الخميس، 25 فبراير 2010

TUNISNEWS

 9ème année, N°3565 du 25 . 02 . 2010

 archives : www.tunisnews.net

الحرية لسجين

 العشريتين الدكتور الصادق شورو

وللصحافي توفيق بن بريك

ولضحايا قانون الإرهاب


الحزب الديمقراطي التقدمي:بلاغ صحفي

الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان:تأجيل استئناف حبس الصحفي التونسي « الفاهم بوكدوس »

السبيل أونلاين:تونسي يشتكي من تجاهل سلطات بلاده مطلب الحصول على جواز سفر

النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بمنزل بوزيان:لائحة إضراب

المرصد التونسي:تهجم وتهديد للكاتب العام للنقابة الجهوية للتعليم الثانوي بسيدي بوزيد

المرصد التونسي:معاناة اساتذة معهد العلاء بالقيراون تتواصل كل يوم خميس:كابوس السوق الاسبوعية

البديـل عاجل:إطلاق سراح الطلبة المساجين أولويّة مطلقة

البديـل عاجل:أحلام المعتقل

البديـل عاجل:أوضاع الطلبة تزداد سوءا فلنتوحّد جميعا من أجل تغييرها

نزار بن حسن:إلى من يهمّه الأمر : الرّسالة السّـادسة البديـل عاجل:أخبـار جمعية أهل البيت الثقافية تونس:تهانينا بمناسبة المولد النبوي الشريف

إيهاب الشاوش:في الذاكرة الوطنية التونسية والشباب

نبيل زغدود:رهان التشغيل بين مطرقة الانتظارات … وسندان الرهانات

درّة:من مقامات قوس الكرامة: حين يكون دبشليمنا مكيافيليا على السليقة

د. أحمد بوعزّي:معضلة الدروس الخصوصية تونس مثالا

البديـل عاجل:عندما يرتدي البحث العلمي ثوبا ديماغوجيا :ندوة « علمية » حول التشغيل تحوّلت إلى بوق دعاية للنظام

الموقف:في الذكرى الواحدة والعشرين لانبعاثه اتحاد المغرب العربي لم يلد بعد

مراد رقية:التراتيب البلدية بقصرهلال ترفع شعار »ادفع،تبرّع/تسلم »؟؟؟

جابر القفصي:ظاهرة التطرف  في العالم العربي: الأسباب والعلاج

محمد العروسي الهاني : طريق الخلاص لبناء الدولة العصرية و الجلاء العسكري و الزراعي

رويترز:البرادعي يقود جبهة من السياسيين للتغيير الديمقراطي في مصر

المشهد السياسي في مصر ومسألة التوريث: من الجمهوريات إلى الملكيات المقنعة

د. بشير نافع :اسطنبول: الذاكرة والبصيرة


(Pourafficher lescaractèresarabes suivre ladémarchesuivan : Affichage /Codage /ArabeWindows)To read arabictext click on the View then Encoding then Arabic Windows)  


 منظمة حرية و إنصاف التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس

 
جانفي 2010


الحزب الديمقراطي التقدمي بلاغ صحفي

فوجئ الرأي العام الوطني بقرار المحكمة الابتدائية بقفصة اعتقال السيد حسن بن عبد الله المحكوم عليه بعشر سنوات غيابيا على خلفية الحركة الاحتجاجية الإجتماعية  التي انطلقت بالحوض المنجمي منذ عامين. وكانت محكمة الاستئناف قررت قبل يوم واحد من هذا الاعتقال تأجيل النظر في الطعن الذي تقدم به محاموه إلى جلسة يوم الإربعاء 17 مارس القادم . وأمام هذا التصعيد الذي يأتي في أجواء من الاحتقان مردها الانتهاكات المتواصلة للحقوق والحريات وتفاقم تردي الأوضاع الاجتماعية وغياب أي مؤشر لوضع الجهة على سكة التنمية والفرص المتكافئة، فإن الحزب الديمقراطي التقدمي: – يعبر عن استنكاره الشديد لهذا الاعتقال الذي لن يزيد الوضع إلا احتقانا وتوترا ويؤكد تضامنه الكامل مع السيد بن عبد لله – يطالب الحكومة بالإفراج عنه فورا وإيقاف التتبع في شأنه وفي شأن الصحفي الفاهم بوكدوس وإرجاع كل  المطرودين ممن سجنوا سابقا إلى سالف عملهم. – يؤكد من جديد أن السبيل الأوحد لتأمين السلم الاجتماعية وتحصين البلاد ضد كل المنزلقات يمر عبر إطلاق الحريات و انتهاج سياسة الحوار الجدي مع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين  حول التحديات المطروحة وفي مقدمتها  ملفات التشغيل والتنمية والحكم الرشيد .  

الأمينة العامة  مية الجريبي


وسط حصار أمني مشدد … تأجيل استئناف حبس الصحفي التونسي « الفاهم بوكدوس »


القاهرة في 25 فبراير 2010. قالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان اليوم ، أن محكمة الاستئناف بمدينة قفصه التونسية أجلت النظر في قضية الصحفي ومراسل قناة الحوارالتونسية  » الفاهم بوكدّوس  » الصادر ضده حكم بالسجن أربع سنوات من محكمة قفصة الابتدائية الشهر الماضي ، باتهامات ملفقة بالمشاركة في نشاط إجرامي و الترويج لنشرات من شأنها تعكير صفو النظام العام في تونس ، على خلفية تغطيته لأحداث الاحتجاجات الاجتماعية الواسعة التي شهدتها مدينة الحوض المنجمي في عام 2008.  

وجرت المحاكمة في أجواء من القمع والترهيب البوليسي حيث تم تطويق كل الشوارع المؤدية إلي مبني المحكمة، وقامت قوات الأمن باعتراض نشطاء المجتمع المدني من حقوقيين وسياسيين ونقابيين ومنعتهم من حضور المحاكمة، وكذلك اعترضت قوات من البوليس السياسي , عند مخرج تونس العاصمة’ كل من الناشطة زكية الضيفاوي، والصحفيين سليم بوخذير ومحمود الذوادي، ومنعتهم من مواصلة طريقهم باتجاه مدينة قفصه لحضور محاكمة بوكدوس ،وأرغمتهم على العودة إلى العاصمة عنوة. وأضافت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن مواصلة السلطة التونسية لنهجها القمعي بسجن الصحفيين والناشطين مثل زهير مخلوف و توفيق بن بريك والصادق شورو وتوجيه التهم الملفقة لهم وتهديدهم والاعتداء المتكرر عليهم هم وأسرهم يستدعي وقفة جادة من الناشطين الحقوقيين والصحفيين العرب في مواجهة السلطات التونسية التي أعمَتها غريزة الغل والانتقام تجاه أصحاب الرأي

 

الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان


تونسي يشتكي من تجاهل سلطات بلاده مطلب الحصول على جواز سفر

 


السبيل أونلاين – فرنسا – تونس   قال مغترب تونسي يقيم في فرنسا أنه ينتظر منذ سنتين الإستجابة لمطلب تقدم به لدى السلطات الدبلوماسية التونسية من أجل الحصول على جواز سفره ، وأكّد أنه قام بمراسلات عدّة ، وسعى إلى الإستعانة بوساطات مختلفة لـ »تحريك الوضع المأساوي ووضع حد لمأساة إنسانية » ، ولكن دون جدوى .   ولكنه عبر عن أمله في أن تتعاطي سلطات بلاده مع موضوع جوازه بطريقه مختلفة ، وإعتبر أن جواز السفر « يعني الكثير له ولعائلته » ، خاصة وأنه لم يتمكن من العودة إلى تونس منذ 18 سنة .   واضاف الاجىء طاهر الحسني في رسالة وصلت السبيل أونلاين الخميس 25 فيفري 2010 ، أنه في منفي إجباري ، وأن مأساته العائلية أخذت أبعادا مأساوية وخاصة مرض زوجته التى بقيت 6 سنوات في تونس قبل أن تلتحق به وأبناءها الأربعة إلى فرنسا. وأشار إلى فقدانه بعض أقاربه خلال السنوات الماضية ، وشعور أفراد عائلته وخصوصا الأطفال الذي زاولوا بعض مراحل التعليم في المدارس التونسية بأنهم « أقتلعوا من جذورهم » ، بعد أن إنفصلوا عن والدهم ست سنوات، وما خلفه « هذا الجرح العميق « من آثار نفسية لديهم .   وأكد الحسني أن زوجته السيدة سعيدة الحسني التى فقدت والدتها ، تعاني من آثار الضغوط والإجهاد و الظروف المعيشة الصعبة خلال تلك السنوات الست قبل أن تتمكن وأبناءها من الانضمام إليه في فرنسا ، وقد تدهورت حالتها الصحية من سنة إلى أخرى رغم أنها وضعت تحت العناية الطبية منذ إلتحاقها به.   وقال طاهر الحسني أن زوجته أصبحت من العام 2005 لا تستطيع الإعتماد على نفسها بشكل كامل ، ما دفع العائلة إلى الإستعانة بشخصين للقيام بشؤونها .   وعبّر الحسني عن إستغرابة من إستمرار مأساته دون مبالاة على الرغم من نداءاته المتكررة ، وإرساله سجلات زوجته الطبية والتى تؤكد أنها لا تستطيع العودة إلى تونس إلا بمرافق ، وقال أن ما يحدث « لا يشرف بلادنا » حسب تعبيره .   وإستعطف طاهر الحسني السلطات المختصة بوضع حدّ لـ »مأساته » ومنحه جواز سفره وتركه وعائلته يعود إلى تونس « في كرامة وأمن »، وقال أنه « يرفض تشويه صورة بلاده » من خلال رفضه اللجوء إلى من وصفهم بـ « من لا يترددون في تسخير » موضوع جوازه لذلك ، على حدّ زعمه .    (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 25 فيفري 2010 )


الاتحاد العام التونسي للشغل النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بمنزل بوزيان لائحة إضراب

نحن، الأساتذة المجتمعين بمقر الاتحاد المحلي للشغل بمنزل بوزيان تحت إشراف نقابتي التعليم الثانوي الأساسية و الجهوية ، و إثر خوضنا إضرابا حضوريّا دوريّا بربع ساعة (من الثلاثاء 26 جانفي إلى الجمعة 29 جانفي 2010) في جميع مؤسّسات التعليم الثانوي و الإعدادي بمنزل بوزيان دفاعا عن حقّنا المشروع في مؤسّسة تربوية عمومية ذات حرمة و تماشيا مع شعار مؤتمر النقابة العامة للتعليم الثانوي « دفاعا عن المدرسة العمومية و صونًا لكرامة المربّي » . و بعد تدارسنا لظروف العمل المتردّية في المؤسّسات التربوية بالمنطقـــة و تحديدًا إعدادية هنشير القلال نسجّل مماطلة سلطة الإشراف في تسوير المدرسة الإعداية بهنشير القلال وهو ما أدّى إلى الاعتداءات المتكرّرة على الإطار الأستاذي من أطرافٍ غريبة عن المؤسّسة . لذلك نعبّر عن رفضنا القاطع لهذه السلوكات التسويفية التي تنتهجها سلطة الإشراف و تمسّكنا بمطلبنا هذا و استعدادنا للدفاع عنه بكل الوسائل النضالية المشروعة. و عليه، فقد قرّرنا الامتناع عن تسليم كشوفات أعداد الثلاثي الثاني للإدارة ما لم تتمّ مُباشَرَةُ الأشغال في تسييج المؤسّسة المذكورة في الأسبوع الأوّل من شهر مارس من السنة الجارية . و تبعًا لذلك، ندعو الزملاء الأساتذة إلى الالتزام بهذا الشكل النضالي مع ضرورة اعتماد النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بمنزل بوزيان المصدر الوحيد للإعلام . عاش الاتحاد العام التونسي للشغل حرّا و مناضلا و ديموقراطيا و مستقلا النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بمنزل بوزيان — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux  


تهجم وتهديد للكاتب العام للنقابة الجهوية للتعليم الثانوي بسيدي بوزيد

 


اقتحم » احد الاشخاص دار الاتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد وصرح انه يحمل بطاقة انخراط في التجمع و انه ينتمي الي الحزب الحاكم و تهجم علي الكاتب العام للنقابة الجهوية للتعليم الثانوي مهددا اياه بالويل والثبور وبمقاضاته شعبيا وقضائيا بسبب « تطاول »النقابة علي السلط _التي يمثلها_في رفضها اختيار اعدادية خير الدين باشا مدرسة نموذجية نقابي من سيدي بوزيد — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux

 


معاناة اساتذة معهد العلاء بالقيراون تتواصل كل يوم خميس:كابوس السوق الاسبوعية


كتب احد اساتذة معهد العلا ء وصفا دقيقا لحالة المعهد كل يوم خميس: يتوسط معهد العلاء كل يوم خميس السوق الأسبوعية فتتداخل أصوات الباعة والأساتدة لدى التلميد المحور الأساسي في العملية التربوية ليصبح درس الفلسفة متن »يقول ديكارت في تفسيره » وعجز »هز على 5الاف »ونفس الشيءفي درس التاريخ: »فقرر الوطنيون بعد إنعقاد مؤتمر قصر هلال « فرصة لا تعاد يا مدام سعاد »وتتواصل المعاناة رغم أن نقلة السوق كانت من النقاط الأساسية في محضر إتفاق ديسمبر الشهير ففي غياب المتابعة من الأطراف النقابية التي أمضت الإتفاق مع المدير الجهوي « عادت ريمة إلى عادتها القديمة « وتتجدد المعاناة كل يوم خميس نقابي – القيروان — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux

 


إطلاق سراح الطلبة المساجين أولويّة مطلقة


لا يختلف اثنان في أن المهمة الرئيسية الأولى الملقاة اليوم على عاتق الحركة الطلابية هي النضال بلا هوادة من أجل إطلاق سراح الطلبة المعتقلين. ويتحمّل الاتحاد العام لطلبة تونس مسؤولية تاريخية كبرى في ذلك. والسلطة واعية تمام الوعي بذلك، وتعرف أن مناضلي الاتحاد لن يسكتوا ولن يتخلوا عن رفاقهم المعتقلين، لذلك نراها تضرب يمنة ويسرة من أجل الحيلولة دون تنظيم الطلبة وتعبئتهم من أجل الوقوف صفا واحدا في وجه القمع والتجند لإطلاق سراح زملائهم الذين زجّ بهم نظام بن علي ظلما في السجن. إن هؤلاء الطلبة الذين يقبعون الآن في سجون « التغيير » في ظروف لاإنسانية ويتعرّضون لأشنع أنواع التنكيل ويُحرمون من حقهم في مواصلة دراستهم داخل السجن، وتتكبّد عائلاتهم الويلات من أجل زيارتهم والاطمئنان عليهم، هؤلاء الطلبة سجنوا لأنهم دافعوا عن حق زملائهم وزميلاتهم في السكن وفي حياة جامعية يتوفر فيها الحد الأدنى. والقضية التي سجنوا من أجلها لا تهم الطلبة فحسب بل تهمّ كل المجتمع بجميع فئاته. فالكل يعلم أن قضية السكن أصبحت تؤرّق الطلبة والعائلات وكل غيور على هذه البلاد بعد أن تحوّل هذا الملف إلى ميدان للسمسرة والتحرّش الجنسي، وسببا مباشرا في انقطاع العديد من الطالبات والطلبة عن الدراسة وبروز عقليات انتهازية وبتشجيع من مديري المبيتات الجامعية الذين يستغلون حاجة الطالبات للسكن للتحرّش بهن وابتزازهن. لذلك فإنّ قضية هؤلاء الطلبة هي قضية وطنية بالأساس. ومن واجب الجميع الوقوف إلى جانبهم والمطالبة بإطلاق سراحهم دون قيد أو شرط. ويتحمّل الاتحاد العام لطلبة تونس المسؤولية المباشرة في تعبئة الرأي العام حول هذا المطلب. ورغم الضربات الموجعة والقمع والحصار المتواصلين اللذين يتعرّض لهما، فإن الاتحاد قادر على تحقيق هذا الهدف وإفشال مخططات السلطة في قبر قضية المعتقلين وإدخالها دائرة النسيان. ولتحقيق هذا المطلب لا بدّ من ضبط برنامج نضالي، يأخذ بعين الاعتبار عوائق الواقع الموضوعي ومدى جاهزية العنصر الذاتي وقدرته على تعبئة الطلبة حول مطلب واحد وهو إطلاق سراح المعتقلين. إن نظام بن علي يعرف أن قوّة الحركة الطلابية تكمن في وحدتها. فالاتحاد العام لطلبة تونس لا يمكنه الصمود في وجه آلة القمع الرهيبة إذا لم يكن موحّدا ومنغرسا في صفوف الطلبة. فبوليس بن علي بإمكانه اعتقال العشرات وحتى المئات من مناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس ورميهم في السجون، لكن لا يمكنه اعتقال عشرات الآلاف من الجماهير الطلابية عندما تهبّ في تحرّكات جماهيرية حاشدة. كما أن الحركة الطلابية بقيادة الاتحاد العام لطلبة تونس لا يجب أن تعزل نفسها عن باقي مكونات المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات ونقابات وشخصيات… إن الاهتمام بقضية الطلبة المعتقلين لم تأخذ حظها من الدعاية ومن الالتفاف حولها رغم طابعها الوطني وشرعية المطلب الذي من أجله سُجن الطلبة، ورغم ما مورس عليهم من تعذيب وما سُلـّط عليهم من أحكام قاسية وما رافق المحاكمة من انتهاكات صارخة، ورغم الصمود البطولي الذي أبداه الطلبة في مواجهة الجلادين طوال مراحل التحقيق وفي المحكمة وداخل السجن. رغم كل هذا مازال دور مكونات المجتمع المدني ضعيفا ولا يرقى إلى مستوى القضية وما تتطلبه من تعبئة شاملة ونضال متواصل من أجل فرض مطلب إطلاق السراح. ولا يجب أن ننسى غياب الاتحاد العام التونسي للشغل عن هذه القضية. فإذا كانت البيروقراطية النقابية قد عوّدتنا باصطفافها وراء السلطة في مثل هذه القضايا فإن النقابات القطاعية المناضلة مثل نقابات التعليم التي تهمّها هذه القضية بصفة مباشرة، والاتحادات الجهوية والمحلية وكل النقابيين الأحرار قادرون على تنظيم حملة واسعة من أجل الضغط على المركزية النقابية حتى يتحوّل مطلب إطلاق سراح الطلبة المساجين إلى مطلب عام ومباشر داخل اتحاد الشغل مثلما حصل بخصوص مساجين الحوض المنجمي. لقد أطلقت « اللجنة الوطنية للدفاع عن الطلبة المساجين » حملة يوم 15 فيفري الجاري من أجل إيقاف الهجمة الشاملة التي تشنهـا السلطة على اتحاد الطلبة ووضْعِ حدّ لمسلسل الاعتقالات والاعتداءات والمحاكمات والسجن والطرد من الدراسة الذي يتعرّض له مناضلات ومناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس. ودعت اللجنة كل القوى المناضلة في البلاد إلى مساندة هذه الحملة والانخراط فيها. كما دعت « التنسيقية الجهوية للمؤتمرين بجهة صفاقس » في بيان لها بعنوان « لا مؤتمر بدون المساجين ولا مساجين بدون مؤتمر » بتاريخ 6 فيفري 2010 إلى « ضبط برنامج نضالي للدفاع عن الطلبة المساجين والملاحقين والمطرودين على خلفية نشاطهم النقابي » واقترحت « التنسيقية » شنّ إضراب وطني عام عن الدراسة. إننا نحيّي هذه المبادرات وندعو الجميع إلى الالتحاق بها وحشد الدعم لها. لكن لا بد من الإشارة إلى أن هذه المبادرات لن تحقق أهدافها إذا لم يقع التخطيط لها جيدا مع مراعاة متطلبات الواقع الموضوعي وحالة موازين القوى وما تفرضه من أشكال نضالية تراوح بين العلني والسري للحفاظ على الطاقات وتجنب الضربات المجانية، وتستمدّ شرعيتها وقوتها من جماهيريتها وقدرتها على تعبئة الجماهير الطلابية وقيادتها نحو الهدف المنشود، مع الربط بكل مكونات المجتمع المدني وصهرها في صف واحد يصعب على الدكتاتورية محاصرته أو ضربه في المهد.

 

 

(المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 20 فيفري 2010)


أحلام المعتقل


الإهداء: إلى الرّفاق المعتقلين حتى لا أنسى الطريق عبِّدْ بالصبّار دربي حتى يجفّ دمي عليه فيصير حطباً للحريق اقتل وافعل ما تريد واسلب إذن أمل الحياة الآن وحشٌ يستفيق الآن شعبي يستفيق شـُدَّ الوثاق ولا تسل عن ألم الجسد العفن فأنا الآن سعيدٌ لم يُصَبْ عقلي الوهن و انظر إلى لون الدماء أحمر قاني البريق وانظر إلى هذي العبيد الآن أنت السيد أما الغد فاخترته لي فهو غدي يومي المجيد الآن أنت تعذبني بئس العذاب سموم حقدك أمّا أنا فالآن أشفق عليك من احمرار ليلك من أذرع تعبت كدًّا وجدت هواها فالبنادق حطمت أسوار كرهك وبنت لنا أحلى الحدائق أنبتت في ظلمة الليل العميق فجر حب يتحدّى سجني إذاً أحلى الأماني زنزانتي أصلاً مكاني و ارسم يا جلاد دربي أخاديد على جسدٍ محطم ولترتفع أنات صوتي آهاتٌ، آلامٌ وحلمٌ صوتٌ كهمهمة الغريق لكنه كافٍ وأكثر فالآن شعبي يستفيق  

(بدون إمضاء) (المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 20 فيفري 2010)  


أوضاع الطلبة تزداد سوءا فلنتوحّد جميعا من أجل تغييرها

 


مضت 6 أشهر على انطلاق العودة الجامعية لهذه السنة. هذه المدة تميّزت، خلافا لما يدّعي الخطاب الرسمي، بتراكم المشاكل المادية والبيداغوجية لحوالي 400 ألف طالب يؤمّون الجامعة التونسية للسنة الجامعية الحالية. لقد شهدت المبيتات الجامعية هذه السنة اكتظاظا لم يقع تسجيله في السنوات الماضية، فتقريبا لم يقع بناء مبيتات جامعية عمومية جديدة تستوعب الأعداد المتزايدة للطلبة الجدد. وبقيت المبيتات القديمة حبيسة ضيقها وعدم استجابتها للمرسمين الجدد والقدامى فضلا عن تواصل انعدام المرافق الخدماتية اللازمة وتواصل نقصانها من أدواش ومراحيض صحية وتهوئة. وبالمقابل تنامت ظاهرة المبيتات الخاصة التي فتحت لها الدولة الباب على مصراعيه. فكانت الأسعار مشطّة، وصلت في عديد الأحيان إلى 220 دينار للسرير الواحد، علاوة على انعدام أدنى الخدمات الضرورية فيها وانعدام حسن المعاملة. وتقول مصادرنا أن هذه السنة شهدت تناميا للمبيتات الخاصة التي لا يستجيب بعثها لكراس الشروط خاصة في الفترة التي بدأت الإشاعات تتحدث عن تغيير وزير التعليم العالي ومدير الخدمات الجامعية، والاعتماد على « الأكتاف » والرشاوى في بناء وكراء المبيتات الخاصة. الأكلة الجامعية هي بدورها لم تكن في المستوى المطلوب، خاصة وأن المطاعم الجامعية التي يعمل فيها عمال مرسّمون آخذة في النقصان لتترك مكانها لشركات مناولة تعتمد على عمال يحصلون على أجور مذلة. هذه الشركات لا تحترم البتة أدنى الشروط لتقديم أكلة صحية، وقد تم تسجيل عديد التشكيات في هذا المستوى. هذا مع عدم مراقبة المصالح الصحية المختصة للأكلة المقدمة وعدم إدراجها في جدول أعمالها وجدول أعمال الوزارة إلا على الأوراق فقط، وما شهده الحي الجامعي بمنوبة خلال السنة الفارطة دليل على ذلك. المنحة الجامعية كذلك، بقيت على حالها ولا يتمتع بها إلا 20% من مجموع طلبة تونس لهذه السنة. وبقي معظم الطلبة رهين تقديم ملف يحصل على موافقة العمدة ولجنة التنسيق بالمنطقة التي يعيش فيها الطالب… إن مثل هذه الظروف، إذا أضفنا إليها معضلة النقل، التي حاول النظام طمسها بمدّ شبكة الميترو لتصل إلى المركب الجامعي بمنوبة، لكن في بقية المناطق والولايات الأخرى لا يزال الحال على ما هو عليه. هذه الظروف زادت في تعميق عدم الثقة بين الطلبة وبين « دولتهم ». بل وصلت بهم حد التندر بها ووضعها في منزلة المهرج الذي يضحك على ذقون الجميع بتقديم نفسه « الحافظ » الوحيد لمصالح الطلبة التونسيين… وازداد عدم الثقة هذا، عند ظهور « إصلاح التعليم »، في نسخته الجديدة وما رافقه من غموض. فنظام « إمد »، ذاك الغول الذي يخيف طلبتنا ويحجب عنهم مستقبلهم، وبرامج الدراسة، وضوارب المواد غير مستقرة، والبنية التحتية متخلفة مثل السابق ولم تشهد أيّ تطور بالمقارنة مع البهرج الذي نشاهده ونسمع عنه في الصحافة الرسمية وبلاغات وزارة التعليم العالي. ومن الواضح، حسب الإحصائيات الرسمية والبرامج التي وضعتها الدولة، أن الجامعة التونسية لن تشهد في الخماسية القادمة أيّ تقدم يذكر باعتبار مواصلة الجهات الرسمية احتكارها للقرار وعدم تشريك نقابات الأساتذة والطلبة وهو ما قد يؤدي إلى مزيد التعقيد بخصوص ديمقراطية التسيير في الجامعة التونسية. ولم يقف نظام بن علي عند هذا الحد، بل أدخل أنفه أمنيا في الشأن الطلابي، فنظم مجالس التأديب ضد من يشهّر بسياسته اللاشعبية والظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها أغلب طلبتنا، ومضى أكثر من ذلك في ضرب الاتحاد العام لطلبة تونس، ولفق للنقابيين التهم الكيدية واعتدى عليهم ماديا ومعنويا. هذا إلى جانب مواصلة مناوراته مع الأساتذة الجامعيين واتباع سياسة المكيالين معهم وعدم الاعتراف بهم في أغلب الأحيان. لا خيار أمام الطلبة إلا مواصلة النضال بأكثر تصميم وأكثر صمودا والمطالبة بتحقيق مطالبهم. أمّا الصمت على سياسة السلطة فهو تأبيد لوضعيتهم البائسة وتشريعا لمزيد قهرهم وظلمهم، لذلك فإن الاحتجاج المنظم بالتظاهرات والاعتصامات والإضرابات، وغيرها ورفع شعارات واضحة تتلخص في تحميل السلطة لمسؤولياتها الاجتماعية من توفير المبيتات والنقل والأكلة الصحية وفتح حوار وطني حول برنامج تعليمي وطني شعبي وديمقراطي ولائكي، والضغط عليها حتى تترك المجال لحرية الاحتجاج والتظاهر وإطلاق سراح المساجين… هذا هو الكفيل بترجيح كفة موازين القوى لصالح الطلبة في مواجهة الاستبداد. إن النضال هو الكفيل بإعادة ثقة الجماهير بمنظمتهم الطلابية وإن في نفوس الآلاف هذه من الطلبة شرارات تمرد تحتاج بشكل كبير لمكونات الحركة الطلابية وهياكل اتحاد من أجل تأطيرها وتوجيهها أحسن توجيه.

 
(المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 20 فيفري 2010)
 


إلى من يهمّه الأمر : الرّسالة السّـادسة

 


يندرج هذا النّص ضمن مجموعة من النّصوص كنتم قد طالعتم بعضها وتواصلون التمتّع بها في الأيام المقبلة لتنقل لكم تفاصيل مثيرة، عايشتها أو علمتها من مصادر موثوق بها، تتعلّق بالشّـابة وبعض ممارسات مسئوليها وبعض نكت هذا الزّمان. ويتطرّق هذا النّص إلى أهمّ مقوّم لنهضة الشّعوب، التّعليم الّذي طالما سمعنا عنه مصائب في هذه المدينة، لن أسبق الأحداث وأترككم لمتابعة بعض التّجاوزات الّتي أنقلها لكم في هذه الرّسالة ولنا عودة لغيرها في مناسبات أخرى. شكرا لا ينفكّ تلاميذ الباكالوريا في أيّ معهد في كامل الجمهوريّة يعبّرون عن امتعاضهم من البرامج التّعليميّة والاجراءات المعتمدة في الامتحانات والشّعب وغيرها، ولعلّ تلاميذ مدينة الشّـابة من أكثر الّذين تحدّثوا لي عن معاناتهم والتّجاوزات الّتي يتعرّضون لها فقد قام مدير المعهد الثانوي أبو القاسم الشابي بالشابة بالخطأ القاتل في السّنة الماضية، و هو احتساب عدد الأشغال التّطبيقيّة في مادة التّقنية بالنّسبة للسّنوات الرابعة علوم تقنية. كان من المفروض على المدير أن يحتسب المعدّل السنّوي للأشغال التّطبيقيّة بالصّيغة التالية: عدد الأشغال التّطبيقيّة للثّلاثي الأوّل+الثّلاثي الثاني+الثّلاثي الثالث و تتم القسمة على ثلاثة لاستخراج المعدّل السّنوي للأشغال التّطبيقيّة يضاف إلى هذا المعدّل عدد امتحان الأشغال التّطبيقيّة المنجز آخر السّنة، إلاّ أنّ السيّد مدير المعهد ناصر المكشّر و بمعيّة إداريّ كان أصلا محضّر بمخبر »أ…س… » احتسبا المعدّل بالصّيغة التالية فعوض أن يقوما باحتساب عدد الأشغال التّطبيقيّة قاما باحتساب معدّل مادة التّقنية الّتي عادة ما تكون أقل من معدّل الأشغال التّطبيقيّة إذ أنّ هذا المعدّل يجمع بين أعداد الفرض التّأليفي والمراقبة و الأشغال التّطبيقيّة. و قد ترتّب عن هذا الخطأ الفظيع التّأثير الفعلي على نتائج امتحان الباكالوريا لكل تلاميذ الرّابعة تقنية(تقريبا 60 تلميذ)، إذ تدنّت الأعداد في مجال (00,80 و 02,40). لقد ساهم هذا الخطأ في جملة من التّلاميذ من النّجاح في امتحان الباكالوريا و البعض الآخر حرمهم من دورة التّدارك و آخرون حرموا من التحصّل على نتائج ممتازة. أهكذا يكون المدير في المؤسّسة التّعليميّة ؟؟ وهل يبقى التّلميذ دائما الضحيّة الوحيدة؟؟ هذه احدى التّجاوزات الّتي تحصل بالمدينة، وليس المعهد الثّـاني بالشّـابة والّذي علمنا أنّه سيتمّ تسميته بمعهد زين العابدين بن علي في الأيّـام المقبلة نقيّـا من التّجاوزات، وما نسب النّجاح في الباكالوريا في السنّة الماضية إلاّ دليل على تردّي الأوضاع فيه، ولعلّ أهمّ المقوّمات في قدرة التّلميذ على اكتساب المعلومة هي راحته داخل الفصل وقدرته على التّأقلم مع زملائه، ونجد في هذا المعهد خرقا واضحا للمنشور الوزاري عــ64/04ـدد الّذي يوضّح مقاييس تكوين الفصول في التّعليم الأساسي والثّـانوي والصّـادر في تونس بتاريخ 26 أوت 1994. ويقضي المنشور بضرورة توزيع التّلاميذ المتفوّقين والمتوسّطين على جميع الفصول التّكافؤ في توزيع الإناث والذّكور والرّاسبين، في حين نجد تقسيما بين الفصول على أساس قسم المتفوّقين وأبناء رجال التّعليم، وقسم الرّاسبين وغيرها من التّقسيمات، أليست هذه مسؤوليّة ناظر الدّراسات ومدير المؤسّسة؟ كما لا ننسى الظّواهر المنتشرة بكلى المعهدين كالعنف اللّفظي والمادي، فلا ينفكّ يمرّ يوم بدون حصول معركة داخل أو في محيط المؤسّستين التّربويّتين وطبعا تسند العقوبة حسب مقاييس لا علاقة لها بالعدل والمساواة الّذي كان من الأجدى تعليمهما للنّـاشئة، فيلام ابن رجل التّعليم ويتمّ غضّ النّظر عن ابن الاداريّ والزّميل وكلّ من يشغل وظيفة محترمة في حين يطرد ابن العامل البسيط الّذي  لا يعرف من الوساطة غير الحقّ والقانون ونسي أنّ البلاد قانون غاب. ليست هذه المحطّة الأخيرة الّتي أتطرّق فيها للمؤسّسات التّربويّة بالشّـابة فأعدكم بتفاصيل شيّقة في الأيّـام المقبلة تتعلّق بمعطيات وأحداث كان من العيب أن ترفق جغرافيّـا بمؤسّسة تتبع وزارة التّربية والتّكوين. نزار بن حسن  


أخبـار  

شباب الصخيرة على خطى شباب الرديف مرة أخرى يكون حق الشغل سببا في اندلاع الاحتجاجات الاجتماعية. فقد شهدت مدينة الصخيرة من ولاية صفاقس احتجاجات ومواجهات بين مجموعة من الشباب العاطل وقوات القمع. وقد اندلعت هذه الأحداث بعد أن فوجئ هؤلاء العاطلون عن العمل بعدم قبولهم في « الشركة التونسية الهندية للأسمدة » رغم الاتفاق الحاصل بين هذه الشركة وبين المكتب المحلي للشغل بالصخيرة والقاضي بإعطاء الأولوية في التشغيل لأبناء المدينة خاصة وأن هذا المشروع يسبب تلوثا للمتساكنين. ولم يتم قبول سوى 61 عامل فقط من الصخيرة من بين 1240 عامل وهو العدد الجملي لعمال هذه الشركة من بينهم 98 صينيا. وقد واجهت قوات القمع هذه الاحتجاجات السلمية والمشروعة بهمجية ووحشية وتم استقدام تعزيزات كبيرة من صفاقس وقابس وإخضاع عملية التنقل إلى المدينة أو الخروج منها لمراقبة أمنية مشددة. ووقعت مداهمة البيوت واعتقال حوالي 60 شخصا وقع الاحتفاظ بـ10 منهم وإحالتهم على المحكمة بتهم ملفقة (الاعتداء والإضرار بملك الغير وتعطيل حرية الشغل…) يوم 8 فيفري الجاري التي أجلت النظر في قضيتهم إلى يوم 22 من نفس الشهر. محاكمات جديدة ضدّ نشطاء اتحاد الطلبة أصدرت يوم 10 فيفري الجاري المحكمة الابتدائية بالمهدية حكما ابتدائيا يقضي بسجن لمدة 20 شهرا ضد الطلبة محمد السوداني وأيمن الجعبيري وجواهر شنة وحسان الصماري ورمزي السليماني بتهم ملفقة اعتاد عليها الرأي العام الداخلي والخارجي: الاعتداء بالعنف على موظف وهضم جانب موظف بالقول وتعطيل حرية الشغل ». وتعود أسباب هذه القضية إلى شهر أكتوبر 2007 عندما كان هؤلاء الطلبة، بوصفهم مسؤولون نقابيون يستعدون لعقد مؤتمر نقابتهم: الاتحاد العام لطلبة تونس. وأمام المحكمة جدّد الطلبة رفضهم لهذه التهم الملفقة وأكدوا أنهم يحاكمون من أجل نشاطهم، السلمي والشرعي، صلب الاتحاد العام لطلبة تونس. وترافع المحامون في نفس الاتجاه ورفضوا الحكم الصادر بحق منوّبيهم وقرروا استئنافه. إن صدور هذا الحكم القاسي يؤكد أن نظام بن علي ماض في سياسته القمعية ضد الطلبة، لأنه بكل بساطة لا يملك حلولا للمشاكل المتراكمة التي يعانيها الطلبة ومن أهمها تردّي الخدمات الجامعية وضرب شامل لحرية العمل النقابي داخل الجامعة. طرد نهائي انتظم يوم 12 فيفري الجاري بكلية الآداب بسوسة مجلس تأديب صوري، تم على إثره طرد كل من المناضلين رشيد العثماني وعبد الله الحاج علي طردا نهائيا من الكلية بسبب نشاطهما النقابي. إنّ هذا الإجراء يقيم الدليل، على مواصلة السلطة نهج التشفي من مناضلي الحركة الطلابية والاتحاد العام لطلبة تونس مهما كانت انتماءاتهم النقابية والسياسية. وهو الأمر الذي يدعو بشكل ملح إلى توحيد الجهود والطاقات ونبذ الخلافات الثانوية، على أرضية نقابية وسياسية تدافع عن الحق النقابي في الجامعة. وقد بدأ طلبة الكلية في تنظيم سلسلة من التحركات والاحتجاجات لإجبار الإدارة على التراجع في هذا القرار وإرجاع المطرودين إلى الكلية وإيقاف مسلسل العدوان على الاتحاد. إطلاق سراح تم يوم 2 فيفري 2010 إطلاق سراح عضو الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام لطلبة تونس وكاتب عام المكتب الفدرالي لكلية التصرف بصفاقس ناجح الصغروني بعد أن قضى شهرين سجنا بالسجن المدني بصفاقس بتهم كيدية وملفقة على إثر انتخابات المجالس العلمية 2008/2009. كما أطلق سراح المناضل الطلابي، أيوب عمارة يوم 12 فيفري والذي تم سجنه على خلفية نشاطه النقابي في الاتحاد. تهانينا للمناضلين ولعائلتيهما ولرفاقهما… احتفالات وتحركات إحياءً لذكرى 5 فيفري نظمت المكاتب الفيدرالية بكلية 9 أفريل وآداب منوبة وبورقيبة سكول وابن شرف وآداب سوسة والصحافة ومعهد التنشيط الشبابي ببئر الباي والقرجاني وآداب وحقوق صفاقس، برامج احتفالية بذكرى تأسيس الاتحاد وذكرى اندلاع حركة فيفري 1972 وذلك تحت شعار « أسبوع تضامني مع مساجين الحركة الطلابية ». وقد أحيت جملة هذه المكاتب الفيدرالية ذكرى 5 فيفري بالاجتماعات العامة واللافتات وتوزيع البيانات والحفلات الموسيقية الملتزمة والتظاهرات الحائطية التي تلخص تاريخ الاتحاد لعام لطلبة تونس وتعرّف بقضية الطلبة المساجين. كما تخللت هذه الاحتفالات بعض الإضرابات الجزئية والاعتصامات على غرار ما حصل في معهد ابن شرف وآداب سوسة عندما تم طرد مناضلي الكلية رشيد العثماني وعبد الله الحاج علي. الأحزاب الديمقراطية تحتفل بذكرى 5 فيفري أحيت كل من « حركة التجديد » يوم 5 فيفري الجاري، و »التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات » يوم 6 فيفري بمقرهما الرسمي ذكرى تأسيس الاتحاد العام لطلبة تونس وحركة فيفري المجيدة. كما نظم « الحزب الديمقراطي التقدمي » يوم 13 فيفري يوما تضامنيا مع الطلبة المساجين. استدعت « حركة التجديد » الدكتور عبد العزيز المسعودي والأستاذ رشيد مشارك اللذان قدما شهادتين حول ظروف اندلاع حركة فيفري 1972 وأسبابها العميقة والمباشرة التي أدّت إلى نشوب معركة استقلالية الاتحاد العام لطلبة تونس عن الحزب الحاكم. وقد حضر هذا اللقاء عدد من الطلبة ومناضلات الاتحاد ومناضليه إلى جانب ثلة من قدماء الاتحاد الذين تحدثوا بإسهاب عن الدروس التي وجب أخذها من تجربة الماضي والاستلهام منها في معركة الاتحاد الحالية من أجل استقلاليته وإنجاز مؤتمره الموحد. وكانت للأمين العام السيد عز الدين زعتور مداخلة استعرض فيها ما يعانيه الاتحاد العام لطلبة تونس ومسؤوليه النقابيين من سجون وملاحقات ومجالس تأديب في ظل واقع جامعي رديء ظهر خلاله فشل تجربة « إمد » وتعمّق الظروف الحياتية الرديئة لأغلب الطلبة التونسيين. كما أكد عديد المناضلين من الأطراف المكوّنة للتوحيد النقابي تمسكهم بشعارات 5 فيفري ومضيّهم قدما نحو إفشال مخططات السلطة الرامية إلى تدجين الحركة الطلابية والقضاء على المنظمة النقابية. أما في « التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات » فقد التقى ثلة من المناضلين حول الأستاذ الحبيب مرسيط الذي قدم شهادة كاملة حول معركة فيفري المجيدة وكيف واجه المناضلون والمناضلات آنذاك غطرسة الحزب الحاكم وأفشلوا خططه عبر عريضة الـ105 وبرنامج 73 والهياكل النقابية المؤقتة. كما استمع الحاضرون لبعض الوصلات الغنائية للفنانة الملتزمة لبنى نعمان إلى جانب التفاعل مع شعارات طالبات منوبة المحكومات بالسجن لمدة عام وعرض عمّا تشهده عائلات المساجين من معاناة بسبب سجن أبنائهم. « الحزب الديمقراطي التقدمي » كذلك فتح مقرّه يوم 13 فيفري الجاري لتنظيم يوم تضامني مع الطلبة المساجين حضره عدد محترم من المناضلين. وأكد المتدخلون التزام هياكل الاتحاد العام لطلبة تونس، بدعم من الأطراف السياسية، بالدفاع عن حرية العمل والنقابي والسياسي والضغط من أجل إطلاق سراح المساجين والكف عن ملاحقة مناضلات ومناضلي الاتحاد والالتزام بخوض المعارك من أجل الحقوق المادية والمعنوية لعموم طلبة تونس. طرد نهائي انتظم يوم 12 فيفري الجاري بكلية الآداب بسوسة مجلس تأديب صوري، تم على إثره طرد كل من المناضلين رشيد العثماني وعبد الله الحاج علي طردا نهائيا من الكلية بسبب نشاطهما النقابي. إنّ هذا الإجراء يقيم الدليل، على مواصلة السلطة نهج التشفي من مناضلي الحركة الطلابية والاتحاد العام لطلبة تونس مهما كانت انتماءاتهم النقابية والسياسية. وهو الأمر الذي يدعو بشكل ملح إلى توحيد الجهود والطاقات ونبذ الخلافات الثانوية، على أرضية نقابية وسياسية تدافع عن الحق النقابي في الجامعة. وقد بدأ طلبة الكلية في تنظيم سلسلة من التحركات والاحتجاجات لإجبار الإدارة على التراجع في هذا القرار وإرجاع المطرودين إلى الكلية وإيقاف مسلسل العدوان على الاتحاد. راديو كلمة يتعرّض للعنف تعرّض الصحفيون العاملون في راديو كلمة إلى اعتداءات متكررة خلال هذا الشهر. فقد تعرّض يوم 28 جانفي 2009 المولدي الزوابي إلى الاعتداء والإيقاف لمدة 8 ساعات بمركز الشرطة بمونبليزر، ويوم 5 فيفري الجاري اعتقلت الشرطة معز الجماعي وسجلت في شانه محضر. وكان هذا الصحفي قد تعرّض لاعتداءات جسدية متكررة. ويوم 16 فيفري اعتدى البوليس السياسي بالعنف الشديد على الصحفية فاتن حمدي وافتك هاتفها وأدوات عملها.

 
 

(المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 20 فيفري 2010)  


تهانينا بمناسبة المولد النبوي الشريف

 


نتقدّم بأحر التّهاني وأزكى التّبريكات إلى شعبنا المسلم في تونس و خصوصا القيادات والأحزاب الوطنية و على رأسها السيد زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية و أعضاء الحكومة وكل العاملين من أجل عزة الإسلام والمسلمين في بلادنا ، بمناسبة المولد النبوي الشريف ، الذي يحرص أهل تونس على إحياءه منذ أكثر من ألف عام لتجديد العهد مع الله ورسوله وتأكيد المودة والولاء لنبيّنا الكريم و آله الطيّبين الطّاهرين وهو من أهم صور الوحدة الوطنية و إنسجام القيادة وشعبها في هذا الإحياء المبارك. إن الرّسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله هو عنوان وحدة أمّتنا والأسوة الحسنة والكلمة الطيّبة والمنقذ من البدع والضّلال والبشير النّذيروالدّاعي إلى السّبيل . نبارك لكل المجاهدين من أجل الحق والعدل والحريّة وإلى السادة العلماء الأمناء على دين الله وإلى الأمة الإسلامية  . لا شرقية ،لاغربية ،وحدة ،وحدة إسلامية
جمعية أهل البيت الثقافية تونس السيد عماد الدين الحمروني ١٢ربيع الأول١٤٣١  


 

في الذاكرة الوطنية التونسية والشباب


بقلم: إيهاب الشاوش    لما سأل فيصل باي، أحد أحفاد الأمين باي، آخر بايات الدولة الحسينية في تونس، تلاميذ إحدى المدارس الثانوية، بمدينة الكاف، ان كانوا يتذكرون اسم من أسماء بايات تونس،الإجابة كانت الصمت. واستغرب فيصل باي، في الشريط الوثائقي حول بايات تونس لمحمود بن محمود، كيف لم يتمكن التلاميذ من تذكر، أي إسم من أسماء البايات… المشكل لا يقف عند ذلك الحد، فجزء كبير من التلاميذ و الشباب التونسي، يجهل تاريخه، ناهيك ان بعضهم يجهل سنة و يوم إعلان الجمهورية و تاريخ الإستقلال، و يخلط بين الزعماء التونسيين و الأجانب، حتى ان هذه الأخطاء، التي تبرز في فروض التلاميذ، تحولت في وقت من الأوقات، الى مادة دسمة للترفيه و الترويح عن النفس، تتناقلها الصحف و صفحات الفايس بوك. ربما نجد عذرا لهؤلاء التلاميذ، لجهلهم بجزء كبير من تاريخ تونس، خاصة بعد ان شيطنت الرواية « البورقيبية » تاريخ البايات، و قامت بتهميش، أغلب الخصوم السياسيين. فرفاق النضال ضد الاستعمار الفرنسي، مثل صالح بن يوسف و الطاهر بن عمار، الذي وقع على اتفاقيات الإستقلال الداخلي، ووقف الى جانب بورقيبة في معركته ضد صالح بن يوسف الرافض لتلك الصيغة من الإستقلال، و جدت نفسها في أتون أكبر المحاكمات السياسية عقب الإستقلال او فريسة الملاحقات و الاغتيالات. وفي الحقيقة، فإن مراجعة تاريخ تونس، بصفة دقيقة و موضوعية الى جانب تسليط الضوء على وجوه بارزة من الذاكرة الوطنية التونسية، اسقطتها، عمدا او سهوا، الرواية البورقيبية، لم تتم إلا مؤخرا، سواء، من الجهات الرسمية، بإنشاء معهد للحركة الوطنية، او عبر نشاطات الجمعيات المدنية، كمؤسسة التميمي، التي نظمت لقاءات مع شخصيات سياسية تونسية، كانت مؤثرة في حكومات بورقيبة المتعاقبة. كما بادر وزراء سابقون و اعلاميون، و مجموعات على الفايس بوك، بالتعريف بالفترة البورقيبية، و نفض الغبار على شخصيات لم تلق حظها في الماضي، كالدكتور محمود الماطري، اول رئيس للحزب الحر الدستوري التونسي الجديد. بعض الصحف التونسية، من جهتها، خصصت أركانا للتعريف بمحطات سياسية عرفتها تونس، و إجراء حوارات مع ساسة تونسيين عملوا تحت الرئيس التونسي الراحل، و هي كلها خطوات هامة، لكنها بقيت منقوصة، في ظل تنامي الفضائيات و تأثير الصورة في الحياة العامة. و بالنسبة للكتب السياسية، التي تسابق وزراء سابقون في إصدارها مؤخرا، فكانت أقرب الى تبرئة ذمة، هذا السياسي او ذاك من بعض الأحداث السياسية التي عرفتها تونس أو تبرير موقفه من القرارات التي اتخذها بورقيبة، مثل التعاضد، و الوحدة التونسية الليبية، والصراع مع اتحاد الشغل، وحوادث الخبز… أما الكتب، التي أعاد كتابها الإعتبار لوجوه بارزة من الحركة الوطنية التونسية، ككتاب خليفة شاطر، حول الطاهر بن عمار،او تلك التي تحلل بعين نقدية جوانب من شخصية بورقيبة و علاقته بالدين و الصحافة، و على اهميتها تبقى نادرة، في غياب واضح للكتب التي تتناول بالنقد و التمحيص ما لم يقال و ما خفي من الذاكرة الوطنية التونسية، عدا بعض الدراسات و اللقاءات النخبوية التي تديرها مؤسستي التميمي و معهد الحركة الوطنية، و بذلك تبقى بعيدة عن متناول شريحة واسعة من التونسيين و خاصة الشباب منهم المتعطش لمعرفة تاريخ بلاده، بعين نقدية و مراجعة علمية للتاريخ، و بلغة سلسلة و بسيطة، تجعله لا ينفر من قراءة تاريخه. الإهتمام بالحركة الوطنية و برموزها، هو بالأساس اهتمام بالمستقبل و الحاضر، فلا يمكن ان نفهم حاضرنا و مستقبلنا، الا إذا تصالحنا مع تاريخنا، كما لا يمكن ان يتم ذلك، الا اذا أعدنا قراءة التاريخ و أعددنا، الوسائط و المراجع النقدية الكافية لفهم هذا التاريخ من مختلف جوانبه و أبعاده. لقد استرعى الفيلم الوثائقي  » زمن بورقيبة » الذي بثته قناة العربية، انتباه ملايين التونسيين و العرب، كما فجر فيلم وثائقي حول اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد بثته الجزيرة الوثائقية، عدة انتقادات و سجلات، في حين تحركت بعض الوجوه السياسية و النقابية، في اتجاه رفع دعوى قضائية من اجل الكشف عن قتلة حشاد، وهو دليل على أهمية الصورة في إعادة بناء التاريخ، و على ان هذا النوع من الأفلام قادر على جلب المشاهد،و خلق حلقة تواصل بين الماضي و الحاضر. لكن رغم ذلك لم تراهن مؤسسات الإنتاج السمعي البصري و مؤسسات الصناعة السينمائية بتونس حكومية كانت او خاصة، على الأفلام الوثائقية او حتى الروائية التي تعيد إحياء تاريخ تونس او تسلط الضوء على شخصيات من الحركة الوطنية رغم ان جزءا كبيرا منها أصبح يتمتع بإمكانيات مادية هامة، انعكست على البرامج الإجتماعية و برامج الترفيه، التي تقتني حقوقها بمئات الملايين. ان القنوات الكبرى، مثل بي بي سي و أرتي و تي في 5 و سي ان ان و حتى قنوات عربية حديثة النشأة، تخصص ميزانية ضخمة للأفلام الوثائقية، و الأشرطة و المسلسلات التاريخية والأفلام السياسية، كما أصبح لهذه الأفلام سوقا هامة و مهرجانات و مشاهدين أوفياء و نقاد، و تطورت صناعة الفيلم التاريخي و الوثائقي و الوثائقي الروائي، حتى أصبحت إعادة تجسيد سقوط جدار برلين،لحظة بلحظة و ما حفها من حيثيات سياسية، او بناء الأهرامات او تصوير حياة عيسى عليه السلام، من أسهل ما يكون بحكم مشاركة مختصين من كل المجالات في بناء الفيلم. اما في تونس فإن هذه الأفلام تعد على أصابع اليد الواحدة، أفلا يستحق الشيخ الثعالبي، و الطاهر بن عمار و المحاكمات السياسية ابان الإستقلال و ثورة علي بن غذاهم، و صدام الحكومة مع الإتحاد العام التونسي للشغل، و ابو القاسم الشبابي و المنصف باي، و اغتيال صالح بن يوسف، و الصراع البوريقبي اليوسفي و المحاولة الإنقلابية لسنة 1962،…الا تستحق كل هذه الأحداث التاريخية لفتة من مؤسسات الإنتاج السمعي البصري، حتى لا نستغرب فيما بعد من جهل شبابنا بتاريخه و عزوفه عن المشاركة في الحياة السياسية و الشأن العام. (المصدر: موقع « إيلاف » (بريطانيا) بتاريخ 25 فيفري 2010) الرابط: http://www.elaph.com/Web/opinion/2010/2/537373.html  


رهان التشغيل بين مطرقة الانتظارات … وسندان الرهانات


يقول تقرير صادر عن البنك الدولي أعدّ لعرض الملامح الكبرى لتدخلات هذه المؤسسة التمويلية في تونس إنّ النموّ الاقتصادي الذي حققته تونس لم ينجح إلى حدّ الآن في خلق مواطن شغل كافية لامتصاص نسبة البطالة المرتفعة في البلاد خصوصا لدى أصحاب الشهائد العليا. فبالرغم من النمو الاقتصادي الإيجابي الذي حققته تونس خلال العام الماضي والذي بلغ 3.1℅ رغم الانكماش الحاد للاقتصاد العالمي بفعل تأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية، إلا أن نسبة البطالة قد راوحت مكانتها مستقرّة في حدود 14.1℅، وترتفع هذه النسبة لدى أصحاب الشهائد العليا.  وتعكس هذه النسبة المرتفعة من البطالة حسب تأويل البنك الدولي ثلاثة عوامل، أوّلها ديمغرافي يتمثل في ارتفاع عدد المتخرجين من التعليم العالي الذي يبحثون عن مواطن شغل، إذ أنّهم يمثلون 57℅ من إجمالي طلبات الشغل الإضافية، وهو ما يعمّق أزمة البطالة في صفوفهم بالنظر إلى عدد المتخرجين سنويا من المعاهد والكليات الذي يفوق 50 ألف طالب سنويّا. ثاني هذه العوامل هو وجود قطاعات اقتصادية على غرار النسيج والملابس، والفلاحة، والصناعات الغذائية، ومكونات السيارات، والسياحة… وجميع هذه القطاعات ذات طاقة تشغيلية مرتفعة لكنها لا تتطلب يدّ عاملة ذات مؤهلات علمية عالية، وأصبحت مشبعة وقليلا ما تحتاج إلى يد عاملة لديها مؤهلات علمية جامعية. من ناحية أخرى وعلى الرغم من أنّ بلادنا قد سعت إلى تحسين مناخ الاستثمار لمزيد استقطاب الاستثمارات الخارجية التي نجحت بدورها في خلق فرص شغل إضافية وظهور قطاعات تشغيلية جديدة، إلا أنّ النزوع إلى خلق نشاطات في قطاعات متجددة ترتكز على التكونولوجيا النظيفة مازالت محدودة وهو ما يمثّل ثالثة الأثافي التي تساهم في بقاء نسبة البطالة مرتفعة حسب تقرير البنك الدولي الذي أشار أيضا إلى أنّ المرأة في تونس ما تزال تشكو من الركون في براثن البطالة على الرغم من تحقيقها أشواطا متقدمة في تحصيل المعرفة والتعليم. وقد دعا البنك في جانب من تقريره إلى وضع إستراتيجية جديدة للنهوض بالتشغيل من خلال العمل على المرور إلى اقتصاد مرتكز على التكنولوجيا والقطاعات المتجددة التي تحتاج إلى يد عاملة تمتلك مؤهلات علمية عالية، مطالبا بوضع برامج تستهدف تعصير القطاع الخاص ليكون في حاجة ماسّة إلى استقطاب اليدّ العاملة المختصّة وجعلها متطابقة مع متطلّبات سوق الشغل التي وصفها بالمتصلّبة على مستوى التشريع وهو ما يتطلب وضع آلية جديدة لحماية العمّال حسب برامج مستهدفة لسوق الشغل قصد تفادي تسجيل خروقات لقانون الشغل من قبل المؤسسات. من جهة أخرى، دعا البنك إلى ضرورة إعادة تأهيل وتوجيه برامج التعليم العالي والتكوين المهني نحو شعب واختصاصات تقنية وعلمية تستجيب لمتطلبات اقتصاد المعرفة وتكون قادرة على إنتاج طاقات ويد عاملة مختصّة لها إمكانيات وكفاءات عالية للعمل في ميادين وقطاعات تكنولوجية متجدّدة. وهو ما نادت به عديد التقارير التي أعدّت داخل مؤسسات اقتصادية أجنبية حول مناخ الاستثمار في تونس خاصّة بسبب هجرة الأدمغة التونسية إلى الخارج، وكذلك عدم تماشي برامج التكوين المهني والتعليم العالي مع متطلبات سوق الشغل. تشير الأرقام الرّسمية إلى أنّ نسبة البطالة في تونس لعام 2008 قد بلغت 14.1℅، وأنّ البلاد نجحت في تقليص معدّل البطالة من سنة إلى أخرى، لكن هناك من يشدّد على ضرورة أخذ هذه الأرقام بحذر لمعرفة حقيقة الأسباب الكامنة وراء تراجع هذه النسبة.فمنذ سنة 1966 أصبح التعداد العام للسكان والسكنى يهتمّ بمسح معدّل البطالة في البلاد، لكن بحكم طول الفترة الزمنية الفاصلة بين كل تعداد وآخر والمحدّدة بعشر سنوات وما لذلك من تأثير على موضوعية النتائج ودقتها، أصبح المعهد الوطني للإحصاء يقوم بتعداد آخر في شكل مصغرّ، كل عام. واستنادا إلى أرقام المعهد نفسه، بلغت نسبة البطالة في تونس ما بين سنوات 1994 و1999 نحو 16.2℅، ثمّ تراجعت ما بين 1999 و2004 إلى 15.2℅، ثمّ ما بين 2004 و2008 إلى حدود 14.1℅، وهي نسبة معتمدة من قبل منظمة العمل الدّولية. ويرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أنّ تراجع معدلات البطالة خلال السنوات الماضية تعود إلى ثلاث أسباب رئيسية، وهي: الشدّ المدرسي، وطفرة الهجرة إلى الخارج، وتغيير المصطلحات التقنية التي تستعمل في الإحصاءات. كما أنّ لطول سنوات الدراسة بالبلاد تأثير على نتائج إحصاءات البطالة، باعتبار أنّ المسح المتعلق بالبطالة لا يشمل الدارسين الذين يمثلون في المستقبل القريب طالبي مواطن شغل إضافية. من جانب آخر يعزو الخبراء الاقتصاديون تراجع نسبة البطالة في تونس إلى طفرة الهجرة إلى الخارج، حيث بلغ معدل النزوح إلى الخارج، في العقد الماضي، ما يقارب عن 20 ألف شخص ممن يمثلون نخبة البلاد. كما رسمت بلادنا عدّة أهداف لعام 2010 من أجل امتصاص نسبة البطالة منها إحداث 70 ألف مواطن شغل، مقابل 57 ألف موطن شغل عام 2009. كما يتوقع رصد 43 مليون دينار من موارد الصندوق الوطني للتشغيل لدعم تمويلات البنك التونسي للتضامن سواء لمنح القروض المتوسطة أو القروض الصغيرة المسندة عن طريق الجمعيات، إلى جانب العديد من الأهداف الأخرى. التشغيل …. آليات وحوافز لتوفير مواطن رزق لآلاف الوافدين الجدد على سوق الشغل استحدثت بلادنا عديد الآليات حيث أنشأت البنك التونسي للتضامن الذي يتولى إسناد القروض لمساعدة الشباب على بعث المشاريع وقد صادق البنك عام 2009 على إسناد 12235 قرضا وبلغ مجمل القروض الصغيرة المسندة خلال عام 2009 حوالي 82971 قرضا. كما تم مع بداية الألفية الجديدة بعث الصندوق الوطني للتشغيل 21/21 والذي جاء لينضاف إلى المجهود المؤسساتي الذي تقوم به مختلف الأجهزة الحكومية المتدخلة في مجال دفع التشغيل والرفع من نسب إدماج الشباب. وقد وفّر بمختلف آلياته التي تقارب 35 آلية زهاء 120 ألف فرصة عمل كما وفر 40 ألف فرصة للتدريب على الحياة المهنية داخل المؤسسات الاقتصادية. ويتوقع أن يتضاعف مجهود الصندوق خلال السنوات الخمس المقبلة، كما نجحت هذه الآلية في تأسيس مستويات تدخل أفقي تتوزع على عدد كبير من الوزارات والهيئات والأجهزة وجاءت آلياته مكملة لما هو موجود من برامج ومخططات رسمية ويكمن نجاح هذه الإضافة في القدر الكبير من المرونة التي طبعت تدخلات هذا الصندوق في مجال تعبئة كل الموارد والإمكانيات والطاقات لتشخيص مكامن التشغيل والعمل على خلق الآليات اللازمة لاستغلالها. ومن أبرز أولويات المرحلة القادمة في مجال دعم التشغيل الرفع من نسق النمو والارتقاء بمحتواه التشغيلي وتحسين أداء آليات برامج السياسة النشيطة للتشغيل والتشجيع على العمل المستقل والانتصاب للحساب الخاص وتعزيز مساهمة الجهة في إحداث مواطن الشغل إلى جانب مزيد تفتح أنظمة التربية والتكوين المهني والتعليم العالي على سوق الشغل. وإلى جانب ما سبق ذكره تمّ بعث بنك جديد لتمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة، وتعزيز تدخلات البنك التونسي للتضامن بالترفيع في سقف القروض المسندة وبتيسير بعث الشركات الفردية وتبسيط الإجراءات في ذلك وبالعمل على مزيد إحداث محاضن المؤسسات وفضاءات المبادرة، إلى جانب العمل على تغيير العقليات لاستحثاث الابتكار لدى الشباب وتشجيعه على اقتحام تجربة العمل المستقل. يعتبر ملف التشغيل في بلادنا أولويّة لدى جميع الفاعلين في صنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ويرفع رئيس الدولة منذ سنوات شعار « التشغيل أولويتي » في إشارة إلى ما يمثّله هذا الملف من حساسية لدى التونسي بصفة عامة، وقد حثّ الرئيس زين العابدين بن علي، في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في أوائل الشهر الجاري، جميع المسؤولين في الحكومة وفي الإدارة على انتهاج سياسات اجتماعية ذات آليات ناجعة قادرة على توفير الشغل لطالبيه. وقد جاء في البيان الصادر عن المجلس الوزاري الذي أشرف عليه رئيس الدولة بأن تونس رسمت خطة تتضمن برامج عملية تستهدف تشغيل مختلف الفئات التي طالت بطالتها ويتم تمويل الخطة عن طريق الصندوق الوطني للتشغيل 21/21 وأضاف البيان أن بن علي جدد تأكيده على توفير الشغل لطالبيه وتنفيذ خطة طموحة في إطار تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس بن علي 2009/2014. وقد مكنت مختلف السياسات القطاعية والإجراءات وبرامج النهوض بالتشغيل من السيطرة على نسبة البطالة التي تم حصرها في حدود 14.7℅ سنة 2009 أي بزيادة نصف نقطة مقارنة بـ2008، ويعود ذلك إلى الأزمة المالية التي كانت سببا في فقدان 38 ألف وظيفة نتيجة لصعوبة الظرف الاقتصادي الذي ميّز السنة الماضية.   في دراسة له حول إشكالية التشغيل في المغرب العربي ونشرتها مجلّة المغرب الموحّد كتب دكتور علم الاجتماع التونسي المنصف ونّاس « لا نكاد نختلف اليوم في أن تشغيل الشباب مشكلة حقيقية في كل أقطار المغرب العربي .ولذلك يمكن القول بأن تشغيل الشباب هي أولوية صناع  القرار بغض النظر عن طبيعة النتائج المحققة في هذا المجال بالذات وبغض النظر كذلك عن مدى نجاعة السياسات العامة أو عدمها » كما جاء في ذات الدراسة أنّ مشكلة التشغيل والتشغيلية « تزداد حدة إذا ما علمنا بأن نسب الشباب قياسا بالتعداد العام للسكان نسب مهمة, وهي في حالة ازدياد وليست متراجعة .كما إن عدد المتخرجين من الجامعات والمعاهد العليا ومسالك التكوين المهني المختلفة في حالة ازدياد دونما أن يرافق ذلك –وهي مصدر المشاكل – التزام واضح من قبل القطاع العام بعملية التشغيل ودونما أن يبدي القطاع الخاص حرصا على معاضدة الجهد العام في مجال تدعيم التشغيل والنهوض بالتشغيلية. » وتلك هي واحدة من أكثر المشاكل صعوبة وتعقيدا حتى وإن لم تحلّل بما فيه الكفاية على الرغم من أهميتها من جهة، وعلى الرغم من علاقتها المباشرة بتوازن المجتمع وانسجامه وحسن توزيع  مردود التنمية من جهة أخرى . فتشغيل الشباب ليس مسألة هينة يمكن أن تعالج في وقت قصير أو أن يتم استنباط حلولها بسرعة فائقة حسب رأي الباحث المغربي أحمد بحورو. إجمالا، لكسب رهان التشغيل يرى الدكتور ونّاس بأنّه « يجب على هياكل السهر على  التشغيل أن تكون وسيطا فعليا بين الشباب وبين سوق الشغل يتمتع بكل صفات المصداقية والنجاعة والشفافية أي إن هذه الهياكل مدعوة إلى أن تكون بمنأى عن كل التدخلات الخارجية  والوساطة والمحسوبية وهي أمراض اجتماعية طالما أعاقت  شفافية الأداء  الإداري ومصداقيته وعمقت  الفجوة بينه وبين  المجموعات الاجتماعية. »  
نبيل زغدود  

من مقامات قوس الكرامة: حين يكون دبشليمنا مكيافيليا على السليقة


حدث بيدبا الفيلسوف دبشليم الملك فقال: زعموا يا مولاي انه على الأمير إذا أراد أن يطول عمره وعمر ملكه « إذا وضع يده على الممتلكات وود الاحتفاظ بها أن يجعل نصب عينيه دائما أمرين في منتهى الأهمية أولهما: إبادة الأسرة الحاكمة السابقة. وثانيهما عدم إحداث تبديل جوهري في قوانين هذه الممتلكات وضرائبها وبهذه الطريقة يمكن للبلدين أن يتحدا في وقت قصير وأن يؤلفا دولة واحدة. »  وارى يا مولاي أنكم نجحتم في تطبيق هذه النصيحة. فقد قطعتم يا مولاي أطال الله حكمكم الزاهر الرؤوس القديمة وتحالفتم مع أذنابها وبذلك تمكنتم يا مولاي من جمع « الملمّة والّي ثمة » وسيطرتم على ما هب ودبّ. وزعوا يا مولاي انه: « في سبيل الحفاظ على الممتلكات الجديدة فإن خير الوسائل أكثرها طمأنينة أن يقرر الحاكم إقامة مقره في الممتلكات الجديدة وهذا القرار يجعل الأملاك أكثر سلامة أطول أمد. » وأنت يا مولاي نجحتم في امتلاك الجديد والقديم وتمدها برا وبحرا. زعموا يا مولاي أن سيطها قد ذاع حتى من وراء المحيطات. وزعموا يا مولاي « أن علينا أن نعطف على الناس أو نقضي عليهم. إذ أن في وسعهم الثأر للإساءات الصغيرة . أما الإساءات الخطيرة والبالغة فإنهم أعجز من أن يثأروا لها. ولذا إذا أردنا الإساءة  لإنسان فيجب أن تكون الإساءة إلى درجة بالغة لا نضطر بعدها إلى التخوف من انتقامه. » وهنا يا مولاي نجاحكم بالغ الأهمية ففي عهدكم المجيد جزت الرؤوس وقلت الأموال وأغلقت الأفواه ونامت العقول وفي عهدكم يا مولاي أطال الله عمركم اقعد الضرير وشل البصير، ورفعت  الأرجل فوق الأكتاف، وسار الناس على البطون، أفرغت القلوب لتمتلأ بعض البطون والجيوب. وهذا النجاح يحسدك عليه أمثالكم من ملوك العجم والعرب. وزعموا يا مولاي أنه: « للأمير في الدولة التي يحكمها الأمراء وموظفوهم سلطة اكبر وأوسع. أي ليس في الدولة من يعتبر في منصب الرفعة سواه فلأنهم من وزراءه وموظفيه. وليست لهم أية اعتبارات خاصة كما لا يحمل لهم أية عاطفة معينة. » أما هذه يا مولاي فأنا أعجز من أن ابدي أي تعليق. فسبحان الله الذي جعلكم القبلة والبوصلة. سبحان الذي جعلكم تميتوا الشمس وتتصدروا سماءها قنديلا. سبحانه الذي جعلكم الواحد الأحد القهار والجبار. فقد منحتم الصكوك على بياض لمن يدجن الفحول من العقول ويتجسس على أفكار العلماء ويتخمن نوايا المفكرين قبل أن يفكروا. زعموا يا مولاي أن « الأيام أثبتت انتصار الأنبياء المسلحين قد احتلوا وانتصروا بينما فشل الأنبياء غير المسلحين. » زعموا انه « وإن اختلفت طبيعة الشعوب فقد يكون من السهل إقناعها بأمر من الأمور ولكن من العسير إبقاءها على هذا الاقتناع، ولهذا أصبح من الضروري فرض الأمور عليها. حتّى إذا توقفت عن الاقتناع، أرغمت عليه بالقوة. » الصراحة والحقيقة أنكم أبهرتموني فقد جعلتها يا مولاي مدينة يكذب من فيها على أنفسهم وتقول في أسوء الأحوال لها لا بأس!. فقوّاكم الله يا مولاي على حاسديك من العجم والعرب. وزعموا يا مولاي أنه « على الأمير عند احتلاله لدولة من الدول أن يتخذ التدابير اللازمة لارتكاب فضائعه فورا ومرّة واحدة. وان لا يعود إليها من يوم لآخر. وهكذا يتملكن عن طريق عدم القيام بتبديلات جديدة ومن خلق الطمأنينة عند شعبه واكتسابه إلى جانبه بواسطة المشاريع النافعة. » هليلوليا هليلوليا يا مولاي بورك فيكم. ففضائعكم تشتم رائحتها ويبقى مذاق ذكراها على الألسن إلى أبد  الآبدين. فأنتم  وبفضل حكمتكم أتيت على الأخضر واليابس فلم تبقي عواصف غضبكم ولم تذر. السجون والحمد لله غصت بمن فيها فدكّت الرؤوس فيها دكّا. و الفقر بفضلكم عمّ وانتشر وفي هذا عدلتم فأصبتم والجهل، بارك الله فيكم، ساد وانتصر ونقمة حاسديك أصبحت ذكرى بعد أثر. ومن يفتح نافذته في عملكم المجيد يعمى غبار مشاريعكم العظيمة عينيه. فالطرقات وما أدراك ما الطرقات طرقت الأبصار والمسامع وبذلك طالتهم يداك السمحاء أينما هبوا ودبوا. وزعموا يا مولاي: « أما المنافع فيجب أن تمنح قطرة فقطرة. حتّى يشعر الشعب بمذاقها يتلذذ بها. » فسبحان من وفّق زبانيتكم تجعل من نوم الليل شهوة تنشد. ومن الأمان رغبة لا تدرك وجعلت الكلّ يتوب عن الرغبة والاشتهاء. وزعموا يا مولاي أنه « على الأمير إذا كان يعجز عن ممارسة فضيلة الكرم دون المجازفة باشتهاره أن لا يعترض، إذا كان حكيما عاقلا، على تسميته بالبخيل. وسيرى الناس مع مرور الزمن أنه أكثر سخاءً ممّا كانوا يظنون. » وفي هذه يا مولاي سيادتكم لا تحتاجون للنصح فالحكمة جبلتكم. فقد كرّمكم الله بالبخل والشح على رعاياكم . فأبعدكم كل البعد عن الكرم والسخاء. فحتى العامة يا مولاي، تبركا بسيرتكم المجيدة أصبحت تستعيذ من هذه التهمة الشنعاء. فالتقتير من نعم عهدكم عليهم جعلهم كالجمال تكتفي بماء حدبتها. والشح شمل أبصارهم وعقولهم وحتى زهوهم. فهم ينفقون من الخيال ويستترون بالأوهام. وزعموا يا مولاي « أن الأمير إما أن ينفق ثروته الشخصية أو ثروة رعاياه أو ثروات الآخرين. وعليه في رأيي أن يوفر ثروته أما بالنسبة للثروات الباقية فعليه ألا يهمل أن يكون جوادا، معطاءً. » ومن فضل الله عليكم إنكم لم ترزقوا ثروة شخصية فجمعتم وأنفقتم ثروة رعاياكم. زعموا يا مولاي انه « على الحاكم الذكي المتبصر أن لا يحافظ على وعوده عندما يرى أن هذه الوعود تؤدي إلى الإضرار بمصالحه. وان الأسباب التي دعته لإعطاء تلك الوعود لم تعد قائمة. » سبحان مبدّل الأحوال ومغير الأوضاع، التغيير وما أدراك ما التغيير يوم ينام الناس على حال ويصبحون على حال. سبحان من جعلكم تضحوا بالقاعدة من اجل الاستثناء وتسخروا الثوابت من اجل المتغيرات الزائلة. وترهن المستقبل من أجل بعض الحاضر أو بعض « المستقبل ». وجعلكم تفعلوا عكس ما تقولون وتعدون. وهي مواهب يحسدكم عليها أصدقائكم من ملوك العرب والعجم. فأصبحتم قبلة كلّ ناكث خائن. فكيف تنصح بالنسيان وهو طبيعتكم وكيف تنصح بنكث العهود وهو امتيازكم. فحماكم الله يا مولاي من تهمة الوفاء والذاكرة. وزعموا يا مولاي أن « على الأمير أن يجعل الناس يرون فيه ويسمعون منه الرحمة مجسدة والوفاء للعهود والنبل والإنسانية والتدين. ولعل هذه الصفة الأخيرة هي أكثرها لزوما وضرورة لأن الناس عموما يحكمون بعيونهم أكثر من عقولهم. ولأن في وسع كلّ إنسان أن يرى بينما لا يشعر إلاّ القليلون. » وأنا أرى يا مولاي أن حتّى هذه القلة أصبحت تحكم بعيون معصوبة، فقد منّى الله عليكم بذلك الصندوق المليء صورا عن ورعكم وتقواكم وإنسانيتكم في نهب رعاياكم وعيونهم ترى وآذانهم تسمع. صور تقوتكم وتوبتكم مع إنّكم يا مولاي وحاش لله أن تكون قد ارتكبتم ذنوبا تتوبون عنها ولكن الجنة لمن تاب من أمثالكم فأغنى الغني أفقر الفقير. وزعموا يا مولاي « أن على الأمير أن لا يخشى كثيرا حتّى المؤتمرات. إذا كان الشعب راضيا عنه أما إذا كان مكروها ويحس بعداء الشعب له فإن عليه أن يخشى من كلّ إنسان ومن كلّ شيء. » دبشليم: ولأن الغاية تبرر « الواسطة » فإنني يا بيدبا مجبر على قطع رأسك لأنني أخشى أن تنصح بهذه النصائح غيري من ملوك العرب والعجم. وحتّى لا يقال دبشليم أحمق يشار عليه. قررّت أن تكون حاشيتي من الحمقى والمعتوهين لأنسب إليهم أي حياد عن هذه القواعد. فأعذرني يا بيدبا فعلي أن لا أفي بوعد قطعته. درّة


معضلة الدروس الخصوصية تونس مثالا

 


تعطّلت الدروس صباح الاثنين 12 جانفي 2010 في المدرسة الأساسية « عقبة ابن نافع » بقرطاج-بيرصة (ضواحي العاصمة التونسية) لمدّة ساعتين نتيجة احتجاج بعض المدرّسين وأولياء بعض التلاميذ على عملية تحقيق قامت بها مصالح التفقد بوزارة التربية حول الساعات الإضافية التي اشتكى بعض الأولياء بأن « بعض المعلّمين يدفعون أبناءهم قسرا للدروس الخصوصية » وأقدّم في هذا المقال رأيي في موضوع الساعات الإضافية وبعض الاقتراحات التي ربما تكون مفيدة للرفع من مستوى التعليم. دروس التدارك قد يحتاج تلميذ متوسّط أو محدود الذكاء أو له مشاكل في التركيز لمتابعة الدرس إلى دروس خصوصية زيادة على ما يتعلمه في المدرسة لفهم ما استعصى عليه فهمه في الفصل، ويقع ذلك خاصة في المواد العلمية التي تعتمد على المنطق مثل الرياضيات والعلوم التي تتابَع الدروس فيها بصورة تعتمد فيها الحصص اللاحقة على السابقة ومن لم يفهم أولها ولم يسيطر على بدايتها لا يستطيع التمكّن من المفاهيم الجديدة. وتنظَّم دروس التدارك إما باقتراح من المعلّم أو مدير المدرسة أو بمبادرة من الولي الذي يريد أن يساير ابنه (أو ابنته) زملاءه في الدراسة ولا يتخلّف عنهم. كما يمكن أن يكون تنظيمها نتيجة مبادرة من السّلط السياسية التي تريد أن لا يتخلّف التلاميذ أبناء بعض الأحياء الشعبية الذين لا يجدون في ديارهم الرعاية البيداغوجية التي يجدها أبناء الأحياء الميسورة. كما يمكن أن تكون أسباب التدارك غياب أستاذ لمدّة طويلة تجعل التلاميذ متخلّفين في مسايرة البرنامج، وكل هذه أسباب بيداغوجية لا تقع في الحالات الاعتيادية عندما يكون التلاميذ قد خضروا كل الدروس ووجدوا الإحاطة الطبيعية العادية في ديارهم وراجعوا دروسهم بصورة عادية ومتواصلة طوال السنة. المناظرات أمّا إذا كان التلميذ يحضّر نفسه للمشاركة في مناظرة يتبارى فيها مع زملائه وتكون فيها البقاع محدودة ويجب عليه أن يتمكّن من معلومات أكثر من زملائه ليفوز بالقبول قبلهم ومكانهم، فإنه يلتجئ إلى الدروس الخصوصية ليتمكّن من كمية من المعرفة أكثر وليتدرّب على تمارين أكثر من زملائه وليتعلّم طرقا متعدّدة لا يعرفها إلا الراسخون في العلم تمكّنه من الإجابة على الأسئلة بسرعة لأن الحيلة الرئيسية في المناظرات هي الإجابة على عدد من الأسئلة أكثر وبصورة أسرع مما يجيب المتنافسون معه. والتعليم التونسي كان مليئا بالمناظرات في الستينات والسبعينات والثمانينات وحتى في التسعينات  من القرن الماضي ولم يتخلّص منها للمرور من مرحلة إلى أخرى إلا في أواخر التسعينات بانتهاء السيزيام وبإدخال نتائج السنة السابعة في احتساب معدّل الباكالوريا. وبقيت اليوم مناظرة واحدة هي مناظرة التوجيه لمتابعة الدراسة في التعليم العالي التي تمكّن الناجحين الأوائل من اختيار الاختصاص الذي يرغبون فيه. غياب العدالة الاجتماعية واستعمال الساعات الإضافية في المناظرات هي طريقة غير عادلة اجتماعيا لأنها تضيف حضوضا أكبر للميسورين الذين يستطيعون دفع أجرة أساتذة يعتنون بأبنائهم وحدهم ليتفوّقوا على أقرانهم ويفوزوا بالأماكن الموضوعة على ذمة المتبارين ممّا يمكّن متبارٍ أقل كفاءة من إقصاء متبارٍ كفئ، لكن تلك سنّة الحياة في كل المجتمعات ولا يمكن لأي سلطة منع وليّ من مساعدة أبنائه بالمال كما لا يمكنها منع أي ابن من إرث ثروة والديه، الشيء الوحيد الذي يمكن لسلطة عادلة أن تفعله هو تمكين ضعاف الحال من دروس خصوصية على نفقتها لمحاولة تضييق الهوة التي تفصل بين الشرائح الاجتماعية، لأن مصلحة السلطة السياسية الذكية هي نجاح الأكفاء في المناظرات لأنهم أنجع في عملهم للمصلحة العامة وبالتالي أنجع لتطوير البلاد وتقدّمها بين الأمم. الساعات الإضافية لقد أدّت عقلية المناظرات إلى الاتجاه إلى الساعات الإضافية في كل مراحل التعليم، بل انتشرت في السنوات الأخيرة لتشمل كل مستويات التعليم بما فيها السنة الأولى ابتدائي كما دخلت في التعليم العالي، ولم يكف تهافت الأولياء على هذه الساعات بل أصبحت في أغلب الأحيان إجبارية في التعليم الابتدائي والثانوي لأن بعض المعلّمين والأساتذة وجدوا فيها دخلا إضافيا يساعدهم على مجابهة غلاء الأسعار وتدهور قدرتهم الشرائية أمام ازدياد إغراءات الاستهلاك ودخول التكنولوجيات الجديدة إلى حياتنا اليومية. ويشتكي بعض الأولياء من تصرّف هؤلاء المعلّمين الذين لا يراعون الحالة الاجتماعية للأولياء ويعاقبون التلميذ الذي لا يدفع مصاريف الساعة الإضافية (لوتيد) وذلك بترتيبه بعد التلاميذ الذين يدفعون. وقد تعوّض الساعات الإضافية الساعات العادية كليّا في بعض الحالات، فقد لاحظنا تغيّب تلاميذ الباكالوريا عن الدروس العادية انطلاقا من بداية أفريل ليحضروا في نفس التوقيت دروسا خصوصية يقدّمها أساتذتهم، أي أن التعليم يصبح بمقابل مدة الثلاثية الثالثة ويحصل الأساتذة على جرايتين، الجراية العادية رغم غياب التلامذة وعدم القيام بالدرس والمداخيل المتأتية من الدروس الخصوصية. وينتفع التلميذ الثري لأنه يحضر الدروس الخصوصية لدى الأستاذ المعروف بنجاعته ويخسر التلميذ الفقير. مزايا الساعات الإضافية أكبر مزايا الساعات الإضافية هي متابعة التلميذ خارج المدرسة. فقد يجد الأولياء صعوبة في السيطرة على الأبناء خارج المدرسة لإجبارهم على مراجعة دروسهم فيلتجئون إلى الأستاذ أو العلّم حتى يجعلوا المراجعة إجبارية، وينتفع التلميذ خلال مدّة المراجعة من وجود الأستاذ معه ليفسّر له ما استعصى عليه فهمه. كما ينتفع التلميذ بالنصائح المسداة من طرف أستاذه والتي تسهّل له مجابهة الأسئلة العويصة التي يمكن أن يجابهها يوم الامتحان وهي نصائح لا تعطى عادة خلال الدرس العادي ولا ينتفع بها إلا من يدفع. وقد يقع أن تكون التمارين التي يتدرّب عليها التلميذ خلال الساعات الإضافية قريبة جدّا من تمارين الامتحان ويحصل أن تكون نفس التمارين، وبالتالي فالذي يدفع يكون ترتيبه قبل الذي لا يدفع مهما كان اجتهاد وذكاء المتنافسين. الأستاذ الذي يسدي خدمات الدروس الخصوصية يلقى مقابلا ماديا ضخما لا يخضع للضريبة على الدخل لأنه لا يصرّح به، وإذا كانت نتائج التلاميذ الذين تدرّبوا على يده جيّدة فإنه لن يقوم بأي إشهار لجلب الزبائن في السنة الموالية بل يتسابق التلاميذ للتسجيل لديه خاصة إذا اقترب موعد الامتحان ويصبح يقوم باكرا لابتداء يومه على السادسة صباحا ولا ينتهي إلا مع الساعة العاشرة ليلا. وتكون النتيجة أنه يشتري السيارة ويبنى الدار ويدفع أجرة زميله ليقوم بالدروس الخصوصية لأبنائه للخوف من عدم الانضباط إن هو نفسه يساعدهم على المراجعة إلى غير ذلك من مصاريف العائلة بأسرها. الوزارة بدورها تنتفع من الدروس الخصوصية لأن المداخيل المتأتية منها تجعل الأساتذة لا يلجؤون إلى النقابة لطلب الزيادة في الأجور، ولأن الأساتذة الذين يدرّسون تلامذة فصلهم بصورة مخالفة لمناشير الوزارة التي تمنع على الأستاذ إسداء دروس خصوصية لتلامذة فصله هم تحت رحمة تفقّد فجئ يمكن أن يؤدّي بهم إلى مجلس التأديب، ولذا تراهم لا يشاركون في التحرّكات الاجتماعية، ونتيجة لذلك تتخلّص الوزارة من خصام جزء كبير من الأساتذة ومن مشاركتهم في العمل النقابي أصلا. مضار الساعات الإضافية دخلت الساعات الإضافية في ثقافة العائلة التونسية مهما كان مستواها الاجتماعي وقدرتها المادية، وقد تدخلت جمعيات قريبة من السلطة وقنّنتها، وأغمضت السلطة عيونها على تجاوزاتها رغم علمها بتداعياتها السلبية ورغم إصدار وزارتي التربية والتعليم العالي لعديد المناشير التي تحد من تأثيراتها السلبية، لكن غاب تطبيقها خوفا من رد فعل الأولياء وبعض الجرائد، وقد عوّضت الساعات الإضافية لدى أغلب من التلاميذ ساعات المراجعة الشخصية العادية. من أهم المضار التي تنجرّ عن متابعة التلميذ الدروس الخصوصية هي اعتماده كليا على مذاكرات الدروس الخصوصية  وإهمال الكتاب المدرسي تماما رغم أن المذاكرة فيه ودراسته وحل الأسئلة في نهاية كل درس أو وحدة في الكتاب كفيلة بتحقيق التحصيل والفهم، وينتج عن هذه العقلية الاتكالية فقدانه للمبادرة والاعتماد على النفس ممّا يجعله أقلّ استعدادا لتحمّل مسؤولية دراسته وإدارة شؤون نفسه وخاصة على مستوى المراجعة والتكوين والاستيعاب، إذ يصبح طالبا غير متعلم خازنا لمعلومات لم يفهمها ولم يستوعبها بل حفظها ليمتحن فيها ويجيب على الأسئلة، وقد ينساها بسرعة لأنه حفظها دون فهم أو استيعاب. وإذا استثنينا النوابغ فإنه ينتج لدى هؤلاء التلاميذ تبلّد في التفكير ونزعة إلى الاعتماد على الآخرين. و الدروس الخصوصية تقتل الإبداع والابتكار والتجديد والتحديث فهي تجعل التلميذ يحفظ بأسلوب التنشين (التقمير) كمّا رهيبا من الأسئلة التي تتكرّر في امتحانات كل سنة دون أن تعلمه التفكير « دون فهم ودون استيعاب ودون أن تهتم بمساحات الإبداع لديه ودون أن تكسبه أي مهارات سوى مهارة آلية حل الأسئلة في حدود ما استطاع أن يختزنه من معلومات » كما يقول عماد عبد العال أحد خبراء البيداغوجيا المصريين. كما تمكّن تلك الدروس من النجاح دون التمكّن من المفاهيم الأساسية، وتعوّد التلميذ على عدم الاهتمام بالجزئيات التي لا تعطي عددا إضافيا في الامتحان ممّا يرسّخ فيما بعد عقلية عدم الاهتمام بالجزئيات في الحياة المهنية رغم كونها أساسية، الشيء الذي يجعل إدارتنا وصناعتنا وخدماتنا متخلّفة وذات جودة منخفضة وملآ بالأخطاء. والاعتماد على الدروس الخصوصية منذ الصّغر قد يمكّن التلميذ من متابعة شعب صعبة لا يمكن متابعتها إلا من النوابغ أو على الأقل من الذين لهم قدرة كبيرة على العمل المتواصل والمركّز فيجدون صعوبة كبيرة ويضطرّون إلى الالتجاء مرّة أخرى إلى دروس خصوصية حتى في مستوى عال. تكلفة الدروس الخصوصية مرتفعة وقد تبلغ ألف دينار في السنة للتلميذ الواحد الذي يعتمد هذه الدروس لكل المواد التي يدرسها أي ما يمثّل نصف دخل الفرد في تونس بالنسبة لعائلة لها ابنان في التعليم ويكلّف المجموعة الوطنية قرابة ملياري دينار (أكثر من عشر ميزانية 2010). ويحدث أن يتابع التلميذ أكثر من درس خصوصي في المادة الواحدة، درس لدى مدرّسه كي لا ينكّل به ودرس لدى مدرّس آخر له ثقة في نجاعته. وهذه الميزانية تضاف إلى تكاليف الدراسة وترهق كاهل العائلة رغم مجانية التعليم. تداعيات الدروس الخصوصية على المجتمع بأسره مضرّة لأنها عادة ما تفتقد إلى الناحية الأخلاقية عندما يجبَر التلميذ على متابعتها لأن التمارين التي يعطيها الأستاذ في القسم تختلف عن تلك التي يعطيها في ساعات الدروس الخصوصية، فتستشري عقلية جمع المال بكل السبل ومن جيوب كل الأفراد مهما كان حالهم الاقتصادي والاجتماعي، ويضطر الأستاذ إلى الدوس على ضميره المهني وعلى جزء كبير من أخلاقه لجلب الزبائن وتسود العقلية التجارية على العلاقة بين المدرّس والدارس ويصبح ثمن الساعة الإضافية عبارة عن رشوة لضمان النجاح لدى عديد المواطنين، وتتدهور صورة المعلّم الذي « كاد أن يكون رسولا ». أمّا من ناحية مستوى الطلبة لدى دخولهم التعليم العالي أو حتى لدى تخرّجهم من الجامعة فإن الأمر خطير على البلاد بأسرها، فالملاحظ يرى مستوى الطلبة والخرّجين يتدهور من سنة إلى أخرى سواء في اللغات والتعبير أو في السيطرة على المفاهيم المتّصلة باختصاصاتهم، فيعجزون عن النجاح في سوق الشغل وهم معوقون تماما في ميدان الابتكار والاستنباط وبعث المشاريع، وبالتالي فهم يساهمون بصورة آلية في تخلّف اقتصادنا وصناعتنا وإدارتنا.   اقتراحات لن أتحدّث عن ضرورة مراجعة أهداف المدرسة وتغيير أساليب الامتحانات وأهدافها ومحاربة الفساد والرشوة والمحسوبية وإنما أقدّم اقتراحات عاجلة لمكافحة آفة الدروس الخصوصية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لا يمكن حرمان أي كان من ضمان دراسة جيّدة لأبنائه، على شرط أن لا تضر بالآخرين وبالمجتمع. وانطلاقا من هذين المبدأين يمكن تقديم بعض الاقتراحات. إن قيام أستاذ بتدريس التلميذ الذي يدفع المال وذلك خارج أوقات العمل ويعطيه تمارين لا يمكّن منها التلاميذ العاديين الذين لا يدفعون مقابلا هو عمل غير أخلاقي ولا يمكن الدفاع عنه، وبالتالي يجب أن يكون ذلك ممنوعا منعا باتّا وحقيقيا، أقول حقيقيا لأن مناشير الوزارة تمنع الأساتذة حاليا من القيام بدروس خصوصية بمقابل لتلامذتهم ولكن الوزارة لا تطبّقها للأسباب التي قدّمناها في المقال السابق. بقي أن الأساتذة يتّفقون حاليا فيما بينهم ليقوموا بالإشهار لبعضهم البعض للإفلات من تطبيق هذه المناشير. والحل أن يُمنع المدرّسون المباشرون للتدريس في المدارس الحكومية من القيام بدروس خصوصية، بل يجب تقنين هذه الدروس وجعلها تقع في أماكن متعارف عليها مع إمكانية تفقّدها من مصالح الوزارة حتى لا تحصل تجاوزات. وانطلاقا من كل هذا يجب الاستئناس بالتجربة اليابانية مثلا حيث نجد مدارس خاصة بدروس التدارك يؤمّها التلاميذ بعد الدرس العادي ويدرّس فيها أساتذة مجازون وليسوا بالضرورة مباشرين للتدريس في المدارس الحكومية مثل الذين نجحوا في كتابي الكاباس ولم ينجحوا في الشفاهي مثلا، لأن المجازين العاطلين عن العمل حاليا إن لم ينجحوا في المناظرة فلكون الخطط المفتوحة محدودة جدّا وبالتالي فكثير منهم قادرون على التدريس بكفاءة، وليس من المعقول أن نجد اليوم من يدرّس أربعين ساعة في الأسبوع اثنان وعشرون منها بمقابل إضافي معتبر يُحرم منه متخرّجون من الجامعة أكفاء عاطلون عن العمل.
د. أحمد بوعزّي
(المصدر: « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 530 و 531)


عندما يرتدي البحث العلمي ثوبا ديماغوجيا : ندوة « علمية » حول التشغيل تحوّلت إلى بوق دعاية للنظام


انتظمت بكلية 9 أفريل ندوة حول » التشغيل والتشغيلية لأصحاب الشهادات العليا في تونس ». نظمها أساتذة جامعيون (أساتذة ورؤساء أقسام ومديري معاهد عليا) يمثلون الحزب الحاكم. هذه الندوة تحوّلت إلى دعاية ممجوجة للنظام. وقد أقرّت جميع المداخلات بوجود أزمة تشغيل قائمة في المجتمع التونسي، لأن هذا المشكل لم يعد يحتمل التكتم وتركه في سجلات الدولة مقبورا لأن الواقع الاقتصادي والاجتماعي بات مكشوفا وصارخا بالحقيقة الاجتماعية الفاضحة لتلاعب النظام التونسي بقضية التشغيل. إنّ مجمل المداخلات حول تشغيل أصحاب الشهادات تناولت الموضوع من خارج الأطر الرئيسية التي ينبغي أن يعالج في إطارها والجميع يعلم أن الإطار الأساسي لمعالجة قضية التشغيل لا يمكن أن يكون إلا سياسيا بحتا بمعنى مدى توفر إرادة سياسية حقيقية وجادة قادرة على وضع تخطيط محكم خالق لمنافذ تشغيل ومستكشف لفضاءات اقتصادية واجتماعية جديدة مع ضرورة مراجعة الإخلالات الموجودة في السياسة الاقتصادية والاجتماعية السابقة والتي أعلنت إفلاسها وهروبها من معضلة البطالة. كما أن المداخلات كانت في أغلبها تحوم حول إشكالية التشغيل في تونس ولا تتجرّأ على الدخول في عمق الإشكالية، فيما عدى مداخلة واحدة يمكن اعتبارها حادت قليلا عن السياق العام للمداخلات الأخرى لأنها لمّحت إلى ضرورة فتح المجال للشباب في عالم الشغل اعتمادا على تقنية التقاعد المبكر ورفض عملية تمديد سنوات العمل بعد سنة التقاعد. وحملت هذه المداخلة عنوان » :التهرّم السكاني في فضاءات العمل ». وهو بعد ديمغرافي هام جدا بالنسبة إلى عملية تشغيل الشباب حاملي الشهادات العليا لأن العلاقة يمكن أن تكون إيجابية ولصالح التشغيل إذا ما تمت بلورة استراتيجية تولي أهمية للشباب بدلا عن المتقدمين في السن. فالشباب يمكن أن يمثل قطاعا اقتصاديا واجتماعيا هاما يخلق بدوره مواطن شغل جديدة تتعلق أساسا بشتى الخدمات الاجتماعية التي يمكن أن تتمتع بها الفئة العمرية المحالة على التقاعد المبكر (55 سنة). وبالتالي فإن هذا الإجراء يعتبر حلا لمشكلة تشغيل أصحاب الشهادات العليا من ناحية وهو أيضا يمثل قاعدة اجتماعية جديدة خالقة لمواطن شغل خصوصية ذات صبغة اجتماعية وصحية وترفيهية وثقافية… من ناحية أخرى، وأن مساهمات هؤلاء المتقاعدين في صناديق الضمان الاجتماعي والتقاعد والحيطة الاجتماعية يمكن تعديلها دون أن تضر بالتوازنات المالية لهذين الصندوقين. عدا هذه المقاربة التي تضمنت حلاّ وإن لم يكن عميقا وجذريا، فإن بقية المقاربات تفتقد إلى بدائل حقيقية ولحلول جذرية. لقد تحدث البعض عن » مزيد تحرير قطاع الخدمات لما له من أهمية في التشغيل ومزيد تأثيث سوق الشغل » متناسيا ما آل إليه ذلك عمليا من تفاقم الأشكال الهشة للتشغيل والتي لم تساهم في القضاء على البطالة ولا حتى الحد منها فحسب ولكنها أيضا كثفت من وتائر استغلال الشغالين ونهب عرقهم دون تمكينهم من الضمانات التي يوفرها الشغل القار (تغطية اجتماعية، حوافز، تعويضات، الترسيم في العمل، الحماية النسبية من التسريح…) متغافلا عن التطرّق إلى موضوع نسونة الفقر رغم اكتساح المرأة لسوق الشغل والتي تحتل فيها للأسف مواطن شغل هشة ولا تفي بالحاجة. وأشار أحد المتدخلين، بشكل سريع، إلى تضحيات العائلات التونسية من أجل إعالة أبنائها المعطلين دون ذكر أسباب الأزمة الاجتماعية رغم تعرّض البعض في سياق المداخلات إلى نظام العولمة والتوجه الانتقالي لتونس نحو المزيد من الليبرالية. واتفق الجميع على أن العولمة الاقتصادية واتجاهها المغالي في الليبرالية هي « قدر محتوم » لا بد من التعامل معه والاندماج في صلبه ومحاولة إدارته على شاكلة الدول المتقدمة. ويتكرّر بالتالي نفس الخطأ في كل مرحلة تاريخية من تقدم المجتمع التونسي للأنظمة الرأسمالية التي تفترس الشعوب المغلوبة على أمرها. كما تحدّث متدخل آخر عن حاجيات المؤسسات من الكفاءات والمؤهلات دون شراكة فاعلة وجدية بين الجامعة والمؤسسات الاقتصادية لتجاوز أزمة اللاإرتباط والتقطع بين التعليم والتكوين والتشغيل. هذا الثلاثي الذي يجب أن يصبح في المستقبل المنشود متجسدا داخل « منظومة تشغيلية واحدة « تتحمل في إطارها المؤسسات الاقتصادية أدوارها الاجتماعية إزاء عملية المشاركة في التشغيل كمسؤولية اجتماعية أساسية. ولن يتحقق هذا المبتغى إلا في إطار سياسة اجتماعية عادلة تعيد توزيع الأدوار الاقتصادية والاجتماعية من جديد. وفي هـذ السياق لا بد من الإقرار بأن حل القضايا الجوهرية والمصيرية التي تواجه شعبا هو حل سياسي أو لا يكون خاصة في هذه المرحلة من تاريخ تونس. وهذا ما تمّ تغييبه كليا في الندوة التي أراد منظموها أن يوهموا » أن الدولة ما تزال تجتهد في إيجاد الحلول الممكنة لمعضلة البطالة ». وهي في الحقيقة ندوة كمثيلاتها من الندوات ومن الحملات حول التشغيل الوهمي في ظل نظام مفلس. وهي في نهاية الأمر مجرد بوق دعاية للسلطة الحاكمة في البلاد والتي تفتقد في سياستها الليبيرالية المتوحشة وفي طبيعة نظامها الرأسمالي التابع، إلى الحلول الحقيقية لمطالب الشعب الإستراتيجية وأوّلها مطلب التشغيل. والغريب في الأمر أن متدخلا من ليبيا، وهو جامعي، تبنى في مداخلته نظام العولمة وضرورة الاندماج فيه و »أن التشغيل اليوم قد أصبح قضية شخصية وعلى الفرد أن يجتهد في إيجاد الحلول الخاصة لمشاكله الشخصية. فإن وجد شغلا فيا حبّذا وإن لم يجد فعليه أن يسعى لذلك دون أن يطالب به وأن يعتبره حقا مكتسبا ولأن التشغيل اليوم لم يعد من مشمولات الدولة بل من واجب الأفراد اعتمادا على كفاءاتهم ومؤهلاتهم التي تمكنهم من عرضها على أصحاب المؤسسات الاقتصادية قصد تشغيلهم. كما يمكنهم بعث المشاريع والانتصاب للحساب الخاص » وفي هذا الإطار تطرّق أحد المتدخلين إلى « افتقاد الشباب لروح المبادرة وثقافة المقاولة « وأن نسبة باعثي المشاريع الخاصة ضعيفة جدا. وقد نوّه بـ »مجهودات الدولة في تسهيل عملية بعث المشاريع إجرائيا وماليا »، دون الإشارة إلى إعلان إفلاس عدة مشاريع بسبب إشكالية التمويل أو بسبب عدم مردودية النشاط الاقتصادي الذي ينتمي إليه المشروع. أما إحصائيا فاعتمدت المقاربات على الإحصائيات الرسمية وكأنها انعكاس فعليّ للواقع الملموس وأن تحيين الانسجام الداخلي وإلى إمكانية إجراء مقاربات منطقية زمنيا وفضائيا وبعيدة عن مقومات المنطق العلمي والموضوعية العلمية في تناول ظاهرة بطالة أصحاب الشهادات العليا. إن اللافت للانتباه في هذه الندوة هو الغياب الكلي لمسألة تأثيرات الخوصصة على تشغيل أصحاب الشهادات العليا . وهي مسألة لا بد وأن تطرح في صلب إشكالية التشغيل بشكل عام. وقد أكدت عدة دراسات علمية أن الخوصصة في تونس قد تسبّبت في تسريح آلاف العمال ولم تخلق مواطن شغل جديدة. كما أهمل منظمو هذه الندوة طرح مسألة تنامي القطاع اللاشكلي (secteur informel) في تونس كردّة فعل عن الإقصاء من القطاع المنظم. ويمثل القطاع اللاشكلي بالنسبة إلى الكثير من المعطلين بما فيهم حاملي شهادات عليا ملاذا لتحدّي الجوع والخصاصة وإعادة الإنتاج البيولوجي والاجتماعي والثقافي كذلك. فالقطاع اللاشكلي في بعده الاقتصادي يفرز مجتمعا لاشكليا له خصائصه الاجتماعية المميزة وثقافته الخاصة التي غالبا ما تنعت بثقافة الهامش. وتقترن هذه الثقافة بالفئة الاجتماعية المهمّشة من السكان التي تشتغل في الأنشطة الهامشية. وهنا لا نتحدث عن أقلية هامشية بل عن فئة عريضة من السكان تشتغل في القطاع اللاشكلي وأن نسبة مرشحة، في الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة التي يعيشها المجتمع التونسي، للارتفاع والتفاقم ردّا على الإقصاء من منظومة الاقتصاد الرّسمي !

 

(المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 20 فيفري 2010)


في الذكرى الواحدة والعشرين لانبعاثه اتحاد المغرب العربي لم يلد بعد

 


د. أحمد بوعزّي   يحتفل اتحاد المغرب العربي يوم 17 فيفري الجاري بالعيد الحادي والعشرين لانبعاثه. فقد اجتمع قادة دول المغرب العربي الخمسة في ذلك اليوم من سنة 1989 بمراكش وأعلنوا بأن  » تحقيق أماني شعوبنا وتطلعاتها إلى الوحدة يستلزم تضافر الجهود وإقامة تعاون فعال بين دولنا وتكامل مضطرد في مختلف المجالات ». وبعثوا الاتحاد بأهداف ثمانية من بينها « العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها ». وعقدوا منذ ذلك  التاريخ ستة اجتماعات قمّة كان آخرها في 2-3 أفريل 1994 بتونس كما أمضوا على 27 اتفاقا بين 1989 و1994، ومنذ ذلك التاريخ لم توقع إلا اتفاقات ثنائية وتعطّلت عجلة الوحدة عن الدوران بل وفرضت المغرب والجزائر التأشيرة على المسافرين بين البلدين كما فرضت الحكومة الليبية رسوما على المسافرين وعلى عرباتهم الداخلة إلى ليبيا لا مبرّر لها إلا البيروقراطية والتعطيل إذ لا نعتقد أن الخزينة الليبية في حاجة إلى مثل هذه الرسوم. وتراجعت الحكومتان التونسية والجزائرية عن السماح لسكان المناطق الحدودية بالسفر للبلد المجاور باستعمال بطاقة التعريف عوضا عن جواز السفر. كل هذه الإجراءات جعلت المناطق الحدودية معزولة بل يمكن أن نقول أنها أضحت عبارة عن أزقة مسدودة تفتقر إلى التمويل والاستثمار لانعزالها وبعدها عن العواصم، بينما كان يمكن لها أن تصبح همزة وصل بين البلدين الجارين تجلب الاستثمار في السياحة والنقل والتجارة والصناعات المعملية المشتركة. أما اليوم فهي مراكز للتهريب المخالف للقانون الذي يبثّ الفساد في الإدارة المحلية ويخرّب الاقتصاد الوطني لكل بلدين متجاورين ويعْرض سلعا مشبوهة في أسواق المدن الحدودية. هذا زيادة عن التداعيات الجانبية للتهريب، فكم من مواطن ذهب ضحية حوادث سيارات « التهريب » في تلك المناطق؟ وقرّر مجلس وزراء خارجية دول اتحاد المغرب العربي في دورته العادية الرابعة عشرة بتاريخ 3|2|1994 المنعقدة بتونس « العمل على إقامة منطقة للتبادل الحر بين دول اتحاد المغرب العربي بصفة تدريجية » وذلك « سعيا منه لتحقيق أهداف معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي وبرنامج عمل الاتحاد، وإدراكا منه لما تمثّله منطقة التبادل الحر من خطوة أولى هامة على درب الوحدة الاقتصادية المنشودة بين دول اتحاد المغرب العربي »، وهو يعمل منذ ذلك الوقت وبصفة تدريجية على إقامة منطقة للتبادل الحر لكن لم ينجز منها شيء كثير. ففيما يخص تحرير تبادل العملات الوطنية والاعتراف بها لدى بنوك الدول الأعضاء في الاتحاد لم يقع الاتفاق إلا بين تونس وليبيا وهذا أمر إيجابي رغم خضوعه لبيروقراطية الرُّخَص والأختام. أمّا بين الجزائر وتونس والجزائر والمغرب فلا يقع تبادل العملة إلا في الشارع لدى سماسرة فرضوا أنفسهم كتجّار عملة دون رخصة، ولا يمكن صرف عملات بلدان المغرب العربي في البنوك المحلية كما هو الحال بالنسبة للعملات الأوروبية والخليجية، فيضطر المغاربي إلى اشتراء اليورو أو الدولار في بلاده وإعادة بيعها في البلدان المقصودة ويخسر خمسة في المائة بعنوان عمولة. ما ضرّ لو قبلت البلدان المغاربية الخمسة أن يقع إبدال عملاتها في بنوك البلدان الخمسة دون تعطيل بيروقراطي، فقرار كهذا لا يخسر منه أحد والرابح الوحيد هو المواطن، ومن بين أهداف بعث الاتحاد المغاربي راحة المواطن ورفاهته. أمّا التبادل التجاري بين دول المغرب العربي فلم يتطوّر وهو لا يتعدّى 1.3 في المائة من مبادلاتها التجارية مع الخارج.  وللمقارنة نجد أن هذه النسبة تبلغ لدى الاتحاد الأوروبي 32.7 في المائة ولدى اتحاد دول جنوب شرق آسيا 11 في المائة ولدى تجمع « مركوسور » في أمريكا اللاتينية 7.9 في المائة. ويمكن أن نأخذ تجارة النسيج كمثال حي لأزمة التبادل التجاري البيني، فالجزائر تشتري نسيجها من تركيا والصين وإسبانيا، ولا يمثّل استيرادها من النسيج التونسي والمغربي على التوالي إلا 0.8 في المائة و0.9 في المائة من وارداتها أي ما يمثّل 0.1 في المائة و0.3 في المائة من صادرات البلدين. وانتبه كل الأخصائيين إلى أن غياب الاندماج الاقتصادي للبلدان الخمسة يشكّل خسارة أرباح محتملة، إذ تقول الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي أن غياب هذا الاندماج يكلّف نقطتين من نموّ الاقتصاد السنوي للبلدان الخمسة. أمّا البنك الدولي فيقول أن اندماجا اقتصاديا مرفوقا بإصلاح إداري فيما يخصّ الاستثمار بين البلدان الثلاثة (تونس والجزائر والمغرب) يمكن أن يوفّر لهم زيادة في الناتج الداخلي الخام بـ 24 في المائة و34 في المائة و27 في المائة على الفترة 2005-2015. وتبرز مشكلة الصحراء الغربية بوصفها من أهمّ أسباب تأخير إنجاز منطقة للتبادل الحرّ، فقد بقيت مثل الإسفين في خاصرة المغرب العربي يُسمّره ويمنعه من التقدّم. إذ استثمر فيها الشقيقان اللدودان، المغرب والجزائر، كمّا هائلا من الطاقات المادية والبشرية والسياسية الداخلية ممّا جعلهما لا يقبلان التراجع عن مواقفهما. ورغم توقّف المفاوضات دون موعد لاستئنافها فإن هذه المشكلة العويصة يمكن أن تُحلّ بتمويل ضخم يمكّن اللاجئين الصحراويين من العودة من ملاجئهم للاستقرار في مدنهم الأصلية، ويمكّن الجزائر من تعويضات تغطّي جزئيا ما دفعته لمساندة البوليساريو، زيادة على استقلال ذاتي واسع للصحراء الغربية يدخل ضمن إعادة تنظيم الأقاليم المغربية بصورة تتماشى مع التوجّه الديمقراطي الذي انتهجه المغرب منذ صعود العاهل الحالي إلى العرش. ويبقى اعتماد مثل هذه الحلول رهينا بوعي قياديي البلدين بأن الحل التفاوضي، ولو كان بتنازلات أليمة، مفيد من الناحية الإستراتيجية أكثر من بقاء الوضع يتعفّن دون حلّ. قادة المغرب العربي مسؤولون أمام التاريخ على مستقبل شعوبهم، وهو مرتهن بنجاح الوحدة الاقتصادية لبلدانهم أو بفشلها، ومن واجبهم تفعيلها بغض النظر عن التنازلات هنا وهناك وهي وحدة ستمكّن الحكومات المغاربية من حل جزء كبير من المشاكل الاجتماعية العالقة ومن ضمان حياة أفضل للمواطن المغاربي.    (المصدر: « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 534 بتاريخ 19 فيفري 2010)  

التراتيب البلدية بقصرهلال ترفع شعار »ادفع،تبرّع/تسلم »؟؟؟


مراد رقية
لقد استبشرنا في الآونة الأخيرة عندما علمنا بنبأ ايقاف مهام رئيس منطقة الشرطة بقصرهلال في اطار تداعيات وتطورات ملف مستلزم السوق الأسبوعية الذي درج ومنذ بداية حصوله على هذه اللزمة بالوسائل المعروفة لدى بلدية قصرهلال ولدى عامة مواطنيها على التصرف بالمدينة كما لوكانت ضيعة خاصة،فحوّل المسؤولين داخلها وسلطة القرار الى مجرد أعوان يأتمرون بأمره،واعتبر تجار السوق ومواطني المدينة باستثمار أرصفة واجهات منازلهم ومستودعاتهم بمثابة الرهائن لديه مما استوجب ردة فعل حازمة من السلطة الادارية المحلية التي كانت هذه المرّة،وخلافا للمرّات السابقة في الموعد باتخاذ القرار الصائب،وبالدعوة الى فك الارتباط بين مستلزم السوق والهيكل الأمني المحلّي؟؟؟ وبرغم أن سلطة الاشراف الاداري،معتمد المدينة ومن وراءه الولاية ووزارة الداخلية تصرفوا في هذا الملف على الأقل التصرف المطلوب المحمود في انتظار تفعيل القرار الآخر والمتأكد والذي هو نقل السوق الأسبوعية من وسط المدينة،ومن الأحياء المتفرعة عنه،هناك ملف آخر للفساد الاداري والمالي مازال ينتظر اتخاذ القرار المناسب والصائب حوله ألا وهو تجاوزات وانتهاكات فرقة التراتيب البلدية الراجعة بالنظر الى بلدية قصرهلال؟؟؟ لقد كتبت في مرات سابقة كيف أن هذه الفرقة قد تحولت الى ما يشبه »السوجيقات » العاملة لحسابها الخاص من خلال ربطها لعلاقات حميمية،وغير سوية مع تجار السوق المركزية القارين والعرضيين في الأيام العادية،ومع بعض الباعة المتجولين المترددين على السوق الأسبوعية « علاقات تبادل خدمات » فتجتهد في تطبيق التراتيب على نحو يكرّم ويحصّن من يدفع لها،وتتعسف وتنكل بمن لا ينصاع لرغباتها وحاجياتها؟؟؟ ولعل من أبرز مظاهر الاجتهاد الخاطىء في تطبيق القانون اغماض الأعين وصمّ الآذان عن اطراد انتصاب الباعة الفوضويين المنتصبين في مدخل السوق يمينا ويسارا،وأولئك المنتصبين في الباحة الداخلية سواء من بائعي الغلال،أو بائعي البضائع الحديدية والألكترونية والذين يعرقلون حركة تنقل المترددين على السوق؟؟؟وقد كان التجار الدائمون للسوق والمستأجرون لمحلات بلدية قد تذمروا عديد المرّات من هذا الانتصاب الفوضوي،وكاتبوا في الموضوع الادارة الجهوية للتجارة بالمنستير التي لم تحرك ساكنا لاعتبارات غير مصرح بها؟؟؟ ولعل مايزيد الأمر خطورة في هذا المجال الحيوي الاجتهاد الخاطىء في تطبيق القانون سماح التراتيب البلدية لتاجر الجملة في المواد الغذائية العمل خارج أوقات الدوام،والسماح لوسائل نقله الخفيفة والثقيلة بالدخول الى أمام مؤسسته برغم تحريم القانون على المزودين بالدخول بعرباتهم وشاحناتهم الى وسط السوق المركزية « مفخرة بلدية قصرهلال »،ولعل المضحك المبكي في هذا الصدد سماح المجلس البلدي عبر كاتبه العام،وعبر طاقم تراتيبه لبعض التجارمن غير أصيلي المدينة العمل بدون رخصة،وباستعمال الممرات لعرض البضائع مقابل خضوعه وتلبيته للمطالب المتنوعة،في حين يتعسّف على التاجر المواجه له،فتقع »هرسلته » بالمخالفات وهو لا يستغل الاجزءا بسيطا من الممر،فما هذا الكيل بمكيالين وتطبيق القانون لا باعتبارالمساواة في ردع المخالفات بين الجميع كائنا من كان،ولكن باعتبار القدرة على الدفع وصولا الى اغماض الأعين في وضح النهار؟؟؟ اني أزور السوق المركزية بوتيرة يومية أوشبه يومية،هذه السوق التي أصبحت بؤرة أوساخ مرخص لها تهدد بتحويلها الى مصدر للأمراض وللأوبئة،ونحن نعيش هذه الأيام على وقع تفشي مختلف أنواع الأمراض لعل أبرزها انفلونزا الخنازير،ولم تكتف السوق المركزية وبدعم مباشر من الهيكل البلدي المتميزبهذا الدور بل تجاوزته وباقتدار لتتحول وبامتياز الى بؤرة للفساد المالي وللرشوة وللتلاعب بتطبيق القانون حتى أصبح البعض من الموظفين الرسميين يترددون على السوق للحص ول على مواد التنظيف بدون مقابل يذكر بهف تنظيف محلاتهم متعذرين بحالة التسيب وانتشار الخوف لدى الباعة سواء طبقوا القانون،أم لم يطبقوه؟؟؟ ان من مظاهر ضعف وترهل المؤسسة البلدية التجمعية،بلدية »البرّاني على برّى »،أو « المعارضة فلست »،تحول هذه الفرقة الى أداة قمع وتعسف وابتزاز للباعة باسم القانون السيادي،منهم من دفع وان كان بدون رخصة فاستغل الممر خارج المواصفات والتراتيب الجاري بها العمل،وتستهدف من سعى ولو لمجاراة جاره المتطاول على الممر بأريحية كاملة »لأنه ناسب الحكومة »فوضع منضدة صغيرة لعلها غير ذات وظيفة ،أو جدوى ولكن لمجرد جس النبض وتحدي هؤلاء المتلاعبين بالقانون،واخراجهم عن طوعهم وايقاعهم في الفخ،وكشف عربدتهم بخروجهم عن تطبيق القانون في وضح النهار؟؟؟ ان الانتخابات البلدية على الأبواب،وقد راكمت الهيئة البلدية التجمعية الرافعة شعار « البراني على برّى » التجاوزات والمخالفات حتى أصبحنا لا نأمن على أنفسنا من سوء تطبيق القانون،ومن عدم المساواة بين المنظورين،ولهذه الهيئة الماجدة نقول وبكل رباطة جأش »معكم أهننا وأحبطنا وأهدرت حقوقنا وآمالنا ومعكم لا نواصل »،ونقول لأعوانكم الميامين « متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا »؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


ظاهرة التطرف  في العالم العربي: الأسباب والعلاج


  1- تعريف التطرف   التطرف هو في معظم الأحوال  موقف عملي سلوكي  وفي بعض الحالات فكري عقائدي يتسم بالمغالات والافراط واللاعقلانية والتمويه الاديولوجي. ويعبر التطرف عن نفسه بأعمال عنف موجهة إمل ضد الدولة ومؤسساتها أو ضد فئة من فئات المجتمع وسنتحدث هنا عن التطرف لا في حجمه الطبيعي أي كسلوك فردي يتسم بالمغالات، بل عن التطرف في حال تحوله إلى مركز استقطاب وإلى ظاهرة اجتماعية تتجه نحو الهيمنة العامة ويمكن إذا ما وجدت المناخ الماتي وأسباب مفهومة لوجودها، إلى مسرح من العنف والفوضى والانهيار التام على كل المستويات. وفي هذا المستوى بالذات يصبح التطرف ظاهرة مرضية تستشري وتهدد بالتحول سريعا إلى نوع من التدمير الذاتي.   2- التطرف والتمويه الاديولوجي   ونقصد بالتمويه الاديولوجي اللجوء إلى تبرير عمل او فكرة بالتماس غطاء لها خارج الأسباب  الحقيقية الفعلية المنتجة لها. ويلجأ الانسان الى هذا النوع من الممارسة الاديولوجية عندما لا تكون لديه القدرة الفكرية أو العملية على مواجهة الظاهرة موضوع التمويه الاديولوجي مواجهة صريحة ومباشرة بالاتجاه الى مكوناتها وأسبابها الحقيقية. فالذين يمارسون التطرف تحت شعار الاسلام مثلا ، كمجرد شعار تختصر فيه كل الحلول لكل المشاكل، انما يمارسون تمويها إديولوجيا  من حيث لا يشعرون. وهكذا يصبح شعار » الاسلام هو الحل »  كافيا للتعبئة الاديولوجية في أوساط الجماهير المحرومة والجاهلة والمتعطشة للتغيير. إنه تمويه اديولوجي لأنه بدلا من طرح المشاكل الحقيقية وتحليلها والتعرف على أسبابها ومناقشة نتائجها، يقفز مباشرة الى اقتراح الحلول والعلاج. وتجدر الملاحظة أنّ هذا الكلام يصدق تماما على من يقفون ضد هذا التطرف، حيث يعرضون على التعامل معها كظاهرة اجتماعية لها أسبابها الموضوعية، ويسرعون الى مواجهتها بتطرف مضاد فيقع خنق الحريات والقمع ضد الجميع والتشويه الاعلامي والنفاق الاقصاء. لذلك نرى مثلا الغرب يركز على التطرف العربي الاسلامي [ حماس والقاعدة وحزب الله] ويسكت عن تطرف الدولة الذي تمارسه اسرائيل والحكومات العربية الصديقة، لأن وجود اسرائيل آمنة مهيمنة في المنطقة وأنظمة تابعة تفتقر للشرعية الشعبية فيه ضمان واستمرار لمصالحه. ومن هنا فإن ربط التطرف في العالم العربي الاسلامي ب »الاسلام » هو تمويه اديولوجي صارخ يمارسه الغرب للتستر على الاسباب الحقيقة للتطرف في العالم العربي  والتي  له ضلع كبير فيها.   3- أسباب التطرف   نحن في أمس الحاجة إلى الدراسة التاريخية والتحليل السوسيولوجي والحفر في لاشعور الخطاب الاديولوجي لفهم ظاهرة التطرف. ذلك أن تكرار هذه الظاهرة عبر التاريخ ووجودها في مختلف الحضارات يجعل منها ظاهرة اجتماعية صحية قابلة للدراسة العلمية وليست ظاهرة مرضية عابرة واستثنائية لم تتشكل معالمها بعد.  ووفق هذه المقاربة يمكن التعامل معها تعاملا إيجابيا قوامه الفهم والتفهم ومعالجة الأسباب واقتراح البدائل العقلانية والحلول العملية الناجعة. ومثل هذه المعالجة العقلانية والعلمية للظواهر الانسانية تقتضي إقامة مسافة معينة تجاهها حتى يتحقق الاعتراف الحيادي الموضوعي بها وحتى نرصد ثوابتها  عبر تكرارها في الزمان والمكان  والمناخ الاجتماعي. وهكذا تصبح هذه الثوابت بمثابة القانون الذي يحكم الظاهرة والذي بدون اكتشافه لا يمكن معالجتها والسيطرة عليها. وفي هذا المجال يمكن رصد ثلاثة ثوابت كفرضية أولية لظاهرة التطرف في التاريخ العربي الاسلامي. أولا: إن التطرف هو دائما عبارة عن رد فعل إما على وضعية اجتماعية واقتصادية تضيّق الخناق على الفرد و الجماعة، وإما على موقف فكري حاد يصدم هدوء الفرد أو الجماعة ويخل بالتوازن على مستوى المعتقد والمخيال والرمز. ثانيا: إنه رد فعل لاعقلاني لأنه من ناحية لا يتجه الى الأسباب الحقيقية التي أنتجت الوضعية التي تستثيره وتمارس عليه نوعا من العدوان، ومن ناحية أخرى لأنه يلجأ الى الرأس مال الرمزي الجماعي لينتقي منه سلاحه وهو ما أسميناه بالتمويه الاديولوجي. ثالثا: إنه رد فعل تقمصي ميثولوجي، بمعنى أنه يقوم على تقمص أسطوري لنماذج يختارها المتطرف فيقيم مماثلة بينها وبينه  كبطل [القيادات التاريخية والزعامات الكاريزمية…] أو كوضعية [وقائع تاريخية حاسمة مثلت لحظات فارقة في مسيرة الأمة…] من ناحية، وبين خصمه وخصم ذلك البطل أو الوضعية من ناحية أخرى، موظفا في ذلك نصوصا وشهادات ووقائع ذات مصداقية دينية أو رمزية تاريخية لدى الجماهير[ مثال استدعاء بوش للحروب الصليبية في مواجهة الغزو الاسلامي للبرجين في نيويرك2001 ] وبناء على ما تقدم يتحول المتطرف الى بطل فوق التاريخ يعلو على وضعيته الاجتماعية والثقافية ، ويعيش – صادقا مع نفسه –على مستوى المثل الأعلى الذي يتحول فيه كل شيء الى عقيدة مقدسة لا تقبل النقاش والمراجعة، وموضوع للتضحية والشهادة . 4-العلاج   ولعلاج التطرف لا بد من الاتجاه الى ثلاثة ثوابت يمكن تلخيصها كالتالي: أولا: الاعتراف به أولا بوصفه  رد فعل ضد وضعية مرضية  أو موقف متطرف وغير سليم، بدل  مواصلة الفرار الى الأمام وشيطنة أصحابه، وبالتالي العمل على معالجته بوصفه نتيجة لا سببا، إن الحيف الاقتصادي والظلم الاجتماعي والعسف السياسي هي الأسباب الموضوعية والثابتة التي تقف وراء كل تطرف يتخذ مظهرا اجتماعيا ويستشري جماهيريا. ثانيا: تجنب ردود الفعل اللاعقلانية في معالجة هده الظاهرة لأنها تزيدها توسعا وشراسة. إذ لا بد من وسائل عقلانية لمواجهة لاعقلانية المتطرف وذلك بوضعه أمام مرآة تضع أمام بصره  وجهه ووجه أسلافه الذين يريد تقمص دورهم، وتمكنه بالتالي من التحرر من الشحنات الانفعالية والعاطفية ومن التمويه الاديولوجي  والتقمص الميثولوجي وذلك عبر الحوار وتفكيك عناصر الخطاب المتطرف الكامنة في لاوعي السلوك المتطرف. ثالثا: أن للثقافة والتعليم دورا هاما في قطع الطريق أمام التطرف وترسيخ بديل عقلاني تنويري يقع صياغته وتعميمه في مناخ فكري عقلاني نقدي هادئ يصنعه التعليم وترعاه الثقافة وتعمّمه. وهذا ما نفتقده اليوم حقيقة في العالم العربي الذي أصبح مرتعا خصبا للاستحمار الثقافي وتسطيح الوعي وتبليد الذوق وتخدير الجماهير بكرة القدم والفن الهابط. وحتى التعليم السائد فهو إما « تقاني » يصنع عقولا دوغمائية تحلل الظواهر الاجتماعية بطريقة ميكانيكية، وإما أدبي ميثولوجي تلقيني يصنع عقولا راكدة وأسطورية تتعامل مع الواقع الاجتماعي بكل عجز وسلبية. والقاسم المشترك بينهما هو غياب السؤال النقدي: سؤال لماذا، وكيف، ومتى. إن العقل « التقاني » هو عقل فارغ من الأمور الفكرية النظرية التي هي ميدان لتعدد الأسئلة والأجوبة والاختلاف. ولذلك  تجده مستعدا لتلقي العقائد الجاهزة بسهولة مثلما يتلقى القوانين العلمية. ولعل انتشار المقاربات الدوغمائية والمتطرفة في المعاهد والكليات العلمية في العالم العربي يؤكد ما نقول. أما العقل الأسطوري الذي تصنعه المدارس والمعاهد الثانوية والكليات الأدبية فهو عقل يتلقى المعرفة على صورة أساطير وروايات وتلقينات  وحقائق جاهزة.  وهكذا يصبح التاريخ أساطير والأدب خيال والجغرافيا مكان على الورق والتربية المدنية شعارات حزبية فارغة والتربية الدينية قشور فقهية ومشاهد من الآخرة واللغة تعلّم لتنسى.  والنتيجة النهائية لا طالب التقانة يمتلك لغة الانفتاح على التراث والثقافة الوطنية، ولا طالب الآداب والحقوق يمتلك لغة الانفتاح على ثقافات العصر. ومع غياب العقل النقدي يبقى الباب مفتوحا على مصراعيه لكل أنواع التطرف وأطروحاته المختلفة التي تبسط الواقع بواسطة حلول خلاصية تشيطن الآخر وتنزّه الذات.   الخاتمة إن التطرف ظاهرة مرضية، وكجميع الأمراض فإن العلاج الأنجع والأضمن هو الوقاية، وشروطها ثلاثة [1] تصحيح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. [2] التعامل العقلاني مع الظاهرة المبني على الفهم والتفهم. [3] إشاعة الفكر النقدي في الثقافة والتعليم. أما غير ذلك من وسائل المواجهة السلبية فهي لا تنتج غير مزيد من التطرف باعتبار أن التطرف المضاد يسقي التطرف ويغذيه بدل أن يقضي عليه.                                                                                          مختص في علم الاجتماع الأديان

       جابر القفصي   


بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام  على أفضل المرسلين  تونس في: 19/02/2010
بقلم محمد العروسي الهاني مناضل و كاتب في الشأن الوطني و العربي و الإسلاميالتاريخ الوطني المجيدالرسالة 745 على موقع الأنترنات التاريخ الوطني المجيد   الحلقة 2 : 

طريق الخلاص لبناء الدولة العصرية و الجلاء العسكري و الزراعي


  أواصل على بركة الله الكتابة حول تاريخ بلادنا العزيزة انطلاقا من بروتوكول الاستقلال التام 20 مارس 1956..   و قد عاهدت الله تعالى على مواصلة إبراز حلقات هامة من حلقات التاريخ التونسي المجيد.. و قد توقفت في الحلقة الأولى إلى يوم 30/05/1956..   جوان 1956   احتفل الشعب التونسي لأول مرة في التاريخ بعيد النصر.. ذكرى رجوع المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة إلى ارض الوطن من منفاه بفرنسا.. يوم غرة جوان 1956.. حاملا بشائر الحرية و لواء النصر المبين.. و قد أصبح يوم غرة جوان عيدا وطنيا.. و أطلق عليه عيد النصر.. و قد تم يوم غرة جوان 1956 استعراض عسكري تأكيدا لرغبة تونس في ممارسة سلطة الدفاع و إشارة ذكية نحو الجلاء.   يوم 20 جوان 1956 : نادى الزعيم الحبيب بورقيبة في خطابه الأسبوعي بتطاوين بضرورة جلاء القوات الفرنسية عن البلاد التونسية .   يوم 21/06/1956: تم حذف سلك العمال و الكواهي و الخلفوات.. و عوضوا بسلك الولاة و المعتمدين.. و قسمت البلاد إلى أربع عشر ولاية و 96 معتمدية.. و تم تونسة الإدارة الجهوية بوزارة الداخلية  في يوم تاريخي .   يوم 26 جوان 1956 : افتتحت المفاوضات بفرنسا في شان العلاقات السياسية و الاقتصادية و الدفاعية .   يوم 30 جوان 1956 :  أذاع الرئيس الحبيب بورقيبة خطابا من باريس شارحا تأثير قضية جلاء الجيوش الأجنبية على سير المفاوضات بين البلدين.. و مصرحا بان المفاوضات ستتوقف إذا أصرت فرنسا على إبقاء جيوشها بتونس.   جويلية 1956   يوم 7 جويلية 1956: عاد الرئيس الحبيب بورقيبة إلى ارض الوطن و صرح بأنه لا يمكن بقاء الجيوش الأجنبية بتونس الحرة.. و تونس قادرة على مراقبة حدودها و المحافظة على أمنها بنفسها دون وصاية.   يوم  جويلية 1956: توقفت المفاوضات نتيجة إصرار فرنسا على بقاء جيوشها بتونس.   يوم 14 جويلية 1956 : أكد الرئيس بورقيبة أن تونس مستعدة لاستئناف الكفاح الوطني في سبيل دعم استقلالها.   يوم 21 جويلية 1956 : أذاع الرئيس بورقيبة انه لا سبيل للتفاوض ما لم تعدل فرنسا عن موقفها .   يوم 26 جويلية 1956: أوصى مجلس الأمن بقبول تونس عضوا بالأمم المتحدة  باعتبارها دولة مستقلة .   أوت 1956   يوم 3 اوت  1956: صدرت أوامر لتوحيد القضاء التونسي و ألغيت بذلك المحاكم الشرعية في إطار توحيد القضاء .   يوم 10 اوت 1956 : أعلن الرئيس الحبيب بورقيبة عن قرب صدور مجلة الأحوال الشخصية الجديدة التي ضمنت للمرأة التونسية حقوقها المشروعة ابتداء من يوم 13 أوت 1956 ..و يعتبر يوم 13 أوت 1956 عيد المرأة.. و كانت تونس أول دولة عربية تصدر مجلة تخص الأحوال الشخصية و تمنح نصف المجتمع.. المرأة.. حقوقها في التعليم و الشغل.. و الانتخاب و الترشح.. و تحمل المسؤوليات السياسية و البلدية و البرلمانية.. و حقها الكامل في ممارسة العمل السياسي.   يوم 13 اوت 1956 : بدأت المفاوضات حول تونسة الإذاعة و تسليمها للحكومة التونسية نهائيا.. و تم إذاعة خبر إصدار مجلة الأحوال الشخصية بعد أربع اشهر و 23 يوما بيوم على الحصول على الاستقلال التام.. تلك عبقرية الزعيم و شجاعته في ظرف  دقيق.. و الاستقلال ما زال هشا و البلاد في مرحلتها الأولى .   يوم 16 اوت 1956 : أعلنت الحكومة التونسية تضامنها مع مصر الشقيقة و تأييدها لحقها في تأميم قنال السويس.. و أعلن الشعب التونسي إضرابا تضامنيا مع الشعب المصري  الشقيق هذا للتاريخ.   يوم 17 اوت 1956: شرح الرئيس بورقيبة سياسة الحكومة الاقتصادية الرامية إلى احترام الملكية و تشجيع رؤوس الأموال  مع التدخل في توجيه الاقتصاد و رعايته .   يوم 24 اوت 1956 : أعلن الرئيس الحبيب بورقيبة مشروع الحكومة في إنشاء الأحياء العمالية السكنية و اللائقة.. باعتبار المسكن اللائق جزء من كرامة الانسان.. و الشغل بدون سكن يعتبر ناقصا و مبتورا و لا معنى له بدون مسكن لائق .   يوم 29 أوت 1956: اعتدى الجيش الفرنسي على ضيعة فلاحية تونسية قرب الحدود الجزائرية.   سبتمبر 1956   يوم 6 سبتمبر 1956 : تم حذف سلك الجندرمة الفرنسية و إحداث نواة سلك الحرس الوطني.. لتعزيز الأمن الوطني التونسي و التنفيذ إلى اجل شهر اكتوبر 1956.   يوم 14 سبتمبر 1956 : قذفت طائرة فرنسية بقنابلها و نيرانها و رشاشاتها قرية بودرياس الحدودية بمعتمدية فريانة سابقا و اليوم تابعة معتمدية فوسانة و لاية القصرين.. و هي منطقة حدودية على الشريط الحدودي التونسي الجزائري و هي منطقة ريفية.. و هذا الاعتداء الغاشم ذهب ضحيته طفا صغير و جرح 5 مواطنين من قرية بودرياس المناضلة برجالها و شبابها و نسائها و أطفالها.. و احتجت الحكومة التونسية على هذا الاعتداء الغادر.. و سافر السيد الباهي لدغم نائب رئيس الحكومة إلى فرنسا حيث قابل الزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان يعالج هناك في شنال فيون في فرنسا  و ابلغه تفاصيل الاعتداءات.. و اضرب الشعب التونسي إضرابا عاما حسب تعليمات الحزب الحر الدستوري التونسي.. احتجاجا على الأعمال الإجرامية لفرنسا الاستعمارية.. و بعد مقابلة السيد الباهي الادغم للرئيس الزعيم بورقيبة قاطع الرئيس العلاج و طلب مقابلة رئيس الحكومة الفرنسية و تمت المقابلة بسرعة.. و اعلم الرئيس الحبيب بورقيبة نظيره الفرنسي بالاعتداءات التي حصلت في تونس المستقلة من طرف القوات الفرنسية و بواسطة طائرة حربية على دولة حرة مستقلة ذات سيادة.. ووعد رئيس حكومة فرنسا بعدم تكرار هذه الأحداث مستقبلا .. و قد انذر المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة الحكومة الفرنسية في هذا اللقاء بمغبة العدوان المبيت على مصر  العربية الشقيقة و اكد تضامن الشعب التونسي مع مصر..     اكتوبر 1956   يوم 1 اكتوبر 1956: بدا تنفيذ الاتفاق الخاص بتحويل سلطة الجندرمة إلى تونس و إبدال السلك بتسمية سلك الحرس الوطني.. كما تم تحويل مراقبة الحدود في النصف الثاني لشهر اكتوبر 1956 لتونس.   يوم 11 اكتوبر 1956 :عاد الرئيس بورقيبة من فرنسا بعد محادثاته مع حكومتها في شان عمل المحاكم الفرنسية بتونس و جلاء الجيوش الفرنسية عن التراب الوطني.. و قد بررت القوات المسلحة الفرنسية و رجعت الجيوش الفرنسية لاعتداءاتها على الوطن التونسي بدعوى مطاردة المجاهدين الجزائريين من التراب التونسي .   يوم 22 اكتوبر 1956 : حل بتونس الملك محمد الخامس ملك المغرب الشقيق لحضور ندوة توحيد المغرب العربي.. فاستقبلته تونس قيادة و حكومة و شعبا بمظاهر الفرح و البهجة و السرور و الانشراح.. و الملك محبوب في تونس..  و في نفس اليوم كانت طائرة قادمة من المغرب إلى تونس مقلة الزعيم احمد بن بله و بعض رفاقه في جبهة التحرير الجزائرية للمشاركة في الندوة فخان قوادها الفرنسيون و اجبهم المهني و أنزلوهم بمطار الجزائر غدرا حيث قبضت عليهم السلطات الاستعمارية.. و نتج عن ذلك رجوع الملك محمد الخامس إلى بلده.. و قررت الحكومة التونسية اثر ذلك اتخاذ تدابير تخص الأمن و تحديد تحركات الجيوش الفرنسية بنصب سدود في مختلف الجهات لمنع الجيوش من التنقل و حبسها في ثكناتها.. و هو قرار حكيم.. و تم استدعاء السفير التونسي بباريس حال..ا و أعلن الإضراب العام في تونس  و المغرب احتجاجا على ما حصل إلى الزعيم احمد بن بله و رفاقه من قادة جبهة التحرير الجزائرية  هذا للتاريخ.   القرصنة الفرنسية   و قد صرح الزعيم الحبيب بورقيبة اثر اعتقال الزعماء في الجزائر أن حادث القرصنة قد يؤدي بتونس و المغرب للمساهمة في حرب الشعب الجزائري و إشعال النار دون هوادة حتى النصر.   يوم 25 اكتوبر 1956 : عقد المجلس التأسيسي اجتماعا خاص بهذا الحادث و صرح فيه الرئيس بورقيبة بقوله: إننا سنصمد أمام العدوان و لن نرضى بالدون و إننا لا نريد الحرب و لكننا نختار الموت على الاستكانة و الذل و المهانة .   يوم 26 اكتوبر 1956 : أرادت قوة فرنسية المرور من بوعرقوب و تصدى لها المناضلون و أهالي الجهة.. فاشتبكت معهم في معركة أسفرت على جرح 4 من الجيش الفرنسي و 6 جرحى من المواطنين المدنيين.. و في أثناء هذه المدة اشتدت الاصطدامات بين المواطنين المدنيين من الشبان الدستوريين  و الجيش الفرنسي الذي كان يحاول اختراق السدود بالقوة في عدة جهات.. و خاصة في مدينة حمام الانف أمام الخيرية.. و لكن النصر كان لعزيمة المناضلين و  ذكاء رجال الحرس الوطني و القائد المحجوب بن علي رحمه ال..له و الحمد لله نجحت خطة القائد المحجوب بن علي في تلك المعركة التي استشهد فيها شهيدين هما أصيلا السواسي رحمهما الله .. و قد انهزمت القوات الفرنسية و تم حجز كتيبة عسكرية فرنسية .   في الأمم المتحدة   يوم 12 نوفمبر 1956 : صادقت الجمعية العامة  للأمم المتحدة على قبول تونس عضوا بها .   يوم 16 نوفمبر 1956 : حل المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة بنييورك للمشاركة في أعمال المنتظم الاممي بمناسبة قبول تونس عضوا به.   يوم 22 نوفمبر 1956 : ألقى الرئيس الحبيب بورقيبة من أعلى منصة المنتظم الاممي خطابا سياسيا حلل فيه عدة قضايا و اقترح حلولا عملية.. و بعد مقابلته الرئيس ايزنهاور و كذلك عدة شخصيات عالمية في مختلف الدول تقديرا لدور القائد الزعيم بورقيبة.. وعاد الرئيس بورقيبة يوم 9 ديسمبر 1956 إلى ارض الوطن بعد مشاركته في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة.   التفتح على الخارج   يوم 1 جانفي 1957 : عاد الزعيم بورقيبة إلى العاصمة بعد أن قام بزيارة إلى الجنوب  الغربي دامت بضعة أيام .   يوم 6 جانفي 1957 وقع الرئيسان الحبيب بورقيبة و مصطفى بن حليم معاهدة الإخاء و التعاون و حسن الجوار بين تونس و ليبيا و كانت معاهدة تاريخية هامة.   يوم 30 جانفي 1957 : اضرب الشعب التونسي عن العمل حتى منتصف النهار تضامنا مع الشعب الجزائري الشقيق بمناسبة بحث القضية الجزائرية في الأمم المتحدة تاييدا للثورة الشرعية و المطالبة بالاستقلال.   فيفري 1957   14 و 15 و 16 فيفري 1957 : جرت محادثات بين تونس و فرنسا حول التعاون الإداري و إعداد برتوكول تعاون ثقافي و قضائي و مجموع المسائل العسكرية و الاقتصادية و المالية التي تهم البلدين.. و أثناء المحادثات طلب رئيس الحكومة التونسية الزعيم الحبيب بورقيبة بالإسراع بالجلاء العسكري على التراب التونسي.   مارس 1957   يوم 3 مارس 1957 : سافر الرئيس بورقيبة إلى اكرا لحضور عيد استقلال غانة الذي يحييها و يقدر كفاحها    يوم 9 مارس 1957  : تم التوقيع على الاتفاقية الخاصة باستقلال القضاء التونسي و الاتفاقية الخاصة بالتعاون الفني و الإداري بين تونس و فرنسا .   يوم 18 مارس 1957 : حل نائب الرئيس الأمريكي نيكسون بتونس و تحادث مع الحكومة التونسية حول عدة قضايا تهم تونس المستقلة.   يوم 20 مارس 1957 : أقيمت احتفالات رسمية و شعبية بمناسبة الذكرى الأولى للاستقلال حضرتها وفود من مختلف أنحاء بلدان العالم لمشاركة تونس الحرة المستقلة أفراحها بعيد الاستقلال التام في غمرة من البهجة و السرور.. و كان يوما خالدا في تونس.   اكتفي بهذا القدر و سأواصل إن شاء الله تعالى الكتابة ضمن حلقات قادمة بحول الله .. حول تاريخ تونس المعاصر.. حتى يكون مرجعا للأجيال و الطلبة..   و الله ولي التوفيق.   قال لله تعالى و لله العزة ورسوله و المؤمنين صدق الله العظيم محمد العروسي الهاني  مناضل كاتب في الشأن الوطني والعربي و الإسلامي  22.022.354                                                   


البرادعي يقود جبهة من السياسيين للتغيير الديمقراطي في مصر

 


القاهرة (رويترز) – قال سياسي مصري يوم الاربعاء ان المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي وافق على قيادة جبهة للتغيير الديمقراطي في مصر. وقال رئيس الحزب الاجتماعي الدستوري الحر ممدوح قناوي الذي حضر اجتماع نحو 30 سياسيا مصريا مع البرادعي مساء يوم الثلاثاء ان المجتمعين شكلوا جبهة باسم « الجماعة الوطنية المصرية من أجل التغيير ». وأضاف « الاجتماع ضم ممثلي الاطياف السياسية من الاخوان المسلمين الى الشيوعيين. » ومضى قائلا لرويترز « البرادعي وافق على أن يكون رئيسا لهذه الجبهة وراعيا لها وفي المقدمة منها. » ووصل البرادعي الى مصر يوم الجمعة قادما من فيينا ويقول انه يسعى لاصلاح ديمقراطي في البلاد التي عمل بوزارة الخارجية فيها قبل أن يشغل المنصب الدولي الذي انتهت خدمته فيه التي امتدت 12 عاما قبل شهور. وكان مئات النشطين والسياسيين المصريين تجمعوا أمام مطار القاهرة الدولي قبل وصوله بساعات لاعلان التأييد له. وحضر الاجتماع في منزل البرادعي خارج القاهرة يوم الثلاثاء رئيس كتلة أعضاء مجلس الشعب المنتمين لجماعة الاخوان المسلمين محمد سعد الكتاتني والمرشح السابق للرئاسة أيمن نور الذي جاء تاليا في انتخابات عام 2005 للرئيس حسني مبارك بفارق كبير في الاصوات ورئيس حزب الجبهة الديمقراطية وهو حزب ليبرالي أسامة الغزالي حرب والرئيس الفخري لحزب الوفد وهو حزب ليبرالي مصطفى الطويل وحمدين صباحي وكيل مؤسسي حزب الكرامة العربية وهو حزب ناصري وجورج اسحق العضو القيادي في الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) التي رفعت قبل نحو خمس سنوات شعار (لا للتمديد لا للتوريث) مطالبة بانهاء حكم الرئيس حسني مبارك ومنع توريث الحكم لابنه السياسي البارز جمال (46 عاما) وممثل لحركة السادس من أبريل التي يغلب على تشكيلها الشباب. وقال قناوي ان البرادعي أبلغ المجتمعين بأنه « جاء لاحداث نقلة نوعية في الحياة (السياسية والاجتماعية) المصرية. » وأضاف أن البرادعي يؤمن بأن الحريات السياسية والديمقراطية جزء من العدالة الاجتماعية ويؤمن بالاشتراكية الديمقراطية « الناجحة في شمال أوروبا. » وقال حسن نافعة الذي يحاضر في العلوم السياسية بجامعة القاهرة والذي ينسق حملة ضد ما يقول انه توريث متوقع للحكم في مصر ان ممثلي القوى السياسية الذين اجتمعوا مع البرادعي ناشدوه أن يقود الجبهة الجديدة. وقال الكتاتني ان مطالب البرادعي الاصلاحية تلتقي مع مطالب الاخوان المسلمين الذين هم أكبر جماعة سياسية معارضة في مصر. وتشغل الجماعة المحظورة منذ عام 1954 نحو خمس مقاعد مجلس الشعب ويخوض أعضاؤها الانتخابات العامة كمستقلين تفاديا للحظر. وقال عبد الرحمن يوسف الذي يدير مجموعة على موقع فيسبوك تؤيد انتخاب البرادعي رئيسا وتضم نحو 80 ألف عضو ان المصريين على اختلافهم يريدون الاصلاح السياسي والاجتماعي لكن الجديد في دعوتهم أن الصوت المعبر عنها هو شخصية دولية مرموقة. واجتمع البرادعي الذي يطالب بأن تسبق الاصلاحات الديمقراطية انتخابات مجلس الشعب التي ستجرى هذا العام مع ناشطات مصريات يوم الاربعاء. وسوف تقوم الجبهة الجديدة بجمع توقيعات مصريين للضغط على الحكومة من اجل ادخال اصلاحات دستورية والغاء حالة الطواريء السارية في البلاد منذ اغتيال الرئيس أنور السادات برصاص متشددين اسلاميين عام 1981. وتسبب البرادعي في حراك في الحياة السياسية المصرية حين أعلن العام الماضي أنه يفكر في خوض انتخابات الرئاسة المقررة في مصر عام 2011. لكنه قال لاحقا ان مسعاه الممكن هو « التحرك السلمي المنظم لتغيير الدستور » الذي يقيد الترشح للمنصب. ومن غير المتوقع على نطاق واسع أن يواجه الرئيس حسني مبارك (81 عاما) الذي يشغل المنصب منذ عام 1981 منافسة قوية في انتخابات عام 2011 اذا استمرت القواعد الحالية المقيدة للترشح. (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 24 فيفري 2010)


المشهد السياسي في مصر ومسألة التوريث: من الجمهوريات إلى الملكيات المقنعة

 


شتيفان رول، باحث ألماني مختص في الشؤون المصرية في معهد الأمن والسياسة الدولية المرموق في برلين يرى الباحث الألماني المختص في الشؤون المصرية، شتيفان رول، في هذه المقالة التحليلية أن النظام المصري يتبنى إستراتيجية مزدوجة لتأمين سلطة الرئيس مبارك والعمل على توريث الحكم إلى ابنه جمال، مستفيدا بذلك من كبار رجالات الأعمال الذين يشكلون غطاء لهذا السيناريو وسط عجز المعارضة المصرية عن التصدي لهذه المحاولات. النظام المصري يتبنى إستراتيجية مزدوجة لتأمين سلطة الرئيس مبارك والعمل على توريث الحكم إلى ابنه جمال، وفق تحليل الباحث الألماني شتيفان رول. سوف تُجرى انتخابات مجلس الشعب المصري في هذا العام وانتخابات الرئاسة عام 2011. وبناء على ذلك تكثر التكهنات حول الشخصية، التي سوف تحكم البلاد مستقبلا إذا أصبح الرئيس حسني مبارك، البالغ من العمر اليوم 81 عاما غير قادر على ذلك من الناحية الصحية. وترجح معظم التكهنات أن خليفة الرئيس سوف يكون ابنه جمال مبارك، البالغ من العمر 47 عاما، الذي تقلد خلال السنوات الماضية بفضل سلطة والده مناصب مهمة داخل الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. وتكثر الشكوك في أن يحظى مثل هذا « الحل العائلي » لمسألة الخلافة على إجماع بين الشعب. لهذا اتخذ الجهاز الإداري الخاص بالرئيس استراتيجية مزدوجة لتأمين سلطة الرئيس مبارك: إحداهما عرقلة المعارضة وقمعها من خلال تغييرات دستورية، والأخرى محاولة تعزيز الولاء العسكري وولاء النخبة الاقتصادية تجاه أسرة الرئيس. تعديلات دستورية وبسبب التصرفات الحكومية الاستبدادية قامت المعارضة بمقاطعة الاستفتاء على الدستور الذي أُجري عام 2007. وهكذا تم إقرار الاقتراح، الذي قدمته أصوات الحزب الوطني الديمقراطي في مجلس الشعب وأُجري الاستفتاء قُبيل موعده. وعلى الرغم من أن الدوائر الرسمية ترى ضعف مشاركة الشعب في الاستفتاء بنسبة 27 في المائة، إلا أن المراقبين يعتبرون هذه النسبة عالية. تم تعديل الدستور المصري في ثلاث نقاط أهمها حظر أي نشاط سياسي يقوم على أساس أو مرجعية دينية، بهدف منع الإخوان المسلمين من المشاركة في الانتخابات القادمة. كما أن التوجه السياسي للجماعة لا يعطي المشاركة في العمل البرلماني أولوية كبيرة مثلما يريد الجناح الإصلاحي. وفيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية تم تعديل الدستور في ثلاث نقاط هامة، أولها حظر أي نشاط سياسي يقوم على أساس أو مرجعية دينية، وثانيها الأخذ بنظام القائمة النسبية، الذي يقصر المشاركة في الانتخابات على الأحزاب، وثالثها أن تتولّي لجنة انتخابية مستقلة الإشراف على الانتخابات لإضعاف الإشراف القضائي عليها. هذه التعديلات خيّبت آمال حركة الإخوان المسلمين، التي تعتبر أقوى الجماعات المعارضة في البلاد والتي تتسامح الحكومة معها على الرغم من حظرها رسميا، وهي على الرغم من إقلاعها حقا عن استعمال العنف إلا أنها تسعى جاهدة إلى المشاركة السياسية الفاعلة داخل النظام القائم. كما تم وضع عراقيل دستورية أمام الجماعة لتأسيس حزب سياسي يمثلها. وإذا تم بالفعل الأخذ بنظام القائمة النسبية في الانتخابات فلن يستطيع الإخوان المسلمون دخول مجلس الشعب كأعضاء « مستقلين » كما كان الوضع في الانتخابات الماضية. وفيما يتعلق بانتخابات رئيس الجمهورية فقد صعّبت الصياغة المعقدة للمادة 76 شروط الترشّح. ولأن حسني مبارك أبدى استعداده لدخول الانتخابات عام 2011 – حينئذ سيكون عمره 83 عاما – كمرشح عن الحزب الحاكم، فمن المفترض أن جمال مبارك لن يرشح نفسه لأعلى منصب في الدولة، إلا بعد أن يصبح والده غير قادر على أداء الواجبات الحكومية. في هذه الحالة وطبقا للدستور فمن الضروري إجراء انتخابات جديدة في غضون 60 يوما، والمعارضة لن تجد حينئذ الوقت الكافي لتعيين أحد المرشحين الواعدين. تأييد القيادة العسكرية والنخبة الاقتصادية إنه ليس من المتصور أن تنتقل الرئاسة من الأب إلى الإبن دون تأييد من القيادة العسكرية، وحتى إذا كانت هناك بعض التحفظات الظاهرية لدى مؤسسة الضباط إلا أنه ليس من المتوقع أن تواجه حالة التوريث مقاومة عامة. فرئيس المخابرات عمر سليمان يضمن تأييد القيادة العسكرية لجمال مبارك، ذلك لأنه يتمتع باحترام كبير لدى القيادة العسكرية وبعض قطاعات الشعب، كما أنه يعتبر من الموالين لأسرة الرئيس. ومن المتوقع أن تحذو مؤسسة الضباط حذو عمر سليمان، خاصة أن هناك شك في وجود بديل أفضل من نقل الرئاسة من الأب إلى الابن. إن الجيش يريد تأمين امتيازاته المادية العديدة خاصة التي يحصل عليها من خلال المساعدات العسكرية السنوية من الولايات المتحدة. وهذه المساعدات لن تصبح عرضة للخطر إذا تولى جمال مبارك الرئاسة لأنه على علاقة جيدة مع إدارة الولايات المتحدة منذ سنوات. كما أن النخبة الاقتصادية المصرية الطموحة لن تواجه صعوبات تُذكر مع التغيير المقترح في رئاسة الدولة، ولأن جمال مبارك ألحّ بجهوده على الاصلاحات الاقتصادية داخل الحزب الوطني الديمقراطي في السنوات الماضية فمن الممكن أن تستفيد هذه النخبة استفادة عالية وتقوم في المقابل بتأييد الصعود السياسي لجمال مبارك. واليوم تسيطر قلة من الأسر التجارية على المجالات الهامة في القطاع الخاص ويزداد نفوذها السياسي لصالح أسرة الرئيس في الغالب، سواء كان ذلك بصورة مباشرة في توليها وظائف حكومية ومراكز قيادية داخل الحزب الوطني أو بصورة غير مباشرة عن طريق علاقاتها مع أصحاب القرار السياسي أو أن تسيطر على الصحافة المقروءة وقنوات التلفاز. معارضة بلا أسنان المعارضة المصرية بلا أسنان ولا تستطيع التصدي لهيمنة النظام المصري على العملية السياسية، وعلى خطط التوريث، التي يريد تمريرها بمساعدة النخبة الاقتصادية الجديدة في مصر، نظرا لقمعها المستمر وتشتتها السياسي. إن المعارضة المصرية لا تكاد تستطيع مقاومة استراتيجية الحكومة بأي شكل من الأشكال، وذلك ليس فقط بسبب تعرضها الدائم لقمع النظام – وعلى وجه الخصوص في صورة الاعتقالات الاستبدادية – ولكن نظرا لانها تعاني من التشتت والشلل السياسي جراء تفرقها إلى أحزاب وحركات فردية بسبب خلافاتها الداخلية. وعن طريق حملة « ضد التوريث » حاولت بعض أجزاء المعارضة العلمانية – بلا جدوى حتى الآن – الوصول إلى جمهور الناس مثلما فعلت حركة « كفاية » المعارضة ما بين 2004 و2006. وقد دوّت في الآونة الأخيرة أصوات من بين الأوساط المعارضة تنادي بمرشح لمنصب الرئيس يكون غير تابع لأي حزب، وكان من بين هؤلاء المرشحين المستقلين حتى الآن محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير خارجية مصر الأسبق. وكلاهما لا يكادان يجدان فرصة لقبول ترشيحهم بسبب القواعد التعجيزية للمادة 76 من الدستور. ومن ناحية أخرى حدث في الشهور الأخيرة جدال داخل جماعة الإخوان المسلمين حول التوجه السياسي للجماعة فاز فيه الجناح المحافظ، الذي لا يعطي السياسة أولولية كبيرة مثلما يريد الجناح الاصلاحي. ويعتبر المرشد الجديد للجماعة، محمد بديع، من بين هذا الجناح المحافظ. أما معظم ممثلي الجناح الإصلاحي من الشباب ذوي التوجه السياسي الذين يدعون إلى التعاون مع الجماعات والأحزاب المعارضة الأخرى فسوف يجدون في المستقبل صعوبة في وجود من يستمع إليهم بين الإخوان. الخلاصة: جمود بدلا من التغيير يخلص الباحث الألماني المختص في الشؤون المصرية، شتيفان رول، في تحليله إلى أن استمرار هيمنة نظام مبارك السلطوي على آليات العملية السياسية وفشل آليات الإصلاحات يهدد مستقبل مصر وسيؤدي إلى استفحال التوتر الاجتماعي في البلاد، نظرا للزيادة السكانية والتدمير البيئي المتدرج. إن بقاء حكومة مبارك قد لا يعني فقط استمرارية نظام حكم متسلط، بل إن تحقيق التطور الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، الذي ظل حلما طيلة فترة رئاسة حسني مبارك لمدة تقرب الثلاثين عاما، سوف يستمر في جموده. وعند الشروع في الاصلاحات الاقتصادية عام 1991 تم الاستبعاد المنظم لعوائق التنمية مثل الفساد والتنافس غير المتكافئ. أضف إلى ذلك أن قطاعات كبيرة من الشعب لم تستفد من هذه الاصلاحات، وبسبب ذلك استفحل التوتر الاجتماعي في البلاد، وسوف يستمر في استفحاله نظرا للزيادة السكانية والتدمير البيئي المتدرج. وتهتم ألمانيا والاتحاد الأوروبي بالاستقرار السياسي في مصر، التي تعتبر أكثر بلد من ناحية تعداد السكان في الدول المحيطة بالبحر المتوسط جنوبا. لكن الاستقرار على المدى البعيد يتطلب تطورا اقتصاديا دائما وعدالة في التوزيع. ولا يمكن تصور تحقيق هذين الشرطين في مصر دون الفصل بين السلطات السياسية والرقابة عليها. لهذا فمن الواجب الحث على إرساء نظام سياسي منفتح، وبالنسبة للانتخابات يعني هذا توفر أكبر قدر من الشفافية والمطالبة بالسماح بمراقبة الانتخابات، وألا يكون ذلك قبل إغلاق صناديق الاقتراع مباشرة، وفوق ذلك المطالبة بتخفيف قيود نظام الانتخابات. وبهذه المناسبة ينبغي على ألمانيا والاتحاد الأوروبي الالحاح في المطالبة بحصول الإخوان المسلمين على فرصة المشاركة في الحياة السياسية، فمن دونهم لا يمكن أن يتسع نطاق المشاركة السياسية في مصر. ترجمة: عبد اللطيف شعيب حقوق النشر: قنطرة 2010 (المصدر: « قنطرة » – حوار مع العالم الإسلامي (ممول من الخارجية الألمانية) بتاريخ 23 فيفري 2010) الرابط:http://ar.qantara.de/webcom/show_article.php?wc_c=492&wc_id=1032  


اسطنبول: الذاكرة والبصيرة


د. بشير نافع (*) لي، كعدد من أبناء جيلي من التونسيين، علاقة خُلاسية بتركيا. يافعا، كانت تمتلكني الرهبة وأنا أطالع الروايات التي ترد علينا في خمسينيات القرن الماضي من المشرق، تقص عجائب «السلطان الأحمر» و «إرهابه وتعسفه» مسهبة في عرض أسرار قصر «يلدز» وما يتلاطم فيه من مجون وقهر. بعد ذلك في فصول بعض دروس التاريخ كانت عبارة «الاستعمار التركي» تتسلل أحيانا للدلالة على طبيعة حكم الأتراك للبلاد التونسية ومناطق عربية أخرى. في اللهجة العامية المتداولة بين فئات من التونسيين كانت كلمة «تتريك» تعني الاستيلاء على الأملاك ونهب الأموال إحالة على بعض ما كان سائدا من ممارسات ظالمة في فترات حكم بعض الولاة الأتراك. إزاء هذا كنت، في فترات لاحقة، أتابع ما كتبته نخب تونسية، من أمثال الثعالبي والجعايبي والزمرلي، في «الاتحاد الإسلامي» سنة 1911 إبان الحرب العثمانية الإيطالية مستنكرة أن يرضى المسلم أن يفارق «الجماعة ويخلع من رقبته عهد البيعة للخلافة». وأنا أدرس طبيعة الخطاب الديني، قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، كنت أسجل ما عبر عنه وطنيون في تونس من ولاء بمناسبة الأحداث الكبرى في اسطنبول، أو الأستانة كما يقال عندئذ. بعد ذلك، وعند إلغاء الخلافة، سنة 1924 وقيام الجمهورية في تركيا يشخص أمامي موقف سليمان الجادوي، أحد رواد المحافظين التونسيين، وهو يعلن، في «مرشد الأمة» أن هذا الحدث ليس إجراءً تركياً, بل صدمة إسلامية, وأنه «ليس في مقدور أي قلم ولا في مستطاع أيّ يراعٍ وصف الأسف والاضطراب الذي ماج فيه العالم الإسلامي من صدمة خلع جلالة الخليفة الأعظم مولانا عبدالمجيد خان… الذي يبقى على خلافته ويُدعى له فوق المنابر باعتباره خليفة أخذ أسيرا يترقب إرجاعه إلى عرشه». في أطوار أخرى، حين كنت أقلب صفحات التاريخ التركي الحديث سعيا لتفهم موضوع إلغاء الخلافة من الجانب الآخر يبرز موقف الكماليين تجاه ما عبّرت عنه عموم النخب المسلمة من قرار اعتبره حكام أنقرة الجدد تركيا محضا. من ذلك ما أعلن عنه مصطفى كمال بأن أسرة آل عثمان كانت تمثل: «… قوة ظالمة مدمرة يدعي طغاتها لأنفسهم حق توجيه البلاد والأمة التركية». لذلك فلا غرو إن رأى أن الأمة التركية: «… شقيت جدّ الشقاء لأنها تجاهلت قوميتها الخاصة. لقد نالت الشعوب التابعة للدولة العثمانية حريتها بفضل شعورها القومي… فأدركنا أننا أمة مختلفة عن هذه الأمم حين طُرِدْنا وسُبِينا وأُهِنَّا. يومئذ أدركنا أن خطأنا كان في نسياننا لقوميتنا». ذلك ما جعل حكم مصطفى كمال قاطعا وهو يجزم: «أن الخلافة أسطورة من أساطير الماضي، ولا مكان لها في العالم المعاصر». من هذه الزاوية كان قرار إلغاء الخلافة ضرورة تركية قومية بالنسبة إلى الكماليين انسحبت تركيا بمقتضاه من المجموعة الإسلامية لتلتحق طواعية بالغرب مركز التقدم ومبتكر الدولة القومية. تزاحمت هذه الصور مع غيرها أثناء رحلتي التي حملتني إلى اسطنبول للمشاركة في ندوة علمية. زاد من حدة هذا التضارب بين المكونات القديمة لهذه العلاقة أن مستجدات أحدث وأكثر وهجا تضافرت في تحويل العلاقة إلى وضع إشكالي لا تضاهيه، في تقديري، أية علاقة أخرى بين العالم العربي وبين محيطه الثقافي والجغرافي السياسي وبينه وبين وعيه بذاته وهو يواجه مصاعب ولادة عالم جديد. لم يكن المشهد الذي يتراءى للمسافر المقترب من اسطنبول جوًّا في نهاية شهر يناير الماضي ليساعده على التخفيف من هذه الهواجس. لقد كانت السماء ملبدة بسحب كثيفة متراصة داكنة توحي بأنك مقدم على عالم بارد، متجهّم ومصفح. بعد النزول مرت أيام في الأعمال البحثية إنصاتا ومناقشة وتفاعلا, ساعد على امتدادها أن اسطنبول في شتائها حين تلتف بوشاحها الثلجي لا تشجع على الخروج والنزهة. مع ذلك فقد أتيحت لنا فرص للتبضّع من البازار أو في زيارات لبعض الجامعات والمراكز البحثية. من هذه الفرص تبدَّت اسطنبول في واقعها الإنساني والمؤسساتي على غير ما توحي به مشاهد الجو القاتمة. مع البرد الشديد، وربما بفضله، تلف الزائر حيوية ودأب في كل الأرجاء. في المدينة التي لا تهدأ بسكانها الـ12 مليونا تشدك النظافة ومعها النظام ثم فوق هذا وذاك، لا تلحظ متسولا يمد يده. لا غرابة إن قيل إنك أمام بنية اقتصادية إنتاجية تنافسية. سألنا تاجر شاب بعربية مفهومة عن بلادنا فعرَّفه أحدنا بموطنه وأردف يسأل التاجر: أتعرف موقع بلدي؟ لم يتردد الشاب أن قال: ما دام بلدا مسلما فلا بد أن أعرفه. في سوق أخرى، كان بعضنا يريد اقتناء أكواب شاي تقليدية عليها رسوم, وبعد طول البحث سأل أحد الباعة، وكان مُسنا، عن نوع الرسوم المطلوبة فقيل له: نريد على الكؤوس رسم السلطان محمد الفاتح. أجاب البائع في عتاب رقيق: لن تجدوا ضالتكم، أيجوز أن توضع صورة الغازي محمد الثاني على أكواب شاي؟ وفي مركز البحوث الإسلامية الذي تأسس منذ أكثر من عشرين سنة، جلسنا نستمع ونسأل رئيسه، الدكتور محمد عاكف آيدن، الذي كان يتكلم بطلاقة عربية تثير الإعجاب عن أعمال المركز وأهدافه. كان مع مساعديه يحدثنا عن مساهمة المركز في تنشئة الباحثين في مجال العلوم الإسلامية من داخل البلاد وخارجها وتنظيم الندوات العلمية ودعم مشاريع البحث. تطرق العرض إلى مكتبة المركز ووحدة التوثيق فيه وما يصدره المركز من منشورات علمية على رأسها الموسوعة الإسلامية. وبخصوص هذه الأخيرة ذكر أن الشروع في ترجمتها يكون عند اكتمال المجلد الأربعين من جملة أجزائها التي ظهر منها ثلاثون مجلدا. وأثناء زيارة المكتبة عرض علينا المصحف الشريف الذي قام المركز بنشره, جامعا فيه بين صورة الأصل المخطوط المنسوب إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه والمحفوظ في مكتبة «توبكابي ساراي» وبين النص المطبوع المتداول حديثا مع مقدمة علمية مدققة تثبت سلامته من أي تحريف. ما وراء كل هذا أن المركز ببنائه الحديث الفخم ومكتبته الواسعة العصرية وأجنحته العديدة ومنشوراته المتميزة ليس سوى إنجاز لوقف الديانة التركي الخاص والقانوني, والذي تأسس سنة 1975 لدعم الخدمات العلمية ذات الصبغة الدينية. كيف أمكن كل هذا في تركيا العلمانية؟ ثم كيف أتيح لتركيا أن تحوِّل موقعها في المشهد الإقليمي جملة واحدة؟ ومع حليفها الاستراتيجي، الولايات المتحدة, كيف تغير الأمر بصورة لافتة بل حتى مع الجار الكبير، روسيا الاتحادية؟ كيف استعادت تركيا حكمة التوازن في المنطقة وتجاوزت عقدة العزلة والحصار التي لازمتها عقودا متوالية؟ كيف تصالحت مع تاريخها وثقافتها ومحيطها الجغرافي الإقليمي والحضاري دون أن تهمل في ذلك كل ما لديها من إمكانات التطوّر والاستقرار؟ للإجابة عن سؤال «كيف استعاد رجل أوروبا المريض عافيته» يوجد أكثر من مدخل. أجدر هذه المداخل بالعناية نستمده من كلمة عالم تركيا ومجاهدها سعيد النورسي الذي قال سنة 1908: «إن تركيا حبلى بالغرب وستلد يوما ما» ثم أضاف «وأوروبا حبلى بالإسلام». قال النورسي هذا وهو يشاهد مآسي انهيار الدولة العلية بمباركة فرنسا وبريطانيا مستحضراً أعمال السلاطين من سليم الثالث أيام الثورة الفرنسية إلى محمود الثاني صاحب التنظيمات وما لاقاه التحديث من مقاومة رجال الجيش الانكشاري. لقد طوت كلمات النورسي القليلة السنوات والعقود, مؤكدة أن ما سيحدث ليس انقلابا مفاجئا دون مسوغات ومقدمات, بل هو سيرورة لا تتوقف. بعين البصيرة النافذة أدرك صاحب رسائل النور أن مسيرة تركيا التي بدأتها منذ أكثر من قرن من أجل الإصلاح والتحديث ماضية نحو الغرب وأنها ستعود من بوابته إلى موقعها الطبيعي في الشرق بفعالية جديدة. في العين التي تعوزها البصيرة لم يكن الانهيار العثماني المتواصل وما أدى إليه من إلغاء الخلافة سوى فاجعة أو سلسلة مؤامرات. صوّر الجادوي ذلك بقوله: «وقع ذلك على حين غفلة، ونُفِّذت إرادة أنقرة بمؤامرة دُبِّرت بمساعي مصطفى كمال ووزيره الأكبر عصمت, ولطيفة هانم حليلة الأول… وذلك ليصفو لزوجها الجو وليؤسس على أطلال سلطنة آل عثمان ملكا لآل كمال… دُهِش المسلمون في سائر أصقاع الأرض من تلك المباغتة، والأمة التركية شاخصة بدهشة». هكذا قرأت العين الفاقدة للبصيرة إلغاء الخلافة. عندما غادرنا اسطنبول كانت القنوات العربية تزف خبر فوز فريق الفراعنة بكأس إفريقيا للأمم وتنقل صور الفرح العارم الذي تملك الجماهير المصرية. يومها والطائرة تعلو بنا في الجو لم أنتبه إلى السحب الداكنة والفضاء الملبد، لقد كنت أستعيد قول أبي الطيب المتنبي: وكم ذا بمصر من المضحكات…. (*) باحث عربي في التاريخ الحديث (المصدر: « العرب » (يومية – قطر) بتاريخ 25 فيفري 2010)

Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.