الرابطـــة التونسيـــة للدفـــاع عن حقــــوق الإنســـان تونس في 28 جوان 2006 بيــــــان
تتابع الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان باهتمام وانشغال شديد موجة اختطافات تعرض لها مواطنون تونسيون في مختلف مناطق الجمهورية خلال شهر جوان ، ويحصل ذلك بدون إعلام العائلات بأماكن إيقاف ذويهم وسببه والتهم الموجهة لهم أو الممكن توجيهها إليهم. وقد اتصلت بالرابطة عائلات بعضهم نذكر منهم السيد وليد الوسّي، أستاذ رياضيات بولاية قبلي الذي انقطعت أخباره عن أهله يوم الخميس 15 جوان 2006 والذي راسلت الرابطة في شأنه السيد المدير العام للأمن الوطني يوم 22 جوان 2006 وبقيت مراسلتها بدون جواب. ونذكر كذلك السيد نوفل ساسي، خبير وصاحب مكتب محاسبات بتونس الذي انقطعت أخباره عن أهله يوم الأربعاء 14 جوان 2006. وكذلك الشأن بالنسبة للطلبة أمير شرف الدين ومحفوظ الصيادي ووليد الغضاب الذين أوقفوا بولاية المنستير من طرف أعوان أمن بالزي المدني لم يدلوا بهوياتهم. وقد علمت الرابطة أن إيقافات أخرى خارج إطار القانون حصلت في مناطق أخرى من البلاد وهي بصدد متابعة هذا الملف لحصر بقية من شملتهم. ورغم اتصال العائلات بمصالح الأمن بالجهات وبمصالح وزارة الداخلية بتونس فإن هذه الأخيرة أنكرت في جميع الحالات علمها بتلك الإيقافات وبأماكن تواجد الموقوفين. وتخشى الرابطة أن يتعرض هؤلاء لسوء المعاملة. إن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تنبه السلط لخطورة هذه الممارسات ذلك أن التشريع التونسي يلزمها في صورة تتبع شخص من أجل تهمة في غير حالة التلبس استدعاءه كتابيا بمقتضى إنابة عدلية ،وذكر سبب الاستدعاء وفي صورة الاحتفاظ بالمشتبه به إعلام عائلته فورا بهذا الإجراء وبسببه. وتذكرها أن الإحتفاظ بذي الشبهة لا يتجاوز ثلاثة أيام يمكن التمديد فيه مرة واحدة لنفس المدة بإذن كتابي من النيابة. وفي غياب احترام تلك الإجراءات فإن خرقها يمثل جنايات خطيرة يعاقب عليها التشريع التونسي. وعليه فإن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تطالب بإطلاق سراح هؤلاء الموقوفين خارج إطار القانون وإعلام عائلاتهم بمكان إيقافهم وفتح تحقيق مستقل يحدد المسؤوليات عن هذه التجاوزات الخطيرة ويفضي بتتبع كل من تثبت إدانته في اقتراف هذه الجرائم التي على السلطة أن تضع حدا لها. عـن الهيئــة المديــرة الرئيـــس المختــار الطريفـــي
الحملة الدولية من أجل حقوق الإنسان في تونس International Campaign for Human Rights in Tunisia
حملة مداهمات ليلية واعتقالات سرية بدعوى مكافحة الإرهاب
تحت ذريعة » مكافحة الإرهاب » سلكت السلطة التونسية نهجا إرهابيا في ترويع المواطنين، حيث شنت حملة مداهمات ليلية، واعتقالات واسعة في صفوف الرجال والنساء من مناطق مختلفة من البلاد، وغلب على هذه الإعتقالات طابع السرية التامة، حيث رفضت الجهات الأمنية إعلام أهالي المعتقلين بمكان ايقاف أبنائهم وسبب اعتقالهم.
فقد تم يوم الإثنين الماضي 26 جوان، اعتقال نضالات بنت محمد الرضا الزيات صحبة ابنتها الرضيعة حنين (رادس)، وتم اقتيادها الى جهة مجهولة. كما اعتقل ليلة 16 جوان، رياض بن محمد الوسلاتي( اريانة)، وتم اقتياده الى مكان مجهول دون ذكر أسباب الإعتقال. وكذلك الشأن بالنسبة الى نوفل ساسي ( القصيبة ).
وفي يوم الاثنين 26 جوان أعتقل كل من أمير شرف الدين ( المكنين) ووليد الغضاب ( المنستير)، ومحفوظ الصيادي ( قالطة)، ولم تعلم عائلاتهم بسبب الاعتقال، وعند لجوء الأهالي الى الجهات الأمنية للاستفسار عن مكان اعتقال أبنائهم، أنكرت هذه الجهات علمها بالأمر، وهو ما جعلهم يعيشون حالة من القلق الشديد عن مصير أبنائهم.
وأمام هذا التمادي من قبل السلطة في تجاوز القانون عبر المداهمات والإعتقالات المفاجئة، والإستهتار بمشاعر أهالي المعتقلين بإنكار العلم بأماكن واسباب اعتقال أبنائهم وبناتهم، فإننا في الحملة الدولية من أجل حقوق الإنسان في تونس:
– نستنكر وبشدة منهج الإرهاب، وأسلوب الإختطاف والمداهمات الليلية، الذي تنتهجه السلطة التونسية ضد المواطنين، في انتهاك صارخ لأبسط الحقوق الإنسانية التي كفلها الدستور والقوانين والمواثيق الدولية .
– – نطالب بتمكين أهالي المعتقلين من زيارة أبنائهم للإطمئنان على سلامتهم، واعلامهم بأسباب الإعتقال حتى يتسنى لهم الدفاع عنهم.
– نحمل السلطة التونسية المسؤولية الكاملة عن التجاوزات الأمنية في حق المواطنين، وما يمكن ان تفرزه هذه الممارسات اللاقانونية واللاأخلاقية من ردود أفعال، تجد مبرراتها في سلوك السلطة المستهتر بالقانون وحقوق المواطنين ومشاعرعائلات المعتقلين.
– نناشد الضمائر الحية في الداخل والخارج بذل الوسع لإيقاف هذه الإعتداءات، وتطمين الأهالي عن مصير أبنائهم وبناتهم.
الحملة الدولية من أجل حقوق الإنسان في تونس المنسق علي بن عرفة لندن في 29 جوان 2006
بلاغ صادر يوم الإثنين 26 جوان 2006
تونس: استمرار ممارسة الإختطافات والتَوقيفات السرّية…؟
اِنشغال شديد حول مصير نوفل السَاسي، والد الأطفال الأربعة، بعد » اختفائه » منذ يوم 14 يونيو من أمام مكتبه الواقع وسط مدينة تونس
نوفل بن سليمان السَاسي المولود بتاريخ 14-02-1962 بتونس هو إبن للسَيَد سليمان السَاسي وللمغفور لها السَيَدة مريم المدعوَة نزيهة الصَدَيق وهو خبير في مجالي التَصرَف المالي و الجبائي. يعمل بصفته تلك بمكتب خاصَ في المحاسبة والمعاملات الماليَة الكائن بنهج الجزيرة- عمارة عدد 43 بتونس العاصمة. وهو صاحب بطاقة التَعريف الوطنيَة رقم 00203925 الصَادرة بتونس العاصمة بتاريخ 02-10-2002. في يوم الأربعاء 14- جوان – 2006 لم يكن نوفل يبعد كثيراً عن مقر عمله لمّا « اختفى » (فقد ترك بمكتبه سترته المحتوية على أوراق هويّته، ومفاتيح سيَارته ومحفظته وما يتناوله يوميَاً من أدوية)، و منذ ذاك الحين و عائلته تجهل مكانه و أسباب غيابه. فقد امتنعت كلّ المؤسّسات الرّسمية الّتي تمّ التّوجّه لها عن الإدلاء بأيّ معلومة، إذا استثنينا » نصائح » بعض الموظَفين لهم بالعدول عن إثارة القضيَة » باعتبار أن ليس في الأمر ما يدين الشَخص فإنَه سيعود إليهم خلال أيَام إن هم التزموا الصّمت والتَريَث. » لم يتردَد أفراد العائلة في مواصلة التَقصَي عن أسباب هذا الغياب، فاتَصلوا بجميع المستشفيات و أقسام الشَرطة بالعاصمة و لم يكن لتحرَكهم ذاك أيَ جدوى. وفي 21 جوان، اتَجهت زوجته السَيَدة هدى ساسي إلى قصر العدالة بهدف الحصول على معلومات حول مصير زوجها المفقود والتَحقَق من إمكانيَة إحالته إلى القضاء فلم تحظ بأي إفادة. حينها، طلبت من الموظَفين هناك السَماح لها بتقديم شكوى اختطاف لدى السَيَد وكيل الجمهوريَة. وفي الأثناء كان هناك من ينصت إليها بالجوار، ثمَ تقدَم إليها بعد أن فرغت من الإدلاء بشكواها ليعرَف بنفسه كرجل أمن ويخبرها بأنَه سيرفع نبأ هذا الاختفاء إلى أعلى هرم السَلطة. هذا وقد قام عميد الهيئة الوطنيَة للمحامين التَونسيَين السَيَد عبد السَتَار بن موسى بإعادة التَقصَي خول مصير نوفل يوم السَبت 24 جوان لدى السَيَد وكيل الجمهورية ولكن دون جدوى. يعيش نوفل ساسي مع زوجته وأبنائه الأربعة (
أصغرهم طفلة لم يتجاوز سنَها السَنتين والنَصف ) ووالده الذي ناهز التَسعين. يبذل الرَجل قصارى جهده من أجل تلبية حاجيَات أسرته من خلال ما يجنيه من عمله بمكتب محاسبة كان قد أسَسه في أعقاب محاولات عديدة للعمل مع مؤسَسات خاصَة ترفض توظيفه تلبية لبعض « الضّغوط الخفيّة » وهي الَتي ابلغته سلفا بقبول انتدابه. حصل نوفل على إجازة في الدَراسات العليا التَجاريَة (HEC) وله شهادة دبلوم الدَراسات العليا المختصَة (DESS ) في التََجارة الدَوليَة ، وقد أمضى سنوات عدّة غير قادر على ممارسة اختصاصه. حوكم سنة 1990 بعشرة أشهر من السَجن لإدانته بتهمة « الانتماء لجمعيَة غير مرخَص بها ». وفي سنة 1993 أوقف من جديد ليقضَي 40 يوما في زنزانة بوزارة الدّاخلية دون محاكمة. في فترة غيابه تلك، لم تكن عائلته على علم بمكانه، ثمَ أطلق سراحه على حالة صحَيَة يرثى لها بعد أن كابد تجربة تلقَى خلالها شتَى صنوف التَعذيب خلَفت عليه آثارا جسديَة بالغة. إثر ذلك، خضع نوفل لمدة تقرب الثَمانية أعوام لنظام مراقبة إداريَة صارم، وقد مُنع من الحصول على جواز سفر، بل و من كامل حقوقه المدنيَة. أجريت له، سنة 2004 عمليَة جراحيَة لانسداد الشَرايين ويعاني من مرض الحساسيَة في التَنفَس ،الأمر الَذي يقتضي منه الامتثال لعلاج متواصل وتناول منتظم للأدوية.
– نطالب بمعرفة مكان نوفل الساسي – نطالب بإطلاق سراحه الفوري – نطالب بتمتيعه دون تأخير بحقّه في الإحاطة الطّبية و الإسعاف القانوني – نحمّل السّلطات الرّسمية التونسية المسؤولية الكاملة عن صحّة نوفل الساسي وعن كلّ ما يمكن أن يتعرّض له نيابة عن عائلة نوفل بن سليمان ساسي، إبن خاله أمية الصديق
للاتصال: أميّةالصديق Ou-est-naoufel@no-log.org
إعتداء فظيع على احد السادة المحامين
تم في الليلة الفاصلة بين 28 و 29 جوان الجاري الإعتداء بصورة وحشية على الأستاذ محمد علي عباس المحامي و ذلك من طرف مجموعة من اعوان الأمن التابعين الى منطقة الأمن العمومي بجمال ولاية المنستير هذا و اسفرت الإعتداءات الوحشية على إصابة المحامي المذكور بكسر مضاعف بيده اليمنى مما إستوجب خضوعه لعملية جراحية مستعجلة و منحه الطبيب المعالج راحة بـ45 يوم هذا إضافة الى حالة الهلع و الفزع التي عاشها افراد عائلته و خاصة والدته المسنة و شقيقته الحامل مع العلم وان الإعتداء امام منزل المعتدى عليه الكائن بمدينة جمال و تواصل داخله بعد ان تولى الأعوان المعتدون إقتحام المنزل بدون أي وجه حق و بدون اي إذن قانوني صادر عن السلطات المختصة نذكر إضافة الى ذلك و ان عملية التعنيف تمت بحضور عدد غفير من الأجوار الذين عبروا عن إستعدادهم اللامشروط للإدلاء بتصريحاتهم لدى السلط القضائية المختصة .
هذا و قام الأستاذ محمد علي عباس المحامي المعتدى عليه بتقديم شكاية في الغرض صبيحة هذا اليوم الى السيد وكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية بالمنستير كما تم إعلام كل من السيد عميد الهيئة الوطنية للمحامين و السادة رئيس و اعضاء الفرع الجهوي للمحامين بسوسة لإتخاذ ما يرونه صالحا.
المنستير في 29/6/2006< /P>
لاشين حــــيدر
* تصلكم صحبة هذا نسخة من الشكاية التي تقدم بها المحامي
المعتدى عليه مع نسخ من الشهادات الطبية التي تحصل عليه
تونس : حذف أسماء طلاب من قائمة « الناجحين » عقابا لهم على انتماءاتهم السياسية
تونس من سليم بوخذير إتّهم نشطاء طلابيّون هذا الأسبوع في تونس وزارة التربية بـ « منعهم من النجاح » في مناظرة تؤهّلهم مباشرة للإلتحاق بسوق الشغل ، و ذلك « عقابا لهم على إنتمائهم إلى عدد من أحزاب المعارضة في تونس » على حدّ تعبيرهم . و ألقى هؤلاء النشطاء ( إسلاميون و شيوعيون و ناصريون ) في بيان لهم حصلت « المصريون » على نسخة منه ، باللائمة على وزارة التربية متّهمين إياها بما وصفوه بـ « إستثنائهم من النجاح في مناظرة « الكاباس » التي تلحقهم آليا و فورا بصفوف المدرّسين » و ذلك في إطار ما أسموه بـ »فرزهم من قبل الوزارة و تصفيتهم على خلفية أنشطتهم النقابية و إنتماءاتهم السياسية » ، على حد تعبير البيان ذاته . و هذه هي المرّة الأولى التي تصدر فيها إتهامات بهذه الخطورة في تونس عن « ممارسات من هذا القبيل » تخصّ أشهر مناظرة بالبلاد . و قال أحد هؤلاء النشطاء في تصريح أمس الإربعاء لـ »المصريون » إنّه « لدينا فائق الأدلّة على أنّنا نجحنا فعلا في المناظرة و أنّ الوزارة هي التي تدخلت لحذف أسمائنا من قائمة الناجحين » ، على حدّ قوله . و تابع محمد مومني (33 سنة حاصل على الأستاذية في الفلسفة 1999 ) في تصريحه لـ »المصريون »، » لقد شهد بنجاحنا الذي ألغته الوزارة الأساتذة أنفسهم الذين إختبرونا في المناظرة ، كما إمتنعت مصالح الوزارة بشدّة على منحنا حقّنا في تسلّم أوراق إصلاح الإمتحان وكشف أعداد الإختبارات و هو دليل واضح على خوفها من إفتضاح أمر مهزلة حرماننا بصورة غير قانونية من حقّ النجاح » على حدّ قوله . و إعتبر هؤلاء النشطاء أنفسهم بـ « أنهم من خيرة الكفاءات التي أنجبتها الجامعة التونسية » ، وقال فرد آخر منهم و هو الحسين بن عمر (30 سنة حاصل على الأستاذية في الإعلامية 2001 وشهادة الدراسات العليا المتخصصة في نظم الاتصالات والشبكات 2003) لـ »المصريون » ، « كلّنا حصلنا على شهاداتنا الجامعية بإستحاق عال فهل يجوز بعد ذلك أن نعجز كلنا هكذا بالصدفة عن النجاح في مناظرة واحدة » ،و تابع « أنا شخصيا درّست مؤقتا بعد حصولي على الأستاذية في الجامعة(معيد) و كلّ من درّستهم نجحوا بحواصل عالية فكيف أعجز أنا شخصيا عن النجاح؟ « . فيما إتّهم زميله الجيلاني الوسيعي ( 35سنة حاصل على الأستاذية في الآداب العربية سنة 1999) وزارة التربية بما أسماه بـ »ممارسة سياسة التجويع في حقهم لأسباب تتعلق بأنشطتهم السياسية بغرض تركيعهم » على حدّ وصفه . و تّعرف في تونس بإسم « الكاباس » مناظرة محلية سنوية شهيرة يتقدّم إليها جميع الحاصلين على شهادة الأستاذية (ليسانس) و يمنحهم النجاح في هذه المناظرة ، الحق في العمل بصورة آلية و أمّا التعثّر في هذه المناظرة فيعني البطالة إلى غاية الموعد السنوي الموالي ل »الكاباس » . و كانت وزارة التربية التونسية قد أعلنت عن تقدّم أكثر من 54 ألف حاصل على الأستاذية إلى هذه المناظرة هذا العام ، لكن لم يحالف النجاح ضمن القائمة التي وقعت إعلانها رسميا منذ أيام قليلة ، إلاّ قرابة ألفين و700 من المتقدّمين للمناظرة . و كانت تونس شهدت تأسيس إتحاد نقابي لأصحاب الشهادات العليا المعطّلين عن العمل ، للدفاع عن حقوق عشرات الآلاف من خريجي الجامعات ممّن لم يعرفوا طريقهم إلى سوق التشغيل رغم إنقضاء سنوات طويلة على تخرّج مّعظمهم . (المصدر: صحيفة « المصريون » الألكترونية بتاريخ 28 جوان 2006) وصلة الموضوع: http://www.almesryoon.com/ShowDetails.asp?NewID=20183&Page=5
زهير جبر ما ان تدخل احدى النساء الى قصر احد الحكام العرب كزوجة اولى او ثانية او ثالثة او حتى كجارية يدخل معها الى عالم البزنس اخوتها واقاربها حيث يصبحون من المليونيرية المعدودين على الاصابع ولا تمر صفقة في الدولة الا اذا كان لهم حصة فيها ال البراهيم نموذج ساطع فأختهم الجوهرة هربت من زوجها الاول واوقعت بالامير فهد الذي اصبح ملكا … فجأة احتل ال البراهيم مناصب هامة في السعودية وفي الديوان الملكي واصبح اشقاء الجوهرة خاصة وليد وعبد العزيز من اصحاب الملايين ومن اصحاب الفضائيات العربية ومثلهم اولاد النصاب الشيخ الفاسي محمد وعلال وهند … فبعد زواج هند من الامير تركي احتل اشقاؤها وابوهم صفحات الجرائد العالمية بفضائحهم المالية والجنسية الملكة رانيا الياسين … فتاة فلسطينية ولدت في الكويت ولما تزوجت من الامير عبدالله ظلت تعيش مع اسرتها على هامش الحياة العامة لان زوجها لم يكن اكثر من ممثل كومبارس في هوليوود ولكن بعد ان تولى الحكم في الاردن اصبحت اسرة ال الياسين مربط الفرس لكل من يرغب بتمرير صفقة في الاردن هذا ينسحب على معظم الحكام العرب ونسوانهم … واخرهم الجنرال زين العابدين الذي تزوج من حلاقة تونسية اسمها ليلى فاذا باسرة الحلاقة تأكل الاخضر واليابس في تونس … واخر فضائح هذه الاسرة ما نشرته الصحف الفرنسية مؤخرا من قيام عماد الطرابلسي الاخ الاكبر لزوجة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بسرقة يخت مليونير فرنسي وقالت صحيفة « ليبيراسيون » الفرنسية إن « اليخت الذي ظهر أنه تحوّل إلى ملكية عماد الطرابلسي إنّما هو نفسه اليخت الفرنسي الذي يملكه مدير عام بنك « الإخوة لازار وسرق من ميناء كورسيكا يوم 26 مايو 2006 » وتابعت الصحيفة أن « قيمة اليخت الذي يبلغ طوله 18 مترا يصل الي مليون يورو » واصفة إياه بـ »الثمين جدا » . وقالت الصحيفة إن « صهر الرئيس التونسي أدخله إلى ميناء سيدي بوسعيد » بالعاصمة التونسية. ووصفت « ليبراسيون » « علاقة » الرئيس الفرنسي جاك شيراك ب برونو روجيه مدير عام بنك « الإخوة لازار » بـ »الوطيدة » مشيرة إلى أن ذلك قد يلعب دورا مهما في هذه القضية و مدى إحراجها للعلاقات الثنائية بين تونس و فرنسا. وصرح السفير التونسي بباريس لصحيفة « لوكانار أونشيني » مؤخرا أن اليخت دخل تونس بطريقة مخالفة للقانون (المصدر : موقع « ليبيا العدالة » بتاريخ 28 – 6 – 2006 نقلا عن « عرب تايمز »)
بسم الله الرحمان الرحيم
أم على قلوب أقفالها
محمد زريق، كندا
بمناسبة اليوم العالمي من أجل العفو التشريعي العام، وتفاعلا مع اليوم الذي دعت إليه وستنظمه الجمعية الدولية للمساجين السياسيين بتونس يوم 30 جوان 2006 رأيت أن أساهم بهذا المقال، عملا بالمنهج النبوي » ولا تحقرن من المعروف شيئا » والمنهج القرآني « معذرة إلى ربكم ولعلهم يهتدون »
احتدم الصراع بين الفرقاء الفلسطينيين خلال الأيام الاخيرة ودار بينهم الحوار حول واقع القضية الفلسطينية ومستقبله،ا وحول القضايا الهيكلية والقانونية، وحول الثوابت وحدود التنازلات، وانتهى هذا الحوار، ولله الحمد، بالإتفاق على وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني.
اللافت للنظر في هذا الحوار الجاري أنه يدور ويتمحور حول وثيقة الأسرى، هذه الوثيقة التي أعدها أسرى فلسطينيون في سجون الإحتلال الغاصب، وأن الذي يلفت الإنتباه، مدى مشاركة الأسرى الفلسطينيين في الحياة السياسية، وفسحة التحرك التي يملكونها وهم قابعون في سجون أبشع الأنظمة دموية وعنصرية، هذه الطبيعة القمعية التدميرية لم تمنع الأسرى من إعداد مشروع الوثيقة والإتفاق حولها وإرسالها إلى القيادة الفلسطينية ولم تمنع أسرى آخرين من إصدار موقف المعارضة من هذه الوثيقة ولم تمنع آخرين من إعلان التراجع عن تبني الوثيقة عندما شعروا بأنه أريد ستغلالها لغير لأهدافها، بل سمعنا الأسير ومن معتقله يعلن عن موقفه من الوثيقة عبر الهاتف النقال في وسائل الإعلام، إن هذه الحركية لدى الأسرى الفلسطينيين وهذه القدرة على المبادرة وهذه الفسحة من حرية الحركة تحيلنا على ما يعانيه أسرانا في سجون النظام التونسي الذي يدعي الإستقلال والوطنية واحترام حقوق الإنسان، إن هذه الإحالة تحدث فينا صدمة في العقل وحسرة في القلب و تفجر أمواجا متلاطمة من الأسئلة الحائرة عن مصدر هذا الكم الهائل من الحقد والبغض والإنتقامية والسادية التي تملكت أركان النظام التونسي فتجاوزوا الحد في دفنهم للإنسان حيا، وفاقوا في ذلك أعتى الأنظمة وحشية وظغيانا ألا وهو الكيان الصهيوني.
بعد اطلاعي على مجريات الأمور في فلسطين في الآونة الأخيرة ومدى محورية الأسرى فيها، قلت في نفسي لعل الأمر تسريبا معزولا لوثيقة أو لعل الكيان الصهيوني نفسه شجع على خروج الوثيقة لإحداث بلبلة في صفوف الفلسطينيين، والبحث في هذه الأسئلة هو بحث عن تخفيف من هول الصدمة، وبحث في تفاسير تجعل نظام بلادنا أقل تعاسة وانحطاطا إنسانيا من الكيان الصهيوني الغاصب، ولكن وللأسف الشديد جاءت الإجابات مخيبة للآمال، مبينة أن حركية الأسرى في سجون الإحتلال وهامش ما يتمتعون به من حرية نسبية ليس نشازا ولا غريبا عن حياتهم السجنية.
لاينكر أحد ما يتعرض له الأسير الفلسطيني في سجون الإحتلال من تعذيب مدمر وقاتل وخاصة في مراحل التحقيق، إلا أن الأسير الفلسطيني يتمتع بما لا يتمتع به السجين السياسي التونسي في سجون النظام التونسي من حق التعلم وحق العبادة وإقامة الشعائر الجماعية و حتى حق الزواج، قد لا تكون الامثلة كثيرة، وقد تكون الحالات نادرة إلا أنها في سجون تونس، وللأسف، تعد من المستحيلات التي لا تتبادر إلى الذهن، وللتدليل على ذلك أورد الأمثلة التالية:
شهادة الدكتوراه في سجون الإحتلال
« …الأسير ناصر عبد الجواد أمضى 12عاما في سجون الاحتلال تمكّن خلالها من الحصول على شهادة الدكتوراه …يقول الدكتور ناصر إن المعاناة وظروف القهر داخل السجون نبهته للبحث في موضوع الأسرى وكيف تتم معاملتهم من وجهة نظر الشريعة الإسلامية…..ويقول إنه في العام 1997 قرأ في إحدى المجلات عن الجامعة الأمريكية المفتوحة تعلن فيه افتتاح قسم للدكتوراه في الدراسات الإسلامية ……لمعت الفكرة في ذهن الأسير عبد الجواد فسارع للالتحاق بذلك القسم : » « ناقشت الفكرة مع أسرتي خلال الزيارة وطلبت منهم الاتصال بالجامعة وعرض الفكرة عليها وبقيت بانتظار الجواب »……مرت الأيام طويلة على الأسير عبد الجواد بانتظار الرد مع زيارة أهله التالية حتى جاء الموعد وتم إبلاغه أن الجامعة وافقت على ذلك فأرسل لهم عن طريق عائلته الوثائق والأوراق وجميع المستندات المطلوبة وتسلم الخطة الدراسية وشروط الالتحاق بقسم الدكتوراه الجديد وهنا يقول عبد الجواد: » كان المطلوب مني إنجاز 35 ساعة معتمدة من ضمنها تقديم 5 أبحاث أولية تمكنت من اجتيازها خلال عام واحد وهي المدة نفسها التي يقضيها الطالب خارج سجنه »…….أعد عبد الجواد الخطة المتكاملة لدراسته وبعثها للمشرف الذي اختارته الجامعة للمناقشة وهو البروفيسور أمير عبد العزيز المحاضر بجامعة النجاح الوطنية والذي وافق بدوره على الخطة بعد موافقة الجامعة لتبدأ مرحلة جمع المعلومات التي استغرقت مع الأسير عبد الجواد 4 سنوات طوال ….ويقول الأسير عبدالجواد : » كانت مرحلة السنوات الأربع مليئة بالصعوبات والعقبات في اتجاهات مختلفة، توفير المصادر والمراجع مشكلة، والاتصال الأكاديمي مشوش بفعل طبيعة السجون، وما يتم إنجازه من عملي يبقى عرضة للدمار والمصادرة بسبب التفتيش المستمر والمتواصل للغرف والزنازين….. بدأ عبد الجواد تبييض ما كتب، واستغرقت مرحلة التبييض معه عاما كاملا….تقدم الأسير عبد الجواد بطلب رسمي لإدارة سجن عسقلان الذي كان يقبع فيه لمناقشة الرسالة والسماح للجنة المناقشة المكونة من الدكتور أمير عبد العزيز مشرفا والدكتور ناصر الدين الشاعر عميد كلية الشريعة في النجاح والدكتور حلمي عبد الهادي المحاضر فيها بدخول السجن وإجراء المناقشة أسوة بفرق الرقابة والامتحانات من الأساتذة الفلسطينيين الذين يزورون السجون في مواعيد امتحان الثانوية العامة كي يؤدي الأسرى امتحاناتهم……لم يفقد عبد الجواد الأمل، وتواصل مع مؤسسات حقوق الإنسان وكان محاميه يتابع الموضوع لكن إدارة مصلحة السجون أصرت على موقفها الرافض للسماح له بالمناقشة فأصبح مصدر إزعاج يؤرقهم بطلبه اليومي المزعج : أريد لجنة الفحص ». لم تجد إدارة عسقلان بدا من التخلص من الأسير عبد الجواد، ليس إلى الحرية طبعا فمازال في حكمه عام ونصف العام، نقلته إلى معتقل مجدو ليجد الظروف مهيأة أكثر من عسقلان لمناقشة رسالته.
عرض عبد الجواد على الجامعة فكرة مناقشة أطروحته من خلال الهاتف النقال فوافقت وتمت المناقشة بعد أسبوع واحد من نقله إلى معتقل مجدو وفي نهاية المناقشة منح درجة الامتياز على أدائه، وكان للنقال أيضاً دور في تسليط وسائل الإعلام عليه داخل السجن كونه أنجز أول رسالة دكتوراه في المعتقلات الصهيونية. »
خطبة الجمعة تلقى في سجون الإحتلال
الشيخ أبو الطير من القيادات الفلسطينية وهو يروي شهادته عن تجربته السجنية يذكر أن مهمته في السجن كانت إلقاء خطبة الجمعة كل أسبوع:
« ……ومن بين عشرات الذكريات والقصص التي مرت بخاطره عن سنوات السجن الطويلة، اختار الشيخ أبو طير أن يستعيد ذكريات لقائه بالشيخ أحمد ياسين، والذي التقاه عام 1984 في سجن نفحة: « كنت في سجن عسقلان وكانت مهمتي إلقاء خطبة الجمعة كل أسبوع، وبعد إحدى الخطب ثار غضب إدارة السجن الصهيونية، وقامت بنقلي بشكل تعسفي إلى سجن « نفحة »، وعندما وصلت إلى هناك كنت الوحيد صاحب التوجه الإسلامي، وفي نهاية العام 1984 أحضروا الشيخ أحمد ياسين إلى نفحة، حيث كان قد حكم 13 عاما ». »
الأسير يتزوج في سجون الإحتلال
الأسير وليد دقة من فلسطين التي احتلت عام 1948 يتزوج داخل سجن الإحتلال الصهيوني، وها هي زوجته سناء تروي قصة زواجهما:
» تعرّفت عليه عام 96، كنت أكتب لصحيفة اسمها الصبّار كانت وما زالت تصدر في يافا، وكانت كتاباتي دائماً تتناول أوضاع الأسرى وشؤونهم، ربما لأن خلفية الأسر ومعناه كانوا متوفرين لديّ لأن والدي كان أسيراً ثلاث مرات لمدة أطولها كانت 4 أعوام مع شقيقه أي عمي وآخرها كان عام 87 حتى عام 88. أيضاً شقيقي اعتقل فترتين قصيرتين جداً عندما كان طفلاً (14 عام – وأذكر أن تهمته الأولى كانت محاولة قتل عملاء، والثانية تمزيق العلم الإسرائيلي) المهم أنني كنت أستقي أخبار الأسرى من الأستاذ عبد الرحيم عراقي الذي كان وقتها رئيساً لجمعية أنصار السجين، وهو بنفسه كان أسيراً حكم عليه بالسجن المؤبد وقضى منه 17 عاماً وحرّر في عملية تبادل الأسرى عام 1985، وأذكر أن عبد الرحيم اقترح عليّ بأن أستقي أخبار الأسرى من الأسرى أنفسهم وأعطاني اسم وليد واسم أسير آخر كي أزورهما.
وفعلاً ذهبت واخترت وليدا وزرته. ما شدني إليه ثقافته الواسعة والطريقة العملية التي يفكر بها ويدير بها شؤونه وشؤون السجن بالتعاون طبعاً مع رفاقه الأسرى. كانت أول زيارة له عبارة عن تعارف وسألته يومها إذا كان بحاجة لأي أمر يمكنني أن أوفره له وعلى الفور قال: « نعم طبعاً أنا بحاجة لكتاب « الحرب والإستراتيجيه » للكاتب الإسرائيلي العسكري « يوشفاط أركابي » أحتاجه في دراستي » وطبعاً وفرت له الكتاب وعدت لزيارته بعدها بشهرين وأنا أحمل الكتاب وخلال الشهرين كان قد أرسل لي مع أهله مقالة طلب أن أنشرها له في صحيفة كل العرب وفعلاً نشرتها وكان موضوعها « رأي حول ترشيح عربي لرئاسة الحكومة ». (بعد زيارتي الأولى لوليد بأعوام قال لي بأنه في تلك الزيارة كان قد عرف وقرّر بأنني الإنسانة التي يريدها أن تشاركه حياته) .
هكذا أسّس وليد لعلاقة مستقبلية بدأت بأمور « عمل »، كما ذكرت، واستمرّت وتطوّرت بعدها بنصف عام تقريباً لتأخذ شكلاً وطابعاً آخر مع إستمرار الشكل الأول، العملي الوظيفي، الذي كنت أقوم به بالتعاون معه ومع أسرى آخرين.
عقد قراننا تم في يوم العاشر من أغسطس ـ آب 1999 وقد قمنا بتقديم طلب لعقد القرآن في السجن مع الطلب في أن يسمحوا لعائلتي المقرّبة وعائلته إضافة لاثنين وعشرين أسيرا ـ من اصدقاء وليد ـ في المشاركة وأيضاً السماح بالتصوير، فيديو وصور عادية، والسماح بسماع موسيقى كأي عقد قرآن عادي. في البداية رفضوا كل طلباتنا لكن نحن خضنا معركة ضدهم وساعدنا الدكتور عزمي بشارة في ذلك. وكان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آنذاك والمسؤول عن السجون « شلومو بن عامي » في بداية عمله، بروفيسور قادم من الجامعه ويدّعي آراءاً متنورة وتقدمية.
كان ذلك قبل أحداث أكتوبر التي استشهد فيها 13 من شبابنا في الداخل. وكان على علاقة طيبة مع عزمي وهذا أدى في أن نحصل على كل ما طلبناه باستثناء السماح لـ 9 أسرى فقط بالمشاركة وليس 22 كما طلب وليد. وفعلاً تم عقد القرآن داخل السجن بحضور الشيخ الذي استغرب الموقف وقال إن هذا أغرب عقد قرآن يجريه في حياته الطويلة. المهم أن عقد القرآن شكل سابقة في تاريخ الحركة الأسيرة كلها وكان الأسرى أنفسهم (كان ذلك في سجن عسقلان) يجرون حفلة مقابلة لحفلتنا في داخل غرفهم. كانت لحظات فرح أبكت الكثير من الأسرى (حسب تهانيهم وكتاباتهم التي أرسلوها لي ولوليد فيما بعد).
كما ذكرت آنفا لا يشك أحد في عنصرية وقمعية ووحشية الكيان الصهيوني وتعديه على كل القوانين والشرائع السماوية والإنسانية، وهو أشد عنصرية ووحشية وتنكيلا وقمعا لكل من رفع راية المقاومة وخاصة منهم الذين يقعون في أسره فيصب عليهم نار حقده ويستعمل معهم كل اساليب القهر للنيل منهم ونيل معلوماتهم.
ولكن كل ذلك لا يمكن أن يحجب عنا أن السجين السياسي التونسي في سجون النظام التونسي أسوء حالا من السجين الفلسطيني في سجون الإحتلال، ففي حين يمارس السجين الفلسطيني حقه السياسي والديني والإجتماعي، يحرم السجين السياسي التونسي من أبسط حقوقه الإنسانية، إذ لم يكتفي النظام التونسي بنفي الصفة السياسية عن المساجين السياسيين، بل يعمل جاهدا على طمس صفتهم الإنسانية.
لقد سبقت العديد من المحاولات لمقارنة وضع الحريات ببلادنا في العهد الراهن مع ما كانت علية إبان الإستعمار المباشر،ومقارنتها بما كانت علية في عهد بورقيبة، ومقارنتها بما يشهده جيراننا من تطور في هذا المجال، وفي كل هذه المقارنات مالت الكفة لغير صالح النطام الحالي،
إننا نتألم حين نضطر إلى إجراء مثل هذه المقارنات
إننا نتألم عندما توصف بلادنا، من جراء سلوك حاكميها، بأبشع الأوصاف.
ولكن الحل لا يكمن في السكوت وطمس الحقائق وإنما بإزالة مبررات هذه الصورة السيئة والرديئة لبلادنا.
إن ضرب الأمثال وإجراء المقارنات والقياسات منهج علمي قرآني غايته جلب الإنتباه ولفت الأنظار و تقريب الأفهام والبرهان والعبرة، ونحن لا نريد غير ذلك، فليس هدفنا التشويه ولا النيل من أي كان، وإنما هي مساهمة في رفع الغشاوة وتحريك الضمائر الحية وزعزعة القلوب والعقول الخاملة، علها تتحرك في اتجاه إصلاح ما أفسدته الخيارات الخاطئة، والدفع ببلادنا في مسار حركة الحرية التي يشهدها العالم، لذلك لا نريد ردا من الببغاوات الحمقاء ولا الغربان السود الناعقة بكل ما هو ممجوج وغير مفيد، وإنما أملنا في رد عملي ممن هم أصحاب القرار الفعليين بإعلان العفو التشريعي العام الكفيل بإنهاء هذه المهزلة التي أثقلت كاهل تونس وأبنائها، الكفيل بإغلاق هذا الملف الذي أصبح يمثل وصمة عار في جبين تونس وكل التونسيين، الكفيل بإنهاء معانات خيرة شباب تونس والكفيل بنشر الفرحة في قلوب الأمهات والآباء والأبناء، حينها فقط تستطيع تونس الإقلاع الحقيقي نحو الحرية والديمقراطية والنماء والإزدهار.
« ولقد تركناها آية فهل من مدّكر »
محمد زريق، كندا
28 جوان 2006
رهانات وطنية في مؤتمر الإتحاد التونسي للصناعة و التجارة
عبد المجيد المسلمي يتواصل بنسق حثيث انعقاد المؤتمرات الجهوية للاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية لتجديد مكاتبها التنفيذية في إطار الإعداد للمؤتمر الوطني للاتحاد الذي سينعقد يومي 21 و 22 نوفمبر القادم. و قد انطلقت هذه المؤتمرات من نابل في 9 ماي ثم المنستير و سيدي بوزيد و قابس…و قد تم في الأسبوع الماضي إنجاز مؤتمرات تطاوين و مدنين و سوسة لتختتم بانعقاد مؤتمر الإتحاد الجهوي بتونس يوم 22 جويلية. و كان تجديد الهياكل القاعدية لاتحاد الصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية قد بدأ منذ مستهل هذه السنة و شمل تجديد ما يقارب 1600 غرفة نقابية و 216 اتحاد محلي. و بعد تجديد الاتحادات الجهوية سيتم ابتداء من شهر سبتمبر تجديد الغرف النقابية الوطنية و عددها 147 و تجديد الجامعات إلى غاية انعقاد المؤتمر الوطني. و خلال المؤتمرات القطاعية و الجهوية التي واكبها عدد كبير من الصناعيين و التجار و الحرفيين و أرباب العمل…أثيرت و بنبرة نقدية و حادة في بعض الأحيان أوضاع المؤسسة التونسية سواء كانت صغرى أو متوسطة أو كبرى، صناعية أو تجارية أو خدماتية… و العراقيل التي تواجهها و تعيقها عن التطور و تحسين أدائها لخلق الثروة الوطنية و إحداث مواطن الشغل و الحال أن الصناعي و الحرفي التونسي المعروف منذ عهود بحرفيته و جودة منتوجه قادر على رفع التحديات و مواجهة المنافسة العالمية إذا توفر المناخ الاقتصادي و الإجتماعي و السياسي الملائم. هذه النبرة النقدية و الإحتجاجية برزت لا فقط لدى القاعدة الشعبية للإتحاد من أصحاب المطاعم و المقاهي و سيارات الأجرة و تجار الجملة و التفصيل و حرفيو الصناعات التقليدية و الحرفيون الصغار و أصحاب الورشات….و إنما أيضا من كبار الصناعيين و أرباب العمل و خاصة في القطاعات التي تشهد أكبر الصعوبات مثل قطاع الملابس و الأحذية و السياحة و الخدمات. و حسب مصادر باتحاد الصناعة و التجارة فإن هاجس الانفتاح الكلي للسوق التونسية على المنتوجات الأوروبية سنة 2008 و أوضاع قطاع النسيج بعد تفكيك الإتفاقية المتعددة الألياف تسيطر على الأشغال التحضيرية لمؤتمر اتحاد الصناعة و التجارة و الحال أن المنتوج التونسي سيكون عرضة لمنافسة عالمية حادة قد يكون غير جاهز بعد لها. و كان اتحاد الصناعة و التجارة قد أصدر مؤخرا على موقعه في الأنترنيت تقريرا حول واقع تمويل المؤسسة في تونس و اعتبره الملاحظون من أجرأ التقارير التي أصدرها الإتحاد . فقد أشار التقرير بأصابع الاتهام إلى غياب الشفافية المالية لدى المؤسسة الصناعية و التجارية في تونس بصورة عامة مشيرا إلى أن للمؤسسة التونسية 3 كشوفات مالية واحد للبنك و أخر لمصالح الأداءات و أخر للمؤسسة و أن جميع الأطراف تعلم ذلك و خاصة البنوك التي تعترف بضعف صدقية تلك الكشوفات و البيانات. من جهة أخرى أشار التقرير أن المؤسسة في تونس بقيت بصورة عامة مؤسسة عائلية سيئة التنظيم و تغيب عنها التوزيع الملائم للأدوار و توزيع النفوذ و السلطة داخلها إضافة إلى تسيير تغيب عنه في غالب الأحيان قواعد الشفافية. كما أن المؤسسة التونسية تتميز بنسبة تأطير ضعيفة – نسبة الإطارات ضمن المؤسسة من مهندسين و مجازين- بالرغم من أهمية هذا المقياس في نجاح المؤسسة علاوة على غياب تقليد اللجوء إلى التقييم الخارجي consultation externe…و قد شدد التقرير على الضرورة الملحة و الحيوية القصوى لتحقيق للشفافية في المؤسسة التونسية بما يمكن من إعطاء صورة صادقة عن أوضاعها المالية و يمكنها من الآليات الكفيلة بالتدخل في الوقت المناسب وجلب مصادر التمويل عند الحاجة حتى تتفادى المؤسسة الإفلاس و ما ينجر عن ذلك من مآسي اقتصادية و اجتماعية. و يمثل تطوير مناخ الاستثمار في بلادنا هاجسا كبيرا لدى رجال الأعمال و أصحاب المؤسسات الصغرى و المتوسطة في بلادنا. و قد أثيرت في العديد من المؤتمرات الجهوية قضايا تتعلق بتطوير البنية الأساسية اللازمة للاستثمار و تطوير المناطق الصناعية و فض مشاكلها العقارية و موضوع التنمية الجهوية حيث لا يزال التفاوت بين الجهات قائما و صارخا مما يعيق فرص الاستثمار في عديد الجهات و مراجعة هامش الربح في عديد القطاعات و علاقة الكلفة بالتسعيرة الحقيقية و مراجعة قوانين الصفقات العمومية و الشفافية في الصفقات و القروض و تحسين أداء الإدارة و دور البنوك في عملية التنمية و قضية الأداءات و الأداء على القيمة المضافة …..كما حضي موضوع التجارة الموازية و الانتصاب الفوضوي و الذي أصبح قطاعا ضخما يشغل عشرات الآلاف باهتمام التجار بصورة خاصة لما يمثله من منافسة غير مشروعة للتجار الذي يدفعون الضرائب و معاليم الكراء مما يقلص من هامش أرباحهم… و الواقع أن مناخ الاستثمار ما فتئ يتردى بفعل غياب الشفافية في العديد من المعاملات و أوضاع القطاع البنكي و المالي و تدخلات أصحاب النفوذ…. مما أدى إلى انحسار الاستثمار الداخلي و الخارجي و هو ما تعترف به السلطة نفسها و التي شكلت لجنة من كبار رجال الأعمال عهد لها بتقصي أسباب هذا الانحسار و اقتراح الحلول و يشاع أنها أعطيت ضوءا أخضر من أجل قول كل الحقيقة عن مناخ الاستثمار في تونس و عن معوقاته. و كان صندوق النقدي الدولي في تقريره عن تونس و الصادر في شهر فيفري 2006 عل إثر المهمة التي أداها إلى بلادنا وفد من الصندوق في شهر ديسمبر 2005 طالب بتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية في بلادنا من أجل رفع نسبة النمو بنسبة 1 إلى 1 و نصف سنويا إلى حدود سنة 2010 كشرط أساسي لامتصاص الطلب المتزايد على سوق الشغل . و قد دعا التقرير بصورة خاصة إلى تطوير مناخ الاستثمار باعتباره عاملا حاسما لتطوير مستوى و نوعية الاستثمارات عبر مراجعة منظومة الأداءات و تبسيط الإجراءات الإدارية…..كما أكد تقرير صندوق النقد الدولي على ضرورة إدخال إصلاحات على النظام البنكي و المصرفي متهما خاصة الديون المشكوك في استرجاعها و القروض الغير مجدية بعرقلة النمو و الاستثمار في بلادنا. كما دعا التقرير إلى ضرورة التصرف الرشيد و دعم ثقافة القرض و تحسين الإطار التشريعي لتسديد القروض. إلا أن تطوير و تحسين مناخ الاستثمار لا يتطلب فقط توفير شروط فنية بل يتطلب بالأساس إحلال الديمقراطية و هو ما اهتدت له البلدان التي أرست تقدمها الاقتصادي و الإجتماعي على قاعدة الديمقراطية السياسية. فالإصلاح السياسي الذي يعتبره اليوم الحزب الديمقراطي التقدمي و العديد من القوى الوطنية المهمة الوطنية الأولى بامتياز ليس هدفا في حد ذاته و إنما وسيلة حتى تتمكن كل القوى الحية في البلاد من عمال و موظفين و تجار و رجال أعمال و صناعيين و فلاحين…من التعبير الحر عن تطلعاتهم و طموحاتهم المشروعة و التحاور و التداول مع سائر الأطراف الاجتماعيين حولها. ذلك أن سيطرة بيروقراطية الدولة على كل هياكل القرار السياسي و الاقتصادي من برلمان و مجالس و إعلام و سلطة تنفيذية… تكبح و تعيق و تقمع مطالب و تطلعات كل الفئات بدون استثناء و لو بدرجات متفاوتة… فحرية الإعلام و حرية الأحزاب و الجمعيات و استقلالية المنظمات المهنية و استقلال القضاء و حياد الإدارة و عدم خضوعها للحزب الحاكم و استقلالها عنه و خضوع كل السلطات إلى الانتخاب الحر و المباشر و الديمقراطي….شروط أساسية لتطوير مناخ الاستثمار و دفع المبادرة الخاصة و إذكاء التنافس الشريف و تطبيق القانون على الجميع و تحقيق العدالة الجبائية و تكافئ الفرص….. فكما كان طرد الاستعمار و تحقيق الاستقلال الوطني شرطا أساسيا للتنمية فإن تحقيق الديمقراطية اليوم هو الشرط الأساسي لانطلاق التنمية من جديد. (المصدر: موقع pdpinfo.org بتاريخ 28 جوان 2006)
حصاد الإصلاحات التربوية…تدهور مستوى التعليم
محمد القوماني أُخضع نظام التربية والتعليم بتونس إلى اصطلاحات متعاقبة ومكثفة، خاصة خلال العقدين الأخيرين. وإذا كان بديهيا أن يستهدف كل إصلاح التطوير والتحسين في مجالات عديدة، لعل أهمها رفع نسب الارتقاء المدرسي وتحسين مستوى المتعلمين والمتخرجين منهم خصوصا ، فإن المفارقة تبدو مفزعة إذا قلنا أن من نتائج تلك الإصلاحات كما سنبيّن، تردي مستوى التكوين والفشل في محاصرة ظاهرتي الرسوب والانقطاع المدرسيين. فالمدّرسون في مختلف مستويات التعليم عموما يجمعون على حالة التراجع في مستوى التكوين، ويعاضدهم في ذلك أعضاء لجان الانتداب بالمؤسسات العمومية والخاصة وكثير من الأولياء. وإحصاءات وزارة التربية و التكوين خلال السنة الدراسية المنقضية 2004/2005 تشير إلى أن المؤسسات التربوية بالتعليم الابتدائي والثانوي قذفت 147 ألف و365 تلميذا من المنقطعين خارج أسوارها وسجلت 268 ألف و155 تلميذا من الراسبين. وهذه المؤشرات حريّة بالتوقّف عندها ونحن نودع سنة دراسية جديدة هذه الأيام. نقدّر بداية أن مشاكل التربية والتعليم متعددة ومتشابكة وأن جوانب عديدة منها لا يقتصر علاجها على المؤسسة التربوية. لأن أسبابها تعود إلى عوامل موضوعية في المجتمع وفي الظرفية التاريخية التي تمر بها مؤسسات التعليم التقليدية في العالم. كما نقدر أن بلادنا حققت خطوات ايجابية هامة في مستوى التعليم خلال فترة الاستقلال، يحق لها أن تفاخر بها ، ولعلّ ذلك أحد البواعث الرئيسية على الانشغال بهذا المجال الحيوي. ونقصر الحديث هنا على التعليم الأساسي و الثانوي وعلى مسألتي تردّي مستوى التلاميذ ونسب الرسوب والانقطاع، مستندين في ذلك أساسا إلى الخبرة الميدانية والمتابعة وإلى الإحصاءات الرسمية. ينص الفصل التاسع من القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي الذي يعود وضعه إلى جويلية 2002 على ما يلي: » تعمل المدرسة ، في إطار وظيفتها التعليمية على ضمان تعليم جيد للجميع يتيح اكتساب ثقافة عامة ومعارف نظرية وعملية ويمّكن من تنمية مواهب المتعلمين وتطوير قدراتهم على التعلم الذاتي والانخراط في مجتمع المعرفة. والمدرسة مدعوة بالخصوص إلى تمكين المتعلمين من إتقان اللغة العربية، بصفتها اللغة الوطنية وتمكين المتعلمين من حذق لغتين أجنبيتين على الأقل ». فأين مدارسنا من تحقيق هذا الهدف يا ترى ؟ صحيح أن أغلب المدارس أو المعاهد الثانوية تضم اليوم عددا محدودا جدا من التلاميذ الممتازين في مختلف المواد، لكن صحيح أيضا إن عموم التلاميذ أقرب إلى المستوى الضعيف بل الهزيل خاصة في امتلاك اللغة العربية فضلا عن اللغات الأجنبية. وأن قراءة النتائج الثلاثية أو السنوية لأقسام غالبية المدارس والمعاهد العمومية لتؤكد هذا الاستنتاج ، إذا استثنينا المدارس الخاصة والمعاهد النموذجية التي عمقت بدورها الانتقائية في التعليم ونالت من ديمقراطيته وزادت في ضعف مستوى المدارس والمعاهد العادية . وإن نسب النجاح المرتفعة نسبيا خلال السنوات الأخيرة والتي حققت 92،4 بالمائة بالمرحلة الأولى من التعليم الأساسي و 70،4 بالمائة بالمرحلة الثانية و 69،3 بالمائة بالمرحلة الثانوية خلال السنة الدراسية الماضية ، لن تغير من حقيقة الاستنتاج السابق حول مستوى المتعلمين. فنسب النجاح باتت محكومة على ما يبدو بقرارات سياسية واستجابة لتعليمات مؤسسات دولية و تحقيقا لأغراض دعائية. و ليست طرق وضع الامتحانات ومقاييس الإصلاح و توجيهات المتفقدين والمسؤولين وقرارات مجالس الأقسام سوى آليات لتحقيق هذا التوجه. ويكفي النظر في المنشور الوزاري الأخير المتعلق بكيفية التدرج من مرحلة إلى أخرى في المرحلة ألأولى من التعليم الأساسي وضبط حالات الرسوب والإسعاف بالرسوب أو الارتقاء والذي » يعتبر الرسوب من قبيل الإجراءات الاستثنائية في ضوء تطبيق بيداغوجيا النجاح » يكفي ذلك للتأكد من حقيقة نسب النجاح المسجلة. كما تكفي المقارنة بين معدلات التلاميذ المتوسطين المسجلة في نهاية العام الدراسي ونتائجهم الهزيلة المسجلة في مناظرة ختم التعليم الأساسي (التاسعة) للجزم بالاستنتاج سالف الذكر. ولا خلاف بين المدرسين على أن النجاح شبه الآلي في المرحلة الابتدائية وحذف مناظرة ختم التعليم الابتدائي( السيزيام) والإلغاء غير المعلن لمناظرة ختم التعليم الأساسي واحتساب نسبة 25 بالمائة من المعدل السنوي في الباكالوريا ، كلها إجراءات وزارية لم تتم فيها استشارة المدرسين وإليها يعود جانب مهم من تردي مستوى المتعلمين . فالتلميذ الذي يعاني من ضعف أساسي في اللغات و الرياضيات لا يزيده التقدم في سنوات الدراسة الا ضعفا وعجزا، مما يجعل عددا هاما من الوافدين على المدارس الإعدادية أو المعاهد الثانوية غير مؤهلين أصلا لمتابعة البرامج المقررة، وهو ما يخلق صعوبات جمة للمدرسين دون التوصل إلى حلول، و يدفع بأغلبية هؤلاء التلاميذ إلى اللامبالاة، فاليأس، فالعبث داخل المؤسسات التربوية ، وربما يصبحون جزءا من مكونات الجريمة المنظمة خارج المدرسة و يكونون أكثر قابلية للانحراف. ولا شك أن تراجع مستوى التكوين قد أثر بدوره على تراجع مستوى الخريجين والمنتدبين للتعليم، وتراجع مستوى أداء عموم المدرسين، بما يضاعف من عوامل الضعف ولا يساعد على الارتقاء بالمستوى . ولا شك أيضا أن تراجع المستوى في صفوف المنقطعين أو من يواصلون المشوار الدراسي أو المتخرجين من أصحاب الشهادات العليا ، سيتضرر منه المجتمع في المستويات المختلفة ، بما في ذلك أداء القطاعات الحيوية في الاقتصاد و الإدارة و الخدمات. الأمر الذي يجعل من قضية مستوى التكوين مسألة وطنية على غاية من الأهمية تحتاج إلى مراجعات و تفاصيل و استنتاجات لا يتسع لها هذا المجال . و إضافة إلى مسألة تراجع المستوى، تبدو الأرقام بخصوص ظاهرتي الانقطاع والرسوب المدرسيين باعثة على الانشغال أيضا. فخلال العام الدراسي المنقضي سجّل انقطاع 20 ألف و116 تلميذا بنسبة 1،7 بالمائة في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي، و62 ألف و820 تلميذا في المرحلة الثانية بنسبة 10،9 بالمائة ،علما أنّ القانون ينص على إجبارية التعليم حتى سن السادسة عشر. أما المنقطعون بالتعليم الثانوي فبلغوا 64 ألف و420 تلميذا بنسبة 12،7 بالمائة . و بلغ الراسبون بالابتدائي 68 ألف و592 تلميذا بنسبة 5،9 بالمائة، و بالمرحلة الاعداداية 107 آلاف و899 تلميذا بنسبة 18،7 بالمائة، و بالمرحلة الثانوية 91 الف و 624 تلميذا بنسبة 18 بالمائة. وهذه النسب التي لا يستهان بها في بلد يراهن على التربية والتعليم، تزداد دلالتها خطورة إذا ربطناها بما سبق بيانه بخصوص مقاييس النجاح و نسبه و تراجع التكوين. ترى إذن ما جدوى تغيير الطرق البيداغوجية و صرف الأموال الطائلة على عمليات الإصلاح المتكررة وإحداث حالة من اللخبطة التي يشتكي منها المدرسون بسبب كثرة التعديلات المتلاحقة؟ ما جدوى كل ذلك إذا كانت النتائج عكسية أو غير مطمئنة على الأقل ؟ ومتى يكون مستقبل المؤسسة التربوية و التعليم ببلادنا محل حوار وطني يحظى بالمصداقية والمشاركة الواسعة لمن يهمهم الأمر لضمان غد أفضل لأجيالنا و لبلادنا ؟ ( المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 365 الصادر يوم الجمعة 23 جوان 2006)
إربأ بنفسك عن هذا يا سيد صحابو
بقلم الهادي بريك أساء السيد صحابو لصديقه العجمي الوريمي من حيث يوهم نفسه أنه يحسن إليه . وذلك لما إدعى له أنه مغرر به إذ زج به في معركة بين طرفين في تونس وقبل ذلك بقليل كان يوحي لنا السيد صحابو بأن الرجل ـ صديقه هيثم ـ حكيم ذكي … لاشك أن السيد صحابو يتوفر على رسالة أخرى لطرف آخر ولكن لم يجد لها بدا من زرعها هنا فكانت بدون مناسبة أصلا ولو إكتفى بتذكيرنا بالسجين هيثم ومن معه فرج الله كربهم أجمعين ثم تناول موضوع التغرير والزج في مكان آخر لكان أولى به وبنا لو زج بي أنا أو غرر يا سيد صحابو لفرط أميتي لكان الامر مفهوما رغم عدم القبول به ولكن كيف يزج برجل في مثل وزن العجمي شاب مثقف خريج أعرق الجامعات العربية كرع من مناهل الفلسفة والحكمة حتى إشتد ساعده وإستد رأيه وبعد ذلك وقبله هو مناضل لعقود طويلة ضمن حركة معروفة وضمن جامعة معروفة ومناخ معروف ؟ لو غرر بي أو بأمثالي من الاميين لكان الامر عجبا فكيف يكون إذ غرر بمن يفوقني ـ وربما يفوقك أنت بالذات يا سيد صحابو ـ حكمة وخبرة فنحن أسن ولكنه أكبر ؟ كيف إستطاعت هذه الالة الحزبية الجهنمية خطف رجل في ريعان شبابه وعنفوان عطائه من أحضان أهله وشواطئ سوسه الجميلة ومغالبات الجامعة المغرية لتودعه السجن المؤبد وكان قبل قليل جدا لا يعبأ بأحضان الغانيات وهو الجميل الوسيم ذو العينين الزرقاوين الخضراوين والقد الممشوق والبسمة الساحرة كأنما خلق كما يشاء ؟ إذا كان ذلك كذلك فلا بد أن من غرر به وزج به في السجن ساحر ماهر أو خادع شاطر . ترى هل غرر بهيثم وزج به لوحده أم ذاك هو مصير آلاف مؤلفة من سجناء الرأي في بداية التسعينيات مازالت مئات منهم تقبع في ذات القبو المظلم الذي يقبع فيه الشاب المغرر به ؟ أكيد أن ذلك الساحر الاشر قد غرر بهم جميعا فليس منهم طبيب واحد ولا محام واحد ولا أستاذ واحد ولا طالب واحد ولا مثقف واحد . كلهم أميون التغرير بهم أيسر من شربة ماء بارد في يوم قائظ زمهرير . إذا كان قد غرر بهيثم ومن معه فكيف يمكثون عقدا ونصفا كاملا غير منقوص دون إسداء بسمة لسجان بمناسبة فسحة الصباح القصيرة يحملها إلى رئيسه وهذا إلى ولي نعمته فيدرك أن السجين قد تاب وخلصت توبته ونصحت أوبته فيعفو عنه ؟ لا شك أن هيثم ومن معه لم يدركوا الحقيقة المرة إلى يوم الناس هذا . أكيد أنهم ينتظرون حلا سحريا من ذلك الساحر المارد الذي أوهمهم بالسعادة وغرر بهم وزج بهم في غياهب السجون. لابد أنهم مقطوعون عن العالم الخارجي بالكلية فأنى لثورة الانترنت الهادرة أن تصل إليهم . ربما سمعوا أصواتا تلهج بذكر بن علي أو أيد تصفق لمهرجانه فظنوا أن الجامعة التونسية ثائرة من أجلهم أو أن السيد صحابو الذي خلفوه وراءهم نحريرا إعلاميا لا يشق له غبار ملأ الارض تحت أقدام الطغاة عاصفة إحتجاجية . إذا كنت يا سيد صحابو صادقا في قولك عن صديقك هيثم فإنك قد أسأت إليه من حيث تظن أنك محسن وإذا كنت غير ذلك فإتق الله سبحانه وأعلم أنك محاسب على كل حرف يخطه حاسوبك أما إذا كانت لك حسابات أخرى مع طرف آخر أو شخص آخر فلا تثريب عليك أن تهجم عليه بمقالاتك وأقلامك وجندك وخيلك ورجلك وجمهور القراء يحكم لك أو عليك أو لك وعليك في الان ذاته ذكرتنا بصديقنا هيثم وبمعاناته فحمدنا لك ذلك وذكرته بما فيه من خصال حميدة وبما حباه الرحمان بوسامة وجمال وكمال كأنه من طينة يوسف عليه ا لسلام ففعلنا ذات الحمد ثم فاجأتنا بأن الرجل مغرر به زج به في متاهة لا ناقة له فيها ولاجمل فخاصمناك خصومة شديدة وحجتنا في ذلك أن ذلك بخس للرجل من حيث تريد الاحسان إليه وأنت لبيب أريب حصيف تعرف من يسيء إلى صديقه من حيث يريد الاحسان إليه . هل تعرف من يفعل ذلك يا صديقي ؟ حاشاك على كل حال فأنت مخطئ زلت به قدم القلم وحننت إلى تونس كما يحن كل مغترب . خاصمناك وسنخاصمك على قولك ذاك يا صديقي وتلك حجتنا أثبتناها أعلاه فهلا أفدتنا بالسر الذي جعلك تكتشف اليوم أن هيثم مغرر به ومزجوج به في غياهب السجن كالطفل الابكم والسفيه الاكمه وقع بين رحى ذلك الساحر الماهر الشاطر الباهر وبين طاحونة الاستبداد في تونس . أليس جديرا بي وبك وبكل تونسي يا سيد صحابو بأن نزف رسالتك هذه إلى كل سجين وهم بالمئات غرر بهم في معركة ظنوا أن نهايتها قريبة بل ومبشرة واعدة ؟ أليس جديرا بي وبك وبكل تونسي يا سيد صحابو أن نعلم هيثم بأن القضية التي من أجلها زج به في السجن ماتت ومات أهلها وقضى أحفادهم كمدا فلا الكهف الذي آواهم وقع إكتشافه ولا كلبهم الرابض بالوصيد نبح ليلفت إنتباه المارة ولا السبات العميق الذي حاق بهم قطعه حلم مزعج . حرام علي وعليك وعلى كل تونسي يا سيد صحابو أن ندع المسكين الامي المغرربه هيثم تأكله فئران القبو المظلم وهو يأمل كما يأمل كل حي أن تكون له رفيقة وعشيرة أعرض عنها في الحرام كما شهدت له أنت بنفسك بذلك على مدى عقود . أملي يا سيد صحابو أن يجمعك » المكتوب » مع صديقك هيثم في السنوات القليلة القادمة على أرض تونس فتسلمه مقالك هذا بعينه لحما ودما بعد حرارة السلام عليه لعله لم يعد حييا كما عهدته في مكتبك من قبل . حياؤه ذاك يا صديقي في مكتبك أمر لن تفقه سره ولن تكنه أمره حتى تنخرط في المعركة التي إنخرط فيها صديقك بقلبك وعقلك معا . حياؤه ذاك يا صديق هيثم هو الذي جعله فارسا مغوارا لا يشق له غبار في قيافة التفكير وقيادة الناس والصبر على لأواء الطريق مهما إدلهمت خطوبه . اللهم إجعلني من المغرر بهم على درب الحريات الطويل ولا تجعلني من المغرر بهم لظنهم أن درب الحريات الطويل قصير ممهد معبد لا يتجاوز عاما وعامين وخمسا وعشرا سجنا . إرحمني اللهم في غرري ذاك لاني أمي بالقياس إلى عبدك هيثم ومن معه . اللهم عليك بعبدك صحابو إجعله ممن يقول خيرا ويصيب الحكمة وفصل الخطاب . والسلام الهادي بريك ــ ألمانيا (المصدر: موقع نـواة بتاريخ 28 جوان 2006)
هل ينحو حزب الوحدة الشعبية نحو » المؤتمر السـابع الخـارق للعـادة «
الاستـاذ فيصل الزمنى : شرع حزب الوحدة الشعبية هـذه الايـام فى اعـادة انجـاز مؤتمرات الجـامعـات و اعـادة هيكلـة الحزب من بعد » المؤتمر » الذى انعقد بمدينة نـابل أيام 10 و 11 و 12 مـارس 2006 و طبيعي أن يتسـاءل المتـابعون و المنـاضلون عن سبب اعـادة هيكلة الحزب بعد انجـازالمؤتمر و معلوم أن النظم الداخلية المنظمة لحزب الوحدة الشعبية مثلهـا كمثل غـالبية التراتيب المنظمة لحياة الاحزاب السياسية بالبلاد تعتبر أن اعداد المؤتمر ينطلق من هيكلة الحزب. فأي حزب سياسي يروم عقد مؤتمره , يشرع فى توزيع بطـاقات انخراط جديدة و يحصر عدد منـاضليه و ينظم خلاياه و فروعه و جامعـاته ثم يعقد مؤتمرات الجامعات لكي يتم انتخـاب الكتاب العـامين و و بـاقى مسؤولي الجـامعات بالجهـات كمـا يقح انتخـاب المؤتمرين على أسـاس تلك الهيكلة التى تصبح قـاعدة نضـالية و حزبية و قـانونية لافراز المؤتمـــــرين و انجـاز المؤتمر . الا أنه يلاحظ أنه و من بعد أن تمت مؤتمرات الجـامعـات و منها مؤتمر جـامعة نـابل الذى انعقد طبقـا للنظـام الداخلي للحزب و تم استدعـاء الجميع لـه و قد تم ذلك بشكل ترك أثرا مكتوبا اذ اعتمدت الجـامعة طريقة الرسـائل مضمـــــونة الوصول مع الاشعـار بالبلوغ , و من بعد أن اختـارت الجـامعـات مؤتمريهـا و تم انجـاز المؤتمر فان حزب الوحــــدة الشعبيــــة اختـار أن يعيد من جــــديد هيكلة الحزب و انتخـاب أعضـاء الجـامعـات و اعـأدة صعود السلم من جدسيد و كأن شيئـا لم يكن….. فمـا هي دلالة ذلك يـا ترى ؟ ومـا هو سبب ذلك ؟ لفهم هـذه المعظلة فانه لا بد من الرجوع الـى الوثيقة التـاريخية التى توجهت بهـا مجموعة نـابل الـى السيـد الامين العـام ابـان انجـاز » المجلس المركزى » الاول من بعد المؤتمر و ذلك لغـايـــــة انتخـــــاب » المكتب السيـاسي » و لقد تعرضت هـذه الوثيقة فى اسهـاب الـى الظروف الكـارثيـة التى انعقد فيهـا المؤتمر و تعمد المنظمين اقصـاء منـاضلي مدينة نـابل بتغييب أسمـاء مؤتمريهم عن قوائم المشــــــاركين و تعمد انشـاء نواة دفـاع عن المؤتمر سميت » لجنة حمـــــاية » رأى فيهـا منـاضلو نـابل » نواة لتكوين مليشيـا حزبية » كمـا عددت الوثيقة تجـاوزات أخرى منهـا غيـاب التقرير المـالي فى شكل يمكن الاطـلاع من خلاله على نفقات الحزب كمـا تعرضت الوثيقة الـى الحضور البشرى الكبير الذى تم أثنـاء المؤتمر… و قد جـاء ذلك فى وقت سعى فيه مناضــــلو نـابل و اتصلـــــوا بالحـاضرين و عرفوا منهم بالتدقيق من أين جـاؤوا … و من جـاء بهم …. و كيف تم الاتفـاق معهم … علمـا و أن جل الحـاضرين لم يخفوا ذلك بل أنهم أجابوا بكـامل التلقـائية …الخ … الخ… و هو مـا حدى بجـامعة نـابل الـى الاعـلان عن الجوء الـى لجنـــة من أجل تقصــــى الحقـائق …. بعد أن خيروا تسمية مـا تم بتسمية » تجمع بشري » و ليس بمؤتمر…. ثم تعرضت الوثيقة الـى الاخــــــلالات الجوهريــــة التى شـابت تنظيم الترشحـــــات لهياكل الحـــــزب و الاقصـاءات المتعمدة لمجموعة نـابل … و هو مـا جعل المجموعة تنسحب من الترشح لتترك الهيـاكل لمن دفع النفس و النفيس ….. لنيلهـا …. معتبرة رسميـا و على لسـان كـاتب عـام جـأمعة نـابل » أن المؤتمر بـاطل » و أن جميع أعمـاله لاغية لا بهـا يعمل و لا عليهـا يعول و قد صرح بذلك الاستاذ محمد نجيب الزمنى خلال الجلسة النهـائية لمـا سمي مؤتمرا …. قبل أن تختم الوثيقة بدعوة الامين العـام الـى اعـادة تنـاول هـذه الاحداث بروية و جدية حتى لا تذهب الرياح بالحزب الذى هو فى النهـاية مكسبا وطنيـا, مع التأكيـــــد على ضـرورة أن يقوم الحزب بهيكلة نفسه بجدية و باحترام منـاضليه و ألا يكون تحت وصـاية الحزب الحـاكم مهمـا كـان مبرر ذلك من أجل أن يلعب دوره المطلوب منه بشكل جدى . ان قيـام حزب الوحدة الشعبية باعـادة توزيع الاوراق من جديد بعد انجـاز المؤتمر فى وقت من المفروض أن يكون فيه » المجلس المركزى » للحزب هو أعلى سلطة بالنسبة للفترة الممتدة بين المؤتمرين يعنى أن الحزب قد رجع فى البنـاء الذى أقـام على أسـاسه المؤتمر و جميع الهيـاكل المنبثقة عنه و التى كـانت مرشحة كلهـا لكي تبقى فى الفترة التى تمتد بين المؤتمرين الـى سنة 2011 . و تتجه الاشـارة الـى أن النظـام الداخلي المنقح للحزب يؤكد على أنه يجوز الغـاء عضوية الجالسين بالمكتب السياسي فى كل وقت و بدون سـابق اعـلآم و هو مـا أفرغ المكتب السياسي من كل حضور جدى و أرجع السلطة الحزبية للمجلس المركزى . ثم هـا هو المجلس المركزى بدوره يسحب البسـاط من تحت قدميه باعـادة هيكلة الجـامعـات التى يريدهـا السيد الامين العـام على طريقته و هو مـا سوف يفرغ » المجلس المركزى » من سلطته …. و يتجه السؤال هنـا .. هل أنه سوف يتم فى المستقبل سحب البساط كذلك من تحت أرجل الجـامعـات باعـادة هيكلة الخلايــا ….؟؟؟؟؟ ان القراء الموضوعية للوضع الحـالي تحيلنـا لا محـالة على مشروع واضح المعـالم يهدف الـى السيطرة الانفرادية على الحزب من لـدن السيد الامين العـام و ذلك بالغـاء كل نفس مخـالف فالمؤتمر قضى على المكتب السياسي ثم تأتى الهيكلة الجديدة لتقضى على » المجلس المركزى » و لا ندرى مـا تراه أن يحصل فى المستقبل . لكن الشيئ الذى تنـاساه المخططون للسيطرة الكلية على الحزب من أجل اعداده لمشروع قـادم هم أدرى بـه … هو أن الغـاء الاسـاس الذى قـام عليه المؤتمر يذهب بالمؤتمر جملة و تفصيلا .. و أن الانخراطـات منحت على أسـاس المؤتمر السـابع و أن الجـامعـات قد تكونت و ثبتت على أسـاس المؤتمر السـابع … و أن الاسـاس الانتخـابي للمؤتمرين و » المجلس المركزى » قد جـاء نتيجة هيكلة واردة بموجب المؤتمر السـابع … ولذل فان الرجوع فى الاسس التى قـام عليهـا المؤتمر السـابع يترتب عنه الرجوع فى جميع المؤتمر من : ـ اللوائح الصـادرة عن المؤتمــر ـ المقــررات الصـادرة عن المؤتمـر . ـ جميع الهيـاكل المنتخبة بمنـاسبة عقد المؤتمر بمـا فى ذلك الامانة العـامة . و لذلك فان المنطق القـانونى و النضـالي و السيـاسي يعتبر أن مجرد الشروع فى اعـادة هيكلة الحزب من بعد المؤتمر يعد نسفـا للقـاعدة التى قـام عليهـا المؤتمر و بذلك الغـاءا للمؤتمر و هو مـا ينجر عنه بقـاء الحزب بدون قيادات و بدون أمين عـام كمـا ينجر عنه رجوع كل من تم فصله و طرده من الحزب و عليه فان المجموعة التى كونت المكتب السياسي الموازى تكون قد رجعت الـىالحزب و يحق اعتبـارهـا منضوية تحت لوائه و منهـا بالخصوص النـائبة المحترمة السيدة خديجة المبزعية الى كـانت ترشحت للامـانة العــامة . من أجل كل ذلك فان الحزب يعود الان الى الحـالة التى كـان عليهـا قبل عقد المؤتمر السـابع و هو مـا يمهد الـى الدعوة الـى عقد المؤتمر السـابع الخـارق للعـادة أو الاستثنـائي طـالمـا أن الحـالة الموضوعية متوفرة و نحن نتوجه بالدعوة الـى كل المنـاضلين المتخلين و المطرودين بغير حق الـى الالتفـاف بحزبهم و المحـافظة عليه كمكسب وطنى قبل كل شيئ ….. من أجل انجـاز المؤتمر السـابع الخـارق للعـادة خـاصة و أن المسيرين الحـاليين للحزب هم بصدد الاعـداد الموضوعى لذلك عبر اعـادة هيكلة الحزب .فلنشـارك فى هـذه الهيكلة الجديدة و نعتبرهـا كمـا هي واقعا و قـانونـا تهدف الـى انجـاز : » الســابع الخـارق للعــادة » و ليكن شعـارنـا فى ذلك » معـا من أجل معـارضة وطنية حرة و مسؤولـة «
همسة إلى بسيس.
كتبها عبدالحميد العدّاسي
وأنا أقرأ مقالك، » الجندي المخطوف والهاتف المسلوب » المنشور على صفحات تونس نيوز الغرّاء، نقلا عن جريدة الصباح بتاريخ 28 يونيو 2006، خطر ببالي أن أشكرك على ما جاء فيه، سيّما وقد رأيتك تغادر، بجرأة، مواقع التردّي التي قد تكون الحاجة ألجأتك إليها. وقد رأيت في قلمك استقامة ولحديثك منطقا صوابا ولفكرك وضوحا ولفكرتك انسجاما مع بقيّة الأفكار التي يتناولها الرّجال.
وإنّي لو شكرتك لما تعارض ذلك مع ما وجّهته لك سابقا من انتقادات وصلت حدّ وصفي لكتاباتك بالنّفاق والتدليس، وهي السمة التي يشاركك فيها أناس ناصبوا المروءة الكثير من العداء، من أمثال الملّولي والصغيّر وغيرهما كثير… فالذمّ كان للتصرّف والشكر لو حصل يكون للتصرّف أيضا…
غير أنّ خاتمة المقال نبّهتني إلى عدم ارتقائك بعد إلى مستوى الشكر، فلعلّه لم يحرّكك الوضع في غزّة وردود الأفعال المنافقة والظالمة فِعلا، بقدر ما حرّكك الحديث عن الهاتف المسلوب، إذ إغفال الحديث عنه قد يسلبك الكثير من الحظوة عند من سلبوا النّاس أرزاقهم وأخلاقهم وتديّنهم وكرامتهم، بل وإنسانيتهم وحتّى حيوانيتهم، حتّى صار هذا يقتل زوجه ويجعل على مدخل كلّ مدينة جزءا منها، ثمّ يثنّي بأبيه دفاعا منه عن » الشرف والعرض » وأتماما لمشوار بدأه، وذاك يذبح أمّه ثمّ ينصرف إلى الشاطئ المحتفل بمقدم الضيوف العراة، دون خوف من ربّ خلقه أو حاكم كان عليه أن يسهر على أمن النّاس.
ثمّ، أليس لدى حكّامنا الكثير من تصرّف بني صهيون؟… أتظنّ أنّ الصهاينة قد تحرّكوا بهذا الشكل لأنّ الجندي قد اختطف، أم لأنّ » حماسا » قد وجدت – بأيّ شكل – على الساحة؟! أفلا ترى أنّهم يشتركون مع الحكّام العرب في هبّتهم لمقاومة كلّ ما له علاقة بالإسلامي، متفتّحا كان أم » ظلاميا « ؟!
والمنافقون المهلّلون لضرب أحرار فلسطين، ألا تراهم يقومون بذات الدور – مع اختلاف الأسماء طبعا – في مناصرة الظالم الغاشم، كأصحاب التغيير عندنا مثلا، على حساب الضعفاء المطالبين، شأنهم شأن أهل فلسطين وأطفالها، ببعض الحرّيات التي تمكّنهم من العيش العزيز الكريم؟! بل ألا ترى بشاعة تصرّفات حكّامنا والمنافقين عندنا أكبر من البشاعة الصيونية؟! فلئن اشتركوا في تجييش الجيوش وأكثار القتل والهدم والترويع فقد اختلفوا – ظاهرا على الأقلّ – في السبب: فصهيوني فلسطين المحتلّة يبحث عن جندي مخطوف، وأمّا أترابه عندنا فيبحثون عن سجين فارّ أو موقوف!…(*). والمنافقون من حول فلسطين يَذْبَحُونَ بتواطئهم أجانب ليسوا من صنفهم ولا من دينهم. وأمّا المنافقون في ديارنا فيُذبِّحُونَ أناسا من أهلهم، أبناء جلدتهم، رغم أنّ الإسلام قد جمع بينهم. (**).
أحسب أنّه يمكنك اجتناب الخواتيم السيّئة لأنّ الأعمال بخواتيمها وإنّي لأرجو لك صادقا أن تحسن الخاتمة فتحوز بذلك على شكر النّاس. ولا تستهن بذلك فهو ( أي شكر النّاس ) كناية على إمكانية رضاء الله…فهل ترغب في إرضاء الله؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): استعمال » سجين » هنا ترمز إلى أنّنا جميعا في تونس بتنا سجناء، وقد تكرّر أن تأتي جحافل ما يسمّونهم بالأمن والقوّات الخاصّة للبحث عن ابن أو زوج أو أب، كثيرا ما يكون لديهم بالزنزانة، وإنّما يقومون بفعلهم ذلك، مبالغة في التنكيل بالنّاس وإدخال الإحساس باللاّأمن إلى جانب ما يطرأ على العائلة من بلبلة حول مصير فقيدهم.
(**): لا غرابة أن يكون في أرض الإسلام منافقون، وقد صاحبوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المدينة.
أسـرُ الجندي وحبس الصهيونيّة
نصر الدين بن حديد nasrbenhadid@yahoo.fr قبل دقائق من عمليّة «الوهم المتبدّد» التي استطاعت من خلالها المقاومة الفلسطينيّة الباسلة قتل وجرح العديد من الجنود الصهاينة وأسر «جلعاد شليت»، كان الجدل بين الأطراف الفلسطينيّة بخصوص ما يسمّى «وثيقة الأسرى» يمثّل مركز الثقل بل لبّ المسألة وأصلها، حين راح رئيس الوزراء الصهيوني يجوب الأفاق مسوّقا ما يسمّى «مشروع الفصل الأحادي» تحت تعلّة أنّ الفلسطينيين منشغلين بالاقتتال الداخلي وليس فيهم من يملك الإرادة أو القدرة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لينتقل «ثقل المعادلة» بفعل هذه العمليّة من تقابل داخل البيت الفلسطيني إلى مواجهة مع العدوّ الصهيوني الغاصب، أدّت إلى تسريع أغلبيّة الفصائل بتعديل «الوثيقة» وإزالة الشوائب ونقط الخلاف منها… العمليّة النوعيّة التي أدّتها المقاومة الفلسطينيّة كسرت منذ الطلقة الأولى مقولة أنّ الكيان الصهيوني يملك من التفوّق العسكري ما يجعله ليس فقط يملك القدرة على ردع العرب سواء دولا متفرّقة أو حصلت معجزة وتوحّدوا، بل قادر على إملاء الشروط وتحصيل المكاسب السياسيّة منها والعسكريّة، متجاوزًا أو نافيًا مقولا «الأرض مقابل السلام» أو حتّى «السلام مقابل السلام» التي أطلقها نتنياهو عندما كان رئيسًا للوزراء، وصارت بحكم التواطؤ الدولي والخنوع العربي من المسلمات التي لا تقبل النقض أو تحتمل المناقشة. تأكدت القيادات الصهيونيّة من أمر كانت تعرفه بل تخافه أيضًا، حيث لم تعد الترسانة النوعيّة التي تملكها وما يوفّره ذلك من تفوّق كمّي، قادرة على إرهاب الفلسطينيّين ولجمهم فما بالك بحماية «الحدود»!!! من الأكيد أنّ الكيان الصهيوني والولايات المتّحدة وبعض الأطراف الإقليميّة، وحتّى «الفلسطينيّة» نظرت جميعها إلى هذه العمليّة وما نتج عنها من أسر «جلعاد شليت» في صورة تجاوز للخطوط الحمراء جميعها، حيث كان على الفلسطينيين [الفصائل الجهاديّة أساسًا] الدخول في مرحلة الاستكانة [تحت مسميات عديدة] حين تكفلت أطراف إقليمية وأخرى فلسطينيّة بالأمر بغية لجم المقاومة والنزول بسقفها إلى درجات ينتفي بها فعلا المشروع الوطني الفلسطيني، سواء جاء الأمر من باب التسليم بالأمر الواقع أو تفعيل ما يسمّى «وثيقة الأسرى» لتكون الغطاء الشعبي لعمليّة التنازل الرسميّة… يعلم الصهاينة جيّدًا أنّهم استنفذوا ما في جعبتهم ممّا قد يخيف الفلسطينيين ويجعلهم يسرعون إلى إطلاق سراح الجندي الأسير، فهم يغتالون ويدمّرون وينسفون ولم تحدث «الانتفاضة» المنتظرة من قبل أهالي غزّة والضفّة الغربيّة للمطالبة بالأمن المبلّل بالذلّ وبرغيف الخبز المغموس في التنازلات والتسليم بالإملاءات الصهيونيّة… يتّكل الصهاينة في الأمر على الأطراف العربيّة وكذلك الفلسطينيّة لتسويق التهديدات وتمريرها، كما جعلت في الماضي الفصائل الفلسطينيّة تعلن لمدّة 18 شهرًا «هدنة من طرف واحد»، وهي صيغة لم يسبق للتاريخ العسكري أن عرف مثيلها!!! المعادلة القائمة حاليًا تختلف كليّا بل تتناقض مع ما كان قائما حين تمّ إعلان هذه «الهدنة من طرف واحد»، فالمقاومة الفلسطينيّة صارت طرفًا في السلطة مع ما يعني ذلك من مكاسب وأيضًا استطاعت عبر هذه العمليّة أن تعدّل الساعة الفلسطينيّة على نبض الجهاد والمقاومة بعد أن أراد البعض إدخاله دوّامة «الاستفتاء» ومتاهة «التفاهمات» وجهنّم «الفتنة والاقتتال»… يتساءل البعض في حيرة شديدة عن السبب الذي جعل حركة المقامة الإسلاميّة «حماس» تفصح عن مشاركتها في العمليّة، فقد كان بالإمكان إخفاء الأمر بالتواري وراء تنظيمات أخرى، إلاّ أنّ هذه الحركة أرادت التأكيد أوّلا أن الفوز بالحكومة لا يعني إسقاط المقاومة وثانيا أنّها تملك في جعبتها من الأوراق والردود ما يجعلها تقلب الطاولة وتنسف المعادلة وثالثًا استطاعت ـ كمثل عصا النبيّ موسى عليه السلام ـ أن تزيل السحر الصهيوني ومؤامراته وتعيد المعادلة إلى مربّع المقاومة نفيًا للسفسطائيّة التي بدأت كالسرطان تسري في الجسد الفلسطيني… كذلك يتساءل آخرون عن السبب الذي جعل حماس تقبل بمشاركة فصيلين معها، في حين أنّها تملك من الرجال والعتاد ما يجعلها قادرة على التنفيذ بمفردها، إلاّ أنّها أرادت أن تعوّض «الإئتلاف الحكومي» بآخر على جبهة الجهاد والمقاومة، ممّا يعني إجماعا فلسطينيّا واسعًا وتوافقًا على الأهداف والوسائل. كذلك يأتي أمر على قدر كبير من الأهميّة ـ ومن الخطورة بالنسبة للصهاينة ـ فتنفيذ هذه العمليّة تطلّب حفر نفق ممّا يعني أنّ الإقرار ومن ثمّة العمل على التنفيذ بدأ منذ أشهر وبالتالي لم تأت العمليّة ردّة فعل آنيّة أو قرار «عاطفي». هذه المؤشرات تدلّ أوّلا أنّ حماس لم تنشغل بالحكومة وما صاحبها من عمل سياسي على حساب برامجها وأيضًا أنّها كانت تعمل على جبهات كثيرة ومتعدّدة… ما يزعج الصهاينة وما يورقهم ليس فقط الثمن الذي طلبته المقاومة نظير معلومات عن الجندي الأسير، بل إن هذه «الدوّامة» ستفتح الذاكرة الصهيونيّة على التجربة المريرة التي عاشها «جيش الدفاع» في لبنان، حيث خرج يجرّ أذيال الخيبة وقد استطاعت المقاومة اللبنانيّة أن تفرض شروطها عند تبادل الأسرى… المعادلة الفلسطينيّة الصهيونيّة لم تتغيّر بفعل هذه العمليّة في شكلها بل جعلتها المقاومة تتسارع، فقبل هذه العمليّة أوكل الصهاينة لأطراف عربيّة وأخرى فلسطينيّة مهمّة إفشال إن لم نقل وأد هذه المقاومة وتصفيتها، ولم يكن الصهاينة محكومين ضمن عامل الانتظار والترقّب بعامل الوقت كما هم عليه الآن، حين صار الجندي الأسير قنبلة موقوتة قابلة للانفجار داخل الكيان مع ما يعني ذلك من هدم للقناعات وزعزعة للإستراتيجية العسكريّة بأكملها… لا يمكن النظر إلى الهجمة الصهيونيّة ضمن أبعادها العسكريّة الصرفة، فقد ثبت بالدليل عجز الصهاينة في فلسطين وجنوب لبنان والأمريكيين في العراق عن تحويل التفوّق التسليحي الكمّي إلى مكاسب سياسيّة سواء كانت آنيّة أو دائمة، كذلك يتخبّط المشروع الصهيوني برمّته في أزمة «وجوديّة» عميقة، فلا هو قادر على التوسّع وفق منظوره الأسطوري الغيبي ولا قادر على بسط السيطرة على ما تحت يديه من الأرض ولا هو يقبل ـ بفعل ترسّخ الرؤية الصهيونيّة ـ بالتراجع إلى حدود «ثابتة» كما أراد المجرم شارون… العدوان على قطاع غزّة يأتي في مقامه الأوّل ردّ فعل غريزي على عمليّة لم يستطع الوعي الصهيوني هضمها أو تقبّلها، حين أنزلته من حقائقه «التوراتيّة الغيبيّة» إلى حقائق «أرضيّة ملموسة»، وكذلك يأتي هذا العدوان محاولة لتصدير الأزمة الصهيونيّة ومن ثمّة إيقاظ الوعي الجمعي على اعتبار أنّ العدوان هو وحده القادر على توحيد الصفّ داخل الكيان، لكنّ التناقض «المرضي والانفصامي» بين الحالة «التوراتيّة الغيبيّة» من جهة و«الصفعة الواقعيّة» يجعل السقوط في المستنقع أمرًا لا يخضع لأدنى شروط «موضوعيّة»!!! الإصرار الصهيوني على «إطلاق سراح الجندي الأسير بالطرق السلميّة» لا يعني البتّة تراجعًا عن الخطط العسكريّة بقدر ما هو البحث عن الإفلات من الضغوط «الزمنيّة» وبالتالي الشعبيّة التي يخلّفها بقاء هذا الجندي في الأسر. لم تقم المقاومة الفلسطينيّة الباسلة بأسر الجندي «جلعاد شليت»، بل أسرت كذلك الفكر الصهيوني ـ كما لم يسبق له أن كان ـ ضمن خانة مسدودة لا يبدو لها أفق… الأكيد والذي لا يقبل الجدل يكمن في الجزم بأنّ «زلزال غزّة» لن يتوقّف على هذه البقعة من الأرض، فالكيان الصهيوني دخل «المتاهة الفلسطينيّة» وهو لا يملك «خارطة الخروج»، وكذلك لا يمكن أن يبقى الجوار أو العمق العربي بمنأى عن هذا الزلزال، حيث حلّقت طائرات حربيّة سوريّة فوق مدينة اللاّذقية السوريّة رغبة في إفهام العرب جميعهم أنّهم ضمن دائرة الفعل أوّلا وثانيًا رغبتها في جعل دول المحيط العربي تسارع إلى إجبار الفلسطينيين على تلبية الرغبات الصهيونيّة. يأتي الموقف الأمريكي موافقًا ومساندًا وداعمًا وخصوصًا مبرّرا ومشرّعًا للعدوان الصهيوني على غزّة، لكنّ السقوط في مستنقع غزّة وعجز الآلة العسكريّة عن «تحرير الأسير»، مع ما سيكون له من تأثير على العمق العربي في ظلّ اضطراب للوضع خاصّة في الأردن ومصر سيدفع الولايات المتّحدة إلى النظر إلى المعادلة من خارج ما هي عليه الآن… من الأكيد أن أهلنا في غزّة سيدفعون ثمنًا يعلمونه مقدّمًا وكذلك يدركون أنّ معادلة الجهاد والوجود تستلزم منهم هذه التضحيات التي لا نعلم مداها بقدر ما ندرك جدواها في ظلّ هذا الصمت العربي الذي من الأكيد أنّه سينفجر يومًا… كلمات إلى الأستاذ برهان بسيّس: أعترف ـ دون خجل بل في شرف ـ أنّني متابع لكتاباتكم ومعجب بقولكم ومقدّر لفكركم، كما أعترف بقلّة فهمي وسذاجة فكري وبساطة عقلي، وأودّ السؤال ـ والسؤال إلى غير الله مذلّة ـ عمّا جاء في مقالكم « الجندي المخطوف والهاتف المسلوب»، حين كتبتم: «في غمرة هذا المهرجان الدولي للنّفاق»، حين تملكني الخوف وركبني الرعب وصرت على غير حالي، فقد راودني الشيطان ـ عليه اللعنة ـ بأنّ مقصدكم من هذا القول «المهرجان الدولي للجاز بطبرقة» الذي يشرف عليه المناضل المجاهد الدكتور الجيلاني الدبّوسي، وأنّكم من هؤلاء « الصابئة » الذين يصطادون في المياه العكرة ويتشدّقون بالشعارات الجوفاء ويلوحون بكلمات لا يفقهونها، وقد صرتم ممّن يعادون المطرب الفذّ، النجم الفريد والمناضل الأغـرّ «أنريكو ماسياس» لا قدّر الله… وجب يا صديقي التوضيح خوفًا أن يأخذوك بجريرة ذلك الزنديق الكافر الحقود الذي تطاول على الدكتور المناضل والمطرب الأغـرّ.. والسلام… نصر الدين بن حديد
مسؤولية الصحفي أو « الصعيدي المخدوع »
لطفي حجي حين فكرت في الكتابة عن حرية الإعلام باعتبار أننا نحتفي في شهر ماي باليوم العالمي لحرية الصحافة أردت أن اخط المقالة بالمعكوس. يعني أن ابحث عن دور الصحفي في تجسيد حرية الصحافة للخروج مما دأبنا عليه من تطرق إلى القمع وإلى القوانين الجائرة. صحيح أن إرادة الدولة محددة في تكريس حرية الإعلام لأنه كلما أحكمت قبضتها على الصحفيين وعلى القطاع عامة بوسائل تقوم على الإغراء حينا وعلى الضغط أحيانا أخرى تعيق التطور الطبيعي لحرية الإعلام. وصحيح كذلك أن القوانين الزجرية والتعليمات التي تعطى للمؤسسات خارج إطار القانون تحد من الحرية وتمنع تطور القطاع. لكن مع كل ذلك يحق لنا أن نتساءل عن دور الصحفي في كسر ذلك الطوق المحكم، وفي الالتزام بميثاق الشرف وأخلاقيات المهنة كمدخل أساسي لحرية الرأي والتعبير. يكسب السؤال مشروعيته أكثر عندما تنظر إلى بعض الصحف الصفراء وشبه الصفراء التي اختصت في هتك أعراض الناس والصحفيين العاملين فيها لا يحركون ساكنا. إن اغلب الصحفيين براء من تلك المقالات التي يأتي العديد منها جاهزا إلى إدارة التحرير، لكن هل يبرؤهم ذلك من تحمل المسؤولية؟ في العرف الاجتماعي السائد هم أبرياء حسب منطق » اخط راسي واضرب » لكن في الأعراف المهنية هم مسؤولون لان في انحطاط مستوى الصحافة اهتزاز لصورتهم في المجتمع علاوة على كونه خرق واضح لمواثيق الشرف، ويمكن أن نشبه من يسكت عما يحدث بمؤسسته الإعلامية من تجاوزات أخلاقية كراكب في سفينة مع مجموعة من الركاب شاهد احدهم وهو بصدد خرق السفينة ومع ذلك صمت بدعوى انه ليس المذنب، لكن ينس أن نجاح الفاعل في خرق السفينة يعني هلاكها بمن فيها. قد يصدق علينا نحن الصحفيين التونسيين مثل هذا المثال لأننا في الجلسات الخاصة واللقاءات الجانبية نؤكد أننا ضد تلك المقالات والممارسات، لكننا نصبح أداة لتمريرها بصمتنا عنها أو بتجاهلها أو بتجسيدها ضمن « ماكيت » الصحيفة أو باختيار العنوان الأمثل لها أو حتى بمجرد تلقيها من المصدر، إنها عادات تقتل تدريجيا الروح المهنية والوازع الأخلاقي. وعندما يموت فينا ذلك نسقط في دوامة التبرير، والتبرير عنده مداخل عدة منها ما يتعلق بالخبز والأولاد ومنها ما يتعلق بالثقافة الشعبية السائدة في الاستسلام للأمر الواقع من نوع ما « يطيح الرطل كان الكيلو » ومنها الطمع في التمسك بمسؤوليات زائفة يمكن أن تزول بمجرد حرف في غير محله عندها لا تنفع كل الخدمات السابقة والأمثلة عديدة لكن من يتعظ؟ ولتجاوز أزمة الضمير التي تسببها تلك الازدواجية أتقن العديد من صحفيينا فن الهروب إلى الأمام من ذلك أن الصحفي يكون قوميا حتى النخاع غيورا عن الأمة ومقدساتها يرسم « جداريات » بكائية عن واقع الأمة من العراق إلى فلسطين لكن مع ذلك لا يكتب حرفا واحدا عن دعوة شارون إلى تونس – مثلا – أو مشاركة وفد إسرائيلي رفيع المستوى في القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي احتضنتها تونس في شهر نوفمبر الماضي. ويعتم عن ردود الأفعال التي أرادت أن تحتج عن تلك الزيارة من منطلق المشاعر القومية الفطرية. وأحيانا لا يكتفي بذلك بل يعمد وهو القومي الغيور إلى تبرير تلك الزيارة- وربما إبراز محاسنها – إلى حد انك تتساءل هل من الممكن أن يقع هذا الانشطار في ذات بشرية واحدة. والأمثلة عديدة عن حالات الانفصام والازدواجية التي يعيشها الصحفي بين ما يسر به من رغبات وقناعات وبين ما يمارسه في صحيفته وخارجها فهو مع الحرية- إذ لا تجد صحفي واحد يعلن انه ضد حرية التعبير والصحافة – لكنه مستعد للكتابة بالإمضاء أو بدونه مقالات تبرر غياب حرية التعبير وتدافع عن مشهد سياسي يفتقر إلى الديمقراطية والحريات الأساسية. ومن يدخل أبواب التبرير يعجز عن الخروج منها. لن نستطرد في ذكر الأمثلة لأنها عديدة لكننا نقول إن مسؤولية الدولة أساسية في خرق حرية الإعلام لكن مسؤولية الصحفي قائمة لأنه أصبح الأداة التي تمارس به تلك السياسة الخارقة. ولكي يخرج من طور الأداة إلى طور الفاعل فان الصحفي مطالب بان يرفض أي عمل صحفي لا يتماشى مع قناعته ويتناقض مع وعي الضمير الذي يمليه ميثاق شرف المهنة. إن حالة الصحفيين الذين تحولوا إلى أداة لتنفيذ السياسة الإعلامية السالبة للحرية – بما فيها حريتهم- تذكرني بقصة يرويها إخوتنا المصريون عن صعيدي جاءه جيرانه مسرعين هلعين إلى المقهى حيث كان يجلس، وقالوا له: أسرع إن زوجتك تخونك مع صديقك في بيتك. أخذ الصعيدي سلاحه وهرع إلى المنزل، وبعد فترة قصيرة عاد إلى المقهى وقال لأصدقائه: « خضّتوني يا جماعة.. الرجل لا صاحبي ولا باعرفو ». (المصدر: مجلة البلاد الالكترونية، العدد الرابع بتاريخ 27 جوان 2006)
نورالدين العويديدي تبحث نخبة من الكتاب والصحفيين التونسيين بقلق عودة « ظاهرة » التدين إلى الشارع التونسي بقوة في السنين الأخيرة (*). ما يحدث من عودة قوية للتدين لدى الناس عامة، وفي صفوف الشباب خاصة، ليس حالة خاصة تميز بلادنا عن الفضاء العربي والإسلامي العام، فالشارع الإسلامي والعربي يعرف هذه « الظاهرة » المتزايدة الحضور منذ عقود، ويتعامل معها الناس والكثير من النخب بشكل طبيعي في أكثر من بلد عربي ومسلم، بخلاف ما هو حاصل في تونس. اللافت في الأمر في تونس أن بعض القوى والنخب راهنت على استخدام عصا الدولة الغليظة لمواجهة التيار الإسلامي. وذهبت المراهنة إلى مداها الأبعد مع الهجمة الواسعة التي تعرضت لها حركة النهضة في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. في تلك المرحلة انحرفت المعركة من طبيعتها السياسية، وأضحت مع مرور الوقت معركة ضد التدين، وخاصة مع خطة تجفيف الينابيع الشهيرة، وحملات الملاحقة الواسعة، التي طالت سائر المتدينين، مسيسين وغير مسيسين.. هنا تحديدا نشأت تلك المراهنة، وظن البعض أنه بالإمكان تزهيد الشباب في التدين، ومن لم يزهد فيه اقتناعا، يمكن أن يزهد فيه لما يسببه الالتزام الديني أو يرافقه من مخاطر وتهديد قد يطال الحياة ذاتها. ذلك الوضع الشاذ لم يستمر طويلا، إذ انقشعت مع الوقت حالة الخوف، التي ملأت القلوب لفترة من الزمن. ومع نهاية التسعينيات بدأ الشباب يعود بشكل واسع للمساجد، على الرغم من أنف الدولة وأجهزتها القمعية والدعائية، وتكثفت تلك العودة مع الوقت، حتى صار التدين في صفوف الشباب أوسع بكثير مما كان عليه الحال في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات. المشكل الآن بالنسبة لبعض النخب التونسية القلقة من انتشار التدين أن « الموجة » الجديدة من المتدينين هم في شطر كبير منهم ذوو مسحة سلفية، وهو ما لم يكن عليه الحال حين كانت حركة النهضة تقود التيار الإسلامي في تونس، ويمثل مشروعها مسعى لأسلمة الحداثة، واستيعاب مكتسباتها في إطار إسلامي. أحد مصادر القلق بالنسبة لتلك النخب، كما تظهر من العديد من المقالات المنشورة، تكمن في أن تلك النخب صارت تشعر بأن قدرتها على التوجيه الفكري والروحي باتت محدودة جدا. في المقابل هناك مصادر تلقي جديدة للثقافة الدينية نشأت مع القنوات الفضائية العربية، وبذلك صار بوسع الشاب التونسي أن يصل بسهولة إلى مصادر تثقيف وتوجيه، لم تكن متاحة منذ استقلال البلاد، وإغلاق جامع الزيتونة، وما رافق ذلك من تهميش للتدين ومحاصرته. يضاف إلى ذلك أن النخب القلقة من « عودة » التدين تشعر بالكثير من العجز في مواجهة هذه « الظاهرة » المتنامية. فهي تدرك أن جميع الوسائل، وعلى رأسها آلة الدولة الأمنية والثقافية والإعلامية، قد استخدمت بكفاءة وفاعلية ومواظبة، لفترة طويلة من الزمن، ولكنها فشلت في تحقيق أي نتائج تذكر، بل بالعكس يجوز القول بالكثير من الثقة إن النتائج كانت عكسية تماما.. إذ أدى محاصرة المتدينين إلى ظهور جيل جديد أكثر جذرية، حتى إن قطاعات منهم صارت ترفض مجرد الحوار مع التيارات العلمانية، وتجد نفسها مستغنية بالكامل عن الأخذ من الآخر الثقافي والحضاري، مهما كان هذا الآخر.. في حين كان التيار الإسلامي التونسي في الثمانينيات وبداية التسعينيات، وهو الذي استهدف بالاستئصال والإبادة، تيارا واعدا، يحاول استيعاب الحداثة على قاعدة إسلامية، فأقصي بالقوة والعنف، بحجة كونه يمثل تيارا سلفيا رجعيا، غير قابل بمكتسبات الحداثة، فكانت النتيجة أن جاء تيار لا يقبل حقيقة بالكثير مما يعد من مكتسبات الحداثة. ليس بوسع الكؤوس أن تستوعب الأنهار، وليس في طاقة بعض النخب التونسية المعزولة أن تستوعب حركة الشارع، أو أن توجهها كما تشاء، خاصة وهي التي تحرص على عزل نفسها عن الناس، وتنحاز لغير خياراتهم.. ربما كان المطلوب أن تعوّد تلك النخب نفسها على الإصغاء لهموم الشباب، وأن تسمع منهم، وتتقرب إليهم، حتى تعرف كيف يفكرون، لا أن تكتفي بالنظر لعودة التدين، باعتباره مرضا يجب أن يعالج الشباب منه.. انتشار التدين في المجتمع التونسي وضع طبيعي، فتونس بلد عربي مسلم، الإسلام روحه، وهو المكون الفكري والثقافي والروحي الرئيس لشعبه.. وإذا أقرت النخب بذلك، يمكنها أن تساهم في توجيه الشباب نحو الاعتدال في التدين، وتساعد في تجنيبهم سبل التطرف.. لكن المشكل أن ما تم ويتم في تونس خلال السنين الماضية ينتج التطرف ويطرد الاعتدال أكثر مما ينتجه. (*) انظر سلسلة المقالات والحوارات التي حفلت بها مجلة حقائق بعد تحولها إلى العربية (المصدر: مجلة البلاد الالكترونية، العدد الرابع بتاريخ 27 جوان 2006)
كأس العام المفترى عليه!!
محمد كريشان اللقطة الأولى: في أحد مساجد الدوحة يوم جمعة، الخطيب الغاضب يقول بقوة ودونما مواربة إن موبقات كأس العالم لكرة القدم لا تحصى ولا تعد ويكفي أن نذكر منها أنه يشغلنا عن العبادة فنؤخر تأدية الصلوات في أوقاتها بسبب متابعة هذه المباراة أو تلك كما يجعلنا نقصر في صلة الرحم فنتثاقل في زيارة الأب أو الأم أو المريض في المستشفى لأن مباراة اليوم، وكل يوم على امتداد شهر كامل، مشوقة للغاية ولا تفــوت، كما انه يدفعنا إلى التسويف في القيام بواجبات ضرورية تجاه أنفسنا وعائلاتنا في معاشها وشؤونها العامة، أما الأخطر من كل ما سبق فهو أن التهليل للفريق الأمريكي أو الانجليزي أو الفرنسي أو الألماني أو الهولندي أو غيره والفرح لفوزه والحسرة على هزيمته تنزع من قلب المسلم البغض للكفر والكفار فتؤلف قلبه على قوم عادوه في الدين وهذا لا يجوز مطلقا حتى وإن اتخذت هذه التظاهرة العالمية كل أربع سنوات التقريب بين الشعوب هدفا لها وشعارا. اللقطة الثانية: رسائل الكترونية تستعرض مأساة ما جرى على شاطئ غزة في فلسطين من قضاء قوات الاحتلال الإسرائيلي على كامل عائلة الطفلة هدى غالية وكل عمليات الاغتيال اليومية التي يسقط ضحيتها نشطاء المقاومة ومعهم أطفال ونساء أبرياء عزل. تطورات مأسوية تجري والعرب لا هم لهم سوى المنتخبين التونسي والسعودي وحظوظهما في التأهل إلى الدور الثاني من التصفيات. اللقطة الثالثة: معارضون عرب ساخطون لأن انشغال الرأي العام العربي بأخبار المونديال يلهيهم عن التصدي لاستبداد الحكام وفسادهم وكل المسائل المتصلة بالديمقراطية والإصلاح السياسي في بلادنا، أما معارضو تونس والسعودية فهم تحديدا أكثر حنقا لأن الحكومتين هناك مستمتعتان بانصراف الجميع في الحديث عن شجون الكرة عوض شجون دوائر الحكم والعائلة. ثلاث لقطات من خلفيات وحسابات مختلفة لكنها أجمعت على تشخيص كأس العالم في ألمانيا على أنه « عدو » هذه المرحلة التي من حسن الحظ أنها لن تزيد عن الشهر فمن الممتع أن تعثر على عدو بتاريخ « تصنيع » واضح وانتهاء « صلاحية » محدد، فهذا النوع من الأعداء نادر جدا في هذا الزمن الذي لا نعرف فيه أحيانا متى بدأت بعض خصوماته ومتى تنتهي. وإذا ما استثنينا ما قاله إمام الجمعة في أحد مساجد قطر والذي يحتاج إلى نقاش طويل وعريض، ليس هنا مجاله ولا أنا من عشاقه الحقيقة، فإن ما ورد في اللقطتين الثانية والثالثة بعض الوجاهة التي يجوز التوقف عند بعض ملامحها. في كأس العالم لعام 1982 كانت أجواء غزو بيروت برا وجوا وبحرا من قبل الجيش الإسرائيلي هي السائدة، ورغم ما أظهره « أطفال الأر.بي.جي » الفلسطينيين، كما كان يحلو للزعيم الراحل ياسر عرفات أن يسميهم، من بسالة وصمود أسطوريين إلى جانب القوى الوطنية اللبنانية فإن حمى المونديال كانت تعكر بروز تعاطف عربي أقوى، أما المفاجأة الكبرى فقد كانت بعد مجزرة صبرا وشاتيلا حين خرج وقتها مئات الآلاف من الجزائريين إلى الشوارع لكنهم لم يفعلوا ذلك تنديدا بفعلة شارون ومليشيا الكتائب اللبنانية وإنما فرحا وطربا بفوز المنتخب الجزائري. على المنتخب الألماني بهدفين لواحد. أما ما تعيشه تونس والسعودية الآن فلا شك أنه وضع يتمناه كل حاكم عربي حين لا يرى الناس تتحدث إلا عن استعداد منتخبها متناسية البطالة ويأس الشباب وغلاء المعيشة والفساد المستشري في أروقة الحكم والعائلات المتنفذة وداء الواسطة والرشاوى والمحسوبية وتردي الخدمات وبلاهة الإعلام وغير ذلك من قضايا الهم العام. ومع ذلك فإنه من الغبن أيضا أن نصادر ما يمكن أن نسميه حق الناس في الفرح والمتعة و لو لشهر واحد، فمن الظلم أن نستكثر عليهم فترة يرتاحون فيها قليلا من عبء همومهم المزمنة ويقبلون على مناسبة لن تعود إلا بعد أربع سنوات. أما « قضايا الأمة والوطن » فرابضة مكانها والشهر، على أية حال، لن يقدم فيها ولن يؤخر فليس كأس العالم هو من ضيع على المسلمين دينهم أو على العرب فلسطين أو على التواقين للتغيير الديمقراطي ساعة الفرج، فضلا عن أن وقوف جمهور الرياضيين العرب مع تونس والسعودية قد يكون آخر ما تبقى من تضامن صادق بيننا تماما كما يمكن أن تكون صيحة مشجع تونسي أو سعودي عند تسجيل منتخبه الهدف آخر ما تبقى لكل منهما من الوطنية والغيرة على الوطن بعد ما جرى « تأميم » كامل للوطنية من لدن أصحاب الشأن. (المصدر: مجلة البلاد الالكترونية، العدد الرابع بتاريخ 27 جوان 2006)
دكتاتور الكرة
معز بولحية « إننا نقاسم الشعب التونسي خيبة الأمل، لكن الحياة مستمرة ويجب أن نتأهل إلى بطولة أمم إفريقيا المقبلة والمونديال المقبل، أخطأ الجزيري التصرف وطُرد لتصعب مهمتنا أكثر. استعدادنا كان جيدا للمباراتين ضد اسبانيا وأوكرانيا وقدمنا عرضين رائعين لا يجب أن نخجل منهما. استفدنا كثيرا من المونديال وأسفنا الوحيد هو أننا لم نفز على السعودية في المباراة الأولى ». بهذه العبارات واجه روجي لومير مدرب المنتخب التونسي لكرة القدم رجال الإعلام بعد خيبة مونديال ألمانيا، عبارات فيها الكثير من المغالطات التي عادة ما يلجأ إليها رموز الأنظمة الدكتاتورية عندما يخاطبون شعوبهم. « نقاسم الشعب التونسي خيبة الأمل » دكتاتور الكرة التونسية لومير صرح بأنه يقاسم الشعب التونسي خيبة الأمل، وكأنّ على التونسيين أن ينتظروا إشارة من لومير لتفعيل مبدأ القسمة، أو الاشتراك، لومير انفرد بالرأي منذ استلامه كرسي رئاسة الكرة في تونس، همّش دور المدربين المحليين فلا هو استشارهم ولا هم تجرؤوا على ربط قنوات اتصال معه، همش المسؤولين والإداريين في الاتحاد التونسي فرئيس الاتحاد حمودة بن عمار نسي أو تناسى وظيفته الأساسية ليجرب المحاماة وبعناوين مختلفة « اصبروا على لومير « ، « هذه هي طريقة لومير » …. موسيو لومير همش دور الإعلام والصحافة، فالزميل المنذر الشواشي المكلف بالإعلام في صلب الاتحاد التونسي لكرة القدم لعب مع لومير دور « الكومبارس » فهو يأتمر بأوامر الدكتاتور وينفذ طلباته ودوره الأساسي يتمثل في تهدئة خواطر الصحفيين ظالمين أو مظلومين والعمل على سلامة المدرب من انتقادات هذا الصحفي أو ذاك، أما الصحافيون فهم أعداء لومير، فهو يزعم أنه لا يكترث بما يكتبون ويقولون، يرفض الحديث إليهم، يستهزئ بآرائهم، ويعلمهم أساليب التصرف الحضاري إما بشتمهم أو احتقارهم أو الادعاء بجهلهم. مع من سيقتسم لومير الخيبة بعد أن أحاط منتخبه ببرج عاجي بعيدا عن الجماهير والمدربين والصحافيين و…. وحدك يا لومير صنعت الخيبة وبعد أن دفعت الفرنسيين إلى تجرع مرارتها اثر مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام ألفين واثنين ها أنت تدعونا إلى أن نشرب من ذات الكأس. « أخطأ الجزيري التصرف وطُرد لتصعب مهمتنا أكثر » الاعتراف بالذنب فضيلة، ربما نسي لومير ذلك أو نسي المقربون منه أن يطلعوه على فحواها، فالفرنسي حمل أفضل لاعب في المنتخب زياد الجزيري مسؤولية الخروج من المونديال إثر طرده في مباراة أوكرانيا، لومير لم يجرؤ على الاعتراف بأنه المذنب الرئيسي في حق المنتخب، فما ذنب الجزيري الذي تاه في الملعب يمينا ويسارا دفاعا وهجوما حتى يُحمل المسؤولية، فهل الجزيري يتحمل مسؤولية الخطة التكتيكية الفاشلة أمام السعودية أم هو الذي قام بإشراك الظهير الأيمن الجمالي على الجهة اليسرى؟ أو هو الذي أخرج البوعزيزي؟ أو… ما ذنب الجزيري في الخطة التكتيكية أمام اسبانيا والتي جلبت لتونس العار في المونديال بإحصائيات هي الأسوأ من حيث امتلاك الكرة والتوزيعات والتسديد نحو المرمى، هل الجزيري هو الذي أمر اللاعبين بالتراجع إلى الدفاع طيلة سبعين دقيقة في عرض خالت الإنسانية أنه ولّى عن الملاعب دون رجعة؟… هل الجزيري هو الذي اختار أن يلعب لوحده كمهاجم في مباراة أوكرانيا في الوقت الذي كنا فيه في حاجة إلى لعب الهجوم لتحقيق فوز يدخل كرتنا تاريخ المونديال؟ هل الجزيري الذي اُقصي ظلما من المباراة هو الذي أمر النموشي بقيادة الهجوم في الوقت الذي يجلس فيه قمامدية والشيخاوي ودوسنطوس على مقاعد الاحتياط ؟ هل هو الذي أشرك دوسنطوس وبن سعادة في الدقائق العشر الأخيرة بحثا عن تسجيل هدفين؟ هل هو الذي أثار سخرية القاصي والداني على اختياراتك التكتيكية؟ » استعدادنا كان جيدا للمباراتين ضد اسبانيا وأوكرانيا وقدمنا عرضين رائعين لا يجب أن نخجل منهما » عن أي استعدادات تتحدث يا لومير؟ عن ثلاث مباريات ودية اثنتان منها أمام منتخبات ضعيفة؟ أم عن مباراة أمام فريق من الهواة في ألمانيا؟ أم عن معسكر ضم لاعبين عاطلين عن اللعب لأشهر وآخرين لايلعبون في فرقهم؟ عن أي استعدادات تتحدث؟ عن الثكنة العسكرية التي أنشأتها في سويسرا؟ لاعبون معزولون عن العالم الخارجي ولا يحق لشعبهم أن يَعلم بما يفعلون أو حتى يحلمون و »الأعداء » الصحافيون مبعدون يائسون. عن أي عروض رائعة تتحدث يا لومير؟ عن مباراتين أعادتا الكرة إلى زمن الكاتيناتشو في أقبح نسخه؟ أم عن خطط تكيكية زرعت في النفوس الخوف والرهبة وعقدة السلبية؟. قلت يا لومير « يجب أن لانخجل » وأنت محق في ذلك. فمن يصاب بالصدمة لا يجد مجالا للخجل. فالخجل كان مصيرنا بعد أن علمتنا غينيا فنون الكرة في كأس أمم إفريقيا في مصر وبعد أن خرجنا من البطولة أمام نيجريا مسرورين بعد أن توقفت المهزلة. سقوط نظام لومير بعد أن كانت ألمانيا شاهدة على سقوط جدار برلين الشهير، هاهي اليوم تشهد سقوط نظام لومير الكروي، سقوط يدعو المسؤوليين على الرياضة في تونس إلى استخلاص العبر والتعجيل بإيجاد الحلول اللازمة لمستقبل أراده لومير مظلما كما الحاضر، فماذا بعد اعتزال بومنيجل والطرابلسي والجعايدي والبوعزيزي والغضبان وغيرهم؟ الإجابة تبدأ بـ »محاكمة » لومير وأتباعه، بعد أن سقطت الأقنعة واكتشف التونسيون الحقيقة المُرة. (المصدر: مجلة البلاد الالكترونية، العدد الرابع بتاريخ 27 جوان 2006)
الجســر
ولئن تحطّم جسر غزّة، هل انتهت فلسطين؟ … أبدا! إنّ اليهود كانوا دائما في حسابهم غالطين.
لن يؤثّر تدمير الجسر على مصير المنطقة.. ولو أنّ هذا لا يعني أنّ الآفاق مشرقة.
إنّما لن يؤثّر قطع جسر غزّة على حياة المجموعة… لأنّ جسور العرب معها بعد مقطوعة.
محمد قلبي
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 29 جوان 2006)
أحد الرجالات الكبار للنادي الإفريقي في ذمّة الله
وداعا محمــود المستيــري
تقبلت اسرة «الصباح الرياضي» ببالغ الاسى واللوعة نبأ وفاة أحد الرجالات الكبار للنادي الافريقي والرئيس السابق لهذا الصرح الرياضي الكبير المغفور له محمود المستيري الذي شيع جثمانه امس اثر صلاة العصر الى مثواه الاخير بمقبرة الزلاج وقام النادي الافريقي بتأبينه بالكلمة التالية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
«انا لله وانا اليه راجعون»
فجعت العائلة الافريقية الموسعة بوفاة المرحوم محمود المستيري الذي وافته المنية مساء امس (مساء الثلاثاء)
والى جانب نشاطه السياسي والديبلوماسي الكثيف فقد اعطى المرحوم الكثير لجمعية النادي الافريقي وللرياضة التونسية عموما.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
انتمى الفقيد لجمعية النادي الافريقي خلال الاربعينات حيث كان لاعبا بفرق الشبان وقد عرف المرحوم خلال هذه الفترة بدماثة اخلاقه وتفانيه في خدمة الوان الجمعية والذود على رايتها.
وفي بداية الستينات اضطلع المرحوم بعديد المسؤوليات صلب الهيئة المديرة للنادي الافريقي وقد قدم الفقيد خلال هذه الفترة الكثير لنادينا في عديد المسؤوليات التي اضطلع بها.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
واصل الفقيد عمله صلب الهيئة المديرة لنادينا الى ان اضطلع برئاسة الجمعية فسهر من موقعه على دعم اشعاع جمعيتنا في سماء الرياضة التونسية.
وحال مغادرة دفة التسيير المباشر انتمى المرحوم الى هيئة حكماء النادي الافريقي التي لم يغب عن اجتماعاتها بالرغم من ظروفه الصحية، وكان الفقيد يتابع نشاط نادينا بصفة دائمة ومستمرة الى ان وافته المنية.
تغمد الله فقيدنا العزيز بواسع رحمته وغفرانه ورزق عائلته وعائلة الافريقي جميل الصبر والسلوان.
و «انا لله وانا اليه راجعون»
«يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي».
صدق الله العظيم
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 29 جوان 2006)
إلى يوم 20 من الشهر الجاري:
مبيعات تونس من النسيج تتقلص بـ2،4% في الأسواق الخارجية
تونس-الصباح: جاء في بيان صحفي صادر عن البنك المركزي التونسي ان مبيعات تونس من النسيج والملابس بالاسواق الخارجية قد تقلصت بـ2،4% الى 20 جوان الحالي ومقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.
في مقابل هذا المنحى المتراجع عرفت الصادرات التونسية من منتوجات الطاقة ارتفاعا بـ7،39% وزيادة بـ7،20% بالنسبة لصادرات صناعة الميكانيك والكهرباء، حسب ذات المصدر الذي دأب وبصفة دورية على تأكيد المؤشرات الاقتصادية المسجلة بصفة شهرية.
ويلاحظ ان نسق الواردات قد تفوق على الصادرات بـ7،12% مقابل 2،10% وهو ما ساهم الى حد كبير في ارتفاع العجز بقيمة 360 م.د حسب البيان الصحفي الذي اكد ايضا نسبة التضخم المسجلة في الاشهر الخمس الاولى التي ناهزت 6،4% مقابل 5،1% من ذات الفترة من العام الماضي نتيجة «الارتفاع المستمر لاسعار النفط وبعض المواد الاساسية» حسب ذات المصدر.
ومن ابرز المؤشرات الاخرى تلك المتعلقة بالسوق النقدية او ما بين البنوك اساسا حيث تدخل البنك المركزي لضخ معدل 207 م.د في شهر ماي لفائدة هذه السوق التي شهدت انحسارا في السيولة وهو ما دفع لجوءها الى المركز المركزي الذي تدخل بـ64 م،د في شهر (افريل) ويمكن اعتبار المؤشر المتعلق بالانتاج الصناعي اكثر الملامح الاقتصادية ايجابية خاصة وان هذا المؤشر انتعش بـ9،1% في الاشهر الاربعة الاولى من السنة الحالية مقابل تراجع بـ8،1% في السنة السابقة.
وتتجلى هذه الانتعاشة خاصة بصناعة الميكانيك والصناعات الغذائية وهو ما يفسر ارتفاع واردات المواد الاولية ونصف المصنعة التي تحتاجها الصناعة التونسية وذلك بـ10%.
في المقابل ورغم محافظته على نسقه التصاعدي فان تطور مؤشرات القطاع السياحي بقي متباطئا حيث لم يتجاوز ارتفاع عدد الليالي السياحية والى 20 جوان، نسبة 8،2% وذات الشيء بالنسبة للمداخيل السياحية التي لم تتجاوز 3،5% الى 989 م.د رغم انطلاق الموسم السياحي المعروف بالذروة الكبرى (ماي ـ جويلية) وهو ما يدعو الى التساؤل هل ستتقارب انجازات هذا القطاع هذا العام مع التوقعات المتفائلة بخصوصه.
عائشة بن محمود
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 29 جوان 2006)
لماذا تراجع مستوى الطلبة في اللغات؟
جامعيون يشخّصون الأسباب… ويقترحون الحلول
تونس ـ الصباح:
كثر الحديث في الأوساط الجامعية عن تردي مستوى الطلبة بصفة عامة وفي اللغات بصفة خاصة، وقد ردد عدد من الجامعيين في بعض المنابر انهم حينما يقومون باصلاح الفروض يندهشون لكثرة الأخطاء التي يرتكبها الطلبة عند تحرير نصوصهم سواء كانت لغة التحرير عربية أو فرنسية.. وهي أخطاء في النحو أو الصرف أو الرسم أو الصياغة أو التركيب..
وأطلق بعض منهم صيحة فزع ودعوا لانقاذ «السفينة التي تبحر بمئات الآلاف من الطلبة» لأنهم أصبحوا يحصلون على شهادات جامعية وهم غير قادرين على تحرير مطلب شغل خال من الأخطاء اللغوية.. وقالوا ان طلبة اليوم هم مستقبل البلاد ويجب تكثيف العناية بهم أكثر وشددوا على أن «الوضع يبعث حقا على الانشغال»..
ونظرا لدقة هذه المسألة فقد ارتأينا اثارتها مع عدد من الجامعيين والأساتذة الذين شخصوا لنا أسباب تراجع مستوى الطلبة في اللغات وقدموا الحلول التي يرونها كفيلة بتحسين هذا المستوى وتطالعون التفاصيل في ما يلي:
ضعف في تملك اللغة الفرنسية
يقول الأستاذ الجامعي الدكتور علي المحجوبي ان قضية تردي مستوى الطلبة تتعلق باللغة الفرنسية رغم أنها ارث تاريخي وقد كانت موجودة قبل انتصاب الحماية في اطار المدرسة الحربية بباردو التي كان التعليم فيها بالفرنسية يؤمنه أساتذة فرنسيون.. وعندما أغلقت هذه المدرسة أبوابها عام 1868 أسس خير الدين بعد توليه الوزارة الأولى سنة 1875 المدرسة الصادقية التي هي امتداد للمدرسة الحربية بباردو وكان التدريس فيها بالفرنسية وهو ما يعني أن التونسي ليست له مركبات نقص في اللغة الفرنسية التي أصبحت اللغة الأساسية في تونس وليست لغة أجنبية بل نجد العربية هي التي كانت بمثابة اللغة الأجنبية في التعليم في تونس..
وبين الجامعي أنه حتى موعد الاستقلال كان للفرنسية وزن كبير وكان في الباكالوريا جزآن واحد بالفرنسية والآخر بالعربية واذا لم يتحصل التلميذ على خمسة من عشرين في مادة الفرنسية فانه لا ينجح في الامتحان.. وعند توحيد الباكالوريا تم الابقاء على المقال الفرنسي وكان التلميذ يجتازه في السنة السادسة ثانوي ويحتفظ بذلك العدد في الباكالوريا.
وأضاف أنه قبل التعريب كان للّغة الفرنسية أهمية كبيرة وعندما حصل التعريب انخفض مستوى التلاميذ فيها..
وبالاضافة الى ذلك فانه الى غاية سنة 1994 لم تعد اللغة الفرنسية مادة اجبارية في امتحان الباكالوريا ويمكن لتلميذ الآداب أن يتحصل على شهادة البكالوريا دون فرنسية.
وقال انه في وقت من الأوقات أراد وزير التربية فرض التعريب ولكن تم الاتفاق معه على حل وسط وهو تدريس المسائل الغربية باللغة الفرنسية وما يهم العالم الاسلامي بالعربية وهو ما أثار تذمر الأساتذة الذين قالوا ان الطالب لا يفهم اللغة الفرنسية لذلك تم القيام بدروس تأطيرية بالفرنسية وهي قائمة الى الآن حتى يستطيع الطالب ادراك نسق الدروس الجامعية.
وذكر الأستاذ علي المحجوبي أن المشكل الكبير يتمثل في أن الطلبة لا يقرؤون الكتب ولا يطالعون.. ويحرص الأساتذة الجامعيون على حد قوله على الابقاء على مستوى معين من اتقان الطالب للغة حتى يتمكن من الاطلاع على المجلات العلمية ويقدر على مواصلة دراساته العليا بالخارج ان رغب في ذلك.
ويرى الجامعي أن اللغة الفرنسية وغيرها من اللغات هي رسالة للتفتح على المجتمعات الأخرى لكن الطلبة ينفرون منها و من الدراسة بصفة عامة نظرا لتفشي ظاهرة البطالة في صفوف أصحاب الشهادات العليا..
ولكن أي حل يقترحه الأستاذ علي المحجوبي لمسألة ضعف مستوى الطلبة في اللغات الأجنبية وخاصة الفرنسية؟؟
عن هذا السؤال أجاب أنه يجب الاختيار بين الكم والكيف ففي تونس نجد اليوم عدد الطلبة في حدود 350 ألف طالب ومن الصعب جدا حل المشكل لأن نسبة التأطير تنقص رويدا رويدا بارتفاع عدد الطلبة كما أن مستوى الأساتذة نفسه يتراجع من سنة الى أخرى نظرا لحاجيات المؤسسات الجامعية المتزايدة للأساتذة.
وتساءل الجامعي: «لماذا لا تقام مدارس النخبة لاستيعاب الطلبة المتميزين وتحسين تأطيرهم في اللغات نظرا لأنه يستحيل تحسين مستوى جميع الطلبة؟؟». وبين أن هذا الأمر قد يكون حلا جيدا رغم أنه ايديولوجيا ضد هذه الفكرة..
ولكن ماذا عن اللغة الانقليزية؟؟ عن هذا السؤال أجاب أن اتقان اللغة الانقليزية يستوجب أن يكون الطالب في مناخ انقليزي.. وبين الجامعي انه في وقت من الأوقات كانت الأستاذية في الانقليزية تستوجب تربصا في اللغة الانقليزية في بريطانيا أو أمريكا ومع ارتفاع تكاليف هذه العملية تم التقليص في مدة التربص..
يذكر في هذا الصدد أن وزارة التعليم العالي قررت ابتداء من السنة الحالية الغاء العمل بالتربصات اللغوية بالخارج التي ينتفع بها المتحصلون على شهادة المرحلة الأولى في اللغة الانقليزية (انظر الصباح بتاريخ 25 جوان صفحة 4).
ويرى الجامعي أن طالب الانقليزية لن يكون تحصيله جيدا ولن تكون أستاذيته ناجعة الا اذا قضّى سنة كاملة على الأقل في بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية.. لان اللغة تحتاج للممارسة ولاحظ أن الدول الأخرى ترسل طلبتها في فصل الصيف لدراسة اللغة العربية في معهد بورقيبة للغات الحية فلماذا لا ترسل تونس طلبتها لدراسة اللغات الأجنبية صيفا في لندن أو روما أو مدريد وأن تكثف الاهتمام بكل اللغات الأجنبية دون استثناء.
تشخيص
لدى تشخيصه لظاهرة ضعف امكانيات الطلبة في التحكم في اللغات بين الجامعي الدكتور عميرة علية الصغير أنه من المتفق عليه الآن وليس فقط بالنسبة لرجال التعليم العالي بل عند جميع المدرسين وعامة الناس أن ضعف مستوى الطلبة لا يقتصر على اللغة العربية الأم بل يشمل بقية اللغات الأخرى ومنها الفرنسية وذكر أن هذا التراجع في المستوى التكويني لا يهم اللغات فحسب بل هو أعم ويهم كل المواد باستثناء أقلية من التلاميذ أو الطلبة.
وأصبح العجز ليس فقط في القدرة على الكتابة بل حتى على الكلام كما لا يقتصر الامر على اللغة النصية بل يشمل العامية.. حيث أصبحنا نسمع في محادثات الشباب كلمات «نرمال» و«مش نرمال» مع خليط من العبارات النابية وكليشيات الكليبات.
وعن أسباب هذا العجز البلاغي بين الجامعي أنها عديدة وأن الطلبة أو التلاميذ هم ضحايا نظام تعليمي وثقافي سائد اذ تضافرت عوامل عدة «لانتاج الجهل اللغوي السائد» يذكر من بينها دون ترتيب أولي ضعف النظام التعليمي خاصة في مستوى البرامج ومستوى التقييم منذ الابتدائي اذ تعتمد البرامج على كثافة المواد والحشو المعرفي دون نتيجة تذكر منذ الأقسام الابتدائية حتى التعليم الثانوي ودون تقييم شجاع وشفاف للنتائج.
كما نجد سببا آخر وهو أن اتقان اللغتين العربية والفرنسية يتم عند تعلّم قواعد اللغة من نحو وصرف ورسم وخاصة الممارسة المكتوبة أو المتكلمة وهذا الأمر مهمل ونجد تلميذ الأساسي يمكنه أن ينهي المرحلة الابتدائية وهو لم ينجز بعد انشاء جيدة أو يحرر تعبيرا كتابيا واحدا وحتى ان قع فان التحارير لا تصلح بالجدية المطلوبة.
وبالاضافة الى ذلك فان كثافة المواد والبرامج تمنع المتعلم منذ الابتدائي من التفرغ لتعلم اللغة وتعلم اللغة يكون بممارسة الانشاء وخاصة بالمطالعة.. وأصبحت المطالعة في يومنا هذا آخر اهتمامات التلميذ ثم الطالب نظرا لكثافة البرامج من ناحية ولأن الوسط العائلي لا يشجع على المطالعة من ناحية أخرى حيث يقضي التلميذ أوقات فراغه أمام شاشة التلفزيون.. وفقدت المطالعة عند جل العائلات أهميتها ومكانتها وتراجع وعي الأولياء بضرورة توجيه الأبناء للمطالعة اضافة لتخوفهم من أن تملك أبنائهم اللغات يمكن أن يكون سببا في تخصصهم في الآداب وهو «اختصاص أصبح منبوذا وفقد من قيمته فالرأسمال الرمزي الاعتباري تتمنع به الاختصاصات النبيلة أي الاختصاصات العلمية المؤدية لتكون الأطباء والمهندسين وكل المهن المجزية»!
ويعود ضعف اللغة أيضا كما يقول الجامعي لتراجع الضمير المهني وضعف التكوين عند نسبة هامة من المدرسين في جميع المستويات وليس كل المدرسين وقد أصبح همّ الكثير منهم فقط انهاء حصة الدرس وتلقي الأجر آخر الشهر أو الجري وراء ابتزاز التلاميذ وأوليائهم عن طريق ساعات التدارك والدروس الخصوصية ويرى محدثنا أنه كان من الأنجع تسميتها بساعات الابتزاز.
وفي نفس السياق لاحظ الدكتور عميرة قلة المراقبة الادارية للأساتذة أو عدم جديتها لفرض وتطبيق فروض وتراتيب المهنة وأخلاقياتها.
اجراءات لتفادي الحضيض
لكن كيف يمكن تفادي هذا النزول الى الحضيض؟؟
يقول الدكتور عميرة انه يصعب أن نفصل التعليم عن قضايا المجتمع الأخرى لأن السياسة التعليمية هي وجه من سياسة الدولة والمجتمع ككل وهو يقترح اتخاذ جملة من الاجراءات.
وتتمثل هذه الاجراءات في تخفيف المواد المدرسة في التعليم الابتدائي أو الثانوي والغاء مواد أخرى والتركيز في الابتدائي على هدفين وهو القراءة والحساب وتكثيف تمارين المطالعة والتلاخيص في القسم وخاصة تمارين الانشاء والتشجيع على ذلك والاقتصار في التعليم الابتدائي والثانوي على لغتين وهي اللغة الأم أي العربية ولغة ثانية يختارها التلميذ وهي الفرنسية أو الانقليزية أو الصينية أو اليابانية أو الألمانية أو الاسبانية..
كما يقترح تنظيم مباريات في مستوى المعاهد وعلى مستوى وطني وتتعلق بالالقاء والانتاج الأدبي أو الصحفي ومنح المدرسين حرية أكبر في اختيار الكتب والمقروءات المختلفة المقدمة للمتعلمين والاعتناء أكثر بالمؤسسات التعليمية من حيث التجهيز والاطار وتوفير الشروط المحترمة والضرورية لممارسة مهنة التعليم والترفيع في الأجور والمنح والرسكلة والتكوين والمراقبة.
ويرى الدكتور والأستاذ الجامعي بكلية الآداب والانسانيات بمنوبة علية علاني أن «تراجع مستوى الطلبة في اللغات يعود الى طبيعة النظام التربوي الذي شهد تحولات عميقة في العقدين الأخيرين اذ لم تصاحب موجة التعريب سياسة مقنعة في اتجاه تعليم اللغات وأصبح الطالب يميل بطبيعته الى أسهل الحلول أي الى المراجع العربية فقط عندما يطالب بالرجوع مثلا الى بيبليوغرافيا مفصلة ومتنوعة من حيث اللغات».
ويعتقد الجامعي أن ضبط استراتيجية ناجحة لتمكين الطالب من اتقان اللغات يستوجب أساسا نظاما تربويا يوفر الظروف الملائمة من حوافز وتجهيزات لتعلم اللغات الأجنبية ويخصص لها ضوارب هامة وحد أدنى من العدد الذي يجب أن يحصل عليه الطالب واذا تحصل على عدد أقل من هذا العدد الأدنى عليه أن يعيد الامتحان للحصول على شهادة في تلك اللغة اضافة لتكثيف التربصات في الداخل والخارج والاكثار من التظاهرات الثقافية في اتجاه تقريب اللغات الأجنبية من الطلبة.
طرائف
من جهته يقول الجامعي الدكتور محمد ضيف الله:
«ان جانبا مما يدور بين المدرسين هذه الأيام، ونحن بصدد اصلاح أوراق الامتحانات، هو ضعف مستوى الطلبة في اللغات، وتروى في هذا الاطار العديد من الطرائف وحتى الغرائب التي لا يسمح المجال بذكرها. والملاحظ هنا أن هذه الظاهرة تهم حتى طلبة الآداب والعلوم الانسانية والاجتماعية الذين من المفترض أن يكونوا أكثر تمكنا من اللغات بالمقارنة مع زملائهم في الشعب العلمية، كما نلاحظ أن هذا الأمر لا يقتصر على اللغات الأجنبية كالفرنسية والأنقليزية وانما يهم اللغة العربية أيضا».
واستدرك الجامعي ليشير الى أن هذه الظاهرة هي ظاهرة عالمية وتعرفها حتى أكثر البلدان تقدما. وبين أنه اذا كان لا بد من العودة الى قاعدة النظام التربوي أي المدرسة الابتدائية لمحاولة الفهم والتفسير، فاننا اليوم أمام الطلبة الذين دخلوا الابتدائي في مطلع التسعينات، أي أنهم يشكلون الدفعات الأولى لاصلاح سنة 1991. وتساءل هنا هل استطاعت المدرسة الأساسية أن تغرس في الناشئة حب تعلم اللغات وترغبهم في المطالعة؟
غير أن هذا التساؤل كما قال لا يجب أن يحجب عنا أن الظاهرة تتجاوز المدرسة، اذ في زمن يعطي الأولوية للتعبير الجسدي (الرياضة والرقص) فتسخّر له كل الامكانيات ويبدو مفتاحا للمستقبل والشهرة والثراء، لا يمكن الا أن يتراجع فيه التعبير بالكلمة وبالتالي تتراجع الحاجة الى اللغة؛ كما أنه في زمن الصورة، تتراجع القراءة والمطالعة وهو ما ينعكس سلبا على الرصيد اللغوي.
ان القضية اللغوية تهم المجتمع كله، سواء لما يهم حواره الداخلي أو حواره مع الآخرين. فاذا تقلص الجانب الأول من حيث فضاءاته والفرص المتاحة أمامه، فالنتيجة أن تقلصت الحاجة الى اللغة كأداة للتعبير وابداء الرأي؛ واذا أصبح اللجوء الى اللهجة الدارجة في مدارسنا أمرا شبه عادي، فهل يمكن أن ننتظر أن يتحسن المستوى اللغوي للتلميذ أو الطالب في العربية ؟
واذا كانت أغلب معلقات الاشهار والدعاية حتى تلك التي تقوم بها المؤسسات العامة تتم باللهجة الدارجة، كما أن عددا من الجرائد الأوسع انتشارا بين الشباب وحتى الاذاعة تخاطب القوم باللهجة الدارجة أو بلغة قريبة منها، فما الذي ننتظره بخصوص المستوى اللغوي لتلاميذنا وطلبتنا؟
وأضاف: «أما بالنسبة للغات الأجنبية تحديدا كأداة للتفتح على الآخرين والحوار معهم، فان ما يلاحظ أنها تقلصت هي الأخرى في صفوف طلبتنا، رغم ما قد يبدو من انتشارها السطحي من خلال تطعيمها للهجاتنا التونسية».
ان رفع المستوى اللغوي لناشئتنا يتطلب على حد تعبير الدكتور ضيف الله الوعي بالمسألة وأبعادها المختلفة، كما يتطلب تدخل كل الأطراف، بدءا من العائلة، الى المدرسة والنوادي ووسائل الاعلام… وفي هذا الاطار، فان العائلة مطالبة بترغيب أبنائها في المطالعة منذ نعومة أظافرهم عبر اقتناء مجلات وكتب الأطفال؛ كذلك لا بد من ايلاء المكتبة والكتاب موقعا مركزيا في التعليم، من خلال العناية بالمكتبات المدرسية، وما يعنيه ذلك من ضرورة توفير الأرصدة والاطار البشري المتخصص لها، وصولا الى اشتراط حد أدنى في اللغة العربية أو اللغات الأجنبية للمرور من مستوى الى آخر.
مقارنة
مقارنة بين وضع الطلبة التونسيين وطلبة من دول أخرى تحدثنا الى أستاذ جامعي من الجزائر وهو السيد عبد القادر مالفي الذي لاحظ تدهورا في التحكم في اللغات لدى الطلبة بالجزائر خاصة اللغة الفرنسية بعد تعميم التعريب منذ الثمانينات.. وقد كان التعليم قبل ذلك يقوم على اللغة الفرنسية.. كما بين أن تدهور مستوى الطلبة في اللغات يرجع أيضا لتقلص حجم الساعات لتدريس اللغة الفرنسية وفي المقابل ترفيع عدد ساعات تدريس لغات أخرى مثل الانقليزية والاسبانية والألمانية.
سعيدة بوهلال
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 29 جوان 2006)
جرائم ضد الميت… سرقات واتجار بالجثث:
هل يحمي القانون الأموات؟
* تونس (الشروق)
جاء في الخبر الأول ان امرأة قتلت زوجها بمشاركة عشيقها، ثم قطعا جثته قبل أن يلقيا أجزاءها في أماكن مختلفة، أما الخبر الثاني فيقول ان أهالي المفقودين في حادثة غرق الباخرة «الوسلاتية» في المياه التونسية لا يعلمون مصير أبنائهم، إن كانوا أحياء أم أمواتا؟ خلافا لأهالي ضحايا غرق السفينة «أميرة 1» عرض سواحل البحر الأسود الذين حصلوا على أحكام بوفاة أبنائهم (19 شخصا) أي عملية تمويت، رغم اعتقاد البعض، من حين لآخر، بأن المفقودين لم يهلكوا بل هم أموات أحياء.. هذه الأخبار الثلاثة يجمع بينها الموت، وكيفية التعامل مع الميت.. فهل يعاقب القانون من يعامل الميّت بسوء؟ وهل هناك عقوبات تسلّط على الأحياء الذين لا يحترمون الأموات ؟ أو يتعدّون على حرمتهم؟ هل يتمتع الميت بالشخصية القانونية وبالحقوق التي يمنحها القانون للإنسان الحي؟ أم أنه يصبح بمجرد وفاته شيئا من الأشياء؟ وهل للميّت الحقّ في أن تحترم «راحته الأبدية»؟ وأن تسنّ لحمايته القوانين؟ هل هناك أموات وهم أحياء؟ أحياء في عداد الموتى؟ وقبل ذلك كلّه، ما الموت؟ ومن هو الميّت؟ وما رأي القانون والعلم والفلسفة والدّين؟
* منجي الخضراوي
فقط، الميت لا يتساءل عن الموت، أو على الأقل هذا ما نعرفه الى حدّ الآن، إذ لا تكاد صورة الموت تغيب عن الأحياء للحظة، ولا أحد يعتقد أن نهايته يمكن أن تكون خلاف ذلك، الأمر الذي يجعل السؤال عن الموت دائم الحضور والتواصل زمانا ومكانا. فسؤال الموت، هو سؤال، لا يغيب عن الأحياء ماداموا سيموتون يوما، فالموت هو إمكانية واردة لكل حي وفي كل لحظة وفي كل مكان.. إذن نحن ميّتون بالإمكان.. وهذا ما يبرّر إعادة استنطاق كل ما يحيط بالموت وذلك لاستحالة استنطاقه مباشرة، قد يتجاوز الموت كونه ظاهرة بيولوجية فحسب كما يرى الأطباء.. إلى اعتباره أيضا واقعة قانونية لها استتباعاتها وآثارها المدنية والجزائية.
* ما الموت؟: الطب يتحدث
أردنا أن نستنطق زاوية من الزوايا المحيطة بالموت، فاتصلنا بالدكتور محمد بن سالم وهو طبيب وباحث، وسألناه عن الموت والأموات.
يقول مخاطبنا إن الموت يعني مبدئيا التوقف النهائي دون رجعة لوظائف المخ والتوقف النهائي لنبض القلب والدورة الدموية والتنفس، إضافة الي جملة من المعايير الأخرى التي يتمّ تحديدها علميا.
وتعرّف الأكاديمية الطبية الموت على أنه نتيجة لضرر دون رجعة لجهاز أو عدة أجهزة عضوية لا غنى عنها بالنسبة الى الحياة، فيما تعرّف المنظمة العالمية للصحة، الموت بأنه «الغياب الدائم للحياة دون امكانية العودة إليها» وأضافت نفس المنظمة لاحقا تعريفا أكثر دقة يرى بأن «الموت هو حالة الغياب التام دون رجعة لوظائف المخ» وقدّمت خاصيات عند تشخيص الموت وهي فقدان أي علاقة بالحياة والارتخاء التام للعضلات وتوقف التنفس الذاتي وتوقف الدورة الدموية وانحباس الضغط في الشرايين وتوقف نبض القلب اضافة الى التأكد من أن الرسم البياني للتخطيط الكهربائي للمخ (électro-encéphalographique) أصبح مستقيما تماما حتى في حالات الانعاش.
وهذه المعايير حسبما أفادنا به الدكتور محمد بن سالم تستثني الأطفال والأشخاص الذين تعرّضوا الى وضعيات هبوط حاد لدرجة حرارة الجسم أو المصابين بالتسمّم، إذ يجب التثبت من وفاتهم خلال فترة زمنية أطول، وأضاف محدثنا بأن أهم معيار للتأكد من الموت هو التعفن والتحلّل وهو معيار لا جدال فيه.
* الرحيل النهائي
حسب وثيقة صادرة عن كلية الطب بتونس لطلبة السنوات الخامسة أعدها البروفيسور نبيل بن صالح وعنوانها «تشخيص الموت» (Diagnostic de la mort) فإن الموت من منظور طبي ثلاثة أصناف، وهي الموت الظاهر مثل التوقف المؤقت لنبض القلب أو فقدان الوعي أو في حالات وجود نشاط في القلب والجهاز التنفسي بشكل ضعيف جدا، وثانيا الموت النسبي (Relative) وهي المرحلة الوسطى أو ما يسمى بالموت السريري (Clinique)، وتتميز هذه المرحلة بتوقف دوران الدم ونبضات القلب بشكل تام، ولكن يمكن ابقاء الشخص على قيد الحياة وذلك باستعمال أجهزة متطورة لا غنى عنها، أما الصنف الثالث فهو الموت المطلق وهي مرحلة لاحقة عن السابقة ولكن بشكل تطوري وفي هذه المرحلة لا وجود لحياة ولا امكانية للعودة إليها، فهي نهائية، وهناك أشكال لأنواع من الموت ضمن هذه الأصناف مثل الموت الدماغي وتجميد الجثة.
إذن فالموت هو التوقف النهائي دون رجعة للوظائف الحياتية الذاتية بمعنى ا لتوقف التام لوظائف المخ والقلب والجهاز التنفسي.
* لماذا الخوف والخشية؟
من الناحية الفلسفية فإن الموت ليس مجالا للتجربة فهي وضعية قصوى تتميز بتوقف الوعي وانتفاء الحياة، فالشخص الميّت لا يعي هذه الحالة إلا أنها تبقى من الحقائق المقبلة في الزمن وهو ما يبرّر الشعور بالرهبة والخشية كلما تناولنا هذا الموضوع، رغم أن أبيقور، الفيلسوف اليوناني يدعونا الى عدم الخوف من الموت لأنه إذا كان لا نكون وإذا كنا لا يكون.. وفلسفيا يمكننا أن نعتبر الموت على أنه ليس حدثا زمنيا دقيقا بل هو مسار متطوّر..
بعد أن يقع الموت.. ماذا يحدث؟ كيف يتعامل المعنيون مع الميّت؟ وهل تحترم الهياكل المعنية جثث المتوفين والقتلى؟ وكيف تتمّ عمليات تشريح الجثث وهل أن كل من يموت يعرض على مخابر الطب الشرعي لتشريح جثته؟
* في بيت الأموات
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها توجهنا بها الى مخبر الطب الشرعي، أو ما يعرف بيت الأموات، بمستشفى شارل نيكول بتونس العاصمة، حيث التقينا السيد يوسف الرمضاني المختص في هذا المجال.. فقال انه يعمل في هذا الميدان منذ أكثر من ثلاثين سنة وهو من عرف بدايات الطب الشرعي في تونس.
وعندما أخبرني عن سنوات العمل التي قضاها ببيت الأموات خامرني سؤال عن عدد الجثث التي تعامل معها، فقال انه تعامل مع زهاء الـ34 ألف جثة، وتعامل معها هنا يعني ساهم في تشريحها!
ويقول محدثي ان ما بين 350 و400 جثة كانت تدخل بيت الأموات بمستشفى شارل نيكول سنويا في السبعينات، ولكن الآن أصبحت ما بين 1700 و1900 جثة سنويا.. ويضيف بأن أكثر القتلى بسبب الحوادث سواء حوادث الطرقات أو الغرق أو الحريق أو القتل، أما الفئة العمرية الأكثر تعرّضا للموت بهذه الطرق فهي ما بين 18 و40 سنة، يعني أن الشبان هم الأكثر موتا في الحوادث، وقال أيضا ان نسبة هامة من الموتى بسبب حالات التسمّم.
سألته عن الأسلوب الذي يتعامل به مع الميت أو مع جثته، فقال: أنا لا أريد أن أقول عن الميت بأنّه ميّت، بل هو الحي ونحن ننتظر دورنا وسنرحل يوما، وقال أيضال: انني عندما أساهم في تشريح جثة أتخيّل نفسي في عديد المرّات بأنني في موقع هذا الشخص الميّت وأسعى لرسم صورة عمّن يتعامل مع جثتي، فأجد نفسي أتعامل معي بالغياب، إذن لم يبق أمامي غير احترامها.
ويقول السيد يوسف أيضا: «أنا لا أتعامل مع الجثة إلا باحترام، فأنا أتعامل معها وكأن صاحبها أمامي أو هو أنا، إذ لا أترك قربها ولو قليلا من الأوساخ»، وأضاف بأن كل الفريق الطبي بمستشفى شارل نيكول يتعامل بكل احترام مع الجثة، إذ لا نتعامل معها باستعمال القوة أو عدم المبالاة كما لا نعبث بها ونعاملها كأن صاحبها معنا.
* من اقتلاع الأعضاء إلى الطب الشرعي
أما عن قضية اقتلاع الأعضاء لزرعها، فلقد أجابني السيد يوسف الرمضاني بأن العملية تتم حسبما يقتضيه القانون عدد 22 لسنة 1991 المتعلق بأخذ الأعضاء البشرية وزرعها وقال أيضا «إن أكثر الأعضاء انتزاعا هي قرنية العين لشخص توفي حديثا.. أما بالنسبة الى القلب والكلى فلا يتم انتزاعها إلا حسبما يقتضيه القانون، وبكل صرامة وحسب اتفاق مسبق مع المتوفى أو عائلته..». وأضاف بأن جهل بعض المواطنين بالقوانين والترتيبات المتعلقة بضرورة عرض الجثة في حالات الشك على الطب الشرعي، يجعلهم في الكثير من الأحيان يحتجون عندما يكتشفون أنه تمّ تشريح جثة قريبهم..».
وقال: «إننا لا نقوم بتشريح أي جثة إلاّ بتسخير مسبق من النيابة العمومية اضافة الى أننا مرتبطون بمحاضر الشرطة».. وبعد الاجراءات القانونية التي تمهد لإجراء عملية التشريح يتم تسليم عائلة الميت شهادة طبية أولية لتسهيل عملية الدفن لاحقا».
يقول محدثي عندمها سألته عن مراحل عملية التشريح ان أول ما يقوم به الفريق هو الفحص الخارجي للجثة كمعاينة آثار العنف والزرقة أو وجود جروح وإصابات ثم يتم قيس الطول والوزن وبعد اتمام الفحص الخارجي تبدأ عملية التشريح.. وإننا نأسف لعدم ذكر التفاصيل احتراما لمشاعر القرّاء، ونكتفي بالقول ان التشريح يتم للبطن والرأس.
وبعد اجراء التشريح والقيام بالاجراءات الطبية والقانونية اللازمة توضع الجثة في الثلاجة على ذمة أهل الميت، وعن وجود طقوس معينة يمارسها فريق الطب الشرعي أثناء عملية التشريح قال محدثي «لا وجود لأي طقوس أخرى غير الطقوس العلمية» وأكد على أن الجثث تلقى الاحترام الكامل والتام في «بيوت الأموات» وعن وضعية الطب الشرعي في تونس قال السيد يوسف الرمضاني: «يجب أن يكون الطبيب الشرعي على عين المكان في حالات الحوادث لمعاينة الجثة وفحص موقعها».
وأضاف «يجب تشريك الطبيب الشرعي ليتنقل مع أعوان الأمن ليعاين العلامات الخارجية والظروف المحيطة وإذ تبيّن له أن الموت طبيعي فلماذا تتم عملية التشريح أصلا».
وأضاف القول أيضا: «إن الطب الشرعي يجب أن يكون مؤسسة تضمّ كل الاختصاصات ذات الشأن بمعنى لا بد من توحيد المخبر ليضم أخصائيين في التحاليل البيولوجية والتسمم والمخ… خاصة وأن الزاد البشري موجود والكفاءات التونسيةذات سعة علمية نوعية ومتوفرة..»
* حكايات عن «جرائم» ضد أموات
ربما تتعامل مثل هذه المؤسسات الصحية مع الموتى وفقا لما يفرضه القانون والعلم وتُلزم به الأخلاق العامة والمهنية إلا أنه في العديد من الحالات نطالع تعمّد شخص أو أشخاص انتهاك حرمة جثة «كالاعتداء» عليها أو حرقها.
فهل يُعاقب هؤلاء على جرائم القتل التي ارتكبوها؟ أم تضاف جريمة الاعتداء على جثة؟ بقطع النظر عن مسألة الضم وتوارد الجرائم (الفصلين 54 و55 من المجلة الجنائية) وكيف ينظر القانون للموت؟ وهل يحمي الموتى؟
ماذا عن حكايات سرقة الجثث والهياكل العظمية من المقابر؟ هل فعلا هناك جثث تتعرض للسرقة؟ أي هل تفتح بعض القبور؟ وما رأي القانون في ذلك؟
* القانون والموت
يصنف رجال القانون الموت إلى صنفين الموت الطبيعي والموت المحدث أما الموت الطبيعي فهو الذي يكون منسجما مع نظام الكون أي النهاية الطبيعية لكل كائن حي مثل الموت نتيجة للمرض أو للكبر في السن.
أما الموت المحدث وهو الذي يحوم حوله الشك في حالات القتل أو العنف أوفي الحوادث ويمكن أن يكون نتيجة لعمل إجرامي وهنا يستوجب تشريح الجثة.
جاء في مذكّرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية أعدتها الأستاذة خديجة الجمني للسنة الجامعية 1999ـ2000 وعنوانها «الحماية الجزائية للأموات» ص16 «بخلاف بعض التشريعات الجنائية المقارنة لا يوجد في المجلّة الجنائية نصوص تستهدف أساسا ومباشرة وضعية الجثة فحماية حرمة الجثة تندمج في إطار حماية حرمة القبور، وإن كان قانون 25 مارس 1991 المتعلق بأخذ الأعضاء البشرية وزرعها تضمن التأكيد على مبدإ الحرمة الجسدية للميت على حدّ السواء للإنسان الحي…».
وقد عدنا إلى الأعمال التحضيرية للقانون عدد27 بتاريخ 19 مارس 1991 إذ وجدنا أجوبة وزارة الصحة العمومية في نقطتها العاشرة تتضمّن «إن الأحكام الزجرية الواردة بالفصل 16 (من قانون أخذ الأعضاء البشرية وزرعها) سوّت بين حالة أخذ عضو من شخص حي أو ميت وذلك عملا بمبدإ المساواة في احترام الذات البشرية مهما كانت حالتها كما ورد ذلك في الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية» وجاء في مداخلة وزير الصحة آنذاك السيد الدالي الجازي ردّا على سؤال لأحد النواب «…لا نعتبر أن هناك صنفين من الذات البشرية» بل بالعكس(…) لا نفرّق بين الحي والميت لأننا نعتبر أن الذات البشرية واحدة وتستحق الاحترام والإحاطة والعناية…»
كما نعثر أيضا في النقطة الثالثة من الفقرة الثالثة من الفصل 74 من القانون عدد33 لسنة 1975 المؤرخ في 14 ماي 1975 المتعلق بإصدار القانون الأساسي للبلديات على أن من بين ما ترمي إليه التراتيب البلدية «كيفية نقل الأموات والدفن وإخراج الجثث من القبور والمحافظة على حرمة المقابر»… ويذكر الفصل 76 من نفس القانون ضرورة «… الإسراع بإجراء ما يلزم لتكفين الموتى ودفنهم بصفة لائقة ودون تمييز في الدين أو العقيدة…»
* عقوبات ضدّ أحياء
من خلال هذه الفصول والمداخلات يمكننا أن نستنتج إرادة المشرّع في احترام الميّت مثله مثل الحي كما نجد هذه الإرادة أيضا في القانون عدد57ـ03 بتاريخ غرّة أوت 1957 المنظم للحالة المدنية الذي يعطي مهلة ثلاثة أيام للعائلة لإعلان الوفاة إذا كانت في المنزل و24 ساعة لمسؤول المؤسسة الاستشفائية إذا كانت الموت في المستشفى وإذا كانت الوفاة غير طبيعية (عنف، قتل، حرق…) يجب إبلاغ الأمن ويوجب هذا القانون ضرورة دفن الجثة بطريقة شرعية إذ لا يجوز مثلا حرقها أو الالقاء بها في البحر ويعاقب نفس القانون الدفن خلسة أو الدفن خفية مرتكبه بالسجن من 6 أيام إلى 6 أشهر مع خطية مالية أما الدفن غير الشرعي فيعاقب مرتكبه بالسجن مدة عام مع خطية.
أما في خصوص ما ورد بالمجلة الجنائية فتقول الأستاذة خديجة الجمني في مذكرتها «لقد خصّص المشرع للجرائم التي تمسّ القبور الفصول من 167 إلى 170 (الجلة الجنائية) ضمن باب الاعتداءات على السلطة العامة الواقعة من أفراد الناس» وتضيف أيضا «وإن بدا جليا أن الفصلين 167 و168 لا يتضمنان أية دلائل على تكريس حماية جزائية للجثة إذ يتعلق الفصل الأول بحماية حرمة القبور أما الثاني فخصّص لحماية الهياكل المقامة بالمقبرة» ورأت أن الفصل 169 يدخل ضمن هذا السياق وقد ورد به «الإنسان الذي يخرج جثة أو يرفعها أو ينقلها أو يحملها بعد استخراجها خلافا للقوانين يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية…» أما الفصل 170 فجاء به «الإنسان الذي ينقل أو يواري خفية أو يخفي أو يتلف جثة بقصد إخفاء موت صاحبها يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية (…) وإذا كانت الجثة لقتيل فالعقاب بالسجن يرفع إلى عامين دون أن يمنع ذلك من تطبيق قواعد المشاركة…»
ونلاحظ أن الحفاظ على الجثة في هذا السياق جاء بقصد عدم التستّر على الجرائم.
* تجارة مربحة
أما النصوص الخاصة خارج المجلة الجنائية سنجد قانون زرع الأعضاء الذي نصّ في أول فصل له على أن «الحرمة الجسدية للإنسان مضمونة» كما نجد أيضا الفصل 74 في فقرته الأولى من القانون الأساسي للبلديات الصادر في 14 ماي 1975 يؤكد على معنى الحرمة الجسدية ولكن من خلال هذا الفصل يتبيّن أن «هذه التراتيب المتخذة في شأن الجثث ترمي في حقيقة الأمر إلى تحقيق الراحة والحفاظ على الصحة العامة… غير أنّ الفصل 76 من نفس القانون الأكثر دلالة في تكريس مفهوم حركة الجثة والاحترام الذي يجب أن تعامل به» كما جاء في مذكرة الأستاذة خديجة الجمني إن القانون يمنع أيضا التعامل بالجثة ويحجّر الاتجار فيها وهو ما أوصت به عديد الملتقيات إذ تتعمد بعض العصابات خاصة في الأرجنتين والبرازيل والبيرو والمكسيك تهريب جثث في اتجاه ألمانيا وإيطاليا وسويسرا وهي تجارة مربحة جدا حتى أن الأمم المتحدة حرّمت ذلك كما دعا إلى استبعادها المؤتمر العالمي للقضاة وفي تونس يمنع منعا باتا أخذ الأعضاء البشرية وزرعها بمقابل انسجاما مع توصيات منظمة الصحة العالمية.
ويستبعد القانون أيضا التنفيذ جزائيا ومدنيا على الجثة إلا أننا لا نجد نصّا صريحا مثلا في حالة المثلة بالجثة إذ لا نجد في المجلة الجنائية التونسية «حماية جزائية تستهدف مباشرة الجثة بما أن تلك الحماية تنضوي في إطار حماية القبور…» كما جاء بمذكرة خديجة الجمني كما نجد نقاشا قانونيا في خصوص استخدام الأجنة المتوفاة أو التجارب على الجثث…
لقد خوّل القانون التونسي لأهل المتوفى حق الرد دفاعا عن اعتباره فخول لهم أيضا طلب إعادة النظر في حكم صادر ضدّه بعد وفاته ويمكن أيضا طلب استرداد حقوقه مثلما جاء بالفصل 367 من مجلة الإجراءات الجزائية وما بعده كما يضمن احترام السرية المتعلقة بالميت وحماية السر الطبي الخاص بالمتوفي وحماية صورة المتوفي وهناك حكم صادر عن محكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 3 ديسمبر 1986 تحت عدد 5736 ورد فيه بالخصوص بأنه «ليس من الصفة الشرعية أن يتدخّل المؤلف في الحياة الخاصة للناس بنشر أحوالهم وعاداتهم وصورهم دون ترخيص إذ في ذلك نيل من الحرمة الشخصية لهم وحيث أن الشركة المدعي عليها (التي قامت بنشر الصورة) خالفت المبدأ المذكور وأشارت للقائمين بنشر صورة مورثهم دون علمهم واستهدفت بذلك للتعويض» (أخذ المثال من نفس المذكرة) هذا بالإضافة إلى أن هناك جرائم ضد الأموات لا نجد نصا صريحا في القانون يجرّمها كالوطء ولكن الذين يؤطرها فما هو رأي الدين؟
* الموقف الديني
يرى الدكتور محمد الطاهر الرزقي الباحث في الشؤون الدينية والأستاذ بجامعة الزيتونة ورجل الدين أن الاعتداء على الموات وعلى حرمتهم يعبّر عنه بالمثلة أو التمثيل بالميت وقد نهانا عنه القرآن والسنة ونجده في قسم الفقه في الجهاد والمغازي وقد أوصى الرسول ے المحاربين لكي لا يمثلون بالجثث ولا يتعدون على حرمتها.
وأضاف الدكتور محمد الطاهر الرزقي أن المسألة يعتبرها المشرع الشرعي أنها من أكبر الكبائر لأن الجثة في الإسلام هي ذات بشرية والله يقول {وكرّمنا بني آدم} فالحفاظ على الجثة واحترامها يدخل ضمن تكريم الذات البشرية ويقول الدكتور الرزقي «حتى التبرع بالأعضاء فإن الأمر يفترض موافقة الميت بوصيته أو موافقة أهله وإن رفض أحدهم لا تتم العملية وهذا يدخل برأيه في الحرص على احترام الميت وعدم التمثيل به.
وقال محدثنا في خصوص سؤال متعلق بأخذ الأعضاء وزرعها طرحناه عليه «لا مانع في أخذ الأعضاء البشرية وزرعها شريطة أن لا تشمل الأجهزة التناسلية لأنها تتضمن الصفات الوراثية وهو ما يجعل هذه الخصائص الوراثية تستمر» وقال إن المنتع يشمل الخصية بالنسبة إلى الذكر والمبيض بالنسبة إلى الأنثى.
وعموما يمكننا القول إن الإجماع حاصل بخصوص ضرورة احترام الميت وأن القانون يسعى إلى تأكيد هذه الضرورة إلا أن الإشكال يبقى متعلقا بالتفاصيل التي تمثل أحيانا الاستثناء وهو ما يبرّر السكوت عنها ولكن يمكن أن يكون هذا الاستثناء محددا في بعض المنعطفات مما يعني أن لخطة إعادة قراءة النص القانوني وتطويره أصبح أمرا ضروريا فالواقع حركي يمتاز بالكثرة رغم أن الموت واحد.
فالموت رغم أنه حقيقة إلا أنه يبقى السؤال المتواصل لأنه مرتبط بالإنسان ألم يقل التوحيدي وأثقل من هذا الكون الإنسان إذ الإنسان أشكل على أخيه الإنسان.
(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 29 جوان 2006)
الحرب الباردة بين الصين وأمريكا
توفيق المديني
تسود حالة من الخوف في أوساط الاستراتيجيين الأمريكيين ، جراء تحول الصين إلى قوة عظمى هي في طور تقويض قاعدة عظمة الولايات المتحدة الأمريكية، إذتوجه لها تحديا يمكن أن يعرضها للخطر. و بالمقابل يشعر الاستراتيجيون الصينيون بنوع من القلق بسبب المؤامرات التي تحيكها أمريكا للحيلولة دون تحول الصين إلى قوة عظمى. و لاشك أن استراتيجية » وقف مسيرة التقدم »تنبعث منها رائحة نذير شر حرب باردة.وبالاستماع إلى هذيان الطرفين،يخال للمرء أن البلدين قد انطلقا في مدار تصادمي.و الكل يعرف السبب الرئيس ، الذي يمكن أن يقود إلى حرب ، أكثر من أي قضية متنازع عليها: إنها تا يوان. فإذا أعلنت تايوان استقلالهارسميا- و الجزيرة تتمتع بسيادة من الناحية الواقعية- سيتفجرالوضع ، حينئذ تتدخل الصين للقضاء على الانفصاليين ،و تركض واشنطن لنجدتهم . هذا السيناريو الكارثي لا يجوزتحاشيه ملائكيا.و لكنه يجعل كل من الطرفين يتصبب عرقا باردا، لأن تكلفته الاقتصادية ستكون ضخمة. و هنا تكمن المخاطرة. إنه بسبب تداخل الاقتصادين الأمريكي و الصيني ، ومن حولهما قسم كبير من الاقتصاد العالمي ،فإن أي صدام سيقود إلى كارثة.و الحال هذه ، هل هو شيء مناف للعقل حين نتكلم عن « حرب باردة » لتوصيف الخلافات المعاودة بين القوتين العظميين في المحيط الهادي.ففي زمن الاتحاد السوفياتي ،لم يكن هناك زواج مصالح بين هذا الأخير و أمريكا ، مثلما هو زواج المصلحة القائم حاليا بين بكين وواشنطن الذي تحقق في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون. ومفهوم أن بيل كلينتون و جورج بوش قد تبنا الذبذبات عينها تجاه الصين:ا نطلاق مذكرة للإنتقام ، ثم إعادة التمركز على نقطة أكثر تعاونية. كما أنه مفهوم أيضا أن بكين تمسكت بكبح جماح القومية لرأيها العام، لا سيما لدى النخبات المدينية الجديدة.فالعاصمتان لا تسمحان في هذا الطور، أن تندلع أزمة بينهما. وتدشن العلاقات بين الصين و أمريكا براديغم جديد في العلاقات الدولية : التشققات الاستراتيجية في عولمة متبادلة، إذ تشد الجيوبوليتيك النابذ ة و الاقتصاد الجاذب في اتجاه معاكس،و ينتهيان إلى تعادل القوى.و بصرف النظر عن تصاعد موجة الشكوك المتبادلة ، فإن البلدين مقيدان بعلاقة: »تشيلني ،و أشيلك »، وهي نوع من توازن الرعب الاقتصادي الذي ينبسط على ثلاث جبهات رئيسة، لعل أبرزها جبهة النفط. الصين لديها ضمأ لا يروى للطاقة ، إذ إنها تستهلك كميات كبيرة جدا من المحروقات لتغذية نموها الاستثنائي.بيد أن المشكلة التي تواجهها تتمثل في نضوب احتيا طاتها من البترول، الأمر الذي يدفعها إلى استيراد 40% من حاجياتها النفطية.وهذه مسألة حساسة تمس دوغما الاكتفاء الذاتي ، الشعار المركزي الذي كان سائدا في عهد ماو. بيد أن الانقلاب حصل في عام 1993، وهو بمنزلة تحول تاريخي عندما شاهدنا إعادة إنعاش الاصلاح الاقتصادي بعد التجمد الإيديولوجي الذي استتبع القمع الذي حصل في ساحة تيان آن مين عام 1989.ومنذحينئذ، ما انفكت التبعية إزاء الإمدادات بالنفط تثقل . وحسب وكالة الطاقة الدولية ، فإن حصة الواردات في الاستهلاك تؤول إلى تجاوز80% في عام 2030. و هذه الآفاق تنذر القيادات الصينية ، لأنها تنمي القابلية للإنجراح الاستراتيجي للبلاد. أكثر من ثلثي الواردات الصينية من النفط يأتي من الشرق الأوسط.و إضافة إلى عدم الاستقرار السمة التي تمتاز بها المنطقة، فإن البترول المصدر إلى الصين يمر بوساطة الطرق البحرية.و الحال هذه ، فالمسافة التي تقدر بنحو 12000 كيلومترا ، و تفصل بين نقطة الانطلاق ،مضيق هرمز، و نقطة النهاية ، ميناء شنغهاي، هي مسيطر عليها من قبل البحرية الأمريكية. وتتكيف بكين بصعوبة مع هذه التبعية: اندلاع الصراع ، سيقطع الأسطول الأمريكي الذي يمتلك الوسائط العسكرية طرق امداد الصين بالنفط،و بالتالي إغراقها في الكساد الاقتصادي ن و الكارثة الاجتماعية.و هنا يكمن الاختلاف الكبير مع اليابان ، التي على الرغم من أنها تابعة أيضا للممونين الخارجيين ، فإنها تتمتع بحماية المظلة الاستراتيجية الأمريكية.وقد وعد نظام بكبن بحل هذه الملزمة ، التي تحولت إلى قضية وطنية. و الحال هذه انطلقت الصين للبحث عن تنوع البلدان التي تزودها بالنفط.وأصبحت هذه « الدبلوماسية النفطية »الصينية نشيطة جدا إلى درجة أنها باتت تعيد رسم الخريطة العالمية للطاقة. فقد حققت الصين اختراقا كبيرا في إفريقيا (السودان ، أنغولا، نيجريا…)و في أمريكا اللاتينية ، حيث أصبحت الروابط عميقة جدا مع فنزويلا هوغو شافيز. بيد أن هاجس الصين يكمن بالأحرى في تجنب الطرق البحرية و تفضيلها بالإمدادات عن طريق مد خط الأنابيب القارية في آسيا الوسطى، المضمونة أكثر.و يمكن أن تعتمد في هذه الاستراتيجية على تواطؤ روسيا ، حيث أن ولائها ليس مطلقا.فقد خفتت حماسة الصين بسبب انتظارية موسكو بشأن بناء خط أنابيب يربط سيبيريا بمنشوريا . في إطار هذه « اللعبة الكبيرة » الجديدة، تحتل إيران مفتاحا رئيسا. ففي إطار الجهود التي تبذلها لكسر الطوق الأمريكي،تتودد بكين لطهران بقوة. إنه ميل له انعكاسات دبلوماسية خطيرة ، في الوقت الذي أصبح فيه الملف النووي الإيراني مطروحا في مجلس الأمن ، وموضوع مساومات عنيفة بين أمريكا و فرنسا وألمانيا و بريطانيا من جهة ن وروسيا و الصين من جهة أخرى، وحيث قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة للصين لحضور قمة شنغهاي. بالنسبة للإسترتيجية النفطية للصين ،تقدم إيران مصلحة مزدوجة.فهي دولة نفطية يمكن الوصول إليها بسهولة .و هي على صعيد موقعها الجغرافي ، منفتحة على آسيا الوسطى بوجه خاص.و قد وقع البلدان في عام 2004 على اتفاق ، تشتري بموجبه الصين نفطا و غازا من إيران بقيمة 70 مليار دولار على مدى ثلاثين عاما.
(المصدر: صحيفة الخليج بتاريخ 28 جوان 2006)
كتاب مرجعي يخاطب الغرب حول الفكر السياسي الإسلامي
د. أحمد القديدي (*) alqadidi@hotmail.com أصدرت دار النشر الباريسية لارماتان في الأيام الأخيرة كتابا قيما بجميع المقاييس بقلم أحد الزملاء الأفاضل وهو الدكتور عبد الرؤوف بولعابي الحاصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي من جامعة السربون العريقة ومدير المعهد العالي للعلوم الإسلامية بباريس. والكتاب يؤرخ لأحد فروع الفكر السياسي في التراث الإسلامي وهو شرعية السلطة من المنظور الإسلامي ومقاصد الشريعة في اختيار الحاكم ومناهج ممارسته للحكم وطرق التداول السلمي على السلطة. وعنوان الكتاب القيم الصادر باللغة الفرنسية هو: الإسلام والحكم، مقاصد الشريعة وشرعية السلطة. ومن الطبيعي والبديهي أن يملأ الكتاب فراغا في المكتبة الغربية باللغة الفرنسية حيث إن المحاور المطروحة في فصوله الخمسة لم تكتف بالتحليل التاريخي لمختلف التوجهات الإسلامية بل تجاوزتها لتعالج بحكمة واعتدال تداعيات التراث السياسي الإسلامي على عصرنا الراهن وأكثر من ذلك حاول المؤلف تنزيل التراث الإسلامي الثري على الدولة المسلمة المعاصرة ومقارنتها بالمصادر الأخرى للحكم في الحضارات الغربية والشرقية المعروفة بتقاليد التنظير السياسي والقانوني للدولة. ونحن نرجح أن الاهتمام الكبير الذي لقيه الكتاب يعود أيضا إلى أنه يصدر في توقيته ليجيب عن أسئلة النخبة الغربية حول العلاقة بين الدين والدنيا في الإسلام والجسور الرابطة بين النقل والعقل والأهم حول مستقبل الفكر السياسي الإسلامي، وهو يواجه عواصف الترهيب والتزوير وسيل المغالطات التي يريد أعداء حضارتنا أن يبثوها في عقول الرأي العام الغربي والمسلم وهم يحاولون تلبيس الدين الإسلامي لبوس الارهاب والتطرف لا تحليل تلك الظواهر الطارئة واليتيمة كخروج عن أصول الدين وانحراف نحو التشدد تحت ضغوط المظالم المسلطة على الشعوب. فالكاتب واع تمام الوعي بمدى حساسية محاور كتابه في زمن يتعرض فيه الإسلام كحضارة إلى هجمات شرسة لا تستهدف ظواهرالتطرف والانغلاق كما في كل الأديان والفلسفات بل تستهدف قيمه وحقوق المؤمنين به وحريات الأمة الشرعية. فالدكتور الفاضل عبد الرؤوف بولعابي يقرأ مراحل الحكم وتداول السلطة انطلاقا من عصر النبوة الخالدة إلى عصر الخلافة الراشدة لا فقط كمؤرخ بل كمصلح غايته تصحيح الرؤى والمفاهيم وبالتالي تقديم جملة من النظريات الحديثة القادرة على تنزيل التراث الفكري السياسي الإسلامي الأصيل منزلة التطبيق السلمي المعتدل والمعتبر بالتحولات الحضارية الكبرى في العالم. وإذا تصفحنا محاور الكتاب سوف ندرك الأهمية القصوى للمواضيع المطروحة على قضايانا الراهنة المتشعبة، فالكتاب يبدأ بتعريف مبدأ الشرعية واشكالياتها في العلوم الإنسانية مع اثراء المحور بأمثلة حية من التاريخ الإسلامي في عصوره الذهبية أو الأقل تألقا. ويستعرض الكاتب أبرز المدارس السياسية والفقهية التي نظرت للحكم ولعل أوفرها مادة للبحث والدرس الفكر الخلدوني المستنير من خلال المقدمة وأيضا كتاب الأحكام السلطانية والولايات الدينية لأبي الحسن البصري البغدادي الماوردي وهو المرجع الأول في تقنين النواميس السلطانية في الإسلام رغم مرور ألف عام على تأليفه. وتعمق د. بولعابي في اختلاف الفقهاء ومناظرة العلماء مما أعطى لكتابه قيمة المرجع الشامل لكل من يروم دراسة مسائل السلطة والشرعية والتداول على الحكم في التاريخ الإسلامي. ولم يغفل الكاتب المصادر الاستشراقية ولا الأعمال الفكرية الاصلاحية من القدماء والمحدثين حول مبدأ الاستخلاف وهو المبدأ المؤسس للفكر السياسي الإسلامي لأنه الوحيد في الحضارات العالمية الذي كرم الإنسان بجعله خليفة الله سبحانه في الأرض وحمله أمانة الإعمار والحفاظ على السنن الكونية الخالدة الواردة في كتاب الله العزيز. واني أحسب والله أعلم أن الزميل عبدالرؤوف بولعابي ينتمي إلى تلك المدرسة الفكرية التي فضلت الاجتهاد على التقليد والتطوير على التثوير واعتمدت القراءة المتأنية للتراث لتنزيله على الواقع المعاش اليوم، وهي نفس المدرسة التي أنجبت كبار المصلحين وعلماء المسلمين في سلسلة مجيدة امتدت حلقاتها من الفتوح الإسلامية إلى حركات التنوير الإسلامي لدى الجاحظ وابن المقفع وابن حزم وابن خلدون وابن رشد وصولا إلى جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وابن أبي الضياف ثم الكواكبي إلى صاحب كتاب الخلافة الجديدة عالم القانون عبدالرزاق السنهوري ثم الجيل الحديث من المفكرين المسلمين أمثال الزملاء الكرام طارق البشري ومحمد سليم العوا وأحمد كمال أبو المجد وقبلهم أساتذتهم العلماء الأجلاء الشيخ محمد الطاهر بن عاشور والشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي أمد الله في أنفاسه. انها مدرسة التأصيل والتحديث التي انطلقت من الثوابت وتخلت عن عقدة اليتم الحضاري التي أصابت النفوس الهزيلة وحكمت عليها بالتبعية والتذيل للغرب دون هوية أو شرعية أو حرية. ان كتاب الدكتور بولعابي يخاطب المثقفين في الغرب بلسانهم ويؤكد لمن تشكك أو شكك منهم بأن في الإسلام حضارة تأسست على التوحيد ونشرت بفضل مناهج الحكم الصالح قيما جليلة من الايمان والعدل وتكريم بني آدم. وأرجو من العاملين على خدمة الإسلام والعروبة من أهل الخير والمروءة أن يساعدوا على تعريب الكتاب للقراء العرب والشباب منهم حتى يعتزوا بأمجادهم ويخلصوا النية لتعزيز دينهم، وهو عمل صالح يحسب في ميزان حسناتهم. والله سبحانه من وراء القصد. (*) كاتب وسياسي من تونس (المصدر: صحيفة الشرق القطرية بتاريخ 29 جوان 2006)
رؤية إسلامية جديدة لمخاطبة الغرب
رشيد خشانة تزامن اجتماع القمة الأوروبي – الأميركي الأخير في فيينا مع اجتماع وزراء خارجية البلدان الإسلامية في عاصمة أذربيجان باكو من دون تخطيط مُسبق. وأتى الاجتماع الثاني لتكريس رؤية جديدة في التعاطي مع التحديات التي تواجه العالم الإسلامي، فهو لم يندفع إلى نقد المواقف الغربية وكيل التهم للطرف المقابل من دون حجة، وإنما توخى منهجا جديدا يبدأ بتصحيح الأوضاع الداخلية ثم الانتقال لمطالبة الآخرين بوضع خطط لمكافحة كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا) وتغيير الصورة النمطية السلبية عن العالم الإسلامي، خصوصا في وسائل الإعلام. وفي هذا السياق لوحظ في الوثائق التي اعتمدها المؤتمر، وأهمها «إعلان باكو»، تشديد على ضرورة دفع الإصلاحات في البلدان الإسلامية إن في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو في مجال ترسيخ الديموقراطية وتحقيق الشفافية وتعزيز دور المجتمع المدني، واعتبارها ركنا مهما لحماية التنوع الثقافي والديني والعرقي ومصدرا للإثراء المتبادل والحوار بين الأديان والحضارات. وإزاء تنامي ظاهرة كراهية الإسلام في عدد كبير من البلدان الغربية اتخذ المؤتمر مبادرة تخص إنشاء مرصد يرمي لمتابعة تجليات هذه الظاهرة. وكان الاتحاد الأوروبي شكل مرصدا لدرس «تجليات العنصرية وكراهية الآخر ومعاداة السامية» وبخاصة في وسائل الإعلام، وأقام المرصد في أيار (مايو) الماضي لقاء بين إعلاميين عرب وأوروبيين في مقره في فيينا، لكن الجانب العربي انتقد انحياز المرصد الى الأجندة الأوروبية وقلة حرصه على البحث عن قواسم مشتركة تخص ترسيخ قيم التسامح والتضامن والحوار بين الحضارات. أما منظمة المؤتمر الإسلامي فسعت لربط الاتصال بين مؤسساتها وأجهزة الاتحاد الأوروبي من أجل التنسيق في إعداد برامج التعليم الثانوي المتعلقة بالإسلام، مع الاهتمام بالدور الحيوي لوسائل الإعلام في هذا المجال، وبخاصة في أوساط الشباب. والمهم أن هناك خطوة عملية في هذا الاتجاه تتمثل بمؤتمر ستقيمه منظمة المؤتمر الإسلامي في أذربيجان يُخصص لدراسة دور وسائل الإعلام في تعزيز التسامح والتفاهم المتبادل بين الأمم والحضارات، واستطرادا تجسير ما يسميه البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي «الفجوة» بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، التي عزاها إلى «تفاوت مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين العالمين». وإذا استمرت هذه الذهنية الجديدة يمكن أن يشكل المؤتمر انطلاقة لتوسيع دائرة الاتصالات والحوارات مع النُخب الغربية لتحقيق نوع من الانسجام والتوازن في التعاطي مع الحرية والحقوق والهوية الثقافية والدينية. إلا أن الاهتمام ببلورة هذا المنهج لم يُغيَب قضايا الساعة الساخنة من مداولات مؤتمر باكو، فللمرة الأولى صيغ موقف إسلامي موحد من النزاع الإيراني – الغربي وتوجهت سبع وخمسون دولة إسلامية بخطاب مشترك إلى أوروبا وأميركا في رد غير مباشر على قمة فيينا الأخيرة. وشكل التمسك بحق البلدان الإسلامية في إجراء البحوث وإنتاج الطاقة النووية واستخدامها للأغراض السلمية حجر الزاوية في الموقف الذي تبلور في مؤتمر باكو. وعلى هذا الأساس اعتُبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية السلطة الوحيدة ذات الصلاحية للتحقق من مدى التزام الدول الأعضاء فيها بالضمانات المتصلة بتطوير الطاقة النووية، فيما رُفضت جميع الشروط المسبقة لاستئناف المفاوضات بين إيران والوكالة. لا بل دُعيت البلدان الغربية الى المشاركة في معاودة الحوار وتسهيل عمل الوكالة، بما يعني استبعاد أي دور لمجلس الأمن في حل الأزمة ورفض منطق فرض عقوبات على إيران. بالمقابل شدد إعلان باكو على ضرورة إخضاع المنشآت النووية الإسرائيلية للرقابة الدولية وانضمام الدولة العبرية إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي. ويمكن اعتبار هذه الرؤية الموحدة مقدمة لتكريس مشاركة أكبر للعالم الإسلامي في الشؤون الدولية ومجابهة الحملة الرامية لربط الإرهاب بالإسلام، على نحو يعكس وزن بليون و300 مليون مسلم في العالم مازالوا يُعتبرون قوة غير ممثلة في القرار الدولي. وربما تشكل الدول الإسلامية الكبرى الثماني التي عقدت قمتها السنوية الأخيرة في ماليزيا قاطرة لهذا التجمع الذي مازال في صدد التشكل. (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 29 جوان 2006)
خميس الخياطي (*) غريب عالمنا العربي اليوم… والغرابة هي أدني ما يمكن أن نصفه بها أمام تعدد مظاهر الشيء ونقيضه، القول بالأمر والإيمان بالمعارض له وغير ذلك من تعدد النغمات وتضاربها إلي حد الطحن الفارغ. قد يقول قائل أن كل هذا من سمات التعددية التي هي العنصر الأساس في النهج الديمقراطي الذي قيل أن العرب يفتقدونه. قد تكون الحال كذلك لو لم يكن هناك فارق بين السمفونية وجوقة طناجر المطبخ… في الحالتين، هناك تعددية في الأصوات. إلا أن جوقة الطناجر ومهما كانت قيمة الطناجر ومصدرها، هي أصوات حديد تتفوق علي السمفونية في كونها نابعة من الطبيعة… في حين للسمفونية هويتها الثقافة. وإحدي مظاهر تعددية الخردة الطبيعية هذه نجدها علي القمر الإصطناعي المصري نايل سات الذي له ميزة فريدة هي أنه مرآة لعالمنا العربي في كونه يحمل قنوات غالبيتها لا تعرف حتي نهجها التحريري، فما بالك من مصادرها المالية ومنابعها البرامجية. خلّي أهل البلاء للبلاء حينما بدأ هذا القمر العمل في نهاية التسعينات (1990)، لم يكن يحمل إلا المصرية الأولي وقناة أم، بي، سي . أما اليوم، فبه مئة وخمسون قناة فضائية عربية منها القنوات المحلية المصرية المتكاثرة التي رغب وزير الإعلام السابق ممدوح البلتاجي تصفيتها ولم يتمكن. وهو ما يقوم به خليفته أنس الفقي رغم معارضة عساكر نظام القطاع العام بمفهومها السلبي (خدمة أقل بمداخيل مؤمنة) بدعوي التنوع الثقافي المصري فيما هو أساسا ملء للفراغ بأبخس وأفقر الإنتاجات التلفزية. كذلك به القنوات الغربية وبعضها مشفر. القنوات الغنائية العربية تمثل ثلث القنوات العربية في حين تتقاسم الباقي القنوات الجامعة فالقنوات الإخبارية ثم القنوات المحورية التي من ضمنها القنوات الدينية التي تعمل كلها من الزاوية الإسلامية دون غيرها من الزوايا… ولأنه القمر العربي الوحيد ـ بعد عدول تونس عن إطلاق قمرها، وقيل وقتها في التسعينات أن الأسباب مالية بحتة ـ كانت كلفة الصعود للبث القمري الذي يغطي العالم العربي والبعض من آسيا وأوروبا تساوي نصف مليون دولار والدفع بالتقسيط المريح كل أربعة أشهر… كان ذلك في العام 1998. ومع المحافظة علي التقسيط، نزلت الكلفة إلي 400 ألف دولار وثبتت عند 35 ألف دولار مع التأكيد علي أن الإيجار يحدده مجلس إدارة الشركة (المصدر: مذيعات ومطربات التحرش الجنسي. روز اليوسف. العدد 4063). وكما يقول المثل الشعبي التونسي جنة وفيها بريكاجي … ولأن من شروط الخردة المتاجرة للربح السريع مهما كانت البضاعة المعروضة للبيع، فإن نايل سات لا يشذ عن القاعدة. فنجد به القنوات الجامعة الهامة والمؤثرة في الرأي العام العربي (ولا داعي لذكر الاسماء)، والقنوات الرسمية التي لا تتميز الحكومات الصادرة عنها بأدني درجة من إحترام للرأي المخالف رغم أنها موجودة كذلك بالقمر عربسات . نجد قنوات الـ تشات المتكاثرة التي بنيت علي هدم جدار الصمت ما دام المتكلم لا تظهر سماته الصوتية ولا الفيزيولوجية في ثقافة عربية تحب وتربت علي الكتمان والتورية والقناع… وبطبيعة الحال، هناك القنوات الغنائية التي أصبحت منذ فترة مصب كل الإتهامات. صحيح أن هناك قنوات، الغناء بها يشبه تماما صراخ الوز العراقي علي حد تعبير زينات صدقي… ولكن أن ينصب الإتهام كله علي هذه القنوات وكأنها المسؤولة عن الإجتياحين الإسرائيلي (لغزة) والأمريكي (للعراق) كما عن قضايا دارفور والصومال والصحراء الغربية إنتهاء بمقتل الزرقاوي وتشجيع الشباب العربي علي الفساد و الرذيلة إلي حد أن الصحفية المذكورة أعلاه كتبت أن الفضائيات إعتمدت علي بنات هن عار علي نون النسوة فيما كتب آخر أن هذه الومضات الغنائية هي بورنو كليب (الومضات الإباحية) والمسؤول عنها هو المغني/المخرج اللبناني جاد شويري وغيره ممن يريدون نخر الثقافة العربية ـ الإسلامية من الداخل (؟)… وما أسهل الإتهامات في عالم عربي لم يعد يفرق بين الوعظ والإرشاد وبين الترفيه المرئي، بين التعبير الذاتي والمصلحة الجماعية، بين تيارات الردة والعودة إلي السلف الصالح وتيارات الهروب إلي الأمام وإعطاء الحرية للفرد.
أن تتغني روبي (وإسمها الحقيقي رانيا حسين توفيق) بحركات الملاكمة ـ المتغنجة فليس ذلك سببا لمنعها من تأدية إمتحانها في الحقوق بجامعة بني سويف… أن تسبح ماريا في حوض من الحليب، فليس ذلك سببا لطلب اللعنة عليها وعلي البقر. ألم نستمتع بمثل ذلك مطولا في أفلام البيبلوم والرخاء القيصري الروماني حينما كانت أفلام صنف ب تلفزة الغلابة والمحرومين العرب وغيرهم؟ أن تغني تينا بلباس داخلي ، المسألة لا تتطلب الإستنجاد ببوليس الأخلاق. الأجدر هو السباحة نحو قناة أخري وما أكثرها من العفاسي حتي الهدي وترك أهل البلاء للبلاء … أن تتلوي نجلاء قرب الحصان وأن تتغني دومينيك بـ واوا…أح أو أخري بـ قطعني… ولعني ، فليس في ذلك أي سبب يدعو لإستعمال الأسلحة الثقيلة ضدهن وإتهامهن بالتعدي علي الأخلاق الحميدة التي بدورها تستعمل عادة في غير موقعها لتكبيل نمو وتطور تيارات خفية، داخلية لا يراد لها أن تطفو وتأخذ لها مكانا أمام الأبصار. فلننظر بتؤدة وتأن إلي تطور المجتمعات حتي العربية منها، سنجد أن التيارات الفنية لا تترقب الترخيص حتي تستجيب لرغبات من يطلبها. هو مبدأ الحرية والبقاء لمن له قابلية مصارعة الوهن الفني. الجسد العورة… يا هذا! من ينادي بتخليصنا من مغنّي ومغنيات الكليبات بدعوي الدفاع عن الأخلاق الحميدة له من قصر الذاكرة ما يجعلنا نذكره بأمهات الأفلام المصرية (العربية) حيث ـ ومع فارق الفترات ـ الجسد هو المكون الأساسي للسرد الفيلمي الرومانسي، كما هو الحال تماما بالنسبة للكليبات حيث الرومانسية إستبدلت بالإيحاء شبه الواقعي. ولكل زمن جاحظ… هل نسوا قبلات أبي فوق الشجرة لحسن كمال عن رواية لعبد القدوس؟ هل تغافلوا عن رقصات سامية جمال في الـ54 فيلما التي أبدعت فيها بصفات متفاوتة ولكنها كانت كلها معبرة بما قيل وقتها أنه مخالف للأخلاق الحميدة ؟ هل نسوا رقصة تحية كاريوكا في فيلم شباب إمرأة لصلاح أبوسيف؟ هل نسوا أن من أهم الأفلام التي لم تعد موجودة اليوم، فيلم الجسد لحسن الإمام؟ لا أحد مما ذكرنا كان ضد الأخلاق الحميدة، بل عبروا عما يتضارب في المجتمع المصري (والعربي) والذي أدي إلي هزيمة 1967 وما بعدها… الأمثلة عن الجسد وحقه في السينما العربية الأكثر إنتاجا وهي السينما المصرية كثيرة ولا أحد نادي بتنظيفها كما ينادون بذلك اليوم. من الجانب الآخر وبعيدا عن المحور الغنائي، بثت قناة آرتي (الفرنسية/الألمانية) للمرة الثانية منذ يومين الفيلم التلفزيوني التونسي الذي أنتجته وعنوانه نادية وسارة لمخرجته مفيدة التلاتلي. لا أحد يشك اليوم في موهبة مفيدة التلاتلي السينمائية، إلا لجنة الدعم السينمائي التونسي التي حرمتها من الدعم بدعوي أن السيناريو غير محكم… وهي علامة أخري عن قلة الذوق في بعض السياسات الثقافية. الفيلم من تمثيل المخرجة/الممثلة الفلسطينية هيام عباس (أدت دورا رائعا في فيلم الستار الأحمر للتونسية رجاء لعماري) في دور نادية الأم ودرة زروق، التي تعمل حاليا تحت إدارة السوري محمد ملص، في دور سارة البنت. بينهما الزوج الأب هشام رستم. تدور الأحداث في تونس العاصمة والضواحي الشيك وتتمثل في أزمة إمرأة وصلت سن اليأس، فأصبحت تغار من إبنتها وتنقطع عن العالم الخارجي وتنزوي حول ذاتها لا لسبب إلا لأنها بدأت تفقد ما تعتبره عنوان وجودها الفردي أمام المجتمع والطبيعة. كما نري الموضوع جريء والمواقف التي أدتها بجرأة الممثلة/المخرجة الفلسطينية مواقف تنحو نحو الإتجاه المعاكس للتيار الذي لا هم له إلا طمس الجسد أو حبسه فيما هو غير مرئي. لقد عملت مفيدة التلاتلي ـ وقد تعرضت إلي ذات الرغبة الجسدية في موسم الرجال ومن قبله في صمت القصور ـ علي إيلاء الجسد وحاجياته الأهمية الكبيرة في التعبير عن الذات ودون السقوط في الرذيلة مع إقتصاد في الدلالات. أن تري نادية في غرفة الحمام وهي تتكشف علي ذاتها، فليس في ذلك أي حرج أخلاقي لأن ليس في الأمر بصبصة مرضية ، بل هو عرض لإشكال مسكوت عنه ولجانب هام من مآسي المجتمعات العربية. أحدي روايات الراحلة سيمون دي بوفوار تطرقت إلي ترهل الجسد وتجيش العواطف وما ينجر عن ذلك من إشكالات… مفيدة التلاتلي تعرضت إلي تلك الإشكالات في عائلة عربية ـ تونسية (متفتحة) لا تعبر بالضرورة عن غالبية المجتمع التونسي، بل هي تعبير عن إمرأة تنتمي إلي تونس كما إنتمت إليها أم فيلم الستار الأحمر … ومرة أخري، تقدم السينما التونسية لمن يريد النظر فيها وإليها صورة غير معهودة ليس بسبب تقليعة فنية، بل لجهة الإمساك بجوهر الأمور وليس الركض مع المنادين بغض الطرف عنها. وجوهر الأمر يكمن في الإنسان الفرد. ويوم نصغي إلي ما يطلبه هذا الفرد في حق جسده نكون قد إنتقلنا من ثقافة القطيع والرعوي إلي ثقافة الفرد والتصنيع… حينها يكون التعدد حقا معيار الديمقراطية في جانبها الثقافي أولا وبعدها في الجوانب الأخري. إلي حين يطل عهد إحترام الفرد العربي، تهب الريح قوية من جانب الماكارثية العربية التي تسمح بالتعيير بنون النسوة. جملة مفيدة: من اين لك بهذا الحظ؟ هل يشفق الله كذلك علي الأشرار؟ . كلير تريفور في فيلم حينما يرفع الستار لمخرجه الأمريكي جون غيج 1948. (*) ناقد وإعلامي من تونس khemaiskhayati@yahoo.fr (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 29 جوان 2006)
محاولة للجواب علي سؤال مقلق:
لماذا تخلفت الثقافة الاسلامية؟
د. عزالدّين عناية (*) يعدّ اللاّهوتي الالماني السويسري هانس كونغ (1928م)، من بين ثلّة من المفكّرين الغربيين المعاصرين، المقتدرين علي معالجة مسائل الاجتماع الاسلامي ضمن رؤية حضارية شاملة، لذلك تري الرّجل ينأي بنفسه بعيدا عن موجة الاتهامات الفجّة للاسلام الشائعة في الاوساط الغربية، الاعلامية منها والاكاديمية علي حد سواء. وبمناسبة منحه الدكتوراه الفخرية في الفلسفة من جامعة جنوي الايطالية، سنة 2004، قدّم خطابا بالالمانية بعنوان: الميلاد المتأخّر للمفكّر في العالم الاسلامي ، نشِر اخيرا باللّغة الايطالية، في دار نشر دياباسيس بريجيو ايميليا، نوافي القارئ العربي بأهمّ ما جاء فيه من نقاط.
دار الخطاب حول قناعتين:
ـ ان تراجع الحضارة الاسلامية، هو جرّاء عطب في الاشتغال الداخلي وليس بفعل تعطيل خارجي، يعود امره لعدم توافق بين الفكر المطروح والاطار الحاوي له. ـ التفويت في التعامل الموضوعي مع اشكاليات الحياة في المجتمعات الاسلامية، ياتي جرّاء غياب توظيف العقلانية في التسيير المجتمعي. حامت كلتا القناعتين، حول المفكّر واشكالية حضوره في المجتمعات الاسلامية، ودوره الرّيادي من عدمه، اضافة الي اثره من غيابه في الحراك المجتمعي، باعتباره نقطة المرجع والمنطلق في الفعل الحضاري. وفي اثناء تحليله ينزل كونغ بكافة عتاده المعرفي، لاقناع مخاطَبيه بتحميل المسلمين حيثيات واقعهم المعيش. فما مدي صواب تلك النظرة؟ ينطلق كونغ في توصيفه لاشكالية المثقّف المسلم من نواة ازمة، تستبطن الصّعود والانحدار. ففي الآن التي كان فيها الاسلام العثماني يزحف عسكريا علي منطقة البلقان، ترافق في الاثناء مع بداية انحدار القوة العالمية الاسلامية. فتاريخ 1453، تاريخ فتح القسطنطينية، تضافر ايضا مع حدث 1492، تاريخ طرد المسلمين من الاندلس والاستعادة المسيحية لغرناطة، وما رافقته من حملات تطهير لشبه الجزيرة الايبيرية من الموريسكيين الذين ابوا التنصّر. جري في الاثناء اكتشاف الجنوي كريستوف كولمبس امريكا، التي كانت بادرة لتشبيب اوروبا وتمديد قوتها. تواصل تقدّم الاسلام مع الاتراك عسكريا، علي جناح المتوسّط الشرقي، كما تمدّدت هيمنته التجارية الي المحيط الهندي حتي جافا. لكن خلال بضعة عقود، وبدون تنبه، انفلق التجاوز الغربي في المجال العلمي التقني والاقتصادي والثقافي. مختتَما ذلك الانحدار الاسلامي بالاستعمار الاوروبي في القرن التاسع عشر، وحتي منتهي القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين لم يوضع حدّ بعد لذلك الانحدار. السؤال المقلق هو بالاساس سؤال حضاري، يتلخّص في: ما الذي حدث للثّقافة الاسلامية، التي تجاوزت الثقافة المسيحية بقرون سابقا حتي تبقي متخلّفة؟ ومتي بدأت حالة الرّكود الاسلامية وما هي مسبباتها؟ يحاول كونغ معالجة السؤال والاجابة عنه من خلال عناصر اساسية، رابطا بينها فلسفيا. ما الذي انحرف؟ منذ ستينيات القرن الماضي، بدا يلوح تجاوز العالم الاسلامي، من بلدان محاذية سائرة في طريق النمو، باستثناء افريقيا ما وراء الصّحراء. ومع مستهل القرن الواحد والعشرين تبين جليا، حتي مع عديد العرب، تخلّف العالم العربي عن سباق التنمية الدّولي. فبحسب تقرير التنمية الانسانية العربية، المنشور في برنامج الامم المتحدة لسنة 2002، والموجود علي صفحة الويب:www.undp.org، يتّضح انه برغم التطوّرات الهائلة في الميدان التّربوي والصحّي، ان تلك البلدان تحوز آخر المراتب العالمية في مؤشّرات النماء. اذ لا تزال الحريات المدنية والاقتصادية متدنّية، ولا يزال التردّي يضرب قطاعات هامة، ذات صلة بالتكوين والبحث والانتاج المعرفي. اضافة للمشاركة المحدودة للمراة في المسؤولية العامة والنشاط الانتاجي، اذ 50% من النساء لا زلن رهن الامية. ورغم الريع الناتج عن الثروة البترولية، فان مستوي انتاج كل البلدان العربية جمعاء، ساوي 530 مليار دولار خلال سنة 1999، ما لم يتجاوز مستوي دولة اوروبية بمفردها، مثل اسبانيا. وفي حين، كان معدّل الدّخل الفردي في البلدان العربية، خلال 1960، يماثل مستويات بلدان سائرة في طريق النمو، عرفت الاقلاع، لكن منذئذ انفتحت فجوة، خصوصا بالمقارنة مع دول آسيا الشّرقية وجنوب شرق آسيا، جعلت العرب يحوزون ادني المراتب. فنظريات المؤامرة، التي تحلّل الاوضاع بتعليلات خارجية، بحسب هانس كونغ، لا تساعد سوي الانظمة السّلطوية، التي تتخفّي عن مظاهر القمع والفشل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ولذلك، ودائما حسب رايه، من غير المجدي البحث واللّهاث وراء تعليلات التردّي في: الصليبيين والمغول والاسبان والفرنسيين والانكليز والامريكان، لتبرير تحوّل حضارة بمجموعها، الي مئات الملايين من الهياكل الخائرة سياسيا، والفقيرة اقتصاديا، والراكدة ثقافيا. ويواصل اللاّهوتي قوله: ولحسن الحظ، بعيد الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001، تكاثر عدد المسلمين الذين صاروا يتأملون بشكل جاد اوضاع التنمية السلبية في عالمهم، كما يدعمون ضرورة قلب بنية السؤال اين الخطأ؟ ، الذي صاغه مختصّ الاسلاميات الانكليزي برنار لويس، الاستاذ في جامعة برنستون، في مؤلّفه الصادر بلندن سنة 2002 What went wrong? The Clash between Islam and Modernity East. اذ مما لا ينبغي، طرح التساؤل بحسرة ذاتية: من اقترف كلّ ذلك؟ ، بل قلب السؤال، وبنقد ذاتي، ليصير: ما الذي اقترفناه من خطأ؟ ، للبلوغ بشكل بنّاء لـ كيف الســبيل لإتيان الافعال بشكل صائب؟ . ويواصل كونغ قوله: برغم بعض اعتراضاتي علي مقول برنار لويس، فان بعض طروحاته تبدو جديرة بالاهتمام منها قوله ان: ـ تخلّف الاسلام لا ينبغي ان يفسّر سطحيا، بعوامل عسكرية واقتصادية وسياسية، لكن الامر يستدعي النظر في العمق الثّقافي والفكري، المتجلّي في الفلسفة والعلوم الدّينية والتشريعية والتصوّف. فالتطلّع الي مقدرة عسكرية ورفاه اقتصادي وحرية سياسية، كلّها انجازات مرتبطة فعلا بتطلّعات للفهم والمعرفة والادراك، وبنشوء افكار جديدة ومبتكرات تقنية، لا يمكن ان تنغرس وتنمو الاّ ضمن ثقافة مهووسة بالشّغف المعرفي والعقلي. ـ لم ينطلق تخلّف الاسلام مع الفترة الحديثة، بل كان ذلك منذ القرن الثاني عشر، عندما عزلت الفلسفة، وتوارت استقلالية العلم المدني، التي بقيت حاضرة وممكنة في العالم المسيحي. عطالة الفلسفة العربية الاسلامية تدشّنت تلك الاستقالة منذ ابعاد الخطّ العقلي الرّشدي، بعد ادانته من طرف محكمة مدينة قرطبة، وما لحقه من منع كتبه وحرقها، علي اثر ظهور مؤلّفه تهافت التهافت . فقد كان حصار الفلسفة ضمن تحالف وفاقي بين الفقهاء والمتصوّفة. كان انقلاب السّلطة الموحّدية علي ابن رشد، جرّاء حاجة الخليفة لولاء الشرائح الفكرية النافذة، من فقهاء وعلماء شريعة ومتصوّفة، لردّ تهديدات الغزو الكاثوليكي الخارجي، ما ساهم بحدة في محاصرة تطور النهج العقلي. فلم تتوفّر للفلسفة فرصة تطوير هياكل ومؤسّسات فاعلة ودائمة في المجال الجامعي. وبرغم ان الفلسفة العربية الاسلامية لها تاريخ حافل، فهي لم تصنع تاريــــخ الاسلام، حيث لم تعبُر تمثلات العقل الي مستوي التجلّيات المؤسساتية الاجتماعية الفاعلة، كانت تلك العطالة حدثا مصيريا في خنق نسق التطوّر العقلي للاسلام. انطلاق الفلسفة الوسيطة المسيحية بعد عقود قليلة من رحيل ابن رشد (1198م)، اتاحت مدارس الترجمة في توليدو للمسيحية اللاّتينية فرصة التعامل مع شروحات ابن رشد الاساسية لاعمال ارسطو. فقد نشطت ترجمة مؤلفات ابن رشد في البلاط الملكي بصقلية، ثم في جامعة باريس، التي كانت مركز المسيحية البارز. وان لم يتيسر لابن رشد اقامة مدرسته في حضن دار الاسلام، فقد شُيِّدت بعد وفاته في حضن المسيحية، وحفظت اعماله في نصوصها اللاّتينية والعبرية. فتلك الفلسفة الغربية، المدفوعة بالترجمات الارسطية وشروحاتها العربية، والممارسة من طرف رجال اللاهوت، بشكل مستقل عن علم اللاهوت، كانت المسؤولة عن مولد المفكّر ، الحدث الذي خصّص له المؤرخ الفرنسي لوغوف كتابه الهام المثقفون في القرون الوسطي ، المنشور في دار ساي الفرنسية سنة 1957. ظهور هذا النمط الاجتماعي المهني من المثقفين، كان لحظة حاسمة في التطور الغربي، حيث ان الطراز الجديد من الشلّة العاملة، المتكونة من المدرّسين الجامعيين، والتي تؤدّي عملها الفكري الجديد في الاشتغال بالبحث والتعليم في الفضاء المواطني وليس في الفضاء الدّيري ، والكلام للوغوف (ص 176)، هو الذي كان وراء تلك الانطلاقة الثورية. اذ من خلال معالجة مسائل فلسفة العرب، صاغ العاملون بالجامعات تجربة الفكر المستقل، لذلك، ان مثّل ابن رشد نقطة ختم ووقف في الفلسفة العربية الاسلامية، فهو نقطة ابتداء وانطلاق في الفلسفة الوسيطة المسيحية. هكذا ورثت المسيحية الفلسفة العربية للاسلام. صار ابن رشد ذائع الصّيت، حتي انه في منتصف القرن الثّالث عشر كان ذكره بتجاوز اسمه، فقط، عبر ذكر لقب شارح ارسطو، لفرط استعمال المدرسيين شروحه لتجاوز مصاعب النّصوص الارسطية، مستعينين بشروحاته الدّقيقة لفك ما غمض منها. وبرغم تلك الحظوة، صار ابن رشد يمثّل خطر الاختراق في اللاّهوت المدرسي المسيحي، ولئن حاز لقب الشارح الكبير فقد مثّل ايضا الخطر الاسلامي الهرطوقي في الداخل المسيحي. غياب النهضة وتواصل القرون الوسطي عامل مواز لم ينل اهتماما جيّدا من المسلمين، فعلي اثر فتح القسطنطينية سنة 1453، حدث فرار عديد العلماء البيزنطيين الي ايطاليا، مما جعلها تحوز في القرن الخامس عشر الرّيادة الفنّية والثقافية في كافة اوروبا، معلنة بذلك انطلاق الحركة المسمّاة بالنهضة، في مقابل ذلك، كان الرّكون للانتصار العسكري، من جانب المسلمين. وهو ما يوعز ان التاريخ الكوني لا يتقرّر في ميادين الحروب فحسب، بل في دراسات المفكّرين، ومبتكرات المبدعين والمهندسين والفنّانين، وفي عمليات صقل المعارف في المدارس الدنيا والعليا. كان انطلاق النهضة الاوروبية باحياء دراسة اللاتينية والاغريقية الكلاسيكية، مع المراجعة التاريخية النقدية لكتابات القدماء. كما خلّف الشغف بفنون الرّسم في ايطاليا روحا جديدة للابتكار التقني وسعيا نحو الرّفاه المادي، كانا من حوافز التطوّر التجاري والصّناعي، الذي صار مورد الثراء الرئيسي حتي عوّض الفلاحة، مانحا الفرصة لاشكال جديدة من الاستثمار والمؤسّسات البنكية. في حمي تلك التحوّلات، بقي الاسلام معزولا عما دبّ في اوروبا، وما اجتُرح باتجاه الفردانية والحرّية والطبيعة والعالم المدني. وحتي مع القرون اللاحقة، فقد بقي الاسلام ذهنيا، ضمن الاطار القروسطي لرؤي العلماء والمتصوّفة. ولم تدرك نخبته الاّ اخيرا ان اوروبا شهدت حدث تغير كلّي. فالاوضاع في العالم الاسلامي ما كانت تسمح بظهور مفكّرين مستقلّين وعقلانيين، لذا لم تتوفّر ظروف نشأة نهضة او اصلاح او تنوير. خلال القرون الوسطي، بعد سيطرة الفقهاء وجحافل المتصوّفة علي السّاحتين السياسيّة والاجتماعية، متجلّ الامر في قمتي ارباب ذلك الفكر: ابن تيمية (1263 ـ 1328م)، المتلخّص فكره في مؤلّفه السّياسة الشرعية ؛ وابن عربي (ت 1240م) من جهة اخري، الذي روّج لطروحاته العرفانية عبر مجمل مؤلّفاته. تدعّمت استحالة انبعاث حرية الفكر والفعل والانتاج، وتقلصت كذلك سبل طرق المسارات الجديدة للعيش. تم كبح الديناميكية الثّقافية المحرّكة للعلوم والتقنية، وبالتالي جري منع نهضة المفكّر وتاخيرها في عالم الاسلام عدّة قرون. لم تكن العوامل الخارجية سبب انحدار الاسلام خلال القرون الوسطي وما تبعها، بل كان الجفاف داخليا، حيث انهزمت الفلسفة والشريعة واستعيض عنهما بارثوذكسية معادية للعقل والحرية، كانت سبب التعطيل الجوهري لتطوّر العلم والتقنية الحديثة في عالم الاسلام. باتت مؤسّسات التّدريس رهينة تكرار علوم السّلف وتلخيصها، وهو ما لم يسمح باي نقاش فكري او نقد ذاتي. هل الاشكالية الحضارية بسبب الاسلام؟ الي اي شيء يعود سبب توقّف الانتاج الفكري في العالم الاسلامي في الفترة الحديثة؟ يجيب هانس كونغ علي السؤال بقوله: المسألة ليست في الاسلام، وليست في الاطار الحضاري الحاوي، ما دام مسايرا لعصره، المسألة في تمديد تاريخية الاطار الحامل خارج الفترة المناسبة له. فاطار الفقهاء والمتصوّفة مناسب لاسلام القرون الوسطي، كشأن الاطار الحامل، الكاثوليكي الرّوماني، المناسب لمسيحية القرون الوسطي. لكن الاصرار علي تأبيد الاطار الحامل، في ظلّ ظروف زمنية متبدّلة، هو ما يقود الي الاختلال وعدم التوافق، وهو ما يسبب اللاّانتاج الفكري. فلا بد من التنبه ان الاطر الدّينية لها قدرة كبيرة علي التماسك والاستمرار، خصوصا في ظلّ تشكّل مَاْسَسة قوية للحياة الدّينية. تلك بعض الطروحات التي صاغها هانس كونغ بشان المفكّر في الاسلام ، وبرغم خاصيات الاحاطة الشاملة عند المعالجة، يبقي مسيطرا النّظر للتبدّلات الحضارية لديه، في سيرها ضمن ميكانيزماتها الداخلية، دون الاعتراف بترصّد الحضارات بعضها لبعض. وكان الامر يخفي تبريرا وتسترا، لما اقترفه الغرب وما يقترفه، من آثام في العالم الاسلامي علي مدي القرون الاخيرة. فذلك الترصّد، صار بيّنا بشكل لافت منذ مطلع القرن السّالف، منذ تثبيت اصوله، عبر مسميات القانون الدّولي ومحافله الرّاعية له. والذي صار اطارا لشرعنة هيمنة شلّة الاقوياء علي الضّعفاء واغتصاب حقوقهم. ضمن ذلك الجدل، بيْن انحباس سير الداخل وسعي الخارج لتعطيله، يبقي العالم الاسلامي متحمّلا بشكل اساسي ومحوري مسببات تراجعه وثباته، فالاعتراف الكياني بتحمّل دواعي انحباسه، وحده الكفيل بخلق عوامل انطلاقه. وفي مقابل تجميع كونغ ازمة المفكّر المسلم ضمن العامل الداخلي اساسا، نجده بالمثل ينحاز الي رسم مسار التقدم الحضاري، ضمن نسق غربي فحسب، جاعلا من الغرب حربته المتقدمة لا غير. فمثلا عندما يستند كونغ في تحليله لتردّي العالم الاسلامي وأزمة الفكر فيه، علي توصيفات بعض المثقّفين العرب المتواجدين في الغرب: مثل السّوري بسّام الطّيبي، والتّونسي عبد الوهاب المؤدّب، يتغافل عن حقيقة سوسيولوجية وهي ان المثقّف العربي في الغرب في الزمن الحالي، ليس مسموحا له التفكير في الشأن الاجتماعي السياسي للمجال الحضاري الوافد منه، بطريقة مغايرة عما هو سائد في الخطاب الغربي الشائع. لذلك يلاحظ في توصيفات الكاتبين المذكورين لاشكالية التخلّف في العالم الاسلامي، عبــر مقاربتيهما، متابعتهما الشائع الغربي واهتدائهما بمقوله بشكل ارثوذكسي، رافعين اياه لدرجة القول الفصل، الذي طالما لاكته الالسن خلال القرن السالف، والمتلخّص في ان علّة العرب والمسلمين في عدم فصل الدّيني عن المدني. فعدم الخروج من هذا المأزق التصوّري، يخفي تحقيرا للتجارب الحضارية الاخري، وعدم اعتراف ان كل حضارة تصنع وعيها بتاريخها وتتجادل مع اشكالياتها الاجتماعية، وتفرز لها حلولها، ضمن عراكها المباشر مع واقعها، فلا حضارة لها حق املاء نمطها علي غيرها. (*) استاذ من تونس بجامعة لاسابيينسا بروما tanayait@yahoo.it (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 29 جوان 2006)
من يجيب السيد الرئيس عن الإسلام و الإسلاميين والأحزاب الإسلامية؟
محمد الأمين ولد محمد المختار mohamedamine@maktoob.com في الأيام الأولى للانقلاب لم يكن أحد منا يجد نفسه مرتاحا – تماما – لأن يحاول مناقشة بعض الجوانب الخاطئة في حكومة المجلس العسكري رغم وجودها بصورة لافتة ، ورغم أنه ليس في ماضي الانقلابيين ما يجعلنا نصدق وعودهم، ولكنا جميعا سكتنا وانتظرنا لأننا نؤمن أن من لا يخطئ فلأنه لا يعمل ، ولأننا نؤمن أن باب التوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها وأن من خرب يمكن أن يبني إن أراد ، ولسبب آخر أهم من هذا وذاك يتعلق بالفكر الذي يقوم عليه نظام الحكم. فإذا كان النظام يحترم مواطنيه ويعاملهم على قدم المساواة ولا يقدم نفسه كوصي على أفكارهم يصادر منها ما شاء ويطلق منها ما شاء فإن أخطاءه في الممارسة قد تكون محل تفهم أو تجاوز مؤقت ؛ وقد كان من أهم إنجازات المجلس العسكري أنه استطاع أن يستمع للجميع – أو للأغلبية العظمى على الأقل – ويشعر هم بأن الوطن وطن الجميع وأنه يمكن أن يسع الجميع. حدث ذلك في أيام التشاور التي دعي لها الجميع ، وحدث ذلك في وسائل الإعلام الرسمية التي فتحت أمام الجميع ، لكن أمرا بدأ يكدر هذا الإنجاز ليفرغه من محتواه ويجعلنا نتذكر العهد البائد ونتذكر حرية الصحف وحرية الأحزاب … إن خطاب السيد الرئيس في روصو بما حمل من تشنجات وانفعال غريب وتخوين يجعلنا ملزمين بوقفة تأمل واعتبار لأن كلام الرئيس لا يلقى على عواهنه ولا يأتي عفو الخاطر وإنما هو مرآة للفكر الذي يقوم عليه نظام الحكم. أفكار غير قرآنية إنها عبارة جميلة من قاموس السيد الرئيس أعجبتني كثيرا وكنت أعدها من تواضعه لا غير، لكنني عندما تابعت خطاب السيد الرئيس في روصو تذكرت العبارة ووجدتها مطابقة لمقتضى الحال ؛ ووجدت أن الأفكار – حقا – غير قرآنية حتى لا أقول شيئا آخر ومهما يكن فإن العبارة تدل بالفعل على التواضع ؛ وذلك ما يجعلنا نعتبر أفكار السيد الرئيس مستحقة للمناقشة وليست كأفكار سلفه المعصوم والملهم ، نقول ذلك مستحضرين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنصيحة التي جعلها هي الدين » قلنا : لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » ، النصيحة إنما يستحقها ويحتاجها من لا يعتقد لنفسه العصمة ، زيادة على أن السيد الرئيس قد ألح وهو يطرح السؤال « ما معنى حزب إسلامي في الجمهورية الإسلامية الموريتانية؟ » فأخشى أن يكون ذلك من السيد الرئيس أمرا واجب التنفيذ سياسةً ودينا (عند من يفرق بينهما). ومع ما بدا به السيد الرئيس من استقلالية في كل شيء (سوف أفعل ، ولن أقبل ، وأنا أقول لكم … ) فإني أكاد أجزم بأن ما ورد في خطاب الرئيس إنما هو من إنجازات البطانة من بقايا العرب البائدة الذين بقوا في دهاليز القصر يحوكون ويخططون. وبعد فليس هذا المقال موجها إلى السيد الرئيس دون السيد المرؤوس ولكنه معالجة فكرية هادئة لأمر مطروح بإلحاح ، ومحاط بالكثير من اللبس وأحيانا من الإلباس. إسلامنا ومذهبنا كثيرا ما غنى النظام البائد بإسلام أجدادنا – حقا يريد به باطلا – وذلك حين يضيق الحبل على عنقه فينطلق ذات اليمين وذات الشمال ناشدا طوق النجاة ، وأحيانا يتذكر الأجداد إذا لم يجد منقذا ، تعودنا على تلك المهزلة وكنا نظن أنها انتهت وكنا نظن أن أجداد وكالة الأنباء قد رقدوا وارتاحوا ولكن ولد سيد عبد الله صاحب « كتاب التأملات في الخطابات النيرات » آثر أن يوقظهم من جديد ، فبدون ذلك لا تكون الإذاعة « إذاعة موريتانيا ». إن الإسلام دين الله الذي ارتضاه لعباده أجمعين (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وهو دين كل الآنبياء والرسل ؛ أمهاتهم شتى ودينهم واحد ، ختمه الله تعالى بمحمد صلى الله عليه حين أنزل عليه : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) فانطلق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعوهم بإحسان يخرجون الناس من الظلمات إلى النور ، وقد من الله على بلادنا أن وصلتها الرسالة المحمدية على أيدي أولئك « الدعاة » جزاهم الله خير الجزاء ، لكنهم حين أوصلوها لم يوصلوا إسلاما موريتانيًّا مختلفا عن إسلام شامي وآخر عراقي ؛ إنهم أوصلوا دين الله الذي لا دين سواه ، ولكن دين الله واسع وقابل لتعدد الاجتهادات والمذاهب ، ولقد أحسن أجدادنا إذ اختاروا مذهب عالم المدينة وهم يحترمون مذاهب الأئمة أجمعين ، واختاروا مذهب أهل السنة ديانةً لا استغلالا . إن التفاخر بخصوصية بلاد شنقيط في نشر دين الله وتبليغ رسالته وحمل أمانة العلم في الصحاري المترامية لهو فخر مشروع ومطلوب حين يكون حافزا لاتباعهم والسير على منهاجهم ، ولكن إذا كان الأجداد منسيين لا ذكر لهم إلا للمزايدة فإن لسان الحال يقول : إذا افتخرت بآباء ذوي حسب قلنا : صدقت ؛ ولكن بيس ما ولدوا أجدادنا والسياسة
رغم أن أجدادنا لم يدَّعوا يوما أنهم يحتكرون الدين أو أنهم وحدهم الممثلون له حتى تكون أعمالهم ومواقفهم هي الحجة والفيصل – رغم ذلك فإنهم بحمد الله كانوا من خير من يمثل الدين ويستغل السياسة للدين ويستغل الحياة كلها للدين ،( إنني – بالطبع – أقصد أجدادنا الذين كانوا من أهل الدين – ودعونا من نبش التاريخ – ) نبدأ مع المرابطين الذين أخروا سقوط الأندلس لعشرات السنين وأسسوا دولته على البر والتقوى وتحكيم كتاب الله ونصل إلى الإمام ناصر الدين وجهاده وحدوده وسنين التوبة وإلى الإمام الحاج عمر الفوتي الفقيه المجاهد ثم بعد سقوط الإمارات الإسلامية نجد كم من إمام معتبر يدعو إلى إقامة الحكم الإسلامي؛ محنض بابه والشيخ محمد المامي الذي نظم الأحكام السلطانية للماوردي والشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا ، وحتى في إمارات « الطوائف » – إن صحت العبارة – كان الأمير- غالبا – يجد نفسه ملزما بأن يعتمد قاضيا يحكم بشرع الله وملزما بأن يستشير العلماء في أحكام نفسه وسياسة رعيته ظواهر غريبة وأفكار جديدة هكذا كان أجدادنا ولكن جاء شيء جديد جاء الاحتلال البغيض المعتدي على الشعوب المستضعفة ؛ ورغم ترغيبه وترهيبه فإن أفكاره ومذاهبه لم تجد أرضا صالحة لإنباتها ، فلم يظهر في مدة الاحتلال – على طولها – من يتبنى دين المحتل أو أفكاره ، وبقي أهل شنقيط مسلمين مائة بالمائة بفضل العلماء الذين قاوموا « سياسة » المستعمرالبغيض ، ولكن بعد الاستقلال بدأت تتجلى مظاهر غريبة وأفكار جديدة ؛ ظهر العلمانيون وظهر الشيوعيون .. وظهر الليبراليون … ولم يعد مذهب مالكا وحيدا ولم تعد عقيدة أهل السنة وحيدة وأخشى أن أقول إن الإسلام لم يعد وحيدا، لست على يقين بأن أجدادنا الذين كانوا موجودين حينها قد قبلوا تلك المظاهر الجديدة فما بلغنا عنهم – والتاريخ قريب – أنهم أنكروا أشد الإنكار وأنهم قد تقرحت قلوبهم على شباب تلقفتهم مبادئ ماركس وستالين وميشل عفلق » أفيون الشعوب » وظهرت أيضا ظواهر أخرى غريبة ؛ ظهر المنصرون » المكفِّــرون ، منظمات تترا تحت عناوين شتى كلٌّ منها واقف على باب من أبواب النار كي يقذف فيها من استطاع من أبناء الإسلام وليعلم من لا علم له ولا هم له إلا « المرجن » أن الإنجيل المحرف موجود على الإنترنت بالحسانية وأن فيلما عن المسيح – عليه السلام – على الإنترنت مدبلج بالحسانية بكامله ولا أدري هل تلك الأصوات الحسانية الفصيحة غير معدودة في المائة بالمائة ، ولا أدري هل ما يجري في السبخة – مثلا – يدخل في الإسلام مائة بالمائة كل هذه الظواهر الغريبة والأفكار الجديدة يمكن أن تظهر وأن تعمل ولكن إذا قام من يريد العودة إلى الأجداد الحقيقيين والعودة إلى الإسلام ونبذ هذا الجديد الغريب كان هو المتهم والمشتبه وكان عليه أن يبرر قيامه وإسلامه ودعوته ، وكان هو الغريب » فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس » تسييس الدين وتديين السياسة إنها قضية من أكثر القضايا لبسا على كل من يستـقي تصوراته من وسائل الإعلام في غالبها الأعم ؛ والسبب بسيط فالأغلبية الساحقة من هذه الوسائل منطلقة من أسس علمانية تجعل السياسة شيئا والدين شيئا آخر ، فمن كان ذا علاقة بالدين – علما به أو دعوة إليه – فلا علاقة له بالسياسة ؛ وإذا حاول ما هو من حقه من ممارسة سياسية كان مسيسا للدين ، ولا ينطبق العكس على من كان جاهلا بالدين فله التدخل فيه متى شاء من باب الحق في التعبير، إنها معضلة تجعل الديمقراطية لا معنى لها ما دامت تمنع بعضا – كائنا من كان – من ممارسة حقه السياسي لكننا إذا علمنا أن هذا الفكر غريب عن ثقافتنا ومستنبت من ثقافة أخرى لها دينها ولها فكرها المباين لديننا وفكرنا فإن الأمر يسهل فهمه ؛ وسندرك أن الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة – وأولها الحكم – وأن من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وهم الفاسقون وهم الظالمون ؛ كل بحسبه ، وإذا لم يكن الحكم من السياسة فلا أدري ما ذا بقي منها؟ ألا وإن كون السياسة من الدين لا يعني أن فلانا من الناس يجب تقليده في اجتهاداته السياسية ؛ كلا ، ولكنه يعني أن السياسي عبد من عباد الله مخاطب بأحكام الدين لا يجوز له أن يخرج على ثوابت الإسلام ولا أن يستحل ما حرم الله ؛ نعم إن تسييس الدين غير مقبول فليس الدين مفعولا به للسياسة أو لغيرها ولكن تديين السياسة والحياة كلها واجب وفرض على كل من يؤمن بكتاب الله ويراه دستورا لحياته إن تسييس الدين هو أن يأخذ السياسي موقفه على هواه أو على مصالحه أو على مزاجه فإذا أحس في منطقه السياسي ضعفا في إقناع الآخرين لجأ إلى استغلال الدين؛ تماما كحال التاجر الذي يعمل بالربا وهو يدعي تقديم المساعدة للمحتاجين ، تماما كذلك المطعم الذي يبيع « الهامبورجر » وقد كتب على لافتته » مطعم عامرية الفلوجة ». أظن أن الجميع ما زال يتذكر كيف تفنن النظام البائد (هل باد حقا؟) في تسييس الدين واستخدامه بدلا من خدمته، إنهم أذكياء ومراوغون ؛ يريدون أن يطردوا غيرهم من الساحة لتخلو لهم ولكن هيهات . إسلاميون وجمهورية إسلامية ما معنى حزب إسلامي في جمهورية إسلامية؟ وما معنى حركة إسلامية في مجتمع إسلامي ؟ نعم سوف نجيب ولكن ما معنى جمهورية إسلامية في عالَم إسلامي أكثر دوله لم تتسَمَّ بـ « الإسلامية » رغم أن مواطنيها مسلمون مائة بالمائة ؟ ربما كان هذا السؤال الأخير معينا على الجواب على السؤالين السابقين ، أو هو بحد ذاته جواب كاف، ونبادر إلى القول بأن الإسلاميين هم أحر ص الناس على أن يكون كل الناس إسلاميا ، ولذا لم يكونوا مبادرين إلى وصف أنفسهم بهذا الوصف – رغم شرفه – خوفا من الإيهام الذي يمكن أن يجعله ملتبسا عند البعض فعندما تقرأ مذكرات الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس أهم حركة إسلامية في التاريخ الحديث تجد أن الرجل قد أدرك ذلك في اللحظة الأولى لتأسيس الجماعة حين « قال قائلهم : بم نسمي أنفسنا؟ وهل نكون جمعية أو ناديا أو طريقة أو نقابة حتى تأخذ الشكل الرسمي؟ فقلت : لا هذا ولا ذاك ، دعونا من الشكليات ومن الرسميات وليكن أول اجتماعنا وأساسه الفكرة والمعنويات والعمليات . نحن إخوة في خدمة الإسلام فنحن – إذن – الإخوان المسلمون » لا يمكن أن تتحكم في ألسنة الآخرين وتفرض عليهم ما تحب أن تسمى به ولكن خطأهم في التصور لا ينبغي أن يجرك إلى التنازل عن مبادئك . الحزب الإسلامي وحزب العدالة والديمقراطية فإذا كان الحزب الإسلامي يحتكر الإسلام … فهل حزب العدالة والديمقراطية يريد أن يحتكر العدالة؟ لن نطيل الوقوف عند المصطلح وما فيه من احتكار يمكن لكل من الطرفين أن يتهم به الآخر فإذا كان الحزب الإسلامي يحتكر الإسلام ( وهو الذي يريد أن ينشره بين العالمين) فهل حزب العدالة والديمقراطية ( وهو حزب فعلا ) يريد أن يحتكر العدالة؟ لن نتهمه بذلك طبعا فما يجري خلف القضبان لا يساعد ذلك الاتهام. كفى من المماحكة ، ولننا قش أصل المشكلة الذي يكمن – حسب اعتقادي – في أن السيد الرئيس يحترم مسؤولية كل وزرائه ولا يتدخل لهم إلا إذا تعلق الأمر بالحركة الإسلامية – بكل أطيافها- فرغم أن وزير الداخلية هو الذي يملك الصلاحية لدراسة ملفات الأحزاب فإن السيد الرئيس لم يحترمه في صلاحياته عندما تعلق الأمر بحزب « حمد » بعد ما كان الوزير قد وعد أصحاب الحزب بتسليمهم وصل الاعتراف ، ولكن السيد الرئيس قطع برفض الحزب نيابة عن السيد الوزير فعاد اللبن في المروب إن من حق السيد الرئيس أن يكون له موقفه وقناعته من الحزب الإسلامي وأن يعتقد أن الإسلاميين ظلاميون وخائنون ولكن هل له الحق في أن يقصيهم بجرة قلم أو بجرة خطاب؟ والأخطر من هذا وذاك أن كل حزب يضم شخصا متهما بحمل فكرة إسلامية أيا كان مركزه فهو ممنوع ، إذن فليس الحزب الإسلامي هو المرفوض فقط عند هؤلاء ولكن كل إسلامي ممنوع من ممارسة السياسة حتى ولو لم يطالب بحزب مستقل. إن ذلك لا يطمئن على مستقبل البلاد والعباد الحكم بعد الانتقال
لا شك أن السيد الرئيس قد سمع بتلك الإشاعة التي ينشرها بعض المغرضين القائلين بأن المجلس العسكري لا يمكن أن يتخلى عن السلطة وأنه إن فعل في الظاهر فسوف يبقى خلف الستار في الباطن ، ولا شك أن السيد الرئيس قد علم بأن هذا الرأي لا يجد من يقتنع به إلا فئة قليلة ؛ فلعله رأى أن يقدم لأصحاب هذا الرأي ما يدعمون به نظريتهم؛ قد أفلح في ذلك فبماذا يمكن أن نفسر مقولة السيد الرئيس: « وأنا أقول لكم إنه لن يقبل في الجمهورية الإسلامية أي حزب إسلامي أبدا ولن تفتح أمامه أية طريق مهما كانت »؟ ما معنى هذه الـ »أبدا » هل تصل إلى أبريل 2007؟ ما أدرى السيد الرئيس أنه سيأتي سيدٌ آخر باسم الشعب يقرر أنه لا حق إلا للإسلاميين؟ ولله الأمر من قبل ومن بعد. (المصدر: موقع وكالة الأخبار الموريتانية (مستقلة) بتاريخ 15 جوان 2006) وصلة الموضوع: http://www.alakhbar.info/page1.php?id=5335&catid=19
الإخوان المسلمون وثورة يوليو: ملف قديم جديد
د. بشير موسي نافع (*) في حلقة الخميس قبل الماضي، عالج الأستاذ محمد حسنين هيكل في مذكراته التي تبثها قناة الجزيرة ملف العلاقة بين الإخوان المسلمين وثورة (أو انقلاب) 23 يوليو 1952 في مصر. وهذا الملف هو واحد من أكثر الملفات الشائكة في تاريخ مصر الحديث، وتاريخ مصر الجمهورية علي وجه الخصوص؛ فمنذ قيام الثورة ومصر تشهد جدلاً متصلاً حول علاقة قادة الانقلاب بالإخوان المسلمين وعلاقة الإخوان بالثورة. هل كان عبد الناصر وعدد من صحبه أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، وما هو الدور الذي لعبه الإخوان في الثورة، وهل كان الصراع الذي شهده عام 1954 بين الإخوان وقيادة الثورة صراعاً بين شريكين، أو صراع قادة الثورة ضد جهة حاولت إطاحة الضباط والاستيلاء علي مقدرات الأمور في البلاد دون وجه حق؟ هذه بعض من الأسئلة التي لا يزال عدد من شهود الحدث ومؤرخيه والمهتمين به يحاولون الإجابة عليها. ولم يكن غريباً بالتالي ان تثير الحلقة موجة جديدة من الجدل حول تاريخ الثورة وحول رواية الأستاذ هيكل له. وقد تزايد اهتمامي بهذه الفترة من تاريخ مصر مؤخراً لسببين رئيسيين: الأول، أن العلاقة بين الإخوان المسلمين وثورة يوليو (في جانبها الصراعي) أصبحت نموذجاً تأسيسياً للعلاقة بين تيارات الإسلام السياسي المختلفة وأنظمة ما بعد الحرب العالمية الثانية في أغلب البلدان العربية؛ والثاني، ان التيار الإسلامي في مصر بات يعد منذ سنوات القوة السياسية الأهم في الساحة المصرية، بدون ان يتمتع بشرعية العمل السياسي. والمدهش ان الدولة المصرية (وريثة نظام يوليو) تعتبر ان الإخوان فقدوا الشرعية السياسية في لحظة الصدام التأسيسية تلك، أي في 1954، وأن لا مجال لمنحهم حق الوجود والعمل السياسي مرة أخري.
محمد حسنين هيكل هو بالطبع واحد من أهم الشهود علي العقدين الأولين من العهد الجمهوري، ليس فقط باعتباره أبرز صحافيي مصر طوال نصف قرن علي الأقل، ولكن أيضاً لاقترابه اللصيق من مؤسسة الحكم آنذاك. وبالرغم من ان الأستاذ هيكل قد نهج في الكثير من كتاباته نهج الشاهد/ المؤرخ، وأن هذا النهج ازداد وضوحاً في كتاباته الأخيرة، فمن الصعب تجاهل علاقته بنظام يوليو، خاصة عندما يكون النظام هو موضوع التأريخ والجدل. وربما يمكن القول، وقد تابعت العديد من الحلقات التي بثتها الجزيرة، أن قراءة الاستاذ هيكل للحقبة السابقة علي وقوع الانقلاب العسكري قد استبطنت تسويغ حدث الانقلاب ذاته. فبالرغم من ان مؤرخي تلك الحقبة قد يختلفون مع قراءة الأستاذ هيكل لقوي السياسة المصرية آنذاك، ومع تقديره لوضع كل منها، فثمة قليل من الاختلاف حول ان أوضاع البلاد كانت تتجه نحو انفجار سياسي واجتماعي واسع، وان الانقلاب العسكري وقع لأن شيئاً ما كان لابد ان يقع. ما حاول الأستاذ هيكل إيصاله للمشاهد، علي مدي عدد كبير من الساعات، ان الانقلاب جاء نتيجة انهيار الشرعية والفعالية الذي أخذت تعاني منه مؤسسة القصر، وحزب الوفد، أكبر أحزاب البلاد وأكثرها شعبية، والأحزاب السياسية الأخري، وعجز الطبقة الصناعية والمالية عن تعزيز مواقعها، في الوقت الذي باتت فيه مصر ساحة تدافع بين نفوذ بريطاني آفل واندفاعة أمريكية للقبض علي مقدرات القرار الغربي. ولكن هيكل لم يؤكد وجود مشروع للثورة، وطرح الانقلاب باعتباره حركة إصلاح عسكري، تطورت تحت تأثير العناصر المدنية الملتفة حول الضباط إلي مشروع للحكم العسكري المباشر. بهذا، تبريء رواية الأستاذ هيكل الانقلابيين من مسؤولية الانقلاب (إن صح التعبير)، وتلقي بمسؤولية انتقال مصر إلي الحكم العسكري علي عاتق عدد صغير من المدنيين، مثل السنهوري باشا، سليمان حافظ، علي ماهر باشا، وفتحي رضوان. ثم جاء دور الإخوان المسلمين والشيوعيين، وكلاهما لم يكن يعتبر من قوي المؤسسة السياسية، لإخراجهم من دائرة الشرعية والقدرة علي المشاركة في صياغة مستقبل جديد لمصر. والمهم هنا هو الإخوان المسلمون، ليس فقط نظراً للجدل المستمر حول دورهم في الثورة، ولكن أيضاً للتباين الهائل بين وزن الإخوان الشعبي وتوجهاتهم ووزن الشيوعيين وتوجهاتهم.
استندت قراءة الأستاذ هيكل للإخوان المسلمين إلي ثلاثة موضوعات رئيسة: الأولي، ان علاقة بعض قيادات ضباط الثورة السابقة بالإخوان كانت علاقة استكشافية، ولا تبرر اعتقاد الإخوان بأن الانقلاب كان انقلابهم أو أنهم شركاء في الحدث التحولي. والثانية، ان الصدام التالي بين الإخوان والثورة، بكل عواقبه الثقيلة علي الحياة السياسية المصرية (والمستمرة حتي الآن) لم يكن مستغرباً، ذلك ان الإزدواجية الإخوانية بين ما هو دعوي ـ إسلامي وسياسي وبين ما هو عسكري – سري كانت قد فجرت الصراع بين الإخوان والحكم المصري (الملكي) منذ نهاية الأربعينات. ولأن الإخوان المسلمين لم يستطيعوا التحرر من الإزدواجية تلك، فقد كان صدامهم مع النظام الجمهوري الانقلابي مسألة وقت لا أكثر. أما الموضوعة الثالثة في قراءة الأستاذ هيكل، فكانت موضوعة إجمالية، بمعني انها جاءت كاستنتاج عام جوهره أن الإخوان، كغيرهم من القوي السياسية الأخري آنذاك، لم يكونوا مؤهلين لصياغة مستقبل سياسي جديد لمصر. تطرح هذه القراءة عدداً من القضايا الهامة، التي لا يمكن قبول رواية الأستاذ هيكل بدون الإجابة عليها.
القضية الأولي، أن علاقة الرئيس عبد الناصر بالإخوان المسلمين، بل وبالجهاز الخاص (السري) للإخوان، هي علاقة قديمة، بدأت منذ مطلع الأربعينات. وهي علاقة لم يعد من الممكن نفيها أو تجاهلها في ضوء العديد من الشهادات التي نشرت في هذا الصدد من كبار الضباط من زملاء عبد الناصر ومن القيادات الإخوانية لتلك الفترة. وليس عبد الناصر وحسب، بل ان عدداً كبيراً من قيادات حركة يوليو كان معروفاً بارتباطاته الإخوانية. والمهم هنا ان ليس ثمة من دليل علي ان عبد الناصر انتمي لأي حزب سياسي آخر طوال الفترة من مطلع الأربعينات وقيام الثورة في يوليو 1952. الوحيد من الضباط الذين شاركوا عبد الناصر الانتماء للإخوان، ثم انتهي به الأمر إلي الانتماء لقوة سياسية سرية أخري هو خالد محيي الدين، الذي أصبح شيوعياً. ولكن عبد الناصر فك ارتباطه بالإخوان، لأسباب يطول شرحها، في الفترة بين 1949 و1951، عندما قام النظام الملكي بهجمته الواسعة علي الإخوان، وتسارعت عجلة بناء تنظيم الضباط الأحرار في الجيش. ثم عاد عبد الناصر إلي توثيق علاقته بالإخوان منذ مطلع الخمسينات؛ وهذه المرة بقيادات الإخوان المدنية والسرية ـ الخاصة علي السواء. وبالرغم من ان من السهل انتقاد استمرار وجود التنظيم الإخواني الخاص والسري بعد حادثتي مقتل القاضي الخازندار ورئيس الوزراء النقراشي، فمن الصعب توجيه هذا الانتقاد فيما يتعلق بالعلاقة مع الثورة؛ إذ ان رابطة عبد الناصر المبكرة مع الإخوان تمت من خلال التنظيم الخاص، كما ان التنظيم (أو انشقاقاته) لعب دوراً مزدوجاً خلال الصدام مع الحكم الجديد في 1954، بعد ان نجح عبد الناصر في استمالة بعض قياداته.
القضية الثانية، أن من الصعب الآن الجزم بما كانت علية نوايا عبد الناصر عشية قيام الانقلاب وخلال الأيام القليلة التالية علي نجاحه. وحتي الأستاذ هيكل، أحد شهود الحدث ومن أصبح بعد ذلك واحداً من أقرب المقربين من عبد الناصر، لم يستطع تقديم قراءة واضحة ومقنعة لما كان عليه تصور عبد الناصر آنذاك للأمور. وينسحب هذا الغموض علي تصور عبد الناصر لدور الأخوان وتصور الإخوان لدورهم. ولكن مهما كانت درجة ومستوي الغموض فلا يمكن التساهل في نفي الرواية المشتركة والمتشابهة لعدد ملموس من قيادات الإخوان الذين كانوا علي اتصال وصداقة مع عبد الناصر آنذاك، ووصف هذه الرواية بأنها مجرد وهم. عندما تتفق آراء كل من صلاح شادي، فريد عبد الخالق، حسن عشماوي، وصالح أبو رقيق، علي أن عبد الناصر تقدم إليهم عشية الانقلاب علي انه إخواني، وأن مشروع حركة الضباط هو مشروع إخواني، فعلي المؤرخ أن يحفر أعمق بكثير من مجرد استنتاج الوهم وسوء الفهم. ما يعزز وجهة النظر هذه ان عبد الناصر وصحبه قد استثنوا الإخوان المسلمين فعلاً من القرار الكبير والشامل لحل الأحزاب، وظل الإخوان المسلمون التنظيم السياسي الوحيد من تنظيمات ما قبل الانقلاب الذي ينشط بحرية، إلي ان بدأ مسلسل الصدام مع عبد الناصر وقيادة الحكم الجديد.
القضية الثالثة، ان قراءة صدام الإخوان المسلمين بالنظام الملكي، ابتداء من 1948 علي الأقل، باعتباره مسوغاً للحملة الواسعة التي شنها نظام الثورة علي الجماعة منذ نهاية آذار (مارس) 1954، ومن ثم وقوع محاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر في تشرين الأول (اكتوبر) وحل الجماعة، هي قراءة شائكة علي أقل تقدير. المشكلة في هذه القراءة أنها لا تأخذ في الاعتبار ان مشروعية الانقلاب ترتبط أصلاً بأنه انقلاب علي نظام فقد المشروعية، نظام كاد يدخل مصر في دوامة لا نهاية لها من عدم الاستقرار، نظام لم ينجح مطلقاً في قطع الحبل السري الذي ربطه بالاستعمار البريطاني. الإخوان كانوا هم القوة السياسية الشرعية الوحيدة ذات المصداقية في سنوات ما قبل يوليو 1952 التي اصطدمت بهذا النظام، والتي أصبح النظام ينظر إليها باعتبارها احد تحدياته الرئيسية. بهذا المعني، وسواء قبلنا الرواية الإخوانية للانقلاب أو قبلنا أن الضباط استعانوا بالإخوان مجرد استعانة جزئية، يصبح الإخوان المسلمون (بخلاف القوي السياسية الأخري) شركاء موضوعيين في قيام الجمهورية. كلا الطرفين، الإخوان الضباط الأحرار، اصطدم بالنظام الملكي، كلاهما أراد استعادة الاستقرار لمصر، كلاهما سعي إلي توكيد دور مصر العربي والإسلامي، كلاهما أراد تحرير البلاد من الخضوع للقوي الأجنبية، وكلاهما كان يحمل هماً تنموياً واجتماعياً. وهي مشتركات لا تنطبق علي علاقة الضباط بأي قوة سياسية أخري.
أخيراً، إن من الصعب القبول بتوكيد الأستاذ هيكل علي ان حركة الضباط لم تكن تحمل مشروعاً متبلوراً للحكم، ثم الاستنتاج في الآن نفسه أن الإخوان لم يكونوا قد وصلوا بعد إلي مرحلة من النضج تجعلهم قادرين علي المشاركة في صناعة مستقبل جديد لمصر. أما إن كان المقصود بهذا المستقبل ما تطورت إليه الأوضاع موضوعياً بعد ذلك، فإن المقارنة بين حركة سياسية ـ إسلامية تجاوزت العقدين من عمرها آنذاك ومجموعة صغيرة من ضباط الجيش، الذين كان أغلبهم في مطلع الثلاثينات من العمر، ليست بالتأكيد في صالح الضباط.
حركة يوليو في النهاية هي حركة تأسيسية، ليس لمصر الجمهورية وحسب، بل ولكل الوضع العربي في حقبة ما بعد كارثة فلسطين 1948. ودور عبد الناصر الرئيسي في حركة الضباط الأحرار، في تاريخ مصر الحديثة، وتاريخ العرب والعالم الثالث، لا يحتاج توكيده نفياً لأدوار الآخرين. كما ان الحلقات التحولية في تاريخ الأمم والشعوب لا ينبغي التعامل معها بسهولة وسرعة، أو الجزم بها قبل تحقيق كاف. ومسؤولية التاريخ التلفازي في هذا الشأن لا تقل أهمية عن مسؤولية التاريخ الأكاديمي، علي الأقل بالنظر إلي تأثير التلفاز البالغ علي ملايين عديدة مــــن المشاهدين. (*) باحث عربي في التاريخ الحديث (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة 29 جوان 2006)