الأحد، 10 يونيو 2007

Home – Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2574 du 10.06.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان –   فرع القيروان: بيــــان

موقع الحوار.نت :سلطة 7 نوفمبر بتونس تواصل سياسة التهميش والتضييق على نشطاء حقوق الإنسان

نهضة إنفو: افتكاك كاميرا ومصورة رقمية من ناشط حقوقي صــابر : والدة السجينين وليد وخالد العيونى .. من الإرهابي إذا لم يكن النظام التونسى ؟؟؟ الوحدة: قبل انتخابات المحامين:لقاءات في الجهات..وبحث عن التحالفات…وتوقع بعض الانسحابات.. صحيفة « القدس العربي »:معركة نسائية تونسية بسبب.. قط حمزة بن عبد الله: شهيدان وسجين عامر عياد: استبداد المعارضة اخطر من استبداد السلطة فتحي العابد :مقاربة بين فكر الحكومة الإستبدادي وفكر المعارضة الوصائي الطاهر العبيـــــدي:تذكير من أجل التعديل: قراءة غير صامتة في طروحات الدكتور عبد اللطيف المكّي  (1) معز السليماني: في الرد على السيد محمد النوري – الجواب الشافي على مشروع المصالحة الحافي د. محمد الهاشمي الحامدي: رسالة جوابية للأخ عبد الرحمن الحامدي م. ع. أبو يوسف: « اللّي ديالنا ماهو ديالو » – حول ردّ المدّعي العام على الأخ عبد الرحمن الحامدي د.محمد بن نصر: الفكرة والفتوى والبزنس الديني  د. رجاء بن سلامة: تعفّـن الاجتهاد منجية السوائحي :رضاع الكبير من ثدي الجهالة احميده النيفر: دوار العلماء ومسألة الوراثة النبوية توفيق المديني: المغرب العربي يأخذ مكانه في خريطة العولمة محمد صلاح: معركة الشعار في مصر سامي شورش: فصل آخر من خلافات تركيا: بمن ترتبط لجنة مكافحة الإرهاب؟ الحياة: محكمة تلغي قراراً للجامعة الأميركية بمنع دخول منقّبة وحيد الضاحك الباكي: شعر حسني مبارك ..


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان –   فرع القيروان   القيروان 10 جوان 2007   بيــــــــــــــــــــــــــــــــان
 مرة أخرى تؤكد السلطة تمسكها بالخيار الأمني   في التعامل مع مختلف مكونات المجتمع المدني .إلا أن المستهدف هذه المرة ليست الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فقط بل كذلك الاتحاد العام التونسي للشغل . فقد دعا الاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان شخصيات رابطية وأعضاء الهيئة المديرة وعدد من مكونات المجتمع المدني لندوة بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس الرابطة وذلك اليوم الأحد 10 جوان 2007 . إلا أن السلطات الأمنية حاصرت الاتحاد الجهوي للشغل وطوقت كل مداخل مدينة القيروان بتعزيزات بوليسية ضخمة ومنعت العديد من الرابطيين من مغادرة محلات سكناهم ومدن اقامتهم. وقد شمل المنع الاستاذ مختار الطريفي رئيس الرابطة والسيد عبد الرحمان الهذيلي عضو الهئية المديرة والمناضل الحقوقي السيد  خميس الشماري وأعضاء فروع بنزرت وقليبية وسوسة والمنستير وصفاقس . وأوقف السيد الطاهر بلحسين ، الوجه الإعلامي المعروف وصاحب قناة الحوار التونسي عند مدخل مدينة القيروان وأجبرته قوات الأمن على الرجوع إلى العاصمة .   كما منع السادة علي البعزاوي واحمد السميعي وحمدة معمر وهم اعضاء الفرع من مغادرة محلات  سكناهم حيث حاصرتهم عناصر أمنية ومنعتهم من التحرك. وفرعنا الذي يشيد بموقف الاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان الذي ماانفك يثبت تمسكه بخيار ربط الجسور مع مختلف مكونات المجتمع المدني فانه يدين الحصار الذي تعرض له الاتحاد ويعبر عن تضامنه معه كما يعبر عن تقديره لكل النقابيين الذين تمكنوا من حضور هذه الندوة رغم  حالة الحصار. إلى ذلك نعبر عن تضامننا  مع كل الشخصيات الوطنية والرابطية التي حاولت الحضور بالقيروان ونعتبر أن منعها يفتقد لكل المبررات القانونية وهو  تعد صارخ من طرف السلطة على حق المواطنين في التنقل والسفر داخل البلاد . ونجدد تمسكنا بحقنا في النشاط الحقوقي وتنسيقنا مع مختلف مكونات المجتمع المدني وندعو كل المنظمات والأحزاب والنقابيين والحقوقيين لمؤازرة الاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان في ما تعرض له من حصار امني  ومساندة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كي تنجز مؤتمرها السادس في كنف الاستقلالية.   عن هيئة فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالقيروان مسعود الرمضاني 

سلطة 7 نوفمبر بتونس تواصل سياسة التهميش والتضييق على نشطاء حقوق الإنسان

من جديد تواصل سلطة السابع من نوفمبر سياسة التهميش و التضييق على نشطاء حقوق الإنسان و هيئات المجتمع المدني و قد وصلنا الآن أنّه على إثر دعوة وجّهها فرع اتحاد الشغل بالقيروان لمناقشة واقع المجتمع المدني بتونس و وضع الرابطة التونسيّة لحقوق الإنسان، قام البوليس السياسي بمنع كلّ من السادة أحمد السميعي و على البعزاوي، حمدة معمّر من مغادرة منازلهم كما منع قبل ذلك السيّد مختار الطريفي من مغادرة العاصمة و سمحوا فقط لأعضاء الإتحاد بحضور الندوة و منعوا البقيّة (المصدر: موقع الحوار.نت (ألمانيا) بتاريخ 10 جوان 2007)


 
منع

 منعت السلطة تظاهرة للاحتفال بالذكرى 30 للرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الانسان كان من المزمع عقدها اليوم (الأحد 10 جوان) بمقرّ الإتحاد الجهويّ للشغل بالقيروان. و قامت قوّات الأمن بمنع العديد من المناضلين الرابطيين و النقابيين من مغادرة المدن التي يقطنونها للتنقّل إلى القيروان لحضور الندوة. كما منعت الوافدين عليها من داخل مدينة القيروان.  
(المصدر: قائمة مراسلات حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ بتاريخ 10 جوان 2007)


افتكاك كاميرا ومصورة رقمية من ناشط حقوقي

قام عدد من أعوان الإرشاد السياسي بمنطقة باب بحر مساء الخميس 7 جوان بمهاجمة الناشط الحقوقي وعضو المجلس الوطني للحريات بتونس والصحفي  لطفي حيدوري في شارع ام كلثوم بالعاصمة وبعد ان أحاطوا به من كل جانب جروه إلى نهج خال من المارة وافتكوا منه آلة كاميرا فيديو ومصورة رقمية. وعلمنا أن من قام بهذا الانتهاك الخطير في حق الناشط الحقوقي لطفي حيدوري هم أعوان بالزي المدني يقودهم رئيس الفرقة لطفي بن احمد ومعه عون آخر يدعى توفيق. كما تتم مراقبة السيد لطفي حيدوري في جميع تنقلاته وذلك منذ أسابيع على خلفية نشاطه الحقوقي في المجلس. يذكر أن مقر المجلس الوطني للحريات بتونس يتعرض إلى حصار شامل ويمنع مختلف المواطنين والنشطاء الحقوقيين من دخوله منذ 18 ماي الماضي، بما في ذلك أعضاء المجلس. وقد سجل لطفي حيدوري بعد الاعتداء عليه وافتكاك أدوات عمله شكاية في السرقة في مركز الشرطة نهج يوغسلافيا. وعند محاولته الاتصال برئيس منطقة باب بحر رفض استقباله، ولكنه وعد بإرجاع المحجوزات دون تحديد الوقت.
 
(المصدر: موقع نهضة إنفو بتاريخ 10 جوان 2007)


والدة السجينين وليد وخالد العيونى .. من الإرهابي إذا لم يكن النظام التونسى ؟؟؟

حوار قاس للغاية ذلك الذى جرى بين أم متشوفة لفلذة كبدها القابع خلف القضبان وإبن تورمت ملامحه وفقد عقله تحت التعذيب الوحشى الذى خضع له فى مسالخ النظام التونسي… كلمات بمرارة العلقم وطعم الفاجعة وألوان المآسى الحالكة … أنتم في تونس .. صدقوا .. تحت نظام الجنرال الذى لا يخجل البعض من تبييضه من هذه الجرائم البشعة , والوحشية الموغلة في السادية .. تابعوا هذا الموقف بإحساس الأم المكلومة وشاركوها إحساسها وليد شبيك هكاكة!؟ .. شكون أعمل فيك هكاكة !؟.. وليد آش عملوا فيك !؟ آشكونك إنتى !؟ أنا أمك وليد .. كيفاش إتقول أشكونك إنتى !!!؟؟؟ لا مكش أمى إنت .. إنت موش أمى .. أمى موش لهنا .. أمى مشات لتونس هذه شهادة السيدة فطيمة بوراوى والدة خالد ووليد العيونى كما أوردتها قناة الحوار التونسى في عـــ57 ـــدد نقلا عن الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب قام بعملية القص والتسكين : صـابر Sur Google vidéo http://video.google.fr/videoplay?docid=-3920843697520692650 Sur Dailymotion http://www.dailymotion.com/video/x27sky_mere-de-walid-et-khaled-layouni صــابر : سويســرا
 


أخبار الوحدة

 
*مؤتمرات تقرر في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل ان ينعقد المؤتمر التاسيسي لنقابة المهندسين يوم 15 جوان الجاري. من ناحية أخرى من المنتظر ان ينعقد المؤتمر التأسيسي لنقابة الصحفيين التونسيين يوم 16 جوان الجاري علما ان بعض الاعتراضات عن الاليات المتبعة في الاعداد قد ظهرت في الفترة الاخيرة. *حيرة : شعور الحيرة ينتاب حاليا أولياء تلاميذ معهد لويس باستور اثر ما تردد حول اعتزام وزارة التربية والتكوين اغلاق المعهد في السنة الدراسية 2007-2008. فلقد تلقت ادارة مؤسسة بوعبدلي مراسلة من ادارة التعليم الخاص بوزارة التربية والتكوين تطالبها فيها بالتوقف عن تسجيل التلاميذ ريثما تحصل المؤسسة على الترخيص النهائي. وهذه المراسلة تلقتها ادارة المؤسسة باستغراب وذلك بالنظر الى ان الوزارة لم تر مانعا منذ سبتمبر 2005 في الموافقة على الخطوات التي اتخذتها المؤسسة للاعداد لاطلاق امتحان الباكالوريا وفق النظام. وعدم توفر المعلومة الواضحة أطلق العنان لأشد التوقعات والتخمينات تضاربا وهو ما يستدعي توضيحا يزيل حيرة الاولياء. *استعادة : استعادت جمعية الصحفيين التونسيين موقعها الفاعل في صلب الفيدرالية الدولية للصحفيين وذلك بعد أن أقر مؤتمر الفيدرالية الذي انعقد مؤخرا في موسكو رفع التجميد عن نشاط الجمعية. *اضراب : أقر مجلس اطارات نقابة الاطباء والصيادلة الجامعيين مبدأ الإضراب عن العمل على امتداد يوم 20 جوان الجاري في كل الهياكل الطبية الجامعية ما عدى الحالات الاستعجالية مع حمل الشارة الحمراء انطلاقا من يوم 18 جوان 2007. ويأتي اقرار هذا الاضراب اثر توصل مجلس الاطارات المنعقد يوم السبت 19 ماي الفارط برئاسة السيد محمد المنصف الزاهي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل الى نتيجة مفادها ان مبادرات النقابة العامة للصحة لم تجد الصدى المأمول لدى وزارة الصحة العمومية لان سنة كاملة من المفاوضات لم ينتج عنها أدنى اتفاق. *استغراب : يبدي أهالي قفصة استغرابا من تجاهل البلدية والسلط الجهوية لممارسات باعث لمشروع في قلب المدينة وتحديدا على أرض مجاورة للسوق البلدي. فحرصا على توفير أفضل الظروف لانجاز مشروعه عمد الباعث الى إغلاق حركة المرور في نهج مهم من انهج المدينة واستغل النهج في وضع آلات البناء وهو ما يعني ان جانبا من المرافق العمومية قد تحول إلى حظيرة خاصة. وضعية تستدعي التدخل العاجل. *مؤتمر توحيدي : اجتمعت الهيئة الوطنية لاعداد المؤتمر التوحيدي الحركة التجديد الاسبوع الفارط، وقد ناقش الحاضرون تقارير لجان اعداد المؤتمر التوحيدي. كما صادق أعضاء الهيئة على بيان يعلنون فيه قرارهم جعل المؤتمر المقبل لحركة التجديد مؤتمرا توحيديا مشتركا ويلتزمون بالانخراط الكامل في جميع مراحل اعداد هذا المؤتمر وانجازه. *اضراب : تعيش مصحة الفرابي بالمنزه السادس وضعا اجتماعيا صعبا وذلك بسبب تعنت الادارة ورفضها الاستجابة لمطالب الاطار الطبي وشبه الطبي المهنية والمادية. وقد نظم الاطار شبه الطبي والطبي تجمعا يوم الخميس 31 ماي 2007 أمام مدخل القسم الاستعجالي للمصحة تأكيدا على تمسكهم بمطالبهم المشروعة. *حوار : مشروع تهيئة البحيرة الجنوبية لمدينة تونس العاصمة هو بكل المقاييس مشروع ضخم وهام وهو علاوة على تأثيراته العمرانية الجلية والواضحة يعتبر تأكيدا على دخول بلادنا مرحلة جديدة في التعاطي مع مشاريع استثمارية لها انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ما دام مشروع تهيئة البحيرة الجنوبية لمدينة تونس يقيم الدليل على تفاعلها مع صنف من المشاريع التي تندرج ضمن الانخراط في مسار العولمة وعلى ما يعنيه ذلك من تحولات هامة. وبالنظر الى أهمية هذا المشروع واستتباعا لأهمية انعكاساته فان حوارا عبر وسائل الاعلام الوطنية بين وجهات نظر متعددة ومتباينة حوله لا يمكن الا ان يمثل عامل اثراء واضافة وان يمكن من الالمام بمختلف الجوانب المتصلة به خاصة وان الاراء والمواقف لا يمكن ان تكون متطابقة حوله وذلك بالنظر الى أهميته. *أربعينية : احتفلت الأوساط النقابية والسياسية بصفاقس يوم السبت الفارط بمرور أربعين يوما على وفاة المناضل عبد الله الشابي. وقد انتظم بالمناسبة موكب احتضنته دار الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس وحضره عدد هام من الناشطين النقابيين والسياسيين والحقوقيين. *مهرجان : ينظم النادي الثقافي بالحوامد بالجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى مهرجان الحوامد الثقافي وستخصص الدورة الحالية للمهرجان لتكريم الكاتب الراحل سعيد الحامدي. وتنتظم الدورة يومي 14 و 15 جوان الجاري. (المصدر: صحيفة « الوحدة » (أسبوعية – تونس)، العدد 550 بتاريخ 9 جوان2007)

قبل انتخابات المحامين:لقاءات في الجهات..وبحث عن التحالفات…وتوقع بعض الانسحابات..

 
ارتفع نسق الحملات الانتخابية للمترشحين لانتخابات عمادة المحامين(غرة جويلية) وفروع الهيئة الوطنية حيث تعددت التنقلات الى مختلف مناطق الجمهورية واللقاءات المباشرة بين المترشحين وزملائهم وأخذت ملامح مختلف التطلعات القراءات تتضح شيئا فشيئا وخصوصا أن بعض التحالفات يسعى أصحابها إلى تشكيلها في ظل غموض كبير يكتنف التكهن بمدى حظوظ ابرز المترشحين وخاصة الذين يبدو أنهم يشتركون في نفس التوجهات أو اللون السياسي مثلما يتراءى لأغلبية المحامين… -تفاعلات انتخابية … وأمام التحالفات الممكنة ونظرا لما حدث خلال بعض لقاءات مترشحين بزملائهم من مقاطعات وإشكاليات يتردد الحديث في أوساط الحملة الانتخابية ان بعض الذين ترشحاتهم للعمادة سيفضلون سحب ترشحهم قبل موعد غرة جويلية .مما يؤدي إلى توقع انحصار الصراع حول كرسي العميد بين حوالي ستة مترشحين وذلك من بين 12 أعلنوا عن نية ترشحهم للسباق الانتخابي القادم وهم الأساتذة شرف الدين الظريف (كاتب عام حالي للهيئة) وصلاح الدين الشكي (رئيس فرع تونس حاليا) والبشير الصيد ومنصور الشفي (عميدان سابقان) وإبراهيم بودربالة ومحمد المكشر (تراسا فرع تونس سابقا ) وراضية النصراوي (عضو مجلس الهيئة سابقا) ومحمد النوري وعمر مقدميني ومحرز بوسيان واحمد الباطيني وبديع جراد الذي أعلن عن نية سحب ترشحه إلا انه لم يقم بذلك كتابيا لحد الان… _كرسي رئاسة الفرع وفيما يتعلق بانتخابات الفروع فإنها لا تقل أهمية عما يخص العمادة وخصوصا رئاسة فرع تونس (أول الفروع إشرافا على المحامين) والتي يترشح لها خماسي يتكون من الأساتذة عادل الشملي (عضو مجلس الفرع حاليا) وعبد الرزاق الكيلاني وشوقي الطيب ومحمد جمور (ثلاثة أعضاء حاليين لمجلس الهيئة الوطنية) ومحمد الهادفي (عضو سابق لمجلس الهيئة) ولئن دخل الخماسي في حملة انتخابية أملين في كسب أوفر الحظوظ فان أعين المحامين لم تغب عنهم واخذت القراءات والتقييمات تتعدد وتختلف بشان كل منهم وخصوصا أن هذا الكرسي المنشود يتعلق بعضو حالي عادل الشملي كان أكثر اقترابا من المحامين ومشاغلهم المهنية طيلة المدة النيابية لثلاث سنوات، وكذلك ثلثي أعضاء مجلس الهيئة (محمد جمور وعبد الرزاق الكيلاني وشوقي الطبيب) لم يبتعدوا عن زملائهم خلال نفس الفترة، بالإضافة الى محمد الهادفي الذي سبق له عضوية مجلس الهيئة ويسعى لكسب تحالف يمكنه من رئاسة فرع تونس والعودة للاقتراب مجددا من النشاط الداخلي ضمن الهياكل.. *رقم قياسي والى حين بروز تحالفات للحظات الأخيرة وحسم الأمور الانتخابية خلال المواعيد المقبلة ستتجه الاهتمامات نحو الناخبين ووزنهم النوعي والكمي الذي يختلف عما كان عليه في المواعيد السابقة حيث لا يقل عدد المؤهلين للاقتراع عن 4500 محامي سيأتي أغلبهم من مختلف المناطق لتحديد مصير تركيبة هياكلهم الممثلة لهم. وحيد (المصدر: صحيفة « الوحدة » (أسبوعية – تونس)، العدد 550 بتاريخ 9 جوان2007)

تلك حدود المعارضة

 
محمد قلبي المعارضة في تونس مازالت تبحث عن نفسها… بل إنها رغم قدم بعضها لم تُركّز كامل أسسها. لكن لها بعض الثوابت والحق يقال… ستسألونني عنها وها إني أعطيكم المثال. المعارضة تحترم الجميع وتحترم بعضها… ولذلك فهي لا تعارض أحدا ولا تحب من يعارضها (المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) الصادرة يوم 10 جوان 2007)

تخصيص فريقين لصيانة مقبرة الزلاج بالعاصمة

افادت مصادر مسؤولة ان بلدية تونس بادرت بتخصيص فريقين تابعين لادارة النظافة والمنتزهات لصيانة مقبرة الزلاج بالعاصمة وتنظيفها من الاوساخ والاعشاب الطفيلية وذلك استجابة لما اشارت اليه «الصباح» في مناسبتين حول ذات الموضوع. مداولات مجالس الأقسام في منشور وجهه وزير التربية والتكوين إلى المديرين الجهويين للتربية والتكوين ومديري المدارس الإعدادية والمعاهد والمرشدين في الإعلام والتوجيه المدرسي ومتفقدي المدارس الإعدادية والمعاهد وفي إطار الهيكلة الجديدة للتعليم الثانوي تم إبراز المعايير والشروط المعتمدة في مداولات مجالس الأقسام لآخر السنة الدراسية 2006 ـ2007.. وتم تحديد شروط الارتقاء والرسوب بالنسبة للسنوات الأولى والثانية والثالثة من التعليم الثانوي  أصداء الامتحانات الوطنية وضعت وزارة التربية والتكوين على موقعها على شبكة الانترنات صفحة عنوانها أصداء الامتحانات الوطنية 2007 ويمكن للمبحر في هذا الموقع العثور على مواضيع اختبارات الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا التي طرحت على تلاميذ الباكالوريا وذلك بالنسبة لجميع الشعب (الآداب ـ الرياضيات ـ العلوم التجريبية ـ التقنية ـ الاقتصاد والتصرف ـ الرياضة).
(المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) الصادرة يوم 10 جوان 2007)

في صفاقس: تلميذ يجري الامتحان في السجن المدني

 
على غرار سائر ولايات الجمهورية تعيش مدينة صفاقس على وقع امتحان شهادة الباكالوريا حيث بلغ عدد المترشحين 1094 تلميذا وتلميذة في مختلف انواع التعليم العمومي والخاص والحر والشيء البارز هو وجود 13 حالة خاصة منهم واحد اضطرته الظروف لاجتياز الامتحان في السجن المدني بصفاقس وقد اكد في حديث خص به اذاعة صفاقس انه يجري الامتحان في ظروف عادية وانه اعد العدة كما ينبغي بفضل التسهيلات التي وجدها من ادارة السجن والتعاون الكبير من لدن المقيمين به. اما بقية الحالات فتمثلت في اجتياز مريض الامتحان بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة و6 حالات اعاقة عضوية منها 4 اعاقات بصرية وحالة واحدة تعرضت صاحبتها الى كسر ليلة الامتحان وقد سخرت الادارة الجهوية كل المتطلبات اللازمة لينجر هؤلاء الامتحان باقل عناء. الحبيب الصادق عبيد (المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) الصادرة يوم 9 جوان 2007)

 

معركة نسائية تونسية بسبب.. قط

 
تونس ـ يو بي آي: ما أن اكتشفت امرأة تونسية أن قطّها المدلل اختفي حتي اتهمت جارتها بسرقته فتشاجرتا وسرعان ما انضــــمت نسوة الحي إلي الشــــجار الذي تحوّل إلي معركة حامية. وذكرت صحيفة الشروق التونسية الجمعة أن امرأة في مدينة القصرين (200 كم) غرب تونس العاصمة اشتبكت مع جارتها بالأيدي بعد أن اتهمتها هي وأولادها بسرقة القط. واتسعت رقعة الاشتباك بسرعة بعد انضمام أغلبية نسوة حي النور بمدينة القصرين إليه، مما سبب حالة من الفوضي العارمة. ووقعت المعركة علي مقربة من مركز للأمن، حيث تعذر علي من كان بداخله فض الاشتباك بسبب كثرة النساء المشاركات فيه. لكنهم بعد مضي بعض الوقت اعتقلوا 13 من المتخاصمين أحيلوا جميعاً للقضاء. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 جوان 2007)

 

شهيدان وسجين

صلاح الدين باباي ومبروك الزمزمي

و عبد الكريم الهاروني

 

 

حمزة بن عبد الله

 

« الوطنية شعور ينمو في النفس ويزداد لهبه في القلوب كلّما كبرت هموم الوطن وعظمت مصائبه » الجاحظ

 

وما للمرء خير في حياة           إذا عدّ من سقط المتاع

« من أصلح سريرته، فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه.. »   

ابن الجوزي في صيد الخاطر

 

 » ثمّ إنّ عبيد السلطة، التي لا حدود لها، هم غير مالكين أنفسهم، و إنّما هم يربّون أنعاما للمستبدّين، وأعوانا لهم عليهم

الكواكبي في طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد    

 

           إذ أعرض لشهيدين، أحسبهما كذلك ولا أزكي على  الله أحدا، فمعذرة سادتي الشهداء فأنتم كثير في تاريخ الأمة، منذ ياسر و سمية الذين فتحا نهج مصابيح الهدى وسارعا على طريق الحق والحرية والعبودية الخالصة، مرورا بسيّد الشهداء حمزة و بالفاروق عمر عبقرية هذه الأمة، وصولا إلى الشيخ أحمد ياسين ومن لحق به. بل أنتم كثير أيضا في تاريخ تونس منذ الفاتحين في القرن الأول هجري وإلى أيامنا، خمسة عشر قرنا من الشهادة: مقارعة للباطل والظلم والاستبداد و الاستعباد ونصرة لقيم الحق والخير والعدل والحرية.

         

          وإذ أعرض لسجين واحد، فمعذرة أعزائي وأحبّائي سجناء الحق والحرية والكرامة فأنتم كثير على امتداد أرض الله سبحانه، وأنتم كثير  خلف القضبان و خارجها ، في تونس على صغر حجمها، بعد أن صيّر الحاكم الجائر الظالم المستبد، بعصا البوليس وسحرة الحزب، بالقمع والإرهاب والزيف والبهتان، بلد الزيتونة والقيروان إلى سجن كبير أوّل المعتقلين فيه والمظلومين جامع الزيتونة الذي مافتئ منارة للعلم لأكثر من ألف عام. بلد حسّان وعقبة، وطارق وابن الفرات، وأبي زيد القيرواني و سحنون وابن عرفة، وغيرهم من الأعلام، صار الحاكم الفرد فيه صنما يعبد وله أحلام: تجفيف الينابيع، والحكم مدى الحياة…

        

            أحلام الاستبداد صفّق لها زبانيته وتغنّى بها تجار الكلمة وألسنة البهتان، وما هم في حقيقتهم على تأويل أحلام الجنرال الرئيس بقادرين ولا بعالمين. و جاءه تأويلها الحقّ من خلف القضبان، منكم أحبّتي السجناء الأباة الأعزّة الصالحين، تلامذة مدرسة يوسف، بما عندكم من خبرة بطبائع الاستبداد والاستعباد. فقلتم له: يا أيّها الملك يلا تاج، يا صاحب الصولة والصولجان، يا صاحب العقلية ألأمنية العمياء، ما تلك سوى أضغاث أحلام، هذا ما قال به ذو لبّّ، أنت تحلم بالمحال. وكذا قال له من خارج القضبان، إخوانكم المحاصرون الثابتون على مشروعهم المتمسكون بحقّهم وبحقّ كلّ تونسي في العدل والحرية والكرامة وأخواتكم المتمسكات بحجابهنّ رداء العفة ورمز الحياء و الإيمان. جميعا سفّهتم أحلام الجور والطغيان برغم القمع و الإرهاب والتعذيب والتجويع.

       

            إنّ الشهادة لا تهدى ولا تشترى. فالشهادة يحدّث بها المرء نفسه، يطلبها ويسعى إليها… إلاّ أنّ الشهادة كحقيقة معاشة تأبى إلاّ أن تكون هبة من الله لمن اصطفى من عباده، والله أعلم بمن يرزقه الشهادة، و يا لها من رزق حسن، و يا لها من كمالات وجمالات.

 تحضرني هنا كلمة قالها مبدع في لحظة صدق ومعاناة، كلمة تسيل معها الدمعة كلّما ذكرتها: « والروح تحلق في طهر ».

إنّ الشهادة سيادة للروح على الجسد، أو قيادة له في أجواء السموّ والطهر والصدق والإخلاص للمعبود سبحانه. قد تكون هذه المعاني مثاليات لنا لكنّها عند الشهيد ممارسة، يقين، بل عين اليقين.

 

             إنّ الشهادة ليست طلبا للموت، و ليست لحظة تهوّر أو لاوعي يغيب فيها سلطان العقل وتنعدم فيها الإرادة، حالة استلاب وجودي للذات البشرية بلغة الفلاسفة. إنّ الشهادة ثمرة توافق وانسجام الذات ، ووعي بالزمن والموت والحياة، و إدراك كامل لحقيقة الوجود البشري في ظلّ منظومة الخلق والاستخلاف. بهذه الدلالة تكون الشهادة لحظة كمال العقل و اكتمال الإرادة. وبذلك تكن الشهادة طلبا للحياة: حياة فاضلة كريمة طاهرة يتحقق فيها الوجود الكامل  والأكمل للموجود.

« ..فلا نامت أعين الجبناء »، قالها خالد بن الوليد وهو على فراش الموت بعد ما خاضه من معارك وصولات قي ساحات الوغى .

 

               إنّ الشهادة طهر وشفافية وفضاء حرية كاملة لا يلجه إلاّ خيرة الخلق بعد النبيّين والصدّيقين ، الشهادة ليس شرطا أن تكون في ساحات الوغى لأنّ الشهادة تأتي في قمة درجات مقارعة الباطل وأهله، وقد يكون سلاح الكلمة أحدّ وأمضى في هذا المجال: »..أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر.. »، فكلمة الحقّ  ثقيلة على صدر الظالم يئنّ تحت وطأتها حين تطرق مسامعه، وشديدة المرارة في حلقه حين يتجرّع كأسها، تقض مضجعه في قصره وتحرمه النوم والأمن وهو بين عسسه وزبانيته. خاصة أنّ من ضلّ الصّواب وطغى فظلم وجار واستبدّ يضيق ذرعا بالكلمة الحرة والنّفس الأبية، التي تأبى الخنوع و الخضوع والانصياع والاستسلام للظلم و سوءاته مهما استعلى لأنّه باطل، وتأبى القبول والإقرار بالباطل و شناعاته مهما طال لأنّ في ذلك ظلما للذات والحق وأهله.

 

             إنّ الممانعة و الاستعصاء ومقاومة الباطل وأهله مهما جاروا تنبع أو هي تعبّر عن إرادة تكتمل على طريق الشهادة، الذي يبدأ باستعداد يتحوّل إلى عزم وتصميم يسيران في اتجاه يقين بضرورة انتصار قيم الحق والخير. هذا اليقين هو عند كلّ واحد بقدر، ولا يتحقق اكتماله إلاّ عند الشهادة، لأنّه لدى الشهيد علم يقين ليس بعده إلاّ عين اليقين في عالم الغيب، عالم يتكشف فيه زيف الباطل وينكشف فيه ما ووري في الدنيا من عورات وسوءات أهله.

  

              إنّ الشهادة شهود على صراع الحق والباطل وتدافع قوى الخير مع الشرّ وأهله في عصر ما ومجتمع ما، فالشهيد شاهد صدق على عصره ومجتمعه.

الشيخ أحمد ياسين، الرجل المسنّ المقعد، الذي يقود المجاهدين من على كرسي متحرّك، يرزقه الله الشهادة – نحسبه كذلك- في باب المسجد بعد أدائه صلاة الفجر. ويضع الله محبّة عبده في نفوس الخلائق فتهتزّ جنبات الأرض المعمورة شرقا وغربا بالمسيرات المنددة بالجريمة الشنيعة

كلّما أذكر ذلك أقول سبحان الله الذي يمنّ على من يشاء من عباده بما يشاء وقت ما يشاء وحيث شاء. فهناك من حكم عليه بالإعدام ظلما وعدوانا وثبّته الله ولم يبدّل أو ينكسر، لكنّه لم تكتب له الشهادة في حينها ، فيعود إلى عالم الناس والكدح والابتلاء: »يا أبها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحا فملاقيه » ، » واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين »

 

          معذرة سادتي الشهداء، فالشهادة قطعا ليست حديث الجبناء، ولا هي في متناول الأدعياء، في زمن كثرت فيه الدعاوى وسهلت الدعوى على من ادعى .

مبروك و صلاح الدين معذرة لم تكونا من الخطباء ولا أهل ادعاء، و يشهد لكما بأنكما من النبلاء الطيّبين الأتقياء.

 وكما قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: »من أصلح سريرته، فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه.. »

 

 صلاح الدين، يا صاحب الوجه المتورّد والطلعة البهية، يا ذا القامة العلية والجسم الممتلئ حيوية، كنت ترتّل القرآن وتؤمّ إخوانك من طلبة العلم والمعرفة في صلاتهم بمسجد الحي الجامعي بصفاقس، و ليس فيهم و لا منهم إلا من يكنّ لك الاحترام و الثناء، رأيتك توقظ لطفي لصلاة الفجر في حنان وحياء، وهو قد غالبه النوم من سهر، لطفي أخي قم هداك الله واستجب للنداء. ذكرتني بالأديب المبدع مستنجدا بالأيوبي في قبره: « صلاح الدين قم » لتعيد للأمة العزّة والكرامة والإباء.

 

مبروك، يا صاحب الجسم الغض الطريّ، أيها الشاب اليافع النحيف رقيق المشاعر الذي طالما حلمت به أمّه في أعلى مراتب العلم والمكانة الاجتماعية، ترفع بك رأسا وتحقق لها عزّا وهناء، فزفّتك عريسا(من دون عروس) في عرس الشهادة ، عرس هتف فيه أحبابك، رغم أنف قوات القمع ومضايقات أذناب الباطل :  » في يوم عرسك يا شهيد، نهتف نغنّي : الله أكبر… »، من موقع شهادتك على طبيعة الاستبداد (جامعة المنستير) في معركة نور العلم مع ظلام القمع إلى موطنك الحامة.

مبروك، يا شمعة احترقت وسالت لتضيء وتبدد حلكة سواد الظلم فتنير  وتهدي السائرين على طريق الحق والخير.

 

         كانت أحداث الجامعة التونسية في بداية التسعينات، والتحركات الطلابية  التي شهدتها مختلف الأجزاء والمراكز الجامعية من الشمال إلى الجنوب رفضا لعسكرة الجامعة ومصادرة فضاء الحرّية المتبقي في البلاد، وإصرارا على الحق في العمل النقابي وحرية التعبير والتنظيم في الجامعة وخارجها. وهو ما ضاقت به ذرعا ولا تزال السياسة البوليسية التي مارسها المستولون على الحكم والمستبدون بالقرار، فلجأ أذنابها إلى الإرهاب والعنف والقمع الأعمى وحملات الاعتقال والتعذيب والقتل. وكان صلاح الدين و مبروك من الذين أصابهم رصاص الغدر والطغيان، شهيدين في ساحات الحق والحرية.

صلاح الدين ومبروك، طبتما وطاب ذكركما وذكراكما في عالم النّاس والحياة الدنيا، ونسأل الله أن يطيّب ذكركما في الآخرة.   

 

مبروك وصلاح الدين، لن أوفيكما حقكما فلقائي بكليكما كان قصيرا وإن بقيت صورتيكما راسخة في الذهن، ملامح وجهيكما تشعّ نورا و بشرا و بهاء، عفّة وطهرا و حياء، سماحة و صفاء ونقاء، سكينة وطمأنينة ووداعة. و لا أنسى ما أنتما عليه وما لمسته فيكما من عزيمة و إصرار وإباء. كنتما صورة لسعادة النفس و مبعثا للأمل والرجاء.

لن أوفيكما حقكما فأنا لست بأديب ولا بشاعر و لا صاحب قلم محترف، ولم أوت سحر العبارة فأداعب الكلمات لأشكل منها باقات مزهرة مثل وجهيكما، عطرة عبقة بالمعاني والدلالات، فتحيي ذكراكما في النفوس الحية  » فليس لجرح بميّت إيلام ».

لن أوفيكما حقكما لأني لست من مقامكما الرفيع ولم أتذوق طعم الشهادة. وإذا كان للإيمان « حلاوة » يجدها من كانت فيه الخصال الثلاثة التي أخبر عنها النبيّ (ص)، فكيف يكون طعم الشهادة ومن  » يطعمه » ؟

نسأل الكريم سبحانه أن يلحقنا بفضله وكرمه بالأنبياء و الصّدّيقين والشهداء و الصّالحين، وحسن أولئك رفيقا.

 

 إنه اعتراف بالتقصير والقصور، لكنّ عزائي أني أبث حزني، أشجان غالبنها طويلا فغلبتني أخيرا، كتمتها، حبستها، فكسرت القيد، وما لبثت أن تملكتني وسيطرت على خاطري. وما فتئت تعاودني وتلحّ عليّ حتى سجلتها خواطر كما تواردت دون ترتيب (إلاّ ما لحقها عند الطباعة). فمعذرة لمن سيقرؤها فلست بمبدع و لا مبتدع.   

 

 أخي و رمز أحبابي السجناء عبد الكريم الهاروني

 لست وحدك السجين، ففي تونس الجور و الطغيان كلّ حرّ أبيّ سجين، من هو خلف القضبان، وكذا الذي خارجها، بعد أن فقد الأمان في دينه ونفسه وعرضه وكرامته كإنسان. ففي عهد « حامي الحمى والدّين » الكلّ مهان، السجين من دمار السجن وعربدة السجّان، و الطليق من إرهاب البوليس و أذناب السلطان، من بيده عصا ومن لا يملك سوى لسان، هذا يداهم و يعتقل، يقمع ويعذّب، فكلّ معارض لديه مدان قبل الأوان، وما على القضاة سوى التصديق على الأحكام كما جاء في مذكرة الاتهام، وهذا يكذب و يزيّف، يزيّن عورة « حاكم الزمان »، والويل لمن يكشف سوءات « جمهورية الغد » والدستور المفصّل على مقاس السلطان، دستور يعيد ذكرى عهد الأمان، وقد زار شيراك فرنسا محمية تونس ليمدح سياسة »الجنرال » الذي يوفّر لقمة الخبز فماذا تريد الرعية التونسية فوق ذلك..فيا لها  من شهادة زور وبهتان، تكبت أشواق الحرية وتسكت على ما يلقاه أهل تونس من هوان. وأين يا شيراك دعاوى المطالبة بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان ؟

 

            عبد الكريم، لست وحدك السجين وراء القضبان، فمعك الصادق والأمين و الصحبي والعجمي وغيرهم..، ومن خارج القضبان الزواري وبن سالم وغيرهما.كثير..

عبد الكريم لست وحدك سجين حق وحرّية، لكنّي أذكرك كرمز لمن عرفت منهم ومن لم أعرف، فكّ الله أسر الجميع وآمن روعاتهم وستر عوراتهم و خلفهم في أهاليهم خيرا.

           

             هناك من هو سجين هوى وشهوة، يظلّ عاكفا عليها أعمى البصر والبصيرة فيرتدّ أسفل سافلين، بعد أن خلقه الله في أحسن تقويم. و قد لا يفيق من غفلته إلاّ عند اللحد.

وهناك من هو سجين فكرة، لا يعرف ما قبلها ولا يريد أن يعرف ما يكون بعدها، لا يقبل لها بديلا ولو كان منزّلا من ربّ العالمين، تحوّلت عنده إلى صنم معبود مصان، ألبسها هالة وأصبغ عليها قداسة لم يقرّ بها للمقدّس في ذاته، فما لهؤلاء لا يراجعون أنفسهم، وينظرون إلى ماضيهم وغدهم، ويتعرّفوا إلى ما يدور حولهم ، ويتعلّموا من تجارب غيرهم.

 

            عبد الكريم معذرة، أنت لست كذلك، أنت سجين حق وحرية وكرامة في بلد امتهن فيه الإنسان، أنت صاحب فكر حرّ وفعل مسؤول، قلت لا زمن سادت عقلية القطيع، لذلك ذاق بك ذرعا راعي القطعان، صاحب الفكر البوليسي وألقى بك و بإخوانك خلف القضبان، وعهد بتطويع كلّ واحد منكم إلى شياطين الإنس والجان. لكنّك صاحب نفس أبية لا تأسرها القضبان والحيطان ولا يكسرها القيد و أفاعيل السجان .

أنت و إخوانك أحرار في  سجنكم، تنعمون بحرية النفس في زمن العبيد، قلتم لا للاستبداد و لا لاستعباد العباد. أمّا عبيد النفوس، فرغم المناصب والمظاهر الخادعة والتلاعب بمصالح العباد، فهم محرومون من قول لا، مهمومون منهزمون في داخلهم عبيد في ذواتهم.

 

              عبد الكريم، لا زلت أذكر قولتك وأنت تودّع الأمانة العامّة للاتحاد العام التونسي للطلبة في ختام المؤتمر الثالث المنعقد في كلية الحقوق:  » الله يسامح من كان السبب ».

 لقد كان ذلك من بين شروط الاعتراف القانوني بالاتحاد، بعد أن جعلته وإخوانك واقعا ملموسا في حياة الطلبة والجامعة، واقعا تعاملت معه السلطة والإدارة مكرهة من خلال ممثلي الطلبة في مجالس الكليات.

عبد الكريم، أنت كريم و أخو كريمة، لأب كريم و أمّ كريمة، شهدوا جميعا حفل اختتام المؤتمر الثالث للاتحاد. و لا زلت أذكر صعود أمّ كريم الهاروني (رحمها الله ) إلى المنصّة بعد أن ناديت عليها:  » تعالي يا أمّ ». و ببديهتك المعتادة لم تفتك الإشارة والتنويه إلى أنّها تمثل أمهات الجميع.

        

            عبد الكريم، لا زلت أذكر خطابك السهل الهادئ الرزين،الذي كان يجمع ولا يفرق، والذي كان يهتمّ به وينصت له الطلبة الذين لا انتماء لهم قبل ذوي الانتماءات. لا زلت أذكر تعليقك على عبد اللطيف في ندوة صحفية عقدها الإتحاد في أحد مدرّجات كلية العلوم بتونس عندما قال : » سننزل إلى القواعد »، وهذا تعبير شائع لا غبار عليه، ولكنّك علّقت قائلا : »بل سنصعد إلى القواعد »، وبذلك نبّهت إلى خطر الاستعلاء على القواعد و الانفصال عنها وترفع القيادات. إنّه خطاب لكن وراء العبارة معنى ودلالة، وقناعة ورؤية للمسؤولية والقيادة.           

              عبد الكريم، لازلت أذكر تواضعك في الملبس والملمس، وقناعتك في المأكل والمشرب، وقربك من إخوانك وعامة الطلبة، وأنت مهندس أوّل متخرّج من أشهر المدارس العليا في البلد، وأنت الأمين العام للإتحاد. صفات كريمة وطباع محمودة عرفتها فيك وفي غيرك من إخوانك الطيبين الكرام( الأمين الزيدي، محمد القلوي، حسين الجندوبي…).

عبد الكريم، وأنت في سجنك أرى فيك رمزا لجيل جديد من رجال الإصلاح، سنؤول لهم يوما، بإذن الله سبحانه، قيادة عملية التغيير في تونس على طريق الحق والخير والحرية، واستعادة الإنسان لكرامته ممّا يحرّك فيه همّة وفعالية إعمار وطنه.

عبد الكريم، فكّ الله أسرك و أسر إخوانك وكل مظلوم أبيّ، وجمعنا بكم في يوم تسعد به تونس و تهنى.

 

خاتمة

هي دعوة أوجهها لكل أخ أن يقول ما يعرف عن أحد الشهداء أو المساجين.

 ليس شرطا أن تكون أديبا حتّى تقول كلمة صدق و وفاء، كلمة تقدير ومودّة. أكتب دعاء لأخيك، عبّر عن حنين وأشواق وذكريات، و دوامك على العهد رغم العذابات والمعاناة، أكتب سطرا، فقرة أو أرسم ملامح شخصية اختارت نهج الحق والحرية وثبتت على المبدأ وأبلت.   نحن في حاجة إلى أن نحيي ذكرى الطيّبين الصادقين وأن نخرجهم من طيّ النسيان الذي يريد الباطل وسدنته أن يلقوهم فيه طمسا للوقائع و تزييفا للتاريخ. إنّه واجبنا نحوهم وفاء واعترافا ببلائهم، ومسؤوليتنا في توثيق تاريخ شعبنا وحفظه من تلاعب أقلام الزيف الخادمة للاستبداد.

إخواني، إنّ سجناء الحق والحرية (الأمين الزيدي،الصادق شورو، الصحبي عتيق..) وإخوانهم المحاصرون في حركاتهم وسكناتهم (المنصف بن سالم، الزواري، الجبالي..) و أهالي الشهداء والسجناء، جميعا ينتظرون منكم أن لا تنسوهم، أن تكونوا صوتهم الذي يخترق الحصار..إنّ في ذلك مواساة لهم ونصرة…

 


 

استبداد المعارضة اخطر من استبداد السلطة

 
بقلم عامر عياد كان الاهتمام بالحياة الداخلية للأحزاب في الماضي محدودا ضئيلا، وكان هذا الشأن متروكا لأعضاء الأحزاب أنفسهم دون غيرهم من المواطنين..و لقد شهدنا في تونس ، وفي حقب مختلفة من تاريخنا السياسي الحديث مناسبات كثيرة تميزت بوقوع أزمات داخل البعض منها و يكون محورها الحياة الداخلية و مدى التزام القيادات و الأعضاء بالأصول والمبادئ التنظيمية وقواعد السلوك الجماعي السليم . وفي كل هذه المناسبات أو في أكثرها كان المواطن العادي ، وحتى اللفيف الأكبر من رجال الفكر و السياسة ينظر إلى هذه الأزمات و التصدعات على أنها شان داخلي بحت يخص الأحزاب التي تقع فيها و انه حري بأعضاء الأحزاب ألا يشغلوا الرأي العام بمشاحناتهم الصغيرة و ألا يلهوا الناس بصغائر الأمور عن الهموم السياسية الوطنية الكبرى. و اليوم ومع الحركية النسبية التي تشهدها الساحة السياسية التونسية يزداد الإدراك بان ثمة علاقة حميمة بين الحياة الداخلية للأحزاب و بين دورها التاريخي في المجتمع و سلوكها في السلطة. وفي نفس الوقت ازداد الفضول و التشوق إلى الاطلاع على عالم الأحزاب الداخلي وعلى اقتحام خفاياه و مكنوناته بعد أن اتجهت أكثر الأحزاب ،هذا إن لم نقل جميعها إلى تبنى الفكرة الديمقراطية و التعددية السياسية و إلى الابتعاد ولو بشكل رسمي عن المفاهيم التي كانت منتشرة مثل الديمقراطية الموجهة أو الشعبية و التي كانت تصب في نهاية المطاف في خانة الحزب الواحد. و إذا كان الكثيرون يميلون إلى قبول صدقية هذه التحولات و الإقرار بصحتها فان البعض يفضل أن يضع تبني الأحزاب التونسية للديمقراطية على المحك عبر تفحصه لحياتها الداخلية و هنا يطرح السؤال التالي:هل أن تلك الأحزاب هي فعلا أحزاب ديمقراطية بحيث يمكن الاطمئنان إلى أنها سوف تلتزم بالممارسة الديمقراطية إذا وصلت إلى السلطة؟ إن الجواب على هذا السؤال قد يبدو سهلا ، ولكن الحقيقة انه أكثر صعوبة مما نتصور خاصة إذا رجعنا إلى محاولات عديدة لبحث هذه المسالة في إطار اعم لا ينحصر في الفضاء المحلي أو القومي وحده. استنتج »روبرت ميتشلز »-وهو عالم اجتماع ألماني -،بعد تجربة ميدانية أدت به إلى الانتقال من الحزب الاشتراكي الألماني إلى الحزب الفاشي الايطالي ومن النظرة المتفائلة الى النظرة المتشائمة..استنتج أن كل حزب مهما كانت المبادئ التي يعتنقها و بصرف النظر عن البرامج التي يضعها، سوف يقع في نهاية المطاف في يد قبضة من القادة الذين يشكلون هيئته الزعامية و عصبه الإداري، كما يذهب عالم الاجتماع الألماني إلى أن هؤلاء يشكلون قوة محافظة تدافع عن مصالحها ، لا عن مصالح أعضاء الحزب أو أتباعه أو الفئة الاجتماعية التي انبرى الحزب عند تأسيسه للدفاع عنها. بمقدار ما يشكل الحزب عادة ركيزة من ركائز الحياة الديمقراطية أراد ميتشلز القول بان هذه الحياة غير ممكنة و غير ميسرة ف »فكرة تمثيل المصالح الشعبية و هي فكرة تعتنقها الكثرة الغالبة من الديمقراطيين..بعناد وثقة هي وهم نابع من مصادر زائفة للمعرفة..إنها في الواقع مجرد سراب. » و قد ووجهت هذه النظرية التي سميت »بالقانون الحديدي للاوليغاركية » بالنقد الشديد خصوصا من طرف عالم الاجتماع الفرنسي يوريس دوفرجيه. و إذا كان ميتشلز يعتقد أن كل الأحزاب مهما كان جنسها أو لونها العقائدي لا تعرف الديمقراطية في حياته الداخلية و لا في أداءه الخارجي فان بعض كتاب الاستشراق يعتبرون أن هذا المشكلة مقصورة على الأحزاب في المجتمعات العربية والإسلامية، فالأحزاب هي تعبيرات شكلية عن حقائق اجتماعية ساكنة وجامدة. ورغم هذه النظرة المتشائمة لأداء هذه الأحزاب القائمة و بإسقاطها على الواقع التونسي نجد انه أصحابها متفائلون أكثر من اللزوم، فباستقراء واقع المعارضة التونسية في السنوات الأخيرة في مستوى علاقتها بالديمقراطية نسجل:
*1احاطة رؤساء الأحزاب بهالة من التقديس بحيث يختزل الحزب ومؤسساته في الشخص الملهم و الرجل الأول في الحزب فلا يكاد الحزب يعرف إلا بزعيمه و ليس بمواقفه ومؤسساته:(النهضة:الغنوشي،الاشتراكي التقدمي:ألشابي،التحرري:الباجي،الوحدة:بالحاج عمر،ألMDS:المستيري-مواعدة-بولحية، الشيوعي: حرمل…) فمعظم الأحزاب التونسية تبنى من فوق إلى تحت أي من الأمين العام إلى القاعدة الحزبية وتبنى الهيئات الحزبية على شاكلة الأمين العام و مثله ومن هنا التعطيل شبه الدائم لأية علاقة تمثيلية انتخابية بين القاعدة والقيادة.و الأفدح من ذلك هو السعي الدائم إلى الإجماع حول خط القيادة و القائد الفرد الذي تؤكد الحياة دوما صحة تحليلاته.
  *2اشتداد المنافسة على قيادة الحزب بطريقة بعيدة كل البعد عن التداول السلمي والحضاري..إذ عادة ما تقترن المنافسة باتهامات متبادلة بالتخوين والتكفير وبطرق بعيدة كل البعد عن أخلاقيات التعامل السياسي المتحضر: ومثاله **صراع المنذر ثابت مع أمينه العام منير الباجي ينتهي بطريقة دراماتيكية محزنة بعيدة كل البعد عن الصراع الديمقراطي السليم والحضاري. **خروج مجموعة ما يسمى بمجموع الخصخوصي من حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بعد اتهامات متبادلة بالانحراف في المنهج الفكري و الخط السياسي للحزب مما أدى إلى بروز صراع حول القيادة و الزعامة بين ما سمي بالقيادة التاريخية والشرعية والقيادة التي  » سرقت الحركة »..كما برزت في صفوف من تبقى في الحركة محاولة « انقلابية » على الأمين العام أثناء مرضه وإقامته في المصحة للتداوي..و هذا لعمري بعيد كل البعد عن أخلاقيات العمل السياسي السليم. **إبعاد عبد الرحمان التليلي بطريقة دراماتيكية من الأمانة العامة لحزبه فيها الكثير من المهانة والغموض.
*3تهميش القاعدة و عدم اطلاعها على ما يجري داخل الحزب وذلك باحتكار صناعة القرار وتجاوز المؤسسات وتهميشها والقامة التحالفات الحزبية دون الرجوع للقواعد و هو ما يعمق الشرخ بين قواعد الحزب وقيادته التي تعتقد في أبوتها وملكيتها للحزب أو الحركة ويبرز هذا الخلل في اغلب الأحزاب المكونة للفسيفساء السياسية في بلادنا والتي تفتقد إلى المصداقية والشفافية في التعامل مع مناضليها وذلك إما بإخفاء المعلومة آو تبريرها إن سربت دون أن تكلف نفسها عناء تحليل دوافعها والهدف منها لمن هو حقيق بفهم سياسة الحزب وأهدافه.. ولعل المثال الأبرز هو عقد التحالفات التي تسمي حينا بالإستراتيجية وحينا أخر بالتكتيكية دون الرجوع إلى القواعد الحزبية و استشارتها فتولد عادة إما ميتة أو مشوهة وسرعان ما تنفك عقدتها في أول منعرج.
*4 عدم ايلاء الثقافة السياسية وتأثيرها على إمكانات التحول الديمقراطي المكانة اللازمة، وهذا النفي يقود إلى الوقوع في اسر نظرة ضيقة و لا تقل محدوديته عن تلك التي ترى إمكان حدوث تحول ديمقراطي قبل توافر الثقافة السياسية الملائمة له. وأهمية هذه الثقافة تزداد بالنسبة للنخب السياسية المثقفة اى النشطاء في العمل السياسي أكثر من عامة الناس، لذلك ربما يكون تحقيق التحول الديمقراطي أوفر منالا، ففي هذه الحالة يمكن أن تتطور السياسات التنافسية  في أوساط تلك النخب أولا و تنتقل غالى الجمهور عبر الممارسة. وقد يفسر هذا المنظور كيف أن الديمقراطيات المستقرة تنتج في الغالب عن عملية تطور بطيء أكثر مما تترتب على تحول ثوري يطيح بنظام سلطوي أو شمولي و المقصود هنا أن توافر ثقافة ديمقراطية لدى النخب الرئيسة في المجتمعين السياسي والمدني يتيح التطلع إلى بناء نظام ديمقراطي يؤثر ايجابيا على ثقافة العامة ..لذلك إذا أقررنا بغياب هذه الثقافة السياسية لدى النخب المسيطرة عبر ممارسة استبدادية داخل أحزابها ومجالات عملها و إلغاء القاعدة و اعتبار التنظيم و الحزب جمعية وملكا خاصا نفهم كيف أن عملية الانتقال الديمقراطي تكون متعسرة ان لم نقل مستحيلة .
  *5 هيمنة سياسة التخوين والتكفير ذلك أن اختلاف الرؤى الفكرية والخطط والبرامج السياسية عادة ما يؤدي إلى رمي المخالفين للخط العام بالعمالة والخيانة والانبطاح و المهادنة بما يوتر العلاقة بين عناصر الحزب وعوض أن يكون الاختلاف عنصر إثراء يصبح وبالا ونقمة وبداية تصدع..و آخر مثال على ذلك ما جرى للسيد عبد الحميد مصباح عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية والذي ابعد منه على خلفية مواقفه النقدية من أسلوب تسيير الحزب و طبيعة المواقف المتخذة وذلك بناء على رسالة كان وجهها للأمانة العامة خلال الفترة الفاصلة بين المؤتمر وانعقاد اللجنة المركزية للحزب.هذا وقد اعل عن إحالة السيد عبد الحميد مصباح على لجنة النظام  بتهمة التصريح للصحافة عن مسائل غير قابلة للنشر من شانها إحداث انشقاق صلب الحزب. وأخيرا ما حصل و يحصل ألان في صفوف حركة النهضة بين أنصار المصالحة مع النظام بشروطه وبين أنصار المغالبة و المصالحة المجزية من ناحية أخرى، ونكتشف من خلال الجدال الحاصل عل عديد المواقع الالكترونية لغة بعيدة كل البعد عن أخلاقيات التعامل الديمقراطي السليم بما يؤكد أننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن قبول الرأي الأخر بدون تخوين أو تكفير أو اتهام.
ختاما *إن الوضع الغير المحسود عليه للمعارضة التونسية و التي تتميز بالتداول على الأزمات والانقسامات الداخلية لا يمكن تحميل مسؤوليته فقط للاستبداد، لذلك لا بد من العودة إلى الذات و البحث في أسباب قصورها و التحلي بالجرأة الضرورية للنقد الداخل و الذاتي و تعميمه حتى نؤسس لثقافة سياسية تحترم الذات وتحترم الأخر. **إن التعلل الدائم بقمع السلطة لا يبرر أيضا قصور هذه الأحزاب سواء في علاقتها العمودية أو الأفقية مما لا يبشر بتعميم الفكر الديمقراطي و تأسيس نظام نام لان يكون حرا. ***لا بد  لمراجعة شاملة و التطلع إلى انعطاف شامل جديد ينبغي أولا التحرر من السيطرة الأبوية على الأحزاب و التحرر أيضا من التركيز على العلة الأحادية لتفسير وتبرير ظواهر القصور ومكامن الضعف.فالنظام السياسي قد يكون سببا لكل علة لكنه هو نتيجة تركيبية لكل العلل القائمة كذلك..فلا ينبغي للصخب حول التغيير السياسي أن يحجب التنبه الموضوعي و الخبير لمتطلبات التغيير الاجتماعي الذي يعتبر هو الهيكل الحامل لرأس الهرم و إلا فان الديمقراطية المقتصرة على المطلب الانتخابي وحده لا يأتي إلا بسلطة فئة حاكمة بديلة عن أخرى ساقطة غير متشبعة بالفكر الديمقراطي الحر و الثقافة السياسية المتطورة والحداثيية نظرا و تطبيقا… ****إن أزمة الديمقراطية داخل الساحة الحزبية التونسية هي أزمة بنائية تمس الفكر مثلما تنعكس على التنظيم الأمر الذي يؤثر على فعالية هذه الأحزاب وحجم دورها في قيادة المجتمع المدني القادر على خلق الحد الأدنى من التوازن مع الدولة و بذلك يفقد النضال الديمقراطي احد أهم أدواته الإستراتيجية عندما تفتقد هذه الأحزاب صدقيتها لدى جماهيرها نتيجة تمزق الأحزاب و الجبهات الجماهيرية و فقدان قدرتها في التأثير على مجرى الأحداث فضلا عن تناحرها المدمر و » اقتتالها » الخفي.  
 خنيس-المنستير في 10-06-2007

 


 

مقاربة بين فكر الحكومة الإستبدادي وفكر المعارضة الوصائي

بقلم: فتحي العابد إذا كان الحكم السيادي المستبد العنيد الذي تمركز في دولتنا المستقلة، (ليس السيادي بالمفهوم اللفظي للكلمة وإنما هو الإستبدادي المتحجر البغيظ وليتها تسمح لأبنائها بأن يمارسوا حقهم السيادي على أرضهم) والتي عانت من ويلات الإستعمار الغاشم، الذي مازال تمتد جذوره إلى الآن، وكيف أن هذا الحكم لا يستحيي من صنع الذرائع وابتداع الأقنعة لينتهج منهجا إجباريا على أبناء شعبنا الأبي، وقمع كل معارض شريف لم يحاول أن يدخل بلده على ظهر دبابة كما فعلت المعارضة في العراق. وأبى أن تكون بلاده مسرحا للمستعمر يعبث فيها كما يشاء، بل لو وقع مكروه لتونس معاذ الله سنكون نحن درعا لها بجانب النظام الذي أراده المستعمر في المقام الأول، رغم ما تلقيناه منه وتهجيره لنا. فإن فكر المعارضة اليوم المتمثلة أغلبها في حركة النهضة والمقصودة في هذا المقام، القائم على المنهج العدائي للنظام، لا يزال شديد المراس، رغم أنهما مدركين بأن المجتمع التونسي بات سيد أمره ويمكن أن يقدر مصيره بيده، لا ما يختاره له النظام المستبد أو المعارضة الغير مسؤولة أحيانا، المتحدثة بصيغة الوصاية في نفس الوقت، وهذا الحديث ليس انتقاصا من دورها التاريخي في تنمية الأفراد أو تحجيما لها، أو ضربا من ضروب التعسف على تاريخها أو مسارها الوطني المتفاعل، والتنكر لإسهاماتها في نحت الذات الوطنية للفرد التونسي داخل وخارج الوطن، ثم هو ليس تجنيا على الحركة التي كنت أنتمي إليها، ولكنه انطلاقا من واقع عايشته، ونقد يمكن أن تقبله أو لا تقبله وأمر لا بد منه، علما أن ليس كل الحركة تمارس الوصاية ولكن بعض أفرادها الذين فهموا الخطأ، وقد حاولنا في السنين الماضية للأسف دون جدوى وضع حد لهذه التجاوزات في إيطاليا، داعين حركة النهضة في أوروبا إلى ردع هؤلاء كي لا تتحمل وزرهم، إذ أعرف أكثر من واحد مازال متعاطفا مع الحركة لم يقع تأطيره بعد، رغم مرور اكثر من خمسة عشر عاما على تعاطفه معها، بينما هناك مجموعة أخرى صارت قيادات وسطى لا لشيء لأن لها أقارب أو أصحاب ينتمون للحركة يزكونهم، أو مارسوا العمل الطلابي من قبل، كما أنه ليس كل القائمين بالسياسة في البلاد فاسدين مستبدين لا يمكن إصلاحهم أو التحدث إليهم وأن كل ما يأتي من جهتهم مردود. ولعل حدود فكر حركة النهضة التحريضي لا يقف عند بعض قياداتها الوسطى المقيمة هنا في إيطاليا، بل يتعداها ليشمل كثير من قواعدها أو ما يسمى بالأسرة الذين ينزلقون في متاهات تغذيته، بوعي أو بغير وعي، ربما طمعا في تحقيق شرعيتهم، الشيء الذي ارتكز على مثله النظام ليرفض أي حوار وأي تصالح. لأن الحكم السيادي المستبد القائم في تونس اليوم يتعارض مع فكر المعارضة الوصائي في دوافعه، وفي مضمونه التمييزي، وفي شكله التسويقي الذي يتجاهل شعبنا ووعيه. وإذا كان بسط النفوذ عن طريق نشر الرعب قد شكل السمة الجلية للحكم السيادي المتسلط القائم في بلدنا اليوم، فإن ذرائع الفكر الوصائي للمعارضة قد باتت عديدة وأقنعتها مختلفة وقنوات تدخلها متنوعة. وإن الأحداث المأساوية المتعاقبة التي تشهدها تونس اليوم: من تدني في مستوى المعيشة (أصبحت هناك طبقتين: طبقة غنية وطبقة فقيرة) _ متابعة في الأرزاق (كل من له مشروع ناجح هناك يشتم منه رائحة العصيان يرغم على البيع أو إدخال شريك معه عادة ما يكون من المقربين للحكومة كما وقع مع أحد أصحاب الأراضي الذي ترك البلاد وهاجر إلى فرنسا) _ ترهيب للعائلات _ نزع الحجاب للطالبات _ تردي أخلاقي (نسبة الأمهات الغير متزوجات زادت بمائة وعشرون بالمائة على عشر سنوات مضت) _ الرشوة _ المحسوبية، إذ أن تمادي الشعب في إعطاء الرشوة حتى في أبسط الأمور، ومواصلة أعوان الدولة أخذها، يجعلها في مؤخرة الدول العربية بل بعد الأردن بكثير والتي كانت تعد في السابق من أكثر الدول العالمية محسوبية، وهذا الإختلاس المجبور عليه المواطن أحيانا (يعادل 2,5 % من الدخل العام للدولة، مما صنفها في المرتبة 51 عالميا، مع جنوب إفريقيا، وأنها ليست بلد ذا ضمير مهني وأخلاقي، حسب ما نقلته الجريدة الإيطالية « كو آن » في تاريخ 18/11/2006 )، إلى أشياء أخرى كثيرة، تترجم العجز الحقيقي الذي تمر به القيادة السياسية في البلاد اليوم، والتي يحركها حب الهيمنة في شتى أبعادها، انطلاقا من السياسية مرورا بالثقافية وصولا إلى الإقتصادية الجمركية خاصة وما يعانيه المغترب عند رجوعه. مساع وجدت في الفراغ الذي تركته حركة النهضة داخل البلاد وتهميش غيرها المجال الأنسب لإطلاق العنان لمبادراته  » الخيرة  » شمالا وجنوبا. كما وجدت في  » المرأة  » ظالتها لترفعها عنوانا أصليا تبريريا لكافة أشكال القمع ما استهدف منها حرمة المرأة ذاتها. وما انتهك منها مبادئ أخلاقية خلناها ثابتة عند سلفه. وتعيد صياغة جديدة للدولة وفق إيقاع ترسمه بعض النفوس المهيمنة. ويباركها بعض المثقفين السابحين في فلكها، ولا يملك بقية الشعب إلا أن يجاريها، حتى وإن حدا به نسق المجاراة إلى التنكر إلى أحد الأسس التي ضحى بدمه من أجلها ألا وهي: إقرار المساواة بين أفراد الشعب. فليس من الغريب أن تزدهر سوق فلاسفة الدفاع عن هيبة الدولة وأمنها، ونظامها والمكاسب الوطنية التي حققت، في بلد صارت توقر فيه هذه السوق لسلب المواطنين حرياتهم وأبسط حقوقهم ألا وهو: حقهم في اختيار من يحكمهم دون ضغط أو إرهاب. فمتى كانت إثارة التونسي ضد التونسي وحبك المؤامرات وتنصيب القيادات الموالية، يرمي إلى خدمة المجتمع؟ ومتى كانت سجون برج الرومي والعوينة، ترمي إلى نشر الحرية، وإرساء النظام الديمقراطي؟ ومتى كان هتك الأعراض واستباحة الكرامة والنيل من الذات البشرية، بخلع الأبواب بالليل وترويع من بها، يدخل في خانة الذود عن الحق الإنساني؟ ومتى كانت نصرة حقوق الإنسان، ونشر الأمان للمواطنين وتأمين العيش الكريم لهم، ضمن اهتمامات النظام الذي لطخ أقاربه وحاشيته أيديهم إن لم أقل هو بعينه، بسرقة وإدارة الأموال القذرة الملطخة بدم وعرق الشعب، والمعمقة لمآسيه؟ ومتى كانت تغذية الفرقة والضغائن في صفوف العائلة الواحدة تكترث بحقوق الإنسان؟ ومتى كانت استضافة البدائل الوهمية للقيادات الشرعية المزجوج بها في السجون أو تحت الإقامة الجبرية، سواء داخل الوطن أو خارجه، وتقليدها الأوسمة من قبيل حب الخير للوطن؟ وكيف يرافق الصمت الرهيب تشريد العشرات؟ وكيف تلازم اللامبالاة جرائم أذرع النظام اليومية؟ في حين تهتز الأوطان في أماكن أخرى بمجرد جرح أحد أبنائه، فهل تكون للنفس البشرية في وطني نفس درجات النفس البشرية في أوطان أخرى؟ إن الساحة التونسية اليوم بما تشهده من أحداث دامية ومتسارعة تفضحها عولمة الإعلام، تجعلنا لا نسمح لبعض أجهزة النظام فيها بأن تنتصب خطيبا أو داعية أو واعظا أو مرشدا للآخر في مادة حقوق الإنسان، فالأجدى أن تكرسها في كيانها وأرضها، ثم بعد ذلك تتاجر بها. ولئن كانت مساعي حركة النهضة في الخارج تتوفق في لفت بعض الأنظار أحيانا لما يقع في الداخل تحت غطاء حقوق الإنسان، فإنها لم تفلح في مواجهة النظام في المجالات الأخرى، لأنه استطاع أن يقنع الشعب بأن المعارضة لها أطماع سياسية جديدة قديمة، وهي لن تستطيع أن تصون البنية التحتية للبلاد كما فعل هو. كما أن المعارضة أدركت بأن النظام التونسي اليوم استطاع أن يجمع الإرادات حول بناء مشروعه المجتمعي الذي يطمح إليه. هذا المشروع الذي كنا قد رفضناه كاملا في السابق ونواصل مجه الآن ولو جزئيا، والذي شكل حصنا منيعا ودرعا واقيا تنكسر عليه أمواج فكر المعارضة الوصائي، مما يجعل التفاعل مع مثل هذه المحاولات يشكل في حد ذاته نموذجا لتعارض فكر النظام السيادي مع فكر حركة النهضة الوصائي، في مقاربة مسألة الديموقراطية بشكل عام وحقوق الإنسان بشكل خاص. إن الأمر الذي نطمح إليه نحن المعارضة هنا في الخارج المتباينة في أفكارها المتقاربة في تطلعاتها، هو أن نساهم في بناء دولتنا الوطنية مع هذا النظام شرط أن يثوب إلى رشده، وألا يتنكر لما قامت من أجله الدولة التونسية سنة 1857 ، أي قانون عهد الأمان الذي أقر حرية التدين والمساواة في الحقوق العامة، وأن يحتكم إلى دستورنا الأصيل، دستور 1861 الداعي لتنظيم البلاد وصون حقوق الرعية لدى الحاكم. وعلى منهج إنساني يستند إلى فكر وطني المنابع، شمولي النظرة،كوني الأسس، سيادي المنهج. وكي نفوت الفرصة على العدو الخارجي الذي يريد أرضنا وطمس هويتنا العربية الإسلامية. قد نحى فكر حركة النهضة في المهجر وخاصة إيطاليا في السنين الأخيرة في شكل قوالب جاهزة، تصاغ من طرف بعض أبنائها في لغة إملائية، لا تأخذ بثقافة المُخاطب ولا بخصوصيته التي تشكل إرادته، وتقدم له أحيانا في ثوب الوصفة المثلى التي لا تقبل النقاش، باعتبار مصدرها حركة النهضة التي تتنزه في رأي مروجيها عن كل عيب. وهو ما يعكس ضربا من ضروب التعسف على مسار تفاعل المتلقي، والتنكر لإسهامه في نحت النضال القيم الذي بات يشكل رصيدا مشتركا بينه وبين الحركة. هذه المقاربة التي تنزلق في اتجاه الدغمائية والتحجر، لا تملك من المرونة والتفتح ما يؤهلها لإدراك ما للأفراد الأخرى من قدرات على الإبداع والإرتقاء الذاتي والسبق أحيانا والمحاكاة أحيانا أخرى. في إطار التفاعل من أجل الوطن، مع ما تقتضيه خصوصيات كل فرد من تهيئة وملائمة. ولعل كثرة الجمود وقلة التفاعل الحاصل مع أطروحات هذه الحركة اليوم، والتي في الأصل تنهل منظومتها وقيمها في المقام الأول من ينابيع الدين الإسلامي الحنيف، الذي نشترك فيه جميعا لدليل على حجم المعاناة التي تمر بها المعارضة العربية اليوم عامة، والإسلامية خاصة، والتونسية تحديدا، وقلة الإدراك في ترتيب الأولويات عند بعض أفرادها في ضل الحملة الأمريكية العالمية. أيتها المعارضة الشريفة في الخارج والداخل بجميع أطيافها، ويا أيها الأحرار داخل تونس وخارجها بمختلف رؤاهم، هلا نسيتم أننا نستلهم قيمنا من رصيد أعلام الفكر التونسي، مثل العلامة عبد الرحمان ابن خلدون الذي جعل الإنسان جوهر النظر تاريخيا وعمرانا، والذي غفل عليه كثير من ساستنا في الداخل وكثير من إخوتنا في الخارج، كما أن ثقافتنا ونماذج حقوقنا تغوص في عمق التجارب الوطنية، في مجال النهوض بأوضاع الرعية، تقسيا برواد الفكر الإصلاحي التونسي مثل أحمد ابن أبي الضياف وخير الدين باشا. هلا نسيتم أننا نستند إلى المخزون الزاخر للحركة الوطنية الباسلة في سائر حلقاتها، المؤصلة المكللة بأرواح الشهداء الطاهرة من أجل التحرر والإنعتاق من وطأة استعمار غاشم. هيا نستلهم اليوم رصيد القيم الرفيع الذي دفعنا ثمنه دماء زكية سقت الأرض لتنبت يوم 20 مارس 1956 شجرة الحرية، وينطلق التونسي في صياغة حقوقه الذاتية في إطار ملحمة تصاعدية. لنواصل ذلك المشوار حتى وإن شعر كثير منا في العقدين التالين بأن هذه المسيرة قد تعطلت بعض الشيء، ولنعاهد الله ثم الوطن بأن نعيد دوران عجلة التاريخ لصالحنا، بنبذ الوصاية على الغير عند حركة النهضة، والتي لا يصح لها أن تقلل من شأن بعض النجاحات في تطوير بعض أدوات الإدارة والبنية الأساسية المسجلة للنظام وتجاهلها في كثير من الأحيان. والتخلي عن الدكترة والتسلط عند السلطة الحاكمة، والتعتيم المتعمد الذي تنتهجه على الكل انطلاقا من الجزء. بل تحولها إلى مقياس أساسي للحكم على المعارضة في الخارج بأسرها، واتخاذ الذرائع لقمع الحريات تحت مسميات متعددة، وحسابات يعارضها فكرنا الوطني الأصيل لمفهوم الدولة. ويا أيتها المعارضة المستقلة الغيورة على الوطن وعلى قيمة الإنسان، التي لم تنتمي في السابق لأي شق ما، أنتم القادرون اليوم على قيادتنا إلى تلك الينابيع الوطنية الأصيلة التي بُنيت عبر التاريخ، دون التنكر إلى القيم الأخرى، وليكن يوم 20 مارس 56 بداية وليس النهاية، وليكن هذا التاريخ محفزا ومنطلق تكوين تيار ثالث مستقل لا عداء له مع أي جهة وطنية مها كان انتمائها، ومهما كان اتجاهها يسمى » تيار 20 مارس  » ينهل ويستلهم من ذاك التاريخ رصيدا لا يخضع إلى الإملاءات، بل يتم بصورة إرادية وبنسق يلتقي فيه جميع التونسيين الذين يصبون إلى منظومة قيمة متجانسة مشتركة لكافة مكونات الشعب، تشكل بدورها الأساس المشترك لبناء المشروع المجتمعي المنشود. تلك هي السبيل الأضمن لتحقيق التكريس الفعلي والمفيد لحقوقنا كمعارضة مستقلة بعيدا عن المزايدات المفضوحة، التي يمارسها فكر حركة النهضة الوصائي، أو منطلقات حب الهيمنة وفرض السيطرة والشمولية في فكر الحكم السيادي المتسلط المهيمن على كل شيء في بلادنا. إن هاته المبادئ ليست بناءا نظريا منعدم الجذور، بل هو إفراز حس وطني عميق شكل سمة أصلية انطلقت من أرض تونس عبر السنين، سمة اخترقت المزايدات التي تداولت على أبناء تلك الربوع، دون أن يخفت نورها، بل إنها باتت تمثل عندي إحدى ركائز الهوية الوطنية، فتحولها إلى معركة تجديدية إصلاحية لا تنتهي إلا باسترجاع رشد النظام، على ضوء اختيارات وطنية تضع الإنسان في جوهر اهتمامات الدولة. أو تكوين نواة ثالثة تجمع ما بقي من الأحرار خارج إطار الدولة، وخارج إطار المعارضة التقليدية. فمن هذا المنطلق الفكري المستنير وحده، وبإرادة ذاتية تترجمها رؤية خصوصية ويعكسها منهج ونسق وطنيان، يمكن أن نشكل نموذجا يحتذى به في باب المقاربة الوطنية، وتغيير مفهوم السيادة الذي يذوب بمقتضاه كل الفوارق، لتتحقق كينونة الدولة وريادة الفرد فيها. (المصدر: موقع الحوار.نت (ألمانيا) بتاريخ 10 جوان 2007)

 

 


 

 

 

 


 

 

 

 


 

 تذكير من أجل التعديل قراءة غير صامتة في طروحات الدكتور عبد اللطيف المكّي  (1)

 الطاهر العبيـــــدي taharlabidi@free.fr بعيدا عن التموضع في خانة ما، أو اختزال جهد طرف ما، أو حجب إنجازات جهة ما، أو تسطير الآراء والمواقف المتقاربة أو المتباعدة، أو المتجانسة أو المتخالفة، أو المتناغمة أو المتناطحة، أو المتعاطفة أو المتقاطعة، أو الرافضة أو المتعاظمة، أو المتعانقة أو المتنافرة… سنحاول هنا تفكيك المفردات السياسية التي أثثت رؤى الدكتور عبد اللطيف المكي، الأمين السابق للاتحاد التونسي للطلبة، الذي سعى من خلالها إلى ضخّ جملة من الإشارات الإيحائية، والفواصل التوصيفية السياسية عبر جسر مجلة أقلام أون لاين الإلكترونية في عددها الثامن بتاريخ جويلية 2003، والذي حاول من خلال تعابيره تخطّي الرسوب السياسي وحالة التأرجح والضبابية، واختراق المشهد السياسي التونسي الذي ظل رهين الملف الحقوقي، ومراوحا بين البيان والبيان المضاد، رغم تحقيق العديد من الخطوات الإيجابية في هذا المجال، ورغم ما كان ولا يزال لهذا الملف من حضور وأهمية وضرورة على الساحة المزدحمة يوميا بحالات استعجاليه، تستدعي الاستنفار والتمركز على حدود التماس والإبقاء على حالة التأهب والانتباه، معتمدا في ذلك على المعايشة الحسّية للجغرافيا السياسية بكل تضاريسها، وهضابها المرتفعة حينا والمنخفضة أحيانا أخرى، مستندا إلى الالتحام بالأرض الملتهبة بسياط السجون ورطوبة المعتقلات، التي نهشت الأجساد ونهبت الأعمار…        الآثار والمنعطف إن المتمعّن في خطاب عبد اللطيف المكّي، يكتشف أن السجون التونسية وإن كانت قد تفنّنت في سجن الأجساد ومحاولة تدميرها، فإنها فشلت في اعتقال العقول التي ظلت طليقة رغم كل أساليب المحاصرة وصنوف التضييق، كما أن كل أنواع القهر السادية داخل مستودعات المعتقلات، لم تفلح في طمس الشخصية المدنية لدى البعض، الذي بقي متشبثا بعدالة القضية، وروح عالية في التسامح السياسي والسمو الأخلاقي في جعل ملفه ملفّ عدل وليس ملف حقد، من ذلك ما يعنون به خطابه  » عفو تشريعي عام مقابل عفو قلبي عام  » الشيء الذي يزيد من احراجات السلطة تجاه هذا التوجه، وتجاه هذه الأيادي الممدودة رغم الجروح العميقة التي تخفيها الضمائد، لترتجّ كل التفاسير المعتمدة على تجريد هذه الشريحة من الصفة السياسية، وتصنيفها ضمن زاوية محترفي العنف والإرهاب، بل تتضاعف هواجس السلطة من هذه الإشارات الأرضية، التي تقتحم عقر دارها لتزيد من الإنجرافات بين الخطاب والممارسة، وبين مواقف تيار تتشكّل ملامح بصمات طرحه حول ردم شروخ سنوات الجمر، وأولوية المرور وعدم الرسوب في منخفضات الأحقاد والثارات كما عبر عنها بقوله:  » من أجل الخروج بالبلاد من وضع التناحر إلى وضع يعمل فيه الجميع من أجل المصلحة الوطنية العليا للبلاد  » وبذلك تكون السلطة مغلولة بهذا الموقف من سجناء بالأمس كانوا في سراديب معتقلاتها يتلقّون كل صنوف التعذيب، ولا زال الكثير منهم تحت قصف الحقد المسلّح، وحتى أولئك الذين أطلق سراحهم فإن أغلبهم صاروا رهائن التضييقات الإدارية، واليوم يقابلون هذا التصلّب بالتعبير  عن رؤاهم السياسية المعبأة بشحنات من الوطنية والمسكونة بالحسّ السياسي المتجاوز للمضيق، وبذلك تجد السلطة نفسها في مفترق الطرق، فلا هي طيلة هذه السنوات استطاعت أن تثبت ماديا تورّط هؤلاء في مساحات العنف، ولا هي استطاعت أن تفتح نوافذ تتسرّب منها رياح الأمطار لترشّ الحالة الأمنية التي أضحت عنوانا لمرحلة التهمت كل طاقات البلاد، وخيّمت على كل عناصر الحياة الوطنية، يضاف إلى ذلك الوضع الإقليمي الذي لا شكّ له تأثيراته الآنية أو المستقبلية، فمن جهة هناك الجزائر التي طيلة السنوات السوداء لم تغلق نوافذ الحوار والتقدم بخطوات بهذا الاتجاه، آخرها إطلاق سراح زعيمي جبهة الإنقاذ الإسلامية علي بالحاج وعباس مدني والسماح للأخير بالسفر للعلاج بالخارج، وقبلها كان قانون الوئام الذي خفّف من وطأة الاحتقان،  ومن جهة أخرى هناك المغرب التي تحاول  نسبيا المحافظة على بعض التوازنات السياسية والمعادلات الحزبية…  » عفو تشريعي عام مقابل عفو قلبي عام  » بهذه المفردات ذات الدلالات الأخلاقية المتطابقة روحا وفعلا بين الأقوال والأفعال،  عنون عبد اللطيف المكي بداية نص حديثه، قد يقول البعض هذا رأيه والمحاسبة هي تطهير للمناطق المعتلّة لإعادة البناء السليم، ويقول البعض الآخر  » أحسن إلى من أساء إليك « ، ويقول آخرون  » العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم »، ويقول فريق آخر  » عفا الله عمّا سلف » وغيرهم يقول قد دفعنا الكثير من شبابنا، من طموحنا ومن أعمارنا إذا فالمحاسبة هي ميزان العدل،وآخرون يقولون  » هذا الكلام هو تمييع للمطالب الموضوعية  » وبين قول هذا وذاك يكون تنضيج الرؤى وتحريرها من الأنا المتضخمة على حساب الوطن الذي يحتضن الكل دون استثناء، وتحت سماء علم يستطيع أن يظلل الجميع هو الممر للصعود والانطلاق. التمايل بين الموقف ونقيضه ولئن كانت المواقف المتناثرة هنا وهناك مشدودة بعشرية سنوات الشروخ العميقة، وحالة التمايل بين الموقف ونقيضه، فإن عبد اللطيف المكي تجرّأ في نزع اللثام عن تلك الأحاديث الخافتة والصامتة حينا، والمتوترة والمنفعلة أحيانا أخرى في الزوايا والكهوف، واختراق حالة التململ لتفتح مناطق الظل، التي تسرّبت منها بعض الإشارات حول كيفية معالجة هذا الملف بطرق خافتة وغير ضوئية، من ذلك ما تسرّب ويروج عن قيام حركة النهضة بتوسيط شخصية عربية، أثناء وجود الرئيس زين العابدين بالبقاع المقدسة لأداء مناسك الحج، قوبلت بالرفض من طرف هذا الأخير، تبعتها رسالة تهنئة شخصية مباشرة إلى الرئيس زين العابدين بن علي بمناسبة عودته من الحج ظلّت كذلك بلا ردّ، في خطوة تسعى على ما يبدو لفتح جدار في أسوار السلطة لمحاولة إقامة حوار جوّي، ممّا يجعل هذا الخبر إن ثبت في غاية الحساسية، قد يخلق ثقوبا وشقوقا تتضاعف فيها عناوين القرارات الفردية، والتفلّت من النسيج المؤسساتي الذي وإن بدا طيلة سنوات التيه المهجري فخّاريا، فإنه يصبح أكثر زجاجية عندما يتخطى قواعد الشورى الواسعة للقواعد، التي غيّبت عن هذا المنعطف الذي ينبأ بتغيير مسار سياسي كامل، حين تتخذ القرارات المصيرية بمنتهى السرية نيابة عن القواعد، والاكتفاء برأي خلية دون تشريك البقية. القابض على الجمر ليس كالقابض على أزرار الكمبيوتر وفي المقابل فإن طروحات عبد اللطيف المكي تبرز مسافة الزمن السياسي بين واقع الداخل المثقل بأوزار السنين العجاف، وبين ظروف الخارج المهموم بهذا الملف وتراكم الضغوطات النفسية. فبدا عبد اللطيف المكي هذا المستيقظ من وراء عشر سنوات سجن، ولم تكن يقظته هذه فيما نعتقد وليدة سنين الاعتقال، بل هي امتداد لعقل ولعقول لم تنقطع عن التأمل والتفكير، زادته المحنة إضافة أخرى مما يجعله يخترق حالة التأرجح، ليعبر عن رؤيته ورؤية البعض بشكل علني بعيدا عن أشكال المعالجات الأحادية والمبادرات الفردية، التي تحكمها النوازع البشرية والخلاص الفردي، أو التعطش للظهور على الساحة، واستعجال البروز من وراء نصوص وتأملات مريحة أمام شاشات الكمبيوتر، كما عبّر عنها في قوله  » السعي للمعالجة السياسية التي سيستفيد منها الجميع وليس المعالجات الجزئية التي سيستفيد منها أشخاص  » المواطن محاصر في الداخل ومغيب من الخارج هذا ولا يمكننا هنا أن ننفي أن هذا الخارج الذي كان محكوما بضغوطات المحنة والتخبط في هموم الاستقرار وامتصاص الضربات القاسمة، قد نجح إلى حد وبعد جهد كبير في تمزيق اللثام عن الواقع الحقوقي الكالح، واستطاع أن يمسح المساحيق التي تخفي تناقضات السلطة بين الخطاب والممارسة واستطاع أن يوضّح للعالم الصورة الحقيقية  » للمثال التونسي » وقد ساهمت في هذا الفعل كل مكوّنات المجتمع وفعّالياته في الداخل كما في الخارج،أفرادا ومنظمات وأحزاب وجمعيات وشخصيات وأطر إعلامية وعائلات فكرية وكل شرفاء هذا الوطن، غير أن هذا الخارج ورغم ما حققه من إنجازات في هذا المجال، إلا أنه بقي في عمومه محلّقا في الفضاء ولاح تواصله مع الداخل عبر الجسور الجويّة، حيث لم ينزل إلى البر ليتواصل تواصلا أرضيا مع المواطن، الذي ظل غائبا عن إنجازات الخارج ولم يقع تفعيله ميدانيا… ولكي لا نغوص كثيرا في جدل لم نختره ولكن اللحظة التاريخية فرضته، نعود من حيث بدأنا، لنواصل استنطاق خطاب عبد اللطيف المكّي الذي بدا مترجما لأفكار ورؤى شريحة من الداخل، التي على ما يبدو ترغب في الأخذ بناصية المبادرة وتولي الأمور،  ذلك لأن القابض على الجمر ليس كذاك القابض على أزرار الكمبيوتر في فضاء أوروبا، والسابح بطمأنينة في مواقع الانترنيت خلف المكاتب المريحة … كما ظهر جليا في أراء عبد اللطيف المكّي السعي إلى تثبيت قدرة الداخل على توصيف الوجع السياسي وإعطاء جرعات تحليلية ووصفات تغييرية  » العلاج يكون بتحقيق مكسب سياسي  » حتى لا يكون ملف المساجين سوارا يتجرأ على وضعه من كان معصمه مقضوما، وأصابعه تحترف غزل الكلام، ويداه قادرة على وضع أكثر من سوار مختلف في نفس المعصم، حيث يشير إلى علامات المرور، وعدم الرسوب في مناطق ضباب العيون وضباب الموقف السياسي حين يقول  » إنه بقدر ما تتمسك برأيك الذي تعتقد إنه صحيح وتناضل من أجله بقدر ما تسعى إلى اعتماد أسلوب إسلامي يقرّب ولا ينفّر أسلوب يجعل الفكر فوق كل شيء فوق المشاعر وفوق الأحقاد »  هذا ولا يمكننا أن نختزل ما يستشف من حوار عبد اللطيف المكي أن هذه الرؤى قد تكون تيارا داخل التيار وليس رأي فرد كما ذكر في قوله:  » هذه الروح موجودة  » الخطوط الجيوميترية للرسم السياسي والفكري وبالتأمل الهادئ بين ثنايا السطور، نستطيع أن نقرأ ملامح الخطوط الجيومترية للرسم السياسي لهذا التوجه المستيقظ من الداخل، الذي بدأ  يؤسّس إلى تخليق السياسة، وجعل المبادىء متطابقة بين القول والفعل، وبين التنظير والتنزيل، والأخلاق دعائم للفعل السياسي الذي يستند إلى مرجعية تطبيقية، تتجاوز الحدود النفسية والذاتية لتغذي القيمة الإنسانية دون ازدواجية، كما ترجمتها عباراته التي تدعم هذا التوجه  » فرقا بين الذي يفكر بعقله وبمنطقه وبين الذي يفكر بالحقد « ،  » القصاص  في رأيي أن تعطي الأولوية في اجتثاث هذه الممارسة  » وبالتدرج بين ممرّات هذه الطروحات الحبلى بالأفكار، والتي ربما يكون لها أثر في تلوين الخريطة السياسية التونسية مستقبلا، وترجيحا تجديد الممثلين على ركح الأحداث، ومحاولة ضخّ دم جديد قادر على الإنعاش والانتعاش… كما يمكننا أيضا ومن وراء ذبذبات هذا الخطاب التقاط الأبعاد السياسية التي ترجمتها عبارات عبد اللطيف المكي، الذي لا نعتقد مرة أخرى أنها تعابير فرد، بل على الأرجح هي أفكار شريحة كبيرة في الداخل والخارج لها وزنها وتاريخها وحضورها، تريد صنع الحدث بنفسها وتوليّ جدولة الملف، وعدم الرغبة في ترك ملفها في المزاد العلني بعدما تأكّدت من عدم نجاعة الحلول الفضائية وحالة الترقب والانتظار التي طال عمرها، بالإضافة إلى عدم الرغبة في تدويل الملف وجعل الحلّ تونسيا / تونسيا كما جاء في كلام عبد اللطيف المكي حين قال  » …متابعة ممارسي التعذيب قضائيا بالداخل أو الخارج لا يعتبر الحل المناسب للمشكل وأن الحل يكمن في السياسة والمنهجية التي أنتجت هذه النوعية من الأفراد… » « أجمل ما في البناء ما لا يُـرى » (2) وإن كانت هذه الدلالات السياسية والمحطات الرابطة بين الحضور والمرور   تؤكد على معايير سياسية أكثر وضوحا ورفضا للاستنساخ، فإنها أيضا لم تهمل الانفتاح على تأسيس وعيا آخر في التعامل مع التيارات السياسية الأخرى التي تشاركها بعض الهموم، ولا تقاسمها نفس التوجه وتقاسمها الأرض والوطن، فإذا كان التعامل مع السلطة بهذا الشكل المدني وهي الخصم السياسي الذي كان سبب الوجع، فالأكيد أن تعاملها مع باقي التيارت والعائلات سيكون أكثر شفافية وأكثر مبدئية، مما يجعل اللعب يتحول إلى مدارج السلطة التي آن الأوان أن تكون أكثر واقعية، وأكثر براغماتية واكثر فقها بالواقع وبالمحيط، وأكثر وعيا بالمرحلة التي ستكون متحركة ودقيقة من حيث المعادلات المستقبلية والتغيرات الداخلية… ولم تقتصر هذه الرؤى الطليقة ما بين السطور على إعادة البناء والتشكّل القيمي، بعيدا عن ثنائية الصراع وتشريح الواقع الوطني والمساهمة في بعض الحلول، بل تجاوزت المربع الجغرافي التونسي لتلامس وتجسّ الواقع الإقليمي والدولي، واستيعاب الأحداث والتقاط التحولات الجيوسياسية وإدراك المعادلات الدولية، وفقه لغة مصالح الاستراتيجيات العالمية كما تدلّ المصطلحات المتتالية والمتلاحمة في قراءة المحيط  » خصوصا أن الأنظمة العربية تمعّشت من التناقض بين المعسكرين الشرقي والغربي بما يسمح لها بهامش من الحرية أو الدلال »  » أصبحت السياسة الغربية تعتمد على توظيف التناقضات الداخلية في البلاد العربية وهي توظفها من أجل أن تستفيد منها »  » الأنظمة الغربية موجودة لخدمة شعوبها ونحن لا نلومها على ذلك علينا في المقابل أن نخدم مصالح شعوبنا » وبعد محاولة إعراب الجمل السياسية المنسوخة والمنطوقة في خطاب عبد اللطيف المكّي، وبعد تنقيط الأفعال الدالّة على أن الداخل بدأ يدرك أنه الرقم  الضرورة في أولوية مسك القضية، واستدعاء كل الأطراف للانتباه إليه، مفضّلا طرح ملفّه تحت أشعة ما فوق السمر السياسي، وما فوق التنظير والتحليل وما فوق الأفعال المعتلة ورطوبة الأقاويل… تبقى الأسئلة المزدحمة والمتشابكة أفقيا وعموديا، إلى متى ستدوم مأساة مساجين الرأي؟ إلى متى ستظل السلطة خارج دوائر المنطق؟ إلى متى سيظل الوضع بهذه القتامة إلى متى هذا الانهيار؟؟؟… ويبقى السؤال الساخن هل هذه الطروحات هي رؤوس أقلام أم رؤوس أفكار أم رؤوس تيّار… —————————————————————————————————————–  (1) الدكتور عبد اللطيف المكي: طبيب ومناضل سياسي وهو الأمين العام السابق للاتحاد العام التونسي للطلبة قضى 10 سنوات سجن من 1991 إلى غاية 2001 (2) إحدى مقولات سعيد تقي الدين : أديب وسياسي لبناني *************************************************************************** المصـادر ◙ موقع وكالة تونس نيوز www.tunisnews.net   العدد 1199  السنة  الرابعة بتاريخ /  1 – 9  2003 ◙ موقع مجلة العصر www.alasr.net  بتاريخ / 3 – 9 – 2003 ◙ موقع الوحدة الإسلامية www.alwihdah.com  بتاريخ / 9 – 9 – 2003  

 

 

 


 

 

في الرد على السيد محمد النوري

الجواب الشافي على مشروع المصالحة الحافي

 

السلام عليكم أخوتي،

إلى الذين تتقد عيونهم الصغيرة شررا حين تلتقي بنص لفلان أو علاّن و ترتخي ذلا في مواضع أخرى كثيرة لا يحصيها الا الله و علماء النفس.

يعلمنا هؤلاء، أي علماء النفس، بتخصصهم أن الدفاع المتوتر و الدفع في كل اتجاه، في حقيقته دفع عن « حمى » ليست موضوعا ظاهرا في الحديث و السباب الدائرة رحاه. و لكن كيف يمكن أن نكتشف هذا الحمى موضوع الدفاع المستميت؟

انهم يريدون أن نشعر أنهم يبذلون الجهد في البحث عن الحقيقة و كتاباتهم مرصعة بآيات القرآن الكريم و حديث رسول الله صلى الله عليه و سلّم… و سنرى كيف تمرّ الحقائق أمام أعينهم الصغيرة و لا يرونها..

لم يسأل أحد من هؤلاء السيد محمد النوري عن أي كلمة في حديثه الطويل بتاريخ 08 جوان 2007(1) ؟!!

لم يسأل أحد من هؤلاء السيد الفاضل البلدي عن أي كلمة في مقاله بتاريخ 05 جوان 2007(2) ؟!!

 

قلب حديث هؤلاء و لبه و أصله و حجّتهم أن طلب المصالحة لم يقابله عرض من السلطة في تونس.

و يقول السيد محمد النوري:

«  ورغم هذا الوضع القاتم لا يمكن تجاهل ومضات إيجابية وبصيص من الأمل في تحول الأوضاع إلى هامش من الانفراج المحدود الذي يجب على أنصار خط التصالح والوفاق أن يسعوا إلى توسيعه قدر الإمكان والبناء عليه للتقدم تدريجيا نحو الهدف.« (1)

 

و يقول في موضع أخر:

«  أما القول بان السلطة لم تصدر منها إشارات عملية في هذا الاتجاه، فهو كلام غير دقيق ويحتاج إلى تصويب. إن سلوك السلطة تجاه الحركة خلال السنوات الخمس الماضية على الأقل ، شهد بعض التطور الايجابي وان كان لا يزال منقوصا ودون المأمول بكثير ولكنه يختلف كليا عن السنوات العجاف التي سبقت. المطلوب ليس إنكار هذه الحقيقة والترفيع غير المجدي في سقف المطالب ولو كانت مشروعة ، ولكن الحكمة تقتضي تسجيل الإيجابيات وتعزيزها بسلوك أرْشد في اتجاه تفكيك الأزمة وليس في اتجاه تكريسها. » (1)

 

تناول السيد محمد النوري موضوع المصالحة و أظنه بين القصيد و سبب الحوار، لكي يرسل إشارات إلى إتباع الحركة لتصحيح المسار الجاري فيه الجدل الآن. و هو يردّ بذلك على ما قاله رئيس الحركة في حوار بتاريخ حيث قال بتاريخ  06 جوان 2007 « ونحن لم نر من السلطة القائمة ميلا إلى التصالح لا معنا ولا مع غيرنا« (3)

و جواب السيد محمد النوري دقيق حيث يقول بتاريخ 08 جوان 2007 «  أما القول بان السلطة لم تصدر منها إشارات عملية في هذا الاتجاه، فهو كلام غير دقيق ويحتاج إلى تصويب.« (1)

ثم يوضح في موضع آخر فيقول:

«  صحيح أن السلطة غير حريصة  في هذه اللحظة على المصالحة بالمفهوم الذي تبلوره رؤية التصعيد والمغالبة في أوساط المعارضة وفي داخل الحركة أيضا ولكن كيف يرجى من الطرف الأقوى والمهيمن أن يكون حريصا على ذلك في حين أن الضحية التي تعاني المأساة ليست أحرص منه ولا يدل سلوكها في كثير من الأحيان على شيء من ذلك؟«  (1)

 

« أما  الخطاب الآخر فانه لا يساهم في الواقع إلا في إنعاش التشدد وتكريس الانغلاق ودفع الطرف الآخر إلى المزيد من الهروب إلى الأمام وتأجيل الإصلاح في حين أن  الخطاب الراشد والمسئول أكثر إحراجا واشد وطئا و ادعى للمراجعة« (1)

 

و رفعا لأي التباس على القواعد، يقول السيد محمد النوري:

« إذا كان هناك  من يراهن على حركة 18 أكتوبر من أجل إحداث التغيير والتداول على السلطة وتحقيق الديمقراطية المكتملة فهذا عين الوهْم.«  (1) 

 

لماذا لم تعلق بعض الأقلام المحمومة على كلام السيد محمد النوري لماذا لم تسأله أي سؤال؟

 

هل هناك توصية بعدم الخوض معه في أي حديث؟ لا أتصور ذلك  و لكنه حقيقة اتفاق مصالح يجعل اتجاه « الحرب » واضحا عند هؤلاء. تتفق مصالحهم مع الوضع القائم، هم محافظون بامتياز.

 

كيف يقولون ان شروط الحوار منتفية ثم يجدون من قيادات الحركة من يقول عكس ذلك و لا يسألونه نصف سؤال؟ كيف؟

 

هل يمكن ان يعتقد أحد الأن أنكم تبحثون عن الحقيقة؟ أو أنكم تريدون أن تلقنوننا الحقيقة ككل الحقائق التي سارت عليها الحركة.

 

هناك حل أخر، لا تعب و لا أتعاب، هو التجمع حول قيادي قديم كما فعل أخوتكم في مدينة بيان السويسرية و إرسال نداءات التزكية و التعظيم للحركة و قيادتها الحكيمة…

 

كيف يمرّ هذا الكلام أمام أعينهم الصغيرة و لا يرونه، كيف لا يبذلون الجهد في البحث عن الحقيقة و طلبها و السؤال عنها و هم يرصعون كتابتهم بآيات القرآن الكريم و حديث رسول الله صلى الله عليه و سلّم.  

 

أن هؤلاء الكتبة لا يبحثون عن الحقيقة! تتفق فقط مصالحهم مع الوضع القائم، هم رجعيون بامتياز.

 

السيد محمد النوري من سربهم، قائد من قادتهم، و لا حرج في الانتباه إلى ما يقول و سؤاله و البناء على أجوبته إذ تبين مطابقتها للواقع.  أن ذلك أمر جائز حزبيا يا أيها المتحزبون ذوي العيون الصغيرة!

 

أريد ان ألاحظ أن السيد عبد الحميد العداسي قد ثمّن أحد النقاط الهامة في مقال السيد الفاضل البلدي(2) و بنى على ذلك موافقته بعد تعديلات طفيفة على مشروع مصالحة طرحه أحد الأخوة و قال فيه تعليقا على احد نقاط المشروع « وقد تُجبّ كلُّ تلكم المطالب إذا أبدت السلطة ندما واستقامة على ما يجلب المصلحة للعباد والبلاد « (4)!!!

ستنتظر طويلا يا سيد العداسي قبل ان تبدي السلطة ندما و استقامة على ما يجلب المصلحة للعباد والبلاد!!! و في الأثناء يمكن أن تراجع بدقة و بأعين مفتوحة، مقال السيد الفاضل و تسأله لماذا كتب ما كتب و ما هي أدلته على أخطاء الحركة؟

يمكنك أن تطالع بدقة و بأعين مفتوحة مقال السيد محمد النوري فهو كذلك يقول:

« ولكن ما يحسب عليها ليس بالهيّن أيضا. فقد دخلت في اشتباك خاطئ وغير محسوب والدخول في معركة غير متكافئة ومحسومة النتائج سلفا. ولا يعفيها قبولها للاستدراج من المسؤولية ولا شراسة الهجمة الاستئصالية التي تعرضت إليها.

 كان من الأجدى والأصوب على القيادة الإنصات لأصوات التهدئة والتعقل والصبر التي أطلقت في الإبان من قبل العديدين في صفوفها. »(1)

و يمكن أن تتواصل معه حول هذا الموضوع على صفحات النت، فتستفيد و تفيدنا نحن كذلك.

 

المطلوب الآن:

 

«  القطع نهائيا مع منهج الاشتباك والتصادم والمغالبة والتأسيس لانجاز وفاق وطني شامل لإنهاء الضغائن والأحقاد وإعادة صياغة علاقات إيجابية تضامنية بين الدولة والمجتمع.« (1)

 

السيد الهادي بريك صاحب القلم السيّال لم يجد بعد الوقت للرد على السيد محمد النوري رغم أن في مقال الأخير إجابات وافية على  « رسالته المفتوحة إلى الدكتور الهاشمي الحامدي » (5) « رفيق دربه في حركة النهضة سابقا ».

 

في مقال السيد محمد النوري علم و توازن في الحديث على السلطة، حري بالسيد الهادي بريك أن يتعلم منه و يبحث في نص حديثة ما يستبدل به جملته العزيزة عليه « عصابة الفساد والنهب المتصهينة في تونس » للحديث عن السلطة بكلام يستعمله من يخوضون في السياسة و يتفق أكثر مع علم و تقوى نحسبكم من أهلها و لا نزكي على الله أحد.

 

في الخلاصة و حتى نرد الأمر لمن سبق إليه نقول: كان الله في عونك يا دكتور محمد الهاشمي الحامدي، و زادك توفيقا لقد ناديت ب « القطع نهائيا مع منهج الاشتباك والتصادم والمغالبة » قبل الأن… ندعو لك المولى عزّ و جل لمزيد من التوفيق، و فرج الله على يديك كربا كثيرة كما حصل سنة 1999 فخرج من السجون قرابة 700 إسلامي. جعلك صابرا محتسبا أمرك لله وحده و زادك توفيقا.

 

أخوتي الأعزاء:

 

مشروع المصالحة لن يبقى حافيا يراوح مكانه إلى ما لا نهاية له. سينتعل، و ينطلق إلى مزيد من الخير لبلادنا تونس بعون الله تعلى. فطوبى لمن ساهم في هذا الخير.

 

معز السليماني

ايطاليا

 

 

<! حركة النهضة التونسية 26 سنة من الظهور السياسي: الزرع والحصاد 08 جوان 2007 تونس أنلاين

http://www.tunis-online.net/upload/up/Mohamednouri080607.htm

(2) الأستاذ الفاضل االبلدي: في ذكرى تأسيس الحركة

http://www.alhiwar.net/vb/showthread.php?t=9553

(3) الحوار.نت في حوار شامل صريح مع الشيخ راشد الغنوشي

http://www.alhiwar.net/vb/showthread.php?t=9564

 (4) نعم للصلح (المصالحة) الذي أشار إليه خالد

http://www.alhiwar.net/vb/showthread.php?p=45943#post45943

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رسالة جوابية للأخ عبد الرحمن الحامدي

 

د. محمد الهاشمي الحامدي

أخي العزيز عبد الرحمن الحامدي

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

 

أعدت قراءة مقالتك التي نشرتها الأسبوع الماضي. وأود أولا أن أثني مجددا على ما تميزت به من أدب رفيع وخلق كريم يجعلها نموذجا يحتذى به في التعامل بين المختلفين في الرأي حول شأن المصالحة.

 

لاحظت أنك لخصتَ موقفكَ في عدة أسئلة مهمة طرحتها في القسم الثاني من المقالة، صُغتَها كما يلي:

 

« هل تراني أتحمل العودة إلى بلد (على فرض أني سآمن فيه على نفسي و على أسرتي) و أنا أعلم علم اليقين أن فيه كرامات تداس وأجساد تنتهك حرماتها حتى الموت أحيانا؟!

أتراني أقدر على لعب دور الشيطان الأخرس وأنتهج مبدأ( أخطى راسي و اضرب) أو مبدأ (نفسي نفسي) و أنا الذي سجنت و عذبت مع الآلاف غيري من أجل هدف واحد آمنت وآمن به كثيرون (و ما زالوا فيما أحسب) ألا وهو إحترام كرامة الإنسان بأبعادها كلها و تحريره؟!

ما ينفع يا أخي الكريم إنخراطي في الأحزاب المعترف بها والسلطة في بلدي لاتسمع و لا ترى إلا ما يتفق مع فكرها و لا يوقفها شيء إسمه حرمات؟

يا سيدي ما فائدة الإنجازات( رغم إقراري الشخصي بها وسعادتي بإستفادة ملايين التونسيين منها) وهناك تونسي واحد أوأكثر تسلم جثثهم إلى أسرهم وهم إما مهشمو الرؤوس أو لا يقدر أحد من أفراد عائلاهم أن يتعرف عليها ثم يدفنون تحت جنح الظلام؟؟!

يا أخي ما سجنت لأتحمل حدوث هذا اليوم في تونس و ما سجنت ليأتي يوم وأسكت عليه وعلى ما هو أقل منه وإن كان مقابله تفيؤ ضلال شجر الزيتون بأمان و رؤية الأحبة في بلدي الحبيب.. . (انتهى النقل عن الأخ عبد الرحمن الحامدي)

                                     

جوابي حفظك الله هو الآتي:

 

إن كل ما تتحدث عنه يتصل بأوضاع الإسلاميين التونسيين دون غيرهم، أو قطاع معتبر منهم. وهذه الأوضاع هي حصيلة عدة مواجهات مع السلطة التونسية، في عهد الرئيس بورقيبة رحمه الله، وفي عهد الرئيس زين العابدين بن علي.

                            

بحسب ما كتبه قياديون بارزون في حركة النهضة خلال الأيام القليلة الماضية، فإن قيادة الحركة تتحمل مسؤولية كبيرة في كل واحدة من هذه المواجهات.

 

في العالم العربي، عندما يغامر حزب بطلب السلطة مرة أو مرتين، فإن عليه، وعلى أنصاره تحمل مسؤولية خيارهم. أنت رجل مثقف ومطلع وتعرف نتائج مثل هذه المغامرات، سواء طُلبت السلطة عبر صناديق الإقتراع أو بالإنقلابات العسكرية.

 

هذه هي المرحلة التي يعيشها جيلنا. إذا سألت نفسك بكل موضوعية، كيف كان الإسلاميون سيتصرفون لو كانوا في السلطة، واكتشفوا أن حزب البعث مثلا أو الحزب الشيوعي أو غيره يحاول الوصول إلى السلطة بالإنتخابات أو بانقلاب عسكري، ويعتمد على تنظيم سري منتشر بطول البلاد وعرضها؟

 

من أجل ألا نغرق في النظريات والإفتراضات الخيالية، تأمل تجربة السودان وإيران، لتتأكد أن إشكالية الحكم وانتقال السلطة في العالم العربي مازالت إشكالية معقدة للغاية.

 

تساءلت أخي عبد الرحمن في مقالتك: « أتراني أقدر على لعب دور الشيطان الأخرس وأنتهج مبدأ( أخطى راسي و اضرب) أو مبدأ (نفسي نفسي) و أنا الذي سجنت و عذبت مع الآلاف غيري من أجل هدف واحد آمنت وآمن به كثيرون (و ما زالوا فيما أحسب) ألا وهو إحترام كرامة الإنسان بأبعادها كلها و تحريره؟! » (انتهى النقل)

 

أتوقع أخي الكريم أن السلطة في تونس، وقطاعات معتبرة من النخبة التونسية، لا تنظر لمشروعك كما صورته في سؤالك. إنهم يرون أنك سجنت وعذبت بسبب عملك ضمن تنظيم سياسي استخدم الدين للوصول للسلطة، وأنشأ تنظيما سريا معقدا لتحقيق هذه الغاية، وفكر يوما في الوصول لأهدافه بطرق أخرى.

 

إذا نظرت لكل أسئلتك الأخرى ضمن هذا الأفق الذي يحكم العلاقة بين السلطة والإسلاميين في تونس خلال أكثر من ثلاثة عقود، فستفهم حقيقة ما جرى ويجري.

 

وإذا نظرت إليه مقارنا بتجارب دول أخرى، فستجد أن الأضرار التي نجمت عن هذه السياسة على ضخامتها، أقل حجما ودمارا مما جرى بين جبهة الإنقاذ والسلطة في الجزائر، أو بين الإخوان والسلطة في سوريا.

 

لذلك كله، ارجوك بإلحاح كبير، أن تفكر معي جيدا في هذا السؤال:

 

أليس هناك احتمال بأن السؤال الذي ينبغي أن يحظى بالأولوية لدى كل الإسلاميين التونسيين هو: كيف نفتح صفحة جديدة في تاريخ بلادنا، صفحة متحررة من آثار عقود الصدام بين السلطة والإسلاميين، ومن أخطاء الماضي؟

 

ليست المسألة أمرا شخصيا يخصك ويخصني ويخص الإسلاميين التونسيين المقيمين في الخارج.

 

الأمر متعلق بمستقبل بلادنا. ومن أجل ذلك، أرجوك مجددا، أن تنظر فيما إذا كان هناك احتمال واحد لتوافقني الرأي حول أولية هذا السؤال.

 

أنت تعيش في سويسرا، وأنا أعيش في لندن. ولدينا بفضل الله فرصة نادرة للتفكير مليا في هذا الشأن، بهدوء وعمق وتجرد.

 

ما أعرضه عليك، وعلى كل الإسلاميين التونسيين، هو الإعتراف بأخطاء الماضي والبدء من جديد. فتح كتاب جديد متحرر من أخطاء الماضي.

 

تونس في حاجة لتيار جديد، يساهم في تعزيز مكانة الإسلام كمرجعية لمجتمعنا كله لا أن يستخدمه للفوز في الإنتخابات.

 

وهي في حاجة لتيار يرى سعادته في رؤية المساجد معمورة بالذاكرين والذاكرات، الراكعين والراكعات، الساجدين والساجدات، وليس في تحويل المساجد لشعبة من شعب التنظيم ومكان لتجنيد الأنصار للحزب.

 

تونس في حاجة لتيار يتخدم العقل والحكمة من أجل ألا يجعل التدين في مواجهة السلطة، وإنما من أجل أن يقرب بينهما إلى أبعد حد.

 

أخي عبد الرحمن: إن مقالتك تظهر أن الله تعالى حباك العقل والحكمة وحسن الأدب. زادك الله من فضله وبارك فيك وفي أهلك وسائر من تحب. أرجوك: فكر معي في هذه الأمور لساعة واحدة، بتجرد من الإعتبارات الطائفية والحزبية.

 

تذكر أخي العزيز: الوطن قبل الحزب. الإسلام قبل الحزب. وما أدعوك إليه هو أن نبدأ مسيرة جديدة، صحيحة، تقودنا تدريجيا نحو ما تصبو إليه ويصبو إليه كل التونسيين، بمن في ذلك أهل التجمع الدستوري الديمقراطي: تونس المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا، وتونس الديمقراطية، وتونس المتصالحة المتوافقة مع الإسلام، دستور التوحيد والعدالة والسعادة، سعادة الفرد والمجتمع، في الدنيا والآخرة.

 

أخي عبد الرحمن: الخلاص الفردي ليس هو مقصد دعوتي للوفاق والمصالحة بين السلطة والإسلاميين في تونس. ما أسعى إليه هو كتابة فصل جديد في تاريخ تونس، وفي تاريخ الإسلاميين التونسيين.

 

ومثل هذه المهمة لا يقبل عليها المتهورون والمزايدون والمسكونون بدوافع الحقد والحسد والكراهية.

 

إنها مهمة للشجعان الأحرار. لأهل الدراية الحكمة الذين درسوا تاريخ بلادهم جيدا وتعلموا من تجاربهم. وهي أيضا للذين تعلموا من تجربة الصحابي الشهيد السعيد مصعب بن عمير في المدينة المنورة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها.

 

في عام واحد، نجح مصعب في زرع بذرة الإسلام في كل بيت من بيوت يثرب تقريبا، بوسيلة واحدة هي الكلمة الطيبة.

 

أخي عبد الرحمن: ختمتَ مقالتك الراقية بهذا الدعاء: اللهم ألهمنا رشدنا. وأنا أقول: آمين، وأتضرع إلى العلي القدير، أن يهدينا جميعا إلى الحق وإلى صراطه المستقيم، ويجعلنا هداة مهديين، دعاة للتوحيد والحرية والعدالة، وأن ينجينا من عذاب النار يوم القيامة، ويدخلنا برحمته في جنات النعيم، مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. اللهم إني أسأل ذلك لنفسي، وأهلي، ولأخي عبد الرحمن الحامدي وأهله، ولقراء هذه المقالة، وللتونسيين كافة. آمين. آمين. وصلى الله وسلم على سيد الخلق وخاتم الأنبياء وإمام المتقين محمد بن عبد الله، صلاة وسلاما كثيرين دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

 

والسلام عليكم، أخي عبد الرحمن، ورحمة الله وبركاته.


 

« اللّي ديالنا ماهو ديالو » حول ردّ المدّعي العام على الأخ عبد الرحمن الحامدي

احتاج المدّعي العام إلى أسبوعين كي يتجاوزعبثية الـ »س.ج. » حول مبادرته الخيرية عام 1989 التي أجهضها الشيخ راشد (على فكرة: الأخوان جمال الطاهر ومختار بدري حسب ما بلغني لهما رواية مغايرة لرواية المدّعي العام) ويعبّر عن مخططه إو خطّته أو حلمه وهو « كتابة فصل جديد في تاريخ تونس، وفي تاريخ الإسلاميين التونسيين » يبدأ بـ « مسيرة جديدة، صحيحة، تقودنا تدريجيا »  » نحو ما « يصبو إليه كل التونسيين، بمن في ذلك أهل التجمع الدستوري الديمقراطي ». وباعتبار أنّ هذه المهمّة فقط « للشجعان الأحرار » (الشرفاء) و » أهل الدراية والحكمة الذين درسوا تاريخ بلادهم جيدا وتعلموا من تجاربهم » و »لا يقبل عليها المتهورون والمزايدون والمسكونون بدوافع الحقد والحسد والكراهية » (الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه)  فإنّي أعتبر نفسي خارج اللعبة حالي حال كلّ الذين يعتبرون الصحوة الإسلامية مرجعية لهم. إنّ العبد الفقير الى ربّه يعتبر جلسات الإستجواب قد انتهت شكليّا وأنّ المدّعي العام تجاوز موضوع الدّعوى وهو إثبات أنّ قيادة النّهضة ممثلة في شخص رئيسها قد رفضت مبادرة صلح (لم تكن موجودة أصلا) ليطالب بحل جمعية غير مرخّص فيها وتأسيس « تيار جديد، يساهم في تعزيز مكانة الإسلام كمرجعية لمجتمعنا كله لا أن يستخدمه للفوز في الإنتخابات » أيّ « تيار يتخدم العقل والحكمة من أجل ألا يجعل التدين في مواجهة السلطة، وإنما من أجل أن يقرب بينهما إلى أبعد حدّ ».(زواج متعة …بين السلطة وتدّين وديع لا ينبش خدّا ولا يرفع صوتا ). يا جماعة ما الفرق بين لغة تجفيف الينابيع وهذه اللغة ؟ ما الفرق بين كلام العلمانيين منذ آلاف السنين وهذا الكلام؟ ما الفرق بين ما قاله المدّعون العموميّون خلال المحاكمات السياسية للحركة الإسلامية وهذا الكلام؟ الفرق الوحيد هوأنّ الكلام يبدأ بالبسملة وينتهي بالدّعاء ويستعمل منابر الصحوة وفضائها الإعلامي … وما عدا ذلك فنحن « نستاهل » وأولادنا « يستاهلو » وبناتنا ونساؤنا « يستاهلو » والذين ماتوا تحت التعذيب « يستاهلو » والذين ماتوا إهمالا « يستاهلو »…(في العالم العربي، عندما يغامر حزب بطلب السلطة مرة أو مرتين، فإن عليه، وعلى أنصاره تحمل مسؤولية خيارهم. أنت رجل مثقف ومطلع وتعرف نتائج مثل هذه المغامرات، سواء طُلبت السلطة عبر صناديق الإقتراع أو بالإنقلابات العسكرية). أيها الإخوة …نحن في واد والمدّعي العام في واد آخر …و »اللّي ديالنا ماهو ديالو »… المطلوب هو رأس الحركة الإسلامية…والبديل دكتور ومائة جثة سياسية بلغة أخينا نورالدين … بل ألف جثة سياسية إن أراد… اعتبر أن « الحوار  » قد استنفذ أغراضه فكتابة وصية، إذا افترضنا أنّ المطلوب هو كتابة وصيّة جيلنا، لا تستحقّ كل هذا النقاش. إلى اللّقاء في موضوع آخر وحوار آخر…بدون مدّعين عامّين أو وكلاء للقصر بـ »هويّة دينيةّ …. م. ع. أبو يوسف

 

  الفكرة والفتوى والبزنس الديني

 

كنت في محاورة مفتوحة مع مجموعة من الطلبة في بعض المسائل ذات الطابع الديني وفجأة اعترض أحدهم قائلا  » يا أستاذ هل أنت مفكر أم مفت؟ »  قلت ما الفرق بين المفكر و المفتي؟  قال لي « ببساطة شديدة، المفتي يوقع باسم رب العالمين وعن رب العالمين و المفكر يوقع باسم العقل وعن العقل » وأضاف الفكرة يا أستاذ، سياحة ذهنية و الفتوى قول محكوم بالشرع، الفكرة تشتت والفتوى تسدد، وبالتالي ما تقوله يفتقد إلى المشروعية وعديم الجدوى والفائدة حتى وإن كان مقبولا عقلا. قال كل هذا الكلام  دفعة واحدة وانصرف مثل كثير من المفتين في زماننا. ما أطلق عليه الشيخ عبدالله بن بية صناعة الفتوى يعكس حالة من الضعف في البنيان النفسي للفرد المسلم، طلب الفتوى يعبر في أغلبه عن الخوف من تحمل المسؤولية، عن حالة من عدم الاقتناع الذاتي بفعل من الأفعال فتأتي الفتوى لتعطي لهذا الفعل نوعا من المشروعية ويصبح بذلك الحمل خفيفا على الحامل ولذلك كثيرا ما نسمع تلك الكلمة التي يتداولها الناس كلما شعروا بالإحراج عند إقدامهم على أمر ليسوا مقتنعين به تمام الاقتناع  » في رقبته »،  يعنى أن الذي سيتحمل المسؤولية في النهاية هو المفتي . أنظر للمنهج النبوي في الفتوى، منهج حواري يصعب التفريق فيه بين المفتي و المستفتي، جاء رجل إلى النبي ص فقال: هلكت يا رسول الله. قال: « ما أهلكك؟ » قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: « هل تجد ما تعتق رقبة؟ » قال: لا. قال:  » فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا.قال: »فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ » قال:لا. ثم جلس، فات النبي ص بعرق فيه تمر، فقال: « تصدّق بهذا » قال: فهل على أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل أحوج إليه منا. فضحك رسول الله ص حتى بدت نواجذه وقال : « اذهب فأطعمه أهلك »، لاحظوا هذه اليقظة الذهنية و روح تحمل المسؤولية عند هذا الرجل الذي لبساطته لم يهتم الرواة بذكر اسمه، يراجع النبي في كل ما اقترحه عليه من حلول. تلك هي الصورة التي من المفروض أن يكون عليها المسلم، مستوعبا لمبادئ دينه، فاهما لأحكام دينه ومقاصدها، وحّد الله حقّا فأضحى واثقا من نفسه، لم يتردد في معارضة الرسول و لم يعاتبه الرسول على ذلك. من يستطيع اليوم أن يعارض أصحاب الشوكة من علماء وسلاطين أو حتى يفكر سرا في ذلك؟ ولكن حين يجتمع في المسلم الخوف من عصا البوليس والخوف من عمامة الفقيه ومعهما عدم التفقه في الدين، ترى العجب العجاب.  

لطالما ألح علي السؤال حول الحكمة من تفصيل القرآن لأحكام الدين بينما اكتفى بإشارات عامة عندما يتعلق الأمر بالطبيعة و المجتمع والإنسان، وأقدّر -والله أعلم- أن الله أراد من المؤمن أن يفرغ جهده في معرفة أسرار الطبيعة ومعرفة أسرار نفسه. وأراد حينما فصل في أحكام الدين أن يفوت الفرصة على الذين يريدون أن يستثمروا في « الرأسمال الديني » ويقول للمسلم عليك أن تتفقه في دينك و قد بلغك كاملا وأن جهلك به هو الذي يجعلك عرضة للابتزاز ممن اتخذ الدين سبيلا للتكسب، فافقه دينك من كتابي فقد جاء فيه مفصلا وافرغ الجهد في كشف أسرار الطبيعة وكشف أسرار الإنسان و قد جعلت تلك الأسرار خافية إلا على من اجتهد للكشف عنها، هناك تكمن الغلبة بين الأمم . إنه لمحزن أن نرى السواد الأعظم من المسلمين قد افتتن بفتاوي ما تحت الحزام وما فوق الصرة وهم يلبسون و يركبون مما صنعه الآخرون بل مما زرع هؤلاء يأكلون. ثم لا يكفيهم هذا الوهن فتنادوا بياتا ومصبحين، وأقبل بعضهم على بعض يتزايدون، متدينون وعلمانيون، وحرروا الخطب و الأقاويل في إرضاع الكبير وقد مات صغارهم جوعا ولم يبلغوا بعد الفطام وملئت سجون بلادهم بأحرارهم وهم عنهم لاهون. فما أحوجنا إلى الفكرة التي تحي العزائم و تزيح عنها أثقال الهوس الديني. ألا يكفينا ما جناه الإسلام من أعدائه وبعض من أدعيائه حين جعلوه والإرهاب صنوين فيخرج علينا من وقت إلى آخر من اختزل الدين في عمامة وجبة و سبحة في أغلب الأحيان من المنتجات الصينية السريعة بوصفة جنسية لا ندري كيف عجنت؟ فيكثر حولها اللغط وترقص حولها الفضائيات مدة من الزمن ثم ترفع في انتظار وجبة جديدة من وجبات الجلد الذاتي. أتعطلت لغة الكلام في الإسلام فأصبح لا ينطق إلا جنسا ؟ قالوا وجدنا ذلك في كتب الحديث، حسنا، وهل يخلو ما أنتجه البشر من الأقاويل و التخرصات؟ وهل بلغت كتب الحديث و إن كانت من الصحاح درجة العصمة؟ ولو كان المجال يسمح لسردت عليكم، أمثالها أضعافا من الأقوال الشاذة لأسماء ملأت الدنيا شهرة، من مفكرين وأدباء وفلاسفة. أي منطق يسمح باختزال حضارة أو دين في ما شذّ من الأقوال ؟ نحن في حاجة للفكرة النيرة التي تنهض بحاضرنا وتبني مستقبلنا وليس لهذه الفتاوي المثيرة، العابرة للقارات و المتدفقة من القنوات ومواقع النات أو الفتاوي الجامدة الصادرة عن المجامع الفقهية التقليدية التي مازالت مهتمة بالبحث في أهلية المرأة القضائية، من أين جاء نقصها وقد أحسن الله خلقها وفي التبرك ببول الرسول، ولو حسموا الأمر بالإيجاب من أين سيأتوا به؟ الرسول يتوضأ ويتطهر من البول والمسلمون يتجادلون في التبرك أو عدم التبرك به، تلك هي حال من هجر القرآن وجهله، ليس لنا إلا أن نردد مع المتنبي بيته المشهور:

أغاية الدين أن تحفوا شواربكم   يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.

 

 

د.محمد بن نصر، أستاذ بالمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية/باريس

 

 

    birali@ hotmail.com 

 


 

 

تعفّـن الاجتهاد

 
 د. رجاء بن سلامة بعد ما يزيد على القرن من محاولات الإصلاح الدّينيّ، يبدو أنّ أبواب الاجتهاد لم تفتح، أو لم تفتح من داخل العلوم الدّينيّة كما كان متوقّعا، بل تعفّن الاجتهاد نفسه، ليفرز لنا هذه الفتاوى عن الإفرازات البشريّة، فتوى « رضاع الكبير »، وقد أصبحت غنيّة عن التّعريف، وفتوى التّبرّك ببول الرّسول وعرقه وفضلاته وبصاقه. قال صاحب الفتوى الثّانية، وهو مفتي الجمهوريّة المصريّة، إن « الأساس في فتوى تبرك الصحابة بـبوْل الرسول هو أن كل جسد النبي، في ظاهره وباطنه، طاهر وليس فيه أي شيء يستقزر (كذا، والمقصود : « يستقذر ») أو يتأفف أحد منه، فكان عرقه عليه السلام أطيب من ريح المسك وكانت أم حِرام تجمع هذا العرق وتوزعه على أهل المدينة. » وقال أيضا : « فكل شيء في النبي صلى الله عليه وسلم طاهر بما في ذلك فضلاته، وفي حديث سهيل بن عمرو في صلح الحديبية قال : والله دخلت على كسرى وقيصر فلم أجد مثل أصحاب محمد وهم يعظمون محمداً، فما تفل  تفلة إلاّ ابتدرها أحدهم ليمسح بها وجهه… » (المصري اليوم »، 23-5-2007) وما أنتجه الاجتهاد المتعفّن في الحالتين هو ما لا يحتمل، وما يدعو العاقل إلى التّأفّف، وما يبعث على القرف الذي عبّر عنه المئات من الكتّاب والمعلّقين، رجالا ونساء، مؤمنين وغير مؤمنين.  إنّه الواقعيّ عندما يغزو الحياة في عرائه، وعندما لا يتكفّل الرّمزيّ بإنتاج مسافة ولغة مجازيّة تعبّران عنه وتترجمانه داخل اللّغة نفسها. كان يمكن مثلا أن يصدر شيوخ الإسلام فتوى تعتبر الزّميلة امرأة « محرّمة » على نحو ما، وكان يمكن أن ينطلقوا من النّصوص الدّينيّة ومن اللّغة لتأويل « محرّمة » على أنّها « محترمة » في كيانها وإرادتها، دون أن يمرّ هذا الاعتبار بفعل الرّضاعة وبالالتقام المادّيّ للثّدي. وكان يمكن الاستغناء عن ذكر تفاصيل التّبرّك ببول الرّسول وإفرازاته الأخرى، باعتبار طهارته غير مادّيّة بل رمزيّة. فالطّهارة مبدأ رمزيّ مختلف عن النّظافة، والتّمييز بين النّظافة والطّهارة من المبادئ المعروفة في الأنتروبولوجيا والأتنولوجيا، وتحديدا في مبحثهما عن الطّقوس الدّينيّة، وهو مبحث يعتمد ثنائيّتة الطّهارة والنّجاسة، بدلا عن ثنائيّة النّظافة والقذارة. خلط هؤلاء الشّيوخ بين التّحريم الرّمزيّ الإراديّ والتّحريم المادّيّ الذي لا يصبح رمزيّا إلاّ بمسرحة الرّضاع على نحو مخبّل، كما أسقطوا سجلّ النّظافة على سجلّ الطّهارة على نحو صادم لمشاعر المؤمنين أنفسهم. كان يمكنهم إنتاج اجتهاد يقوم على التّأويل المجازيّ والقيميّ، بدل إنتاج فتاوى تقوم على الطّاعة العمياء للنّصوص في لفظها وفي الواقع الحسّيّ الذي أحالت عليه منذ قرون طويلة. التّأويل الذي يحيّن النّصوص على نحو إبداعيّ ويستنطق صمتها هو الذي يمكن أن ينسجم مع العصر ومع طموحات البشر في أن يكونوا بشرا وذواتا. فالاجتهاد الذي فتحوا بابه هو اجتهاد بدون تأويل، وانعدام التّأويل أو العجز عنه هو أحد دواعي الاعتلال الفرديّ والجماعيّ، بل إنّ بعضهم يعتبره مرادفا للذُّهان، وهو الاعتلال النّفسيّ الحقيقيّ النّاجم عن انعدام البعد الرّمزيّ. فالاجتهاد الذي يمارسه هؤلاء الشّيوخ في فتاواهم متعفّن ومعتلّ لأنّه لا يريد أن يغامر بالتّأويل، ويريد الواقعيّ بدل الرّمزيّ، ويغرق في الإفرازات البشريّة بدل إنتاج الدّلالة والقيمة الأخلاقيّة والرّمزيّة. وكما اعتذر صاحب فتوى رضاع الكبير، اعتذر صاحب فتوى إفرازات الرّسول أمام أعضاء مجمع البحوث الإسلاميّة. بل وطالبه المجمع بسحب كتابه الذي احتوى على هذه الفتوى من الأسواق (كتاب « فتاوى معبّرة »). وبعبارة أخرى، مارست مؤسّسة الأزهر وظيفتها الأساسيّة المتمثّلة في المصادرة، وهي أكثر آليّات الدّفاع بدائيّة. ولكنّها في هذه المرّة صادرت نفسها بنفسها. في هذه المرّة لم تصادر شيخا مارقا أو حاملا  لفكر مختلف كما فعلت في السّابق مع علي عبد الرّازق، وكما تفعل اليوم مع كثيرين من المطرودين والممنوعين، بل صادرت أولياء أمرها ومن هم في أعلى مرتبيّتها. والأمر يدعو إلى التّدبّر والتّفكير، فلأوّل مرّة ينكشف لنا المشهد الفقهيّ عن مجتهدين يتخبّطون ويخطئون إلى هذا الحدّ، ولا يفعلون ما يريدون، ولا يريدون ما فعلوا. وكلّ ذلك يعود إلى أنّهم يجتهدون دون أن يجتهدوا ودون أن يؤوّلوا. ولكنّ ما نراه من ردود فعل صنّاع القرار الدّينيّ وحماة ثوابت الأمّة والحريصين على عدم فكّ الارتباط بين الإسلام والفقه، لا تدلّ على تفكير ولا تدبّر، ولا عن بحث عن الحلول الجذريّة لهذا المأزق، بل على محاولات ترميم للجسد المتعفّن، ومحاولات دفاع عن « الصّنعة الجليلة »، صنعة الإفتاء، بالدّعوة إلى نبذ الفتاوى « الشّاذّة »، وإلى ضرورة توفّر شروط الإفتاء، وبالمطالبة بمأسسة الإفتاء وتنظيمه. ورغم هذه الأساليب التي تحاول حجب العورات المنكشفة، فإنّ الفتويين المشار إليهما لم تصدرا عن متطفّلين على الإفتاء، وليستا استثناء ولا خطأ عابرا أو كبوة جواد. إنّهما علامة مرضيّة وليستا شذوذا، وليس فيهما من الشّذوذ إلاّ بالقدر الذي تتوفّر عليه العلامة المرضيّة بالضّرورة حتّى تكون علامة مرضيّة وحتّى تعبّر عن رسالتها الملتبسة. فمشكل الفتوى يعود إلى طبيعة الإفتاء ذاته، وما « يحصل لنا شبيه بنا » على حدّ تعبير دوستويسفكي. فما هي الفتوى في نهاية الأمر؟ -إنّها رأي بشريّ، يحتمل الخطأ والصّواب، ويحتمل الأخذ به أو عدم الأخذ به، ولكنّه، وهنا تكمن المفارقة، رأي يقدّم بقناع دينيّ لأنّه يعتمد حجّة السّلطة مرّتين وفي مستويين : مرّة بالإحالة إلى النّصوص الدّينيّة على نحو ما، وهو ما يوحي بأنّ هذا الرّأي من الأجدى الأخذ به، ومرّة ثانية  لأنّ هذا الرّأي يصدر عن شيخ استكمل شروط الإفتاء كما تمّ تقنينها في الماضي (ومنها العقل والإيمان والعدالة وطهارة المولد…إلخ). وبين حجّتي السّلطة الأولى والثّانية علاقة وطيدة، هذه تؤكّد تلك لتضفي على الفتوى هالة قداسيّة رغم كلّ شيء. -إنّها حلّ يقفز بين واقعين، واقع قديم، وواقع حديث، ولا يستلهم مبادئ عامّة، بل يريد تطبيق نصوص قديمة على وقائع حديثة، أو يريد تكرار وقائع قديمة، وهو ما يعني أنّ الفتوى اجتهاد مزيّف، أو  رفض للاجتهاد. إنّها تقفز بين واقعين دون أن تخيط ما بينهما باللّغة المنتجة للقيم ولتعدّد الدّلالات، وبالوعي بتغيّر العصور وتغيّر العلل. فتبقى الفتوى منفصمة : هذا ما قاله القدامى، وهذا ما أقوله اليوم أسوة بالقدامى، ثمّ يأتي الاعتذار : ما قاله القدامى حالة خاصّة، فالمعذرة عن الخطإ. ويا أيّا الصّحفيّون تجنّبوا الإثارة، وتحدّثوا عن أمور أخرى. -إنّها جزء من جهاز سلطويّ عامّ  يؤدّي إلى أسلمة المجتمع على نحو هذيانيّ خانق، ويؤدّي إلى خلق برلمان تحت كلّ عمامة كما قيل. وهذا ما يعبّر عنه المفكّر الإسلاميّ فهمي الهويدي بطريقته الخاصّة في دفاعه عن الإفتاء، فهو يرى « أن فوضى الإفتاء مشكلة تحتاج إلى علاج حقاً، لكننا ينبغي ألا نرى في المشهد غير سلبياته وحدها لأن وسائل الاتصال الحديثة أدت دوراً مهماً في التبليغ. كما أنها وفرت فرصة ممتازة لإعادة الوشائج الفكرية والثقافية بين أطراف الأمة الإسلامية، وبين المسلمين في المهاجر والشتات وبين إخوانهم في أوطانهم. » (الشّرق الأوسط، 30-5-2007). والفتوى في حال صدورها عن مؤسّسات رسميّة، جزء من جهاز سلطويّ تعتمده بعض الحكومات في تنافسها المستمرّ مع الحركات الإسلاميّة لتأكيد شرعيّة متآكلة أو معدومة. -إنّها منتوج يسوّق في إطار البيزنس الدينيّ الذي يعتمد وسائل حديثة في الاتّصال والتّبضيع، منها المينيتال الذي تمّ ابتداعه وتمّ إيداعه الفتاوى في كبسولات  لا تتجاوز 5 دقائق (انظر تصريحات الشيخ خالد الجنديّ مدير مشروع الهاتف الإسلامي، مجلّة الوعي الإسلاميّ، 1-11-2003)، وهي تسوّق في الفضائيّات، ويبيعها دعاة يستقبلهم الملوك والحكّام العرب باعتبارهم أمراء في البلاغة الدّينيّة وسحرة تخرج من لحيّهم الحلول المطمئنة لهم والمنوّمة لشعوبهم. ولا يوجد عرض وافر إلاّ ووراءه طلب ملحّ. ولذلك فإنّ ازدهار الفتوى في عصرنا ناتج عن كثرة المستفتين القلقين، الذين يشكون هم بدورهم غزوا للواقعيّ في عرائه، ونقصا في البنى الرّمزيّة الدّافعة إلى التّأويل، ونقصا في المناعة التي تجعل الإنسان يتدبّر اللّغة والعالم ويميّز بين الماضي والحاضر ويختار. فالمفتون مرآة يرى فيها المستفتون أنفسهم. إنّنا لم نعد نريد فتح أبواب الاجتهاد، ولا نطالب هؤلاء الشّيوخ بما لا طاقة لهم به. أبواب الاجتهاد يفتحها الواقع البشريّ التّاريخيّ بزخمه، وتفتحها مطالبة المستضعفين والمقموعين بحقوقهم، ولا يمكن أن يفتحها الفقهاء بعلومهم الآسنة. فالواقع التّاريخيّ هو الذي فرض إبطال الرّقّ في السّابق، والواقع التّاريخيّ مع المطالبة بالحقّ فرض خروج النّساء من خدورهنّ وحجابهنّ، رغم كلّ الفتاوى ورغم كلّ الأحكام الفقهيّة التي تمّ بعثها من جيد، والواقع التّاريخيّ هو الذي فرض هيكل الدّولة الحديثة، وفرض في الكثير من البلدان الإسلاميّة عدم تطبيق القصاص والدّية، وعدم رجم الزّناة وعدم قطع يد السّارق… ولم تكن الفتاوى والاجتهادات سبّاقة إلى هذه التّحوّلات والإصلاحات، بل كانت رافضة إيّاها أو قابلة بأمرها الواقع في أحسن الأحوال. ما يمكن أن نطالب به اليوم ليس فتح أبواب الاجتهاد، بل غلق أبواب الفتوى، وتركها مفتوحة إلى حدّ في مجال العبادات التي يحتاج إليها المؤمنون إذا رأوا ضرورة وجود وسائط بينهم وبين معبودهم.، وضرورة وجود وصاة على عقائدهم وعباداتهم. فما أدعو إليه عمليّا، وكخطوة أولى للحدّ من فوضى الفتاوى اللاّتأويليّة، وللحدّ من هذا العمى الفقهيّ، هو قصر دور المفتين على أمور العبادات، وترك المعاملات والسّياسة لمن هم أهلها من ممثّلي السّلطة التّشريعيّة ومن المطالبين بالحقّ، وممّن لا ينتظرون فتاوى الشّيوخ لكي يفتكّوا بأيديهم، و في كلّ لحظة، أجزاء من حرّيّتهم وكرامتهم. نشر في الأوان http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=681&Itemid=10

 

 

 


 

 

رضاع الكبير من ثدي الجهالة

 
منجية السوائحي الخميس 7 حزيران (يونيو) 2007 في الوقت الّذي يستعدّ فيه اليابانيون لاستخراج الطّاقة من الأرز ليحقّقوا استقلالهم الذّاتي من سيطرة أسعار الوقود وانعكاسها السّلبي على العملة. وفي الوقت الّذي يخطّط فيه الإستراتيجيون الغربيون لحفظ حقوق شعوبهم المادّية والمعنوية والمضيّ بها قدما، تعرّفنا المواقع والفضائيات المتأسلمة بفتاوى رضع أصحابها « من ثدي الجهالة والضّلال » وعجزوا عن الفطام وهم يرضعون لأكثر من أربعة عشر قرنا لم يغادروا حلمة الثدي المرضع (التّراث) ومن تلك الفتاوى المتهافتة: فتوى الجلوس على الكرسي زنى : أفتت الشّيخة علاّنة بنت فلان أنّ جلوس المرأة على الكرسي وما يشبهه من المقاعد والأرائك زنى لا شبهة فيه، لأنّ الكرسي صناعة غربية – وتناست الشّيخة أنّ الأنترنيت، والفضائيات الّتي تبثّ من خلالها فتاويها صناعة غربيّة- والسّبب الثّاني لهذه الفتوى المجنونة أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم والصّحابة لم يجلسوا على الكراسي، ولو كان في تلك الآليات خير لفعله الرّسول وصحابته، ألم تعلم أن الأجهزة الحديثة لم يعرفها الرّسول ولا السّلف الصّالح ولو عرفوها لاستخدموها، ألم تعلم الشّيخة أنّ كلمة « الأرائك » ذكرت في القرآن « إنّ الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون » (المطفّفين:22-23)، ألم تعلم أن الفراعنة جلسوا على الكراسي والأرائك وبناء على فتواها فإنّ كلّ نساء المسلمين اللاتي يجلسن على الكراسي زانيات والعياذ باللّه، فبأيّ وجه ستقابل ربّها هذه الشّيخة المفترية، ألم تعلم أنّ تهمة الزّنى من أبشع التّهم وأنّها لا تثبت إلا بأربعة شهود أو بالإقرار. الفتوى الثانية الّتي جادت بها قريحتها تحريم إهداء الزّهور للمريض لأنّها باهضة الثّمن، وسرعان ما تذبل وترمى، ولأنها عادة عريبة والغرب كفّار، ولأنّ الزّهور لا تشفي المريض، ولأن… ولأن…. ألا تعلم الشّيخة أنّ العرب والمسلمين تركوا عادة إهداء الزّهور لما دخلوا في عصور الانحطاط، وما قبل ذلك كانت موائدهم تزيّن بالورود قبل الطّعام واقرئي شعر أبي نواس في قصيدته « لي نشوتان » حيث يقول : « وأشرب على الورد من حمراء كالورد » والّذي يهمّني في هذا الجزء من شعره أنّ النّاس كانت تنشر الأزهار على موائدها لرهافة حسّها ورفعة ذوقها، وأن تبادل الزّهور من عادات الشّعوب الرّاقية. فتوى ثالثة للشّيخة تبيح فيها الكذب والتّزوير لنصرة الأمّة الإسلامية ضدّ بني علمان. وهي فتوى تتعارض مع ما جاء في القرآن من مدح للصّدق وتحريض عليه ومن ذمّ للكذب والتّنوير ونهي صريح عنهما، وما ذكر في أحاديث الرّسول مثل : »أفلح إن صدق » و « دخل الجنّة إن صدق » و »أسألك قلبا سليما ولسانا صادقا » و « لن تزلّ قدم شاهد الزّور حتّى يدخل جهنّم » و »من غشّنا ليس منّا » ….. وهي بديهيات عليها أن تتعلّمها قبل الجلوس للفتوى. فتوى رضاع الكبير: صدرت فتوى رضاع الكبير من مختص في الدّراسات الإسلامية صاحب شهائد عليّا بجواز إرضاع المرأة لزميلها في الشغل، ثم تراجع الرّجل عن فتواه واعتذر عنها، والأصل أن لا يخطئ المرء في مثل هذه القضايا، ثم يعتذر، وأنا لا يهمّني الشّخص بقدر ما تهمّني الحادثة، وإنّي أتعجب لمن يستغرب من كثرة الكتابة في هذا الموضوع، ويدافع عن السّيد المفتي المعتذر ويعتبر قوله من حرّية الرّأي ، واعتبر أنّه من حقّ المثقّفين أن يضجّوا، وأن يجنّدوا أقلامهم للرّدّ على مثل هذه الفتاوى المخزية الّتي تسيء لدين الإسلام ولحضارته وللمسلمين بصفة عامّة، ومن هذا المنطلق سأقف عند الاعتذار في قول المفتي « أنا لست من أهل البدع، وإنّما اتّبعت السّلف الّذين قالوا برضاع الكثير ». عن أي سلف يتحدّث الرّجل، وإن وجد منهم من قبل هذه الفتوى فلا اعتبار لرأيه أمام ما جاء به القرآن الكريم في هذه الآية:﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة﴾(البقرة 233). »وانتزع مالك ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أنّ الرّضاعة المحرّمة الجارية مجرى النّسب إنّما هي ما كان من الحولين، لأنّه بانقضاء الحولين تمّت الرّضاعة ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة » هذا قوله في موطّئه وهي رواية محمّد بن عبد الحكم عنه، وهو قول عمرو ابن دينار وابن عبّاس، وروي عن ابن مسعود، وبه قال الزّهري وقتادة والشّعبي وسفيان الثّوري، والأوزاعي والشّافعي وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمّد وأبو ثور وغيرهم كثير… وعندهم جميعا وعند تابعيهم » ما كان بعد الحولين من رضاع بشهر أو شهرين أو ثلاثة فهو من الحولين، وما كان من بعد ذلك فهو عبث وهذا يدلّ على ألاّ حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين » لحديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم « لا رضاع إلاّ ما كان في الحولين » وهذا الخبر والآية والمعنى ينفي رضاعة الكبير وأنّه لا يحرمه له(الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 3/104،بيروت 1408/1988م). ويؤيّد هذا الرّأي الخبر عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جاء رجل فقال: إنّي كانت لي وليدة وكنت أطؤها فعمدت امرأتي فأرضعتها فدخلت عليها فقالت لي دونك، فقد واللّه أرضعهتها. فقال عمر: أوجعها وائت جاريتك فإنّما الرّضاعة رضاعة الصّغير » وبعقده حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم  » لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الحولين » وهو قضاء أغلب السّلف. فمن أين جاء الحكم بجواز رضاع الكبير الّذي أفتى به شيخ من الأزهر ثم تراجع عن فتواه؟ لا ينكر أحد أنّ هناك أخبارا ذكرت رضاع الكبير وأوّلها: ما روى عن عائشة « كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسحن بخمس معلومات، فتوفّي الرّسول وهي ممّا يقرأ من القرآن »(أبو داود، السّنن، كتاب النّكاح، باب 49). وفي سنن ابن ماجة عن عائشة قالت: »نزلت آية الرّجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلمّا مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وتشاغلنا بموته أتى داجن فأكله »(كتاب النّكاح باب 36). لا يمكن لمن له عقل واع ورؤية نقدية أن يقبل مثل هذه الأخبار، ما هذا الخرف، قرآن ينزل، وفي صحيفة وملقى تحت السّرير فيأكله داجن، ومهما علت درجة صحّة هذا الخبر وإن رواه أصحاب الكتب السّنة فلسنا ملزمين بقبوله، والكثير من المرويات في هذه الكتب ليست صحيحة. كما أن مثل هذه الأخبار لا تصلح للدّلالة على حكم شرعي، لأنّ دلالتها تقف على صحّة ثبوت صيغتها، وصيغتها يصحّ نفيها باتّفاق، فكيف يمكن الاستدلال بها والخير في ترك مثل هذه الأخبار وتنقية التّراث منها. ثانيها: ورد في صحيح مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها أنّ سالما مولى أبي حذيفة كان يدخل على أبي حذيفة وأهله في بيته، فأتت سهيلة بنت سهل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: إنّ سالما قد بلغ ما بلغ الرّجال، وعقل ما عقلوا، وإنّه يدخل علينا وإنّي أظنّ في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا فقال لها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: « ارضعيه تحرمي عليه،ويذهب الّذي في نفس أبي حذيفة، فرجعت فقالت: إنّي قد أرضعته فذهب الّذي في نفس أبي حذيفة »(كتاب الرّضاع، باب : رضاع الكبير). وكان السّلف أكثر حيطة من مفتي الألفية الثالثة في تعليل هذا الخبر، وفي رفضه أو قبوله. ونبدأ بزوجات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عنهم، لم تعمل بهذا الحديث منهنّ إلا عائشة، أما ثمانية فإنّهنّ رفضن العمل بالحديث فقلن: »لا واللّه ما نرى الّذي أمر به الرّسول سهيلة بنت سهيل إلا رخصة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في رضاعة سلم وحده، لا واللّه لا يدخل بهذه الرّضاعة أحد » والعاقل يعمل برأي ثمانية من زوجات الرّسول وهنّ أكبر سنّا من عائشة الّتي توفّي الرّسول وتركها بنت ثماني عشرة سنة، إضافة إلى أنّها انفردت بالعمل بالحديث إن صحّ الخبر عنها. كما أنّي أنزّه السّيدة عائشة أن تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها بإرضاع الرّجال الّذين كانت تودّ أن يدخلوا عليها حسب بعض الرّوايات. وبعد رفض زوجات النّبيّ لرضاع الكبير، فإن السّلف أحرجهم هذا الحديث فالتمسوا له تحليلا يخرجهم من ذلك الحرج ولو اطّلع عليه مفتي الأزهر لما وقع في المحفور. ذكر النّووي أن قوله عليه الصّلاة والسّلام « ارضعيه »… لعلّها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها والتقت بشرباتهما، والرّضاع يستلزم كشف الثّدي ومصّه ولمسه وهو محرّم ، وهذا يستلزم الشّرب لأنّ التّحريم كما يكون بالمصّ يكون بالشّرب فيصحّ أن تكون حلبت ثديها فشرب. والقليل الّذين قالوا برضاع الكبير متبعين عائشة هم اللّيث بن سعد وعطاء والظّاهرية، وأوجدوا لأنفسهم مخرجا فقالوا نحمله على الخصوص، فهو خاص بسالم وسهيلة، ولم يخطئ أهل الكويت ولم يضطرّوا إلى ليّ عنق الحديث لما اعتبروه حالة خاصّة لوضع خاص لأن هناك من الفقهاء من قال بالخصوص ومنهم الّذين ذكرناهم ولا يفوتني هنا أن أذكر أن للخصوص والعموم أهله من الاختصاص، فمن لم يكن منهم فليحترم نفسه ولا يخبطئ خبط عشواء في اللّيلة الظّلماء. ومن السّلف القائلين برضاع الكبير من حمل الحديث على النّسخ، لأن حادثة إرضاع سالم وقعت قبل نزول آية الرّضاعة الّتي حدّدت مدّتها بحولين، ولذلك يقول الإمام الشّافعي الّذي ذاع مذهبه في مصر. في شهادة النّساء « جائز فيما لا يحلّ للرّجال من غير ذي المحارم أن يتعمّدوا النّظر إليه لغير شهادة من ولادة المرأة وعيوبها الّتي تحت ثيابها، والرّضاع عندي مثله لا يحلّ لغير ذي محرم أو زوج أن يتعمّد أن ينظر إلى ثديها ولا يمكنه أن يشهد من رضاعتها بغير رؤية ثديها (الأم، مختصر المزني ص 229-230، طبعة بيروت). وهكذا نلاحظ أن القليل من السّلف ممن قبلوا الحديث لم يقبلوه على علاته وإنّما عملوا فيه فكرهم ممّا يدلّ أنّهم لم ينساقوا مع الخبر انسياقا كلّيا، فلا نظلم السّلف ونقول افتوا برضاع الكبير من جهة، ومن جهة أخرى وإن افتوا فالزّمن غير الزّمن، والقضايا غير القضايا. وإن الخلل في العقل الفقهي المتخلّف الّذي يرتجف لرؤية امرأة وإن كانت محجبة، ألم يقل هؤلاء إن الحجاب يمنع التّحرّش الجنسي فلماذا يبحثون عن رضاع الكبير؟ ألم يزعموا أن تعدّد الزّوجات يعفّ الرّجل، فلماذا يفتون اليوم بزواجات وزواجات لا حدّ لها وبرضاعات ما أغرب الأمر. إنّ ما يفتي به هؤلاء وأمثالهم ألحق ويلحق ضررا كبيرا بالمنظومة الدّينية وبالحضارة العربية الإسلامية، ويعود بها إلى ظلام الكهوف، فارفعوا أيديكم عن هذا الدّين العظيم، واشغلوا أنفسكم بجمع الدّراهم من باب آخر. وأخيرا أسأل هؤلاء الّذين سموا أنفسهم علماء الإسلام لماذا مثل هذه الفتاوى وفي هذا الظّرف، ما هي الفائدة منها؟ اسألوا أنفسكم لماذا لا نجد عند إخواننا المسيحيين الآباء والخدّام المسيحيين مثل هذه الفتاوى المتهافتة، اعتبروا بالغرب الّذي قطع مع الفكر الظلامي ونقد المحرّمات وكسر الطّابوهات واسقط الأقنعة فخرج من تخلفه ونهض من سبات أهل الكهف الّذي لا يزال ينام فيه الكثير من المسلمين ويغطّون في نومهم. nfzimzin@yahoo.fr (المصدر: موقع شفاف الشرق الأوسط بتاريخ 7 جوان2007) الرابط: http://www.middleeasttransparent.com/article.php3?id_article=1103

 


 

 

دوار العلماء ومسألة الوراثة النبوية

 
احميده النيفر (*)     لا يكاد ينعقد مؤتمر للنخب العربيّة للتداول في شؤون الفكر والحضارة من دون أن تثار واحدة من إشكاليات أربع كبرى أضحت من دون منازع مآلات كل حوار ثقافي أو ندوة أكاديمية. أيّاً كانت خصوصية الموضوع المطروح فإن المشاركين في تلك الملتقيات يجدون أنفسهم مدفوعين في شكل أو بآخر إلى مباشرة ما أصبح يعتبر المربّع الفكريّ الجديد المركّب من أسئلة كبرى مترابطة هي: – علاقة السياسة بالدين. – الشريعة والجماعة. – التعليم والمؤسسات التربوية الدينية. – الخصوصية والعالمية. بذلك توارت قضايا العشرية السابقة التي احتلّت فيها الصدارة مسائلُ النهضة والمرأة والتنمية والتراث. لا يعني هذا التراجع أن كلّ هذه القضايا قد حُسمت بين المفكرين والباحثين أو أنّه تحقّق فيها نوع من الوفاق بقدر ما يدلّ على أنّ واقعَ جيلٍ من المسلمين قد حسم الأمر فيها عملياً بصورة أو بأخرى. بذلك يتضح أنّ نخب العالم العربي ومفكّريه قد فقدوا في أكثر من قضية صفتَهم الريادية وأنّ وراء إخفاقات العالم العربي الحديث تكمن معضلة النخب سواء أكانوا مثقفين أم فقهاء، تحديثيين أم سلفيين، إصلاحيين أم تقليديين. ما تثبته المرحلة الحديثة والمعاصرة في العالم العربي الإسلامي أن فجوة هائلة أصبحت تفصل فكر النخب المختلفة عن عموم مجتمعاتها بما أفضى في أكثر من قضية إلى نوع من الفصام الذي يدفع المجتمعات إلى مبادرات عمليّة حاسمة لا صلة لها بتوجّه رجال النخبة الذين فقدوا وحدتهم وجانباً مهماً من فاعليتهم. من هنا نقف على جانب مهمّ من أسباب العنف المدمّر لحاضر العالم العربي والإسلامي ومستقبله والذي كثيراً ما يُظَنُّ أنّه كان رديفاً للإسلام ولمبدأ الجهاد في حين أنه إفراز لرفض النخب أو عجزها عن إيجاد ساحة تواصل مع المجتمع وماضيه ومشاغله. ما تؤكده نظرة تاريخية فاحصة هو أن هذا العنف المستفحل يستمدّ شراسته من جملة من المصادر هي في القسم الأهمّ منها حديثة وتحمل الجانب الأوفر من مسؤولياته النخبُ المتعالية على مجتمعاتها والمتشبثة بأيديولوجيات وحتميات راسخة. هذه النخب العربية، مثقفة وحاكمة أو معارضة هي التي شرّعت للعنف قبل أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 بعدّة عقود. لقد تصدّت أوّلاً تلك النخب إلى الفجوة الهائلة التي تفصلها عن مجتمعاتها بمقولة استئصال التراث لكونه السبيل الوحيد لتحرير الجماهير. عندئذ أصبح للعنف معنى تاريخيٌ يبيح استعماله ضد الشعوب ذاتها على اعتبار أن من «الممكن أن يكون أصحاب المصلحة في التغيير أكبر عائق أمامه». تلك كانت بداية العنف الماحي للماضي من مداخل شتّى. ما عُرف بـ «الاختيار الصِفر» نشأ في ما بين الحربين مع النزعات التحرريّة التي لم تكن تبحث عن شرعيّتها من الذات الوطنيّة، اشتدّ بعد ذلك عوده في الخمسينات ثورياً تحديثياً ثم انساقت فيه جماعات انتسبت إلى الدين واعتبرت نفسها القائمة على أسلمة مجتمعات تراها في فجوة عنها وعن الشريعة. لذلك يمكن القول إنه لا يوجد فرق منهجيّ بين أيديولوجيات تنصّب نفسها وصيّةً على المجتمع وهي متبرئة منه ثقافياً أو تاريخياً، مرّة باسم التحرر الفكري وأخرى باسم التقدّم والوعي التاريخي، وثالثة تطبيقاً للشريعة ومن أجل بناء مجتمع دوليّ على أنقاض الغرب، منبعِ الشرور في تقديرها. إذا ربطنا بين هذه الهوّة التي تجعل النخب العربيّة بأنواعها في واد وعموم الشعوب في واد آخر، إذا ربطناها بإشكاليات المربّع الفكري المعاصر المتكاملة نلاحظ عنصراً رئيسياً غائباً على رغم محوريّته في معالجة الأسئلة الكبرى وفي قدرته على تجسير الفجوة الهائلة. إنّ تشخيصاً موضوعيّاً يفضي إلى الإقرار بغياب العالِم ضمن المشهد العربيّ المعاصر، فإذا كان لدينا مثقفون ومفكّرون، كتّاب وباحثون، مفتون ودعاة فإنّ العلماء على أفضل تقدير بيننا قطعٌ نادرٌ جداً أو هم مثل بَيْض الأنوق. لذلك يتأكّد طرح سؤالين: – ما المقصود بالعالِم؟ – لماذا نعدّه عنصراً رئيساً في مشروع المعاصَرة التي يراوح العرب منذ عقود دون القدرة على إنجازها؟ «من هو العالِم؟»: سؤال طُرح منذ ما يزيد لى قرن نتيجة وعي بأن خللاً فادحاً أصاب المنظومة الفكريّة للمجتمعات العربيّة الحديثة فأعجزها عن أن تكون متصالحة مع نفسها ومع عصرها. في حوار – شاهد دار سنة : 1319هـ – 1901م في اسطنبول بين الإمام محمد عبده مفتي الديار المصريّة وبين مولانا جمال الدين أفندي شيخ الإسلام الأعظم بدار الخلافة نقرأ ما يأتي: قال شيخ الإسلام: «لا شك في أن أكثر المشتغلين بعلوم الدين تنقصهم الخبرة بأحوال الناس ويفوتهم العلم بما عليه أهل العصر ولو خبروا الزمان وأهله لأمكنهم أن يحملوا شرعه ويعلو شأنهم وشأن ملّتهم مع أن العالِم لا يكون عالِماً حتى يكون مع علمه عارفاً والعارف هو الذي يمكنه أن يوفّق بين الشرع وبين ما ينفع الناس في كل زمن بحسبه ومن كان بارعاً في العلوم الدينية لكن لا يعرف حال أهل عصره ولا يراقب أحكام زمانه لا يسمّى عالِماً ولكن يسمّى متفنّناً… ولا يسمّى عالِماً على الحقيقة حتّى يظهر أثرُ علمه في قومه ولا يظهر ذلك الأثر إلا بعد العلم بأحوالهم وإدراكه لحاجاتهم». يضيف الإمام: «جاء في كتب السادة المالكية تعريف العالِم بأنّه العاكف على شأنه البصير بأهل زمانه وهو تعريف للعالِم بالغاية من علمه والعكوف على الشأن أن لا يضيع العالِم زمنه إلا في ما يفيد العامة لأن هذا هو شأن العالِم الذي ينبغي أن يعكف عليه ولذلك اتبعه بالوصف الآخر وهو البصر بأهل الزمان لأن البصر بأهل الزمان إنما يدخل في الغاية من العلم لأنه وسيلة للتمكّن من العمل في أهل ذلك الزمان وقال صاحب هذا التعريف: من فرّط في شيء من زمنه ولم يستعمله أو أساء استعماله بسبب جهله بأحوال هذا الزمان فهو ينثر المقال لا يبالي كيف يقع… ومن كان كذلك فهو خارج عن مفهوم العالِم لا ينطبق عليه تعريفه وغاية ما يمكن أن يصل إليه إن عرف شيئاً من العلم أن يسمّى حافظاً». كان الإشكال إذاً واضحاً في العصر الحديث يعضده هذا الحوار الذي نراه أنموذجاً يضاف إلى تعاريف أخرى من أوجزها: «العالِم بين الله وخَلقه فلينظر كيف يدخل بينهم». هذا عن السؤال الأوّل الذي يضيئه كأفضل ما يكون ما يُعتَبَر حديثاً نبويّاً: «العلماء ورثة الأنبياء». أمّا كون العالِم حاجةً عربيّة متأكّدة لمعاصَرةٍ تتطلّب حدّا أدنى من الالتحام بين النخب ومجتمعاتها من أجل استبعاد خيار العنف فلمقدرة العالِم في مواجهة ثلاث معضلات: 1- تراجعٌ جدّيّ لمكانة المثقف الذي كان قد أزاح – مع العصر الحديث – الفقيهَ من مركز إشراف كان لقرون يضمن للمجتمعات الاستمرارية والتوازن. اليوم فقدَ المثقف العربي «ظلَّه» بتراجع مهمّته النقدية التجاوزية التي كانت تمكّنه من تصوّر البدائل الإستراتيجية المساهمة إيجابياً في الحراك الاجتماعي والتطوّر الفكري. 2- تفاقم الازدواجيّة القائمة بين القانون والفتوى نتيجة تبنّي نظام الدولة الحديثة صاحبة القواعد المُلزمة للسلوك الفردي والاجتماعي، تمّ هذا مع انتشار لفتاوى لا تزيد المجتمعات إلاّ خَبالاً. إنّها فتاوى سياسية في جوهرها تخاطب الجمهور في ما هو متّصل بالشأن العام بما يتيح لمن تصدّى إلى هذا الإفتاء أن يوسّع من دائرة سلطانه بصورة غير مسبوقة. 3- تنامي تيار العولمة في القرن الحادي والعشرين تخطّى وسائطَ الاتصال والمعلومات وحركة الأموال والبضائع في العالَم ليبلغ ما هو أخطر: إلغاء» الجغرافيا الثقافية والسياسية». لقد غدت مباشرة المشاغل الكبرى للمجتمعات ذات طابع عالمي تخترق خصوصيات الأقطار والمجتمعات والأعراف. مثل هذا السقوط للحواجز هو الذي قوّى من عضد الحركات الإحيائية الجهادية بين المسلمين إذ بدا أن لا معنى لأيّ تجزئة سواء أكانت قطرية سياسيّة أم مجتمعية مؤسساتية أم فكريّة تاريخية. تلك هي أبرز عوامل الإعاقة الفكرية التي تستدعي ضرورة إيجاد الحلقة المفقودة التي تمثّلها المؤسسات العلميّة القادرة على «إنتاج» العالِم الحامل لشهادة المعاصَرة: شهادةِ منحِ قدرٍ أكبر من الحياة تنكشف به القوى المجمّدة للواقع وللتراث، شهادةٍ تُكسِب تلك المؤسسات وخرّيجيها مرجعية جديدة معرفياً واجتماعياً وإنسانيّاً. ذلك هو أحد أهمّ تحديات المستقبل: قضيّة العالِم المدرك لإرث النبوّة، التي تعى في جانبها البشري وعياً روحيّاً يتحقّق في واقع الناس بقدرِ اعتبار الشروط الموضوعية لذلك الواقع، أو بحسب عبارة محمد إقبال: «الوعي النبويّ روحي ووضعي في الآن نفسه». (*) كاتب تونسي (المصدر: ملحق « تراث » بصحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 جوان 2007)

 

المغرب العربي يأخذ مكانه في خريطة العولمة

 
توفيق المديني * من خلال إطلاقه مشروع  إنشاء  اتحاد متوسطي: أي منظومة حضارية و سياسية واقتصادية و أمنية و ثقافية تجمع بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط شماله وجنوبه ، يعتزم  الرئيس نيكولا ساركزوزي بعد استقراره في قصر الايليزيه، إنشاء على غرار عملية بناء الاتحاد الأوروبي ، اندماج لضفتي المتوسط بوساطة الاقتصاد.. فالحلم عظيم و عبارة الحلم أطلقها ساركوزي ذاته في فبراير الماضي في خطابه بمدينة طولون الفرنسية و في حفل تسلمه لمهامه يوم 16 مايو. وهو مشروع مستوحي في قسم كبير منه من المراجع التي اعتمدها الرئيس ساركوزي لتأسيس هذا الاتحاد و الظروف الدولية المحيطة بالمشروع الطموح. و من أبرز المراجع التقرير الذي أعدته بطلب من الرئيس ساركوزي كوكبة من الدبلوماسيين و المنظرين و المفكرين الفرنسيين لهذا الغرض وهو يحمل عنوان ( تقرير ابن سينا ) على اسم الفيلسوف الطبيب المسلم. و التقرير وثيقة ضرورية لفهم الغايات التي يرمي الى تحقيقها الرئيس الفرنسي الجديد الذي باشر الاصلاحات الجذرية الجريئة في كل مجالات الحياة في بلاده. و كان الرئيس ساركوزي الذي استخلص  الدروس من إخفاق برنامج « إيروميد »- الذي كان  يشتمل على كل بلدان الاتحاد الأوروبي  و حوض البحر المتوسط –يقترح  » تعزيز التعاون » بين أوروبا الجنوبية و بلدان المغرب العربي. وأكد مصدر دبلوماسي فرنسي « لا نزال في مرحلة تمهيدية وليس لدينا مشروع جاهز بكل تفاصيله ». واوضح المصدر ان « تقييمنا هو ان التعاون في المنطقة يراوح مكانه في حين ثمة مجالات يمكن ان تتعاون فيها الدول في مجموعات صغيرة لا سيما في مجال الطاقة والبيئة والهجرة ومكافحة الارهاب. وتتمثل الفكرة في انشاء تضامن ملموس على ان يتم وضع الانظمة لاحقا كما تم بناء الاتحاد الاوروبي ». من الجدير بالذكر في هذا الصدد،  القول أن مستثمري البلدان الناشئة من الصين و الهند و دولة الإمارات العربية ،هم  الذين يحققون اختراقا ملفتا في شمال إفريقيا الذي يشهد بدوره نموا قويا.   . و من أبرز المراجع التي اعتمدها الرئيس ساركوزي لإنشاء اتحاد متوسطي يكون همزة وصل بين أوروبا و إفريقيا،  التقرير الذي أعدته كوكبة من الدبلوماسيين و المنظرين و المفكرين الفرنسيين لهذا الغرض وهو يحمل عنوان ( تقرير ابن سينا ) على اسم الفيلسوف الطبيب المسلم. و التقرير وثيقة ضرورية لفهم الغايات التي يرمي الى تحقيقها الرئيس الفرنسي الجديد الذي باشر الاصلاحات الجذرية الجريئة في كل مجالات الحياة في بلاده. و كان قادة دول المغرب العربي : الملك  المغربي محمد السادس ، و الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، و الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ، قد أكدوا للرئيس الفرنسي في برقيات التهنئة، التزامهم بالتعاون مع فرنسا لإنشاءاتحاد متوسطي جديد، يكون فضاء  للسلام و التعاون  و التنمية . المشروع يقوم  على إنشاء إلى جانب الأوروميد – برنامج للتعاون بين الاتحاد الأوروبي  مع بلدان حوض المتوسط  و الشرق الأدنى، أطلق منذ عشر سنوات  لكنه جمد بسبب الصراع « الإسرائيلي »- الفلسطيني –لتأسيس شراكة تقوم على معادلة « 5+5 »: خمس بلدان من جنوب الاتحاد الأوروبي(إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، اليونان ، البرتغال)تتعاون مباشرة مع خمس بلدان من جنوب المتوسط:  الجزائر، تونس، المغرب،ليبيا ومصر. وتقوم فكرة المشروع على البناء التدريجي لهذا الاتحاد المتوسطي الجديد من خلال القمم المنتظمة ، ثم  عبر المؤسسات  المقلّدة من مؤسسات الاتحاد الأوروبي  في بدايات تشكله في خمسينيات القرن الماضي ، إذ إن المقاربة ستكون اقتصادية  في جوهرها. و الحق يقال، أن الفكرة ليست جديدة،فالقمة 5+5 ، عقدت في تونس  في ديسمبر 2003، و هناك عدة اجتماعات مشابهة  ضمت وزراءالمالية أو الدفاع ، عقدت بشكل سري خلال العشر سنوات الماضية.و كان واقع الإخفاق  لأوروميد، عقب الذكرى العاشرة لاتفاق الشراكة الأورو- متوسطية  في برشلونة  في نوفمبر 2005 ، قد حث على الإسراع ببلورة هذا المشروع الجديد. يستند هذا المشروع إلى التقرير الذي استعرض العلاقات الفرنسية المتوسطية أي في الحقيقة علاقات باريس التقليدية مع بلدان المغرب العربي : تونس و الجزائر و المغرب، نزولا الى مصر وتركيا كشركاء لبلدان ساحل البحر في الشمال أو في الشرق أي فرنسا و ايطاليا وأسبانيا و اليونان و مالطا و قبرص. و في الأسبوع الماضي تكلم وزير خارجية البرتغال السيد لويس أمادو عن تحمس بلاده للانضمام الى هذا الاتحاد، رغم أن البرتغال لا تقع على ضفة المتوسط، لكنه يطالب بادراج موضوع الاتحاد المتوسطي في جدول أعمال اجتماع وزراء الخارجية للمنتدى المتوسطي الذي يجتمع هذا الأسبوع في جزيرة كريت اليونانية. و يمضي التقرير في تقييم العلاقات الفرنسية المغاربية فيؤكد على طابعها التاريخي و لكنه يعترف بأن سياسات باريس لم تكن دائما مستقرة الأهداف و منطقية الخيارات باتجاة المغرب العربي، و كذلك الأمر باتجاه أزمات المشرق العربي، مما جعل أبواب هذه الأقاليم تنفتح تدريجيا على القوى الأخرى الطموحة للحضور فيها مثل الولايات المتحدة و لكن أيضا الصين و روسيا. و يقول التقرير بأن هذه العلاقات لم تبلغ مستوى المخاطر المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط و التي تهدد فرنسا و أوروبا اذا ما تم اهمالها. فبلدان المغرب العربي تونس و الجزائر و المغرب تستدعي نفسها باستمرار في كل حوار فرنسي داخلي حول ملفات الهجرة و الأمن و اندماج المقيمين و العلمانية و مكافحة الارهاب، و يقترح التقرير مضاعفة الجهد الفرنسي باتجاه هذه البلدان الثلاثة حتى يرقى الى سياسة منهجية و مستديمة للشراكة في التنمية و التنسيق على كل الأصعدة. و يلفت التقرير النظر الى تعطل اتحاد المغرب العربي و أسبابه المعروفة. الدعاة المتحمسون للمشروع الجديد ، يريدون أن يستفيدوا  من النموالاقتصادي  الهائل  الذي تشهده منطقة المغرب العربي،منذ عدة سنوات، إما بفضل تزايد المداخيل المتأتية من الريع النفطي، أو بسبب انتقال خطوط الإنتاج الصناعية من البلدان الأوروبية باتجاه البلدان المغاربية، التي فتحت أسواقها الواعدة للشركات الأوروبية التي تنفذ مشاريع استثمارية في مجال « الاوفشور التكنولوجي » وصناعة قطع غيار الطائرات والسيارات (ستتسع رقعة السوق المغاربية الي 100 مليون نسمة في 2010  )،من أجل تشغيل و تثبيت  اليد العاملة الرخيصة، حتى لا تحاول الانتقال إلى الضفة الشمالية من المتوسط.  لقد التزم المغرب بأن يتحول من الآن وحتى 2015   في نفس المستوى الاقتصادي للبلدان الناشئة  على غرار جنوب إفريقيا أو البرازيل . وكانت الوكــــالة الفـــرنسية للاستثمارات الخارجية،ذكرت  ان المغــرب حصل على اكـــبر حجم من الـــتدفقـــات الاستثـــمارية الأجنـــبية المبـــاشرة المــوجهة إلى دول شمال أفريقيا العام الماضي والتي بلغت نحو 12 بليون يـــورو، حصــلت الرباط على نصفها، فيما حصلت تونس على 3.8 بليـــون يورو، والجزائر 2.3 بليون. وقُدّرت الاستثمارات الأوروبية في المغرب بتسعة بلايين يورو بين 2003 و2006، خصوصاً من فرنسا وأسبانيا وبلجيكا، وشملت قطاعات الصناعة والاتصالات والمصارف والعقارات والسياحة والبنى التحتية. وقـــدرت الوكـــالة  الفرنسية مجموع الاستثمارات الأجنبية في جنوب البحر المتوسط وشرقه بـ 65 بليون يورو، منها 16 بليوناً إلى مصر، ثم تركيا 14 بليوناً، تليها « إسرائيل » بـ 13 بليوناً. وقدر حجم الاستثمار الأميركي في المنطقة، خصوصاً في دول الشرق الأوسط بـ 25 بليون يورو. وللمرة الأولى تتفوق الاستثمارات الخليجية على الأوروبية في المنطقة، بنسبة 36 في المئة، في مقابل 25 في المئة للاستثمارات الأوروبية، حيث أصبحت الإمارات العربية المتحدة أول مستثمر عربي في مجموع منطقة « مينا » بـ 17.7 بليون يورو، بقيادة مجموعات « القدرة » و « دبي القابضة » و « اعمار »، وتنفذ تلك الشركات استثمارات في المغرب تفوق 20 بليون دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، منها « مشروع أمواج » لتهيئة ضفتي نهر أبي رقرار، ومشروع كورنيش العاصمة « سفيرة »، ومنتج « بوكيمدن » السياحي الجبلي في مراكش، ومارينا الدار البيضاء. وستسمح تلك المشاريع باستقبال 10 ملايين سائح في 2010، وهو الرهان الذي يعول عليه المغرب لتحصيل إيرادات سياحية تزيد على 10 بلايين دولار. كما تسمح المنتجعات الجديدة بجذب أجانب، خصوصاً من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وأسبانيا ودول الخليج. أما الجزائر ، فإنها ستطلق في نهاية السنة الحالية 2007، مشروعها الجديد » السياسة الصناعية الجديدة » الذي يهدف إلى تجسيد القطيعة مع التبعية للعائدات المتأتية من الريع النفطي، بفضل تنوع  اقتصادها.و في تونس كما في المغرب، الهدف يكمن في تجاوز مرحلة نقل خطوط الانتاج الصناعية إلى البلدان المغاربية المستفيدة من مزايا رخص اليد العاملة و غيرها. المغرب العربي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بتحقيق التكامل الاقتصادي بين بلدانه ،في وقت تزيد فيه باقي التكتلات  الاقتصادية في العالم من وحدتها واندماجها. فالتجمعات الاقليمية الاقتصادية اصبحت ضرورة ملحة للدول.. وفي هذا السياق تتنزل الحاجة الملحة لاقامة فضاء مغاربي متكامل اقتصادي واجتماعي وثقافي في اطار شراكة حقيقية بين دوله وفضائه العربي والافريقي ومحيطه المتوسطي .. وقد ظلت المبادلات التجارية بين دول اشمال إفريقيا  ضعيفة حيث لم تتجاوز نسبتها 4 بالمئة من جملة المبادلات مع الخارج المقدرة بحوالي 137 مليار دولار. ولم يعقد اتحاد المغرب العربي الذي انشئ عام 1989 ويضم 80 مليون نسمة سوي قمة واحدة في عام 1994 بالعاصمة التونسية. ويرى الخبراء أن الواقع الاقليمي الجديد في ظل توسع الاتحاد الاوروبي وتاثيره علي مصالح دول المنطقة ومستقبل علاقاتها كدول شريكة يشكل حافزا للاسراع في تفعيل العمل المغاربي المشترك باتجاه اكساب مواقف بلدان المغرب تجانسا وتوافقا مع ما هو مطروح عليها من شراكات. ويظل  الاندماج الاقتصادي  بين بلدان المغرب العربي هو الضامن الوحيد لتوفر القدرة التنافسية للتعامل مع التحديات التي تفرضها المتغيرات الاقتصادية الدولية والاقليمية.
 
(المصدر:  صحيفة الخليج /آراء و تحليلات/  الصادرة يوم 10  جوان 2007)
 


معركة الشعار في مصر

 
محمد صلاح    
تتخطى الأزمة بين الحكومة المصرية وجماعة «الإخوان المسلمين» مسألة شعار «الإسلام هو الحل»، الذي يصر «الإخوان» على رفعه في حملتهم لانتخابات مجلس الشورى المقررة غداً وترفضه الحكومة استناداً الى تعديلات أدخلتها اخيراً على الدستور، وحظرت استخدام شعارات دينية في العمل السياسي عموماً وفي الانتخابات خصوصاً. المشهد السياسي المصري يشير الى أن «الإخوان» يتحدون الحكومة بإصرارهم على رفع الشعار رغم الحظر الدستوري والقانوني والحملات التي تستهدف مرشحي الجماعة ومناصريهم، والتي تشير الى إصرار حكومي على تفادي تكرار ما جرى في انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) التي جرت العام 2005 ونال «الإخوان» فيها 88 مقعداً، حيث رفع فيها مرشحو الجماعة الشعار الذي ذهب البعض الى اعتباره براقاً وجذاباً لفئة من الناس تتأثر بالدين اكثر من البرامج السياسية. لكن معضلات العلاقة بين الطرفين (الحكومة والإخوان) أكثر عمقاً، فلا الشعار وحده يمنح «الإخوان» أصواتاً مؤثرة في الانتخابات ولا تسبب في أي انتخابات سابقة في انقسام طائفي في المجتمع المصري، الذي يعاني مشاكل اخرى بين المسلمين والاقباط تنعكس في فتن بين الطرفين تنشأ من فترة الى اخرى في مناطق متفرقة من انحاء البلاد. العلاقة بين الدولة و «الإخوان» في مصر كطرفي مقص، كلاهما يتجه الى مسار مغاير لاتجاه الآخر، والتعديلات التي أُدخلت اخيراً على مواد الدستور وضعت حداً للتكهنات حول احتمالات الموافقة الرسمية على قيام حزب لـ «الإخوان المسلمين». فبعدما كان البعض يعتقد أن المواءمات السياسية والتغيرات الاقليمية والدولية والمعطيات التي فرضتها المطالب الدولية بالاصلاح ستدفع بالنظام المصري الى القبول بنشاط رسمي علني قانوني لـ «الإخوان»، بات واضحاً أن لا أمل في الوصول الى قواسم مشتركة تسمح بتحول «الجماعة» إلى حزب. فالدستور والقانون يحولان دون الوصول الى نقطة يلتقي عندها الطرفان. لكن «الجماعة» التي تم تأسيسها قبل نحو 80 سنة يبدو أنها غير معنية بالدساتير أو القوانين، وتعتقد انها قادرة على ادخال التعديلات التي تريدها في المستقبل عندما يصبح معظم الشعب المصري «إخواناً مسلمين»، وهو ما يسعى «الإخوان» دائما الى الايحاء به مستخدمين قدراتهم على تحريك جموعهم في مناسبات معينة حتى لو كانت جنازات الموتى من رموزهم. ينشط «الإخوان» بشدة هذه الأيام في الشارع من دون اعتبار للحملات الامنية ويرفعون الشعار المشكلة في حملة انتخابات الشورى بغض النظر عن توقيف مرشح او مجموعة من مؤيديه. فالتواصل مع الناس والحضور في الشارع والظهور في وسائل الإعلام تحولت لدى «الإخوان» الى أهداف وليس مجرد آليات أو وسائل، والتنظيم الذي اعتمد قادته منذ زمن خططاً بعيدة المدى لتحقيق مبادئه، لا يقف كثيراً عند الأحداث التي تجري على المدى القريب. أما الحكومة وحزبها الحاكم فالمؤكد أنهما اعتبرا أن التناحر مع «الإخوان» ليس مجرد سباق بين أفكار ورؤى ومواقف سياسية، وانما صراع من أجل الوصول الى الحكم، فالمعركة لا تدور فقط حول «الشعار» وإنما هي عمل مستمر يهدف الى وقف نمو التنظيم الاخواني الذي نجح عبر سنوات في ربط مصالح فئات من الناس به وهو أمر لم يحققه الحزب الوطني الحاكم حتى الآن. واذا سلمنا بصحة نتائج الانتخابات والاستفتاءات الأخيرة فإن نحو 75 في المئة من المصريين المسجلين في قوائم الانتخابات ما زالوا عازفين عن المشاركة السياسية ولا يذهبون إلى لجان الاقتراع. وهؤلاء لا ينتمون الى «الاخوان» ولا يتعاطفون مع الجماعة لأنهم لو كانوا كذلك لشاركوا باعتبار أن عملية التصويت لدى «الاخوان» ومناصريهم هي أمر واجب. والسباق بين الحزب الوطني الحاكم والجماعة على أشده لكسب أصوات هؤلاء. لكن يبدو أن الغالبية الصامتة ما زالت عند موقفها فهي لا ترغب في أن يحكم «الاخوان» البلاد وفي الوقت نفسه لم تقتنع بأن الحزب الوطني جدير بالتأييد، والى أن يظهر البديل فإن المعركة بين «الإخوان» والحزب الحاكم في مصر ستستمر حتى وإن بدا أنها مجرد خلاف على شعار.
(المصدر: صحيفة الحياة (يومية – لندن) الصادرة يوم 10 جوان 2007)


فصل آخر من خلافات تركيا: بمن ترتبط لجنة مكافحة الإرهاب؟

 
سامي شورش   
   يُرجّح للخلافات المتفاقمة بين المؤسستين العسكرية والسياسية في تركيا ان تأخذ في إتساع خطير. فإضافة الى تلك المتعلقة منها بمسألة الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، طرأت في الأسبوعين الماضيين تطورات أخرى أشارت الى أن الشقة أصبحت، بالفعل، عميقة الغور بين المؤسستين التركيتين. أهم هذه التطورات يتعلق بمحاولات حكومية لإخراج ملف حزب العمال الكردستاني، على الأقل الجزء المتعلق منه بنشاطاته في كردستان العراق، من يد المؤسسة العسكرية. ففي خطوة مفاجئة، أقدمت الحكومة قبل نحو اسبوعين على إقالة الجنرال المتقاعد أديب بشار المبعوث العسكري التركي لمكافحة الإرهاب الى اللجنة المشتركة مع الولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته، أعلنت تعيين مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية هو الديبلوماسي رفعت آق جوناي بدلاً عنه في عضوية اللجنة. ويشار الى أن اللجنة المشتركة لمكافحة الإرهاب التي تختص بنشاطات حزب العمال خارج الحدود التركية، تأسست قبل نحو عامين بإقتراح أميركي. وفي ما بعد، أوضحت واشنطن أن الهدف من اللجنة هو مساعدة أنقرة في ملاحقة مقاتلي حزب العمال المتمركزين في بعض الجبال النائية في كردستان العراق. لكن مقربين من الدائرة السياسية في أنقرة أكدوا أن الهدف الحقيقي إقناع أنقرة بعدم إجتياح كردستان العراق لملاحقة مقاتلي الحزب مقابل جهود أميركية هدفها حل سلمي لمشكلة التواجد الكردي التركي في كردستان العراق. يذكر أن أنقرة أطلقت في تلك الفترة موجة تهديدات بإجتياح المنطقة الكردية العراقية رداً على إيوائها مقاتلي الحزب. لكن القيادة الكردية ردّت بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي في وجه أي إجتياح عسكري. غير أن الأميركيين لم ترق لهم لغة التهديد العسكري لإعتبارات في مقدمها أن كردستان العراق تشكل البقعة الآمنة الوحيدة في عراق مضطرب. لهذا سارعوا الى إقناع أنقرة بتأسيس اللجنة بغية التوصل الى حل سلمي عبر التعاون مع أكراد العراق. وبادرت تركيا الى تعيين بشار مندوباً عنها الى اللجنة، فيما إنتدبت واشنطن جنرالها المتقاعد جوزيف رالستون. لكن اللجنة، رغم مضي أكثر من عام على تأسيسها، عجزت عن إنجاز شيء ملموس. بل ان التهديدات التركية الخطيرة ما فتئت تتواصل بإجتياح المنطقة وتدمير قواعد حزب العمال ومعاقبة أكراد العراق، فيما شرع الجيش التركي بالإنتشار في مواقع حدودية عدة. ويرى عدد من المراقبين لشؤون العلاقات التركية الكردية ان السبب الاساس وراء فشل اللجنة في أداء مهماتها يتمثل في تركيبها العسكري. ويضيف هؤلاء أن المبعوث التركي الى اللجنة ظل مرتبطاً في أعماله و نشاطاته ومواقفه بالمؤسسة العسكرية التي يُعرف عنها تشددها في التعامل مع الموضوع الكردي، كما يُعرف عنها سعيها الدائم لحجب ملف التعامل مع الأكراد وحزب العمال الكردستاني عن الحكومة والمؤسسة السياسية. والأنكى، أن أوساطا سياسية تركية راحت في الفترة الأخيرة تشير الى إجتمالات بينها أن الجيش لا يريد وضع حد لمشكلة حزب العمال، أو حتى وضع حد سلمي للمشكلة المتمثلة بوجود مقاتلين لحزب العمال في كردستان العراق. وديدن هذه الأوساط في رأيها هذا أن إستمرار مشكلة حزب العمال في داخل تركيا أو في كردستان العراق سيوفر للجيش التركي ذريعة الإحتفاظ بنفوذه الواسع ودوره الكبير في الحياة السياسية في أنقرة. في هذه الغضون، رأت الحكومة التركية التي يرأسها زعيم حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) رجب طيب أردوغان أنها ستظل عاجزة عن الوفاء بتعهداتها في حال إستمرت مؤسسة الجيش تمتلك ناصية القوة. لهذا، سارعت الحكومة الى الإنصياع لكثير من الشروط التي وضعها الإتحاد الأوروبي لتطبيق إصلاحات إقتصادية وسياسية وقانونية في البلاد بغية تهيئتها للإنضمام الى الإتحاد. وفي سياق ذي صلة بهذا، حاولت تقليص نفوذ العسكر وفرض سيطرتها المباشرة على ملف التعامل مع الأكراد. وكانت تصريحات أردوغان في ديار بكر قبل أكثر من عام، دليلاً على رغبة السياسيين في تسلم ذاك الملف. لكن مؤسسة الجيش التي ترددت في اللجوء الى خيار الإنقلابات، لخوفها من ردود أفعال أميركية مناوئة لفكرة الإنقلاب العسكري، ظلت تشدد، على الأقل بصوت غير مسموع، على معارضتها لرغبات السياسيين في التعامل المباشر مع الشأن الكردي الداخلي والخارجي. لكن حالة الصراع الصامت سرعان ما إنفجرت في الفترة التي أعلن فيها أردوغان أن مرشح حزب العدالة والتنمية لرئاسة الجمهورية هو وزير خارجيته عبدالله غل. والأرجح أن انفجار الصراع خلق الفرصة المناسبة أمام أردوغان لتوجيه ضربة جديدة الى الجيش في الموضع الذي يؤلمه، أي في ملف التعامل مع مشكلة حزب العمال الكردستاني. لهذا جاء قراره إقالة أديب بشار من عضوية اللجنة المشتركة لمكافحة الإرهاب سريعاً وحاداً. في المقابل، حاول الجيش إمتصاص قوة الضربة عن طريق إستغلال التفجير الإرهابي الذي إستهدف وسط العاصمة التركية قبل نحو إسبوعين لإتهام حزب العمال بالمسؤولية عن التفجير. ورغم أن الحزب نفى مسؤوليته عن التفجير وشدد على إدانته للعمليات الإرهابية إلا أن الجيش ظل متمسكاً بتوجيه التهمة اليه، خصوصاً بعدما ألقت قوات الأمن في مدينة أضنة القبض على فتاة كردية تحمل متفجرات في حقيبتها. هنا أيضاً، سارع الجيش، من جهة، الى إتهام الفتاة بالإنتماء الى حزب العمال، ومن جهة ثانية، الى كيل الإتهامات لأكراد العراق بإيواء مقاتلي حزب العمال ومساعدتهم في التسلل الى داخل تركيا، وبتوجيه الوعيد بإجتياح مناطقهم. وفي الواقع، يرى أكثر من مراقب سياسي أن تصريحات المسؤولين العسكريين بعد حادثي التفجير والإعتقال، تشير الى درجة الإستياء في أوساط الجيش من قرار حكومة أردوغان فك إرتباط اللجنة المشتركة الخاصة بمكافحة الإرهاب عن المؤسسة العسكرية. ومعروف أن الحكومة التركية لم تتحدث في إقالتها للجنرال المتقاعد أديب بشار عن الجيش أو الملف الكردي أو إرهاب حزب العمال، إنما بررت قرارها بتصريحات أدلى بها بشار الى وسائل إعلامية ألمانية إنتقد فيها ترشيح غل (الإسلامي) لمنصب رئيس الجمهورية. لكن الجيش التركي لم يأخذ بهذه التبريرات، مشدداً على أن قرار الإقالة لا يعدو كونه محاولة حكومية أخرى للحد من نفوذ العسكر في البلاد. أين يقف الأميركيون من تطور كهذا؟ في الواقع، لم تبد واشنطن أي رد فعل سلبي أو إيجابي على القرار التركي، معتبرةً إياه شأناً داخلياً بحتاً. وفي الوقت عينه، أوضحت أنها مستعدة للتعامل مع أي مبعوث تعينه أنقرة محل أديب بشار. لكن أوساطاً بين المراقبين للعلاقات الأميركية التركية، لا تستبعد تفاؤلاً أميركياً بربط اللجنة المشتركة بالحكومة في أنقرة. فلربما رأى الاميركيون ان هذا التطور قد يفتح آفاقاً جديدة أمام حل سلمي لمشكلة المقاتلين التابعين لحزب العمال في كردستان العراق. كما أنه قد يهيء أرضية ملائمة لتعاون كردي عراقي أقوى مع اللجنة المشتركة. والى ذلك، قد يمهد خروج العسكر التركي من اللجنة المشتركة الى الامعان في تقليص سلطة الجيش، ما يمكن أن يفتح بعض الآفاق أمام تزايد إستعدادات أنقرة لإيجاد حل سلمي أشمل لعموم الموضوع الكردي في تركيا، على الأقل في مستوياته الثقافية والإقتصادية والتعليمية.
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 10 جوان 2007)


محكمة تلغي قراراً للجامعة الأميركية بمنع دخول منقّبة

 
القاهرة – الحياة  
   أيّدت المحكمة الإدارية العليا، أمس، حكماً لمحكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار الجامعة الأميركية في القاهرة بمنع باحثة منقبة من دخول مكتبة الجامعة. وكانت محكمة القضاء الإداري قضت في العام 2001 بإلغاء قرار الجامعة بمنع المدرّسة المساعدة المنقبة في جامعة الأزهر إيمان الزيني من دخول المكتبة.    وأكدت المحكمة في حكمها أن «ارتداء النقاب داخل الجامعة يدخل في دائرة المباح شرعاً وقانوناً وان الحظر المطلق بارتداء النقاب غير جائز». كما أكدت جواز إلزام المرأة المـــنقبة بالكشف عن نقابها متى اقتضت الضرورة والصالح العام في التحقق من شخصيتها تحت رقابة القضاء، وإلزام المرأة المنقبة بما تفرضه بعض الجهات من ازياء على المنتمين اليها في نطاق الدائرة التي تحددها إن هي رغبت في الاندراج ضمن أفراد تلك الدائرة. وقررت وقف تنفيذ قرار الجامعة الأميركية في القاهرة بالحظر المطلق على ارتداء النقاب، ورفضت الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بالنظر في منازعات مماثلة. وصدر الحكم من دائرة توحيد المبادئ في المحكمة الادارية العليا برئاسة المستشار سيد نوفل رئيس مجلس الدولة. وقالت المحكمة في أسباب حكمها إن المستفاد من الشريعة الإسلامية التي هي المصدر الرئيسي من التشريع بحسب نص المادة الثانية من الدستور أن زي المرأة المسلمة يجب ألا يكون وصّافاً يفصّل أجزاء الجسم ولا شفافاً أو لافتاً للنظر، وأن يكون ساتراً للجسم كله مع الوجه والكفين أخذاً بقول الله تعالى في سورة الأحزاب «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن». أما نقاب المرأة التي تغطي به وجهها وقفازاها اللذان تغطي بهما كفيها فجمهور الفقهاء ذهب إلى أن ذلك ليس واجباً وإنما يجوز لها أن تكشف وجهها وكفيها. وقالت المحكمة إن المشرّع الدستوري أضفى سياجاً من الحماية على الحرية الشخصية وعلى الحقوق والحريات العامة، ولما كان ارتداء النقاب بالنسبة إلى المرأة المسلمة هو أحد مظاهر هذه الحرية فإنه لا يجوز لجهة الإدارة أو أي جهة أخرى حظر ارتدائه حظراً مطلقاً.
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 10 جوان 2007)

 

شعر حسني مبارك ..

اهداء الى شعب مصر

و إلى إخواني رؤساء الدول العربية وملوكها

وورثتهم إلى يوم الدين ياشعبي حبيبي ياروحي يابيبي     ياحاطك في جيبي يابن الحلال

ياشعبي ياشاطر ياجابر خواطر    ياساكن مقابر وصابر وعال

ياواكل سمومك يابايع هدومك    ياحامل همومك وشايل جبال

ياشعبي اللي نايم وسارح وهايم   وفي الفقر عايم وحاله ده حال

احبك محشش مفرفش مطنش    ودايخ مدروخ واخر انسطال

احبك مكبر  دماغك مخدر       ممشي امورك كده باتكال

واحب اللي ينصب واحب اللي يكدب    واحب اللي ينهب ويسرق تلال

واحب اللي شايف وعارف وخايف    وبالع لسانه وكاتم ماقال

واحب اللي قافل عيونه المغفل    واحب البهايم واحب البغال

واحب اللي راضي واحب اللي فاضي    واحب اللي عايز يربي العيال

واحب اللي يائس واحب اللي بائس    واحب اللي محبط وشايف محال

واحبك تسافر وتبعد تهاجر     وتبعت فلوسك دولار  او ريال

واحبك تطبل تهلل تهبل     عشان مطش كوره وفيلم ومقال

واحبك تأيد  تعضض تمجد     توافق تنافق وتلحس نعال

تحضر نشادر تجمع كوادر     تلمع تقمع تظبط مجال

لكن لو تفكر تخطط تقرر   تشغلي مخك وتفتح جدال

وتبدأ تشاكل وتعمل مشاكل   وتنكش مسائل وتسأل سؤال

وعايز تنور وعايز تطور    وتعمللي روحك مفرد رجال

ساعتها حجيبك  لايمكن اسيبك    وراح تبقى عبره وتصبح مثال

حبهدل جنابك واذل اللي جابك   وحيكون عذابك ده فوق الاحتمال

وامرمط سعادتك واهزأ سيادتك    واخلي كرامتك في حالة هزال

وتلبس قضيه وتصبح رزيه     وباقي حياتك تعيش في انعزال

  حتقبل ححبك حترفض حلبك    حتطلع حتنزل حجيبلك جمااااال

 

اختيار و تصرّف : وحيد الضاحك الباكي

 


Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.