السبت، 11 مارس 2006

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2119 du 11.03.2006

 archives : www.tunisnews.net


الشيخ عمر بن جمعة يؤبّن الشيخ الفقيد البشير يعقوب –   فَـــازْدَدْ عُــلـُــوًّاَ الأستاذ إبراهيم سويسي: ترجمة الشيخ البشير يعقوب رحمه الله

رويترز: منشقان عن رابطة حقوق تونسية يتهمونها بالسعي لعزلهما الجزيرة.نت: تونس تنظم مهرجانا دوليا للإنشاد الـتيار النقابـي الـتقـدمي: حقائـق أساسية عن الوضع النسائي الحوار نت: أي دور للمرأة في حركة الصحوة الاسلامية المعاصرة ؟ أحمد نجيب الشابي: الإفراج عن المساجين السياسيين – خطوة مترددة …. في الاتجاه الصحيح الطاهر بن حسين: هل يمكننا اليوم أن نتحالف مع حركة النهضة الاسلامية؟ محمد فوراتي: عائلات تنتظر التعويض بعد أن هدّت الجرافات منازلهم مصباح شنيب: حكاية هرسلة….فصولها متواصلة أبوحيّان التونسي: ضاع النظام التربوي في إصلاح الإصلاح أ.د. أحمد بوعزّي: بدون وجود مسار دراسي للنوابغ لن يرتفع مستوى التعليم العالي جيلاني الهمامي: الدولة العربية الحديثة وخاصية الاستبداد ليلى المازني: هل يعرف التونسي ما من المفروض أن يعرفه آمـال مـوسى: غداة يومها العالمي: المرأة العربية ووضعيتها المرتبكة رضا الملولي: خمسون سنة على الاستقلال: أين هؤلاء من التحديات القائمة؟! برهان بسيس: تقرير واشنطن عن حقوق الانسان رشيد خشانة: حلف شمال الأطلسي يستكمل دمج المغرب العربي تحت مظلته الإستراتيجية يزيد بوعنان: كيف تنظر أمريكا إلي شمال إفريقيا؟ محمد كنيشي: الصراع علي الإسلام بين الفقيه السلفي والفقيه الحداثي


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

قبلي تودع واحدا من أبرز أبنائها

 

ودعت مدينة قبلي في جنازة مهيبة يوم السبت الماضي الشيخ البشير يعقوب عن سن تناهز الستين ونيف. وشيعه من أمام منزله حشد غفير من النساء والرجال بدت على معظمهم مظاهر الحزن والتأثر الشديد كما امتلأت الطريق الرابطة بين منزله ومقبرة المدينة بآلاف المواطنين من مختلف الأجيال.

شغل المرحوم إمام لجامع  » بلال » طيلة ربع قرن قبل أن يقع عزله منذ بضعة أشهر وتزامن ذلك مع إيقاف أصغر أبنائه ( من مواليد 1986) مع مجموعة من شبّان قبلي بتهمة تكوين مجموعة إسلامية تنوي دعم المقاومة في العراق. وفي الأصل فإن الشيخ بشير يعقوب قضى ربع قرن من حياته في تدريس التربية الإسلامية بالمعهد الفني بقبلي.

ولم يقتصر نشاطه على إمامة المصلين والتدريس بل تعدّاه إلى مجالات أخرى تهمّ الشأن العام. فهو من مؤسسي مجلة « أضواء » الفكرية المعتبرة والتي ظهرت في الثمانينات وجمعت حولها ثلّة من رجال الفكر والثقافة بمختلف مشاربهم، وهو عضو ناشط بفرع قبلي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وهو مرجع ديني ودنيوي لعديد المواطنين نظرا لإتّساع إطلاعه وللثقة التي يتمتع بها لدى الجميع.

جمعتني بالفقيد عديد المحطات طيلة عقدين في مجال التعليم والثقافة وحقوق الإنسان وكان شغوفا بالفكر والجدل إلى درجة التصوّف مما جعله مستمعا جيّدا لآراء الجميع بما فيهم الذين يخالفونه الرأي. ولم يكن في يوم من الأيّام في قطيعة مع السلطة رغم جرأة تدخلاته في المناسبات التي تنظمها هذه الأخيرة.

رحم الله الفقيد ورزق أهله وذويه جميل الصبر والسلوان

 

العربي بن حمّادي

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 350 بتاريخ 10 مارس 2006)

 

 

 الشيخ عمر بن جمعة شفاه الله يؤبّن الشيخ الفقيد البشير يعقوب رحمه الله

 وتغمده بجميل عفوه

   

  

 

صورة للشيخ الفقيد البشير يعقوب رحمه الله وأكرم مثواه

 

 

على إثر سماعه بوفاة الشيخ الفاضل البشير يعقوب، كتب أحد علماء نفزاوة الشيخ عمر بن جمعة – وهو على فراش المرض- قصيدة شعر تأبينا للفقيد وقد أرسلها مع أحد أبنائه وتمّت قراءتها عند الدّفن في مقبرة مدينة قبلي يوم الجمعة 3 مارس 2006 بحضور أكثر من خمسة آلاف مشيّع في جنازة مهيبة لم تشهد لها منطقة نفزاوة مثيلا.

رحم الله تعالى الشيخ البشير يعقوب وتقبّله بقبول حسن.

 الأستاذ إبراهيم سوبسي   

 

 

 

 فَـــازْدَدْ عُــلـُــوًّاَ

  عمر بن جمعة (المريض)، نويل في 2 مارس 2006

اِبني: وداعا  إلى المقام العــــــــــــــالي      حيث الملائكُ  لك في استقبال

حيث الملائك حول روحك خشعٌ         يشْدون شدْوَ النبل والإجـــــلال  يتلــــــــــون آيــــــــات لنفس زكيـــــــة      غرست غُروسا أثمرت في الحال   بذرت بذور الخـــــــــــــــــير في  آفاقها        فذوت بذور الشّرّ والإضلال   هدي الشباب بهديـــــــك ورشادك        وصلاحك وبنورك المتـــــلالي   أنت الحليــــــم المخلـــــص في سعيه          مثــلا فريـــــــــدا عزَ  في الأمثـال   أسعدت  نفسك في حياتك كلِّها      بجلائـــــــــل الأفعـــــال  والأقوال   أنت الشجاعة والصراحة والتُّقى      فأنرت هـــــــــــــدي الله للأجيال   إن غاب جسمك عن حياة ذميمة       فالروح  باقيــــــــــة بـــــدون زوال   قد كنت أرجوك شهيـــــد جنازتي(*)          وإذا القضــــــــاء مغير الأحوال   فاسعد بربك واسعدنْ بجــــــــــواره      وازدد علـــوا يا بشيــــــر الغالي   وانعم بنــــــــــــي بالمقــــــــام بجنــــة       دار الرضى والفـــــوز والإدلال  

(*) الشيخ عمر حفظه الله أكبر سنّا من الشيخ الفقيد وهو يعاني من المرض منذ سنوات نسأل الله تعالى له العافية

 


 

ترجمة الشيخ البشير يعقوب رحمه الله

 

         الشيخ من موليد مدينة قبلي بالجنوب التونسي سنة 1936 م.

         حفظ القرآن الكريم على يدي الشيخ محمد بن سليمان النعمان في مسجد قبلي القديمة في وسط الواحة، مع العلم أنّ والده الشيخ التهامي يعقوب من حفظة القرآن الكريم ومعلّميه.

         درس في فرع الزيتونة بقبلي ثمّ التحق بالجامع الأعظم بالحاضرة.

         تحصّل على شهادة الأهليّة سنة 1955.

         وأخذ شهادة التحصيل سنة 1958.

         شارك في مناظرة لانتداب المعلّمين سنة 1959 فنجح فيها وعيّن بموجب ذلك معلّما.

         قام بالتدريس كمعلّم في: سوق الأربعاء، وطبربة، ومدرسة نهج الجلد.

         عندما فُتِح الباب للدرّاسة الليلية في الشريعة وأصول الدين » بالجامعة الزيتونية، انتظم الشيخ فيها وتحصّل على الإجازة سنة 1973 .

         انتدب أستاذا للتربية الإسلاميّة في مدينة صفاقس :1973-1977.

         وانتقل للتدريس بالمعهد الثانوي بقبلي:1977-1994.

         أحيل على التقاعد سنة 1994.

 

النّشاط الدّعوي:

         بدأ العمل الدعوي للشيخ بمسجد  » بُوخُرَيْبَة » حيث كان يلقي دروسا أسبوعية كلّ يوم جمعة مساء.

         كان يقدّم دروسا في التجويد في نفس المسجد يوم الاثنين.

         قام بنيابة الشيخ مصطفى الصغيرون في الإمامة والخطابة في جامع النزلة طيلة غياب الإمام بسبب المرض.

         بعد بناء جامع بلال بقبلي، اختار المصلّون الشيخ للإمامة والخطابة فيه:1982-2005

         تحوّل نشاطه إلى مسجد بلال وتركّز فيه: درس الجمعة ، وملّة القرآن الكريم، بالإضافة إلى إحياء المناسبات الدينية.

         من أهمّ الموضوعات التي تناولها الشيخ في دروسه: النّظام الاجتماعي و العدالة الاجتماعية في الإسلام، النظام الاقتصادي في الإسلام، النظام السياسي في الإسلام، مقاصد الشريعة الإسلامية، النظام الأخلاقي الإسلامي،…

         ترك الشيخ مكتبة كبيرة وثرية بالعديد من أمّهات الكتب. وله الكثير من الموضوعات المكتوبة بخط يده  في: الفقه، والعقيدة، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث بالإضافة إلى دروسه وخطبه. عسى أن يتمحّض لها بالتحقيق والطبع  أبناؤه أو طلابه.

 

النشاط العام:

         كان الشيخ عضوا ناشطا في نادي الفكر بدار الشباب بقبلي والذي كان يصدر مجلّة : » أضواء » التي ساهم الشيخ في الكتابة فيها.

         قدّم العديد من المحاضرات الثقافية المتعلّقة بالقضايا الرّاهنة: فلسطين، أفغانستان، … وذلك سواء في دار الشعب أو في مقرّ اتحاد الشغل.

         كما دعي للمحاضرة في مختلف المناطق المجاورة.

         كان يحضر ويساهم في نقاشات ومحاورات نادي السنما حيث يلتقي مثقّفو الجهة بمختلف مشاربهم.

         كان مهتمّا بالعمل النّقابي ومدافعا عن العمّال واستقلاليّة الاتحاد العام التونسي للشغل وخاصّة في الفترات الصعبة التي مرّت بها المنظمة الشغيلة.

         كان عضوا ناشطا في فرع « المنظمة التونسية لحقوق الإنسان » ويشارك في أعمالها ومداولاتها.

         كان مشرفا على الصفحة الدينية في مجلّة النبراس الإلكترونية.

         كان مهتمّا بالفلاحة ويحضر مع الفلاحين الذين كانوا يعدّونه فعليّا: « خبيرا فلاحيا » لكثرة اطلاعه وبحثه في هذا المجال.

         كان الكثير من أهل المنطقة يستفتونه، ويتوسّطون به في حلّ منازعاتهم العائلية والعامّة.

 

الحالة العائلية:

الشيخ متزوّج وأب لستّة أبناء وبنت واحدة. أحد أبنائه، وعمره 20 سنة، مسجون بسبب رغبته في الذهاب للجهاد في العراق.

الوفاة:

توفي الشيخ يوم الخميس: 02 صفر 1427 هجرية / 02 مارس 2006  عن عمر يناهز السبعين عاما.

ودفن بمقبرة قبلي يوم الجمعة 03 صفر 1427/03مارس 2006 بعد صلاة العصر بحضور أكثر من عشرة آلاف مشيع.     رحمة الله عليك ياشيخنا الفاضل.

تجميع وترتيب: الأستاذ إبراهيم سويسي

Bs23@wanadoo.fr

 

 


 

منشقان عن رابطة حقوق تونسية يتهمونها بالسعي لعزلهما

 

تونس (رويترز) – شكك يوم السبت عضوان منشقان عن الرابطة التونسية لحقوق الانسان ينتميان للحزب الحاكم في جدوى مفاوضات تعقد لحل الازمة مع الهيئة التي تدير الرابطة والتي اثارت جدلا واسعا في اوساط جماعات حقوقية في الداخل والخارج.

 

واتهم رئيسا فرعي تونس ومونفلوري للرابطة رضا الملولي والشاذلي بن يونس ادارة الرابطة « بمواصلة الانفراد بالقرارت واعتماد سياسية الاقصاء » في اشارة قوية لتبدد الامال بالتوصل لنزع فتيل الازمة بين الطرفين المتخاصمين.

 

وتتهم ادارة الرابطة السلطات التونسية بالسعي لعرقلتها بعد اصدار محكمة تونسية في سبتمبر ايلول من العام الماضي حكما بارجاء انعقاد مؤتمرها لحين الفصل في نزاع داخلي بين الادارة واعضاء فيها ينتمون لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم.

 

وقال الملولي وبن يونس في بيان مشترك حصلت رويترز على نسخة منه « انهما لم يتلقيا دعوة للمجلس الوطني للرابطة يوم 12 مارس اذار بتونس.. بما يدعو للتساؤل حول مصداقية المساعي والوساطات التي تعقد. »

 

وتسعى منظمات وشخصيات حقوقية في الداخل والخارج الى تقريب وجهات النظر بين الاطراف المتنازعة غير ان تمسك اعضاء من التجمع بعدم سحب شكواهم ضد الرابطة جعل حسم المسألة في ايدي القضاء الذي اجل عدة مرات جلسات هذه القضية.

 

وجدد الملولي وبن يونس اتهامهما لادارة الرابطة بخرق القانون الاساسي للرابطة. وقالا انهما « يسجلان مجددا وبكل اسف امعان الهيئة المديرة للرابطة في منطق الابعاد والاستبعاد والاصرار على الممارسات التعسفية والانفرادية. »

 

واطلقت الرابطة وهي أعرق منظمة حقوقية في العالم العربي تأسست منذ 1975 حملة لحشد تأييد دولي من منظمات حقوقية دولية لمواجهة ما وصفته بمحاولات تحطيمها ووأدها من قبل السلطات.

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 11 مارس 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

 


 

 

شهادة السجين نجيب الفراتي

ينقلها: الحبيب المباركي

 

أودعت بالطابق العلوي للمصحة في غرفة انفرادية ليس بها أي مرافق صحية « بيت خلاء, ماء , تهوئة » أما النافذة فمغلقة و مثبتة بالمسامير. و كنت أستعمل سطلا للغسيل وأخر للمياه المستعملة, ولقضاء الحاجة كان علي أن أطرق الباب و أنتظر قدوم العون الذي يستدعي بدوره الملازم الوحيد المخول له فتح الباب, وفي بعض الأحيان لا يأتي الملازم فأضطر لانتظار قدوم عون الحراسة الليلة… أما أوقات الفسحة فغير منتظمة و كثيرا ما يقع التغافل عني, فلا أغادر الغرفة طيلة اليوم وقد لا يتم تمكيني حتى من الأكلة!!!

 


 

 

انتخاب السيد محمد بوشيحة أمينا عاما لحزب الوحدة الشعبية

 

أعلن السيد هشام الحاجي الناطق الرسمي باسم المؤتمر السابع لحزب الوحدة الشعبية صباح اليوم السبت خلال ندوة صحفية عن إعادة انتخاب المؤتمر للسيد محمد بوشيحة أمينا عاما للحزب للفترة 2006/2010.

وأشار إلى أن عملية الانتخاب تمت وفق ما ينص عليه النظام الداخلي للحزب واثر توصية من المكتب السياسي المتخلى مبينا أن هذه التوصية جاءت لتأكيد أهمية ما قام به السيد محمد بوشيحة من عمل في الفترة السابقة وفى إطار الحرص على مواصلة المسيرة الناجحة للحزب ودعم الانسجام بين مختلف إطاراته ومناضليه.

وعبر باسم كل المؤتمرين عن عميق الشكر إلى الرئيس زين العابدين بن علي على ما قدمه من مساعدة لإنجاح المؤتمر وهو ما يعكس الثقة المتبادلة بين السلطة والحزب والتفاعل الايجابي بين مختلف الأطراف السياسية التي تحرص على تكريس الديمقراطية .

وبين أن اللجان الأربع المنبثقة عن المؤتمر ستناقش اللوائح الخاصة بالنظام الداخلي والسياسة العامة والثقافة والتربية والتعليم والشؤون الاقتصادية والاجتماعية وإنها ستتولى إعداد اللائحة العامة لعرضها على مصادقة المؤتمر في ختام أشغاله.

 

(المصدر: موقع « أخبار تونس » الرسمي بتاريخ 11 مارس 2006)

 


 

 

تونس تنظم مهرجانا دوليا للإنشاد

 

 قال منظمون إن فرقا من أوروبا وأفريقيا ستشارك بالدورة الثانية من مهرجان الإنشاد الدولي بالعاصمة التونسية والذي يبدأ يوم غد الأحد، وتنظمه جمعية أحباء الموسيقى غير الحكومية المعنية بالترويج للموسيقى العالمية لمدة أسبوع.

وتتميز التظاهرة الثقافية الوحيدة في البلاد المختصة بتقديم هذا النمط من الموسيقى بسهرات تقام في المسرح البلدي بالعاصمة والمركز الثقافي بضاحية حمام الأنف بغياب الآلات الموسيقية، حيث ستقتصر العروض على الإنشاد والغناء الأوبرالي.

وقال مدير جمعية أحباء الموسيقى  لطفي المرايحي إن « هذه الدورة ستقدم عديدا من الأصوات الفنية من تونس وأفريقيا وأوروبا في تجليات إبداعية دون مرافقة موسيقية، وهي الخصوصية الرئيسية لهذا المهرجان الذي يعتمد على الأداء الصوتي فقط ».

ومن أبرز عروض السهرة مجموعة تينورس دي بتي المتكونة من أربعة أصوات قادمة من جزيرة سردينيا حاملة الإرث البولوني لجنوب إيطاليا، كما يقدم مجموعة من الطلبة الأفارقة الذين يدرسون بتونس عرض « المجموعة الأفريقية » ينشدون خلاله ألوانا من الإنشاد الأفريقي.

وتشارك من مرسيليا الفرنسية فرقة لو كواردي لبلان التي تتألف من خمسة منشدين، في حين  ستتولى التونسية عليا السلامي تقديم وصلات من الغناء الأوبرالي تتنقل فيه من قالب إنشادي لآخر.

وتختتم فعاليات الدورة الثانية للمهرجان في الثامن عشر من الشهر الجاري، مع مجموعة الأفريقي للتنمية وهي مجموعة متعددة الجنسيات. 

 

(المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 11 مارس 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)  

 


 

اليمين واليسار

 

أحد المسؤولين في حزب من أحزابنا السياسية.. قال في حديث له عن المعارضة التونسية… «إنّ التحالف داخلها علامة على الضعف السياسي… وعلى أنّها تجعل من الاتكال حجرها الأساسي». وهو على صواب في تحليله لأنّه يعني باختصار… «تحالف معارضتنا كواحد على اليمين وعدة أصفار على اليسار».

 

محمد قلبي

 

(المصدر: ركن « لمحة » بجريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11 مارس 2006)


 

مقر

 قدم أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح مساهمة بمليون دولار لتمويل مقر دائم بتونس للألكسو – المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

 

موقع «واب»

أحدثت وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعات التقليدية ووزارة تكنولوجيات الاتصال موقع واب: التجارة الالكترونية للحرفيات www.souk-artisanes.org.tn  تشرف على هذا الموقع وتسييره «جمعية التضامن الدولي» وهي جمعية خيرية اسعافية اجتماعية من أهم أهدافها نشر ثقافة التضامن في المستوى الوطني والعالمي. ويحتوي موقع سوق – حرفيات على منتوجات متنوعة بحسب اختصاصات الحرف كالخزف والتطريز والرسم على مختلف المحامل والحدادة والفسيفساء والحلي التقليدي.

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11 مارس 2006)

 


 

رئيس مكتب التشغيل تحرش بنا جنسيا

 

جاءتنا الرسالة التالية وهي تتحدث عن حادثة استغلال نفوذ هذا نصها.

 

أثناء ترددنا نحن حنان عكرمي 06150481 وافتكار ساوودي 06132421 على مقر مكتب التشغيل بقفصة في مواعيد مختلفة اقترح علينا رئيس مكتب التشغيل السيد مختار صويد أن نأتيه كل واحدة في موعد مختلف عن الأخرى بدعوى التنقل لدى مشغل بجهة سيدي أحمد زروق. وفي الموعد حضرت كل واحدة ليأخذها بسيارته في اتجاه المشغل حسب قوله للتعاقد معه. لكن حال الوصول إلى حيّ سيدي أحمد زروق يقترح أن يزور الأشغال المقامة هناك لمحلّ سكناه الجديد وفي الأثناء يكشّر عن أنيابه ويقترح الفسحة والتفرهيد ويبدأ بالعزل واللمس ( هذا المشهد تكرر لكلانا حرفيّا وبنفس الأسلوب).

 

هذا مسؤول على قطاع تشغيل المئات من الشابات والشبان ماذا نتوقع منه وهو يتصل يوميا بعشرات الخريجين والخريجات ؟ نحن طالبونا بالتنازل على شرفنا وآخرون بتقديم الملايين للخروج إلى إيطاليا وباعوهم الوهم.. وهكذا تمرّ أيام العاطلين فمن يسمع هذه المآسي ؟

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 349 بتاريخ 3 مارس 2006)

 

 

 


 

 

 

الـتـيار الـنـقابـي الـتقـدمـي

حـقـائــق أساسية عن الوضع النسائي

 .   8 مارس 2006   .

 

من أهم المظاهر التي توحد الثقافات السائدة في عصرنا اشتراكها جميعا في الوضع الدوني للنساء داخلها إن على مستوى الحقوق الشكلية أو في الممارسة اليومية، وهذا ما يؤشر للتقارب الكبير في المجتمعات الطبقية على اختلاف بناها الثقافية فكرا وسياسة، فهي جميعا تظل محكومة بقانون تفاوت التطور الذي يسم بالضرورة كل المجتمعات ما قبل المساواتية. إن الوضع الدوني للمرأة ليس سوى واحد من تجليات قانون التطور اللامتكافئ وهو يتشابه مع الوضع الدوني للطبقة العاملة قياسا إلى البورجوازية وللدول الرأسمالية المتخلفة قياسا إلى المتقدمة وللريف مقابل المدينة. ومع أن التطور اللامتكافئ ليس مقصورا على نمط الإنتاج الرأسمالي إلا إنه قد وصل أقصى درجات حدته في هذا النمط المحكوم بتناقض أساسي يجعله مضطرا على الدوام إلى تثوير وسائل الإنتاج على حين أنه لا يستطيع الاستمرار في الهيمنة إلا بالمحافظة على العلاقات الإنتاجية القديمة وأساسا الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج التي يتم حاليا تحنيطها بشكل مصطنع بعد أن تجاوزها تطور قوى الإنتاج بحيث أضحت فعلا ناشرة زمنيا عن واقعها Anachronique.

إن الحفاظ على الريع العقاري والعلاقات الاستعمارية وعلى الوضع الدوني للنساء مرتكزات أساسية لاستمرار نمط الإنتاج الرأسمالي والآليات الحيوية لاشتغاله.

فاستغلال عمل المرأة غير مدفوع الأجر يمثل شكلا حديثا للسخرة، وهو يبين مدى نفاق ولا واقعية دعاوى المساواتية البورجوازية. في أكثر المجتمعات الرأسمالية تقدما تظهر الإحصائيات أن النساء، بمستوى معرفي وتدريب مهني متماثل مع الرجال، يحتللن مواقع أدنى منهم في سلم العمل، وهن يحصلن، عند أداء نفس الأعمال والرجال، على أجر ينحط عن أجر هؤلاء نحو الخمس وأكثر من ذلك أحيانا. فالنساء، رغم كل الجعجعة المساواتية لآلة الدعاية البورجوازية، يقبعن في أسفل السلم الوظيفي وهن مقصيات عن مواقع اتخاذ القرار وتمثيلهن في المناصب السيادية طفيف جدا. وعلاوة على ذلك تتعرض النسوة إلى عملية تحقير وتهجين يومي عبر التتجير المشهدي لجسد المرأة واتخاذه أداة لترويج السلع وجلب الحرفاء. والمرأة زيادة على ذلك تظل مطالبة بأداء عديد الأعمال المنزلية دون أي مقابل، هذا على حين أن هذه الأعمال ذات تكلفة عالية حين تؤدى تجاريا كمثل الأجر المدفوع بالساعة عن رعاية الأطفال وأشغال الغسل والتنظيف والطبخ والتسوق.

وفي المجتمعات الرأسمالية المتخلفة تعاني النساء، إضافة إلى التسليع المشهدي وسخرة العمل المنزلي، من تأثيرات الثقافات الطائفية والتحيز الذكوري للتشريعات القروسطية. دونية المرأة مقننة في كثير من البلدان وقسر النساء يتخذ طابعا مؤسساتيا يجهر بجملة من الموانع الخاصة بهن ويفرضها بالقوة ويعاقب بقسوة على مخالفتها. هذه الموانع المختلفة تستهدف منع المرأة من ممارسة حريتها الكاملة في التفكير والتعبير والتصرف في الجسد. ومروحة الموانع تتسع في بعض البلدان لتشمل منع المرأة من مغادرة البيت دون إذن الزوج ومنعها من العمل ومن الاختلاط ومن قيادة السيارات وتولي المناصب السيادية وإلزامها وضعا دونيا داخل العائلة التي يعتبر الرجل رئيسها والحيف عليها في الإرث وإعطاء الرجل حق التزوج عليها وتخصيصه بحق الطلاق وعدم تمتيع المطلقات بحق السكن وإلزامهن القبول بنفقة غير مزجية وبحضانة الأطفال وتربيتهم حتى سن معينة يحق للزوج بعدها انتزاعهم من أمهم، كما ولا تعاقب التشريعات في كثير من البلدان على ضرب الزوجة ولا على جريمة الاغتصاب في إطار الزوجية.

أما تونس فالمعروف عن وضع المرأة فيها أنه أحسن من سواه في البلدان ذات التأثيرات الثقافية الإسلامية، وهذا على صحته لا يعني أن المرأة قد انتزعت حريتها الشكلية فضلا عن الفعلية ولا إنها متساوية مع نظيرتها في البلدان الرأسمالية المتقدمة. التشريعات الخاصة بالمرأة في تونس هي الأكثر تقدما على مستوى الدول الرأسمالية المتخلفة، وهذا في حد ذاته يلخص المسألة: إمرأتنا في التشريع والمجتمع متقدمة على المتخلفات ومتخلفة عن المتقدمات. إن مجلة الأحوال الشخصية التي تجمع أهم النصوص القانونية الخاصة بالأسرة تتعرض لنقد دائم من اليمين بهدف إلغائها ومن اليسار بغاية تطويرها، وقد ركزت التيارات التقدمية والجمعيات النسوية على ضرورة إزالة التفاوت في الإرث بين الجنسين ورفع التحفظات التونسية على الإتفاقيات العالمية ذات العلاقة. على إن ذلك ليس بعد كافيا رغم أن تحقيقه سيمثل خطوة هائلة إلى الأمام، إذ يتعين الإهتمام أيضا بمتابعة وتعديل التشريعات القامعة للمرأة من خارج مجلة الأحوال الشخصية. فالنصوص ذات التأثيرات الدونية على الوضع النسائي منبثة في جملة المنظومة القانونية التونسية وتأثير بعض التقنينات والأعراف المرعية أكثر أهمية من النصوص التمييزية في مجلة الأحوال الشخصية نفسها. مثلا: تضيق التشريعات والإجراءات الإدارية على حرية النساء في التنقل والإستقرار داخل مجال التراب الوطني وخارجه. وجود النساء في أوقات معينة وارتيادهن بعض الأماكن يعتبر عرفيا قرينة بغاء ويفضي إلى تحقيقات وتضييقات تحد واقعيا من حرية التنقل والإستقرار المضمونة دستوريا. إضافة إلى ذلك، ودون وجود نصوص قانونية صريحة تخول هذا التصرف، فإن النساء مطالبات بالحصول على موافقة الولي أو الزوج لمغادرة التراب الوطني والذكور معفون من ذلك. النتائج المنجرة عن ذلك هامة جدا ولا يبدو لنا أنها قد لقيت حتى الآن الإهتمام اللازم من قبل الجمعيات النسوية. فمما ينجر عن ذلك تمتع الفتيان دون الفتيات بفرص التعرف على الأجانب وعقد زيجات مختلطة الجنسية تمهد لهم سبل الهجرة وتـُفَاقِم العنوسة النسوية، كما أن هذا الإجراء التمييزي يتيح للأزواج فرصة الفرار في أي وقت والتفصي من تهمة إهمال العيال.

وعلى الجمعيات النسائية أن تبذل قصارى جهدها لإلغاء الصيغة المتضمنة في عقود الزواج والتي تفيد بأن الزوجة بكر دون تعرض إلى ماضي الزوج. فهذه الصيغة المتخلفة متوجبة المحو ويتعين استبدالها بصيغة محايدة لا تتدخل في خصوصيات الأفراد وحياتهم الحميمية من نوع: « ّسبق لها/لم يسبق لها الزواج »، مع التنصيص على نفس التدقيق المدني لوضع الزوج، وأيضا إلغاء شهادة العذرية ومعاقبة الأطباء المخالفين، إلا أن يستلزم ذلك الطب القانوني كإجراء إثباتي، مثلا، في جريمة الإغتصاب. ويجب أيضا إلغاء صيغة التملك الرقي التي تظهر على وثائق إثبات الشخصية مفيدة بأن فلانة هي « حرم » فلان أي محميته الخصوصية، فهذه الصيغة المتخلفة يجب أن تستبدل بوصف مدني محايد من نوع « متزوجة من فلان » مع التنصيص على نفس المعطى للذكور. أخيرا نذكِّر بأن التيار النقابي التقدمي قد أكد سابقا وأنه لايزال يلح حاليا على ضرورة مقاومة البغاء القانوني ونحن نهيب بالتيارات التقدمية والجمعيات النسوية وسائر مناصري حقوق الإنسان للعمل على إزالة هذه المعرة. فحسبنا ما تقاضاه حتى الآن موظفو الشؤون الدينية، المجندون لترويج خطاب معاد جذريا للتحرر النسوي، من أجور يتشكل جزء منها من عائدات التعهد الخنائي السلطوي للمواخير.

* إن مجتمعا يقمع نصف أفراده النصف الآخر لا يمكن أن يكون حرا.

* عاشت حرية الإنسان في كل مكان دون ميز من أي نوع.

الـتـيـار الـنـقـابـي الــــتقـدمـي

 


 

 

أي دور للمرأة في حركة الصحوة الاسلامية المعاصرة ؟

 

أخواتي عضوات وزائرات هذا الموقع الطيب، سلام من الرحمن عليكن جميعا وعلى ممن معكن من أهل وأحبة . أما بعد فإن الحوار نت يعرض عليكن جميعا مبادرة تقوم على المعطيات التالية :  

1 ــ فتح مجال للكتابة في موضوع المرأة ودورها المعاصر على مدى شهر كامل .

2 ــ نستقبل المساهمات بداية من يوم الاثنين المقبل 13 مارس مباشرة بالمنتدى الكتابي http://www.alhiwar.net/vb  أو ترسل على بريد الحوار نت info@alhiwar.net  .

3 ــ ندعو كل إمرأة إلى المساهمة في هذه المبادرة ونفضل قصرها على الاقلام النسائية

4 ــ نذكر بآداب الخلق الاسلامي في القول ـ والقلم وهو يحمل سلاح الكلمة لسان أسن ـ حتى نكون من المعرضين عن اللغو أولئك الذين لا يستخفنهم الذين لا يوقنون منهم ومن غيرهم .

5 ــ نحبذ أن تكون المساهمات جامعة بين الفكرة الواضحة يسيرة الفهم وبين الاختصار والتركيز إلى أبعد حد ممكن حتى يتسنى لكل قارئ الاطلاع عليها وفقه رسالتها الاساسية .

6 ــ كما نحبذ أن تكون المساهمات جامعة بين التأصل ضمن الاسلام شريعة ثم إجتهادا فقهيا وبين التأصل ضمن الحياة الاسلامية المعاصرة حتى تضمن حدا أدنى من التوازن والجدوى .

7 ــ لا يحجر على أي مساهمة أو فكرة ظهورها في هذا المنتدى بسبب غرابتها أو جدتها أو إغراقها في هذا الاتجاه أو ذاك كلما كان الادب الخلقي لها رداء حياء لا بل إن المنتدى يعتبر ذلك من مقتضيات الاختلاف الاسلامي البناء والتنوع الفكري المفيد .  

أسئلة  يمكن أن تساعد بعض المساهمات على حسن طرق الموضوع :

1 ــ المرأة في القرآن الكريم : هل لها تشريع خاص ؟ ماهي جوانب الاشتراك والاختصاص مع الرجل ؟ بماذا يوحي لك ذلك ؟

2 ــ المرأة في السنة والسيرة : ماهو حضورها بحسب إطلاعك ؟ كيف تقيم ذلك الحضور ؟

3 ــ المرأة في الخلافة الراشدة : ماهو دورها العملي في أول حركة إستئناف لمنهاج النبوة ؟

4 ــ المرأة في القرون الثلاثة الاولى ـ قرون الخير ـ : ما مدى مساهمتها في معالجة آثار سقوط الخلافة الراشدة وفي توطيد أركان الاسلام بعد نقض عروته الاولى : الحكم وفي نشر دعوته في الشرق والغرب ؟

5 ــ المرأة في القرون التالية حتى سقوط الخلافة العثمانية : ماهو تقييمك ؟

6 ــ المرأة في مقاومة الاحتلال العسكري الغربي المباشر في القرون الثلاثة الاخيرة : أي دور؟

7 ــ المرأة في الصحوة الاسلامية المعاصرة بأجنحتها الثلاثة الكبرى ـ الحركة السلفية : الوهابية والمهدية السودانية والغرب إفريقية والحركة الاحيائية الشاملة : الاخوانية وشبه القارة الهندية والحركة العصامية عبر روادها : رضا وعبده والافغاني وغيرهم ـ : أي دور ؟

8 ــ المرأة في الحركة الاسلامية في العقود الثلاثة الاخيرة ـ مرحلتي الدعوة والدولة وما بينهما ـ:

الدور العام للمرأة في المجالات التربوية والتعبوية والثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتخطيطية والتنفيذية والجهادية والامنية والعسكرية والمقاومة .

9 ــ المرأة في الدولة والحكومة : ماهو تقييمك لدورها الاسلامي في قضايا الحكم والتنمية ضمن تجارب الدولة الاسلامية المعاصرة إذا كنت ترى أن دولة كذا أو حكومة كذا اليوم هي إسلامية أو يغلب عليها الاسلام ؟ أو دور فلانة بالتحديد في تلك الدولة أو الحكومة ؟

 

محاور يمكن أن تساعد بعض المساهمات : 1 ــ المساواة بين الرجل والمرأة :  هل هي قضية إسلامية أم غير إسلامية ؟ إذا كانت هناك مساواة فما هي مساحاتها ؟

2 ــ التفاضل بين الرجل والمرأة : من يفضل من ؟ لم وكيف ؟ هل التفاضل قضية إسلامية أم لا إسلامية ؟ هل هو تفاضل تكافلي تكاملي أم هو تفاضل إحتكاري عنصري ؟ كيف ؟

3 ــ الزوجية : كيف تصرف فيها الاعمال وعلى أي أسس وقواعد ؟

4 ــ التربية : من يربي من ؟ هل تستند التربية إلى عوامل فطرية بيولوجية أم أخرى مكتسبة ؟

5 ــ النسل : هل هو وظيفة عمرانية إجتماعية أم شأن خاص ؟ هل يتعارض مع وظائف أخرى للمرأة ؟ أيهما تقدم وعلى أي أسس وإعتبارات ؟

6ــ عمل المرأة خارج البيت : هل هو حاجة شخصية أم عائلية أم إجتماعية عامة أم هو ليس حاجة أصلا ؟ ماهي مؤطراته ومقاصده وحدوده وسقوفه ؟

7 ــ حرية المرأة : ماهي الحاجة إليها ؟ هل هي كلمة إسلامية ؟ ممن تتحرر المرأة ؟ من الرجل أم من بيتها وزوجها وأبنائها أم من المجتمع وقيوده أم من الفطرة والتدين أم من الظلم والجور؟

8 ــ الاستقلال المالي للمرأة : هل هي حاجة ؟ هل لها في الاسلام موقع ؟ عمن تستقل ؟

9 ــ المرأة في الدعوة : ما حجم مساهمتها فكريا وماليا وتخطيطيا وتنفيذيا ؟

10 ــ هل تجد مشاكل في الدعوة من جانب الرجل أو الزوج أو البيت أو الابناء أو المجتمع أو الاختلاط أو الفتنة أو هي ذات مشاكل الرجل ؟

11 ــ هل يمكن إسلاميا أو عمليا أن تتحمل المرأة مسؤوليات أمنية وسياسية متقدمة جدا من مثل رئاسة حزب سياسي أو حركة دعوية أو جمعية ثقافية أو إغاثية أو حكومة أو دولة أو منظمة أممية ؟ ماهي الاصول الحاكمة على كل ذلك ؟

12 ــ ماهو ترتيبات معوقات الدعوة أمام المرأة : الغرب أو التراث أو البيت أو الزوج أو الرجل أو المجتمع أو الحاكم الجائر ؟

13 ــ هل هناك مساحات دعوية خاصة بالمرأة وأخرى خاصة بالرجل وأخرى مشتركة ؟

14 ــ المرأة  والفن : هل يمكن أن تستمتع المرأة بالفن مستهلكة لا منتجة ؟ أي فن ؟ هل يكون ذلك بحضرة النساء أو لوحدها أم بحضرة محرم أم بحضرة الرجال ؟ هل تكون المرأة منتجة للفن ؟ أي فن ؟ هل تختص مناسبات الافراح مثلا بشئ من ذلك خارجا عن المألوف اليومي ؟  

ملاحظتان ختاميتان :

1 ــ  تجنبنا التوجيه السلبي نحو أي منحى فكري بل تعمدنا طرح أكثر الاسئلة إلحاحا وإحراجا في كل الاتجاهات وذلك من أجل فتح الباب على مصراعية أمام كل مساهمة مطلقا وليس من شرط سوى شرط الادب الاخلاقي . وذلك هو بالذات ما نأى بنا عن الاستشهاد بالقرآن الكريم والسنة في هذا الموضع

2 ــ المقصود بالصحوة الاسلامية والدعوة الاسلامية والحركة الاسلامية هو كل جهد فكري أو عملي من مسلم أو مسلمة فرادى أو مجتمعين منظمين أو تلقائيين في القديم أو الحديث يراد به تعزيز دور الاسلام في الحياة سواء كان ذلك ضمن مجال محدد أو بصفة شاملة متكاملة . فالمرأة المسلمة الملتزمة بدينها في بيتها لا تمارس أي عمل خارجه هي عضو في تلك الصحوة لانها تجتهد في تعزيز دور الاسلام عمليا في بيتها والامر ذاته ينسحب على كل عمل طرا مطلقا .  

لا تبخلن على  أنفسكن ولا على إخوانكن بما أنتن لهن أهل للعلاج ولا تترددن في المساهمة ولا تخافن من الخطإ لان الوحيد الذي يصيب دوما دون خطإ ولكنها إصابة مذمومة غير محمودة هو القاعد . إكتبن ما عن لكن والحوار كفيل بإذنه سبحانه بالتصحيح لانه منهج قرآني أصيل .

نحن في إنتظار مساهماتكن ضمن الحيز الزمني المحدد  آنفا

شكرا لكن في البدء والختام ونرجو لكن التوفيق والسداد والحكمة وفصل الخطاب .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

إخوانكم في إدارة الحوار نت

 


الإفراج عن المساجين السياسيين – خطوة مترددة …. في الاتجاه الصحيح

 

أحمد نجيب الشابي

 

قررت الحكومة في خطوة مفاجئة الإفراج عن عدد من المساجين السياسيين. وتمثل عنصر المفاجأة هذا في أن الحكومة لم تنتظر موعد الذكرى الخمسين لاستقلال البلاد في العشرين من مارس الجاري لتعلن عن قرارها ورأت لأسباب لا زالت مجهولة، وفي خطوة غير مسبوقة من جهة ما استقرت عليه تقاليد الحكم في هذا المجال، أن تسرع بالإعلان عن قرارا العفو في وقت كانت تتعرض فيه لضغوط من القوى الوطنية ومن أصدقائها في الخارج على حد سواء قصد اتخاذ إجراءات تحررية تخفف من حالة الاحتقان السياسي الذي تعيشه البلاد.

أما أهمية الحدث فتتمثل في إنهاء معاناة عدد من الوجوه السياسية التونسية قبعت في غياهب السجون لمدد تزيد عن الخمسة عشر سنة دون أن يكون سجلّ الحياة الوطنية قد دوّن أحداثا من شأنها أن تبرر مثل هذه القسوة التي جاءت أقرب إلى الانتقام منها إلى العدل. ومن بين المفرج عنهم قياديون في حركة النهضة يتقدمهم السيد حمادي الجبالي مدير صحيفة الفجر ومن بينهم أيضا شبان جرجيس وعدد من شبان أريانة الذين تورطوا في قضايا نعتت « بالإرهابية » على خلفية إبحارهم على شبكة الانترنت ودخولهم إلى مواقع « محظورة ». وكانت هذه القضايا قد أثارت سخطا شديدا في جميع الأوساط ولم تقتنع بجدواها الأوساط الغربية التي كانت ترمي إلى إقناع التونسيين باليقظة والتشدد في ميدان « مقاومة الإرهاب ».

وهنا يقف عنصر المفاجأة والأهمية ليكتسي الحدث في ما زاد على ذلك طابع التقليد والرتابة الذي اتسمت به خطوات الحكومة في هذا المجال. فهي لم تعلن عن قائمة المفرج عنهم من السياسيين وحشرتهم ضمن زمرة من المحكوم عليهم في قضايا الحق العام مؤكدة بذلك رفضها المستمر الاعتراف بوجود مساجين سياسيين في تونس أو التعامل مع ملف النهضة تعاملا سياسيا تقتضيه ضرورات القبول بالتعددية وإدماج كل القوى التونسية في إطار العملية السياسية التي تطرحها الحاجة إلى الإصلاح في بلادنا. واضطر المراقبون من سياسيين وإعلاميين إلى الانتظار أكثر من أربع وعشرين ساعة لمعرفة قائمة المفرج عنهم التي أعدتها، مشكورة، منظمة غير معترف بها ألا وهي « الجمعية الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين ».

ومن جهة أخرى اتسم القرار الحكومي بالتردد الذي تميزت به سياسة الحكومة في هذا المجال فلم تشأ إنهاء ملف المساجين السياسيين بالإفراج عنهم جميعا وإنما اختارت أن تفرج عمن بقي لهم قضاء أقل مدة محكوم بها عليهم فيما أبقت رهن الاعتقال على عدد كبير من قياديي حركة النهضة من أمثال الصادق شورو والحبيب اللوز وعبد الكريم الهاروني والعجمي الوريمي الذين يقضون عقوبات تبلغ الخمس وعشرين سنة سجنا وحتى المؤبد بالنسبة لبعضهم.

ومن نتائج المعالجة « غير السياسية » لهذا الملف أن تجاهل الإجراء الحكومي حالة الآلاف من التونسيين اللاجئين ببلاد الغربة لمدد تزيد هي الأخرى عن الخمس عشر سنة مبقية بذلك على تشردهم وتمزق عائلاتهم وحرمانهم من الحق في الحياة الهادئة الكريمة ببلادهم. كما أبقت على معاناة آلاف المشردين من قدماء المساجين الذين قضوا العقوبات المحكوم بها عليهم ليعرفوا بعدها ألوان التهميش والحرمان من العمل وحتى من الحق في التنقل داخل البلاد فضلا عن حق السفر وغيره من الحقوق الطبيعية المتعارف عليها في عصرنا الحديث. وبعبارة أخرى فإن الحكومة لا زالت تمعن في رفضها لمطلب العفو التشريعي العام وهو المطلب الذي أجمعت عليه القوى الوطنية من كل الاتجاهات وظلت الحكومة ترفضه من دون مبرر أو سبب مقنع.

ويظل هذا الإجراء الجزئي والمعزول، على أهميته، قاصرا عن الاستجابة للحد الأدنى من الإجراءات التحررية التي يتطلبها الوضع السياسي في بلادنا. فلا معنى سياسيا معتبرا « لإفراج مؤقت » عن قيادات سياسية في وقت تصر فيه الحكومة على توظيف القضاء لمنع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من عقد مؤتمرها الوطني السادس وتطلب فيه النيابة العمومية من فرع تونس لهيئة المحامين « تصفية  » مكتب الأستاذ محمد عبو الذي استثني من العفو وظل يقبع وراء القضبان منذ عام أو يزيد من أجل جريمة رأي شبّه فيها السجون التونسية بسجن أبو غريب، وفي وقت تستمر فيه الحكومة في منع الصحافيين من عقد المؤتمر التأسيسي لنقابتهم المستقلة، وفرض هيئة صورية على جمعية القضاة و منع « هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات » من مجرد الاجتماع فضلا عن قيامها بنشاطات عمومية بدعوى عدم قانونيتها وكأن مصدر الشرعية يكمن في ما قد ترغب فيه الإدارة أو تأباه بعيدا عن كل مفهوم للحقوق الطبيعية والمبادئ الدستورية والمراقبة القضائية المستقلة.

في ضوء هذه الحقائق، وبقطع النظر عن أبعاده الإنسانية الهامة وعن الدوافع التي وقفت وراء الإسراع به، يبقى الهدف من الإفراج عن أكثر من ثمانين سجينا سياسيا أقرب إلى امتصاص الغضب منه إلى الإيذان بانفراج سياسي قريب في بلادنا.

وحتى يتحول هذا الإجراء إلى خطوة في الاتجاه الصحيح لا يملك المجتمع التونسي وقواه الحية سوى التكتل من أجل تسليط أقصى الضغط السياسي على الحكومة حتى تقبل بالتعدد وبالتعامل معه سياسيا لا أمنيا، فتستجيب لمطمح التونسيين في اللحاق، لا بالدول المتقدمةّ فهذا مستكثر عليهم، بل مجرد اللحاق بأشقائهم في المغرب أوالسينغال.

يجب أن تفهم الحكومة بأن المشاركة السياسية ليست حقا بالنسبة لكل التونسيين وحسب، يولدون به ولا يملك أحد حجبه عنهم، وإنما هي الطريق الوحيدة لتأمين الاستقرار والإطار الكفيل بتعبئة طاقاتهم في وجه التحديات المتعاظمة التي تواجههم. ولن تفهم الحكومة هذه الحقيقة ولن تقبل بهذه الضرورة حتى تتكتل كل القوى التونسية في وحدة عمل حول الحد الأدنى من الحريات وصولا إلى برنامج متكامل للانتقال إلى الديمقراطية في بلادنا وهو الطريق الذي خطته حركة  » 18 أكتوبر للحقوق والحريات » والذي يفسر التعاطف الواسع الذي تحظى به في أوساط النخب والتوجس الكبير الذي تواجهها به الحكومة، طريق محفوفة بالتضحيات والمخاطر ولكنها الطريق الوحيدة المفضية إلى الإصلاح في بلادنا كما كان الشأن دائما في بقية بلدان العالم.

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 349 بتاريخ 3 مارس 2006)


 

Une alliance avec Ennahdha est-elle possible aujourd’hui?

L’article qui suit a été proposé au quotidien « El Mawqif » il y a déjà une dizaine de jours. Après lecture, mon ami et camarade Néjib Chabbi m’a informé qu’à son avis, un tel article est difficilement publiable en raison du fait qu’il critique les positions de Rached Ghannouchi et que ce dernier est supposé avoir un droit de réponse qu’il ne pourra pas exercer du fait de sa situation de « proscrit » dans la scène politique tunisienne. Mais étant donné que toutes les thèses du mouvement Ennahdha sont théorisées par Rachid Ghannouchi, et que la situation de ce dernier n’est pas prête à changer de si tôt, cela signifie que jamais « El Mawqif » ne publiera de critique des thèses d’Ennahdha. J’espère seulement me tromper dans cette conclusion.

Tahar Ben Hassine

 

 

هل يمكننا اليوم أن نتحالف مع حركة النهضة الاسلامية؟

 الطاهر بن حسين

 

قد يبدو هذا المقال متناقضا مع موقفي المساند لحركة 18 أكتوبر التي كرست العمل المشترك مع حركة النهضة لاكتساب حقوق المواطنة المسلوبة منا جميعا. ولكنه تناقض ظاهري اذ أن النداء للعمل المشترك مع حركة النهضة ومع كل اتجاهات الاسلام السياسي التي ترفض العنف لهو في الواقع نداء الى توفيرالظروف التي يتم فيها التنافس النزيه بيننا وليس نداء لترتيب بيت زوجية نتساكن فيه جميعا، ذلك اني لا زلت اعتقد بان مرجعية حركة النهضة تتنافى مع أبسط المبادئ الديمقراطية وأنه طالما بقيت تلك المرجعية فانه من واجبنا مقاومة مشروعها وليس مساعدتها على تحقيقه بابرام أي تحالف معها. ولكني اعتقد أيضا بان هذه المقاومة هي قضية المجتمع ونخبه السياسية والفكرية وليست قضية الدولة وبانه اذا كان للدولة دور في هذا الصراع فانه يقتصر على وضع ضوابط لكي لا تؤدي نتيائجه الى تهديد مكتسباتنا الاجتماعية والحضارية.

ومن البديهي ان العمل المشترك مع حركة النهضة من أجل اكتساب حقوق المواطنة يصبح مبايعة لها اذا لم يكن مرفوقا بجدل سياسي علني وشفاف يدل الرأي العام ويسمح لكل طرف ليس فقط بتوضيح منطلقاته بل أيضا باتخاذ موقفه على بينة فيما يخص تحويل هذا العمل المشترك الى تحالف سياسي واسع او حصره في المطالب الاساسية التي طرحتها وتعمل على أساسها حركة 18 أكتوبر.

ولقد افتتح الشيخ راشد الغنوشي مشكورا هذا الجدل بمقاله الوارد بعنوان « التحالف مع الاسلاميين : مطلب المرحلة ام سير ضد الطبيعة؟ » والمؤرخ في 8 جانفي الماضي. وفي حين أن بعض الرفاق رأوا في هذا المقال تحولا فكريا ايجابيا لزعيم حركة النهضة، فاني لم أر فيه شخصيا سوى تعليبا جديدا لمضمون قديم.

ويجدر قبل كل شيء ان نتعرض للحواجز الرئيسية التي أراها تمنع اليوم الحركة الديمقراطية من التحالف السياسي مع حركة النهضة.

 

جوهر الخلاف

 

كلنا يعلم بان الاسلاميين لا يمثلون تيارا متجانسا، لا سياسيا ولا عقائديا، ذلك أننا نراهم في طيف يمتد من بن لادن الى أردوغان. وبالتالي فان المرجعية الاسلامية أصبحت لا تكفي وحدها لتحديد موقف من التحالف مع التيارات السياسية ذات المرجعية الاسلامية. ولكن الثابت هو أن كل تيار سياسي يطرح نفسه كوصي على معتقدات مشتركة لا بد أن يحمل مشروعه في طياته بذور الاستبداد. ذلك ان التيار الذي يريد أن يحكم بارادة الله سوف يصل حتما الى الحكم بتأويله لهذه الارادة، بل وسوف يفرض حتما ارادته الخاصة على كونها ارادة الله. والسبب هو أن هذا التأويل سوف يكون حتميا باعتبار أن كتاب الله تنزل في ظروف بعيدة كل البعد عن ظروف مجتمعاتنا الحالية وكذلك الشأن بالنسبة لسيرة وحديث الرسول، مع المضاعفات التي يضيفها وجوب التثبت مما هو صحيح من الحديث وما هو غير صحيح.

فنحن كديمقراطيين لسنا ضد ارادة الله، ويا حبذا لوكانت هذه الارادة واضحة بوضوح قانون الصحافة التونسي لكي نطبقها بحذافيرها، ولكننا ضد تأويل أي طرف لارادة الله وضد فرض هذا التأويل علينا جميعا.

هذا هو الحاجز الاول الذي يمنعنا من التحالف السياسي مع النهضة.

أما الحاجز الثاني فهو أن تأويلها لارادة الله، ولا مفر لها من هذا التأويل الذي تمليه عليها مرجعيتها، أدى بها الى طرح مشروع اجتماعي وسياسي واقتصادي يرجعنا قرونا الى الوراء، وهو ما لا يقبله ليس فقط الديمقراطي بل حتى العاقل. ومن ذلك طبعا تطبيق الحدود والعقوبات الجسدية ومكانة المرأة في المجتمع وتعدد الزوجات ومنع أسس النظام البنكي والتدخل في حياة الفرد وغيرها.

ومن المؤسف أن نرى خطاب زعماء حركة النهضة، وخطاب زعيمها بالخصوص، ليس فقط يحافظ على هذه الحواجز بل يعقّدها بمحاولة اخفائها بخطاب حداثي لا يخفى مضمونه الا على الغبي.

 

منطلقات حركة النهضة بالعين المجردة  

لقد كان بيان 3 نوفمبر الماضي متناسقا مع ما عهدناه في مواقف ومنطلقات الشيخ راشد الغنوشي بالرغم مما أثاره ذلك البيان من اندهاش في الاوساط التي بادرت بعمل مشترك مع حزبه في نطاق حركة 18 أكتوبر. وكان الدور الذي عينه الشيخ الغنوشي لحركته كوسيط بين الخالق والعباد واضحا الى درجة أنه شمل أتباعها بالصلاة والسلام « …على اله وصحبه ومن دعا بدعوته وحمل لواءه الى يوم الدين… ». ونحن نأمل فقط أن لا يقرر في يوم من الايام ادخال هذا الدعاء في صلوات المسلمين، على الأقل في الشابة والمهدية، أما في قمرت فليفعل ما يشاء.

 ومن البديهي أن وساطة حركة الشيخ راشد الغنوشي هذه تسمح لها بمعرفة ما يرضاه وما يرفضه الخالق. فلقد رأت من أعالي جبل عرفات أن حال تونس الحبيبة « لا يرضاه لها الله ورسوله ». ويختم الشيخ راشد بيانه بتبشير الخلق باهتزاز »مشاريع العلمنه وسائر المشاريع المضادة والتي رشحت نفسها بديلا للمنهج الإلهي ».

وكم يسرني أنا العلماني بان أعلم من الشيخ راشد الغنوشي نبأ اهتزازي وقرب انقراضي من اليابسة في نفس الوقت الذي بدات فيه العمل مع حركته من أجل اكتساب حقوقنا المشتركة، وكم  يسرني أيضا بان أعلم ان حركة الشيخ راشد الغنوشي تحمل مشروعا الاهيا وبالتالي لا يمكن نقاشه (وهل يمكن ان نجادل الاله؟).

ونشكر هنا زعيم حركة النهضة على الأقل على جهره بمشروعه. ومن أنذر فقد اعذر!

 

منطلقات حركة النهضة  من خلال المجهر

 

قد يكون سخط وانزعاج العلمانيين من بيان حركة النهضة من أسباب تغييرصياغة خطابها و تقديمه  في شكل حداثي لائق.

فيتهيأ لقارئ مقال 8 جانفي ان الشيخ راشد  يميز حركته عن الاصوليين الاسلاميين بنقدهم  وتحميلهم المسؤولية ، رفقة ما سماهم بالاصوليين العلمانيين، في  افشال التقاء حزبه مع الحركة الديمقراطية. وقد كان بالامكان أن تمثل محاولة التمييز هذه تطورا ايجابيا في فكر زعماء حركة النهضة لو أن الشيخ الغنوشي عرّف الاستئصاليين او الاصوليين الاسلامين  استنادا الى منظومتهم الفكرية وليس الى مواقفهم السياسية. ولا أعتقد ان ذلك من باب السهو بل لانه يعلم بان المنظومة الفكرية لحركته هي نفس منظومة ما سماهم بالاصوليين الاسلاميين.

ويعلم الجميع بأن المنظومة الفكرية  هي الثابت بينما المواقف السياسية هي المتغير وأنه لا يمكن تقييم أي تيار سياسي بالاعتماد على ما هو متغير، كما لا يمكن تقييم أهداف أي حرب  بالاعتماد على المناورات التكتيكية بل فقط على الاستراتيجية. وبناء على ذلك فاني أرى بان المنادين بالتخلي عن الجدل العقائدي او الايديولوجي لهم في الواقع يخدمون ركاب كل من لهم فائدة في اخفاء استراتيجياتهم. ومن المؤسف ان نعاين ان كل محاولات حركة النهضة تمحورت الى حد الان حول اخفاء استراتيجياتها وليس حول تطويرها. ذلك ان مقال الشيخ الغنوشي الاخير لا يمكن اعتباره سوى نموجا من نماذج التقية وليس تطورا فكريا يذكر.

فوصاية حركته على معتقداتنا المشتركة باقية ولا أعتقد أنه تراجع عن سطر واحد من أدبيات حركته بالرغم من تنقيحاتها وتكلملاتها المتعددة. ففي الطبعة الاخيرة من كتابه الصادر بعنوان « المرأة بين القران وواقع المسلمين »(الطبعة الثالثة – طبعة مزيد ومنقحة – 2000 )، كتب الشيخ الغنوشي بالحرف الواحد « فالمجتمع الاسلامي هو الذي يتولى الله فيه سلطة التشريع، تشريع النظم والقوانين والقيم والموازين، ما تعلق منها بالفرد والمجتمع والدولة، وما يتعلق بالناحية المادية والروحية اذ الاسلام لا يرتضي بل لا يمكن له أن يعمل ويثمر بغير هيمنته على الحياة جملة » (صفحة 93 ). كلام واضح ولكن الشيخ الغنوشي نسي ان يبين لنا كيف يتولى الله التشريع اذ لم يكن عن طريق تأويلاته الشخصية وتأويلات أتباعه.

أما في ما يخص أساس هذه التأويلات فانه يحاول تهدئة روعنا ، ليس بالتخلي عن المفهوم السلفي، ولكن فقط بتلطيف التعبير. فبدل الحكم الحاد والتصريح القاطع الذي عودنا عليه منذ السنين والمتمثل في الجزم بانه « لا اجتهاد مع النص » نرى الشيخ الغنوشي يعتنق التلطيف الانجليزي فيعطي الصدارة للحرية والاباحة ثم يقصف جذورها بعبارة « soft » ولكنها ترجعنا الى نفس المضمون. فما الفرق يا ترى بين « لا اجتهاد مع النص » و « الاصل في الاحكام الاباحة أي الحرية حتى يأتي النص المقيد« ؟

 ليس هناك أي فرق.

واذا ادعى الشيخ الغنوشي او أحد زعماء حركة النهضة بان فهمي خاطئ، وهو ما أتمناه، فليدلنا فقط عما اذا كانت النصوص القاضية باقامة الحدود وقطع يد السارق ورجم الزانية وضرب النساء وتعدد الزوجات ومنع الرباء ملزمة ام لا؟

كما ان اعتماد أسلوب التلطيف جعل الشيخ الغنوشي لا يجزم كعادته بان هدف حركته هو اعتماد الشريعة في ادارة المجتمع بل يميّع نفس الهدف في الاشارة الى مرجعية تاريخية متممة للنص وهي ما سماها « بالتجرية التاريخية (التي) أشرف على وضع اسسها صاحب الدعوى ذاته عليه الصلاة والسلام وخلفاؤه« . كل هذا المسار الملتوي لكي لا يذكر الشريعة صراحة!

 

فيتتضح من هذا أن حركة النهضة، مهما اختلفت صياغات مشروعها، لاتزال شمولية  من حيث أنها تنادي الى نظام حكم لا يترك مجالا لاعمال العقل (تطبيق تأويلها لارادة الله) وينفي الحريات العامة والفردية وأنها حركة رجعية من حيث أن المنطلق السلفي (تطبيق الشريعة) يرجعنا الى الوراء ويقضي على كل المكتسبات الحضارية لمجتمعنا. وعلى هذا الاساس فان التحالف السياسي معها يعتبر اليوم نفيا لأهداف التقدم الاجتماعي والتحرر السياسي. 

 

فالان وقد اقتنع كل العلميانيون بان التيار الاصولي من مكونات المجتمع السياسي التونسي ومن حقه أن يعمل بحرية وحتى أن يحكم فلا مبرر لدى حركة النهضة لنهج « التقية ». ذلك أن المطلوب من كل طرف في هذه المرحلة من تطور العمل السياسي في تونس هو الوضوح في المواقف والدفاع الحازم عن معتقداته، مهما كانت، اذ ليس فينا من هو مخول لاعطاء صكوك « التوبة »، ديمقراطية كانت او اسلامية. كما أن المطلوب من السلطة هو أن تضع من الان الضوابط التي تمنع التيار الاصولي او أي تيار شمولي اخر من تهديد مكتسباتنا الحضارية في حالة وصوله الى الحكم عن طريق انتخابات حرة ونزيهة.

 

 ( المصدر موقع آفاق تونيسة بتاريخ 10 مارس 2006  )
 


 

حكاية هرسلة….فصولها متواصلة

 

ألفنا من السّلطة وحزبها ألاّ ينظرا بعين الرّضا إلى كل كيان سياسي يروم أن يكون له موطئ قدم على الساحة السياسية، وذاك أمر منهما صار مفهوما لما استقر في تقاليدهما من تقديس للوحدانية وتطيّر دفين من التعددية، ونحن في عملنا المتواضع نراعي هذا الجانب السيكولوجي فلا نأتي من الأفعال ما يثير حفيظتها، ويكسر شوكتها بل نفضّل العمل على سقوف دنيا إحكاما للتدرج وتغاضيا عمّا تروم كل سلطة متشبعة بالوحدانية أن تبديه من مظاهر السطوة والأبهة أملا في أن تُشفَى من هذا الدّاء العُضال وأن تهتدي –يوما- على أقوم المسالك في التعاطي مع مواطنيها فتعمل على تعزيز ثقتهم بها وتُقرّ لهم بدور في تأطير المجتمع وبناء الوطن بعيدا عن وصايتها، غير أنّ نظر السّلطة آخَرُ، إذ ظلّت علاقتها بالمجتمع السياسي والمدني تراوح مكانها، وظلّت يدها ممدودة لخنق أي مسعى من شأنه أن يخفّف من قبضتها على مقدرات المجتمع رغم تسويقها لخطاب يضعها في الظاهر في طليعة الدول المتمثلة لمقولات الحداثة في المجال السياسي وسواه… بيد أن التونسيين يعلمون أنّ البون شاسع بين فقاقيع البروبڤندا وحقائق الأشياء على الأرض ويعرفون يقينًا أنّ عقيدة القائمين على شؤون البلاد تأبى أن يُشْرَكَ بالرّأي الواحد، والحزب الواحد والقائد الواحد ويكتوون يوميا في الواقع بمضاعفات هذه الثقافة المعمّمة في سلوك المسؤولين الإداريين والحزبيين علت رتبهم أو سفلت، ويتقاسم المعاناة المناضلون في المنظمات والأحزاب القليلة المعترف بها شكلا والمنكَّل بها فعلا، إذ لا تنفك السلطات والأجهزة تعمل على عرقلة نشاطها لغاية الإجهاز عليها وإحالتها إلى مهاوي النسيان، ولا تسلم الجهات من  » بركات  » هذه المعاملة  » الرشيدة  » ، إذ تعمل الأطراف المتنفّذة والمحشوّة حتى النخاع بثقافة الحزب الواحد الأوحد على شطب أي طرف سياسي تلوح ظلالُه في الأفق وتحاول أن تقفز على كل الذرائع – مهما كانت سخيفة – لخنق أي صوت يغرّد خارج السرب… ولعل ما تحوكه بعض الأطراف في الحزب الحاكم للتحريض على إغلاق مكتب جريدة الموقف بتطاوين يندرج في سياق هذه السياسة المتبعة إزاء المعارضة الحقيقية … فمنذ انبعاث جامعة الحزب الديمقراطي التقدمي بالجهة والضّيقُ بادٍ على هذه الأطراف التي ألفت على مرّ السنين أن تنام وتصحو على معزوفة الحزب الأوحد وأن تتباهى بالنسب المئوية المحققة في كل المحطات الانتخابية، ولكن الحنَق بلغ مداه منذ استئجار مكتب لجريدة الحزب وتواتر منسوب الضغوط على مالك المحل لحمل المتسوّغين على إخلائه وقُدّمت من أجل ذلك حُجج متباينة: فحينًا تصدر عن صاحبه مناشدة بمغادرته نظرا إلى كونه مملوكا لأكثر من طرف ولا يجوز من باب الأخلاق والأصول طبعا أن نتورط في إثارة الشقاق بين أبناء الأسرة الواحدة، وحينًا يُتذرَّع لنا بكون مالكيه يزمعون هدمه لإعادة بنائه، إلى غير ذلك من الذرائع الواهية التي يحرك خيوطها مدبّرون نذروا أنفسهم للذّبّ عن النقاء السياسي واستبعاد أي لون يمكن أن يُفقد المشهد السياسي بالجهة  » صفاءه الأزلي  » . وآخر ما تفتّق عليه خيالهم المبدع هو تحريض المالك على رفع قضية ضد المتسوغ بدعوى إخلاله بالبنود المنصوص عليها بعقد الكراء، وتم بناء الدعوى على وجود لافتة حديدية كُتب عليها اسم الحزب الديمقراطي التقدمي إلى جانب اللافتة الحاملة لعنوان المكتب والمكتوب عليها  » جريدة الموقف  » وهو ما يوحي في نظرهم بأنّ مكتب الجريدة أضحى مقرّا للحزب، وفصلوا فصلا غير منهجي بين الجريدة والحزب الذي يتولى إصدارها، إذ يقتضي السلوك السياسي  » السليم  » حسب دعواهم ألاّ تُنسَب الجريدة إلى التنظيم السياسي الذي أطلقها أداة إعلامية لإبلاغ أفكاره ونشر أطروحاته. ويتعيّن علينا، بحسب هذا المنطق، أن نقطع الصّلة بين الجريدة وحزبها حتّى لا تعشى عيون أعياها قصر النظر من البحلقة في لافتة حزب ينال من صفوية سياسية متجذّرة في إيمانها بالتوحيد السياسي ويؤذيها أي إشراك به.

 

ولا تقف الهرسلة عند هذا الفصل بل تتجاوزه إلى حرمان قراء  » الموقف  » بتطاوين منذ أسابيع من الحصول عليها في مواعيد توزيعها، فلا تتولّى الشركة المعهود لها بإيصالها إلى نقاط البيع إلا بعد مضي ستة أيام من صدورها… أي قبيل صدور العدد الموالي بسويعات وربما بعد صدوره وهكذا يصبح لهذه الجهة القصيّة زمنها الخاص في علاقتها بصحف المعارضة بل لعل القائمين على حظوظها يخشَوْن عليها من جرعة زائدة من الحرية فيتم التحكم في هذه الجرعات وفق ميقات يحدده الحكماء الذين تتلمذوا في أكاديميات الرأي الواحد والحزب الواحد.

 

مصباح شنيب

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 350 بتاريخ 10 مارس 2006)


عائلات تنتظر التعويض بعد أن هدّت الجرافات منازلهم

 

مازالت أربعة عشر عائلة من سكان حي التضامن المنيهلة تنتظر التعويض عن تهديم بيوتهم بالجرافات و إتلاف أمتعتهم منذ سنتين. و اتصل بالجريدة عدد من العائلات المتضررة ليعبروا عن خيبة أملهم في الإدارة وأعلى مراكز القرار الذي وعدتهم بالتعويض ولكنها أخلفت وتهربت من كل الالتزامات.

وكانت القصة بدأت يوم 13 جويلية 2004 عندها تحركت الجرافات ومعها القوة العامة لتهدم أكثر من عشرة بيوت وتمسحها من الوجود وتشرد ساكنيها بعد صدور قرار من بلدية المنيهلة بهدم هذه المنازل المسكونة بعائلات والكائنة بحي الرفاهة داخل أرض مملوكة على الشياع يملك أصحابها كل الوثائق التي تدل على ذلك. ويذكر بعض المواطنين من ضحايا هذا القرار الجائر أنهم شيدوا هذه المنازل منذ سنة 1996 أمام مرأى ومسمع من البلدية التي لم تحرك طيلة هذه السنوات ساكنا. بل إن هذه البلدية نفسها منحت تراخيص الربط بشبكة الماء والكهرباء منذ أوت 2002 لساكني هذه المنازل.

وكان تنفيذ قرار الهدم قد شهد فصولا مؤسفة ومؤلمة توفي على إثرها أحد المتضررين كمدا وحسرة على تهديم منزله أمام عينه وهو السيد عزالدين منصور. كما تعرّض بعض المتساكنين لأضرار بدنية جسيمة أثناء محاولتهم صدّ الجرافات وذكر الشاب باسم(19 سنة) في تصريح لبعض الصحف آنذاك بأنّ والدته ( 39 سنة ) تعرضت للكسر في ساقها وأضاف  » كانت ليلة سوداء داهمت فيها الجرافات منازل المواطنين ومنها منزل والدي وعمتي وعمي. لقد استخدمت البلدية القوة العامة التي لم نرها وقت داهمتنا الفياضانات وجرفت منازلنا دون رحمة ولا استجابة لعويل النساء وبكاء الأطفال « . أما الاستاذ يوسف الجويني عضو الاتحاد الجهوي للشغل بأريانة فقد كان ضرره مضاعفا بسبب هذه الأحداث حيث طرد من شغله كمتصرف ببلدية المنيهلة و هُدم منزل زوجته ووجد نفسه بين عشية وضحاها دون منزل ودون شغل. و صرح السيد الجويني لل »موقف » بأنه وبقية المتضررين بذلوا كل مجهوداتهم لدى السلط المحلية والوطنية للحصول على تعويضات منطقية على جرف مساكنهم وتشريدهم ولكن هذه المجهودات والوعود المختلفة بقيت مجرد سراب.

لم يجد المرء وهو يستمع إلى هذه العائلات وهي تحكي مأساتها المتواصلة إلا الحيرة والذهول أمام هذه القرارات الاعتباطية والغامضة أحيانا. فقرار الهدم نفّذ بدعوى أن المنازل فوضوية وان الأرض التي بنيت عليها وهي ملك لهؤلاء المواطنون اشتروها بأموالهم ستستغل لمصلحة عامة بقي قرارا عبثيا ويثير العديد من التساؤلات. فالأرض التي مسحتها الجرافات ذات يوم أصبحت الآن مصب للفضلات.. نعم للفضلات ولا أدري إن كانت هذه مصلحة عامة ؟ ثم أين كانت البلدية منذ 1996 عندما شيدت هذه المنازل وسكنها أهلها وعمروها بآثاثهم و شيدوها بعرقهم وأموالهم ؟

إن الإطلاع على أوضاع هذه العائلات التونسية التي شردت يجعلك تشبه ما حدث لهم بعائلات أخرى في فلسطين تقوم قوات الاحتلال الاسرائيلية بهدم بيوتهم وتشريدهم.  ولن يرفع هذا التشبيه إلا التدخل العاجل لتعويض هؤلاء عن ضياع مساكنهم وأموالهم.. ووطنيتهم.

 

 

محمد فوراتي

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 349 بتاريخ 3 مارس 2006)

 

ضاع النظام التربوي في إصلاح الإصلاح

 

تداولت وسائل الإعلام في الأيّام الأخيرة نبأ اعتزام وزارة التربية إدخال تحوير على نظام التوجيه المدرسي. خبر كان يكون عاديّا بل ومنتظرا وذلك لما تمتاز به المنظومة التربوية من حركية دائمة وتحويرات وإصلاحات متتالية بحثا عن الأفضل والأجود. كان يكون الخبر عاديّا.. لوْلا… لوْلا… لوْلا… 

لو لم يمض على  إقرار نظام التوجيه المزمع تحويره أقلّ من سنة واحدة. ذلك أنّه، وكما هو معلوم لدى الجميع فإنّ أيّ إصلاح في مجال التربية يقتضي شيئا من الوقت ومن الاستقرار حتى يتسنّى تجريبه وتقويمه ثم وفي مرحلة أخيرة إجراء التحويرات اللازمة لتفادي النواقص التي أبرزها واقع التجربة. لكن نظام التوجيه الحالي لم تُطبّق إلاّ المرحلة الأولى منه السنة الماضية وكان من المفروض أن يُطبّق الجزء الثاني هذه السنة ( التوجيه في نهاية السنة الثانية ثانوي ). ومن الملفت أن الجزء الذي سيقع التراجع فيه هو هذا الجزء الذي لم يُطبّق بعد. فلماذا  يا تُرى؟

كان الإصلاح يكون عاديا لو لم تقم مصالح وزارة التربية، طوال السنة الماضية بحملة إعلامية كبيرة جدّا حول هيكلة التعليم الثانوي الجديدة ومزايا التفريعات المتعدّدة ( تسع شعب وتسع بكالوريات ) قيل في وسائل الإعلام وفي عديد الاجتماعات التي عُقدت بالتلاميذ وأوليائهم أنّ هذه الاختصاصات أوجبها تعدّد ملامح التلاميذ وميولاتهم ورغباتهم. لماذا قرّرت الوزارة التنقيص من الاختصاصات ( يقال أنّها ستصبح ستّة ) هل لأنّ ملامح التلاميذ وميولاتهم تقلّصت، هكذا بعصا سحرية في بحر سنة واحدة ؟ يجب الاعتراف بأنّه يصعب التسليم بأنّ ذلك هو السبب .  ما هو السبب الحقيقي  يا تُرى؟ بعض الألسن تقول إنّ السبب الحقيقي هو مادي بحت، حيث يصعب توفير الميزانية اللازمة لتحقيق البرنامج . ألم يُقرأ لذلك حساب عندما وُضع البرنامج السنة الماضية ؟ ثمّ إذا كان الأمر كذلك، لماذا لا نصارح الرأي العام بحقيقة الأشياء حتى لا نترك مجالا للأقاويل والتأويلات.إذ لم يبق للمدافعين عن المنظومة التربوية من الحجج ما يساعدهم عل الردّ على ألسن أخرى تقول إنّ التراجع ناتج عن التغيير الحاصل على رأس الوزارة. وقد جرت العادة أن يعيد الوزير الجديد النظر في برنامج سلفه.

كان الإصلاح يكون عاديا لو أنّ النظام التربوي لم يكن شبيها بلعبة « الدومينو » المعروفة، والمعروف ما يجرى لقطعها عندما تسقط إحداها، أو بجسم الإنسان يتأثّر كلّ مكوّن فيه بما يصيب المكوّن الآخر. ومثله أيضا هو في حاجة إلى الرعاية الدائمة والتعهّد المتواتر. ومثلما لا يلجأ الطّب إلى العمليات الجراحية إلاّ في الحالات المستعجلة والدقيقة، فإنّ خبراء التربية لا يستعجلون الحلول الجذرية والتغيير الشامل في المنظومة إلاّ نادرا. والتدخّلات في التربية درجات منها البسيط ( تحويرات ظرفية جزئية ) استعجاله أفيد ( أو أقلّ ضررا) من التباطؤ فيه، ومنها العميق ( تغيير جذري في المنظومة ) التريّث قبل القيام به شرط من شروط نجاحه، تماما كالعمليات الجراحية في الطّب، الثقيل منها ( المخّ، القلب المفتوح) والخفيف ( الزائدة، جبر العظام..) والعمليات الجراحية من هذا الصنف أو ذاك يقوم بها طبيب مختصّ، عارف لاختصاصه، ملّم بمكوّنات جسم « مريضه »، مسيطر على الوضعية، حاذق لمهمّته، آلف للميدان، متأكّد من حركاته، يأخذ برأي معاونيه ( وليس المختصّ في التخدير فقط )، يستمع إلى « ممرّضيه وممرّضاته » بكلّ أريحية وبتواضع العالم بكنه الأشياء وسعة بال العارف بظاهر الأمور وباطنها، يستفيد من تجاربهم، بل من أخطاء تجاربهم ويفيدهم بعلمه، يبني ما يقوم به على أسس ما سبق ويخطّط في ما يفعل لِما سيلحق.. ومقتضيات الإصلاح التربوي، جذريّ أو جزئي،  لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها في الطبّ: التحضير المتروّي للإصلاح، عدم استسهال إصلاح الإصلاح أو استعجاله كي لا تتوه المنظومة في الإصلاحات السنوية بل « السداسية » المتتالية. الأخذ برأي أصحاب الاختصاص، الاستماع إلى تجارب أهل الميدان وملاحظات  » أولاد الدار » (كما نقول بالعامية) لأنّ ملاحظات أولاد الدار  » وبناتها  »  تأتي من المُعاش اليومي وتخرج من أعماق مَن مِن مصلحته صحّة داره   » التي لا دار له سواها  » وسلامة أُسسها.

ثمّ وفي الأخير هل صحيح أنّ المرشدين في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي (وهم المختصون، بحكم تكوينهم في كلّ ما يهمّ التوجيه نظريا وتطبيقيا، وأسسا وأهدافا ) وفي اجتماع مع الوزير طلبوا بعض الإيضاحات حول هذه التغييرات المفاجئة التي تمسّ من مصداقية وزارة التربية واستفسروا عن بعض الجوانب والجزئيات حتى يكون تدخّلهم مقنعا وأقلّ حرجا لدى التلاميذ وأوليائهم ورجال التعليم والرأي العام، فغضب الوزير والتفّ حول هذا السلك من المختصّين وكلّف سلك المتفقّدين بالقيام بعملية الإعلام حول هذا الإصلاح. مع العلم أنّ ذلك ليس من مشمولاتهم ولم يتكوّنوا في هذا المجال. ردّ فعل لافت من قبل وزارة عوّدتنا على الحكمة في القول والرصانة في الرأي والتأنّي في أخذ المواقف، وموكول لها تربية النشء على إبداء الرأي بكلّ حريّة والإصغاء إلى الآخر والابتعاد عن ردود الفعل الانفعالية، في كلّ الظروف والأحوال. وقد استغرب المهتمّون بالشأن التربوي مثل هذا الأجراء ورأى فيه المعنيّون نوعا من العقاب الجماعي، إذ هل هناك عقاب أشدّ من الحرمان من شرف القيام بالمهمّة ؟

 

أبوحيّان التونسي

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 350 بتاريخ 10 مارس 2006)

 

 

بدون وجود مسار دراسي للنوابغ لن يرتفع مستوى التعليم العالي

 

تعتبر الأدمغة أنفس الموارد الطبيعية التي تساهم في إثراء الأمم، لأن نسبة النوابغ عند الولادة محدودة في كل البلدان بنفس القدر تقريبا، ولذلك وجبت المحافظة عليهم وتوجيه نبوغهم إلى ما فيه خير البلاد والعباد. وتستنبط الدول الغنية حيلا لتحويلهم من بلدانهم الأصلية للاستفادة من ذكائهم في بلدانها، ونفس البلدان الغنية تطبق هيكلة في تعليمها العالي ومسارات جامعية خاصة لتوفير إطار مناسب وظروف دراسة حسنة لاستبقاء نوابغها لديها حتى لا يقع تحويلهم إلى بلدان أغنى منها لأن بقاءهم في بلدانهم الأصلية سوف يمكنهم – كإطارات كفأة – من أن يستعملوا معرفتهم ومهاراتهم لفائدة بلادهم. ورغم شعارات الحكومية حول « مجتمع المعرفة » و »تصدير الذكاء » فإن الدولة التونسية لا تملك سياسة وطنية للتعامل مع النوابغ أي الذين يحصلون على الباكالوريا بمعدلات تفوق 16 من عشرين إذا استثنينا الدراسات الطبية.

 

في الستينيات رُتـّب الطلبة المحرزون على الباكالوريا على ثلاث أصناف حسب معدلاتهم، يُرسَل الأوائل منهم إلى الخارج – أساسًا فرنسا – بمنح حكومية، ويرسّم الذين يلونهم في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس بالمرحلة الطويلة. وقد تم وضع هذه السياسة آنذاك لفقدان الأساتذة المختصين في الدراسات الهندسية إذ كان المدرسون للمواد العلمية والهندسية في تونس يأتوننا في إطار التعاقد من دول أوروبا الشرقية خاصة. ومنذ ذلك الحين كونت الجامعة التونسية عديد الإطارات والأساتذة الجامعيين في جميع الاختصاصات تقريبا، ثم رجع بعض النوابغ من الخارج بعد أن أحرزوا على الدكتوراه بتفوق ليدرّسوا في مدارس الهندسة التي بعثت في مختلف الجهات لأن الدينار التونسي آنذاك كان يساوي يوروين اثنين.

 

وكان على الحكومة أن تعتمد سياسة في التعليم العالي جديدة وطموحة وتبعث مسارات خاصة بالطلبة النوابغ لتنهل منهم للعمل في التعليم العالي والبحث، وتستعمل إمكانياتهم وذكاءهم لتطوير البلاد وبعث المشاريع والتخطيط الصحيح للمستقبل، ولكنها خيرت مواصلة التعويل على الخارج بل لم تكتف بمواصلة إرسال النوابغ إذ بعثت معهدا جديدا في المرسى لتحضير الطلبة لمناظرات الدخول لمدارس الهندسة الفرنسية وجلبت لهم مدرّسين من فرنسا يقبضون أجرا يعادل خمس مرات أجر الأستاذ التونسي، ثم أصبحت سياسة الوزارة لإفراغ الجامعة التونسية من نوابغها مثالا للمسؤولين حذا حذوه مديرو مدارس الهندسة التونسية فقاموا بإرسال المتفوقين في مدارسهم إلى المدارس الفرنسية ليرسبوا في السنة الثانية هناك ويتركوا لنا أقساما لا تشتمل على طالب واحد نابغة.

 

وبقي التعليم العالي في تونس يفتقد مسارا دراسيا يستوعب النخبة من النوع الذي تؤمنه كل دولة ذات سيادة في تعليمها العالي عندما تكون تطمح لرفع مستوى جامعاتها إلى مصاف الدول المتقدمة. وغياب هذا المسار من الجامعات التونسية جعل اعتبار الدراسة في الخارج هي الحل الوحيد للطلبة المتفوقين الشيء الذي نشر الإحباط لدى الدارسين والمدرّسين في تونس على حد السواء لأن التعليم العالي لدينا أصبح وكأنه لا يهتم إلا بمن لا تؤهلهم نتائجهم للدراسة في الخارج أي الطلبة المتوسطين، ونتج عن ذلك محاولة كل الأولياء إرسال أبنائهم إلى الخارج بمن فيهم إطارات وزارة التعليم العالي، وأصبح راسخا في عقول أغلبية التونسيين أن مستوى التعليم العالي في تونس لا يرتقي إلى مستوى ذكاء النوابغ وأنه لا يوفر ظروف عمل تساعد على العمل الجامعي الخلاق.

إن هذه السياسة أي إرسال الطلبة النوابغ لدراسة المرحلتين الجامعيتين الأولى والثانية في الخارج له تداعيات سلبية على البلاد بأسرها.

 

التداعي الأول: هجرة الأدمغة

 

إذا كانت أجرة المهندس في أوروبا تعادل من خمسة إلى عشرة مرات أجرة المهندس في تونس فإن الطالب التونسي الذي درس مع زملائه الفرنسيين وقام بتربصات في شركات غنية ومتقدمة تكنولوجيا ووفرت له فرنسا ظروفا إدارية طيبة لمواصلة إقامته ليساهم في تفوق صناعتها ووجد في هذه الظروف أجرا يمكنه من زيارة أهله عدة مرات في السنة فإنه من الغباء بالنسبة له إن لم يبق هناك.

وفي نفس الوقت تستقدم تونس خبراء وأساتذة جامعيين كما أشرنا سابقا ليعملوا بأجور كبيرة إلى درجة لا يتخيلها التونسي وأعطي هنا مثالا بسيطا: عندما تستقدم تونس خبيرا من البنك الدولي درس في نفس المدارس التي درس فيها التونسي، وربما كان التونسي متفوقا عليه فإن الدولة تدفع له أجرا يساوي ألف دولار في اليوم أي حوالي تسعة آلاف دينار في الأسبوع زيادة على السكنى والمأكل والتنقل.

أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي تقريرا بتاريخ 16 ديسمبر 2005 بعنوان « مقارنة عالمية لسياسات استقبال الطلبة الأجانب، أي أهداف ؟ أي وسائل ؟ » وعندما يتحدث فيه عن « هجرة الأدمغة » يعترف بأنه « على مستوى الكفاءات فإن خسارة الرأس مال البشري المتصلة بهجرة الطلبة النوابغ يمكن أن تكون فادحة بالنسبة لبلدانهم الأصلية ». من الواضح أن فائدة الدول المورّدة للطلبة النوابغ لا تهتم إلا لمصلحتها الأنانية، ولكن هل أن حكومتنا واعيةٍ بأنها تساهم في توسيع الفجوة و زيادة عدم التوازن بيننا وبين الدول الأوروبية ؟

أوروبا تجد اليوم نفسها في مشكلة كبيرة من ناحية انخفاض الإنجاب الذي يؤدي إلى تناقص السكان إضافة إلى عزوف الطلبة الأوروبيين عن الدراسات العلمية الشيء الذي يجعلها تحاول تعويض نقصها بانتداب مهاجرين من الكفاءات العالية، فماذا تفعل تونس للدفاع عن البلاد ؟

 

التداعي الثاني: التكلفة المالية

 

في سنة 2004 كان لدينا 972 طالبا حاصل على منحة للدراسة في المرحلتين الأولى والثانية بالخارج، وتبلغ تكلفتهم حوالي 15 مليون دينار وهو مبلغ مرتفع بالمقارنة مع ميزانيات مدارس الهندسة في تونس. ولو استعمل هذا المبلغ كميزانية لمعهد يستقبل هؤلاء الألف من النوابغ لأمكن تدريسهم باستعمال أرقى الوسائل العلمية والبيداغوجية، ولأمكن استدعاء أساتذة حاصلين على جائزة نوبل لتدريسهم، ولأمكن تجهيز مكتبة علمية وأدبية ومدّها بكل كتاب جديد يصدر في كل المواضيع التي تهم التعليم العالي في تونس، ولأصبح هذا المعهد مثالا للمعاهد الأخرى، ولمكّننا هذا المبلغ من خلق مسار النخبة الذي تفتقده الجامعة.

يمكننا أيضا أن نستخدم جزءا من هذه الأموال الطائلة لإرسال طلبة المرحلة الثالثة لأطروحات الدكتوراه في الاختصاصات التي لا نملك فيها تجهيزات ولا أساتذة بالقدر الكافي، لكن الوزارة تعطي منحا لطلبة المرحلة الأولى والثانية (جزء منهم يتحصّل على منحة بسبب القرابة وليس بسبب المعدّل) أكثر مما تمنح طلبة المرحلة الثالثة الذين لم يفق عدد منحهم 746 منحة سنة 2004.

 

التداعي الثالث: المردود البيداغوجي

 

إن إفراغ الجامعات التونسية من النوابغ يخفـّض المستوى العام للطلبة، والذين يحسبون معدل القسم في امتحان مادة معينة يعرفون جيدا أنك إذا سحبت معدّل الطالب الحاصل على 19 من عشرين فإن المعدل العام سوف ينزل، وهذا يبرهن على أن المستوى العام لجامعاتنا حُكم عليه بالتخفيض في وقت يرتفع فيه مستوى الجامعات التي ترسل لها وزارتنا بالمال العام نوابغنا. إن وجود النوابغ بين زملائهم في الجامعات التونسية سوف يساعد الطلبة المتوسطين من رفع مستواهم بالاحتكاك بالأوائل، كما أن وجودهم في الجامعة سوف يجعل منها المكان الذي يقع فيه فعلا تكوين المفكرين العظام.

 

التداعي الرابع: عقلية الرداءة

 

إن الإحباط الناتج عن إفراغ الجامعات من النوابغ يُنتج عقلية الرداءة في كل شيء، مثل أن المكتبات تصبح في جامعاتنا عبارة عن مخازن للإعارة ولا يمكن للطالب فيها من الوقوف أمام الرفوف وتصفح الكتب واحدا بعد آخر حتى يجد ضالته، ومثل أن التجهيزات في مخابر التدريس أكل عليها الدهر وشرب، ومثل أن عدد ساعات التدريس في الأسبوع مهول لا يمكـّن الطالب من المراجعة ومن استعمال المكتبة ومن استيعاب الدروس ومن التثقف، كل هذا لأننا نعتبر أن الطالب المتفوق يجد كل هذه الإمكانيات والظروف في البلاد التي تملك تعليما عاليا حقيقيا ولم يبق لدينا في تونس إلا الطلبة المتوسطين.

 

لقد أدت سياسة الحكومة فيما يخص الطلبة النوابغ إلى جعل انتداب الطلبة اليوم في أرقى مؤسساتنا (مدارس الهندسة ودار المعلمين العليا) يقع بعد الفشل:

 

تُرتّـِب وزارة التعليم العالي الطلبة المحرزين على الباكالوريا وترسل أنجبهم إلى الخارج بمنحة وطنية، أما الذين يفشلون في هذا الفرز فيوجهون مؤقتا إلى المعهد التحضيري للدراسات العلمية والتقنية في المرسى لتحضير مناظرات الدخول إلى مدارس الهندسة الفرنسية، والذين ينجحون في المناظرة ترسلهم الوزارة إلى فرنسا بمنحة وطنية والذين يفشلون في هذه المناظرات ولا ينجحون في مناظرات الدخول إلى أرقى مدارس الهندسة التونسية يشاركون في مناظرة الدخول إلى دار المعلمين العليا، أما الذين ينجحون في الدخول إلى مدارس الهندسة التونسية الراقية ويكونون متفوقين فيها فترسلهم الوزارة إلى فرنسا بمنحة وطنية ليرسبوا في السنة الثانية هناك ويواصلون تعليمهم.

خلاصة القول، إن أرقى معاهد التعليم العالي لدينا لا تسلـّم شهادات النجاح فيها إلا للطلبة الذين فشلوا ثلاث أو أربع مرات في محاولاتهم المتلاحقة للخروج إلى الخارج، والغريب في الأمر أن هذه السياسة قررتها وزارة التعليم العالي التونسية.

 

وإذا كان الفشل يُنتِج الإحباط لدى طلبتنا الذين لم ينجحوا في الهجرة فإن سياسة وزارتنا هذه تنتج الإحباط لدى الأساتذة الذين يودّون انتداب الطلبة المتفوقين في أقسامهم ورفع مستواها مثلهم مثل الأساتذة الفرنسيين الذين يأتون سنويا إلى بلادنا لمراودة المسؤولين والطلبة بهدف انتداب أذكى الأذكياء لرفع مستوى أقسامهم وتعليمهم العالي، وبالمناسبة تخفيض مستوى تعليمنا.

 

أ.د. أحمد بوعزّي

أستاذ بالمدرسة الوطنية للمهندسين

جامعة تونس المنار

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 350 بتاريخ 10 مارس 2006)


 

 

الدولة العربية الحديثة وخاصية الاستبداد

 

بقلم جيلاني الهمامي

 

منذ أكثر من قرن ألف عبد الرحمان الكواكبي كتابه الشهير  » طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد  » الذي نقتبس منه هذه المقولة البليغة:  » المستبد عدو الحق، عدو الحرية وقاتلها، والحق أبو البشر والحرية أمهم، العوام صبية نيام لا يعلمون شيئا، والعلماء هم إخوتهم الراشدون، إن أيقظوهم هبوا وإن دعوهم لبوا وإلا فيتصل نومهم بالموت  » وهي تنبيه صريح لخطورة آفة الاستبداد سبب  » الموت  » المحدق  » بالأمة  » ودعوة صريحة للنخبة  » العالمة الراشدة  » لأن تتحمل مسؤوليتها في النهوض  » بالعوام  » وإلا اتصل نومهم ولامبالاتهم  » بالموت  » الأكيد.

 

واليوم وقد مضى على هذه القولة أكثر من قرن ما يزال صداها مدويا في أرجاء وطننا الكبير يطن مسامعنا ويضعهنا أمام حقيقة نبدو وكأننا لم ندركها بعد بما أن الحال هي الحال والوضع هو الوضع، وضع الاستبداد وحال النوم المتصل بالموت المحدق.

 

لقد أكدت كل الدراسات والبحوث والتقارير المحايدة وآخرها تقارير الأمم المتحدة الثلاثة المتتالية حول التنمية البشرية، أن وطننا العربي يسجل دون سواه من مناطق العالم أرقاما قياسية في التخلف على جميع الأصعدة وفي كل المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية بما يجعله وبلا منازع استثناء العصر الحديث.

 

ولئن تعددت الأسباب وتنوعت وتشابكت فإن ظاهرة الاستبداد التي نكاد نتفرد بها من دون شعوب وأمم عالم اليوم، هي السبب الرئيسي لواقع التخلف الذي نعيش والمؤشر الأقوى على مستقبل أسوأ وأفضع. هذه الظاهرة التي هي في الأصل وفي المحصلة صياغة لتفاعل مجموعة عديدة من العوامل المتداخلة الحديثة والموروثة. والاستبداد صار كما يقول البعض حالة عربية محضة وخاصية مميزة لمجتمعاتنا ولنظم الحكم عندنا.

 

نشأت الدولة العربية الحديثة إبان حركات التحرر العربية وفي غمرة تسويات الاستقلالات الوطنية فورثت عن الحقبة والقوى الاستعمارية التي حضنتها أجهزة وأساليب الحكم بما تتميز به من تسلط وقمع ثم تمادت في نفس المنهج لإخضاع مجتمعاتها لسيطرتها في كل نواحي الحياة العامة.

 

احتكرت الدولة كل شيء وأرست مؤسسات حكمها التنفيذية لبسط شرعيتها المزيفة ووسعت من نفوذ أدوات التسلط والقمع بمبررات حفظ الأمن والنظام وطورت أساليب العسف وابتلعت كل التعبيرات التي أفرزها تطور المجتمع من نقابات وأحزاب وجمعيات – على قلتها – وحولتها إلى مجرد أدوات متوافقة مع مقتضيات اللعبة السياسية لتمرير التزييف تزيين واقع التسلط وفرض الرضا والطاعة والولاء.

 

إلى جانب أن الدولة العربية الحديثة تستمد وجودها وشرعيتها من المستعمر فإنها اعتمدت دوما لضمان الاستمرار والتسلط استحضار سلسلة من المسوغات، مرة باسم استكمال بناء  » الدولة الوطنية  » ومرة باسم التنمية وصناعة التقدم والرفاه العام وأخرى باسم  » حماية الوطن  » و  » نصرة قضايا الأمة  » ومرة باسم  » الشريعة  » وهلمجرا من المبررات الدعائية المخادعة. وحتى بعض التغييرات التي صادف أن حصلت أحيانا فبطريقة الانقلابات العسكرية الفوقية لا بالطرق الديمقراطية ولم تكن من صنع الجماهير وعامة ما سنت في ظلها قوانين الطوارئ والأحكام العرفية لتمعن أكثر في تدمير أسس المجتمع المدني ولتعرقل نموه وتمنع ظهور آليات الإصلاح والتغيير الحقيقي.

 

لذلك كان تاريخ الحكم في بلداننا العربية مسارا طويلا من إعادة إنتاج الاستبداد وتطوير لمسوغاته وآلياته بما أفضى لظهور ما يسمى بالاستبداد العصري أو الحداثي الذي يعتمد إلى جانب أدوات التسلط القديمة، مؤسسة الدين وبرقراطية الدولة ونظام الحكم الفردي والاستغلال الاقتصادي والفساد بكل أنواعه، يعتمد أكثر فأكثر على التسلط  » الأمنوقراطي  » مستفيدا من تقنيات الاتصال الحديثة ومبتدعات العلم والتكنولوجيا لإحكام التضييق على الحريات وزراعة الخوف وشل طاقة المجتمع على الإنتاج الفكري والسياسي.

 

والنتيجة في الأخير أن ظلت مجتمعاتنا كما قلنا أكثر بلدان العالم تخلفا على جميع الأصعدة والمستويات.

فاقتصادياتنا متخلفة متابعة ومفككة، زراعية وضعيفة الإنتاجية أو ريعية تعيش على ما تورده من خلف البحار تستنزف مقدراتنا الطبيعية لتعيش على عائداتها النخب الحاكمة وهي في كل الحالات اقتصاديات عاجزة عن ضمان استقلال الوطن ورفاه الشعب ومستقبل الأجيال القادمة.

 

وقوانا الاجتماعية مهمشة، ضحية الاستغلال والفقر والجهل والأمية وكل مظاهر التخلف الثقافي والتحلل الأخلاقي ويعاني الكادحون وخاصة المرأة والشباب من أسوأ الظروف وأشدها.

 

أما ثقافتنا فمتخلفة تمزقها نوازع الأوهام التقليدية والمتحجرة المثيرة لمظاهر العنف والتطرف من جهة وقيم التحلل والتهافت على بضاعة الأنماط الاستهلاكية المعطلة لطاقاتنا والمخربة للوعي والهوية من جهة ثانية.

 

ومن الطبيعي، وحالنا على ما هي عليه، أن نبق محط أطماع القوى الاستعمارية وأن تكون منطقتنا الوحيدة في العالم التي تضم بين ظهرانيها مستعمرات مباشرة في فلسطين والعراق علاوة على جنوب لبنان والجولان وسبتة ومليلة وأن تحتضن بعض بلدانها الأخرى قواعد عسكرية وأن يظل عدد كبير آخر منها مهددا بالغزو والتدخل.

 

وفوق كل هذا تتسابق القوى العظمى على إعداد برامج الهيمنة عليها بدعوى الشراكة وحسن الجوار وتشجيع التنمية والديمقراطية، ونحن، أنظمة ومعارضات ونخبا وشعوبا، عاجزين عن رد الاعتداءات والتهديدات ومشاريع التدخل الجديدة كأنها القدر المحتوم.

 

وليس في الأفق ما ينبئ بغير هذه المأساة، بما أن شعوبنا ونخبنا لم تعي بعد أن حل المعضلة ومفتاح المرور إلى التحديث الفعلي والنهضة الحقيقية هو حل سياسي أي التخلص من هذه الآفة البغيضة آفة الاستبداد وأن مفتاح التقدم واللحاق بركب الأمم المتقدمة والمزدهرة هو إرساء نظام الحكم الديموقراطي الذي يحترم ويضمن الحرية.  وإلى حين أن يحصل هذا الوعي قولا وفعلا سيصح فينا قول عبد الرحمان الكواكبي  » الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا يستحق الحياة « .

 

 قفصة: تحركات ضد بطالة أصحاب الشهائد العليا

عقدت اللجنة الجهوية لأصحاب الشهادات المعطلين عن العمل بقفصة يوم السبت 18 فيفري الماضي اجتماعها الدوري وثمنت الاعتصام الذي قامت به مجموعة من العاطلين بمقر الاتحاد الجهوي للشغل طيلة يوم 4 فيفري 2006 دفاعا عن حقوقهم في العمل والذي لاقى مساندة قطاعات مهمة من الحقوقيين والسياسيين والنقابيبن. وباركت المشاركون في الاجتماع تشكيل لجنة محلية لأصحاب الشهادات المعطلين عن العمل بالرديف وذلك في إطار تنظيم الطاقات المعطلة محليا وتدريبها على النضال والتفاوض وربطها بحركة نضال أصحاب الشهادات في تونس. ومن المنتظر تشكيل لجان محلية في كل معتمديات قفصة.

و أكد الاجتماع على إعطاء البعد التوثيقي لتحركات المعطلين عن العمل كإحدى البوابات الرئيسية لمحاربة هذا النوع من البطالة والتصدي لديماغوجيا الإعلام الرسمي الذي ما إنفكّ يتلاعب بالإحصائيات وبمواطن الشغل الوهمية كما تهيب اللجنة بكل الضمائر الحية إلى تحويل معركة الشغل إلى معركة رأي عام وعنوان كرامة وتحديد أحد أيام السنة كصرخة في وجه المحسوبية والولاءات السياسية والجهوية التي تطبع الانتدابات في الوظيفة العمومية.

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 349 بتاريخ 3 مارس 2006)

 

 

أحزاب المعارضة ومدينة الثقافة

بقلم: آمال موسى

amelmoussa@yahoo.fr

 

هناك بعض المؤشرات على أكثر من صعيد، تدل على أن بلادنا ربما تعيش في المرحلة المقبلة حراكا إعلاميا وثقافيا.

لذلك فإن المراقبين يلاحظون كثافة استعمال مصطلح «الحوار» من مختلف الاتجاهات والأطراف.

ولأن الحوار ممارسة قبل أي شيء، ولأن المشاغل التي تهمنا من الكثرة والأهمية، ما يرشحها لتكون مادة حية للحوار، فإن المنطق يحتم علينا المضي نحو هذه الممارسة بشكل مادي ومحسوس.

ولعل مشروع مدينة الثقافة، الذي انطلقت أشغاله في 28 نوفمبر 2002، يشكل مثالا نموذجيا من خلاله يُمكننا تجسيد سياسة الحوار.

ومن هذا المنطلق وبمناسبة مصادقة مجلس النواب أول أمس على اتفاقية تمويل القسط الأول من مشروع مدينة الثقافة، نرى أنه من الضروري أن تبلور كافة أحزاب المعارضة الثمانية تصورها الخاص لهذا المشروع الحيوي.

فكماهو معروف هناك قراءات ومواقف مختلفة للسياسة الثقافية في بلادنا، ويمثل مشروع المدينة الثقافية، فرصة لخلق سياسة ثقافية توفيقية، تعكس مختلف الرؤى والتصورات، لا سيما وأن البعد الوطني للمشروع يقتضي هذه الرؤية التعددية لطبيعة الثقافة، التي ستقدم والأولويات الثقافية من ناحية الخيارات حسب كل حزب.

 ولا ننسى أن كل حزب من المفروض أن تكون لديه خلفية فكرية معينة، تتضمن بدورها نظرة خاصة للفعل الثقافي. فالتوجه الليبيرالي لديه مفهومه الخاص وكذلك التوجه الوحدوي وإلى آخره من التوجهات.

كما أن أهمية المشروع ومساحته وآفاقه حيث أنه من المنتظر أن يسد بعض الثغرات كقلة الفضاءات المسرحية والأروقة وغيرها التي يعرفها أهل الثقافة، كل هذه الاعتبارات تحتم أن يتم اقحام كافة أحزاب المعارضة لتقديم تصوراتهم وملاحظاتهم واقتراحاتهم إلى وزارة الثقافة والمحافظة على التراث.

ونعتقد أن مثل هذه الخطوة ستحقق هدفين اثنين:

1- تجسيد فعلي وملموس للحوار وتعددية الرؤى خصوصا أن من بين أهداف مشروع مدينة الثقافة في تونس تنمية الممارسات الثقافية وتوفير فرص الحوار الفكري.

2- مشاركة أحزاب المعارضة في ضبط تصور عام ومتنوع وثري لمدينة الثقافة، سيخفف العبء على وزارة الثقافة ويضع أمامها أفكارا قد لا تخطر على بال المشرفين على مشروع مدينة الثقافة.

وأصحاب الممارسة الثقافية وذوي العلاقة المباشرة بالفعل الثقافي، يدركون جيدا أهمية الأفكار خاصة منها الخلاقة.

 

(المصدر: ركن « قهوة الخميس » بجريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 9 مارس 2006)


 

هل يعرف التونسي ما من المفروض أن يعرفه

ليلى المازني

 

حادثة مترو نقل تونس الذي خرج يتهادى في شوارع العاصمة حاملا علم تركيا خطأ عوضا عن علم تونس في إشهار للبطولة العالمية لكرة اليد آنذاك والذي لم يتفطن له أحد لأكثر من أسبوع جعلنا نطرح أكثر من سؤال حول مدى معرفة التونسي لما هو من المفروض أن يعرفه من الامور المتعلقة بهويته ووطنه وتاريخه لذلك حملنا زادنا وزوادنا وخرجنا الى الشارع لنسأل عن شخصيات وطنية وعن لون العلم وعن النشيد الوطني وعن احداث هامة عاشتها او ستعيشها تونس.. فترى كيف كانت الاجابة فيما يلي تكتشفونها.

 

العينة التي وقع سؤالها بين ذكور واناث وصلت الى الثلاثين تراوحت اعمارهم بين 16 سنة فما فوق، وقد حرصنا ان تكون هذه العينة ممثلة لمختلف الفئات الاجتماعية بمختلف مشاربها الثقافية.

 

بين النشيد والشعار

 

عمي علي شيخ يكاد يكون طاعنا في السن والسيد حمدة (60 سنة) هما اللذان استطاعا الإجابة عن السؤال المتعلق بكاتب كلمات النشيد الوطني قال عمي علي ان اغلب كلمات النشيد الوطني هي من صياغة الشاعر المصري مصطفى صادق الرافعي واضاف ان النشيد يحتوي ايضا على بيتين للشاعر التونسي ابو القاسم الشابي.

 

وعلى نفس الإجابة اكد السيد حمدة وأضاف ان هناك تحوير في صدر بيت من ابيات كلمات الشاعر المصري في النشيد وهو يغنى على تلك الصيغة المحورة.

 

فالبيت هو: ورثنا سواعد بناة الهرم

 

صخورا صخورا كهذا البناء

 

ولكن يغني الصدر في النشيد:

 

ورثنا سواعد بين الأمم

 

صخورا صخورا كهذا البناء

 

قلة ايضا هم الذين استطاعوا الإجابة عن السؤال المتعلق برموز شعار الجمهورية وكلماته وتنوعت الاجابات في غرابتها خاصة في تحديد الرموز الى حد تحولت معه الإجابات الى نكتة اثارت الكثير من الضحك. فالأسد تحول مع هشام (19 سنة) الذي وقع سؤاله الى ثعبان ثم تراجع ليؤكد انه صقر. وتحول الميزان معه ايضا الى سيف اما المركب فلا وجود له أمين في نفس عمره ذهب الى ابعد من ذلك اذ ذكر ان الشعار يتكون من تنين ونسي بقية الرموز واكد لنا ان التنين يحمل في يده الميزان. وكان الضحك هو سيد الموقف بعد الإجابة

 

«لا اعرف»

 

اما بالنسبة لسؤال عدد الوزارات وعدد أعضاء مجلس النواب فالأمر في الأغلب لم يخرج عن كلمة «لا اعرف» في حين اكدت سعاد (30 سنة) ان عدد الوزارات 23 وعدد أعضاء مجلس النواب 229 اما عادل (27 سنة) فقال بأن عدد النواب في المجلس يتراوح بين 20 و25 عضوا وعدد الوزارات في حوالي الثلاثين وقد حاولت جليلة (33 سنة) ان تعد الوزارات التي تعرفها وترددت كثيرا في الإجابة تبريرها في ذلك ان بعض الوزارات وقع تجميعها واخرى وقع تقسيمها واكدت في النهاية انها 35 وزارة.

 

جميع الأجوبة او تكاد كانت صحيحة فيما يخص اسم الحزب الحاكم وسنة الاستقلال وعدد ولايات الجمهورية اما ألوان العلم التونسي وما فيها من رسوم فقال نزار (16 سنة) ان الهلال والنجمة لونهما ابيض وما يحيط بهما احمر!!

 

في حين ذهب سامي الى القول بأن العلم التونسي لونه احمر وبه قمر ونجوم وعندما سألناه من أين جاء بالقمر وان خلطا وقع في ذهنه بين الهلال والقمر كان رده وما الفرق بين الهلال والقمر فكلاهما واحد.

 

اما فيما يتعلق بالعلامة ابن خلدون فقد قال عمي حسين اليس هو ذلك الرجل الذي يحمل في يده صحنا ويقبع في شارع بورقيبة اما سمير فلما سألناه عن ابن خلدون اجابنا بالقول «ثالث دورة على اليمين» في اشارة لنهج ابن خلدون اما من اهتدى للاجابة التقريبية فلخصها في كلمة «عالم» وكفى ـ سميرة (20 سنة) كانت استثناء واجابتنا بأنه اما ان يكون طبيب او قائد عسكري اما السيدة نجيبة (53 سنة) فأكدت انه «مدّب عربية»

 

رموز الوطن والانتهاك

 

جل الذين وقع سؤالهم عن عدد بلدان المغرب العربي اجابوا اجابة صحيحة اما بذكر عدد 5 او بتسمية البلدان.

 

اما عاطف (23 سنة) فقال ان البلدان هي اربعة ولم يذكر موريطانيا بينما تذكرت سامية (42 سنة) بعد ان اقتصرت اجابتها على تونس والجزائر والمغرب بأنها نسيت ليبيا وهي لا تظن ان موريطانيا تنتمي الى المجموعة!! وان كان هذا شأن الانتماء الجغرافي فكيف كانت الاجابات فيما يتعلق برموز البلاد لئن كانت الإجابات جلها صحيحة فيما يتعلق بمن يكون فرحات حشاد وأبو القاسم الشابي فإن عمر (18 سنة) اكد ان فرحات حشاد اسم لشارع مواز لشارع الحبيب بورقيبة في العاصمة ثم تراجع فجأة ليقول ان هذا الإسم لا يبدو غريبا عن سمعه ولكنه لا يعرف من هو بالضبط.

 

السيدة علجية (50 سنة) اكدت غير ذلك وقالت ان ابو القاسم الشابي ملحن بينما فرحات حشاد على ما تذكر فلاق.

 

انعقدت في امريكا

 

مع الإجابات عن سؤال متى انعقدت او ستنعقد القمة العالمية حول مجتمع المعلومات وفي اي بلد وجدنا انفسنا امام نقطة استفهام كبيرة.

 

سهام (18 سنة) اكدت انها انعقدت في امريكا ولا تعرف بالضبط متى.. كريم (20 سنة) ذهب ايضا انها ستنعقد اما في فرنسا او المانيا.

 

عمي عمر (62 سنة) أجابنا بأنه سبق له ان سمع وسائل الاعلام تتحدث عن هذا الموضوع لكنه لم يفهم من الأمر شيئا.

 

اجابات صحيحة بالجملة

 

طالعتنا الإجابات الصحيحة فيما يتعلق بالأسئلة ذات الصبغة الفنية والرياضية الفة (22 سنة) ذكرت الفائز في «ستار أكاديمي 1» وكذلك الفائز في «ستار أكاديمي 2» مع اسهاب في ذكر حيثيات التتويج.

 

وهبت أسماء (23 سنة) لتحتج على المتوج ولتذكر ان الأمر كان ظلما واضحا.

 

كما استطاعت الفتاتان ان تذكرا الكثير من الأسماء العربية والأجنبية المبرمجة لحضور المهرجانات الصيفية.

 

وقد ذكر عدد كبير ممن سألناهم كثيرا من الأفلام والمسرحيات التونسية قديمة وحديثة. ولكن رابح (53 سنة) قال ان الفيلم التونسي الوحيد الذي شاهده الى حد الآن هو عصفور السطح واكد ان ما دفعه الى ذلك هو الفضول وما اثير حول الفيلم من جدل.

 

في حين اكد عبد الله (49 سنة) انه شاهد اكثر من مسرحية تونسية لكن «في هاك السردوك انريشو» كانت الأفضل عنده.

 

اما الأجوبة المتعلقة بالأسئلة الرياضية فكانت في المجمل صحيحة ولكن جلال (33 سنة) ذهب الى ان اقسام البطولة لكرة القدم سبعة واكدت زميلته عواطف (28 سنة) انها اربعة وكان السؤال مثار جدال طويل بينهما.

 

ولا نبالغ اذ نقول بأن الأجوبة رغم طرافتها حملت في طياتها اشارات واضحة تنم عن ثقافة باهتة غير واضحة المعالم انية ومشتتة احيانا قاعدتها المرجعية وبدون منازع وسائل الاعلام المرئية والمسموعة الاجنبية والوطنية المختصة في الترويج للأغاني الشرقية والغربية والكليبات دون غيرها من البرامج والملاحظ ان هذه الإهتمامات لا تلتفت الى كل ما هو تونسي بقدر ما تهتم بالوافد والغريب وتحتفي به.

 

وليس من الصعب ان نستنتج ان الاهتمامات كانت مركزة خاصة على كل ما هو فني ورياضي دون كبير التفات لغير ذلك من المسائل وقد وردت جل الإجابات الخاطئة بعد تخمين ونظرة دهشة في اغلب العيون تتلوها لحظات صمت ينبش خلالها في ذاكرة لا تحمل الإجابة ولم تر يوما ان مختلف تلك المواضيع جديرة بأن تكون ضمن اهتماماتها.

 

والمرجح ان الكثير ممن وقع سؤالهم يمارسون نوعا من الكسل الفكري ويقبلون على كل ماهو مسل وان كان تافها وينغمسون فيه حتى يصبح هو الأساس وما عداه أمور ليست من اختصاصهم لا تمت لهم بصلة ومن قبيل البذخ الفكري وفي الاستسلام لقنوات تلفزية واذاعية تكرس هذا الكسل وتروجه اكبر دليل على ذلك.

 

فالنشيد الوطني مثلا يذاع صباح مساء في القنوات الإذاعية والتلفزية ولا احد ممن سألناهم ورد على ذهنه يوما ان يسأل عن كاتب الكلمات. وابن خلدون الذي يقف تمثاله شامخا في قلب العاصمة لم يثر اهتمام أصحاب الإجابات الخاطئة للتساؤل عمن يكون…

 

هل أسأنا اختيار العينة التي سألناها؟

 

أم ربما أسأنا اختيار الأسئلة؟

 

هذا ما يجب ان نفكر فيه حتى لا نظل في دائرة نقاط الاستفهام والحيرة مع كمّ غير هيّن من الاحباط.

 

(المصدر : منتدى « تحت السور » بموقع نواة نقلا عن جريدة « الصباح الأسبوعي » بدون تحديد التاريخ)


 

 

تقرير واشنطن عن حقوق الانسان

بقلم: برهان بسيس

 

كعادته وفي نفس التوقيت المحافظ على دوريته السنوية، صدر تقرير واشنطن عن حقوق الانسان، مستعرضا مختلف اشكال الانتهاكات التي تتعرض لها هذه الحقوق في مختلف أنحاء العالم.

 

وبغض النظر عن شرعية الحكم وصدقيته فإن ما تملكه الولايات المتحدة الامريكية من سلط مادية ومعنوية جعلتها القوة الأعظم في العالم يعطيها الحرية والحقوق في أن تقدم للعالم تقاريرها السنوية عن أوضاع حقوق الانسان في مختلف البلدان خاصة أن خطابها السياسي التي تحرص على تسويقه دوليا كزعيمة تاريخية للعالم الحر يستند في عناوينه الرئيسية على الواجب الأخلاقي الذي نذرت أمريكا نفسها له وهو حماية حقوق الانسان ودعمها في مواجهة أنظمة القمع والتسلط والاستبداد.

 

سينتظر القارئ حتما أني سأسترسل كعادة كل من يعاين اليوم بمرارة الواقع السوداوي المحتد بالتناقضات ومعادلة الكيل بمكيالين في اسقاط كل ملامح الشرعية والاخلاقية عن تقارير أمريكا حول حقوق الانسان باعتبارها في عرف قواميس سياسية متعددة ومتنوعة قوة الشر الأكبر في العالم.

 

لكن لا بأس أن ننظر الى الجهد الامريكي بشيء من الروية والصبر رغم صعوبة التدثر بمثل هكذا مشاعر أمام حالة الظلم الصارخ والنفاق الحاد الذي يكاد يعصف بكل ذرة عقلانية وواقعية وهدوء عند معاينة سجل صاحبة الدروس والتقارير في المادة التي تدرسها بالذات أي مادة احترام حقوق الانسان وكرامته، تلك التجربة التي تضع في الرصيد الامريكي إرثا فاضحا من الانتهاكات والمظالم لا ينفع تكرار التذكير بها لفرط وضوحها المستفز.

 

أعتقد بكل ما في النفس من هدوء أنه على الولايات المتحدة أن تعيد التفكير في الاسترسال في مثل هذه المبادرات التي تحولت في ظل واقع الشؤم المطل على بقاع مختلفة من العالم بألوان «اليانكي» المتغطرس الى تقليد بيروقراطي تفرضه العادة الادارية دون أن يكون له أدنى مصداقية أخلاقية أو سياسية وهذا بالفعل ما يبعث المرارة والحزن في نفوس كل من يتطلع الى عالم أفضل في دائرة احترام حق الانسان وكرامته.

 

ما يبعث هذه المرارة أن مطالب صيانة هذه الحقوق أمر ملح وحيوي في كل البلدان والمناطق وأن مطالب الديمقراطية والحرية مدخل ضروري للانسجام مع روح العصر، لكن قداسة القضية في مثل هذه الاحوال تفسدها شمعة المحامي وكم من القضايا العادلة تسقطها أخطاء من يدافع عنها.

 

وهذا بالذات ما يفرض على القوة الاعظم في العالم أن تعيد النظر في سياساتها الخارجية المتآكلة أخلاقيا عبر الازدواجية والنزوع الاستعلائي وخطاب التهديد والقوة، تلك المتاهات القاتلة التي تنزع كل مصداقية أو شرعية أخلاقية عن كل ما يمكن للولايات المتحدة أن تسوق له أو تدافع عنه.

 

يحتاج العالم من القوة الاعظم بالذات أن تعطي المثل كقيادة ناضجة وموضوعية وحكيمة بما فيه مصلحة أمريكا والعالم معا.

 

أما إذا كان المعلم نفسه أشهر من سقط في الامتحان، فأي معنى عندئذ لمحاسبة التلاميذ!!!

 

(المصدر: ركن « البعد الآخر » بجريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11 مارس 2006)


 

 

خمسون سنة على الاستقلال: أين هؤلاء من التحديات القائمة؟!

رضا الملولي

 

بعد ايام قليلة، يحتفل التونسيون بالذكرى الخمسين لحصول بلادنا على استقلالها ولا يمكن لهذا التاريخ ان يمثل، بالنسبة لمن يعيشون على هذه الارض، حدثا عابرا او مناسبة للتذكر بقدر ما يمثل معينا لا ينضب من المعاني الوطنية واستلهام سيرة الشهداء والمقاومين وكل من حمل السلاح دفاعا عن كرامة التونسيين واستقلالية قرارهم. اسئلة الدم المهدور هي التي نحن مطالبون باستحضارها اليوم:

 

هل كنا جميعا في مستوى التضحيات التي جسّدها شهداء الوطن؟! وما هي طبيعة الاداء الذي يتناسب مع القيمة الرمزية والمادية للاستقلال؟! ما الذي يدفع البعض منا الى الاستخفاف بعبارة استقلالية القرار الوطني الذي قُبر في اوطان عديدة اخرى؟! هذه الاسئلة جوهرية اذا ما رمنا التوقف عند تاريخ العشرين من مارس محاولين باستمرار استحضار رمزية الاستقلال والسلطة والقرار الوطني. الاكيد ان بناء الدولة الوطنية كان مقترنا بنوع من التحديات لا نخاله بقي محافظا على بريقه الى يوم الناس هذا، وبالرغم من انحسار النفس التعددي في المجال السياسي ابان بناء دولة الاستقلال فإن الاختيارات التربوية والاجتماعية يجني التونسيون ثمارها الى اليوم، مضافا اليها تراكم التجارب التنموية والاجتماعية التي مكنت التونسيين من تكوين رصيد تاريخي ينهلون منه ويتّعظون من منعرجاته.. وعندما اصيبت الدولة بالهزال نبع من احشائها مَنْ ضخّ فيها الدماء من جديد، ولم تتنكر الدماء الجديدة لمن سبقها، بل حرص السيد الرئيس على ان تكون دماء التغيير مجددة للمعين ذاته، غير ناسفة له، كما يقع عادة في الشرق والغرب، ومنذ 1987 لم تهدأ حركة الاصلاح والمبادرات الهادفة الى تجسيم المواطنة في انبل معانيها، لكن هل تشبّع كل التونسيين بمفهوم المواطنة الذي يتطلب احساسا بالواجب وقطعا مع التواكل بعيدا عن مظاهر الشعبوية والحركات غير الهادفة؟!!

 

في هذا المجال، لا مكان للبلاغة وحساب الاحتمالات خصوصا ان التحديات التي ستقبل عليها البلاد تتطلب تشخيصا دقيقا للاوضاع الذاتية وهذا ما يجعلنا نقر بأن نسبة غير هّينة من نخبنا السياسية والاكاديمية والادارية لا تشتمل على نفس الخصال التي تجعلها مدركة لقيمة الاستقلال من ناحية ومحافظة عليه من خلال ادائها السليم من ناحية ثانية. فعلى الصعيد السياسي والمدني علينا الاقرار بأن الحركة داخل الهياكل الوسيطة (احزاب، جمعيات(غير طبيعية، بل ان بعضها مشلول تماما إما بفعل التناحر وإما بفعل التواكل وكلا الامرين شرّ. فما معنى ان تتحصل هذه الاحزاب والجمعيات على الدعم المادي ولاتبادر، بل انها لا تمثل، وهذا اضعف الايمان، قوة اقتراح فعلية، تنير السبيل وتساهم من موقعها في نحت مستقبل البلاد؟ ان الانتماء الى حزب من الاحزاب لا يمكنه ان يكون بطاقة معايدة او دعوة لحضور موكب بل انه عمل صميمي صلب النسيج الاجتماعي بعيدا عن الغوغائية والشعارات او العودة الى أشكال بدائية روّجها يسار الانابيب بمعاضدة جبهة الغيب اليمينية تقوم على الاكل والترويج لنقيضه!!

 

لماذا هذا السعي المحموم من قبل الاحزاب الى الانتظار والتواكل كل على طريقته: مجموعة تتغنى بالديمقراطية ولاتفعل شيئا في سبيل تجسيمها وآخرون، وهم قلة ونعرف حدود امكانياتهم جيدا، ينتظرون التعيينات والامتيازات والترقيات وعندما يسألون: لماذا هذا الهوس؟ تكون الاجابة: نحن مؤتمنون على السماء والارض!! وفي باب الاداء الاعرج كذلك، تنتسب بعض الجمعيات التي حادت عن نبل الاهداف التي بعثت من اجلها واصبحت وكرا للمزايدات والتمعش والالتحاف برداء الجمعية لتغطية تجاوزات مهنية او اخلاقية وعندما يتم تطبيق القوانين ترتفع الاصوات: انا الحقّ ولا حقّ سواي!!

 

مجموعة اخرى، اعرفها وتعرفني وجمعتنا نقاشات عديدة ترى عناصرها قابعة في الزوايا، تتحيّن الفرص، لا تبادر لإصلاح اوضاع تنتقدها سرا وتجاهر بسلامتها علنا.. قد تتغطى هذه العناصر بانتمائها الجامعي وعندما تكون البلاد في حاجة اليها للتعبير عن موقف او للمساهمة في اثراء الحوار الوطني. تفرّ إما لعجز وإما لانتهازية سارية في عروقها. احدهم يدّعي الخبرة في مجال اختصاصه ولكن أحداثا اخيرة بيّنت انه سمسار من الطراز الرفيع!! والمحيّر في هذه العناصر المصابة بالعطالة المزمنة انها تحلم بتحمّل المسؤوليات، حتى تحولت احلامها الى كوابيس مزمنة.

 

وهنا أسأل عن مئات الجامعيين الذين يدّعون الالتزام الحزبي، ما هي مواقفهم وكتاباتهم وإسهاماتهم خارج اسوار الجامعة؟! هل يتصورون ان البلاد في انتظارهم، وهي التي لم تكن عاقرا عبر التاريخ؟ هذه الاصناف، في رأيي، لا تدرك قيمة القرار الوطني الحرّ ولا يمكن لذكرى الاستقلال ان تثير فيها معاني الاعتزاز بالانتساب الى هذا الوطن. الانتساب لتونس نراه شرفا ومسؤولية كذلك.. فأين المسؤولية لينال من نتحدث عنهم شرف الانتساب؟!!

 

(المصدر: القسم العربي من مجلة « حقائق »، العدد 1054 بتاريخ 9 مارس 2006)

 

حلف شمال الأطلسي يستكمل دمج المغرب العربي تحت مظلته الإستراتيجية

تونس – رشيد خشانة     

 

كرس الإجتماع المشترك الأول بين وزراء دفاع البلدان الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ونظرائهم في البلدان السبعة المشاركة في مسار «الحوار المتوسطي» في صقلية منتصف الشهر الماضي توسيع المظلة الأمنية الأطلسية لتشمل بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط باستثناء ليبيا. ويمكن القول إن نهاية الحرب الباردة جعلت الطريق سالكاً لإنهاء حال العداء التي كانت قائمة بين بلدان عربية صديقة لحلف وارسو سابقا وأخرى قريبة من الحلف الأطلسي، ما ساعد في انطلاق «الحوار المتوسطي» الذي أدمج كلا من مصر والأردن وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، إضافة الى اسرائيل، في المنظومة الأطلسية اعتبارا من الإجتماع الذي عُقد في مدريد عام 1994، بعد خمس سنوات من سقوط جدار برلين.

 

وتطورت العلاقات خلال 12 عاما من «الحوار» إلى مناورات مشتركة وصولا إلى منزلة قريبة من العضوية وُضعت تحت عنوان «الشراكة». ولا ترمي هذه الصيغة الى التنسيق في الحرب الدولية على «الإرهاب» التي تقودها الولايات المتحدة وحسب، وإنما أيضا الى توسيع مظلة الحلف بغية إدماج البلدان الشريكة السبعة فيها، مع ما يترتب عليه من تطبيع للعلاقات العسكرية العربية – الإسرائيلية. وسبق للحلف أن اعتمد الصيغة نفسها مع بلدان أخرى في مناطق مختلفة من العالم، في مقدمها أوروبا الشرقية والبلطيق، اذ أعلن بعضها انضمامه رسميا للحلف، ما جعل جناحيه تمتد إلى أوسع دائرة عرفها في تاريخه، حتى يكاد يصبح الإمبراطورية الجديدة التي لا تغرُب عنها الشمس. وفي هذا السياق انضمت سبعة بلدان من تلك المنطقة للحلف في العام الماضي، إضافة للحرص على الإقتراب الجغرافي من روسيا التي استأثر الحوار معها بقسم مهم من مناقشات الحلف طيلة السنوات الماضية.

 

لكن واشنطن أعدت إطارا لامتصاص الخلافات وحلها بتهدئة مخاوف موسكو من ضرب طوق استراتيجي حول خاصرتها الجنوبية – الغربية، فأنشأتا مجلسا للحوار بين الحلف وروسيا في السنة 2002، واتفقتا على التعاون في المناورات العسكرية بما في ذلك السماح لقوات الطرفين باجتياز أراضي الطرف الآخر لدى إجراء المناورات.

 

دور في الشرق الأوسط

 

 

وتزامن مسار إدماج العرب في مظلة الحلف مع تواتر الحديث عن وضع خطة تتعلق بدوره المستقبلي في الشرق الأوسط بعد استكمال الإنسحاب الإسرائيلي من غزة. واكتملت ملامح الخطة في الإجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية البلدان الأعضاء في الحلف في العاصمة الليتوانية فيلنيوس في نيسان (أبريل) الماضي، لكنها جوبهت بمعارضة فرنسية لأي دور للحلف في الشرق الأوسط أو في دارفور، إضافة الى بقاء علاقة روسيا بتنفيذ الخطة غير واضحة. وساندت ألمانيا في أيام الثنائي غيرهارد شرودر – يوشكا فيشر الموقف الفرنسي معتبرة أن من السابق لأوانه الحديث عن دور للحلف في إحلال الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط أو السودان، معترضة على الوجود العسكري المباشر للحلف في المنطقة. إلا أن هذا الموقف بدأ يتغير في ظل حكومة المستشارة انجيلا ميركل المتصالحة مع واشنطن.

 

ومع كل تلك التحفظات زار وزير الخارجية الإسباني ميغيل انخيل موراتينوس واشنطن قبيل اجتماع الحلف في فيلنيوس مكلفا باسم الإتحاد الأوروبي بحث مشروع الخطة مع نظيرته الأميركية كوندوليزا رايس. ولم يكن اختيار موراتينوس مصادفة، اذ انه أعرف زملائه بالتضاريس الطبيعية والسياسية للمنطقة، لذلك كانت خبرته الميدانية ضرورية للتعاون مع الجانب الأميركي في وضع خطة قابلة للتنفيذ. وكان موراتينوس واضحا في المؤتمر الصحافي الذي عقده في لوكسمبورغ قبيل مغادرته إلى فيلنيوس عندما أكد أن الهدف من الإجتماع غير الرسمي «تحديد مساهمة الحلف في مسار السلام في الشرق الأوسط».

 

وعزز تلك المعلومات القائد الأعلى لقوات الحلف الجنرال جيمس جونز عندما أكد أنه تلقى أوامر للإستعداد للعب دور في الشرق الأوسط في حال التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأوضح جونز ان السياسيين حدثوه عن هذه المسألة منذ عام 2003، مشيراً الى أنهم سبق أن حدثوه عن أفغانستان فلم يمنح الأمر اهتماما كبيرا في حينه، «لكن بعد ثمانية أشهر كنا في أفغانستان».

 

وعلى رغم المشاركة البارزة لوزيرة الدفاع الفرنسية ميشيل أليو ماري في اجتماع صقلية، يساور باريس شعور بأن الريح تجري ضدها داخل الحلف لأن موقعها، الأقلي أصلا، تضعضع بفعل إدماج بلدان البلطيق وأوروبا الشرقية المصطفة وراء واشنطن في هياكل «الأطلسي». وأكد وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول في حديث أدلى به العام الماضي لصحيفة «فيغارو» الفرنسية أن بلدانا أخرى طلبت العضوية ستندمج قريبا في الحلف، وأن هذا من شأنه أن يعمَق قلق باريس ويعزَز شعورها بالتهميش.

 

من هنا شكل إدماج بلدان شمال أفريقيا في مظلة الحلف ضربة واضحة لفرنسا التي كانت تحتكر تقريبا التعاون العسكري مع تلك البلدان، كما أنها ضربة للمشاريع الأوروبية لإنشاء نظام دفاعي إقليمي، أشهرها تشكيل قوات «يوروفورس» نهاية التسعينات.

 

جولة شيفر المغاربية

 

ويمكن القول إن الزيارتين اللتين قام بهما الأمين العام للحلف جاب دي هوب شيفر لكل من تونس في نيسان (أبريل) الماضي والجزائر في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2004 مهدتا للنقلة في العلاقات مع البلدان المغاربية.

ووُضعت الزيارتان المنفصلتان تحت عنوان الى السعي «معرفة الحاجات الدفاعية لبلدان الضفة الجنوبية للمتوسط». وركز شيفر محادثاته في تونس وقبلها في الجزائر على تطوير التعاون العسكري مع البلدين وتعزيز الحوار مع بلدان شمال أفريقيا «نظراً الى أهمية موقعها الإستراتيجي في المنطقة المتوسطية». وأوضح مسؤول شؤون «الحوار المتوسطي» في الحلف ألبرتو بين أن الحلف عرض على بلدان الضفة الجنوبية 20 مجالا للتعاون من ضمنها تأهيل القوات المسلحة وإصلاح المنظومات الدفاعية ومعاودة هيكلة أجهزة الاستخبارات العسكرية والقيام بمناورات مشتركة ومكافحة الكوارث الطبيعية، لكنه نفى أن يكون الحلف يملي على البلدان المعنية الإمتثال للبرامج التي يعرضها عليها، معتبرا أنها «حرة بانتقاء ما يناسبها من خطط التعاون المعروضة عليها». وأفاد بين في لقاء مع «الحياة» على هامش زيارة شيفر لتونس أن لجانا مؤلفة من خبراء أمنيين في الحلف والبلدان المتوسطية باشرت اجتماعات مشتركة منذ مطلع العام الجاري للبحث في آليات تعزيز التنسيق في مكافحة الإرهاب».

 

وأتت زيارتا شيفر لتونس والجزائر تنفيذا لـ«مبادرة التعاون» التي قررها قادة البلدان الأعضاء في الحلف في قمة اسطنبول عام 2004 في حضور الرئيس جورج بوش، والتي شكل قطب الرحى فيها التنسيق والتعاون «لتفادي وقوع هجمات إرهابية وإحباطها في حال حصولها». وتطورت المبادرة في الإجتماع المشترك الذي عقده وزراء خارجية البلدان الأعضاء في الحلف مع نظرائهم في البلدان المتوسطية السبعة في بروكسيل في كانون الأول (ديسمبر) 2004. وتطرقت المناقشات إلى الدور الذي سيلعبه الحلف في المستقبل في مجال تحديث جيوش البلدان المتوسطية، وبخاصة استخباراتها العسكرية، ومكافحة ما يسمى بـ»الإرهاب» والهجرة غير المشروعة، علما أن بوارج الحلف تتولى منذ فترة تفتيش السفن التجارية التي تعبر المتوسط للتأكد مما إذا كانت تحمل أسلحة محظورة أو مهاجرين غير شرعيين.

 

وفي هذا السياق جاء اجتماع وزراء الدفاع في صقلية أخيرا ليتوج تلك المشاريع ويضع الإطار النهائي للشراكة المتطورة بين الحلف والبلدان المتوسطية، انطلاقا من الشعور بأن الخطر الإرهابي تحرك من شرق أفريقيا حيث تعرضت السفارتان الأميركيتان في نيروبي ودار السلام لتفجيرين ضخمين نهاية التسعينات إلى غرب القارة، وتحديدا جنوب الصحراء.

 

 

ففي السنوات الأخيرة أثمر التعاون بين الحلف من جهة والبلدان المغاربية والأفريقية من جهة ثانية عمليات استخباراتية وعسكرية ناجحة أبرزها تفكيك شبكة كانت تخطط، طبقا لمصادر أميركية، لعمليات في مضيق جبل طارق عام 2002، وضبط الرجل الثاني في «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية عبد الرزاق البارا الذي اعتُقل في تشاد في 2004 وما زال مسجونا في الجزائر.

 

وجدَد وزير الخارجية الأميركي دونالد رامسفيلد خلال جولته المغاربية الأخيرة التعبير عن مخاوفه من احتمال وجود نشاط لجماعات مسلحة في الصحراء، وإن عبَر رسميا عن ثقته بأن المنطقة المغاربية «في مأمن من الإرهاب».

 

مناورات مشتركة

 

وعلى خلفية ذلك التنسيق الأمني انتقل أخيرا إلى مرحلة إجراء مناورات مشتركة بين البلدان المغاربية و«الأطلسي» مع إشراك بلدان أفريقية في المناورات، اعتمادا على تقارير تصنف منطقة جنوب الصحراء بأنها «بؤرة رئيسية للجماعات الإرهابية في أفريقيا». وتعزز هذا التعاون بعد تواتر تقارير استخباراتية أفادت أن المغرب العربي بات أحد المعابر الرئيسة لعناصر تلك الجماعات نحو أوروبا تحت ستار الهجرة السرية. وبدافع من تلك المخاوف أجرت قوات أميركية وأطلسية مناورات مشتركة مع قوات تسعة بلدان مغاربية وأفريقية منتصف حزيران (يونيو) الماضي استمرت عشرة أيام وخُصَصت للتدرَب على مكافحة «جماعات إرهابية» بمشاركة وحدات من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا والنيجر ومالي والسينغال وتشاد ونيجيريا بقيادة الجنرال هولي سيلكمان قائد القوات الأميركية في أوروبا.

وجرت المناورات بعد عشرة أيام من مهاجمة عناصر تابعة لـ«الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية المرتبطة بتنظيم «القاعدة» حامية عسكرية شمال شرق موريتانيا ما أدى إلى مقتل أكثر من 15 جنديا وخمسة من المهاجمين.

 

وكانت تلك المناورات تندرج في إطار خطة تدريبات مشتركة أطلق عليها اسم «المبادرة العابرة للصحراء لمكافحة الإرهاب « (Transaharian anti-terrorist initiative) والتي خصص لها الكونغرس 100 مليون دولار. وكان الجنرال سيلكمان صرح في باماكو في أعقاب مناورات العام الماضي بأنه «حيث يوجد إرهابيون سنكون بالمرصاد لملاحقتهم». كذلك أفاد مسؤول أميركي رفيع المستوى أن جماعات جزائرية مسلحة أعطت 200 ألف دولار لجماعات عراقية مصنفة على لائحة الإرهاب وأوضح أنها وصلت عبر أوروبا.

 

وفي هذا السياق أيضا ساهمت قوات خاصة من البلدان المغاربية الأربعة المشاركة في «الحوار المتوسطي» في عمليتين كبيرتين للحلف هما «أكتيف أنديفور» Active Endeavour) ( في المتوسط و»فلينتلوك» (Flintlock) في منطقة الصحراء. وعلى هذا الأساس زاد الأميركيون من حجم دعمهم المالي لبرامج التدريب المشترك مع وزارات الدفاع المغاربية وعززوا من حضور قواتهم في المنطقة. واستكمالا لهذا التنسيق أحكمت الخافرات والبوارج الأميركية والأطلسية الرقابة على السفن التي تعبر المتوسط بين مضيق جبل طارق وقناة السويس بحثا عن عناصر «إرهابية» محتملة أو أسلحة على متنها ولمنع تنقل أعضاء الجماعات من منطقة إلى أخرى. وكان لافتا أن زيارات قطع من الأسطول الأطلسي إلى موانئ جنوب المتوسط تكثفت في السنوات الأخيرة خارج فترات المناورات الجماعية، وبات «مألوفا» أن تزور مدمرات وبوارج من البلدان الأعضاء في الحلف الموانئ المغاربية مرات عدة في السنة لتعميق تبادل الخبرات والمعلومات.

 

ويُرجح أن تشكل العلاقات الجديدة مع الحلف عنصرا مهما في تحديث جيوش البلدان المغاربية الشريكة إن على صعيد التسليح والتجهيز أو على صعيد تحسين مستوى تأهيل القوات وتطوير أدائها. ويشكل هذا الجانب مظهرا من مظاهر الإدماج التدريجي للبلدان المغاربية في المنظومة الأطلسية والذي يعتبر الأميركيون المغرب مثالا ناجحا عليه، إذ أنه يُصنف باعتباره «الحليف الأكبر خارج دائرة البلدان الأعضاء». وتتجسد تلك العلاقة الخاصة من خلال منح تسهيلات واسعة للقوات البحرية والجوية للحلف في الموانئ والمطارات العسكرية المغربية. وأفيد السنة الماضية أن الحلف يدرس مشروعا لتحديث المطارات المغاربية الجنوبية المتاخمة للصحراء بغية تطوير مهابط الطائرات كي تكون قادرة على استقبال الناقلات العملاقة، تحسَبا لعمليات كبيرة محتملة. ولئن لم يُكشف عن مصير تلك الخطط فالثابت أن الحلف استكمل مسار إدماج المنطقة في منظومته، وإن كان لا يرغب بمنح بلدانها مقاعد بين أعضائه العاملين.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 11 مارس 2006)


 

 

كيف تنظر أمريكا إلي شمال إفريقيا؟

يزيد بوعنان (*)

 

لقد جاءت زيارة كاتب الدولة الأمريكية للدفاع دونالد رامسفيلد إلي دول المغرب العربي كغيرها من الزيارات التي قامت بها شخصيات ورموز أخري إلي مختلف البلدان العربية، ليتم من خلالها ترتيب الملفات، وإعداد العدة للانطلاق في تنفيذ السياسة التي تريد إدارة جورج بوش إملاءها علي دول الشمال الإفريقي، فكيف تنظر الولايات المتحدة إلي هذه المنطقة؟ وما هي المحددات الداخلية والخارجية للسياسة الأمريكية في المغرب العربي والشمال الإفريقي؟

 

1 ـ محاربة الإرهاب والقضايا العربية:

 

جاء الاهتمام بمنطقة الشمال الإفريقي كمنطقة استراتيجية، وكجزء لا يتجزأ من الدول العربية، وكمنطقة مستهدفة ينبغي أن تشملها السياسات والخطط المتبعة في إطار سياسة الشرق الأوسط الكبير التي تسعي الولايات المتحدة إلي تجسيدها مهما كان الثمن. ومن الطبيعي أن تسعي أمريكا إلي إخراج هذه المنطقة (شمال إفريقيا) من السيطرة التاريخية الأوروبية أو الفرنسية بالتحديد، خاصة وأن السياسة الأمريكية قد أصبحت تواجه مزيدا من الصعوبات والمشاكل وقد تزداد هذه المشاكل اتساعا علي المدي المنظور خاصة إذا استمرت إدارة بوش في السياقات التي اتبعت، وهو ما سيؤثر سلبا علي موقع الولايات المتحدة بصفتها دولة كبري ودولة تتصدي للعب دور فعال في السياسة العالمية بجوانبها المختلفة. وكان من الطبيعي أن تكون القضايا المتصلة بمحاربة الإرهاب وبالمنطقة العربية من بين الموضوعات التي تريد أن تتناولها الإدارة الأمريكية مع زعماء الدول المغاربية والشمال لإفريقي، وعلي رأس هذه القضايا القضية العراقية والقضية الفلسطينية، والسورية ثم إيران بدرجة أقل.

 

ففي قضية محاربة الإرهاب فإن الزيارة التي قام بها وزير الدفاع رامسفيلد إلي دول المغرب العربي مؤخرا ووصفها بأنها مفيدة وهامة للغاية ، وقد درس رامسفيلد خلال هذه الزيارة مع الزعماء المغاربيين السبل الكفيلة لإقامة إطار للتعاون العسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والدول المغاربية من جهة أخري بغرض مواجهة ما يسمي بالخلايا النائمة لتنظيم القاعدة في المنطقة، وحسب مصادر إعلامية ذات صلة بالملفات الأمنية فإن واشنطن التي تحرص علي إقامة تنسيق وثيق ودائم بينها وبين الدول المغاربية من منطلق المعلومات الاستخباراتية التي تؤكد وتفيد بتجنيد القاعدة لعناصر موالية لها في منطقة الشمال الإفريقي وذلك لضرب المصالح الأمريكية.

 

كما أبدت الإدارة الأمريكية تخوفاتها من إمكانية تسلل بعض عناصر القاعدة مع المهاجرين غير الشرعيين من مالي والنيجر وتشاد عبر الحدود الجزائرية والمغربية ومن تم إلي كل من تونس ومصر وغيرها من الدول، وانخراطهم في نشاط ميداني لضرب المصالح الأمريكية في المنطقة، ولذلك فإن إدارة بوش تنوي التعامل مع هذه الدول مجتمعة ككتلة واحدة لمحاربة الإرهاب، بل وهي تعمل جاهدة علي إيجاد صيغ مناسبة لشراكة قوية بين الجيش الأمريكي وجيوش البلدان المغاربية، وذلك ما أسماه رامسفيلد بالشراكة البناءة التي تنخرط في الحملة علي الإرهاب، لأننا نعتبر أن بلدان المغرب العربي والشمال الإفريقي هي بلدان خصبة للمجموعات المرتبطة بالقاعدة .

 

والملاحظ أن الإدارة الأمريكية تحاول أن تستعمل سياسة المقايضة والترابط في دعم الحكومات والدول القائمة مقابل تقديم تنازلات بخصوص المهام الأمنية تدريجيا بالنظر إلي أن هذه الدول ـ أو أغلبها ـ عاجزة عن التحكم في أوضاعها الأمنية الداخلية ومراقبة الحدود، ولذلك فإن واشنطن تسعي لتقديم مساعدات عسكرية ومن خلال الأجهزة والعتاد المتطور لمراقبة المناطق غير المتحكم فيها، ويأتي هذا الإعلان لتقديم الدعم اللوجستي والمالي لعدد من الدول العربية والإفريقية في سبيل مكافحة الإرهاب كنتيجة منطقية لسلسلة من الوقائع والأحداث التي كشفت عن مساع أمريكية حثيثة لضمان الأمن والاستقرار والمصالح الاستراتيجية الأمريكية و الغربية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وامتدادها المباشر في دول الساحل الإفريقي.

 

والملفت كذلك أن واشنطن تربط تقدم ملف التعاون العسكري والأمني بشروط الإصلاحات السياسية ووضعية حقوق الإنسان في هذه البلدان، وذلك كتجسيد للمقاربات الأمريكية الرامية إلي ضمان التوازن الداخلي بين مختلف التيارات والاتجاهات والمشارب وجماعات الضغط، بما في ذلك الجماعات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان. أما بشأن القضايا العربية الراهنة التي تشكل بؤرا للتوتر في منطقة الشرق الأوسط مثل العراق، سورية، وفلسطين، فإن الإدارة الأمريكية تحاول جاهدة لإقناع دول الشمال الإفريقي باعتبارها كجزء لا يتجزأ من الأمة العربية إلي الانخراط في مسعاها ودعم سياستها في المنطقة، ولذلك فإن الكثير من المصادر الإعلامية والديبلوماسية أشارت بأن هناك مساعي أمريكية مكثفة لاستقدام قوات عربية إلي العراق تمهيدا لسحب قواتها أو التقليل منها، وقد حذر الكثير من المحللين والمتتبعين في الجزائر وغيرها من خطورة المعلومات التي تناولتها مصادر إعلامية متطابقة من أن زيارة رامسفيلد إلي الدول المغاربية كانت موجهة في جزء كبير وحيوي منها باتجاه إرسال قوات عربية إلي العراق، لأنه قد بات في حكم المؤكد أن الولايات المتحدة تنوي سحب قواتها من العراق ولو مرحليا، وحتي لا تحدث إختلالات أمنية يجب إشراك قوات عربية في محاولة تعريب الأمن في العراق وما قد ينجر عن ذلك من تداعيات متشابكة وخطيرة، لأن الجنود العرب سيصبحون حينذاك هدفا للمقاومة العراقية وسيكون في كل بيت عربي مأتم دون أن نجني من ذلك أي مغنم، ولذلك فإن الدول المغاربية وغيرها من الدول العربية الأخري مطالبة بأن تمارس المناورة السياسية وتحسن التدبير حتي تكون في مأمن عن أية تخبطات سياسية أو مواقف مكلفة ومستنزفة لقدراتها وأبنائها، وأن مواقفها لا ينبغي أن تخضع لحسابات الإدارة الأمريكية بل يجب أن تكون موافقــــة للإدارة العراقية والعربيـــة الحرة المستقلة.

 

2) أهداف خفية تحت غطاء التعاون علي الإرهاب:

 

ما من شك أن هناك مخاوف مؤسسة بشأن الأهداف الخفية التي تريدها الولايات المتحدة الأمريكية من وراء سياسة التعاون التي تسعي إلي تطبيقها في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، وهي أهداف علي درجة كبيرة من الحساسية والخطورة بل ربما هي أخطر من الخطر الذي يمثله الإرهاب والقاعدة علي أمريكا والدول الغربية، ومن بين هذه الأهداف إرغام البلدان المغاربية وقبلها الدول العربية الأخري علي الاعتراف جماعيا بإسرائيل وذلك من خلال وضعها أمام الأمر الواقع وهو الجلوس حول طاولة واحدة مع المسؤولين الإسرائليين في المحافل الدولية العديدة والمخصصة لمكافحة الإرهاب، كما يحدث هذه الأيام في إطار اجتماعات الحوار المتوسطي الذي يشمل جميع بلدان المغرب العربي وشمال إفريقيا وحوض البحر المتوسط ومنها دولة إسرائيل مع حلف الأطلسي، ومن بين هذه الأهداف أيضا سد الطريق أمام هذه البلدان لأي شكل من أشكال التضامن مع الشقيقتين سورية وإيران اللتين تتلقيان حملة أمريكية وغربية منقطعة النظير في سبيل قلب النظامين السوري والإيراني وتنصيب أنظمة موالية وتابعة روحيا وهيكليا لأمريكا.

 

إن مدلولات السياسة الأمريكية في الشمال الإفريقي والزيارات المكوكية للمنطقة من قبل الفاعلين الرئيسيين داخل إدارة واشنطن هي أكبر من مجرد مواصلة الحرب المقدسة ضد فلول القاعدة وخلاياها النائمة أو النشطة في دول الساحل الإفريقي، لأن هذه المهمة قد قامت بها كامل الدول المغاربية بالمجان ودون انتظار المقايضة الأمريكية، والراجح إذن أن أمريكا التي وجدت نفسها في مأزق عسكري وسياسي من جراء الضربات الموجعة التي تلقتها في العراق علي أيدي المقاومة العراقية، ومن جراء الصدمة النفسية التي تلقتها بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بأغلبية المقاعد في البرلمان الفلسطيني وتوليها مقاليد الحكم هناك من خلال انتزاعها لأهم وأغلب الحقائب الوزارية، جعل المحافظين الجدد بقيادة جورج وولكر بوش يفكرون ـ ولو بصوت منخفض وغير مسموع ـ في إيجاد منطقة نفوذ أخري هي بالأساس منطـــــقة نفوذ لفرنسا، وتتمثل هذه المنطقة في المغرب العربي والشمال الإفريقي خاصة وأن المنطقة ككل ـ باستثناء مصر ـ حساسة جدا لمثل هذه الطروحات وأن السياسة الأمريكية تكاد تكون مرفوضة بالمطلق من قبل شعوبها.

 

وإذا علمنا أن قوة المناعة لدي الحكومات المغاربية تجاه السياسة الأمريكية ضعيفة جدا فإن أخشي ما تخشاه الشعوب العربية في الشمال الإفريقي هو أن تتورط المنطقة في أداء مهام قذرة بالوكالة، من خلال الإذعان لضغوطات وإصرار أمريكا لفرض صيغة أمنية جديدة تتلاءم والمصالح الجديدة والأهداف المتوخاة من ذلك، وعلي رأسها فرض سياسة التطبيع مع إسرائيل، ومنع دول المغرب العربي من أي شكل من أشكال التضامن مع إيران في إصرارها علي مواصلة برنامجها النووي، وكذا منعها من إبداء أي شكل من أشكال المساندة لحركة حماس الفلسطينية أو الحكومة الفلسطينية التي تشكلت مؤخرا.

 

وفي ظل هذه المخاوف التي طرحها المتتبعون في المنطقة فإن أخشي ما نخشاه من هذا الإنسياق وهذه الهرولة نحو التطبيع والاعتراف بإسرائيل هو أن تتورط المنطقة في مشاكل أمنية لا قبل لنا بها مع الغول الأمريكي المسمي القاعدة، خاصة بعد الإشارات التي أرسلتها الحكومة الأمريكية بكون أن هذه الخلايا هي في طريق التشكل في دول المغرب العربي خصوصا.

 

وخلاصة القول ان دول شمال إفريقيا لا سيما الدول المغاربية مطالبة بأن تبلور مواقف محددة واضحة المعالم، فبدلا من اتخاذ مواقف ارتجالية تعبر عن ردود أفعال إزاء ما يصدر عن واشنطن وأحيانا عن إسرائيل، فإن الحاجة تبدو ملحة لوضع واشنطن في موقع رد الفعل عبر المبادرة بصياغة مطالب أكثر إلحاحا، وألا تكتفي هذه الدول ببعض الاعتراضات أو القبول الفاقدة للمصداقية العملية كما هو الشأن في مواقفهم تجاه القضيتين الفلسطينية والعراقية، فماذا ينتظر حكومات وشعوب المنطقة بشأن هذه السياسات الأمريكية وهذه الأهداف الخفية؟ الأيام المقبلة كفيلة بإيجاد الإجابة الدقيقة والصحيحة.

 

(*) كاتب صحافي جزائري

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 11 مارس 2006)

 

الاسلاميون العرب وخطاب الإصلاح… شكوك متبادلة

وليد محمود عبدالناصر (*)     

 

منذ أن خرج خطاب الإصلاح السياسى الى النور في الوطن العربي، واحدى المسائل الشائكة هى وضع التيارات الإسلامية المسيسة فى إطاره ومواقفها إزاءه. والقضية لها اكثر من جانب. فقطاع من هذه التيارات بدأ يدعو إلى تعددية سياسية وتداول للسلطة وانتخابات شفافة وحرة ربما قبل انطلاق خطاب الإصلاح. وتنطلق هذه الدعوة من قناعة بأن هذه هى الصيغة الوحيدة التى تكفل وصولها للحكم فى ضوء رهانها على رصيد تراكمى فى شعبيتها فى الشارع العربى، وربما لان بعضها رأى فى ذلك خلاصاً من واقع الملاحقة فى ظل حكومات تتبنى خيارات أيديولوجية مغايرة، إن لم تكن معادية، لما يحمله الإسلاميون، وبعض ثالث ربما أقنعته سنوات تبني قطاعات من الإسلاميين للعنف، سواء كفعل أو كرد فعل، بعدم جدوى خيار العنف وانقلابه فى نهاية الأمر سلباً على تلك التيارات. وأخيراً هناك بعض رابع ربما حدثت له تحولات فكرية وأعاد النظر فى أطروحاته وراجع مسلماته فانتهى إلى أحداث تغيير فكـرى واستراتيجي انعكس فى قناعته بان أجواء الحرية والديموقراطية هى الأكثر اتساقاً مع جوهر الدعوة الإسلامية وطرحها السياسي.

 

أما الجانب الآخر فيتمثل فى موقف خطاب الإصلاح من التيارات الإسلامية المسيسة، فما بين دعوة الى استبعاد الأحزاب السياسية الدينية من معادلة الإصلاح من منطلق وجود تناقض بين الديموقراطية وبين حزب يتبنى أيديولوجية مطلقة وينسب لنفسه وحده تمثيل دين بأكمله، وبالتالى يرفع هؤلاء شعار «لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية»، إلى دعوة الى مشاركة سياسية للمنتمين لهذه التيارات بشكل فردى أو عبر أحزاب غير دينية، ورأي ثالث يعتبر إدماج التيارات الإسلامية المسيسة التى لا تستخدم العنف الضمان الذى يحول دون اغترابها عن العملية السياسية ودون انضمامها لتيارات العنف والتكفير، بل ان من شأن هذا الإدماج أن يسحب الأرضية من تحت جماعات العنف ويفرغها من قاعدتها ويسقط الحجة عنها. وأخيرا هناك من يقول ان هناك تيارات إسلامية مسيسة اهتدت إلى الإيمان بحتمية الحل الديموقراطي ومرجعيته، وليس من العدل مصادرة حقها فى المشاركة.

 

ويرد على هؤلاء من يرى انه لا يؤمن جانب التيارات الإسلامية المسيسة، فهى حتى ولـو أعلنـت تبنيهــا قواعد اللعبـة السياسية فى ظل انفتاح وإصلاح سياسي، فان هذا سيكون مجرد مرحلة موقتة سرعان ما تنقلب عليها هذه التيارات إذا وصلت إلى الحكم.

 

ولا يقف الأمر عند الحدود الوطنية بل يتجاوزه إلى البعدين الإقليمي والدولى. اذ يرى بعضهم أن إدخال التيارات الإسلامية المسيسة يزيد من تأجيج الخطاب السياسي والحضارى المتشدد تجاه غير المسلمين سواء داخل العالم الإسلامى أو خارجه، وهو ما يضيف إلى الأجواء المتوترة أصلاً بين المسلمين وغير المسلمين على الصعيد العالمى منذ اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وما تلاها. ويضيف هؤلاء أن تمكين التيارات الإسلامية المسيسة من المشاركة فى العملية السياسية يضعف من فرص تحقيق ديموقراطية حقيقية فى ضوء وجود أقليات غير مسلمة في غالبية الدول العربية من جهة، ووجود تباينات طائفية بين المسلمين فى بعض هذه البلدان من جهة أخرى، اذ من شأن قيام أحزاب على أساس دينى دفع طوائف دينية أخرى مسلمة أو غير مسلمة الى إقامة أحزابها، وبالتالى إقامة نظام سياسي طائفى تحت لافتة «الديموقراطية»، فى حين انه يكرس حالاً طائفية قد تكون مقدمة لحرب أهلية فى حال هذا البلد العربى أو ذاك. ويحذر هؤلاء من أن إقامة أحزاب على أساس دينى، ووصولها إلى السلطة، يعزز من صدقية إسرائيل عندما تدافع عن يهوديتها وتتحدث عن كونها جزيرة وسط بحر إسلامي وعربى يتهددها.

 

ولكن من المهم أن نذكر هنا أن بعض تيارات الإسلام السياسي لا تزال ضعيفة الثقة فى الديموقراطية، وتراها غير مكتملة ولن تكتمل فى ظل حرص حكومات عربية على الاحتفاظ بسلطاتها، وبالتالى يخلص هؤلاء إلى ان لا فرصة أمام التيارات الإسلامية المسيسة للوصول إلى الحكم بالطريق السلمى، وان الديموقراطية طبقاً لخطاب الإصلاح هى للقوى كافة باستثناء الإسلاميين. كما أن بعض التيارات الإسلامية المسيسة م ازال يحتفظ بقناعات أيديولوجية بتكفير الديموقراطية والنظر إليها باعتبارها نقيضاً للنظام الإسلامى.

 

وفي المقابـل، ترى التيـــارات الإسلامية الداعية الى الاندماج فى عملية إصــلاح سياسي أن الإسلاميين اثبـــتـــوا انــهم يعكسون مكوناً مهماً، إن لم يكن الأهم، للهوية، وان استبعادهم من العملية السياسية «جلب لضرر» و «درء لمنفعة»، اذ انه ينقــص من مناعـــة الأمة فى مواجهة أخطار محدقة بهاً، بدل رأب الصـــدع فى مواجــهة تهديدات دولية وإقليمية تتهدد الأمة.

 

ورداً على القول ان صعود تيارات إسلامية فى العملية السياسية يقوي الدعاوى فى العالم ضد المسلمين بالتطرف والإرهاب، ويزيد من التضييق عليهم سواء فى بلدانهم أو فى غير بلدان المسلمين. ويدفع مؤيدو حق التيارات الإسلامية فى المشاركة السياسية كتنظيمات بأن هذه الاتهامات ستوجد فى كل الأحوال لأن ما يحركها تحيزات أيديولوجية مسبقة ضد الإسلام، بل ويدفع هؤلاء بنظرية المؤامرة الدولية ضد المسلمين لإثبات انه حتى فى حال وجود حكومات علمانية، ولكنها وطنية وقومية فى العالم الإسلامى، مثل حكم الرئيس جمال عبدالناصر فى السابق، فان العالم الإسلامى تعرض لمحاولات تضييق الخناق عليه. فالأمر لا يتصل بالخيارات الأيديولوجية بقدر ما يتصل برواسب تاريخية ضد العرب والمسلمين وتخوفات إزاءهم وسعي مستمر لتحجيمهم حتى لا ينبعث دورهم الحضارى من جديد.

 

ولا شــك في أن التفاعل بين محاذير الداعين الى استبعاد التيارات الإسلامية المسيسة عن العمل السياسي فى إطار اى صيغة إصلاح ديموقراطى قادمة، وبين الداعين الى إدماج التيارات المعتدلة ضمن تلك التيارات فى العملية السياسية من جهة، ومن يراهن داخل صفوف الإسلاميين على العملية السياسية – ربما لأسباب مختلفة ومتباينة في ما بينهم – ومن لا يثق بها وربما لا يؤمن بها من صفوف التيارات الإسلامية المسيسة من جهة أخرى، هو ما سيحدد كيفية حل هذه المعادلة الصعبة. وبالطبع سيدخل فى هذه المعادلة عنصر ينبغي عدم إغفاله، وهو العوامل الإقليمية والدولية وتفاعلاتها مع الواقع القطري للدول العربية المختلفة.

 

(*) كاتب مصري

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 11 مارس 2006)


 
 

الصراع علي الإسلام بين الفقيه السلفي والفقيه الحداثي

محمد كنيشي (*)

 

لا يختلف اثنان في أن ماضي هذه الأمة كان مشرقا لامعا محجته بيضاء الليل فيها كالنهار. ولا يزيغ المرء وهو يطل من نافذة الحاضر علي ذلك الماضي عن حقيقة أن العرب كانوا علي جاهلية فجاءهم الفتح المبين علي يد رجل أمي كان لا يجيد القراءة ولا الكتابة وليس معه شهادة من أرقي الجامعات اللهم شهادة قومه له بالأمانة والصدق وعلة الكعب في الأخلاق والخصال، حيث حول مجتمع الجاهلية إلي حضارة الأعلام، ودك التماثيل ليبني قواعد المجد وصرح منارة الإسلام والمسلمين.

 

وإن المرء في عملية إطلالته علي الجيل الأول لا يريد بذلك مجرد التثقيف والاطلاع أو الاستكثار من هذا الجيل الفريد لمجرد الثقافة أو ليضيف إلي حصيلته من قضايا التشريع والفقه زادا يملأ به جعبته إنما عليه أن يؤسس نظرته الخاصة إلي هذا الماضي الحافل بالبطولات والفتوحات المادية والمعنوية لربط حاضر الأمة السقيم بتاريخ الأجداد وحضارتهم التي بلغ خبرها عنان السماوات في محاولة لإصلاح ما أفسده المفسدون وترميم أسوار الحضارة الخالدة وترقيع ثوب الحداثة، وكذا للرد علي هذه الدعوات التي تطالب بشكل صريح بضرورة قطع الأوتار بين إسلام الوحي وإسلام التاريخ كما يطيب للبعض التفريق بين الأسس والأساس وهي دعوات تريد أن تشرعن لوجودها من باب كون إسلام التاريخ يحول بين المرء واستعمال عقله والانكباب علي إسلام الوحي علي خصوصه عكوفا مطلقا، ولكنه عكوف ينظر إلي النص بشقيه كمادة شعرية بيتها الكل زائر ومقيم دون مراعاة للضوابط والشروط التي سطرها الشارع الحكيم، فما دامت الغاية من هؤلاء إطلاق العنان لخاصة العقل وكسر نمطيته التي أصبغت لها حركية العلماء حسب قولهم، فإنه يتم فتح الباب لأي مشروع حداثي ـ دون التفصيل في مرجعيته ـ لتفسير نصوص القرآن والحديث الشريف، ومن تم كسر الطابوهات التي أحاطت الفقيه كهالة تحتكر الحق في ملكية النص ملكية مطلقة كما يري أي فقيه محسوب علي التيار الحداثي.

 

وهكذا يجد المرء نفسه أمام موقفين متناقضين إلي حد النافر فبينما يسعي الفقيه السلفي إلي أسلمة التطور ومن خلاله الحاضر يسعي الفقيه الحداثي إلي إلباس الإسلام جبة التطور وما قد نسميه لباس الموضة، فكان أن أدخلت الأمة بكل أفكارها أتون الفتنة التي هي أشد من القتل، واجتمعت شرائحها علي الفرقة وهي تتهيأ للوحدة فباتت عاجزة عن الفعل والحركة المفضية إلي ترجمة الواقع بل باتت عاجزة عن نفخ الروح في مناهجها ومبادئها وتراثها الذي وصلها علي أكتاف رجال شرب بعضهم البول وهم في رحال طلب العلم. هذه أمور ليست هينة وتحتاج منا الكثير من الاجتهاد والتأمــــــل والشجاعة حتي نكون في مستوي التحديات الحضارية التي تواجهها الأمة الإسلامية.

 

وإنه لمن المخجل نوعا ما نعت جيل القنطرة ـ ذلك الماضي المشرق ـ بعهد الظلامية وأن يعتلي هذا الجيل الجديد المنابر ليحذر الأمة بل الإنسانية من مغبة الرجوع الي تاريخ ذلك الجيل الفريد ونقصد جيل الصحابة الكرام.

 

أعتقد أن الحركة السلفية العلمية والمسؤولة مشروع يحيلنا علي طريق تدين أهل السلف، مع ضرورة التفريق بين الدين والتدين. فالسلفية إذن هي منهجية تصبو إلي تجديد الماضي عن طريق إعادة تشكيل وتأثيث الحاضر الديني بما عاشه جيل الأمة الأول الذي نهل من المنابع الصفية وأخذ عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك لما سئلت أم المؤمنين عائشة عن أخلاق النبي أجابت أنه كان قرآنا يمشي علي رجلين شأنه في ذلك شأن صحابته أو لنقل جيله لأنها أعم وأشمل.

 

كان هؤلاء الرجال يقرأون القرآن بشعور التلقي الباعث علي التنفيذ ففتح الله لهم بهذا الشعور آفاقا من العلم والمعرفة ما كانت لتفتح لهم لو أنهم نصبوا العقل مشرعا في وجود نصوص جاهزة تستوجب الانقياد والتسليم. تلك إذن أزمتنا مع العقل وإعادة صياغة وظيفة جديدة له خارج مناطات التمييز والبحث والدراسة والاطلاع من داخل النصوص لا بعيدا عنها، بدعوي أن هذا التراث أضحي يشكل قشرة سميكة نسجها الجيل الأول حول النص التأسيسي مما سبب وساهم في رفض أي محاولة وإقصاء أي مجهود ونتاج فكري يشذ عن بروتوكول القراءة والتفسير الذي وضعه الرعيل الأول لهذه الأمة حسب تعبير العديد من الباحثين. وإنه لأمر عجيب أن تتهم هذه الحركة العلمية بالجمود وإعدام العقل وينعت إسلامها بإسلام التاريخ والجغرافيا وأنها باتت المسؤولة عن تجزيء الأمة وتشرذمها علي المستوي الفكري، والواقع أن هذه الدعوات تسعي إلي إشباع غرائز الأمة بروح الوحدة والتآلف والأخوة، ولا نحتاج إلا أن نشمر عن السواعد لاستئصال شأفتها لأنها تحمل بين حشاياها ما سيتكفل بذلك مصداقا للآية الكريمة فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض . والزمن كفيل من خلال صيرورته بتمييز الحق عن الباطل والنافع من الزبد كما كان مصير العقل الاعتزالي والفرق الكلامية.

 

إن الاهتمام بسيرة عمر بن الخطاب مثلا هو تأريخ لعنصر العدل في أبهي صوره في التاريخ الإنساني وليس التاريخ الإسلامي وحسب. إن للحركة العلمية ما المعطيات التاريخية ما يبرر العودة والنهل من تراث الأسلاف، وعلي الأقل لا يري المرء عيبا في العودة إلي تاريخ الأعلام يوم كانت حضارة الإسلام تجبي لها الجزية وتعطي لها عن يد صاغرة، وهي نفس اليد التي تعبث في جغرافية المسلمين وتزور التاريخ لتصول وتجول في شوارع المدنية الحديثة التي أسس أسوارها رجال يدينون لله بألوهية السماء.

 

(*) كاتب من المغرب

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 9 مارس 2006)

 

 

 

 

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.