الخميس، 9 نوفمبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2362 du 09.11.2006

 archives : www.tunisnews.net


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: بلاغ  مراسلون بلا حدود: نشر جهاز مذهل لمنع صحافي جزائري عن العمل  الخبر الجزائرية: بعد تعرّضه للحجز من طرف الأمن التونسي مواطن جزائري يمنع من السفر إلى بريطانيا  علي بن عرفة: أبناء النهضة في لندن يحتفلون باطلاق سراح إخوانهم  عبد الرحمان الحامدي: حول قرار’’ العفو’’ الأخير  د. خالد الطراولي: الجزء الثاني : المرأة والأهلية المفقودة  محمد العروسي الهاني: رسالة مفتوحة للسيد وزير الشؤون الإجتماعية و التضامن و العملة بالخارج حول العناية بمشاغل الشريحة الاجتماعية  موقع قنطرة: حوار مع المحامية التونسية سعيدة قرّاش: النساء بين الدكتاتورية والإرهاب الإسلامي  الصباح: الشباب التونسي مدمن على القنوات التلفزية.. قليل الاستعمال للأنترنات  آمــال موســى; إشعـاع تونـس الثقافــي  توفيق المديني: جحيم اقتصادي في غزة  جمال الدين أحمد الفرحاوي: ولتسألنّ عن الحجاب وأهله  زهير الشرفي: الخمار بين الإستعمال الأصولي والمعاني الأصلية  د. سعيد الشهابي: السجال الديني يتجدد في اوروبا ومعه الجهل والتعصب


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


قناة الحوار التونسي

(الكلمة الحرة ,قوام الوطن الحر)  

الحوار التونسي ,قناة تعبير المعارضة الديمقراطية و التقدمية التونسية .إعلامية .تطرح الملفات وتدفع النقاشات حول النضالات والصراعات السياسية والاجتماعية والثقافية في تونس.يقدم برامجها مجموعة من المناضلين الوافدين من مختلف اتجاهات المعارضة الديمقراطية والتقدمية التونسية ويجتمعون حول أهداف الديمقراطية السياسية والتقدم الاجتماعي ومناهضة كل أشكال التعصب والتطرف الديني .قناة الحوار التونسي مستقلة التمويل عن كل الجهات الرسمية ,وتمول كليا من قبل منشطيها.  

برامج حصة يوم الأحد 12  نوفمبر 2006

الأخبار: آخر الأحداث الاجتماعية والسياسية ومتابعة للتحركات النضالية الميدانية في تونس خلال الأسبوع الفارط. موقف حزب العمال الشيوعي التونسي من  إطلاق سراح 56 من المساجين السياسيين بين 5 و6 نوفمبر 2006 متفرقات: عرض لتسجيل لنزار قباني لقصيدة عنترة في إعداد فريد لقناة الحوار التونسي. برنامج آخر ساعة : معتقلي قانون الإرهاب في تونس عرض لشهادة السيد سالم بزيوش حول ذهاب احد أبناءه واستشهاده في العراق واعتقال الابنين الآخرين بتهمة الإرهاب. : آخر التطورات التي يتعرض لها الدكتور منصف المرزوقي وتعليقات حول بيانه الأخير . :نقاش حول غلق النظام التونسي للسفارة بالدوحة.   كما تتابعون الحلقة الأولى من شهادة المناضل الوطني علي بن سالم حول المقاومة التونسية للاستعمار الفرنسي في شهادة تاريخية .

للمشاهدة  يمكن الحصول على البث وفقا للترددات التالية:   Hotbird 7a – 13° est TRASPONDEUR : 18 FREQUENCE : 11.541,03 FEQ : 5/6 POLARIS. : V SYMBOL RATE : 22.000 Mb CANAL : Arcoiris Tv   للمشاهدة على الانترنات:  www.elhiwar.org للاتصال عبر البريد الالكتروني elhiwar@elhiwar.org  قناة الحوار التونسي باريس في 9 نوفمبر 2006

 

أطلقوا سراح الأستاذ محمد عبو أطلقوا سراح كل المساجين السياسيين الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 33 شارع المختار عطية تونس 1001 الهاتف : 71340860 الفاكس:71354984 09/11/2006 بلاغ  
 
علمت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين أن سجين الرأي محمد التايب المحال بموجب قانون الإرهاب و المقيم حاليا بسجن مرناق وقع استفزازه يوم 5/11/2006 من طرف ناظر الغرفة (الكبران) و يدعى

صابر الجازي الذي رمى بالمصحف الشريف بالمرحاض

, فكان من إدارة السجن أن سلطت عقوبة بالسجن المضيق للطرفين على حد سواء .و ما أن علم زملاؤه من المساجين السياسيين و هم منصف القماطي – محمد عبيد- محجوب الطرابلسي – سفيان الغزالي – و غيث الغزواني بالأمر حتى دخلوا في إضراب عن الطعام دام يومي 6 و 7 نوفمبر الجاري و قد وجهوا عريضة إلى إدارة السجن طالبين فيها إثارة التتبع العدلي ضد ناظر الغرفة صابر الجازي من أجل تدنيس المصحف الكريم. رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري


إنا لله و إنا إليه راجعون

بقلوب حزينة ولكنها راضية بقضاء الله و قدره ننعى لكم خبر وفاة المغفور له

الأخ محمود معيز

ـ نحسبه كذلك و لا نزكي على الله أحدا ـ  أصيل مدينة المهدية و من موليد سنة 1955م  ، و الذي وافاه الأجل المحتوم بعد أن صدمته سيارة خاصة مساء السابع من نوفمبر 2006م بينما كان على جانب الطريق العام بمعية بعض إخوانه…و الأخ محمود من الجيل المؤسس لحركة الإتجاه الإسلامي و المناضلين القدامي في صفوف حركة النهضة ، سجن سنة 1987 م وتعرض للتعذيب الشديد من أجل حمله على اعترافات رفض الإقرار بها و كان كذلك من جملة الذين شملهم الاعتقال و السجن سنة 1991 و سجن قرابة السنتين…

 كان رحمة الله عليه من الإخوة العاملين الواثقين في المشروع الإسلامي ، الصابرين المحتسبين وعاش بقية حياته من جملة المحاصرين نسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته الواسعة ويدخله فراديس جنانه و يجعله من زمرة الذين رضي عنهم من الصادقين والصالحين والشهداء…
ولا يسعني بهذه المناسبة الأليمة إلا أن أوجه جميل التعازي القلبية إلى كل أفراد عائلته  الكريمة و كل أقاربه و إخوانه  وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله راجعون ».. »      
    الحبيب أبو وليد المكني   


نشر جهاز مذهل لمنع صحافي جزائري عن العمل

مراسلون بلا حدود تونس 9.11.2006 توجه الموفد الخاص لصحيفة الوطن الجزائرية عدلان مديّ إلى تونس في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2006 ليجري سلسلة من التحقيقات ولمقابلة رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان منصف مرزوقي. وما إن وطأ الأراضي التونسية حتى أخذ عناصر تابعون لجهاز الاستخبارات يلاحقونه فاضطر للخضوع للاستجواب والتفتيش التعسفي عدة مرات.

في هذا الإطار، أعلنت منظمة مراسلون بلا حدود: « يندرج العهد الرابع للرئيس زين العابدين بن علي في إطار استمرارية العهود السابقة. ففي تونس، لا يزال الصحافيون يخضعون لمراقبة السلطات المشددة ولا يملكون أي هامش من الحرية لإعلام الرأي العام. وبشكل عام، لا يتعرّض الصحافيون الأجانب لأي مشادات، وإنما تحرص أجهزة الاستخبارات التونسية على نشر جهاز مذهل لترهيبهم ومنعهم عن أداء عملهم ». وذكّرت المنظمة: « إلا أن مخاطر الاعتداء لا تزال قائمة. فقد تم الاعتداء على الصحافي العامل لحساب صحيفة ليبراسيون Libération كريستوف بولتانسكي وطعنه في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2005 بالقرب من الفندق الذي يقيم فيه تحت أنظار الشرطة. كذلك، وقع عدة ناشطين محليين في مجال حقوق الإنسان ومحامين وأسرهم ضحية تنكيل السلطات ».

الواقع أن ستة شرطيين بلباس مدني يلاحقون الصحافي الجزائري عدلان مديّ منذ وصوله إلى تونس في حين أن شرطيين آخرين قد انتشروا حول الفندق الذي يقيم فيه وحتى أن غيرهم أخذوا يلاحقونه بالسيارة والدرّاجة النارية لمراقبة أدق أعماله وتحرّكاته. ولكنهم لا يريدون من هذه الإجراءات أن يبقوا متخفيين عن الأنظار وإنما أن يثيروا الرعب في نفوس كل الذين يتحدث الصحافي إليهم فيمتنعوا عن الشهادة.

توجه عدلان مديّ أيضاً إلى سوس (على بعد 140 كلم من تونس العاصمة) لمقابلة منصف مرزوقي. فإذا بعميل يجلس بالقرب منه في سيارة الأجرة التي استقلها للعودة إلى العاصمة ويجري عدة مكالمات هاتفية خلال الرحلة للتأكيد على أن الصحافي لا يزال تحت أنظاره. كذلك، تم اعتراض سبيل السيارة مرتين لتفتيش كل من يستقلها واستجوابه. وفي هذا الصدد، أفاد رئيس تحرير صحيفة الوطن فيصل مطاوي بما يلي: « اعتدنا المشاكل في تونس ولكنهم بالغوا بالفعل هذه المرة ». تعتبر منظمة مراسلون بلا حدود الرئيس زين العابدين بن علي المتربّع في الحكم منذ العام 1987 أحد صيّادي حرية الصحافة في العالم.

 
(المصدر موقع مراسلون بلا حدود بتاريخ 9 نوفمبر 2006)


أبناء النهضة في لندن يحتفلون باطلاق سراح إخوانهم

 

علي بن عرفة

 

ابتهاجا باطلاق سراح مجموعة كبيرة من المساجين وعلى رأسهم الشيخان الحبيب اللوز ومحمد العكروت الرئيسان السابقان لحركة النهضة، اجتمع اعضاء الحركة في لندن يوم الثلاثاء الماضي في جو احتفالي بهيج  بمشاركة رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي، للاحتفال بهذه المناسبة السعيدة.

وقد كان للمحتفلين اتصال هاتفي مباشر بالشيخ محمد العكروت، الذي شكر الحاضرين على مشاعرهم تجاه اخوانهم المسرحين منهم والذين لايزالون رهن الاعتقال، سائلا المولى سبحانه وتعالى ان يمن على بقية المساجين بالسراح العاجل .

 

كما قدم الشيخ العكروت شكره لكل الذين ساهموا في التعريف بمظلمة الاسلاميين وفي مقدمتهم المنظمات الحقوقية الوطنية والاحزاب والشخصيات التي اجتهدت في الضغط على السلطة من اجل الوصول الى هذه اللحظة التي يحتفل بها الجميع، داعيا الى مواصلة الجهد من اجل اطلاق سراح بقية المساجين وعلى رأسهم الدكتور صادق شورو الرئيس السابق للحركة والاستاذ محمد عبو وعبدالكريم الهاروني والدكتور احمد لبيض وعبدالحميد الجلاصي وغيرهم

 

وقد تحدث الشيخ العكروت في مداخلته عن اوضاع المساجين وما قاموا به من تحركات نضالية داخل السجن من اجل تمكينهم من العلاج وتحسين ظروف السجن والتهوية والنظافة والحق في القراءة والكتابة، حيث أكد انه  أضرب عن الطعام اربع مرات من أجل المطالبة بتفسير الظلال لسيد قطب رحمه الله، ووصلت مدة الاضراب في بعضها الى ما يقارب الخمسين يوما. مؤكدا ان الاضرابات داخل السجون طالت القضايا الوطنية مثل قضية الحجاب والحريات وقضية فلسطين و كان للدكتور صادق شورو دور فاعل في هذه التحركات.

كما أكد الشيخ العكروت أن الاخوة المساجين قد استثمروا فترة السجن في الاقبال على كتاب الله حفظا وترتيلا وتدبرا لمعانيه، وقد بادر الشيخ اللوز مثلا الى كتابة كرسات عديدة سجل فيها تاملاته في كتاب الله خلال فترة السجن، فيما بادر آخرون مثل الدكتور أحمد لبيض وعبدالحميد الجلاصي والعجمي لوريمي للتعمق أكثر في أهتماماتهم الفكرية السابقة.

 

وكانت المفاجأة السارة للحاضرين عندما تحدث الشيخ العكروت عن نجاحه في توجيه ابنائه من داخل السجن، حيث طالبهم منذ بداية المحنة، بمنحه ساعة واحدة من وقتهم في الاسبوع، لحفظ آيات من كتاب الله ، و قد تمكن البعض منهم بحمد الله من حفظ ما يقارب 25 جزء فيما تراوح الآخرون بين 14 جزء الى 8 أجزاء

 

كما عبر الشيخ عن سعادته بما وجده خارج السجن من صحوة اسلامية شبابية فاقت ما كان عليه الحال قبل دخوله السجن، وهو مايشير حسب قوله لحفظ الله لهذه الدعوة رغم كيد الكائدين. وعبر عن سعادته بانتشار ظاهرة الحجاب وارتياد الشباب للمساجد خاصة في صلاة الصبح.

وفي الختام جدد الشيخ العكروت التحية لكل الحاضرين داعيا الله ان يجمعه بهم واخوانهم المساجين في اقرب الاوقات على ارض الوطن.

وقد وقف الشيخ راشد الغنوشي على حديث الشيخ العكروت عن النضالات التي قام بها المساجين من داخل السجن، وكيف وفق واخوانه الى تحقيق العديد من المطالب، بفضل اصرارهم على المطالبة بحقوقهم، ليؤكد على روح المقاومة، والاصرار على المطالبة بالحقوق، مكررا القول بأنه ما ضاع حق ورائه مطالب. 

 

 

بعد تعرّضه للحجز من طرف الأمن التونسي مواطن جزائري يمنع من السفر إلى بريطانيا

2006-11-08  وحسب السيد راشدي داودي البالغ من العمر 63 سنة، فقد منع بتاريخ 28 أكتوبر الماضي على الساعة الخامسة مساء من امتطاء الطائرة التي كانت متوجّهة إلى العاصمة البريطانية بعد أن تمت معاملته حسب ما تقدم به بأسلوب تعسفي من طرف مسؤول الأمن بالمطار الذي اتهمه بأن جوازي السفر الجزائري والبريطاني اللذين كانا معه مزوّرين رغم أنهما سليمين· كما ذكر المتحدث بأنه تعرّض للتفتيش بطريقة غير قانونية وتلقى وابلا من الشتائم، حيث استمر ذلك من الساعة الخامسة مساء حتى الساعة الثامنة ليلا، ليتم بعدها تحويله إلى مصالح المخابرات العامة التونسية التي استنطقته لساعات طويلة حول الطريقة التي تحصّل بها على جوازي السفر الجزائري والتونسي اللذين كانا بحوزته رغم أنه مر على الحدود الجزائرية بطريقة قانونية دون أي مشكل جمرك· وما زاد من غضب المعني بالأمر هو منعه من السفر ووضعه في سجن إحدى مراكز الأمن بالعاصمة التونسية لمدة 3 أيام تحت الاستنطاق، مما أدى إلى تدهور حالته الصحية وتعرّضه لخسارة مادية فاقت 730 دينار تونسي تكاليف تذكرة السفر غير المعوّضة، مضيفا بأن العملية فبركت لإعطاء مكانه لشخص آخر· وقد طالب ذات الشخص من السلطات الجزائرية والتونسية رد الاعتبار له وفتح تحقيق نظرا لما تلقّاه من إهانات، خاصة اتهامه بالتزوير ورميه بعدها عند الحدود الجزائرية بمنطقة لعوينات الحدودية، أين تكفلت به مصالح الأمن الجزائرية وحررت له محضر سماع حول ما تعرّض له على مستوى مطار تونس· ومن جهته، أكد السيد القنصل العام للجمهورية التونسية بعنابة بأنه استقبل المعني بالأمر وتسلّم منه شكواه التي وعده بتبليغها وفتح تحقيق فوري في القضية مع منح المتضرر حقه·
 
(المصدر: صجيفة الخبر الجزائرية بتاريخ 9 نوفمبر 2006)

 

حول قرار’’ العفو’’ الأخير

عبد الرحمان الحامدي  
 
إنه لمن دواعي السعادة نبأ قرار العفو الأخير على عدد من الأخوة  المساجين السياسيين و إني أغتنم هذه الفرصة لأتوجه بتهاني الحارة إلى هؤلاء الإخوة الأفاضل و إلى عائلاتهم المجاهدة و إلى حركة النهضة و إلى كل ألأحرار راجيا من الله تعالى أن يحفظنا و يحفظهم و أن يثبتنا و يثبتهم على الطريق الذي اخترناه  جميعا من أجل نصرة الحق و استرجاعه بالوسائل المتاحة كل على قدرسعته               في غمرة هذا الحدث الذي أثلج صدري و أحسب أنه أثلج صدور كل مناصري الحرية في بلدي و خارجها لا يفوتني أن أذكر نفسي والجميع بأن لا ننسى البقية الباقية من أنصار الحرية في سجون تونس سيئة الذكر من الأسود الرابضة وراء القضبان   صابرين محتسبين فيما أحسب يرجون من الله فرجا قريبا يجمعهم بالأحبة داعيا الله أن يمكنهم من ذلك إنه على كل شيء قدير و بالإجابة جدير آمين    كما أذكر نفسي و الجميع  بأن الطريق إلى الحرية ما زال طويلا و يتطلب مزيدا من تضافر الجهود الصادقة من جميع المؤمنين بها دون استثناء.لبلوغ النهاية المرجوة   ذلك  أنه في الوقت الذي يطلق فيه سراح هؤلاء الإخوة الأفاضل لا تزال أجواء الرعب و الترويع تخنق و تخنق إلى حد الدوار مواطني بلدي عامة و أنصار الحرية خاصة   و تتوالى الأنباء تباعا عبر و سائل الإعلام المختلفة محدثة دويا كدوي المدافع على حواسي فتقض مضجعي و تسهر ليلي  مما يؤكد في ذهني أن السلطة في بلدي لا يتوفر لدى رموزها أي نية لمصالحة صادقة و جادة مع قيم مجتمع الزيتونة و مطالب الأحرار في بلدي وهذا يجعل القرار الذي أقدم عليه صانع السابع  في بلدي على أهميته غير كافي و لا يرقى إلى المأمول بل هو من قبيل الري قطرة قطرة على حد تعبير المططلح الزراعي أو بالتقسيط على حد قول شيخي راشد الغنوشي في حوار مع قدس براس *  و هو إختيار دأبت عليه السلطة منذ سنوات كلما تتالت الضغوط في الداخل و الخارج على اختلاف مصادرها   ووسائلها  مما يجعل السلطة على عنادها الهستيري و سلوكها الأمني في التعاطي مع ملفات المجتمع المدني تقوم بعملية تنفيس جزئية لا مفر لها منها محسوبة بدقة متناهية  لتذكرنا باستمرار أن الأمور في البلد هي في النهاية بيدها  تتصرف فيها بالقدر الذي تراه صالحا لها وأن لاشيء يخرج عن سيطرتها و أن إرادتها  في الأخير هي العليا. طريقة في التعامل توحي بأن دار لقمان ستبقى على حالها كما يقال وأن الأمر لا يعدو كونه في استراتيجيا الحرب و خداعها عملية تهدئة لجبهة مفتوحة بدأت تسبب إزعاجا وتؤرق المضاجع مع مواصلة الحرب على الجبهات الأخرى و ما أكثرها   و ما أكثر الجروح التي خلفتها هذه الحرب المعلنة و الخفية على أبناء وطني  فعندما لا تفلح موائد الإفطار المقامة في القصر الرآسي على شرف أئمة بعض المساجد ممن ترضى عنهم السلطة  أوعندما يكثف بعض من رموز السلطة حضورهم في بعض المحاضرات  أوالإحتفالات الدينية   متظاهرين بالتقوى عندما لا يفلح كل ذلك في التخفيف من حدة الضغوط الخارجية أو امتصاص حالة التذمر الواسعة  لشعب  يرى أن السلطة تجاوزت كل الخطوط الحمراء بانتهاك حرمات بناته وزوجاته من المحجبات  على نطاق واسع  على سبيل المثال لا الحصر  عندما لا تفلح في كل ذلك  تتذكر فقط في هذه الحالة أن لديها مساجين لا تعترف بكونهم سياسيين فتطلق سراح البعض منهم سرا كما سجنتهم سرا و دون ضوضاء.  تطلق سراحهم  ضمن قوائم مساجين الحق العام و هي أدرى بأن وسائل الإعلام العالمية ستتكفل بإشهار الأمر ليعلم الجميع بذلك مما يوشك أن يحقق الهدف الذي  ترجوه  السلطة  من مثل هكذا قرارات! فلكن الله يا مساجين تونس الأحرار  الذين لم تكتف السلطة بتعذيبهم و سجنهم و تشريد ذويهم وترويعهم بل دأبت على استخدامهم لغايات تخدم مصالحها هي أولا   و أخيرا و بذلك  تتحول السياسة في بلدي إلى سلوك ميكافيلي لدى سلطة  تتاجربعذابات الوطن و المواطن لتخفف بها جانبا من مآزقها وورطاتها  أو هكذا يخيل لها!. إن الذين أتموا  مدة عقوباتهم في السجن  أو الذين صدر عنهم قرار عفو  أو من تبقى منهم داخل أقبية السجون من أبطال الحرية في بلدي ما كانوا  يستحقون هذا المصير أصلا لو لم تتحول السياسة في بلدي إلى أداة لنسف الخصوم و إبادتهم ببطئ!  بحيث أن مصطلح السياسة لم يعد في بلدي يعرف  بفن الممكن أوبرعاية مصالح البلاد و العباد الىآخر التعريفات المتداولة في علوم السياسة و إنما أصبح يعرف   بكونه سلوك ماكيافيلي بغيض يقوم على  منطق الغاية تبرر الوسيلة و على معاني الإنتهازية   والوصولية و المنفعية الأنانية   والآنية بحيث يصبح  ً مساجين  الكلمة و الحرية في بلدي أدواة  أو أشياء في يد هذه السلطة التي آمنت بصاحب هذه النظرية إن صح التعبير ربا و بالنظرية ذاتها شرعة و منهاجا فتستعمل مساجيننا متى  خدمها ذلك  تروعهم و تروع عائلاتهم كيف تشاء؛  و تسجنهم متى تشاء….. و تطلق سراحهم متى ترى أن ذلك يخدم  مصلحتها أما الإنسان  بأبعاده الإنسانية المختلفة  فلا وجود له في قاموس العصابة الماكيافيلية و سدنة الشر في بلدي ولا عجب في الأمر فقد آلت  السلطةعلى نفسها منذ انقلاب السابع و تحديدا منذ بداية تسعينات القرن الماضي أن تشيء الإنسان التونسي و أن تجعل منه لعبتها المفضلة بمنفعية ميكيافيلية  ندر وجودها فلا وزن له إلا من حيث كونه في نظرها أو من حيث يراد له أن يكون: أ)  بقرة حلوبا تدر و لادخل لها فيما يفعل سيدها بما تدره ب) لا تتكلم و لا تتذمر ج)تأخذ ما يقدم لها من طعام إن شاءت أكلته و إن شاءت عافته  وتركته  أما إذا تمردت المسكينة  و استمر تمردها  فتذبح  مرة   لتريح   و في هذه الحالة يكون حالها أحسن من حال المواطن التونسي لأنه يذبح كل يوم أو بتعبير أصح  تسقيه العصابة الموت البطيء على طريقة الري قطرة قطرة حتى في هذه الحالة والموت صنفان جسدي بما تسببه عاهات التعذيب  و تكمله ظلمة الأقبية في السجون  و رطوبتها  من تخريب لجسد السجين. و نفسية إذا تعلق   الأمر بحملات المداهمات الليلية للمسرحين منهم  في السجن الكبير و الخاضعين للإقامة الجبرية في بيوتهم هكذا هي السياسة في بلد عقبة متاجرة بدموع الأطفال الذين  يتموا و حرموا سنوات من حنان آبائهم في بلد ’’حقوق الطفل’’ و لا إعتبار لحقوقهم هذه عندما تقرر السلطة إطلاق سراح آباءهم  بل تقوم بذلك  لإعتبارات مصلحية  كما بيناه سابقا متاجرة بعذابات الزوجات و الأمهات في بلد ’’حقوق المرأة’’ متاجرة في الأخير بإنسانية الأحرار في بلد’’حقوق الإنسان’’ و المتاجرة قرينة المصلحة و التي تصبح ميكيافيلية إذا لم تراع فيها حقوق الإنسان بحيث يصبح شيئا لا غير   يستعمل  بحسب ما تتطلبه مصلحة القوي بعيدا عن كونه إنسانا له أحاسيس و أشواق و حرمات و حقوق  يجب أن توضع ضمن الأولويات و إلا فما الذي سيميزنا عن حيوانات  الغابة المفترسة؟؟!   إذا هو يسجن ليجلب مصلحة و يطلق سراحه ليجلب كذلك مصلحة في سياق جديد مغاير للسياق التاريخي السابق   سياق و جدت  السلطة نفسها فيه بحاجة أكيدة   لفك حصار أصبح يخنقها   وينذر  سدنة الشر فيها  بالويل و الثبور بعد أن تجاوزوا تقريبا كل الخطوط الحمر  وإني لا أنسى ما عبرت عنه   بصدق عفيفة أخرى من عفيفات تونس المناضلة الحقوقية سهام بن سدرين  عندما سألتها الحوار نت : توصفين بأنك إمرأة حديدية فهل بكيت في السجن قالت: لم أبك في السجن المضيق و إنما بكيت في السجن الكبير**  و هذا يكفيني كترجمة لحقائق مرة ينام و يصبح عليها التونسي. هكذا إذا تتبدى لي السياسة  في بلدي وأشهدالله أني لم أرد بهذا التحليل أن أفسد على إخوتي في الداخل و الخارج  وعلى الأحرار سعادتهم بالحدث الذي من شأنه أن ينقص من  عدد أبطال الحرية القابعين في سجون القهر و الظلم  ولو قليلا   و لآ أريد أن أفسد فرحة المسرحين بلقاء الأحبة و لكنها رغبة مني في محاولة وضع قرار’’ العفو’’ في إطاره الذي بدا لي قريبا من الحقيقة الميكيا فيلية لسلطة لا ترقب من أجل مصالحها في مؤمن و لا مؤمنة إلا و لا ذمة حتى وهي تطلق سراحه من غياهب ظلمات السجن و عبث السجانين و غطرستهم و هذا في اعتقادي ما يجرد سلطة السابع من كل فضل أو منة في قرار ما يسمى’’ العفو’’ هذا و في القرارات السابقة له! و ليعلم إخواني أن سنة التدافع هي وحدها الكفيلة بعد الاتكال عليه سبحانه و تعالى بالتغيير إذا أحسنا اختيار مواقعنا فيها و في حركة التاريخ و قام كل منا بما و سعه في الاستنصار للحرية المذبوحة على عتبات و طني تونس.  و صدق شيخي راشد الغنوشي عندما وضع قرار العفو في إطاره الصحيح بقوله إن القرار جاء بعد (حصول إجماع و طني حول مطلب إطلاق سراح المساجين و تكثيف الضغوط على السلطة)*** فلنواصل على بركة الله الضغوط على السلطة كل من موقعه و بالقدر الذي يستطيع و لا يحقرن أحد منكم شيئا يمكن أن يساهم و لو بالقليل في مزيد الضغط لأن  رموز الميكيافيلية في بلدي لا تفهم   دون هكذا لغة      فإلى الأمام و بالله التوفيق وهو من وراء القصد  و لا حول و لا قوة إلا به سبحانه و تعالى و السلام عليكم و رحمة الله. بركاته أستاذ و سجين سياسي  سابق * تونس نيوز6 11 2006 **الحوار نت و تونس نيوز(نفس العدد) *تونس نيوز(نفس العدد)

امرأتنا… في الحقل السياسي (2/3)

الجزء الثاني : المرأة والأهلية المفقودة

 

د. خالد الطراولي

ktraouli@yahoo.fr

 

لقد غلب على العلماء تحفظهم على أهلية المرأة لممارسة العمل السياسي ناخبة ومنتخبة ورأوا نقصها مقرونا بجنسها، واعتبروه تخفيفا من الشارع في عدم تكليفهن بذلك. وقد استندوا في هذا إلى مجموعة من الأدلة الشرعية والمفاهيم التي انجرت عنها، نذكر منها :

 

1/  القــوامـــة :

 

وذلك حسب الآية الكريمة  » الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم » [النساء 34]. فلقد اعتبر بعضهم أن الآية حصرت القوامة في يد الرجل وأن على المرأة التفرغ لبيتها وأولادها، يقول المودودي :  » فالسياسة والحكم خارجان عن دائرة أعمال المرأة « [

[1]]. ورأى آخرون عدم أهليتها في الولايات العامة، حيث لا يعقل تسلطها على الرجل وقيادتها له وأن تكون رئيسة له في العمل. وذهب فريق ثالث إلى أن القوامة المذكورة هي للرجل في بيته وداخل أسرته وهي تكليف قبل أن تكون تشريفا وتضحية قبل أن تكون وجاهة[[2]].

 

وترى هبة رؤوف  » أن التفضيل يسري على الطرفين  » بما فضل بعضكم على بعض » أي أنه يُفهم في إطار التمايز بين خصائص الرجولة والأنوثة، وتبقى التقوى هي معيار التفاضل في الميزان الإيماني.. ودرجة القوامة لم تقم على أساس التطبيق العملي والكسبي، فالمراد بالتفضيل زيادة نسبة الصلاح في الرجل من جهة الرئاسة للأسرة عن صلاح المرأة لها، فهي صالحة وهو أصلح، والمصلحة تقتضي تقديم الأصلح، وهو ما لا يُعَدّ طعنا في صلاحية المرأة وذاتيتها »[

[3]] بدليل أنه يُسمح لها برعاية أبنائها والاسترزاق لهم إذا غاب الزوج وضعف العون.

 

2/  نقصـان العقــل :

 

 روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : » يا معشر النساء تصدقن فإنني أُريتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى، قال فذلك من نقصان دينها. « (البخاري).

وقد رد بعضهم[

[4]] على هذا بأن هناك خلطا في مستويات الأهلية وفي نوعية النقص وقع فيه الكثير دون دراية. فهناك أهلية عامة لكافة المسلمين ذكورا وإناثا كالبيعة والجهاد، وأهلية خاصة كالولايات وهي توجب قدرة فطرية ولها جوانب كسبية. أما النقص فمنه الفطري كالسفه والجنون وهو لا يطال النساء فقط، و هناك النوعي وهو إما أن يكون نقصا عرضيا يطرأ على الفطرة مؤقتا كالحيض والنفاس وهو لا يخل بهذه الأهلية، أو طويل المدى كالحمل والولادة وهو نقص يمكن تداركه باستثارة الوعي، خاصة ونحن في عصر المعلومات وسهولة الحصول عليها. وقد حرص الرسول الكريم في هذا المجال على تخصيص يوم للنساء لتوعيتهن، كما سمح لهن بحضور التظاهرات الكبرى كصلاة العيدين حيث تعالَج القضايا الهامة للأمة، ولم يمنعهن من ارتياد المساجد وهي منابر العبادة والعلم والتوعية.

 

وقد لوحظ أن العهد النبوي تلته مباشرة ردّة في علاقة المرأة بالمسجد حيث رفض البعض ارتيادهن! ولعل التخبط الذي عاشه الحقل السياسي والفتن والانحرافات التي مسته جعل دور المرأة ينهار تماما بعدما غاب الفقه السياسي كلية عن مجال التنظير والفعل. كما أن ارتباط المسجد بالتوعية السياسية والعقائدية وكمؤسسة لتوعية الفرد والجماعة وقطع صلة المرأة به، ساهم بشكل حاسم في هذا الانحسار السياسي وفي غياب المرأة أجيالا وقرونا عن هذا النشاط.  ولهذا فإن النقص الذي عناه الحديث هو النقص النوعي الذي يمكن تجاوزه، وإلا لماذا أجمع العلماء على صحة قبول رواية المرأة رغم تعثرهم في قبول شهادتها، وروايتها جزء من تكوّن الشريعة، ونقصها من شأنه إضاعتها.

 

كما تظهر هذه الأهلية السياسية في قبول الرسول الكريم إجارة المرأة وأمانها وهي قضية سياسية خطيرة تهم أمن الدولة وسلامتها وتتطلب الحذر والتثبت والاستثاق، وقبول الإسلام بذلك هو عربون وفاء للمرأة واعتراف بكفاءتها. فقد أجارت أم هانئ بنت أبي طالب عام الفتح أسيرين من أقربائها، فيجير الرسول جوارها ويقول: قد أجرنا من أجرت وأمنّا من أمّنت. كما أجاز عليه السلام جوار ابنته زينب لزوجها وأمّنه.

 

3/ القيـــادة :

 

عن أبي بكرة أنه لما بلغ رسول الله أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال: » لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة « . وقد اختلفت الآراء حوله، فمن المعاصرين من رفضه مثل فاطمة المرنيسي التي طعنت في أبي بكرة مستشهدة بتاريخه المشتبه فيه[

[5]]، و في المقابل جعل المودودي الحديث شاملا لكل النساء، أما عبد الحليم شقة ف  » إنما يعني الولاية العامة على الأمة كلها أي رئاسة الدولة كما تدل عليه كلمة (أمرهم) فإنها تعني أمر قيادتهم ورياستهم العامة « [[6]]، وهو رأي الشيخ راشد الغنوشي « أما بعض الأمر فلا مانع أن تكون للمرأة ولاية فيه، مثل الفتوى أو الاجتهاد أو التعليم أو الرواية.. »[[7]] وهو موقف ابن حزم الذي يرى الحديث مقصورا على الخلافة العظمى.

 

وقد يبدو أن الحديث يمثل وصفا للأوضاع القائمة وإخبارا بأحوالها وهو بالتالي خاص بفارس ولا يتعداها. وهو ما ذهب إليه محمد الغزالي رحمه الله حيث يتساءل كيف يلتقي هذا مع ما كان رسول الله يقرأه في مكة من سورة النمل وفيها قصة ملكة سبأ التي قادت قومها إلى الإيمان والفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة بحكمتها وذكائها[

[8]].

 

4/ المصلحة وسد الذرائع :

لقد رأى كثيرون في دخول المرأة عالم السياسة تأثيرا سلبيا على واقع الأسرة وتماسكها مما يجعل المصلحة في قرارها في بيتها[

[9]]، رغم أن دخولها هذا يأتي في باب التكليف حسب الوسع و القدرة وليس على حساب سلامة العائلة واستقرارها. كما تعللوا أيضا بسد الذرائع حيث تستلزم السياسة الاختلاط والبروز مما ينجر عنه الوقوع في الفتنة والإثم. ولعله الباب الذي على عتبته ذُبحت المرأة سياسيا وحتى اجتماعيا، وهو الشعار الذي غلب على فقهاء الفترات المتأخرة من تاريخنا[[10]] والذي يبدو أن بعض الحركات المعاصرة قد جعلته مبدأ ثابتا غير قابل للاجتهاد والتحوير.

 

وسد الذرائع من مصادر التشريع الإسلامي الذي اصطحب الأمة في تاريخها ولا استغناء لها عنه في حاضرها ومستقبلها كبقية المصادر الأخرى من استصحاب ومصالح مرسلة وغيرها. أما مؤداه فهو ما يفضي إلى حرام فهو حرام وهذا يجعل وجود معصية قائمة وأخرى مضافة، وهذه العلاقة تتشكل حسب فهم الواقع مما يجعل سد الذرائع مصدرا متعديا يعيش الواقع ويفهم تجدده وتغيره، فذريعة الماضي يمكن أن تنسحب إذا تداعت أسبابها وشروطها وتغيرت أوضاع الناس وحالة المجتمع، وبالتالي يبطل حكمها. ولعل العمل السياسي قد اتخذ له هذا المنحى لرفضه للاختلاط الموجب للفتنة ولارتكاب المعاصي[

[11]].

 

و نحن نعجب لهذا الغلوّ خاصة وأن السيرة النبوية شهدت أحداثا مؤسفة، منها حادثة المرأة المسلمة التي كشف أحد اليهود عن ملابسها والتي صاحت وامحمّداه!، فإن كتب الحديث لم ترو لنا عزوف الرسول عن ترك النساء يخرجن من دورهن، ولم تصدر الدولة الإسلامية منشورا بمنعهن من ارتياد الأسواق وقضاء حوائجهن. ومع هذا فإن غياب المرأة في الشؤون السياسية المباشرة في العهد الرسالي يعود أساسا إلى الوضعية الاجتماعية المسيطرة حينذاك، والتي مازالت العقلية الجاهلية تطبعها، من تفضيل للرجل واستبعاد واستعباد للمرأة، رغم التدرج الذكي الذي سعى الإسلام من خلاله إلى تنزيل فرائضه وأوامره من خمر وزنا وربا، وكذلك فعل للمرأة من موءودة سُئلت إلى حية تُسأل وتُستشار وتشير. يقول عمر رضي الله عنه :  » كنا لا نعد النساء شيئا فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك حقا… »

ـ يتبــع ـ

المصدر : موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي

www.liqaa.net

 


[1] أبو الأعلى المودودي  » تدوين الدستور الإسلامي » مؤسسة الرسالة ط5. 1981 ص: 69_76.

[2] محمد الغزالي  » قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة  » دار الشروق ط 6. 1996 ص :37.

[3] هبة رؤوف عزت  » المرأة والعمل السياسي رؤية إسلامية  » المعهد العالمي للفكر الإسلامي ط1. 1995 ص :198_199.

[4] هبة رؤوف عزت  مرجع سابق ص:101-102.

[5] فاطمة المرنيسي  » الحريم السياسي « LE HAREM POLITIQUE PARIS A/MICHEL 1987

[6] عبد الحليم أبو شقة  » تحرير المرأة في عصر الرسالة  » الجزء الثاني دار القلم الكويت ط 1. 1990 ص : 449.

[7]  راشد الغنوشي « المرأة بين القرآن وواقع المسلمين » المركز المغاربي للبحوث والترجمة، الطبعة الثالثة، 2000، ص: 119.

[8] محمد الغزالي  » السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث  » دار الشروق ط 1. 1989 ص : 49.

[9] المودودي مرجع سابق ص : 72_74.

[10] انظر ما أورده أبو شقة في هذا الباب من أمثلة سد الذريعة للفقهاء المتأخرين كمنع النساء من حضور الجماعة وصلاة العيد، ومنعها أن تؤم النساء منع الخاطب أن يرى مخطوبته، بل وصل الأمر عند بعضهم إلى منع الرجل من الوضوء بفضل وضوء المرأة ..(عبد الحليم أبو شقة تحرير المرأة في عصر الرسالة الجزء الثالث دار القلم الكويت ط1. 1995 ص :198)

[11] انظر التمهيد المتميز لطارق البشري لتقديم كتاب المرأة والعمل السياسي مرجع سابق ص: 27_29. وانظر كذلك أبوشقة ج 3 مرجع سابق ص : 131_ 222.


 

بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين   

 تونس في 10/11/2006  بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري كاتب عام جمعية الوفاء

الرسالة رقم 162 على موقع الحرية تونس نيوز رسالة مفتوحة للسيد وزير الشؤون الإجتماعية و التضامن و العملة بالخارج حول العناية بمشاغل الشريحة الاجتماعية

منذ يوم غرة نوفمبر 2006 إخترت طريقة جديدة و اسلوب جديد للحوار و طرق و طرح المشاغل الحياتية بواسطة موقع تونس نيوز موقع الحرية و الديمقراطية. و احترام راي المواطن و دعم حرية الكلمة و الحمد لله هذا الموقع لا يخضع للتعليمات و الكبت الإعلامي و طمس حرية الراي و التعتيم الإعلامي … و هذا من فضل الله و نور العلم و اكتشاف التكنولوجيا و العلم الحديث الذي وصل إليه الإنسان بنور من الله و بفضل علم الله قال الله تعالى و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا صدق الله العظيم.

سيدي الوزير بعد ان نشرت 14 رسالة مفتوحة موجهة إلى سيادة الرئيس منذ يوم 26/12/2005 إلى يوم 31/10/2006 بهذا الموقع الهام و شرحت فيها كل المشاغل و الخواطر بكل حرية و اخلاق عالية و أشفعتها بكتاب يحتوي على 32 مقالا و 10 رسائل مفتوحة باسم رئيس الدولة تتضمن عديد المشاغل بما في ذلك الوضع الاجتماعي … خاصة في الرسائل الأخيرة بمناسبة حلول الذكرى التاسعة عشرة للتحوّل .

سيادة الوزير

بعد ان وجهت رسالة مفتوحة للسيد وزير الشؤون الدينية حول موضة العصر و اللباس الغربي الدخيل و النشاز على مجتمعنا التونسي الاصيل … و جهت رسالة ثانية يوم 8/11/2006 للسيد الوزير المكلف بالعلاقات بمجلس النواب و الاتصال حول وضع الإعلام و ما أدراك ما الإعلام و اليوم إخترت أن تكون الرسالة الثالثة حول الوضع الاجتماعي في البلاد و العائلات المعوزة و غيرها

سيادة الوزير

لا يخفاكم الوضع الاجتماعي للعائلات المعوزة و العائلات فاقدة السند في بلادنا هذه الشريحة التي تعد حوالي 150 ألف عائلة تعيش في وضع إجتماعي صعب منها حوالي مائة ألف عائلة مبرمجة في الدعم الاجتماعي و تتقاضى منح اجتماعية كل 3 اشهر بمقدار المنحة 145 دينارا أي ما يعادل 48.000 دينار شهريا أي على حساب اليوم 1.600 دينار و 600 مليما معلوم

5 خبزات بـ 1200 و ربع كيلو طماطم معجون بـ400 مليم دون حديث على ثمن الماء و الكهرباء و الزيت و الخضر و الدواء و اللباس.

هذا مع إيجاد 50 ألف اسرة اخرى مهمشة لا دخل لها و هي من العائلات المعوزة تعيش على الصدقات و الإعانات الظرفية 3 مرات في السنة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك و عيدي الفطر و الأضحى مع بضع مواد غذائية و لا تغني و لا تسمن من جوع و أحيانا خروف صغير أو جذع معز في عيد الأضحى من أهل البر و الإحسان و بعض الادباش القديمة من التضامن الإجتماعي و الزور في فصل الشتاء للمناطق الحدودية التي ينزل فيها البرد بكثرة في فصل الشتاء.

و لا بد من حضور التلفزة للتصوير و الإشهار عند توزيع الادباش و خروف العيد من المحسنين

سيادة الوزير

هل فكرت وزارتنا في الترفيع في منحة المعوزين حتى تكون على الأقل 4 دنانير في اليوم أي 120 دينار شهريا لشراء علبة حليب بـ720 مليم و ربع لترة زيت مخلط بـ200 مليم و 200 غرام هريسة بـ460 مليم و 600 مليم معلوم الماء و الكهرباء في الثلاثة أشهر 18 دينار و نصف كيلوا بطاطة بـ 240 مليم تكون الجملة و رطل مقرونة ب 180 مليم الجملة 2420 مليم مع 1600 مليم المنحة القديمة تكون الجملة 4020 مليم و هو الحد الأدنى للحياة الضرورية دون لحم و لا سمك و لا غلال و لا فواكه و هذه المنحة الجملية 120 دينار المقترحة هي تعادل 100 لترة بنزين في الشهر أقل من ربع ما يمتاز به صاحب المسؤولية المتوسطة أما المسؤول من الحجم الكبير فالبنزين يصل ثمنه إلى الف دينار في الشهرمجانا ما يعادل منحة المعوزين الحالية لمدة عام و نصف و لا حول و لا قوة إلا بالله العظيم

أما العائلات المهمشة و بدون منح فحدث و لا حرج و متى هؤلاء المساكين يعيشون على الصدقات و الإعانات الظرفية مع حضور التلفزة للإشهار بعد نصف قرن من الاستقلال اين كرامة الإنسان و اين خيرات البلاد يا ترى … و قد اشرت إلى منحة المعوزين في الرسائل إلى سيادة الرئيس زين العابدين و طلبت منه الترفيع في هذه المنحة في الحين و ربما رسائلي لم تصله و الله هذا غبن و كذلك من يفعل ذلك فهو قد اعتمد التضليل أما المنحة العائلية للأطفال الثلاثة فمتى يقع تطويرها و هي مجمدة من أكثر من العشرية و المنحة الحالية لا تغني و لا تسمن من جوع و مقدارها و الله مخجل و هي قرابة  800 مليم في اليوم ثمن حبتين من الياغورت بـ500 مليم و نصف لترة حليب بـ360 مليم و على أبويه أن يزيد 60 مليم على معلوم ما ذكرت في هذه الخواطر و متى يقع الترفيع مع العلم أنّ المنحة للاطفال في فرنسا تفوق 150 دينار أي حوالي 90 أورو للطفل الواحد سواء كان فرنسي او من مختلف الجنسيات في إطار العدل و المساوات و الفرق شاسع بين الغرب و العرب و لكن على الاقل نصف المعلوم بعد نصف قرن من الحرية و الاستقلال و السيادة هذا ما نتمناه في عام 2007 بحول الله السميع العليم . إذا رفعنا تقرير لسيادة الرئيس بأمانة المسؤولين و رعاية القسم على القرآن الكريم عند تحمل منصب الوزير

قال الله تعالى: إنا عرضنا الأمانة على السموات و الارض و الجبال فابين أن يحملنها و اشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا صدق الله العظيم

 

ملاحظة : هناك مواضيع أخرى سأخصص لها مقالا آخر بحول الله حول الوضع الاجتماعي.  

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري

كاتب عام جمعية الوفاء

الجوال 22.022.354

 

 

حوار مع المحامية التونسية سعيدة قرّاش:

النساء بين الدكتاتورية والإرهاب الإسلامي

 

المحامية التونسية سعيدة قرّاش تتولى منذ منتصف سنة 2006 رئاسة الأمانة العامة « للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ». مارتينا صبرا أجرت معها هذا الحوار حول الصعوبات التي تواجهها في عملها في بلاد تسعى حكومتها إلى لجم كل نشاط مدني.

 

ما هي الامكانيات المتاحة لديك في تونس لممارسة نشاطاتك داخل المجتمع؟

 

سعيدة قرّاش: الامكانيات في الوقت الحالي محدودة جدا، ذلك أن الدولة التونسية تمارس القمع على كل الحريات الفردية والمدنية، ومن بينها حرية اللقاءات والتجمعات المستقلة. ومنذ سنوات يتم قمع كل تيار مستقل باسم مكافحة الإرهاب والتطرف الإسلامي. ولا يحق لنا بالتالي القيام بأي تجمع أو تنظيم أية حملة جماهيرية أو نشر أي نص. ولا أحد يستطيع أن يزورنا في مقر جمعيتنا، ولا نحن نستطيع الذهاب إلى الناس. ومنذ أربع سنوات لم ننظم أية تظاهرة مفتوحة للعموم. ولم يسمح لنا حتى بالقيام باجتماع عام لأعضاء جمعيتنا.

 

وماذا لو تجرأت جمعيتكم على عدم الامتثال لهذا المنع؟

 

قرّاش: نحن لا نستطيع أن نتجاهل هذه الممنوعات، فالشرطة ترابط بصفة مستمرة غير بعيد من مقر جمعيتنا. وحتى أعضاء الجمعية أنفسهن غالبا ما يمنعن من دخول المقر. وخلال « القمة الإعلامية » لسنة 2005 قدمت الناشطة الحقوقية الإيرانية شيرين عبادي الحاصلة على جائزة نوبل لافتتاح « قمة المواطنة »، وكان من المفترض أن يتم الافتتاح في مقر جمعيتنا. لكن العديد من المشاركين ومن بينهم سياسيون وصحافيون منعوا من الدخول من طرف أعوان الأمن السري.

 

وهل لهذه الممارسات تأثير على تمويل نشاطاتكم أيضا؟

 

قرّاش: لدينا مشكلة كبيرة في هذا المجال. كل الأموال التي نحصل عليها من الخارج لتمويل نشاطاتنا لا بد أن تمر عبر البنك المركزي. ومنذ بضع سنوات تجمّد المبالغ المالية المخصصة لبعض المشاريع. ولتغطية نفقات بعض النشاطات التي كانت لها علاقة بـ »القمة الإعلامية » حصلنا على عدة تمويلات متنوعة من بينها مبالغ من مساعدين من ألمانيا، لكنا لم نتمكن من تسلم تلك المبالغ.

 

ومنذ أسابيع استفحلت الأزمة إلى حد أنه إذا ما استمرت الأمور على هذا النحو فإننا سنضطر بعد بضعة أسابيع لغلق المقرّ. لأنه لم يعد بإمكاننا تسديد أبسط النفقات، سواء معاليم الإيجار أو أجور العاملين في مركز التوجيه والمساعدة لنساء من ضحايا العنف. وإذا لم نتوصل إلى حل فإن وجودنا سيغدو في عداد الماضي.

 

يعني أن الأوضاع الصعبة لجمعية النساء الديمقراطيات قد ازدادت سوءا؟

 

قرّاش: نعم. فقد كنا أحد المواقع الأخيرة التي تمنح ملجأ لبقية المنظمات المستقلة. ومن مجمل 8000 جمعية غير حكومية في البلاد هناك ما لا يتجاوز أصابع اليد من الجمعيات المستقلة، ومن بين هذه الخمس أو ست جمعيات هناك اثنتان فقط تمتلكان رخصة قانونية.

 

منذ أكثر من سنة لم يعد بإمكان رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان ولوج مقرات فروعها الجهوية بينما مقرها المركزي بالعاصمة لا يسمح بدخوله إلا لعناصر الهيئة المديرة. وقد رأينا نحن في جمعية النساء الديمقراطيات من واجبنا أن نفتح مقرنا لاجتماعات رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان. وقد أبلغتنا الحكومة بأنها لن تظل تغمض عينيها طويلا على مثل هذا العمل.

 

أليس من المفترض أن يكون للنظام التونسي مصلحة في دعم مجموعات نسائية ديمقراطية وعلمانية؟ كقطب مقابل لتوسع تأثير الحركة الإسلامية على الأقل؟

 

قرّاش: ليست كل الفتيات اللاتي يلبسن الحجاب من عناصر الحركة الإسلامية ذات القناعة السياسية. بل إن المسألة تتمثل في أن العديد من الشبان والفتيات يجدون أكثر فأكثر من الصعوبات في العثور على عمل والتمكن من الوقوف على أرجلهم. والكثيرون لا يزالون وهم في سن الثلاثين يقيمون في بيوت عائلاتهم.

 

يعني أن الشباب يجد نفسه معاقا اجتماعيا و ليس أمامه في المجال السياسي من إمكانية للتعبير عن مشاكله وآرائه. إذ ليس هناك من حياة ديمقراطية عمومية و من مجال للنقاش. ووسائل الإعلام لا تمثل بدورها أي بديل. الناس هنا يشاهدون القنوات الفضائية العربية مثل الجزيرة والمنار بكل ما يمر عبرها من أنماط تفكير بعينها. وبالتالي فإنه يبدو للشباب أن ليس هناك غير هذا البديل: إما الهروب داخل الجريمة والمخدرات أو الهروب إلى الدين.

 

وعندما تنسد كل المنافذ على هذا النحو فإنه لا يظل أمام المرء سوى أن يصبح أكثر فأكثر تدينا. وفي هذا المجال بالضبط يتمثل فشل السياسة الداخلية التونسية في نظري. لكن هناك أيضا تواطؤ من طرف الحكومات الأوروبية، لأنها منشغلة حاليا بمقاومة الهجرة القادمة من إفريقيا. وهكذا تجد الحلول الأمنية الأوروبية نفسها مملاة على النظام السياسي المحلي. وداخل الاتحاد الأوروبي فإن الموقف الواضح للمسؤولين هو الآتي: طالما هم يساعدوننا ويحمون مصالحنا الاقتصادية فإنه لابد من غض النظر في ما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان.

 

لا بد أنك تشعرين بنفسك كامرأة ديمقراطية في وضع غير مريح ما بين الحكم المطلق والتطرف الإسلامي؟

 

قرّاش: دون شك. وهذا هو ما أستنكره على حكامنا: باسم مكافحة التطرف الإسلامي قد طُمست كل الأصوات المعارضة. لكنه لا يمكننا أن نحمي تونس من التطرف الإسلامي إلا عن طريق إرساء مواطَنة حقيقية وبناء مؤسسات تضمن صيانة المبادئ الديمقراطية.

 

إن الفصل بين السلطات وإعادة إرساء مؤسسات النظام الجمهوري وإحياء الديمقراطية داخل المجتمع وضمان الحريات الفردية والعدالة الاجتماعية لن تستطيع بالتأكيد أن تحل كل المشاكل بعصا سحرية، لكن على المرء أن يحاول ذلك على الأقل. أما قمع الجميع فذلك لا يخدم غير المتطرفين.

 

كيف يرد النظام التونسي على التحدي الإسلاموي؟

 

قرّاش: يقوم النظام بتنازلات. وهناك مساومات تجري في الخفاء. ولن أستغرب شخصيا أن يتقدم النظام الحاكم والإسلاميون ذات يوم في جبهة انتخابية موحدة. فالحركة الإسلامية ممنوعة رسميا لكن حزب النهضة (الحزب الإسلامي التونسي الذي يسعى إلى تعميم الشرائع الإسلامية على المجتمع التونسي) ظل موجودا دائما، وكان دائما هناك تواصل بينهما. غير أن المشكلة هي أن هناك تيارات أخرى أكثر راديكالية من النهضة: جهاديون وسلفيّون قد قاتلوا في أفغانستان. والنهضة نفسها قد أصبحت متجاوزة إلى حد ما منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. والإشكال هو أن ليس هناك من أحد يمارس سياسة ذات استراتيجية بعيدة المدى، بل كل ما في الأمر مجرد ردود فعل آنية.

 

أنا محامية وواحدة من زميلاتي كانت لها تجربة مهنية مع مجموعة من الإسلاميين الشباب. لكنهم رفضوا أن تتولى الدفاع عنهم لأنها ليست متحجّبة. وهناك زميلة أخرى من المتحجبات قد صرحت لنا مؤخرا: « مقارنة بهؤلاء فنحن ملحدون تقريبا! » لكن الحاكمين لا يهمهم غير أمر واحد: كيف يحافظون على بقائهم في السلطة على المدى القصير. وعندما تسوء الأمور فإنهم سيفرّون، وسندفع نحن البسطاء عندها الثمن. أصحاب الجاه سيفرون إلى أوروبا وسندفع نحن الثمن.

 

أجرت الحوار مارتينا صبرا

قنطرة –Qantara.de 2006

ترجمة على مصباح

 

 

تأسست الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات سنة 1989 بتونس. وقد انبثقت عن المجموعة النسوية لنادي الطاهر الحدّاد التي تأسست بدورها سنة 1978 داخل النادي الثقافي بالمدينة العتيقة والذي يحمل نفس الإسم. وتضم جمعية النساء الديمقراطيات 500 عضو من النساء حسب ما أفادتنا به.

 

والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات منظمة غير حكومية مستقلة هدفها الأساسي هو إلغاء الميْز المجتمعي الذي يمارس على المرأة وتحسين أوضاع المرأة والفتاة على المستوى القانوني والاقتصادي. وتطالب جمعية النساء الديمقراطيات لا بمجرد التمسك بقانون الأحوال الشخصية فحسب، بل بتطويره باتجاه إرساء المساواة بين المرآة والرجل.

 

وعلى المستوى السياسي تطالب الجمعية بفصل واضح بين الدين والدولة وبنشر الممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحقوق المدنية للمواطنين في البلاد التونسية.

 

تحظى جمعية النساء الديمقراطية بدعم مادي من مؤسسة فريدرش نويمان الألمانية مثلا وذلك في إطار مشروع جهوي لمقاومة العنف. وجمعية النساء الديمقراطيات عضو داخل مجمّع المغرب العربي من أجل المساواة وكذلك في شبكة العمل « عائشة ».

 

(المصدر: موقع قنطرة (ألمانيا) بتاريخ 9 نوفمبر 2006)

الرابط: http://www.qantara.de/webcom/show_article.php/_c-471/_nr-457/i.html


ما تنفــــــــرد « الصباح » بنشـــــــــره

تفاصيل جديدة عن محتوى دراسة حول الممارسات الثقافية والتعبيرات المستحدثة لدى الشباب

الصباح: الشباب التونسي مدمن على القنوات التلفزية.. قليل الاستعمال للأنترنات

 

تونس-الصباح

 

كنا نشرنا في عدد سابق لمحة عن أبرز نتائج دراسة أنجزها المرصد الوطني للشباب حول الممارسات الثقافية والتعبيرات المستحدثة لدى الشباب. وخلصت إلى محدودية انتشار الممارسات غير العادية لدى الشباب التونسي، وارتباط ذلك بالتوازن الذي يميز شخصية الشباب التونسي..

 

«الصباح» تنشر تفاصيل ضافية عن محتوى الدراسة المذكورة وأبرز النتائج التي خلصت إليها بعد أن تحصلت على نسخة منها. والتي أظهرت أن الشباب الحضري التونسي مدمن على القنوات التلفزية، قليل استخدام الانترنات، ارتفاع في نسبة امتلاك الجوال وفي مطالعة الصحف وارتياد المقاهي والإقبال على اللباس والأكلات الأجنبية..

 

 تمسح الدراسة عينة تتكون من حوالي ألفي شاب ممثلة لشباب الضواحي الملاصقة للعاصمة تونس ليشمل ثلاثة أحياء مختلفة التركيبة السكانية وهي حي التضامن وحي المنزه، وحي المروج .

 

 تؤكد أولى الاستنتاجات أن الشباب التونسي يتميز بالانفتاح على الحضارة المعاصرة وبمواكبة منتجاتها الثقافية المرتبطة خاصة بوسائل الاتصال الحديثة.

 

 بينت الدراسة أن الممارسات الثقافية للشباب تتأثر بمستوى عيش الأسرة وبالمستوى التعليمي للأب والأم وبالمحيط السكاني الذي يعيش فيه. فإن كان حي المنزه يتميز برفاه سكانه وارتفاع مستوى عيشهم بما أدى إلى توفير أغلب متطلبات التواصل والتعليم والترفيه في علاقة بالممارسات الثقافية للشباب، فإن حي التضامن يتميز بتواضع الإمكانيات المادية والثقافية لسكانه وبـ«شعبيته» يتنزل شبابه في محيط حضري كثيف الاتصال بالعاصمة متأثر بما يتفاعل فيها من حركية اقتصادية واجتماعية وثقافية. لكن شباب هذا الحي يتأثر بمحيطه وبإمكانياته المحدودة، لذلك فإن طموحاته لا تتناسب مع امكانياته في مجالات الممارسة الثقافية اليومية. ولاحظت الدراسة أن الانتماء لهذا الحي سكانيا يتخذ في استراتيجيات الشباب وأولياتهم مجرد مرحلة عبور مؤقتة إلى أحياء أخرى حيث «الحياة الراقية».

 

 

أما حي المروج فهو وضعية متوسطة بين الحيين الآخرين، وهذه الوسطية نابعة من خصوصيات الطبقة الوسطى التي تغلب على سكانه، وبقدر ما يلاحظ على الممارسات الثقافية لهذا الحي من تفتح ومواكبة فثمة ما يوحي بالشعور بالنقص والدونية لضعف فضاءات الثقافة والترفيه في هذا الحي الذي أصبح يسمى «حي النوم».

 

 القنوات اللبنانية والمصرية في المقدمة

 

 تمثل التلفزة في ارتباطها بلاقط القنوات (البارابول) ظاهرة تأسست عليها عملية توجيه أغلب الممارسات الثقافية لدى الشباب التونسي .وهذه الظاهرة أصبحت تؤدي إلى نوع من الإدمان التلفزي عند الشباب وخاصة منه أولئك الذين ينتمون إلى الشرائح الصغرى .ومن أهم ظواهر المشاهدة، فتأتي في مقدمتها القنوات اللبنانية فالقنوات المصرية (ذات الطابع الموسيقي المنوعاتي) وتليها الفرنسية. كما تتابع نسبة تقارب 7% القنوات الإخبارية العربية (الجزيرة،العربية،المنار). وتعتبر الإناث من أكثر مشاهدة للقنوات اللبنانية ذات المضامين الموسيقية بالأساس بينما القنوات ذات التوجه الإخباري والإعلامي الموجه فهي ذات جمهور ذكوري في الغالب .أما الظاهرة الإعلامية المؤثرة في صنف هام من الشباب الحضري فهي إذاعة «موزاييك» بخصوصياتها اللغوية والشبابية والمتحررة .والتي تصل شباب العينة التي يفضلون الاستماع إليها بنسبة 79%.

 

 ضعف استعمال الانترنات

 

 ورغم الإمكانيات التي يتيحها الانتماء إلى الوسط الحضري المركزي فإن شباب عينة الدراسة يعرف ضعفا ملحوظا في استعمال الانترنات، إذ لا تتجاوز النسبة 42%، وهي ممارسة تتفوق فيها الإناث على الذكور مثلما تتفوق الشرائح الصغرى على الشرائح الكبرى. وتتميز نسبة إقبال الشباب على هذه الوسيلة بالتفاوت الكبير بين الأحياء متاثرة بالوضع المادي العائلي للشاب. ويقترن هذا الضعف بضعف الاستعمال المنزلي للانترنات 17,8% مقابل انتشار الممارسة في المراكز العمومية للانترنات بنسبة تفوق 63%.

 

 وتلاحظ الدراسة أن درجة استخدام الانترنات تنخفض بارتفاع عمر الشاب كما تنخفض في المنزل .وتحتل الدراسة المكانة الأولى في ترتيب أغراض استعمال الانترنات عند الشباب، بـ27% تليها أغراض الترفيه بـ22%، أما الدردشة فهي غرض ترتفع نسبته في صفوف الفئة الشبابية الصغرى. وتكثر الدردشة أو chat في الوسط العائلي الأكثر مراقبة، وهو ما يفسر انخفاض نسبتها كغرض لاستعمال الانترنات في صفوف شباب حي المنزه، ففي الأحياء المرفهة لا توجد عادة مشاكل تواصل وتعارف شبابي مباشرة خاصة العلاقات بين الجنسين.

 

 ارتفاع امتلاك الهاتف الجوال

 

 ورغم ضعف امتلاك اشتراك في شبكة الانترنات، تشير الدراسة إلى وجود نسبة محترمة من أفراد العينة ممن يمتلكون عنوانا الكترونيا وذلك بنسبة تقارب 29%. كما تبين وجود ارتفاع في نسبة امتلاك الهاتف الجوال عند الشباب بنسبة تفوق 68%، وترتفع نسبة امتلاك الإناث للهاتف الجوال والاشتراك في الانترنات. ويضع أكثر من 94% ممن يستخدمون الهاتف الجوال لإجراء المكالمات بدرجة أولى. كما يلاحظ بروز كتابة الرسائل المتبادلة بين الشباب  (sms)  وهي ممارسة تعتمد رموزا و«لغات» جديدة حذرت الدراسة من تأثيرها السلبي مستقبلا على الاستعمال اللغوي المكتوب وفي مجال «لا التنشئة اللغوية».

 

 ولاحظت الدراسة ظاهرة اللجوء إلى استعمال الحروف اللاتينية لإرسال رسائل بلغة عربية او دارجة، ويفسر عدم وجود حروف عربية بأغلب أجهزة الهاتف الجوال السبب الرئيسي في الاعتماد على اللغات الأجنبية وخاصة الفرنسية منها وتخشى الدراسة من أن يؤدي ذلك إلى ضعف استعمال اللغة الوطنية. وكثيرا ما تنتشر لدى الشبان الصغار (15-19عاما) ظاهرة الطلب  appel دون مكالمة وهي نوع من اللغة الرمزية والاقتصادية التي يستخدمها هؤلاء للتعبير عن: أين أنت؟ كيف الحال؟ أطلبني؟…

 

 إقبال على مطالعة الصحف اليومية

 

 أبرزت نتائج الدراسة أن شباب ضواحي العاصمة يقبل على المطالعة بنسبة تفوق 77% وأن الوسائل التكنولوجية لم تحد من إقباله على المطالعة. لكن معظم شباب العينة يقبل على مطالعة الصحف اليومية بنسبة تفوق 67% مقابل قرابة 33% بالنسبة لمطالعة الكتب وبالأخص الكتب المدرسية. وتبين أن سلوك المطالعة يترسخ عند الشباب كلما ارتفع السن كما أن الإناث يطالعن أكثر من الذكور، وتتركز نوعية المطالعة على القصص والروايات أكثر من المجالات الأخرى. كما أن مطالعة الصحف والكتب العلمية ممارسة ذكورية مقابل مطالعة المجلات التي هي ممارسة أنثوية. ويعتبر المنزل الفضاء الأكثر استعمالا للمطالعة وبدرجة ثانية تأتي فضاءات المعهد والجامعة (عدم توفر الفضاءات الملائمة) ويلاحظ تدني نسبة المطالعة في المكتبات.

 

 التردد على المقاهي

 

 تشير الدراسة أن الإقبال على المقهى سلوك واسع الانتشار بما يجعله ينافس الفضاءات التنشيطية والترفيهية والتربوية الأخرى. ويأتي المقهى في المرتبة الأولى الذي يستقطب الشباب، تليه المنتزهات. أما قاعات الألعاب والمكتبات ودور الثقافة ودور الشباب فلا تمثل سوى نسبا ضعيفة في معدلات التردد. ويعتبر المقهى ممارسة ذكورية في الغالب مع توجه جديد لدى الإناث في التردد على نوعية خاصة من المقاهي المختلطة. على غرار المقاهي الضخمة والفنادق.

 

 إقبال على الأكلات الأجنبية والماركات العالمية

 

 وفي مجال السلوك الغذائي، يلاحظ تأثر شريحة الشباب بالدعاية الإعلامية للمنتوجات الغذائية ذات الماركات العالمية. ويمثل العصير المشروب المفضل لدى أفراد العينة تليه القهوة فالمشروبات الغازية، مع ملاحظة توسع في المشروبات الكحولية. أما المأكولات المفضلة فقد طغت الأكلات المستوردة على الأكل خارج المنزل، ويتضح ان الشريحة الشبابية الصغرى المتكونة من تلاميذ المعاهد والمدارس الاعدادية، تعرف إقبالا على الأكلات السريعة الأجنبية خارج المنزل.

 

 وبالنسبة للباس فهناك حضور ملحوظ للماركات العالمية في أذواق اللباس التي تتفوق على الماركات الوطنية خصوصا ماركات الأحذية والسراويل. وبينت الدراسة أن الشباب الحضري يولي عناية خاصة في ممارساته اليومية بالمظهر والهيئة واللباس. فنسبة 44% تفضل الحلاقة العادية وباقي النسب تتوزع بين تسريحة الرياضيين (الرأس الحليق) وقليل مما يدخل في صنف الفنانين والنجوم من انواع الحلاقة الشاذة. وبعكس ما كان سائدا قبل عشر سنين تقريبا، تراجع استخدام الشباب لأنماط الحلاقة الوافدة من الغرب وخاصة الحلاقة الأمريكية وترجح الدراسة بارتباط ذلك بتدهور صورة النظام الأمريكي في الرأي العام المحلي في المدة الأخيرة.

 

 أما استعمال مواد التجميل فهو سلوك ينتشر لدى الإناث وخاصة صغيرات السن مع استثناء بالنسبة لزيوت الشعر عند قسم هام من الذكور .أما أساليب التجميل التقليدية فثمة نفور لدى الشباب منها مثل الحنة والكحل التقليدي والوشم والدبغة..ويعرف استعمال المواد التجميلية المكملة انتشارا واسعا على غرار السلسلة والنظارات الشمسية والخاتم والبراسلي والكاسكيت…ويكثر استعمال الخاتم لدى شباب حي التضامن، في حين يكثر استعمال الكاسكيت والنظارات الشمسية لدى شباب المنزه. أما الاستعمالات الشاذة مثل لبس الذكور للأقراط فهي تبقى محدودة التأثير (10،0%).

 

 رفيق بن عبد الله

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 9 نوفمبر 2006)


 

إشعـاع تونـس الثقافــي

بقلم: آمـــــال موســـــى

 

من القناعات القليلة المشتركة في البلدان العربية والاسلامية اليوم، هو أن الخط الثقافي قد بات يمثل الخط الدفاعي الوحيد بالنسبة الينا، كدول متواضعة الامكانيات المادية في معظمها.

 

لذلك فان الاقتناع بالثقافة والرهان عليها قد انتقل من مجال النخب الى مجال السياسة من خلال تبني اغلبية الانظمة العربية للمسألة الثقافية.

 

وتونس لم تشذ عن رفع رهان الثقافة بل انها منذ سنوات وهي تسعى الى تعزيز القرارات الهامة في مجال الثقافة والتي من ابرزها الرفع في ميزانية وزارة الثقافة والمحافظة على التراث وايضا تمتيع المبدع التونسي بنظام رخصة مبدع الذي يتيح له التفرغ المحدد لمشروعه الابداعي والفكري دون ان ينقطع عنه راتبه الشهري.

 

كما ان الخطاب السياسي حول الثقافة في تونس قد اعتنق منذ فترة لا بأس بها مفهوما جديرا بالانتباه يتمثل في مفهوم الاشعاع الثقافي، وهو ما زاد في تركيزه خطاب رئيس الدولة اول امس في الذكرى الـ19 للتحول.

 

وفي اطار تكريس هذا المفهوم عمليا تم الاذن بالشروع في الاعداد لبرنامج «القيروان عاصمة للثقافة الاسلامية» سنة 2009 وكذلك وضع برامج على امتداد المخطط القادم للتنمية يهدفان الى مزيد النهوض بالصناعة السينمائية وصناعة الكتاب الى جانب قرار اعلان سنة 2008 سنة وطنية للترجمة.

 

ولعل المتأمل في هذه القرارات يدرك انها بالفعل فرصا خصبة لتكريس الاشعاع الثقافي التونسي خصوصا اذا ما تك التوفق في الاعداد الجيد لهذه التظاهرات واستثمارها بشكل ذكي كي تكون تونس وثقافتها ومبدعيها مستفيدين اقصى ما يمكن الاستفادة.

 

كما ان تكريس الاشعاع الثقافي، يستدعي من الجهاز الرسمي المشرف على الثقافة ببلادنا اعارة الاهتمام المطلوب للطرق غير المباشرة والآنية لتحقيق الاشعاع الثقافي من ذلك ان مسألة النهوض بصناعة الكتاب هي في بعد من ابعادها نتيجة للنهوض بمضمون الكتاب.

 

وفي الحقيقة الجهد المبذول في هذه النقطة يبقى متواضعا ويحتاج الى مزيد من الجدية وخاصة الى رؤية ثقافية راشدة وذات خلفية تأسيسية.

 

فنحن نعيش فقرا في مجال الدوريات المتخصصة ونفتقد خلافا الى عدة دول عربية في نفس امكانياتنا واحيانا اقل، الى عناوين تنهض بالنقد والدراسات الانسانية والاجتماعية والعلمية الشيء الذي اثر على مستوى مضامين الكتب المنشورة  وذلك بسبب غياب دوريات تحرك المشهد الثقافي والعلمي وتؤطره.

 

والى اليوم لم نوفق في وضع خطة ثقافية تجمع بين التنشيط والتأسيس دون غلبة محور على آخر.

 

من جهة اخرى من المهم توسيع رؤيتنا للفاعلين في مجال الاشعاع الثقافي اذ هناك المفكر والاديب والرسام والمسرحي والباحث والعالم وهي قطاعات دسمة وعميقة واكثر قدرة على ابراز عمق المبدع والمثقف التونسيين وكي لا يجهض حق الذين يشعّون بالثقافة التونسية فان رصد اشعاع الادباء والمفكرين وغيرهم ليس صعبا خصوصا ان ادارة التعاون الدولي بوزارة الثقافة والمحافظةعلى التراث على علم بجزء وافر من ذلك الاشعاع كما ان سفاراتنا في الخارج تستطيع من خلال متابعتها للصحف ان ترصد الاسماء التي كثيرا ما ترفع راية تونس ولكن بصمت مع العلم ان عددا لا بأس به منهم يعيشون في الخارج في عواصم ثقافية مثل باريس ولندن بحتاجون الى احساس الداخل بجهودهم الشيء الذي يعزز العلاقة بالوطن اي بتونس.

 

ان الاشعاع هو نتيجة طبيعية لكل جهد صادق وعميق، لذلك فان الكثير من الجدية ومن روح الانصاف ومن الافق الواسع والمتعالي في تقدير الكفاءات، سيجعل من الاشعاع الثقافي التونسي واقعا وليس طموحا فقط.

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 9 نوفمبر 2006)


                           

ولتسألنّ عن الحجاب وأهله

ما بالك يا أرض عقبة ما جرى                        وهل العفاف بارضك إجرام

وهل الحياء بتونس لا ينبغي                           وهل الحجاب لدى الرئيس حرام

يا قائدا للفسق دون هوادة                                ومحاربا للدّيـــن يا ظلاّم

قسما بمن فرض الحجاب كتابُه                         ودعا لطهر دونه الإلزام

لتحاسبنّ حساب حق يومها                             وتجيئ دونك تلتقي الآثام

ولتُسألنّ عن الحجاب وأهله                            كم يا جعلت أياّمهم آلام

ولكم ملأت لياليهم أسى                                 ولكم جعلت صباحهم ظلام

أين تفر من دعاء نسائنا                                ومن الدموع تسيل فلا تلام

ومن الثّكالىتمِرُّكل دهورهم                          من مُرِ ظلمك سقتهم الأيام

ترجو السعادة في عبادة درهم                       وتظلّ تنسى قيامة وحِمـــام

وتخال أن الدهر باق في المدى                     والموت آت والنفوس نيام

عبثا تحاول تدّعي لك عزّة                           والذّل فيك تجرّه الأقدام

خنت الأمانة واستهنت بشعبك                      ولبست ثوبا شانه الإجرام

عشرون مرّت والحياة كئيبة                        والشعب اَظلم دونه الإظلام

وتفاقم الضيم ُعلى الضيمِ على                      ضيم تكدّس فالنفوس تظام

وتعاظم ظلم الرّعية كلّها                             وغدا البلاءينْخُرْها العضام

حتى متى يا ظالما تتجبّر                            وتحل فينا النّائبات عِظام

لله نشكو ا ضيمك يا ظالما                          فهو الإلاه العادل العلاّم 

وهو الذي ندعوه أن ينصفنا                        ويردّ هجرنا طالت الأيام

 

جمال الدين أحمد الفرحاوي

لاهاي في 08/11/2006


 

الخمار بين الإستعمال الأصولي والمعاني الأصلية

بقلم: زهير الشرفي

إذا كان طريق الله هو طريق الخير والعدل والصواب فإن معنى العبادة يتمثل بالأساس في فعل الخير وقول الحقيقة. في كتاب بعنوان « أختاه الحجاب الحجاب »، يسعى الأصوليون إلى حمل الفتاة والمرأة المسلمتين على ارتداء الحجاب أو الحجابين: خمار عملا بآية (النور 31)، وجلباب تطبيقا للآية (الأحزاب 59). وتمهيدا للرد على الكتاب سابق الذكر سأبدأ بالتعرّض لبعض إشكاليات تفسير القرآن ثم إشكاليات العرض الأصولي للموضوع، قبل الدخول في الحوار حول فهم آيتي الخمار والجلباب.
إشكاليات التفسير
كان الخلاف حول فهم وتأويل النص القرآني قائما منذ وفاة النبي. فإنك تلاحظ بسهولة، عند الرجوع إلى تفسير القرآن للطبري، كيف كان الصحابة والمسلمون الأوائل مختلفين في تفسير آيات عديدة. فهذا يقول أن الآية خاصة والآخر يقول بإطلاق معناها، هذا يقول بأن الآية منسوخة وذاك يقول بأنها غير منسوخة. ناهيك عن الإختلاف في رواية أسباب النزول. كان هؤلاء المسلمون الأوائل جنودا للدعوة بجانب النبي، لم يَبرز من بينهم لاهوتيون أو « علماء كلام » إلى أن بدأت البوادر الحضارية الجديدة باختلاط العرب بجيرانهم الفرس والرّوم والبيزنطيين. فتعدّدت النظريات لتفسير القرآن وتعددت المفاهيم والمعاني لكلماته وصيغت المفاهيم والكتابات العديدة لكي يتطابق فهم القرآن مع ما كان في المجتمع من سلطة ومن عادات ومن علاقات بين الناس.. هذا إن لم يكن النص القرآني ذاته قد تحمل تبعات التدخّل بالإضافة والحذف مثل ما تذهب إليه بعض الدراسات المعمّقة.
1 – تفسير القرآن ونظرية الخلق عندما بدأت بوادر الحضارة الجديدة وبدأ العقل والحكمة في القيام بالمحاولات الأولى لفهم النص القرآني ظهرت نظريات أهل العقل من المعتزلة الذين قالوا بخلق القرآن بمعنى أن النص القرآني مُحدَث. وإن كانت نظرية الخلق هذه قد أخذت رواجا إلى الحد الذي جعل الخليفة المأمون يعتمدها في قمّة السلطة، فإن غيابها اليوم عن اعتقادات المسلمين إنما يُعزى إلى الصّرامة والظّلم والعنف الذي وُوجهت به منذ تغلّبت المحافظة على الإبداع وتغلّب التقليد والنقل على التفكير والعقل. وبتعبير آخر منذ تأكدت السيادة لأهل السنة. فأحرقت كتابات أهل العقل وغُمر تاريخهم بالكتمان وأحيطت أفكارهم بالتشويه (1) أن تكون ألفاظ القرآن محدثة فهذا يعني أنها خُلقت، في ظرف خاص للإجابة على حوادث خاصة.
نستنتج من هذه المعاني أن ألفاظ القرآن حول الخمار أو الجلباب تخص وضع المسلمين القائمين أمام النبي في الظروف الخاصة بالدعوة والمجتمع الأبوي والعبودي لسكان الجزيرة العربية آنذاك. هل الإسلام أمر بـ »ضرب الخمار على الجيوب » سعيا لإذلال المرأة واستنقاص حريتها أم استجابة لمتطلبات الوضع ومتطلبات الدعوة؟ إن احترام التراث واحترام النبي يقتضيان اكتشاف المقاصد الحقيقية والبراهين الواضحة والخصوصيات التي جعلته يأمر بسلوك ثِيابِيِ دون غيره. إن حكمة وعدل دعوة الإسلام لا تكمن في إيتائه بالحل الأزلي لمعضلة خيالية تخرج عن الزمان والمكان؛ وإنما قد تكون في قوله بالجواب المناسب للإشكال المحدد في الزمان والمكان. أليست كلمةُ « عدل »، التي وردت كصفة لله ذاته ومادة لأمره، تعني فعل الشيء المناسب في المكان المناسب؟
2- تفسير القرآن ونظرية ابن رشد ثم جاء اجتهاد الإمام الفقيه والفيلسوف ابن رشد لكي يفسّر الآية: « وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا… » حيث قال: « فالوحي هو وقوع ذلك المعني في نفس الموحى إليه بدون واسطة لفظ يخلقه… ». كيف يكون الوحي؟ ما هو كلام الله إذا؟ يعطي ابن رشد تصورا للإجابة: « … وقد يكون من كلام الله ما يلقيه الله إلى العلماء الذين هم ورثة الأنبياء بواسطة البراهين… ». كلام ابن رشد، الذي يرفع منزلة القرآن من مرتبة الرواية والنقل إلى مرتبة البراهين والعقل، قد يُغنينا أيضا عن البحث في المعاني الظاهرة لألفاظ القرآن التي تتحدث عن الخمار والجلباب… بتعبير آخر أقول أن النبي إنما ترجم وحيا بواسطة ما كان يوجد في عصره ومحيطه من ألفاظ لغوية ومن أمثلة الثياب وأمثلة السلوك البشري وأمثلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قد يبدو اجتهاد ابن رشد صعبا على الفهم لأننا تعوّدنا على تكرار وقبول أقوال أهل السنّة والتقليد من أمثال الأشعري والغزالي… لكن الحكمة لابد أن تحملنا إلى التساؤل من جديد وإلى الاستغناء عن المعنى المباشر لألفاظ القرآن حين يلزم الأمر، فالمعنى الظاهر لا يُعقل في العديد من الحالات: فهل يجوز الأخذ بمعاني التجسيد لذات الله: له يدٌ وعين وعرش؟ هل يُعقل أن يسبّ الله مخلوقاته: « تبّت يدا أبي لهب وتبّ ».. »قالت اليهود يد الله مغلولة غُلّت أيديهم »..؟ هل يُعقل أن يُقسِم الله بما هو دُونه وبما هو مخلوق وزائل: « والنجم إذا هوى ».. » ألا أقسم بهذا البلد ».. »فلا أقسم برب المشرق والمغرب إنا لقادرون »؟
3- محمود طه والنص القرآني يعتمد دعاة حمل الخمار على آيتين هما الآية 31 من سورة النور والآية 59 من سورة الأحزاب، وهما سورتان مدنيّتان. من المعروف لدى الجميع أن القرآن ظهر، بعد جزئه الأول المكّي، في جزء ثان هو مديني. ويميز الشيخ الشهيد محمود طه (2) بين مكانة الآيات المكية والمدنية. فقد جاء في كتاب محمد الشرفي « الإسلام والحرية  » (ص 144) ما يلي: »…ويلاحظ محمود طه أن لهجة السور المكية عامة هي لهجة الدعوة إلى دين سلام وأخوّة وحب وحرية – ومنها الحرية الدينية- ومساواة بين البشر وخاصة المساواة بين الرجال والنساء، ويجد المرء في هذه السور من رائع الكلام مثل قوله  » أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ». وأما السور المدنية فتحتوي على آيات ذات اتجاه تشريعي وآيات أخرى تساند مجهودات النبي وزمرة المسلمين حوله للدفاع عن أنفسهم ونزاعهم للوثنيين.ويستنتج محمود طه من هذا التصنيف أن جوهر الرسالة الإسلامية هو في السور المكية التي تقدم رسالة دينية أخلاقية للإنسانية قاطبة دون اعتبار للزمان ولا المكان، فهي الرسالة الخالدة… ويستنتج محمود طه أن السور المدنية قامت بدورها وأتمّت مهمتها وأن السور المكية هي وحدها التي تهم المسلمين والبشرية قاطبة في القرن العشرين.وهو يعتمد كذلك حججا أخرى أكثر اتصالا بالنص وذات صبغة تقنية أبلغ.
لقد سبق أن تناولنا قضية نسخ بعض الآيات بالأخرى وقد حل علماء الدين دائما إشكال التعارض بين آيتين باعتبار أن الآيات المتأخرة تنسخ الآيات السابقة كما هو الشأن في التشريع إذ يلغي القانون اللاحق القانون السابق؛ لكن محمود طه يعارض هذا التأويل فليس للخطابين في نظره نفس الوزن ولذا فلا يكون للخطاب المدني من تأثير سوى تعليق مفعول الخطاب المكي… »
نزلت الآيتان بالمدينة فهما بالتالي تخصّان ذلك الوضع. و الأمر الإلهي الوارد بواسطة ألفاظ الآيتين يريد حماية العلاقات البشرية الخاصة في المدينة، هذا هو مقصد الخير أو مقصد الوحي. وكانت آية الخمار وسيلة لذلك تتماشى مع إمكانيات العصر وطبيعة العلاقات البشرية/الاجتماعية. قد يعترض الأصوليون على هذا الفهم متعللين بتواصل حمل الخمار بعد انتهاء الهجرة. لكن تواصل ذلك السلوك الثيابي لا يُفهم إلا بتواصل الظروف المشابهة في المجتمع الإسلامي الأول وبتأكّد وتصلّب سلطة الرجال في التاريخ اللاحق. تلك الظروف سنحاول اكتشاف البعض منها عند التعرض لمحتوى الآيتين، لعل القارئ يتأكد من عدم وجود نفس الظروف في أيامنا ومن خطأ التأويل الأصولي في آخر التحليل.
الطرح الأصولي للموضوع
إنه في إطار الطمس والتشويه لهاته النظريات، وفي إطار الشّحن المستمر، لعقول مواطنينا بما أنتجه اللاهوت الديني لأهل السنّة والتقليد بصفة خاصة، تبرز كتابات من مثل  » أختاه الحجاب، الحجاب ». فما هي الحجج؟ وما هي التعلات؟
جاء في قول صاحبنا الأصولي ما يلي: « أولا وقبل كل شيء لا بد من الإشارة إلى أمر هام جدا هو أن الله سبحانه وتعالى ما جعل شيئا إلا وجعل له سببا فمثلا سبب خلقنا واضح في آيتين كريمتين الأولى يقول فيها الله عز وجل {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} والأخرى يقول عز وجل {أحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} صدق الله العظيم. آيتان صريحتان تبينان أن الهدف الأساسي من وراء وجودنا على هذه الكرة الأرضية هي عبادة الله فمن استجاب لأمر الله فله القبول وحسن الدور في الجنان مع الحور… ».
هكذا يبدأ الأصولي حديثه حول الخمار. يبدو، من نظرة أولى، الخلط بين السبب والغاية من خلق الإنسان. فعبارة « سبب خلقنا  » الواردة بأول الفقرة تصير « الهدف الأساسي من وراء وجودنا على هذه الكرة الأرضية… ». وعملية خلق الإنسان التي حدثت في الجنة بإرادة إلهية خالصة، حسب النص القرآني، تُدمج مع قضية إنزاله إلى الأرض التي حدثت بسبب خطيئة العصيان. قد تدعو، ملاحظتي هذه، القارئ الكريم إلى اعتبار أن كلام صديقنا الأصولي هو كلام أطفال أو مجرد هُواة لا يُتقنون الكتابة والكلام وأنه بالتالي ليس من فائدة في أن يواصل معنا البحث في الموضوع. لكن صديقنا الأصولي يقدم لنا أمّهات « الحجج » لكل الفكر الأصولي والسّلفي الإسلامي. فكل الأصوليين يعتمدون على ظاهر النص القرآني في دعايتهم. كلهم يعتمدون على ألفاظ آية الخلق « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني »، لكي ينجحوا في تغليب ظاهر النص على مصالح الناس، وعلى كل قيم الحرية والمساواة. كل القيم وكل المصالح لا وزن لها أمام الطاعة التي يُظهرونها بمقام العبادة. وكل الحكمة والعقلانية والبحث في البراهين والمقاصد، إن لم تكن من الكفر فهي ليست من العبادة!
1- حول تفسير آية الخلق نعود إلى آية الخلق كما لو كنا في القرن الأول أو الثاني للهجرة، و نحاول أن نتجاهل كل آراء المعتزلة وأهل العقل وكل الفكر الفلسفي لأكثر من عشرة قرون، ونكتفي بالتعرض إلى طريقة فهم المسلمين الأوائل للآية. جاء في تفسير الطبري ما يلي:  » اختلف أهل التأويل في تأويل قوله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فقال بعضهم: معنى ذلك: وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم لمعصيتي… وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما خلقت الجن والإنس إلا ليذعنوا لي بالعبودة.. حدثني علي، قال: ثنى أبو صالح، قال: ثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}: إلا ليقرّوا بالعبودة طوعا وكرها. ». اختلف المسلمون إذا، منذ العصور الأولى، في فهم ألفاظ الآية. لماذا هذا الاختلاف في الفهم؟ السبب واضح. لأن العبادة، بما هي غاية الله من خلق الجن والإنس، كان لا بد أن تتحقق حالاّ وفي لحظة الخلق {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون(يس82)}، لكنها في واقع الأمر حاضرة عند البعض وغائبة عند آخرين. يبدو أن الفريقين أخطآ الفهم. فالفريق الأول أدخل الثنائي سعداء/ أشقياء بشكل غريب على الآية وزائد على محتوى ألفاظها؛ والطبري أيضا استبعد هذا التفسير وأعلن انضمامه لقول الفريق الثاني؛ فهو يواصل بالقول »وأوْلى القولين في ذلك بالصّواب القولُ الذي ذَكَرنا عن ابن العباس… ».
يبدأ الطبري هنا، بتأويل غامض لقول ابن العباس لكي يصل إلى فهم ثالث لنص الآية. ابن العباس فصل بين لحظة الخلق وسلوك المخلوق. فالعبادة أو العبودة، حسب نظره، لم تتحقق في لحظة الخلق بحيث لا يمكن للمخلوق أن يمتنع عن سلوك العبادة، وإنما هي تتحقق عبر الزمان والعصور « طوعا أو كرها » وعبر الفتوحات الإسلامية الكبيرة القائمة آنذاك. بعد وقت وبمرور الزمن تبيّن أن غياب العبادة متواصل بكل أصقاع الدنيا التي كان يجهلها ابن العباس، والمسلمون أنفسهم أصبحوا فرقا دينية متعددة يكفّر بعضُها البعض وتتقاتل بدمويّة لا تُعقل، وفكرة ابن العباس، حول « الإقرار بالعبودة طوعا أو كرها »، ازدادت بالتالي غموضا، فبرزت الحاجة إلى تفسير آخر. فكان أن قدّم لنا الطبري فهمه الثالث حيث قال:  » فإن قال قائل: فكيف كفروا وقد خلقهم للتذلل لأمره؟ قيل: إنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضاه عليهم، لأن قضاءه جار عليهم، لا يقدرون من الامتناع منه إذا نزل بهم. »
يظهر بوضوح المعنى الجديد لكلمة « ليعبدون »، وهو أن الله خلق الجن والإنس ليكونوا ويبقوا تحت حكم قضاءه وقدره. وإن كان يبدو هذا المعنى أسلم وأقرب إلى المعقول، فإن الأصوليين لم يقبلوه. وعند الطبرسي نجد فهما آخر ورابعا للآية: « …والمراد أن الغرض في خلقهم تعريضهم للثواب وذلك لا يحصل إلا بأداء العبادة فصار كأنه سبحانه خلقهم للعبادة ثم انه إذا لم يعبده قوم لم يبطل الغرض ويكون كمن هيأ طعاما لقوم ودعاهم ليأكلوه فحضروا ولم يأكله بعضهم فإنه لا ينسب إلى السفه ويصح غرضه فإن الأكل موقوف على اختيار الغير. » غاب عن الطبرسي أن الكائن البشري البسيط عندما يهيّئ طعاما لقوم إنما يهيئ كمّية بحساب العدد المتوقَّع للقادمين، فهو لا يعبث وإنما يعجز عن معرفة الغيب: من سيأتي للأكل ومن سيغيب… ولا يمكن أن نأخذ كلام الطبرسي مأخذ الجد بما أن الله لا يعبث ولا يعجز على معرفة الغيب.
وغاب أيضا عن الطبرسي الفرقُ بين « الخلق للعبادة « و »الخلق لتعريضهم للثواب « . فالفرق واضح بين أن تكون إرادة الله هي عبادة أو عبودة الإنسان له وبين أن تكون إرادته هي ترك حرية الاختيار. الآية قالت « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون » ولم تقل (وما خلقت الجن والإنس إلا لأعرضهم على ثوابي، ليختاروا بين الطاعة والمعصية). هذا مثال من أمثلة الاجتهاد والتأويل للنص الديني التي تدفعنا إلى التساؤل: هل يفسّرون النص القرآني أم يغيّرونه؟ هل يفهمون معنى ومقصد النص أم يصنعون دينا آخر بمعان ومقاصد مختلفة؟ وهذا التساؤل يُطرح علينا رغم ما يستحقه الطبرسي، من بين مفسري القرآن، من احترام وتقدير. يظهر مما تقدم من تفسيرات لآية الخلق أن التسرع لا يُجدي، وأن تقليد المفسرين القُدامى، مهما كانت جدّيتهم، قد يضعنا في موقع التجاهل لمشيئة الله وقدرته وانتفاء العبث عن أفعاله. (3)
بعدما اتسع سلطان أهل السنة والتقليد عبر مواجهتهم لكل إبداعات الفكر الإسلامي، وانتشرت مذاهب الأشعري والغزالي وسائر الجَبْريين وعمّ الانحطاط بين المسلمين، ظهر الفيلسوف « سبينوزا » الذي كان منارة الحرية التي فتحت الطريق للحداثة. كان بالإمكان وقتذاك أن يلتحم الفكر الإسلامي بقضية الحرية. كان بالإمكان مواصلة قول الطبري بالشكل التالي: خلق الإنسان ليكون تحت قضاء الله وقدره المتمثلين بحدود الناموس الطبيعي. فالإنسان بالفعل لا يستطيع تجاوز قوانين الطبيعة. والإنسان حين يستنير بقانون الطبيعة يكسب كل المجال الطبيعي ويكسب الحرية الطبيعية الممكنة. ذاك هو ما كان يعنيه فيلسوف الحرية حين كان يقول بأن الله هو الطبيعة، وبأن الحرية هي وعي الضرورة. ضاعت الفرصة حين لم يكن لأوروبا السبق الاقتصادي ولا التقني، أما اليوم، فزيادة على التخلف الاقتصادي والعلمي والتقني يوجد لدينا أناس يقولون: لا تهمنا الحرية، لا تعنينا قضية الإنسان ما دمنا قد خُلقنا للعبادة..:  » عسى أن يغير الله حالنا من ظلمات الحضارة إلى نور الإيمان »!(من مقدمة الناشر لكتاب « غرائب وعجائب الجن »- دار بوسلامة للطباعة والنشر). يعتمد الأصوليون طبعا على النص القرآني لكي يجعلوا من حمل الخمار فريضة دينية في عصرنا هذا وفي ظروفنا الحالية. لأجل ذلك يبحثون عن أمر إلهي صريح وواضح عبر اللفظ القرآني، ويجتهدون لاكتشاف التأويل الموصل لغايتهم حين يغيب النص الصريح. وقبل البدء في معالجة « حُججهم  » أحيل نظر القارئ إلى قضية الأمر والمشيئة الإلهيين.
2- الأمر والمشيئة تعرض المفكر صادق جلال العظم في كتابه « نقد الفكر الديني » إلى العلاقة ما بين الأمر الإلهي والمشيئة. فتوصل إلى القول بثنائية الاتجاه الإلهي. يوجّه الله لمخلوقه أمريْن: أمرا لتحقيق مشيئته وأمرا ثانيا لابتلاء مخلوقه. هكذا أمر إبليس بالسجود لآدم ابتلاءا له وأمره بالعصيان تحقيقا للإرادة الإلهية التي لا مرد لها. وأمر آدم بأن لا يأكل من شجرة التفاح ابتلاءا له في حين كانت إرادته تتمثل في ما تحقق وهو المعصية.
جاء في الكتاب سابق الذكر ما يلي: »… تبدو قصة إبليس، كما وردت في هذه الآيات، بسيطة في ظاهرها، لقد أمره الله أن يقع ساجدا لآدم فرفض وكان ما كان من شأنه، غير أنه لو أردنا أن نتجاوز هذه النظرة السطحية إلى مشكلة إبليس لرجعنا إلى فكرة هامة قال بها بعض العلماء المسلمين وهي التمييز بين الأمر الإلهي وبين المشيئة أو الإرادة الإلهية، فالأمر بطبيعة الحال إما أن يطاع وينفذ وإما أن يُعصى، وللمأمور الخيار في ذلك. أما المشيئة الإلهية فلا تنطبق عليها مثل هذه الاعتبارات لأنها بطبيعتها لا تُرد، وكل ما تتعلق به المشيئة الإلهية واقع بالضرورة.لقد شاء الله وجود أشياء كثيرة غير أنه أمر عباده بالابتعاد عنها… » (ص60- طبعة بيروت1982). الأوامر المستوحاة من النص القرآني بالتالي لا تعدو أن تكون أوامر ابتلاء. مشيئة الله وغايته شيء آخر لا مرد له ولا اختيار ولا دخل للمخلوق فيه. ينتج عن هذا أن الأمر الإلهي بشأن الخمار، إنما هو أمر ابتلاء ولا يمثل مشيئة الله التي تحققت بأنْ حملتْه المرأة المعاصرة للنبي كما حملتْه المرأة الجاهلية، وتحققت أيضا في امتناع المرأة عن حمله في غالب أصقاع العالم اليوم؟
إنه عندما يعتقد المرء أن مشيئة الله هي الخير سيجتهد لكي يتطابق سلوكه معها. لكن الأصولي لا يعنيه شيء من هذا، كل ما يطلبه ويأمر به هو أن يُطابق السلوك البشري ما جاء به « أمر الابتلاء الإلهي المتمثل باللفظ القرآني »، ولا يعنيه ما قد يكون وراء اللفظ من أصول ومبادئ تقصد الخير والبرهان؛ وهو يرفض ربط اللفظ بخصوصية الوضع والحدث؛ و لن ينجح، كما سنرى لاحقا، في التزام الأمانة مع اللفظ القرآني ذاته؟
التأويل الأصولي
وردت في الآية 31 (النور) عبارة الخمار ووردت عبارة الجلباب في الآية 59 (الأحزاب). يتحدث صاحب الكتاب عن الحجاب بالقول: »… ولكن هناك عبادة ضلت غائبة أو لا يعتبرها البعض عبادة لأنها جرت مجرى « العادة » و لا حول ولا قوة إلا بالله، أصبح التخلي عنها أمرا سهلا كالتخلي عن أي شيء نمل منه أو يصبح مألوفا عندنا وهو « الحجاب »وما أدراك ما هو… ». هكذا الحجاب.. بما في الكلمة من معاني الحجْب والإخفاء. فالمرأة شيء للإخفاء كما تُخفى الأشياء المملوكة كي لا تُفتك وكما تُخفى الأشياء القبيحة كي لا تكون مصدرا للعار أو السُّخرية ومثلما كان أثرياء العرب يُُخفون بناتهم أحياء في بطن الأرض. أليس في الحجب تواصلا بشكل ما مع العادة الجاهلية؟ حجب المُمتلَكات والعورة سلوك بشري دفاعي حين كانت المرأة مِلكا وعورة في العِقد الخُلقي والاجتماعي القديم، لكنه صار عند الأصوليين عبادة وقانونا إجباريا لكل العصور والظروف.
الآية31 من سورة النور:
تقول الآية 31 من سورة النور: »وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. » ويبدأ التأويل كما يلي: »وجاء تفسير هذه الآية حسب الشيخ محمد صالح بن عثمنيين إذ قال »أن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن والأمر بحفظ الفرج أمر به وبما يكون وسيلة إليه، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه؛ لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك، وبالتالي إلى الوصول والاتصال. »
« الوصول والاتصال « .. هل هو جريمة أم هو أسمى أشكال التحابُب والاشتراك بين الجنسين؟ كان الطواف بالجواري حقا مشروعا لكل من ملكت يمينه منهن، ولم نسمع بأي منع أو تحريم للوصول والإتصال بهن (أنظر الآيات الأولى من سورة التحريم). الوصول والاتصال هما غاية من غايات هذه الحياة. كل ما في الأمر أن الناس كانوا ولا يزالون يخشون مما قد ينتج عن الاتصال بين الجنسين من إشكالات مثل فقدان نسب المولود والنزاعات الناتجة عن أحاسيس الغيرة… لذلك سعت الأخلاق والدين والقانون، كل بطريقته، للحد مما قد ينتج من مشاكل في المجموعة عن الوصول والاتصال بين الجنسين. أليس الإنسان كائنا حيّا، يسعى إلى الارتقاء في معارفه وفي أخلاقه كما في أشكال تمتعه بحياته؟ لم يطلب النبي الترهب أو التعفف من المؤمنين ولا من الصحابة ولا من الأئمة. وحيثيات زواجه من ابنة عمته زينب توحي بعكس ذلك تماما، (أنظر الآية 37 من سورة الأحزاب). فلم يعارض القرآن نية النبي في الوصول والاتصال بزينب بعدما رآها وأعجبته، وإنما حكم لصالح ذلك الاتصال رغم كون زينب متزوجة من ابن النبي زيد ابن حارثة. لست أناقش هنا حقوق الإبن بالتبني ولا حقوق المرأة المتزوجة ولا حقوق العبد الذي عُتق، وإنما هذا المثال لتوضيح موقف الإسلام والنبي من نزعات الرهبنة والتعفف التي يوحي بها الخطاب الأصولي المعاصر عند حديثه حول الوصول والاتصال.
« والتلذذ بذلك ».. الرجل يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة، يا للجريمة النكراء، حتى لو لاحظ الجمال وقال: سبحان الله.. هبني، يا رب ما وهبتها؟!… والمرأة لابد أنها تأتي جريمة أيضا حين تنظر إلى وجه الرجل لأنها ستتلذذ بذلك؟! هل نحجب وجه الرجل أيضا أو نجزم بأن المرأة ليس لها نفس الأحاسيس التي عند الرجل ولا تتلذذ برؤية وجهه وجماله، أو نبحث عن الوسيلة المستحيلة لمنع نظرات المرأة من الوقوع على وجه الرجل؟
« والأمر بحفظ الفرج أمر به وبما يكون وسيلة إليه ».. هكذا، حسب هذا المنطق، الغاية لا تبرر الوسيلة فقط، وإنما الوسيلة صار لها نفس مرتبة الغاية. حفظ الفرج أمر إلهي والوسيلة إليه أمر أيضا. وبما أن منع المرأة من الخروج من البيت وسيلة أخرى فلماذا لا نمنعها من الخروج؟ وبما أن الضرب قد يكون وسيلة فلِمَ لا نشرّعه؟ وبما أن قتل البنت والزوجة قد يكون وسيلة فلِم لا نشرِّعه؟! ثم أقول: بما أن الآية 30 من نفس السورة تأمر الرجال بحفظ فروجهم « قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم.. » لماذا لا نبحث في الوسائل إلى ذلك أيضا؟ ألا تكون نفس الوسائل المأمور بها للمرأة صالحة أيضا لحفظ فرج الرجل؟ حفظ الفرج في العالم اليوم يحصل بوسائل أخرى منها القانون ومنها الأخلاق. لقد صار الحب واللطف والاحترام في ميثاق الأخلاق الجديدة شرطا يسبق الوصول والاتصال. لم يعد لدينا حريم وجواري نفعل بها ما نشاء ومتى نشاء وكيفما نشاء. نحن بأخلاقنا المعاصرة نحقق شيئا جديدا: فكل وصول واتصال في غياب أحاسيس الحب والاحترام نعتبره في عصرنا الحاضر شكلا من أشكال الإغتصاب الذي يعتبر جريمة حسب المعروف الإنساني في عصرنا الحاضر؛ هذا وإن بقيت ليلة الزفاف إلى اليوم تمثل في بعض الأحيان ليلة اغتصاب للعروس المسكينة التي زوّجها أبوها غصبا عنها، وقَبَض مَهرها، والتي لم تعْرف عن عريسها سوى ما رُوي لها وما لَه من حقّّ عليها بالطاعة والخدمة والتزيّن والإنجاب… إنه لو سألنا مائة امرأة من فرنسا مثلا، حيث النساء السافرات الراقصات..، عن لحظات الوصول والاتصال في حياتهن، وفعلنا نفس الشّيء مع نفس العدد من النساء من إيران أو موريطانيا أو السعودية، لو سألنا الجميع عن معنى الوصول والاتصال وعن كيْفِه وغايته، لتبيّنت لنا مواطن الأرقام القياسية في الاغتصاب والزّنا: موريطانيا أم فرنسا؟..اليوم يقع نظر المرأة الفرنسية على نظر الرجل، فيبتسم لها قائلا: أنتِ جميلة، وتجيبه قائلة أحسنت ثم يمر كل منهما في طريقه وقد استنشق رائحة جمال الحياة والأخلاق. أليس الاعتراف، بأن لديهم وسائل لحفظ الفرج تسمو عن الوسائل القديمة، أنْصفا للحقيقة وأجْلب للخير؟
« وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ». صحيح أن الإكثار والتكرار للنظر قد ينتج عنه إحراج للمتلقّي، رجلا كان أو امرأة. و من المعروف اليوم أن الرجل هو الذي يُحرج المرأة أكثر. والعين الواحدة، المتبقية مكشوفة للمرأة في عالم الأصوليين، تكفي لتلقّي كل إحراج الرجال. هذا الإكثار مُدان في الأخلاق والعرف الكونيين. أما نظرة المرأة التي تبحث عن شريك لحياتها تلحظ فيه جمالا أو ثروة أو حكمة أو خُلقا وسماحة، فهي حقها وقد تكون سلاحها الوحيد حين تُجبر على الاحتجاب داخل أغلفة السواد. إنه في إطار التفوّق الاجتماعي للرجل تكون نظرات الرجل للمرأة إحراجا حقيقيا. فهي نظرات القويّ في الجماعة الذي يستطيع تحقيق إرادته. أمّا نظرات المرأة فهي نظرات الضّعيف المتوسّل الذي لا يَقدر على تحقيق طموحه فكيف له أن يُحدث إحراجا أو ضررا؟ لأجل هذا قد لا يصلح أن يُفهم قول الآية  » وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن » إلاّ بما كان يتعرّض له النبي وأصحابه، وهم في المدينة في قمّة الشّهرة والنّفوذ، من نظرات البنات والنساء ومكاشفتهن لما لديهن من جمال المنظر والزّينة إلى حد الإحراج، هن طامعات في الثراء والعزة، وهم في غير حاجة للمزيد من النساء والنكاح.
« وليضربن بخمرهن على جيوبهن »:
كيف لا يقع اعتبار ما كان لوضع المهاجرات في المدينة من سِمة الغُربة والبُعد عن الأهل (ولعل ثيابهن كانت أقل حفظا لهن مقارنة بثياب النساء أصيلات المدينة) وما قد ينتج عن ذلك من المضايقة لهن؟ كيف لا نعتبر هذه الخصوصية عند محاولة فهم الآية؟ يحصل هذا طبعا عندما يكون المفسر للنص الديني رجلا وعندما يُمنع التفسير عن الجنس الآخر. بعد هذا لا بد من الكلام في معاني الخمار وجيوب المرأة. فالخمار ليس، حسب ما جاء في الآية، أكثر من لباس موجود عند المرأة قبل نزول الآية، لعله كان غطاء للرأس ولعله كان رداء أكبر حجما، كما لا يمكننا أن ننفي أن المعنيّ بعبارة « خمار » قد يكون أطراف ثياب المرأة وليس ثوبا بحدّ ذاته وأخيرا قد يكون المعنيّ بعبارة « خُمرهن » هو مجمل ثيابهن.
يلاحظ القارئ الكريم أنني لم أعتمد على معنى كلمة « خمار » الموجود في مراجع اللغة العربية من »لسان العرب » وغيره، فذلك لأن هاته المراجع لاحقة على القرآن الأصلي ولأنها تقدّم المعاني التي اتّخذتها عبارة خمار في القرون اللاحقة بعد ظهوره. لابد أن نلاحظ أيضا أنه في الآية المعنيّة لا يتعلق الأمر الإلهي بحمل الخمار أو عدمه وإنما بضربه على جيوب المرأة. يتمثل الأمر الظاهر مباشرة من ألفاظ القرآن إذا في إخفاء الفرج بإدناء ما كان لدى المرأة من الثوب على جيوبها. لا تأمر الآية بحمل خمار أو لباس معين وإنما بإخفاء الفرج والزينة بواسطة الثياب الموجودة والمحمولة مُسْبقا.
تقول الآية « يضربن بخمرهن على جيوبهن »، فما هي الجيوب؟ هي، حسب رأيي، الفرج أو هي كل ما كان يمثل مَنْفذا، عبر ثياب المرأة، للإعتداء عليها جنسيا أو لسرقة متاع زينتها. ولا بد لكي نقترب من تخيّل ما كانت عليه تلك الجيوب من الأخذ بعين الاعتبار بما كانت عليه حال الثياب في تلك العصور. فلم تكن هناك سراويل culottes، وكانت الخياطة في ثوب المرأة قليلة ونادرة بحيث كانت الجيوب فاضحة. وكل ذلك كان في مجتمع قبَلي ورُجولي يُعتبر فيه الاعتداء على المرأة نوعا من أنواع الصّيد والكسْب المشروع. المقصود إذا من ألفاظ الآية هو إخفاء الفرج. هذا الإخفاء، الذي يحصل اليوم بسروال صغير الحجم culotte، لم تكن نساء القرن السابع ينجحن فيه رغم كل ما كُنّ يحملن من أنواع الرّداء والأغلفة. وبتعبير آخر أقول أنه لم يكن للقرآن أن يقول مثلا: قل للمرأة أن تحمل سروالا أو رافعة الثديين، وإنما خاطب الناس بما يفهمون. إذا كان من الطبيعي جدا أن تخفي المرأة ما تحمله من ذهب أو فضه في رقبتها أو في معصمها خوفا من المعتدي الجاهز لكي يثب عليها حسب عبارة ابن كثير في تفسير الآية، فإنه يبدو أن هذا المسعى لإخفاء الزينة قد تحول، مع مرور الزمن ومع اشتداد سلطة الرجل على حريمه، إلى فريضة تقتضي إخفاء موقع الزينة. هكذا تمدد مفهوم العورة لكي يشمل كل جسم الأنثى من الرقبة إلى المعصم وأسفل الساق حيث تحمل المرأة زينتها. فصار من واجب المرأة التي لا تحمل زينة أيضا أن تخفي تلك المواقع من جسمها.
الآية 59 من سورة الأحزاب:
أما الآية 59 من سورة الأحزاب فتقول: » يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين وكان الله غفورا رحيما. » هذه الآية كسابقتها لا تأمر بحمل جلباب لم يكن محمولا. هي فقط تطلب إدناء الجلباب المحمول مُسبقا..إنه لمن عجائب الأمور أن يُصبح حمل الخمار والجلباب غاية أزلية ومقدسة رغم كونه نتاجا جاهليا لمجتمع « اجتمعت فيه كل شرور الدنيا »! أليست الجاهلية، التي وصلت في الحط من شأن الأنثى إلى حد وأد الأثرياء لبناتهم أحياء، هي التي صنعت أو ورثت وأورثت الخمار والجلباب وكل الألبسة والثياب من أغلفة لضعاف الحال ومن عمائم للكبار والأقطاب؟
جاء القرآن والجلباب لباسٌ موجود أو هو تسمية للثوب الخارجي الذي كان عادة في شكل رداء. فما كان للناس إلا أن يستعملوا ما لديهم من اللباس من أجل تحقيق المقاصد. والمقصد لا يتحقق إلا بالوسائل المتطابقة مع الوضع ومع الواقع المادي والفكري والاجتماعي. تعرّض الأستاذ عبد المجيد الشرفي في هامش الصفحة 108 من كتابه « الإسلام بين الرسالة والتاريخ » إلى تفسير الآية فقال أنها « تتعلق فقط بإدناء النساء جلابيبهن حتى لا يُعرفن فلا يؤذين عند الخروج ليلا لقضاء حاجتهن في ظروف المدينة الخاصة حيث لم تكن في مساكنها مراحيض »(طبعة أولى – دار الطليعة – بيروت2001 ).
وقال ابن كثير في تفسيره: « …كان ناس من فسّاق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة فيعرضون للنساء وكانت مساكن أهل المدينة ضيّقة فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن فكان أولئك الفسّاق يبتغون ذلك منهن فإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا هذه أمَة فوثبوا عليها ». وجاء في تفسير الطبري ما يلي: »يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين، لا يتشبّهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن، لئلا يعرض لهن فاسق، إذا علم أنهنّ حرائر بأذى من قول… » وفي تفسير القرطبي: »وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمَة قد تقنّعت ضربها بالدرة، محافَظة على زيّ الحرائر. » أول سؤال يتبادر إلى الأذهان هو: هل كان الجلباب بحدّ ذاته قادرا على منع فسّاق المدينة من الاعتداء على الحرائر من النساء؟ الجواب بالنّفي واضح في كل الحالات،لكنه يبدو متسرعا أو غير كاف إذا لم نأخذ بعين الاعتبار طبيعة العلاقات الاجتماعية في زمن الدعوة وبالتالي نوعية الجريمة عند الاعتداء على كل من الحرة والأمة.
ما الذي كان يحصل عند الاعتداء على امرأة حرة؟ تمتلئ بطنها أولا. وكان الاعتداء يفتح المجال إلى احتمالين:
أ- لا يقع علم الزوج بالحادثة، فيصير المولود إبتا له. وهذا يفترض إخفاء المرأة لمصدر الحمل بسبب مشاركتها في الخطيئة أو بسبب خوفها من عواقب انفضاح الأمر. ب- ينفضح الأمر خاصة إذا صرخت المرأة أو استنجدت عند محاولة الاعتداء عليها. لم يكن الزوج ولا المجموعة يقبلان بنتيجة عمل كهذا. لذلك كانت الجريمة تكتسي طابع الحدة في جميع أطرافها. فالفاسق يلجأ إلى أشد أشكال العنف والمعتدى عليها ستكون شديدة المقاومة عند أي منفذ للمقاومة وشديدة الاستسلام في غياب أمل الخلاص والنجاة. لم يكن هناك كثير من الحلول: هل تُعتبر المرأة زانية؟ ما هو مصيرها؟ ما هو مصير ابنها؟ من سيقبل به إبتا؟
الحل الذي كان يرتئيه الفقهاء (وهو حل يبقى منقوصا) والذي يتمثل في تخصيص المرأة الحرة بحمل الجلباب، كان يفتح المجال للفاسق لكي يلبي رغبته في الإماء وحدهن فيكف عن الاعتداء على الحرائر. هذا عن الاتجاه الفقهي، ولكن قد يكون هناك دافع آخر لمنع الإماء من حمل الجلباب. فالأمَة كان ينفعُها عرضُ جمالها، لعلها تقتنص زوجا من الأحرار والأثرياء. وسيّدُ الأمَة بالتالي قد يجد ثمنا رفيعا في بيعها أو قد تلد فيصير له كسب جديد: عبد أو أمة إضافية (4). هكذا كان كسب و »حكم سائر الحيوان » بعبارة الإمام النووي في تفسيره ل »صحيح مسلم » (باب بيع الحيوان بمثله)، وكل هذه التأويلات كانت تنسجم مع علاقات العبودية وحدها فتحد من الإعتداء على الحرة بتوجيه طاقة الذكر واعتداءَه نحو الإماء.
لكن هذا الحل الذي يجد تبريرَه في علاقات العبودية القائمة آنذاك، والذي يقدّمه الأصوليون على أنه يمثل الحلّ لحماية المرأة الحرة، لم يكن يحميها من الاعتداء الجنسي، حين يحصل لها من طرف أحد الفسّاق، بل كانت تتحمل مظالم إضافية. فهي، عند حصول الكارثة، كان عليها أن تختار واحدة من الكوارث الإضافية الثلاثة: إمّا أن تقبل الاعتداء وتستبطنه فتتظاهر بأنها تنجب إبنا لزوجها، أو أنها تكشف الأمر لينتج عن ذلك طلاقها لتتزوج بمغتصبها أو اتهامها بالزنا، أو أنها تلتجئ إلى التخلص من الجنين أو المولود رغم ما في هذا من أخطار على حياتها وحياة الجنين أو الطفل المولود.
نعود إلى تفسير صاحبنا الأصولي للآية 59 من سورة الأحزاب؟ 1- « وقد ورد تفسير هذه الآية أيضا في كتاب بن عثمنيين « رسالة الحجاب » الذي يقول: » قال ابن عباس رضي الله عنهما: « أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة » ». هل حقا بلغت التضحية بحرية المرأة هذا الحد في مقاصد الدعوة الإسلامية، أم أن العديد من الأحاديث والقصص كانت تُبتدع بلسان ابن عباس وغيره من الصحابة لكي تؤكد عبودية المرأة للناموس الرجالي؟
إنه لو عدنا إلى النص القرآني، وتركنا جانبا كل ما سبق من التفسيرات للآية 59 من سورة الأحزاب قد يبدو لنا مقصد آخر مختلف تماما: هو الغاية لإخفاء هوية نساء النبي. فالآيتان السابقتان للآية 59 تتحدثان عن إيذاء النبي بالقول ؛ « إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا(57)والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا(58) »؛ وهما توحيان بأن الآية (59) اللاحقة ستأتي بالوسيلة التي ستوقف ذلك الإيذاء. تحدث الطبري بالفعل ضمن تفسيره للآية (58) عن إيذاء النبي الذي حصل بالطعن عليه في نكاحه صفية بنت حيي، كما ورد كذلك في القرآن، أكثر من مرة، الحديث عن حالات الارتباك التي مرّ بها النبي بسبب أقاويل الناس التي تتعلق بنسائه (  » وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه  » الأحزاب 38 – « فلما نبّأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض  » التحريم 3″)، كل ذلك يحمل على القول بأن المقصد من إدناء الجلباب إنما هو إخفاء هويّة نساء النبي وبناته لكي لا تتعرضن لبذيء القول المتعلق بالنبي وعائلته.
أما في الآية (59) ذاتها فقد يصلح فهم عبارة « إدناء الجلباب » بسحبه على الوجه لإخفاء الهوية أو بسحبه عن الوجه لكشفها. فإن كانت الآية نزلت باكرا قبل أن يَعظُم شأن النبي ونفوذُه فقد تكون لإخفاء الهوية، أما إذا كانت قد نزلت مؤخرا فقد تكون تأمر بكشف الهوية فلا أحد يجرؤ وقتها على إيذاءهن. ما يعنينا أساسا في قضية الحال هو ما يتعلق بإخفاء هوية المرأة لأن المرأة تبقى امرأة داخل الجلباب أيضا وتبقى معرضة للمضايقة والإيذاء. فإن كان الذي حدث فعلا هو رغبة النبي في تخفّي نسائه وبناته ونساء المؤمنين فإنما هذا لا يكون قد حصل إلا في الفترات المبكرة للدعوة و هو لا يمكن أن يكون سوى سلوك دفاعي. وهو مشروع تماما طالما بقي خاصا وحرّا، أمّا تعميمه وفرضه على الجميع، من هو في حاجة إليه كمن لا حاجة له به، فهذا ابتذال للأمور واعتداء على الناس. وإن كان الذي حدث هو رغبة النبي في إبراز هوية نسائه وبناته ونساء المؤمنين فإنما هذا لا يكون قد حصل إلا في الفترات المتأخرة للدعوة حيث صارت الحماية والأمن مضمونان لأفراد عائلة النبي بمجرد اتضاح الهوية. وهذه المعاني تقلب تماما ما ذهب إليه غالب أو كل المفسرين.
2-  » والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة. »
هل كان الجلباب حقا رداءا تلبسه النساء فوق الخمار؟ إنما هذا غلو في اصطناع اللامعقول. فكلمة خمار تعني كل ما كانت تحمله المرأة من الثوب الذي يمكن إدناءه على جيوبها كما رأينا سابقا ؛ والجلباب يعني بدوره كل ما كانت تحمله المرأة من الثوب الذي يصلح لإخفاء الهوية. هل كان هناك حقا نوعان من الثياب يسمى أحدهما خمارا ويسمى الآخر جلبابا؟ لعلنا هنا أمام إشكال لغوي يستعصي علينا حله. لكن لو انتبهنا لكون الجلباب لا يخفي الهوية فقط وإنما قد يخفي الجيوب أيضا لتبيَّن لنا أنه يؤدّي المقصود من الآيتين معا فهو يؤدي دور الخمار أيضا. لماذا الثوبان إذا؟ ألا يكون نفس الثوب الخارجي للمرأة أطلق عليه اسم خمار في الآية الأولى وأطلق علية اسم جلباب في الثانية؟ كل المراجع اللغوية لاحقة على النص القرآني فلا أضنّها تصلح لإثبات أن الخمار هو ثوب مختلف عن الجلباب، أو تصلح لتعريفنا بما كانت عليه الثياب في زمن الدعوة.
3-  » أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون، وأكرمها على الله، وأعلاها أخلاقا وآدابا، وأكملها إيمانا، وأصلحها عملا فهم القدوة الذين رضي الله عنهم وعمّن اتبعوهم بإحسان، كما قال تعالى: »والسّابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم. » هذه الآية تقارن السّابقين إلى تصديق النبي بمن تباطأوا في اللحاق به ولا علاقة لها بأي مقارنة بين سلوك الصحابة وسلوك أبناء العصور اللاحقة. فكيف تجوز المقارنة مثلا بين سلوك عمر ابن الخطاب الذي كانت نساءه محجّبات، وبين سلوك باستور الذي أنقذ أعدادا لا تحصى من المرضى والذي لم تكن زوجته محجّبة؟ بل إن في كامل تاريخ البشر أناسا أضافوا من المعارف والحكمة والخير ما قد يجعلهم يسبقون الصحابة إلى رضاء السماء والأرض معا. ثم إن الجلباب لم يكن خاصا بنساء النبي والصحابة ولم يأت به الإسلام وإنما هو ما كان يُحمل من الثوب من قَبْل قيام الدعوة ويصلُح لإخفاء الهوية والزينة أو إظهارهما حسب الحاجة. بهذه المعاني كانت نساء الأشراف مشخَّصة من بين سائر مُمتلكاتهم، فهي لا تُعرض للإشهار ولا للبيع في حين كانت جواريهم، مثل كل المتاع الآخر، تُعرض للإشهار ولكل الاستعمالات غصبا عنهنّ.
4- « وعائشة وابن مسعود رضي الله عنهما فهِما ما شهدت به نصوص الشريعة الكاملة من أن كل أمر يترتب عليه محذور فهو محظور. » لكن إيذاء المرأة بالقول أو الوصول والاتصال المُنكَر لا ينتج على عدم تحجّبها وإنما ينتج عن فساد خُلق المعتدِي. لهذا ينبغي السّعي إلى حظر الاعتداء على ضعاف الحال من النساء والإماء عوضا عن صنع اعتداء آخر بإجبارهن على حمل الخمار أو الجلباب. أليس من قواعد العدل ألاّ نُحمّل المظلوم مسؤولية جرائم ظالمه؟
الخاتمة
إذا كان طريق الله هو طريق الخير والعدل والصواب فإن معنى العبادة يتمثل بالأساس في فعل الخير وقول الحقيقة؛ أما إدناء الخمار وكل الطقوس الدينية ذاتها فهي أشكال قُصد بها الخير أو نجاح الدعوة الدينية التي يقودها النبي. ويمثل حمل الخمار وكل الطقوس الدينية في أيامنا قناعة شخصية، بمعنى أن حاملة الخمار كمن يُقيم الصلاة إنما يُمارس قناعة خاصة به وفهما خاصا لأوامر الله باتّباع  » الصراط المستقيم « . وإن كان له الحق، حسب المعروف الكوني الحالي، في إقامة ما يشاء من الطقوس وكيفما يشاء فإنه ليس له الحق في إجبار الغير على إقامة نفس الطقوس أو حمل نفس الفهم للنص الديني. وإن كان الأصوليون يقدمون آراءهم على أنها هي الإسلام بعينه فإن الجواب واضح وهو: أن الإسلام أخلاق أو لا يكون؛ وحين يعرضون رأيهم المنافي لقيم المحبة والمساواة بين الناس على أنه يحمي الأخلاق فالجواب واضح أيضا وهو:أن قيم الأخلاق الكبرى قائمة بذاتها ويكتشفها كل ضمير سليم بدون أن يحتاج إلى أي نص ديني أو لاهوتي وأنه مثلما قال الشهرستاني: »إذا استطاع طالب الحكمة الوصول إلى الغاية عبر الصدق كما عبر الكذب والمغالطة فإنه سيختار طريق الصدق لأن الكذب شر بذاته والصدق خير بذاته أيضا…من يجهلون الوحي لا يخطئون التمييز بين الخير والشر حين يعتمدون على أنوار العقل وحدها. » ولا يسعني في الختام إلا أن أذكّر بأن طريق الحرية لكل الناس و المساواة بين الجميع هو الكفيل بدفع العقول والضمائر لاكتشاف الحقيقة وطريق الحق.
زهير الشرفي- تونس
*** اشارات
(1) انتهى الأمر بالخليفة القادر(420هجري) إلى إصدار مرسوم يقضي بتحريم نظرية المعتزلة وإباحة دم من يعتنقها أو يقول بها. وأحضر الشرفاء والقضاة وشهود العدل والفقهاء ليوقعوا عليه.(أنظر كتاب محمد أركون:القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني.ص 11 –طبعة أولى – دار الطليعة – 2001( (2) أُعدم محمود طه في مشهد مبكي ومخز. لقد حصلت بإعدامه واحدة من أكبر نكبات المسلمين. هي أكبر من نكبة 1967 التي قتلت وحطمت ثم مضت كالإعصار؛ أما إطفاء أصوات الحق والمحبة والسلم والمساواة فهو جريمة حية: حين تقتل المفكر تولد الجهل والجريمة من جديد. توقف إعصار 1967 وها هو الإعصار الذي ذهب بروح الشهيد يفتك إلى اليوم بالآلاف والملايين في السودان وفي أفغانستان وفي الجزائر وفي جميع البلدان الإسلامية. (3) يدعو تفسيرا الطبري والطبرسي إلى التساؤل: هل نحن أمام رمزين للمعادلة جبري/ قدري يمثل الطبري فيها مذهب الجبرية القائل بأن الإنسان مُجبر ومسيَّر، ويمثل الطبرسي فيها مذهب القدرية القائل بقدرة الإنسان على اختيار أفعاله؟ الطبري هو من يُلقَّب بأب الأصولية، والطبرسي هو واحد من مفكري المذهب الشّيعي الذي ورث المعتزلة والقدرية. الطبري فسر الآية بأننا موجودون تحت قضاء الله وقدره منذ خُلقنا، والطبرسي فسّرها بأننا نقدر على الاختيار بين طريق الثواب وسبيل الخطيئة. لست جبْريّا البتّة لكن الأمانة للمنطق تجعلني أميل إلى تفسير الطبري للآية. يبدو أن الطبرسي كان يسعى للدفاع على قدرة الإنسان على الإختيار حين قدم تفسيره للآية، لعله كان يدافع على قضية الإنسان لكنه أضر بقضية المنطق في حين أن القضية واحدة لا تتجزأ. ويبدو تفسير الطبري، الأكثر أمانة للإنسجام المنطقي لألفاظ الآية، تقديما نظريا لمذهب الجبرية الذي حمل الشعوب الإسلامية إلى سلوك الخنوع والتواكل وإلى الانحطاط الحضاري. كسب الطبري قضية المنطق لكنه لم يسعى لكسب قضية الحرية، كان أصوليا لا تعنيه الحرية ولا قضية الإنسان وهذا أيضا لا يقلل من الاحترام الذي بستحقه الطبري من بين المؤرخين والمفسرين. (4) ما هو مصير الأبناء حين تكون الأم أمة؟ من المعروف لدى الجميع أن الأمة التي تُنجب من سيدها تصير زوجة له. لكن يبدو أنها تبقى « زوجة أمة » أو « زوجة معتوقة » لا تلد أحرارا وإنما تلد عبيدا. هذا ما يظهر مما جاء ضمن تفسير الطبري للآية 31 من سورة النور « … فقالت عائشة: يا رسول الله إنها ابنة أخي وجارية ».
(المصدر: موقع ميدل ايست اولاين بتاريخ04 11  2006)

 


جحيم اقتصادي في غزة

توفيق المديني يشتم من الأحداث الدموية  الأخيرة في قطاع غزة و الضفة الغربية رائحة الحرب الأهلية . فهذه الموجة الجديدة من الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني  التي حدثت مع بداية هذا الشهر، بين الأجهزة الأمنية  التابعة لفتح ، حزب الرئيس محمود عباس ، و الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس ، التي تسيطر على الحكومة،تعتبر الأخطر التي  يشهدها قطاع غزة بسبب عدد الضحايا…إثنا عشر قتيلا و أكثر من مئة و ثلاثين جريحا سقطوا في زمن قياسي  هو أقل من نصف يوم.
هذه المرة ، الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني حصل ، عندما نزلت  قوات الأمن الفلسطينية  إلى الشوارع تعبر عن غضبها و سخطها جراء عدم قبض رواتبها منذ سبعة شهور، رغم أن رئيس السلطة الفلسطينية، و رئيس الحكومة  إسماعيل هنية، وعدا قبل ثلاثة أسابيع ، بدفع الرواتب خلال شهر رمضان، الذي بدأ يوم 23 سبتمبر الماضي. فالأموال لم تأت، والرواتب لم تصرف ، و في الوقت الحاضر،لا يوجد حل .
في هذا الشهر الفضيل ، الذي يفرح فيه المسلمون كلهم   ، أصبح الوضع المعيشي في غزة لايطاق. هناك شعور عميق بالمرارة، في ظل تعاظم حالة الضغينة.غزة منكوبة.فالأسواق نصف مللآنة ، و خالية من الناس ، على نقيض مااعتادت عليه في مثل شهر رمضان . اليوم ، يمر الناس على الأسواق لكن جيوبهم خاوية.و الأسعار ارتفعت بشكل جنوني.إذ انتقل الحليب القادم من مصر من 9 إلى 15 شيكل (من 1،60 يورو إلى 2،70 يورو).و الفلاحون الفقراءالذين يأتون لبيع منتوجاتهم الزراعية يعودون ثانية في عرباتهم التي يجرها الحمير، و هي مللآنة تقريبا.
قطاع غزة هي منطقة صغيرة جدا طولها 40 كيلومتر، و عرضها 10 كيلومتر، ومساحتها 380  كيلومتر مربع.في هذه المنطقة الصغيرة من الأرض المحاذية لمصر و »إسرائيل « ، يعيش فيها 1،4 مليون نسمة ،وهي من أكثر مناطق العالم تمركزا بالسكان.أ  أكثر مناطق العالم التي تتواجد فيها كثافة سكانية.ومنذ وصول حماس إلى السلطة في بداية هذا العام، خضعت فلسطين كلها لحصار اقتصادي و مالي دولي  من جانب الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ تشكيل الحكومة الفلسطينية بقيادة إسماعيل هنية، قطعت كل المساعدات الدولية، وبذلك أصبح قطاع غزة أكثر من أي وقت مضى، سجنًا مكشوفاً في العراء، ومعزولاً كليا عن العالم ، بما أن الحدود البحرية و البرية ، و الجوية ، يسيطر عليها الكيان الصهيوني ، الذي قرر فوق كل ذلك،عدم دفع الضرائب المقتطعة من الفلسطينيين إلى السلطة الفلسطينية ، و التي تقدر إلى حد الآن بنحو 420 مليون دولار.
وفي الوقت الذي حلم فيه المسؤولون الفلسطينيون  أن تصبح غزة ألدورادو جديد بعد انسحاب المستوطنين الصهاينة و الجيش الصهيوني في صيف 2005، تحولت هذه ألأخيرة إلى جحيم مرعب. فعقب أسر الجندي الصهيوني من قبل حركة حماس في 25 يونيو الماضي ، دمر الكيان الصهيوني محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع يوم 28 يونيو، علمًا أن هذه المحطة تنتج 60% من استهلاك الكهرباء للسكان ، أما ال40% الأخرى فهي تزودها « إسرائيل » التي تستمر أيضا في جني المداخيل ، و تجبر الفلسطينيين  على التزود بالكهرباء بالتعاقب ، حيّا حياّ، كل ثماني ساعات.
ولم يتم إنجاز أي من المشاريع التي أُعلن عنها في ذلك الوقت- بناء الميناء، إعادة فتح المطار، استعادة الأراضي و المعاصر من المستوطنين الصهاينة.والاقتصاد الفلسطيني أشرف على الانهيارعلى جميع الجبهات- الزراعية ، و النسيجية، و البناء- التي تشكل المحركات الثلاثة للنشاط في قطاع غزة.و السبب الجوهري في هذا الانهيار هو صعوبة الحصول على المواد الأولية أو انعدام التسهيلات التصديرية.و بينما انتقلت مصانع النسيج  إلى مصر و الأردن، فإن قطاع البناء هو رهن وصول المواد، أما الزراعة ، فإنها لم تصمد أمام الحصار الصهيوني.
لقد أصبحت المداخيل من الأموال المتأتية من ال120000عاملاالذين كانوا يعملون « إسرائيل »جزءا من الماضي ، تعود إلى مرحلة ما قبل اندلاع الانتفاضة، في نهاية عام 2000. واليوم لا يوجد أي غزاوي يعمل داخل الكيان . ولم يقبض ال165000 موظفا في السلطة الفلسطينية رواتبهم منذ سبعة أشهر، باستثناء حصولهم على بعض   ألاف من الشيكل من هنا وهناك لتحمل الصدمة.
ولايزال الإضراب الذي بدأ يوم 2 سبتمبر الماضي مستمرا ، و إن كان غير متبع في قطاعي الصحة و التعليم.وهناك أكثر من مليون فلسطيني يعيش  على المساعدات التي تقدمها وكالة الغوث لللاجئين « الأنروا ». و إذا كان لا يموت أحد من الجوع في غزة، فإن الناس يعيشون حالة من الحرمان، و الحرمان بطبيعته يجذر البشر .فالوضع الاقتصادي يقتل المستقبل . ويوجد حوالي 800000شابا أقل من 15 سنة عاشوا منذ ولادتهم و إلى يومنا هذا في ظل الحصارات و المواجهات.
ويعيش ثلثي الفلسطينيين  تحت عتبة الفقر، المحددة بنحو 455 دولارشهريا لعائلة متكونة من أربعة أشخاص راشدين و طفلين. وازدادت هذه النسبة المئوية بنحو 3% شهريا ، منتقلة من 50% في مارس، مع بداية تشكل حكومة حماس ،إلى65% في أغسطس.وقد حذر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة و التنميةأن المدخول الفردي للفلسطينيين يمكن أن يصل إلى أدنى مستوى له منذ خمسة و عشرين عاما. و حسب هذا المؤتمر، فإن وقف المساعدات سوف يترجم بخسارة530000 وظيفة ما بين 2006 و2008.ومن جانبه أطلق البنك الدولي صرخة إنذار مشيرا إلى أنه إذا استمرت الأوضاع على ماهي عليه، فإن 47% من السكان العاملين سيجدون أنفسهم عاطلين عن العمل  في 2008.و عندئذ ،سيبلغ معدل الفقر 74% ، مقابل 67% في 2006.
يقول المقرر الخاص للأمم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان في الأراضي  المحتلة ، جون دوغارد « إن غزة هي  سجن ،حيث يبدو أن إسرائيل ألقت مفاتيحه ». وقادت الأزمة الحادة،و النقص في الأموال ، إلى زيادة عمليات السطو المسلح، وسرقات السيارات. وعبر طول الوقت ، كانت غزة تعتبر برميل بارود.أما الآن فقد أصبحت ترسانةأسلحة.ففي المساء الكل يستل سلاحه. فكل مجموعة، وكل عائلة،شكلت مليشياتها الخاصة للدفاع عن النفس ،في حال التعرض للإعتداء. وهذا يؤكد لنا  أن عناصر الحرب الأهلية كلها أصبحت مجتمعة.
* كاتب اقتصادي
صحيفة الخليج آراء و تحليلات 2006-11-09
 

السجال الديني يتجدد في اوروبا ومعه الجهل والتعصب

د. سعيد الشهابي 08/11/2006   خلال زيارته الاخيرة لبريطانيا، حظي الرئيس الايراني السابق، السيد محمد خاتمي، باهتمام واسع في الاوساط الثقافية والاكاديمية، ودعي لالقاء المحاضرات وأجريت معه المقابلات الصحافية، ومنح عددا من شهادات الدكتوراه الفخرية كان آخرها من جامعة سانت أندروز الاسكتلاندية. تركز خطاب الرئيس خاتمي علي ثلاثة محاور اساسية: اولها ان الشرق محكوم بالاستبداد وهو بحاجة لممارسة ديمقراطية، متهما الغرب بالسعي المتواصل لاستلاب ثروات الشرق مستغلا تلك الظروف وداعما الاستبداد، وثانيها ان من بين اسباب الصراع بين الغرب والاسلام غياب الظاهرة الدينية في الغرب، وهو أمر أرجعه الي الصراع في العصور الوسطي بين الكنيسة والعلم، وتنكيلها بالعلماء وحرقهم بسبب طرحهم افكارا ونظريات علمية اعتبرتها الكنيسة مناقضة لثوابتها الدينية، وثالثها: الاصرار علي ترويج مشروع حوار الحضارات الذي طرحه بعد انتخابه في 1997 رئيسا للجمهورية الاسلامية الايرانية. وفي محاضرته بالمعهد الملكي للشؤون الخارجية أشار الي كلمة قالها له أحد المفكرين المصريين: ان أهم عنوان للسيد خاتمي هو الرئيس السابق في منطقة يتشبث فيها الحكام بمناصبهم حتي الموت، ولا يمارسون مبدأ التداول علي السلطة. كان خطاب الرئيس خاتمي موجها للجمهور البريطاني بأسلوب ودي، اذ ركز علي التراث الفكري السياسي لديهم، مشيرا بشكل خاص الي دور جون لوك (1632ـ 1704) الذي يري ان الدولة قامت علي أساس من عقد أو اتفاق واع بين الحاكم والمحكوم. وقد التزم لوك علي خلاف توماس هوبز، جانب البرلمان ضد الملك في الصراع في الأمور السياسية.
لقد لامس السيد خاتمي في خطاباته جانبا مهما بتكرار الحديث عن المسألة الدينية في الغرب، فهو حديث جديد ـ قديم، يتواصل السجال بشأنه علي اعلي المستويات الفكرية والسياسية. ويحتدم النقاش هذه الايام حول دور الدين في الحياة العامة، ويعتزم أسقف كانتربري، الدكتور روان ويليام مع أسقف ويستمنستر الكاثوليكي، كورماك اوكونور، تقريرا مشتركا حول النزعة نحو العلمنة في المجتمع البريطاني، واقصاء البعد الديني من الطقوس الرسمية في أعياد الميلاد. يتزامن ذلك مع صدور كتاب بعنوان خدعة الله للدكتور ريتشارد دوكينز، أحد المنظرين الالحاديين البريطانيين. وفي الاسبوع الماضي طرحت صحيفة التايمز البريطانية سجالا واسعا حول الفكرة الدينية ساهم فيها عدد من المفكرين من المؤمنين بوجود الله والملحدين. وأعاد ذلك السجال الي الذهن النقاش الفكري الذي كان محتدما في منطقتنا في الخمسينات والستينات حول المسألة الدينية. كان الجدل آنذاك مختلفا عما تحفل به المنطقة اليوم من صراعات سياسية ومذهبية، شجعت عليه ظاهرة صعود التيارات اللادينية خصوصا التيار الشيوعي الي واجهة العمل السياسي. كان ذلك متصلا بأمرين: اولهما تنامي قوة الاتحاد السوفييتي السياسية والعسكرية والفكرية، وثانيهما صعود التوجه لمناهضة الاستعمار في العالم الثالث عموما والمنطقة العربية بشكل خاص. النضال ضد الامبريالية في منتصف القرن الماضي كان مرتبطا بالحركات اليسارية التي صاحب ظهورها جدال متواصل حول العقيدة والدين. يومها لم تكن الصحوة الاسلامية قد بدأت بعد، ولكن ساهم علماء الدين وخطباء المساجد والمآتم في التصدي لما اعتبروه تهديدا إلحاديا ، مركزين علي النقاشات المتصلة بالعقيدة وأصول الدين. فانتشرت الكتب التي تثبت الظاهرة الايمانية ووجود الله، مثل كتب الدكتور مصطفي محمود ومن بينها كتاب الله يتجلي في عصر العلم و مع الله في السماء . وراجت كتب الشهيد محمد باقر الصدر خصوصا كتابي فلسفتنا و اقتصادنا . وساهم المفكرون الثوريون مثل الدكتور علي شريعتي في الترويج للطرح الديني في الســنوات اللاحقة.
الجدل المحتدم حول الفكرة الدينية في الغرب يؤكد عمق الشعور الديني في الفطرة البشرية من جهة، والتناقضات السياسية التي تتضمنها الحضارة الغربية التي تهيمن حاليا علي مقدرات العالم من جهة اخري. يضاف الي ذلك حالة الاضطراب الاخلاقي الذي وصل الي اوساط الكنيسة نفسها، خصوصا في ظل الفضائح حول الشذوذ الجنسي في الاوساط الكنسية، واستمرار الجدل حول تعميد المرأة. بدأ السجال الحالي بمقالة طويلة نشرتها صحيفة التايمز في 31 تشرين الاول (اكتوبر) بعنوان لماذا لا يوجد إله للكاتب المذكور ريتشارد دوكينز. يعتبر دوكينز، المتخصص في الكتابات العلمية ونظرية التطور الداروينية والاستاذ بجامعة اكسفورد.
وتركزت مقالته التي يهدف بها لتسخيف فكرة وجود إله للكون، علي ان العقل البشري قادر علي خلق التصورات للانسان، ويعطي امثلة علي ذلك منه، منها قصة رواها له احد طلابه بانه وصديقته شاهدا الشيطان عندما كانا في خيمتهما بمنطقة قاصية في جبال اسكتلاندا، وان بيتر سكليف، الذي قتل في السبعينات والثمانينات، خمس عشرة امرأة اغلبهن من العاهرات ادعي انه فعل ذلك بعد ان سمع صوت المسيح يحثه علي ذلك. ويعطي مثالا آخر وهو ان الرئيس الامريكي، جورج بوش، يبرر حربه ضد العراق بانها امتثال لأمر وصله من الله. ويستشهد بقول كاتب آخر هو سام هاريس، مؤلف كتاب نهاية الايمان الذي يعتبر ان تراجع دور العقل في الحياة البشرية ادي الي سيادة القيم الدينية، معتبرا ان أبشع المجازر ارتكبت باسم الدين.
ويعتقد ان امتلاك اسلحة الدمار الشامل يقلص احتمال قدرة الجنس البشري علي التعايش حقبا اطول في ظل الاختلافات الدينية. ويتطرف هاريس في اطروحته، معتبرا ان الاعتدال الديني لا يقل خطرا لانه يجعل اصحابه مقبولين في مجتمعاتهم، فيصبح وجودهم سببا لتأصيل القيم الدينية والتعايش مع الاديان، الامر الذي يؤسس لخلافات مستقبلية اوسع. مع ذلك يعترف هاريس بالحاجة الي قدر من الروحانية او التصوف لمساعدة الانسان علي ممارسة تجربة روحية، وهذا يتوفر في النظم الصوفية الشرقية. اما دوكينز، فيقول ان العقل البشري قادر علي خيال واسع، ويربط تلك القدرة بالاعتقاد بوجود اله: العقل البشري يمتلك برنامجا (سوفتوير) للتصور من الدرجة الاولي. فاعيينا لا تعكس لعقولنا صورة طبق الأصل لما هو موجود في الخارج، ولا صورا متحركة صحيحة مرتبطة بالزمن. ويمضي في مقالته لوصف حركة العقل في حال استلامه صورا من خلال العين، ليوحي بقدرة العقل علي اختلاق ما ليس موجودا. ويستدل بما يقوله المجانين في المصحات من ادعاءات يعتبرها الأصحاء دليلا علي غياب عقلهم. ويصل من خلال وصف واسع لقدرة العقل البشري علي التصور الي اضفاء بعد نفسي (سيكولوجي) لما تقوله الاديان حول الاله والخالق، ليصل في نهاية ادعاءاته الي اعلانه بعدم وجود اله. والواضح انه اعتمد في مقالته علي الجانب الحسي من التجربة الانسانية، وطرح تفسيراته التي ربطت قضية الايمان بمساحة التجربة البشرية، فاذا اصبحت تلك التجربة واسعة اتخذت بعدا دينيا، بينما التجارب الشخصية المحدودة تبرر عادة بالحالات النفسية لاصحابها.
ريتشارد دوكينز، تطرق الي المرتكزات الخمسة التي تستند اليها النظرية الدينية المسيحية لاثبات وجود الله، محاولا تفنيدها. هذه المرتكزات وضعها الفيلسوف المسيحي، توماس اكويناس في القرن الثالث عشر الميلادي واعتمدت كأساس فلسفي لاثبات وجود الخالق، وأغلبها يتفق مع الطرح الاسلامي. وحاول تفنيدها بحجج واهية. الاساس الاول ان الحركة لا بد لها من محرك، وكل محرك لا بد له من محرك آخر. وهذا يقود الي ضرورة وجود محرك في الاساس، وهو الله. والثاني ان لكل سبب علة، وكل سبب له مسبب، حتي نصل الي نقطة لا بد فيها من الاعتراف بوجود علة واجبة بذاتها. والثالث ان العالم المحسوس لا بد له من بداية، فقبل وجوده لم يكن، فلا بد ان يكون هناك من كان سببا لوجوده. والرابع ان القيم الانسانية نسبية، وان لكل منها حقيقة مطلقة، وهي الله. والخامسة مسألة الخلق والتصميم التي تتجسد في المخلوقات، فلا بد ان هناك خالقا ومصمما لها. وفيما يسعي لتسخيف هذه المقولات بأسلوب يحتوي الكثر من السذاجة، فقد سعي لدحض المرتكز الاخير من خلال الاطروحة الداروينية في النشوء والارتقاء، مدعيا انه ليس هناك تصميم واحد أزلي، بل هو متطور وبالتالي فلا مجال للقول بوجود المصمم الاول والمطلق. وقد انبري الكثيرون من القراء واهل الدين للرد علي دوكينز، فيما وافقه البعض، فالقس الدكتور ستيفن شكسبير من جامعة الامل في ليفربول يقول: ان التشبث بنظرية العمليات الدماغية ليس يقدم بعدا واحدا فقط، وهذا لا يمكن ان يدحض مقولات اكويناس، لان العلاقات بين البشر غير محكومة بفعل الدماغ وحده. ان الايمان الديني يعرض علاقات أغني وأعمق مع الكون والعالم، من خلال الترميز القصصي واعمال الحب والعطف، وذلك يفوق نظرية البعد الواحد. ووصف العديد من المعلقين كلام دوكينز بالسطحية، وانه أضعف كثيرا من النظريات الرافضة لوجود الله.
ليس الهدف من هذا العرض الدخول في سجال عقيدي او ديني، باثبات وجود الله او انكاره، بل الاشارة الي حالة الاضطراب النفسي السائدة في الغرب، والصراع المتواصل بين اهل الدين ورافضيه. فحالة التوتر التي تسود عالم السياسة في العقود الاخيرة فتحت ابواب السجال والنقاش حول الاسس التي ينطلق علي اساسها المشروع الديني في الغرب. هذا من جهة، ومن جهة اخري فان العلاقات بين الاديان اصبحت عاملا ساهم في اعادة فتح المنطلقات العقيدية لهذه الاديان. وفيما استمرت الدعوات للحوار بين هذه الاديان من جهة، تبلورت مواقف اخري لا تساهم في تعميق الثقة بين الديانات الثلاث الرئيسية. فالازمات السياسية تعكس نفسها علي التجاذب الديني، والعكس صحيح ايضا. فقيام دولة اسرائيل ساهم بشكل مباشر في توتير العلاقات بين المسلمين واليهود علي خلاف الوئام التاريخي في ما بينهم. كما ان تصاعد ظاهرة الاسلاموفوبيا وانتشار الظاهرة الاسلامية في الغرب دفع البعض، ومنهم رجال دين مسيحيون، لاطلاق تصريحات غير ايجابية اعتبرها المسلمون معادية احيانا وغير لائقة أحيانا أخري. ولم تكن تصريحات البابا عندما استشهد بسجال في القرن الرابع عشر بين احد الاباطرة البيزنطيين مع احد العلماء الفرس حول الاسلام، الا امتدادا لافكاره التي لم تظهر الي العلن الا مؤخرا. ففي هذا الاسبوع قال القس، جوزيف فيسيو، عميد جامعة ايف ماريا في مدينة نابولي الايطالية، ان البابا صرح في مطلع العام في اجتماع مع طلابه السابقين، بان الاسلام غير قابل للاصلاح، وانه بالتالي لا ينسجم مع الديمقراطية.
إزاء هذه الافكار المسبقة لدي اكبر سلطة دينية مسيحية، يصعب الاعتقاد بجدية دعاة الحوار الديني من جهة، ويكشف جانبا من المنطلقات الفكرية التي تمنع حدوث اختراق حقيقي في مجال الحوار والتقارب. المشكلة لا تتوقف هنا، بل تتعداها لتتصل بوجدان القسسة والرهبان، وتحركهم باتجاه مغاير تماما لاطروحة الحوار بين الاديان. وفي الاسبوع الماضي، قام القس رولاند وايسلبيرغ، بحرق نفسه احتجاجا علي السماح للاسلام بالانتشار في اوروبا. فبينما كان المصلون يؤدون طقوسهم، صعد القس الالماني الي سطح مبني مجاور لكنيسة اوغستينركلاوسر بمدينة ايرفورت، وغمر نفسه بالبنزين ثم أشعل النار، فاحترق وتوفي لاحقا في المستشفي. وقال عمدة الكنيسة، الفريد بيجريتش، ان وايسلبرغ ترك رسالة تحث الكنيسة البروتستانتية علي ضرورة ان تكون الكنيسة اكثر وعيا للخطر الذي يمثله انتشار الاسلام في أوروبا علي المسيحية. وصرخ وايسلبرغ، والنار تلتهمه قائلا: المسيح وأوسكار في اشارة الي قس آخر سبقه لحرق نفسه في 1976 احتجاجا علي انتشار الشيوعية آنذاك في المانيا الشرقية.
 
 
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 9 نوفمبر 2006)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.