتصبين الصهاينة وجنود الاحتلال عن الأجندة، لدرجة أثارت استغراب وحيرة الصحفي الصهيوني وثلة من المحللين الصهاينة. استغراب صهيوني وبدا الصحفي الصهيوني يحسكلي الذي جرى استضافته في أستوديو القناة العاشرة العبرية، على هامش عرض التقرير يوم الجمعة الماضي (31/10)، الذي أعده- في حالة ذهول من حجم الولاء الذي أبداه ضباط وجنود القوة الفلسطينية التي انتشرت في الخليل، للكيان الصهيوني وتصميمهم على محاربة « حماس » وغيرها من المنظمات الفلسطينية. وأشار الصحفي الصهيوني إلى أنه رافق القوة الفلسطينية، وشاهد كيف يتم الزج بعناصر « حماس » في سيارات الأجهزة الأمنية واقتيادهم إلى السجون وهم معصوبي العينين والأيدي، احد الضباط الذين تمت مقابلتهم قال بأنه تمت مصادرة كميات ضخمة من الأسلحة والمتفجرات وتسليمها للجانب الصهيوني. وقال الصحفي الصهيوني الذي رافق بالكاميرا نشاطات الأجهزة الأمنية، وهي تداهم وتعتقل أن بعض هذه الأسلحة مسروقة من الجيش الصهيوني، وعلق باستغراب وهو يشهد إحدى أعمال المداهمة الليلية: « بالأمس كنا نحن (جيش الاحتلال) نداهم ونفتش البيوت واليوم « فتح » تداهم وتفتش بيوت « حماس »! ». ويعرض التقرير جانبا مما قامت به تلك القوات من مداهمات وحمل الأسلحة التي سمح جيش الاحتلال بوصولها إليها بعد أن قدمت من جهات عربية وأمريكية وسمح لها بالتنقل بحرية في الخليل عبر الحواجز الصهيونية بعد أن توفرت معطيات جدية عن حقيقة ولائها. مهمتنا حرب « حماس » ويجزم قادة القوة في التقرير أن وجودهم في الخليل ليس له علاقة في رد مستوطنين أو جنود الاحتلال، وأنه ليس من الوارد أن يطلقوا النار أو يستخدموا القوة ضد مستوطنين أو جنود صهاينة حتى لو تعرضوا لاستفزاز منهم. ورداً على سؤال الصحفي الصهيوني يقول الضابط الفلسطيني رمضان عوض وسط استغراب الأول: لا يمكن أن نطلق النار على مستوطنين أو الجنود .. يوجد لدينا أوامر واضحة .. يسأله الصحفي الصهيوني ما هي الأوامر ؟ هل هي إطلاق النار ضد المستوطنين والجنود في حالة الاستفزاز فيرد: « بالتأكيد لا ليست ضد الإسرائيليين من المؤكد لا ، نحن نعرف من سنواجه » في إشارة إلى حركة المقاومة الإسلامية « حماس » وفصائل المقاومة. لا مشكلة لنا مع المستوطنين وضابط آخر يصرح بانه لو امسك بمستوطن صهيوني فسوف يعيده ولن يطلق النار نهائيا، لا علي الجيش ولا علي الشرطة ولا علي المستوطنين حتى لو دخلوا مناطق السلطة الفلسطينية لأن لا مشكلة معهم. وتعهد ضابط آخر أعلى رتبة بتحرير أي جندي صهيوني تأسره فصائل المقاومة وقال: « لن يكون هناك جلعاد هناك وإذا حدث سنحرره بالقوة »، وأشار عدد من جنود القوة في تصريحات للتلفزة الصهيونية عن طبيعة التدريبات التي تلقوها في الأردن بإشراف ضباط أمريكيين. ضابط اعتقل شقيقه ومستعد لاعتقال والده وقال أحد الجنود الفلسطينيين بتفاخر: قبل أيام جاء أمر اعتقال لأخي وهو من « حماس » وشاركت في اعتقاله، لو طلبوا اعتقال والدي الآن سأعتقله، نحن مهمتنا تنفيذ الأوامر .. قالوا اعتقل بنعتقل قالوا اقتل بنقتل ». وأثار بث التقرير وما تضمنها من مواقف وتصريحات ردود فعل واسعة في الشارع الفلسطيني، الذي عبر جزء منه عن صدمته من حجم هذه الاعترافات فيما رأى جزء آخر أن هذه الواقع ما هو إلا انعكاس طبيعي لطبيعة الدور المناط بهذه الأجهزة والمقصود حماية الاحتلال ومحاربة المقاومة. « حماس »: دليل على العمالة مع الاحتلال وأكد الدكتور سامي أبو زهري المتحدث باسم حماس أن جرائم الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية ضد أبناء حركة « حماس » ومؤسساتها هو دليل على مدى تورط هذه الأجهزة في التبعية والعمالة للاحتلال من خلال تنفيذ مخطط ضرب الحركة  وقوى المقاومة تحقيقاً لمصالح   الاحتلال الصهيوني الذي يوفر الدعم لهذه الأجهزة ويزودها بالسلاح ويمكنها من الانتشار في مدن الضفة الغربية ليس لحماية المواطن الفلسطيني وإنما  لمساعدة الاحتلال في ضرب حركة « حماس » مثلما جرى في نابلس وجنين ويجري الآن في الخليل، وأشار إلى أن التصريحات هذه تؤكد ما سبق أن أعلنته حركة « حماس » عن طبيعة دور وأهداف انتشار هذه القوات في مدن الضفة الغربية. ولم تقتصر ردة الفعل المستهجنة والمصدومة بما ورد من مواقف وتصريحات على حركة « حماس » والمواطنين بل طال أطراف من أركان السلطة والمحسوبين عليها. فالوزير والمفاوض السابق زياد أبو زياد انتقد بشدة ما سمعه وأشار إلى أن زوجته قالت في رد تلقائي على ما سمعته إنه لو حدثت اليوم انتخابات لانتخبت حركة « حماس »، على وقع مشاهدتها التقرير الذي تضمن مداهمات ليلية لبيوت مواطنين فلسطينيين والعبث بمحتوياتها وتفتيش الخزائن وغرف النوم أثناء اعتقالات لأفراد من « حماس ». إنزال راية التوحيد وتضمن التقرير عرض لقوات الأمن الفلسطينية وهي ترغم مواطن على نزع راية التوحيد الخضراء عن منزله بدعوى أنها راية « حماس »، كما يعرض اقتياد وتحميل معتقلين بالقوة على سيارات للشرطة وضرب احدهم على عينه . ويستغرب أبو زياد قول أحد أفراد الشرطة : »نحن جيل الأمل .. جيل النور .. جيل الاشراقة الأمنية » .. ويقول: لم ادر من أين أتى بهذه الكلمات الجميلة.. »الاشراق والحياة بشروق الشمس..بالنور والحياة .. أما الاشراقة الأمنية فلا ادري كيف يمكن أن تكون في ظل ما عرضه التقرير ». وأشار إلى التناقض الذي وقع فيه أحد ضباط الشرطة الذي قال أن أول درس تعلموه في الدورة هو حقوق الإنسان، في حين أن ما عرضه التقرير لا يثبت ذلك. لمصلحة من ؟ وتساءل: ما المغزى من بث هذا التقرير الآن بالذات عشية الحوار الفلسطيني – الفلسطيني الذي يجري الإعداد له على قدم وساق ليبدأ بعد أسبوع في القاهرة؟ وما مغزى بث هذا التقرير في نفس الوقت الذي تقوم به حماس بإطلاق سراح معتقلين سياسيين في قطاع غزة وتدعو إلى إغلاق ملف الاعتقال السياسي؟ ومن هو المستفيد الأول والأخير من إثارة الأحقاد وتسميم أجواء الحوار والمصالحة؟. تنفيذ استحقاقات خارطة الطريق مقابل ماذا؟ وأشار الوزير السابق  بأن احدى الالتزامات الصعبة التي على السلطة الفلسطينية أن تقوم بها في إطار تنفيذ المرحلة الأولى من خريطة الطريق هي جمع الأسلحة وضرب «البنية التحتية للإرهاب» (المقصود المقاومة) وتساءل:إذا كان هذا هو ما تقوم به الشرطة الفلسطينية تنفيذا لهذه الالتزامات، فهل تحقق احد من أن إسرائيل تقوم هي الأخرى وبالتزامن بتنفيذ الالتزامات المترتبة عليها وفقا للمرحلة الأولى من خريطة الطريق وهي تجميد الاستيطان والانسحاب إلى خطوط الثامن والعشرين من أيلول 2000 وإعادة الحياة الطبيعية إلى الأراضي الفلسطينية والانطلاق نحو تحقيق حل عادل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني؟ وقال : »لا اعتقد أن أحدا تحقق من ذلك فنحن نشهد هذه الأيام وهذه الأيام بالذات تصعيداً بالهجمة الاستيطانية الشرسة في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة منطقة القدس، وإطلاق اليد لعصابات المستوطنين المتطرفين ليعيثوا فساداً في الأرض، ويقوموا بالاعتداءات السافرة ضد أبناء شعبنا الأعزل من السلاح، في حين يقول احد ضباط الشرطة الفلسطينية في التقرير التلفزيوني ذاته..«أن الأوامر الصادرة لنا تقضي بعدم الرد على تحرشات المستوطنين»!! وأضاف :إذا كان الهدف من الأفعال التي قام أفراد الشرطة الفلسطينية باستعراضها أمام عدسة التلفزيون الإسرائيلي والأقوال التي أدلوا بها هو التأثير على الرأي العام الإسرائيلي أو إرضاء المسئولين الاميركان فهل خطر على بال أحد أن هناك أيضا رأي عام فلسطيني يجب أن يؤخذ بالحسبان وهو الأجدر بأن يكون الأهم بالنسبة للقيادة الفلسطينية من الرأي العام على الجانب الاخر؟ مشاهد تذكر بغزة قبل التطهير وأعاد تقرير القناة العاشرة الصهيونية وما تضمنه من ممارسات إلى الأذهان تقرير مشابه عن ممارسات مشابهة بثه التلفزيون الصهيوني في التسعينات حين رافق بالكاميرا والصوت أفرادا من الشرطة الفلسطينية في غزة بقيادة اللواء غازي الجبالي مسئول الشرطة حينها وهي تداهم وتعتقل افراداً من « حماس » لتثبت للاحتلال الصهيوني أنها تقوم بواجبها على أكمل وجه. ويقول أبو زياد : فهل أجدى ذلك شيئاً؟ وذلك في إشارة إلى ما لقيته هذه الأجهزة نتيجة زيادة طغيانها في الرابع عشر من يونيو / حزيران العام الماضي، فهل من معتبر؟!. (المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام بتاريخ 3 نوفمبر 2008)

فشل الحوار الفلسطيني واسبابه

 

 
رأي القدس لم يكن مستغربا، ولا مفاجئا، ان يفشل الحوار الفلسطيني الذي دعت اليه الحكومة المصرية وكان من المقرر ان يبدأ اليوم، فالظرف الداخلي الفلسطيني لم يكن ملائما، ولا الظرف الدولي او الاقليمي ايضا، وجاء التأجيل المفتوح من قبل الدولة الراعية له كنتيجة منطقية حتمية. هناك مجموعة عوامل رئيسية ادت الى فشل الحوار قبل ان يبدأ يمكن ايجازها وحسب اهميتها على الشكل التالي: اولا: هناك ‘فيتو’ امريكي ـ اسرائيلي على اي حوار داخلي فلسطيني، وبالتحديد بين قطبي المعادلة الفلسطينية اي حركتي ‘فتح’ و’حماس’. والقيادة الاسرائيلية خيّرت الرئيس الفلسطيني محمود عباس بين ان يستمر في المفاوضات مع اسرائيل او ينخرط في حوار او اتفاق مع حركة ‘حماس’. وقد اعترف السيد عبد الله الافرنجي عضو اللجنة المركزية في حركة ‘فتح’ بوجود هذا ‘الفيتو’، ولكنه قال ان حركته ستذهب الى الحوار في القاهرة رغما عن وجوده. ثانيا: الحكومة المصرية راعية هذا الحوار لم تكن نزيهة، ولا محايدة، فهي تشارك في فرض الحصار على مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة، وتدمر الانفاق فوق رؤوس اصحابها، وتمنع تهريب كل اسباب الحياة والبقاء الى المحاصرين، بما في ذلك لعب الاطفال والملابس والأحذية، وحتى اضاحي العيد المبارك. وكان لافتا ان الحكومة المصرية انحازت الى حركة ‘فتح’ واتسمت علاقتها بحركة ‘حماس’ بالتوتر منذ توقيع اتفاق التهدئة، حيث شعرت الاخيرة انها تعرضت لخديعة كبرى من قبل الوسيط المصري الذي لم يلتزم بتعهداته بفتح معبر رفح بصورة دائمة. ثالثا: الاجواء لم تكن اجواء حوار بين حركتي ‘فتح’ و’حماس’، وانما اجواء مواجهة، انعكست بصورة جلية في عمليات الاعتقال المتبادلة للنشطاء السياسيين، ورفض سلطة رام الله نداءات مسؤولي ‘حماس’ بالافراج عن 300 معتقل سياسي في سجونها. رابعا: تضمنت وثيقة الحوار الاساسية التي تقدمت بها الحكومة المصرية الى الفصائل المشاركة العديد من النقاط الاشكالية، مثل عدم اللجوء الى المقاومة الا في ظل توافق وطني، وجعل اتفاق التهدئة جزءا من هذه الوثيقة، ولم تستجب الحكومة المصرية للتعديلات التي تقدمت بها بعض الفصائل، وخاصة حركة ‘حماس’، الامر الذي جعل الحوار حول هذه الوثيقة، في نظر الاخيرة، دون اي معنى. خامسا: لم يكن واضحا للمتحاورين ما الذي يمكن ان يقود اليه هذا الحوار في حال نجاحه، وعلى اي ارضية سيستند، فهل سيكون البرنامج التوافقي المنبثق عنه، برنامج مقاومة، ام انه برنامج الاستمرار في حوار غير مثمر مع طرف اسرائيلي يأخذ ولا يعطي، ويستمر في بناء المستوطنات والجدار العازل؟ سادسا: وجود فراغ سياسي في الدولتين الراعيتين للمفاوضات، او بالاحرى في دولة راعية هي الولايات المتحدة، حيث تمر في مرحلة انتقالية لحوالي شهرين بفعل الانتخابات الرئاسية ونصف التشريعية الاخيرة، ودولة منخرطة فيها، اي اسرائيل، حيث تستعد لخوض انتخابات تشريعية بعد اربعة اشهر. السؤال الذي يطرح نفسه حاليا هو: ما الذي سيحدث بعد انهيار امل الحوار الذي علق عليه الكثير من الفلسطينيين آمالا عريضة للخروج من الوضع المأساوي الحالي؟ من المؤكد ان مسؤولية الفشل ستلصق بحركة ‘حماس’ لانها هددت بالمقاطعة اذا لم تتم الاستجابة لمطالبها في تعديل وثيقة الحوار والافراج عن معتقليها في سجون سلطة رام الله، والسماح لأعضاء من قيادتها في الضفة بالخروج والمشاركة في الحوار حتى لا تقتصر المشاركة على ممثلي قطاع غزة. تحميل المسؤولية لحركة ‘حماس’ خاصة من قبل الحكومة المصرية سيعني المزيد من الحصار لأبناء قطاع غزة، والمزيد من التوتر في العلاقات بين مصر والحركة، وانهيار الوساطة المصرية للافراج عن الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط المحتجز لدى ‘حماس’. ايام ‘حماس’ المقبلة ستكون صعبة للغاية، واوضاع قطاع غزة ستكون اسوأ، ولا نستبعد اجتياحا اسرائيليا جزئيا او كليا، بمباركة عربية ومصرية على وجه الخصوص، انتقاما او تذرعا بفشل الحوار. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 نوفمبر 2008)


 

الإدارة الانتقالية لأوباما والأزمة

طارق الكحلاوي (*) بعد الفوز الساحق لأوباما يدخل الرئيس المنتخب مرحلة شديدة الحساسية تمتد من الآن إلى يوم 20 يناير حيث ينظر إليه الناس بوصفه  وجه التغيير ، خاصة أمام توالي أخبار الأزمة الاقتصادية-المالية، في الوقت الذي لا يستطيع فيه (دستوريا) عمل أي شيء من خلال السلطة التنفيذية التي لا تزال بين أيدي إدارة الرئيس بوش. لم يكن التذكير الذي قام به في أول مؤتمر صحافي في شيكاغو يوم الجمعة الماضي بأن ?الولايات المتحدة بلد لا يمكن أن يوجد فيها أكثر من رئيس واحد  مجرد بديهة لا تحتاج التنصيص بل كان جزءا من مقاربة إعلامية حذرة لا ترغب في الظهور كمن يفتك من إدارة الرئيس بوش حقها الدستوري في مواصلة عهدتها لكن تحرص في نفس الوقت على إرسال كل الدلالات الممكنة إلى المشاهد الأميركي بأنه سيقوم بكل ما يستطيع للتحضير بأسرع الطرق لمواجهة الأزمة. من الواضح أننا إزاء وضعية غير عادية. لا يتعلق الأمر بمجرد صور تعبيرية لسلطة انتقالية بدون تأثير واقعي على السلطة التنفيذية. بالإضافة إلى صور المبنى المجهول في واشنطن الذي تحول إلى مركز للمجموعة المكلفة بالتحضير للانتقال، والاجتماع الذي أجراه الرئيس المنتخب يوم الجمعة مع أعضاء فريقه الاقتصادي في قاعة وعلى طاولة تحيل بشكل مباشر على صورة قاعة الاجتماعات الرئاسية في البيت الأبيض، وكذلك المؤتمر الصحافي الذي تلا الاجتماع والذي وضع على منصته لوحة تحتوي صيغة غير مسبوقة بالإحالة على مؤسسة ليس لها وجود مؤسساتي (The Office of the President-Elect)، بالإضافة إلى كل ذلك هناك أبعاد أكثر واقعية لتحركات أوباما الراهنة. إننا إزاء إدارة انتقالية بالفعل وليس صورتها فحسب. إدارة ستعمل بكل جهدها لمنع الإدارة الراهنة من اتخاذ أي قرارات انفرادية في أي مستوى من المستويات بدون لعب دور ما في ذلك. صراع الإرادات هذا بين إدارة راحلة لا تزال في السلطة وإدارة تتحفز للقفز على السلطة تجلى بشكل بالغ عندما أرسل مديرو وزارات كثيرة (من الخارجية إلى التجارة) تعميمات داخلية لموظفيها تؤكد بشكل حازم على ضرورة رفضهم تلقي أوامر أو حتى النقاش إلا عبر  الإدارة الراهنة . كان ذلك في سياق التجاذب القوي بين فريق متضخم مرسل من مقر  مكتب الرئيس المنتخب  في شيكاغو إلى واشنطن لـ  التحضير للمرحلة الانتقالية  والموظفين الكبار في وزارات أميركية لا تقتصر بالتأكيد على وزارة الخزانة.  الفريق الانتقاالي  لأوباما يقوده أقرب مساعديه من الحلقة الضيقة التي كانت متركزة في الأوساط الديمقراطية في شيكاغو مثل صديقة زوجته ومساعدته في الفترة الأخيرة فاليري جاريت و  إستراتيجي  حملته الانتخابية ديفيد أكسلرود. يشرف هؤلاء على عدد غير معروف بعد من الموظفين ينقسمون إلى مجموعات تتعلق بكل الوزارات الأميركية. هذه المجموعات لديها تسمية أخرى أكثر إثارة وتحيل على النزعة الهجومية لـ  الفريق الانتقالي :  الفرق المظلية .  إنزال مظليي  أوباما على إدارات الرئيس بوش في العاصمة واشنطن تم بعد ليلة من انتهاء الانتخابات غير أن عناصر  الفريق الانتقالي  بدؤوا العمل منذ منتصف الصيف الماضي وخاصة بعد حدوث الأزمة المالية. أعلن فريق أوباما نواياه بكل الوضوح الممكن: ليس هناك مجال لأن تتخذ الإدارة الحالية أي قرار حاسم في أي ملف من دون تدخل الإدارة الجديدة. ولهذا تحديدا، وفي موضوع آخر، يجب التقليل من التوقعات التي تحوم بين الأوروبيين حول أهمية القمة المالية التي ستعقد يوم 15 نوفمبر القادم خاصة أن الإدارة الجديدة لن تحاول مناقشة إعادة هيكلة النظام المالي الدولي قبل تحسس خطاها في الإطار الأميركي (رغم أن القمة ستكون تاريخية من زاوية اعتراف  قمة الثمانية  بدخول قوى جديدة خاصة الصين مجال ?دول القمة? في سياق تطوير إطار عمل  قمة العشرين ). وتحديدا ضمن هذا السياق  الانتقالي-الاستعجالي  يجب أن ننظر إلى أول تعيين في إدارة أوباما القادمة. وقد كان اختيار رام إيمانويل في منصب  رئيس مكتب  أوباما محل جدل ليس أميركيا فحسب بل أيضا في بعض الأوساط العربية. من دون شك أن اختيار إيمانويل، عضو الكونغرس من شمال شيكاغو، كان من بين أسرع القرارات لأوباما فهو إلى حد آخر الأسبوع الشخص الوحيد الذي تم التأكد بشكل رسمي من انتمائه ومنصبه في الإدارة الجديدة (وهو الأمر الذي لا يزال إما غامضا أو غير رسمي حتى بالنسبة لقادة  الفريق الانتقالي ). يبقى الآن أن نفهم المغزى وراء اختيار إيمانويل. بعض الأوساط العربية بادرت إلى التركيز على التاريخ الإسرائيلي  لإيمانويل. وهنا لا يبدو أن هناك أي شك في أن سيرة إيمانويل كانت مماثلة للعديد من السياسيين الأميركيين من أصول يهودية بما في ذلك التجند في الجيش الإسرائيلي في شبابه والعمل بوصفه نائبا في الكونغرس (خاصة منذ عام 2003) على التعبير المنتظم عن السياسات الإسرائيلية. وقد كان مثلا من بين النواب الذين رفضوا السماح في يوليو 2006 لرئيس الوزراء العراقي التكلم في الكونغرس بسبب  مواقفه العدائية من إسرائيل . لكن التساؤل الأساسي هنا: هل تم اختيار إيمانويل بالأساس بسبب هذه الخلفية؟ بداية يجب أن نتذكر هنا أن موقع  مدير مكتب الرئيس  هنا بوصفه موقعا إداريا يتعلق بالأساس وقبل كل شيء بتنظيم العلاقات بين الرئيس والكونغرس ولم يعرف في تاريخ البيت الأبيض أي مثال على تدخل صاحب هذا الموقع في صناعة السياسات خاصة الخارجية (كارل رووف مثلا الذي لا يعرف عنه أي مساهمة في صناعة سياسات المحافظين الجدد). أهمية هذا الموقع (الذي يعتبر ثاني أهم موقع في البيت الأبيض ) تكمن في ضمان تطبيق أجندة الرئيس وخاصة التوسط بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في سياق تمرير التشريعات المرسلة من البيت الأبيض إلى الكونغرس (وهي مهمة يساعده فيها خاصة بالنسبة لمجلس الشيوخ نائب الرئيس). وعلى هذا الأساس تحديدا جذب اختيار إيمانويل الكثير من الجدل في الأوساط السياسية الأميركية. يرجع ذلك لسبب أساسي: ما يتم تداوله حول أسلوب إيمانويل المتنطع والحاد والذي يميل إلى محاولة فرض رؤى الحزب الديمقراطي. وهو ما كان إشارة سلبية بالنسبة لبعض الجمهوريين خاصة من جهة وعود أوباما بسياسة ?توحيدية? تتجاوز الخلافات الحزبية التقليدية. الداعمين لاختيار إيمانويل في المقابل يشيرون إلى جملة من المعطيات من أهمها رغبة أوباما في  فرض الانضباط  داخل الممثلين التشريعيين للحزب الديمقراطي بالأساس خاصة أنه قد سبق لإيمانويل أن قاد الحملة الانتخابية للديمقراطيين عام 2006 بـ ?يد حديدية? كما كان اللاعب الرئيس لعملية  إعادة توحيد الحزب  بعد الصراع الانتخابي بين أوباما وكلينتون. انشغال أوباما بالانضباط داخل الحزب الديمقراطي يرجع إلى أن انتصارات الديمقراطيين في الانتخابات التشريعية لم تحقق أغلبية مطلقة للديمقراطيين كما أن المقاعد الجديدة التي اكتسبها الديمقراطيون سترجع إلى نواب وسيناتورات قادمين من ولايات جمهورية  محافظة وهو ما يمكن أن يؤثر على امتثالهم لطلبات البيت الأبيض الديمقراطي. يأتي هذا بعد أسابيع من الأزمة التي خلقها أعضاء مجلس النواب قبل حوالي الشهر عندما رفضوا التصويت على  خطة الإنقاذ المالي  للإدارة الراهنة. تعيين إيمانويل يأتي بالأساس في سياق الخطة الانتقالية الراهنة التي تقوم بإرسال الإشارات المتعاقبة بأن أوباما لن يتساهل مع كل من يقف في طريقه خاصة بالنسبة للتشريعات (وربما القرارات الطارئة حسبما يكفله الدستور) التي يزمع القيام بها حال تسلمه السلطة. وتلخص صورة إيمانويل المتحفز مباشرة خلف أوباما وبشكل متقدم على فريقه الاقتصادي في المؤتمر الصحافي يوم الجمعة إشارة على الطريقة التي ينوي الرئيس المنتخب التصرف بها إذا ما حاول أي طرف كان عرقلة خططه الاستعجالية. لكن إزاء كل صور التصميم والثقة هذه التي يمطر بها الرئيس المنتخب مشاهديه من غير الممكن عدم ملاحظة إشكالات المرحلة الانتقالية خاصة مسار اختيار عناصر الإدارة الجديدة والذي لا يبدو أنه سيكون بالسهولة التي ربما وقع تقديمها قبيل أيام من الانتخابات. وإذا كان الجدل الذي أحاط بتعيين إيمانويل لاحقا على إعلانه فإن الجدل حول بقية المناصب في الإدارة الجديدة أصبح يتعاظم حتى قبل الإعلان عنها. ويمكن ملاحظة أهمية سياسة ترتيب الأولويات الحالية (كلمة السر الجديدة في واشنطن) من خلال تفاوت النقاش حول المواقع الجديدة. إذ يتصدر الجدال حول وزير الخزانة سلسلة الجدالات القائمة الآن (يتم تداول اسمين أواخر هذا الأسبوع بشكل يعكس الاختلاف حول مدى العودة إلى سياسات إدارة كلينتون). الجدال حول المرشحين لمناصب السياسة الخارجية تأتي في درجة ثانية. لكن يجب هنا الإشارة إلى مسألة أساسية: في المقاعد المخصصة للسياسة الخارجية (الدفاع، الخارجية، مجلس الأمن القومي، الاستخبارات القومية، سفير أميركا لدى الأمم المتحدة) يجب البحث عن مدى النفوذ الإسرائيلي (وطبيعته: محافظ جديد أم لا) في الإدارة الجديدة وليس في موقع مدير مكتب الرئيس. يجب الانتظار حتى نهاية هذا الأسبوع حتى يمكن البت في آفاق السياسات الاقتصادية والخارجية وترتيب الأولويات فيها. حتى ذلك الوقت يمكن البدء في تفكيك معطيات الموقع الإلكتروني لـ  الإدارة الانتقالية  الذي يتحلى بصفات موقع رسمي (change.gov) وفيه مؤشرات على أولويات الإدارة الجديدة خاصة منها المتعلقة بالسياسة الخارجية. وفي  الأجندة  لا نجد إلا اسما واحدا يحيلنا على قضايا محددة في الخارج، على الأرجح لارتباطه بقضايا الداخل الملحة خاصة منها الإنفاق المالي، اسم  العراق . (*) أستاذ  تاريخ الشرق الأوسط  في جامعة روتغرز (المصدر: صحيفة « العرب » (يومية – قطر) الصادرة يوم 9 نوفمبر 2008)


من شعبولا إلى هيكل: لا جديد لدى أوباما!!
أحمد التلاوي – صحف القاهرة- « أوباما مسكين جاء ليواجه مأزق سقوط »، « يا سكة الندامة.. يا دنيا الوحوش.. إياك باراك أوباما مايكنش زي بوش ».. رأي واحد بكلمات اختلف مستواها باختلاف قائلها الأولى للمفكر السياسي الشهير محمد حسنين هيكل والآخر للمطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم (شعبولا) وذلك بعد فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت الثلاثاء الماضي. فبعد أقل من أسبوع من انتهاء انتخابات الرئاسة الأمريكية، وظهور نتائجها، بات الشارع العربي أكثر تحفظا في تفاؤله إزاء فوز أوباما، بعد الإشارات التي أرسلتها اختياراته وترشيحاته الأولية لكبار معاونيه في الإدارة الجديدة؛ حيث جاء فيها الكثير من اليهود والجمهوريين، ومن الوجوه التي تدين بالولاء لإسرائيل. المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم الذي اعتاد على تلقف الأحداث السياسية ليلقي في مناسباتها المختلفة أغانيه الشعبية البسيطة شرع في تسجيل أغنية جديدة لمؤلفه إسلام خليل عبرت عن موقفهما من باراك أوباما.  ومن المقرر أن يسجل شعبان الأغنية الجديدة خلال يومين باسم « بوش ابن الـ… » بحسب ما أوردته « المصري اليوم » القاهرية في عدها الصادر اليوم الأحد. طالع أيضا: وعبرت الأغنية بحس سياسي فطري عما رآه محللون ومفكرون عرب، ومن بينهم الكاتب الصحفي المصري محمد حسنين هيكل من أن طبيعة السياسة الأمريكية والنظام السياسي هناك، بجانب طبيعة أوباما ذاته وضعف خبرته بالسياسة الخارجية، لن تسمح بحدوث تغيير كبير في السياسة الأمريكية إزاء القضايا العربية. أوباما وصلاح الدين! وتقول كلمات الأغنية التي احتوت بعض مقاطعها على شتائم في حق الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته: « يا سكة الندامة يا دنيا الوحوش.. إياك باراك أوباما مايكنش زى بوش.. بوش « … » باعنا وضيعنا سنين وأوباما الناس فاكرين هيكون صلاح الدين ». وقالت أيضا في مقطع آخر: « ما هو بوش ابن الـ »… » شعللها في كل مكان.. أفغان وعراق وغزة، وآخرها سوريا كمان.. هيعمل إيه أوباما في مصايب بوش وأبوه ». وفي دعوة للرأي العام العربي بعدم الإفراط في التفاؤل في سنوات حكم أوباما القادمة، قالت كلمات الأغنية: « بلاش من بدري نحلم ليكون الحلم كابوس.. خلينا زى ما احنا ما الهم أخدنا عليه.. راح بوش وجه أوباما إيه يعنى هيحصل إيه.. لسه فلسطين محتلة والحرب في العراق ». كما دعت كلمات الأغنية العرب إلى عدم انتظار « الحل السحري » لمشاكلهم على يد أوباما، وقال مؤلفها: « سلامتك ألف سلامة يا عم عربي عليك.. قاعد مستني أوباما علشان ياخد بإيديك.. ولا بوش ولا أي أوباما تاني هيفكر فيك.. يا عربي مفيش غير إيدك هي اللي راح تحميك ». وقال مؤلف الأغنية الشاعر إسلام خليل أنه كتب هذه الأغنية « لأن العرب يعلقون آمالا كبيرة على الرئيس الجديد »، وقال إنه بعد الانتهاء من كتابتها اتصل بشعبان وأسمعه كلماتها، و »أحاطه علما بمن هو أوباما، ومن هو صلاح الدين »، وأخذ موافقة من شعبان على الأغنية. وأكَّد خليل على أنه سيسجلها خلال أيام وسيصورها بطريقة الفيديو كليب، وستتم الاستعانة بصور أرشيفية مما يحدث في الوطن العربي من قضايا وأزمات. وهدد الشاعر الغنائي بأنه في حال تراجع شعبان عبد الرحيم عن تقديم الأغنية على هذه الصورة خلال أيام، فإنه، أي خليل، سينتجها على نفقته الخاصة، وسيستعين بثلاثة مطربين شعبيين، وسيغنى إسلام معهم، بحسب ما قاله لصحيفة « المصري اليوم ». « المبشر الأسود » وكان الكاتب الصحفي المصري محمد حسنين هيكل قد طرح على مدار حلقتين خاصتين سجلتهما معه قناة « الجزيرة » الفضائية وأذاعتهما نهاية الأسبوع الماضي مجموعة من الآراء بشأن قيادة أوباما الجديدة للولايات المتحدة، قال فيها إن أوباما ضعيف الخبرة في العمل السياسي، وما كان ليفوز في الانتخابات لولا المشكلات الاقتصادية والأمنية التي واجهتها الولايات المتحدة في فترتي حكم الرئيس جورج بوش الابن. وقال هيكل: « أوباما مسكين جاء ليواجه مأزق سقوط »، موضحا أن « الدول الكبرى عندما تسقط لا تتفتت مثل أحوالنا، لكنها تتفكك.. فما هو السبيل إلى أن يستطيع هذا الشاب ليس هو فحسب بل إدارته والقوى المحركة وراءه ربط ما تفكك » من الولايات المتحدة الأمريكية إثر الأزمة المالية الراهنة. وأشار هيكل إلى ما ينتظر أوباما في البيت الأبيض ومدى قدرته على مواجهته قائلا: « القضايا التي ستواجهه هي كيف يستطيع إثبات نفسه؟ هو مرشح مبتدئ وليست لديه قاعدة قوة، وأول ما سوف يواجهه أنه سوف يُمتحن في البيت الأبيض.. يمتحنه المحيطون به من إدارته الذين أتت بهم المؤسسة، سنجد تزاحما على الأماكن، وعلى مواقع التأثير على عقل الرئيس الأمريكي، وهو أمر منتظر من جميع القوى التي ساندت حملته ». ولفت الصحفي المصري المخضرم إلى أن « الرأي العام الأمريكي سار باندفاع عاطفي نحو أوباما، لكن هذا الشعور يختلف تماما عن نوعية المشاكل والتحديات التي سيواجهها في البيت الأبيض، وحدود ما يستطيع أن يفعله حيالها ». وقال هيكل إن هناك جانب تبشيري في خطاب أوباما، وأكد بأن مثل هذا الخطاب موجود في مجلس الشيوخ الأمريكي فعلا، وبدأت الأنظار تلتفت إليه باعتباره « ظاهرة »، مشبها هيكل هذه الظاهرة بظاهرة الدعاة الجدد في العالم العربي. ونفى هيكل أن يكون انتخاب أوباما الأسود البشرة دليل على تحسن الأمور في الولايات المتحدة فيما يخص هذا الجانب، أوضاع الزنوج والملونين في الولايات المتحدة، وقال: « إن كثيرا من زعماء الزنوج أو السود في أمريكا غاضبين جدا من أوباما، حدثني أحدهم في بوسطن قائلا: هذا الراجل سيجهض قضية التمييز العنصري، لدينا مشكلة التمييز العنصري، عندنا مشاكل حقوق حقيقية ». وبحسب هيكل فإن اختيار أوباما ومن قبله كولن باول وكوندوليزا رايس لمنصب وزير الخارجية في إدارتي بوش الابن، أعطى صورة خاطئة عن أن أوضاع الزنوج قد تحسنت في الولايات المتحدة « بينما لدينا مشكلات أكبر بكثير من مجرد أن يُختار رجل أسود للتمويه »، بحسب زعماء الزنوج الأمريكيين كما نقل عنهم هيكل. كما شدد المفكر المصري على دلالات اختيار النائب اليهودي الديمقراطي عن ولاية إلينوي رام إيمانويل لمنصب كبير موظفي البيت الأبيض، باعتباره يهوديا وينحدر من أسرةٍ إسرائيلية، وكان لوالده بنيامين إيمانويل تاريخ طويل في العمل في منظمة « الأرجون » أو « الإيتسل » الصهيونية الإرهابية التي ارتكبت مذبحة دير ياسين الشهيرة. وقال إن ذلك معناه أن السياسة الأمريكية في عهد أوباما ستظل أسيرة رؤية اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة ومصالحه. (المصدر: موقع إسلام أونلاين نت (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 9 نوفمبر 2008)

 

\Home – Accueil الرئيسي

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.