الأحد، 6 مايو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2539 du 06.05.2007
 archives : www.tunisnews.net


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان –فرع القيروان: بيـــــــان الحوار نت تحاور الدكتور المنصف المرزوقي
رسالة اللقاء رقم (17):  فاجعة ستار أكاديمي الصحوة مرت من هنا الوطن: كارثة حفلة « ستار أكاديمي » في تونس.. الأخطر من الكارثة ، محاولة إخفاء اليد المسؤولة عنها الصباح: مأساة التدافع في حفل «ستار أكاديمي» بصفاقس:تفاصيل أخرى … وشهادات إضافية إذاعة صوت الأمة بالبالتوك: ما الذي يحدث في تونس حول مسألة الحجاب؟ الموقف: لا مجال للاستخفاف بذاكرة القضاة محمد فوراتي: سبع سنوات من العطاء… د. محمد الهاشمي الحامدي: الإستراتيجة المفصّلة للصلح والوفاق بين السلطة والإسلاميين في تونس عاشق بوعوني: معالي وزير التعليم العاااااالي تحت قبة ال…برّ الأمان
عبدالوهاب عمري : إعلام حول ما حدث يوم الجمعة 4 ماي 2007: « الله يحكم علينا العقل » خالد شوكات: العقيدة البورقيبية حاضنة الوطنية ومحصنة الشبيبة التونسية أبو يعرب المرزوقي: قراءة نقدية في مقاربة تونسية حول منزلة المرأة في الإسلام (2 من 3) باسط بن حسن: ثقافة حقوق الإنسان و بناء تجارب الحرّيّة   كمال حبيب: مراجعات التيار الجهادي.. المغزى والمعنى الجزيرة.نت: حرب الحجاب تهدد بتقسيم تركيا الشرق الأوسط: الخارطة الحزبية التركية ومواقفها من الأزمة السياسية الحالية.. وأهم وجوهها  برهان بسيس: العلمانية والمسألـة الديموقراطية تركي الحمد: تركيا: حتى لا تكون ديموقراطية بساق واحدة! عصام العريان: اختبار جديد للتوافق بين الإسلام والديموقراطية في تركيا د. رضوان السيد: الإسلاميون الأتراك.. وإسلاميو العرب وباكستان


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


 
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان –فرع القيروان
القيروان في 6 ماي 2007 بيـــــــان
علم فرعنا انه تم إيقاف مجموعة كبيرة من الشباب المتهمين بالسلفية بجهة القيروان ضمن الحملة الأخيرة. وان لم نتمكن من الحصول على هوية العديد منهم نظرا للتكتم الذي يرافق هذه الإيقافات وخوف الأهالي مما يمكن أن  ينجر عن  الاتصال بالمنظمات الحقوقية   ، إلا إننا تمكنّا  من معرفة بعض الأسماء ممن نقلوا أخيرا إلى سجن المرناقية وهم :
– رياض الشعار ، طالب – علي الجهيناوي ، طالب – سامي الجامعي ، تاجر – عبد الرؤوف الشمنقي، قطاع الفلاحة حلمي القداح ، قطاع خاص- – لطفي السويح ، قطاع خاص – رمزي الخلفاوي ، ممرض – هشام العبيدي ، قطاع خاص – ياسين الوصيفي ، طالب – ثامر وحادة ، قطاع خاص كما زار فرعنا عائلة الطالب محمد بن خميس النهاري حيث أعلمتنا والدته  السيدة لطيفة بن سلامة انه تم إيقافه منذ الاثنين 23 افريل 2007 وليس لها علم بمكان أو ظروف إيقافه وإنها اتصلت بمختلف الدوائر الأمنية دون الحصول عن أية معلومة حول ابنها.
وفرعنا الذي يسجل تزايد حالات الإيقاف  ضمن الشباب المتدين في الجهة  يدعو السلطة إلى الكف عن المداهمات و الإيقافات العشوائية واحترام القانون في خصوص ظروف الإيقاف وإعلام الأهل و ضمان حق الدفاع. عن هيئة الفرع الرئيس مسعود الرمضاني


في الذكرى الثلاثين لميلاد أعرق وأكبر منظمة حقوقية عربية وإسلامية وإفريقية

 الحوار نت تحاور رئيسها الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي.

 الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ( 7 ماي 1977 ـ 7 ماي 2007 ) :

 منظمة  ديمقراطية تصارع من أجل البقاء ضد دولة بوليسية.

 

  محتويات الملف : (   من إعداد الحوار.نت ).

1 ــ نبذة عن صراع الرابطة من أجل البقاء.

2 ــ حوار مع رئيسها الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي.

    ما هي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ؟

 ــ ولدت يوم السابع من مايو آيار من عام 1977 بتونس.

 ــ من ظروف النشأة ما يلي :

 .. خروج ثلة من قيادات الحزب الإشتراكي الدستوري بعيد مؤتمر عام 1975 الذي أمضى على صك أبيض ـ دون رجوع إلى الشعب صاحب البلاد والأمر ـ لبورقيبة بتعيينه رئيسا مدى الحياة لتونس. من أبرز أولئك الذين أطلق عليهم فيما بعد إسم  » الليبراليون  » : أحمد المستيري وزير سيادي سابق في حكومات بورقيبة ( داخلية ودفاع ) وحسيب بن عمار. تنادت تلك الثلة مع عدد آخر من الأحرار من خارج الحزب إلى تشكيل نواتاة عمل أهلية مدنية تطامن من غلواء عبادة الزعيم الأوحد وكان من بين تلك الأعمال تأسيس الرابطة.

 .. حصول مواجهات حادة ومحدودة في الوقت ذاته بين تنظيمات وشخصيات يسارية ( مجموعة آفاق وغيرها ) وبين السلطة التي يحتكرها حزب بورقيبة وشخص بورقيبة الأمر الذي أدى إلى نصب محاكمات لتصفية ذلك الوجود وكان اللجوء من بعضهم إلى المساهمة في تأسيس فضاء حقوقي يضمد بعض جراحات الكارثة أو ينشئ ضربا من المعارضة الحقوقية.

 .. كما يكون ـ ربما ـ من ذلك حسن قراءة من أولئك المؤسسين لما ستقبل عليه البلاد من قلاقل إجتماعية وإضطرابات سياسية بسبب رهنها في لحظة حماقة غير مسبوقة لإرادة زعيم واحد أوحد لا معقب لقوله. من ذلك مثلا : حدوث أول ثورة نقابية بقيادة المرحوم عاشور الذي أعلن خروجه هو الأخر ـ بعد ذلك ـ من حزب بورقيبة وذلك فيما عرف بالخميس الأسود أي يوم 26 يناير كانون الثاني من عام 1978 ( أي نصف عام فحسب بعد تأسيس الرابطة ). بعدها جاءت محاولة القذافي ( عبر سلالة مجموعة الشرايطي 1962 : المرغني والشريف ) العسكرية لإحتلال البلاد أو فتحها لفوضى الإنقلابات المدمرة في كانون الأول من العام الموالي 1979.

 ــ الرابطة هي : أعرق وأكبر منظمة حقوقية عربيا وإسلاميا وإفريقيا. وبذلك كانت مكسبا ثمينا مبكرا للبلاد التونسية لولا آلة القمع الحكومية التي رهنت مصير البلاد لحزب واحد ورجل واحد.

 ــ الرابطة عضو بالفدرالية الدولية لحقوق الإنسان.

 ــ توالى على رئاستها كل من السادة :

 .. سعد الدين الزمرلي ( في الأصل مؤسس لحركة الديمقراطيين الإشتراكيين ) وبعد رئاسته للرابطة  » جوزي  » بالتوزير فسمي وزيرا بعد ذلك.

 .. محمد الشرفي ( من أبرز رموز اليسار التونسي ) وبعد رئاسته للرابطة أنعم عليه بالتوزير فسمي وزيرا للتعليم في حكومة بن علي وتمكن من تنفيذ خطة تجفيف المنابع من باب السلطة الواسع وثأر لليسار المتهالك ضد الحركة الإسلامية.

 .. الدكتور المنصف المرزوقي : تولى رئاسة الرابطة في زمن صعب جدا تميز ببداية المواجهة المفروضة ضد الحركة الإسلامية وضد هوية البلاد العربية الإسلامية في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم. وهو القائل بتلك المناسبة :  » لست قابلا للتوزير » في إشارة إلى تعقيم الرابطة أن تلد مناضلا حقوقيا على رأسها ثم يكرم بالوزارة في حكومة قامت على قتل حقوق الإنسان.

 .. المختار الطريفي . يساري معروف ينعي عليه كثير من فرسان الحرية في تونس توخيه الكيل بمكيالين في مسؤوليته الحقوقية على رأس الرابطة تضامنا مع المضطهد إذا كان يساريا وتجاهلا له إذا كان إسلاميا.

 ــ شاركت الحركة الإسلامية في قيادة الرابطة مركزيا بمناضلين حقوقيين هما :

 .. الأستاذ بن عيسى الدمني.

.. المرحوم الشهيد سحنون الجوهري.

 ــ مؤتمرات ومؤامرات :

 .. ظلت مؤتمرات الرابطة تنعقد بإنتظام حتى إندلعت محنة الإسلاميين في ظل رئاسة الدكتور المرزوقي للرابطة فحلت المؤامرات بإسم القانون تارة وبإسم شريعة الغاب تارة أخرى محل المؤتمرات. ( إنعقد المؤتمر الثاني عام 1984 ـ والمؤتمر الثالث عام 1989).

 .. صدر في عام 1992 قانون يستهدف وجود الرابطة التي إعتبرتها السلطة معقلا للمعارضة من ناحية وهيكلا حقوقيا وجبت إزالته تيسيرا لمهمة القضاء على الإسلاميين في جنح الظلام وصمت القبور.

 .. في 13 من شهر يونيو حزيران من العام نفسه 92 رفضت الرابطة القانون الجديد وصدر بالمقابل قانون جديد يقضي بحلها. ثم حدث ما يشبه التراجع عن حلها تحت الضغط.

 .. إنعقد المؤتمر الرابع لها في السادس من شباط فبراير عام 1994 بـ: 348 عضوا في محاولة لإنقاذ الرابطة في ظل بلوغ درجات التوتر أقصى حدها بين قيادة المرزوقي للرابطة وإنحيازه للدفاع عن حقوق الإسلاميين الذين يموتون في مخافر الشرطة واحدا بعد الآخر وبين رأس السلطة نفسه الذي تقابل في وقت آخر مع المرزوقي ( أنظر الحوار المصاحب ).

 .. إنعقد المؤتمر الخامس عام 2000 بعد نجاح السلطة بتحالف مع بعض وجوه اليسار التي قدمت ثأرها ضد الإسلاميين على التفرغ للرسالة الحقوقية في إبعاد شبح المرزوقي عن الرابطة نهائيا.

 .. المؤتمر المحجوب : هو المؤتمر السادس للرابطة وهي ممنوعة من إنجازه منذ شهر مايو آيار من عام 2006 منعا قضائيا ورغم إستبعاد شبح المرزوقي لم تسلم الرابطة في ظل قيادة يساري متهم بإزدواجية المعايير في التعامل مع المضطهدين بحسب لونهم الفكري وإنتمائهم السياسي .. لم تسلم من الأذى ولم يسمح لها حتى بعقد مؤتمرها السادس. أما ما يجري من إرهاب على مقراتها ومناضليها في مختلف فروع البلاد فيحتاج إلى ملحمة لتدوينه لا تقل عن ملحمة الألياذة.

 ــ للرابطة فروع في أكثر مناطق البلاد برغم الحصار المسلط عليها لتصفيتها أو إلحاقها لتؤدي وظيفة خلية محلية من خلايا الحزب الحاكم.


  الرئيس الأسبق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الدكتور المنصف المرزوقي في حوار شامل صريح مع الحوار.نـت

بمناسبة الذكرى الثلاثين لميلاد الرابطة : 7 ماي1977 ـ 7 ماي 2007    

  حاوره : الهادي بريك ـ ألمانيا ( الحوارنت ).

 من هو الدكتور المنصف المزروقي :

 ــ ولد يوم 7 يوليو تموز من عام 1945 بمدينة قرمبالية بتونس.

ــ ولد لأب عرف بمعارضته الشديدة لبورقيبة عاش منفيا في المغرب الأقصى.

ــ زاول تعليمه بالصادقية بتونس ثم بالمغرب الأقصى ثم بجامعة السوربون بباريس.

ــ تحصل على الدكتوراه في الطب عام 1973 من جامعة  » ستارسبورغ  » بفرنسا.

ــ درس علم النفس في الجامعة ذاتها.

ــ عاد إلى تونس عام 1979 وإشتغل أستاذا مساعدا في قسم الأعصاب.

ــ حصل على جوائز علمية وتقديرية كبيرة وكثيرة في الشرق والغرب في مجال الطب.

ــ درس وزاول تجربة الطب الشعبي الجماعي بالصين ثم بتونس قبل وأد التجربة.

ــ إنضم إلى أسرة إدارة جريدة  » الرأي  » الشهيرة في تونس قبل قتلها مبكرا.

ــ إنخرط في الرابطة عام 1980 وأصبح رئيسا لها في نيسان أبريل 1989.

ــ إعتقل مرات عديدة وقضى في السجن الإنفرادي أربعة أشهر بعد تفعيل أقسى حلقات المؤامرة ضد الرابطة في عام 1994 وأطلق سراحه بتدخل شخصي من المناضل منديلا.

ــ طرد من كلية الطب نهائيا عام 2000 بسبب نشاطه الحقوقي.

ــ أسس مع ثلة من رفاق الكفاح الحقوقي المجلس الوطني للحريات في 10 ديسمبر كانون الأول من عام 1997 بمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ــ أول رئيس للجنة العربية لحقوق الإنسان من عام 1997 حتى 2000 ( مقرها باريس ).

ــ نال أوسمة وجوائز تقديرية دولية كبيرة وكثيرة في الشرق والغرب بسبب عطائه الحقوقي.

ــ أسس مع ثلة من رفاقه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية.

ــ ألف عشرات الكتب في مجالات كثيرة حقوقية وسياسية وفكرية فضلا عما لا يحصى من مقالات صحفية باللغات العربية والفرنسية وغيرها.

ــ أعلن ترشحه قبل عقد كامل تقريبا من الزمن لرئاسة الجمهورية في تونس.

  نص الحوار:

 الحوار.نت : مرحبا بك دكتور منصف ضيفا على منبر الحوار.نت.

الدكتور منصف المرزوقي: تحية للموقع بصفة عامة وبصفة خاصة لمن سيشرفوني الآن بمتابعة هذه الأفكار والذكريات والخواطر. 

الحوار.نت : هل من الأنسب في الذكرى الثلاثين للرابطة أن تقبل التهاني لصمودها حية بعد سنوات جمر طويلة حامية أو أن تقبل التعازي لوأدها وذلك بصفتك رئيسا أسبق لها من ناحية وحقوقيا تونسيا ودوليا بارزا من ناحية أخرى ؟

الدكتور منصف المرزوقي: الرابطة تاريخيا أربع محطات : فترة المد من  سنة 1977 إلى سنة 1984 وشهدت انتشارها في البلاد وذياع صيتها …

وفترة المجد من سنة 1984 إلى سنة 1994 وهي الفترة التي أصبحت فيها منارة في البلاد، هذا ما أجبر الدكتاتور عند انطلاق عهده المشؤوم على مغازلتها واستيراد أربعة وزراء منها وهو ما لم يفعله مع أي حزب أو منظمة أخرى.من حسن الحظ توقف مسلسل التوزير لتصبح الرابطة قلعة مقاومة الاستبداد في سنوات الجمر وشوكة في حلق الدكتاتور . أذكر أن صحافيا سألني سنة 1992 كم توجد من أحزاب سياسية في تونس فقلت له حزبان : البوليس السياسي والرابطة…

ثم جاءت فترة الجزر من 1994 إلى 2000 بعد أن سلم  بمناسبة المؤتمر الرابع في فبراير 1994 سبعة أعضاء من الهيئة المديرة -لا أتردد بوصفهم بالخونة – مفاتيح القلعة التي استعصت حيطانها .الطريف  في الأمر أن  هؤلاء الخونة جوزؤوا   جزاء سنمار…

 أخيرا مرحلة إعادة البناء منذ المؤتمر الخامس  سنة 2000 إلى اليوم .

 من نضالها استمديت فكرة المقاومة المدنية وكل ما أدعو إليه أن تنتقل المقاومة من الحقوقي إلى السياسي. الرابطة مدرسة وصمودها مؤشر على ما تقدر المقاومة عليه في مواجهة بعبع الاستبداد . إذن أتقبل كرابطي قاعدي وكرئيس سابق ورئيس شرفي  تهانيكم وأقدمها بدوري لكل الواقفين اليوم في وجه نظام العصابات لفرض بقاء الرابطة واستقلاليتها .

الحوار.نت : ماذا يعني لك أن يصدق القضاء التونسي على منع الرابطة من إنجاز مؤتمرها بعدما وقع منعها من ذلك بالفعل من لدن السلطة التنفيذية ؟ هل أن القضاء في تونس غدا عجينة لينة طيعة في يد السلطة إلى هذا الحد المخزي أم أن الحياة داخل الرابطة نفسها  تستدعي حكما قضائيا مثيلا ؟

الد.المرزوقي : ضلوعه في تصفية الرابطة واحد من الملفات القذرة الكثيرة لسلك لا أبالغ ولا أتجنى أن وظيفته الأساسية  التغطية على الظلم بالقانون…سلك سيحكم عليه التاريخ بكل قسوة لأنه كان ولا يزال سواء   بالتواطيء   أو بالصمت لا أساس العمران كما يريده ابن خلدون وإنما أداة من أدوات الخراب . هذا السلك  مريض إلى أبعد الحدود، مثل باقي أنظمة الدولة ،ويستوجب إصلاحات جذرية تمر بطرد ومحاكمة كل المتورطين في قضايا الفساد والذين حكموا في القضايا السياسية ، وإعادة تأهيل شامل للسلك فيه سن كل التدابير القانونية لفصل كامل وجذري وشامل بين السلطة التنفيذية والقضائية وتحسين رواتب القضاة للتخفيف من إغراء الفساد وتدريس تاريخ هذا القضاء المستغل في مدارس القضاء.

الحوار.نت : تعيب السلطة على الرابطة وكل المنظمات الحقوقية التونسية أمرين : تحولها إلى فضاء إضافي للمعارضين السياسيين الذين يمنعون من إنشاء أحزاب سياسية بما يسيس ويحزب الرسالة الحقوقية وكذلك المسارعة إلى فضح الأخطاء الفردية غير المقصودة دوليا بما يشوش على الصورة الحقيقية للبلاد مرفأ آمنا دافئا قبلة للسائحين والمستثمرين. كيف ينظر الدكتور المرزوقي إلى ذلك ؟

الد.المرزوقي : إنها إزدواجية الخطاب  والهوة بين الفعل والقول لنظام خبيث وساذج في نفس الوقت:.يحرم عليك النشاط الحزبي المستقل ويتباكى لأنك سيست الجمعيات. يتهمك بالتعامل مع الخارج وهو له أكبر عميل. يحتج على تسييس الرابطة وهو الذي أخذ منها رئيسين وكاتبين عامين للوزارة خدمة لسياسته.

 سنة 1989 استقبلني الدكتاتور وكان ما يزال يريد التواصل مع  الرابطة وتحييدها  بوسائل دبلوماسية. أذكر أنه كان يتمتم ويتلعثم وأنني كنت أجد صعوبة لأفهم ما يقول لكنني نجحت في التقاط جملة  » الرابطة تعمل في السياسة » .قلت له وماذا تريدها أن تفعل. هذه منظمة مهمتها مراقبة وضع الحريات والدعوة لتوسيعها وهذه سياسة بالمفهوم النبيل والواسع . لكنها قطعا لا تمارس السياسة كسعي للسلطة لا لشيء إلا لأنها هي نفسها سلطة معنوية. علما وإن السعي للسلطة هو حق طبيعي ومهمة الأحزاب لا مهمة المنظمات المدنية ومنها الرابطة . لا أعتقد أن الرجل فهم شيئا مما قلت ولا شك أن نبرتي أزعجته أكثر من الفحوى . كل ما كان يريد من الرابطة أن تكون أداة تسويق خارجي لصورة دولة ديمقراطية في الوقت الذي كان يؤسس فيه لنظام بوليسي دكتاتوري فاسد. كان وقوف الرابطة في وجه هذا المشروع منطلق الأزمة التي انتهت بحلها في جوان 1992  ثم باحتلالها من الداخل سنة 1994. كان الرجل مقتنعا أنني شخصيا سبب كل مشاكله في تطويع آخر معقل مقاومة .لذلك جرب معي كل أنواع الترغيب والترهيب. مما أذكره أنني خرجت منهكا من اجتماع للهيئة المديرة في ظهيرة صيف 1991 واكتشفت بدهشة طائرا اسودا مرمي على سطح سيارتي ( التي خربوها مرتين وسرقوها أخيرا ) فجذبته  لأرميه في سلة مهملات. ذهلت  لما تحرك  جسمه فقط وبقي الرأس لأنه كان مفصولا بعملية ذبح  تركت سيلا من الدم . كانت الرسالة واضحة فناديت من بقي من أعضاء الهيئة المديرة الذين تجمعوا حول الطائر المذبوح ثم تفرقوا ….والطير على رؤوسهم . همس لي أحدهم « رد بالك الجماعة ما يلعبوش ». هززت كتفي وقلت له الأعمار بيد الله والبقية تعرفونها.

تشويه سمعة البلاد ؟ أغبى تهمة يمكن لنظام كهذا أن يواجه بها خصومه. سبحان الله .. من يشوه سمعة تونس هم الذين نشروا التعذيب والفساد والتزييف أم نحن الذين ندين ونتصدى لكل هذه الموبقات.

الحوار.نت : إذا كانت السلطة قد عجزت إزاء الرابطة على إنشاء رابطة ضرار بمثل ما فعلت إزاء الإتحاد العام التونسي للشغل في منتصف الثمانينات ( إتحاد الشرفاء بزعامة بوراوي ) فكيف يفسر الدكتور الأمر؟ هل يرجع ذلك إلى صلابة المظلة الحقوقية التونسية بمختلف منظماتها ورجالاتها أم إلى شيء آخر؟ وكيف يرى الدكتور بالمناسبة محاولة الحبيب قيزة أخيرا بعث منظمة نقابية جديدة بعيد المؤتمر الأخير للمنظمة الشرعية الأم ؟

الدكتور منصف المرزوقي: استبسلت الرابطة في الدفاع عن نفسها لأنها كانت آخر معاقل الديمقراطيين ولولا خيانة البعض لما سقطت في سنة 1994.

 بخصوص الحبيب قيزة ، أنا مع مبادرته شريطة أن تكون مستقلة.في بداية سنة 2000 كنت من الذين دفعوا الطاهر الشايب إلى الخروج على الاتحاد وبناء الكنفدرالية . تقولون موقف غريب. كلا الغريب هو أن لا ينتبه كل المتشبثين بالاتحاد القديم أنهم يواصلون نفس التفكير الأحادي للحزب الحاكم ( أو بالأحرى المحكوم)  لا حزب إلا حزب الدساترة ومن ثم لا إتحاد إلا إتحاد الشغل و لا منظمة حقوق الإنسان إلا الرابطة. أذكر كم لاقيت من صعوبات من قبل العديد من رفاق الطريق الذين حاولت إقناعهم بضرورة بناء منظمة حقوقية جديدة بعد أن استطاعت السلطة عبر عملائها احتلال القلعة من الداخل والاستيلاء عليها بعد المؤتمر الرابع سنة 1994 . كانوا يقولون لي كيف نترك الرابطة هذا المكسب الوطني وكنت أقول لهم لستم أكثر وفاء للرابطة مني أو حرصا عليها ، لكن  لتذهب إلى الجحيم ،المهم حقوق الإنسان وليس الرابطة . لم اقنع رفاقي بضرورة تكوين المجلس الوطني للحريات إلا بعد ثلاثة سنين وبعد استعمال كل الحجج ومنها أن ولادة المجلس ستكون حافزا لتجدد الرابطة وهذا ما حصل.

  قاعدة القواعد في الفكر السياسي المريض الذي أصبح سائدا عندنا المحافظة على الشقف حتى في  غياب السلعة. ما دافعت عنه دوما أنه إذا عجز هيكل مرحليا أو نهائيا عن القيام بدوره فلنخلق هيكلا جديدا . إنها قاعدة الحياة . انظر كم من نقابة توجد في المغرب أو مصر ويريدون لنا إتحادا صنما في تونس . حتى  الديمقراطيون لا يعون أن حبهم للتنظيم الواحد هو من  بقايا البورقيبية و فكر الاستبداد  في عالم ليس فيه مكان إلا للتعددية. 

الحوار.نت : ينفرد الدكتور المرزوقي بدعوته المباشرة الصريحة إلى رحيل النظام التونسي بدون قيد ولا شرط  وكذلك بدعوته إلى العصيان المدني  وبتحديه السافر من خلال إستخدام قناة الجزيرة لتلك الدعوة ومن خلال رجوعه إلى البلاد بعيد ذلك مباشرة وفي كل ذلك يعيب عليه بعضهم إستخفافه بالمعارضة من حوله لعدم تنسيقه معها وتسببه في أزمة سياسية بين قطر وتونس كما يلوح بعضهم الآخر بأن الدكتور المرزوقي يلقى ضربا من الحماية لا يلقاها غيره بسبب إمتداداته الفكرية وعلاقاته الثقافية بدوائر متنفذة في أوربا. هل يفيد الدكتور المرزوقي قراءنا الكرام بما يوضح الصورة ؟  

الدكتور منصف المرزوقي: هذا بعض من فيض مما يقال بخصوصي . إن سمحت سأغتنم فرصة هذا الحديث لوضع النقط على الحروف.

مما يشاع عني مثلا أنني  مهووس بالطموح للرئاسة. هذا خطأ. فطموحي أكبر من هذا » بكثيييييييير ». طموحي أن يكون لي أمة أفاخر بها وشعب أعتز به و أن أصبح من بين الأبناء والبنات البررة الذين  تفخر بهم الأمة ويعتز بهم الشعب. أما السعي  للرئاسة والوزارة والسلطة بأي ثمن  فلها أساليب وتصرفات اسألوا من يعرفوني هل أمارس أبسط أبجدياتها.

 يشاع  أيضا عني أنني متوتر الأعصاب وثمة من تمنى لي الشفاء من تلفزيونه العظيم . هذا صحيح.

 حقا أنا متوتر الأعصاب و متألم وحزين وغاضب لحالة التفكك والتقهقر والإحباط داخل كل أنظمة للدولة والمجتمع المدني والشعب ككل ، لا استثني المؤتمر من أجل الجمهورية ولا أقلل من مسؤولية أحد ومنها مسؤوليتي.

  نحن أمام حالة تفسخ عام  من أبشع مظاهرها سماعك  التونسيين يحقرون بعضهم البعض  ويسبون بلدهم وشعبهم وكأنهم فقدوا كل أمل فيهم وفيه.  تزيد من آلامي  مأساة الأمة في العراق وفلسطين.أحيانا أضرب أياما عن مشاهدة التلفزيون لا أتحمل ،ليس فقط  عدد الموتى والجرحى في بغداد وغزة، وإنما نبرة المذيع وهو يتحدث عن الأمر كما لو كان يصف الأحوال الجوية ناهيك عن فظاعة  اللامبالاة التي أصبحنا نقابل بها هذه الأخبار الرهيبة. كأنا أصبحنا في حالة متقدمة من التبلد وعدم الإحساس.

 أنا لا أستخف بالمعارضة أنا أقول أنها تحرث في البحر وتضيع وقتها ووقت تونس ولا أريد تضييع وقتي معها. نعم كان موقفي ولا يزال  الطريق ليس معارضة ضغط مؤدبة ومرنة ولطيفة وإنما مقاومة سلمية مدنية صلبة  ومتجذرة  لا تهادن ولا تساوم بخصوص ضرورة رحيل هذا الدكتاتور وعدم تجدد الدكتاتورية.

 أخيرا بخصوص الحماية التي ألقاها من الدوائر المتنفذة في أوروبا. رفضت إلى اليوم طلب اللجوء السياسي لأحافظ على جواز سفري التونسي وعانيت الأمرين كأي مهاجر عادي للحصول على الإقامة ولم أطلب تدخلا من أحد . لم اقبل مليما واحدا من أي طرف. لم أتمسح بأعتاب أي حزب أجنبي.  ينظرون إلي هنا في فرنسا بكثير من الريبة خاصة بعد أن تكلف أولاد الحلال بإشاعة صورة عني بأنني حليف للإسلاميين وقومي  ومتشدد الخ . ربما لا يوجد شخص محاصر في الداخل والخارج مثلي. لكنني لا أهتم فرهاني كان وسيبقى  على شعبي و أمتي لا على طرف آخر. 

الحوار.نت : أليس صحيحا يا دكتور منصف بأن السلطة التي تنعتونها بكل الأوصاف المقذعة انتصرت عليكم أنتم معشر المعارضين والحقوقيين بكل ألوانكم على مدى عقدين كاملين ونجحت في تهميشكم عربيا ودوليا ولم تستجب لأي مطلب من مطالبكم ولو كان إطلاق سراح المساجين السياسيين ؟ لو صارحت قراءنا الكرام : هل تقول لهم بأن العيب في السلطة أم في الظروف غير المناسبة أم فيكم أنتم معشر المعارضين أم في شيء آخر؟

الدكتور منصف المرزوقي: أولا بخصوص ما تسميه الأوصاف المقذعة . مما يشاع عني أيضا  أنني سباب وهذا غير صحيح . لو قلت عن مندلا أنه كذاب ومزيف وفاسد، لكان الكلام شتما ويمكن مقاضاتي عليه أمام أي محكمة عادلة ويكون مآلي أمامها الإدانة. لكنني عندما أقول عن الدكتاتور الحالي الذي يحكمنا أنه كذاب وفاسد ومزيف فإنني أستعمل وصفا دقيقا لرجل  نشر الفساد بكيفية لم يسبق لها مثيل و » انتصر » ب99% في خمس « انتخابات » ووعد بأنه لا ظلم بعد اليوم وأن عهد الرئاسة مدى الحياة قد انتهى فحصل العكس تماما.

 والآن الجزء الثاني من الرد بخصوص الانتصار المبين الذي أحرزه علينا الدكتاتور.

 لكم وله الحق في مثل هذه القراءة إن كان الهدف من السياسة هو التمكن من السلطة. لكن رؤيتي للسياسة ومقاييسي للنجاح فيها  مختلفة.مثالي في النجاح مندلا الذي وصل للسلطة بوسائل شريفة ومارسها بوسائل شريفة وانسحب منها بشرف وفاز ليس فقط بإعجاب ومحبة شعبه على اختلاف أعراقه وإنما بمحبة وإعجاب العالم .هذا الدكتاتور  وصل للسلطة بوسائل غير شريفة ومارسها بوسائل غير شريفة ومتمسك بها بوسائل غير شريفة وهو شخص يجمع الشعب التونسي  على كرهه واحتقاره  ويوم يرحل سترى ماذا سيقوله فيه أقرب المقربين إليه . هل تسمي نجاحا أن يحتقر شعب بأسره رجلا لم يفعل طوال بقائه في السلطة سوى تخريب الصحافة والقضاء والتعليم والاقتصاد والمنظمات المدنية والقيم وكلف مئات الآلاف من التونسيين والتونسيات آلاما رهيبة …كل هذا ليكون له ولعائلته الحق في سرقة المال العمومي والتجبر والتسلط على الناس..إنها حقا لمأساة أن يفشل إنسان على مثل هذا المستوى وعلى مثل  هذا الحجم لا لشيء إلا لأنه لم يكن جديرا بضربة الحظ التي وضعت مصير شعب بين أيديه ..المسكين واع بالأمر  لذلك هو يتسول بكيفية مثيرة للشفقة جوائز وهمية ودكتوراه فخرية مدفوعة الثمن . لكن من يصدق هذا ؟  تسمي هذا نجاحا؟

 وفي المقابل نحن « الفاشلون » تصدينا ونحن  » أربعة قطاطس » لآلة رهيبة استعملت كل وسائل الترغيب والترهيب ونجحنا بلا إمكانيات في منع عملية القرصنة التي حاولها الرجل ونظامه تجاه حقوق الإنسان والديمقراطية  وحافظنا على شرف الشعب ووسعنا دائرة الرافضين وشكلنا قدوة لشعب بحاجة للقدوة ونحن اليوم عبر الأفكار التي نشيع والقيم  التي نمثل لبنات  تونس الغد. هذا الدكتاتور سينتهي هو وعهده كما ينتهي الكابوس وكل من سيأتون بعده سيكون الخيار أمامهم مواصلة نهجه الفاشل أو الاصطفاف على الأفكار والقيم التي نمثلها . صدقني إن قلت لك إنني لن أقايض بكل مغريات الدنيا والآخرة سمعتي بسمعته  نجاحي بنجاحه أو فشلي بفشله.

الحوار.نت : ماهو شعورك وأنت تراقب الانتخابات الرئاسية الموريتانية بتكليف دولي في ثاني إستثناء عربي وإسلامي يرجع فيه الرئيس العسكري إلى بيته بعد سوار الذهب وعلى مرمى حجر منك بلادك تونس ترفل في نعيم التجديد للرئيس الحالي في الانتخابات المقبلة 2009 ؟

الدكتور منصف المرزوقي: شعرت بالتخلف الهائل لبلادنا وكم ضيع لنا هذا الدكتاتور من سنوات. لكنني على ثقة أن تونس ستسترجع عافيتها وحيويتها بسرعة حال رحيل هذا الرجل وأن لشعبنا كل القدرة على تنظيم انتخابات على الطريقة…. الموريتانية. 

الحوار.نت : يعرف الدكتور المرزوقي بموقفه السلبي مما عرف بحركة 18 أكتوبر ويرجع بعضهم ذلك إلى أن الدكتور المرزوقي لئن حطم كل الأرقام القياسية في الشجاعة والجرأة والإقدام فإنه بمثابة أمة برأسه لا يتناسب مع عمل جماعي وهو ما يحمل بذرة خوف عند أولئك سيما أن الدكتور المرزوقي مرشح قبل غيره لتولي مصير البلاد يوما ما. إذا كان بعض من ذلك صحيحا فكيف ترى القضية ؟

الدكتور منصف المرزوقي: في كل مفترق طريق كان السؤال الذي يحدد موقفي هو ماذا يتطلبه الوضع ؟ ما هي مصلحة البلاد ؟ ما الذي تملي علي فعله القيم التي أنادي بها ؟  وقد عملت دوما بمنتهى الإخلاص مع كل الذين شاركوني نفس التوجه ولم أكن إلى اليوم électron libre   وإنما على العكس جزء من مجموعة حتى ولو كانت قليلة العدد.

 الجواب سنة 2005 هو الذي دفع بي لرفض التعامل مع ناس لم يكونوا في كل الحالات يرغبون في التعامل معي.

  الطريف أنه يوجد داخل 18 أكتوبر من حاربوني حربا لا هوادة فيها في بداية التسعينات لأن ردي على السؤال آنذاك كان : هذا النظام  دكتاتورية مقنعة  – يجب التصدي لها بحزم – يجب رفض سحق الإسلاميين فلهم هم أيضا حق الوجود كحركة سياسية وليس فقط كقضية إنسانية . عشرة سنوات وهم يحاربون هذه البديهيات قبل تبنيها بين عشية وضحاها  مثلما يحاربون اليوم بداهة نظام لا يصلح ولا يصلح. كل ما وجدوه التوحد حول مطالب رددناها عشرين سنة ولم تقدمنا خطوة واحدة.

 من لا يفهم سخافة مطالبة عصابات حق عام بمنحنا من فرط كرمها حق الرأي وحق التنظم وإطلاق سراح الرهائن السياسيين والحال أن إنقاذ تونس مما تردت فيه من انحطاط يستدعي وضع حد لتسلطها وبغيها.

 هل تتصور أنه يوجد داخل هذه الحركة من عينه على  » انتخابات » 2009 ؟ إنها والله لمهزلة ومأساة. صدق المثل الفرنسي القائل أنه لا أكثر طرشا ممن لا يريد أن يسمع …. لا أكثر عمى ممن لا يريد أن يرى.

 لكن القضية ليست فقط اختلاف في  تقييم الوضع مع بعض العقول المدبرة لحركة 18 أكتوبر وإنما انتماء لمدرستين مختلفتين تماما. أتركني أضع الإطار النظري ليفهم القراء موقفي.

 السياسة منذ وجدت صراع بين، ومن خلال، ولأجل، وحول جمهرتين : جمهرة المواطنين وهؤلاء بشر يدافعون عن حقوقهم وحرياتهم مهما تكلف الثمن، وجمهرة الرعايا وهؤلاء بشر يسلمون في حقوقهم وحرياتهم مقابل ألا يتعرضوا للضرب,

  السياسة منذ وجدت فاعلان الأول همه الوصول إلى السلطة بأي وسيلة والمحافظة عليها بأي ثمن والثاني همه تغيير المجتمع مهما كلفه الأمر من تضحيات.

 السياسة منذ وجدت طاقتان تحركان كل الفاعلين : طاقة تحرك الطموحات الشخصية في خدمة الطموحات الجماعية  ومن نتاجها البرامج والأيدولوجيا والحماس والعطاء والتفاني ….وطاقة تركب الطموحات الجماعية في خدمة الطموحات الشخصية وهذه تنتج الفساد والكواليس النتنة وحكم المخابرات الخ…

 والسياسة منذ وجدت ستراتجيتان الأولى تحديد الهدف ولو كان الإطاحة بإمبراطورية  ثم وضع الخطط وتجنيد القوى للوصول إليه،  والثانية هي التأقلم مع موازين القوى السائدة ومحاولة تحقيق بعض المكاسب الشخصية والحزبية وإن أمكن العامة  في ظلها.

  وفي آخر المطاف فإن ما تشهده كل ساحة سياسية في كل بقعة من العالم هو صراع  وتمازج كل هذه العوامل القارة المهيكلة نظرا لازدواجية الطبيعة البشرية.

 أنا بكل وضوح من مدرسة…السياسة وضع الطموحات الشخصية في خدمة الطموحات الجماعية / لتوسيع رقعة المواطنين على حساب الرعايا/عبر محاولة واعية لكن دون وهم لتغيير المجتمع/بتحديد أهداف طموحة ومحاولة التجنيد لتحقيقها واعتبار موازين القوى الراهنة آيلة للتغيير لا قضاء وقدرا.

 هناك داخل 18 أكتوبر أشخاص ينتمون لمدرسة السياسة تأقلم مع موازين القوى وسعي لتحقيق مكاسب شخصية وحزبية داخل المنظومة والموضوع ليس تغيير الوضع وإنما تحسينه . هناك أيضا أشخاص أحترمهم وفيهم من أجلهم ،كعميد المناضلين شيخنا علي بن سالم أطال الله عمره، ينتمون لنفس المدرسة السياسية التي أنتمي إليها . لهؤلاء أقول: الطريق الذي اخترتم عن حسن نية مسدود .

   ما يتطلبه وضع تونس من كل من يرى ويسمع  جبهة سياسية – على شاكلة جبهة  المعارضة الموريتانية ضد دكتاتورها  ،  هدفها الأوحد حشد طاقات شعبنا لإسقاط هذا الدكتاتور ونظامه  بصفة سلمية لبناء الدولة الديمقراطية والنظام الجمهوري. لذلك أتوجه إليكم ولكل أبناء  وبنات تونس الذين ما زال لهم عمود فقري من العظم لا من السباقيتي  ، للتعجيل ببناء هذه الجبهة والخروج من حالة ركود المستنقع التي تشهده البلاد حاليا نظرا لغياب المشروع والقيادة  وتجنيد قوى الغضب الهائلة التي تغلي مراجلها بصمت في أعماق شعب أذل بكيفية لم يسبق لها مثيل . إما نكون على مستوى المسؤولية أو  سنفيق قريبا  بين يدي بوليسي  جديد يقول لنا الشعب ناضج للديمقراطية و لا ظلم بعد اليوم ثم ينظم لنا  » انتخابات » تكرس تغيير التغيير أي تواصل الدكتاتورية برأس آخر ليهرع لها الانتهازيون يكررون نموذج الشرفي والدالي.

هذا ما يجب التصدي له من الآن. وفي حالة عدم اضطلاع جيلي بمسؤوليته في تنظيم  المقاومة المدنية وقيادتها  فليتقدم جيل الشباب لتحمل المسؤولية العظمى شريطة ألا يكون نسخة طبق الأصل منهجية ووسائل مع الجيل القديم. المهم مرة أخرى ليس التجميع من أجل التجميع وإنما تجميع القوى المقرة العزم على تسمية الأشياء باسمها وتشخيص الداء أين هو  والعمل على استئصال الورم الخبيث .أما جعل التجميع هدفا والتجميع على الأضعف فهو لعمري عين الهراء.

إنه عار على الشيب وعلى الشباب أن تكون تونس على ما هي عليه ولا تجد من ينصرها ويضحي بالغالي والنفيس من أجلها. 

 الحوار.نت : هناك تحليل يقول بأن الدكتور المرزوقي كأبرز معارض تونسي حرق ما تبقى من سفنه يوم انحاز إلى الإسلاميين بأشكال انحياز مختلفة على حساب نوع من المعارضة التي قد تجد لها موطئ قدم على أرض العمل السياسي المعارض تحت سقف معلوم ويشبهون حالة الدكتور المرزوقي بحالة السيد محمد مواعدة الذي صعق بالضربة القاضية يوم أمضى مع الإسلاميين بيانا مشتركا. من أشكال الانحياز إلى الإسلاميين التي تعاب على الدكتور المرزوقي فتحه لأبواب حزبه ( المؤتمر من أجل الجمهورية ) أمامهم دون قيد ولا شرط. ما الذي أغراك بالإسلاميين؟ ألا تخيفك كثرتهم فضلا عن مشروعهم الثقافي؟

الدكتور منصف المرزوقي: مرة أخرى أراني مضطرا لترديد ما قلته مليون مرة وهو أنني كرئيس رابطة لم أقف بجانب إسلاميين وإنما بجانب توانسة ومظلومين وأنني كنت سأقف نفس الموقف لو كان الضحايا  شيوعيين أو يهود أو حتى دساترة (ولو بكثير من الصعوبة). كذلك أنا لم أقف بجانب حق  النهضة في التواجد لأنها  حزب إسلامي وإنما لإيماني أن  ديمقراطيتنا المنشودة بدون هذا الطرف ستكون ديمقراطية مزيفة. كل هذا في إطار الجهر المتواصل بالمحرم الأكبر في عصر الإرهاب الفكري أي علمانيتي- التي يعتبرها البعض مرادفا لإلحاد-  وبالتعبير العلني على تحفظاتي تجاه ستراتجية النهضة وأساسا موقفها الضعيف  من الدكتاتور وقصر همها على الألف سجين بدل العشرة ملايين.إذن أنا لم أنحاز ولم أصطف ولم يخطر ببالي خلافا لما يعتقده البعض أن أكيف مواقفي أملا في أن يصوت لي الإسلاميون في انتخابات رئاسية ما زالت في طي الغيب. كلا ، كل مواقفي – صدق أو لا تصدق – مبنية دوما على الرد على نفس الأسئلة التي تقودني : ماذا تقتضيه وضعية ومصلحة البلاد ؟ ماذا تأمرني بفعله الآن وهنا قيم العروبة والإسلام وآليات الديمقراطية وحقوق الإنسان؟

بخصوص دخول إسلاميين حزب المؤتمر ، لم لا ؟ نحن لسنا حركة عقائدية وإنما حركة سياسية تريد أن تعكس من جهة تعددية المجتمع ومن جهة أخرى مفهوما جديدا للسياسة وهي أنها عقد حول أهداف مشتركة  تتفق عليها أطراف تحتفظ بحقها في اعتقاد ما تشاء خارج الاتفاق. أليس بديهيا اليوم أن الأحزاب العقائدية مثل الأحزاب العرقية أو الطائفية تنظيمات محملة بالأخطار والتهديدات على الوحدة الوطنية حتى وإن لا أنكر لها الحق في الوجود.   

الحوار.نت : التهديد القاعدي ( نسبة إلى تنظيم القاعدة ) للمغرب العربي أصبح اليوم جديا سواء صحت الرواية الرسمية لأحداث سليمان الأخيرة ( أواخر ديسمبر الفارط 06) أم لا. ألا يرى الدكتور المرزوقي تبعا لذلك بأن تعديلا ما يجب أن يطرأ على خارطة طريق المطالبات والمغالبات بين المعارضة و السلط في تلك المنطقة ؟

الدكتور منصف المرزوقي: نعم  هناك خطر انزلاق بلادنا نحو دوامة العنف لذلك يتحتم  على كل الوطنيين من داخل الدولة والمقاومة المدنية والمجتمع  وضع اليد في اليد لوضع حد للدكتاتورية في أسرع وقت  لأن وجودها بالإضافة لتواصل تخريب الدولة والمجتمع  هو الذي يخلق ويتعهد  كل أسباب العنف . هذا ما بدأ يفهمه حتى  حماة الدكتاتور الأمريكان والفرنسيين بعد أن ظنوا سنينا طويلة أنه  رجل المطافئ والحال أنه مشعل الحريق. كلما بقي هذا النظام  كلما ارتفعت الأخطار وأصبحت مواجهة تبعاتها صعبة ومكلفة.

الحوار.نت : نظرية الطب الإجتماعي لصاحبها الدكتور المرزوقي التي لاقت نجاحا ميدانيا لولا عملية القتل التي تعرضت له من لدن النظام السابق .. هل من أمل في إعادة غرسها في تونس؟ وهل من شروط ذلك قبول الدكتور المرزوقي دخول  » بيت الطاعة  » كأستاذ في الطب وطبيب يستفيد منه المجتمع الفقير أم يؤثر كما فعل زميله الدكتور المنصف بن سالم العمل السياسي طالما أن السياسة في تونس هي التي تخفض وترفع وتولي وتعزل وتقبل وتطرد ؟

الدكتور منصف المرزوقي: من أين جاءتك الفكرة أن مثلي يدخل بيت الطاعة ؟ لن أدخل أي بيت طاعة وسأبقى إلى آخر رمق رافضا لأي مساومة بخصوص حق التونسيين في الحريات الفردية والجماعية والانتخابات الحرة والنزيهة والتمتع بكافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومنها حق الصحة ، ناهيك عن حق كل تونسي في أن يعيش بعيدا عن الخوف والإذلال. نعم ما زال لي أمل في إعادة غرس هذه التجربة وتعميمها لكي تكون الصحة حقا للجميع وليس امتيازا للقادر على الدفع  لكنني  لا أرى الأمر إلا في ظل نظام ديمقراطي .على كل حال لقد قرّ قراري بعدم العودة  لتونس إلا عندما تنهض  كل القوى لتدمير ما تسميه بيت الطاعة لأكون جزءا  فاعلا من حركة التحرر.

الحوار.نت : هل من كلمة أخيرة من الدكتور المرزوقي إلى قرائنا الكرام أو إلى أي طرف آخر يريد خطابه بمناسبة بلوغ الرابطة سن الثلاثين ؟

الدكتور

:منصف المرزوقي : نعم تحياتي وكل عبارات المحبة والإعجاب لأبطال الخفاء ومنهم كل الرابطيين  الذين دفعوا ثمنا باهظا لتجندهم لحقوق أناس لا يشاركونهم بالضرورة أفكارهم …لكل ضحايا القمع الذين لم  تذكر أسماءهم يوما وسائل الإعلام … لعائلات الرهائن  السياسيين – ماضيا وحاضرا- وخاصة النساء أمهات وأخوات وزوجات ضحايا قمع همجي لم تعرف تونس له مثيلا. إنهن مفخرة هذا الشعب لما أظهرنه من وفاء وصبر وصمود. هن حاملات كل القيم التي انحسرت داخل مجتمع استبدّ به السفلة ،ومنهن سيبدأ المد بعد نهاية الجزر. أخيرا وليس آخرا مناشدة من أعمق الأعماق لكل  التونسيين والتونسيات  ألا يقسوا على أنفسهم ، ألا  يحوّلوا غيظهم  إلى إخوانهم فهذا لن يؤدي إلا لاستفحال الأزمة النفسية  والمعنوية والروحية التي تطبق علينا جميعا  وإنما يجب تسليط السخط على المائة فاسد وفاسدة الذين جعلونا نستخف  بأنفسنا وأحيانا – حاشا الله- نكره شعبنا الأسير ووطننا الجريح .

الحوار.نت : شكرا جزيلا للدكتور المرزوقي على ما أولانا به من حوار شامل صريح سائلين له كمال التوفيق و النجاح في عمله.

الدكتور منصف المرزوقي: شكرا لكم وشكرا لقرائكم الذين سيسرني محاورتهم على هذا الموقع أو على موقعي : www.moncefmarzouki.net   

ولا يسع الحوار.نت في ختام هذا الملف بمناسبة ثلاثينية ذكرى ميلاد أعرق وأكبر منظمة حقوقية عربيا وإسلاميا وإفريقيا إلا أن ترجو لها حياة حافلة بالكفاح الحقوقي لعل الأسرى في سجون تونس ( ما كان منها تحت الأرض وفوق الأرض ) تغدو أحرارا.

لمراسلة الحوار نت

من داخل تونس يرجى استعمال هذا البريد

: a l h i w a r i n f o @ y a h o o . c o m

(المصدر: موقع الحوار نت بتاريخ 6 ماي 2007)

 

رسالة اللقاء رقم (17)

فاجعة ستار أكاديمي الصحوة مرت من هنا

د.خــالد الطــراولي ktraouli@yahoo.fr كلمات حزينة تلتحف السواد تملأ سماء تونس وأرضها هذه الأيام… فاجعة صفاقس لن تمر دون أن تترك تساؤلات عديدة… مأساة عاصمة الجنوب ستظل مخيمة على الشأن التونسي لفترات… الزوايا عديدة لطرق الحادثة والاعتبار مما حصل، ولقد خيرنا المرور من حيث الأسلاك الشائكة والنظرة المستقبلية لهذا الحدث لأننا نرى بكل تواضع أن المأساة فتحت من الصناديق المغلقة وكشفت عن المستور أو المغيب ما يجب الوقوف حوله بكل تواضع وجدية…ولا يفوتني وأنا أحبّر هذه الورقة، خروجا عن منهجية النص الأدبي إلا الانكسار تواضعا للضحايا وأهاليهم وتعزية الآباء والأمهات سائلا لله لهم الرحمة والصبر والسلوان.

تحدث البعض عن الأسباب وتسائل عن ارتباطات وتداخلات لعناصر وأفراد ومنهجيات عمل وربح، على حساب الأنفس البريئة وفلذات الأكباد، وتوالت أصابع الاتهام نحو بعض الوجوه المعروفة، وركز البعض عن علاقة الفاجعة ومألم بها، مع الاستبداد وصولاته وجولاته، ورأى البعض الآخر أن البحث عن فرد أو عقلية لا يكفي ولكنها منهجية انحلال خلقي وسقوط قيمي تسعى بعض الأطراف إلى تثبيت نسقها داخل البلاد لمواجهة موجة التدين الاجتماعي الذي غزا البلاد.

كل هذه النوافذ لتحليل ما وقع من مأساة، على جديتها وخطورتها لا يلغي وجود زوايا أخرى يمكن الوقوف عندها، ولقد استوقفني عند قراءة ردود وتعليقات أهالي الضحايا، كلمات تبدو هامشية في سياق ما حدث ويمكن أن تختفي وتتوارى أمام لوعة وحسرة الآباء والأمهات، غير أنها تشكل حسب ظني تعبيرة هامة وأساسية على حالة ظاهرة معينة وماهيتها وهدفها ومدى نجاحها أو فشلها، خاصة إذا كانت هذه الظاهرة تشكل حسب ظني مفتاح المستقبل في تونس وفي كل الأقطار الإسلامية عموما لما لها من ارتباطات مباشرة باجتماعنا واقتصادنا وثقافتنا، وبالتالي بنجاحنا أو فشلنا، ففي انحرافها انحراف لمستقبلنا وسقوط لأحلامنا، وفي نجاحها [مع تحديد ماهية وشكل النجاح] نجاح لنا ولمن حولنا… إنها الصحوة أو عودة التدين الاجتماعي الذي أصبح ظاهرة مهيمنة على المشهد العام ولا يخلو منها بلد إسلامي أو مجتمع أو جهة أو أسرة داخل هذا الكيان.

لن نعيد كلاما قد وقع اجتراره حول هذه العودة من أسباب وأحوال، وقد تعرضت في كتاباتي منذ سنوات إلى هذه الظاهرة وطرحت منهجية كاملة للتعامل معها[ ] [1]، غير أني أريد من خلال هذه الأسطر وباقتضاب التعرض إلى إشكالية خطيرة تطرحها الصحوة عموما وهي تخط مسارها الصعب والتي نحّت عنها الغطاء حادثة صفاقس أخيرا، والمتمثلة أساسا في سؤال منهجي يطرح نفسه بكل حرج ولكن بواقعية… هل تنحو الصحوة منحى انفصاميا بين الممارسة الشعائرية الفردية من ناحية والمعاملة المدنية والتطبيق الميداني من ناحية أخرى؟

لا نريد مجتمع الحزن والقسوة والسواد

لنكن منذ البداية حاسمين حتى لا يدخل علينا الباب أحدهم وهو يرفع علينا سيف البياض والطلاقة والابتسامة والجمال والرفاهة، في مقابل السواد والحزن والقسوة والظلام، لنكن واضحين حتى لا نتهم بأننا عنوان المجتمع الحزين والوجه المكشر والعبوس ومشاعر التشاؤم والموت ومشروع المقابر…فنحن مع الجمال كقيمة عليا تتجاوز حدود المنفعة الحسية واللذة المباشرة، وقد حملنا مشروعا على إحدى يافطاته مرسوم « إن الله جميل ويحب الجمال »، فالجمال قيمة ثابتة في مشروعنا الحضاري تتجاوز الإنسان وقد خلقه الله في أحسن تقويم، وتتجاوز محطة حياته  » وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة » (النمل 60). لتعبر ملكوت السماوات والأرض « أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج » (ق 7،8). وفي فقدان الجمال فقدان لإحدى مقومات الحياة الطيبة التي كثيرا ما عناها المقدس الإسلامي. ونحن مع المجتمع المبتسم والسعيد..، والبشاشة قيمة إنسانية عندنا لها مكانها في المشروع الاجتماعي وينبت عليها مجتمع التفاؤل والحب والوئام، وقد جمع البخاري بابا كاملا في أحاديثه عن النبي الكريم (ص) سماه باب التبسم والضحك « كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق (الترمذي) » « إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق  » (مسلم)…

توسعي بعض الشيء في هذا الشأن وهو ليس جوهر موضوعنا حتى لا يُزايَد علينا في هذا الباب، وينحرف به إلى غير ما نريده في هذه الأسطر. فنحن نطمح بكل بساطة لمجتمع الرفاه والحياة الطيبة التي تنبني على هذه المفاهيم والتصورات من جمال و وسرور وانبساط وتفاؤل وبشاشة ولكن داخل منظومة من الأخلاق والقيم التي تحتويها وتجعلها ترتبط بالأصالة والهوية دون معاداة الآخر أو السقوط في براثينه، وحتى لا تنحرف نحو مواطن العبث، احتراما لفطرة الإنسان وما جُبلت عليه من حب الحياة.

الصحوة في مخالب الممارسة

تقول إحدى هذه الشهادات الحية لأهالي المفقودين في فاجعة صفاقس :  » وفي يوم الواقعة وقبل أن تغادر [ندى] البيت صحبة شقيقها ماهر أدّت صلاة المغرب وودّعتني قائلة لي حرفيّا: «باي.. باي.. يا بابا… فقلت لها مازحا… ملّى ستار أكاديمي متاعكم… فكانت آخر كلمة ردّدتها: «ياللّى يا بابا.. خلّي الواحد يتفرهد ويعمل ضحكة…[2] [ ]

أما عن الفتاة الفقيدة أمل، فتقول أمها فكانت بمثابة ملاك الرحمة… مثابرة على صلاتها وواجباتها الدراسية والمنزلية… لقد فقدتها إلى الأبد..وتواصل السيدة فائزة الأرملة الطيبة والمؤمنة بالقضاء والقدر.. لقد أوصلتها للمسرح الصيفي بنفسي وعدت إلى المنزل فأديت صلاة المغرب الذي تأخّرت عنها قليلا… [3] [ ]

هذه المقتطفات المقطوعة بالدموع والآهات والألم، تعطي جانبا من هذه التوليفة العجيبة بين صحوة ملأت الديار وهي ترتع في الآفاق وتمثلها عودة للشعيرة والطقوس داخل الحياة الاجتماعية من جهة، وبين تواصل لثقافة وعقلية وسلوك اجتماعي أقل ما يقال عنهم أنهم لا يلتقون مع توجهات هذه الصحوة ومطالبها وممارساتها. ليست هذه الكلمات، على حزنها وقتامتها، فلتة في المجتمع التونسي الحالي وما يعبره من تيارات وثقافات، وليس هذا الاستنتاج جديدا ومفاجئا، وليست التساؤلات المبطونة، عرضية ولا تنبني على توجس من بداية انحراف أو وجود خلل داخل الصحوة الإسلامية إجمالا والتونسية منها خاصة. كل المؤشرات التي تأتينا من تونس، عبر الكثير من الأصحاب والأصدقاء والملاحظين للشأن التونسي والمتابعين لتطوراته، تؤكد على هذا الانفصام الذي بدأ يخط طريقه بين التطبيق الشعائري والممارسة الطقوسية للدين من ناحية، وبين الممارسة المدنية من ناحية أخرى، حيث يلاحظ هذا الانكفاء الديني وحصره في بعده الفردي والشعائري وعدم بلورته إلى معاملة ميدانية واجتماعية مباشرة.

كثيرة هي القصص التي تروى عن هذا الانفصام، وتعبر عن هذا الخلل المزعج والخطير، فهذا يعطي الرشوة لأحدهم، حتى إذا سمع صوت الأذان طلب من المرتشي أن يسرع حتى لا تفوته الصلاة! وهذا لا يستنكف عن الإقراض بفائدة في غير ضرورة أو حاجة وهو الذي يقضي كل عام العشر الأواخر من رمضان في رحاب الحرم!!، وقصة الباعث العقاري الذي أفسد على عشرات الأسر حياتهم بعد أن غشهم في بناء بيوتهم، معروفة وتعرضت لها قناة الحوار منذ مدة، وشكوه لسنين وهو يتهرب من المساءلة والحضور، ولما ذهبوا لطلبه ذات مرة وجدوه قد سافر للحج طلبا للمغفرة ودخول الجنة وقد جعل أيامهم كلها سعيرا!! والآخر يواظب على صيام الاثنين والخميس ولا يعرف في أمواله بابا للزكاة والرأفة بالفقير!!… هذه القصص وغيرها والتي لا نراها حقيقة مقصورة على الإطار التونسي وإن كانت أكثر غلوا ووجودا، إلا أنها تنبئ على هذا الخندق الذي يفصل بين الممارسة الفردية للدين وعدم تجاوزه إلى المنطقة الاجتماعية، حيث انحبس المدرار الديني عند بابه الفردي واقتصر على إطاره الشعائري ولم يتمثل في سلوكيات اجتماعية. فهل هو خلل في الإطار وخلط للمحطات والفضاءات وعدم تحديد الأرض التي نقف عليها؟، أم هي البيئة الحاضنة والظروف السائدة حيث سعى الاستبداد إلى مواجهة الصحوة ومحاولة صدها بمواجهتها بثقافة بديلة يغلب عليها طابع الحسية والمادة واللذة وحتى الشهوانية، فعجزت الصحوة عن وجود البديل، وفشلت في كنه الباب الذي يعبره الريح؟ أم هو خلل في الحمل ومن يحمله فغاب فقيه الديار أو العالم الميداني المباشر وبقيت الشاشة سيدة الموقف فتلفظت بفتاوى ونصائح يمكن أن تكون غير واقعية في بعض تنزيلاتها ومسقطة على واقع غير واقعها ؟ أم خلل في الخطاب والتنظير و خلل في المنهجية؟ أم هو كل ذلك والأمر أكثر تعقيدا وأكثر خطورة ؟؟؟

هـــوامش : 1 / انظر خالد الطراولي كتاب « إشراقات تونسية » مركز الحضارة العربية، القاهرة 2006 ص 173 وما يليها و « هل يكون التدين المنهجية الجديدة للتغيير » القدس العربي 24 ماي 2003. 2 / صحيفة الصباح التونسية 3 مــاي 2007 3 / نفس المصدر

المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net


كارثة حفلة « ستار أكاديمي » في تونس.. الأخطر من الكارثة ، محاولة إخفاء اليد المسؤولة عنها

 

بقلم سليم بوخذير

 هديّة الجنرال زين العابدين بن علي للصحافيّين في تونس بمناسبة العيد العالمي لحرّية الصحافة الذي يُوافق أمس الخميس 3 مايو،  كانت  منعه لنشر إسم منظّم حفلة الموت التي شهدتها مدينة صفاقس التونسية حيث مات 7 تونسيين و جُرح العشرات  ضمن سهرة « ستار اكاديمي » مساءالأغثنين الماضي.     قرار منع النشرهذا  كان منتظرا تماما بالنسبة لنظام كالنظام التونسي ، فكيف يقبل بن علي بأن تكتب الصحف إسم المنظّم أي المسؤول الأصلي عن الكارثة و هو ليس سوى صهره حسام الطرابلسي مدير مجموعة « فرحة شباب تونس » الذي تعهّد بالحفل ؟ و كيف يرضى بذكر إسم منظّم الحفل و الكارثة حصلت أساسا و أوّلا و أخيرا ،لأنّ المنظّم أساء التنظيم و هو أقرب الناس إلى زوجته ليلى الطرابلسي؟ كيف يسمح و المنظّم أدخل عددا كبيرا جدا من الجمهور إلى  المسرح مساء الحفل بشكل يفوق بكثير جدّا طاقة إستيعاب الفضاء ، فحصل بذلك الإكتظاظ الشديد و حصل التدافع الكبير الذي إنتهى بمأساة كبيرة راح ضحيتها العشرات بين موتى و جرحى و مصدومين ؟  كيف يقبل الرئيس بأن يكون صهره الودود هو الذي تُشير إليه الصحف في الداخل بإصبع الإتهام مثلما فعلت ذلك وسائل إعلام بالخارج ؟  و كما في كلّ الأحوال التي من هذا القبيل قرار منع  النشر لم يكن مُعلنا في بلاغ رسمي ، و إنّما هو وصل الصحف إيماءً و إشارةً و همسا عبر الهواتف ، و طبعا المنع يسري على ذكر إسم المنظّم حسام الطرابلسي و كذلك على ذكر إسم المجموعة المُسمّاة ب »فرحة شباب تونس » المختصّة في تنظيم الحفلات التي يُديرها ، فلو سُمح للصحف بذكر كلمة ‘فرحة شباب تونس » فقط دون حسام الطرابلسي ن من لن يفهم عندئذ من القرّاء في تونس أنّ حسام الطرابلسي هو منظّم؟ هل هناك من لا يعرف في تونس أنّ « فرحة شباب تونس » هي لصاحبها و مديرها حسام الطرابلسي ؟ و لهذا و حين أخذ الناس يقرؤون تغطيات الصحف التونسية بعد الكارثة بيوم ، وجدوا كلّ التفاصيل عن المأساة ، وجدوا أسماء الضحايا ، مناسبة الحفل ، مكانه ، زمانه . .و . . إلخ ، و لكن لم تتعرّض أي من هذه الصحف في تغطياتها إلى إسم المنظّم ، و كأن الأمر لم يكن يحتاج الذكر أصلا .  وحده من الصحافيين العاملين بالصحف التونسية بالداخل ، تجرّأ على ذكر إسم الشركة المنظّمة للحفل في تغطيته للكارثة و هي « فرحة شباب تونس » ، و أعني الزميل الصحفي كمال بن يونس ، و لكن أين ؟ ليس في صحيفة « الصباح »  التونسية التي يعمل بها و التي يسري عليها قرار الحذر كلّ الحذر ، من ذكر إسم الجهة المنظّمة للحفل / المأتم ، و إنّما في موقع « البي.بي.سي » الذي يُراسله من تونس .     و في الواقع لم تكن مسألة مُفاجئة للملاحظين في تونس أن تتخلّى الصحف عن واجبها في ذكر إسم منظّم الحفل/ المُصيبة  و بالتالي المسؤول عليه  ، فمعروف حجم الحصارالذي تضربه السلطات التونسية على حرّية الصحافة ومعروف مسلسل اليد الغليظة التي تعاقببها السلطات التونسية أشدّ العقاب كلّ صحفي يحاول كسر الطاعة لها ( و إسألوني أنا شخصيا) .   إلاّ أنّ ما يطرح التساؤل حقّا ، هو أنّ النظام التونسي لم ينجح رغم قراره التعتيم  على إسم المنظّم في صحف الداخل، في أن يُخفي إسم المنظّم عن الشارع في تونس ، فكيف فات النظام التونسي قبل منعه-بعد الكارثة-  ذكر إسم صهر الرئيس كمنظّم للحفل الذي إنتهى بمأتم ، أنّ الصحف التونسية نفسها كتبت قبل يوم واحد من الحفل أن منظّم حفلات « ستار أكاديمي » الثلاث  بتونس هي مجموعة « فرحة شباب تونس » بالذات ؟ و من في تونس لا يعرف أنّ « فرحة شباب تونس » هذه إنّما هي لصهر الرئيس حسام الطرابلسي مثلما اوضح هو و مساعديه في مؤتمرات صحفية سابقة مرارا و تكرارا؟ هل يمكن أن ينسى التونسيون هذه المعلومة بعد يوم واحد فقط من نشرها لمُجرّد أن الصحف قرّرت عدم نشرها من جديد بناء على ضغوطات الحكومة ؟    و إذا حصل أن نسي التونسيون هذه المعلومة التي وردت بالصحف بشكل رسمي ، كيف لا ينتبه التونسيون إلى معلّقات الدعاية لحفلة صفاقس بالذات المعلّقة في العاصمة و في صفاقس في عديد الشوارع و قد كتب عليها بالبُنط العريض إسم « فرحة شباب تونس » كجهة منظّمة لوحدها لحفل « ستار أكاديمي » ؟ هذه المعلّقات مازلت إلى اليوم منتشرة بالشوارع التونسية يا سادة ؟ فأي معنى بعد ذلك لقرار إخفاء إسم « فرحة شباب تونس » و حسام الطرابلسي عن أي تغطية لأخبار الكارثة المؤسفة ؟    و كيف فات النظام التونسي أن الشارع  التونسي يضمّ الآلاف من حرفاء شبكة الأنترنت ممّن يدخلون إلى مواقع وسائل الإعلام بالخارج و التي كتب مُراسلوها في تونس  في تغطياتهم للحدث المؤلم ، إسم حسام الطرابلسي مسؤولا عن الحفل ؟   إنّ محاولات ذرّ الرماد على العيون بالحديث من قبل الحكومة التونسية عن « تحقيق » في كارثة صفاقس  مع إستبعاد إسم المنظّم تماما عن أي « تحقيق » قضائي او صو صحفي، هو أمر لم ينطلِ على الشعب التونسي الذي فقد عددا من أعزّ أطفاله و شبابه  في هذا الحفل الكارثة نتيجة إفراط المنظّم في بيع التذاكر بغرض التربّح و إدخال أعداد مهولة من الجمهور تفوق بكثير جدّا طاقة إستيعاب المسرح .  لم تنطلِ هذه المحاولة  ببساطة ،لأنّ هذا الشعب يعرف جيّدا حقيقة أن أصهار الرئيس التونسي  هم فوق المحاسبة  بل و فوق أن تُذكر أسماءهم -حتّى مُجرّد الذكر- في مأساة كهذه . و تعازينا الحارّة لمن فقدوا فلذات أكبادهم من أهلي صفاقس ، و إنّا لله و إليه راجعون .

* كاتب وصحافي تونس

 
(المصدر: موقع الوطن (الولايات المتحدة الأمريكية) بتاريخ 5 ماي 2007 )
 

مأساة التدافع في حفل «ستار أكاديمي» بصفاقس:

تفاصيل أخرى … وشهادات إضافية

«حياتي فراغ.. هدر.. لا مذاق ولا طعم لها.. حياتي لمن بعدها؟».. هكذا بنبرات حزينة حدثتنا الأرملة ووالدة المرحومة أمل المصفار التي صارعت الموت ورغم تلك المجهودات المبذولة ليلتها من قبل الطاقم الطبي فارقت الحياة.. فالسيدة فائزة التقيناها للمرة الثانية في «أول خميس» انتظم بمنزلها المتواضع وفق عادات وتقاليد الجهة..
 
ولأننا لم نتمكن في المرة الاولى من التحدث اليها بكل أريحية يوم تشييع جثمان فلذة كبدها الوحيدة أمل بعد رحيل زوجها فبكتها بحرقة وألم مريرين عند الخروج بها على «المحمل» من المنزل الذي غادرته للمرة الأخيرة.. «لمن تركتيني يا ابنتي.. للجدران.. فكل ركن من اركانه سيظل يذكرني بك.. غرفتك.. ثيابك.. أدواتك.. لن يقدر الزمن أن يمحوك من مخيلتي».. ثم سرعان ما تثوب الى رشدها لتقول «ونعم بالله، أنا راضية بمشيئة الله»..
دنونا من السيدة فائزة فبدت هادئة هذه المرة لتقول: «أنا غير مصدقة بأنها رحلت عني الى الأبد.. طيفها يتلألأ في كل مكان.. يخيل لي أنها ستعود.. لكن أخذت وعدا على نفسي بألا أسمح لها مستقبلا ان تذهب الى «ستار اكاديمي».. لقد شاهدت بأم عيني اثر عودتي من المسرح سيارات الحماية المدنية متجهة الى هناك.. فسألت شقيقي عن السبب قبل أن ادخل الى منزلي ليعلمني انه اجراء عادي دون أن أعلم أنه في تلك اللحظة التي فارقت فيها ابنتي حصل ما حصل وان تلك السيارات ستنقل ابنتي وبقية الضحايا والجرحى.. وحين تلقيت الخبر نزل عليّ نزول الصاعقة والتحقت بقسم الانعاش لاعثر على ابنتي بين الحياة والموت.. لقد عرفت أنها ستموت.. فكل العلامات كانت تنبئ بذلك..».
وتواصل الحديث «إن أموال الدنيا لن تساوي لحظة واحدة من حياة ابنتي.. لقد سألني بعضهم عن طلباتي والتعويضات التي اقترحها.. فكان ردي لهم «بناء مسجد» ليبقى رحمة لابنتي… وإن شاء الله تتم تلبية مطلبي هذا.. رغم قلة اليد لا أطلب أموالا».. * عمة أمل: السيدة سارة التي بدت متأثرة للغاية قالت «لقد كانت المرحومة أمل مثالا في الاخلاق والتربية.. كنت غالبا ما انصح أطفالي بأن يقتدوا بها في الاخلاق.. وخلال المدة الاخيرة كانت كثيرا ما تطلب مني أن أحدثها عن والدها المرحوم الذي تركها ابنة سنة فقط.. وقبل أيام طلبت مني اطلاعها على بعض الأشياء المتبقية من أدواته وأوراقه.. وكانت في تلك الفترة تقول لنا ولزملائها «راني فادة.. فادة» لقد راحت له و«ستشبع» بوالدها..». * جدتها السيدة لطيفة  وجدها السيد علي الجوة كانا في حالة مزرية للغاية سيما أنهما طاعنان في السن وأنهكهما المرض والفاجعة.. واكتفيا بالقول «أحنا اللي ربيناها.. كيفاش ننساوها..» لتنهمر دموعهما.. وأعلمتنا زوجة ابنهما بأن جد أمل لليوم الثالث لم يذق الطعام وأنه كان يتناول الأدوية فقط مما تسبب في تدهور صحته.. * احدى صديقاتها روت لنا انها يوم الاثنين في حدود الساعة العاشرة تقريبا عند حصة الراحة «شبعت ضحكا» واندهشت الفقيدة من حالة هستيريا الضحك التي انتابتها وخافت من عاقبتها.. وودعت جميع صديقاتها بالقبلات يومها.. وكأنها كانت تدرك جيدا أنه لقاء الوداع.. * زميلها محمود الذي انقطع هذه الفترة عن الذهاب الى المعهد منذ الحادثة الأليمة وأصيب بنوع من الانهيار العصبي خاصة انه كان الى جانب زميلاته رفقة المرحومة فطلبت منه النجدة ولم يتمكن من جذبها من «مريولها» الا في مناسبة واحدة وحال الاندفاع القوي دون تمكنه من جذبها للمرة الثانية بعد أن سقطت عليها سيدة وعدد مهول من المتفرجين لتغيب عنه الى الأبد.. من جهة اخرى علمنا أن ابنة عمتها «سمر» تم إيواؤها صبيحة يوم الجمعة الفارط بالمستشفى الجامعي بصفاقس بعد أن انتابتها حالة من الانهيار العصبي بعد مضي أربعة أيام عن فراق أمل.. * والدة الضحية نادية بن صالح السيدة مديحة بن صالح وهي زميلة باذاعة صفاقس.. لاحظنا عليها السكون والهدوء فكانت كلما تذكرت ابنتها تذرف دموعها.. دموع الرحمة فقط.. دون أن تنبس بكلمة واحدة سوى «لا إله الا لله محمد رسول الله» و«الله أكبر» فتقول: «أنا صبورة.. وهذه نعمة حباني بها الله سبحانه وتعالى.. ذلك هو أجلها المحتوم.. فكان من الممكن أن تموت وهي في «حجري».. أنا راضية بقضاء الله وقدره.. ومازادني شحنة وصبرا هو تكاتف وتآزر ومواساة الأهل والأقارب والاصدقاء.. لقد قدم الي أناس لم ألتق بهم على امتداد ما يقارب 25 سنة.. كلهم جاؤوني في هذه المناسبة الأليمة لتقديم التعازي.. ونادية ابنتي طالبة بالسنة الاولى اختصاص انقليزية وأعمال بكلية الآداب بصفاقس.. وفي اليوم المشؤوم عدت من عملي في حدود الساعة السابعة مساء فبدت لي كأنها «عروسة» يوم زفافها.. بلباسها الأنيق والمحتشم وبجمالها الأخاذ.. لاعثر عليها في الواحدة بعد منتصف الليل «مرفوسة».. والفقيدة نادية هي شقيقة لهناء الكبرى الطالبة بالعاصمة والتي اتصلت بها قبيل الحفل لتقول لها حرفيا «راني خرجت نهبّل الليلة» وهي شقيقة فاطمة التي تدرس بالسنة الثامنة اعدادي وآمنة البالغة من العمر 10 سنوات.. وعن طريقة تلقي العائلة الخبر تقول السيدة مديحة «تلقيت اتصالا  هاتفيا من اعوان الأمن ليخبروني انه تم العثور على حقيبة ابنتي ملقاة.. فتحولنا على جناح السرعة الى المستشفى لتنطلق رحلة العذاب.. فجبت تقريبا جميع الاقسام الاستشفائية.. وفي المصحات الخاصة.. وتوجهت الى قسم الأموات وغرفة الانعاش ولم أعثر على أثر ابنتي.. فالأمر لم يكن سهلا وهينا بالنسبة لنا.. وفي نهاية المطاف عدت ثانية لقسم الأموات ففتح لي أحدهم بعض الادراج لاعثر على جثة ابنتي!!!» ثم عجز لسانها عن الكلام.. * والدها السيد سامي بن صالح «رحمها الله. قبلتني قبل أن تغادر المنزل.. فعلا كانت كالعروس.. أسأل الله أن يتغمدها بواسع رحمته وأن يسكنها فراديس الجنة».. * هشام صدود وهو طفل بريء لم يبلغ بعد سن الثانية عشرة سنة.. وابن السيد محسن صدود الذي لمحته من بعيد يدخل قسم الاستعجالي.. فتساءلت في قرارة نفسي عن سبب تواجده.. وعلمت أنه كان يبحث عن فلذة كبده هشام الذي تحول رفقة بعض افراد عائلته مرتديا سورية بيضاء وسروال دجين ووضع «الجال» على شعره زاده جمالا على جماله الطفولي..  وكان احد اعوان الامن قد استرعى انتباهه وانتشله من تحت الانقاض مطلقا عقيرته بالصياح «يا رب.. يا رب.. طفل صغير يموت».. في حين كانت شقيقته تناديه بأعلى صوتها «هشام.. هشام» دون ان ندرك أنه سقط مع من سقط.. وأن هشام تحول الى جثة هامدة.. لتمتزج الدماء مع «سوريته البيضاء».. * جريح شاب لم يتجاوز بعد سنة الـ23 كانت ترافقه زوجته الشقراء… رجله ممدة تحمل آثار لعضة وبجانبه حذاء (بوط) أسود اللون.. حدثنا «لم يمض على زواجنا سوى 25 يوما فقط.. كنا وككل العرسان نحلم بقضاء شهر العسل.. ولظروفنا الصعبة لم يتسن لنا ذلك.. وبمجرد الاعلان عن تنظيم هذا الحفل الساهر تحولنا «باش نتفرهدو» فقط.. لسنا من عشاق هذا الفن.. تحولنا الى هناك بمعية قريبتنا وهي شقيقة زوجتي المتضررة.. لقد نجونا بأعجوبة.. شاهدنا القتلى والجرحى بأعيننا ومازلنا نتذكر جيدا صورا درامية ومؤثرة للغاية.. صورة احدى الضحايا وهي تقول «سأموت.. شهدولي.. ثم نطقت بالشهادتين وتوفيت.. واخرى من «حرارة الروح» عضتني في رجلي ثم فارقت الحياة.. وها أنا بصدد الانتظار لتلقي الاسعافات اللازمة ومعرفة أخبار قريبتنا بعد أن تم الاحتفاظ بها بغرفة الانعاش بسبب الاصابات البليغة التي تلقتها أن كتبت لها الله حياة جديدة هي وبقية المتضررين الذين تم الاحتفاظ بهم بالمستشفى والبعض الآخر بالمصحات الخاصة…».
دنياز المصمودي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 6 ماي 2007)

التحقيق يستمع إلى أهالي الضحايا.. والأبحاث متواصلة

علمنا من مصدر موثوق به أنه وبمقتضى إنابة تحقيق صادرة من وكالة الجمهورية بصفاقس تعهدت فرقة الشرطة العدلية بصفاقس الشمالية بالبحث في موضوع كارثة «حفل ستار أكاديمي» وما آل إليه بعد أن أسفر عن سقوط العديد من الضحايا: 7 موتى وحوالي 31 جريحا مازال البعض منهم يخضع لعملية مراقبة مكثفة بقسم الانعاش بالمستشفى الجامعي بصفاقس.. فضلا عن البعض من الجرحى المقيمين بالمصحّات الخاصة والذين ارتأى أهاليهم متابعة حالتهم الصحية بهذه المؤسسات الخاصة. التحقيقات التي انطلقت منذ يوم الثلاثاء شملت العديد من الأطراف… إذ تم الاستماع لأهالي الضحايا ولأطراف أخرى في انتظار الاستماع لأشخاص هامين سيشملهم التحقيق خلال الأيام المقبلة وقد يتجاوز عددهم الخمسين طرف
(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 6 ماي 2007)  

الكشف عن أكثر من 8500 تذكرة مقتطعة..

سبق وأن نشرنا مقالا سابقا يؤكد على أن المسرح الصيفي بسيدي منصور ليلة احتضانه لحفل «ستار أكاديمي» بصفاقس قد وقف خارج أسواره زهاء السبعة الاف متفرج فضلا عن مدارجه التي كانت تحوي قرابة التسعة آلاف متفرج..
وسعيا منها لمحاولة تفنيد معلوماتنا فقد أكدت الجهة المنظمة للحفل (الجوهرة الشبابية بصفاقس) أنها قد باعت 500،8 تذكرة فقط وبقي المسرح الصيفي قادرا على استيعاب أعداد أخرى من الجماهير وأنه لم تكن هنالك جماهير واقفة خارج المسرح… وتأكيدا لصدق المعلومات التي قدمناها في المقال السابق فإننا نعلم الجهة المنظمة للحفل أنه قد اتصل بنا عدد من المواطنين الذين اقتطعوا التذاكر لمواكبة حفل «ستار أكاديمي» وطالبونا بابلاغ أصواتهم الى الجهة المنظمة للحفل للحصول على مستحقاتهم المادية خاصة وأن الهيئة المشرفة على المسرح الصيفي بسيدي منصور أحالت المسؤولية على عاتق الجهة المنظمة للحفل… وما راعنا ونحن نطلع على التذاكر التي كانت بحوزتهم والتي كانت مطابقة للمواصفات القانونية الا وأرقامها قد تجاوزت التسعة آلاف (923،8 حسب ما هو موجود أمامهم على التذكرة..) هذا إضافة إلى ما تمّ توزيعه من دعوات مجانية فاق عددها السبعين على الأقل حسب ما وصلنا إلى حد الان من معلومات… وما يؤكد ضمنيا هو غلق الأبواب بعد أن تم السماح للجماهير العريضة التي كانت متواجدة داخل الحفل اثرها تعاقب فتح باب فقط لبقية المتفرجين الذين وبسبب التدافع حصل ما حصل.. هذه أسئلة ستبقي مطروحة في انتظار التحقيقات التي مازالت متواصلة. واتصلنا بالصحفية والباحثة في علوم الاعلام والاتصال هدى الحاج قاسم لاستطلاع رأيها في حصول الحادثة وقالت: «ستار أكاديمي هي علامة (Marque) لمنتوج اعلامي عالمي نجح باعثوها من الغرب في ترويجها في السوق العربية للاعلام ووفقا لاستراتيجيات تسويق ذكية ومدروسة، نجح المنتوج الاعلامي في الدخول إلى البيوت العربية والتأثير على الشباب العربي بمضامين اعلامية تحمل معها مغريات كثيرة وإثارة كبيرة ودعوة لتجاوز السائد من التقاليد والثقافة (وهو ما يتماشى) مع شخصية الشاب المراهق خاصة..
وما حصل في الفترة الأخيرة في صفاقس من تهافت حماسي وانفعالي واندفاعي للجماهير على حفل «النجوم» يؤكد ما حققه هذا المنتوج الاعلامي من قرب في التواصل () مع المشاهد الشاب أعطاه الشعور التام بالحق في مزيد الاقتراب  والملامسة الواقعية لشخصيات عاش معهم في منزلهم  واستقبلهم في منزله لفترة لا يستهان بها، وأعطاه الحق كذلك في مماثلتهم وتقمص (imitation) تصرفاتهم وهيأتهم ونشاطهم، وهو ما يفسر ما ظهر عليه الشباب ليلة الحفل من ملابس شبه عارية في ليلة باردة ومن سلوك انفعالي ومن استعداد كامل للغناء والرقص مع «النجوم».
وإن ما حصل من مأساة لا يقتصر فقط على ما ظهر عليه الشباب من اندفاع وانما هو يندرج ضمن منظومة اجتماعية يجب أن تعاد مراجعتها من حيث ضرورة تنمية وعي اجتماعي (conscience sociale) يسمح بالانتقاء الواعي والمسؤول للمنتوجات الاعلامية التي تخترق مجتمعنا عبر القنوات الفضائية».
دنياز المصمودي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 6 ماي 2007)

 


 

ما الذي يحدث في تونس حول مسألة الحجاب؟

حوار أجرته قاعة صوت الأمة بالبالتوك مع الأخت الخنساء من تونس في : 03/05/2007

تقديم

حملة جديدة على الحجاب في تونس مع نهاية العام الدراسي

مع اقتراب موعد امتحانات نهاية العام الدراسي في تونس، قامت السلطات الأمنية بشن حملة جديدة على المحجّبات ومنع العديد من الطالبات من دخول المعاهد والجامعات. وقد ذكرت مصادر طلابية لـ » إسلام أون لاين.نت » أن البوليس التونسي قام في مطلع الأسبوع المنصرم بمنع الطالبات المحجّبات من الدخول إلى المدرسة العليا للتكنولوجيات بمنطقة  » الشرقية  » – وسط تونس العاصمة-. وقد وقع المنع نفسه  » بوادي الليل » قرب العاصمة، حيث قامت قوات الأمن بحملة إيقاف وتثبت من هوية الطالبات المحجّبات بعد خروجهن من الجامعة.

وقال شاهد عيان، إنه رأى مساء الجمعة الماضي أعوانا من الأمن يستوقفون الحافلات وينزلون منها الطالبات المحجّبات بدعوى مخالفتهن لمنشور[108]، الصادر عام 1981، والذي يعتبر اللباس الشرعي « زيًّا طائفيًّا »، وليس فريضة دينية، ومن ثَمَّ يُحظر ارتداؤه.

 

وبحسب المصدر نفسه، فإن هذا الإجراء يأتي في إطار استعداد الأجهزة الأمنية لمنع المحجّبات من اجتياز امتحانات آخر السنة، الأمر الذي تكرر في السنوات الأخيرة بشكل يكاد يكون منتظما مع اقتراب موعد الامتحانات النهائية.

إلا أن هذه الحملة لم تقتصر على الطالبات وحرمانهم من إجراء امتحانات آخر السنة، وإنما تجاوزتهن لتصل إلى غيرهن من بقية النسوة المحجّبات. حيث قامت القوات الأمنية بشن أكثر من حملة استهدفت النسوة في الأسواق العامة والمحلات وأمام المساجد. فقد داهمت شرطة منطقة  » السِِّيجومي » – في ضواحي تونس العاصمة- سوق المنطقة واعتقلت عددا من المحجّبات. ثم تم اقتيادهن من السوق إلى مركز الشرطة، ليتعرضن هناك للإهانة والاعتداء اللفظي، والضغوط الشديدة، ولإرغامهن على نزع خمُرهن، كما أن البوليس بمدينة  » منزل بورقيبة » – شمال العاصمة- قام بجمع أكثر من عشرين محجّبة من أمام المسجد الكبير واقتادهن إلى مركز الشرطة حيث تعرضن للممارسات الإجرامية نفسها.

وهذه الحملة المتجددة والمتكررة تذكرنا إخوتي بأخبار حملة شهر رمضان الماضي، والانتهاكات التي مورست في حق أخواتنا في تونس. وتذكرنا أيضا بنقمة هذا النظام الجائر على الحجاب ومظاهر التدين ، إلى أن بلغت به الحقارة والسخافة أن يقوم بحملة ملاحقات الدمى ولعب الأطفال. حيث إن السلطة هناك قامت بسحب الدمية  » فلّة » وكل الأدوات المدرسية التي تحمل صورتها من الأسواق بعدما لاحظت الإقبال الكبير عليها، لأنها دمية تمثل الطفلة المحجّبة.

وتبعا لهذا الخبر يسر قاعة صوت الأمة ( بالبالتوك) أن تستضيف الأخت الكريمة « الخنساء ». باعتبارها من مسلمات بلد الزيتونة وعقبة ابن نافع، لنستفسر منها بعض ما يجري في تونس حول مسألة الخمار، ونطرح عليها أربعة أسئلة محددة نأخذ رأيها فيها.

 

1- س: فأهلا وسهلا بك أختنا الفاضلة « الخنساء » في لقاءنا بك هذا اليوم. واسمحي لنا أن نبدأ بسؤالك أولا عما يجري في تونس، فهل لك، لو سمحت، أن تعطينا رأيك وقراءتك للحدث، ولو بشكل إجمالي، فما الذي يحدث في تونس حول مسألة الخمار،  باعتبارك من بنات شعبها المسلم.

 

ج: بسم الله الرحمن الرحيم، وبه أستعين، وصلي اللهم على البشير النذير، سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأشكر لكم هذه الدعوة والضيافة، سائلة الله لكم ولكل العاملين المخلصين، السداد والتوفيق، والثبات على الهدى، والصدع بكلمة الحق. ثم أما بعد. فإن ما يحدث في تونس ينطبق عليه وصف الفساد والإفساد في الأرض. لأن الشرذمة الحاكمة، والزمرة التي تواليها، من أولئك الانتهازيين والمنتفعين، اصطفوا جميعهم في طابور واحد لمحاربة ما تبقى من مظاهر التدين وشعائر الإسلام، وذلك باستئنافهم لحملاتهم المسعورة، على العفة والحياء، مع أننا لا نراهم يشنون الحملة نفسها على مظاهر الفساد والتفسخ الأخلاقي. فهم إذا يجتهدون في توسيع رقعة الانحطاط الأخلاقي والرذيلة والفساد. فهذه الحملات في تونس أصبحت من الأمور المألوفة والمعهودة، وهي تتكرر وتتجدد من حين إلى آخر. وإننا لا نظن أنها ستنقطع في يوم ما مع غياب الحكم بما أنزل الله. فانظروا مثلا إلى ما فعله هذا النظام الجائر في شهر رمضان الماضي، وكيف أنه لم يراعي مشاعر المسلمين في ذلك الشهر العظيم، وكيف أنه تجرأ عليهم وعلى دينهم. فلم يمتنع عن ملاحقة القانتات العابدات وانتهاك أعراضهن، وإرغامهن على توقيع الالتزامات بعدم العودة إلى اللباس الشرعي، فإن كانوا قد فعلوا كل ذلك في شهر مبارك, فيا ترى سيمتنعون اليوم من مواصلة الممارسات الإجرامية نفسها. وهل سيجدون من يردعهم ويصدهم عن ملاحقة النسوة أين ما كنّ. سواء في المعاهد والجامعات والمؤسسات، أو في الطرقات والأسواق والمحلات العامة؟. ثم كيف لهم أن يرتدعوا أو يمتنعوا عن هذه الأعمال المشينة وهم يلقون من أصحاب الأقلام المسمومة والإعلام المأجور، مساندة قوية لما يقومون به في حق أخواتنا وبناتنا العفيفات الطاهرات الملتزمات باللباس الشرعي. فلقد قرأنا ولازلنا نقرأ الكثير من المقالات الحاقدة علينا في الصحف المحلية باللغتين، العربية والفرنسية، ولقد سمعنا ولازلنا نستمع للأحاديث الإذاعية والحوارات التلفزية، التي تهيّج النظام ضدنا. فكلها تقريبا تصب قاذوراتها اللاّ أخلاقية علينا. وتعمل لصالح النظام الجائر، حتى أن بعضهم وصلت به الحقارة والدناءة إلى أن يشتم كل مسلمات العالم الإسلامي، وليس مسلمات تونس فحسب. ووصفهن بأقذع الأوصاف، في مقال خبيث وحقير، يدعي فيه، أن الحجاب ليس لباس عفة وطهارة، وإنما هو لباس خاص بالمومسات ( أكرمكم الله)، يضعنه عند خروجهن من دور الخناء والدعارةٍ، لكي لا يعرفهن أحد. يعني انحطت بهم الأخلاق إلى درجة الإسفاف. فتونس يا سيدي، هي البلد الوحيد في العالم الإسلامي الذي يحدث فيه مثل هذا الأمر الفضيع. من حيث مقاومة الحجاب وانتهاك حرمة النساء. وحتى تركيا، وهي البلد العلماني الآخر الذي يمنع لباس الحجاب، لم يتجرأ رجال أمنها على ملاحقة النساء والفتيات في الشوارع والطرقات والأسواق، وإنما اكتفى النظام هناك بمنعهن من التعليم والوظائف الحكومية. هذه هي مأساتنا في تونس، في ظل نظام استمرأ على محاربة شرع الله والإفساد والفساد في الأرض.

 

2- س: لا حول ولا قوة إلا بالله. ولكن أختنا الفاضلة، النظام التونسي له رأي آخر في المسألة. فهو يدعي بأنه يحارب المظاهر الدخيلة على الهوية التونسية. أو بعبارة أخرى، يقولون بأنهم لا يحاربون العفة والحياء، وإنما يحاربون الظاهرة الطائفية الدخيلة على البلد، أو بتعبيرهم: التي لا تنسجم مع نسيج المجتمع التونسي. فما ردك على مثل هذا الزعم والادعاء.

 

ج: نعم، إن مثل هذا الادعاء السخيف موجود، وهذا ما يقوله النظام. إلا أن هذا الادعاء لا تقوم له أدنى حجة، لا شرعية ولا عقلية. وهو من قبيل الاستخفاف بعقول الناس. ولو كنا في لقاء مباشر مع هؤلاء الذين يقولون بهذا الرأي لناقشناهم في مفهوم الهوية. ولكن ما دامت الفرصة لم تتح لنا لمناقشتهم على المباشر، فإننا نكتفي هنا بأن نقول، إن هذا الادعاء السخيف لا يستقيم مع واقع الحال. لأننا في هذه القضية نتحدث عن الإسلام والأحكام التي نحن ملزمون بها. والإسلام وحده هو الكفيل بتحديد هوية الشعوب التي انصهرت في بوتقته. فكل من اعتنق الإسلام أصبح من أمة الإسلام ويحمل هويتها. وبالتالي من ألتزم بالإسلام وأحكامه فقد أصبح مسلما وتابعا لأمة الإسلام. أين ما كان. ومن هنا لا يمكننا أن نقول إن هناك إسلاما تونسيا، وإسلاما شرقيا. حتى نقبل برفضهم لمظاهر الإسلام الشرقي. زد على ذلك إن الشعب المسلم في تونس لم يلتحق بالإسلام حديثا، وإنما هو ينتمي إلى هذه الهوية الإسلامية، أكثر من أربعة عشر قرنا، وقد ساهم في نشر الحضارة الإسلامية ورسالة الإسلام مع الفاتحين الأوائل، أيام الخلفاء الراشدين. وقد اشتهر من علماءها الكثير والكثير، من أمثال، الإمام سحنون، صاحب المدونة. وعبد الله بن أبي زيد القيرواني، صاحب الرسالة. وجمال الدين بن منظور القفصي، صاحب كتاب لسان العرب. ويحي بن سلام صاحب أقدم تفسير للقرأن. والعالم محمد الطاهر ابن عاشور، صاحب تفسير التحرير والتنوير ». وغيرهم من الأعلام الذين ذاع صيتهم في العالم الإسلامي. كما أن جامع عقبة ابن نافع بالقيروان، وجامع الزيتونة بالعاصمة، كل تلك المعالم تشهد على هوية تونس الإسلامية، وعليه فإنه لا يمكن لهذه الشرذمة الحقيرة أن تشطب هذه الهوية العريقة، بجرة قلم. بل لنا أن نقول إنهم هم الاستثناء، وهم الدخلاء، لأنهم استثنوا أنفسهم من الأمة الإسلامية، بمحاربتهم لدينها العريق. وبهذا العمل الحقير يكونون قد حكموا على أنفسهم بأنهم هم الطائفة المستثناة والمنبوذة داخل البلد، وغير المنسجمة مع نسيج وهوية الشعب المسلم في تونس. وأما المسلمون في هذا البلد فهم جزء لا يتجزأ من أمة الإسلام، والأحكام التي خوطب بها المسلمون هم كذلك ملزمون بها، ولا تعطلها حدود  » سايكس وبيكو ».

 

3- س: نعم بارك الله فيك، ولكن يقال عن تونس إنها بلد حرية المرأة، وأنها قد قطعت شوطا كبيرا في ما يسمى بتحرير المرأة والنهوض بها، والدفاع على جميع حقوقها، وأن مسألة انتشار الحجاب تعتبر بمثابة الانتكاسة لهذا المشروع النهضوي، وهو في حد ذاته قيد لحرية المرأة، وتقليص لدورها في بناء المجتمع المدني. مما يعني الرجوع بها إلى القرون الوسطى. هكذا يقولون. فماذا تقولين أنت في هذا الأمر.

 

ج: أخي الفاضل، وإخوتي الأحبة، يجب أولا أن ننتبه إلى أمر هام، ألا وهو أن جميع الدول في العالم الإسلامي، وبدون استثناء، هي دول علمانية، وتطبق على المسلمين النظم الوضعية، وهذه النظم وما فيها من معالجات وحلول مأخوذة من الفكر الغربي الرأسمالي. بمعنى آخر أن وجهة النظر الغربية هي الطاغية على العقلية الحالية لأبنائنا. ومن هنا نفهم كيف يفكر هؤلاء المتنطعين المضبوعين بالحضارة الغربية. إذ عادوا لا يفكرون بعقولهم وإنما يفكرون بعقول غيرهم. وصاروا لا ينفذون قناعاتهم وإنما ينفذون علينا قناعات أسيادهم الغربيين. وحكام تونس لا يستثنون من هذه القاعدة، فهم كغيرهم من الأذيال يفكرون بعقول أسيادهم الذين روضوهم وأرضعوهم أفكارهم وقناعاتهم. ولذلك فإنك لو تنبهت لما يسمى بقضية المرأة في البلاد الإسلامية، فإنك ستكتشف أن مثل هذه القضية لا وجود لها أصلا في الإسلام، وٍأنها ليست من قضايا المسلمين، ولا من بنات أفكارهم، وإنما هي مشكلة مصطنعة وغريبة عن الإسلام. ولو كان هؤلاء المنادون بحرية المرأة يفكرون بعقولهم، وليس بعقول غيرهم كما قلت، لأدركوا بسهولة أن مثل هذه القضية هي من قضايا غيرنا، لا دخل لنا فيها. وبالتالي هي مشكلتهم وليست مشكلتنا حتى نقلدهم فيها ونتبناها عنهم. لأنك تعلم كما يعلم المستنيرون، أن المرأة في الغرب، لها وضع يختلف عن وضع المرأة في الإسلام. إذ المرأة في الغرب عاشت لقرون طويلة تحت الاضطهاد التعسفي، وكانوا ينظرون لها على أنها كائن منبوذ وليس فيها خصال البشر، وبالتالي ليس لها كل الحقوق التي يتمتع بها الرجل. ولما جاء الفكر الرأسمالي المعاصر، أراد أن يرد لها ما سلب منها، فنادوا بتحرير المرأة، مما يدل على أنها كانت بالفعل مضطهدة ومستعبدة. وأعطوها بعض الحقوق مما يدل على أنها لم تكن لها حقوق. فهم إذا يعترفون ضمنيا بهذه السلبيات، ويريدون أن يمسحوا عن أنفسهم هذا العار. ولكن رغم ذلك لازالوا إلى حد هذه الساعة لا ينظرون إلى المرأة نظرة تطابق جنسها، وإنما ينظرون لها نظرة دونية، أي أنها لازالت في نظرهم دون الرجل، وتجد ذلك واضحا وجليا في مناداتهم بمساواة المرأة بالرجل. أي مما يفهم منه أن الرجل عندهم يمثل المعيار السُلّمي الذي تقاس بحسبه مسألة المساواة. فهو إذا، أي الرجل لا يتزحزح عن مكانه، وثابت في درجات السلّم، وبه تقاس المساواة. وعلى المرأة في هذه الحال أن تخضع لهذا السُلّم ليرتقي بها إلى مستوى الرجل، وليس العكس. وهذا أمر فضيع، وفيه ظلم للمرأة. ونعود فنقول لو كان هؤلاء الناعقون بحرية المرأة في تونس وغيرها، يدركون فحوى هذه المسألة، ويفكرون بعقولهم في هذه المعادلة لما تكلموا عنها أصلا. ولكن تخلفهم الفكري، هو الذي جعلهم يقلدون غيرهم تقليد الأعمى دون أي تفكير.. فنحن المسلمون لم نسمع بمثل هذه القضايا إلا بعد أن حكمنا الغرب الكافر ونفخ فينا سمومه. وعملاؤه هم الذين يعملون على نشر هذا التلوث الفكري في الأمة. فالإسلام أعلى وأسمى من أن يتهم بهذا الجرم وهذا الظلم، لأنه لم يميز بين الجنسين، أي بين الذكر والأنثى، والخطاب الشرعي جاء ليخاطب الإنسان بوصفه إنسان، انظر إلى قوله دائما ( يا أيها الناس… يا أيها الذين أمنوا… يا بني آدم…) إلى غير ذلك مما يفهم منه أنه يخاطب الإنسان العاقل بوصفه إنسانا، بغض النظر عن جنسه، ذكرا كان أو أنثى، والكل ضمن هذا الإطار العام سواسية، مقيد بالأحكام الشرعية نفسها، فلا الرجل أسمى وأعلى من المرأة، ولا المرأة أدنى وأقل من الرجل. وحتى بعض الأحكام التي خوطبت بها الأنثى، كأحكام الحيض والنفاس، فهي تابعة لخصوصيتها الأنثوية وليست الإنسانية. إذا قضية المرأة قضية مفتعلة ومختلقة، وهي محض افتراء على الإسلام. وأما الذين يسلبون اليوم حقوق المرأة ويضطهدونها، هم أولئك الذين يحاربونها ويجبرونها على التخلي عن اللباس الشرعي الذي ألزمها الله به، ويرغمونها بقوة البوليس والقانون على السفور والتبرج كما هو الحال في تونس مع نساءنا وبناتنا.

 

4-  س: نعم واضح أختنا الكريمة، غير أن النظام في تونس يصر على تفسير هذه الحملة بأنها نوع من أنواع الوقاية، ومقاومة للأشكال التي تعبر عن رموز حركية. أي يقصدون بذلك الانتماءات الحزبية. بمعنى آخر أن ظاهرة الحجاب في تونس تدل على تيارات فكرية وايديولوجية، لها مطامع ودوافع سياسية، وبالتالي هي تعبر عن الانتماء لبعض الحركات غير المرغوب فيها في البلد. فهل هذا صحيح، وإن كان صحيحا فما المانع من اشتغال المسلمين بالسياسة.

 

ج: واضح أخي الكريم من هذه السفاسف ، والتبريرات السخيفة، أن النظام في تونس يتخبط ولا يدري كيف يتصرف ويغطي أعواره وعيوبه ومظالمه أمام الرٍأي العام العالمي الذي يهاجمه. ففي هذه الأعذار مغالطات كبرى، وافتراءات ووهم وكذب. وهم بأعمالهم وتصرفاتهم هذه يسفّهون أنفسهم. لأن الملاحقات لم تكن محصورة في فئة قليلة من الشابات، يفترض أن لهن توجهات سياسية، أو انتماءات حزبية حسب زعمهم. وإنما الملاحقات طالت كل أطياف المجتمع، بنات المعاهد وبنات الجامعات، والموظفات و ربات البيوت، وحتى المسنّات والأميات اللاتي لم يتعلمن في المدارس. فالحملة إذا شملت كل النسوة بغض النظر عن أعمارهن ونشاطهن المهني أو المنزلي. فهل كل أولئك النسوة متحزبات، ومؤطرات في كتل حزبية. هذا من حيث شمولية الحملة، أما من حيث واقع اللباس الشرعي، فإنه فريضة شرعية، على كل نساء المؤمنين أن يلتزمن به. وأحكامه مسطرة ومفصلة في كتب الفقه الشرعي ضمن باب المطعومات والملبوسات، التي تحدد علاقة الإنسان بنفسه. فهي إذا، أي الأحكام ليست من وضع الأحزاب السياسة، ولا من أدبياتها، حتى يقال عنها إنها أزياء حزبية خاصة، وترمز لبعض التوجهات السياسية والفكرية. كما هو الحال بالنسبة إلى الأزياء الرسمية التي ترمز لبعض الوظائف والمهن، كزي الجندية والشرطة ورجال المطافئ وغيرهم. وبعد هذا كله هل الإسلام حرم على المسلمين الاشتغال بالسياسة والانتماء للأحزاب. وهل هذا الأمر مباح لرجال السلطة وزمرة العلمانيين ومحرم على المسلمين؟ فالأصل في المسلم، سواء كان ذكرا أو أنثى، أن يشتغل بالسياسة، وأن يهتم بأمر المسلمين، في جميع شؤونهم، السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، ولا يترك أي مجال من مجالات الحياة بأيدي الأعداء، من جملة العملاء والخونة. بل المفروض أن يعمل على إزاحتهم عن سدة الحكم، لأنهم غير مؤهلين لرعاية شؤون الأمة حق الرعاية. وأكثر من ذلك فهم يحكموننا بأنظمة وضعية تتناقض مع الإسلام، فالواجب على المسلمين الاشتغال بالتغيير على أساس الإسلام، لأن دولة الإسلام غير موجودة اليوم. وعليه فإن تبرير هذه الحملة بمثل هذا الادعاء الكاذب، يكشف خبث هؤلاء المجرمين، ومدى سفاهتهم.

5- س: أختنا الخنساء شكرا لك على ما أفدتنا به، ونود منك في الختام أن تقولي لنا كلمة أخيرة، فهل لك ما تقولينه لإخوانك وأخواتك في تونس عبر قاعة صوت الأمة بالبالتوك، وهل لك رسالة تريدين توجيهها لكل من يستمع لك في هذا الحوار.

 

ج: نعم بارك الله فيكم لإتاحة هذه الفرصة لي. وأود أن أقول لأخواتنا المضطهدات في تونس، إن الله عز وجل يخاطبكن فيقول، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ) ويقول جل من قائل: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ). فالله سبحانه وتعالى يأمركن بهذا الأمر، والعصابة التي تحكم في تونس، تأمركن بعصيان هذا الأمر، وبخلع لباس العفة والحياء، فلمن تكون طاعتكن، ألله العزيز الجبار، أم لطاغوت تونس وأزلامه. فلا تستسلمن لهؤلاء الجبابرة، والرسول عليه الصلاة والسلام يحذرنا من طاعة المخلوق في معصية الخالق. فعليكن بالصبر والاحتساب لله، وتذكّرن قوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ).

وأما أنتم يا رجال الأمن، أوَ لستم من أبناء هذه الأمة المحمدية وأحفاد الفاتحين، أم أنكم من بقايا قوم فرعون وأحفادهم، حتى يستخف بكم فرعون تونس، فتتبعونه في غيه فيرديكم في نار السعير كما أردى فرعون قومه، ( وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ )، واعلموا أنكم بملاحقتكم نساءكم العفيفات الطاهرات، تلاحقون بناتكم ونسائكم وأمهاتكم، ولا تلاحقون سبايا أتيتم بهن من خارج بلادكم، حتى تستبيحوا أعراضهن، فهل فقدتم المروءة ونخوة الرجولة، وهل انتزعت منكم غيرة الفحول، حتى أنكم رضيتم بأن تمتد الأيادي القذرة لتعبث بأعراض حرائركم، أوَ ليس فيكم رجل رشيد، يتفطن لهذا الأمر الخطير، الذي يراد به إفساد نساءكم وبناتكم. فهل ستتمادون في الاستقواء على النساء، وتعينون الظالم على غيه، ولا تردون عليه ظلمه، فأي رجولة هذه؟.

وأما أنتم أيها المسلمون، أينما كنتم، سواء في تونس أم خارجها في كل العالم الإسلامي. اعلموا أنكم منذ أن فقدتم سلطان الإسلام، بسقوط دولة الخلافة، فإنكم تعيشون خارج عزة الإسلام، وتُحكمون بأنظمة الكفر. والأصل أن تعيشوا بالإسلام ومن أجل الإسلام، لأنكم من أبناءه. فلو كنتم تفكرون على أساس الإسلام في كل مجالات حياتكم، كما فكرتم في قضية الحال، أي في معاناة أخواتكم في تونس، ومنعهن من لبس الحجاب، لأدركتم أن الإسلام كله محارب، وأحكامه كلها معطلة. ولا تنحصر القضية في اللباس فقط. ففكروا على أساس الإسلام وانظروا حواليكم، فسترون أن الأنظمة التي تحكمكم، هي أنظمة رأسمالية بمظاهرها المعلنة وغير الخفية. فلماذا تثورون على تعطيل حكم واحد ولا تثورون على تعطيل باقي الأحكام الأخرى، أوَ ليست هي الأخرى من أحكام الإسلام؟ ولهذا، عليكم ومن الآن أن تراجعوا أنفسكم ومواقفكم، وأن تباشروا الاشتغال بإرث الرسول – صلى الله عليه وسلم- لتعيدوا مجد الإسلام والمسلمين بإعادة الخلافة الإسلامية الثانية لتحكمكم بكتاب الله وسنة رسوله. فاعلموا أنه من مات منكم وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهليةٍ، كما قال الرسول الكريم، والبيعة لا تعطى إلا لخليفة المسلمين، وليس للحاكم الذي نصب نفسه على قطر من أقطار العالم الإسلامي، وزعم أنه من ولاة الأمور. وعليه فإننا ندعوكم إلى الالتحاق بصفوف العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة، وها هو حزب التحرير معكم وبينكم، يعمل في القارات الخمس، لا يصعب عليكم الاتصال به والانضمام إلى صفوفه. فقد جهز للأمة منذ سنوات مشروعا متكاملا للخلافة القادمة، ولا يحتاج منكم إلا أن تسيروا معه نحو طلب العزة. واعلموا أن الخلافة التي ارتبطت باسم حزب التحرير، وارتبط هو بها، ليست من مسؤولية حزب التحرير فحسبٍ، وإنما هي مسؤوليتكم جميعا، لأنها دولتكم ونظام حياتكم المميز، وطراز مغاير لعيشكم الحالي، فإلى العمل الجاد لتخليص أنفسكم وأمتكم من هذه المعاناة، والله نسأل أن يفتح على قلوبنا وبصائرنا، وأن يسدد خطانا، وأن ينصرنا ولا يكلنا إلى غيره، إنه سميع مجيب الدعاء، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الخاتمةٍ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك أختنا  » الخنساء » على تلبية الدعوة. وهكذا أيها الأخوة المستمعون نختم لقاءنا مع ضيفتنا لهذا اليوم لننتقل بكم إلى الفقرة التالية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حوار أجراه الأستاذ  » أبو إسراء » في إذاعة صوت الأمة بالبالتوك ( alummahVoicenet ) في مساء الخميس الموافق 03/05/2007م.


 

وزير العدل يصدر تعليمات للقضاة

أبو الفضل

شهدت المحاكم التونسية اجتماعات مكثفة خلال الأسبوع الماضي تولى خلالها رؤساء المحاكم و وكلاء الجمهورية إبلاغ القضاة بالتعليمات الجديدة الصادرة عن وزير العدل و حقوق الإنسان. و قد تضمنت هذه التعليمات مسائل تتعلق بالتصريح بالأحكام المدنية و الجزائية علنا و بكيفية متابعة الاختبارات في المادة المدنية و تسيير الجلسات إلى جانب شرح مدونة سلوك لكافة القضاة. و في حالة من الذهول العام تساءل العديد من القضاة عن الأسباب الدافعة لهذه التعليمات و عن غياب المجلس الأعلى للقضاء.

إن حالة الوهن التي يتخبط فيها القضاء في تونس جعلت وزير العدل يتصرف بطريقة فردية في تغييب تام للمجلس الأعلى للقضاء الهيكل الذي يخول له القانون تنظيم مرفق القضاء و إصدار توجيهاته إلى القضاة و التي تتعلق بطرق تسيير الجلسات. فبعد سحب الحركة القضائية بصفة نهائية من أيدي شيوخ القضاة جاء سحب سلطة وزير العدل على أعضاء النيابة العمومية على القضاء الجالس.

و في هذا الإطار من الخوف و الخنوع الذي أضحى السمة البارزة لواقع القضاء التونسي بدأ القضاة يتحسرون على ضياع جمعيتهم الحصن الأخير للدفاع عن مصالحهم أمام وزارة العدل. ذلك أن المكتب التنفيذي المنصب أصبح لا دور له سوى التثمين و المباركة و الإشادة و الافتخار متناسيا المشاغل الحقيقية للقضاة.

(المصدر: موقع pdpinfo.orgنقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 404 بتاريخ 4 ماي 2007)


لا مجال للاستخفاف بذاكرة القضاة

أبو فراس

في أول حوار جدي داخل مجلس النواب حول وضعية القضاة بصفة عامة و جمعية القضاة الشرعية بصورة خاصة صدم وزير العدل و حقوق الإنسان الرأي العام الوطني بإجابات و توضيحات يعلم القاصي و الداني سواء من أوساط القضاة أو الرأي العام بعدم صحتها إطلاقا.

فعندما يجيب السيد وزير العدل ( الأستاذ الجامعي و المحامي و العميد السابق) بأن جمعية القضاة الشرعية برئاسة القاضي الفاضل أحمد الرحموني لم يقع حلها و أن القضاة سحبوا الثقة من المكتب المذكور و أن الحركة القضائية لسنة 2005 لم تتضمن نقلا تعسفية طالت جميع أعضاء الجمعية و مجموعة من القضاة المنخرطين في الجمعية فإنه لا يسع أي ضمير صاح إلا أن يتساءل: هل انك يا سيادة الوزير ستبقى دائما تؤمن بصحة ما تقول؟ و ماذا سيقول المؤرخون في منابر البحث في التاريخ السياسي حول أزمة جمعية القضاة؟ إن الحملة التي طالت جمعية القضاة الشرعية تزامنت مع الحملة على كل الجمعيات و الأحزاب المستقلة و كان الأسلوب المتبع واحدا و يتمثل في تحريك بعض العناصر لإثارة المنازعات و التشكيك في شرعية الهياكل المنتخبة ثم في مرحلة ثانية إدخال القضاء في إفتاء ببطلان المؤتمرات لصالح زمرة من المتسلقين و برفض الدعاوي في جانب الأطراف الشرعية. إن واجب احترام ذاكرة القضاة تفرض علينا التوقف عند مراحل الحملة التي قامت بها وزارة العدل و طالت هياكل جمعية القضاة الشرعية و ذلك بهدف ضرب كل نفس حر داخل القضاء التونسي:

1- في 30 جويلية 2004محاصرة قوات من الأمن قصر العدالة بتونس بأمر من النيابة العمومية الخاضعة قانونا لتعليمات وزير العدل لمنع الندوة الصحفية التي كانت جمعية القضاة التونسيين قد دعت إلى إجرائها بمقرها داخل قصر العدالة

2- الحملة التي قادها أعضاء النيابة العمومية (وكلاء عامون، وكلاء جمهورية، أصحاب مسؤوليات قضائية….) بهدف الضغط على القضاة و ترهيبهم للتأثير على حريتهم في الانتخاب قبيل المؤتمر العاشر لجمعية القضاة التونسيين

 

3- تحريك بعض القضاة الفائزين في المؤتمر قصد التصدي لوصول القاضي أحمد الرحموني لرئاسة الجمعية ثم دفعهم فيما بعد إلى تعطيل العمل داخل المكتب التنفيذي و ذلك لخلق جو من التوتر و التهديد بالاستقالة ( 4 قضاة انشقوا منهم نائب الرئيس و أمين المال و عضوين)

4- في 3 جويلية 2005 عندما عمدت مجموعة من القضاة ( من أصحاب النظارات السوداء) إلى إحداث حالة من الفوضى بعد رفض غالبية القضاة الحاضرين ترؤس القاضي خالد عباس الجلسة العامة الخارقة للعادة. و من المعلوم أن تلك المجموعة معروفة لدى عامة القضاة بارتباطها الوثيق بوزارة العدل لذلك فهم عششوا في قصر العدالة و محكمة التعقيب و يساهمون في إعداد الحركة القضائية بتقديم النصائح؟؟؟؟

5- في 30 جويلية 2005 تمرير مشروع القانون الأساسي للقضاة رغم اعتراضهم عليه بقوة و رفضهم له و لكن السيد وزير العدل تحدث خلال الجلسة البرلمانية قائلا بان القضاة يباركون المشروع المذكور؟؟؟

6- في 1 اوت 2005 صدور الحركة القضائية الانتقامية التي تضمنت عملية تشتيت لأعضاء الهيئة الإدارية للجمعية و عددا كبيرا من خيرة القضاة التونسيين الشرفاء الذي تعاطفوا مع المكتب التنفيذي و قالوا لا لمسرحية الانقلاب

7- في 28 أوت 2005 استيلاء وزارة العدل على مقر جمعية القضاة بقصر العدالة و تغيير أقفاله في سابقة خطيرة لم تشهد لها بلادنا مثيلا

8- في 4 ديسمبر 2005 حملة من الضغوطات على القضاة لحضور مؤتمر استثنائي و ترهيبهم من خلال قوائم اسمية و شارات إسمية مجانية ( إذ وزعت وزارة العدل إشارات إسمية على كافة القضاة بصفة مجانية و هي أول مرة في تاريخ القضاة) إن كل ما حصل يشكل بكل المقاييس إهانة للقضاة في تحد صارخ للقوانين التونسية و التي يتم التبجح بها صباحا مساء على أننا في دولة القانون و جنة حقوق الإنسان. فهل يسمح قانون الجمعيات لوزارة العدل بغلق مقر جمعية مستقلة و تغيير أقفاله و تسليم مفاتيحه فيما بعد لمجموعة من المتسلقين؟ ما هو موقف شيوخ القضاة الذين أمضوا طائعين على الحركة القضائية لسنة 2005؟ و هل بقي شيئ يمكن أن نثق به؟؟

إن تواصل أسلوب الوصاية من وزارة العدل على القضاء و القضاة و في غياب صوت العقل سوف يدفع إلى أوضاع سلبية لا نتمناها لقضائنا. لذلك فإن ترجيح صوت العقل و تغليب مصلحة القضاء و مصلحة البلاد تستدعي تدخلا عاجلا من أصحاب القرار السياسي لوضع حد لمأساة القضاة المبعدين و خاصة القاضيات منهم حفاظا على روح الانتماء إلى هذا الوطن.

(المصدر: موقع pdpinfo.org

نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 404 بتاريخ 4 ماي 2007)


سبع سنوات من العطاء…

 

محمد فوراتي

 

شق المنبر الحر » تونس نيوز » طريق النجاح سنة بعد سنة حتى أصبح منبرا لا غنى عنه لكل التونسيين بمختلف ألوانهم وأحجامهم وأفكارهم. ولا أجد طريقة ونحن نحتفل بالذكرى السابعة لميلاد هذا المنبر أفضل من تقديم لمحة عن الانجازات الباهرة التي حققتها « تونس نيوز »، وهي الفكرة التي ولدت صغيرة وكبرت في حلم التونسيين، في الوقت الذي تتراجع فيه صحفنا اليومية والأسبوعية وتفقد قراءها، وينفضّ المشاهدون من حول تونس 7 واخواتها. وليس هناك أحلى تحية لهذا الفريق ، وقد أحببناهم ولا نعرفهم، من كشف بعضا مما أنجزوه وقد لا يعلمون.

 

أولا لقد وفر هذا المنبر خلال مدة قصيرة فرصة نادرة لكل التونسيين للإطلاع على أخبار وشؤون بلادهم يوما بيوم، ومن مصادر مختلفة مما فتح العقول، وترك المجال واسعا للإختيار بين الغث والسمين.

ثانيا أتاح الفريق للتونسيين على مختلف مشاربهم أن يقرأو أنفسهم ويقرأو لمن خالفهم الرأي لأول مرة بعد أن اختفت جريدة الرأي والمغرب العربي وغيرها من المنابر.

ثالثا أصبح هناك فضاء لكل المظلومين ليُسمعُوا صوتهم لمن ظلمهم ومن صمت عن ضياع حقوقهم.

رابعا حقق المنبر انتشارا سريعا وغريبا بين جميع الفئات التونسية من سلطة ومعارضة على مختلف توجهاتها وحقوقيين ومدافعين عن حقوق الانسان ومواطنين مستقلين، وأذكر أنه عندما ضرب الموقع آخر مرة وأختفت القائمة البريدية ان الجميع كان يسأل عن موعد عودة المنبر وطريقة إعادة الاشتراك. وقد عاد والحمد لله أقوى من الأول.

خامسا أصبح مصدرا للخبر، وللتعليق على الخبر، وليس خافيا أن أغلب الصحفيين في مختلف المواقع أول ما يدخلون المكتب يفتحون « تونس نيوز » وبعد ساعة يلتقون في مقهى الصحيفة أو المجلة ويعلقون على ماورد من مواد. والأغرب أن صحفيي الإذاعة ووكالة تونس افريقيا للأنباء والتلفزة والحرية والصحافة الحكومية والشروق والصباح أصبحوا لا يستغنون عنها مع قهوة الصباح.

سادسا أتاح الموقع فرصة لفرق البوليس السياسي والمخابرات للتثقف، والإطلاع على الآراء وفرزها، ولمتابعة أثر النشطاء في الداخل والخارج وهم جالسون في مكاتبهم. ربما يرى البعض أنها من السلبيات ولكن..

سابعا دعّم الحوار بين الفرقاء من اليساريين والاسلاميين والقوميين والليبراليين والتجمعيين، فهم يلتقون كل صباح في نفس الوقت على نفس المنبر. ويطلع الواحد على أفكار مخالفيه وهو يبتسم أو يرعد ويزبد، وهي عادة حسنة لم يتعود عليها التونسي.

ثامنا زاد في وعي التونسيين بقدسية حرية الرأي والتعبير، وأن جميع الآراء نسبية مهما كان مصدرها، وان تونس هي لجميع التونسيين.

تاسعا كسر طوقا كبيرا كان يحجب السلطة عن المواطن ومشاغله، فأصبح أثر الخبر الذي ينزل كبيرا ومصدر متابعة من عديد الدوائر، وقيل ان الرئيس بن علي يحرص على الإطلاع كل صباح على أهم ما ينشر في الموقع.

عاشرا أتاح مجالا واسعا وخصبا للمدافعين عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة لنشر بياناتهم والترويج لقضايا المظلومين وتنظيم الحملات.

الحادي عشر اتاح لكل المختلفين في الرأي نشر بياناتهم وأطروحاتهم في نفس المساحة رغم أن بعضهم يحقد على فريق الموقع. وأصبحنا نجد أثر القومي وحزب العمال والعمل الوطني الديمقراطي والنقابي الراديكالي والتجديد والتكتل والتقدمي والإسلامي والشيعي بل والتجمعي الذي لم يجد مساحة في جرائد حزبه.

الثاني عشر اتاح للمرأة التونسية التعبير عن رأيها والكتابة في شؤون بلدها وقد مرت عديد الأسماء على الموقع بأسماء حقيقية أو مستعارة.

الثالث عشر فتح باب الجدل والنقاش حول عديد القضايا الشائكة أو الخلافية، لايجد التونسيون منبرا آخر يتجادلون فيه إلا ما ندر، وهي فرصة تتيح للكثيرين أن يعدلوا آراءهم من خلال الإطلاع على الكثير من الزوايا التي يجهلونها. كما أتاح لعديد الأقلام الشابة والمحرومة من الكتابة في الداخل للمساهمة في التعبير.

الرابع عشر كسر حاجز الخوف، ففي السنوات الأولى كان الإطلاع على تونس نيوز تهمة، والكثير منا تم طرده من مقهى الانترنت لهذا السبب، ولكن اليوم يقابل الوزير زميله فيقول له شفت تونس نيوز اليوم.

الخامس عشر كشف عورات الكثير من الجلادين والفاسدين والظالمين الذين يعيشون في الظلام.. وأحيلكم على مقال الزميل الصحفي يوم أمس عن وكالة تونس أفريقيا للانباء وفضائحها..رغم أن هذه الحقائق معلومة لكثير من الزملاء.

السادس عشر جعل التونسيين خارج البلاد يتواصلون كل يوم مع هموم بلادهم قراءة وكتابة وتعليقا وكأنهم في بيت واحد رغم بعد المسافات.

طبعا هذا قليل من كثير، والمؤكد ان البعض سيضيف على هذه النقاط نقاط أخرى، ولكن مهما فعلنا فلن نستطيع مكافأة هذا الفريق على مجهوداته الجبارة.

وأختم فأقول أن هناك عديد السلبيات التي لا يمكن ان يخلوا منها منبر حر ومفتوح ولكن يمكن أن نتجاوزها بقليل من الجهد. وأول هذه السلبيات الأخطاء المطبعية واللغوية التي يمكن للفريق إصلاحها. وثانيها بعض المواد الطويلة والمقرفة أحيانا والتي تخل بشعبية الموقع فما فائدتها؟ ثالثا إثارة بعض القضايا الجدلية لمدة طويلة قد تجعل الجدل عقيما وتسمح لهواة السب والشتم بتسريب سمومهم.

شكرا جزيلا للجميع فريقا ومساهمين وقراء.. وشكرا لكل المواقع التونسية الأخرى التي لا غنى عنها وكل عام وحرية التعبير والصحافة بألف خير.


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الإستراتيجة المفصّلة للصلح والوفاق

بين السلطة والإسلاميين في تونس

 

د. محمد الهاشمي الحامدي

 

تتضمن هذه المقالة محاولة للإجابة على الأسئلة التي تضمنتها مقالة الأخ بوعبد الله بوعبد الله الصادرة في نشرة « تونس نيوز » الغراء بتاريخ 3 ماي 2007، وعنوانها « المصالحة دعوة للخير فلا تحولوها منبرا للسب ».

                                                        

يقول الأخ بوعبد الله في مقالته « القراء يريدون معرفة الكثير عن هذه الدعوة وأسئلتهم  في انتظار الرد من الأخ الهاشمي أو السلطة وهو أحسن ».

 

سبق أن قلت أنني لا أمثل السلطة التونسية ولا أنطق باسمها ولا أعبر عن رأيها في هذا الموضوع. إنني أكتب فيه كمواطن تونسي محب لدينه وأهله ووطنه، وأعبر عن اجتهادي الشخصي، لا أفرضه على أحد، ولا أدعي فيه العصمة، ولا أرغب في الإساءة لأحد أو التهجم على أحد. لذلك أقدم جوابي لا جواب السلطة.

 

منطلقي في الجواب هو الحب الخالص للتونسيين، للذين يؤيدونني في الرأي وللذين يخالفونني، وللصامتين الذين تمنعهم عوائق مختلفة عن المشاركة في هذه المناقشات بآرائهم الصريحة، أو أولئك الذين لا يسعهم الإطلاع عليها جملة وتفصيلا.

 

وضع الإسلاميين وضع خاص وأكثر تعقيدا من أوضاع اليساريين والقوميين والعلمانيين في تونس. ويحتاج لمعالجة خاصة وصبر وتصميم. وما أكتبه هو ما وصلت إليه من تجارب الصدام والحوار مع السلطة، وتجارب اللقاء والإفتراق مع حركة النهضة، وتجارب الإحتكاك بكتّاب المواقع الإخبارية التونسية في الانترنت.

 

من هذه المنطلقات دعوت لإعادة صياغة العلاقة بين التجمعيين والإسلاميين في تونس. دعوت لطي كتاب التجارب السابقة التي بنيت على الصدام والمواجهة والقطيعة، وافتتاح أو تأليف كتاب جديد يقوم على الحوار والتفاهم، والتحالف إن أتيحت الفرصة.

 

أؤمن بالديمقراطية والتعددية ومبادئ حقوق الإنسان، وأدافع عن هذه المبادئ في تونس والدول العربية والمجتمعات الإسلامية، وكل هذا لا يتناقض مع الطرح الذي أقدمه لمعالجة النزاع بين الإسلاميين والتجمعيين في تونس. هذه حالة خاصة يجب التفكير في شأنها بواقعية وموضوعية ومبدئية في آن واحد.

 

في رأيي أن تشكيل حزب سياسي إسلامي في تونس على شاكلة الإخوان المسلمين ليس فكرة جيدة. هي فكرة فيها بعض المنافع لكن أضرارها على الدين والوحدة الوطنية والمتدينين أكبر وأكثر من تلك المنافع.

 

كما أن تشكيل تنظيمات سرية في الدولة الحديثة فكرة غير موفقة، وأضرارها أكثر وأكبر من أية منافع.

 

والبديل عن هذا الخيار هو الآتي:

 

من أراد المساهمة في العمل الدعوي والفكري والثقافي فليعمل في جمعية مثل جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، أو ليؤسس جمعيات أخرى تخضع لقانون الجمعيات في تونس، لنقل مثلا: منتدى ابن خلدون، أو جمعية الإمام مالك بن أنس.

 

 

ومن أراد العمل السياسي فليطلبه في حزب من الأحزاب القانونية المرخص لها. التجمع الدستوري الديمقراطي هو الخيار الأول الذي أنصح به الإسلاميين، فإن لم يرق ذلك لقارئ من قراء هذه المقالة، فأمامه عدة أحزاب أخرى يمكن أن يختار منها.

 

كيف نصل إلى هذه المرحلة؟

 

يحتاج الأمر أولا لإسلاميين مقتنعين بهذه الأفكار. فمن دونهم لا ضرورة للبحث في أي أمر آخر يؤسس على الأفكار السابقة.

 

وفي الوقت الحاضر يقال إن هناك كثيرا من المؤمنين بهذه الأفكار في صفوف الإسلاميين التونسيين. وتتم الإشارة لبعض من كتب في منابر الإنترنت، أو لبعض الذين وقعوا في بعض العرائض العلنية قبل عامين.

 

لكن لا أحد يعرف الآن على وجه الدقة إن كان هناك مائة تونسي على الأقل، من أبناء التيار الإسلامي، يؤمنون بهذه الأفكار ومستعدون للدفاع عنها علنا.

 

إذا افترضنا أنهم موجودون، ولكنهم مترددون في الكتابة العلنية، فإن المرحلة المقبلة التي تبنى على معطى صحيح هو وجود مائة إسلامي تونسي مقتنعين بخيار فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الحزب الحاكم، هي السعي للدخول في حوار مع السلطات التونسية.

 

كيف يبدأ مثل هذا الحوار؟

 

يبدأ بتوقيع هؤلاء المائة على بيان سياسي وفكري صريح وواضح وعلني يمد يد الصداقة والتقدير والأخوة الدينية والوطنية للرئيس التونسي زين العابدين بن علي وللتجمع الدستوري الديمقراطي.

 

لمزيد التوضيح أقترح الصيغة الأولية لهذا البيان:

 

« إن المواطنين التونسييين الموقعين على هذا البيان يجددون الإعلان عن تأييدهم للمبادئ التي تضمنها بيان 7 نوفمبر 1987، ويشيدون بالإنجازات التي تحققت لبلادهم خلال العقدين الماضيين تحت قيادة الرئيس زين العابدين بن علي، وبالمكانة المرموقة التي حققتها تونس في المحافل الإقليمية والدولية بسبب السياسات الخارجية الرصينة والحكيمة التي انتهجتها الحكومة.

 

كما يشيد الموقعون بما تضمنه خطاب الرئيس زين العابدين بن علي في اليوم الوطني للجمعيات من دعوة لتوسيع دائرة الحوار والتشاور والوفاق بين التونسيين، وتأكيد على أن المساهمة في الشأن العام حق لكل تونسي وتونسية، وتأكيده في خطاب عشرين المارس الماضي على الأهمية القصوى للولاء لتونس والتمسك بهويتها العربية والإسلامية.

 

وفي هذا السياق يدعو الموقعون على هذا البيان لتصحيح مسيرة العلاقة بين التونسيين المنتمين للتيارات الإسلامية المعتدلة والتجمع الدستوري الديمقراطي، وإخراجها من دائرة الصدام والقطيعة والمواجهة، ومعالجة آثار المرحلة السابقة، وفتح صفحة جديدة من العلاقة تحكمها قوانين البلاد، وقيم التضامن والمحبة والتسامح بين أبناء الوطن الواحد.

 

يعرب الموقعون على هذا البيان عن استعدادهم للمساهمة بكل ما في وسعهم وكل ما يطلب منهم للمساهمة في تحقيق هذا الهدف الوطني النبيل، وفي تعزيز الخيار الديمقراطي والوفاق الوطني ومواجهة تيارات العنف والتعصب والإرهاب.

 

كما يعلن الموقعون على هذا البيان عن ثقتهم الكاملة في الرئيس زين العابدين بن علي ويأملون أن يلقى هذا البيان تقديره الشخصي واهتمامه ودعمه ».

 

بعد نشر البيان، يرسل الموقعون عليه رسالة أخرى شخصية ومباشرة للرئيس بن علي تتضمن اقتراحات إضافية وتفصيلية حول الهدف الذي يسعون لتحقيقه، وليس ضروريا أن تنشر مثل هذه الرسالة.

 

أتوقع، بناء على قراءتي للمعطيات المتاحة لديّ ودروس التجارب السابقة، أن يلقى إصدار البيان ترحيبا من الرئيس بن علي والحكومة التونسية، وأن يضع الأرضية السياسية والنفسية التي تيسر انطلاق حوار مباشر حول الهدف المركزي، وهو إعادة صياغة العلاقة بين الإسلاميين والسلطة في المرحلة المقبلة.

 

أبني قراءتي هذه أساسا على الثقة بالرئيس زين العابدين بن علي، وعلى ما أعرفه عنه من محبة لكل تونسي، وحرصه الدائم على لم شمل التونسيين، وحماسته لاستخدام صلاحياته الدستورية ومنح العفو الرئاسي لكل من تبين له أنه جاد في تجاوز الماضي واقتحام المستقبل في إطار القانون.

 

وأبنيها على قناعتي بأن حكام تونس من قيادات الحزب الحاكم هم إخوة الإسلاميين في الدين والوطن، وأولويتهم هي إسعاد التونسيين والرقي بأوضاعهم، لذلك لن يغلقوا الباب في وجه من يطلب الصلح والوفاق معهم أبدا أبدا.

 

أبني قراءتي على أن الرئيس بن علي هو ابن الشعب التونسي، ولن يخذل أي مسعى وفاقي صلحي من هذا النوع. فطرته وطبيعته الشخصية تجعله يتحمس لإدخال الفرحة في قلوب التونسيين كافة، وهو يعرف أن الإسلاميين التونسيين هم في نهاية المطاف من التونسيين. وإذا جاؤوه براية الصلح والوفاق فلن يردهم خائبين إن شاء الله.

 

عندما ينطلق هذا الحوار، فإن موضوعاته الرئيسية التي تفرض نفسها فرضا هي الآتية:

 

1 ـ الإفراج عن المعتقلين الإسلاميين وإلغاء أحكام الرقابة الإدارية للسجناء السابقين وإدماج الجميع في الدورة الإجتماعية من جديد. ومثل هذا الهدف أمامه فرصتان ذهبيتان ليرى النور بعفو رئاسي كريم من الرئيس بن علي، في العيد الخمسين للجمهورية يوم 25 جويلية، أو في العيد العشرين لتحول السابع من نوفمبر.

 

2 ـ الحصول على رخصة للعمل الثقافي ضمن قانون الجمعيات. وهذا أيضا أمر ممكن، وبوسع السلطة أن تسمح بتكوين منتدى الإمام مالك أو منتدى ابن خلدون، على شاكلة منتدى الجاحظ الذي يديره عدد من الإسلاميين التقدميين.

 

3 ـ توضيح المسارات المتاحة للعمل السياسي لمن أراد ذلك من مناصري التيارات الإسلامية. فإذا كان التجمع الدستوري الديمقراطي مستعدا لاستيعاب الراغبين منهم في الإلتحاق بصفوفه فهذا هو الخيار الأفضل للجميع.

 

أما الخيارات الأخرى بعد ذلك فكثيرة: يستطيع مناصرو التيارات الإسلامية المتمسكون بالعمل السياسي أن ينضموا فرادى لأي حزب آخر من الأحزاب المرخصة لأن القانون لا يمنعهم من ذلك.

 

وهناك موضوعات أخرى سيكون علاجها نتيجة منطقية لهذا الإنقلاب المنشود في العلاقة بين التجمعيين والإسلاميين.

 

المنشور 108 لن يبقى له داع لأنه صدر أول مرة عام 1981 في أجواء المواجهة الأولى بين الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وحركة الإتجاه الإسلامي.

 

 والمتدينات المتحجبات اليوم لسن أعضاء في جمعيات سياسية محظورة برنامجها السياسي الأول معاداة السلطة والكيد لها.

 

كل ما يتصل بالحياة الدينية وحرية العبادة سيتأثر بأجواء الصلح والوفاق.

 

وستوفر هذه المصالحة خيارات آمنة للشباب المتدين، تقيه من الوقوع في حضن التيارات العنيفة والتنظيمات السرية والنزعات الإرهابية.

 

هكذا تفتح الصفحة الجديدة التي أدعو إليها في العلاقة بين التجمعيين والإسلاميين. وسيؤدي هذا الإنفراج إلى تعزيز المسيرة الديمقراطية في البلاد، وتحرير هذه المسيرة من الإشكاليات التي تعلقت بها بسبب التوجه السياسي الحالي للإسلاميين، وإلى مصالح أخرى عظيمة لتونس الجميلة وشعبها وقيادتها.

 

مرة أخرى أذكر بالخطوة لأولى في مسيرة الوفاق والمصالحة بين الإسلاميين والسلطة في تونس: وجود كتلة حقيقة من الإسلاميين تعلن انحيازها لهذا الخيار وتستثمر فيه وتصبر عليه ليؤتي ثماره المرجوة.

 

في ظل غياب هذه الكتلة، تجد السلطة نفسها في مواجهة خطاب يتحداها وتيار يتحالف مع خصومها لفرض واقع سياسي جديد عليها. لا أريد أن أنطق بحكم على هذا الخيار، لكن من الواضح لكل ذي بصيرة أنه الخيار البديل والمناقض لما أدعو إليه.

 

وعلى الإسلاميين التونسيين أن يختاروا بشجاعة ومسؤولية: إذا كان خيار مواجهة النظام سياسيا وإعلاميا ضمن تحالف 18 أكتوبر وخارجه هو ما يرون أنه سيوصلهم لتحقيق أهدافهم، فهم أحرار في قناعاتهم وعليهم تحمل نتائج خيارهم.

 

وإذا كانوا يرون أن الإستراتيجية التي عرضتها للصلح والوفاق وبدء الحوار مع السلطة، والتي تبدأ بعريضة المائة، هي الأوفق لدينهم ولوطنهم ولهم ولعائلاتهم ومعتقليهم، فإن عليهم أن يظهروا ذلك بشكل ملموس.

 

والآن أسأل الأخ بوعبد الله بوعبد الله، وكل من يصله هذا المقال: هل يوجد حسب اطلاعكم، مائة من الإسلاميين التونسيين، لديهم الرغبة في تأييد مثل هذه الإستراتيجية علنا وبأسمائهم الصريحة، والتوقيع على هذه العريضة المقترحة، ليكون ذلك الدليل القاطع على تأسيس خيار جديد في مسيرة العمل الإسلامي التونسي؟

 

آمل أن أكون قد أجبت على أسئلتك أخي بوعبد الله، وأسئلة أخرى طرحها عليّ إخوة آخرون من قبل، وإنني لأرجو أن تتكرم بالرد على سؤالي أنت وكل من يهمه الأمر من القراء الكرام.


 

معالي وزير التعليم العاااااالي تحت قبة ال…برّ الأمان

      يكتبها عاشق بوعوني

 

    سيدي الوزير اسمح لي أن أبدأ بدون لف والتفات ودوران بالبعير عن إعجابي الشديد المتجدد الموصول بأدائكم الاستثنائي أمام نواب البرلمان التونسي فقد كانت ردودكم مقنّعة مفحّمة قاطعة كالعادة والعوائد لحبال الجدال العقيم وكانت إجابتكم باترة لرؤوس الفتنة وتزييف الحقائق وأصحاب النوايا المقعمزة المتغامزة.لا فضّ فوك وفو أبوك وأبو أبوك وجعلك الله سيف التعليم العالي البتّار لمقاومة الأشرار من النقابيين المنتمين للجامعة العامة ونصرة الأخيار من الموالين ….للعمل النقابي الحقيقي الذي يترأسه المكلف بمهمة في ديوان معاليكم طيب الذكر والفعل وحيد القرن المسمى عبثا « عبد الله » (وهو في الحقيقة عبدكم الوفي وكلبكم المخلص لميليشيات العهدين البائد والسائد )…والملقب ب »الرياحي » وهو خلاصة الشلوق والبراني والشرش وغيرها من الرياح السفلية الكريهة التي تذهب بالحياء والوقار والاحترام.

 

    لقد سمعت ردكم على النائب التجمّعي محمد الدامي الذي أدمى قلوبنا بدفاعه عن الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي وأبهتنا نحن أنصارك المخلصون بهذا التحالف المريب بين حفنة من التجمّعيين المشكوك في ولائهم وعصابة النقابيين الذين شنوا إضراب 5 أفريل سيء الذكر.فربما نسي النائب المحترم أن عصابة الجامعة العامة تعمل ضد مصلحة الوطن لإيقاف المسيرة المضفرة التي يشهدها القطّاع(قطّاع الطرق الجامعية) في عهدكم الزاهر ..نسي أننا دخلنا عصر الجودة وكل يوم دراسة يضيع بدون جودة (عفوا جدوى)  هو خسارة للوطن وللأمة العربية والافريقية والمتوسطيةو الاسلامية..نسي سامحه الله وغفر لذويه أن مطالب القلة من المندسين في الجامعة العامة مطالب سياسية تعجيزية لأنها تريد الاطاحة بكم والمالية لا تملك الأموال لتلبيتها.

 

    وسمعت ردكم على النائب محمد الدامي ( يا اروع وزير دخل إلى التعليم العاااااالي ولن يخرج منه بحول المولى القدير حتى يجهز عليه نهائيا ) وتمتعت بتحليلكم المنطقي وحججكم القاطعة وكلامكم المتوازن ورئيتكم الثاقبة وتصوراتكم المبدئية ووو..خاصة….خاصة مواقفكم القانونية.فكيف بالله عليكم وبرحمة العزوزة لايعرف النائب المحترم انه توجد قضية مرفوعة ضد الاتحاد العام التونسي للشغل وانه حكمت المحكمة ابتدائيا لصالح النقابي المخلص الوفي الذي أدان بوطنية عالية الاضطراب الاداري واقصد الأستاز الممتاز البشير الحمروني وصديقه الذي تمكن من الزيادة في أجور الجامعيين المرتفعة أصلا وأقصد الأستاز الممتاز مرتين مصطفى التواتي؟وكيف لايعرف النائب التجمعي المحترم أن النقابي الممدّد له بعد الستين(على خلاف رافع بن عاشور وهشام جعيط وعبد المجيد الشرفي وغيرهم ممن لايساوون شيئا في البحث والشهرة) أستاز التعليم العااااااااااا…لي والبحث الع…لمي جدا  ذو الشهرة العاااااااا..لمية والصمعة الززززز..كية والطلعة البهية حفيد الحامي والتليلي وعاشور ناجي الغربي؟ 

 

    والحقيقة يا احلى وزير لأمرّ وزارة أن مرافعتكم القانونية كانت راقية رائقةو سليمة سمينة ودمسة دامسة ليت طلبتنا في كليات الحقوق يدرسونها ويحللون ابعادها ويحفظونها عن قلب ظهر ثم يستظهرونها عن بطن قلب وليت المعهد الأعلى للقضاء يضعها في برامجه ولا يتخرّج أي طالب منه ولا تسند إليه شهادة إلا إذا برهن على أنه فهمها وأدرك مغزاها فلله درك ..لله درك ..لله درك مثنى وثلاث ورباع يا أعدل من وطأت قدميه مصعد وزارة التعليم العاااااااااالي .فماذا عسانا نقول؟وماذا عسانا نعلق؟ وماذا عسانا ننقل من ردكم الرائع يا مروّع الرائعين وسلاك الواحلين؟

 

   أشد على يديك يا وزيرنا المحبوب ومفخرة الخُواااااار الاجتماعي واحترام القااااااااانون إذا عزف في كل مكان بما في ذلك تحت قبة البرلمان.وأدعوك إلى أن تواصل ثورتك داخل الوزارة وخارجها حتى يرى الجميع وجهك المبتسم دائما(عند النقل التلفزي المباشر) وأساريرك المنفرجة أبدا (وبالألوان طبعا) خاصة حين يسألك نواب الأمة عن الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي ولنحمد الله أن السائل كان من التجمّع وليس من الأحزاب التي تصطاد في المياه الساخنة وإلاّ لأصبحت ابتسامتك ضحكا مسترسلا وتجعدت اساريرك كأنك ابن التسعين ربيعا وأقترح عليك وزيرنا العزيز أن ترسل في المرة القادمة شهادة طبية إلى السيد رئيس المجلس إذا دعاك إلى حوار برلماني وترسل من يعوّضك لكي يجد ما يصنع في وزارتك يا ذو الوزاتين أو أن تطلب على الأقل عدم نقل الحوار مباشرة ولا تسجيله لكي تبقى الفضائح في نطاق محدود فمن يدري ونحن في عصر الفضائيات والجزيرة الملعونة تتربص بنا؟

 

  وإلى حديث اخر عن وزيرنا الغالي في برج زوارة و9 أفريل    


إعلام حول ما حدث يوم الجمعة 4 ماي 2007

« الله يحكم علينا العقل »

عبدالوهاب عمري (تونس)
أفاق سكان حينا يوم الجمعة 04-05-2007 على حركة غير عادية لرجال الأمن الذين تكثفت دورياتهم الراجلة و المحمولة فظن بعض الطيبين أن الشرطة قد تحركت أخيرا – و » ميو فو طار كي جامي » كما يقول المثل الفرنسي – للبحث الجدي عن سيارة جارنا التي سرقت من أمام منزله قبل أسبوعين تقريبا إذ اكتفت الشرطة حينها بإجراءاتها الروتينية و إعلامه أن قطع غيار الـ »قولف » مطلوبة هذه الأيام و أنه كان عليه أن يكتري لها مستودعا.
لم يدم تفاؤلهم طويلا إذا سرعان ما تبين لهم من خلال الأسئلة التي طرحت عليهم أن هذه الحركة و هذا الإستنفار لا علاقة له بسيارة الجار المسروقة ( الله يعوّض له ) ولكنها تستهدف جارا آخر لهم لم يسرق ولم يقلب و لم يؤذ أحدا منهم و لكنه آلى على نفسه أن يقوّم اعوجاج هذه السلطة فمثلا يستنفر نصف هذا العدد فقط من رجال الشرطة للبحث عن سارق السيارة عوض أن يقوم كل هذا العدد بذلك الاستعراض السريالي البائس لمنع اجتماع خيالي لجامعة قابس.
على كل فقبل منتصف النهار بقليل، عند عودتي للمنزل لاحظت تواجد العديد من أعوان الأمن بالزي المدني منتصبين في زوايا الشوارع المؤدية إلى منزلي إضافة إلى « مركز قار » انتصب بالمناسبة قبالة الدار تقريبا و قد لاحظ أطفالي و زوجتي ذلك عند رجوعهم فشرحت لهم ما بدأ لي أنه سبب لتواجدهم (الشرطة) وأن ذلك هو دأبهم مع الحزب الديمقراطي التقدمي حيث ترابط مفرزة منهم أمام مقره المركزي لا يثنيها عن ذلك حر الصيف و لا برد الشتاء و قد يكون وقع تعميم ذلك في الجهات و رب ضارة نافعة فإن هذا التواجد قـــــد يحمي بقية السيارات من السرقة …
عند الساعة الثانية تقريبا و قد غفوت قليلا أيقظني الشاب معز الجماعي عضو جامعة قابس الذي قدم لزيارتي فرأى الحصار حول الدار فلم يرق له و اجتهد للتشهير به ونشر الخبر. و بعد نصف ساعة قدم الأخ عبدالجبار الرقيقي للزيارة و الإطلاع فرقّ لحال أولائك الأعوان المصطلين بشمس الظهيرة فاتصل بآمرهم و أعلمه بأن ليس للجامعة ولا لفروعها أية اجتماع مبرمج اليوم و لا هذا الأسبوع و هي الحقيقة، ففكوا حصارهم و انصرفوا و كانت الساعة تقارب الثالثة. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
(المصدر: موقع الحزب الديمقراطي التقدمي بتاريخ 6 ماي 2007)


 

تواصلا مع مقترحات المناضل الأب محمد العروسي الهاني

العقيدة البورقيبية حاضنة الوطنية ومحصنة الشبيبة التونسية

خالد شوكات

تكمن أهمية البورقيبية، ليس في بعدها التراثي والرمزي فحسب، باعتبارها المخطط والمشرف والمنفذ لمشروع الاستقلال والدولة المستقلة، بل بالأساس في القدرات الكامنة فيها على تجديد العقيدة الوطنية التونسية، بما تعنيه من افتخار التونسيين بوطنهم وتصميمهم على المضي في بناء أسس تقدمه ونمائه وإشعاعه محليا وإقليميا ودوليا، فهذه القدرات المعنوية والإيديولوجية هي خزان الطاقة الفكري الرئيسي للشعب التونسي، وإليه يعود ساعة الأزمات حتى ينهض من كبوة أو يتقوى على صد هجمة أو يربح مواجهة مع تحديات المستقبل.

 

وقد انتصرت البورقيبية في كافة معاركها الفكرية والسياسية طيلة العقود الماضية، سواء في مرحلة النضال من أجل الاستقلال، أو في مرحلة « الجهاد الأكبر » ضد المرض والجهل والتخلف عند بناء الدولة الوطنية، لميزة أساسية تنفرد بها عن كافة العقائد التي قدمت من قبل النخب الايديولوجية الأخرى، فقد كانت حاضنة الوطنية التونسية بامتياز، بل لقد كانت العقيدة الفكرية والسياسية الوحيدة التي يمكن القول أنها ذات مولد ومنشأ تونسيين، في حين تضرب جذور بقية العقائد، يسارية وقومية عربية وإسلامية، خارج التربة التونسية، جاعلة تونس ملحقا بدوائر أكبر، أو هكذا يجب أن تكون، بينما آمن الزعيم الرئيس الحبيب بورقيبة بتونس دولة قومية، وبالشعب التونسي أمة، عليهما أن يتواصلا مع المحيط المغاربي والعربي والإسلامي والمتوسطي و العالمثالثي والدولي دون عقد، ووفقا لما تقتضيه المصلحة القومية التونسية.

 

إن إشارة الأب المناضل الفاضل محمد العروسي الهاني إلى أهمية تضافر جهود البورقيبيين القدامى والجدد من أجل حماية وتنمية التراث البورقيبي، لا شك وأنها في غاية الأهمية، وهي مهمة وطنية سينهض إلى القيام بها عاجلا أم آجلا، لكن الأكثر أهمية في رأيي هو عمل البورقيبيين على استكمال المشروع البورقيبي في تونس، من خلال شرح وبيان نقاط القوة في هذه العقيدة الوطنية، التي يجب أن لا تقل في أعين التونسيين، عما تمثله « الديغولية » للفرنسيين، و »البيرونية » للأرجنتينيين »، و »الكمالية » للأتراك، و »الغاندية » للهنود، و »الماوية » للصينيين..إن شباب تونس بحاجة ماسة اليوم، إلى أن يعوا عظمة الرؤية البورقيبية على كافة المستويات الداخلية والخارجية، وأن يشعروا بالفخر لانتمائهم لأمتهم التونسية، وأن يعوا الأبعاد الاستشرافية الفذة التي كشف عنها الزعيم الخالد الرئيس الحبيب بورقيبة، فيقيهم ذلك شرور الوقوع في المشاريع الدوغمائية، ويحصنهم من الوقوع في براثن الأفكار الرجعية والشمولية، ويساعدهم على التعامل مع أبعاد الهوية الوطنية التونسية، من عروبة وإسلام، بكل ثقة واقتدار، بعيدا عن منطق الخطابات والشعارات التسطيحية.

 

وإن الدولة الوطنية التونسية التي قاد مسيرة بنائها التأسيسي الأصعب، الزعيم الرئيس الحبيب بورقيبة، ملزمة قبل الأفراد، بالقيام بالوظيفة المشار إليها، سواء من الناحية الرمزية، بإعادة صور ومجسمات الزعيم الرئيس إلى الأماكن والمباني الحكومية الرئيسية، كالمطارات والوزارات و غيرها، ليس من باب الاعتراف بأفضال مؤسس الأمة والدولة والجمهورية فقط، بل كذلك من باب غرس قيمة الوفاء في نفوس الناشئة التونسية، وتكريس عادة التقدير على مدى الأجيال لرؤساء الجمهورية المتعاقبين، أو كذلك من الناحية العملية، من خلال إنشاء معهد وطني حكومي للدراسات البورقيبية، وتوجيه وسائل الإعلام الوطنية، وفي مقدمتها التلفزة التونسية، وسائر المؤسسات التعليمية والثقافية، للعناية بالتراث البورقيبي، وتعريف الأجيال الجديدة به، وغرس قيمه فيهم.

 

إن العقيدة البورقيبية، التي قامت على الدعوة إلى « إسلام مستنير و حداثي »، و إلى « عروبة عقلانية وواقعية »، و إلى « اشتراكية اجتماعية منفتحة »، وإلى « ليبرالية متوازنة وعادلة »، هي الكفيلة بحماية الشبيبة التونسية من التيارات الإرهابية والعقائد الديماغوجية، وكافة أنواع التطرف والعنف العاصفة بمحيط تونس القريب والبعيد، وهي القادرة على إعادة البريق والإشعاع والحماسة للعمل الوطني إلى نفوس التونسيين، ومن هنا فإن الحاجة إلى البورقيبية هي بالدرجة الأولى حاجة وطنية مستقبلية، فضلا عن كل اعتبار أخلاقي أكد عليه بصبر وثبات طيلة السنوات الماضية، الأب المناضل محمد العروسي الهاني.

 

لقد تحدثت بعد عودتي من دبي، حيث شاركت في حلقة قناة العربية حول البورقيبية، مع كثير من شباب تونس، الذين لم يدركوا زمن الزعيم الرئيس بورقيبة، وقد لمست تفاجئهم من رؤاه الاستشرافية المميزة ونظرته الثاقبة لقضايا تونس والعالم العربي الرئيسية، وأخبروني بأنهم وجدوا في خطبه المدهشة أجوبة على أسئلتهم الحاضرة..لقد كان بورقيبة في خطابه المرتجل مع القذافي في البالمريوم قبل ما يزيد عن الثلاثين عاما، على سبيل المثال، وكأنه يتحدث اليوم.. »كم كان الزعيم الرئيس سابقا لعصره »، هكذا قال لي أحد شباب تونس.

 

إن استكمال المشروع البورقيبي فكريا وسياسيا، لهو في الراهن من أهم الوظائف المطروحة على الدولة التونسية، وخصوصا على حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، وهو الحزب الذي أسسه وقاده الزعيم الرئيس الحبيب بورقيبة لما يزيد عن نصف قرن. و من ملامح استكمال هذا المشروع ما يلي:

 

       استئناف مسيرة تحديث الإسلام، من خلال فتح أبواب التجديد والاجتهاد والبحث والدراسة في التراث والفقه الإسلاميين، وذلك للتصدي للحركات الأصولية والإرهابية ولأصحاب التأويلات المتخلفة والرجعية.

       استئناف مسيرة النهضة التعليمية والتربوية، من خلال إقامة ورشات الإصلاح والتفكير وتسخير الموارد البشرية والمالية الكفيلة بتحقيق ذلك، لأن التقدم العلمي هو أساس التنمية الصلبة، مثلما أكد باستمرار الزعيم الرئيس الحبيب بورقيبة.

       استنهاض دور الحزب وكافة الهيئات والروابط الدستورية من أجل تجديد العقيدة الوطنية التونسية، وإحياء الآمال والثقة في النفس والقدرة على الإقناع في الشبيبة التونسية.

       تنشيط الدور التونسي عربيا ودوليا، خصوصا في قضايا المنطقة الرئيسية، ومنها القضية التونسية، وفقا للرؤية الثاقبة التي بلورها الزعيم الرئيس الحبيب بورقيبة، ودفع ثمنا غاليا في الدفاع عنها والإقناع بها.

       إتاحة المجال أمام أصحاب المبادرات الوطنية، للتقدم بآراء وأفكار جديدة من شأنها أن تساعد على مواجهة التحديات الرئيسية المطروحة على الاقتصاد الوطني، وفي مقدمتها مسألة البطالة والفقر والفساد والتفاوت الطبقي، فالعقائد الشمولية والأصولية عادة ما تجد في مثل هذه التحديات بيئة ملائمة لاستقطاب الشبيبة وتوجهيها في مسالك الوهم الوعرة.

 

أما فيما يتصل بمسؤولية المجتمع المدني إزاء العقيدة البورقيبية، سواء تعلق الأمر بالبورقيبيين داخل الوطن أو خارجه، فليس لي إلا أن أشد على يدي الأب المناضل العروسي الهاني في كل ما أشار إليه من مقترحات، آملا أن تسعف الأوفياء الإمكانيات، في عمل كل ما من شأنه أن يحقق حلم الزعيم الرئيس بورقيبة في رؤية تونس قلعة حداثة ومنارة للعلم والعقلانية في محيطها المحلي والعربي والدولي، وفي رؤية الشعب التونسي شعبا راقيا متحضرا آخذا بناصية المعارف والعلوم والتكنولوجيا.

 


 

قراءة نقدية في مقاربة تونسية حول منزلة المرأة في الإسلام (2 من 3)

** النخب التي تدعي التفلسف لا يمكن الاعتماد عليها في اكتشاف المسكوت عنه من النصوص الدينية

** النص عمل علي تأكيد الفرق في الزواج بين سلطان الذوق وسلطان الرزق باعتبار التمايز اساس العمران

أبو يعرب المرزوقي (*)

وهنا نصل إلي بيت القصيد في النظام التشريعي الإسلامي بعيد الغور النظام الذي يتجرأ عليه بعض المتفلسفين بأفقر أدوات الفكر لو كانوا يعلمون. وحتي نفهم بعد الغور فيه فلنطرح سؤالين جوهريين لكل عمران سوي:

1 ـ ما النظام الاقتصادي الذي نريده؟ هل نريد مجتمع الشركات العامة التي تجعل الناس أرقاما فاقدين للذوق هدف الحياة الأول أم مجتمع الوحدات التآنسية التي يتحرر فيها الذوق قدر المستطاع من سلطان أسباب الحياة؟

2 ـ وما طبيعة الحياة العاطفية المحددة للإنتخاب العضوي بمعاييره السوية طبيعتها التي نريد؟ فالتزاوج الداخلي الذي يصبح القاعدة بمؤثرات العامل الاقتصادي يؤدي إلي الأمراض البايولوجية لفرط تأثير دافع الحفاظ علي الملكية الدافع الذي لا ينكره إلا متعام.

فالتزاوج الخارجي الذي يمكن من تحقيق شروط الصحة العضوية هو التزاوج الذي يكون المحدد الأول فيه الذوق لا الرزق. ولا يتحقق ذلك إذا كان الطمع في إرث المرأة حائلا دون خروجها من التزاوج الداخلي من أجل الحفاظ علي الملكية ومن ثم مانعا لطلبها من الخارج لقوة الدافع فلا يبقي إلي طلبها الداخلي. ولو انتبهت النخب العجلي إلي هذه الابعاد لترددت كثيرا في الجرأة علي كل شيء مع الجهل بأدني شروط الفهم العميق لمقاصد الشرائع في حياة العمران. فحتي لو سلمنا لهم بأن الشرائع كلها من جنس الشرائع الوضعية فإن الأوضاع ليست متساوية للتمايز بين عقول الواضعين. فمنهم من يري الابعاد ويسميهم اليونان حكماء. ومن من لا يري أبعد من ذبابة أنفه ويسميهم العرب سفهاء. فما أشقي المرأة التي يختارها المغازلون لمالها! ولعل الباحثة بمقتضي الجنس والخبرة أدري مني بالمفاضلة بين المرأة تختار حبا لذاتها وجمالها أو تصطاد طمعا في ما عندها ومالها!

والسؤال الآن هو لم كان الحد القرآني من حرية تصرف المالك في الوصية بهذه الصورة التي جعلت بعض المعاملات من العبادات دون أن تحافظ علي مبدأ العبادات الأساسي أعني المساواة بين البشر من حيث منزلتهم عند الله إلا بالتقوي أو العمل الخلقي في التعارف كما حددت ذلك آية التعارف؟ أي لماذا لم يفرض الله الحد بصورة تجعله يساوي بين الذكور والإناث في هذه الفريضة رغم كونها فريضة أي عبادة وليست معاملة؟ وهذا السؤال كان يمكن أن يكون مفهوما لو طرحته الباحثة بعد أن تكون قد برهنت علي فهم معني الآية بالقصد الأول. ذلك أن تحديد مقادير الإرث هو معناها بالقصد الثاني. وهذا القصد الثاني لا يمكن أن يفهمه من غاب عنه القصد الأول. فإذا كان الشارح لم يفهم أن الآية تتعلق بالحد من حرية المالك في التوريث بحسب ظنونه فإنه لا يمكنه أن يفهم القصد من المقادير التي اختيرت حدا بمعني ما لا يمكن النزول دونه. ذلك أن ما فوقه يبقي ممكنا بعدة طرق لم يتأخر بعض المالكين والفقهاء عن تصورها وتطبيقها بل هم تحيلوا في الاتجاه المقابل للهبوط دون هذا الحد الأدني وحتي لحرمان المرأة من الإرث أصلا اتباعا لما نبهت إليه الآية وحذرت منه لعلم الله بأن الغالب علي البشر بالجبلة تفضيل الذكور علي الإناث: لا تدرون أيهم أكثر لكم نفعا. والجواب هنا مضاعف ويفهم بفرضيتين:

1 ـ فلو فعل نص الآية فحقق المساواة في توزيع الإرث لكان ذلك معارضة مطلقة لحرية المالك في التفضيل أعني في حرية الوصية. والحد من حرية المالك في الوصية يفقد معناه إذا لم يكن مشروطا بدواعي الحاجة إلي الحد منها: إنها في النص القرآني المعيار المتحكم في إرادة المالك إرادته التي تعبر عنها وصيته والتي يفهم منها قيس المالك لمقدار الموصي به بنفع الموصي إليه له. ومن هذا القاعدة العامة التي تكاد تكون كلية تنتج قاعدة تفضيل الذكور علي الإناث فهي أمر شبه كوني في المجتمعات البشرية. لكن الحد القرآني الذي يعترف بهذه الظاهرة اقتصر علي وضع مبدأ الحد الأدني (حظ الذكر مثل حظ الأنثيين) ولم يمنع حق الهبة للبنات لمن كان من الآباء لا يقول بهذا الأمر شبه الكوني. والهبة غير الوصية لأنها تتم في حياة المالك وليست بعد وفاته: والهبات يمكن تأخذ شكل البيع بسعر تفضيلي ورمزي تجنبا للمماحكات القانونية بعد الوفاة.

لكن هذا الفهم رغم اختلافه عن تعليل إخوان الصفاء الذي هزأت منه الباحثة لا يقدم من المسألة إلا علتها السطحية وهي علة أقل أهمية من العلة العميقة ذات الغور البعيد والتي ولا يدركها من يسارع لطلب المسكوت عنه ويهمل المنطوق به أعني بعائد المعرفة العلمية بقوانين العمران. وهزء الباحثة من تعليل إخوان الصفاء لا يستحق الذكر لو لم يكن مشفوعا بخطأ لا يقبله حتي الحداثي لأنه مناقض لما يعتمد عليه من حجج: فإذا كان الصداق أجرا للاستمتاع يعني المتعة الجنسية كما فهمت الأستاذة فهو أذن أجر لما لا يستحق الأجر إذ الاستمتاع بهذا المعني متبادل فلم ينبغي أن يدفع الرجل أجرا؟ لكن القرآن لم يقصد بالاستمتاع ما فهمت الباحثة. فلو كان ذلك هو القصد لما وجد فرق بين الزواج وزواج المتعة. لعل منازل الأسر مواخير خاصة والصداق بمقدمه دفعة أولي مقابل جملة عمليات الجماع ثم يصفي الحساب بالمؤخر منه! وهل يستغرب مثل هذا التصور ممن يقيس المنزلة الوجودية بمقدار الإرث؟

2 ـ ولو فعل نص الآية ما تطلبه الشاكيات مما سمينه بجرح التفضيل الإلهي لفقدت الملكية دوريها المقومين لتوازن القوي بين وحدات العمران الإنساني الدنيا إقتصاديا وبيولوجيا. فالمعلوم أن العمران البشري كله يدور مباشرة حول موضوعين وردا في سورة النساء ويدور بصورة غير مباشرة حول نوعي السلطان الناتجين عنهما في العمران. ويعبر عن الأمرين المباشرين في الأنثروبولوجيا بمادتي التبادل الأساسيتين وموضوعي التواصلين المصاحبين لهما موضوعيه الجوهريين إما لعلمه (مصدر السلطان الرمزي) أو للعمل به (مصدر السلطان الفعلي).

فالعمران كما عرفه ابن خلدون ليس هو إلا الحل الذي تمكن الإنسان من وضعه خلال تاريخه المتعثر لعلاج هذين التبادلين والسلطانين المترتبين عليهما من أجل تحقيق الوحدة المتعالية عليها أربعتها بوصفها الوجود المادي والروحي للجماعة البشرية:

فالتبادلان المقومان للعمران هما:

1 ـ التساكن للتآنس ويدور حول معني الذوق وأصله الحب عامة والحب المؤسس للوحدة الدنيا للقيام الإنساني أو الأسرة.

2- والتعاون للتعايش ويدور حول معني الرزق.

وكلا التبادلين مصحوب بتواصلين هما بالجوهر علم وعمل لما يقتضيانه من نظام يزع المتبادلين ويضبط الحقوق والواجبات:

3 ـ فالأول نظامه ووازعه خلقي روحي مهمته الوزع الداخلي والأمن الخارجي في المستوي الرمزي من وجود الإنسان

4 ـ والثاني نظامه وواعه سياسي زماني مهمته الوزع الداخلي والأمن الخارجي في المستوي الفعلي من وجود الإنسان.

ولا يتحقق التلاحم بين المستويين المضاعفين من العمران من دون مبدأ موحد:

5 ـ ثم مبدأ عام يوحد الكل في الجماعة ذات الهوية شبه الواعية بكونها ذات منفصلة عما عداها من الجماعات بكيان جغرافي تاريخي معين يمكن أن نسميه أمة.

فأما التبادل الأول فهو التبادل الذوقي عامة وأهم شيء فيه هو الحب والتواصل العاطفي الذي تنبني عليه الحياة التآنسية والتواصل بين وحدات إنتاج الإنسان نفسه في المجتمع: الأسر سواء في أضيق مستوياتها (الخلية الأسرية الدنيا) أو في أوسعها (القبيلة). وأما التبادل الثاني فهو التبادل الرزقي عامة وأهم شيء فيه هو الملكية والتواصل المصلحي الذي تبني عليه الحياة الاقتصادية والتواصل بين وحدات إنتاج أسباب عيش الإنسان في المجتمع. فالسلطان علي محددات التواصل الأول والسلطان علي محددات التواصل الثاني ينسحب كل منهما علي الآخر. وغالبا ما يصبح العامل الثاني المحدد الأساسي للعامل الأول: أي إن الزيجات تكون في الأغلب مصلحية فلا يكون الذوق هو المحدد بل الرزق هو الذي يعود إليه التحديد في المقام الأول إذ يدخل في الاعتبار عامل الملكية والإرث المتوقع قبل عامل الذوق وخاصة في المستويات التي تصبح فيها الملكية ذات دلالة سلطانية أي تمكن من سلطان ما يقاس بالمنزلة في السلم الاجتماعي إلخ..

تحرير سلطان الذوق من سلطان الرزق

لذلك فإن تحرير المبدأ الأول (سلطان الذوق) من المبدأ الثاني (سلطان الرزق) ييسر التبادل الذوقي أو بلغة سطحية يجعل تبادل النساء متحررا ما أمكن التحرر من تأثير تبادل الرزق. وذلك هو الشرط الضروري لتشجيع التزاوج الخارجي والعزوف عن التزاوج الداخلي فيحصل التبادلان بأفضل طريقة للفصل بينهما ما أمكن أعني بالحد من تأثير الثاني في الأول: التبادل الذوقي والتبادل الرزقي. ثم إن هذا الشرط لا يقتصر علي تشجيع التزاوج الخارجي بل هو أيضا يحافظ علي معني التقابل بين الداخل والخارج بمعيار موضوعي فيمكن من تمتين التلاحم الداخلي في الوحدات الدنيا ومن التواصل الخارجي بينها: فالثبات النسبي لملكية الأرض أو رأس المال مثلا في الأسرة يجعل الملكية تنمو ويقلل من انفراط الوحدات الدنيا للعمران أعني وحدات التساكن للتآنس.

ومن له دراية بعلم الاقتصاد يدرك أن الاقتصاد العالمي اليوم يقوم علي أساسين ليس منهما بد: احداهما محررة للإنسان والثانية مستعبدة له. فالوحدات الاقتصادية ذوات الاسم الخفي تزيل الحدود بين الوحدات الدنيا (الأسر والشركات الأسرية) بل وحتي بين الوحدات القصوي (مثل الأمم والدول) فتزيل النسيج الاجتماعي عامة سواء كان وطنيا أو دوليا ويصبح الجميع أرقاما في آلة جهنمية هي بالذات مجتمع الحداثة التي يكون فيها الإنسان لولبا من لوالب السوق أو برغيا من براغيه. والشركات المتوسطة والصغري ـ وهي في الأغلب أسرية-لا تقتصر علي المحافظة علي الملكية وحدها بل هي تحافظ في نفس الوقت علي النسيج الإنساني الذي هو المطلوب الأول والأخير للحياة البشرية إلا عند من يفضل الأرقام علي البشر. ثم إن دورها التنموي لا يقل عن دور الأولي بل إن دورها التنموي أهم بكثير لأنها هي التي تمثل أهم مغذ لسوق الشغل إذ إن الشركات الكبري تستعيض بالآلة عن العمال والشركات الصغري ليس لها القدرة علي كلفة الآلات فتبقي مصدرا مهما للعمل الإنساني.

بل إن الشركات ذات الاسم الخفي بخلاف ما يظن من ليس له علم بالاقتصاد الحديث لا تستمد قوتها الاقتصادية إلا من هذه الشركات ذات الاسم العلني الذي هو في الغالب اسم أسرة: إنها في الحقيقة ليست وحدات انتاج بل هي وحدات تسيير للإنتاج الذي لا يتحقق حقا إلي في الشرطات الصغري والمتوسطة وهي إذن من جنس تغول السلطان الرزقي الذي يلغي الذوق لكي لا يبقي إلا علي سلطان السوق. وذلك هو المعني الحقيقي لمصـــــطلح الاستمداد الخارجي الانكليزي Outsourcing الذي لجأ له الاقتصاد الحديث للجمع بين الشكلين من عمل الملكية من حيث هي أداة إنتاج اقتصادي ويماثله انتقال وحدات الإنتاج إلي البلاد النامية بالمصطلح الفرنسي Dژlocalisation حيث لا يزال العمل جاريا في وحدات صغري تحافظ علي التساكن من أجل التآنس حيث لا يزال لهاتين الكلمتين معني عند أهل البلاد التي تنتقل إليها الصناعات الفرعية المغذية للشركات الأم: وهنا ينبغي التذكير بمعني الاستمتاع القرآني الذي ظنته الاستاذه تحويلا للأسر إلي مواخير في حين أن القصد هو التآنس والتساكن حيث يكون للمرأة الدور الأكبر في كل المجتمعات أيا كانت مزاعم التقدميين.

المسألة الثالثة

وحاصل القول مما سبق أن النخب العربية التي تدعي التفلسف بقراءة كتاب أو بلغة تونسية خالصة النخب التي من زبيبة تسكر لا يمكن الاعتماد عليها في اكتشاف المسكوت عنه من النصوص الدينية وأولي خطاهم القفز علي المنطوق به فيها حتي لو سلمنا لهم بحق معاملتها معاملة النصوص الأدبية. فمن شروط فهم أي نص العلم بالظاهرة التي يعالجها في ذاتها وبالقصد الأول. وهي هنا ظاهرة مضاعفة:

1 ـ اقتصادية في علاقتها بقانون الملكية وحق التصرف فيها بالوصية والتوريث تحديدا لدوري الملكية المقومين لجوهرها: دورها الدال علي القدرة المحققة للإرادة عند الشخص الإنساني من حيث هو ذات مدنية لها حقوق وعليها واجبات ودورها الدال علي النسيج الرزقي المحقق للتعاون من أجل القيام المادي لحياة الفرد والجماعة.

2 ـ وبايولوجية في علاقتها بما يترتب عليها في تبادل النساء في العمران تبادلهن الذي ينبغي تحريره من تأثير العامل الاقتصادي حتي لا يلغي كل إمكانية للتزاوج الخارجي إذا كان خروج المرأة سيؤدي إلي تهديم الرصيد الرزقي.

وهكذا فهذا النص القرآني لا يعالج قضية المساواة بين المرأة والرجل ولا مسألة المنزلة الوجودية للإنسان ذكرا كان أو أنثي بل هو يعالج مسألتين ليس من علاجهما بد لتحقيق أفضل شروط القيام الاقتصادي والبايولوجي للجماعة:

الحد من حرية المالك في التصرف في ملكه بصورة تحول دون والتحول إلي طاغية فيكون في تصرفه وكأنه رب وينسي أن علمه بعلاقة غيره به محدود فضلا عن علمه بأثر الملكية والعواطف في السلطان المستمد منهما علي الحياة البشرية الجماعية.

الحد من دور الرزق في الذوق لتحرير تبادل النساء من سلطان المال فلا يكون ما يعود إليها من مال الأسرة حائلا دونها والخروج منها إلي أسرة أخري، فيمتنع التبادل الخارجي، ويصبح المجتمع أسرا منفصلة تمام الانفصال ويصبح المجتمع ارخبيل قبائل فضلا عما يؤدي إليه ذلك من فساد بايولوجي بسبب التزاوج الداخلي إذ إن ما حصل من فصل بين القبائل سيحصل بين أفخاذ القبيلة الواحدة وهكذا إلي أن نعود إلي زواج الأخ من أخته أو إلي حرمانها من الإرث أصلا وفرض العنوسة عليها.

وتلك هي وظيفة القانون: التوفيق بين عدة عوامل لتحقق التوازنات الأساسية لقيام العمران ذوقا ورزقا وسلطان ذوق (السلطان الروحي) وسلطان رزق (السلطان الزماني) ووحدة الكل في الجماعة المتجانسة في حياة لا تقتصر علي تحديد المنازل بالرزق بل يكون فيها للذوق المنزلة الأولي. ليست وظيفة القانون تحديد المنازل الوجودية بل حمايتها بهذا التوازن الذي ذكرنا. أما تحديدها فهو مادة لضرب آخر من النصوص كما سنري في هذه المسألة الثالثة.

بينا أن الملكية لا تحدد المنزلة الوجودية لا بذاتها ولا بمقدارها إلا عند من لا يدرك المقصود بالمنزلة الوجودية حصرا إياها في الأمر الواقع لعلاقات القوة الاقتصادية وبينا مقومات المنزلة الوجودية وبقي أن نسأل عن مدلول التفضيل الإلهي وهل هو لصالح الرجل أم لصالح المرأة في القرآن الكريم.

ولن يفهم هذا التحليل إلا من كان متحررا ما أمكن مما ربي عليه من أحكام مسبقة استبدلت الصور المشوهة لما انحط من حضارة المسلمين بالمعاني العميقة للقرآن الكريم سواء كان هذه الصور المشوهة موجودة فعلا أو من وقع الأدبيات الاستشراقية بكل أجيالها.

ولنبدأ بمدلول التفضيل الإلهي: فهو قضية أساسية في نظرية العدل أو التنزيه ويشار إليها عادة بمصطلح مركب من كلمتين يونانيتين تفيدان العدل الإلهي Thژodicژe. لو كان التفضيل الإلهي تفضيلا بمعني الاجتباء التحكمي غير المعلل لكان ظلما إلهيا. وهذا هو قصد الجرح الذي تتكلم عليه الأستاذة. وكلامها يكون صحيحا سواء صح التفضيل لصالح الرجل أو المرأة أو أي كائن آخر لو كان القصد به هذا الفهم من التحكم الإلهي. فالتفضيل الوارد في القرآن له خمسة معان: 1ـ تفضيل آدم وبنيه علي الملائكة باستخلافهم. 2 ـ وتفضيل بني أسرائيل علي العالمين باصطفاء الكثير من الأنبياء منهم قبل نقض العهد. 3ـ وتفضيل المؤمنين علي الكفار بتوريثهم الأرض. وقبل هذه الثلاثة الصريحة نجد تفضيلين مضمرين هما: 4ـ تفضيل الوجود علي العدم قبل النشأة الأولي. 5 ـ ونجد بعدها تفضيل البعث علي العدم بعد النشأة الثانية.

وكل هذه الضروب من التفضيل معللة. ولا أعلم تفضيلا آخر ورد في القرآن بهذا الوضوح. لذلك فالكلام علي تفضيل الرجال علي النساء في آيات الإرث والنشاز ليست بالأمر البين كما يتصور العجلون. لأن الآية الوحيدة التي ورد فيها ذكر التفضيل عند الكلام علي العلاقة بين الرجل والمرأة لم يعين الفاضل فيها ولا المفضول. ذلك أنها نسبت ما يتصوره البعض علة القوامة الأولي أو الإنفاق إلي الرجال لكنها لم تنسب الفضل إليهم بل بقي الضمير والتبعيض (فضل بعضهم علي بعض) شاملا لكلا الجنسين عند من يحسن القراءة. فإذا لم تفهم القوامة بمعني السلطان ـ وهو احد الفهوم لكنه هو الذي طغي ـ بل فهمت بمعني الرعاية بات المفضل في هذه الحالة هم النساء لأن القيم يكون في خدمة ما هو قيم عليه. فيكون الرجال قيمين علي النساء لأنهن أفضل ومن هذه القوامة الإنفاق.

وتعليل هذا الفهم هو بالذات المنزلة الوجودية التي أكثرت الباحثة الكلام عليها دون فهم معناها للجهل بالفرق بين المقوم والعرضي. فإذا قيست المنزلة الوجودية بما تقاس به في الفكر القديم والوسيط (بمنطق القائلين بتاريخية النصوص والباحثة منهم) كان المعيار في تحديد المنزلة الوجودية هو معيار التراتب بين المادة والصورة الذي هو غير الترتيب بينهما. ومعني ذلك أن السابق شرط اللاحق ماديا واللاحق شرط السابق غائيا: فما صنع من شيء يكون وجوديا أسمي منه وجوديا لأنه يكون صورة بالقياس إليه مادة. ولما كان المعتقد السائد عندئذ أن المرأة خلقت بعد الرجل وهي منه حتي لو صدقنا أنها من ضلع فقط فإن معني كون الرجل مادة صنعت منه المرأة يجعله في نسبة المادة إلي الصورة فيكون بالقياس إليها أقل تطور في سلم التصوير الوجودي أعني دونها منزلة وجودية.

ذلك أنه لو كان الرجل أرقي وجوديا لكانت المرأة مادة وجوده لا العكس ولكان هو الصورة والغاية وهي المادة والبداية. الرجل هو الشرط المادي لوجود المرأة وهي الشرط الغائي لوجوده لها ما عنده مع ما أضيف إليها لتكون غيره ولا يختلف عنها إلا ما ينقصه بالقياس إليها. لذلك فهو يكون قائما بها وليس قائما عليها فحسب: قيامه عليها سببه قيامه بها لأن المرء لا يحفظ إلا ما يعز وقد يفسد إدراك ذلك في التعامل المرضي. لكنه يبقي لا يتحول في التعامل السوي: فالسلطان الفعلي بيدها حتي وإن بدا السلطان الوهمي بيده بل هو لا يجد في سلطانه معني إلا بما تلاعبه به من قبول هذا السلطان القبول الطوعي.

وهذا قانون كلي: فهو يشمل كل الكائنات الحية ويدركه كل ذي بصيرة. وبهذا المعني فإن الرجل مقدم في السلطان علي الرزق أعني السلطان الزماني أي سلطان الأدوات والمرأة مقدمة في السلطان علي الذوق أعني السلطان الروحاني أي سلطان الغايات: والسلطان الروحاني يبدو تابعا للسلطان الزماني لكن التبعية في العمق هي للروحاني علي الزماني دائما. فالذوق هو الحكم في الغاية لذلك كان صاحب السلطان الزماني تابعا دائما لصاحب السلطان الروحاني. وفي الحقيقة فإن التبعيتين موجودتان. لكن تبعية الروحاني للزماني هي تبعية المبدأ الصوري للمبدأ المادي أي إنه يحتاج إليه حاجة طالب المبني للمبني وتبعية الزماني للروحاني هي تبعية المبدأ المادي للمبدأ الصوري أي إنه يصبو إليه صبو طالب المعني للمعني لكأن المرأة هي المدلول والرجل هو الدال ووحدتهما هي عين الدلالة في ما يسمي سلطانا من حيث هو عبارة المنزلة الوجودية التي يسميها ابن خلدون: حب التأله أي الحرية المطلقة.

ولما كان الرجل ممثلا للعلة المادية بالنسبة إلي المرأة فإن ما يعني المرأة منه هو ما فيه مما يهم الصورة في فعل التصوير: أن يكون أمرا بحاجة إلي صقل هو عين عمل التصوير. وما يحتاج إلي الصقل هو هذا العصيان المادي والصبو إلي الغلبة خلال التعبير عن الانغلاب: لذلك كان الحب لطيفا بما فيه من بقايا الوحشية التي لو خلا منها لفضل عليه الجنسان العلاقة المثلية دون سواها. وهو ما بدأ يغلب في العمران الذي خلا مما وصفنا. لكن الدليل الموجب علي ما نقول هو ما يحصل فعلا وليس بمجرد الفرض: فالمرأة التي تدعي رفض هذا التشخيص لا ترفضه إلا في العلاقة الزوجية لكنها تطبقه في العلاقة الغرامية: فهي فيها تطلب الذكر الأقوي فتخضع خضوعا ليس له مثيل إلا ما نراه عند الأنثي في جميع الكائنات الحية بعد لعبة الإغراء لاختيار الذكر المناسب. وكذلك يفعل الرجل: فهو يقبل كل التضحيات لكأنه من فوارس الجاهلية العربية في مثل هذه العلاقة دون أي شعور بأن رجولته في الميزان مهما كان هشا وبشا.

فيكون غرض أن يجعل ذلك ممكنا في العلاقة الشرعية بين الزوجين إذ يصبح من بنود عقد الزواج: أن يتصرف الزوجان وكأنهما عشيقان وهو المقصود بأن العلاقة تكاد تكون علاقة عبادة من المرأة للرجل وعلاقة تقديس من الرجل للمرأة دون أن يكون في ذلك حاجة لتطبيق الآية التي سخرت منها أعني آية التدرج في حفظ العلاقة الغرامية بين الرجل والمرأة (بشرط أن يكونا مسلمين أي يطبقان علي أنفسهما ما يطالبان به غيرهما: إذ لا يحق لمن لا تتوفر فيه شروط الإيمان بأصل الحكم أن يطبق ما له ويتنكر لما عليه منه) حفظا قد يؤدي إلي مراحل العقاب الثلاث عند حصول النشاز (من قبل المرأة لأن للنشار من قبل الرجل له حكمه المناظر المحدد لطبيعة المسألة في الحالتين لكن الناس لا ينتبهون إليه لفساد طرقهم في القراءة والفهم) مع عدم التسريح بالمعروف بسبب صمود العلاقة الغرامية بين الزوجين. ذلك أنه لو لم تكن الآية تتعلق بهذا النوع من العلاقة لما كان الحكم بحاجة إلي هذا التدرج ولكان الحل البديل المغني عن جميع الدرجات هو حل التسريح بالمعروف.

لكن السلطانين الزماني (الذي يغلب عليه دور الرزق) والروحاني (الذي غلب عليه دور الذوق) أصبحا لا اسميين في العمران الذي باتت فيه المنزلة الوجودية تقدر بالمنزلة الاقتصادية أعني أنهما أصبحا فكرتين مجردتين فاقدتين لكل تعيين رغم أنهما في الحياة غير الشرعية الموازية للحياة الشرعية هما الفاعلان حقا بل هما المهربان من هذه الآلية الجهنمية كما بينا في العلاقات الغرامية غير الشرعية التي صارت بديلا من الزواج الذي بات مجرد شركة اقتصادية لا غير: ولسوء الحظ فالعلاقات الغرامية نفسها قد يكون أفسدها استغلال السلطان الأكاديمي في توزيعه العناوين الجامعية! إن الآلية العمياء لفكر التحديثيين الذين فقدوا كل ذوق جعلت المساواة الرياضية العمياء أو الرقمية التامة مثال المنزلة الوجودية مثالها الأعلي. وكان ينبغي عندئذ أن يعترفوا بأنهم لا يعترفون إلا بنوع واحد من المنازل: منازل الأرقام اللااسمية في سوق السوقة أعني البضاعة التي يحدد منزلتها السوقية عرض المتسوقة وطلبهم.

(*) باحث واكايمي تونسي متخصص في الفلسفة

(المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 5 ماي 2007)


ثقافة حقوق الإنسان و بناء تجارب الحرّيّة

    

باسط بن حسن    إن الأفق الممكن لتحويل الخطاب السياسيّ عندنا يكمن في نقد جريء لطابعه الوعظي وفي تحويله من آلية إنتاج وإعادة إنتاج علاقات الهيمنة إلى رؤية مغايرة تبتدع هوامش للتحّرر الفردي والجماعي. وهذا يعني إدماج ثقافة حقوق الإنسان وخطابها في الخطاب السياسي السّائد ومساءلته. وهذا يعني كذلك طرح سؤال مركزي عن ثقافة حقوق الإنسان التي نريد. فهل هي مجرّد برامج ونشاطات نختزلها في البحوث والتدريب والإعلام، أم هي رؤية للتّحويل الاجتماعي القائم على الحرية بدل خطاب السّياسة السّائد والمبني على المنفعة المتوحّشة والمستلبة؟ 1. خطاب حقوق الإنسان: من التّبشير إلى آفاق التحرر إن استحالة قيام خطاب سياسيّ يعود أساسا إلى العجز عن استلهام خطاب حقوق الإنسان وثقافته والعجز عن تحويله إلى تجارب تحّرر. ولا يمكن ان نردّ السّبب إلى مجرّد عدم اقتناع النّخب السّياسيّة بقضايا حقوق الإنسان أو إلى الهوّة الشّاسعة التي تفصل بين الخطاب الحقوقي والممارسة فقط، بل يتعدّى هذه الأسباب الظاهرية ليمسّ تمثلنا الخاص لحقوق الإنسان وخطابها ومدى وجود رؤية حقيقية تحوّلها من مجرّد أنشطة وبرامج إلى مسارات للتأثير في الواقع وإعادة بنائه. إن الأزمة كامنة أيضا في الخطاب الحقوقي كما يتجلّى في بعض الممارسات التي تستبدل تعريفا غيبيّا ومركزيّا للإنسان بتعريف آخر لا يقلّ عنه تجريدا يحوّل الأفراد إلى متلّقين سلبيّين لخدمات حقوق الإنسان ومعارفها. إنّها مراتبيّة جديدة تفصل بين « الإنسان » الواعي المتملّك لمصيره و »الضحيّة » الفاقدة لإنسانيّتها وكرامتها والتي تعيش على أمل تحريرها من شرطها القاسي. هذه المقاربة تعيد في حقيقة الأمر إنتاج علاقات الهيمنة القديمة تحت مسمّيات جديدة خادعة وتحول دون امكانيّة عقلنة السّياسي بالبحث المشترك عن ذلك الحيّز الرّهيف الذي يؤصّل الكرامة في فضاءات الحياة الخاصّة والعامّة. إنّ « إنسان » الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو ملتقى حوارات ومفاوضات كبرى بين تصوّرات تاريخيّة ووفلسفيّة وثقافيّة حول تعريف الإنسان وهو مجال تردّد بين ثبات الخصائص التي تعرّف الإنسان من ناحية وخضوعها إلى تاريخيّة تجربة الفرد وفرادتها من ناحية أخرى. هذا الإعلان الذي خرج إلى الوجود موشوما بهذه الحوارات التّفاوضيّة سيؤكّد على أنّ الحقوق هي صبوات ورغبات وحاجات كرامة يسعى الفرد من خلال عقلنة السّياسيّ إلى حمايتها و تجربتها في الحياة وتحويلها إلى قاعدة مشتركة. إنّ الإعلان يضرب في العمق مفهوم « المنحة » و »الهبة » ويقترح تصوّرا للمساواة الكونيّة التي تنبني على المشاركة والمواطنة. لذلك فإنّ حقوق الإنسان كتجربة مساواة في السّياسة ومن خلال السّياسة، ستتحوّل في مشهد الاستلاب العامّ إلى خطاب غائم صعب إدراكه إذا لم تستعد معاني الحوارات الكبرى حول الإنسان وسياسات الحرية والكرامة. 1.1 تأسيس خطاب حقوق الإنسان والتربية عليها: بين الاحتجاج والتّبشير لقد كان خطاب حقوق الإنسان حاضرا في العقود الماضية في بلداننا في أشكال متعدّدة من نقد تسلّط الحكومات « الوطنية ». هذه الحكومات التي انبعثت من حركات الاستقلال وأنتجت أنظمة استبداديّة أعاقت نموّ اي تجربة للتحوّل الدّيمقراطي بضربها أسس قيام فضاء للعمل السّياسي المستقلّ عن أجهزة الدولة وبمقاربتها الأمنية لتوزيع الأدوار في المجتمع. ولقد نجحت الأنظمة في محاربة حقوق الإنسان والديمقراطية بتركيزها على تدمير محاولات التحرّر الفردي والجماعي وباعتمادها مبدأ السّيادة حينا أو باستعمال الدّين والخصوصيات الثقافية حينا آخر. لقد أحبطت كلّ محاولات تحويل حقوق الإنسان إلى أداة لشرعنة الممارسة السّياسيّة وللتفاوض المجتمعي حول بناء مواثيق المواطنة والانتقال الديمقراطي. ولقد اعتمدت جلّ حركات الاحتجاج ومعارضة أنظمة الاستبداد المهيمنة على خطابات كليانية يسارية واسلامية وقومية لم تقدر على اقتراح أمثلة لتطوير مجتمعاتها تنبني على جرّ الأنظمة إلى ساحة الصّراع الأساسية وهي ساحة الحريات. أما حقوق الإنسان فقد كانت بالنسبة إلى حركات المعارضة أداة تستعملها بشكل انتقائي عند الضرورة (اعتقال مناضليها أو تعذيبهم أو محاكمتهم). لقد انبعثت حركة حقوق الإنسان العربية من رحم هذه التفاعلات السياسية وانحدر أغلب قادتها وأعضائها من الأحزاب والحركات السياسية العربية، ومن يأس بعض النخب من الأنظمة الوطنية ومن تهافت الإيديولوجيات. وتركّزت مطالب هؤلاء في البداية على إعمال الحقوق السياسية والمدنية ومواجهة انتهاكات الحقوق السياسية تحديدا. فقد اهتمّوا بالحق في منع التعذيب والحق في حرية الرأي والتعبير والحق في الاجتماع وتكوين الجمعيات. ولا يمكن الحديث في هذه المرحلة التاّسيسية عن وجود خطاب لحقوق الإنسان مفارق للخطاب السّياسي السّائد أو عن بلورة تصوّر حول ثقافة حقوق الإنسان والتربية عليها. فلقد تميزت المرحلة أساسا بخطاب تبشيري متمركز حول الاحتجاج والمطالبة بالحقوق. ورغم قيام بعض المنظمات الحقوقية القومية والوطنية في أواسط التسعينات من القرن الماضي ببعض المبادرات الموسمية للتعريف بأهمية التربية والتعليم في نشر ثقافة حقوق الإنسان (تنظيم بعض الندوات وإصدار المنشورات) فان التربية على حقوق الإنسان بقيت شأنا هامشيا مكمّلا لعملية الدفاع عن حقوق الإنسان والمطالبة بحمايتها ولم تسع المنظمات الناشئة إلى بلورة خطاب نوعي يضع التربية على حقوق الإنسان في سلم أولوياتها كأداة تواجه من خلالها الثقافة السياسية السائدة وتحول حقوق الإنسان من أداة احتجاج إلى نسق متكامل يجمع بين الدفاع عن مبادئ الحرية والكرامة والمساواة والعدالة واقتراح خطاب يساعد على التأثير في السياسات المهيمنة ويدعم بحث الأفراد والمجموعات عن تغيير شرط وجودهم. فلا عجب أن نرى منظمات حقوقية تتنادى بضرورة احترام الحريات ولكنها تقف صامتة أمام تهميش إطراف عديدة من المجتمع وخاصة النساء والأقليات والفقراء واللاجئين. هذه الانتقائية « الحقوقية » في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في ترابطها وعدم تجزئتها ستضيع على حركة حقوق الإنسان فرصا تاريخية في القيام بدور رائد في الإنصات لتحوّلات المجتمع وفي تأكيد دورها كعنصر للتغيير القائم على النظرة الحقوقية وفي العمل مع المطالبين بالحق على تحويل تطلعاتهم إلى تجارب عملية للتطوير المجتمعي. 2.1 خطاب حقوق الإنسان والتربية عليها: من التبشير إلى تقنية المهارات يمكن أن نصف العقد الأخير من القرن الماضي بأنه عقد التربية على حقوق الإنسان بالنسبة إلى الحركة الحقوقية العربية. إنها لحظة أساسية تميزت بإنشاء عدد كبير من المعاهد والمراكز المتخصصة في التربية على حقوق الإنسان وبانفجار هائل في عدد الدورات التدريبية والندوات والحلقات الدراسية وفي عدد الكتب والمجلات والأدلة التدريبية التي تكاد تشمل كل قضايا نشر الوعي بالحقوق. لقد وضعت أغلب المنظمات الحقوقية التربية والتعليم على أجنداتها وظهرت تجارب متخصصة تتوجّه إلى قضايا دقيقة مثل التوثيق والاعلام وإدماج حقوق الإنسان في المناهج الدراسية أو تستهدف فئات جديدة مثل النساء والأطفال واللاجئين والعمال والمهمشين. كما أن عددا من المنظمات التنموية بدأت تستعمل أدوات التربية على حقوق الإنسان في بحثها عن إدماج مقاربة حقوق الإنسان في عملها التنموي وعند تقديم خدماتها للفئات الاجتماعية الأكثر فقرا وتهميشا. ولم يكن أحد ليتخيل أن الاهتمام بالتربية على حقوق الإنسان سيمسّ أيضا المؤسسات الحكومية في بعض البلدان العربية التي أصبحت تهتمّ بتدريب الموظفين الحكوميين المعنيين بحقوق الإنسان. ولكن هل أدت كل هذه الأنشطة والبرامج إلى نشأة خطاب لحقوق الإنسان يساعد على تثوير الخطاب السياسي السائد وبناء معرفة سياسية تستبدل منطق الدعاية والمنفعة بمنطق الإنسان الكوني الذي يساعده هذا الخطاب على عقلنة واقعه والمطالبة بحرياته؟ وهل أدت هذه الأعداد الرهيبة من الدورات التدريبية والندوات والمنشورات إلى التأثير في واقع الناس والشروع في عملية التغيير الاجتماعي القائم على منطق الحرية والكرامة والعدالة والمساواة؟ وما هو مصدر هذا الشعور الكئيب بالمرارة، هذا الشّعور الذي يعتري العاملات والعاملين في مجال حقوق الإنسان حين يلاحظون مجتمعاتهم تغرق تدريجيا في التأمل السلبي لمنتوجات المشهد الاستهلاكي وفي اللهاث وراء المشاريع الأكثر تطرفا وانغلاقا؟ ستؤكد كل التفسيرات والتبريرات طبعا على أسباب مثل صعوبة قياس أثر التربية على حقوق الإنسان لأنها أنشطة تؤتي أكلها على المدى البعيد، ومثل محاصرة عمل المنظمات من طرف أجهزة الحكم والثقافة الدينية المنطوية على ذاتها وعلى مفهوم الهوية المطلق والتناقض الصارخ بين خطاب حقوق الإنسان الذي تعتمده السلطات وواقع ممارستها الفعلي والضعف الهيكلي لمنظمات حقوق الإنسان وشحّ مواردها إلخ. كل هذه التفسيرات لها ما يؤكدها في الواقع ولكننا اليوم في حاجة أكيدة أيضا إلى وقفة تامل للمشهد الحقوقي. 2. آفاق خطاب حقوق الإنسان والتربية عليها: من حقوق الإنسان كتقنية نضالية إلى حقوق الإنسان كسياسة حرية يبدو أنّ السبب المركزي لتهميش خطاب حقوق الإنسان ولعجز أنشطة التربية على تحقيق الأثر المنشود أحيانا كامن في ضياع الرؤية. فكأنّ البعض في خضم بحثه عن تطوير أساليب التربية على حقوق الإنسان وفي لهاثه المستمر خلف تعداد الإنجازات من دورات وندوات ومنشورات قد أغفل المراجعة النقدية الدائمة للرّسالة التي صنعت وجوده المتفرد وللرؤية التي يمكن أن تعّرفه كعنصر يسعى إلى التغيير الثقافي والسياسي والاجتماعي القائم على حقوق الإنسان. كأن البعض تناسى أن حركة حقوق الإنسان هي قبل كل شيء حركة تعيد تعريف السياسة في خطابها وممارستها كأحد العوامل لإعادة تشكيل الفضاء الاجتماعي اعتمادا على مبادئ مغايرة وهي مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والكرامة. إننا أمام تحدّ خطير وهو استعادة الرؤية التي تجعل من حقوق الإنسان سياسة للحرية. وتعني هذه الرؤية الخروج من تراث يكاد يحصر حقوق الإنسان إما في الاحتجاج المطلق أو في تجربة مهارات التدريب وتطوير القدرات. فما هي الفائدة من احتجاج لا يؤدي في نهاية الأمر وبعد عمل تفاوضي وضغط إلى تغيير سياسات الهيمنة والتسلط؟ وماهي الفائدة كذلك من تجربة كلّ إشكال التربية على حقوق الإنسان إذا لم تكن الغاية منها تطوير الخطاب السياسي السائد ونقد أنساقه التي تستلب العقل والوجدان وتؤدّي إلى إدامة علاقات التسلط؟ هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة صياغة لخطاب حقوق الإنسان تكون المعرفة والتربية أدواته وليست غاياته القصوى. ويمكن لإعادة صياغة الرؤية أن تتخذ اتجاهات عدة من بينها: – إحياء المعرفة العملية بحقوق الإنسان. إنّها معرفة تسعى إلى نقد ثوابت الخطاب السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي السائد وتفكيك عناصره التسلطية. ولا تكتفي المعرفة بالنقد بل إنها تسعى إلى بلورة خطط لإيصال عناصرها وإبلاغها لكل الفئات الاجتماعية. كما يمكن تحويل هذه المعرفة إلى أنساق عملية للتحرر يجرّبها الأفراد في أوضاعهم الخاصة وفي مجتمعاتهم المحلية . إن الهدف من سياسة المعرفة المتحرّرة هذه هو تحويل حقوق الإنسان إلى تجربة للتواصل الاجتماعي واختبار إمكانات إبداع هوامش للحرية في المجتمعات المحلية وبناء مواثيق للمواطنة حول مجموعة من الحقوق التي يختارها الناس كأدوات للتحويل المجتمعي المشترك. – تحويل أنشطة الاحتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان إلى رؤية للتأثير في السياسات التي تنتج أوضاع الهيمنة والتسلط واقتراح سياسات بديلة قائمة على حقوق الإنسان والعمل التدريجي مع بقية الفاعلين الاجتماعيين على محاولة تفعيل السياسات البديلة. ويعني هذا التوجه فيما يعني بلورة خطاب حقوقي وثقافة تعتمد ايطيقا وإرادة تفاوض من أجل بناء القاعدة القانونيّة المشتركة. – بناء تحالفات واسعة في المجتمع من أجل الحريات وحقوق الإنسان ومن أجل إخراج حركة حقوق الإنسان من شبكاتها الضيقة وتنمية خطابها بامتحانه من أطراف جديدة. ويكون الهدف الأساسي من هذه التحالفات توسيع مدى الخطاب الكوني لحقوق الإنسان وتغيير النظرة السائدة التي تعتبر حقوق الإنسان حكرا على أطراف معيّنة. إن فكرة التحالفات قد تحوّل مطلب حقوق الإنسان وخطابها إلى شأن مدني ينقلنا إلى فضاء الحركات المدنية للحريات. – بلورة وصياغة تجارب عملية تختبر فيها مفاهيم الكرامة والحرية والمساواة والعدالة من خلال تجارب فردية وجماعية. ويمكن لهذه التجارب أن تتجاوز العرض الممل للمفاهيم أو تبرير الحقوق لتبرز أن مغامرة حقوق الإنسان هي مغامرة تاريخية لتجربة الحرية. هي بعض التوجهات من أجل طرح أسئلة أساسية عن هويّة حركة حقوق الإنسان في واقع ينزع نحو منطق العنف والاستلاب وضرب تجارب الإبداع. قد تبدو الدعوة إلى استعادة حقوق الإنسان كسياسة حرّية أمرا موهوما أو صعب المنال في ظلّ سيطرة رؤية للسّياسة تقوم على الإكراه واضمحلال القيم. ولكن هل لنا من خيار آخر غير محاولة تحويل المستحيل إلى ممكن في مصنع أحلامنا الفرديّ أو في الحيّز الدّقيق للممكن المشترك.
 

(المصدر: موقع الأوان  بتاريخ أفريل 2007  )

 

مراجعات التيار الجهادي.. المغزى والمعنى

كمال حبيب (*)

أعلن التيار الجهادي في مصر أنه يعد مراجعات لمقولاته الفكرية والحركية سيعلن تفصيلاتها وشيكاً، والمثير في الأمر أن الذي يؤسس للمراجعات الجديدة قادة كبار وأعلام بارزون في هذا التيار ومنهم القيادي الجهادي سيد إمام عبد العزيز الشريف، وهو كان أميراً لتنظيم الجهاد المصري في التسيعينيات قبل أن يعلن الانضمام لتنظيم القاعدة في فبراير/شباط 1998م مؤسسا لما صار يعرف من وقتها بـ »قاعدة الجهاد« .

 

وسيد إمام الشريف استخدم أسماء حركية عديدة في فترة التسعينيات قبل أن يعلن انفصاله عن التنظيم وخروجه منه وتحوله بعد ذلك للعمل العلمي، فقد كان يعرف باسم « عبد القادر بن عبد العزيز »، كما كان يعرف باسم الدكتور فضل، وهو طبيب مصري ذهب للعمل الطبي في أفغانستان إبان الحرب ضد الروس وتم اختياره كأمير لتنظيم الجهاد، وهو أول من أسس مجموعة تتبنى فكر هذا التنظيم في مصر عقب نكسة 1967م بضاحية المعادي، وكان من بينها أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة اليوم.

وكان انضمام سيد إمام المفاجئ للمراجعات كفيلاً بمنحها الشرعية والصدقية وإخراجها من التناثر والتفتت والاجتهادات التي لا ترقى لمستوى تنظيم تحدى السلطة في مصر ثم تطور ليتحدى الأميركان فيما بعد.

وأصبحت مراجعات هذا التيار اليوم في سبيلها للاكتمال والتكامل وخروجها في صورة متماسكة تجمع كل المنتسبين لهذا التيار خلفها بلا منازعة أو تردد أو شك.

ويمكننا معرفة القيمة الفكرية والرمزية التي يمثلها سيد إمام إذا علمنا أنه من وضع الدستور الحركي والفكري لعمل المجاهدين في المعسكرات إبان الحرب مع الروس في أفغانستان في الكتاب الموسوم بـ »العمدة في إعداد العدة »، وهو كتاب استلهم فقه الجهاد من الكتب التراثية القديمة ليجعل منه أساساً لطريقة تعامل المنتسبين لهذه المعسكرات مع أقرانهم ورؤسائهم ومع سيرتهم وحياتهم وقضائهم ومعاملاتهم.

كما أنه -أي سيد إمام- هو من وضع الكتاب الضخم الموسوم بـ »الجامع في طلب العلم الشريف »، بيد أنه في الكتاب الأخير يبدو وكأنه يعاني من أزمة في التعامل مع تنظيمه جعلته يتمرد عليه ويعلن براءته منه وهجومه عليه وعلى تنظيم الجماعة الإسلامية وقتها قبل مراجعاتها.

وهو ما يعني أن تنظيم الجهاد بحالته المصرية قد واجه أزمة منذ منتصف التسعينيات جعلته يتعرض للتشرذم والتفكك، ومظاهر هذه الأزمة جعلت سيد إمام يعلن خروجه من التنظيم ليتولى أيمن الظواهري إمارته وهو الذي قفز به قفزته الكبرى بالتحالف مع أسامة بن لادن في عام 1998م فيما عرف باسم « الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين » وجعل الفكر الإستراتيجي للتنظيم الذي أصبح يسمى « القاعدة » ينتقل من المحلية إلى العالمية.

المراجعات التي يكتمل بناؤها الفكري بالتحول من الفكر القديم الذي يتبنى ما يمكن أن نطلق عليه فقه « الاستثناء أو الضرورة أو الخاصة » إلى فقه « المعاش أو الحياة أو الجماعة أو العامة »، هي تحول كبير ينتقل بالتيار الجهادي من المنهج الانقلابي إلى المنهج الدعوي الإصلاحي، وينتقل به من العنف كأداة وحيدة للصراع الاجتماعي والسياسي إلى أدوات أخرى لا تستبعد النضال السلمي أو ما أطلقنا عليه في موضع آخر « الخروج السياسي« .

كما تنتقل المراجعات بهذا التيار أيضاً من الهامش إلى المركز، ومن النخبوية إلى الشعبوية أو الجماهيرية، أي بدل أن ترى هذه الجماعات نفسها نائبة عن الأمة في التغيير فهي تصبح جزءاً من هذه الأمة، وبدلا من أن تحتكر هي الرؤية والمنهج والطريقة فإنها تشارك غيرها من أبناء الأمة وجماعاتها للتوافق على أي الطرق أقوم سبيلا وأيها أحسن قيلا.

وباكتمال هذه المراجعات يكون التيار الرئيسي داخل الحركة الإسلامية المصرية قد انتظم جميعاً في داخل الحركات الاجتماعية التي تتبنى المنهج السلمي في منازلة حكوماتها لتحقيق مصلحة مجتمعاتها.

وهو ما يعني أنها تتصالح مع أمتها وتتجاوز وصفها بالجاهلية أو نعتها بالتحاكم إلى الطاغوت لاعتبارها جماعة مسلمة تستصحب لها الإسلام وأنها تنطلق الآن من قلب هذه الجماعة وبها إليها وإلى الحكام بالعودة للإسلام منهجاً وللشريعة مرجعا.

وإذن فنحن أمام حركات اجتماعية لا تمثل جماعات مغلقة غير قابلة للتطور أو أنها جماعات أصولية (fundamentalism) بالمعنى الغربي لا تعرف التعايش مع مجتمعاتها، ويعد العنف جزءاً أصيلا من مقولاتها الفكرية والعقدية.

فلو كان العنف جزءاً من المشروع العقدي أو الشرعي لهذه الجماعات ما كانت قد شهدت هذه التحولات الدرامية بحق، فالتشدد أو العنف أو المفاصلة أو العزلة أو غيرها من المصطلحات التي تستخدم للتعبير عن هذه الحركات، هو مسألة متصلة بالبيئة الاجتماعية والسياسية المحلية أو الكونية أو الإقليمية وليست مسألة لصيقة بفكرها أو المرجعية التي تنتمي إليها.

والإنسان الذي ينتمي لهذه الجماعات ليس عنيفاً بفطرته أو طبعه وإنما ميله ناحية العنف هو جزء من بيئة يتحرك فيها، ومع تغير الواقع والظروف والسياق الاجتماعي والسياسي فإننا نكون أمام مشهد جديد وفعل جديد وفكر جديد.

وينظر لمراجعات التيار الجهادي المصري على أنها ستكون ضربة مؤثرة بلا شك على جهود تنظيم القاعدة الذي يسعى لبناء تحالف من الرافضين للسلوك والسياسات الأميركية وللنظم المتحالفة معها تجاه العالم الإسلامي منذ 11/9.

فهو وإن لم يكن يعبر عن تنظيم تقليدي رأسي مترابط من القمة إلى القاعدة كما في التنظيمات اليسارية القديمة، إلا أنه يقدم مظلة فكرية لأممية إسلامية افتراضية ممتدة على مساحة الكون كله، وهو بهذا المعنى يخسر صفة كونه يقدم الإطار المرجعي الاحتجاجي ضد السياسات الأميركية والحكومات المتحالفة معها.

فالمراجعات الجديدة للتيار الجهادي على وجه الخصوص ستنزع منه هذه الصفة، وتسحب منه أرضاً كان يتمدد فيها خاصة أن الذين يقومون بالمراجعات هم أقران وأصدقاء وأعضاء قدامى لقادة تنظيم القاعدة اليوم.

ستواجه هذه المراجعات تحديات كتلك التي واجهتها مراجعات الجماعة الإسلامية ولعل أهمها من الناحية المعنوية وجود قيادات من المحسوبة على تنظيم الجهاد في الخارج، وهذه القيادات ستمثل تحدياً نفسياً من ناحية دهشتها للتحولات الجديدة ورفضها لها والتذكير بما كان عليه أفكار هؤلاء القادة.

ولكن الخبرة السابقة لحالة الجماعة الإسلامية في المراجعات توحي بأن التيار الذي يتبناها لن يهتز لمثل هذا التحدي لأنه قطع مسافة صعبة في حوار داخلي مع الذات والعقل انتهى به إلى الإعلان عن هذه المراجعات، ومن ثم فإن القناعة النفسية والفكرية التي ترسخت لديه لن تهتز كثيرا بهذا الضغط.

كما أن تنظيم القاعدة سيرى هذه المراجعات طعنة في ظهره ومن ثم فإنه يتوقع أن يكون طرفاً في هذه المعركة الفكرية وسيشن حملة قاسية على هذه المراجعات وعلى شخوصها.

من بين التحديات التي ستواجهها المراجعات وجود أصوات علمانية متطرفة تبحث في النوايا وتحاول التشكيك في هذه المراجعات التي قد تبدو -كما سيزعمون– تكتيكاً لا يعبر عن تحول فكري حقيقي أو توجه إستراتيجي في رؤية المراجعين.

لكن هذه الأصوات العلمانية سرعان ما ستخبو أمام القطع بجدية هذه المراجعات والثقل التاريخي والرمزي الذي يمثله القائمون عليها والتعاطف العام لقوى المجتمع المختلفة مع هذه المراجعات وقبولها والتعاطي الإيجابي معها.

وربما توحي الدلالة الأهم في مسيرة هذه الجماعات التي انتهجت العنف كأداة رئيسية في الصراع مع الواقع المعقد الذي تسعى لتغييره، بأن مشروع العنف يحمل في طياته بذور فنائه لأنه يفتقد الأفق السياسي والاجتماعي ويقطع أوصال التواصل مع المجتمع الذي يسعى لتغييره، وهو في التحليل النهائي مهما حقق من نجاحات يبقى القائمون عليه في الهامش بعيداً عن القلب والمركز.

قد يؤدي العبء الذي حمله هؤلاء المراجعون أنفسهم في مسيرتهم الطويلة في الجهاد والفكر إلى أن يستريحوا ويبتعدوا عن الصخب العام ومشاكله والسياسة وبلائها ويتفرغوا للدعوة أو البلاغ، ولكنهم في التحليل النهائي فتحوا الباب واسعاً أمام عموم الحركة الإسلامية المصرية لتنتقل من الأطراف والهوامش إلى القلب ليكون ذلك مسارها المستقبلي الرئيسي بعيداً عن جاذب العنف والتنظيمات السرية ودهاليزها المظلمة.

وإذا كانت هذه المراجعات كشفت عن أن العنف ليس أصيلا لا في نفس أو حركة فإن العلاقات بين الشعوب سلما أو حربا أو صراعا تحددها هي الأخرى طبيعة العلاقات بينها، وأن رغبة أمة في العدوان على حقوق أمة أخرى هي التي تولد المقاومة والمدافعة والمصاولة لحماية هذه الحقوق.

ومن ثم فإن العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب ليست متصلة فقط بطبيعة الأفكار التي تحملها تنظيمات مثل القاعدة وإنما تكمن بشكل أساسي في طبيعة العلاقات التي تحاول أميركا والغرب فرضها على العالم الإسلامي فيما عرف باسم « الحرب على الإرهاب« .

ويبدو لنا أنه كما في علاقات الأفراد والجماعات فإن الأمم حين تنزع للقوة والعنف لفرض منطقها فإنها ورغم ما تملكه من قوة تنتهي للفشل، فالحرب على الإرهاب ارتدت إلى نحور من أشعلها، لأنها اعتمدت هي الأخرى العنف أداة وحيدة لفرض ما تراه.

وبدلاً من القضاء على الجماعات المعادية لأميركا في العالم الإسلامي إذا بها تخلق بيئة مناسبة لتوسعها واستقطاب أعداد أكبر وأوسع.

فالمراجعات التي يتبناها التيار الجهادي في مصر تحتاج لمراجعات من أطراف عديدة أهمها الحكومات في العالم العربي والإسلامي التي يجب عليها أن تراجع علاقاتها بشعوبها ومجتمعاتها التي يجب أن تتأسس على شرعية حقيقية تحترم فيها القانون والإنسان حتى لا نعيد إنتاج العنف من جديد بأشكال مختلفة وصور جديدة.

كما أن أميركا والغرب بحاجة لمراجعة علاقتهم بالعالم الإسلامي بحيث تقوم هذه العلاقة على احترام خصوصية شعوب هذه المنطقة الثقافية وحقوقها العادلة في استرداد أراضيها المغتصبة وبلدانها المحتلة.

فالعنف والقوة كما في حالة الجماعات التي انتهجته فإنه على مستوي العلاقات الدولية لن يحقق أهدافه، وإذا كان أصدقاء الظواهري وزملاؤه يراجعون أفكارهم اليوم فمن يدري أنه ربما لو كان الظواهري نفسه وبن لادن في سياق مختلف عن ذلك الذي يواجهونه لكانوا من رموز تلك المراجعات وقادتها.

(*) كاتب مصري

(المصدر: ركن « المعرفة » بموقع « الجزيرة.نت » (الدوحة – قطر) بتاريخ 6 ماي 2007)


 

حرب الحجاب تهدد بتقسيم تركيا

صحف الأحد البريطانية ركزت على موضوعين أساسيين, فقد اهتمت بالجدل المحتدم في تركيا بين الإسلاميين والعلمانيين بشأن من سيخلف الرئيس الحالي, منبهة إلى أن الصراع الحقيقي يتجاوز قضية الحجاب, كما تحدثت عن ما يتوقع من ساركوزي في حالة فوزه.

حرب الحجاب

تحت عنوان « حرب الحجاب تهدد بتقسيم تركيا » كتبت كريستينا لام مراسلة صحيفة صنداي تايمز في إسطنبول تعليقا بدأته بقصة طبيبة تركية متخصصة في أمراض الأطفال.

قالت لام إن الدكتورة آيسه مادن (29 عاما) تبدو طيبة وبشوشة, مضيفة أنها أكملت لتوها تسع سنوات من دراسة الطب والتدريب على ممارسته في المجر قبل الحصول على عمل في بريطانيا.

لكن آيسه كما تقول لام لا يمكنها العمل في بلدها الأم تركيا لأنها تلبس الحجاب.

ونقلت عنها قولها إن الأمر في تركيا يشبه الهوس, فالحجاب محظور في المكاتب العامة والمدارس والجامعات والمستشفيات.

ولاحظت لام أن الغالبية العظمى من النساء التركيات اللاتي يمررن في الشارع محجبات, بل نقلت عن مؤسسة الدراسات الاجتماعية والاقتصادية التركية قولها إن 62% من التركيات يلبسن الحجاب.

وأضافت أن هذه القطعة المربعة البسيطة من القماش هي التي أدت إلى الأزمة السياسية الحالية التي أحدثت شرخا بين العلمانيين والإسلاميين, وتهدد بتدخل الجيش عبر انقلاب عسكري بغية حماية العلمانية.

وأكدت المعلقة أن حزب العدالة والتنمية الحاكم استطاع تخفيض التضخم المالي في تركيا وزيادة الاستثمارات الأجنبية, كما أن تركيا في ظله تم قبولها كمرشح لدخول الاتحاد الأوروبي.

ونقلت عن شميل وهو بائع حجب في محال « تكبير » التي تضاعفت مبيعاتها حتى اضطرت إلى فتح ثلاثة فروع، قوله إن تركيا ربما أصبحت الآن « تركيتين », لكن إحداهما تنمو بسرعة أكبر من الأخرى, في إشارة منه إلى تركيا العائدة إلى التقاليد الإسلامية.

 

الصراع الحقيقي

لكن بيتر بيمونت, المحرر السياسي لصحيفة ذي أوبزيرفر والموجود حاليا في إسطنبول يعتقد أن الحجاب ليس سوى أحد الصراعات التي أدت إلى التوتر السياسي الحاصل حاليا في تركيا, مشيرا إلى أن السلطة والطبقية تلعب دورا أساسيا في ذلك.

وأضاف بيمونت أن هذه أزمة تكتسي فيها الرموز أهمية لا تقل عن أهمية واقع الحياة التركية الحديثة.

وقال إن الأزمة الراهنة هي أزمة بين المعارضة التركية ذات الطابع العلماني -التي تسيطر على القضاء والجيش والبيروقراطية, وحتى الآن على رئاسة الجمهورية- وحزب العدالة والتنمية الذي يتهمه العلمانيون بأنه سمح بأسلمة الدولة من الباب الخلفي.

وشدد الكاتب على أن المواجهة الحالية في تركيا -بشأن من سيكون الرئيس القادم لهذا البلد- مردها خشية الطبقة العلمانية الغنية والنخبة المثقفة ثقافة غربية, التي ظلت تقليديا تحكم تركيا من أن يجرفها هذا التيار الجديد المكون من أشخاص من الطبقة المتوسطة والفقيرة المحافظة والمتدينة.

(المصدر: موقع « الجزيرة.نت » (الدوحة – قطر) بتاريخ 6 ماي 2007)

 

بين اليمين واليسار.. يصعد الإسلاميون والتيار القومي

الخارطة الحزبية التركية ومواقفها من الأزمة السياسية الحالية.. وأهم وجوهها

أنقرة: سمير صالحة

في تركيا العديد من الأحزاب السياسية التي تطورت على مدى اكثر من 80 عاما من تاريخ اعلان الجمهورية التركية، غير ان هذه الاحزاب خرجت اساسا من رحم تيارين سياسيين كبيرين، هما التيار اليساري والتيار اليميني، حيث كان حزب الشعب الجمهوري الذي اسسه مصطفى كمال اتاتورك يقود البلاد منفردا حتى عام 1950 وصدور قانون التعددية الحزبية حيث دخل «الحزب الديمقراطي» على الخط بقيادة عدنان مندريس. من هنا فقد تتغير الاسماء واليافطات لكن التيارات السياسية والحزبية التركية تعتبر في نهاية المطاف امتدادا لهذين الحزبين واشتقاقات عنهما. اليسار احتفظ بوجوده عبر «حزب الشعب الجمهوري» لسنوات طويلة ثم ما لبث بعد حظره عقب الانقلاب العسكري عام 1980 ان ترك موقعه لأحزاب يسارية أخرى أهمها «حزب الشعب الاشتراكي الديمقراطي» و«حزب اليسار الديمقراطي» و«حزب الشعب الجمهوري» مجددا. اما اليمين الذي مثله «الحزب الديمقراطي» بزعامة مندرس فترك موقعه لحزب «العدالة» بزعامة سليمان ديميرل وتلاه حزب «الوطن الأم» بزعامة تورغوت أوزال في الثمانينيات وحزب «الطريق القويم» في التسعينيات. أما الحركة السياسية الإسلامية التي بدأت مسيرتها بزعامة نجم الدين أربكان في مطلع الستينات تحت علم «حزب النظام الملي»، وواصلت طريقها مع «حزب السلامة الوطني» ثم «حزب الرفاه الإسلامي» ثم «حزب الفضيلة» الذي تمخض عنه «حزب العدالة والتنمية» و«حزب السعادة». ورابع لاعب سياسي دخل على خط الموازنات والمعادلات الحزبية في تركيا هو «الحركة القومية» التي حظرت وتفككت اكثر من مرة بدورها امام الانقلابات العسكرية المتعددة لينتهي بها المطاف اليوم عند حزبين هما «حزب الحركة القومية» و«حزب الوحدة الكبرى». الانتخابات التركية الاخيرة التي جرت عام 2002 احدثت هزة سياسية كان ابرز نتائجها فوز كاسح لحزب جديد يدخل الى حلبة السياسة تحت شعار التغيير والتجديد هو حزب العدالة والتنمية التركي وقد ادى حصده لنسبة 34 بالمائة من مجموع الاصوات وتقاسمه البرلمان مع حزب الشعب الجمهوري الذي حصل على 19 بالمائة مسجلا تراجعا كبيرا في شعبيته، الى تفرد العدالة في تشكيل الحكومة واختيار رئيس مجلس النواب الجديد واستبعاد العديد من الاحزاب والشخصيات عن حلبة العمل السياسي.  وهنا رصد لابرز الاحزاب التركية الناشطة اليوم وطريقة تعاملها وموقفها من الازمة الحالية:

1 ـ حزب الشعب الجمهوري اسسه مصطفى كمال اتاتورك عام 1923 وهو اول الاحزاب السياسية التركية بعد اعلان الجمهورية. يتبنى شعار الاسهم الستة كمبادئ اساسية وهي المبادئ التي تحدد شكل الدولة التركية واهم اسسها العقائدية والفكرية. يقوده اليوم دنيز بيكال، وهو من مواليد عام 1938 في انطاليا جنوب تركيا، وخريج كلية الحقوق في انقرة ودخل البرلمان عام 1973. ويعتبر ابن الحزب المتمرد فقد وقف في وجه ابرز قياداته من امثال اردال اينونو ثم بولند اجويد حتى انتزع قيادة الحزب منهما. هو اليوم يقود المعارضة السياسية في وجه حزب العدالة الاسلامي.

2 ـ حزب الطريق القويم (أو الصحيح ) أسسه الزعيم السياسي سليمان دميرال الذي حمل قبعته وغادر السياسة اكثر من مرة بسبب الانقلابات العسكرية التي كانت تشهدها البلاد. وحزب يميني محافظ يعتبر نفسه امتدادا للحزب الديمقراطي الذي اسسه عدنان مندريس الذي شنق في اعقاب انقلاب 1960 في تركيا. ويقود الحزب اليوم محمد اغار من مواليد الازغ شرق تركيا، وقد خدم في العديد من قطاعات الدولة وترقى الى منصب محافظ ثم مديرا للامن الداخلي، وانتخب نائبا لاكثر من مرة ثم وزيرا تسلم اكثر من حقيبة. ومعروف عنه تشدده في المسائل القومية. تسلم قيادة الحزب من تانسو تشيللر التي تلقت هزيمة قاسية في انتخابات 2002 انسحبت على اثرها من العمل السياسي. يمثله اليوم في البرلمان نائبان فقط لكنه يعد نفسه لاسترداد ما فقده خلال السنوات الاخيرة عبر تجديد الائتلاف مع «حزب الوطن الام» ودمج الحزبين قبيل الانتخابات المقبلة تحت علم «الحزب الديمقراطي» محاولا قطع الطريق على «حزب العدالة» في احتلال مركز الوسط في القاعدة اليمينية التركية المحافظة. يخوض الانتخابات مدعوما بالكثير من استطلاعات الرأي التي تشير الى احتمال تجاوزه لعقبة العشرة بالمائة لدخول المجلس.

3 ـ حزب الحركة القومية حزب يميني قومي متشدد اسسه الضابط التركي الب ارصلان توركش الذي قاد عام 1960 الحركة الانقلابية ليكون امتدادا للحزب المللي الذي اسس عام 1948. دخل اكثر من ائتلاف حكومي خصوصا مع الاحزاب اليمينية. اقام عام 1991 ائتلافا انتخابيا مع حزب الرفاه الاسلامي واستطاع دخول المجلس النيابي، غير انه فشل عام 1995 في تجاوز عقبة العشرة بالمائة من مجموع الاصوات. توفي مؤسسه توركش عام 1997 تاركا الحزب بين يدي دولت بهشلي الذي نجح عام 1999 في انتزاع نسبة 18 بالمائة من مجموع الاصوات ليحقق اكبر الانتصارات باسم الحركة القومية التركية التي اوصلت عشرات النواب الى البرلمان للمرة الاولى في تاريخ تركيا السياسي.

4 ـ حزب السعادة عام 1970 اسس نجم الدين أربكان الزعيم الاسلامي والشخصية الكاريزمية حزب النظام الملي الذي اغلق لاحقا بقرار من المحكمة الدستورية العليا التي اتهمته بمحاربة النظام العلماني ومحاولة إقامة دولة دينية. شكل أربكان حزبا آخر باسم حزب السلامة الوطني عام 1972 الذي حل هو الاخر تاركا مكانه لحزب الرفاه الاسلامي ويكون مصيره نفس المصير الذي سيواجهه حزب الفضيلة عام 2002 تاركا الاسلاميين الاتراك امام انشقاق جديد داخلي هذه المرة حيث برز حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان والذي يمثل الجناح التجديدي في الحركة الى العلن، بينما انشأ الجناح الاخر المقرب الى اربكان حزب السعادة الذي كان يمثل الجناح التقليدي ويقوده نجم الدين أربكان من وراء الكواليس. وقد انتخب أعضاء الحزب رجائي قوطان زعيما لهم. وقد فشل حزب السعادة في الانتخابات الاخيرة وهو اليوم يبحث عن سبل تشكيل ائتلاف انتخابي يسهل له العودة الى البرلمان.

5 ـ حزب الوطن الأم اسسه الرئيس التركي السابق تورغوت اوزال بعد الانقلاب العسكري الاخير عام 1980 وهو حزب يميني معتدل يجمع الميول الدينية والفكرية الاربعة في تركيا، حصد نتائج كبيرة على مدى 10 سنوات حملت اوزال الى الرئاسة وتركت الحزب بين يدي مسعود يلمظ الذي فشل في حماية ارث الاخير الحزبي فضعف الحزب وتراجع شعبيا وتعثر عليه دخول المجلس قبل 4 اعوام. اما اليوم فيقوده اركان مومجو وهو من مواليد عام 1963 اسبرطه وسط الاناضول، خريج كلية الحقوق في انقرة ودخل العمل السياسي بطلب من الرئيس اوزال وكان من المقربين اليه. تسلم اكثر من مهمة حزبية هامة وعين وزيرا اكثر من مرة. دخل الانتخابات عام 2002 تحت لواء العدالة والتنمية وفاز في الانتخابات ليتسلم مهام وزارة التربية ثم السياحة لاحقا. استقال من العدالة على اثر خلافات حادة مع قيادة الحزب وعاد بعدها الى الوطن الام ليقود حملة معارضة سياسية عنيفة ضد حلفاء الامس.

6 ـ حزب اليسار الديمقراطي هو امتداد لحزب الشعب الجمهوري اسسه مجموعة من السياسيين اليساريين تحت فكرة اليسار الوسط وقادته زوجة السياسي المخضرم بولنت اجاويد لمدة طويلة خلال تواجده في السجن ومنعه من ممارسة العمل السياسي. تسلم اجاويد الدفة في الحزب حتى وفاته مؤخرا. شهد الحزب حركة صعود وهبوط دائم في مساره السياسي وكان اكبر فوز حققه عام 1999 بحصوله على 22 بالمائة من مجموع الاصوات. هو الحزب الاتاتوركي العلماني المتشدد وقد انعكس ذلك في اعقاب انتخابات 1999 عندما وقف في وجه مروة قواكجي النائبة الاسلامية التي حاولت قسم اليمين من على منصة البرلمان وهي محجبة فمنعها من ذلك وسط ازمة سياسية حادة تفجرت في البلاد حينها. واجاويد هو من مواليد اسطنبول عام 1925 بدأ حياته كصحافي متدرج ما لبث ان انتقل الى العمل السياسي تحت لواء حزب الشعب الجمهوري حيث تدرج فيه ووصل في فترة زمنية قصيرة الى الذروة التي مكنته من تسلم القيادة من عصمت اينونو المساعد الايمن لاتاتورك واقرب المقربين اليه. دخل البرلمان وهو في طليعة شبابه وانتخب اكثر من مرة واختير رئيسا لمجلس الوزراء. مهندس حرب قبرص التي تفجرت عام 1974. تعرض لانتقادات حزبية شديدة قادها دنيز بيكال بتهمة اضعافه اليسار التركي والمساهمة في تفتيته بدل ان يوحده.

7 ـ حزب الوحدة الكبرى اسسه محسن يازجي وهو من مواليد 1954 في سيواس شرق تركيا خريج كلية البيطرة في انقرة التحق بصفوف حركة الشباب القومي باكرا عام 1968 حيث اصبح عام 1978 الامين العام لهذه الحركة القومية المتشددة. بدأ العمل السياسي في صفوف الحزب القومي الذي اسسه توركش وترقى في صفوف الحزب حتى تسلم منصب الامين العام المساعد عام 1980 ليمضي بعدها اكثر من 7 سنوات مسجونا في اعقاب الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد في ذلك العام انتخب نائبا عام 1991 في حزب الحركة القومي لينفصل عنه بعد عامين مؤسسا حزبه مع مجموعة من رفاق الدرب. دخل المجلس مجددا عام 1995 بعد ائتلاف انتخابي مع حزب الوطن الام لينفصل عنه بعد فترة قصيرة. وتشير آخر استطلاعات الرأي الى احتمال حصوله على نسبة 3 بالمائة من الاصوات وهي غير كافية لدخوله البرلمان من هنا تقول المعلومات انه يجري اتصالات مع اكثر من حزب يميني بينها السعادة والطريق الصحيح للتنسيق بينهما.

8 ـ حزب العدالة والتنمية بعد حل حزب الفضيلة عام 2001 أسس رجب طيب اردوغان مع مجموعة من رفاقه حزب العدالة والتنمية الذي حاول الابتعاد عن صفته كحزب اسلامي متشدد ونجم الدين اربكان، معتبرا نفسه قوة ديمقراطية محافظة اى حزب المحافظين الديمقراطيين الاسلاميين الجدد . ولأن أردوغان كان ممنوعا من ممارسة العمل السياسي فقد تولى غل رئاسة الوزراء عام 2002 عقب فوز حزبه بالانتخابات التشريعية. وقاد غل لمدة اربعة اشهر الحزب بسبب تعرض اردوغان للحظر السياسي وعقوبة السجن التي امضاها بتهمة القاء كلمة تحريضية في احد اللقاءات السياسية قبل ان ينتخب عام 2003 نائبا عن مدينة «سعرت» مسقط رأس زوجته. حيث عاد وسلم الامانة مكتفيا بمنصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية. اختاره حزب العدالة في ابريل (نيسان) المنصرم ليكون مرشحه لرئاسة الجمهورية التركية مستفيدا من امتلاكه للاغلبية في البرلمان.

رجب طيب اردوغان مواليد عام 1954 في مدينة ريزه بتركيا الواقعة على البحر الاسود تخرج عام 1981 من كلية التجارة في «جامعة مرمرة» في اسطنبول، كان لممارسته لعبة كرة القدم في شبابه دورها في بناء روح الفريق والتحرك الجماعي في المجال السياسي حيث التحق باكرا باتحاد الطلبة المللي المحسوب على اليمين المحافظ في تركيا ليتدرج هناك ويتخضرم في العمل السياسي حيث تتلمذ على يدي السياسي نجم الدين اربكان لسنوات طويلة. انتخب عام 1994 رئيسا لبلدية اسطنبول حيث جمع حوله مجموعة من القيادات الاسلامية الشابة لينتهي به المطاف عند الانفصال السياسي عن نجم الدين اربكان تحت شعار التغيير والتجديد في العمل السياسي نهجا ومضمونا مغضبا معلمه وتاركا اياه خارج اللعبة السياسية التركية.

9 ـ حزب الشباب من اغرب الظواهر الحزبية في تركيا نشأ واندفع مع انتخابات عام 2002 بقيادة رجل الاعمال جيم اوزان لينتزع حوالي 6 بالمائة من مجموع الاصوات غالبيتها من الشباب بسبب وعوده وادعاءاته السياسية الكبيرة اهمها تخصيص معاش للعاطلين عن العمل والطلبة ورفع مستوى الدخل الفردي واعلانه لتخفيض اسعار المواد الاولية بنسب كبيرة في حال وصوله الى السلطة. وهو حزب يميني ليبرالي معظم قيادته من الشباب المبتدئين في العمل السياسي. وعلى عداوة سياسية كبيرة مع حزب العدالة حيث رفض رئيسه استقبال مرشح حزب العدالة لمنصب رئاسة الجمهورية غل، اذ يحمل العدالة مسؤولية محاربته ومحاولة ازاحته من العمل السياسي بعد تضييق الخناق على مؤسساته وحركة امواله.

(المصدر: صحيفة « الشرق الأوسط » (يومية – لندن) الصادرة يوم 6 ماي 2007)


 علــــى هامـــــش الاحتكــــــــاك التـــركـــــــــي: العلمانيــة والمسألـــة الديموقراطيـــة

بقلم: برهان بسيس

أعاد الخلاف الجاري بين المؤسسة العسكرية في تركيا وتيار رئيس الوزراء رجب اردوغان صورة النقاش الفكري والسياسي التقليدي المحيط بالمسألة العلمانية خاصة عندما يتعلق الأمر بمجتمعات مسلمة.
أي علاقة بين العلمانية والديموقراطية؟! وهل يمكن اخضاع التوجه العلماني الى سلطة الاختيار الشعبي؟! وهل بالامكان ان تكون القوة المادية والقانونية الملزمة عبر أدوات التشريع والتنفيذ هي ضمانة العلمنة ضد كل تهديد بالنكوص او التراجع؟!
التجربة في تركيا مع هذا الاحتكاك الاخير تتجول ضمن هذه الدائرة من الاسئلة الاشكالية التي تستدعي اعادة اطلاق نقاش جدي وضروري حول المسألة العلمانية في مجتمعاتنا العربية والاسلامية في ظل تراجع مذهل لقوى التحديث والتنوير لفائدة التيارات الاصولية الدينية الزاحفة على العقول والمتربصة بأجهزة الحكم والسلطة. رسمت تركيا «الكمالية» نموذج السبق والامكان لمجتمعات دار الاسلام في ان تكون قادرة على الاندماج في تيار العصر وقيمه التحديثية بعد ان ظلت قراءات الآخر الغربي المتعالية والمحتكرة لقابلية التمدن والعصرنة تقصي كل امكانية لقدرة المجتمعات الاسلامية على انجاز التحديث المطلوب المتصل مباشرة ببناء دولة لائكية قائمة على فصل الدين عن السياسة. ظلت المؤسسة العسكرية التركية التي انجبت  مصطفى كمال اتاتورك الضمانة القوية لتواصل هذا الخيار الذي منح تركيا حظوظ التقدم ومكنها ان تقف اليوم مستكملة لشروط  النماء والنهوض وهي تطرق ابواب اوروبا طالبة الاندماج والشراكة الاستراتيجية، فرضت هذه المؤسسة احترام ثوابت النظام السياسي رغم ان تعايشها مع فاعلي السياسة المدنية التركية كان صعبا ومحتدا في عديد المراحل من تاريخ تركيا المعاصر تدخّل عبرها الجيش لاسقاط الحكم المدني ولكن هذه المؤسسة حافظت مع استقرار الديموقراطية في البلد على مسافتها تجاه الحكم المدني دون ان تتخلى عن دورها كمرجعية وضمان لاستقرار ثوابت البناء العلماني للدولة حتى لو افرز الاقتراع الديموقراطي احزابا سياسية قريبة من الطرح الاصولي وهو ما بدا واضحا مع تجربة التعايش بين العسكر وحكومتي اربكان ورجب طيب اردوغان.
في ما وراء تفاصيل الحالة التركية يبدو ضروريا اخراج بعض الاسئلة حول المسألة العلمانية من دائرة التنظير المغرق في العموميات وطرحها على محك احراجات الواقع بعيدا عن السذاجة التي تسقط فيها عادة اندفاعات بعض المثقفين الديموقراطيين.
لا أعتقد ان العلمانية كشكل حديث لبناء الدولة وصياغة نموذج المجتمع قادرة على الصمود في مجتمعاتنا العربية والاسلامية في ظل مثل الظروف الراهنة الموسومة بنكوص التحديث وتراجع قيمه وسيادة الفكر الماضوي دون ان يكون لها مرجعية ضامنة تفرض العلمنة بقوة الالزام ضمن رؤية شاملة تلتقي ضمنها قناعة النخب بقوة الضمانة التنفيذية حتى لو مس ذلك من صفاء الدرس النظري حول الديموقراطية حين يتم تحويله الى قوالب سطحية جاهزة تقدس عفوية الجماهير وقدرتها الخارقة على امتلاك الحقيقة.
يجب ان نعي ان الجماهير لا تملك ضرورة ودوما الحقيقة ما لم توجهها النخب القائدة على طريق امتلاك الوعي اللازم عبر توفير شروطه المادية الاساسية في التعليم والمعرفة والصحة واسباب الحياة الكريمة، فهل كان للتونسيين مثلا القدرة على اختيار نموذج التحديث في تنظيم الاحوال الشخصية لو لم تكن النخبة القائدة هي المبادرة للانجاز، ألم يكن من الممكن ان يسقط مشروع مجلة الاحوال الشخصية لو عرض على التصويت الشعبي العام خلال خمسينات القرن الماضي؟!! ان الوهم حول الحقيقة الجماهيرية والديموقراطية العامة الفضفاضة لا يمكن ان يخدم سوى اعداء الديموقراطية انفسهم الذين اكدت التجربة ان صعود اشرسهم الى السلطة لم يكن سوى عبر ثقوب سذاجة الديموقراطية والديموقراطيين. اما اذا كان الامر متعلقا في حالة مجتمعاتنا بحالة التعاطي مع تيار الاصولية الصاعدة فلا يمكن لوهم الشراكة والحوار باسم تصور ديموقراطي هلامي سوى الغاء كل حظوظ التحديث والتقدم لفائدة تخلف ونكوص وردّة تولد وتكبر بيننا بكل ديموقراطية وحرية وفي كنف الاحترام الكامل لشروط الاختيار الشعبي!! أليس الطريق الى جهنم مليء بالنوايا الطيبة.
(المصدر: ركن « البعـد الآخـر » بجريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 6 ماي 2007)


تركيا: حتى لا تكون ديموقراطية بساق واحدة!

تركي الحمد

حين يكون هناك خلاف مع تيار فكري ما، أو حركة سياسية معينة، مهما كانت العقيدة التي يبشر بها هذا التيار أو تلك الحركة، فإن مثل هذا الخلاف لا يعني النفي أو الإقصاء للطرف المختلف معه، أو من المفترض أن يكون هذا هو الوضع، وذلك إذا كنا نتحدث عن ديموقراطية ليست عرجاء، أو ليبرالية فعلية، أو حتى علمانية قائمة على أسس صحيحة. الموقف الليبرالي الحق هو ما عبر عنه فرانسوا فولتير عندما قال لجان جاك روسو، وهو في محنته، كلمته المشهورة: «إني أختلف معك في الرأي، ولكني مستعد للتضحية بحياتي من أجل حقك في أن تبدي رأيك». وبدون مثل هذه الليبرالية التي تساوي بين الجميع في حق الرأي والمعتقد والفكر، فإنه لا ديموقراطية حقيقية يمكن أن تقوم، حتى لو كانت هنالك صناديق اقتراع، وأحزاب سياسية متنافسة. كل ذلك لا يعني أي شيء إذا غابت الحرية التي هي لب الليبرالية.

وما حرية الصحافة، والشفافية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وحرية التجمع وتكوين الأحزاب والنقابات، وحرية التعبير عن الذات، مهما كان هذا التعبير، إلا مأسسة للقيم الليبرالية، التي هي أساس كل ديموقراطية وأي ديموقراطية، بل حتى أنه لا معنى للعلمانية ذاتها عندما تكون قيم الليبرالية غائبة، وعندما بالتالي تنتفي الديموقراطية الحقيقية. فالعلمانية تعني في النهاية الفصل بين المؤسسات الدينية (وليس ذات الدين) عن السياسة، بحيث تصبح السياسة فن صنع الدنيا، فنحن أعلم بأمور دنيانا، بينما تبقى المؤسسة الدينية مختصة بالشؤون غير الدنيوية. هذا لا يعني أن المنتسب إلى المؤسسة الدينية (شيخاً كان أو طالب علم أو قسيساً أو حبراً أو ناسكاً) لا يحق له ممارسة السياسة، بل له كل الحق في ذلك، ولكن بصفته مواطناً ضمن مواطنين، وليس مالكاً لحقيقة مطلقة على الجميع قبولها، وإلا فإنهم من الهالكين. وفي هذا المجال، تحضرني مقولة أخرى لفولتير يقول فيها: «إن الإنسان الذي يقول لي اليوم: آمن كما أؤمن وإلا سيعاقبك الله، سوف يقول لي غداً: آمن كما أؤمن وإلا قتلتك».

مناسبة هذا الحديث هو ما يجري اليوم في تركيا، والأزمة السياسية التي تعيشها البلاد بعد ترشيح وزير الخارجية عبد الله غل لمنصب رئيس الجمهورية، وتهديد المؤسسة العسكرية المبطن بالتدخل بصفتها، وفق الدستور التركي، حامي العلمانية التركية والإرث الكمالي. مثل هذه الأزمة ما كان يجب أن تحدث في جمهورية ينص دستورها على العلمانية والديموقراطية بالتالي. فالديموقراطية، وكما ذُكر آنفاً، لا تسير بساق واحدة، والعلمانية تفصل ما بين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية، ولكنها لا تمنع المنتمي إلى هذه المؤسسة، أو من لديه اتجاهات دينية، من ممارسة السياسة بصفته مواطنا له الحق في ذلك. ولكن عندما يبدأ مثل هذا الشخص أو هذه الجماعة أو هذا الحزب في فرض قناعاته الدينية على المجتمع والدولة حين يسيطر على الحكومة أو المنصب الأعلى في الدولة، فعند هذه النقطة يكون قد خالف الدستور، والقيم الليبرالية التي تشكل البنية التحتية للديموقراطية والعلمانية معاً، وحين ذاك تنتفي شرعيته، ولا يكون هناك مناص من التدخل وفق أسس دستورية يخضع لها الجميع. مثل هذا الشيء لم يحدث في تركيا. فرغم أن حزب العدالة والتنمية له توجهات إسلاموية (الإسلام مؤدلجاً)، إلا أنه يؤكد دائماً على احترام الدستور واحترام العلمانية، التي تشكل شرعية الدولة التركية الحديثة. والحقيقة أن التجربة السياسية للإسلاموية التركية مختلفة تماماً عن مثيلاتها في بلاد العرب خاصة، وبلاد المسلمين عامة، من حيث القبول بالآخر، ومن حيث التأكيد أن الدولة لجميع مواطنيها مهما كانت عقائدهم واتجاهاتهم (الدين لله والوطن للجميع)، مثلها في ذلك مثل الأحزاب السياسية المسيحية في أوروبا، التي تبشر بقيمها ومنطلقاتها، ولكن من دون التقليل من شأن قيم ومنطلقات الآخرين، ومن دون أن يكون هناك اتجاه لنفي الأساس العلماني للدولة، الذي يشكل شرعية الدولة، ودونها تنتفي ذات الشرعية. عندما تكون الديموقراطية الحقيقية هي الممارسة فعلا، فإنه لا خوف من انقلاب الأوضاع، فالديموقراطية تعني فيما تعني، عملية دوران النخب، أي أن هنالك انتخابات دورية بعد كل فترة من الزمن، بحيث أن المواطن يستطيع أن يغير الأوضاع بعد حين، إن لم يقتنع بالأداء. أما إذا كان الوضع، وكما هو حاصل في بلاد العرب خاصة، أن تكون الديموقراطية مجرد أداة للوصول إلى السلطة، ومن ثم إلغاء ذات الديموقراطية، فإن الحالة تختلف هنا. فمن يدخل في لعبة سياسية معينة، عليه أن يقبل بقواعد اللعبة، وإلا فإنه لا يحق له المشاركة فيها. فحين يطرح الإسلامويون العرب مثل هذا الطرح، فإنه لا يحق لهم ممارسة اللعبة الديموقراطية، التي لا يعترفون بها، غير أن الوضع هو غير الوضع في التجربة التركية، وليكن في ذلك مثل.

يُعتبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، من أكثر المناصرين لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ومن أكثر العاملين على تجاوز كافة المعوقات التي تقف في طريق ذلك، وهو المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الديني، مما يعني أن الرجل لا يمارس السياسة من منطلق ديني، بقدر ما أنه يمارسها من منطلق واقعي بصفتها فن الممكن، والبحث عن المصلحة الوطنية. انتماء تركيا إلى الغرب، وفسخ عري العلاقة التاريخية ـ الوجدانية مع الشرق، فيه الكثير من المنافع لتركيا، بغض النظر عن أي حديث آيديولوجي أو وجداني قد يُرضي الذات الجريحة، ولكنه لا يُرضي الذات الجائعة أو العاطلة عن العمل. إسلامويو عالم العرب معنيون بالذات الجريحة، التي لا ترياق لها إلا عودة الماضي، بخلافته وإمامته وعمامته، وذلك من منطلقات وجدانية لا علاقة لها برغيف الخبز أو حرية الكلمة. إسلامويو تركيا، ممثلون بحزب العدالة والتنمية، لا علاقة لهم بالخلافة والإمامة والعمامة، فهم ينظرون غرباً، وفي ذهنهم كل مفاهيم السياسة بصفتها فن الأخذ والعطاء، مثلهم في ذلك مثل الأحزاب المسيحية الأوروبية والأميركية، بل لنقل مثل الأحزاب الشيوعية الأوروبية (فالشمولية تجمع ما بين الإسلاموية والشيوعية)، التي تخلت عن قيمها الشمولية وتبنت بصدق القيم الليبرالية، حتى قبل سقوط الاتحاد السوفيتي.

في اعتقادي أن التجربة الإسلاموية التركية تجربة رائدة في عالم إسلامي حائر بين ماض لا يمكن أن يعود، وعالم حديث صعب المنال، فلما لا يعطون الفرصة ونرى ما يكون؟ للمؤسسة العسكرية التركية، بصفتها حامية الدستور، الحق في أن تتدخل لو كانت هناك ممارسات مناقضة للعلمانية، ولكن قبل أن تكون هناك ممارسة من هذا النوع، فإني أعتقد أن ذلك خطأ كبير، وخرق لأسس الديموقراطية ذاتها. قد يرى البعض أن «ضربة استباقية» ضرورية كي لا يحدث ما حدث في ألمانيا، عندما فاز أدولف هتلر وحزبه النازي في انتخابات عام 1933، وكان ما كان، ولكن تلك مسألة أخرى لها ظروفها الخاصة. فجمهورية «فيمار» كانت ضعيفة لدرجة أنها كانت لقمة تنتظر آكليها، ولم يكن هناك إلا النازيون والشيوعيون، فكان النازيون هم الأسرع في تقويض أسس جمهورية فارغة المضمون. أما في الحالة التركية فإن الوضع مختلف تماماً، حيث تمأسست العلمانية بشكل من الصعب العودة عنه. وبالنسبة لي شخصياً، فأنا لا أتفق مع الإسلامويين في آيديولوجيتهم السياسية، ولكن ذلك لا يعني إنكار حقهم في الوجود وحقهم في ممارسة حرية الرأي والممارسة، ولكن من دون إقصاء أو نفي، ولا يبدو أن هذا هو شأن اردوغان، وغل.

(المصدر: صحيفة « الشرق الأوسط » (يومية – لندن) الصادرة يوم 6 ماي 2007)


 هل يتكرر سيناريو الجزائر؟ … اختبار جديد للتوافق بين الإسلام والديموقراطية في تركيا

عصام العريان (*)
تصاعدت حدة أزمة انتخابات الرئاسة في تركيا، فقد تدخل رئيس أركان الجيش ليعلن بياناً باسم المؤسسة العسكرية يحمل إنذاراً غير مباشر بالتدخل في شكل انقلاب عسكري سيكون الخامس في تاريخ تركيا الحديث. الانقلابات السابقة كانت بسبب فساد النخبة السياسية العلمانية وعجزها عن مواجهة التيارات اليسارية أو الشوفينية أو الإسلامية.
أما الانقلاب المتوقع، فيتزامن مع احتمال دخول عبد الله غل وزير الخارجية ومرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم ومعه زوجته «خير النساء» بحجابها الإسلامي إلى قصر الرئاسة، والحكم بإبطال الدورة الأولى من انتخاب غُل، ودعوة رئيس الوزراء الى انتخابات مبكرة للمحافظة على الوحدة الوطنية التركية. ويتندر البعض فيعلن أن الانقلاب – إن حدث – سيكون ضد «حجاب» خير النساء وليس ضدها أو زوجها. تشابكت أطراف الأزمة فقد كانت بين الحزب الحاكم ممثلاً في زعيمه رجب طيب أردوغان، الذي تظاهر مئات الآلاف من العلمانيين لمنعه من الاقتراب من القصر الرئاسي بدعوة من الأحزاب العلمانية كحزب الشعب الجمهوري اليساري وحزب الطريق القويم اليميني، ثم تدخلت الآن المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى صحة انعقاد الجلسة البرلمانية الأولى للاقتراع والتي فشل غل في الحصول على النصاب المطلوب في أكبر «بازار سياسي» كما وصفته الصحافة العربية، ما يدلل على أن فساد النخب العلمانية لم ينته ولم يتم علاجه بعد. حصل غل على 357 صوتاً هي أصوات نواب حزب العدالة والتنمية جميعاً، وفشل في استقطاب 14 صوتاً ليكمل نصاب الثلثين، كما فشل الحزب في استمالة 6 نواب لإكمال النصاب المطلوب لعقد الجلسة التي أصر رئيس البرلمان على عقدها لأنه من وجهة نظره ليس مطلوباً أي نصاب خاص لعقد الجلسة بينما النصاب المطلوب فقط لنجاح المرشح من الجولة الأولى. أمام غل جولة ثانية ستكون مثل الأولى ثم جولة ثالثة حاسمة يحتاج فيها إلى 50 في المئة + 1 فقط وهو مضمون. المحكمة الدستورية أبطلت دستورية جلسة الانتخاب بطلب من أحزاب المعارضة، ويتردد أن بيان الجيش الثاني (26/4) جاء للضغط على المحكمة لإيقاف عملية الانتخاب بعد أن صدر بيان أول في 12/4 يعلن عدم تدخل الجيش بعد أن نما إلى علم قيادته أن أردوغان لن يترشح وأنه قد يرشح وزير الدفاع (زوجته غير محجبة) أو وزيرة الدولة لشؤون الأسرة وهي أيضاً غير محجبة («الحياة» 29/4). وحمل البيان الثاني تهديداً واضحاً بعد إعلان «عدم نية الجيش للتدخل»، قال الجبش: إن القوات المسلحة ضد هذه المناقشات (حول أسس العلمانية بين الإسلاميين والعلمانيين) وستعلن موقفها عندما يصبح ذلك ضرورياً، ينبغي ألا يشك أحد في هذا الأمر، وأن القوات المسلحة هي حامية العلمانية بكل تصميم («الحياة» 27/4). الرد جاء سريعاً وحاسماً من رئيس الوزراء رافضاً تدخل الجيش وقال الناطق باسم الحكومة «إن الحكومة هي المسؤولة أولاً عن حماية نظام العلمنة، وأن الجيش يتبع لها وليس العكس». وهاتف أردوغان قائد الأركان يشاربيوك أنيط، وأبلغه رفضه للأسلوب الذي صيغ به البيان («الحياة» 29/4). تدخلت أميركا والاتحاد الأوروبي لتعلنا رفضهما لتدخل الجيش ودعوا إلى احترام الدستور والديموقراطية العلمانية، وأعلن مفوض شؤون توسيع الاتحاد الأوروبي (في إعلان تهديدي) أن الاتحاد الأوروبي يدرس بيان الجيش ليحدد موقفه النهائي. إذاً الضغوط الغربية اليوم غيرها في حالة الجزائر قبل 15 سنة حين حصل الجيش الجزائري على ضوء أخضر للانقلاب العسكري على الديموقراطية التي جاءت بالجبهة الإسلامية للانقاذ عام 1991/1992 إلى سدّة الحكم في انتخابات نزيهة ونظيفة، ودخلت الجزائر بعدها دوامة العنف، الذي حصد أرواح مئات الآلاف وما زالت آثاره لم تندمل بعد، وعاد اليوم في صورة جديدة ليجدد أزمة الحياة السياسية، حيث يواجه الحكم أزمة المشروعية بعد فشل المصالحة في احتواء الجميع، حيث يشعر الجزائريون أن الجيش ما زال هو المسيطر، خصوصاً بعد مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتفاقم أزمة الخلافة وفشل الحلول الموقتة التي تم تجريبها خلال الـ 15 سنة الماضية. الفوارق بين الحالين التركية والجزائرية واضحة، فالنظام الديموقراطي في تركيا مهما شابه الفساد أو تدخل الجيش في انقلابات متتالية كان آخرها (1997) عندما أجبر الزعيم الإسلامي العجوز نجم الدين أربكان على الاستقالة من رئاسة الوزراء، إلا أنه مستقر إلى حد كبير، يسمح بتشكيل الأحزاب بحرية كاملة (أسس أربكان أكثر من 5 أحزاب خلال 35 سنة)، ولا توجد انتخابات مزورة بل الانتخابات حرة لا تشوبها شائبة، والصحافة حرة بمقاييس شبه عالمية، والقضاء – على رغم تدخله سياسياً – إلا أنه محل احترام الجميع، وكذلك الجيش الذي يقود حماية العلمنة سرعان ما يعود إلى الثكنات ويسمح باستئناف الحياة البرلمانية من جديد في دورات متتالية منذ أول انقلاب عام 1960 ضد عدنان مندريس، والمشكلة التركية لن تحل إلا بحلول طويلة الأمد لأنها صراع حول الهوية التركية وصلة الإسلام بالحياة العامة وبالسياسة. ومن العجب أن الأمل منعقد على الاتحاد الأوروبي وأميركا في حماية الديموقراطية التي أتت بحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية والذي يصف نفسه بأنه محافظ لكن خصومه السياسيين لا ينسون أبداً أصوله الإسلامية والتزام قادته وزوجاتهم التقاليد الإسلامية مثل الحجاب والصلاة وذكر الله أحياناً في حديثهم، ما يعدونه اليوم تهديداً بالغاً للعلمانية، تلك العلمانية الهشة التي تخاف «فولار» امرأة أو حجاب السيدة الأولى، وتمنع الطالبات المحجبات من الدراسة في بلادهن وترغمهن على السفر بعيداً عن أهلهن لطلب العلم في أوروبا أو أميركا. يا لهوان العلمانية بعد أكثر من 80 سنة تحميها حراب العسكر ونصوص القوانين ودستور علماني قح أشد تعصباً من البلاد التي اخترعت العلمانية كفرنسا. الفارق الضخم بين الجزائر وتركيا أن المخرج اليوم في تركيا هو إما حكم المحكمة الدستورية بصحة انعقاد الجلسة في البرلمان فيتم المسار الانتخابي إلى نهايته ويتم اختيار غل لمقعد الرئاسة ويرضخ الجيش والعلمانيون من البداية لأحكام الدستور والقضاء، وإما البديل الثاني حيث لا يمكن تسمية مرشح جديد وهو العودة إلى انتخابات مبكرة قبل تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بعد حل البرلمان والاحتكام إلى الشعب، والمؤشرات واستطلاعات الرأي تؤكد إمكان فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية مريحة فيحصل على أكثر من ثُلثي مقاعد البرلمان، وبذلك يكون أمام اختبار جديد للتعايش مع الأحزاب الأخرى والعلمانيين من موقع القوة، فيسعى إلى التفاهم معهم على مرشح للتوافق أو يفرض مرشحه لإكمال برنامجه الإصلاحي الهادف إلى انقاذ اقتصاد تركيا من الفساد وإصلاح الحياة السياسية الحزبية وضخ دماء جديدة فيها، وكل ذلك من أجل هدف تركي قومي وهو الالتحاق بالاتحاد الأوروبي الأمر الذي لا يختلف عليه أحد باستثناء تيارات قومية متطرفة أو إسلامية متشددة منغلقة، وحتى هؤلاء لا يجرؤون على المعارضة الصريحة لانضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي. الأحزاب جميعاً صرحت اليوم أنها لا ترغب في تدخل الجيش في الحياة السياسية وإن ظن البعض ذلك نفاقاً أو تقية، إلا أن نضج الحياة السياسية التركية أصبح أشد، فتركيا 2007 ليست تركيا 1960، ولا حتى تركيا قبل عشر سنوات (1997). التحدي الأكبر في تركيا ليس مواجهة الجيش، فالجيش – على رغم كل شيء – محل ثقة الشعب ولن يفرط في هذه الثقة بتحدي مشاعر الأتراك، وهو يجادل البعض في أن إعمال هذه المبادئ يستدعي بالضرورة «علمانية الدولة» وليس مجرد حيادها مع مواطنيها جميعاً أو تسامحها، وهذا يضع كل المجتمعات الإسلامية المتمسكة بتطبيق شريعة الإسلام في مأزق. إما الإسلام وإما الديموقراطية، وقطعاً سينتصر مبدأ الإيمان وينتهي حلم المسلمين بتطوير حياتهم السياسية والاستفادة من منجزات الحضارة الإنسانية. هؤلاء، ومعهم فريق من العلماء المسلمين أو الحركيين الإسلاميين المتشددين، يستحضرون في ذاكرتهم تاريخ نشأة الديموقراطية في أوروبا وصراع الكنيسة مع الأباطرة والدولة الثيوقراطية في العصور الوسطى وارتباط الديموقراطية بالعلمانية في تطورها في طبعتها الأوروبية، ونسوا أن ذلك ليس ارتباطاً حتمياً وأن التجارب الأوروبية متفاوتة في ذلك الشأن، وأن التجربة الأميركية تجعل للدين دوراً كبيراً في الحياة برموزه وتأثيره، حتى وصلنا رئيس إلى يعتبر نفسه في مهمة إلهية وهو الرئيس بوش الابن. ونسوا أيضاً أن الديموقراطية ارتبطت في أوروبا أيضاً بالدولة القومية، وهي في نهاية عهدها الآن بعد نشأة الاتحاد الأوروبي الذي احتفل قبل أسابيع بالعيد الخمسيني لانطلاقه من روما ونسيت أوروبا حروب قرنين من الزمان أنهكتها وأنهكت العالم معها، فما الذي يمنع من فك الارتباط بين الديموقراطية وبين العلمانية. الإسلاميون الجدد في تركيا أمام اختبار حقيقي، فهم الآن النموذج الذي يُضرب به المثل الآن في المنتديات الأميركية والأوروبية لإصلاح الحياة السياسية في العالم الإسلامي، وأيضاً إمكانية التوافق بين الإسلام ومبادئه وقيمه وبين الديموقراطية كثقافة ووسائل وآليات، وكذلك إنهاء العداء بين أوروبا وبين تركيا من جهة وبين الغرب كله وبين العالم الإسلامي من جهة أخرى. فكما أن أوروبا والاتحاد الأوروبي أمام امتحان صعب لقبول تركيا عضواً كامل العضوية فإن تركيا كلها أمام اختبار أصعب بقبول كل نخبها الاحتكام إلى الشعب في انتخابات حرة وإرساء التوافق بين كل أطياف المجتمع التركي بكل مكوناته وأفكاره لتثبيت تركيا العلمانية أو الإسلامية، إنها قادرة على تجاوز محنتها وأزمتها السياسية الحالية فلا تنكص على عقبيها أو ترتد إلى الوراء. دروس التجربة التركية أمام الإسلاميين في العالم كله ليستفيدوا منها، والأمل كبير ألا تكون الفائدة سلبية تصب في مصلحة رافضي الديموقراطية القائلين بعدم توافقها مع الإسلام. هذه الدروس تنضم إلى قائمة طويلة من الدروس التي يجب على الحركة الإسلامية بالذات وعلى الحركات السياسية العربية والإسلامية أن تستفيد منها، بدءاً من التجربة الأفغانية ثم التجربة الإيرانية ثم التجربة السودانية ثم الجزائرية وكذلك في ماليزيا وأندونيسيا، العجيب أن معظم الدروس تأتينا من خارج العالم العربي الذي دخل غرفة الإنعاش، فهل من مستفيد؟!
(*) كاتب مصري – نائب سابق في البرلمان المصري، من «الاخوان المسلمين»
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 3 ماي 2007)  


الإسلاميون الأتراك.. وإسلاميو العرب وباكستان

د. رضوان السيد (*) قرأتُ قبل أيام بجريدة « الحياة » مقالةً للأستاذ عصام العريان، القيادي بـ »الإخوان المسلمين » بمصر، عن الحالة بتركيا، والدروس التي ينبغي استخلاصها منها. وقد لاحظتُ أنّ الدروس والعِبَر التي استخلصها الدكتور العريان جاءت كلُّها في صيغة إنذاراتٍ موجَّهةٍ للعلمانيين وللعسكر. فقد ذكر الرجل الجزائر وماذا حدث فيها، وذكر باكستان.. إلى آخر الأمثلة والتي تُثبتُ كلُّها من وجهة نظره أنّ كلَّ الذين تصدَّوا للإرادة الشعبية (أي الظاهرة الإسلامية) جُوزوا -رغم نجاحهم ظاهراً- بالويل والثبور وعظائم الأمور. ولستُ أُخالفُ العريان في سوء تصرُّف العسكر في مواجهة الإسلاميين بانتخاباتٍ وبدون انتخابات. فهؤلاء الناس مواطنون من حقّهم صَونُ حرياتهم وكراماتهم، ومن ضمن الحريات الأساسية الحق في المشاركة السياسية، وعدم التعرض للاعتقال، والقدرة على الحركة والتصرف والسفَر.. الخ. والواقعُ أنّ كلَّ هذه الأمور غير المقبولة حدثت للإسلاميين، ومن قبلهم للشيوعيين (وإنْ ليس بالقدر نفسِه)، وفي بلدانٍ كثيرةٍ عربية وإسلامية. لكنني كنتُ أودُّ، ونحن في خضمِّ هذا المخاض الهائل في اجتماعنا الإنساني والسياسي أن نكونَ أُمناءَ مع أنفُسِنا وأمتِنا ومع الناس الذي يُصغون إلينا ويتأثرون بنا، وينتظرون منا الإصغاءَ للتعقُّل، والصبر على البلاء، والتبصُّر الصحيح في الوضع المأزقي الذي نتردَّى فيه إسلاميين وعلمانيين وعسكراً.. وحاكمين. فالأخُ الكاتبُ على سبيل المثال لم يذكر العسكريين السودانيين من حول الدكتور الترابي وعلى مصطبته -والذين انقلبوا على »الإرادة الشعبية » عام 1989، وأقبلوا على إنشاء الدولة الإسلامية التي تطبّق الشريعة كما قالوا، أو دولة المفاصلة، كما قال الأستاذ الترابي حينَها. والطريف والمؤْسي في الوقت نفسِه، أنّ أولئك العسكريين الإسلاميين دخلوا إلى الجيش في عهد « الإمام » جعفر النميري، الذي كان قومياً ويسارياً، ثم صار إسلامياً بفضل وببركة الدكتور الترابي نفسه. ومع ذلك ما تعلَّم الترابي، ولا تعلَّم تلامذتُهُ من مَثَل أمير المؤمنين النميري، وها هم قد تخلَّوا بعد ثمانية عشر عاماً من الوصول إلى السلطة عن أكثر أُطروحاتهم؛ لكنْ بعد خراب البصرة، وصيرورة السودان عدة دويلاتٍ وكيانات، وموت أكثر من مليوني إنسان قتلاً أو جوعاً، وتهجير أربعة ملايين أُخرى من الجنوب ودارفور. والعسكريون الجزائريون ما تصرفوا بحكمةٍ ولا بمسؤوليةٍ في مواجهة الإسلاميين عندهم، ولا راعَوا الإرادة الشعبية بالفعل. لكنّ الإسلاميين يا أخي تجرأوا على ما لا يتجرأُ عليه كافرٌ فضلاً عن مسلم (هذه على سبيل النكتة فقط!)، نعم، لقد تجرأوا على الحرب الأهلية، وما نجا من إغراءاتها بالفعل إلاّ قلةٌ قليلةٌ منهم، آثروا الموتَ على أيدي العسكر أو المتطرفين على الخوض في الدم. أذكر أنني -وعلى مشارف ظهور نتائج الدورة الأولى من الانتخابات هناك- سهرتُ مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، فوجدتُهُ شديد الخوف من جبهة « الإنقاذ » وعليها إن ربحت أو خسِرت. واستغربتُ منه ذلك، وسألتُه: لماذا هذا الخوف؟ فقال: من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، الظروف ليست ناضجة لوصول الإسلاميين للسلطة، وأخشى أن يصطدموا بالجيش، ويسيل دمٌ كثير، وتُوأدُ التجربةُ في مهدها، وتحدث حربٌ أهلية، فلا تقومُ للخيارات الشعبية بعدها قائمةٌ لزمنٍ طويل؛ وبخاصةٍ أنّ التجربة بالجزائر غضّة، لا تكاد تبلُغُ الثلاث سنوات! وأجبْتُه بسرعةٍ ونَزَق: كلُّ ذلك لن يحدث، أتدري لماذا؟ لقوةِ فكرة « الجماعة » لدى المالكية! وحكَّ رأسه غير مُصَدِّق، وقال: أشهدُ بالله أنك سُنيٌّ متعصّبٌ، هل تعني أنّ السُّنة لا يجرأون على سفك الدم والحرب الأهلية؟! ثم يا بني، أتظن هذه الإسلامية الجديدة، كما يسميها العلمانيون، هي صيغةٌ من صيغ المالكية المسكينة؟! أنا لا أثقُ بهؤلاء الشبان القليلي الخبرة، والبالغي الحماس، كما لا أثقُ بالعسكريين الخالدين في السلطة! وعندما زرتُهُ مرةً عام 1996 على أثر إحدى المذابح الشائنة بالجزائر الحبيبة، خشيتُ أن يذكّرني بالجماعة السُّنية، فقلتُ له: يا سيدي، الأمر كما قال حسن البنا: هؤلاء ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين! فقال: ولا كلّ هذا، لكنْ الشيعة والسُّنة لسوء الحظّ يجرأون على سفك الدم والحرب الأهلية، ولبنان شاهدٌ على ذلك! إنّ أَولى الناس بالتعلُّم من الإسلاميين الأتراك، الإسلاميون العرب، والباكستانيون. فهم مثلهم تيارات شعبية زاخرة وكبيرة. وقد عانى نظراؤهم الأتراك مثل ما عاناه الإسلاميون العرب والباكستانيون وأكثر. تصوَّر أن تدخُلَ السجن أو تُهان للباسٍ تلبسُه، أو شارةٍ تضعُها يُعتقدُ أنها دينية! وفي مجلسٍ ضمَّني مع الإسلامي العجوز القديم نجم الدين أربكان أواخر التسعينيات (وهو على فكرة عجوزٌ منذ رأيتُه لأول مرةٍ بألمانيا قبل خمسٍ وثلاثين سنة!) سمعتُهُ يقول: لقد تمنيتُ الموتَ مراراً، وكنتُ كلما كاد اليأس يسيطر عليَّ أُكرِّر مئة مرة قوله تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون} وقال لي نائبٌ من « حزب العدالة والتنمية » تعليقاً على ما أصاب السيدة مروة عضو البرلمان: إنّ أشدَّ ما يغيظني في العقلية التركية والعلمانية التركية، ذلك الغرام الهائل بالقانون، فلكلّ كبيرةٍ وصغيرةٍ قانون وافق عليه برلماننا بأكثرية، حتّى شكل غطاء الرأس القانوني والآخر غير القانوني. يستطيع الإسلامي السوريُّ أو مَثَلاً أن يعزّيَ نفسَه إن ناله شيء من العناء، أنّ ذلك من فعل الأمن والمخابرات غير المشروع وغير المعقول، لكنْ ماذا نقولُ نحن مع النصوص التي كان القانون يتضمنها حتى عن طرائق الضرب التي نُعاقَبُ بها لأفعالِنا الشائنة التي منها تنظيم مدرسة لتعليم القرآن من وراء ظهر الدولة أو إرسال الولد ليتعلَّم الدين في الخارج! لقد صبر الإسلاميون الأتراك، وصبر معهم الجمهور التركي، وما تنكَّروا تحت وطأة المعاناة (بالقانون) ليس للإسلام فهذا مستحيل، فالدكتور الكاتب يعرف بالتجربة أنّ المعاناة تزيد المرءَ إصراراً. نعم، ما تنكَّروا للدولة المدنية، التي تنكَّر لها كثيرٌ من الإسلاميين العرب والباكستانيين، وابتداءً وبدون قمعٍ أو تعذيب. فالإسلاميون الأتراك مقتنعون أنّ الدولة المدنية الديمقراطية هي الصيغةُ الأقربُ للإسلام ولمصالح الشعب التركي. وما تنكَّر الإسلاميون الأتراك للعلاقة بالعالم. وها هم وقد وصلوا إلى السلطة، يسعون بأيديهم وأرجلهم وعقولهم وهممهم للدخول إلى الاتحاد الأوروبي فيلقَون الصدَّ، ويلقَون التعيير والتمييز الديني والإثني، فيصرخون ويستنكرون ولا يتنكرون، ولا يرون لأنفسهم وأمتهم مستقبلاً إلاّ مع العالَم بعُجَره وبُجَره. لكنهم بالتأكيد ليسوا عملاء ولا أذلاّء ولا تابعين للخارج. فعندما طالبهم الأميركيون بالمساعدة في غزو العراق، ودولتُهم حليفة أميركا منذ عام 1949 رفضوا وجمعوا البرلمان فرفض، وهمْهم العسكر وتذمَّر فما أفاد شيء في ثنيهم عن قرارهم. بيد أنّ القدرةَ الأهمَّ والأعظَم أنهم ، ورغم ظروفهم القاسية طوال أكثر من عقدين، ما مكّنوا ولو لقلةٍ من المتطرفين أن تخرج من بين صفوفهم بداعي اليأس أو إعلان « الجهاد العالمي » الذي يعلنه المتطرفون العرب، والباكستانيون، كلَّ يوم! وهكذا فقد تجد قومياً تركياً متطرفاً، لكنك بالتأكيد لن تجد في صفوف « حزب السعادة » أو « حزب العدالة والتنمية » مسؤولين بارزين متطرفين يقولون بالعنف أو يمارسونه. وهذا أمرٌ يحسُنُ أن نتعلمه منهم، لأننا في أشد الحاجة إليه. والعلمانيون والقوميون بتركيا هم الذين تعاملوا مع الأكراد والأقليات الإثنية والدينية بقسوة. أمّا في عهد أردوغان فإنّ المشكلة الكردية هدأت، ولولا العقلية الأمنية لدى العسكريين، والمطامح والآمال التي بعثها الأميركيون المضلِّلون والمضلَّلون في أكراد العراق عشية غزوه، وفي أكراد تركيا استطراداً، لأمكن تحقيقُ خطواتٍ أَوسع لحلّ المسألة الكردية المعقَّدة بتركيا. فأين الإسلاميون العرب والباكستانيون من التصدّي بالمعالجة للحساسيات والاحتكاكات والمشكلات التي أثارها الصعود الإسلامي في أوساط المسيحيين والإثنيات الأُخرى في الوطن العربي وفي باكستان؟ لا أعرفُ غير الأحاديث عن أخلاق الإسلام السمْحة، وما صدرت وثيقةٌ حقيقيةٌ لدى تلك الأحزاب الإسلامية العريقة عن المواطنة وحقوق الإنسان! بل إنه حتى هذه الأحاديث الطائرة عن التسامح لا تُسمع في باكستان اليوم بين الإسلاميين! لقد عانى الإسلاميون الأتراك من العسكر، ومن علمانية العصا الغليظة، لكنهم ما تنكَّروا للدولة الدستورية، ودولة القانون. ولستُ أزعُمُ هنا أنّ عسكرييهم وأمنييهم أرحمُ من عسكريينا وأمنيينا؛ فكُّلنا في الهمّ شرقُ. لكنهم على الأقلّ، وبعد التجربة الانقلابية الرابعة أو الخامسة، اقتنعوا بأنّ البلاد على المحكّ فتركوا أردوغان الإسلامي يصلُ لرئاسة الحكومة. والذي أخشاه (وأنا متوجّسٌ بطبيعتي) أن يكون الرجل الطويل القامة والبال قد تعجَّل هذه المرة فطلب الرئاسة أيضاً غير مُبقٍ للعلمانيين غير رئيس أركان الجيش بميدالياته المتهدّلة! وأرجو أن أكونَ مخطئاً.
(*) كاتب ومفكر من لبنان (المصدر: صحيفة « الاتحاد » (يومية – الإمارات) الصادرة يوم 6 ماي 2007)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.