الخميس، 23 مارس 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2131 du 23.03.2006

 archives : www.tunisnews.net


حركة النهضة بتونس: قوات الامن تعتد بالعنق على اعتصام سلمي في تونس

الجزيرة.نت: تونس تشدد إجراءتها الأمنية تحسبا لمهاجمة مصالح بريطانية الشروق: رابطيون يندّدون بهيئة الرابطة القدس العربي: علماء من الناسا يحاضرون عن كسوف الشمس في تونس قدس برس: وفد إسرائيلي اقتصادي يشارك بمؤتمر دولي في المغرب الحياة: منح أميركية لإنتاج مواد تلفزيونية إخبارية عربية صلاح الدين الجورشي: بعد 50 عاما .. لا زالت الأولويات اقتصادية واجتماعية جمال عيد: حرية الصحافة ، تضليل الصحافة  و الكوبونات التونسية نبيل الرباعي: اذا جاءكم فاسق بنبأ فتبيوا …. مرسل الكسيبي: ذكرياتي من المنفى إلى المنفى عبد الباقي بن نصر: رد على مقال السيد العفيف الأخضر (الحداثة التونسية في عيدها الخمسين )

محمد العروسي الهاني: استنتاجات و تعاليق حول الاحتفالات  بخمسينية الاستقلال الوطني

« التجاوز »: فلنقاوم مشروع التقزيم الكبير « التجاوز »: حرية التعبير وحق الاحتجاج « التجاوز »: عــجـز، أم معجــزة؟ جابر القفـصي: في سوسيولوجيا أسباب انتشار ظاهرة الكلام البذيء) حسن جابر: هل يجوّف توسع الاتحاد الأوروبي معنى الشراكة المتوسطية  توفيق المديني: أولمرت وريث الشارونية يطلق « القبضة الحديدية »  منجي الخضراوي: قراءة في تاريخيّة تطوّر العلاقة بين الامبرياليّة والشعوب ، قوانين تمجيد الاستعمار والهجرة ومحاكمة المفكّرين، نموذجا محمد كريشان: إلا بُـوش!!! خميس الخياطي: درس في تهمة الإستقواء بالأجنبي وآخر في مساوئ الديمقراطية …


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حركة النهضة بتونس

قوات الامن تعتدي بالعنف على اعتصام سلمي في تونس

 

بينما كان الراي العام والمناضلون السياسيون والحقوقيون يخامرهم بعض الامل أن تقدم السلطة في الذكرى الخمسين لاستقلال البلاد على اتخاذ خطوات اصلاحية وانفراجية تفتح ثغرة في حالة الانسداد والاحتقان التي تخيم على البلاد، بدل ذلك تعرض نشطاء حقوق الانسان ومناضلو المعارضة الوطنية التونسية وعائلات المساجين السياسيين للتعنيف الشديد على اثر تنظيمهم لاعتصام سلمي بساحة الاستقلال بالعاصمة بدعوة من هيئة 18 اكتوبر للحقوق والحريات بمناسبة ذكرى الاستقلال. وقد شمل هذا الاعتداء السافر الشيخ صالح بن عبد الله والاساتذة سمير ديلو وراضية النصراوي والعياشي الهمامي وعبد الرؤوف العيادي والبشير الصيد وراضية النصراوي والسيد عمر المستيري وآخرين.

وفي نفس الوقت تعرضت عائلات المساجين السياسيين لاعتداء بالعنف خلال تجمعهما امام السجن المدني بشارع 9 أفريل بالعاصمة وتم ايقاف اعضاء من اللجنة الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين لمدة ساعات طويلة والتحقيق معهم وهم السادة لطفي العمدوني ومحمد الجلاصي وكذلك الطالب عبد الحميد الصغير لمنعه من الالتحاق بتجمع 18 أكتوبر. وفي نفس السياق تعرضت زوجة المناضل الاستاذ محمد عبو خلال عودتها من رحلة العذاب لزيارة زوجها بسجن الكاف الى ضروب من المضايقة. وامتد العدوان خارج البلاد لملاحقة المعارضين والاعلاميين في تونس وفي الخارج ضمن حملة تشويه وتهديدات شملت الصحفي سليم بقة والدكتور أحمد القديدي والسيد أحمد بنور وغيرهم.

وفي سياق متصل تعرض الاستاذ المختار الجلالي زوج الصحفية المناضلة السيدة نزيهة رجيبة لعدوان خسيس للمس من شرف هذه العائلة المناضلة على غرار ما كانوا قد فعلوه مع الشيخ عبد الفتاح مورو والمهندس علي العريض.

وفي تطور خطير عادت السلطة إلى سياسة الانقلاب على مؤسسات المجتمع المدني فقام أعوانها – بعد افتكاك جمعية القضاة التونسيين وتنصيب قيادة غير شرعية- بالاستيلاء على جمعية المحامين الشبان في اعتداء سافر على المؤسسة القضائية برمتها.

كما عمدت السلطة الى أسلوب جديد في التعامل مع ملف المعارضين في الداخل والخارج، عارضة حلولا جزئية أمنية فردية فرارا من التعامل السياسي الجاد مع الملف.   

ان حركة النهضة وهي تتابع هذه الاحداث الخطيرة:

* تدين بشدة هذا العدوان العشوائي على مناضلي ورموز المعارضة الوطنية

* تعبر عن تضامنها الكامل مع السادة والسيدات الذين تعرضوا للتعنيف.

* تؤكد ان منهج العنف والتشويه والتهديد طريق مسدود ولن يثني المناضلين في تونس عن مواصلة معركتهم من اجل الحرية والاصلاح.

* تؤكد أن مشكل النهضة ليس سوى جزء من الازمة الشاملة التي تطحن البلاد وليس لحلها من مدخل غير المدخل السياسي اعترافا بالسيادة للشعب والحرية والكرامة للمواطن، وهو ما ظلت السلطة بعد نصف قرن من الاستقلال تستميت في الهروب مما ليس منه بد وهو الحل السياسي.

*ندعو القوى الشعبية والشبابية إلى الالتفاف حول حركة 18 اكتوبر والتمسك بمطالبها المشروعة باعتبارها الحد الادنى للسير في اتجاه الاصلاح.

 

23 صفر 1427   الموافق  23  مارس 2006

حركة النهضة بتونس

الشيخ راشد الغنوشي

 


 التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات
دعــــــوة
بمناسبة مرور خمسين سنة عن الاستقلال يتشرّف التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات بدعوتكم إلى حضور الندوة الفكرية التي يعقدها بمقره (4 نهج أنقلترا، طابق 1، تونس) انطلاقا من الساعة الثالثة  من مساء الجمعة 24 مارس 2006 وذلك حسب البرنامج التالي:   1 – محاضرة للأستاذ سمير بالطيب: المؤسسة الدستورية بين الطموح و الممارسة. 2 – – محاضرة للسفير أحمد ونيس : السياسة الخارجية بين الأمس و اليوم. 3 –– محاضرة للأستاذ حسين الديماسي:أي مكانة للطبقة الوسطى في البرامج التنموية. 4–– محاضرة للأستاذ عبد الجليل البدوي:أي تحديات بعد 50سنة من الاستقلال.   وتقبلوا فائق احترام التكتّل


 

تونس تشدد إجراءتها الأمنية تحسبا لمهاجمة مصالح بريطانية

شددت الحكومة التونسية إجراءاتها الأمنية تحسبا لمهاجمة مصالح بريطانية، بعد أنباء عن تلقي تهديدات بتفجير المركز الثقافي البريطاني بالعاصمة. وقال مصدر بريطاني طلب عدم نشر اسمه اليوم إن إدارة المركز الثقافي البريطاني بتونس تلقت مكالمة هاتفية من شخص مجهول ينصح بإخلاء المقر قبل تفجيره. وأثارت التهديدات التي تلقتها إدارة المركز الثقافي البريطاني فزعا بين مئات الطلبة التونسيين والأجانب الذين يدرسون الإنجليزية. وكثفت قوات الشرطة التونسية من وجودها أمام مبنى المركز والمباني المجاورة وطوقتها بالعشرات من الأفراد، وأحكمت إغلاق ممر العبور إليه تحسبا لإمكانية مهاجمته بسيارات مفخخة. وأخضعت قوات الأمن كل الطلبة الدارسين بالمركز لإجراءات تفتيش دقيقة قبل دخولهم إلى بهو المركز بشكل غير مسبوق، وتحتفظ تونس بعلاقات سياسية واقتصادية جيدة مع بريطانيا. المصدر:رويترز (المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 23 مارس 2006 )

 


وتستمر الحملة على الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ..

 

رابطيون يندّدون بهيئة الرابطة

 

ان المتتبع لأنشطة الهيئة المديرة الحالية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والمطلع على البيانات التي تصدرها بين الفينة والأخرى لا يمكن إلا ان يقتنع بأن هذه الهيئة مصرّة على التمادي في انتهاج سياسة انتقائية بغيضة تعتمد الاقصاء الممنهج والتهميش المتعمد لكل من يرفض الانسياق وراء أهوائها ويعارض توجهاتها الرامية الى الحياد بهذه المنظمة الحقوقية عن مسارها الصحيح والابتعاد بها عن الاضطلاع بدورها الحقيقي في الدفاع عن حقوق الانسان واشاعة الثقافة الديمقراطية.

 

ومن آخر الممارسات الانتقالية والاقصائية للهيئة المديرة الحالية تعمدها منع عدد من الرابطيين المستقلين والمعروفين بعدم انتمائهم الى اي تيار سياسي من حضور اجتماع في مقر الرابطة استدعت له الهيئة عددا من المنظمات الحقوقية الاجنبية واعضاء السلك الديبلوماسي.

 

كما عمدت الهيئة ايضا الى منع رجال الاعلام التونسيين من حضور هذا الاجتماع وطالبت بعضهم ببطاقة الاعتماد الصحفي.

 

وان هذا السلوك المشين والمدان والذي لا تخفى مراميه وأهدافه على احد يؤكد سعي هذه الفئة الى مواصلة فرض وصايتها على الرابطة وجعلها منبرا لتشويه سمعة تونس دون رقيب او رادع واصرارها على انتهاز كل الفرص لبث الاكاذيب والاراجيف واعطاء صورة مغلوطة للرأي العام الاجنبي عن حقيقة الاوضاع في البلاد.

 

رضا الملولي

نور الدين الحجام

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 23 مارس 2006)


علماء من الناسا يحاضرون عن كسوف الشمس في تونس

 

تونس ـ يو بي أي: يزور ثلاثة علماء من وكالة الفضاء الأمريكية ناسا تونس لثلاثة أيام في إطار سلسلة برامج التعاون التونسي ـ الأمريكي في مجالات العلوم والتكنولوجيا.

 

وقالت السفارة الأمريكية بتونس في بيان وزعته امس الأربعاء ان الدكتور جوزف م دافيلا والدكتور مايكل كمبريات والدكتور نلسن ريجنالد، سيلقون سلسلة محاضرات علمية حول ظاهرة الكسوف الشمسي الذي ستشهده تونس قبل نهاية الشهر الجاري.

 

وأوضح بيان السفارة الأمريكية أن هذه المحاضرات ستتمحور حول موضوع مراقبة ثلاثية الأبعاد للشـمس واسـتعمال الصواريخ المصـــغرة لأغراض علمية في ناسا .

وأضاف البيان ان العلماء سيزورون ليبيا أيضاً للاجتماع مع العلماء والجامعيين الليبيين، ولمراقبة كسوف الشمس الكامل الذي ينتظر أن يتم في التاسع والعشرين من الشهر الجاري.

 

وكان الخبير الفلكي التونسي هشام يحيي قد أعلن في وقت سابق أن كسوفا جزئيا للشمس سيتم في التاسع والعشرين من الشهر الجاري،يشبه الي حد كبير كسوف الشمس المسجل في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي.

وأكد أن هذا الكسوف سيكون مرئيا بشكل جزئي في تونس التي ينتظر أن تشهد كسوفا كليا في الثاني من شهر اب/أغسطس من العام 2027.

 

وقال ان الكسوف المرتقب في آخر الشهر الجاري،سيكون مرئيا ابتداء من أقصي شرقي البرازيل عند طلوع الشمس ،ليتحرك الجزء المظلم عبر المحيط الأطلسي، حتي يصل الي شمال أفريقيا،وتحديدا ليبيا التي ينتظر أن يتواصل فوقها لمدة 4 دقائق وسبع ثوان، ليعبر بعد ذلك البحر الأبيض المتوسط، وجنوب تركيا، ووسط آسيا، لينتهي غرب منغوليا.

وكان آخر كسوف كلي للشمس قد عرفته الأرض قد حدث في الحادي عشر من اب/أغسطس من عام 1999، وأدي الي ظلام كامل في وضح النهار، وقد شاهده بوضوح سكان افريقيا، وآسيا ودول الخليج العربي.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 23 مارس 2006)


 

وفد إسرائيلي اقتصادي يشارك بمؤتمر دولي في المغرب

الناصرة (فلسطين) – خدمة قدس برس

 

يستعد وفد اقتصادي إسرائيلي رسمي هذه الأيام للمشاركة في مؤتمر دولي يعقد في المغرب بحضور دول المجموعة الأوروبية ودول حوض البحر الأبيض المتوسط.

 

وذكرت التلفزيون العبري الليلة الماضية إن الوفد الاقتصادي الإسرائيلي، الذي سيكون برئاسة يوسي بخار مدير عام وزارة المالية، سيتوجه إلى المغرب هذا الأسبوع للمشاركة في أعمال مؤتمر وزراء التجارة في دول المجموعة الأوروبية ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، والذي يعقد في مدينة مراكش.

 

ونقل عن بخار قوله إن هذا المؤتمر « يشكل خطوة مهمة أخرى لزيادة التعاون الاقتصادي بين دول الحوض من جهة ودول المجموعة الأوروبية من جهة أخرى ».

 

يشار إلى أن العلاقات الدبلوماسية انقطعت في أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى في نهاية أيلول (سبتمبر) من عام 2000، لكنها عادت إلى مجراها بعد أن قام وزير الخارجية الإسرائيلية بزيارة إلى الرباط في عام 2003، حيث تم التأكيد خلال الزيارة على أهمية العلاقة بين الجانبين واستمراريتها.

 

(المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال بتاريخ 22 مارس 2006)


 

 بتمويل من « مبادرة الشراكة الشرق الأوسطية » …

منح أميركية لإنتاج مواد تلفزيونية إخبارية عربية

عمانالحياة    

 

سيتمكن منتجون عرب هذا العام من الحصول على دعم مادي لإنتاج مواد إخبارية تلفزيونية تقدم من خلال برنامج «دعم الإعلام المستقل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مينا ميديا» بإدارة مجلس الأبحاث والتبادل الدولي «آيركس» وراديو عمان نت، وممولاً من مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية «ميبي».

 

وسيحصل عشرة منتجين وصحافيين من الجزائر والبحرين ومصر والأردن والكويت ولبنان والمغرب وعمان وقطر والسعودية وسورية وتونس والإمارات العربية واليمن وفلسطين، على منح تصل الى عشرين ألف دولار من خلال صندوق قيمته الإجمالية 150 ألف دولار، تقدم خلال دورتين في عام 2006.

 

ويرى مدير قسم التطوير الإعلامي في «آيركس» مارك وايت هاوس أن صندوق الإنتاج التلفزيوني فرصة فريدة للمنتجين العرب، ويقول: «إننا نرحب بأي فرصة لدعم الإعلاميين العرب الذين ينتجون مواد تهم المجتمعات العربية وتبث عبر شاشاتها.

 

ويصف المدير العام لراديو عمان نت داود كتاب برنامج المنح بأنه «هدية للإعلام المستقل»، ويقول: «في أجواء تسيطر فيها المجموعات الحكومية وشبه الحكومية على المشهد التلفزيوني الوطني والإقليمي فإن هذه المنح ستساعد الصحافيين والمنتجين المستقلين على أن يعملوا بحرية وفي مناخ متحرر من الضغوط المالية التي قد تفرضها هذه الجهات».

 

ويـسـتـمـر اسـتـلام طـلـبـات منح الدورة الأولى حتى موعد أقصاه 15 أيار (مايو)، ويمكن تقديمها من الموقع الإلكتروني www.ammannet.net/tv على أن يعالج الإنتاج قضايا مثل التجاوب الـحكومي مع حاجات المواطنين والـنـسـاء فـي الحـيـاة العـامـة ونـبـذة عـن الـقـادة المـبـدعين أو أي موضوع اجتماعي أو سياسي آخر يهم المواطن العربي.

 

وستقوم لجنة من إعلاميين عرب مستقلين بالنظر في طلبات المنح إضافة إلى متخصصين في الإنتاج العربي وممثلين عن المجلس الاستشاري لـ «مينا ميديا» وراديو عمان نت و «آيركس». وقد يطلب من المتقدمين المساهمة بـ20 في المئة أو أكثر من التكاليف.

 

وستعطى الأولوية للمشاريع التي يمكن توزيعها على وسائل إعلامية مختلفة من محطات تلفزيونية وإذاعية وصحف ومواقع إنترنت لضمان أكبر توزيع ممكن. وعند النظر في الطلبات المقدمة ستراعي «مينا ميديا» إمكان مشاركة المتقدمين في مهرجانات تلفزيونية.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 23 مارس 2006)

 


 

بعد 50 عاما .. لا زالت الأولويات اقتصادية واجتماعية

صلاح الدين الجورشي – تونس

 

خلافا لما راج قبل أسابيع، جاء خطاب الرئيس بن علي – الذي ألقاه بمناسبة مرور خمسين سنة عن استقلال تونس – خاليا من إجراءات سياسية لافتة من شأنها أن تحدث حيوية طالما انتظرها الكثيرون. ومع أن المشاغل الإقتصادية والإجتماعية استأثرت بالإهتمام، إلا أن الملفات السياسية لم تكن غائبة تماما عن الصورة.

 

 لقد اعتبر البعض أن هذه المناسبة كانت تشكل فرصة لتقييم مسيرة الدولة التونسية، التي مرت بتطورات هامة وبأزمات حادة منذ أن تم الإعلان عن تأسيسها يوم 20 مارس 1956. وإذ تميزت هذه المسيرة بتحقيق مكاسب استثنائية بسبب رهان القيادة السياسية على عدد من الاختيارات الاستراتيجية مثل النهوض بالنساء، والتحكم في نسبة الولادات، ودعم الطبقة الوسطى والاستثمار في مجال التعليم، إلا أن هذه الدولة الصغيرة بقيت محكومة بخلل كامن في نظامها السياسي. فهذا النظام بقي يرفض منذ تأسيسه الفصل بين الحزب والدولة، مما أعاق المؤسسات، وأبقى المجتمع المدني في حالة هشاشة دائمة.

 

من هذا المنطلق، ونظرا للاحتقان السياسي الذي يشير إليه عديد المراقبين، توقع البعض بما في ذلك أطراف قريبة من السلطة، أن يحمل خطاب الرئيس بن علي توجهات وقرارات جديدة تخلق حراكا يكون شبيها بالذي حصل على إثر توليه السلطة قبل حوالي 19 عاما.

 

إشارات وتلميحات

 

لكن بالرغم من أن الخطاب طغت عليه نبرة الثقة في النفس واستعراض ما تحقق من إنجازات في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، إلا أنه تضمن عددا من الإشارات والتلميحات السياسية، التي بدت وكأنها رد على بعض ما تردد في تونس منذ أشهر عديدة. ويمكن الاكتفاء في هذا السياق بالإشارة إلى مثالين:

 

– يتهم شق عريض من أحزاب المعارضة النظام بأنه حاصر العمل السياسي المستقل، ويهب بعضهم إلى حد القول بأن السلطة قد « قتلت السياسة » في تونس. لكن الخطاب الرئاسي تضمن تأكيدا على أن المرحلة السابقة شهدت « مسارا ثابتا طور الحياة السياسية، ووسع نطاق المشاركة أمام الأحزاب، ومكن مختلف الألوان السياسية والفكرية من الاضطلاع بدورها ». وبينما اعتبرت المعارضة أن التعديل الدستوري الذي فتح المجال أمام عدد لا محدود من الدورات الرئاسية بمثابة « الانتكاسة الخطيرة »، أكد الخطاب من جهته أن « الدستور الجديد أرسى أركان جمهورية الغد وكرس إرادة الشعب ».

 

– تحمل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعديد من منظمات المجتمع المدني السلطة مسؤولية تعثر نشاطها، من خلال المحاصرة الأمنية، والهرسلة القضائية، والعمل على تهميشها. وهو أمر ينفيه النظام، مؤكدا من جهته بأنه قد « فسح سبل العمل أمام المنظمات الوطنية العتيدة ومكونات المجتمع لتضطلع بدورها في الحياة العامة ».

 

قد يرى البعض في ذلك استمرارا لحوار الصم، حيث لكل من السلطة ومعارضيها رؤية وأولويات مختلفة عن الآخر. ففي الوقت الذي تعالت فيه أصوات احتجاجية معلنة بأن نظام الحكم يقترب من نهاية عهد، وأن البلاد مقدمة على أزمة اقتصادية وسياسية، جاء الخطاب الرئاسي مفعما بالثقة في المستقبل، ومبرزا أنه بفضل النتائج التي حققتها العشرية الماضية فإن تونس « ستلتحق سنة 2009 بكوكبة البلدان ذات المؤشر الأعلى للتنمية البشرية ». كما وعد بأن العشرية القادمة التي تمتد بين سنتي 2007 و 2016 التي سينفذ خلالها المخطط الحادي عشر للتنمية، ستشهد ارتقاء تونس إلى مصاف الدول المتقدمة.

 

مع ذلك، لم يهاجم الرئيس بن علي هذه المرة منتقديه، في وقت يشن فيه أبرز كوادر الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي) حملة سياسية قوية ضد قد أطراف « هيئة 18 أكتوبر للحريات والحقوق ». هذه الهيئة التي أصبحت تشكل إزعاجا قويا للنظام، ليس فقط بسبب الجسور التي مدتها مع الإسلاميين، ولكن أيضا بسبب إصرارها على تغيير أسلوب الاحتجاج، وتحريض التونسيين على التظاهر والنزول إلى الشارع.

 

« 18 أكتوبر » تزعج السلطة

 

فالنظام الذي نجح في تحقيق حالة استقرار أمني دامت أكثر من ثمانية عشر عاما، غير مطمئن لهذا النمط غير المعهود من التحريض، خاصة في مناخ اجتماعي واقتصادي ينحو تدريجيا إلى شيء من الاحتقان نتيجة عوامل عديدة، بعضها هيكلي والآخر ظرفي.

 

فبالرغم من أن عدد التونسيين الذين يستجيبون لنداءات التظاهر لا يزال محدودا، إلا أن مستوى التعبئة الأمنية التي تقوم بها السلطة لتشتيت المتجمعين والذي قد تستخدم خلاله القوة، سرعان ما يلفت نظر المواطنين، ويشد اهتمام وسائل الإعلام، وربما يدفع ببعض الأطراف الدولية إلى التعليق بأسلوب يثير انزعاج السلطات التونسية. وقد حدث ذلك في مناسبات متكررة مع الجهات الأمريكية، التي انتقدت منع المعارضين من ممارسة حقهم في التجمع والتنظيم والتعبير.

 

وقد تجلى انزعاج السلطة من أصحاب مبادرة 18 أكتوبر المتأثرين بتجربة حركة « كفاية » المصرية، في ما ذكره السيد عبد العزيز بن ضياء وزير الدولة المستشار لدى الرئيس بن علي والناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية.

 

لقد اعتبر أن الخلاف الأساسي بين السلطة وهذا القسم من المعارضة هو ما وصفه بـ « الاستقواء بالخارج »، الذي سبق وأن أدى إلى « دخول الاستعمار إلى تونس ». وبناء عليه لم يتردد بن ضياء في اتهام خصوم النظام بكونهم « منعدمي الوطنية ». ويعكس ذلك خشية السلطة من أن يتمكن هؤلاء من الصمود، وكسب مزيد من المؤيدين و « الحلفاء »، مما قد يجعل منهم قطبا معارضا يتمتع بقدرة أعلى على التعبئة، وبتأييد إعلامي وسياسي واسع النطاق على الصعيد الدولي.

 

ولعل هذا الخوف المتزايد من قبل السلطة، هو الذي دفع بـ « المقدوح في وطنيتهم » إلى تأكيد استقلاليتهم السياسية والمالية، لكن مع الاستمرار في محاولات تكثيف الضغط الخارجي على النظام. وبعد الجولة الأوروبية التي سبق وأن قام بها بعض الذين شاركوا في إضراب 18 أكتوبر، يستعد السيد نجيب الشابي، الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي الذي رفض قبول مساعدة مالية أمريكية في حدود 500 ألف دولار لدعم صحيفة « الموقف » الناطقة باسمه، للتوجه إلى واشنطن بدعوة من مركز دراسات تابع لمؤسسة أمريكان إنتربرايز (American Enterprise). وهو لا يخفي أن الهدف الرئيسي من هذه الزيارة هو التعريف بوجهة نظر المعارضة فيما يسميه بـ « المأزق السياسي لنظام الحكم في تونس ».

 

بعيدا عن الأضواء

 

أما بالنسبة لملف سجناء حركة النهضة، الذي كان يتوقع البعض بأن يغلق نهائيا بمناسبة خمسينية عيد الاستقلال، فقد مر الحدث دون اتخاذ إجراءات إضافية، ما عدا الحط من مدة العقوبة لعديد المعتقلين السياسيين، بمن فيهم الأمين العام السابق للاتحاد العام التونسي للطلبة المنحل (عبد الكريم الهاروني).

 

وبالرغم من إصرار الحكومة على اعتبار من تبقى منهم « مساجين حق عام »، إلا أن بعض المؤشرات تدل على وجود توجه نحو معالجة الملف بعيدا عن الأضواء الإعلامية والسياسية. من ذلك ما تناقلته أوساط قريبة من أوساط حركة النهضة، أن هناك من أجرى اتصالات بعدد من اللاجئين السياسيين المقيمين منذ أكثر من 15 عاما بفرنسا، وأبلغهم بأنه مكلف من قبل السلطة لإعلامهم بأنه في إمكانهم العودة إلى تونس لتسوية أوضاعهم.

 

قد يكون ذلك غير كاف للقول بقرب حصول انفتاح سياسي، خاصة إذا تمت مقارنة الحالة التونسية بما يجري في دول الجوار، لكن مع ذلك فإن متابعة جزئيات الحياة السياسية والاجتماعية، تشير إلى أن السنوات القليلة الماضية قد شهدت تغيرا طفيفا في المناخ العام. لكن المؤكد أن نظام الحكم لا يزال بعد خمسين عاما من الاستقلال، يعطي الأولوية للملف الاقتصادي والاجتماعي على حساب الإصلاح السياسي. كما أنه يتمتع بدعم خارجي ملحوظ رغم تواتر التحفظات تجاه أسلوبه في إدارة الشأن الداخلي. ولا يزال يتمتع بقدرة على الاستفادة من الأوضاع الإقليمية والدولية، إلى جانب ضعف أحزاب المعارضة وتعاون الاتحاد العام التونسي للشغل، حتى يواصل سيطرته على أجهزة الدولة.

 

لكن من جهة أخرى، يكاد يجمع المراقبون على الاعتقاد بان نظام الحكم، إذا لم يبادر إلى إعادة ترتيب أوضاعه الداخلية، ولم يتخذ إجراءات ملموسة في الجانب السياسي، فإن السنوات القليلة القادمة ستكون مغايرة ومليئة بمختلف أنواع الصعوبات والتحديات.

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 23 مارس 2006)

 


 

حرية الصحافة، تضليل الصحافة والكوبونات التونسية

جمال عيد

محامي، ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان

 

لعل الكثير منا يذكر ما سمي بفضيحة كوبونات النفط العراقي التي تفجرت في بداية عام 2004 ،و التي طالت العديد من الشخصيات و الصحفيين في مصر ونحو خمسون دولة أخرى ، والتي زعمت تقديم الحكومة العراقية  لملايين البراميل النفطية لتلك الشخصيات  مكافأة على دعمهم للنظام العراقي السابق .

وبغض النظر عن صدق هذه الفضيحة كليا أو جزئيا ، فإن المؤكد أن الحكومة التونسية صاحبت الباع الأكبر في الاستبداد اليوم ، قد اكتسبت هذه الخبرة ، وطورتها لتخلق نمطا رائدا وخاصا بها وهو ما يعرف بـ » كوبونات السفارات التونسية  » عبر ما يسمى  بالموضوعات التسجيلية « الإعلانية  » التي يختلط فيها الإعلان بالإعلام ، حيث  يتحول الإعلان المدفوع إلى مادة إخبارية  محررة بشكل ملتو ، تهدف إلى إيهام القارئ بأن المنشور هو موضوع صحفي ، يمكنه الوثوق به ، ويخلق صورة مغايرة لحقيقة الوضع  المزري في تونس .

ففي الوقت الذي يشهد وجود أشهر سجين رأي عربي في تونس  » محمد عبو » والمئات غيره ، تخرج علينا بعض تلك الموضوعات  التسجيلية عن تونس لتحمل عناوين مثل  » حرية التعبير وإعلاء مبادئ حقوق الإنسان ..  » أو « دولة القانون .. حرية التعبير » !

ولنا أن نتصور شعور المواطن التونسي الذي تسيطر عليه حاله من الرعب والفزع من جراء ممارسات الأجهزة الأمنية التونسية  التي لا تتورع  عن تلفيق القضايا واستخدام التعذيب وتشويه سمعه الصحفيين أنفسهم ، حينما يجد أن بعض الصحف المصرية التي يكن لها المواطنين العرب تقديرا كبيرا ، وهي تسهم في تلميع وتقديم  صورة  زائفة عن الحكومة التونسية !

حتى أن بعض المواطنين التونسيين قد باتوا يعتقدون أن قراءتهم لهذه الموضوعات التسجيلية بإحدى الصحف ، قد بات مؤشرا على جريمة جديدة ترتكب في حق الصحافة التونسية أو نشطاء حقوق الإنسان ، وتصبح هذه الموضوعات التسجيلية وسيلة للتغطية على هذه الجريمة التي ترتكب .

وفضلا عن انتهاك تلك الموضوعات لمواثيق الشرف الصحفي مصريا وعالميا  ، حيث تخلط الإعلان المدفوع بالمادة التحريرية ، فإنها تسهم بشكل فعال في تقليص مصداقية الصحف التي تنتهج هذا المنهج ، وتدفع العديد من الصحفيين إلى الارتماء في أحضان السفارة التونسية عبر غض الطرف عما يحدث في تونس ، وسعيا للفوز بأحد هذه الإعلانات المضللة التي رغم صغر مساحتها ، فإن المدفوع فيها مبالغ طائلة نظرا لصياغتها بهذه الطريقة الماكرة .

ويزداد الأمر تعقيدا حين تقع بعض هذه الأقلام و الصحف المصرية في مأزق الدفاع عن الحكومة  التونسية التي تنتهك حرية التعبير ، وتعاقب الصحفيين بسبب كتاباتهم الصحفية ، في الوقت نفسه التي تخوض فيه هذه الأقلام والصحف المصرية  معركة حامية مع الحكومة المصرية لوقف حبس الصحفيين في قضايا النشر ، ليصبح الأمر ملتبسا ، ويكيل بمكيالين ، وهو ما يطرح سؤلا ملحا : هل يستقيم الدفاع عن حرية الصحافة في بلد مع التواطؤ مع حكومة ضد الصحافة في بلد آخر؟

 

23 مارس 2006


اذا جاءكم فاسق بنبأ فتبيوا ….

 
بقلم : نبيل الرباعي  
على اثر نشر مقالة على اعمدة تونس نيوزبتاريخ  05 مارس 2006 تتعلق ببعض الخواطر عن العارضة التونسية متضمنة لبعض الاحداث التي جدت بولاية بن عروس اين يقطن الشيخ راشد الغنوشي سابقا  تلقيت العديد من الاتصالات الهاتفية من بعض الاخوة المغتربين المقيمين  بالمهجر يستفسرون  عن الشخص الذي لمحت عنه في مقالتي دون ذكرؤ اسمه فترددت كثيرا في الخوض في هذه المسالة  اي ذكر الاسماء رغبة مني في تجنب الانحراف عن اصل القضية.

لكنه باطلاعي على ما نشر في تونس نيوز لاحظت ان المعني بالامر اصبح من المنادين بالحرية متشدقا بالديمقراطية متهما رئيس الدولة بالدكتاتورية  والمتمسح على اعتبة السفارات الاجنبية بتونس داعيا اياهم بفرض الديمقراطية على الطريقة العراقية مقدما نفسه علاوي تونس طامعا بالفوز بمكاسب فردية ورافعا للشعارات الجوفاء كغيره من بعض المعارضين  اليسار الذين لهم صيتا وباعا في حملة قمع الاسلاميين سنة 1991  فوجدت انه من واجبي انارة السبيل امام الشعب  واطلاعهم علي حقيقة هذا الشخص الا وهو السيد حسين المحمدي  الكاتب العام السابق للجنة التنسيق  بولاية بن عروس التابعة للتجمع الدستوري الديمقراطي الحزب الحاكم ايام حملة القمع التي شنت ضد الاسلاميين سنتي 1991 و 1992  و مارس اعتداءات جسدية ولفظية على بعض المعتقلين بحكم موقعه  ولقد احدث شعبة دستورية امام منزل الشيخ راشد الغنوشي لمراقبة تحركاته  ومضايقة  زواره واهله هذا وقد اعلمني احد اقرباء الشيخ انه قام باغتصاب منزل الشيخ والتفريط في محتواه وتنصيب  وتمكين احد اعوانه من استغلال المنزل بغير وجه حق وقد صدات ضد المستغل للمنزل العديد من الاحكام  لكنها بدون جدوى نظرا لصيته وسلطته واداءه وتشدقه بقربه من رئيس الجمهورية .

فهل يعقل من اغتصب واعتدى ان يقدم نفسه رئيسا للجمهورية التونسية في سنة 2009  ومدافعا عن الديمقراطية ناسيا ماضيه الاسود ؟  ومن هذا المنطلق  وكمواطن تونسي تعرض للاضتهاد والقهر اتوجه الى فخامة رئيس الدولة بوصفه ضامنا للدستور ورئيسا لكل التونسيين ان يحيل هذا الشخص على القضاء من اجل الاعتداء على املاك الغير وعلى الذات البشرية والادعاء بالباطل في شخص رئيس الدولة وان ياذن للساط المعنية بارجاع المظالم الى اهلها.
سجين اسلامي سابق الهاتف   487 361 98

 


 ذكرياتي من المنفى إلى المنفى

مرسل الكسيبي (*)

reporteur2005@yahoo.de

 

قبل عقد ونصف تقريبا من مسيرة وطن « الاستقلال »في ذكراه الخمسين ,عاشت تونس أحداثها الأليمة التي لن تمحوها الات الدعاية ولن تطويها ذكريات النسيان,وفي تلك الأيام التي تخللت أرض تونس الجميلة ووقعت تحت سمائها الصافية وشمسها التي لاتغيب عن أرضها إلا أشهرا معدودات,كانت الأحداث التاريخية تتسارع نسقا من أجل أن ترسم فصلا مؤلما من فصول تاريخ تونس المعاصر.

 

أحداث بداية التسعينات من أواخر القرن العشرين ,لابد أن نرويها للأجيال التي تحمل رايات مستقبل البلاد ,كانت فصولا من مسرحية واقعية ذات عمق تراجيدي ,لابد أن نعود اليها كي نستلهم منها بعضا من الفصول التي مازالت تحكم خريف تونس بعد أن شهدت البلاد في ظل غياب قوى التدافع السنني حالة من العطالة والتقهقر في مجالات الفكر والثقافة والسياسة والابداع.

 

ولكن من باطن محنة مازلت أحمل ذكرياتها المنقوشة في جهاز عقلي مليء بالصور والحيثيات ,كان لزاما علي وقد تخلصت اليوم من قيود الحدث ولحظته التاريخية أن أكتب شيئا عن رحلة المنفى داخل الأوطان  في انتظار أن أحدثكم يوما عن رحلة المنفى خارجه عندما يحصل الانطباع لدي بأنها لحظة تاريخية جديدة لابد من تسجيل مقاطعها الصوتية والمشهدية لمن أراد الإطلال على ذاكرة وطنية معاصرة تتدافع فيها مقاطع الألم بآمال الفرج والاتساع.

 

دأبت في سنتي التسعين والواحد والتسعين من القرن الماضي على العودة مهموما الى البيت، تتزاحمني صور الجامعة التونسية وقد بدأت تعرف طريقها الى العسكرة كما اصطلح على ذلك معظم الطلاب ,وكانت أولى مؤشرات ذلك حملة مداهمة فجرية طوقت كل مباني السكن الطلابي بالأحياء الجامعية بعاصمة الجنوب.

 

كنت يومها أترشف قهوة الصباح وأتأدم بما كتب الله لي من لقيمات,وفي ساعة مبكرة من صباح ذلك اليوم الأغر الذي تخلل تاريخ تونس المستقلة ,دق الباب في لحظة صباحية جد مبكرة ليعود صديق لي في عجل من أمره ليعلمني بأن حدثا غير عادي يحيط بجامعة صفاقس.

 

قال محدثي :انتشار أمني غير مسبوق وقوات مدججة بالسلاح تطوق في كثافة رهيبة كل المباني الجامعية

حذرني محدثي من الذهاب كالمعتاد الى كلية الحقوق أو تعتب أي جزء جامعي مجاور ,ولكنها روح المغامرة في أيام أوج الشباب ,ألقت بي في سرقة من صاحبي الذي غادر البيت إلى أحضان الشارع ,ولقيت الأرجل تسوقني بروح حب الاطلاع الى خلفية حي سكني مجاور.

 

بدأت أسترق النظر متطلعا الى معرفة تفاصيل الحدث ,واذا بالبصر يقع على سيارات » الباقة » كما يحلو لبني وطني تسميتها,والتفت على طول ملامح الجدار المذعور الذي يسيج كلية العلوم الاقتصادية وكلية الحقوق وما يتوسطهما مع المبيتات الجامعية المجاورة لأشهد محفل الأمن يجلل محيط الحرم الجامعي على مسيرة كيلومترات.

 

أيقنت صدق كلام محدثي الذي لم أعهد عنه الكذب قط ,ولكنها أنفة الشباب أرادت أن تستجلي تفاصيل حقيقة المشهد لأننا على أيام الجامعة كنا نرى البطولة في الوقوف شجاعة أمام قوات الدرك العاتية والتي تحمل في تونس اسم النظام العام.

 

لم تفلح على ما يبدو فيما خلى تلكم الأيام قوات النظام العام في تأديب آلاف الطلاب المحتجين على طرد زملاء لهم بكلية الطب بالمدينة, ولذلك انتشرت على مدار ليال عدة قوات الحرس الوطني وفرق التدخل السريع وقوات الشرطة بل حتى البعض من عربات حراس السجون في إحدى الليالي عندما أعلن عن غرق الكثيرين على اثر فيضانات عرفتها بعض مدن الجنوب ,اتهمت السلطة على إثرها بالتقصير في إنقاذ ضحايا السيول الجارفة.

 

أيقظتني من بهتتي بعد رؤية تلك القوات التي لا طاقة للطلاب العزل بها, صيحة فزع وذعر في تلكم الصبيحة من قبل بعض الزملاء وهم يركضون بأقدام فقدت أحذيتها ووقار رواد الجامعات , وتلمحت مشاهد سراويل ممزقة وأرجل جريحة وأيادي مخبوشة ,وأنفس بشرية لاهثة,ليصيح أحد طلاب كلية العلوم الاقتصادية :أرجوك ,أرجوك ,أرجوك ساعدنا على التخفي في إحدى الأزقة والحارات فإحدى العربات المحملة برجال الدرك تلاحقننا منذ دقائق ولقد أفلتنا مع بعض الطلاب من درك حصار لم نشهده قط في تاريخ الجامعة.

تحركت في رموز الكرامة والعزة والنخوة وشعرت أن واجبا وطنيا لابد أن يسند هؤلاء المساكين,فأشرت الى أحد الأزقة الضيقة الذي لاتدخله العربات الضخمة ,وأسرع رواد العلم الى زقاق آمن لا ينتمي إليه أولاد حارتنا

وطافت العربة الضخمة ذات اليمين وذات الشمال وطافت من ورائها عربات وعربات ,وكتبت لزملاء سنوات الجمر النجاة.

 

تابعت في لهث أخبار بقية الطلاب,فعلمت بأن العشرات منهم قد اعتقلوا بعد أن دوهمت المبيتات في ساعة مبكرة من صباح ذلكم اليوم الأغر الذي طلع على استقلال تونس بعد حوالي أربعة عقود مليئة بالقصص الدرامية والأحداث

لقد عبأتهم عربات وعربات وعربات لتوزعهم على مراكز ومراكز ومراكز.

 

ولم تنته رحلة بعضهم عند جزيرة زمبرة المعزولة التي نفي لها سابقا الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة, أو جالطة المخصصة للعساكر كما روى البعض, ولكن رحلة التجنيد القسري قادت بعضهم الى باطن الصحراء حيث رجيم معتوق التى لا تشق ترابها الا العربات ذات الدفع الرباعي.

 

وكانت رحلة الانتقام ,لا تعليم مبادئ الانضباط والتربية العسكرية الشريفة ,وهناك تعلم الطلاب وضع البطة ووضع البرميل والتمرغ في الأوحال والفضلات البشرية كما روى ذلك شاهد عيان ,وهناك تحدث قادة من العساكر عن بطولات في قمع التحركات الجماهيرية التي شهدتها تونس في سنة 1978 وسنة1984. وتحدث البعض الآخر عن قدرات لايستهان بها تتمتع بها مؤسسة الجيش الوطني..

 

ومن رجيم معتوق حملت الأخبار في تلكم السنة الكبيسة على الطلاب خبر وفاة واستشهاد شاب تونسي أخطأته قوائم الوشاية الحزبية الرسمية داخل الحرم الجامعي, فانتهت به الرحلة بعدما لقيه من ويلات التجنيد الإجباري إلى خارج الثكنة حيث حدثته نفسه بالفرار من جحيم ذاك المعتقل الجماعي الذي حمل اسم التجنيد الإجباري ,كانت رحلة تيهه داخل الصحراء

 

ولقد روى أحد الشهود العيان بأن الطوافات والحوامات راحت تبحث عنه بين الرمال المتحركة أو العروق الرملية ,لتعثر بعد أيام على بقايا جثته الهامدة بعد أن تناقل الطلاب خبر أكل جثته من قبل الذئاب.

 

كان هذا فصلا من فصول رحلة المنفى داخل الأوطان لخصناها بعبارات الألم والشوق والأمل, ولكن فصولا أخرى مازالت تنتظر طريقها الى النور عسى أن تعرف الأجيال الشاهدة بأن مأساة وقعت في أرض الخضراء وأنه آن أوان وضع حد لتداعياتها المخجلة في ذكرى مرور خمسين سنة على استقلال تونس.

 

(*) كاتب وإعلامي تونسي

23 مارس ‏2006‏‏

 

رد على مقال السيد العفيف الأخضر (الحداثة التونسية في عيدها الخمسين )

عبد الباقي بن نصر  

 

كتبت في السنة الفارطة رسالة إلى صديق صحافي مبتدئ  في باريس دعوته فيها أن ينضم إلى حملة مساندتك  ضد الإتهام الخطير الذي  فبركه الأصولي راشد الغنوشي والذي يزعم فيه كذبا وبهتانا بأنك مؤلف كتاب ( المجهول في حياة الرسول). رد صديقي الصحافي المبتدئ، وهو بالمناسبة تونسي  مثلي، كان سلبيا جدا إذ قال لي بالحرف الواحد: أنا من حيث المبدأ لست ضد ذلك ، لكن العفيف الأخضر أساء إلى نفسه كثيرا  بتحوله مداحا رسميا للجنرال بن علي  على حساب  تطلعات الشعب التونسي ونخبه  في العيش بكرامة وحرية ، وأنا رغم كراهيتي للإسلاميين فإنني لست مستعدا لمساندة أي كان يقف في صف الديكتاتورية والفساد.

 

 كنت أظن أن  صديقي الصحافي المبتدىء   قد بالغ آنذاك  كثيرا وأصبح  يمارس العمى السياسي المتمثل في إما أن تكون معي أو ضدي ،  لكنني اليوم  وبعد أن قرأت مقالك الذي عنونته بـ (الحداثة التونسية في عيدها الخمسين) تذكرت ما قاله صديقي الصحافي وخمنت أن كلامه عنك فيه بعض نظر وتحقيق  وحقيقة !  .

 

 السيد العفيف  الأخضر  اسمح لي أن أقول لك  أنه كان أولى بك كمثقف وكاتب ليبرالي أن تحافظ على الحد الأدنى من الإستقلالية والموضوعية  في مقاربة ما انجز في تونس  منذ الاستقلال  ، أنت الذي كنت ولاتزال  في مقالاتك  تنبهنا دوما إلى ضرورة اعتماد العقل والعلم والحيادية في إبداء الآراء و التحليل والنقاش .

 

دعني أناقش بعض ما  كتبته والذي أعتبره بعيدا عن  الحقيقة كما يعرفها كل التونسيين،  وأجمل تعليقاتي في النقاط التالية .

 

** تأكيدك على أن الحداثة هي إرادة سياسية تفرضها النخب الحاكمة ، رأي ينقصه الإثبات و التدقيق ، لأن الحداثة  كنمط حضاري  غربي جديد في  السياسة والثقافة والإقتصاد والإجتماع والأخلاق لم يطرأ بشكل مفاجيء،  وإنما مر بتحولات هائلة راكمها نضال إنساني طويل ومرير في مجالات عدة.  وتبعا لذلك لايمكن لهذا  النمط  أن يكتب له النجاح في مجتمع آخر فيما لو تم فرضه  بشكل قسري ، وإنما يمكن إنجازه مرحليا ، وذلك  بالتأسيس له  عبر توفير وتهيئة  التربة القابلة  لغرس قيمه ولبناته و خلق الجو العام لإزدهاره  حتى  يكون  مشروعا ناجحا ومتماسكا والأهم من ذلك خلق جيل جديد من المواطنيين حامل لقيمه ومثله ومناعته أي قيم مشروع الحداثة   ، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق ، هل يمكن الحديث عن حداثة تحققت فعلا   في تونس بعد خمسين سنة من الإستقلال ؟

 

** إن توصيف الانجازات التونسية التي تحققت  في مجال الإقتصاد و حقوق المرأة وإصلاح التعليم الديني والفصل النسبي بين الدين والسياسة بالحداثة  لهو في رأيي  توصيف غير علمي ومبالغ فيه إلى  درجة  الدعاية المجانية  ، لأن ما تحقق في بلدي منذ الإستقلال لايعدو أن يكون في الحقيقة  إصلاحات تحديثية لاتصل  إلى أبسط إنجازات الحداثة في  دولة  كالبرتغال  مثلا  ، بل إن الأمر مثلما أشار الدكتور هشام جعيط  هو مجرد  حداثة مشوهة ، أي  هي مظاهر وقشور تعطي الإنطباع بالحداثة  لكن  الجوهر متعفن  ومهترئ  ومتخلف .

 

** صحيح أن تونس رائدة في سن قوانين عصرية في مجال الأحوال الشخصية وحقوق المرأة  ، لكن واقع المرأة التونسية    في عهد الجنرال بن علي مثلما تظهره عديد التقارير مرير جدا رغم مواصلته للنهج البورقيبي  وإضافته لبعض القوانين المعززة لحقوقها ، حيث تتعرض النساء الديمقراطيات المعارضات لسياسته  تتعرض  للقمع المنهجي والطرد من العمل والضرب والهرسلة على يد  البوليس السياسي والأمثلة كثيرة جدا ( يمكن الاطلاع على شهادات موثقة في  تقارير  الرابطة التونسية لحقوق الإنسان  ومنظمات عالمية أخرى تشير إلى اعتداءات خطيرة ضد  محاميات و قاضيات وناشطات حقوق إنسان وباحثات مثل السيدات نزيهة رجيبة  وسهام بن سدرين  وراضية النصراوي  وأحلام بن الحاج   و زكية الضيفاوي  ..وغيرهن  كثيرات )    وفي الواقع  فإن حقيقة  أغلب  النساء المشاركات في البرلمان  والجمعيات الكثيرة  لسن إلا  نساء  مدجنات   في  مؤسسات  ذكورية  صورية  تابعة للجنرال الذي   أراد  لها أن تكون ديكورا  لتسويق صورة نظامه (الحداثية ) لدى الرأي العام الغربي ،  وللتغطية على الصورة البائسة جدا  لحقيقة المرأة وأوضاع الإنسان في بلد بن خلدون .   أتذكر هنا  مقالا هاما نشرته الدكتورة  رجاء بن سلامة في إيلاف  منذ سنتين تقريبا  وأعتقد أنه كان  شهادة قدمت في احدى الندوات في المشرق ،  ومفاده أن وضعية المرأة في تونس على صعيد المممارسة  ليس أفضل حالا  مما هو في الدول العربية الأخرى رغم تطور القوانيين النظرية .

 

** السيد العفيف أنت تتحدث عن البروفيسور مصطفى بن جعفر ورأيه في المعارضة لكنك أغفلت وربما  عن قصد ما يتعرض له هذا المناضل الديمقراطي  من قمع رهيب ومحاصرة مستمرة  من البوليس السياسي  لمقر حزبه ونشاطاته  إلى يومنا هذا  ، وهذا ما كتبه في العدد الأخير من نشرية حزبه التي صدرت منذ أيام قليلة .

 

** صحيح أن الاقتصاد التونسي قد حقق نموا كبيرا في بدايات التسعينات ، لكن تلك الطفرة القصيرة لم يستفد منها الشعب  مثلما تؤكد أنت،  وإنما ذهبت إلى جيوب الحيتان الكبيرة التي أصبحت تتحكم في عصب الاقتصاد التونسي وهي العائلات المافيوزية  المقرية من القصر التي عاثت فسادا ونهبا ولاتزال في مقدرات البلاد ،وهذه الظاهرة الاجرامية تشير اليها تقارير رصينة ومحايدة . إذ تقلص الاستثمار الى حدود متدنية جدا  نتيجة  لانتشارالرشوة والفساد والمحسوبية وغياب القانون وانعدام الرقابة ،  ألم تسمع  بفضيحة مدير صندوق التضامن 26 26 الذي هرب بالملايين خارج البلد ، وفضيحة القروض من البنك المركزي التي ذهبت بدون رجعة إلىالحسابات البنكية  لأصدقاء الجنرال بن علي  والتي قدرت بمئات الملايين من الدينارات؟  ألا تعلم  ياعفيف الاخضر  أن شقيق زوجة الجنرال بن علي   بلحسن الطرابلسي أصبح يملك امبراطورية مالية  ضخمة  موازية للدولة  من جراء عمليات  الفساد  والنهب  ؟

 

** إن نسبة البطالة  التي وصلت الى معدلات مخيفة ( أكثر من ربع السكان عاطل عن العمل ) على عكس ما تظهره الارقام  الحكومية الدعائية  المزيفة ،  وظاهرة الشباب الحالم بالعبور الى الضفة الاخرى عبر قوارب الموت التي أودت بحياة المئات  بين سنتي 2002و 2005  ،  وانتشار الجريمة  والبغاء  بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد ، رغم تضخم جهاز البوليس( أكثر من مئة وخمسين ألف بوليس،) وانهيار الطبقة الوسطى التي كانت تشكل  العمود الفقري للإستقرار في البلاد  ، وغلاء المعيشة ، وعود ظاهرة الحجاب و التدين  بقوة لدى الشباب حتى أصبحت المساجد غير قابلة لاستيعاب الاعداد الهائلة  ، هذه الظاهرة التي استخدمتها بروباغنديا حركة النهضة  للتدليل على  نجاح الصحوة  الاسلامية  في تونس في مواجهة التغريب مثلما تدعي ،  كل ذلك  يدل على انعدام ما تسميه بالحداثة التونسية .

 

** في بدايات التسعينات ساندت شخصيا (*) حملة مواجهة الدولة   ضد حركة النهضة لإيماني بأن أتباع الغنوشي  يشكلون بالفعل  خطرا كبيرا على الإنجازات المدنية الهشة  التي تحققت في بلدي ، واعتقدت مثل الكثير من التونسيين أن بن علي سائر في درب تحديث البلاد لتأسيس دولة ديمقراطية  علمانية عصرية  محصنة من التطرف ، لكن بعد  سنوات قليلية فقط  وحين استتب حكمه  بدأنا  نرى  الضربات  العملاقة والوحشية   التي  راح يسددها  للمعارضة  الحقيقية ، فقام   بتفتتيتها و عمل منهجيا على التنكيل برموزها بالسجن والترهيب وقطع الأرزاق  وتشويه السمعة . و أشهر ضحايا ه بعد الاسلامييين  هم علمانيون وديمقراطيون وليبراليون ويساريون وشيوعيون وقوميون  …إلخ   

 

** لن أذكرك يا سيد عفيف الاخضر  بمسرحية الإستفتاء على الدستور الجديد كي يواصل بن علي الحكم  و بنتائج الانتخابات السوفياتية 95 % التي حصل عليها( الرئيس) وحزبه سنة 2004 أو بالأحرى التي فبركها لنفسه ، وبحقيقة البرلمان وأحزاب المعارضة  الكرتونية الديكورية  التي فرضها الجنرال للتمويه ولقطع الطريق على التداول السلمي للسلطة ،   وبحقيقة الاعلام في تونس التي تديره أجهزه المخابرات ،  وعمليات الانقلاب المنظمة من طرف ميليشيات الحزب  والبوليس السياسي   ضد مؤسسات مستقلة  كالرابطة التونسية لحقوق الانسان وجمعية القضاة التونسيين ونقابة الصحفيين، وأخيرا وليس آخرا جمعية المحامين الشبان ،  لن أذكرك بعمليات الابتزاز الخسيسة  للمخابرات ضد المعارضين  بتركيب أشرطة فيديو  بورنوغرافية  لتلويثهم  وحرقهم  سياسيا  وأخلاقيا (  آخر ضحية  لهذا الارهاب هي  عائلة المحامي الجلالي  وزوجته الصحفية الفاضلة  السيدة  نزيهة رجيبة )  ، لن أذكرك  بحادثة سحل أعوان الأمن  للصحافي التونسي والمراسل لقناة العربية  سليم بوخذير  منذ أسابيع في شوارع العاصمة ولمسافة مئة  متر لإصراره على المشاركة في ندوة نظمها حزب البروفيسور مصطفى بن جعفر المحاصر هو أيضا  بالبوليس ، ولن أذكرك  بأن غالبية التونسيين يعيشون شهريا على أقل  من 230 دينار أي أقل من 180دولاربعد خمسين سنة استقلال .

 

** لن أذكرك بكل  هذا حتى أدحض مقولة الحداثة في تونس،   لكنني أريد أن أذكرك بأن الحداثة كما ظهرت وتجلت في الغرب على مستوى النظرية والممارسة هي نمط حضاري إبداعي متطور  خلق مؤسساته الإجتماعية والسياسية والثقافية القوية والمستقلة  والتي تنهض بوظيفة  المحافظة على التوازن بين منظومتي السلطة والحرية عبر آليات الحوار والصراع السلمي ووسائل التنافس الديمقراطي أو مايسميه يورغ هابرماس بالفعل التواصلي .

 

لكن سياسة القمع والخصي الذكية جدا للنظام  التونسي  وخاصة في عهد الجنرال  بن علي  الذي اجترح لنا  مقولة الديمقراطية قطرة قطرة  لإستغبائنا ،  عوضت مفهوم  التواصل بالأوامر و ألغت المؤسسات المستقلة  لحساب جمعيات التعليمات و بدّلت التنافس الديمقراطي  بالمهرجان الكرتوني  المخابراتي  والحوار بالقمع  والإعلام  بالتضليل والتمويه ، وأبدلت  أجهزة الدولة الفاسدة  حماية  المجتمع من الجريمة بحماية  الجريمة من المجتمع . (حماية عائلات القصر وأصداقائها  النهابين  من الحساب )    فانجبت البلاد حزبا واحدا  وزعيما وحدا  ورأيا واحدا  ولونا واحدا  ، وغابت  قيم  القانون والدستور والمواطنة و المؤسسات الديمقراطية  وظهرت  نتيجة  لذلك  بوادر مرضية  سماها  الأصوليون   الصحوة الإسلامية .  وهذه مؤشرات خطيرة  لخراب العمران وعودة ثقافة  الطالبان التي أصبحت تطل  برأسها في كل مدن تونس .   وهذا في الحقيقة يعود إلى فضل الديكتاتور  بن علي صانع الصحوة السلفية  الإسلامية .

 

(*) مساندتي لمواجهة الدولة للإسلاميين لاتعني أبدا  قبولي  أساليب التعذيب والتجويع  والقمع  التي مورست ضدهم  وإنما حماية تلك الإنجازات المدنية الهشة  من النسف  بمقولات أصولية لا تمت بصلة إلى راهنية التونسيين.

 


 

بسم الله الرحمان الرحيم

و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين                                                    تونس23/03/2006

 

                                                                                             بقلم محمد العروسي الهاني

                                                                                          مناضل دستوري تونسي

الحلقة الثانية:

 

استنتاجات و تعاليق حول الاحتفالات  بخمسينية الاستقلال الوطني

20 مارس 1956 – 20 مارس 2006

 

 

الحقوق السياسية و الاعلام و الديمقراطية

 

 ان الحقوق السياسية و ممارسة الديمقراطية و حق التعبير باكثر وضوح و شفافية و مسؤولية ضمنها الدستور الذي حرره بالدم رجال بررة من الوطنيين المناضلين بروح وطنية عالية و اخلاقية سامية.

 

و بصدق الاحرار اذكر هذه العناصر الثلاثة التي تعطلت على بقية العناصر الاخرى الحياتية و الاجتماعية.

 

و في عهد الاستقلال كانت هناك عدة مبررات منطقية: تكوين دولة، معركة التخلف – الجهل – الحرمان، بناء النسيج الاجتماعي، معركة الكرامة، البناء و التشييد، نحت المجتمع، التعويل على الذات… وهذه مبررات مقبولة حتى عام 1979 …

 

ثم تدرجت دولة الاستقلال نحو الاهتمام بهذه العناصر. وخطت دولة الاستقلال في هذا المجال خطوة بنسبة 20 % و بعد التحول و بطرق اخرى و نسق و مفهوم جديد وصلت النسبة الى 40 % ..

 

و المطلوب اليوم مزيد النسق و السرعة للوصول الى ما يطمح اليه الشعب و الرأي العام و النخب التونسية و أصحاب الرأي و الاشعاع و الكفاءة و عامة الشعب الذي بلغ درجة الوعي و النضج. و هذا ما اكده بيان 7 نوفمبر 1987 بوضوح و جلاء.

 

ولا احد من التونسيين اليوم اصبح يقبل الاهانة و الاذلال و فضائح في الشارع و طلب استظهار ببطاقة التعريف في كل وقت و عند الخروج من المساجد -خاصة صنف الشبان-… او يقبل الحقرة كما يقول الجزائريون… او يقبل التونسي المماطلة و « ارجع غدا » او الكبت الاعلامي او غلق الاعلام و… سواء بالعين او الاذن او الكتابة…

 

و لا احد يرضى باعلام مبتور و حوار « الطير يغني وجناحه يرد عليه » كما وقع في الذكرى الخمسين. فالزعيم المؤسس و المهندس للاستقلال  لم يذكره احد من المشاركين ما عدى الرئيس بن علي و نائب رئيس حزب التجمع حامد القروي و السيد الهادي البكوش في محاضرته بدار التجمع. وذكره الرئيس في الاجتماع العام يوم 20 مارس 2006 بكل اعتزاز و مسؤولية و اشرف على موكب الترحم بضريحه بالمنستيرو كان متأثرا تأثرا شديدا حبا و اعترافا له بالجميل.

 

ما عداهم لم نسمع اخر تعرض له بكلمة في التلفزة او في الصحف و لم تنشر صورته الا صحيفة واحدة صاحبها صاحب كرم و شهامة.. الاخ محمد بن يوسف…

 

و في مقالاتي على امتداد العام و عددها 57 مقالا في مواقع الانترنات.. اتصل الاخ المناضل عمر بن حامد مقاوم سياسي و من مؤسسي جمعية الوفاء للمحافطة على تراث الزعيم بورقيبة و رموز الحركة الوطنية.. اتصل بمسؤول سابق جهوي  في التجمع  بعد ان تحول اليوم و له توجه اخر وهو حر في ذلك.. قال له سي عمر بن حامد: هل اطلعت على مقالات الهاني على موقع الانترنات.. اجابه: سي الهاني موقفه هادئ و لين كله مرونة و ليس مهاجما صيفا وشتاء. قال له مخاطبه نعم تلك هي الحكمة. ففهمت المحادثة بذكاء وقلت لصديقي يكفي صاحبنا مهاجم لا يعرف معدن الوطنية و منابعها الصافية و لم يتخرج من المدرسة البورقيبية.. مدرسة الذكاء و التربية و الاخلاق العالية حتى مع الخصم.

 

كان الزعيم يقول لغلاة الاستعمار الفرنسي كلاما و نقدا كبيرا و يقول للاحرار « انتم اصدقاء تونس ».. و بذلك حقق المعجزة و الاحترام و تقدير الفرنسيين..

 

و شتان بين مدرسة بورقيبة و مدارس اخرى بعثية و شيوعية و يسارية لا تعرف الا العنف. قال الله تعالى : »يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب الله شديد »صدق الله العظيم.

 

لا تنكر للماضي لا مجابهة للحاضر بكلام جارح ونقد لاذع و هذا ليس من شيم الاحرار

 

هذا هو التصور لبناء المستقبل بحرية و جرأة و شجاعة.. و تلك هي المعادلة عند المناضلين البورقيبيين الاحرار.. ايديهم ممدودة للجميع مع شجاعة الكلمة و جرأة الحديث.. شريطة النظافة الشاملة.. لأن صاحب المصالح الشخصية لا يقدر على الكلام و الكتابة في الصحف أو الانترنات. قال الله تعالى : »و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين » . صدق الله العظيم.

 

الخاتمة : الطموحات و التطلعات

 

1- حق التعبير و حرية الرأي:

 

ان الضرورة تدعو اليوم لبذل الجهود لاعطاء حق التعبير و حرية الرأي الاولوية و فتح ابواب الصحافة للعموم وفتح التلفزة للرأي العام التونسي للتعبير بكل حرية. كما و امكانية احداث تلفزة للخواص في مجال تعدد وسائل الاعلام مثلما هو الشأن في المملكة المغربية التي فتحت مجال الاعلام المرئي و المسموع للخواص بدون استثناء.

 

2- دعم حقوق الانسان:

 

و خاصة السعي لحذف و الغاء كل التعطيلات و الاجراءات المعقدة حول حق جواز السفر للبعض.. و منح هذا الحق المشروع الذي نص عليه الدستور لكل المواطنين بكل استثناء.. و هو حق مشورع..

 

و الغاء الرقابة الادارية  و الامضاء بمراكز الامن.

 

و السعي مستقبلا لقبول المواطن الذي يحتاج الى خدمات من مراكز الامن دون البحث امامه.. و منهم من يقول « عديه على الجهاز »…

 

كثير من المواطنين الاحرار يعتبرون ذلك استفزازا و جرحا و خدشا في كرامة المواطن امامه.. يمكن القيام بالبحث دون اشعار المواطن الحساس..

 

و بودي تطوير الرقابة في الشارع حتى لا يشعر المواطن بسؤال بصوت مرتفع.. فيه احراج امام العموم..

 

هذا مع العلم ان اعوان الامن هم ابنائنا ومن جلدتنا. و بعضهم وجد الدعم وكلمة الخير من طرف المناضلين. قال الله تعالى : »و توكل  على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم و تقلبك في الساجدين انه هو السميع العليم » صدق الله العظيم.

 

3- الديمقراطية:

 

ارساء قواعد سليمة للديمقراطية باكثر شفافية. و الديمقراطية لا تعطى و ليست هدية بل هي حق يكسب عن جدارة و لا تهدى بأصوات لا تتعدى 3 % .. و في ذلك بعد عن الديمقراطية الحقيقية.. و لو بصفة نسبية يكسبها الحزب او المستقل بثقة المواطن التونسي.

 

4- افراغ السجون:

 

بعد مرور نصف قرن على استقلال البلاد يجب افراغ السجون كما تم في عهد الاستقلال سنة 1956 . و هذا يذكرنا بأن الاستعمار الفرنسي عندما اعترف بحق تونس في الاستقلال التام نتيجة الكفاح و حكمة القيادة و مشاركة الشعب كان يوم 20 مارس 1956 يوم افراغ السجون من المساجين.

 

و اليوم و الحكم في ايدينا يجب اعادة الكرامة بعد نصف قرن لفتح عهد جديد. قال الله تعالى : »الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة و اتوا الزكاة و امروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و لله عاقبة الامور ». صدق الله العظيم.

 

محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري تونس

 


 
 
Salut a toutes et a tous   Le courant syndicale progressiste a l’immense honneur de vous adresser sa publication   » le dépassement » qui est une publication mensuelle et qui a pour vocation de faire le distinguo entre le vrai et le faut, la gauche et la droite dans un monde ou tous se mêle et ou plusieurs « camarades ont perdues le nord.   On est ouvert à toutes vos suggestions et participation   Pour tout contact csprogressiste@yahoo.fr   merci et au revoir le courant syndicale progressiste
 
 

« لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية »  لينين   الـتَّـجـَــــاوُز

.    نقابية وسياسية، ناطقة باسم التيار النقابـي التقدمي CSP   . مارس 2006 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  الــمـحتــوى
إفتتاحية…………………………….1 حركة فيفري 1972…………………2 حقائق أساسية عن الوضع النسائي………4 لا لتزييف الحقائق…………………….6 مقابلة مع الأمين العام جمال التليلي………9 حرية التعبير وحق الإحتجاج…………..13 عجز أم معجزة؟……………………..16  


إفـتـتَاحِيَّة   .

 

فلنقاوم مشروع التقزيم الكبير

 

بسعيها إلى توحيد السياسات الإقتصادية تؤدي العولمة أيضا إلى محاولة لتوحيد السياسات العامة التي تروم الدوائر الإمبريالية فرضها في كل مكان. فسياسة النظام العالمي الجديد، المرتكزة على خرافة نهاية التاريخ والحالمة عبثا بتجميد فيلم الأحداث في المشهد الرأسمالي المزعوم نهائيا وخالدا، تستلزم عزل الفضاءات السياسية عن بعضها وتذريرها مقابل دمج  السوق وتوحيدها، وهو ما لا يتسنى دون إقامة أسوار عزل ثقافي تتوسل بنظرية صراع الحضارات.

 

في هذا السياق يأتي مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى الحفاظ على الكيانات المصطنعة الصهيوني منها والوهابي، أي في نفس الوقت دولة أتباع هرتزل ومملكة بني سعود، وعلى هذين العمودين المركزيين يقام سقف أول يغطي الإمارات الخليجية وبقية بلدان المشرق العربي، ويلي ذلك الدائرة الثانية التي سيشكلها العالم الفارسي وبلدان حوض النيل، ثم أخيرا، وفي دائرة دفاعية على التخوم، يتم إلحاق الأطراف المتمثلة في المغرب العربي وبلاد السند أي، حسب التسمية الحديثة، كل من الباكستان وأفغانستان. والمشكلة هي أن هذا البناء لن تقوم له قائمة إذا لم تستقر الأرض تحت الدعامتين الحاملتين له، ولذلك تجهد الولايات المتحدة نفسها في تأمين استقرارهما عبر استدراج التيارات الأصولية إلى التصالح مع النظام السعودي والإعتراف بالكيان الصهيوني. على إن عملية إنجاح التخصيب الإصطناعي الهادف إلى إنتاج مسخ الديموقراطية السلفية بتوأميها الإسلامي واليهودي يستلزم إبطال مفعول خلايا المقاومة والمناعة التي تمثلها الأطراف اليسارية الديموقراطية حقا والتي تعرف أن لا محل للديموقراطية في الدولة التيوقراطية وأن اللائكية وفصل الدين عن الدولة شعارات حيوية ومركزية لا تفويت فيها ولا مساومة عليها.

 

السياسة المقابلة هي القبول بتسخير اليسار لخدمة اليمين ووضع الشعارات الأممية والإشتراكية في خدمة السياسة الإمبريالية، وهو ما تورط فيه للأسف الشديد بعض الأطراف اليسارية التونسية .النتيجة الميدانية الأولى لهذه النزعة التسخيرية قد ظهرت بعد في تونس بالإفراج الإنتقائي عن العناصر الإسلامية التي أبدت استعدادها لخدمة مشروع التقزيم الشرق أوسطي، ولا نشك في أن بقية الثمار ستكون من نفس صنف هذه الباكورة الأولى.

 

إن التيار النقابي التقدمي يجدد رفضه لسياسة التقزيم والتسخير ويعتز بالتقائه في هذه الرؤية مع مجمل مكونات اليسار التقدمي في تونس.

 

فلنتكاتف جميعا لوقف هذه الهجمة فذلك في مقدورنا وهو، الآن، أكبر خدمة نقدمها لشعبنا المستهدف من فبل صقور الإستغلال الإمبريالي الجشع وغربان الظلامية الرجعية والمتخلفة.

 

عن « التيار النقابي التقدمي » CSP

هيئة تحرير « التجاوز »


 

 

حرية التعبير وحق الاحتجاج

 

أثارت حملة الاحتجاجات الدامية على الصور الكاريكاتورية، التي نشرتها في البداية الصحف الإسكندنافية ثم استعادتها نشريات أخرى بدعوى التضامن مع حرية التعبير، ردود فعل متباينة لم يخل أغلبها من النفاق المؤسساتي والكيل بمكيالين لدى كلا الطرفين. نحن لا نعتبر هذه القضية هامة في ذاتها بل نرى أهميتها في جملة الإسقاطات والتوظيفات والرهانات الخفية التي تضمرها، وعلى هذا الأساس إنما نهتم بها ونقدم موقفنا مما حدث.

 

1. الوقائع: الصحيفة التي بادرت أولا إلى نشر هذه الصور يمينية متطرفة وذات توزيع محدود. ولم تتورط الصحافة اليسارية يوما في ممارسات التهجين والتحقير والإستفزاز رغم تعرض مثـُلها ورموزها لتلك الممارسات من قبل الصحف اليمينية المبتذلة والفضائحية. إن الذين يروجون كتابة وصوتا وصورة لخطاب معاداة الأجانب والتصنيف العنصري للشعوب هم دائما من اليمين بدأ بهتلر وانتهاء بيورغهايدر ولوبان وبوش. على أن النشر الأصلي للصور قد مر دون أن ينتبه إليه أحد وهو ما يبينه تصفح أرشيف المواقع الإسلامية على شبكة الأنترنيت. عملية رد الفعل قد تمت في وقت متأخر وبتنسيق مشبوه لأطراف اليمين الديني في دول الشرق الأوسط، وهو أمر قد خطط  له وبوشر بتنفيذه بعد موسم الحج، أي بعد قمة الزعامات اليمينية في مكة. واللافت للإنتباه أيضا أن الجالية ذات الأصول المسلمة في البلدان الإسكندنافية لم تقم بأي رد فعل من تلقاء ذاتها، وقد أثبتت الدراسات الاجتماعية أنها غير معنية كثيرا بالموضوع، زيادة على أن خمسة بالمائة فقط من عناصرها من المواظبين على أداء الفرائض الدينية.

 

2. التزييف والتوظيف: نجحت مجموعات اليمين الديني الإسلامي في إقناع الناس بأن تصوير النبي وصحابته محرم في الإسلام على حين أن هذه الأمور المعتبرة من البديهيات ليست، بكل بساطة، صحيحة فقهيا ولا تاريخيا. إن تحريم التصوير بإطلاقه ليس مطردا في المذاهب الفقهية السنية، ولا في الدول التي تتبنى تطبيق الشريعة وتستعمل مع ذلك الصور في الصحافة ووثائق إثبات الشخصية والتلفزة. أما تصوير الرموز التاريخية للإسلام فليس مرعيا على الإطلاق في المذهب الشيعي. هناك كثير من الأعمال الفنية ذات الشهرة العالمية، وخاصة منها المنمنمات (وهي صور مصغرة وملونة كالأيقونات كانت الكتب تحلى بها) التي ازدهرت في المدرسة الفارسية والفارسية/المغولية تـُظهر صورة النبي والصحابة وقد كتب فوق كل منهم اسمه حسب الطريقة المعروفة لدى مصوري المنمنمات. وفي الصفحات الفنية للموسوعات العالمية التي توجد منها، طبعا، نسخ في المكتبات الجامعية والمختصة في تونس، تشتمل على هذه الصور، كما أن غلاف كتاب « محمد » للمؤلف الفرنسي ماكسيم رودنسون               يحمل على الغلاف صور الصحابة مكشوفي الأوجه وصورة النبي مغطى الوجه، وهناك أيضا صورة شهيرة جدا تظهر النبي وأبا بكر على جملين ومكشوفي الوجهين خلال رحلة الهجرة، كل هذا موجود ومعروف أو مفترض فيه أن يعرف لا أن يدارى ويعمى عليه.

 

3. الصور المحورة Caricatures: ليس لليمين الديني أن يحاججنا بعد ذلك بالقول بأن الإسلام، رغم عدم تحريمه التصوير، يحرم التصوير الكاريكاتوري. ليس له ذلك لأن الصور الكاريكاتورية، أصلا، ظاهرة حديثة برزت في إيطاليا خلال القرن التاسع عشر، ولم تصدر ضدها فتوى إجماعية،. وهذه الصور مستعملة من طرف صحافة اليمين الديني الإسلامي التي لا تتورع حتى عن التهجين والإستفزاز كمثل نشرها لصور بعض الحاخامين وهم يأكلون لحوم البشر وترويجها لصورة مركبة تظهر بوش في وضع معين مع بن لادن. المعاملة يجب أن تكون بالمثل، ومن يرضى بتهجين رموز الآخرين يجب أن لا تتجاوز احتجاجاته على تهجين رموزه حد إبداء الموقف الرافض بكل رصانة. وليس من المعقول مطالبة سلط دولة ما بمنع تهجين رموز الأقلية على حين أن رموز الأغلبية تتعرض لتهجين دائم وأشد حدة، فالصور الكاريكاتورية للمسيح ولمريم وبقية القديسين متكررة الظهور في الصحافة الأوروبية بل أن بعض أفلام الكارتون والبورنوغرافيا قد أنتجت عن مريم نفسها.

   

4. تزييف متناظر: لن تفلح قوى اليمين الديني الإسلامي في إقناع كل من له حظ من عقل وكل من يتروى قبل الحكم على الأشياء، بأنها تحترم الفن وحرية التعبير. نحن لم نسمع صوتها ولم نر احتجاجها حين قام الطالبان بتدمير تماثيل بوذا في باميان وهي أثر فني عالمي شهير لقي منذ العصور القديمة تنويها خاصا من المسلمين أنفسهم. حينها ظهر زعماء الظلامية على حقيقتهم وحرضوا على تدمير هذه التماثيل، وقال أبو حمزة في برنامج تلفزيوني بأن تدمير هذه التماثيل واجب إسلامي لمنع الناس من العودة إلى عبادتها وهو ما سيتحقق، حسب رأيه، قبيل ظهور المسيح الدجال. وساق أبو حمزة جملة من الأحاديث النبوية لتبرير موقفه. نحن لا نصنف الناس عقائديا ولذلك نرفض الإعتداء على رموز البوذية التي لا يقل عدد أتباعها عن المسلمين، كما نرفض الإعتداء على رموز أي مجموعة دينية أو عقائدية ولو كان أتباعها فقط بعض عشرات من أفراد قبيلة في أعماق الأدغال الإستوائية. ذلك أن حرية المعتقد، في عرفنا، مسألة مبدئية لا دخل للثقل العددي فيها.

 

ومن باب التزييف والكذب المخل بالكرامة الإنسانية، ما تزعمه السلط الغربية من أن احترامها لحرية التعبير يظل فوق كل اعتبار. نحن لا نرى لحرية التعبير هذه ولو ظلا باهتا حين يتعلق الأمر بمجرد البحث في أطوار المحرقة النازية. فحتى مجرد السعي، دون إنكارها كلية، إلى وضعها في حجمها الحقيقي وإماطة الأكاذيب التوظيفية التي أناطتها بها الدعاية الصهيونية ممنوع قانونيا، ومن يحاول إعادة النظر في المسلمات الصهيونية يزج له في السجن  بتهمة غريبة جدا وهي النزعة التنقيحية Révisionnisme والتشكيك في المحرقة، وكأن العلم الحديث برمته ليس قائما على الشك الديكارتي (آخر ضحايا هذا القانون مؤرخ بريطاني حوكم مؤخرا في النمسا). الدول الغربية تدافع عن هذا القانون، زاعمة أن التشكيك في المحرقة والنزعة التشكيكية في قراءة تاريخها تمس مشاعر أولياء الضحايا وبقايا الناجين منها. ولكن أين كانت هذه المشاعر الإنسانية المرهفة حين أقدمت السلط الفرنسية، مند عهد قريب، على إصدار قانون ينص على فضائل الاستعمار الفرنسي، قانون مرره اليمين الفرنسي، واحتج عليه اليسار متسببا في أزمة أدت إلى تدخل  رئيس الجمهورية الفرنسية ومطاليته بمراجعة القانون؟. وقريب هو أيضا إلى أذهاننا الحادث الذي جد في إيطاليا خلال شهر فبراير 2006: الجمهور النازي يحضر إلى الملعب وأفراده يكشفون عن رسومات الصليب المحضور موشومة على جلودهم، هذا على حين أن تعرية الجسم  في حد ذاتها ممنوعة  في الأماكن المكشوفة وتدخل تحت طائلة العقوبة بتهمة العري الاستعراضي. ثم حدث ما هو أفظع:  عمد الجمهور النازي الجديد  في كل مرة تصل فيها الكرة إلى أحد اللاعبين الملونين إلى إطلاق صيحات عالية تقلد زعقات القرود تذكيرا بالموقف النازي العنصري المعروف الذي يعتبر الزنوج والهجناء جنسا أدنى. وظهر النفاق البورجوازي أيضا في تعمد الصحافة الفرنسية والإسبانية إعادة نشر الصور الكاريكاتورية بزعم التضامن مع حرية التعبير، كما لو أنها قد استوفت كل القضايا، ولم يبق لها سوى المشاركة في حملة تهجين مرفوضة من أصلها. وازدواجية المقاييس هي التي جعلت برلسكوني يقيل وزيره الداعي إلى لبس قمصان طبعت عليها هذه الصور على حين أن إنتاج القمصان نفسه لم يتوقف. وقد ظهر مثل جذا النفاق منذ سنوات عندما عمدت شركة بريطانية إلى إنتاج ملابس داخلية  تحتية للرجال  تتضمن صيغة الشهادة الإسلامية بالخط الكوفي واعتبرت ذلك فنا. بالمقابل فإن السلط الإيطالية قد تدخلت لمنع ارتداء قمصان طبعت عليها صورة حزام الأمان لإيهام أعوان المرور بأن  السائق يستعمله: هنا وقع التدخل بكل سرعة حرصا على الأموال التي تجلبها  الخطايا المالية وتستدعيها الحوادث، إنه قانون المصلحة ليس غير.

 

ختاما نقول بأن التمسك بحرية المعتقد وحرية التعبير، ورفض تمييع القضايا والتهجين والصحافة الفضائحية مسائل مبدئية لا يتمسك بها سوى اليسار التقدمي الذي تمكن، في تونس بالذات من منع اليمين الظلامي من الزج بالأبرياء في مثل هذه المظاهرات وحال بذلك دون وقوع ضحايا على النحو الذي تم في العديد من البلدان الأخرى.

 


 

عــجـز، أم معجــزة؟

 

ملاحظات إقتصادية واجتماعية حول الواقع التونسي

 

تسوِّق أجهزة الدعاية المأجورة للنظام التونسي صورة معجزة تغذ السير نحو الإرتقاء بتونس إلى مصاف الدول الصناعية وتحضر لدخولها المقبل في شراكة على قاعدة التساوي مع الإتحاد الأوروبي. ويردد بعض السذج هذه المزاعم حيث يقول قائلهم أن النظام التونسي، رغم كل مساوئه السياسية والإجتماعية والثقافية، قد نجح في تحقيق الإزدهار الإقتصادي والأمن. حسنا! لن تتوقف هنا طويلا عند مسألة الأمن إذ حسبنا أن نشير إلى أننا، نحن أبناء تونس المفقرة والمبتزة والمكذوب عليها، ليس لنا ما نخاف عليه وأن هذا الأمن المزعوم ليس في خدمتنا بل هو موجه ضدنا في واقع  يشهد استشراء الإجرام وتفاقم العصابات المنظمة على أن الأمن الحقيقي فيه مجرد وهم. إن ما نريد تأمين نفسنا منه هو « الأمن » نفسه الذي يقمعنا عبر التحرش بكل الأصوات الحرة ويسلط علينا قمعا فكريا متواصلا عبر أجهزة  « الإعلام » التي قصمت نهائيا الصلة بين الواقع والخطاب.

***

لننظر الآن إلى حقيقة الوضع الإقتصادي والإجتماعي انطلاقا من الأرقام التي نقدمها المؤسسات الإحصائية المعتمدة عالميا.

 

1. نسب النمو:

بعد أن ظلت نسبة النمو الإقتصادي في تونس دون معدل الخمسة بالمائة خلال العشرية ما بين 1991-2000 تعرضت لانهيار سريع نتيجة هشاشة الإقتصاد التونسي الذي تأثر بجفاف سنة 2002، وبعواقب حرب الخليج 2003 وعملية جربة وانفتاح الإقتصاد الليبي بعد تصفية مشكلة لوكربي. وتبلغ نسبة النمو التونسي حاليا 1.9%، أي أنها أدنى من نسبة النمو في الجزائر (3.1%) والمغرب (4.5%) بل وأقل من نصف نسبة النمو الموريتاني (4.2%)، مع إن أيا من هذه البلدان لا تتبجح بأي معجزة[1]. وببلوغها هذا المستوى الضحل فإن نسبة النمو الحالية تمثل في الواقع رجوعا إلى الخلف لأنها غير كافية حتى لسد الفجوة الكبيرة في القدرة الشرائية نتيجة التضخم المتسارع، فهنا تحتل تونس فعلا الموقع الأول بين جاراتها بتضخم سنوي في حدود 3.1% على الأسعار عند الشراء (مقابل 1.4% في الجزائر مثلا). ورغم كون مفهوم النمو الإقتصادي العام مضلل في كثير من الأحيان لأنه لا يعكس التوزيع الطبقي للثروة العامة، فإننا، حتى إذا أخذنا به على علاَّته، نستطيع أن نلاحظ أن الإقتصاد التونسي يفقد على هذه الوتيرة 1.25% من قيمته الفعلية[2].

والواقع أن ما يخفف من الوقع المباشر للتدهور الإقتصادي، ويجعل أيضا تأثيره النهائي أشد تدميرا، هو ضعف نسبة النمو الديموغرافي، الذي بلغ حدا من التدني جعل تونس أقل تزايدا من فرنسا مثلا، رغم أن المعتاد بالنسبة لهذا المؤشر هو أن تكون نسبة النمو الديموغرافي أضعف في البلدان الرأسمالية المتقدمة منها في البلدان الرأسمالية المتخلفة. إن نسبة نمو السكان في تونس لا تزيد عن 1.1% سنويا، وهذا الرقم هو معدل السنوات الخمس الأخيرة (2000-2004) وهي نسبة أقل من الضروري لتحدد السكان، أي أن السياسة الكارثية للنظام تؤدي تدريجيا إلى إفراغ تونس من أهلها. وهذا ما تظهره أيضا نسبة الخصوبة (معدل عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة وهو يحسب باعتبار عدد المواليد وعدد النساء مابين سن البلوغ وسن اليأس)، وهو رقم لا يتجاوز حاليا 2.01 طفل/إمرأة (مقابل 5.79 في موريتانيا و2.75 في المغرب و3.02 في ليبيا و2.8 في الجزائر). والمعدل التونسي للخصوبة غير كاف لتجديد السكان حسب المعدلات التي يعتبرها كل الديموغرافيين بديهية خاصة إذا عرفنا أن نسبة وفيات الأطفال تبلغ 23.3‰[3].

2. مشكلة العنوسة:

يحاول المدافعون عن النظام استغلال هذا الرقم زاعمين إن السلوك الإنجابي المعتدل دليل على ارتقاء المستوى التعليمي للنساء ووعيهن بمقتضيات التنظيم العائلي. ولكن هذا غير صحيح عند تمحيصه، فنسبة أمية النساء عالية جدا في تونس (36% حسب الأرقام الرسمية المشتبه في صحتها[4]، وهذه النسبة لا زالت تتجاوز الخمسين بالمائة في المناطق الريفية)، وعدد الأطفال الذين تنجبهم فعليا النساء المتزوجات لا يزال، حسب تقديرنا، في حدود 5 أطفال/امرأة في الأوساط الريفية و3.5 أطفال/امرأة في الأوساط الحضرية، وهذا ما يمكن التأكد منه بالملاحظة المباشرة لعدد أطفال من يعرفهم القارئ من نساء تاخمن سن الخمسين. ما هو السبب إذا في تردي التزايد إذا طرحنا جانبا أكذوبة ارتقاء المستوى التعليمي للمرأة؟. إنه يكمن في أننا عند الملاحظة المباشرة نقتصر على النساء المتزوجات، والحال: أين هن هؤلاء النساء المتزوجات في مجتمع أصبح فيه الزواج رجاء صعب التحقق بل وأمنية مستحيلة على الفقراء نساء ورجالا[5]؟.

إن العنوسة هي السبب الحقيقي لضعف نسبة التزايد السكاني في تونس.

فالوضعية الديموغرافية لا تفسر إذا نفاقيا بارتقاء وهمي للمستوى التعليمي لدى الإناث، بل طبقيا بالتفقير الإدقاعي للجماهير، الأمر الذي جعل الزواج يتأخر ويتأخر وقد لا يأتي أبدا، ومن شأن ذلك أن يقلص من الخصوبة طالما أن الفتاة التي تصبح إمرأة[6] في سن الثلاثين أو بعدها (وهو أمر عادي جدا الآن) تكون قد خسرت بعد نصف عمر خصوبتها إذا حصرناه إجماليا في الفترة الممتدة ما بين 15 و45 سنة. لهذا السبب يتناقص عدد الأطفال، خاصة في ظل الثقافة الذكورية التي تسلط أشد العقوبات النفسية والمادية على الأمهات العازبات، والتشريعات التي لا تقدم أي دعم مالي للعائلة أحادية الوالد.

ولا بد هنا من التنبيه إلى بطلان التفسير الذي يقدمه الظلاميون وذيولهم لظاهرة العنوسة في تونس. فهم، كعادتهم، ينطلقون من مقدمات خاطئة ليصلوا إلى نتائج خاطئة أيضا. يقولون: سبب العنوسة هو كثرة عدد الإناث بالقياس إلى عدد الذكور، ثم يستنتجون: ليس هناك سوى حل واحد وهو السماح بتعدد الزوجات. يا لتعدد الكوارث في مثل هذا الخطاب!. فمن ناحية أولى ليس عدد الإناث بأكثر من عدد الذكور وما ينبغي له أن يكون، فعدد الجنسين كان على الدوام في كل مكان متوازنا، مع زيادة طفيفة لعدد الإناث ناتجة عن أن أعمار النساء أطول، إذ يزيد معدل أمل حياتهن حوالي خمس سنوات عن أمل الحياة لدى الرجال. أما إذا حسبنا عدد المرشحات للزواج مقارنة بعدد المرشحين له، فإننا سنجد تساويا في الغالب العام من مناطق البلاد، بل ونجد عدد الفتيات المرشحات للزواج أقل من عدد الفتيان في بعض المناطق الريفية وفي الجنوب التونسي بالخصوص، حيث تسري عادة تطليق الأثرياء لزوجاتهم بحلول سن يأسهن وإقبالهم على الإقتران بفتيات شابات. ويمكن، لمن شاء أن يفعل ذلك، مراجعة عدد السكان حسب معطيات معهد الإحصاء التي تقدم جداول بعدد الجنسين في كل ولاية على حدة وسيجد أن زيادة عدد الإناث على الذكور لا تصل حتى إلى حد 14/1 المفهوم بحكم تفاوت أعمار الجنسين كما أشرنا إليه أعلاه[7].

إن إصرار إخوان الظلام على ترديد دعايتهم الكاذبة ليس ناتجا عن جهل بحقيقة الواقع، وإنما هو منبثق عن مسبقاتهم الإيديولوجية العمياء. هذا على حين يعرف كل تلميذ بالتعليم الأساسي من خلال دروس العلوم الطبيعية إن احتمال ولادة ذكر أو أنثى من كل عملية إخصاب متعادلة تماما بحكم تساوي عدد الحيوانات المنوية الموسومة X أو Y. أي أنه لا يمكن، بلغة الإحصائيين، حساب احتمال ولادة أحد الجنسين إلا على أساس القانون الثنائي Loi binomial (=0.5 أي 50%).

إن الأسباب البيولوجية لا تفسر أبدا ظاهرة العنوسة ولا يمكن أن تؤسس في حالة تونس أو غيرها لاختلال في التوازن بين عدد أفراد الجنسين[8]. هناك عنوسة فعلا في تونس كما أن هناك، واقعيا، تعددا عرفيا للزوجات. ولكن الأمرين معا لا يفهمان بالطب أو الإحصاء بل بالإقتصاد السياسي لأنهما ناتجان عن ظواهر طبقية وليس عن حتميات بيولوجية. فالأسباب الحقيقية للعنوسة لدى الجنسين ترجع إلى تفاقم تفقير الطبقات الشعبية والإتساع المطرد في الهوة التي تفصل بين المداخيل الدنيا والعليا واهتراء القدرة الشرائية محسوبة بقيمة وقت العمل قياسا إلى الأساسي من السلع والخدمات[9]، هذا إضافة إلى البطالة وسائر الرتل الذي تجره وراءها دائما قاطرة البطالة، أي: التشتت العائلي والإجرام وانعدام السكن والإدمانات بمختلف أنواعها، إضافة إلى البؤس الجنسي الذي لا تمثل العنوسة سوى مظهره الأشد بروزا إلى جانب السياحة الجنسية والبغاء القانوني والسري. ولا بد من الإشارة أخيرا إلى أن السياحة الجنسية مسؤولة عن إختلال التوازن بين عنوسة الذكور وعنوسة الإناث. فعدد كبير من الفتيان يتمكنون، بحكم هامش الحرية الكبير المتاح لهم عائليا وتمييز التشريع الإسلامي لهم (للمسلم الحق في الزواج من غير المسلمة وليس للمسلمة الحق في الزواج من غير المسلم)، من عقد صلات مع السائحات ويرتبطون معهن بالزواج ثم يهاجرون إلى الخارج. وبما أنه ليس للفتيات نفس هذا المهرب فإن عدد العانسات يزداد بحجم ما تسرب من مرشحين من نفس الفئة العمرية الذين أخرجهم من الحساب ارتباطهم بالأجنبيات.

3. السياحة ومعوقاتها الهيكلية:

يعرف الجميع عن الإقتصاد التونسي تركزه على قطاع السياحة، بل إن بعض مأجوري النظام يتفاخرون بذلك، على حين أن تركيز أي إقتصاد على قطاع كالسياحة دليل على أنه لن تقوم له قائمة ونفي مسبق لكل إمكانية نمو مستديمة. ويتصور كثير من التونسيين عن حسن نية أن تونس بلد سياحي نموذجي بل ويعتقد البعض أنها أول بلد سياحي في العالم، وذلك تأثرا بعقدة التمركز حول الذات التي تسوقها أجهزة الإعلام الرسمية عن التونسي بوصفه الأذكى والأكثر حداثة والأشد قدرة على خلق الثروة من لاشيء.

والحقيقة المرة غير ذلك تماما. فتونس ليست البلد السياحي الأول وليست حتى من بين الأوائل، ففرنسا هي أول بلد سياحي في العالم، دون أن يكون اقتصادها مرتكزا على السياحة، وهناك الكثير من البلدان الأخرى التي تسبق تونس في القائمة ومنها الصين ومصر وإسبانيا. ويقول مزيفو الحقائق أيضا بأن تونس « تتمتع » بميزات أصيلة تجعلها بلد سياحة بإمتياز وبالضرورة، ولكن هذا أيضا غير صحيح وقد تفطن إليه الإختصاصيون منذ بداية الستينيات. ما هي هذه المميزات المزعومة؟ لنأخذ مثلا المناظر الطبيعية الخلابة، هنا ليس لتونس ما تزاحم به اليونان وتركيا وإسبانيا والمغرب وحتى التونسيون الذين سافروا إلى الخارج للسياحة أو التجارة يشهدون بذلك. هناك أيضا مزعم التنوع (بحر، جبال، صحراء) وهو موجود بحجم أكبر وروعة أشد في المغرب مثلا. الآثار؟ ليس لتونس ما يميزها مقارنة بالصين ومصر. ولكن كل هذا ليس بعد جوهر الموضوع فالسياحة، كصناعة، قائمة على المنافسة كغيرها من القطاعات، وليست الصناعة السياحية التونسية تنافسية بالمرة بحكم الخصائص الموالية:

أ. التخلف العام للبلاد:

تنشأ عن زرع قطاع إقتصادي حديث مكلف ومتطلب كالسياحة في صلب نسيج اقتصادي متخلف نفقات إضافية لا تواجهها البلدان المتقدمة، إذ تمثل التجهيزات المجلوبة من الخارج عنصر إعاقة مدمر لازدهار السياحة التونسية وتجهض مردوديتها. وتنضاف إلى ذلك الحاجة الدائمة إلى تبديل التجهيزات بفعل إهمال العمال سيئي الأجرة وندرة الإختصاصيين في الصيانة وقلة المزودين بقطع الغيار. وهكذا فإن متوسط مردودية سلم متحرك أو مصعد كهربائي أو محرك نافورة مياه أقل بكثير في تونس منه في إسبانيا، وقس على ذلك ثمن سائر التجهيزات الأخرى سواء كانت من نوع التجهيزات المعمرة كبيوت التثليج وآلات الغسيل والتنظيف والحراسة والسيارات أو كانت قصيرة العمر مثل معدات الرياضة المائية والألعاب على إختلاف أنواعها.

ب. المشكلة العقارية:

تضطر المؤسسات السياحية التونسية إلى دفع جزء كبير من مداخيلها لخلاص الديون المتخلدة بذمتها للبنوك العالمية المالكة الفعلية للفنادق، وينعكس ذلك على الفاتورة المقدمة إلى الحريف ويحد من وفائه. وإذا إستثنينا بعض المؤسسات العريقة في القدم في الحمامات وجربة بالخصوص[10]، فإن سائر الفنادق الأخرى مرتهنة للبنوك التي دفعت تسبقات للبناء والتجهيز. وليس الحال كذلك في إسبانيا مثلا، حيث تملك السلاسل العالمية للفنادق (شيراتون، هيلتون، ميريديان، وشبيهاتها) الفنادق الإسبانية أرضا وبناء وتجهيزات. وهي بذلك تمارس سياسة تسعيرية تضع المؤسسات التونسية خارج دائرة المزاحمة. والأمر نفسه يصدق على المؤسسات السياحية الجديدة المنبثقة عن انفتاح السوق في بلدان البلقان وخاصة المكونات السابقة ليوغسلافيا.

ج. الإعتماد المفرط على المناولة Sous-traitance:

أصبحت تونس منذ عقد ونصف تعول لجلب السياح على الشركات المتخصصة في الوساطة الخدماتية، وهذه الوكالات بدورها تعمل بالتنسيق مع شركات الطيران المنظمة لرحلات الشارتر. وهدف هذه الشركات هو بالأساس ملء طائراتها بالركاب ذهابا وإيابا حيث إن ربحها متأت عن ذلك، وهي، لتحقيق هذا الهدف، تضغط حتى الحد الأدنى على النصيب المخصص للخدمة الفندقية. مثلا: ظهرت في صيف 2005 عروض برحلات إلى تونس مع إقامة في المهدية لثمانية أيام وسبع ليال بما في ذلك خدمات نصف الإقامة في نزل من صنف الثلاث نجوم ومع النقل من المطار وإليه وخلاص المعاليم المستحقة للمطار، كل ذلك مقابل 269 يورو[11] لا غير. وإذا عرفنا أن ثمن تذكرة طائرة عادية لرحلة مفتوحة إلى تونس تفوق الخمسمائة يورو وحسبنا المصاريف المترتبة لشركة الشارتر عن كراء الطائرات وطاقمها، ونفقات الوقود ومعاليم الهبوط والإقلاع، فإن الراكب الواحد لا يمكن أن يقل نصيب ما يدفعه لشركة الطيران عن 200 يورو. وتبقى بعد ذلك 69 يورو هي كل ما يناله الفندق التونسي عن سبع ليال من الإقامة واستعمال التجهيزات. فتكون تكلفة الليلة الواحدة حوالي 15 دينارا بجساب أسعار الصرف، بما في ذلك ثمن الطعام حسب نظام نصف الإقامة، ومثل هذه الأسعار المطبقة في تونس لا تكفي حتى لخدمة الدين المترتب على الفندق وهي ليست حلا بل مجرد تأخير للمشكلة.

د. تغير نوعية الحرفاء:

السياحة التونسية كمية لا نوعية. فهي لا تجلب السياح الأثرياء وخاصة الشيوخ إلا بنسبة قليلة، على حين إنهم هم الصنف المربح لأنهم يتوفرون على إمكانيات مادية ضخمة ويتطلبون تجهيزات رفاه متميزة ومكلفة وينفقون كثيرا في المطاعم الراقية والمحطات الإستشفائية وفي استعمال سيارات الأجرة. أما أغلب السواح الذين يفدون الآن على تونس فيأتون في إطار رحلات منظمة من قبل مشغليهم على أساس اقتطاع التكاليف من أجورهم بالتقسيط. وهؤلاء السواح لا يجلبون معهم إلا الحد الأدنى من المال ولا ينفقون إلا ما ليس لهم منه بد. ويعرف كل من اشتغل في القطاع السياحي أو احتك به عن قرب، أن السائح الألماني كان، حتى عهد قريب، هو الحريف المدلل في تونس، ولكن السواح الألمان قد أصبحوا الآن عملة نادرة[12] حيث طغى عليهم عدديا سواح أوروبا الشرقية والسواح الجزائريون. ويروي المشتغلون في الفنادق حاليا حكايات غريبة تعكس خيبة أملهم في هذا الصنف الجديد من السياح. فهم يجلبون معهم من السوق كل ما يحتاجون إليه بما في ذلك الطعام والخمور والماء. وإذا صادف أن كان أحدهم « متورطا » في نظام نصف الإقامة فإنه يحاول التعويض عن خسارته بتهريب كمية كبيرة من الأغذية التي تقدم في المقصف Buffet خلال إفطار الصباح. وزيادة على ذلك فإن هؤلاء السواح لا يستخدمون التجهيزات المسعرة كالألعاب المائية مثلا ولا يشترون التحف أو البطاقات البريدية ولا يستقلون التاكسيات ولا يخطر ببالهم دفع الإكراميات Pourboires لخدم الفنادق.

***

وإذا إكتفى الإنسان بمراقبة سطحية للسياحة التونسية فإنه قد يعتقد بأنها في ازدهار نظرا لكثرة عدد ما يراه من سواح خاصة خلال فصل الذروة أي في الصيف، ولكن الجعجعة في الواقع كثيرة والطحين قليل. فكثير من السواح الذين تضيق بهم، مثلا، شوارع سوسة في الصيف آتون من الجزائر وأغلبهم يضرب موعدا في تونس مع أقاربه القادمين من فرنسا، ويتم الأمر عادة على النحو التالي: القادمون من الجزائر يجلبون معهم الأغذية والأغطية وما يلزم من تبغ والآتون من فرنسا يجلبون معهم المشروبات الروحية والهدايا، ولا يسكن الغالبية الفنادق بل يكترون بعض المنازل أسبوعيا أو شهريا، وهم بالنتيجة يمرون إلى جانب التجهيزات الفندقية على مختلف أنواعها ولا تربح منهم السياحة التونسية إلا تضخما في الأرقام كالورم الذي يوهم بالصحة وهو في الحقيقة دليل مرض.

وليس أدل على نقص مردودية هذا القطاع من أنه، رغم التوظيفات المشطة المسخرة له، لا يساهم في أحسن سنواته بأكثر من 8% في تركيبة الناتج الداخلي الخام PIB وهو مسبب رئيسي لعجز الميزان التجاري البالغ 2889 مليون دولار أمريكي تمثل ثلث قيمة الواردات. وهشاشة الإختيارات الإقتصادية هي التي تفسر أيضا ثقل وطأة الدين التونسي البالغ 10884 مليون دولار أمريكي يكون « نصيب » كل تونسي منها 1118.83 دولار أمريكي[13].

وهذا الدين كبير جدا حتى عند مقارنته بتداين الدول المجاورة، فساكن الجزائر مطالب بمبلغ 719.72 دولار وكل مغربي مطالب بمبلغ 564.07 دولار.

***

أخيرا نقدم الجدول الإجمالي التالي عن تونس.

 

المعطيات الأساسية عن الوضع الإقتصادي والإجتماعي والديموغرافي والثقافي والعسكري لتونس

 

المؤشر

وحدة القياس

القيمة

التزايد الديموغرافي

نسبة مائوية

1.1

السكان الريفيون

نسبة مائوية

33.8

معدل الخصوبة

طفل/إمرأة

2.01

وفيات الأطفال

نسبة ألفية

23.3

عدد الأطباء

طبيب/ألف ساكن

0.7

أمل التمدرس

سنة دراسية

14

نسبة طلبة الحلقة الثالثة

نسبة مائوية

21.7

عدد العناوين المنشورة

كتاب/سنة

1260[14]

القوات البرية

عدد الأفراد بالألف

27

القوات البحرية

عدد الأفراد بالألف

4.5

القوات الجوية

عدد الأفراد بالألف

3.5

الناتج الداخلي الخام PIB

مليون دولار أمريكي

61862

التضخم السنوي

نسبة مائوية

3.1

الدين الخارجي

مليون دولار أمريكي

10884

نسبة خدمة الدين إلى التصدير

نسبة مائوية

16.3

الواردات

مليون دولار أمريكي

9526

نسبة الواردات من الإتحاد الأوروبي

نسبة مائوية

71.2

الصادرات

مليون دولار أمريكي

6637

نسبة الصادرات إلى الإتحاد الأوروبي

نسبة مائوية

79.5

الميزان التجاري

مليون دولار أمريكي

– 2829

 


[1]  كل الأرقام الواردة في هذا المقال مستقاة من الدليل الإقتصادي الجيوسياسي العالمي، وهو مرجع رصين يتم تحيينه سنويا ويحظى باحترام الدوائر الأكاديمية. ويمكن لمن يريد التحقق من الأرقام الخاصة بتونس ومقارنتها ببقية البلدان الرجوع إلى:

 « L’état du monde 2004; annuaire économique géopolitique mondial », éditions La Découverte, Paris.

[2]  هذا الرقم هو حاصل الفرق بين النمو والتضخم.

[3]  كي يتجدد السكان طبيعيا (التجدد الطبيعي في عرف الديموغرافيين هو الذي يتم عن طريق تناسل السكان الأصليين وذلك لتمييزه عن التزايد الناشئ عن الهجرة) فإن معدل الخصوبة يجب أن يكون 2.2 أطفال/إمرأة، والإثنان هما لتعويض المرأة وقرينها والخمُس الباقي للتعويض عن الإناث العواقر واللاتي يمتن قبل بلوغهن سن الإنجاب، وتدخل في حساب هذه النسبة اعتبارات متشابكة تشمل وفيات الأطفال وأمل الحياة والخصائص الثقافية للسلوك الإنجابي.    

[4]  يزيف النظام التونسي نسب الأمية بتخفيضها للحصول على دعم المؤسسات الدولية، وخاصة اليونسكو، ويتلاعب حتى بتعريفها (الأمية علميا هي عدم المعرفة بالقراءة والكتابة والعمليات الحسابية الأربع وعدم القدرة على تحديد الذات في المجالين الزماني والمكاني، وهي، في عرف النظام التونسي، نسبة الأشخاص الذين انقطعوا عن التعليم قبل الصف الإبتدائي السادس وغير الحاصلين على شهادة محو الأمية). ونسب الأمية المعلنة أقل من حقيقتها في جميع أنحاء العالم، حيث أن الإختبارين الأجدر بالثقة هما اللذان يجريان على الذكور عند أداء الخدمة العسكرية وعلى الإناث عند قبولهن في مراكز رعاية الأمهات، وأظهرت هذه الإختبارات أمية عشر السكان في بلدان مثل فرنسا، وليس من السهل أن يقر أي كان بأميته حيث أن كثيرا من الأميين يستعملون، لحجب أميتهم، خزعبلات شتى يصعب كشفها.

[5]  في ظل تشدد النظام تجاه الدراسات الإجتماعية الكفيلة بكشف تردي الوضع وتضييقه على الباحثين، ننصح دائما باستعمال المراقبة المباشرة. مثلا: يمكن مقارنة عدد المتزوجات بغير المتزوجات ممن يعرفهن القارئ في العائلة أو الحي من نساء ما بين سن العشرين والأربعين ويضاف إلى غير المتزوجات المطلقات والأرامل، عدا الأمهات منهن.

[6]  بالمعنى المدني لا الفيزيولوجي.

[7]  لماذا 14/1؟ هذا الرقم يأخذ بعين الإعتبار الإختلال الهيكلي في هرم السكان عند القمة لصالح النساء، وبما أن معدل أمل الحياة في تونس 70 سنة ومتوسط تجاوز أعمار الإناث لأعمار الذكور يقع في حدود الخمس سنوات أي 14/1 من 70، فإن تفوق عدد الإناث على الذكور بنفس النسبة لا ينعكس في شيء على التوازن بين عدد المرشحين للزواج من الجنسين لأنه يهم فئة عمرية تجاوزت بكثير سن اليأس.

[8]  هذا يظل صحيحا دون استدراك بالنسبة لعملية الإخصاب الطبيعية، ولكن احتمال إحداث الإنسان لخلل بين نسبة الجنسين وارد في ظل الثقافة الذكورية إما بإجهاض الأجنة المؤنثة بعد الكشف بالصدى، أو بالتلقيح الإصطناعي بعد فرز الحيوانات المنوية مخبريا بواسطة الطرد المركزي. وهذه الحالات ليست نتيجة تخيلات جامحة لبعض علماء المستقبليات بل هي واقع إجتماعي يشغل السياسيين والمشرعين في بعض البلدان كالهند، وليس من سبيل لمقاومته إلا بتبني الثقافة التقدمية التي تؤمن بالمساواة بين الجنسين، وهو حتى إذا تحول إلى واقع في تونس أو غيرها لن يقدم حجة جديدة للظلاميين بل سيربكهم أكثر إذ يفتح الباب أمام المطالبة بتعدد الأزواج لمواجهة الإختلال الحاصل.

[9]  المقياس الأصح للطاقة الشرائية هو الذي يربطها مع وقت العمل اللازم للحصول على سلعة أو خدمة ما، مثلا كم ساعة يجب أن يعمل صاحب الأجر الأدنى ليحصل على ثمن حذاء متوسط النوعية أو ليكتري كذا مترا مربعا أو ليقتطع اشتراكا شهريا في وسائل النقل العمومي…إننا نحيل بهذا الصدد على المقال الذي نشره الأستاذ جورج عدة في جريدة « الشعب » وأظهر فيه تدهور القدرة الشرائية الفعلية للدينار التونسي. وهذا الأمر معروف لدى جمهور المستهلكين ولكنهم يعللونه خرافيا بأن « البركة طارت » من النقود، قولوا لنا: أين حطت بعد ذلك؟.

 [10] وحتى هذا يظل محل استدراك فمركب فنادق « دار جربة » وهي من بين المؤسسات السياحية القديمة ليست الآن في أيد تونسية.

 [11] راجع، على شبكة الأنترنت، نموذجا لهذه العروض في الموقع: www.promovacances.com.

[12]  حدث نفور كبير للسواح الألمان من تونس بعد موت 14 من مواطنيهم في عملية الغريبة بجربة (أفريل 2002)، وتمارس الوكالات السياحية وشركات التأمين الألمانية حاليا سياسة انتقامية ردا على محاولات النظام التونسي تضليلها إثر موت حرفائها.

[13]  عدد سكان تونس يبلغ 9728000 ساكن.

[14]  تدخل ضمن هذه العناوين الكتب المدرسية، والإحصاءات التونسية لعدد الكتب المنشورة غير منتظمة ولذلك اعتمدنا آخر رقم متوفر وهو يخص سنة 1999.

 

 

في سوسيولوجيا أسباب
انتشار ظاهرة الكلام البذيء)

 

جابر القفـصي

(الجزء الثالث)

 

هذه دراسة سوسيولوجية حول ظاهرة متفشية في تونس  و قد زادت اليوم استفحالا مع تهميش الشباب و ميوعته و تسطيح وعيه( نقدمها في خمس حلقات)

/ التخلّف الثقافي اللغوي والنفسي و انتشار الكلام البذيء.

 

       إنّ  عدم إعتزاز الناس و التزامهم  بلغتهم و  قيمهم و ثقافتهم و دينهم هو جوهر التخلّف الثقافي اللغوي  و الفنسي . يقول  الدكتور محمود الذوادي في كتابه « التخلّف الآخر ».

[1]فالتخلّف ليس اقتصاديّا و مادّيا فقط  ، بل هناك نوع آخر من التخلّف ربما أعتى و أشد ألاو هو التخلّف الثقافي و اللغوي و الاخلاقي والنفسي. إنّ تقليد الناس و انبهارهم بلغة و ثقافة المستعمر الاجنبي و احتقارهم لهويتهم و أصالتهم يجعلهم يعيشون نوعا من الغربة عن واقعهمو نوعا من الانفصام في الشخصية و تحقير الذات و عدم القدرة على الفعل الحضاري   

     فهذا الجو  من التخلف الثقافي و النفسي هو الارضية الخصبة للتخلّف المادي و الصناعي و الاقتصادي ،باعتباره يولّد ما يمكن أن نسميه بلغة التحليل النقسي « عقدة الخصاء »

le complexe de castration   والشعور بالعجز و الاحباط  و جلد الذات[2] ولعن كل ما هو  محلّي و عربي حتى أصبحت كلمة « خدمة عربي »و « عرب »ترادف التخلّف و التأخر و الانحطاط.

      إنّ استعمال الكلام البذيء و سب الجلالة أثناء الحديث و التخاطب مع الاخرين  يدل في الحقيقة على عقلية متخلفة لا تحترم الآخر و لا تعترف به  ككائن مختلف ربّما يرفض السماع لمثل هذه  اللغة خاصة إذا كان برفقة عائلته و أبنائه.فهو سلوك يفتقر إلى أبسط قواعد الحياة المشتركة و الاحترام المتبادل و السلوك الحضاري، وهو في آخر المطاف دليل على المستوى الاخلاقي الحقيقي لصاحبه مهما كان  مركزه و شهائده.

 

     فالكلام البذيء يندرج  أيضا في سياق سد الفراغ السحيق الذي يتركه غياب ثقافة حقيقية واعية و هادفة و ملتزمة و مفيدة

و الافتقار إلى طريقة في الكلام نظيفة و محترمة و متحضرة و معبّرة، نتيجة التأثر بما هو سائد بصفة سلبية و لا  مبالية و عدم السعي لتجاوزه و استبداله بما هو أحسن و أرقى.

      كما أن هذا التخلّف اللغوي و الأخلاقي و القيمي ،المتمثل في الكلام البذيء، يخفي

وراءه تخلّفا نفسيا[3] إجتماعيا واضحا. إذ لو كان الإنسان ذو شخصية قوية  و صاحب مبادئ في الحياة لما لجأ إلى تقليد ما هو سائد و التأثر به بصفة عمياء، حتى لا يشعر أنه مختلف عن الآخرين  و مهمش و أنه فقد إحساسه بالاعتبار و الحضوة عند المجموعة التي  يخالطها، و أنه لو تكلم لغة نظيفة و لا سيما بالفصحى سيقع حتما السخرية منه و استبلاهه. فهناك طرق أخرى  مبدعة و مفيدة يمكن أن يفرض الانسان  بها نفسه  و يحضى بالمكانة اللائقة و الاعتبار الحسن ، خاصة اذا كان  غير مقتنع بمثل هذا النمط من الكلاو في قرارة نفسه ، فما عليه إلا أن  يعرف من يصاحب و مع من يجلس و في أي مواضيع يتكلم.

    و تفيد الملاحظة المدققة أن هناك فئة من الناس تلجأ عن قصد لاستعمال كلمات بذيئة في حديثها لتضلل الآخرين  و لا سيما السلط و المتعاطفين مع الحزب  الحاكم  و يظهروا بمظهر الناس العاديين

[4] البعيدين كل البعد عن التزمت و حتى التدين لا سيما في سنوات  الجمر  في التسعينيات حيث  سادت نزعة استئصال كل ما له علاقة بالتدين عند الشباب. فكأنما أصبح  الكلام البذيء علامة المواطن الصالح و دليل عن الاستقامة[5]. هذا و قد ضاعف من هذه الوضعية جهل الناس عامّة و عدم وعيهم  بقيمة لغتهم و دينهم و أخلاقهم كمقومات أساسية لهويتهم الحضارية و كيانهم الجماعي. فكيف يمكن إذن أن تطلب من شعب أن يقاوم التبعية و الاستعمار الثقافي و الاقتصادي …و هو غير قادر على عقل لسانه و التحكم في سلوكه و توجيهه إلى ما هو بنّاء و مفيد.

 

   و لكن التخلّف الآخر ليس نابعا  فقط من علاقتنا المضطربة بذواتنا و رموزنا الثقافية ، و إنما  أيضا في علاقتنا مع الآخر ، مع الغرب المستعمر الذي يمثل الأستاذ المتقدم  مصدر الحضارة  و التقدم و المدنية. فظاهرة الكلام البذيء ، إضافة إلى علاقتها التاريخية بمجيء الاستعمار،  تستمر اليوم في  نفس الإطار،إطار التقليد للغرب و تمثل قيمه و سلوكه لا سيما التي تدعو للتسامح و التفتح و الاختلاط و الإباحية و التمتع بالحياة بلا حدود

و لا ضوابط[6].

   

      لا شك أن هذا التفسير يبدو

لأول وهلة مسقطا و مفروضا فرضا على الموضوع و ربما يندرج في إطار العقلية التآمرية التي تضع دائما وزرنا و مصائبنا على الآخر، و لكن إذا حاولنا تجاوز الوصف و الملاحظة السطحية المتسرعة و الانتقال إلي تحليل الخلفيات العميقة لهذا السلوك الاجتماعي ، فإننا سنجده  تفسيرا مشروعا و له ما يبرره  .فلا أحد ينكر اليوم مدى تأثير نمط الحياة الغربية الذي أصبح قالبا جاهزا un modèle stéréotypé      قابلا للتسويق في كلّ مكان. فالقيم   تتأثر بالإطار العام للحياة الاجتماعية و هي ليست شيئا مفروضا على المجتمع  من الخارج و لا يتأثر بالظروف التاريخية [فيشر]. فحياتنا اليومية و سلوكنا ونمط تفكيرنا  يتميزون بنسبة كبيرة من التقليد الذي هو كما يعرفه غابريال طاردGabriel TARDE  صيرورة اجتماعية أساسية ، ذات خصائص ديناميكية و انتقائية مؤثرة في تغيير سلوك الفرد و المجتمع[7]. و من دون شك فإن التطور الهائل لوسائل الإعلام المرئية ووجود الفضائيات في كلّ بيت و نمو السياحة  و تطور مفهوم الترفيه عند التونسي و تردده على النزل و النوادي الليلية و قدوم عمالنا المهاجرين بالخارج و ما يجلبوه معهم من أنماط سلوك و تفكير  و قيم أجنبية…كلّ  هذا يجعل من الغرب نموذجا مثاليا رائعا في لا وعينا الجمعي.

 

     هذا بالإضافة إلى كون الغرب ليس كله قيما سلبية،بل نجد فيه أيضا الديمقراطية  و حقوق الإنسان و العقلانية. فكلّ منا يجد في الغرب ما يبحث عنه  و لعل هذا ما يفسر تكالب الجميع ، بما فيهم المثقفين و الإطارات، على الهجرة للبلدان الغربية و خاصة الشباب الذي يغامر بحياته في  قوارب الموت ضمن ما يعرف ب »الحرقان  » أو السفر بدون تأشيرة. فصورة الغرب عند كثير من الشباب و حتى الكهول هي صورة وردية طوباوية حالمة و فاتنة ، و كأنّه الجنة على الأرض تستحق أن يضحي الإنسان  من أجلها بالغالي و النفيس.

    و كما يقول ابن خلدون ، فإن المغلوب مولع دائما بتقليد الغالب، فنحن تستهوينا العلاقة  المتحررة و المباحة بين الذكر و الانثى كما نشاهدها في الافلام و الالعاب  و البرامج التنشيطية و الومضات الاشهارية خاصة في القنوات الفرنسية [باعتبارها الاكثر مشاهدة عندنا نظرا لعلاقتنا التاريخية و الحميمية بلغة المستعمر] و حتى العربية.    بل إن     انتشار أجهزة الالتقاط الرقمية و ما فيها من قنواة إثارية و اباحية  متخصصة زاد من حدة هذه الظاهرة  لا سيما عند المراهقين و أثر حتى على مردودهم الدراسي

[8]

 

     فكثرة مشاهدة هذه المواقف السلوكية المتسيبة و المتحررة يجعلها تصبح في أعيننا عادية و مألوفة ،بل مستحبة و مرغوب قيها، ف »الالف يذهب العجب ».كما يقول المثل العربي . و هكذا يقع استبطان مثل هذه القيم  على  مستوى اللاشعور  و تصبح  غير مدانة و غير محرجة

[9] ، و ينعدم و يموت شيئا فشيئا الشعور بالخجل  و الحياء و الإحراج من كلّ  ما هو جنسي و إثاري و محرّم.tabou [10].و نجد  المبررات الموضوعية لتناوله بكل الوسائل المتاحة سواء باللباس المثير عند الانثى باسم الموضة أو بالتعبير الشفوي اla )pornographie verbale( .     الإباحي عند الرجل باسم الحرية الشخصية

 

     و على كل حال ، فإن كان الكلام البذيء موجودا قبل مجيء الاستعمار و قبل  الفضائيات و الثورة الاتصالية …،فإن  خصائص الواقع المعاصر و تقلّص المسافات بين الامم، أعطاه نفس جديد و أبعاد جديدة و ذهنية جديدة و جعله ينسجم مع قيم الحداثة و رد الاعتبار للجسد و للمتعة الجنسية و الميل الى التحدي و التمرد على ما كل ما هو سلطة أخلاقية أو اجتماعية

[11] .و هذا بدوره ينسجم مع قيم الفردانية  و الاستهلاك و التمتع بالحياة و في كلمة تقليد الغرب و تمثّل لغته و قيمه بكل صخبها و رفاهيتها  و حريتها و اباحيتها.

 

                                                                           

   ‘( يتبع)


[1]  د. محمود الذوادي .ص.5

[2]  د.محمد عابد الجابري  » الخطاب العربي المعاصر » دار الطليعة بيروت 1982 ص.37  مثلما دعا الى ذلك رواد الفكر اللبرالي العربي :سلامة موسى و ظه حسين  و ملخص رأيهما  » إذا أراد العرب التقم فعليهم إتباع الغرب بحلوه و مره » أي الانتصار على القرون الوسطى التي في حياتنا و عدم العودة الى الماضي. سلامة موسى « ما هي النهضة  » دار الجيل للطباعة و النشر القاهرة ص.116 و 130

[3]  د.محمود الذوادي .ص 71  » إن الشخصية المضطربة تؤثر هي الاخرى على مستوى القيم . بحيث أن الشخصية التي تشكو من صراع القيم تصبح بنيتها أكثر تفككا و من ثم أكثر استعدادا لتسرب القيم الاجنبية إليها…و هذا يؤدي بها الى حالة من التذبذب  على مستوى الانتماء الثقافي  قد يقود الى ما تسميه M. MEAD  » المتاجرة بالهوية »  أي  مساومة الافراد على شخصيتهم الجماعية  من أجل التخفيف من الشعور بمركب النقص  »  ليظهر ـ في هذه الحالة ـ [موش معقد و مودرن و متفتح]

[4]   و هذا السلوك ينطبق عليه مفهوم  الاصلاحية la conformité  كما يعرفها  Gustave Nicola FISCHER : »Les concepts fondamentaux de la psychologie sociale »   Dunod  1995 ص.71  و هي تعني تغيير نسبي في المعتقدات  أو في السلوك  يستجيب بواسطته الفرد الى الانواع المختلفة من ضغوطات المجموعة ، عبر محاولة التوافق مع القيم السائدة  بتبني سلوك مقبول من طرف هذه المجموعة.

[5]  و هذا يذكرنا بمفهوم الانوميا عند دوركايم  و مفهوم اللانمذجة عند  دوفينو

[6]  د. عبد الوهاب بوحديبة يسمي هذا ب صيرورة الاباحية و التساهل الاخلاقي le processus de la permissivité morale

[7]  إن التقليد بالنسبة ل Gabriel TARDE (1903)   هو صيرورة إجتماعية أساسية ، ذات خاصية ديناميكية و انتقائية  و لا  يمكن تعريفها فقط على أنها مجرد استنساخ  لسلوك الاخرين..إنها تحويل لسلوك فردي الى سلوك إجتماعي.  المرجع.59.ص. 61

 

[8]  السيد ليونال جوسبان عندما كان وزيرا للتربية في 1989 كان دائما يحذر من الاثر السلبي للتلفزيون على تلاميذ المعاهد  و ما يسببه من نقص في ساعات النوم و ضعف المردود الدراسي.

 

[10]  إن مقولات « الشنقة مع الجماعة خلاعة » و  » الالف يذهب العجب » …تؤكد  ما يسميه بورديو l habitus   حيث يأخذ الفرد من المجموعة  أنماط سلوك و ممارسات غريبة تصبح بالنسبة إليه شيئا فشيئا عادية و نمو>جية

[11]   بل إن علم الاجتماع المعاصر و فكر تيار ما بعد الحداثة أصبح لا يهتم بالاحداث التاريخية الكبرى و إنما باليومي و التافه في نظر الجهات الرسمية و المهمش و العادي و المعيش.

 


هل يجوّف توسع الاتحاد الأوروبي معنى الشراكة المتوسطية

حسن جابر 

 

برزت الشراكة الأوروبية المتوسطية كإفراز طبيعي لحدثين مفصليين استهل بهما عقد التسعينات من القرن المنصرم وهما: انتهاء الحرب الباردة وظهور الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة لا تضاهيها دولة لا بل حتى عدة دول مجتمعة من أوزان فرنسا والمانيا وبريطانيا، هذا التحول وضع الأوروبيين أمام حقائق مرة لا يسهل تجرّعها فكان لا بد من رسم استراتيجيات موزاية منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر؛ الشراكة الأورومتوسطية.

غير أن الخلافات بين ضفتي الأطلسي تركت تأثيرات مختلفة تأتي في مقدمتها المواجهة على المتوسط، من هنا كانت الدعوة للمتوسطية الجديدة تعبيراً عن رغبة أوروبا « في جعل المتوسط بحراً أوروبياً لا بحراً أميركياَ؟ » هذا لا يعني أن الخلافات مع الولايات المتحدة هي التي أملت رسم مسار أوروبي خاص إزاء دول المتوسط وفي مقدمتها الدول المغاربية، فثمة عوامل أخرى مؤثرة وخطيرة فكانت تلح في صياغة نوع من العلاقة الخاصة منها:

 

أ ـ تصاعد المد الاسلامي في كل من مصر وتونس والجزائر والذي قاد الى انفجار أزمة في الجزائر وامتعاض أوروبا من اقتصار دورها كممّول، فقط، في عملية السلام الجارية في منطقة الشرق الأوسط واستمرار تدفق المهاجرين غير الشرعيين من شمال أفريقيا، في صورة رئيسية ، إلى أوروبا، التي باتت تعتبر النمو الديموغرافي المغاربي وتزايد الهجرة غير الشرعية، من التحديات الكبيرة التي تواجه دول الاتحاد الأوروبي.

 

ساهمت مناخات معينة في انطلاق الحوار الأوروبي ـ المتوسطي بزخم استثنائي، بعد أن شرع الطرفان في حوار متثاقل مع حرب تشرين عام 1973، فقد جاءت الانطلاقة بعد سقوط جدار برلين وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام، وكان الخطاب الأوروبي قد بدأ يتحدث عن التحولات التاريخية المليئة بالفرص والمخاطر في كل من الشرق الأوروبي والجنوب المتوسطي.

بالنسبة لأوروبا، يشكل المتوسط فضاء توسعها الطبيعي، فهو بمثابة الحديقة الخلفية لها فضلاً عن أنه يمكّنها مع أوروبا الشرقية (التي انضّم معظمها الى الاتحاد الأوروبي) من توطيد محيطها في اطار المنافسة الدولية مع التكتلات الاقتصادية العملاقة.

 

لا شك أن الشراكة الأوروبية ـ المتوسطية توفّر حوافز مالية لمشاريع التعاون الاقليمي كمشروع خطوط أنابيب الغاز التي تمر في عدة بلدان وتربط بين الجزائر وتونس وايطاليا وبين الجزائر والمغرب واسبانيا، غير أنها لا تعطي مردوداً كبيراً ان لم تعضد بمنطقة حرة بين دول الجنوب، تسهم في تحرير العلاقات التجارية المغاربية الداخلية. فاتفاقية الشراكة تشدد على ضرورة تحرير التجارة وازالة كل العوائق الخاصة بالاستيرادات الصناعية الأوروبية وتؤكد على ضرورة تنسيق وتوحيد القواعد والمعايير، وكان الهدف هو الغاء كل ما من شأنه أن يشوّه لعبة السوق. لقد كانت اتفاقيات الشراكة واعدة لجهة حاجة الطرفين أمنياً وسياسياً وديمغرافياً، للتعاون البعيد، خصوصاً أن الجغرافية، في هذا الاطار، تلعب دوراً حاسماً في الحرص على العلاقات وتنميتها، إلا أن البداية المطمئنة التي باشرتها الأطراف لم تستمر كذلك، فقد ترك التوسع الكبير للاتحاد الأوروبي، اسبانيا وايطاليا أولاً، ثم انضمام دول شرق أوروبا، آثاراً سلبية على التبادل التجاري. فقد تراجع معدّل الصادرات المغاربية إلى أوروبا بنسب عاليه وخصوصاً في الفاكهة والخضار، وذلك لتقدم مصلحة الدول الجديدة المنضوية في الاتحاد على سواها بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي.

 

وفيما يخص الهجرة التي كانت مُقننة بموجب اتفاقيات بين الحكومات الفرنسية وحكومات دول المغرب لتنظيم حركة اليد العاملة، فهي تشهد حالة انحسار بسبب المخاطر الأمنية والتدفقات غير الشرعية فضلاً عن عامل حاسم، في هذا المضمار، وهو تدفق اليد العاملة القادمة من أوروبا الشرقية والتي تبقى لها الأولوية باعتبار رعاياها (أي أوروبا الشرقية) هم رعايا دول الاتحاد. ولكن، يبقى السؤال هل ستتخلى أوروبا عن الهجرة من الجنوب في ظل تراجع معدلات الخصوبة عند النساء (1.4 طفل) كمعدل إنجاب وسطي؟

 

سؤال تستلزم الاجابة عليه دراسة مستقبل الصناعة في أوروبا وحاجتها الفعلية لليد العاملة وطبيعة تلك اليد التي قد تقيد بشروط صعبة لوضع حد للعمالة العشوائية لمصلحة الكادرات الفنية والمدربة والعقول العلمية القادرة على رفد الحركة العلمية بديناميات جديدة، شأن أوروبا في ذلك شأن الولايات المتحدة التي نجحت في استقطاب نسبة 74 % من العقول العلمية الوافدة من العالم الثالث.

 

اذاً، بعد ثماني سنوات من توقيع اتفاقية برشلونة، يبدو ما تحقق من انجازات بين ضفتي المتوسط، متواضعاً، وربما هزيلاً في بعض المجالات »، وهو لا يسمو الى ما تضمنته اتفاقية الشراكة من طموح. لكن السؤال الذي يطرح بمشروعية هل ستجني دول المغرب العربي ثمار تلك الشراكة اذا لم تحدث طفرة في اقتصادياتها وأنظمتها السياسية؟

 

الكتاب: المغرب العربي ومأزق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

الكاتب: توفيق المديني

الناشر: المركز المغاربي للبحوث والترجمة – بيروت 2004

 

(المصدر: صحيفة المستقبل اللبنانية – الخميس 23 آذار 2006 – العدد 2217 – رأي و فكر – صفحة 19)


أولمرت وريث الشارونية يطلق « القبضة الحديدية »

توفيق المديني (*)

 

تعتبر السياسة التي أطلقها رئيس الحكومة “الاسرائيلية” بالوكالة ايهود اولمرت منذ شهر، والتي باتت تعرف بسياسة “القبضة الحديدية” متماثلة مع سياسة سلفه آرييل شارون.فقد أصبح أولمرت خلال بضع سنوات الرجل الأكثر وفاء لشارون، ويجري الآن تكريسه كوريث شرعي رسمي لشارون وكرمز للشارونية واستمرارها. وقبل أقل من أسبوعين على الانتخابات التشريعية “الإسرائيلية” يراهن أولمرت على كاديما: التشكيلة السياسية الأوفر حظا بالفوز فيها، والتي أصبحت مكلفة بحمل المشروع الشاروني إلى الوسط، مادام الليكود لا يملك الرغبة بالسلام وحزب العمل لا يملك القدرة على تحقيق السلام، أما الشارونية التي يجب تعزيزها ومنع انفراطها من خلال كاديما فهي تملك مزيجاً من الرغبة والقدرة، وهو المزيج الممكن للخروج من الأزمة والمأزق. وهي المعادلة القائمة حالياً في إدارة الجمود في عملية السلام.

 

أولمرت،ووزيرة الخارجية تسيبورا ليفني، ووزير الأمن الداخلي تساهي هانيغبي، وأوزي لا نداو، يلقبونهم في الكيان الصهيوني ب”أمراء” اليمين الصهيوني التاريخي، وكلهم، وزراء لليمين في السلطة، أو كانوا فيها. إن زعماء كاديما الآن، هم أبناء المسؤولين السياسيين في المنظمات الصهيونية الأرغون وشتيرن “الإرهابية” والذين أسهموا بفاعلية في خلق الكيان الصهيوني، وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه عام 1948 وهؤلاء الزعماء هم الذين قدموا الكوادرلليمين الصهيوني المتطرف الذي يقود الدولة الصهيونية منذ العام 1977 كلهم يتحدرون من القالب الإيديولوجي عينه لليمين الصهيوني المتطرف. فقد كانوا من أنصار “إسرائيل الكبرى”، ومن المناهضين بشدة لاتفاقيات أوسلو (1993) التي تنص على “الاعتراف المتبادل” بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومن المعادين لقيام دولة فلسطينية، ولا يزالون.

 

والحال هذه، فإن هذا حزب كاديما في لحظة تأسيسه التنظيمي “الاستقلالي” عن الليكود، وفي استعداده للفوز في الانتخابات التشريعية التي ستجري يوم 28 مارس/ آذار الجاري، يستغل الإجماع الدولي، والحماسة الأمريكية خاصة، حماسة تعززها علاقات التعاطف الإيديولوجي وتشابه النظرة الاستراتيجية لعناصر ومحددات الصراع العربي “الإسرائيلي” وللتسوية الممكنة، عند كل من الرئيس الأمريكي جورج بوش وشارون وكذلك تعززه العلاقات الشخصية بين الاثنين، لإنقاذ الشارونية كحصان الرهان لإدارة تسوية الصراع العربي- الصهيوني. ويستغل رئيسه أولمرت انهماك إدارة الرئيس بوش في إدارة الحرب الأهلية في العراق، على عتبة الذكرى الثالثة للغزو الأمريكي لهذا البلد العربي، وفي ممارسة الضغوط بكل قواها لحمل مجلس الأمن على فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، ولحمل العرب والعالم على عزل “حماس” ومعاقبة الفلسطينيين لأنهم انتخبوا الحركة في انتخابات شهدت أمريكا أنها حرة ونزيهة، للقيام بعملية عسكرية “اسرائيلية” واسعة في سجن أريحا استهدفت الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات وأربعة من أعضاء الجبهة المتهمين باغتيال وزير السياحة الصهيوني رحبعام زئيفي عام ،2001 والمسؤول المالي في الأمن الوطني اللواء فؤاد الشوبكي المتهم بتمويل سفينة السلاح “كارين أيه” التي تدعي “اسرائيل” انها كانت موجهة من ايران الى قطاع غزة.

 

العملية العسكرية ضد سجن أريحا، تأتي منسجمة مع السياسات الأمريكية والصهيونية شبه المتطابقة التي تطرح الاستسلام والحصار والعزلة، وحتى الموت، على كل المعارضين للسياسات والاستراتيجيات الأمريكية والرافضين للخضوع لها، والمصرين على تبني خيارات اخرى غير تلك التي يطرحها التحالف الأمريكي الصهيوني. كما أن العملية تعكس التصرف الصهيوني الهمجي الذي يعتمد الإرهاب والقوة العسكرية الفظة لتحقيق أهداف وطموحات سياسية عامة أو شخصية. كما أن الهجوم على سجن أريحا، قبل أسبوعين من الانتخابات البرلمانية في الدولة العبرية، ذكر العرب والفلسطينيين بخطوات عسكرية أخطر أمر رؤساء حكومات سابقون بتنفيذها عشية انتخابات برلمانية ابتغوا منها تحسين مواقعهم وأحزابهم في صناديق الاقتراع، مثل قصف مفاعل “تموز” النووي العراقي عام ،1981 ومجزرة قانا عام 1996 بأمر مباشر من شمعون بيريز.

 

القرار “الإسرائيلي” باقتحام سجن أريحا المركزي بالقوة المسلحة جاء تجسيدا للسياسة الإرهابية التي رسمها رئيس الحكومة الصهيونية بالوكالة ايهود اولمرت، حين أعطى توجيهات واضحة للأجهزة الأمنية لمكافحة ما اسماه “الإرهاب” واعتماد سياسة “القبضة الحديدية” بكل ما يتعلق بإحباط العمليات في كل مكان في قطاع غزة والضفة الغربية، وتهديد رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية بالاغتيال، حين قال في أعقاب اجتماعه مع رئيس الكيان موشي كتساف إنه “ليس لدي أي نية للاجتماع برئيس الحكومة الفلسطينية اسماعيل هنية، بل إن نيتي محاربته إذا اتضح وجود أي علاقة له بالإرهاب”..

 

ومما يؤكد هذه الحرب على الشعب الفلسطيني من جانب أولمرت، إعلانه رسم الحدود النهائية للكيان بحلول سنة 2010 عبر خطوات انسحابية أحادية الجانب من دون التفاوض مع الفلسطينيين. فهذه الخطة ترفض أي عودة للحدود ما قبل 4 يونيو/ حزيران ،1967 وتعطي الضمانات للأغلبية من المستوطنين في الضفة الغربية البالغ عددهم 450000 يضاف إلى ذلك كله ان المبادرات التي يقوم بها أولمرت كاستكمال السور الفاصل، وتحقيق التواصل من القدس إلى معاليه أدوميم لكي يكون تواصلا مأهولا، وإغلاق غور الأردن أمام الفلسطينيين لأن محكمة العدل العليا والضغط الدولي حالا دون إقامة الجدار هناك، وتوسيع المستوطنات والطرقات لليهود وحدهم هي أعمال لا يمكن لحماس أن تتعايش معها لمدة طويلة. هذه الأعمال كانت السبب الأساسي لإنزال فتح عن سدة الحكم. واستمرار هذه السياسات الصهيونية هي إهانة للسلطة وإذلالها، وهي إحراج سياسي كبير لحماس.

 

(*) كاتب تونسي مقيم بدمشق

 

(المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية الصادرة يوم 23 مارس 2006)


 

أوروبا نهبت الثروات وأمريكا تصدّرت لائحة الشرف الحربيّة:

قراءة في تاريخيّة تطوّر العلاقة بين الامبرياليّة والشعوب ،  قوانين تمجيد الاستعمار والهجرة ومحاكمة المفكّرين، نموذجا

 

بقلم: منجي الخضراوي *   أصبح بالإمكان أن نخرج قليلا عن الصمت وأن نلامس بعض الأسئلة التي ظلّت لزمن في حالة كمون . بعض الأشياء فقط، قد تكشف للأذهان الحقيقة أو جزءا منها، فالحقيقة هي في نهاية التحليل ممكنة ونحن نبنيها فنجعلها موجودة منفصلة عنّا لا قدرة للآخرين على قتلها حتّى وإن سعوا إلى تشويهها. لا نستطيع أن ننسى إدانة محكمة الاستئناف في فرساي المفكّر والفيلسوف الفرنسي ادغار موران وباحثين آخرين هما سامي نايير ودانيال ساليناف بسبب نشرهما مقالا بجريدة  » لوموند « Le Monde  تحت عنوان « إسرائيل-فلسطين: السرطان »، وتمّ اتّهامهم باللاساميّة..ولم تنس المحكمة ذاتها إدانة جان مار كولومباني مدير الصحيفة، وتمّت المحاكمة في شهر سبتمبر من السنة الماضية… نفس المحكمة أدانت في ماي الفائت المفكّرة والباحثة حنّة أرندت، التي اتّهمت سابقا بعلاقتها « بالنازي » مارتن هايدقر. وكان حكم محكمة الاستئناف بفرساي ضدّ أرندت على خلفيّة إصدارها لكتاب «ايخمان في القدس» ( الصادر عن دار غاليمار سنة 1991) وأدينت من أجل التشهير العنصري و اللاساميّة… إنّ فرنسا هي الدولة الوحيدة التي انتصبت فيها محكمة لمحاكمة نورمان فيلكنشطاين وكتابه «صناعة الهولوكوست » إضافة إلى ناشره وصحيفة  » ليبيراسيون Libération   » التي نشرت مقتطفات منه!! نفس المحاكم الفرنسيّة أدانت بعض الباحثين نم باريس الثامنة، لتحليلهم بعض مقالات المفكّر روجي غارودي حول الأساطير المؤسّسة لإسرائيل… ولا داعي هنا للتذكير بمحاكمة غارودي.. على اعتبار أنّ موران وأرندت وفيلكنشطاين … كلّهم يهود… وقد وصفهم احد أبرز ممثّلي « محامون بلا حدود » الأستاذ جيل وليام غولندايل بأنّهم « ناقصون في حبّهم للشعب اليهودي »، والغريب أنّ مثل هذه المنظّمة مختصّة في رفع دعاوى ضدّ كلّ من ينتقد ما يسمّى بإسرائيل أو يشكّك في بعض أفكار زعمائها، وهي منظّمة مرتبطة ماليّا ودعائيّا بجمعيّة  » فرنسا-إسرائيل  » الأكثر تطرّفا في مطاردة من يشتبه « بلا ساميته » هل أصبحت فرنسا، بلاد جان جاك روسو وفولتير وديدرو وموباسان… عنوانا من عناوين الدفاع عن تالعنصريّة؟ وهل ضاقت صدور قادتها بالاختلاف؟ وما الذي يجعلهم يقطعون بث قناة المنار ( بما لها وما عليها ) ويدعّمون قناة  » تي-أف-جي » TFJ اليهوديّة المتصهينة؟ والتي لا تتردّد في الاعتداء على الشعور الوطني والقومي للعرب والألمان؟ لم يبق لفرنسا اليوم غير تمجيد الاستعمار ومطاردة المهاجرين وانتقائهم..وليس ذلك بغريب، فحكامها رفضوا الاستماع إلى نداءات الشعوب والمثقفين وغيرهم للتراجع عمّا يسمّى بقانون 23 فبراير –فيفري 2005 الذي مرّت عليه أكثر من سنة خلال هذه الأيام، وقانون ساركوزي، رغم كلام شيراك بمراجعة الفصل الرابع من القانون الأوّل. القانون عدد 2005-158 الصادر بتاريخ 23 فيفري 2005 المتعلّق باعتراف الأمّة الفرنسيّة بفرنسيي العودة والمساهمة الوطنيّة في مساعدتهم والذي تضمّن 13 فصلا، أثارت جلّها النقاش الذي بلغ حدّ الاستياء والتظاهر – الجزائر خاصة – والدعوات إلى المقاطعة… وخاصّة الفص الرابع من هذا القانون الذي ينصص على أن « تولي برامج البحوث الجامعيّة لتاريخ الحضور الفرنسي ما وراء البحار وخاصة شمال إفريقيا (تونس-الجزائر-المغرب ) المكانة التي يستحقّها » ويضيف نفس الفصل « تعترف البرامج المدرسيّة بصفة خاصّة بالدور الايجابي للحضور الفرنسي ما وراء البحار وخاصة في شمال إفريقيا، وتولي لهذا التاريخ وللتضحيات التي قدّمها المحاربون بالجيش الفرنسي أصيلي هذه المناطق المكانة المتميّزة التي يستحقونها…»  الفصل الرابع من هذا القانون إذن يدعو بصريح العبارة إلى الاعتراف بالدور الايجابي للحضور الفرنسي ما وراء البحار، وطبعا هنا كلمة حضور (Présence ) جاءت من زاوية المشرّع وهو النظام الفرنسي، لتعوّض الكلمة الأكثر دقّة وهي الاستعمار ( Colonialisme )، لأنّ الحضور أكثر حضاريّة من الاستعمار. فلماذا إذن لا تريد فرنسا الاعتراف بماضيها الاستعماري؟ هل خوفا من استتباعات هذا الاعتراف بما يعني من بشاعة فاعتذار؟ أمران مطروحان لمحاولة الإجابة في رأينا، فإما أنّ النظام الفرنسي لا يرى فيما صدر عنه في الماضي – ومازال حاضرا بشكل غير مباشر أو مباشر خاصّة في أمريكا الوسطى- استعمارا وأنّ الرجل الأوروبي البيض اتجه جنوبا لتطعيم تلك الشعوب بالثقافة والحضارة والتقدّم… وهي قضيّة المركزيّة الأوروبيّة (Eurocentrisme) ، وإما الأمر الثاني وهو إدراك النظام الفرنسي ثقل وصعوبة تحمّل مسؤوليّة الاعتراف بماضيه الاستعماري وبالتالي حاضره، وما يترتّب عن ذلك من تعويضات ماديّة وخاصّة المعنويّة التاريخيّة. لا يمكننا أن نلامس المقاربتين بأكثر دقّة دون ملامسة طبيعة هذا النظام الفرنسي. لقد عبّرت بعض النخب العربيّة عن دهشتها وصدمتها بسبب ما سمّي بقانون 23 فبراير- فيفري أو كذلك بسبب قانون الهجرة المعروف بقانون ساركوزي، لأنّها تعتبر أنّ منشأ المبادئ السامية كالديمقراطيّة والحريّة وحقوق الإنسان… تتحوّل إلى بؤرة لتمجيد نقيض هذه المبادئ وكلّ المبادئ الإنسانية، ألا وهو الاستعمار. وهي في الحقيقة نظرة ستاتيكيّة ثابتة للتاريخ، فالبرجوازيّة لم تعد اليوم هي الحامل للواء الديمقراطيّة وحقوق الإنسان. نعم لقد كانت البرجوازيّة في القرنين 17 و 18 طبقة تقدّميّة خلّصت الإنسانية من سلطة الإقطاع وجاءت بمبادئ كونيّة جديدة مازالت الشعوب تسعى إليها، إلا أنّها تحوّلت عبر التاريخ، بعد احتكارها، للدولة، إلى طبقة أحاديّة الرؤية، وقمعت كلّ الطبقات والفئات الأخرى، واستطاعت ترسيخ وتطوير النظام الرأسمالي، فضاءها التاريخي، فالبرجوازيّة هي طبقة مالكي وسائل الإنتاج في ظلّ نمط الإنتاج الرأسمالي وقد بلغت الرأسماليّة مرحلة من مراحل تطوّرها فأصبحنا تاريخيّا بإزاء الامبرياليّة. لقد خرجت الدول التي نادت إليها البرجوازيّة وحكمتها خاصّة في القرنين 19 و 20 للتوسّع في كلّ الاتّجاهات واحتلّت دولا أخرى واستعمرت واستعبدت شعوبا تحت عناوين الحماية والتحضّر والحريّة…وشرّعت لنهب خيرات هذه الشعوب وقتل أبنائها والسعي إلى طمس تاريخها، وتمّ إنتاج ثنائيّة العقل والحضارة في مواجهة اللاّعقل والبربريّة… وقد امتصّت أوروبا الحديثة ثروات البلدان الواقعة تحت الاستعمار وركّزت التخلّف في مقابل تواصل تقدّم الدول المستعمِرة ( بكسر الميم ) وهو ماجعل مثلا الكاتب الأمريكي بول باران يعتبر أنّ التقدّم والتخلّف وجهان لعملة واحدة (راجع كتاب مفهوم الامبرياليّة، من عصر الاستعمار العسكري إلى العولمة للدكتور الهادي التيمومي – دار محمّد علي الحامي تونس 2005 ) وطبعا هذا لا يعني أحاديّة الاتّجاه إذ للتخلّف عوامل عديدة بما فيها الثقافيّة والحضاريّة والعوامل الذاتيّة. إنّ النظام السياسي الأوروبي هو نظام رأسمالي يستند أساسا على مقولة تطوّر رأس المال، مع مراعاة خصوصيات بعض الدول خاصّة الاسكندينافية التي لا تخرج في نهاية التحليل عن هذا النظام، ومن طبيعة رأس المال التوسّع وتحقيق الربح الأقصى، وطبعا تمّ هذا في التاريخ على حساب نهضة العديد من الشعوب خاصّة في إفريقيا التي عانت من جرائم الاستعمار الفرنسي ومازالت استتباعاته متواصلة حتّى أنّ الدخل الوطني الخام لفرنسا يساوي أكثر من ثلاث مرّات الدخل الوطني الخام لكلّ قارّة إفريقيا، باستثناء جنوب إفريقيا، أي أنّ 800 مليون نسمة لهم دخل وطني خام أقلّ بثلاث مرّات لـ 60 مليون نسمة لا غير.(راجع نفس المصدر السابق) لازالت إفريقيا تعاني الأميّة والجوع والأمراض والأوبئة وبطش العسكريين المدعومين من فرنسا وبعض الدول الأوروبيّة… في الوقت الذي تشحن فيه مياهها وكنوزها وبترولها ومعادنها وثرواتها وخاماتها إلى أوروبا وأمريكا… والدول الاستعماريّة.لقد اختار الاستعمار منتصف القرن العشرين أسلوبا آخر في إدارة عمليّة النهب باعتماد وكلاء وعملاء من عسكر ومثقّفين لفصل تلك الشعوب عن تاريخها ومواصلة سرقة ثرواتها « وتقطيع صلات الشعوب بتراثها وتشويه الجوانب النيّرة من هذا التراث وتشجيع الأفكار والسلوكيات المعادية للعلم والتقدّم » مثلما يقول الدكتور الهادي التيمومي ( نفس المرجع) واعتمدت الدول الغربيّة استعمارا غير مباشر توسّطت في إدارته البرجوازيّة الكمبرادوريّة في ماسمّي بدولة الاستقلال التي رهنت ثروات شعوبها لدى الرأس مال الاستعماري. إنّ الدولة البرجوازيّة، فالنظام الرأسمالي لا يمكنهما احترام الإنسان وتاريخ الشعوب ولا حقوقهما ومعاداتهما للشعوب نابع من طبيعة هذا النظام الاقتصادي المبني أساسا على إلغاء الآخر، فالغنيّ يزداد غنى والفقير يزداد فقرا، وإنّ الدول الاستعماريّة « تتحمّل منذ القرن السادس عشر (ثمّ الدول الامبرياليّة في فترة لاحقة) المسؤوليّة الرئيسيّة للمآسي التي يعيشها أغلب الأفارقة اليوم الذين يمكن اعتبارهم بحقّ يتامى الرأسماليّة العالميّة وأبرز ضحاياها. لا ننسى أنّ الغربيين مارسوا تجارة العبيد قرونا، ثمّ استعمروا القارّة السمراء مدّة طويلة واستنزفوا طاقاتها، فلا غرابة أن تكون إفريقيا السوداء اليوم فريسة الفساد السياسي والحروب الأهليّة ومرض السيدا والمجاعات… » والكلام أيضا للدكتور الهادي التيمومي في نفس المرجع. حالة التفقير التي خلّفتها أوروبا في إفريقيا خاصّة، واعتماد الديكتاتوريات لإدارة عمليّة النهب، أدّى إلى إلغاء عمليّة التنمية في بلدان إفريقيا وتحوّل أموالها إلى وقود لماكينة الفساد، فانتشرت الأميّة والأمراض والبطالة، وتفاقمت الأزمة حتّى طالت الكوادر وأصحاب الشهادات العليا، وهو ماجعل أبناء هذه الدول يختارون قوارب الموت والانقراض بين أسنان أسماك المتوسّط… على البقاء في حالة لا حياة ولا موت وفي وضعيّة من الذلّ والهوان والقهر… إنّ أوروبا الاستعماريّة نهبت ثروات شعوب الجنوب، وهاهي اليوم، فئات من هذه الشعوب تسعى للحياة لدى من استغلّ ثرواتهم، لعلّهم يقتاتون منها، فلا يقدرون حتّى على ذلك، وأصبحت إفريقيا تعني « الحرقة » أو السفر خلسة، ويقبع من نجا منهم من الموت في معتقلات لمبادوزا الايطاليّة أو ما يعرف بغوانتانامو أوروبا حيث الاهانة والتعذيب والتعرّض لبشع وأشنع الممارسات اللاانسانيّة أمام صمت مثير وغريب… وحتّى من تمكّن من هؤلاء المهاجرين من وصول أرض « الميعاد » فانّه إما سيجد نفسه مجبرا على الانخراط في عصابات المخدّرات والمافيات أو منقادا وراء مجموعة اسلامويّة تنهي رحلته في أفغانستان أو في سجون أوروبا العنصريّة المكافحة للإرهاب باطلا، وطبعا لا ننفي وجود حالات استثنائيّة لمن تمكّن من إيجاد عمل في أوروبا من هؤلاء الحارقين، والاستثناء يحفظ ولا يقاس عليه. إنّ انسداد الأفق أمام أبناء دول إفريقيا خلّف ظواهر جديدة مثل الجريمة وخاصّة السرقة والسلب والاحتيال والعنف أو العزوف عن التعليم بمقولة عدم الفائدة من ذلك، فمن حصل على شهائد مات غرقا في مياه المتوسّط أثناء محاولته الفاشلة بلوغ أرض أوروبا أو ازدهار الشعوذة والعرافة وانتشار ظاهرة الهجرة السريّة أو ما يعرف في تونس  » الحرقة » لقد أغلقت أوروبا الاستعماريّة أمام هذه الشعوب بلدانها وأوطانها وهاهي اليوم، مشاريع سجنهم في بلدانهم، جارية ولعلّ آخرها مشروع ساركوزي وزير الداخليّة الفرنسي، من خلال قانونه المعروف باسم « قانون الهجرة المنتخبة » المبني على القوّة والقدرة، أي قوّة عمل ما لا يقدر عليه الفرنسيون وقدرة الكفاءات على الإضافة، وقد تعدّى هذا القانون نهب الثروات الماديّة للشعوب ( التي فرّطت فيها الأنظمة في ما يسمّى بالدولة الحديثة) إلى نهب كوادرها وعلمائها وتفريغ بلدان الجنوب من خيرة أبنائها الذين فرّ جزءا منهم هربا من القمع والبطش وغياب فضاءات الحريّة والإبداع والخلق والابتكار… إنّ ممارسات الدول الاستعماريّة ليست ممارسات معزولة ولا مرتبطة بحكومة دون غيرها… بل هي نتاج لطبيعة النظام الاقتصادي والسياسي الذي يحكمها، فالدولة الرأسماليّة لا يمكن أن تكون غير استعمارية نهّابَة معادية للإنسان والحريّة ومعادية للاستقرار والسلام، فالحديث عن السلام في ظلّ الانصياع لموازين القوى الراهنة والتي تتميّز مؤقّتا بالغلبة النسبيّة لقوى الاضطهاد والظلام، فالدولة الرأسماليّة لا يمكن أن تناضل من أجل الحريّة والإصلاح والسلام، وانّ المنادين بدور الأمم المتّحدة وإعطائها دور راعي السلام والدعوة لإمكانية التفاهم مع الدول الامبرياليّة، يحاولون حسب ما يقوله الدكتور التيمومي إحياء نظريّة »ما بعد الامبرياليّة » التي طرحها كارل كاوتسكي في بداية القرن العشرين. فما بالك بالولايات المتّحدة الأمريكيّة التي تتصدّر لائحة الشرف الحربيّة الحديثة فقد قصفت خلال 60 سنة 22 بلدا اليابان سنة 1945 والصين: 1945-1946 1950-1953 ، كوريا: 1950-1953 ، غواتيمالا: 1954، 1960، 1967، 1969 ، اندونيسيا 1958، كوريا: 1959-1961 ، الكونغو: 1964، البيرو: 1965، لاووس:1964-1973، فياتنام: 1961-1970، كمبوديا: 1969-1970 لبنان:1983-1984 ، جزيرة غرينادا: 1983-، ليبيا: 1986 ، سلفادور: 1980-1989، نيكاراغوا: 1983-1989، بانما: 1989، البوسنة: 1985، السودان: 1998، يوغسلافيا: 1999، أفغانستان:1998، 2001… العراق: 1991-2003 … ويبقى….بلدا على لائحة الانتظار، أو هكذا أنشد روجيه عسّاف في مسرحيته  » مآآآرش » (مع تصرّفنا)  بعد كلّ هذا وكلّ ذلك… ما العمل؟ إنّ طرح السؤال الحقيقي مباشرة، ودون وساطات وعدم الهروب من تحمّل مسؤوليّته يجعلنا أمام حقبة لمحاولة الفهم بأنّنا فعلا أبناء دول الجنوب والشرق وخاصّة أبناء الجغرافيا العربيّة واقعون في مرمى الاستهداف الاستعماري في أبشع أشكاله وهو الشكل الذي يميّز الاحتلال الأمريكي والصهيوني للعراق وفلسطين وتسابق الدول الامبرياليّة على اقتسام مقدّراتنا ومواصلة نهب ثروات بلداننا بتآمر ووكالة رسميين ، وانّ السؤال الحقيقي لهذه المرحلة، هو كيف يمكننا العمل على جعل الإجابة تظهر عبر نوافذ مختلفة أبرزها المقاومة في العراق وفلسطين وفي أمريكا اللاتينيّة وآسيا، فعصر غلبة الامبرياليين اليوم هو في وجهه الأبرز عصر للمقاومة التي تنجز ضمن المشروع الوطني الديمقراطي المتجاوز للأنظمة العميلة والرجعيّة والكابح للعمالة المنظّمة. * صحفي وباحث من تونس Khadraoui_mongi@yahoo.fr    ( المصدر:  http://www.mafhoum.com/press9/272P2.htm   )

 

 

إلا بُـوش!!!
بقلم محمد كريشان

 

قبل بداية العدوان الأمريكي ـ البريطاني علي العراق في العشرين من آذار (مارس) 2003 صرح عملاق الاعلام الدولي روبرت مردوخ أن أمام الرئيس جورج بوش أحد مصيرين فاما أنه سيدخل التاريخ بهذه الحرب أو سيحترق بنارها وأضاف بأن حظوظه في ذلك هي 2 مقابل 1.

 

معادلة 2 مقابل 1 هذه لم تتحول مثلا الي 1 مقابل 1 بل الي واحد مقابل صفر لصالح الاحتمال الثاني في أوساط أغلب السياسيين في الولايات المتحدة وخارجها، الحاليين منهم والسابقين وكذلك الخبراء والمحللين باستثناء شخص واحد مازال مصرا علي أنه قادر علي رؤية ما لا يراه غيره ففي خطابه الأخير في الذكري الثالثة للحرب لم يجد بالمرة حرجا في الحديث عن استراتيجية النصر التي سينتهجها هناك وهو يستعد الآن لالقاء سلسلة من الخطب حول العراق في ولايات أمريكية مختلفة في محاولة مستميتة لاسترجاع بعض الدعم لسياسته هناك التي تراجعت كثيرا ومعها تراجعت شعبيته الي أدني مستوي لها.

 

العناد في السياسة آفة وعندما تكون نتيجته، كما هي هذه المرة ، أرواحا تزهق يوميا من الجنود الأمريكيين ومن أبناء الشعب العراقي المسكين، وكلهم تقريبا من المدنيين العزل ومن الأطفال، فان هذا العناد يتحول الي شكل من أشكال الجريمة خاصة عندما تكون كل استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة قبل غيرها تري في الاحتلال الأمريكي للعراق ورطة حقيقية، فالاستطلاع الذي أجرته مؤخرا معا كل من شبكة سي أن أن وصحيفة يو أس توداي ومعهد غالوب أظهر أن 67% من الأمريكيين يعتقدون أن بوش لا يملك خطة واضحة بالنسبة للوضع في العراق وأن 57% باتوا يرون في ارسال قواتهم الي العراق أصلا خطأ، وكلا النسبتين زادت عما كانت عليه العام الماضي فضلا عما جري الأيام الماضية من مظاهرات صاخبة ضد الحرب في عدد من الولايات الأمريكية. ل

 

م يعد سوي بوش يتحدث بتفاؤل كبير عما يجري في العراق وكأنه يتحدث عن بلد آخر غير ذاك الذي يتابع العالم كله أخباره السيئة يوميا، وحتي مريدو الرئيس الأمريكي من ذات التوجه اليميني المحافظ جدا في ادارته من أمثال نائبه ديك تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد باتوا أقل ثرثرة نسبيا في الحديث المكرر الدائم عن انجازات في العراق لا تتراءي الا في مخيلتهم هم، دون أن ننسي عددا ممن كانوا مع بوش لكنهم تركوه الآن وقفزوا من سفينته سواء من السياسيين الجمهوريين الحاليين فضلا عن مسؤولين بارزين سابقين كزبغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر بل وحتي من صفوف تياره السياسي ممن يعرفون بالمحافظين الجدد من أمثال فرانسيس فوكايوما صاحب الكتاب الشهير عن نهاية التاريخ.

 

وحتي أولئك الذين ظلوا لأشهر يبررون فداحة ما يجري في البلاد من قتل وتقتيل بتقدم ما يسمونه بالعملية السياسية مرددين بزهو أن الديمقراطية صعبة وقد تولد من رحم المعاناة والعذاب، حتي هؤلاء لم يعد بمقدورهم الاستمرار في ذات النهج بعد كل المصائب المسؤولة عنها الطبقة السياسية الحالية التي قرّعها بعنف السفير الأمريكي في بغداد واصفا رجالها بأنهم غير ناضجين ولا يكترثون بغير مصالحهم الشخصية الضيقة مع تورم داء الطائفية المنذر بالويلات وقد بدأ بعضها فعلا.

 

عدد من الصحف نشر بالأمس صورة عراقي بلحية بيضاء رثة مع ملامح تختزل كل مأساة العراق وهو يحمل تائها في الشوارع لافتة كتب عليها عاش صدام حسين في لقطة باتت تعبر عن قطاعات تتسع يوميا جعلها الأمريكيون وقادة العراق الجديد يترحمون علي زوج الأم الأول.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 23 مارس 2006)

 

درس في تهمة الإستقواء بالأجنبي وآخر في مساوئ الديمقراطية …

خميس الخياطي (*)

 

والله، إن العرب اليوم لهم من أغرب أجناس العالم علي الإطلاق…

من الطبيعي أن تخترق الكيان الإجتماعي ـ وأي كيان إجتماعي ـ تيارات عقائدية وفكرية وسياسية وعاطفية وما شابه ذلك حتي مجاري الهواء القيمية المسببة لأفلونزا الإنسان، فتلك علامة صحية تكسب الكيان مناعته لتجعله يتطور وينمو. في هذا، كياننا العربي لا يختلف عن سائر شعوب الأرض حتي وإن صرخ عن خصوصيته البعض من أبنائه بملء فيهم. ولأن عالمنا العربي مهد الحضارات ومصدر الديانات السماوية، يبسط أجنحته علي قارتين ويحمل في أحشائه الدر كامن من أصناف الطاقة النفطية حتي الشمسية، يفصل شمالا وجنوبا بين بحرين وجنسين مختلفين وشرقا وغربا بين ثقافتين لا علاقة بينهما ليحمي أكثر من مئتي مليون نسمة، كل فرد منهم هو عالم بذاته من ثقل معتقدات وواقع تناقضات وحلم شهوات وهلم جرا… ولذلك كله وأكثر من ذلك، لم تكف منذ عصور غابرة وحتي اليوم عمليات إستهدافه لتقطيع أوصاله والتفرقة بين أبنائه والمؤمنين به والقائلين بشرعية وجوده وحقه في المستقل… ولا داعي للإستشهاد بصليبيات الأمس ولا بـ بوشيات اليوم وهي كلها جارفة من الشمال الإستعماري ، ناهيك عن الصراعات الداخلية التي لولاها لأصبحنا كما بتنا. كل ذلك مشروع ولا أحد قد تحوم بخاطره غربان التشكيك.

 

الإستقواء بالأجنبي

 

إلا أن هذا الكائن له حاليا، الآن وهنا، من الغرابة بين الأمم ما يجعله ينشئ فيروسا جديدا من لدن قادته وحكامه الحريصين علي صحوته ومناعته والمؤمنين لشرعيته ومستقبله. فذهب بهم حب الوطن إلي إبتداع الجمهوريات الوراثية. أخذهم حب التضحية من أجل الفقراء لله إلي تمطيط الدساتير. دفعتهم غيرتهم علي حيوية بلدانهم إلي إنشاء باقة من الأحزاب والمنابر المتناسلة الواحدة من الأخري مزينة للديقراطية الإفتراضية و مبرقشة لها إلي حد أن الذي تسول له نفسه التشكيك في أدني درجات الإنصهار بين الرئيس ـ القائد ومرؤوسيه المقودين في جمهورياتنا وممالكنا العربية، ينقلب ليله نهارا… وتتعفن أموره لو قيل أنه ومن شابهه طلبوا المعونة من سفارة أجنبية ، حينها لن تتذكر أمه أنها ولدته حقا يوما… لذلك تهمة الإستقواء بالأجنبي أصبحت اليوم وفي عالمنا العربي أبشع التهم المعروضة علي رفوف حكوماتنا الفاضلات وعلي راحة حكامنا الأكارم…

 

بمناسبة مناقشة لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومقرها جنيف قضية تقدم بها الأقباط ضد الحكومة المصرية ومفادها عدم إحترام حقوقهم وهذا قبل أن تتبدل اللجنة لتصبح مجلسا أمميا لأن عديد الحكومات (ومنها العربية) والمتهمة من طرف جمعيات غير حكومية بالتعدي علي حقوق الإنسان أصبحت أعضاء في اللجنة وغيرت من مسارها، بثت القناة المصرية الخاصة دريم 2 (نايل سات، تردد 11900) منذ مدة حلقة من برنامج الحقيقة الذي يخرجه عماد الغول ويعده ويقدمه وائل الإبراشي… كان موضوع الحلقة الأقباط والإستقواء بالأجنبي . قبل أن نعرض للبعض من حيثيات البرنامج كما تلقيناها، إسم البرنامج وموضوع الحلقة يستدعيان بعض الملاحضات أهمها أنه من الغرابة وما يعبر عنه بـ الغش الإعلاني أن يكون عنوانا تلفزيا الحقيقة لأن يقيننا اليوم أن الحقيقة، مهما كانت، هي نسبية وملونة بالزاوية التي ينظر منها إليها كقول المثل الفرنسي القديم حقيقة هي ما قبل جبال البيريني وخطأ ما وراءها . ثانيا، طرح مثل هذه المواضيع دون أن يحاط بكل المحاذير حتي لا يتعدي – ضمنيا ولدي المشاهد في عقر داره وفي خلوة مع ضميره – حدود المناقشة الحرة المفترضة قد يصب في وادي التخوين ومعاداة الوطن، لهو من الخطورة بمكان إذ ما زلنا، كمجتمعات عربية، نجر وراءنا مخلدات الفكر القبلي الحديدية لحد أننا أصبحنا أساتذة في مادة التخوين إن وجدنا واحدا منا لا يؤمن بما نؤمن. وهذه ميزة تنضاف إلي الميزات الأخري…

 

ده حصل في المريخ مش في مصر

 

مع المعد ـ المقدم، حضر البرنامج من جهة الإتهام الكاتب السياسي طلعت رميح والمحامي القبطي لبيب معوض القريب من الكنيسة المصرية. من جانب الدفاع حضر محام قبطي آخر ومن سويسرا كان الإتصال هاتفيا بالسيد عدلي أبادير الذي قدم علي أنه العقل المدبر للقضية المقدمة ضد الحكومة المصرية أمام لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وإن كان هذا الأخير صلبا وفولاذيا في إتهاماته بمعني أنه لم يترك الباب مفتوحا لأي بصيص أمل في المراجعة (وليس التراجع) كقوله نحن مظلومين ونريد أن نأخذ حقوقنا (…) أحنا كذابين، تعالوا قولوا : ده حصل في المريخ وما حصلش في مصر (…) وإذا لم تحل المشاكل في الداخل سأشعلها نارا. إلغوا التعصب الهميوني وسنقفل الموضوع فإن الجانب الآخر ذهب هو كذلك إلي أقصي حدود الإتهام والتخوين. كان الكاتب السياسي طلعت رميح سجاليا كما لو كان في قبة البرلمان أو في إحتفال إنتخابي… يكفي أنه عرج في إتهاماته علي أمريكا ودارفور ليقول بأن القضية أصبحت تنسيقا كاملا بين حركة التمرد والسفير الأمريكي وأن دارفور ليست مسألة عرقية ولا دينية لأن 95 في المئة من متساكنيها هم من المسلمين (؟). واعتبر أن هذا الفعل يفتح باب التدخل السياسي من هذه اللجان. لجان دولية لم تكن في مصلحة الأمة علي الإطلاق وذكر بلجنة مخيم جنين التي وصفها بأنها لعبة أمريكية ـ صهيونية . ثم دق المسمار بقوله لا يمكن لأي إنسان وطني أن يلجأ إلي هذا الأسلوب لأنكم ذهبتم بالقضية إلي من هم أعداء الوطن. وهكذا إنغلق الفخ. فخ الخيانة وتهمة الإستقواء بالأجنبي .

 

مثل هذا المنطق ـ وهو منتشر كالعدوي بين الحكام العرب الذين يرون قرب زوال حكمهم دون أن نعرف من سيرثهم ـ منطق منحرف يطيح بجرة قلم بـ الحق في المقاومة أو الحق في الإنتفاضة وهما حقان مؤمنان في المواثيق الأممية وحقان شرعيان ما دام الفضاء العام عندنا محكم الغلق وأبواق السلط تحرض علي التخوين والحريات الفردية والاساسية تعطي بالقطارة. وبالتالي كل من لا يصفق للإنجازات تصديقا لوحي القائد ـ الحاكم بأمر قبيلته وشلته وطبقته هو خائن للوطن. وكما يقول بيت من أبيات نشيد وطني ولا عاش في (ضعوا هنا إسم البلد الذي تريدون) من خانها … إن مسألة الأقباط عوض أن ينظر فيها من طرف الحكومة المصرية نظرة مساواة بين جميع المواطنين، تركت فتعفنت لتصبح حصان طروادة . والخطأ لا يقع علي من أدخل الحصان المدينة بل علي من جعل خدعة الحصان ممكنة. لقد أجاب مرة فهمي هويدي في أكثر من رأي لسامي حداد حول موضوع الأقباط أنه في الأساس موضوع ديمقراطية وموضوع حريات، وكتب صديقي جمال الغيطاني في عدد سابق من أخبار الأدب حول الأقباط والمسلمين في مصر أنه ولي زمن الهلال مع الصليب وانتهت علامات ثورة 19. هذه نتائج جد مؤلمة لأن بذوبان الأقلية وبتهمتي التعامل مع السفارات و الإستقواء بالأجنبي تضمحل الحريات ويضيق الفضاء العام لتصبح كل طروحات الحكومات العربية حول التعددية والديمقراطية وما شابههما طروحات خاوية، كاذبة وخدعة لن تنطلي علي أحد. وهي السبب الأول والرئيسي في جلب حصان طروادة .

 

الديمقراطية ملازمة للشرك

 

قناة كوثر (هوتبورد، تردد 12437) أعطتنا مؤخرا درسا في مفهوم الديقراطية، درس جعلني أعيد مراجعة معارفي الأكاديمية فيها وأعيد فتح الكتب من جديد لعلني أهتدي إلي تعريف يؤكد ما سمعته في برنامج معا علي الهواء بحضور أستاذ بالحوزة، الأستاذ عبد الكريم آل نجف. لن أعلق ولن أستشهد ولن أناقش ولن نخدم دماغي (بالشدة علي الدال الأولي). سأكتفي بذكر البعض القليل مما سمعت ليلتها. هاكم:

 

الديمقراطية إختراع العقل البشري المنقطع عن السماء وهي تطبق علي الآخرين بحسب المصالح. فهي كالسرقة التي لا تصح لا علي المسروق ولا علي السارق (…) الديمقراطية نشأت مع المبادئ الأرضية وحينما كان الفكر السفسطائي منتشرا في أثينا. والفكر الديمقراطي ملازما للشرك والنسبية. حينما ظهرت الديانة المسيحية، سقطت الديمقراطية. إنها قدر الإنسان القوي المنقطع عن السماء في خكم الضعيف ولا أقصد المسيحية كدين مهذب ومستقيم …

الإنسان له طبع أولي وطبع ثاني. ألأولي مع الله. وحينما يعيش في نظام طاغوتي، ينشأ لديه طبع ثان. الطبع الأول ضد الحيف والثاني مع الخيف وحينما يظهر النبي، سيكون في مواجهة مع الطبع الثاني الذي ستؤمن به الأكثرية. الطاغوت إنسان أو فئة أو طبقة أو جماعة يحكم بشهواته إستنادا علي مبدأ القوة والرأسمالية. الأكثرية تؤيده بحكم الطبع الثاني. إنها الطاغوت… الراسمالية الأمريكية تسيطر علي صندوق الإنتخابات من خلال الإنحلال الأخلاقي والفضائيات والعنصرية (…)

 

بعد هذا القليل من تهمتي التحالف مع السفارات و الإستقواء بالأجنبي ، بعد هذين المثالين مما تزرعه يوميا فضائيات رجعية بأتم معني الكلمة، ألا ترون بأننا أصبحنا نبيع القرد ونضحك علي شاريه متناسين أن من إشتراه هم نحن معشر العرب؟ لا حول ولا قوة إلا بالله… أليس من حق غربان الشك أن تحلق في سماء ما بين المحيط والخليج؟

جملة مفيدة: إني لا أريد إرشاء الشيوخ. أريد شراءهم . هوارد هيودجس في فيلم ربان الطائرة للأمريكي مارتن سكورسيزي.

 

(*) ناقد وإعلامي من تونس

khemaiskhayati@yahoo.fr

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 23 مارس 2006)

 

مرشد الاخوان بمصر يطالب القادة العرب بالحرية لشعوبهم

 

القاهرة (رويترز) – طالب المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين بمصر محمد مهدي عاكف القادة العرب الذين يستعدون للاجتماع في الخرطوم بتحقيق الحرية لشعوبهم والوحدة لبلادهم.

 

وقال في رسالة وجهها الى مؤتمر القمة العربي الذي سيعقد في العاصمة السودانية يومي 28 و29 مارس اذار الحالي « الامة في حاجة الى الحرية وهذا حقها وتلك مسؤوليتكم أمام الله عز وجل والتاريخ. »

 

وأضاف « الحرية أساس التنمية بمعنى أن توفير أجواء الحرية في أوطاننا يفجر طاقات الامة ويجعلها قادرة على النهوض من الكبوة التي طالت والانتقال نحو التقدم المنشود. »

 

وقاد عاكف اخوان مصر للفوز بنحو خمس مقاعد مجلس الشعب أحد مجلسي البرلمان المصري في الانتخابات التشريعية التي أجريت في شهري نوفمبر تشرين الثاني وديسمبر كانون الاول.

 

وبرزت الجماعة في الانتخابات كأقوى قوة معارضة في مصر منذ نحو نصف قرن.

 

ويقول محللون ان جوا من الحرية النسبية شهدته مصر في السنوات القليلة الماضية أسهم في مكاسب الاخوان الانتخابية.

 

وفازت حركة المقاومة الاسلامية حماس التي تعد رافدا للاخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية في الاراضي الفلسطينية وشكلت الحكومة الجديدة بعد عشرات السنين من سيطرة حركة فتح العلمانية على الحياة السياسية الفلسطينية.

 

ويقول محللون إن مكاسب الاخوان في مصر والاراضي الفلسطينية تزيد على شعبيتهم وانهم نالوا أصواتا انتخابية كثيرة يحتج أصحابها على السياسات السائدة ووجود فساد في دوائر الحكومة.

 

وقال عاكف في رسالته « الوحدة بين الشعوب العربية والاسلامية أصبحت ضرورة مرحلة فضلا عن كونها مطلب أمة كدعامة أساسية للنهوض. »

 

وناشد القادة العرب مساندة الشعب الفلسطيني « في الوقت الذي يستمر فيه الصهاينة في مشروعهم لفرض الهيمنة والسيطرة على كامل فلسطين وحرمان أهلها من حقهم في الحياة على أرضهم فضلا عن منعهم من تكوين دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس. »

 

وترفض حركة حماس بحث الاعتراف باسرائيل قبل أن تنسحب من الاراضي التي احتلتها في حرب عام 1967 بما فيها القدس الشرقية التي يقول الفلسطينيون انهم يريدونها عاصمة لدولتهم التي يؤيد المجتمع الدولي قيامها.

 

وقال المرشد ان ما يمر به العراق من تمزق وعنف ناتج عن « الاحتلال الذي يجب أن يرحل على الفور عن أرض الرافدين. »

 

وترحب الولايات المتحدة بأي خطوات اصلاحية في مصر لكنها تتفق مع الحكومة على استمرار الحظر القانوني المفروض على الاخوان المسلمين منذ عام 1954.

 

وختم عاكف الرسالة بالقول « هذا ما نراه من قضايا ملحة استشعرت أن مسؤوليتي وواجبي يحتمان على أن أنقلها اليكم. »

 

وستناقش القمة العربية جدول أعمال مزدحم بالقضايا تتقدمها القضيتان الفلسطينية والعراقية لكن الرأي العام العربي بات يعلق امالا ضئيلة على نجاح كبير لاي قمة عربية.

 

من محمد عبد اللاه

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 23 مارس 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.