الثلاثاء، 20 ديسمبر 2005

 Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2038 du 20.12.2005

 archives : www.tunisnews.net


العربية.نت: مارسيل خليفة « ممنوع » في تونس لإهدائه أغنية للسجناء السياسيين العرب

الحياة: مرسيل خليفة… ممنوع في تونس! وكالة الأنباء الجزائرية : لجنة تقييم ومتابعة التعاون الصناعي الثنائي تعبر عن إرتياحها لإنتهاء عملية خوصصة شركة « سوتاسيب » المختلطة الحياة : تونس: الجهاز المصرفي ينفتح على المصارف الأوروبية

أخبار تونس: العمل على تنظيم الصحافة الالكترونية والإسراع بتنفيذ القرارات المتخذة لفائدة الإعلاميين القدس العربي: تونس توفد مبعوثين الي العواصم المغاربية يقترحون تغييرات في هيكلة الاتحاد

بي بي سي: عُـشُـر التونسيين يُـبـحـرون في الانترنيت ونصفهم يمتلك هاتفا جوالا الصباح الأسبوعي: بأي حال عدت يا ريفيون: أبدندون محشي أم بمصاريف تنضاف للمصاريف 

القدس العربي: كم هو مؤلم حرق شباب مغاربة لأنفسهم احتجاجا على بطالتهم؟! عبد الحفيظ خميري: حـتـى لا نـمـوت: تحرك 18 أكتوبر المفاجأة التي لم ينتظرها النظام ولكن أتراها تحل المشكلة ؟

أحمد البديوي : حول بيان للرابطة بتاريخ 17/12/2005

علي بن عرفة: رد على طلب الماجري الإعتذار

خميس بن علي الماجري: أأسود عليّ !!!     » 2/5 « 

محمد العروسي الهاني: البورقيبية مستمرة مع استمرار الحياة في قلوب المناضلين الأوفياء ومهجتهم

جليلة بكار لـ»الشروق»: شعرت بإحباط بعد مشاهدتي لأفلام «بزناس»، «بنت فاميليا» و»صيف حلق الوادي»

رشيد خشانة: المغرب بدأ العلاقات وموريتانيا رسَّختها وليبيا «الحلقة الأضعف»    

عبد الجليل التميمي: البحر المتوسط: رهانات علمية وثقافية

آمال موسى: سنة الإيذان بصعود الإسلام السياسي د. عبدالوهاب الافندي: السؤال يجب ان يكون: ماذا سيفعل الاخوان بالآخرين؟ محمد خليفة: حركة الإخوان المسلمين في مصر: إلي أين؟ فهمي هويدي: عن الدين والسياسة


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

« يخالجني إحساس بالحزن الإنساني والخجل الحضاري »

مارسيل خليفة « ممنوع » في تونس لإهدائه أغنية للسجناء السياسيين العرب

دبي- العربية.نت يبدو أن إهداء الفنان اللبناني مارسيل خليفة أغنية « عصفور »، إلى « السجناء العرب في السجون الإسرائيلية، والسجناء العرب في السجون العربية » لم يرق للسلطات التونسية التي كان يحيي حفلاً له فيها، فأصدرت قراراً بمنع تداول موسيقاه وأغانيه، وصولاً لمنع « تداول الاسم على كامل التراب التونسي ».
ترافق القرار، الذي جاء على شكل تعميم « شفهي » لرئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزة، مع منع خليفة من دخول تونس، بعدما أحيى فيها الكثير من الحفلات، بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي. وكانت آخر حفلاته التونسية أثناء مشاركته في الدورة الـ 41 لمهرجان قرطاج، حين احتشد أكثر من 15 ألف شخص لسماع أغانيه وموسيقاه.
جاء « الإهداء »، سبب المنع، بحسب ما نقلت صحيفة الحياة الثلاثاء 20-12-2005، خلال حفلة حضرها وزير الثقافة التونسي، والشاعر الفلسطيني محمود درويش.وأكد العديد من المذيعين ومنشطي الفترات في الإذاعات القرار الشفهي بالمنع، الذي صدر بعد أيام قليلة من الحفل.
وظهر قرار المنع رسمياً، بعدما تراجعت هيئة جمعية المسرح العربي في حمام سوسة، عن دعوتها للفنان، واعتذارها عن عدم تمكنها من استقباله، دون إبداء الأسباب. وهي أسباب تعود، بحسب المعنيين، إلى « عدم ترحيب » السلطات بدعوته.
ويبدو أن الهيئة، التي لم تكن على علم بقرار المنع، قد دعت خليفة بصفته «فنان الأونيسكو للسلام» إلى افتتاح الأيام الدولية الثامنة لمسرح الطفل وإلقاء كلمة عن الطفولة. وكان الموعد الإثنين 19-12-2005. لكن خليفة لم يشارك في الافتتاح، نتيجة اعتذار الداعين قبل أيام من الموعد المفترض. « أهدي موسيقاي لضحايا الاضطهاد »
وبعث خليفة بكلمة إلى الهيئة المنظمة قال فيها: «ممنوع من دخول بلدكم ولن أكون وحدي الممنوع من دخول بلد أحببته من كل قلبي، (فالممنوع) أيضاً تراث كثيف من التجربة الإبداعية ماضياً وحاضراً صاغها أكثر من جيل، تجربة تصدر عن توق جارف إلى الحرية ورغبة عميقة في تحرير العقل الإنساني من كل ما يشوهه ويحرفه».
وأضاف: « يخالجني إحساس مروع لا يمكن تفادي فداحته وضغطه الفظيع عن روحي وكياني، إحساس بالحزن الإنساني وبالخجل الحضاري، حزين لأن ثمة قوى تقدر أن تمنع مشاركة فنان تهمته الوحيدة أنه يغني للحب والحرية ويسعى صادقاً إلى التعبير عن مجتمعه. وحزين لأنني سواء في أعمالي الفنية أم في سلوكي الشخصي كنت أنطلق دوماً من الحب وأمضي بلا تردد نحو الحرية من دون أن يخالجني أي شك في نزوع الكائن الإنساني نظرياً إلى الحب والحرية إلا اذا كان هذا الكائن غير سوي ».
وتابع خليفة: « أتعهد أن أكمل ما بدأت به منذ سنين طويلة، أي أن أهدي موسيقاي وصوتي نشيد حب إلى ضحايا الاضطهاد أياً تكن أشكاله، وإن كانت لي من أولوية أختارهـا كفنان الأونيسكو للسلام فأنا لن أتردد بحمل هواجسنا وخوفنا على أطفالنا في كامل ربوع وطننا الكبير. واسمحوا لفنان الأونيسكو للسلام، لهذا الفنان الذي صرته جراء تلك الممنوعات التي يعيش فيها الفرد العربي ان يتعهد، ولو من بعيد، بالعمل وبكل ما أوتي من إمكانات لكي لا يحكم بالموت على اطفالنا كل مطلع شمس في بقعة ما من بقاع البشر ».
(المصدر: موقع العربية.نت بتاريخ 20 ديسمبر 2005)

 

بسبب أغنية «عصفور» وتحيته السجناء العرب …

مرسيل خليفة… ممنوع في تونس!

تونس – الحياة    

 

منع الفنان اللبناني مرسيل خليفة من دخول تونس التي كان أحيا فيها الكثير من حفلات مهرجان قرطاج بدءاً من ثمانينات القرن الماضي، وكانت آخرها في الدورة الـ 41 للمهرجان حين احتشد اكثر من 15 ألف شخص لسماع باقة من موسيقاه وأغنياته

.

 

ومن بين ما قدمه مرسيل أغنية «عصفور» التي مهّد لها بإهداء «الى السجناء العرب في السجون الإسرائيلية والسجناء العرب في السجون العربية». وكان بين الحضور وزير الثقافة التونسي والشاعر الفلسطيني محمود درويش

.

 

ويبدو ان هذا الإهداء لم يرق للسلطات التونسية، اذ جرى بعد ايام تعميم قرار «شفهي» لرئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزة بمنع موسيقى مرسيل وأغنياته و«منع تداول الاسم على كامل التراب التونسي». وأكد العديد من المذيعين والمنشطين انهم ابلغوا هذا القرار

.

 

لكن هيئة جمعية المسرح العربي في حمام سوسه لم تكن على علم بهذا القرار، لذا دعت مرسيل خليفة بصفته «فنان الأونيسكو للسلام» الى افتتاح الأيام الدولية الثامنة لمسرح الطفل وإلقاء كلمة عن الطفولة. وكان الموعد امس الاثنين، ولم يكن مرسيل في الافتتاح، اذ ان الذين دعوه اضطروا قبل ايام للاعتذار عن عدم تمكنهم من استقباله، ولم يبدوا الأسباب. لكن عدداً من المعنيين بالمناسبة اكدوا للفنان ان السلطات لم ترحب بدعوته

.

 

وبعث مرسيل خليفة بكلمة الى الهيئة المنظمة قال فيها: «ممنوع من دخول بلدكم ولن أكون وحدي الممنوع من دخول بلد أحببته من كل قلبي، (فالممنوع) ايضاً تراث كثيف من التجربة الإبداعية ماضياً وحاضراً صاغها اكثر من جيل، تجربة تصدر عن توق جارف الى الحرية ورغبة عميقة في

تحرير العقل الإنساني من كل ما يشوهه ويحرفه».

 

وأضاف: «يخالجني احساس مروع لا يمكن تفادي فداحته وضغطه الفظيع عن روحي وكياني، احساس بالحزن الإنساني وبالخجل الحضاري، حزين لأن ثمة قوى تقدر ان تمنع مشاركة فنان تهمته الوحيدة انه يغني للحب والحرية ويسعى صادقاً الى التعبير عن مجتمعه. وحزين لأنني سواء في اعمالي

الفنية أم في سلوكي الشخصي كنت أنطلق دوماً من الحب وأمضي بلا تردد نحو الحرية من دون ان يخالجني أي شك في نزوع الكائن الإنساني نظرياً الى الحب والحرية إلا اذا كان هذا الكائن غير سوي. »

 

وتابع خليفة: «أتعهد ان أكمل ما بدأت به منـــذ سنين طويلة، أي ان أهدي موسيقاي وصوتـــي نشيد حب إلى ضحايا الاضطهاد اياً تكـــــن أشكاله، وإن كانت لي من أولوية اختارهـــا كفنان الأونيسكو للسلام فأنا لن أتردد بحمل هواجسنا وخوفنا على اطفالنا في كامل ربوع وطننا الكبير. واسمحوا لفنان الأونيسكو للسلام، لهذا الفنان الذي صرته جراء تلك الممنوعات التي يعيش فيها الفرد العربي ان يتعهد، ولو من بعيد، بالعمل وبكل ما أوتي من إمكانات لكي لا يحكم بالموت على اطفالنا كل مطلع شمس في بقعة ما من بقاع البشر. »

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 20 ديسمبر 2005)

 

الخبر واحد .. لكن الصيغة التونسية « الخشبية » عتمت كعادتها على المسألة الرئيسية

في الحدث!

 

1- الصياغة الجزائرية:

 

الجزائر- تونس:

لجنة تقييم ومتابعة التعاون الصناعي الثنائي تعبر عن إرتياحها لإنتهاء عملية خوصصة شركة « سوتاسيب » المختلطة

 

الجزائر – عقدت لجنة تقييم ومتابعة التعاون الصناعي الجزائري التونسي يوم الأحد اجتماعها الخامس بالجزائر برئاسة مشتركة لوزير الصناعة محمود خذري والوزير التونسي للصناعة والطاقة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة عفيف شلبي وفق بيان للوزارة.

 

وأوضح البيان أن الجانبين أكدا في محضر الاجتماع على تفعيل انشطة التعاون وتطويرها في مختلف المجالات بين الجزائر وتونس حيث سجلا بارتياح الانتهاء من عملية خوصصة شركة « سوتاسيب » المختلطة للاسمنت الابيض.

 

كما دعا الطرفان مصفي الشركتين الاخريين « سامكو » للمحركات و »سوتاتيك » للهياكل الحديدية إلى عرض التقارير النهائية على الجمعيتين العامتين للمساهمين خلال الثلاثي الاول لسنة 2006 .

 

(المصدر: وكالة الأنباء الجزائرية بتاريخ 18 ديسمبر 2005)

 

2- وهذه الصياغة التونسية التي لا تقول شيئا…

 

تونس/الجزائر

اجتماع لجنة تقييم ومتابعة التعاون الصناعي

 

انعقدت يومي 18 و19 بالجزائر أشغال الدورة الخامسة للجنة تقييم ومتابعة التعاون الصناعي برئاسة السيدين عفيف شلبي وزير الصناعة والطاقة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة ونظيره الجزائري السيد محمود خدري.

 

وكان اللقاء مناسبة لاستعراض واقع وآفاق التعاون الثنائي في مختلف الميادين المرتبطة بالقطاع الصناعي ومدى التقدم الحاصل في تنفيذ برامج التعاون القادمة بين مختلف المراكز الفنية وهياكل الدعم والإحاطة.

 

وثمن السيد عفيف شلبي المستوى المتميز للتعاون الثنائي وما يشهده من حركية برعاية قائدي البلدين الرئيس زين العابدين بن علي والرئيس عبد العزيز بوتفليقة مبرزا حرص تونس على تطوير آليات هذا التعاون وتعزيزه بما يتيح الاستغلال لأمثل لفرص الشراكة والتكامل والاستثمار التي يوفرها اقتصادي البلدين.

 

وقد أجرى السيد عفيف شلبي عدد من اللقاءات مع المسؤولين الجزائريين حيث تحادث مع السيد احمد اويحي رئيس الحكومة الجزائرية.

 

وتناولت المحادثة بالبحث مختلف أوجه التعاون والأفاق الواعدة لتطوره كما كانت للسيد عفيف شلبي لقاءات مع وزراء الطاقة والمناجم والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والصناعة التقليدية والمساهمة وترقية الاستثمار تم خلالها استعراض وتقييم التعاون الثنائي في هذه الميادين وآفاق دعمه وتعزيزه.

 

(المصدر: موقع « أخبار تونس » الرسمي بتاريخ 19 ديسمبر 2005)

 

تونس: الجهاز المصرفي ينفتح على المصارف الأوروبية

تونس – سميرة الصدفي    

 

خطا الجهاز المصرفي التونسي خطوة هامة في طريق الانفتاح على المصارف الأوروبية، بعدما كانت المصارف الحكومية تسيطر على القطاع إلى وقت قريب. واستطاع مصرف «ساتندر» الإسباني بالإشتراك مع «بنك الوفاء التجاري» المغربي، السيطرة أخيراً على أكثر من 53 في المئة من أسهم «بنك الجنوب»، بعدما باعت الدولة حصصها في رأس ماله، المقدرة بـ 33 في المئة. ثم اشترت المجموعة الإسبانية المغربية 20 في المئة أخرى من أسهم المصرف في السوق المالية.

 

وتُعتبر هذه العملية الثالثة من نوعها، إذ سبق لمصرف «بي أن بي باريبا» الفرنسي أن اشترى 50 في المئة من أسهم «الاتحاد المصرفي للتجارة والصناعة»

UBCI التونسي، ووضع علامته المميزة على فروعه في العاصمة والمحافظات الداخلية. كذلك اشترى بنك «سوسييتيه جنرال» الفرنسي أكثر من 50 في المئة من أسهم المصرف التجاري المحلي «الاتحاد الدولي للمصارف»، وسعى المصرفان الفرنسيان إلى منافسة المجموعة الإسبانية – المغربية على شراء حصص «بنك الجنوب» أملاً بإدماجه بأحدهما، إلا أن السلطات لم تبد حماسة لتلك الصيغة.

 

ومع إنشاء مصرف جديد متخصص بتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة أخيراً، ارتفع عدد المصارف التجارية والتنموية في تونس إلى سبعة عشر مصرفاً، بعدما كان لا يتجاوز ستة مصارف في الستينات، فيما قدر عدد الفروع المصرفية بـ 810 فروع.

 

وأعلن حاكم المصرف المركزي توفيق بكار مطلع الشهر الجاري، عن مراجعة قانون المصارف الصادر في 2001 بغية تحسين أداء القطاع، استعداداً لمجابهة المنافسة المتزايدة من المصارف الخارجية والتي أفسح المجال أمامها لدخول البلد بعد انغلاق استمر ثلاثة عقود. وأكد أن القانون الجديد الخاص بالأمان والسر المصرفيين سيدخل حيز التنفيذ قريباً. ويتألف الجهاز المصرفي المحلي من 17 مصرفاً تجارياً بينها أربعة مصارف تنمية أنشئت في مطلع الثمانينات، بالاشتراك مع بلدان خليجية، وتحولت أخيراً إلى مصارف تجارية، وهي «البنك التونسي القطري»، و «بنك تونس والإمارات»، و «الشركة التونسية السعودية للاستثمار الإنمائي» التي باتت تُعرف بـ «ستوسيد بنك»، و «البنك التونسي الكويتي».

 

وعلى رغم أن حجم المصارف الخاصة الأربعة توسَع في السنوات الأخيرة، ما زالت المصارف ذات المساهمات العمومية وعددها ستة تستأثر بالحصة الرئيسة من الجهاز المصرفي. وبعد تعديل القوانين المصرفية في مطلع التسعينات استطاعت مصارف عربية وأجنبية الحصول على الأكثرية في رأس مال مصارف عدة محلية غير مقيمة، بينها «سيتي بنك» الأميركي و»المؤسسة المصرفية العربية» (مركزها في البحرين) و»المصرف التونسي الليبي للتجارة الخارجية» و»بنك تونس العالمي» المملوك لمجموعة «كيبكو» الكويتية.

 

من ناحية أخرى، أعلنت مجموعة «بي أن بي باري با» المصرفية أنها ستعزز حضورها في تونس بفتح ثلاثين فرعا خلال السنتين المقبلتين.

 

وأفاد مصدر في المصرف أن خطة الإنتشار في تونس تندرج ضمن مشروع يرمي لفتح 200 فرع جديد في المنطقة المتوسطية وبلدان الخليج خلال الفترة من 2005 إلى 2007. وتمتلك المجموعة حالياً 314 فرعاً في المنطقتين سترفع إلى 381 في أواخر العام الجاري، وإلى 490 في أواخر العام المقبل. وسترفع عدد فروعها في المغرب من 14 إلى 20، فيما سترفع فروعها في الجزائر من 10 فروع حاليا إلى 14 فرعاً في غضون العامين المقبلين.

 

يُذكر أن الفرنسيين حافظوا خلال العام الجاري على مركزهم في مقدم المستثمرين الأجانب في البلد، إذ ارتفع عدد المصانع التي أنشئت باستثمارات فرنسية أو في إطار مشاركة مع مستثمرين محليين إلى 1060 مصنعاً.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 18 ديسمبر 2005)


الرئيس بن علي يجتمع بوزير الاتصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين

العمل على تنظيم الصحافة الالكترونية والإسراع بتنفيذ القرارات المتخذة لفائدة الإعلاميين

 

اتجه اهتمام الرئيس زين العابدين بن علي لدى اجتماعه صباح اليوم بالسيد رافع دخيل وزير الاتصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين إلى سير عمل الوزارة وبرامجها بالنسبة للفترة المقبلة.

 

وجدد رئيس الدولة حرصه على مزيد الارتقاء بالمشهد الاتصالي إلى متطلبات المرحلة موصيا في هذا الصدد بالعمل على تنظيم الصحافة الالكترونية.

 

واهتم رئيس الدولة من ناحية أخرى بتقدم انجاز المقر الجديد لمؤسسة الإذاعة و التلفزة التونسية مؤكدا على احكام استغلال الفضاءات التي يوفرها المقر الجديد وموصيا بتعصير وتطوير طرق التصرف بهذه المؤسسة.

 

ومتابعة للقرارات التي أعلن عنها في خطابه بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة للتحول والرامية إلى مزيد تطوير المشهد الاتصالي أذن رئيس الدولة بتنظيم ندوة تجمع المثقفين والمبدعين للاستماع إلى آرائهم وتطلعاتهم بمناسبة الإعداد لانطلاق الإذاعة الثقافية .

 

كما أوصى رئيس الدولة في هذا الإطار بالإسراع بتنفيذ القرارات التي أقرها لفائدة الإعلاميين والعمل على تشجيعهم والإحاطة بهم وتوفير المرافق والوسائل الضرورية التي تساعدهم على القيام بعملهم على أفضل وجه.

 

(المصدر: موقع « أخبار تونس » الرسمي بتاريخ 20 ديسمبر 2005)


 

تحقيق

التونسي والاحتفال بالسنة الجديدة رأس العام

بأي حال عدت يا ريفيون: أبدندون محشي أم بمصاريف تنضاف للمصاريف

 

لا يكاد يحلّ الشهر الأخير من كل سنة حتى نشعر وبصفة استثنائية بأن هناك موجة من الفرح والتفاؤل تغمر الاغلبية او هكذا يبدون وهم يستعدون في حرص لا مجال للشك فيه لاستقبال سنة جديدة بتفاؤل عارم يترجمه هؤلاء وأولائك بأشكال شتى من الاحتفالات بدءا من قالب الحلوى المعد في المنزل الى الليالي الصاخبة في أضخم النزل ولئن تعددت هذه الاشكال واختلفت بحسب الفئات الاجتماعية والامكانيات المادية فإنّ الملاحظ  انها حاضرة في اغلب العائلات التونسية «الاسبوعي» ارادت والجميع يستعد للاحتفال ببداية هذه السنة الجديدة أن تقيس مدى ارتفاع مؤشر التفاؤل والاستبشار منعكسا في كيفية الاحتفال وطقوسه وهل أننا لا نجانب الصواب حين نعتبر جازمين أن تلك الاشكال الاحتفالية تعبير فعلي عن فرحة وتفاؤل  هي محض تقليد  المغلوب للغالب  على حد تعبير ابن خلدون واقتداء به لا يمت الى ما يعتمل في النفوس من فوضى حواس يتجاذبها فيه التفاؤل والخوف.

 

لم نكن نحتفل به

فاطمة (65 سنة) قالت حين سألناها عن كيفية الاحتفال برأس السنة الميلادية أن الامور تغيرت منذ عدة سنوات فهي تذكر أن الامر كان يمر بدون احتفالات تذكر الا من طرف الاجانب الذين كانوا يسكنون بجوارها خاصة من الايطاليين فهم الذين كانوا يعدون انواعا كثيرة من الخبز ويعدون المرطبات او يشترونها ويقتنون اللحوم ويعدونها في أطباق يحملونها الى المخابز المجاورة للطهي. وتضيف بأن احتفالاتهم كانت صاخبة وتتواصل  الى ساعات متقدمة من الليل.

 

وأكدت أن أبناءها دأبوا ومنذ عدة سنوات على اشتراء المرطبات واعداد الدجاج المصلي في البيت للاحتفال به فيما تطبخ هي «الملوخية» مع أول يوم من شهر جانفي حتى يكون العام أخضر أي سعيدا.

 

احتفالات مبالغ فيها

معز (33 سنة) أجابنا ضاحكا بأن الجميع يحتفل به ولكن كل على طريقته فلا مجال أن يمر رأس السنة مرور الكرام  وأكد أن هناك احتفالات مبالغ فيها تسيطر فيها المظاهر والتباهي على الاحتفال البسيط بسنة انقطعت وأخرى ستحل وعن بعض  هذه المظاهر المبالغ فيها قال أنها تتمحور حول السعي مثلا لاقتناء ديك رومي مهما كان ثمنه وانه يعرف من يطوي المسافات الطويلة والتوغل في الارياف لاقتناء هذا الطائر ويضيف بأن هناك من يعتقد وبدون أسباب مقنعة أن السنة ستكون مشؤومة اذا لم يتم أكل الديك الرومي مصليا الى جانب المرطبات ومختلف المشروبات الغازية والكحولية. وأكد ان هناك من فاق الاوروبيين المعتدلين في هذا الاحتفال ومهما يكن من أمر فإن تلك الوقفة لابد منها لنبدأ من جديد ..

 

وفي هذا السياق أكد سفيان 40 سنة أن التونسيين مغرمين بالتقليد حتى بدون معرفة أسباب ودوافع طقوس الاحتفالات الغربية برأس السنة . وقال انه تعوّد فقط على اشتراء خبزة المرطبات لابنائه وعلى تهنئة أصدقائه وعائلته بحلول السنة الميلادية الجديدة في حين ينسى في اغلب الاحيان أن يفعل ذلك عند حلول السنة الهجرية وغالبا ما يمر  ذلك اليوم عاديا وبدون ضوضاء. أما رأس السنة الميلادية  فوقعه في النفوس واضح والاحتفال به لابد أن يكون بالمرطبات والعشاء الفاخر في أسوإ الاحوال كي تكون السنة سعيدة .

 

غزا هذا التقليد  جميع الاوساط

سعاد والهام أكدتا أن هذا التقليد غزا جميع اوساطنا الاجتماعية حتى الفقيرة منها فالازدحام الذي نراه أمام محلات بيع المرطبات واكتظاظ الشيب والشباب والنساء والرجال يفصح عن مدى تغلغل هذا التقليد الغربي عندنا وعرجت الهام لتذكر انها تخشى من الغش فتقوم بصنع المرطبات في البيت وأكدت سعاد أن أمها تقوم باتفاق مسبق مع أصحاب محلات بيع المرطبات قبل 15 يوما تقريبا حتى لا تعاني الزحمة والاكتظاظ الذي تشهده تلك المحلات مع نهاية كل سنة ويقتنون اجزاء من الديك الرومي لطبخها.

 

لا مفر من الاكتظاظ

محسن صاحب محل حلويات وسط العاصمة أكد أنه يبدأ في قبول الطلبات قبل شهر وأكثر من حلول السنة الجديدة ويرتفع نسق هذه الطلبات على المرطبات في الاسبوعين الاخيرين لشهر ديسمبر وخاصة في الايام الاخيرة منه. وأكد انه احيانا ينتدب عمالا جددا وقتيين حتى يساعدوا عملته القارين في اعداد قوالب  الحلوى والمرطبات والحلويات بصفة عامة وعن الاسعار قال إنها تتراوح في الاغلب بين 10 دنانير بالنسبة «للخبرة» فما فوق حسب الطلب ونوعية  الزينة والفواكه التي يحبذها المقتني. وقال بأنه رغم جميع الترتيبات لتجنب الاكتظاظ والتدافع الا أن ذلك غالبا ما يقع في اليوم الاخير أو قبل الاخير لنهاية السنة. فالجميع  يريد أن يبدأ السنة بحلاوة المرطبات حتى تكون سنته حلوة وعلى خلافه اكد عباس عامل بمحل لبيع الورود والزهور أن هناك اقبالا استثنائيا على اقتناء الزهور من طرف العديدين في نهاية كل سنة ولكن ليس هناك اكتظاظ أو تدافع كما يقع في محلات بيع المرطبات. واضاف أن المحل الذي يعمل فيه يحرص سنويا وبصفة مناسبتية على اقتناء اشجار الصنوبر الصغيرة لأن هناك من يقبل على اشترائها لتزيينها في ليلة السنة الميلادية بالحلويات والهدايا على الطريقة الأوروبية. وأكد أن العمل الحقيقي يكون مع النزل حيث تقدم طلبات بحجم باقات الزهور ونوعها قبل ذلك بفترة حتى يتم اعدادها بشكل جيد فالاحتفالات في تلك الفضاءات تكون مركزة على الزهور والاشجار المزينة على خلاف الاحتفالات في المنازل التي تركز أكثر على الاكل وأضاف بأن ثمن شجرة عيد الميلاد هو من 45 دينارا فما فوق ويقتنيها خاصة الاجانب والمتزوجون من أجانب او المتشبهون من التونسيين بهم.

 

فسحة للأمل

ليس من العسير أن نستنتج من خلال ما تقدم أنّ الجميع وفي محاولة منهم للقبض على التفاؤل وتجنيده لخدمة الفرح والحظ الوافر خلال سنة جديدة يحاولون بهذه الاحتفالات وإن بدت عادية أو مبالغا فيها بما فيها من تدافع واكتظاظ وسعي لأكل المرطبات وحرص على اقتناء انواع بعينها من الطيور واشتراء الملابس  واعداد الاطباق الفاخرة هذا في المنازل في حين تتشعب طرق الاحتفال في الفضاءات الاخرى فتصل الى مستويات يقف الوعي أمامها مبهوتا. فمن المؤكد أن الجميع وبطريقة ما يحاول أن يمنح نفسه عن وعي أو غير وعي هذه الوقفة للقطع ولو لساعات مع طاحونة الشيء المعتاد وهذه الاستمرارية على وتيرة واحدة على أمل البدء بنفس جديد وروح جديدة يحدوها التفاؤل  ويجري في ركابها الحظ السعيد  ولا مجال بعد ذلك للحديث عن التقليد او المبالغات لان حاجة النفس الى الفرح طاغية ولها أن تتشبث به في تلابيب حلاوة المرطبات وتحاول التقاطه من شموخ الديك الرومي وكبريائه وإن تمنح نفسها فسحة الأمل لأن العيش من المؤكد أنه سيحشرنا في عنق زجاجة لولا ذلك.

   

(المصدر: جريدة « الصباح الأسبوعي » التونسية الصادرة يوم 19 ديسمبر 2005)

 

 

تونس توفد مبعوثين الي العواصم المغاربية يقترحون تغييرات في هيكلة الاتحاد

الرباط ـ القدس العربي من محمود معروف:

 

افادت مصادر دبلوماسية عربية في الرباط ان مبعوثين للرئيس التونسي زين العابدين بن علي بدأوا جولة في عواصم دول المغرب العربي لتسليم قادتها رسائل حول تفعيل الاتحاد الذي يجمعها منذ 1989.

وقالت المصادر لـ القدس العربي ان الرئيس التونسي الذي لعبت بلاده دورا في تقريب وجهات النظر بين الدول الاعضاء والحفاظ علي الحد الادني من العمل المغاربي المشترك رغم التعثرات والصعوبات التي ادت الي جمود مؤسساته، يقترح في رسائله تغييرات في هيكلة الاتحاد وتفعيلها.

واستقبل العاهل المغربي الملك محمد السادس امس الاثنين بالقصر الملكي بالدار البيضاء المبعوث التونسي احمد عياض الورداني وزير مدير ديوان رئيس الجمهورية الذي سلمه رسالة الرئيس بن علي بحضور صالح البكاري السفير التونسي بالرباط. كما تسلم الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي رسالة من الرئيس التونسي اثناء استقباله ليلة الاحد بطرابلس وزير النقل التونسي عبد الرحيم الزواري مبعوثا شخصيا من الرئيس بن علي تتعلق بتفعيل مسيرة اتحاد المغرب العربي لتحقيق تطلعات شعوبه في التقدم والرقي .

واشارت المصادر الي ان الرسائل تندرج في اطار التنسيق والتشاور المستمر بين قادة دول المغرب العربي.

واوضحت ان تونس تقترح علي دول الاتحاد تعيين امين عام جديد خلفا للحبيب بوعراس الذي تنتهي مهمته التي تولاها 2002 خلفا لمحمد عمامو اول امين عام للاتحاد.

وكان اتفاقا بين قادة الاتحاد جري في قمة الدار البيضاء ( ايلول /سبتمبر 1991 ) علي تولي تونس منصب الامين العام فيما يحتضن المغرب مقر الامانة العامة.

وتترأس ليبيا منذ 2003 رئاسة اتحاد المغرب العربي الذي يضم كلا من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا فيما عقدت آخر قمة مغاربية بالعاصمة التونسية خلال نيسان/ابريل 1994 قبل ان تنتقل رئاسة الاتحاد الي الجزائر في يناير1995 رغم ان قانون الاتحاد ينص علي عقد قمة سنوية في ختام رئاسة الدورية.

وحالت الخلافات الثنائية وتحديدا بين المغرب والجزائر علي تعطيل عمل المؤسسات المغربية منذ خريف 1995 بعد فتور دام اكثر من سنتين.

وفشلت جهود بذلت خلال السنوات الماضية لانعاش هذه المؤسسات والوصول بها الي الحركية والتعاون الذي عرفته خلال السنوات الاولي من تأسيس الاتحاد كما فشلت في عقد القمة المقرر عقدها سنويا، كما عقدت عدة اجتماعات علي مستوي الخبراء او علي مستوي وزاري.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 20 ديسمبر 2005)

 


 

هذا المقال نُشر أول مرة يوم 15 نوفمبر 2005 على موقع بي بي سي أون لاين، لكنه ضاع في غمرة المتابعة المكثفة لفعاليات المجتمع المدني في تلك الفترة…

 

عُـشُـر التونسيين يُـبـحـرون في الانترنيت ونصفهم يمتلك هاتفا جوالا

 

كمال بن يونس

بي بي سي – تونس

 

قدرت آخر الاحصائيات الرسمية عدد المنخرطين في شبكة الانترنيت في تونس بأكثرمن عشرالعدد الاجمالي للسكان واوردت أن نصف الشعب التونسي يمتلك هاتفا جوالا.

 

لكن البعض يربط بين هذا التطور السريع وانتشار الاطباق في البيوت التونسية بظاهرة الفرار من الاعلام التلفزي والاذاعي الرسمي وانتشار موضة الابحار في المواقع الاخبارية الممنوعة مثل  » تونس نيوز. »

 

موسيقى نشرة الثامنة مساء للاخبار التلفزية كانت تشد الاغلبية الساحقة من المشاهدين والمستمعين قبل ثورة  » الانترنيت  » وموضة  » الدش « و »الفضائيات  » التي يلتقط سكان شمال افريقيا آلافا منها مجانا بمجرد شراء « دش « لا يتعدى سعره مائة دولار، وذلك بفضل قربهم من أوروبا وأقمارها الصناعية.

في مقاهي الانترنيت

وفي مقاهي الانترنيت تتوسع حرية الاختيار للكبار والصغار، وتزداد حدة النقد للاعلام الرسمي كما جاء على لسان نزيهة رجبية المدرسة والكاتبة في المجلات الالكترونية الممنوعة مثل تونس نيوز التي ردت على سؤالي بحزم قائلة: « بصراحة لا أجد في اخبار التلفزة ما يشدني ولا ما يشد التونسيين. إنه إعلام يهمش مشاغل المواطنين الحقيقية ولا مصداقية له. »

 

أما صديقتها سهير فقد همست لي بانها لا تشاهد برامج التلفزيون الحكومي منذ سنوات، وتبحث عن ضالتها « من خلال الابحار عبر المواقع الاخبارية الممنوعة في الانترنيت ومنها تونس نيوز. »

الهروب نحو مواقع « مشبوهة « ؟

هل الحل إذن في الهروب من الاعلام الرسمي الى مواقع انترنيت المعارضة المحظورة التي قدلا تكون بدورها دقيقة وموضوعية ؟ أليس هذا الخيار بدوره مجرد رد فعل غير مدروس ؟

 

تقول أم زياد: « في عشرات المجلات الالكترونية الممنوعة مثل « تونس نيوز » و »كلمة » و »آفاق المواطنين » تجد النخبة التونسية ضالتها ونتعرف على آخر الاخبار التي تهم المعارضة وقوى المجتمع المدني ونشطاء حقوق الانسان، وكذلك الاخبار التي تهم الحكومة والحزب الحاكم. لكن كيف تريد مني أن أتابع التلفزة الوطنية وهي لم تبث الى حد الان أ ي خبر عن اضراب يشنه نشطاء تونسيون منذ 18 اكتوبر وتجد تفاصيل عنه وعن المساندين له في تونس نيوز وغيرها من المواقع الالكترونية أو في بعض الفضائيات مثل قناة الجزيرة والفضائيات الفرنسية ؟ »

حل وسط

لكن سفيان المدمن على الانترنيت – كما يصف نفسه- يقدم اقتراحات يعتبرها « توفيقية » و »حلا وسطا » بين مطالب المعارضين والاعلام الرسمي.

 

يقول سفيان : » الحل في تطوير شبكة تونس وتعميم السعة العالية والانخراط في التكنولوجيات الجديدة بعقيلة منفتحة مع تفهم الخصوصيات. »

 

هذا الهروب من وسائل الاعلام الرسمية نحو الفضائيات العالمية والانترنيت يؤكد أنه ينبغي فهم الصبغة الاستراتيجية لسلاح الكلمة مهما اختلفت الاراء. فالكلمة لا يرد عليها بالرصاص..بل بالانفتاح والكلمة المعتدلة.

 

لكن السؤال الكبير هو هل أن الظروف السياسية الجديدة تخدم مسار الاعتدال والانفتاح أم العكس ؟

 

(المصدر: موقع بي بي سي أون لاين بتاريخ 15 نوفمبر 2005)

وصلة الموضوع: http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/in_depth/2003/digital_divide/newsid_4440000/4440114.stm


كم هو مؤلم حرق شباب مغاربة لأنفسهم احتجاجا على بطالتهم؟!

محمد نبيل (*)

 

سجل هذا الأسبوع حدث مأساوي بالمغرب ويتمثل في إقدام ستة من الشبان العاطلين من حاملي الشهادة علي إشعال النار في أنفسهم أمام مقر وزارة الصحة بالعاصمة الرباط. وحسب قصاصات وكالات الأنباء الدولية تم نقل هؤلاء الشباب إلي المستشفي، اثنان منهما أصيبا بحروق خطيرة.

 

هذا الحدث يدفعنا لا محالة، مرة أخري، إلي مساءلة واقع مغرب اليوم وآفاقه التي أمست حسب العديد من المحللين مسدودة وبعيدة عن كل شعارات العهد الجديد. فالبطالة تشكل أحد الأورام الخبيثة التي تؤلم الذات المغربية بل تحرج القائمين علي البلد دوليا. فحسب الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية البطالة تمس أكثر من 17 في المئة من السكان، هذه النسبة هي أكبر في صفوف العاطلين من حاملي الشهادات مما يطرح ألف سؤال حول مستقبل الشباب المغربي ودوره التنموي.

 

فعاصمة البلاد أضحت ملاذا للمعطلين الذين يحجون إليها من أجل المطالبة بالشغل والاحتجاج ضد سياسة الحكومة غير المبالية بمطالبهم المشروعة والتي تؤدي بهم إلي التنديد بإجهاض حقهم في الشغل المضمون وفق المواثيق الدولية. هؤلاء الشباب المعطل الذين قرروا بفعل اليأس تغيير أشكال الاحتجاج والرفض بدأوا يوظفون وسائل أكثر حدة والتي تجلت في إحراق ذواتهم أمام مرأي ومسمع الرأي العام.

 

هذه ظاهرة جديدة تقدم الدليل علي أن الذي يحترق هو مغرب اليوم ويحرق معه طاقاته وكفاءاته العليا.

إن خطاب ـ الحريق المغربي ـ يتمظهر، من جهة، في حريق داخل الوطن يدفع الشباب اليائس إما إلي الانتحار الطوعي الناتج عن الرفض أوركوب قوارب الموت. ومن جهة أخري، هناك حريق خارج الوطن يدفع الكفاءات إلي الهجرة من أجل البحث عن إمكانيات جديدة. هذا الحال يدل دلالة واضحة علي غياب استراتيجية وطنية لإخراج البلاد من النفق المسدود والذي في ظله تهدر الطاقات بشكل فظيع.

 

إذا انطلقنا من المعطيات الاقتصادية الأخيرة، نجدها تسجل تدهورا في نسبة الناتج الخام المغربي وتؤكد علي غياب الاستقرار المنشود بالمقابل نجد منظمة ترانسبانسي في آخر تقرير لها ، تصنف المغرب في الرتبة 78 دوليا إلي جوار السنغال وسيريلانكا لتدق ناقوس الخطر بخصوص غياب الشفافية والمصداقية في تسيير البلاد .

 

ترانسبارنسي تطالب السلطات المغربية بوضع نصوص وقوانين واضحة للحد من التزوير والتزييف التي مازالت تقلق راحة المغاربة قبل وبعد الانتخابات التي من المفروض أنها ترشح نواب الشعب بطريقة ديمقراطية.

 

مغرب اليوم يطرح العديد من الأسئلة المهمة : كيف يمكن لهذا البلد أن يتطور ويقطع مع سنوات الفساد والاستغلال ـ المعروفة كذلك بمرحلة الرصاص ـ وهوما زال يعاني من ويلات عدم وجود دستور ديمقراطي وشعبي؟ كيف يمكن للشباب المغربي أن يجد عملا يضمن لهم الكرامة الإنسانية وهم يعيشون في بلد لا تمارس فيه سياسة فصل السلط ، تغيب فيه الشفافية وتحكمه حكومة لم تفرزها أصوات الناخبين بل أكثر من ذلك لا يتوفر علي مشروع مجتمعي واضح المعالم؟ وأي مأساة ان يدفع الشباب الكادح الثمن غاليا.

 

(*) صحافي مقيم بكندا

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 20 ديسمبر 2005)


 

حـتـى لا نـمـوت

تحرك 18 أكتوبر المفاجأة التي لم ينتظرها النظام ولكن أتراها تحل المشكلة ؟

 

عبد الحفيظ خميري

 

لقد نجح النظام في عزل الحركة الإسلامية، وألب عليها المعارضة، أو قل أذناب المعارضة المتمعشة التي زينت للنظام دك حصون هذه الحركة، وساعدته ولمدة 15 سنة أملا منها بأن يخلو لها المقام، ولكنها هي الأخرى لم تسلم من جبروته، ودارت على الباغي الدوائر، وانقسمت المعارضة إلى قسمين: قسم يمجد ويسبح باسم النظام، وقبل بالعظم الذي رماه إليه النظام.. وقسم فيه بقية من حياء لم يعجبه توزيع الكعكة، فخرج عن النظام وتوقف عن سب الإسلاميين وتجريمهم، ومع الأيام وزوال الغشاوة عن عيونهم ـ نحكم على الظاهر والله يتولى السرائر ـ أحسوا بعمق المعاناة التي تكبدها جيل من أكرم وأنبل شباب تونس.. وعلى مطلب إطلاق المساجين، جاء إضراب الثمانية الذي يعكس شعورا وطنيا، عاما بأن الخرق قد ترامى على الراتق، ولا بد له من وقفة جماعية.. و نسيان المصالح الضيقة..

 

فبورك في هذا التحرك، وبورك في رجاله، وبورك في هذا التحول الذي فاجأ الجميع، فأن تلتقي مجموعة تمثل مختلف الطيف السياسي، فهذا حدث نوعي في تاريخ تونس.. وأن يدافع حمة الهمامي المعروف بكرهه للإسلاميين عن المساجين، فهذا شيء يحير ونحن نعرفه.. فسبحان مغير الأحوال.. أم إنها السياسة التي لا تعترف بالثوابت

!!

 

يجتمع ثمانية من مختلف الحساسيات، هذا شيء ممتاز نباركه، ونشد من أزره ونريده حدثا متواصلا لكي يؤتي أكله.. حدث مؤسس يحمل رؤية ومشروعا، وليس ردة فعل مربوطة بحدث تشهده البلاد..

 

ينقطع الإضراب وتحل محله أشكال أخرى من النضال.. والدوام ينقب الرخام، طالما ظلت المعارضة متماسكة بأهدافها النبيلة ومحافظة على وحدتها.. ويكفي هذه المجموعة شرفا أنها حركت ماء آسنا وراكدا بل ماء مجخيا لم يتحرك منذ سنوات.. وخلخلت جدران الصمت المضروب على التونسيين، وحتى الإسلاميون ورغم كثرتهم بالمنافي، لم يتحركوا من قبل، مثلما تحركوا هذه الأيام، وكأننا لا نتحرك إلا إذا دفعنا الآخرون..

 

إذن أن تغيب المصلحة الحزبية الضيقة، ويغيب العداء الإيديولوجي.. وتحضر الحكمة والمبدئية، ومصلحة البلاد العليا، فهذا عمل جيد.. وأن يلتقي أعداء الأمس على كلمة واحدة.. وعلى قاسم مشترك.. من أجل وطن حر، ومن أجل خضراء حرة، ومن أجل مواطن كريم وسيد في بلاده، فكل هذا جيد…

 

نُـثـمـّن هذا الحدث، ونشد من أزره، ونساهم فيه، و نحكم على الظاهر والله يتولى السرائر… فاليسار يوزع الأدوار.. والإسلاميون عاطفيون.. والعاقل من يسامح ولكن علينا ألا ننسى.. فمن هو الذي يعذب إخوتنا في السجون ؟ ومن هو الذي يجفف الينابيع ؟ ومن هم مستشارو الرئيس بن علي ؟

 

أليس أغلبهم من اليسار البراغماتي.. بالأمس كان الشرفي وزيرا وها هو اليوم معارضا.. وعجبت ذات يوم حين جاء الشرفي إلى باريس، وتسابق بعض الرموز من النهضة لمقاسمته المنصة.. علينا أن نكون متيقظين لكل الطوارئ، والمفاجآت، والألاعيب التي تدور خلف الستار، فالحكيم لا يلدغ من الجحر مرتين.. فقد يعود النظام مغازلا لبعض هذه الأطراف.. و قد تلتقي المصالح، فيرتد اليوم إلى صف النظام، من كان بالأمس يشتمه ويسعى لتشويهه..

 

إذن قد يمد النظام من جديد إلى بعض هؤلاء عظما من جديد، فيعودون لهش أذنابهم، ويعودون للدفاع عنه، وتعود ريمة إلى عادتها القديمة.. فتونس فيها الكثير من يمشي على الحبلين.. والسياسة عفنة تربطها المصالح…

 

وأخيرا فإن إضراب الجوع وما رافقه من مساندة، ومن تحركات، يقول إنه بإمكان التونسيين عامة أن يفرحوا، لأنه مازال في تونس من رموزها، من يقدر المصلحة الجماعية والمصلحة الوطنية..

 

ولكن هناك سؤال يلح علي: ما الذي ستجنيه النهضة من هذه التحالفات، مع اليسار و مع غيره من المعارضة.. أما كان الأجدر بها أن تذهب مباشرة إلى رأس النظام.. وتعرف ماذا يريد ؟ و ماذا يجب على النهضة أن تفعل من أجل توفير الأرضية المناسبة للمصالحة الوطنية ؟ لأن المشكلة الحقيقية في الأخير، هي بين النظام والإسلاميين، ولأن بقية فسيفساء المعارضة التونسية، لا تشكل ثقلا في الشارع العام، وبالتالي فهي لا تشكل هاجس خوف بالنسبة للنظام مثلما يشكله الإسلاميون ؟؟؟

 


 

حول بيان للرابطة بتاريخ 17/12/2005

أحمد البديوي – تونس

 

قرأت بكل اهتمام ما جاء في بيان المختار الطريفي ليوم 17 ديسمبر من إستياء لما أسماه «اعتداءات خسيسة وعبارات مخلة بالشرف والكرامة» موجهة ضد خميس الشماري وأحمد نجيب الشابي وتضمنتها حسب قوله مناشير ورسائل مجهولة الهوية.

 

لقد آن الأوان للتصدّي لهذه المسألة دون نفاق أو مواربة. وأودّ أن أورد في هذا الصدد الخواطر التالية:

 

– لم أطلّع شخصيا على «المناشير» التي يندُّدُ بها السيد المختار الطريفي، ولكن سبق لي أن اطلعتُ في المقابل على «أدبيات» أخرى ينطبق عليها تماما وصف « الاعتداءات الخسيسة  والعبارات المخلّة بالشرف والكرامة » وتتمثل في مقالات، بعضها ممضى وأكثرها مجهول الهوية، تتهجم على رجالات الدولة ومسؤوليها وحتى على الشخصيات المستقلة في تونس وتهتك أعراضهم وأعراض عيالهم وأصدقائهم وتختلقُ الإشاعات حول حياتهم الخاصة، كل ذلك دون أن نرى نجيب الشابي أو خميس الشماري أو المنصف المرزوقي أو خميس كسيلةَ أو راضية النصراوي أو سهام بن سدرين.. وغيرهم ينزعج قليلا أو كثيرا من ذلك.

 

– من الأكيد أن بعض الصحف الصفراء الصادرة في الخارج ومواقع الإنترنت المشبوهة التي اختصت في هتك أعراض الناس واختلاق الإشاعات حول حياتهم الشخصية تتلقى المساندة من قبل أفراد وأطراف تدعي انتماءها للمعارضة، ومن ضمنها طبعا التنظيمات النهضوية وبعض الجهات اليسارية المرتبطة بها، كل ذلك دون أن نسمع بأي تنديد بذلك من قبل تلك المعارضات.

 

– من باب المفارقات تظلم هذه الفئات للأطراف الأجنبية عند كل نقد أو تهجم أو انتقاد تَتَعرض له، بالرغم من ضلوعها هي في سلوكيات ومواقف يمكن أن تعتبر في كثيرا من الحالات «خسيسة ومخلة بالشرف والكرامة..».


 

رد على طلب الماجري الإعتذار

 

علي بن عرفة

 

لقد دعاني الماجري في مقاله الاخير للاعتذار العلني عما كتبته في مقال « جهاد الاضراب عن الطعام والانتحار »، فدفعني بدعوته تلك الى كتابة هذا الرد، رغم ايماني الشديد ان الحوار الثنائي على الانترنات ليس غاية الصفحات القائمة على نشر مثل هذه الحوارات، ولذلك فانني استجيب لدعوته مضطرا، رغم اعراضي عن هذا الاسلوب في الحوار في كل ما كتبت، فلم اذكر اسمه في مقالي السابق لحرصي على مناقشة الفكرة بغض النظر عن صاحبها.

 

أولا: ينكر الماجري القول بانتحار شهداء الحركة الاسلامية، ويطالب بالدليل على هذا القول. ولا يجادل اثنان في ان محور الحديث هو الاضراب عن الطعام، وبالتالي عندما نتحدث عن شهداء الحركة الاسلامية في هذا المقام، فاننا نتحدث عن المضربين عن الطعام الذين ماتوا او اصابتهم امراض مزمنة بسبب الاضراب، وان كان الماجري لايقول بانتحار هؤلاء، فإنه يناقض مقالته التي حشد فيها الكثير من النصوص المتعلقة بالانتحار، فلماذا هذه النصوص في موضوع الاضراب عن الطعام، ان لم يكن القصد منها تأكيد انتحار المضربين؟

 

وهذا نص ما كتبه الماجري:

 » ثم يأتي بعد ذلك من يبيح للمحتجزين في سجون الخظراء ان يباشروا هذا النوع من الانتحار المنظم المدعوم بهالة التقديس الحزبي والصخب السياسي والتزوير الاعلامي…يرتقي الامر بالبعض ان يصنفوا فقداء اضراب الجوع بالشهداء فبالله كيف سيلقى العبد ربه وقد أهلك نفسه بالموت أو أهلكها بالامراض بسبب هذا الجوع فمن المسؤول عن موت الاخ عبدالوهاب بوصاع رحمه الله الذي سبب لنفسه الهلاك بالجوع حتى مات ومن المسؤول عن بقايا الهيكل العظمي للاخ مختار اللموشي حفظه الله وغيره كثير وقد أثقل بالامراض المزمنة بعد اضرابه الذي تجاوز المائة يوم أليس هذا ما يريده الخصوم ان تبادر الى قتل نفسك. « 

 

ويبقى للقراء الحكم فيما ذهبت اليه وانكره الماجري،  خاصة وانه انكر التعرض للشهداء بتاتا، وفي الاستشهاد السابق اشارة صريحة للاخ عبدالوهاب بوصاع، الذي نسب اليه سبب الهلاك بالجوع حتى الموت. ولانني لست من المهتمين بالجدال او الحريصين على الخصومة، فقد كان يسعدني ان اقرأ ان الماجري ينكر القول بانتحار هؤلاء، ولكنه بتكذيبه لما كتبت، دفعني لكتابة هذا الرد، وعرض ما كتبه على القراء، للحكم له او عليه.

 

ثانيا: يطالبني الماجري بالاعتذار عما ذكرته من أن القول بانتحار المضربين عن الطعام، يعد وقوفا الى جانب الجلاد، وهو أمر لا يختلف فيه اثنان، فكل من يقول بانتحار سجين سياسي يناضل لاسترداد حقوقه بما تيسر له من وسائل، هو الى جانب الجلاد وضد الضحية ، فكيف اذا كتب مايلي  » هل وصل اليأس بالاخوة الى هذا المستوى؟ … وهل السلطة وحدها التي تتحمل المسؤولية كاملة أم الاخوة المحتجزون يتحملون كذلك قسطا ولو ضئيلا في المأساة؟ أم ان الازمة تتحملها نهضة المهجر؟.

 

واذا تجاوزنا عموم اللفظ في قولي بوقوف القائل بانتحار السياسي المضرب عن الطعام الى صف الجلاد، فقد تجاهل الماجري قولي المتعلق بشخصه حيث قلت :

« ان صاحب المقال يسيئ اليهم من حيث لا يعلم، أولا بالتصدر لتعليمهم حكم الشرع في الانتحار، وهو ما يعلمه كل مسلم، وثانيا بتبرئة الجلاد من دمهم، فهم منتحرون »

 

فهل في قولي هذا اتهام له؟ رغم  انه يعلم انني متجاوز في قولي، حين اقر بانه يسيئ اليهم من حيث لا يعلم، وهو يعلم انني لا اعرفه، فالله وحده أعلم به، ولكنني قدمت حسن النية، فأبى الا ان يؤخرها- وهو اعلم بنفسه- ولكن ليس له ان يتهمني بالكذب، فما خطت يمينه بين يدي القراء، وهم الحكم بيننا.

 

والله نسأل السداد في القول و الهداية للجميع.


أأسود عليّ !!!     » 2/5 « 

خميس بن علي الماجري     

mejrikhemis@yahoo/fr

………..

قلت أخي الهادي: لخلاف لم أطلع عليه سوى عند السيد الماجري

أقول : لقد وضعتني  أخي الهادي مقابل الشّيخ القرضاوي فإن كنت وضعتني ندّا له فهذا شرف لا أدّعيه واستغفر اللّه وإن كنت تقصد إهانتي لأنّك وضعتني أمام إمامك ،فهذا لا يليق ، لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : » المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره  » ثمّ أذكّرك أخي الهادي غفر الله لك أنّ هدهدا لا يتجاوز وزنه الغرامات القليلة أحاط  بما لم يحط به سليمان عليه الصّلاة والسّلام. والحكمة ضالّة المؤمن وقد كان رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم  يستشير كلّ المسلمين ولا يحتقر أحدا وكان يتفقّد الفقير المسكين ويقوم على خدمة النّساء العجّز فلا تحقرنّ من المعروف شيئا ., ولو شئت لأ تيك بعشرات النّصوص والحوادث الّتي تؤكّد ما أقول لك ، ولكن ليس هذا مناط بحثنا…وإن كنت تريد أن تفهم القارئ أنّني الوحيد القائل بمنع إضراب الجوع فهذا مجانب للحقيقة لأنّ أكثر أهل العلم على منعه من مثل الشّيخ عطيّة صقر والشّيخ حسن عبد الغنيّ أبو غدّة وغيرهما وقد قالوا جميعا : من مات بهذا الإضراب يكون منتحرا ! فلماذا هذا التّهريج والتّحريش عليّ ! ألا تتّقون الله تعالى !!! ومن أباحه فبضوابط ولخصوص أسرى فلسطين !!!

إعلم ـ ياهادي ويامن معك ـ أنّ أهل العقول السّليمة لا يستمعون أبدا إلى حكم المنزعج لإمكانيّة إختلاط الهوى بالحكم وقد قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :  » لا يقضي القاضي وهو غضبان  » ولذلك قرّر أهل العلم أنّه لا تجوز شهادة من كان له حقد على أخيه لقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم  » لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه  » رواه ابن ماجة 2366 وهو حديث حسن . ومقالك ورفاقك كلّها فيها شيء عليّ وأسأل الله أن يهديك  ويشرح صدرك ! فما أحسن سلامة القلوب !!!

ثمّ إعلم أنّ أهل السّنّة لا يحصرون الحقّ في فلان من النّاس وأنت خالفت في ذلك، لأنّك إختبأت باسم الرّجل  والعلم ليس أسماء بل الدّليل الأقوى . قال الإمام مالك رحمه الله تعالى :  » العلم قال الله قال رسوله  » وقال  :  » كلّكم رادّ ومردود عليه إلاّ صاحب هذا القبر  » . وأشار إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وهم ـ أي أهل السّنّة ـ لا يتعصّبون لأحد من النّاس ولو كان الخليفة أبا بكر رضي الله عنه ،وقد واجهت إمرأة الرّاشد عمر ، والأمثلة على هذا لا تحصى ،  لأنّ المسلم دوّار مع الحقّ حيثما دار. أمّا أن تجعل شيخا أو جماعة أو فرقة أو أشخاصا أو حزبا أو أرضا أو جنسا أو لونا توالي عليه وتعادي فهذا ليس من الإسلام في شيء . قال شيخ الإسلام : (والواجب أن يكون رائد كلّ مسلم الوصول إلى الحقّ بالأدلّة الصّحيحة . ومذهب أهل السّنّة والجماعة إنّما هو ما كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه والتّابعون لهم بإحسان ، ومن ثمّ فعلى كلّ عالم أن لا يجعل الانتساب إلى طائفة أو جماعة – غير أهل السّنّة – شعارا يفاصل عليه ويوالي ويعادي من أجله. ) موقف ابن تيميّة من الأشاعرة 2/498 . د عبد الرّحمان بن صالح بن صالح المحمود . و قال أيضا : ( إنّ أهل الحقّ والسّنة لا يكون متبوعهم إلاّ رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم -، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فهو الذي يجب تصديقه في كلّ ما أخبر، وطاعته في كلّ  أمر، وليست هذه المنْزلة لغيره من الأئمة؛ بل كلّ أحدٍ من النّاس يؤخذ من قولـه ويترك إلاّ رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم -…، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دِينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرّسول؛ بل يجعلون مابعث به الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه ) مجموع الفتاوى 3/346-347. وقال 3 / 415 : ( وكذلك التّفريق بين الأمّة وآمتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله ). 20 / 164  وقال : (وليس لأحد أن ينصب للأمّة شخصا يدعو إلى طريقته ، ويوالي ويعادي عليها غير النّبيّ ، ولا ينصب لهم كلاما يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما آجتمعت عليه الأمّة ، بل هذا من فعل أهل البدع الّذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرّقون به بين الأمّة ، يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النّسبة ويعادون ) و قال : ( من نصّب إماما فأوجب طاعته مطلقا إعتقادا أو حالا فقد ضلّ في ذلك  ) مجموع الفتاوى 19 / 69         

إنّ أهل السّنّة لا يعرفون الحقّ بالرّجال بل يعرفون الرّجال بالحقّ .وقالوا أعرف الحقّ تعرف رجاله  وأنت جعلت الحقّ في المسألة إلى حضرة الشّيخ القرضاوي  دون تمحيص الأدلّة أو كأنّك غير مستعدّ لفهم ما كتبت أو دون نظر في أقوال علماء خالفوا شيخك  لأنّ موقفك جاهز لا يمكن أن تغيّره لأنّك جعلت فتواه هي  الحقّ كلّه وما عداها باطل  وهذا يعدّ من الغلوّ في الأشخاص وجعلهم مناط الحقّ الذي يرفضه الإسلام بشدّة فبهم توالي وبهم تعادي ولذلك دخلت في نزال معي بتلك الفتوى من رجل واحد وأتيتك بنصوص من القرآن والسّنّة وأقوال المذاهب الأربعة وفقه المقاصد ورميت بذلك كلّه تحت قدمي فتوى الإمام ، رغم أنّك لم تفهم الفتوى لأنّها هي روح ما ذهبت إليه .

 

ثمّ إدّعاؤك بأنّ هذا الخلاف لم تجده إلاّ عندي،  فهذا يجانب الحقيقة والواقع فالقائلون بقولي أكثر أهل العلم الّذين يمتلكون أدلّة ، أمّا القائلون به ففي خصوص سجناء فلسطين فحسب ودون أدلّة .

والظّاهر أخي الهادي أنّك نصبت الشّيخ القرضاوي إماما تمتحن به كلّ من خالفك . فلقد  إعتمدت على فتواه دون غيره وحاربتني بها كأنّها الحقّ الّذي يجب إتّباعه والفرض الّّذي لا يجوز مخالفته و كأنّني الوحيد المخالف للشّيخ فيما ذهب إليه هذا فضلا على أنّ ليس له فتوى في سجناء تونس خاصّة. ومقالي كلّه يتنزّل في واقع أشدّ تعقيدا من سجون فلسطين المحتلّة وبعد علمي لوفاة أحد الإخوة ولمرض الكثير منهم !

ووالله إنّ أمركم يا من تبيحون الإضراب ولو إلى حدّ الموت وتعتبرون ذلك شهادة في سبيل الله كيف ستلقون ربّكم يوم القيامة تبيحون الدّماء المعصومة لإخوانكم الأسرى وقد حكم رسول الله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالنّار على رجل قاتل معه ولم يصبر على جرح أصيب به في ساحة الوغى .

عجبت لقوم يعيشون في بلاد الغرب الواسعة منذ خمسة عشر عاما وفي إمكانهم أن يعملوا أشياء عديدة يفهمها العالم ويتفهّما ولكنّهم عجزوا بل عطّلوا مبادرتين إنطلقتا من باريس فخوّنوا بعض أهلها وشكّكوا في ولاء الآخرين .

 

عجبت لقوم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا لإخوانهم وهم يدمّرون ويموتون حتّى وصلوا إلى مرحلة التّضحية بالجسد وهم لا يفعلون شيئا ، وأقاموا الدّنيا وما أقعدوها لوجهة نظر في مسائل الخلاف .. لقد حمّلنا الله تعالى أمانة الحركة مع الإخوة بعد المحاكمة الأولى الّتي جرت سنة 1981 ، ووضعنا لنا مهمّة أساسيّة ومركزيّة وهي إطلاق سراح الإخوة المسجونين وسمّينا أنفسنا قيادة شرعيّة مؤقّتة ، وفي ظروف أمنيّة قاسية لا تقارن أبدا بما عليه القوم اليوم من ترحال وتجوال ويحلّون ضيوفا على الحكّام والملوك ووو  ، وفي ظرف ثلاث سنوات فقط أطلق سراح إخواننا والفضل للّه وحده !.

 

قلت أخي الهادي: أحسب أن فتوى الإمام القرضاوي كافية شافية في القضية إلا أن يقوم القياس عند السيد الماجري بأن الاحتلال الصهيوني للأرض المحتلة لا ينطبق على حرية ينعم بها المساجين في تونس وليس ذلك بمستهجن منه لأنّه يحمل المساجين مسؤولية سجنهم!!!

أقول :  وهذا تجنّ آخر عليّ ياأخي هداك اللّه وأصلح قلبك !!! وليس ذلك بمستهجن منه . أقول لك : لا يحقّ لك ذلك !أيقال هذا لرجل مثلي !  فما ذا فعلت لك ؟ إنّ المسجونين في سجون الإحتلال في فلسطين أهون بألف مرّة لأسباب عديدة منها :

 

ـ أنّ اليهود لم يسجنوا معارضا يهوديّا سياسيّا بل حتّى قاتل رابين تمتّع  بسجن لم تنعم به نساؤنا .

ــ    أنّ المساجين الإسلاميّين وغيرهم ينعمون بحقوق لا يتمتّع التّونسيّون في وطنهم من حرّيّة إتّصال بالهواتف نراها مرّات في القنوات أو مشاركة سياسيّة تصل إلى الإنتخابات كما هو الحال مع مروان البرغوثي !!! فهل إطمأننت يا أخي هادي !!! إنّك تحدّث رجلا لم يبدّل ولن يبدّل ـ إن شاء الله ـ أسأل اللّه لي ولك الثّبات في الأمر !!! لقد إبتلينا في كلّ شيء في نسائنا وأموالنا وأهلينا وسجنّا ولم نتمتّع حتّى بحقّ الوضوء والصّلاة والتّداوي بل حرمنا القلم والورقة الواحدة ولقد إستقبلنا يوم دخولنا إلى السّجن وبعده وأيّام الأعياد بأبشع ما يكون ولا يزال أثر ذلك علينا . فاللّه المستعان وإليه المشتكى !!

فإذا علمت أنّ أحوال أسرى الفلسطينيّين أهون بكثير، فلربّما تكون الفتوى صالحة ولكن بشرط أن لا يموت المضرب !!! ومن يضمن لك أخي الهادي أن لا يموت ، والحال أنّ المؤمن يستعدذ للموت في كلّ لحظة و يعتقد أنّ الموت يأتيه فجأة  . نسأل اللّه السّلامة !!!

 إنّ الحال في تونس يختلف على ما هو الحال في فلسطين في مسائل عديدة منها :

ـ  بشاعة شراسة السّلطة وعدم إكتراثها بك تموت أو تحيى !!! بل إنّ خطّتها فينا هي القتل في كلّ الأحوال أو أن يخرج المساجين على كراسي متحرّكة أو مجانين !!! أسأل الله السّلامة لهم جمعا !!! هذه واحدة .

ـ  أنّ حالة المستفتي تختلف تماما  عن الحالة الّتي  طرحت على الشّيخ  القرضاوي .  لأنّ لنا من مات حقيقة بسبب الإضراب ، ولنا من أصيب بأمراض مزمنة بسببه أيضا ، ولنا من عزم على الموت ، فبماذا تفسّر قول الأخ  الهاشمي المكّي  أنا مضرب من أجل خروجي من هنا، وأنا خارج لا محالة إمّا على رجلي وإمّا محمولا في نعش . أفلا تختلف الحالتان ؟ ومعلوم لدى أهل العلم أنّ الفتوى لا بدّ أن يراعى لها ظروف منها : النّظر في حالة المستفتي . فقد سئل إبن عبّاس رضي الله عنهما في نفس المسألة  من رجلين أحدهما قتل وجاء آسفا حزينا فقال له :أعليّ توبة ؟ قال نعم !! وأجاب آخر جاءه هائجا عازما على القتل فقال له : لا توبة لك !! فتعجّب طلبة إبن عبّاس رضي اللّه عنهما فقال : هذا قتل ويريد التّوبة فلا بدّ له من أمل  والثّاني يريد القتل فلا بدّ من تيئيسه !!

وعليه فإنّ القياس الّذي قمت به لتنزيل فتوى الشّخ القرضاوي على أسرى تونس العزيزة  لا تستقيم في تقديري لآختلاف الأحوال وبالتّالي فهي ليست كافية وليست كذلك شافية كما إدّعيت يا فقيه المقاصد ! ويا من تتّهمني بالتّطفّل على هذا العلم في أكثر من مناسبة ! أسأل اللّه لي ولك الفهم !

لقد كان لكتابة مقالي سببه المباشر، وهو الوضع الّذي آل إليه إخواننا في السّجن . فثمّة من مات وثمّة من قرّر أن يخرج إمّا على رجليه أو على نعش وآخرون تضرّروا ضررا شديدا بسبب الإضراب . …

لقد تألّمت إلى ما صار إليه وضع الإخوة المساجين خاصّة بعدما إنتهى إلى سمعي نبأ موت الأخ عبد الوهاب بوصاع رحمه الله وقد جاء هذا الخبر في مقال للأخ الفاضل الصّابر صالح بن عبد الله في مقال له نشر في تونس نيوز يوم 17 /11 / 2005 . تحت عنوان : من وحي الذّاكرة . قال فيه بالحرف الواحد :  » وأذكر على سبيل المثال الإضراب الأسطوري الّذي خاضه القيادي السّياسي في حركة النّهضة مختار اللّمّوشي والّذي تجاوز المائة يوم وعاد على إثره على منزله بالكاف هيكلا عظميّا مثقلا بالأمراض المزمنة ولولا أنّ في العمر بقيّة والآجال بيد الله واهب الحياة الأوحد اللّه جلّ جلاله لآلتحق بأخيه عبد الوهّاب بوصاع رحمه الله الّذي خاض إضراب جوع ببرج الرّومي إنتقل على إثره إلى الرّفيق الأعلى . » . وبعد نشر خبر الأخ الهاشمي المكّي في موقع نهضة نت  الّذي قال فيه :  » أنا مضرب من أجل خروجي من هنا، وأنا خارج لا محالة إمّا على رجلي وإمّا محمولا في نعش « . فلماذا التّهويش والتّهويل عليّ  ياساكن لندن ، فهل تحدّثت عمّن قضى نحبه تحت التّعذيب أو لإهمال صحّي أو فيما مضى من زمن وكانوا رحمهم الله قد قتلوا من طرف الطّغيان هناك ، إلاّ أن تكون على علم أنّ هناك من مات بسبب إضراب الجوع ، وأنا والله لا أعلم ذلك .  فما كان  حديثي إلاّ متعلّقا بالإضراب والمضربين . لذلك قلتها  لك يا من عظّمت الإفتراء والزّور لن أغفرها لك إلى يوم الحساب ألقاك بها بين يدي ربّي إلاّ أن تستحلّ !!! فوالله إنّ ما قلته يرتقي إلى عقوبة جنائيّة لا تغتفر لك !!! وليعذرني القارئ فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يغضب على من كذب كذبة واحدة ويقاطعه حتّى يحدث توبة .

لقد إختفيت يا هادي وراء رجل واحد من المعاصرين ولم يقل ما قلته  من أنّ إضراب الجوع جهاد في سبيل الله تعالى . ولم تأت لي بعالم من السّلف أو من الخلف أو حتّى من الأحياء قال بمثل تسرّعك هذا ، بل إنّ الشّيخ القرضاوي لم يقل بمثل ما قلت به فأعدّ للسّؤال يوم المعاد جوابا !فما أجرأك على الله تعالى وقد كانت المسألة تعرض على السّلف فتطوف على سبعين وأكثر لا يريد أحدهم أن يعرض ظهره على جهنّم خوف أن يفتي في مسائل بسيطة لا ترتقي إلى الدّماء .

لقد إختفيت وراء رجل واحد لتدحض ما جئت به ولقد ذكرت لك المصادرالمعتمدة للمدارس الفقهيّة الأربعة المتّصلة بالبحث وهي : مواهب الجليل في شرح مختصر خليل والمغني لابن قدامة و المحلّى بالآثار وتحفة المحتاج في شرح المنهاج وذكرت لك أقوال عدد مهمّ من أهل العلم وهم الأبّيّ والنّووي والقاضي عياض والخطّابي ومالك وإبن عرفة وأشهب وإبن عبد البّرّ والثّوري وأبي حنيفة والشّافعي وإبن تيميّة رحمهم الله جميعا !!!

فهؤلاء كلّهم إعتمدت على أقوالهم في البحث فلماذا قلت أنّني انتصر بإبن تيميّة رحمه الله دون مقاصده  فهل عندك دليل ؟ أليس البيّنة على من إدّعى من أصول الخلق والعلم عندنا ؟ ثمّ  ما العيب أن أنتصر بإبن تيميّة  ؟ فها هو لك ، كتبه كلّها بين يديك  !  فخذ منها وردّ عليّ منها أومن غيرها ، فلماذا هذا التّهويش ؟ ولماذا تستكثر عليّ أن أستدلّ بإبن تيميّة  ، أتخاف من الشّيعة ؟؟؟ أم تخاف أن تحشر في قائمة الوهّابيّة ؟ أم أم أم !!!فآجعلوني مع من شئتم ، ورحم الله الإمام الشّاطبي الّذي بيّن في كتابه الإعتصام أنّ من خالفه يسمّونه بفقيه » السّراويل  » .  ووالله إنّني لأدين الّله تعالى بالدّليل ، للنّصوص المتواترة في ذلك .وليس لي رجلا أنصب منهجه أو مقالاته أصلا من أصول ديني كما يفعل الحزبيّون الذّائبون في الرّجال لأنّ من أصول عقائد أهل السّنّة والجماعة أن لا يتّبعو ا أحدا إلاّ المعصوم صلّى الله عليه وآله وسلّم .

 وقال الشّيخ وهبة الزّحيلي  » إنّ الحقّ واحد لا يتعدّد ودين الله واحد مستمدّ من معين واحد هو الكتاب والسّنّة وما أجمع عليه السّلف الصّالح فلا يعرف الحقّ من آراء الرّجال أبدا مهما كانوا … وإنّ الإخلاص للشّريعة والحفاظ على أحكامها وخلودها وبقائها عقيدة كلّ مسلم . وإنّه لا إلزام في الشّريعة بأحد اجتهادات أو أقوال الفقهاء إذ لا واجب إلاّ ما أوجبه الله ورسوله  ولم يوجب الله ولا رسوله على احد من الناس أن يعمل في دين الله عز وجل بغير كتاب الله وسنة رسوله وما يرجع إليهما.«  ..أ. د وهبة الزّحيلي  الفقه الإسلاميّ وأدلّته ج 9 ص 29 –  30 .بتصرّف.

قراءة في فتوى الشّيخ القرضاوي

قال الشّيخ :  » لا بأس للأسير باللجوء إلى هذا الإضراب مادام يرى أنه الوسيلة الفعالة والأكثر تأثيرا لدى الأسرى وأنه الأسلوب الذي يغيظ الاحتلال وأهله وكل ما يغيظ الكفار فهو ممدوح شرعا  » واستشهد الإمام بآيتين في الفتح 29 والتوبة 120 ثم واصل يقول  » فإذا كان هذا الأسلوب يغيظ الكفار ويسمع صوت الأسرى المظلومين والمهضومين والمنسيين إلى العالم ويحيي قضيتهم ويساعدهم على نيل حقوقهم فهو أمر مشروع بل محمود بشرط ألا ينتهي إلى الهلاك والموت فالمسلم هنا يتحمل ويصبر إلى آخر ما يمكنه من الصبر والاحتمال حتى إذا أشرف على الهلاك بالفعل قبل أن يأكل أن ينجي نفسه من الموت فإن نفسه ليست ملكا له « .

أقول : إنّ الشّيخ القرضاوي لم يبح الإضراب بإطلاق بل جعل له ضوابط أربعة ، وهي :  

1  أن تكون وسيلة فعّالة وشديدة التّأثير.  

2  وأنه الأسلوب الذي يغيظ الاحتلال وأهله وكل ما يغيظ الكفار فهو ممدوح شرعا .

3  ويسمع صوت الأسرى المظلومين والمهضومين والمنسيين إلى العالم ويحيي قضيتهم ويساعدهم على نيل حقوقهم .

4  ألا ينتهي إلى الهلاك والموت .

فهل هذه الضّوابط الأربعة  يمكن أن تنزّلها على أسرانا  في الخضراء ؟ هذا هو محلّ النّزاع الّذي أثارته هذه الفتوى والّتي أحسب أنّني معها . بمعنى أنّ الضّابط الثّالث فقط يمكن أن يتحقّق وبنسبة محدودة وعليه  فإنّ تنزيل الفتوى على وضعنا لا يستقيم   . أمّا الضّابط الرّابع فإنّ مصيبة الموت  قد أصابت أحدنا  . ولقد قلت في وجهة نظري بالحرف :   » إنّ الأصل في الأشياء أنّه بمجرّد أن أدىّ هذا الشّكل من العمل إلى مصيبة فقداننا لأحد من رجالنا أن يراجع هذا الأمر لا أن يستصحبه القوم ويصبح أمرا عاديا  بل يصبح منهجا كاملا في الضّغط على الخصم من أجل الحصول على الأهداف المشروعة . »

 ثمّ بعد ذلك  ، يطرح سؤال مشروع :  هل هذه الوسيلة فعّالة في مثل ما يتميّز به الحكّام في تونس من حقد علينا عظيم لا يوجد له مثيل  ؟ 

فالحاصل: أنّ فتوى الشّيخ القرضاوي لا تعارض ما قلته أبدا لخلوّ ضوابط فتواه في واقع سجون تونس . فنحن إذن في المسألة بين من يرى الإباحة المشروطة الّتي لا أراها تتنزّل في واقع سجوننا ، وآخر يرى بخلاف ذلك مطلقا وشدّد في خطورتها لما يترتّب عليها من إستتباعات في الدّنيا ومآلات خطيرة في الآخرة . هذه هي المسألة ببساطة ! وإذ أردنا أن  ننزّل قواعد أصوليّة مرجّحة أقول ب :

 1 العمل بأخفّ الضّررين :  فأيّها أخفّ على المرء ، أن يضرّ نفسه أم يصبر ويصابر ويستعين بالله ويحتسب . ويترك الإضراب مرضاة للّه     ويرجوه أن يعوّضه خيرا منه .  فقد بيّن لنا الرّسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّ من ترك شيئا للّه عوّضه الله خيرا منه …

 2 دفع الظّنّي باليقيني فتحقيق مصالح بالإضراب في تونس أمر ظنّي غير متأكّدين منه ، والدّليل أنّ إخواننا فرّج الله عنهم يتوقّفون عنه أكثر من مرّة حتّى أصبح  الإضراب لا معنى له وبالتّالي فهو ليس أسلوبا فعّالا  !!!

 3  العمل بالأحوط  فالإمام الشّافعي رحمه الله تعالى يرى بطلان صلاة من لم يقرأ البسملة لترجّح أنّها آية عنده وغيره لا يرى ذلك ،  أليس من الأحوط  أن يصلّي أحدنا بالبسملة حتّى تصحّ صلاته بإجماع الفقهاء .

4  دفع المفاسد مقدّم على جلب المصالح : ولأنّ إضراب الجوع فيه من المضار ما لا يجحده أحد ، وهو محقّق لا محالة ، في حين أنّ تحقيق مصالح مرجوّة منه غير مؤكّد . وحتّى لو تأكّد ، فإنّ دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة .                

إسمع يا أخي الهادي لو ذهبت مذهبك المحرّض على الكراهيّة لأخرجت لك كرّاسا ، ولكنّ ذلك المنهج لا أرتضيه. ولكن أنبّهك فآعقل . و يكفيك هذه حتّى تعلم أنّ من كان بيته من زجاج فلا يرمي غيره بالحجر . فإصرارك على أنّ فتوى الشّيخ القرضاوي  تصلح لتونس وقد نزّلتها قسرا مفادها أنّ تونس دولة محتلّة وأنّ حكّامها كفّار محاربون  كما عبّرت على ذلك أكثر من مرّة عصابة التصهين في تونس وأنّنا كما قلت أنت سنظل نجاهد بأجسامنا في الداخل والخارج  ثمّ خلّطت الأمور فتحدّثت عن العمليّات الإستشهاديّة والمسيرات … فهل تكون أنت وراء فتوى عمليّة جربة ؟ حتما ،  لا ! فإنّ الشّرع يمنعني أن أقول ما ليس لي بحقّ .  قطعا ستشعر أنّي ظلمتك ! أعذرني فإنّني أردت ـ فقط  ـ أن تذوق مرارة غصّة واحدة ، فقد أشبعتني سبّا وإهانة وغصصا حتّى بشمت ، والحمد للّه ربّ العالمين !!!! وصدق من قال رمتني بدائها وآنسلّت .

يا أخي إسمع فإنّ ليس من طبعي أن أوجع أحدا . إنّ العلم لا بدّ له من فقه وفهم وصبر ثمّ إستغاثة بربّ رحيم عليم أن يرزقك الحفظ والإخلاص والإختفاء والورع والكفاف  والتّواضع ،وعدم الرّضا عن النّفس ثمّ إعلم أنّ « الصّدّيقيّة  » درجة لا تنالها إلاّ بشروطها لأنّها عند اللّه لا يعلمها إلاّ هو سبحانه ، ولا تتأكّد أنّك تنالها ، فلا يقول مؤمن خائف  » لكنت بالتّأكيد من الصّدّيقين  » . لقد وجدتك  لا تحترم  علماء الأمّة بل إنّك إذا إستندت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قلت : ما ذا تقول عن محمد عليه السلام ما ذا تقول عن محمد عليه السلام في مناسبتين أوأكثر . إنّي أدعوك إذا ذكرت إسم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم  أن تصلّي وتسلّم عليه ، فقد إكتفيت بعليه السّلام ، وهذا من البخل المذموم ، والآية واضحة الدّلالة : » يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما   » فلقد ذكرته صلّى الله عليه وآله وسلّم  ستّ مرّات دون صفة نبوّة أو رسالة وهنا خانك الأدب مع رسولك صلّى اللّه عليه وآله وسلّم . كما جعلت من الشّيخ القرضاوي إماما في سبعة مواضع، وهذا من حقّك ولكن حرمت مشائخ الإسلام الكبار المجمع عليهم الّذين ذكرتهم أنت دون صفة وهم الجويني والغزالي والشاطبي وإبن عاشور وإبن تيميّة وهؤلاء كلّهم لم تكرم  ولو واحدا منهم بإمامة  . يارجل أتزيّن إسم الشّيخ القرضاوي بالإمام وتبخل على رسول الله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بزينة النبوّة أو الرّسالة ؟ أرأيت لماذا أحارب الحزبيّة !!!

   يا أخي أحسب أنّك تقرأ  ـ مع الأسف الشّديد ـ  ولا تفهم ! فحتّى الفتوى الّتي أتيت بها مشكورا هي لي وليست لك  ! ومن أدلّتي على أنّك لا تفهم ما تقرأ قولك نقلا عنّي : لو جارينا السيد الماجري بأن المصلحة لا تكون سوى فيما قررته النصوص . وأنا لم أقل ذلك بل الّذي قلته بالحرف : لا يختلف عاقلان أنّ المصلحة الحقيقيّة لا تكون إلاّ فيما قرّرته النّصوص ومن ثمّ فقد وقعت في تحريف خطير لكلامي فإن كان خطأ أغفره لك وإن كان مقصودا كذلك غفرته لك وإن كان جهلا فتعلّم من رجل خرّيج الجامعة الزّيتونيّة شعبة فقه وسياسة شرعيّة تلقّى العلم عن مشائخ الزّيتونة في الجامعة وفي المساجد وفي حلقاتهم الخاصّة في بيوتهم. إنّ ممّا يحفظه كلّ مبتدئ في علوم الأصول  ـ وأنا لا أعلم أنّك خرّيج شريعة وتتّهمني بالتّطفّل ـ أنّ المصلحة نوعان : ظنّيّة وهميّة وحقيقيّة يقينيّة  . وأهل التّخصّص  يفرّقون بين المصلحة المتحقّقة بالسّمع ـ أي الوحي ـ وبين ما يرجى تحقّقها بالإجتهاد ، لأنّ الأولى حقيقيّة يقينيّة ، والثّانية ظنّيّة وهميّة . وكلامي واضح يفهمه كلّ قارئ نزيه لا يقرأ بنظّارة سوداء  مثل الّتي تلبسها أنت وغيرك ـ هداهم الله ـ . فالفرق كبير  بين المصلحة المطلقة ـ الّتي زوّرتها عليّ ـ  والمصلحة المقيّدة ب »حقيقيّة  » كما ذكرتها أنا  . والفرق بينهما كالفرق بين السّماء والأرض . فآفهم وتواضع وتعلّم ، فإنّ العلم دقّة وضبط  ،وميزانه أعدل من ميزان الذّهب والورق !!!  ومصطلحاته أدقّ من شعر الحرير . إنّ المقاصد علم ككلّ العلوم  له أصول وقواعد وضوابط وآلات وشروط  منها مصطلحاته ومفرداته  . فلا بدّ من إدراكها والتّمييز بينها والإخلال بواحدة منها إخلال بالعلم كلّه  ….

قلت أخي الهادي  : … ولا أظن أن متشددا مغاليا مجافيا لفقه المقصد وفقه الواقع فضلا عن فقه الضرورة يذهب مذهب السيد الماجري في تغليظ التحريم إلى حد القياس على الانتحار وقتل العمد …

أقول  :  فهل هذا علم أم سبّ وقذف !!!هل هكذا تعامل من خالفك في مسألة فرعيّة ؟يا أخي العلم أن تردّ على وجهة نظري بالدّليل والأدب . ثمّ من أنت  حتّى تحاكمني متشدّد أم متحلّل ؟ ألا تتّقي الله ؟ بالله عليك هل قابلتني مرّة في حياتك ؟ فكيف تحكم على رجل لم تره لا قي يقظتك ولا في منامك  .وهل أنت عالم ؟ وهل أنت قاض ؟ إتّق الله ولا تحاكم غيرك فإنّك لم تكلّف بهذا !فإنّ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه . فما عليك ـ إن كنت متعلّّما ـ  إلاّ أن تبلّغ ، ومن قال : هلك النّاس فهو أهلكهم . ورحم الله الإمام البربهاري القائل : « واعلم أن الأهواء كلها تدعو إلى السيف « .

  قلت :  أرجو منه سوى إلتزام أدب الحوار.

 أقول: أين هذا الأدب منك يا أخي هداك الله ؟ وقد إتّهمتني بالتّشدّد والمغالي والمجافي ومغلظ في التحريم إلى حد القياس بالانتحار وقتل العمد .و و و وألم يمنع  هذا العمل ـ أي إضراب الجوع ـ  الشّيخ عطيّة صقر والشّيخ حسن عبد الغنيّ أبو غدّة . أتحشرهما معي في نفس زاوية ركح الملاكمة وتأخذ في الضّرب تحت الحزام كما فعلت ورفاقك الثّلاثة .فهل تتهّم الشّيخين بالتّشدّد والمغالاة والمجافاة والمغلظين  في التحريم إلى حد القياس بالانتحار وقتل العمد ….

قلت :  أغرقنا بوابل من النصوص من القرآن والسنة

أقول :وهذا كلام لا يليق بأدب التّعامل مع الوحي !! واللّه لكأنّك تعادي العلم !!! ولماذا لم تردّ عليّ بما يعارضها وعضّيت بنواجذك في المقاصد كأنّك ضفرت ـ ومن معك ـ بمقتل فريستكم ، فهذا ظنّكم ، أسأل الله أن يهديكم   !!!

 قلت : أرجوك سيدي القارئ بادر بالاطلاع على مقال السيد الماجري لتدرك أن المساجين في تونس شرذمة من اليائسين المنتحرين قاتلي أنفسهم يتحملون مسؤوليتهم في وضعهم وهم أجبن من أن يتحملوا ذلك لفقدهم الصبر ولجوءهم إلى الاضراب عن الطعام كما يوحي لك في أكثر من مرة بأن قيادة المهجر هي من تأمرهم بشن إضراب لا بل تلزمهم بذلك .… المساجين آثمون مرتين مرة لانهم تسببوا في سجنهم ومرة لأنهم أضربوا عن الطعام بل هم منتحرون قاتلو عمد وإضراب الجوع بدعة تساوي الشرك بالله سبحانه أو تكاد وقيادة المهجر لحركة النهضة عصابة مفسدة في الأرض . أجل المقالة بأسرها محاكمة قاسية ضارية ضد المساجين المضربين عن الطعام لأنهم منتحرون مارقون من الشرع تسببوا بأنفسهم في مأساتهم يقتلون أنفسهم عمدا عبر إضراب الجوع .

لما إلتفت إلى عصابة التصهين في تونس لم يجد أنسب من القول بأنها لا تتحمل وحدها المأساة.

ما الذي يجعلك تختلف إذن عن برهان بسيس وبوبكر الصغير ؟

 أقول : لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه !!! هذا كلام سيّء جدّا لم أسمع أحدا غيرك  قاله أمام العالمين ؟ فحسبي اللّه ونعم الوكيل ! فهل المسلم يفجر ؟  وهذا الكلام ستحاسب به عند ربّك إلاّ أن تتوب وتصلح عبر الإعتذار  لي ولإخوانك والقرّاء !!! وهذا الأسلوب من الحوار لا ينفع أبدا لأنّك تريد أن تهيّج النّاس ضدّي دون جريرة إلاّ أنّي أبديت رأيا يرفع عنّي المسؤولية أمام اللّه تعالى ثمّ أمام إخواني الّذين أعرفهم أكثر منك وخالطتهم أكثر من عشرين سنة  .

ثمّ هذا التّفسير الكيدي لقراءة موقفي من المسألة ، لماذا تقرؤه كما يقرأ الباطنيّة للنّصوص أو كما يقرأ المتآمرون السّياسيّون ؟ ألا يشعر أحدنا بالأمن بين إخوانه ؟ أرأيت لماذا أشنّ حربا على الحزبيّة لأنّها تخلّ الميزان وتذلّ الرّجال وتحبط من الأعمال !! لقد جاء في الأثر أمرنا أن نحكم بالظّاهر .  فقولك :  » لتدرك. ». ».كما يوحي لك  » في أكثر من مرة ، كلّ هذا مخالف لآداب الحوار الّذي دعوت إليه قائلا :أرجو منه سوى إلتزام أدب الحوار.فأين أدبك ؟ لقد قرأ ه الكثير من النّاس الّذين لا يلبسون نظّارتك ، فشكروا لصاحبه سعيه ،  فمنهم من قال يمكن أن تكون هذه ورقة حوار علميّ ، وقال آخر نفع الله بك ، وقال آخر أجبت عن مسائل مسكونة في نفسي منذ زمن بعيد ،  وقال آخر أنا لا أفهم في الشّريعة وهذا إختصاصك ، الحاصل لم أجد إلاّ المستحسن والمشجّع . ولكن ماذا أفعل مع المتعصّبين الّذين إقتنصوا فرصة ثأرهم وقالوا قد وقع في الفخّ فتعالوا فالفريسة قد سقطت ، والموضوع سمين شهيّ  « الشّهداء « و » الأسرى  » و « المقاصد  »  و » فقه الواقع  » فاليوم  يقصم ظهره ولا نبالي !!! والله المستعان !!!

 

قلت : وإضراب الجوع بدعة تساوي الشرك بالله سبحانه أو تكاد …  النظام الذي برأته من دم عشرات من شهداء شعبنا .
أقول : كلّ هذا قولك وهي  كبائر عظيمة  . لقد ألجأتني يا أخي الكريم أن أقرأ نصّي على كلّ إدّعاء باطل فلم أجد بحمد اللّه وفضله ما تطعنني به ! فاللّهمّ لك والشّكرعلى نعمة العقل  !! وأنا أتحدّاك أن تأتيني بهذه الصّياغات الّتي جئت بها وإلاّ فليشهد اّلله تعالى وملائكته والنّاس أجمعون أنّك متحامل عليّ حاقد !!! فما الّذي ألجأك إلى ذلك ؟ . فكيف تلقى اللّه عزّ و جلّ  ؟ فلماذا هذه الجرأة على محارم النّاس ؟  وأين إحترام القارئ الكريم ؟ ولتعلم يا أخي الهادي  أنّني لست مقتنعا أنّ قيادتكم هذه مازالت تمتلك شرعيّة طالما تحاربون رجلا بمفرده مرّات بالأشباح ومرّات بنصف الأسماء ومرّة بأسماء متشبّعة ، ثمّ تعفسون كلّ القيم الأخلاقيّة ممّا يكشف لكلّ عاقل أنّني ما زلت أظلم من طرفكم رغم أنّني إخترت أن أقيلكم و أتجنّبكم .
قلت : إذ الأمر يجب أن ينزل إلى منزلة المختلف فيه دينا .

 

أقول  : فإذا أقررت بهذا فلماذا هذه القاذفات والصّواريخ العابرة للقارّات السّاقطة على رأسي من ألمانيا ؟ أما تتّقي اللّه تعالى ! فلو خالفتك فيما يجوز فيه ترميني بالخارجيّة و بالتّشدّد والمغالي والمجافي ومغلظ  وتقرأ في باطن المكتوب بنظّارة الشّكّ والكراهيّة وتفهم ما تريد أنت، وتتقوّل عليّ ما لم أقل وتقرأ تحت سطور الكلمات ….أهكذا تعامل رجلا يريد أن يوثّق رابطتكم بحبل العلم حتّى يوصلكم اللّه تعالى برباط النّاس  … أهكذا تعامل رجلا قال ما يعتقده من أجل حلّ أزمة الرّهائن ؟ فكيف لو كان عندك سلطة ؟؟؟ واللّه ما كنّا هكذا  في الخضراء المباركة ردّنا اللّه إليها في يوم عزّ ! يا أخي إغتنموا هذه الفرص في بلاد الغرب وتعالوا ندير حوارا علميّا حول الإصلاح في حركة النّهضة ، فإن لم تفعلوا فإنّ تونس ما عادت كما تركناها ، فكما قالت الأخت أمّ فاروق فإمّا أن تكونوا أو لا تكونوا . وإنّ مكرا عظيما يعدّ لنا جميعا ولا نجاة منه إلاّ بحوار جادّ و مسؤول  تكون فيه المرجعيّة للعلم وحده .

 

ياأخي الهادي هل إدّعيت في مقالي أنّ قولي هو الحقّ أو الواجب الإلتزام به ومن خرج عليه فهو خارجيّ   ؟ لا ! أبدا !  لم أدّع امتلاك الحقّ فيما كتبت ولا أدّعيه وما ينبغي لي أبدا. فما قمت به ما هو آجتهاد أرجو فضل الله ورحمته وقد أرشد الرّسول صلّى الله عليه  وآله وسلّم أحد أصحابه الكرام  أنّه لا يدري أيصيب حكم الله في القضاء بين النّاس أم لا ؟  فكيف بالعبد الفقير المسكين ؟

لقد تألّمت إلى ما صار إليه وضع الإخوة المساجين خاصّة بعدما إنتهى إلى سمعي نبأ موت الأخ عبد الوهاب بوصاع رحمه الله وقد جاء هذا الخبر في مقال للأخ الفاضل الصّابر صالح بن عبد الله في مقال له نشر في تونس نيوز يوم 17 /11 / 2005 . تحت عنوان : من وحي الذّاكرة . قال فيه بالحرف الواحد :  » وأذكر على سبيل المثال الإضراب الأسطوري الّذي خاضه القيادي السّياسي في حركة النّهضة مختار اللّمّوشي والّذي تجاوز المائة يوم وعاد على إثره إلى منزله بالكاف هيكلا عظميّا مثقلا بالأمراض المزمنة ولولا أنّ في العمر بقيّة والآجال بيد الله واهب الحياة الأوحد اللّه جلّ جلاله لآلتحق بأخيه عبد الوهّاب بوصاع رحمه الله الّذي خاض إضراب جوع ببرج الرّومي إنتقل على إثره إلى الرّفيق الأعلى .  »

و قلت  أخي الهادي : لم يقض المرحوم بوصاع بسبب إضراب الجوع ولنتحاكم إلى الوثائق الطبية.. وقلت : ولم نسمع بأحد المساجين مات مضربا عن الطعام فلله الحمد والمنة .

أقول : فلماذا تتجنّى عليّ وقد سطّرت رواية الأخ الصّابر صالح بن عبد الله ! فهل تستطيع أن تكذّب روايته ؟ أم أنّ للخبر ولاء . فما جاء من الصّديق صحيح وما جاء من النّاصح فيه شكّ ؟ هذا وإنّي هنا  ـ ولتسمح لي أخي القارئ  ـ أن أتحدّى الهادي أمام الله وملائكته والنّاس أجمعين أن يكذّب الأخ صالح بن عبد الله  أو حتّى يراجعه ، لأنّ من النّاس من يتعامل بالتّشهّي فيقبل ممّن يوافقه ويردّ نفس المسألة ممّن خالفه . قال إبن القيّم رحمه الله تعالى :  » هذا الّذي تسمّيه النّظّار والفقهاء التّشهّي والتّحكّم فيقول أحدهم لصاحبه : لا حجّة لك على ما آدّعيت سوى التّشهّي والتّحكّم الباطل ، فإن جاءك ما لا تشتهيه دفعته ورددته ، وإن كان القول موافقا لما تهواه وتشتهيه ، إمّا من تقليد من تعظّمه ، أو موافقة ما تريد ه قبلته وأجزته فترد ّ على ما خالف هواك ، وتقبل ما وافق هواك « . بدائع الفوائد 4 / 324 .

 فهل تريد أن تطعن في مصداقيّتي يا أخي ؟ إن كنت تقصد ذلك غفرت لك وظنّي فيك انّك لا تقصده .                                           

قلت :  ولنتحاكم إلى الوثائق الطبية !!

 قلت : فعن أيّ الوثائق تتحدّث يا أخي ؟؟؟ من شهد بها ؟ هل أطبّاء نزهاء ؟ أم مخابرات الطّغيان في البلاد ؟ فهل هذه حجّة يا أخي غفر الله لك ؟ أتعادي السّلطة وتصدّق شهاداتها وتعتمد عليها لتكذّبني نصرة لهواك !  أفبهذا المنهج تردّ خبر من خالفك تريد أن تسقطه أمام أعين النّاس على أمر مجهول عملا بقول التّوانسة : ترقّّّبي يا دجاجة حتّى يأتي القمح من باجة !!!

قلت : ولم نسمع بأحد المساجين مات مضربا عن الطعام :

 أقول : هذه مثل أختها ، ليس بالضّرورة أنّ ما لم تسمعه لم يقع كونا !!! وحريّ برجل مثلك تستميت في الدّفاع عن الحركة أن تكون على علم بأحوال إخوانك المحتجزين وأن تقرأ لرجل  مثل الأخ صالح بن عبد اللّه حفظه اللّه تعالى !!!

يا أخي لست حميدة النّيفر ولا برهان بسيس ولا بوبكر الصغير ـ  غفر الله لك ، وهداهم الله إلى الحقّ  ـ فقد قلت قول من سبقك في الرّدّ الظّالم عليّ لمّا جعلني في عفيف الأخضر لتشابه قلوبكم وتلقّيكم من مشكاة واحدة !!!

باللّه أقول لك وأنا لا أدافع عن حميدة ولكنّ منهجكم عجيب جدّا ، تسكتون عمّن يسبّكم من اليسار وتخاصمون من لا يذكركم من المسلمين ،أوتقرأ في مواقع اليسار كيف يسبّونكم ؟فلماذا لا تردّون عليهم ولو مرّة واحدة ؟ ولماذا تناطحون كلّ مسلم خالفكم ؟  هل أنت تعرف حميدة النّيفر ؟ أقيلوا عنه فقد أقالكم . فإذا كنت لا تعرفه فلماذا تحمل إثمه وإثم من خاصمه منذ ثلاثيين سنة ؟ هل بينك وبينه شيء ؟ بل هل بينك وبيني شيء ؟ أرأيت ما أخبث الحزبيّة تتحمّل أنت وغيرك تبعات سوء تفاهم مع شخص واحد أو إثنين أوثلاثة  ! توالون من يواليه وتعادون من يعاديه هذه هي الحزبيّة الّتي أعاديها . قال شيخ الإسلام :  » وليس للمعلّمين أن يحزّبوا النّاس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء ، بل يكونون مثل الأخوة المتعاونين على البرّ والتّقوى كما قال الله تعالى » وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على البرّ والعدوان  » . وقال  »  وليس لأحد أن ينصب للأمّة شخصا يدعو إلى طريقته ، ويوالي ويعادي عليها غير النّبيّ ، ولا ينصب لهم كلاما يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما آجتمعت عليه الأمّة ، بل هذا من فعل أهل البدع الّذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرّقون به بين الأمّة ، يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النّسبة ويعادون  » . 20 / 164

قلت : قد تجد من يتعاطف معك:  

أقول : لا أريد أن أخلط كما تفعل . يا أخي طرحت وجهة نظر علميّة فلماذا هذا الخلط ؟ فإن كنت أقررت بأنّ هناك من قد يتعاطف معي  فهل تريد أن تمسح ذلك التّعاطف بهذه الورقة الّتي زرعت فيه الرّعب والكراهيّة ضدّي ، لقد أدنتني فيها  إدانات لم يدنّي بها نظام 7 نوفمبر .ولا حتّى ما يسمّى بمحكمة أمن الدّولة الّتي حوكمنا بها ظلما في أواخر أيّام  بورقيبة .

    إنّه ليس بيني وبين من ذكرت مشكل تنظيميّ بل هناك مشكل سياسيّ والأحزاب عادة تلجأ إلى أجهزتها لتصفية الأحرار .                                                        

واعلم أنّ وضعيّتي ليست حالة بل ظاهرة عمّت و انتشرت تعدّ بالمئات . والحزب الّذي ينال ممّن ينشط ويبادر لحلّ الأزمة ورفع الغمّة ، ويدان ولم يأت ذنبا شرعيّا ويعلي من يذنب أخلاقيّا لا خير فيه ، والحزب الّذي يظلم فيه الفرد لا خير فيه ، والحزب الّذي تتعدّى فيه قياداته على عضو واحد وأعضاؤه لا ينتصرون للمظلوم لا خير فيه  . وفي الصّحيح  » لا قدّست أمّة لا يأخذ فيها الضّعيف حقّه غير متعتع  » . وفي الصّحيح  أيضا  » أمر بعبد  من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة فلم يزل يسأل و يدعو حتّى صارت جلدة واحدة فجلد جلدة واحدة فآمتلأ قبره عليه نارا ، فلمّا ارتفع عنه وأفاق ٌقال  : على ما جلدتموني ؟ قالوا : إنّك صلّيت صلاة واحدة بغير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره  » . قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :  »  فإذا كان المعلّم أو الأستاذ قد أمر بهجر شخص أو بإهداره وإسقاطه وإبعاده ونحو ذلك نظر فيه : فإن كان قد فعل ذنبا شرعيّا عوقب بقدر ذنبه بلا زيادة ، وإن لم يكن أذنب ذنبا شرعيّا لم يجز أن يعاقب بشيء لأجل غرض المعلّم أو غيره « .مجموع الفتاوى  28 / 15 ـ 16 . و قال أيضا «  وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهدا بموافقته على أحد ما يريده ، وموالاة من يواليه ، ومعاداة من يعاديه ، بل من فعل هذا كان من جنس جنكيز خان وأمثاله الّذين يجعلون من وافقهم صديقا وليّا ومن خالفهم عدوّ باغيا « . مجموع الفتاوى 28 /9 .

قلت تقصد حركة النّهضة : مشروعا فكريّا تجديديّا رائدا ورؤية إصلاحيّة ….

قلت : ليس مجاله الآن أن أردّ هذه التّزكيات فما يشهد للعروس إلاّ أمّها . وأنا أعرف الحركة خير من الّذين ذكرتهم ، وسيأتي اليوم الّذي أبيّن فيه هل هو تجديد أم تبديد .     

 قلت : عمل تورّط فيه قبلك حميدة النّيفر ..لمّا كان سيفا بتّارا في يد الشّرفي .

قلت : لقد فتحتم للشّرفي المرتدّ باب التّوبة . والبرجماتية السّياسيّة القائمة على أصول عرجاء ستجلسكم يوما معه ، هذا إن لم تكونوا قد فعلتم ! ولقد فعلها « شيخكم المجدّد « حسن التّرابي مع قرنق ، ولا أظنّكم يوما بمنهجك هذا المعادي للموحّدين الّذين يشهدون للّه بالعبوديّة ولنبيّه صلّى الله عله وآله وسلّم بالرّسالة أن تجالسوهم يوما من الأيّام .

 وإلى لقاء ثالث ـ إن شاء الله ـ                                                                                                       

خميس بن علي الماجري

mejrikhemis@yahoo/fr


 

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

 

تونس في 17-12-2005

 

 

البورقيبية مستمرة مع استمرار الحياة في قلوب المناضلين الأوفياء ومهجتهم

(الحلقة الخامسة والأخيرة)

 

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري من الرعيل الثاني

 

إن الشحنة التي خلدها الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله في القلوب والعقول لن تمحى ولن تموت. وأن المبادرة التي قام بها الملك الشاب محمد السادس عاهل المغرب الشقيق مؤخرا باسناد أكبر وسام العرش العلوي للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وفاء لروحه الطاهرة وتقديرا لنضاله الشاق الطويل وتكريما لتضحياته الجسام اعترافا من أهل الفضل والاحسان وأهل العرش العلوي ولا غرابة في ذلك فالملك محمد الخامس كان صديقا حميما للزعيم الحبيب بورقيبة ونجله الحسن الثاني عاهل المغرب كان بمثابة الابن العزيز عند بورقيبة وشقيق الحبيب بورقيبة الابن.

 

وها هو الملك الشاب محمد السادس يحي هذه الروح النضالية العالية بفضل مبادرته الثمينة التي نقدرها في تونس ونعطيها ما تستحق من التنويه والشكر والثناء. كيف لا وقد زاد في احياء نخوة المجد البورقيبي في تونس كما كان لها أطيب الاثر في النفوس.

 

وهذا ليس بغريب على المملكة المغربية وعلى حفيد الملك محمد الخامس ونجل الملك الحسن الثاني رحمهما الله.

 

كما لا يفوتني أن أنوّه بمبادرة بلدية باريس بفرنسا التي خصصت ساحة كبرى باسم الزعيم الراحل بورقيبة في ذكرى وفاته الرابعة 2004 . وتستعد البلدية مع جمعية الوفاء للتراث البورقيبي بباريس التي أسست العام الجاري بدعم من ثلة من الشخصيات التونسية والفرنسية قلت تستعد البلدية وجمعية المحافظة على تراث الزعيم بورقيبة إقامة تمثال كبير بساحة الزعيم بورقيبة بباريس يخلد ذكرى هذا البطل العملاق في التاريخ المعاصر التي تتباها به كل الدول وتنوه بخصاله كل الامم وتحترمه كل الشعوب من المشرق الى المغرب ولا ينكر فضله الا جاحد أو حقود.

 

وبهذه المناسبة التي تستعد فيها بلدية باريس وجمعية المحافظة على تراث الزعيم بورقيبة وارثه السياسي الكبير فإني أروي بعض المواقف بوصفي مناضلا من الرعيل الثاني عشت 33 سنة مع الزعيم الراحل من 1954 سن دخولي للشباب الدستوري في الرابعة عشر الى عام 1987 مناضلا ومسؤولا ومن الذين تحمسوا للزعيم الاوحد والمجاهد الاكبر رحمه الله ودافعوا عنه قبل وبعد وفاته بكل صدق وحماس.

 

واتذكر يوم 29/7/1996 بدار التجمع بالقصبة هناك عضو باللجنة المركزية للتجمع أمام الاخ محمد جغام عضو الديوان السياسي ووزير الداخلية آنذاك رئيس اللجنة السياسية التي أذن بها رئيس التجمع ضمن 6 لجان أخرى ، قال المسؤول أن عهد بورقيبة عهد بائد… فطلبت من الاخ محمد جغام الكلمة وفهم  القصد ومكنني من الكلمة فقلت: استغرب من اتهام عهد بورقيبة بالعهد البائد الذي كنا نسمي به عهد الحماية الفرنسية والبايات… وقلت في كلمتي المشهورة امام الحاضرين للتاريخ أنه من كان وفيا للعهد البورقيبي وللزعيم فسيكون وفيا غدا لعهد بن علي ومن ينكر البورقيبة اليوم فسيتنكر للرئيس بن علي غدا مثل صاحبنا الحاضر وصفق الجميع لهذه الكلمة وتبسم الاخ محمد جغام.

 

وفي عام 1998 في لجان مؤتمر الامتياز كنت عضوا فاعلا واطنبت في لجنة الاعلام والثقافة والتكوين السياسي في ذكر نجاحات الزعيم الحبيب بورقيبة وحزبه مما جعل رئيس اللجنة مسؤول أعلى في هرم التجمع يقول لي حسنا ويصافحني ويقول حرفيا: والله يا عروسي نحيت علينا خمجة وقالها سرا وهمس في أذني اليمنى …

 

وفي عام 2000 عند وفاة الزعيم بورقيبة زرنا دار التجمع لتوديع الراحل العزيز الوداع الاخير بكل خشوع وتأثر. ثم اتصلت بالسيد مدير ديوان الامين العام للتجمع وقلت له هل هناك حافلات لنقل المناضلين الى المنستير لتوديع المجاهد الاكبر الى مثواه الاخير فقال لي « ليس هناك سيارات وامشوا روحوا » …

 

وفي عام 2001 حضرت أحباء ذكرى الأولى لوفاة الزعيم التي نظمها التجمع. وقد تناول الكلمة عدد من المسؤولين الذين عاشوا مع الزعيم بورقيبة وكانوا في مستوى الشهادة خاصة الأخ الحبيب بولعراس. ثم عقبّ الأخ إبراهيم خواجة الوزير السابق فتهكم على الزعيم وضحك أغلب الحاضرين خاصة شخص كان قريبا لي وهو من الجماعة التي انشقت عام 1955 وكان في قلبه شيء عل بورقيبة.

 

وعندما أصبحت القاعة في حالة ضحك وتهريج كان الأمين النهدي يحكي الفكاهة… هناك قمت بحماس وطلبت حالا أنهاء كلمة خواجه وإنزاله من المنصّة وتضامن معي عدد من المناضلين الصادقين. هناك سادت القاعة أجواء الخشوع. ونزل خواجه..

 

ولكن هذا  الموقف الذي استحسنه كل الحاضرين ماعدا قلة قليلة وقد دفعت ثمنه غاليا ودفعت الضريبة وأذن الأمين العام للتجمع بتشطيب اسمي من حضور كل المناسبات والمشاركة في منتدى الفكر السياسي واللجان القارة وغير ذلك من النشاط الوطني وحتى احياء ذكرى عيد الشهداء 9 أفريا 1938 التي كنت أحضرها باستمرار من عام 1961.

 

وفي عام 2004 على اثر مشاركتي في موكب تدشين ساحة الزعيم الراحل بباريس والوحيد الذي حضر مع أعضاء الحكومة والحزب والمناضلين القدامى في عهد الزعيم بورقيبة قلت الوحيد الذي كنت مرتديا الشاشية الحمراء في قلب باريس كرمز للوطنية. عندما عدت كعادتي أردت المساهمة بمقال وصفي على حفل التدشين لكن صحافتنا الوطنية صمتت ولم تتحمس لنشر الوصف. فقلت في نفسي مازالت صحيفة واحدة أطرق بابها هي جريدة الموقف. فطرقت الباب وكان الجواب بنعم ونشرت المقال في الصفحة الأولى فقامت القيامة وأصبحت معارضا عندهم لأني كتبت في صفيحة خارجة على فلكهم.

 

ودفعت الضريبة من جديد.. نتيجة حريّة الكلمة والحبّ والوفاء للزعيم العزيز الرمز الخالد الحبيب بورقيبة، هذا وللتاريخ فإني لا أنسى فضل جريدة الشعب لسان الإتحاد العام التونسي للشغل مشكورة هي الأخرى نشرت لي مقال وصف تدشين ساحة باريس في 2004 .

 

وفي إطار الوفاء الذي دفعني صحبة مجموعة آمنت بالعمل الجمعياتي وفكرنا معا في بعث جمعية الوفاء للمحافظة على تراث الزعيم بورقيبة ورموز الحركة الوطنية، وقد مهدت بمقالات قبل بروز التأسيس الذي جاء يوم 22 ماي 2005 بفضل حماس ثلّة من المناضلين الاوفياء.

 

ومنذ 13 جوان 2005 وأعضاء الجمعية ينتظرون الرّد الإيجابي على مطلب التأشيرة القانونية على غرار الجمعية المماثلة التي تمت بباريس وتحصلت على التأشيرة من حكومة فرنسا.

 

ولنا الثقة في شخص سيادة الرئيس الذي وجهنا له ملفا جاهزا حول التأشيرة بتاريخ 13 جوان 2005 هذا مع العلم إنّ قانون الجمعيات المؤرخ في 7 نوفمبر 1959 والمنقح في 1988 وعام 1992 عـــــ90دد ينصّ على أن كل ملف لم يرفض قبل الأجل القانوني بــ90 يوما يصبح في نظر القانون المشار إليه جمعية قانونية هذا مع الملاحظ أن الأجل القانوني انقرض منذ 13 سبتمبر 2005 .

 

ختاما أشكر الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه الذي مكنني من هذه الشحنة لإعداد 5 حلاقات متوالية نشرت بموقع الأنترنات. فشكرا لهذا الموقع الديمقراطي الهام في عصرنا الحاضر عصر التكنولوجيا والمعلومات التي يعيشها العالم. وأعتقد أن عصر التكنولوجيا الذي حلّ جاء نتيجة الوعي والنضج البشري والايمان بحرية الكلمة والتعبير الحر.

 

والله ولي التوفيق والسلام

 

والســــــلام

 

محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري من الرعيل الثاني – تونس

 


 

جليلة بكار لـ»الشروق»:

شعرت بإحباط بعد مشاهدتي لأفلام «بزناس»، «بنت فاميليا» و»صيف حلق الوادي»

 

* تونس (الشروق)

تعتبر الفنانة جليلة بكار المرأة الرمز للممثلة المسرحية في المسرح التونسي، فهي العمود الفقري لأعمال عديدة ناجحة منذ المسرح الجديد وصولا الى مسرح «فاميليا». فـ»العرس» و»فاميليا» و»كوميديا» و»عرب» و»سهرة خاصة» و»جنون».. وغيرها من الأعمال والأدوار لم تمرّ في صمت ولم يقتصر حضورها وفعلها في هذه الأعمال المسرحية على التمثيل بل تطوّر الى الكتابة وإبداء الرأي في الإخراج.

جليلة بكار هي على حق عندما ترفض الرأي القائل بأنها من صنع الجعايبي وسؤالها الانكاري عمّن يعمل عند من؟ أو ن يقدم خدمة لمن؟ في إشارة إلى أنها ستظلّ سيدة على الركح، لا تقبل بالاملاءات العمياء، بل لها رأي في ما تتقمصه وفي كل مشروع تنخرط فيه.

تاريخ هذه المبدعة المسرحية مثقل بالأعمال ومحمل بالنجاحات والشهرة.. ولعل المكانة المسرحية التي تحتلها على المستوى الوطني والعربي وربما العالمي لا تضاهيها أضواء التلفزة والسينما بالنسبة الى ممثلات أخريات حرصن على النجومية بإعلام موظف وأموال طائلة، فالمكانة في الفن لا تباع ولاتشترى.

في لقاء الخميس حاورنا الفنانة جليلة بكار.

 

* لك مشاركة في السينما اللبنانية تحديدا فيلم «المتحضرات»، لكن الجمهور في تونس لم يقدر على مشاهدة الفيلم.. فهل من فكرة عن هذا الفيلم وعن الطريقة التي تمّ بها اختيارك؟

ـ فيلم «المتحضرات» هو للمخرجة اللبنانية رندا الشهال التي تربطنا بها علاقة من خلال زيارتنا للبنان لتقديم أعمالنا المسرحية.. والمشاركة في الفيلم كانت بعد اقتراح أول من المخرجة نفسها في فيلم آخر لكن منتجه التونسي طارق بن عمار رفض مشاركتي مخيّرا تعويضي بممثلة غربية لتسويق الفيلم. وقد اعتذرت لي رندا الشهال عن هذه الحادثة ودعتني بعد مدة لفيلم «المتحضرات» الذي صوّر في بيروت وتقمصت فيه شخصية إمرأة لبنانية بورجوازية.

 

* هل اقتصرت مشاركتك في أفلام أجنبية على هذا الدور في فيلم «المتحضرات»؟

ـ هناك مشاركات أخرى مثلا في فيلمين فرنسيين أحدهما عن «الليلة المقدسة» (

La nuit du destin) للطاهر بن جلون لكن مشاركاتي السينمائية مقارنة بأعمال المسرحية تعتبر قليلة.. بما في ذلك السينما التونسية حيث شاركت في «شيشخان» و»عرب» و»العرس»..

 

* في «عرب» و»العرس».. هناك مرور من المسرح الى السينما.. لكن هذا الأمر انتقده البعض وقالوا عن فيلمي «عرب» و»العرس» انهما مسرح مصور وانهما أقرب لتصوير مسرحيتين بالفيديو؟ مارأيك في هذا الرأي؟

ـ ما اقتبسناه للسينما لم يكن له علاقة بما قمنا به على الركح.. هناك اختلاف كبير بين السرد المسرحي والسرد السينمائي. والتقطيع السينمائي قطع مع العمل المسرحي، وحتى الحوار كان مختلفا بين المسرحية والفيلم. «العرس» تحول من مسرحية الى فيلم مع الحبيب المسروقي وهو صاحب تكوين سينمائي بالأساس ويعتبر دخيلا عن المسرح من وجهة أكاديمية، علما وأن هذا ا لفيلم لم يعرض إلا في نوادي السينما. والجميل في هذه التجربة أننا أنجزناه بفريق غير مختص وبتقنيات ليست سينمائية.. قرار جماعي متحمس كان وراء انجازه في بيت بباب منارة.

أما بالنسبة لفيلم «عرب» فالأمر مختلف فهو قد خضع لتقطيع مضبوط دقيق وليس هناك تشابه إلا في الفضاء الذي احتضن المسرحية وتصوير الفيلم وهو كنيسة قرطاج.

 

* الاشتغال على ثنائية المسرح والسينما لم تتوقف عند هذا الحدّ.. بل عدتم إليها منذ أيام مع مسرحية «جنون».. حيث علمنا بأنها تحولت الى شريط تلفزي في مرحلة أولى.. وإلى فيلم سينمائي في مرحلة ثانية من خلال تقديمكم لملف دعم لوزارة الثقافة.. ما هي أخبار ومراحل المشروعين؟ خاصة وأننا على علم بأن الوزارة رفضت دعمكم؟

ـ قمنا بالتصوير.. لكن بقية المراحل متوقفة الآن.. حتى بالنسبة الى الشريط التلفزي.

 

* مسرحية «البحث عن عايدة».. هي الأخرى تحولت الى فيلم أليس كذلك؟ خاصة وأن هذا العمل كان بمنسابة 50 سنة على احتلال فلسطين؟

ـ تحويل هذه المسرحية الى فيلم كانت غلطة فادحة.. عندما وافقنا على اقتراح المنتج أحمد عطية الذي رشح المخرج السوري محمد ملص لتنفيذه، ومحمد ملص أجهله شخصيا ولم أشاهد له إلا فيلم «اللّيل».. ومع ذلك تقابلنا وتناقشنا لإنجاز هذا العمل وفق تصوّر سينمائي واشترطت ألاّ يقع أي تغيير في الحكاية.

 

* هل وقع «تحريف» للتصور الذي وقع الاتفاق عليه؟ أم استكثر عليك ملص وجهة نظرك في القضية؟

ـ هذا العمل أنجزته مسرحيا بمناسبة مرور 50 سنة على النكبة وأحكي فيه عن علاقتي بفلسطين.. أحكي عن 50 سنة من التاريخ والمواقف في تونس والعالم العربي.. لكن أحسست أن الأمور تغيرت أثناء التصوير وكان الفيلم تحوّل الى «بورتريه» عن ممثلة تحكي عن فلسطين، وكأننا نحن التونسيون ليس لنا الحق في تقديم رؤية للقضية.. أو أن آراءنا ليس لها أهمية. المهم أن هذا الفيلم بقي في أفلام «النيتيف» نظرا لأنه لم يتضمن صورة قوية ولا يبلغ أي شيء (

Un travail boclé) وفي المقابل وقع تصوير مسرحية «البحث عن عايدة» على طريقة الفيديو.

 

* من الأعمال السينمائية التونسية التي كان لك فيها دور فيلم «شيشخان» للفاضل الجعايبي ومحمود بن محمود على ضوء هذه المشاركة ما هو رأيك في السينما التونسية؟

ـ في السينما التونسية يجوز أن نتحدث عن تجارب أفلام.. أخيرا وقع الاتصال بي للمشاركة في برنامج عن السينما العربية على احدى القنوات التلفزية على هامش اليوم العالمي للمرأة.. وقد وقع التركيز في هذا البرنامج على أن السينما التونسية سينما إباحية وهي أحكام رفضتها وانتقدتها غيرة على بلدي وعلى فنّ بلدي.. وفي المقابل أقول ان هناك أفلام هامة مثل «عصفور السطح» وفيلم «خرمة» لجيلاني السعدي.. لكن هناك أفلام أصبت بخيبة أمل عندما شاهدتها مثل «بزناس» و»بنت فاميليا» و»صيف حلق الوادي».. لقد أحسست بإحباط خاصة في تشويه صورة الشاب التونسي في فيلم «بزناس».

 

* هل السبب في ذلك هو غربة هذه الأفلام عن واقعها وجمهورها ومخاطبتها لود أطراف أجنبية؟ أو لإسقاطات وهمية لا علاقة لها بالواقع؟

ـ أنا ضدّ الأحكام خاصة المتعلقة بالدعم.. لكن ضد أن يقول فريد بوغدير في «صيف حلق الوادي» إننا في ليلة حرب 1967 كنّا في غيبوبة وما حدث ليس لنا علاقة به في تونس.. ولو اقتصر فريد بوغدير على المعطيات التاريخية لتعايش المسلم واليهودي والمسيحي تعايشا حضاريا لكان أفضل من القراءة الغريبة التي قدمها.

 

* فهمنا إقصاء طارق بن عمّار لك من أحد الأفلام لأسباب تجارية لكننا لم نفهم وجود جميل راتب في «الشيشخان» بلهجة تونسية.. ألهذا الحدّ يشكو الكاستينغ في تونس فقرا في الممثل المناسب؟

ـ ليس لنا ممثل في تونس له سنّ جميل راتب.. زد على ذلك فجميل راتب صديق المسرحيين في تونس مثل حمادي الجزيري وعلي بن عياد.. وقد كان الممثل المناسب للدور في فيلم «شيشخان».

 

* وحيد عبد اللّه

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 20 ديسمبر 2005)

 


 

التطبيع الإسرائيلي – المغاربي:

المغرب بدأ العلاقات وموريتانيا رسَّختها وليبيا «الحلقة الأضعف»

تونس – رشيد خشانة     

 

قُطعت حركة السير في شوارع مدينة قابس الجنوبية التونسية أثناء زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم مع والدته للبيت الذي وُلد فيه. وذكر مراسلون اسرائيليون رافقوا الوزير أن قوات الأمن أخلت الشوارع المحيطة بالبيت، فيما أظهر تحقيق بثته قناة «الحرة» أن بعض السكان كانوا يتظاهرون في ناحية أخرى من المدينة ضد الزيارة. لم تكن المعارضة القوية التي لاقتها الزيارة لمناسبة رئاسة شالوم الوفد الإسرائيلي إلى المرحلة الثانية من القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي استضافتها تونس منتصف الشهر الماضي ظاهرة، اذ ان كل زيارات المسؤولين الاسرائيليين للبلدان المغاربية، منذ زيارة شيمون بيريز العلنية الأولى للمغرب عام 1985 إلى زيارة شالوم لتونس، اتسمت بصدامات وإضرابات واحتجاجات لم تقتصر على النخب وإنما شملت النقابات العمالية والحركات الطلابية.

 

كان لافتا أن شالوم ركز اللقاءات التي عقدها مع نظرائه العرب على هامش الإجتماعات السنوية الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة على وزراء خارجية تونس والمغرب وموريتانيا، وهو كرر الدعوة علنا للعواصم المغاربية لتطوير العلاقات مع الدولة العبرية، ما أوحى بأن الإسرائيليين يعتقدون بأن التطبيع مع البلدان المغاربية ثمرة أينعت بعد أربعة عقود من العمل السري والعلني وحان قطافها.

 

وكان شالوم أعلن في تشرين الأول (أكتوبر) أنه سيزور المغرب قريبا ورجح مراقبون أن ينتقل من تونس إلى الرباط الشهر الماضي لكنه لم يفعل. مع ذلك تؤكد معلومات متقاطعة أن مسار التطبيع يتقدم على أكثر من واجهة. فعلى رغم التجميد الرسمي للمكتبين التمثيليين المغربي والتونسي في اسرائيل اثر القمة العربية في القاهرة عام 2000، واغلاق المكتبين الإسرائيليين في كل من الرباط وتونس، تكثفت العلاقات التجارية والسياحية والثقافية والأمنية المغاربية – الإسرائيلية في شكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة، حتى أن مصدراً رفض الكشف عن هويته اعتبر أن العلاقات لا ينقصها سوى رفع العلم فوق المكاتب التمثيلية التي عادت لتعمل بوتيرة أعلى مما كانت عليه في العقد الماضي، أسوة بنشاط السفارة الإسرائيلية في موريتانيا.

 

فمع تونس تكثفت المبادلات التجارية وتطور تبادل الزيارات بين رجال الأعمال وتوسع التعاون الأمني، وبخاصة لتبادل الخبرات في مجال مكافحة الإرهاب. غير أن مقياس توسع العلاقات التونسية – الإسرائيلية هو من دون شك طقس «الزيارة» السنوية لكنيس «الغريبة» في جزيرة جربة الذي يعتبر أقدم معلم يهودي خارج فلسطين. وتستمر طقوس «الزيارة» التي تتم في «الحارة الكبيرة» يومين تقام خلالهما شعائر دينية وولائم وحفلات ويحضرها عادة رجال دين ونواب وسياسيون ووفود إعلامية إسرائيلية وترعاها وزارة السياحة التونسية. وعبر مسؤولون إسرائيليون كُثر عن رغبة حكومتهمفي معاودة تنشيط العلاقات السياسية مع تونس، ولعب «اللوبي» التونسي القوي في وزارة الخارجية الإسرائيلية دورا بارزا في تسريع خطى التطبيع، وفي مقدمه شالوم والسفير الإسرائيلي في باريس نسيم زفيلي الذي زار تونس أواخر التسعينات عندما كان أمينا عاما لحزب العمل، والسفير الإسرائيلي الحالي في القاهرة شالوم كوهين المولود في مدينة نابل والذي عمل رئيسا للمكتب الإسرائيلي في تونس منذ فتحه إلى إقفاله (الموقت).

 

ويمكن القول إن الخشية من رد فعل الرأي العام الذي يعارض بشدة أي تطبيع مع اسرائيل يشكل أهم عقبة أمام تطوير علاقات كاملة على الطريقة الموريتانية، خصوصا منذ أن وجدت تونس نفسها في خط المواجهة بعد انتقال مقرات القيادة الفلسطينية إليها اعتبارا من سنة 1982، ولم يتوان الإسرائيليون عن شن غارة على تلك المقرات في ضاحية حمام الشط مطلع تشرين الأول (أكتوبر) 1985 أسفرت عن استشهاد عشرات التونسيين والفلسطينيين.

 

وعندما وجهت الحكومة التونسية دعوة رسمية لشارون لحضور افتتاح قمة المعلومات أثارت الخطوة ردود فعل قوية في أوساط مختلفة وبخاصة النقابات العمالية والمحامين وأحزاب المعارضة. والأرجح أن واشنطن نصحت شارون بعدم تلبية الدعوة مخافة أن تؤدي الى تسميم الوضع الداخلي. كذلك تلعب الطائفة اليهودية في تونس وفي مقدمها رئيسها رجل الأعمال روجي بيسموث الذي عُين أخيرا عضوا في مجلس المستشارين دورا مهما في دفع مسار التطبيع واستئناف التبادل الديبلوماسي، لكن لوحظ أن شالوم أعلن أن التونسيين اعتذروا عن عدم معاودة العلاقات الديبلوماسية في الأمد المنظور بسبب المعارضة الشديدة التي تلقاها خطوات التطبيع لدى الرأي العام.

 

البداية من المغرب

 

أما المغرب الذي أقام علاقات تعاون وثيقة مع الدولة العبرية مثل التونسيين منذ مطلع الستينات، فكرس التطبيع الديبلوماسي اثر توقيع اتفاقات أوسلو. إذ وقع وزيرا الخارجية عام 1994 على اتفاق لإقامة علاقات ديبلوماسية وافتتاح مكتبين تمثيليين في الرباط وتل أبيب. وفتح الإتفاق الطريق للقاءات علنية ودورية بين المسؤولين وإقامة تبادل سياحي وتجاري ما انفك يتكثف في السنوات الأخيرة. إلا أن المغرب سبق كل البلدان المغاربية إلى العلاقات العلنية مع الدولة العبرية، اذ استقبل الملك الحسن الثاني بيريز في قصر إيفران أمام عدسات المصورين عام 1985 غير مبال بموجة الإنتقادات الواسعة داخل المغرب وخارجه. وكشف أنه لعب دورا أساسيا في إقناع الرئيس المصري الراحل أنور السادات بزيارة القدس المحتلة والتوقيع على اتفاقات كامب ديفيد عام 1979.

 

وتعود قنوات الإتصال المباشرة بين الملك الحسن والدولة العبرية إلى ما قبل اعتلائه العرش، إذ أقنعه الإسرائيليون بكشف مؤامرة ضده بوصفه وليا للعهد في كانون الأول (ديسمبر) 1959، وهذا ما يفسر إقباله على تطوير التعاون معهم بعد توليه مقاليد الحكم عام 1961 وبخاصة في المجال الأمني أسوة بالعلاقات التي كانت تقيمها اسرائيل آنذاك مع شاه إيران. واعتبر محللون أن المكتب الذي فتحه جهاز «موساد» الاسرائيلي في المغرب منذ تلك الفترة شكل تمهيدا لمكتب التمثيل الديبلوماسي الذي فُتح منتصف التسعينات، علما أنه كان يدير أيضا مكتبا سريا في تونس في الفترة نفسها لتنظيم تهجير اليهود التونسيين إلى فلسطين. وتمثلت أهم حلقة للتعاون بين الجانبين في ترتيب خطف المعارض المغربي البارز مهدي بن بركة من باريس في 29 تشرين الأول 1965. ولم يكن هذا التعاون سريا إذ أماطت صحيفة «بول» الإسرائيلية اللثام عن تورط «موساد» في اغتيال بن بركة في 11 كانون الأول 1966 (مع أنها متخصصة في الصور الخليعة)، لكنها تحفظت عن إعطاء التفاصيل متعللة بأن «هناك تحقيقا جاريا في الموضوع يمكن أن يؤدي إلى إسقاط حكومة ليفي أشكول». واللافت أن 30 ألف نسخة من العدد جُمعت من الأسواق وأحيل كاتبا المقال على المحكمة بتهمة إفشاء أسرار الدولة فقضت بسجنهما سنة واحدة، مما برهن على شدة ضيق الإسرائيليين من إفشاء سرَ بذلك الحجم. 

 

وفي المغرب كما في تونس لعب رموز الطائفة اليهودية دور الجسر بين الحكومتين بواسطة الصداقات المتينة التي حافظوا عليها في اسرائيل. وفي هذا السياق تبنى الملك الحسن ومن بعده الملك محمد السادس الأمين العام لمجلس الجماعات اليهودية في المغرب سيرج بيرديغو الذي تولى منصب وزير السياحة (1993-1995) وأندري أزولاي الذي كان مستشارا خاصا للملك الحسن والذي يحتفظ بعلاقات حميمة مع كبار الزعماء الإسرائيليين.

موريتانيا

ويبدو أن العلاقات الموريتانية – الإسرائيلية تُعتبر لدى الجانب الإسرائيلي نموذجا للمستوى الذي ينبغي أن يصل إليه التطبيع مع العواصم المغاربية الأخرى. فعلى رغم خلع الرئيس معاوية ولد طايع، مهندس التقارب مع الدولة العبرية والذي قلب تحالفات موريتانيا بنسبة 180 درجة منتصف التسعينات بتخليه عن عراق صدام وإقباله على إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة مع اسرائيل، تحاشى خليفته العقيد علي ولد محمد فال فصم العلاقات على رغم المطالبة المتصاعدة بالتخلص من تركة ولد الطايع وإقفال السفارة الإسرائيلية في نواكشوط التي تحتل موقعا بارزا غير بعيد عن القصر الرئاسي. بل إن وزير الخارجية الجديد أحمد ولد سيدي أحمد سارع إلى الإجتماع مع نظيره الإسرائيلي شالوم بعد أسابيع قليلة من الإنقلاب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ووجه الوزير رسالة واضحة للعرب وللقوى السياسية الداخلية الضاغطة لقطع العلاقات مع الدولة العبرية عندما أكد أن «السياسة الخارجية لموريتانيا لم يتغير فيها شيء وبقيت كما هي» مشددا على أن «العلاقة مع اسرائيل ستستمر». واعتُبر هذا الموقف تحديا للعرب ولتيار واسع من الرأي العام الداخلي المناهض للتطبيع مع اسرائيل، وهو ما يعني أن الحكومتين ستمضيان في تنفيذ الإتفاقات التي توصلا إليها خلال زيارة شالوم إلى موريتانيا في وقت سابق من العام الجاري، وكأن شيئا لم يتغير في نواكشوط.

 

ولم تخف الجزائر جارة موريتانيا القوية انزعاجها من العلاقة الخاصة مع اسرائيل، وانتقد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة علنا أبعاد تلك العلاقة ما أدى إلى برود في العلاقات الثنائية. ويتوجس الجزائريون بخاصة من العلاقات المغربية – الإسرائيلية التي يخشون من أن تكون موجهة ضدهم خصوصا على أيام الحرب الباردة. إلا أن الصراع الدموي بين الجيش والجماعات المسلحة طيلة التسعينات سهَل فتح باب التقارب في إطار التعاون الأمني وتبادل الخبرات، وهي علاقات مازالت مُحاطة بالكتمان. وكان لافتا أن بوتفليقة لم يستنكف من مصافحة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في خطوة اعتبرت لدى المراقبين ترطيبا للأجواء فيما أثارت لدى أحزاب وشخصيات جزائرية موجة واسعة من الإنتقادات والشجب. ولعل هذه المعارضة الشديدة هي التي أحبطت بعض الإشارات «التطبيعية» ومن أبرزها إجراء مباراة لكرة القدم بين فريقين جزائري واسرائيلي وزيارة وفد إعلامي جزائري لاسرائيل أسالت حبرا كثيرا في الجدل بين مؤيديها ومعارضيها. لكن الثابت لدى المحللين أن الأوضاع الجزائرية لا تتحمل تطبيعا مع الدولة العبرية على الطريقة الموريتانية ولا حتى التونسية، أقله في المرحلة الراهنة، على رغم وجود عناصر في الدولة لا تخفي حماستها لهذا الخيار.

ليبيا

وفي ليبيا يرتدي التطبيع شكلا مختلفا عن البلدان المغاربية الأخرى، فهو وإن كان وقودا للتقارب مع واشنطن إلا أن العقيد معمر القذافي يتعاطى معه بحذر شديد مخافة أن يقضي على شعبيته في أوساط عوَدها على الخطابات القومية الملتهبة. ويلعب رئيس المنظمة العالمية لليهود الليبيين رامي كحلون دورا مهما في إنضاج التطبيع. وكشفت صحيفة «جيروزاليم بوست» في 3 آذار (مارس) الماضي أنه حاول الحصول على دعوة من السلطات الليبية لزيارة ليبيا بدعوى الإطلاع على بيت أهله ومناقشة مسألة «تعويض اليهود عن ممتلكاتهم». لكن السلطات فضلت إرجاء الزيارة ربما خوفا من ردود الفعل في الداخل، خصوصا أن ليبيا تطالب اسرائيل منذ سنوات بدفع تعويضات لأسر ضحايا الطائرة المدنية التابعة للخطوط الليبية التي أسقطها سلاح الجو الإسرائيلي فوق صحراء سيناء عام 1973.

 

وفاتح مسؤولون أميركيون نظراءهم الليبيين في شأن ضرورة التطبيع مع الدولة العبرية، وبناء على تلك «النصائح» تردد ان مسؤولا ليبيا زار اسرائيل سرا لإجراء مفاوضات حول التعويضات لليهود. وكانت «جيروزاليم بوست» أكدت أن الزيارة تهدف «للإعداد لأمر ديبلوماسي ما». وطبقا للرواية الإسرائيلية فإن 30 ألف يهودي غادروا ليبيا منذ استقلال البلد عام 1952 وتركوا وراءهم «عقارات وممتلكات»، ما يدل على ضخامة المطالب المالية الإسرائيلية.

 

قُصارى القول أن ليبيا ستبقى على ما يبدو «الحلقة الأضعف» في التطبيع المغاربي – الإسرائيلي نظراً الى انهماك الليبيين في ورشة الإصلاحات الداخلية التي تحض عليها واشنطن للقبول بعودة الحكم الليبي إلى المجتمع الدولي. لكن الثابت أن المعارضة القوية التي يلقاها التقارب مع الدولة العبرية لدى المجتمعات المغاربية ما زال يشكل العقبة الرئيسة أمام معاودة انطلاق قطار التطبيع الديبلوماسي والسياسي.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 20 ديسمبر 2005)

 

البحر المتوسط: رهانات علمية وثقافية

 

عبد الجليل التميمي (*)

 

كانت ضفتا المتوسط حتى في أشد الفترات والعهود توترا، همزة وصل بين شعوبه المختلفة والتي لم تتفق على شيء أكثر من اتفاقها على التبادل الحضاري خلال كل العهود والعصور، إذ انتقلت بين ضفافه المترامية الأطراف البضائع والمخترعات والبشر والأفكار والأديان والثقافات وتلاقحت وامتزجت العادات والتقاليد بحكم عوامل داخلية وخارجية عدة. وفي ظل الدولة الوطنية استمرت قنوات الإتصال بين الضفتين، غير أن الأمر اقتصر على الجانب الرسمي الذي يبقى دائما فوقيا. كما أنه عكس أيضا انعدام التكافؤ بين الطرفين، وهو ما كان وراء غياب الحوار الحقيقي الفاعل والمستمر والبناء، ما يفسّر في البداية فقدان الطرف الجنوبي للكوادر ذات الكفاءة والجودة. إذ لم تتأسس، آنذاك، الجامعات ومراكز البحوث، وحتى الموجودة منها كانت تتحسس طريقها من خلال تخريج كوادر إدارية وتسييرية لا غير. أما اليوم فتغير الأمر كثيرا وأصبحت الضفة الجنوبية تغدق على الضفة الشمالية آلاف العلماء والباحثين سنوياً في عديد التخصّصات، الأمر الذي أدى إلى إحداث تغيير جوهري في العلاقة بين الطرفين، اذ أصبح ذلك ضرورة فرضتها آليات التعايش في فضائنا الجغراسياسي.

 

إلا أننا أصبحنا نعيش منذ سنوات عدة مناخا دقيقا جدّا من المد والجزر بفعل عوامل خارجية عدة لعبت دور الموجه والمؤطر وأثرت سلباً في طبيعة العلاقات بين ضفتي المتوسط. ولا شك في أن الأحداث السياسية الخطرة التي شهدها مسرح الأحداث الشرق أوسطي والتداعيات الناتجة عنه، أوجبت إقامة حوار يهدف للوقوف حائلا دون سطوة الإعلام التضليلي الذي أضاع علينا فرص وقفات التأمل لاستشراف المستقبل. ففي زمن تشتدّ فيه النزاعات والصراعات تحت عناوين شتى ولأسباب مختلفة، وجب على أهل المعرفة والثقافة التحرك من أجل تجسير الهوة التي تهدد بقطيعة أعمق على صعيد العلاقات الأورو-عربية. وفي إطار الواقع الجديد الذي ينعت بالعولمة، ينبغي فتح كل سبل الحوار المعرفي والثقافي بين الطرفين لمأسسة التواصل عبر المؤسسات والمراكز والجامعات على ضفتي المتوسط.

التواصل المعرفي

نذهب إلى الاعتقاد بأن الشراكة البحثية بين المراكز العربية والأوروبية اليوم أكثر حتمية من أي وقت مضى. وعلى الجانبين العربي والأوروبي أن يرعياها خدمة لمصالحهما معا. وفي هذا الإطار يتطلب تفعيل الشراكة المعرفية والثقافية بين ضفتي المتوسط، الشمالية والجنوبية، اعتماد استراتيجية مغايرة وتوخي منهج جديد قوامه إنجاز مشاريع مدروسة ستؤثر بلا شك في مسارات التقارب والتواصل بين الجانبين، وتجعل القيادات الفكرية والبحثية في الضفتين مهمومة حقا بالبناء المعرفي السليم.

 

وفي ضوء هذا التوجه يمكن أن تحقق شراكتنا المعرفية عددا من الانجازات ذات الطابع التوثيقي والإعلامي التي بمقدورها أن تبلور علاقاتنا المستقبلية على أساس متين من خلال تهيئتها لمناخ الحوار الحق ولأدواته الجديدة المتوافرة بسهولة في الفضاءات البحثية الأوروبية والمنعدمة تقريبا في الضفة الجنوبية. فالمؤسسات والمراكز العلمية الأوروبية تسير وفق فلسفة واستراتيجية واضحتين، وهي معنية في جانب من اهتماماتها بالواقع السياسي والحضاري والديني للضفة الجنوبية للمتوسط وتداعياته المختلفة محلياً ومتوسطياً مثلما حصل في مؤسسة ستراسبورغ للعلوم التي اهتمت بدرس المجتمع العربي الإسلامي اليوم، وغيرها من المؤسسات الأوروبية التي أولت هذا الملف بعض عنايتها. فالمقارنة إذن واضحة، وتستوجب العمل على إرساء شراكة واعدة لتطوير الحوارات الأكاديمية والثقافية المنتظمة بين المؤسسات والمراكز البحثية العربية والأوروبية الحكومية منها والخاصة. وعلى هذا الأساس تتمثل اقتراحاتنا في الملفات الآتية:

 

أولا: إن دور المراكز البحثية في المستقبل يمكن أن يكون فاعلاً ومجدداَ ومولداَ حقاً للمعرفة، لخلق حركية شاملة، تعزيزا لأساسيات التنمية المعرفية العربية من جهة، وتعضيدا للبحث العلمي الأوروبي في الجهة المقابلة. فالمخابر البحثية الأوروبية تضم المئات إن لم يكن آلاف الباحثين المتخصصين من بلدان الضفة الشمالية، قلما يتم إشراك باحثي الضفة الجنوبية في استراتيجية البحث العلمي الأوروبي، مع التأكيد على أن ما ينجز في بعض المؤسسات البحثية الجنوبية يرقى إلى المستوى الأكاديمي الدولي. وفي ضوء ذلك ينبغي وضع بعض المشاريع البحثية المشتركة بين متخصصي الشمال والجنوب، لتكريس الشراكة المعرفية والثقافية، مقترحين في هذا الصدد إنشاء مؤسسة عربية – أوروبية أكاديمية مشتركة بدل إنفاق الأموال الطائلة على إنشاء كراس ظرفية وعابرة عن العالم العربي أو تمويل مشاريع وهمية لم تتوج بأي نتيجة عملية في تعزيز الحوار السليم.

 

إن فكرة إنشاء مؤسسة عربية – أوروبية على شاكلة دار الإنسان (

La Maison de l’Homme) الفرنسية، سيمكن من إعطاء دفع كبير ونوعي للبحث باستيعاب مئات الباحثين من ذوي الاختصاصات المتكاملة، متجاوزين في ذلك المراكز والمؤسسات العربية والأوروبية العديدة الغارقة في القطرية الضيقة، والتي تديرها عقلية انعزالية واضحة من كلا الضفتين، ولم تساهم بالتالي في إيقاظ الوعي المعرفي السليم ولا في بعث أساسيات التنمية المعرفية وليست لها استراتيجيات مدروسة لمجتمع المعرفة. إن إنجاز مثل هذا المشروع يتوقف على حسن اختيار القائمين عليه لوضع المخططات الفاعلة بغية تطوير المعرفة بين هذين الفضاءين الجغراسياسيين.

 

ثانيا : السعي إلى وضع كشاف شامل بمئات الرسائل الجامعية التي أنجزت في الجامعات الأوروبية، وعالجت قضايا تهمّ بلدان الضفة الجنوبية. فمن المحزن حقا أن تضيع مثل تلك المجهودات البحثية وكان الواجب تكشيفها وتصويرها وتبادلها لتعزيز مكتبات ومؤسسات البحث في كلا الضفتين خصوصا أن عددا مهماً جداً من تلك الرسائل الجامعية عالج الجوانب السياسية والثقافية والحضارية المختلفة، الماضية والراهنة، غير أنه لم يتسن الاطلاع عليها من عموم المعنيين بهذا الحقل البحثي الغائب الحاضر في إطار جدلية التواصل بين الضفتين. وهذا ما قلص إمكانات الاستفادة من التجارب المعرفية المتراكمة في فضاءينا.

 

ثالثا: وضع خطة أولية لنشر مئات الآلاف من الوثائق المتوافرة في دور الأرشيف الغربية حول دول الضفة الجنوبية، وهي تتناول الحياة السياسية والاقتصادية والحضارية للضفة الجنوبية. إذ تحتفظ دور الأرشيف الأوروبية بملايين الوثائق منذ بدايات العصر الحديث. وتبني مثل هذا المشروع سيعزّز آليات البحث العلمي لدى الجميع ويوفر أرضية جديدة تعمل على تأطير الحقيقة، خصوصاً إذا علمنا أن الوصول إلى أرشيفات دول الاستقلال في الضفة الجنوبية ما زال غير ميسر حتى اليوم، وما نخالها ستفتح الطريق إليه في المستقبل القريب!

 

رابعاً: إن تفعيل التواصل البحثي والثقافي يتوقف على اعتماد سياسة الترجمة والتعريف المنتظم بالمؤلفات المهمة من اللغات الأوروبية والعكس مؤمل أيضا لبعض الأعمال العربية الرائدة في عديد من التخصّصات في العلوم الإنسانية والإجتماعية. ذلك أن تأمين تلك الترجمات يشكل أحد قنوات الحوار المفضلة والأساسية للتواصل والتفاهم المتبادل، وهو أمر جوهري لبناء السلم والتفاهم بين الشعوب والأمم والأفراد.

 

خامساً: العمل على تعزيز عرى التواصل الثقافي في شكل أكثر توازنا وانتظاما ما يستوجب تنويع وتفعيل وإثراء سياقات التفاعل المسرحي والفني والتراثي بين الضفتين وتقديم اجتهادات مشتركة في ذلك، مع إقامة المعارض والمتاحف المتنقلة دوريا والتي تعكس عمق الثراء الأثري والحضاري لكلا الجانبين، وهذا من شأنه أن يفعَل الحوار بين الأجيال ويربطها برباط الانفتاح وقبول الآخر.

الحرية الأكاديمية وهجرة الأدمغة

 

نعرض هنا ما يجب أن تقوم به مراكز البحوث والجامعات العربية والأوروبية لصوغ استراتيجية البناء المعرفي والثقافي بين الجانبين، على أساس إيجاد فضاءات للتواصل المعرفي كي تتشكل لديهما منظومة الدفاع عن حرية التعبير والتي تعتبر إحدى الأولويات التي يجب أن يدافع عنها الباحثون. ذلك أن البحث العلمي في العلوم الإنسانية لا يتمتع اليوم في الضفّة الجنوبية للمتوسط بالحرية الأكاديمية الأساسية، ما يفسر تأرجح أساسيات المعرفة في فضاءاتنا جميعا، خلافا لحرية الممارسة البحثية في الفضاءات الأوروبية. وعليه فإن هاجس الباحثين من كلا ضفتي المتوسط، العمل على أن تتمتع مخابر المعرفة والبحث العلمي بكل الآليات التي يستوجبها الطابع الأكاديمي لتلك البحوث.

 

ومن أهم الإشكالات التي تمكن مناقشتها على الصعيدين العربي والأوروبي ملف هجرة الأدمغة والكفاءات وهي ظاهرة تهم الجانبين. ففضاءات المتوسط الجنوبي تعتبر منطقة طاردة على مستوى عالمي، فيما هي في حاجة إلى من يفتح لها طريق التنمية والتقدم العلمي. وهي تهم أوروبا أيضا، باعتبار أن الكثير من العقول، تهاجر منها الى أميركا وحتى آسيا.

 

وقد عقدت عشرات المؤتمرات حول ملف هجرة الأدمغة من الضفة الجنوبية للمتوسط نحو الفضاءات والمخابر الأوربية أساسا ووضعت التوصيات لإعادة احتضانها في مخابر ومؤسسات الضفة الجنوبية كي تساهم في تعزيز التنمية المعرفية. إلا أن عدم الأخذ بتلك النتائج أو تنفيذ أبسط التوصيات لا يعود إلى الحكومات العربية فقط، وإنما أيضا إلى الجانب الأوروبي تنظيما وتنظيرا، إذ لم يساهم في صوغ التوصيات فبدت كأنها موجهة ضده أساساً باعتبار أنها ستفقده مصدرا مهماً للكفاءات العلمية الآتية من الضفة الجنوبية. غير أن هذا لا يعفينا من تحميل الحكومات العربية مسؤولية عرقلة انبعاث مجتمع المعرفة والبحث العلمي وإرساء فضيلة الحوار.

 

ويكفي للتدليل على ذلك الإشارة إلى النسبة الضئيلة المخصصة للبحث العلمي والتي تراوح بين نصف وواحد في المئة، في حين تخصص أوروبا بين ثلاثة و3.5 في المائة من الدخل القومي للمعرفة والبحث العلمي والثقافة. إن وضعنا مخجل وفي غاية الدلالة على وضعية المعرفة، هذا الرجل المريض في هيكلية اهتمامات دول جنوب المتوسط. ومع هذا نذهب إلى الاعتقاد بأن الطرف الأوروبي يمكنه المساهمة في إنقاذ الموقف بتقديم النصيحة وعقلنة الاستثمارات التي يقدمها وتقنين المؤسسات وإجراء تقويم للمشاريع المنجزة أو تلك لم تنجز بعد.

 

كلمة أخيرة نسوقها تتعلق باقتراح إنشاء مرصد يتألف من عدد من الباحثين العرب والأوربيين ممن لهم سلطة معرفية للمساعدة في توجيه وتخطيط الشراكة العلمية والمعرفية العربية الأوربية المستقبلية، والعمل على إرساء التعاون السليم بين الجانبين من أجل تنمية المعرفة وجعلها في خدمة السلم والتواصل بين شعوب ضفتي المتوسط.

 

(*) مؤرخ وأكاديمي تونسي

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 20 ديسمبر 2005)


سنة الإيذان بصعود الإسلام السياسي

آمال موسى (*)

 

هل كانت تدري الطائرات التي استهدفتا البرجين في نيويورك، بأنهما في تلك الدقائق المعدودة التي مارستا فيها الهدم والضرب، قد نثرتا دونما قصد منهما بذرة جديدة في حقول الممارسات السياسية في المجتمعات الإسلامية تسمى المراجعة بالنقد والحوار المختلف الإيقاعات ؟

 

ربما ينطبق على أحداث تاريخ 11 سبتمبر 2001 المثل القائل «ربّ ضارة نافعة»!

 

والمنفعة التي نقصدها هي الاقتناع بقيم جديدة كانت في ما قبل مرفوضة بتشدد وبتعنت. وتلك القناعة هي التي أحدثت الانقلاب الحاصل اليوم في أغلب الأدبيات الآيديولوجية والسياسية في البلدان العربية، التي أصبحت تنظر إلى الواقع بعين مفتوحة وإيجابية ومرنة جدا.

 

وبالتالي فإن أحداث العنف والموت والإرهاب أنتجت الآن ذهنية هي في قطيعة جوهرية مع الفكر المنتج للإرهاب. ولعل صعود الإخوان المسلمين في مصر اعتمادا على صناديق الاقتراع وبلورة خطاب إخواني جديد، يتميز بالواقعية وبالتفتح وبالاعتدال، حدث بالغ الأهمية ويحث الجميع على النظر والتأمل والتفكير بعيدا عن التحامل والقوالب الآيديولوجية الجامدة، واضعين في الحسبان الجاذبية الشعبية للإخوان في مصر وفي بلدان عربية إسلامية أخرى وأتباعهم المنتشرين في أكثر من 70 دولة، من دون أن ننسى رمزية ودلالات صعود الإخوان في مصر وعودتهم بثوب فكري ديني جديد، على مستوى الحركية التي بدأ يشهدها الإسلام السياسي في المنطقة. أي أن صعود بعض درجات السلم في مصر لا بد أن يقودنا إلى الانتباه إلى رحلة الصعود القادمة في كافة «السلالم» الإسلامية.

 

لذلك فإن هذه السنة، التي نستعد لتوديعها، كان من أبرز أحداثها إعلان بداية عودة الإسلام السياسي إلى الميدان السياسي في المنطقة.

 

فبماذا نفسر عودة الإسلام السياسي وما هي آفاق هذه العودة وجديدها ؟

 

إن الحقيقة التي أصبحت تتقاسمها كافة المرجعيات الآيديولوجية المتحركة في الحقل السياسي العربي تتمثل في أن صوت الواقع أقوى من كافة التنظيرات والقناعات والشعارات. ويعتبر هذا الحراك الآيديولوجي نتاج القيام بمراجعة من الداخل تنصت لمقولات الواقع من منطلق وضعي مادي محسوس.

 

وليست المراجعة خاصة بجماعات الإخوان المسلمين فقط بل ان كل التيارات السياسية بصدد مراجعة فكرها سواء منها اليسار أو القوميون العرب… لذلك اقتحمت أدبياتهم مفاهيم ليبرالية، علما بأن النظام الرسمي العربي نفسه أجبر على أن يراجع نفسه. ومن المهم الاستنتاج بأن الدخول في مرحلة المراجعة هو السبيل الوحيد لإبعاد شبح الموت والاندثار، لأن المنتج الأساسي لحالة المراجعة هو الاقتناع بارتباط الوجود الذاتي بوجود الآخر بشكل عفوي وحيوي.

 

وأصبح مبدأ القبول بالآخر شرط التأسيس للعبة سياسية حقيقية بعيدة عن الإدعاء بمسك الحقيقة، إضافة إلى أنه المبدأ المحصّن للجميع ضد العنف، خصوصا أن تاريخ العنف ارتبط دائما بفكر إقصاء الآخر.

 

وطبعا هذه المراجعة هي نتاج محن كثيرة. فالإخوان استفادوا من فشل الخطاب الديني المتفجر والمتشدد ورأوا في جماعات الإرهاب باسم الدين المثال الحي والقوي على فشل أسلوب العنف وكيف أنه حامل لأسباب موته السريع والمأساوي.

 

وأيضا محن أخرى ساهمت في هذه المراجعة منها السجون والإعدامات والوقوع في حالتي العزلة الداخلية والدولية من خلال رفض الآخرين لهم من أنظمة وقوات سياسية وقوى دولية.

 

وبذلك فإننا نفسر عودة الإسلام السياسي وتحديدا أحزاب المسلمين بحصول المراجعة النقدية الذاتية. ولا بد أن نضع في الاعتبار ونحن نرصد ظاهرة المراجعة أن صعود الإخوان وحصولهم على خمسة مقاعد في البرلمان، وهم الجماعة المحظورة، مؤشر يقوي من ثقة ممثلي الإسلام السياسي في المنطقة العربية والإسلامية، ويجعل مستقبل علاقة الدين بالسياسة في الدول الإسلامية مفتوحة على سيناريوهات عديدة. فهم يطرحون أنفسهم كبديل سياسي عاد للظهور في الفعل الاجتماعي والسياسي بعد تهتك مضامين المشروعية السياسية للأنظمة العربية وبعد أن ثبت فشل الأحزاب الليبرالية في نشر منظومة ثقافية ليبرالية بطريقة ذكية ومبسطة ومقبولة لا تحدث الصدامات الثقافية، إضافة إلى انعدام الإمكانيات والفرص السياسية الكبيرة التي تجعلها في صميم توقعات شعوبها، أي أنها كانت منتديات أكثر منها أحزابا منظمة وفاعلة ومؤثرة.

 

وإلى جانب فشل الأنظمة وكذلك الأحزاب الليبرالية والعلمانية في الاستقطاب السياسي الجماهيري العريض، فإن الفترة التي تلت تاريخ 11 سبتمبر 2001، عززت سريا من أهمية دور الجماعات الإسلامية التي عاشت المراجعة الذاتية النقدية وأصبح يتوفر فيها الحد الأدنى من الاعتدال المطلوب. فصحيح أنهم رفضوا شعار «الإسلام هو الحل» وتحدثوا عن عجلة النهضة التي يهدفون إلى تحريكها، ولكنهم حرصوا أيضا على إظهار تفتحهم من خلال إعلان التزامهم بالديمقراطية والاعتماد على صناديق الاقتراع، وكذلك وهي حركة رمزية دلالية ترشيح سيدة في الانتخابات، مما يفيد الحس الإيجابي إزاء المشاركة السياسية للمرأة، إضافة إلى إظهار تفتحها على الآخر، فوجهت رسائل مستبطنة إلى الآخر تدور حول طمأنته. وبالنظر المتمعن في هذه التغيرات الجزئية المركزية، فإن أهميتها تصبح مضاعفة، حين نربطها بطموح الأمريكيين في ترويض تيارات الإسلام السياسي والتركيز على حدوث التغيير في نقاط ذات علاقة بالديمقراطية والمرأة والآخر.

 

وهو ما يفيد بأن الولايات المتحدة الأمريكية وهي الدولة القائمة على مبدأ البراغماتية والواقعية، والتي تلتفت إلى أكثر الفاعلين جدوى في أرض الواقع، بصدد «طبخ» التيارات الإسلامية المعتدلة من بعيد ومن قريب، خصوصا أن حربها على الإرهاب لم تحقق أبسط مظاهر النصر، وصورتها في المجتمعات الإسلامية في ميل متواصل نحو السواد. وبالتالي فإن التيارات الإسلامية ذات القاعدة الشعبية، والقادرة على الاختراق والتأثير، أصبح في تأييدها يكمن الحل المفقود إلى حد الآن، والذي باعتماده تهمش الجماعات المتطرفة ويسحب من تحتها بساط القاعدة الشعبية المختطف.

 

وقد ظهرت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 نخبة سياسية في الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بصمت حول أطروحة أن الطريق المثلى في تهميش جماعات العنف هي التعامل مع تيارات إسلامية معتدلة. ويعتقد بعض الدبلوماسيين الأمريكيين أن نفوذ الإخوان المسلمين يقدم فرصة لمشاركتهم سياسيا، لذلك يرون أنه يمكن العمل معهم .

 

إن الحراك الفكري والسياسي الذي شهدته جماعة الإخوان وإمكانيات توسعه وتصديره من خلال إعادة تنظيم العلاقات من جديد، ربما يكون واضحا وحافزا يشبه الخطر يقود النخب السياسية الحاكمة والأحزاب الليبرالية ذات الأثر المتواضع إلى التعجيل أكثر في عملية المراجعة وقبول كافة شروط اللعبة السياسية الديمقراطية، وفرض البدائل السياسية من خلال صناديق الاقتراع.

 

ولكن الأسئلة التي تفرض نفسها هي إلى أي مدى يمكن لجماعات الإسلام السياسي المعتدل أن تصل في مراجعتها خصوصا أن الاعتراف بإسرائيل حلقة أساسية في تعامل الولايات المتحدة معها، وكذلك نتساءل هل أن هذا التعامل سيمثل كافة الجماعات الدينية بما فيها المغرب العربي؟ أم أن الجغراسياسية ستحدد الدرجات والنسب ؟

 

(*) كاتبة من تونس

 

(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 20 ديسمبر 2005)


خـــوف

 

توفيق قريرة (*)

 

وقف يلهثُ والشارع فارغٌ قَفْرٌ، التفتَ في جميع الاتّجاهات كأنّما ينتظر أن يفاجئه شيء مفزع مخيفٌ، أعاد الالتفات مرّات ومرّات، عدا في الممرّ المجاور واختبأ، ثمّ أطلّ برأسه خرج من مكمنه وأسرع الخطو باتّجاه العمارة التي كنتُ فيها أرقبُهُ. قرّرت أن أدخل في هذا المشهد. غادرتُ الشّقّة ونزلتُ درجات السّلّم بسرعة. دخل العمارة يلهث لُهاثا متقطّعا.. كمنتُ له في بُقْعة مُظلمة حيثُ أراهُ ولا يراني. ظللتُ أرصدُهُ وظلّ يرصُدُ متعقّبا له يأتي من بعيد. عيناهُ علي بوّابة العمارة تبرق كعيني ديك ينتظر انبلاج الفجر ليؤذّن. عيناي عليه كثعلب يخشي قدوم فجر يفضح كمونه للدّيك. تحرّك في جميع الاتّجاهات بخفّة وحذر تحرّكت له بالخفّة والحذر.. لم يفطن بي، إنّه يتوقّع الخطر من الخارج. لمّا قررت الخروج إليه لمفاجأته استولي عليّ الخوف وبدأت فرائصي ترتعدُ. ماذا أفعل لو كان هذا الماكثُ غير بعيد من أشرار المجرمين؟ ماذا لو قتلني دفاعا عن التستّر علي جريمته؟ وقع الثعلب في شباك الدّيك.. وسوف يقتصّ منه القصاص التّاريخيّ.

 

أردت أن أعود أدراجي فلاح لي خياله قادما باتّجاه السلّم، ابتعدت عن المكان وتركت له موقعي إلي دهليز كان هناك يذهب باتّجاه المبني التّحتي المهجور. سرتُ بحذر باتّجاهه عسي أن يمرّ وقتٌ يفرّ فيه هذا المختبئ وأعود إلي بيتي. ولم تمرّ إلاّ هنيهة حتّي تناهي إلي مسمعي خطوات اقتربت أكثر مني فأكثر ولكنّي سمعتُ في الأعلي كالارتطام تتبعه صيحة خاطفة. امتلأتُ من الخوف حتّي كدتُ أسقط مغشيّا عليّ. ارتعدت يدي اليمني وتوهّمتُ أنّ في يدي كأسا من البلّور إن ضاعفت الرعشة انكسرت وانفضحتُ. أمسكتُ بيدي اليسري يدي اليمني خشية أن تسقط الكأس الموهومة. شعرتُ أنّ أسناني تصطكّ كالمحموم توهّمت أنّي من الحمّي سأسعلُ فانكشف. وضعتُ الكأس الموهومة في مكان قريب وابتعدت حتّي لا ينكسر ثمّ وضعتُ يدي علي فمي أغلقه كي لا أسعلَ.. كدتُ أختنق لكنني خشيتُ أن تسمع حشرجتي فيأتي إليّ من يكمن لي هناك يترصّدني ليقتلني. تركتُ لفمي بعض الانفراج كي يخرج نفسي أكثر ممّا يدخل. ولكنّ كلّ شيء فيّ كان يرتجفُ. لم أعد استمع إلي شيء إلاّ دقّات قلبي. كانت كلّ واحدة منها تقع في أذني كنواقيس الكنائس تقرع بمكبّرات الصّوت.

 

استمعت إلي خطي متسارعة تنزل من السلّم. توهّمت أنني أنا مَنْ ينزل من جديد من علي السلّم، ولكن كيف صعدت ثانية؟ لا أعلم. أيقنت أنّ الأصوات المنبعثة من السلالم ليست إلاّ خطي العساكر أو البوليس جاءت تطارده، لو قبضوا عليّ مكانه ماذا سأقول من سيصدّق أنّي بريء من التهمة ؟ ولكن أيّة تهمة ؟ أهي لصوصيّة ؟ وأيّ لصوص يتبعهم هذا العدد الهائل من العسكر والدّرك؟ التّهمة أعظم من اللّصوصيّة : ماذا لو كانت سياسيّة ؟ يا ويلي ويا سواد يومي وليلي.. سأحاكم بجرم اقترفه غيري.. سأشرّد من دياري سأنفي في الصّحاري وأموت عطشا كجرو كلاب فقد أمّه. .. شعرت بالظّمأ وكثر لهاثي، مددت يدي أبحث عن الكأس التي وضعتها في مكان ما في العتمة.. ولكنّي تراجعت خوفا من أن تنكسر الكأس وأنبّه الجند الكامنين إلي وجودي..

 

مرّ دهر قبل أن أسمع خطوات متوجّسة تقترب من مكمني .. تجمّدت فلم أطمئنّ، تكوّمت علي نفسي وخبّأت رأسي بين ذراعيّ وذراعيّ بين فخذيّ واستندت إلي الحائط.. كانت الرائحة رطبة عفنة والخطوات تقترب أكثر فـأكثر جاءني ما يشبه الأمل أنّ المتحرّك نحوي كائنا من كان سيحسبني صندوقا للقمامة أو برميلا أو حتّي جزءا من محرّك سيّارة فقد وظيفته. المهمّ أن لا يحسبني بشرا فإن شكّ فيّ فلن أكون بهذه الحال إلاّ كتلة من اللّحم وكفي. اصطدمت بي كتلة من اللّحم أضخم منّي وسقطت ارتميت عليها أحكمت يدي علي رقبتها وضغطت بكامل قوّتي وصرخت: عليك أن تعترف بأنّّك المجرم المطارد أنت المجرم اعترف .. جاءتني حشرجة من الكلام.. خفت أن أقتله فأصير المجرم أبعدت يديّ عن طوق رقبته ولكنّي أمعنت في الضغط عليه من مكان آخر ضعيف.. قال: لست أنا المجرم .. هناك شخص آخر يختبئ في الجهة الأخري من هذا السرداب علينا أن نجده.. قلت: وماذا جئت تفعل هنا: قال: كنت في الشرفة حين رأيته يدخل مختبئا .. فتبعته فوقعت في شرك الحصار.. قلت: أتحاصر الشرطة المكان ؟ قال: أجل .. همست: وما الحلّ ؟ قال: علينا أن نمسكه ونسلّمه إلي الدّرك قبل أن يتّهمونا ويبرئوه. سرنا سويّة بحذر ونحن ننوي الإيقاع بالمجرم الحقيقيّ..

وفي نقطة ما ارتطمنا بأجسام متكوّرة قبضوا علينا وكادوا يزهقون أرواحنا وقالوا إننا المجرمان ولولا أنّهم تعرّفوا علينا لقتلونا أو لاقتادونا إلي الدرك الذي يحاصر العمارة.. هل يصدّق هذا .. كلّ سكّان العمارة في دهليزها والكلّ جاء خطأ وراء مجرم ما؟ لكن أين المجرم الذي يبحث عنه العسكر المطوّقون لسكّان العمارة.. ؟ ربّما اختلط بنا.. أحدنا هو المجرم والبقيّة أبرياء.. ولكن كيف يمكن أن نعرفه؟ ظللنا نجوس في دهاليز سرداب العمارة والرّوائح النتنة تنبعث من كلّ مكان وفي كلّ مرّة نجد أجساما جديدة مكوّمة تنكر أنّها المجرم وتزعم أنّها من سكّان العمارة..

 

طال بنا المقام وانقسمنا إلي جماعات.. لم تسكن نفسي إلاّ لرجل في الخمسين بدا الأقدر علي تجرّع الموقف والأكثر تكذيبا لموجة الإشاعات التي كانت تتلاطم من حولنا.. قالوا: إنّ القوّة العامّة تزداد بين الوقت والوقت بمئات العساكر لأنّ المطارد مجرم سياسيّ خطر.. فقال ذو الخمسين: لا يمكن لأنّ المجرمين السّياسيين لا يلوذون بالسراديب ليختفوا هم أذكي من أن يحصروا أنفسهم في الأماكن الضيقة.. وأشاعوا أنّّهم بدأوا ينفثون غازاتهم حتّي إنّ بعض المختبئين معنا أغمي عليه .. فقال: ذو الخمسين لا يمكن ذلك لأنّ الغازات الخانقة مكلفة ولا يمكن أن تضحّي الدّولة بالثروات الغازيّة من أجل حفنة من الجبناء الخائفين أمثالنا..

 

يئسنا من العثور علي المجرم الحقيقي .. سألت ذا الخمسين عن الحلّ قال: علينا أن نخلق المجرم حتّي نخلق براءتنا. جمعت له بقيّة المختبئين حتّي يعرض عليهم هذه الفكرة .. خطب فيهم ،وكان مفوّها، بكلام رنان ومؤثّر فوصف الوضع وعقّد المسألة وأرهب حتّي أبكي.. وفي الأخير اقترح أن يضحّي أحدنا بأن يدفع ثمن الجماعة و يعترف بجريمة تسكت الشرط المنتشرة من حولنا تضيّق علينا الحصار..

 

لم يتقدّم أحد إلي دائرة الحلقة ربّما شعرتْ الجماعة بما شعرتُُ به، صار كلّ شيء في الدّنيا جميلا حتّي فقري وفاقتي وحتي تسكّعي ووحدتي وحتّي فشلي في قصص الغرام المتعدّدة .. كلّ شيء تعس يصبح في هذه اللّحظات مرساة تشدّ قاربك الذي يوشك علي الغرق إلي ميناء خرب ولكنّه أفضل من ساعة كريهة تقضّيها تحت الكرباج ..

 

حين طال الصمت وانكسرت النظرات وعلا صوت النفس علي صوت الكلام تكلّم ذو الخمسين.. قال: أنا أريحكم من هذا الوضع.. سأخرج السّاعة وأفكّ الحصار وأعترف بأنّني المجرم الحقيقي.. . لم أشعر إلاّ ويدي التي أقلعت منذ مدّة عن التصفيق تعود إليه.. وما هي إلاّ لحظات حتّي تجاوبت أصداء التصفيق وحملنا ذا الخمسين علي رؤوسنا .. وحين وصلنا حذو الدّرج المفضي إلي الخارج .. طلب من سيّدة أن تعطيه قطعة قماش بيضاء من ثوبها الدّاخلي يرفعه علامة استسلام .. سارع بعض الرّجال يخلع ويمزّق ويناوله ما أراد.. وصعد رمز التضحية وقبل أن يغادر قال: لا تخرجوا حتّي تسمعوا الأبواق تعلن فكّ الحصار..

 

مضي وقت طويل ولم يأت النفير .. استبدّ بنا العطش.. والجوع .. لم أعد أري إلاّ رغيفا وكأس ماء وسيجارة .. قرّرت الخروج.. سأعترف بأنّي مجرم صغير .. المجرم الكبير غادر.. .

 

لم أشعر إلاّ وقدماي تصعدان السلالم وفجأة لاح لي نور الشّارع .. نور حين يقذف في قلبك يشعرك بالرّجفة ويملؤك بالرّعب .. دفعت قدمي إلي الخارج تلمّست بحذر طريقها وساعدتها عيني الكاشفة .. ليس هناك من شرط ولا درك.. لاشكّ أنّهم مختبئون يراقبون حركاتنا ونوايانا.. عليّ أن أبدي حسن نيّتي وأتّجه إلي المخفر وأعترف.. دخلت منهكا قسم البوليس .. وجدت ويا لهول ما وجدت .. كان ذو الخمسين هناك يجلس علي المكتب.. رحّب بي وقال لكاتبه :خذ أقواله كما فعلت مع البقيّة.. قلت: أنا يا سيّدي مجرم صغير.. اسألوا صاحبكم ذا الخمسين.. وقلت كلاما آخر وأمضيت دون أن أقرأ.. قادوني إلي مكان مظلم ولمّا تبدّد ظلام عيني وسكنت إلي الظلام بدأت أري وجوها مألوفة.. رفاق الحصار.. فرحت بهم وفرحوا بي وحين سكنت إليهم وعرفت التّهمة الموجّهة إلينا قلت: الحمد للّه أنّهم لم يعتبرونا من كبار المجرمين.. هم أيضا حمدوا اللّه علي النّجاة من الحصار ومن التّهمة.. ودعوا لذي الخمسين الذي كان شاهدا يشهد من أهلها علي أننا لسنا من كبار المجرمين..

 

(*) أستاذ جامعي من تونس

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 20 ديسمبر 2005)

 

السؤال يجب ان يكون: ماذا سيفعل الاخوان بالآخرين؟

د. عبدالوهاب الافندي (*)

 

في ايلول (سبتمبر) الماضي نشرت هذه الصحيفة مقالة للكاتب المصري فرانسوا باسيلي يطرح فيها سؤالا: ماذا نفعل بالاخوان المسلمين؟ . وفي تلك المقالة اشار باسيلي محقا الي ان سؤال دور الاخوان هو أهم سؤال مطروح علي مثقفي مصر والعرب عموما، واستعرض حجج الداعين الي اشراك الاخوان والداعين الي اقصائهم، وخلص الي منزلة بين المنزلتين تدعو الي اشراك الاخوان بعد ان يفرض عليهم تغيير افكارهم، وان يستمال اتباعهم بعيدا عنهم عبر مخرج خلاق يبدعه المفكرون (العلمانيون بالطبع).

وضع السؤال بهذه الصيغة يتسق مع الوضع السائد الذي يظهر فيه الاخوان المسلمون باعتبارهم الغائب ـ الحاضر، فتراهم اكثر الحاضرين غيابا واكثر الغائبين حضورا. وبعض هذا الغياب تغييب، حيث لاحظ كثير من المراقبين مثلا ان التلفزيون المصري بقنواته المتعددة من فضائية وارضية لا يكاد يمسك عن الحديث عن الاخوان، دون ان يكلف نفسه عناء استضافة متحدث باسم الجماعة. وهكذا يضطرد الحديث عن الاخوان باستخدام ضمير الغائب، ويطرح دائما سؤال: ماذا نفعل بهم؟ كأنهم سجناء مقيدون ينظر فيهم امر الجلاد.

التغييب الأكبر هو بالطبع حجب الوجود القانوني عن الجماعة، رغم انها من اعرق الجماعات والاحزاب واكثرها انصارا، والطريف ان هذا التغييب القسري يستخدم من خصوم الجماعة ضدها، حيث يكثر انصار الحكومة من وصفها بالجماعة المحظورة او غير الشرعية ، مع ان المشكوك في شرعيتهم اصبحوا بجدارة اولئك الذين يحكمون بلا سند شعبي، بينما يمارسون الاقصاء في حق من يتمتعون به.

ولكن الحديث عن التغييب القسري لا يكفي وحده لتفسير الاشكال المحيط بوضع الاخوان المسلمين الغريب. ففي اي ظروف مماثلة في اي بلد آخر تنكشف فيها بهذه الصورة الواضحة والقاطعة حصول قوة سياسية معارضة علي مثل هذا السند الشعبي الكاسح، ويظهر فيه كذلك بلا جدال انهيار الدعم الشعبي للحكومة وافلاس القوي السياسية المنافسة، فان هذه القوة السياسية المنتصرة تنصب خيمة صفوان الخاصة وتنتظر حضور رئيس الحكومة او من ينوب عنه لتوقيع صك الاستسلام.

واذا تلكأ الدكتاتور او ماطل او حاول التلاعب بالنتائج، فان انصار الحزب الفائز يملأون الشوارع والميادين، ويوقفون دولاب العمل، ويستنفرون الرأي العام في الداخل والخارج في معركة لا هوادة فيها حتي ينهار الصرح الورقي المتهالك وتكتمل الديمقراطية. حدث هذا في الفلبين واندونيسيا وبنغلاديش ونيجيريا والكونغو وجورجيا واوكرانيا وقرغيزيا وغيرها.

ولكنه لم يحدث في مصر، ولم يكن متوقعا له ان يحدث اصلا. فالاخوان لم يبذلوا اي جهد، ولم يخططوا لهزيمة الحكومة والحلول محلها. فقد تقدموا بعدد من المرشحين لم يمكنهم من الحصول علي الاغلبية البرلمانية حتي ولو فاز كل مرشحيهم، هذا مع العلم بأنه بحسب الدستور المصري الذي يكرس كل السلطات في يد الرئيس فان الفوز بأغلبية برلمانية لن يغير شيئا من نظام الحكم القائم.

من هنا فان قضية وضع الحكم في وضع من يواجه خطر الزوال والابدال لم يكن قائما اصلا، اللهم الا اذا حققت الاحزاب المعارضة الاخري الفوز بعدد كاف من المقاعد يتيح بناء ائتلاف معارض له اغلبية. وبالطبع من الصعب بناء تحليلات موثقة علي نتائج الانتخابات المصرية الاخيرة التي لم تكن حرة ولا نزيهة. ولكن الحقيقة الابرز في هذه الانتخابات هو ان الحكومة سعت بكل وسيلة ممكنة لافشال خصومها في الانتخابات، مستخدمة العنف والقهر والتزوير والبلطجة والدعاية الكاذبة والرشوة، وكل اداة اخري ممكنة. وقد فشلت رغم ذلك في الحد من عدد الفائزين من الاخوان، ولكنها نجحت في اقصاء الباقين علي ما يبدو. وهذا يطرح سؤالا مهما: هل يرجع سقوط رموز الاحزاب العلمانية من ليبرالية ويسارية الي الغش الحكومي ام الي فقدان السند الجماهيري؟ ولعل المرجح هو السبب الثاني، لأن الحكومة قد بذلت جهدا اكبر في محاربة الاخوان منها في محاربة الآخرين.

ولعل العبرة المستخلصة من الانتخابات هي ان الشعب المصري سجل علي ما يبدو رفضا قاطعا للنخبة السياسية القائمة بشقيها الحاكم والمعارض، كما حدث من قبل في تركيا وايطاليا واليابان وبلدان اخري. ذلك ان المعارضة الرسمية قبلت لوقت طويل لعب دور الكومبارس للنظام، واصبحت تعتبر في نظر عامة الشعب جزءا منه، واداة من ادواته.

ومن الواضح كذلك ان النخبة السياسية في شقها المعارض قد ارتكبت خطأ فادحا حينما استبعدت الاخوان من تحالف المعارضة بحجة انهم حزب غير مرخص له. فباتخاذ هذا القرار اظهرت المعارضة خضوعها لابتزاز الحكم، وشككت في اهليتها الديمقراطية حين قبلت بحظر تيار سياسي له وزنه علي الساحة، ان لم يكن له الوزن الأكبر. وقد فوتت المعارضة الفرصة الوحيدة لهزيمة الحكومة برلمانيا عبر تحالف سياسي عريض تتمثل فيه كل الوان الطيف السياسي. وعبرت المعارضة بذلك عن انتهازية لا تقل في لا اخلاقيتها عن جرم الحكومة، حيث قبلت مساعدة الحكومة ضد خصم سياسي تخشي تفوقه.

الاخوان راهنوا علي ما يبدو علي قيام مثل هذا التحالف لأسباب اهمها انهم لم يريدوا الانفراد بمواجهة الحكومة، ولكن لعل من اكثر الاسباب اثارة للاهتمام هو ان الاخوان بموقفهم المزدوج هذا (تقديم مرشحين دون الاغلبية والاعتماد علي ائتلاف واسع محتمل) ارادوا تجنب اتخاذ قرارات صعبة حول برنامجهم السياسي، مثل القرارات حول تطبيق الشريعة والعلاقات مع اسرائيل… الخ، اذا جاءوا للحكم بمفردهم.

ومن الواضح ان مثل هذا التردد يمثل اشكالا للاخوان، الذين يتحتم عليهم مواجهة هذه الخيارات الصعبة بأنفسهم. ان اشكال الاخوان طوال تاريخهم السياسي ظل يتمثل في عدم حسم الامر حول ما اذا كانوا حزبا سياسيا او شيئا آخر. فالحزب السياسي (بخلاف جماعة الضغط او الجمعية المدنية) هو منظمة هدفها الوصول الي السلطة، ولا بد ان يكون لها برنامج متكامل لادارة شؤون الناس. ولا بد ان يكون هذا البرنامج واقعيا وقابلا للتطبيق. وفي حال ما اذا كان الحزب يسعي للتحكم عبر وسائل سلمية فان برنامجه يجب الا يكون ثوريا.

الحالة الوحيدة التي نجح فيها برنامج اسلامي ثوري كانت ايران، ومن هنا فان الثورة الاسلامية جاءت بعد الثورة الايرانية ولم تتزامن معها. فالثورة التي اسقطت الشاه ساهمت فيها مجموعات علمانية عديدة، ابرزها الحزب الشيوعي ومجاهدو خلق وبعض الليبراليين، بل ان اول حكومة في ايران الثورة كانت بزعامة التيار الاسلامي الليبرالي بقيادة مهدي بازركان وابراهيم يازدي، اللذين لا يزال حزبهما محظورا في ظل النظام الاسلامي القائم. وقد اقتضت هذه الثورة الاسلامية سفكا واسعا للدماء، ومعارك مستمرة مع الخارج، واجراءات قمعية متصلة الي اليوم.

اما في الحالات الاخري، حتي التي جاء فيها الاسلاميون الي السلطة بقوة السلاح كما في افغانستان والسودان، فلم يكن هناك برنامج ثوري، ففي افغانستان والسودان كانت الشريعة الاسلامية مطبقة قبل مجيء الطالبان او نظام الانقاذ. وفي الحالة السودانية اخفي الاسلاميون هويتهم، او حاولوا ذلك محاولة فاشلة بالاحري.

في تركيا ايضا لم يأت الاسلاميون الي الحكم كأسلاميين، وانما لبسوا الحجاب العلماني.

الاخوان في مصر علي ادراك تام بالصعوبات التي يواجهها اي برنامج اسلامي في الاوضاع المعاصرة، وما تجربة الجزائر منهم ببعيدة، ويجب ان نسجل هنا ان الجماعة قد اظهرت تحت قيادة مرشدها الجديد محمد مهدي عاكف دينامية لم تشهدها منذ ايام البنا، وسجلت انتصارات واضحة ليس آخرها الانتصار الانتخابي الاخير. ولكن الساحة السياسية ليست ساحة لانصاف الحلول، لأنها حلبة ملاكمة لا يمكن ان يدخل اليها الداخل وهو يصرح بأنه لا يريد ان يوجه الضربة القاضية الي الخصم. فالذي يدخل حلبة الملاكمة وهو لا يريد ان يلاكم سيأكل علقة ساخنة.

الاخوان اصبحوا رغما عنهم الحزب الأكبر في مصر، وعليهم الآن اما ان يتولوا الحكم، او ان يخرجوا من الساحة، لان الخصوم سيقومون باقصائهم اذا لم يختاروا احد الخيارين. ولكي يتحولوا الي حزب حاكم لا بد لهم اولا الدخول في حوار مع كافة اطراف الساحة السياسية حول برنامج مقبول، او حول بناء ائتلاف واسع. واذا لم ينجح هذا فعليهم اتباع احد النموذجين التركي او السوداني والتقدم مباشرة الي السلطة عبر طرح برنامج حكم واقعي، وعرضه علي الجماهير، واقناعها به، وايضا طمأنة القوي الفاعلة في المجتمع، والقوي الدولية، ثم اتخاذ الخطوات الفاعلة لاسقاط الحكومة والحلول محلها.

اما اذا جلسوا يستمعون للآخرين يتشاورون فيما نفعل بالاخوان فانهم سيستحقون ما يحل بهم من مصائب.

 

(*) كاتب وأكاديمي من السودان

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 20 ديسمبر 2005)

 


حركة الإخوان المسلمين في مصر: إلي أين؟

محمد خليفة (*)

 

صعود حركة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية التي أجريت مؤخراً، في مصر، لم يكن حدثاً عادياً. فالحركة تخطت جميع الأحزاب والتيارات الأخري وحلّت في المركز الثاني بعدد المقاعد في البرلمان بعد الحزب الوطني الحاكم، مع أنها محظورة بموجب الدستور المصري. ويتم ملاحقة كوادرها وأنصارها بشكل مستمر، وزجّهم في السجون.

وتملك الحركة مشروعاً إسلامياً يهدف إلي تحقيق الوحدة الإسلامية وإنشاء دولة الخلافة، والحكم بموجب أحكام القرآن والسُنّة وآراء الفقهاء. ورفعت الحركة أثناء الانتخابات شعار الإسلام هو الحل وهذا الشعار هو تجسيد لفكرها الذي ينطلق من الأسس الإسلامية. ويتعارض فكر الحركة مع المفاهيم الديمقراطية الليبرالية الغربية التي تسعي الولايات المتحدة إلي نشرها في العالم العربي والإسلامي من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير .

ويعتبر التيار الإسلامي عدواً رئيسياً للغرب، ولذلك اجتهدت الدول الغربية منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية عام 1918، إلي محاربة هذا التيار، وتم الابتداء بتركيا التي أُلزمت، وبموجب الحركة الإصلاحية التي قام بها أتاتورك عام 1920، علي خلع ثوبها الإســـــلامي وارتداء ثوب العلمانية الغربية، حتي أصبح الإسلام في تركيا موضع شبهة واتهام.

وكانت البلاد العربية والإسلامية الأخري واقعة كلها تحت سيطرة المستعمر البريطاني والفرنسي الذي شجّع الأقليات في العالم العربي والإسلامي ومنحها امتيازات كثيرة من أجل ضرب السواد الأعظم من المسلمين وجعلهم بشكل دائم خاضعين خانعين لما يملي عليهم.

ومع استقلال الدول العربية والإسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين، ترك المستعمر حكومات علمانية علي النمط الغربي في هذه الدول، وربط مصير هذه الحكومات بمصيره من خلال المنظمات الدولية التي أنشأها لهذه الغاية. وكان هناك شاب مصري في بدايات القرن العشرين اسمه حسن البنّا، آلمه ما حلَّ بالعالم الإسلامي من خراب وضياع بعد انهيار آخر إمبراطورية إسلامية، فقرر العمل علي رفعة شأن المسلمين، فقام بتأسيس حركة الإخوان المسلمين عام 1928، إبان الاحتلال البريطاني لمصر. واتخذت هذه الحركة في بدايتها، أبعاداً اجتماعية، كما طالبت بالعودة إلي الإسلام في نقائه الأول، واستطاع الشيخ البنّا خلال عشرين عاماً جمع ما يزيد عن مليونين من المصريين علي دعوته، وأن ينشر شعبه في أقاصي الريف المصري، وأن يؤسس فروعه في معظم عواصم بلاد الإسلام. ولقي الإخوان المسلمون كل عسف واضطهاد من قبل الحكومات المصرية المتعاقبة، وبدأ الاضطهاد ضدهم عام 1948 حين قامت حكومة النقراشي باشا بالاستيلاء علي أموالهم وعلي مراكزهــــــم، ومن ثــــم قتل مرشدهم حسن البنّا عام 1949.

وتوالي اضــــطهادهم خلال سنوات الحكم الناصري ومــنذ عام 1954 لكنهم كانوا دائماً يثابرون علي نهجهم ويتمسكون بعقيدتهم. وتم حظر حركتهم بموجــــب الدستور المصري، وقد أثبتت هذه الحركة أن لها امتداداً عريضاً في مصر، والانتخابات الـــبرلمانية الأخيرة هي مؤشر علي هذا الامتداد. فهــــذه الانتخــــابات كرّست الحركة لاعباً أساسياً علي الساحة المصرية، وبات علي الحكومة المصــــرية أن تتعامل معها بواقعية وبعيداً عن عقلية الإقصــــاء. فلا يعقل أن تبقي هذه الحركة محظورة بمــــوجب الدستور، وهي تتمتع بهذه الشعبية الكبيرة، بل لا بد من تغيير الدستور للاعتراف بهذه الحركة، والسماح لها بتأسيس حزب سياسي يتبني نهجها. لكن هل سيسمح النظام المصري لهذه الحركة في الوجود والعمل بحــرية وبعــــيداً عن الملاحقة والاضطهاد؟.

الواقع أن الشأن الداخلي يتداخل في هذه القضية مع الواقع الدولي. ذلك أن الولايات المتحدة والدول الغربية الأخري التي تحكم العالم الآن، لا يمكنها أن تقبل بوجود حزب سياسي ذي منشأ إسلامي يسعي إلي إقامة دولة الخلافة وإلي جعل الإسلام ديناً ودنيا، وخاصة في ظل الحرب الأمريكية ـ الغربية ضد ما يسمي الإرهاب أو الإسلام المتطرف، والذي هو في نظر الغرب، يسعي إلي تدمير الحضارة الغربية، وإقامة دولة الخلافة. ولذلك فمن المؤكد أن تقع حركة الإخوان بين الخيارين.

فهي إما أن تتخلي عن مشروعها الإسلامي، وبالتالي يتم الاعتراف بها كحزب سياسي إسلامي مثلها في ذلك مثل حزب العدالة والتنمية في تركيا، الذي هو ذو منشأ إسلامي. لكنه لا يحمل مشروعاً إسلامياً ولا يسعي إلي توحيد العالم الإسلامي تحت دولة الخلافة. بل كل همّه هو الدخول في الانتخابات. وإما أن يتم الاستمرار في حظرها علي الرغم من شعبيتها الكبيرة، وهنا تتجلي قدرة الحركة علي التكيف مع هذا الواقع العالمي. فهل ستختار الصِدام، أم أنها سترضخ وتقبل بما يُعطي لها؟.

 

(*) كاتب من الإمارات

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 20 ديسمبر 2005)

 


عن الدين والسياسة

 

 فهمي هويدي (*)

 

هذا سؤال من وحي نتائج الانتخابات التي جرت في مصر: لماذا لا نحاول استثمار الطاقة الإيمانية المتوافرة لدينا في النهوض بالوطن والأمة، بحيث نحولها إلى رافعة للبناء، بدلاً من أن يختطفها غيرنا ليوظفها في التخريب والهدم؟

 

(1)

 

ثمة نكتة إسرائيلية معاصرة تحدثت عن يهود ملحدين، لا يؤمنون بالله، لكنهم مع ذلك يعتقدون انه منح ارض إسرائيل لليهود. وهي نكتة أوردها ناشط حقوق الإنسان الشهير إسرائيل شاحاك في بحث له عن فكرة الطرد (الترانسفير) في العقيدة الصهيونية.

 

المعنى في النكتة انه حتى الملحدين لم يجدوا غضاضة في تأييد وتبني فكرة الحق الإلهي في ارض فلسطين، طالما انه يسوغ الاستيلاء عليها وطرد أهلها، حيث تقتضي المصلحة العليا أن ينعقد الإجماع الوطني حول ذلك الهدف (الذي هو من وجهة نظرنا جريمة بحق الإنسانية). المعنى أيضاً أن ثمة لحظات في التاريخ تتقرر فيها المصائر، وتفرض المسئولية التاريخية على المعنيين بالأمر أن يرتفعوا فوق قناعاتهم وذواتهم بحيث تصبح مصلحة الوطن مقدمة على كل ما عداها.

 

الأمر عندنا مختلف. في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها مصر خلال الشهر المنصرم كان أحد أهم محاور حملة التعبئة الجماهيرية، هو كيفية محاصرة ما سمي بالتيار الديني وفض الناس من حوله. من ثم كان التركيز شديداً على الإلحاح على فصل الدين عن السياسة، وإخراج المقدس من الشأن العام، وهو ما استصحب حديثاً متواتراً عن خطر ما سمي بالدولة الدينية وتهديدها للمجتمع المدني، والعلمانية كضرورة وحل، الأمر الذي غدا متصادماً مع شعار الإسلام هو الحل، الذي تصدر عناوين المعركة.

 

صحيح أن نسبة غير قليلة من الناس العاديين لم تصدق الكلام ولم تقتنع به (لا تنس أن 35% صوتوا للتيار الديني) – إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أن الحملة أثَّرت سلباً في الأجواء العامة، وكانت لها تجلياتها في سلوك بعض المؤسسات الرسمية، التي صارت اكثر حذراً وحساسية، ليس فقط إزاء ما سمي بالتيار الديني، وإنما أيضاً بالنسبة للدين نفسه.

 

قال لي أحد الزملاء ممن لا علاقة لهم بالتيار الديني انه وسط تلك الأجواء كلف بتقديم مطبوعة تتعلق بشئون الأسرة، فأشار في افتتاحيتها إلى رؤية القرآن للحياة وللموت، وكيف أن نصوصه تشير إلى أن حفاوة الإسلام بالحياة اكبر بكثير من إشاراته إلى الموت. لكن مسئولاً في الجهاز المعني قرأ الافتتاحية، وعبر عن إعجابه بها، كان له تحفظ واحد، انصب على الاستشهاد بما ورد في القرآن عن الحياة والموت. فرجاه أن يحذف الإشارة «حتى لا تكون للنص صبغة دينية».

 

حين سمعت القصة قلت: إلى هذا الحد بلغت الحساسية؟ وهل يصبح الكلام اكثر قبولاً لو أن الإشارة كانت لقاموس اوكسفورد أو معجم لاروس؟

 

(2)

 

عند نفر من المثقفين اصبح إقصاء الدين مطلباً مسلماً به، كما اصبح كل اقتراب منه مصدراً للقلق. والإقصاء صار يتراوح بين مجرد التهميش، الذي قد يقبل بالعبادات ويدعو إلى استبعاد ما يتعلق بالمعاملات، وبين الحذف والإلغاء الذي يرفع شعار: الباب الذي يأتيك منه الريح أغلقه لتستريح. من هؤلاء من له مواقفه الفكرية المسبقة المتأثرة بالثقافة العلمانية الغربية، ومنهم من تأثر بالتعبئة الإعلامية التي اعتبرت نظام «طالبان» في أفغانستان هو النموذج المعتمد، الذي لن يحيد عنه أي متعلق بالنموذج الإسلامي. ليس ذلك فحسب، وإنما نجحت ثقافة الصورة في إقناع هؤلاء بأنهم سيرجعون إلى الوراء، كلما اقتربت خطاهم من الإسلام. وبالتالي فقد جرى تلطيخ الراية الإسلامية عندهم حتى أصبحت مرتبطة بمصادرة الحريات وإقصاء الآخر، وبالإرهاب والتخلف واغتيال الأدباء والعداء للفن والإبداع، وانتهاك مختلف قيم حقوق الإنسان بعامة، والمرأة وغير المسلمين بوجه أخص.. إلى آخر قائمة المثالب والرزايا.

 

ذلك كله حاصل بدرجة أو أخرى في بعض النماذج والدوائر، ولذلك فليس عندي دفاع عن شيء منه، لكنه يظل جزءاً من الحقيقة أو وجهاً واحداً لها -بائساً ان شئت الدقة – والموضوعية والإنصاف يقتضيان أن نطالع الأوجه الأخرى، لنعرف ما إذا كان ذلك الوجه يمثل قاعدة أم استثناء، والتزاماً بالمقاصد والتعليم أم خروجاً وافتئاتاً عليه.

 

في مناسبات عدة عبرت عن تصوري للأمر على النحو التالي: يمثل الإيمان الديني طاقة كامنة لدى شعوبنا، وهي من القوة بحيث يتعذر حبسها أو حصارها. وهذه الطاقة يمكن استخدامها لتحقيق أنبل المقاصد كما يمكن توظيفها لصالح اتعس الأهداف. وعادة ما أشبهها بالطاقة الذرية، التي بها تصنع القنابل التي تشيع الخراب والموت، كما أنها تستخدم في الدفاع عن الحياة من خلال العلاج الإشعاعي لحالات الأورام الخبيثة، على سبيل المثال. بالتالي فالمشكلة ليست في ذات الطاقة، التي يعد التنديد بها نوعاً من البلاهة والغباء، لان الأهم هو الكيفية التي توظف بها الطاقة والوعاء الذي تصب فيه.

 

بكلام آخر فنحن أمامنا خياران لا ثالث لهما، فإما أن نبادر إلى توظيف الحالة الإيمانية في الدفاع عن الحياة، أو يوظفها غيرنا في تشويه تلك الحياة وتخريبها. ادري أن بيننا – للأسف الشديد – أناس تمكن منهم الشعور بالضغينة إلى الحد الذي جعلهم لا يبالون باستمرار تخريب الحياة، فقط لكي يثبتوا أن الطاقة الإيمانية شر كلها، إلا أن هؤلاء يمثلون شريحة ميؤساً منها، ولا تؤتمن على أي حديث جاد عن المصير والمصالح العليا المرجوة. من ثم فالسؤال الكبير الذي ينبغي أن ينشغل الراشدون بالإجابة عليه هو: كيف يمكن أن توظف الطاقة الإيمانية لصالح المجتمع وليس ضده؟

 

(3)

 

مؤسسة الوقف في التجربة الإسلامية تجسد الإجابة الصحيحة على السؤال؛ من حيث أنها تترجم السياسة المدنية في أوسع معانيها. وتعريف السياسة الكامن وراء ذلك المفهوم هو أنها «تدبير لأمور المعاش بما يصلحها في الدنيا، بما يؤدي إلى الفلاح في الآخرة» – أي أن الواقفين هم أناس يتقربون إلى الله ويتعبدون له، متوسلين إلى ذلك بعمارة الأرض والنهوض والمجتمع.

 

وليس صحيحاً أن الوقف في التجربة الإسلامية كان مقصوراً على إقامة المساجد والتكايا ورعاية المرضى والأيتام والأرامل (وتلك أهداف نبيلة لا ريب) – لان دوره كان اكثر من ذلك بكثير، حيث تجاوز الشأن العبادي المباشر والخيري التقليدي، إلى ما هو إنمائي وسياسي. ويعد كتاب الدكتور إبراهيم غانم «الأوقاف والسياسة في مصر» (الذي هو في الأصل أطروحة للدكتوراه) مرجعاً نفيساً في هذا الصدد. لان الباحث اعتمد فيه على دراسة لخمسة عشر ألف حجة وقفية صدرت في مصر خلال القرنين الأخيرين (أي حتى نهاية القرن العشرين). وقدمت لنا خلاصة الدراسة صورة مدهشة لقوة المجتمع وحيويته، واستبسال أهله في الذود عن حياضه، عبر التصدي المستمر لمحاولات تهديد حصونه، واجتياحه من قبل الطامعين والمستعمرين.

 

في الكتاب فصلان، خصص أحدهما لسياسة الوقف في مجال الأشغال العامة، والثاني لدوره في دعم الحركة الوطنية المصرية. في الشق الأول وجدنا أن الواقفين عنوا بشق الترع والقنوات، وبناء الجسور وتمهيد الطرق، وإقامة الأسواق والوكالات التجارية، وإنشاء المنارات لهداية السفن، وحفر الآبار، وتوفير مياه الشرب للإنسان والحيوان، وبناء الاستراحات والمضايف للمسافرين وأبناء السبيل.. الخ. ذلك كله إلى جانب الأوقاف التي خصصت للرعاية الاجتماعية، التي كان النَفَس الوطني فيها واضحاً إلى جانب البعد الإنساني. من ذلك مثلاً أن احمد باشا المنشاوي، وهو من أعيان الغربية، نص في وقفيته المحررة في عام 1903، على انه «لا حق لأحد من الموقوف عليهم في الوقف، لا بنظر ولا استحقاق.. إذا تزوجت إحدى بناتهم بأحد من أهل الحمايات الأجنبية خلاف الدولة العلية» (العثمانية).

 

وفي مجال المقاومة الوطنية، مارس الوقف ما أطلق عليه الباحث وصف «الجهاد الصامت»، وذلك منذ احتلت بريطانيا مصر عام 1882، وتم ذلك على جبهات عدة، منها التعليم ومجال الثقافة العامة وغير ذلك من المشروعات التي استهدفت الحفاظ على الهوية والحيلولة دون الذوبان في الأجنبي المحتل، ومنها أيضاً الحث على القطيعة مع الأجانب، وكف أيديهم عن نهب ثروات مصر، بل ومقاطعة القوانين الأجنبية التي فرضت على البلاد، وعدم الاعتراف بالامتيازات التي منحت للأجانب في مصر.

 

مقاومة الأجنبي على ذلك الصعيد تجلت في ثلاثة مظاهر هي:

 

– إخراج العقارات من الأراضي والمباني وما في حكمها، من نطاق المعاملات العادية، ومنع التصرف فيها بالبيع والشراء والرهن، وذلك بإدخالها في نظام الوقف، وإخضاعها لقواعده وأحكامه، بدلاً من تركها خاضعة لأحكام المعاملات في القانون المدني الذي طبقه الإنجليز منذ عام 1883، وكانت معظم مواده مستمدة من القانون الفرنسي. وكان الإقبال على تحويل الممتلكات إلى أوقاف في تلك الظروف، يتضمن معنى مقاطعة القانون الأجنبي الوافد، ورفض القضاء الخاص به.

 

– حرمان الأجانب من الاستفادة بأعيان الوقف واشتراط مقاطعتهم. وهو ما تجلى في العديد من حجج الوقف التي صدرت بعد الاحتلال، حيث تضمنت شروطاً لا تفسر إلا بأنها تجسيد للمقاومة الشعبية، وقد تركزت حول مسألتين، أولاهما منع تأجير الأعيان الموقوفة لأحد من الأجانب أو ذوي الامتيازات الأجنبية، وثانيهما رفض اختصاص المحاكم المختلطة بالنظر في أي شأن من شئون الوقف. ورغم أن شروط الواقف تتمتع بقوة إلزامية لا تقبل التعديل، إلا أن الباحث لاحظ أن الواقفين في مدينة الإسكندرية – التي كانت أول ما احتله الإنجليز- دأبوا على إضافة نص في محررات أوقافهم أجاز اجراء أي تصرف فيما أوقفوه «في حالة الحرب»، مساهمة منهم في مجهودات الدفاع، بما في ذلك هدم العقارات الموقوفة (إذا كانت مباني) وتسويتها بالأرض، بمجرد صدور أمر الحكومة. حتى أن أحدهم – اسمه علي جودة بن صالح – سجل في وقفيته التي تحررت في عام 1889، أن الأرض التي وقفها «واقعة في موقع مهم جداً لمحاصرة مدينة الإسكندرية، وانه إذا احتاج الميري لأخذ أي شيء منها لزوم المصلحة العسكرية، كالاستحكامات وغيرها، فتعطى من دون مقابل مع إزالة ما بها».

 

– إسهام الأوقاف في شراء أراضي الدولة التي بيعت أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وفاء لبعض أقساط الديون الأجنبية (قصة الديون وما جلبته من تدخل أجنبي في شئون مصر معروفة) – ذلك أن الحكومة اضطرت لبيع مساحات شاسعة من أراضي الأملاك الأميرية الحرة لمواجهة تلك الديون. وكان المتنافسون الرئيسيون على شراء تلك الأراضي هم الأجانب من ناحية، وكبار الملاك المصريين من ناحية، وديوان عموم الأوقاف من ناحية ثالثة. (احمد باشا المنشاوي اشترى في سنتي 1898 و 1900 حوالي 4000 فدان، ووقفها كلها سنة 1903 – وعلي باشا عبد الله مهنا اشترى في 1898 مساحة 689 فداناً ووقفها سنة 1900، واحمد مظلوم باشا اشترى في سنة 1904 مساحة 3130 فداناً ووقفها في سنة 1908 – لاحظ قصر المدة بين الشراء والوقف).

 

(4)

 

هل تسمي ذلك ديناً أم سياسة أم الاثنين معاً؟ وهل يعد تهديداً للمجتمع المدني أم تعميماً له وتكريساً وتعميقاً لجذوره؟ وإذا قيل أن ذلك هو فقط النصف الملآن من الكوب، فلماذا نغمطه حقه، ونهيل عليه الأوحال والتراب، ولماذا لا نحاول إحياءه والاستزادة منه لتقليص ما هو فارغ والخلاص منه؟

 

مثل هذه الأسئلة تتراءى للمرء وهو يتابع حملة التعبئة والتخويف من استدعاء الطاقة الإيمانية ومن ثم استنفار الضمير العام، للاحتشاد من اجل الدفاع عن المجتمع وتخفيف أحزان الناس وهمومهم. هو طريق ليس مفروشاً بالورود حقاً، لكنه في حده الأدنى، يظل واحداً من طرق السلامة التي تفرض علينا المسئولية الوطنية وليس الالتزام الديني وحده، ألا نهجرها ونوصد دونها الأبواب. ولعلم الجميع، فان تلك الطاقة الإيمانية ليست ملكاً لجماعة بذاتها، محظوظة كانت أم محظورة، ولكنها ملك للجميع، وينبغي ألا يلام من يتقدم لاستثمارها، لان اللوم ينبغي أن يوجه للذين يسعون إلى تعطليها أو تفريغها من مضمونها، أو تخويفنا منها.

 

(*) كاتب مصري

 

(المصدر: صحيفة الشرق القطرية الصادرة يوم 20 ديسمبر 2005)


Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.