الاثنين، 11 يونيو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2575 du 11.06.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


نهضة.إنفو :البيان الختامي للمؤتمر الثامن لحركة النهضة نهضة.إنفو :تفاعلا مع  المؤتمر الثامن لحركة النهضة الحزب الديمقراطي التقدمي: بيان اللجنة المركزية في دورتها الأولى بعد المؤتمر حزب الوحدة الشعبية: بـــلاغ – إحياء الذكرى الثلاثين لمحاكمة الوحدة الشعبية وطن: الصحفي التونسي سليم بوخذير يتعرّض لمحاولة اعتداء من جديد.. والبوليس يفرض الحصار عليه أخبار مكتوب: السلط التونسية تواصل إمعانها في الاعتداء على الصحفي سليم بوخذير عبد الله الزواري :6 جـــوان: وتعــود الذكـــــــرى… زهير الشرفي: الجامعة التونسية ..إلى أين؟ منصف المرزوقي: أي قيادات سياسية تحتاجها الأمة؟  اللقاء الإصلاحي الديمقراطي: رسالة اللقـــاء رقم (19)صيــحة فــزع :أيـن المشــروع الإسـلامي التونسـي؟؟؟ الأزهر مقداد:الطريق الثالث د. محمد الهاشمي الحامدي:رسائل محبة إلى معز ّوالأزهر وخالد  مراد علي: رسالة إلى كل قادة الحركة الإسلامية في تونس عبد الحميد العداسي: ما استوقفني في حوار الأخ الطاهر العبيدي مع الأخ محمّد النوري الاستـاذ فيصـــل الزمنــى : فى نـابل : تكريم للدكتور هشـام جعيط على الطريقة البورقيبيـة آمال موسى تصدير الفكر العلماني.. من تونس رشيد خشانة:مشروع « الإتحاد المتوسطي » يرمي لإحياء الدور الفرنسي الجزيرة.نت: فيلم فلسطيني يحصد ذهبية مهرجان تونس جريدة « الصباح »:موقع تونسي خاص بابن خلدون إسلام أونلاين.نت  :العوا: أدعو الإخوان إلى ترك العمل السياسي  إسلام أونلاين.نت  :تعقيبا على دعوة العوا للإخوان بترك السياسة:العريان: العمل السياسي سبيلنا للإصلاح أثر كراكاش: تركيا: الأسس الاقتصادية للصراع بين العلمانية واللاعلمانية محمد صادق الحسيني: صراع الأسـود !

(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


الحمد لله وحده بسم الله الرّحمن الرّحيم

البيان الختامي للمؤتمر الثامن لحركة النهضة

 

 » إن أُريدُ إلا الإصلاحَ ما استطعتُ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلتُ وإليه أُنيب » ( هود/88 )

       تم بحمد الله عز وجل عقد المؤتمر الثامن لحركة النهضة، وقد ابتدأت أشغاله بتلاوة من ذكر الله الحكيم، ثم  ترحّم المؤتمرون على شهداء الحركة الذين بذلوا أنفسهم في سبيل الحقّ والحرية، ودعوا لهم بالرحمة الواسعة والأجر العظيم، ووجّهوا التحيّة الحارّة لأبنائهم وأسرهم الصابرين المحتسبين، معبّرين عن شدّ أزرهم، داعين الله تعالى أن يكلأهم بفضله ورعايته، كما عبّروا عن إكبارهم لمن بقي من أبناء الحركة ومن المناضلين من أجل الحرية وراء القضبان، وفي طليعتهم الدكتور الصادق شورو الرئيس السابق للحركة وكل إخوانه المجاهدين الميامين، والأستاذ المناضل محمد عبو وأشادوا بما تحلوا به من الصبر والشجاعة والإخلاص، كما عبّروا عن تضامنهم مع أسرهم الصابرة المحتسبة، داعين لهم جميعا بجزيل المثوبة عند الله تعالى، كما حيوا المحاصرين داخل البلاد وعوائلهم الصابرة وفي طليعتهم حمادي الجبالي وعلي العريض وزياد الدولاتلي والحبيب اللوز والحاج محمد العكروت والشيخ صالح بن عبد الله والأستاذ عبد الله الزواري والدكتور منصف بن سالم واٍلأستاذ الأسعد الجوهري والأستاذ علي الشرطاني والمناضل النقابي  عبد الرزاق نصر الله ، كما حيوا جميع من نالهم الاضطهاد من أجل نضالهم في سبيل الحرية، ودعوا إلى رفع المعاناة عن المساجين والمضطهدين بإطلاق سراحهم ورفع الاضطهاد عنهم، وتمكينهم من حقوقهم كاملة، وتوجهوا بالتحية أيضا للمغتربين المهَجَّرين حاثين إياهم على الصبر في مهاجرهم، وداعين لبذل الجهد في الاستفادة منها بأقصى ما يمكن من الأسباب ليفيدوا الناس وهم مُهَجَّرون، ويفيدوا وطنهم حينما يعودون. 

ثم عُرض التقريران الأدبي والمالي، ونُوقش كلّ منهما باستفاضة، وتمت المصادقة عليهما بأغلبية الحاضرين، ثم وقع التداول في اللوائح المعروضة على المؤتمر، وتمّ فيها حوار واسع، وأُبديت ملاحظات هامّة، وتعديلات معتبرة، حتى انتهى الأمر إلى الاتفاق على جملة من التقديرات للأوضاع ومن القرارات والتوجهات كان من أهمّها ما يلي:

أولا ـ تقدير الظروف التي انعقد فيها المؤتمر.

انعقد المؤتمر في ظروف عالمية وإقليمية وداخلية تتصف بجملة من الخصائص وتتوفّر على جملة من المعطيات قدّرها المؤتمر على النحو التالي:

1 ـ الوضع العالمي: يعيش العالم وضعا من الاحتقان العام الذي كان من أهمّ أسبابه أحداث 11 سبتمبر 2001، ويتمثل هذا الاحتقان في التضييق من قِبل القوى العالمية المهيمنة على شعوب العالم وقواه الحية والمنطقة الإسلامية بصفة خاصة  إلى جانب تفاقم التداعيات السلبية لحركة العولمة التي ازدادت استشراء في مجالات الحياة المختلفة، وخاصة منها المجال الاقتصادي والثقافي والسياسي، مما كان له الأثر السيئ على المناهج التربوية في العالمين العربي والإسلامي، وعلى الوضع الاقتصادي للشعوب التي تزداد فقرا، وعلى القيم الإنسانية العليا التي داخلتها موازين الازدواجية والتفرقة بما أدى إلى تفاقم العنف وانتشار الحروب وتزايد اليأس .   

2 ـ الوضع العربي والإسلامي: كان للوضع العالمي المحتقن أثر سلبي على الوضع الإقليمي، من أهمّ مظاهره الاعتداء على بلاد عربية وإسلامية مثل احتلال أفغانستان ومن بعده العراق ثم الصومال، فقد انتُهكت كلّها بغزو عسكري مباشر أحدث فيها دمارا ماديا ومعنويا واسعا، وصُودرت فيها الحريات وخيارات الشعوب على نحو صارخ، كما يستمر العدوان على الشعب الفلسطيني الأعزل من طرف آلة الاحتلال الصهيوني ومعه سياسات الحصار والتجويع والتدمير التي تفرضها القوى الدولية بسبب الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني، كما استشرت التوتّرات الطائفية بين المسلمين على نحو ما تمثّل في بلاد الرافدين التي أوشكت الطائفية فيها  أن تؤول إلى حرب أهلية طاحنة، ويحدث كلّ ذلك في ظلّ حالة من التفكك العربي وغياب مقومات التضامن والعمل المشترك، مع شيوع نزوعات قطرية انعزالية مدمرة للأوطان وعموم كيان الأمة العربية الإسلامية .

وإذا كانت هذه الاعتداءات قد أدّت إلى أضرار بالغة بدول المنطقة العربية والإسلامية فإنها قد أبرزت أيضا بعض المظاهر الإيجابية، مثل إحياء الروح الوطنية الإسلامية لدى القطاع الأوسع من الأمة، وهو الأمر الذي تمثّل في مظاهر قوية من الممانعة الشعبية اتخذت أشكالا من التمسّك بالهوية الإسلامية، ومقاومة لهذه الاعتداءات بما أتيح من إمكانيات وعلى مختلف الواجهات. ويُسجّل في هذا الصدد أيضا ما تحقّق في بعض البلاد المغاربية والعربية من أقدار معتبرة من الانفتاح السياسي، وتطوّر ملحوظ في التجربة الديمقراطية، ومساع جادّة في المصالحة الوطنية.

3 ـ الوضع الداخلي: يشهد الوضع الداخلي حالة تتصف في معظمها بالسلبية، وتحمل في طياتها أمراضا مزمنة تستشري مضاعفاتها في مجالات مختلفة من الحياة، ولا تخرق تلك الصورة إلا ومضات من العوامل المضادّة التي تناضل من أجل الإصلاح في ظروف صعبة.

ففي المجال السياسي تبدو تونس كأنها نشاز في المحيط المغاربي الذي يشهد شيئا من الانفتاح في طريق الديموقراطية والمشاركة الشعبية، بينما يستمرّ في تونس الانغلاق السياسي في مظاهره المختلفة، انتهاكا للحريات العامة والخاصّة، ومنعا للتنظيم الحزبي والتحرّك المدني، وتماديا في استعمال القبضة الأمنية الغليظة وفي السيطرة على القضاء لتملأ السجون بأفواج متعاقبة من المناضلين من مختلف الاتجاهات، إضافة إلى استمرار المظلمة المسلطة على مساجين  حركة النهضة لما يقارب سبعة عشر عاما. وقد أفضى هذا الاحتقان السياسي إلى مضاعفات خطيرة تمثلت في ظهور عنف مسلح لأول مرة منذ ما يقارب ثلاثين عاما، وهو ما ينذر بانفجارات خطيرة قد تكون البلاد مقدمة عليها إذا لم يحصل تطوّر إيجابي في الحياة السياسية.وقد ألقى هذا الوضع السياسي المنغلق بظلاله السلبية على مجمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. 

فبالرغم من الصورة الخارجية الرائجة التي تبرز نجاعة وتطور الحياة الاقتصادية فإن هذه الصورة لا يغيب عنها التهويل والمبالغة، ولا تعبر عن حقيقة الواقع المعيش، إذ يتعرض الاقتصاد في تونس إلى تحديات ومصاعب حقيقية في ظل منافسة دولية غير متكافئة، ونتيجة للانعكاسات السلبية لاتفاق الشراكة. ومن بين هذه التحدّيات الكبيرة معضلة البطالة وخاصة في أوساط المتعلمين وأصحاب الشهادات، ويقدّر بعض الخبراء أنّها تتجاوز بكثير الأرقام الرسمية. ولا يبدو أنّ هذه المعضلة سيكون لها انـفراج في المدى القريب على ضوء التقديرات الاقتصادية الحالية. ومن المعضلات الاقتصادية تفاقم العجوزات في الموازين الاقتصادية العامة في ظلّ نموّ يتصف بالهشاشة وعدم القدرة على التدارك فضلا عن الإقلاع الاقتصادي، وذلك كله انعكس سلبا على المقدرة الشرائية للمواطن وعلى معدل الدخل الفردي.

وفي المجال الثقافي تستمر المفارقة صارخة بين سياسة الدولة المصرة على تشجيع وإشاعة ثقافة التفسخ المصادمة لمقومات الهوية العربية الإسلامية للبلاد في قطاعات التعليم والفنون والإعلام وبين اتجاه المجتمع المتزايد نحو التدين والالتزام بالتعاليم الإسلامية في صحوة مباركة تعاني من التضييق الذي تمارسه السلطة على منابع الثقافة الإسلامية الصحيحة وما تمارسه من إعتداءات متكررة  على  النساء المحجبات وعلى الشباب لمجرد محافظته على الصلاة وارتياد المساجد بانتظام. كما تضرب السلطة الحجر على البحث العلمي والإبداع الفكري والثقافي ولا تسمح إلا بما كان موافقا لسياساتها، والحصيلة هي حالة التصحر الفكري والثقافي التي تشهدها بلاد منارة العلم والإشعاع الحضاري: جامع الزيتونة. 

 ويتسم المجال الاجتماعي بتفاقم الغضب واليأس بسبب الحيف الاجتماعي  واستئثار بعض الدوائر المتنفذة بالمال العام وانتشار الرشوة والمحسوبية في مختلف أجهزة الإدارة في الوقت الذي تواصل السلطات التضييق على العمل النقابي والمدني المدافع عن مصالح الشغالين والطبقات الضعيفة وأصحاب الكفاءات والشهادات الذين غدوا ضحية البطالة والإهمال بعد أن تكبد المجتمع تكاليف بنائهم وإعدادهم. لقد تفشت بسبب ذلك حالة اليأس والإحباط لدى قطاعات من المجتمع  وأفرزت ظواهر غير مسبوقة في مجتمعنا مثل الجريمة المنظمة وفقدان الأمن والإدمان على الخمر والمخدرات و تزايد حوادث الانتحار و التفكك الأسري إلى غير ذلك من الظواهر التي تهدد مجتمعنا، والتي تواصل سياسات السلطة رغم ذلك في تعميقها. 

وفي هذا المشهد الداخلي العام الذي تغلب عليه السلبية يُسجّل المؤتمر بوادر لتطورات إيجابية تتمثّل بالأخصّ في بداية حراك سياسي في أوساط المعارضة التي انتظمت في بعض المنظمات الحقوقية، ومارست نضالات مقدّرة في مجال الحريات وحقوق الإنسان، وهي تحقّق باطراد أقدارا من النجاح  ويعزز هذا النجاح ما اجتمعت عليه أطراف واسعة من المعارضة من تعاون وعمل مشترك في بادرة توافقية جديدة يمكن أن تتطور إلى آفاق واعدة. كما تتمثّل التطورات الإيجابية في ظهور صحوة دينية في قطاع واسع من المجتمع وتسجل ساحات العمل النقابي والطلابي استفاقة للدفاع عن هذه القطاعات الحيوية في مجتمعنا. كما تنبري جمعيات وهيئات للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات تحقق باستماتة مناضليها وصبرهم خطوات على الطريق الصحيح,

ثانيا ـ مقررات المؤتمر

على ضوء هذا المشهد الواقعي الذي انعقد فيه المؤتمر، وانطلاقا من المبادئ التي تقوم عليها الحركة، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، فإن المؤتمر توصل بعد المداولات إلى جملة من القرارات والتوجهات في المجالات التالية:

1 ـ مجال هوية الحركة: جدّد المؤتمرون  التزام حركة النهضة بالهوية التي حددتها وثائقها السابقة، والتي تعني الإعتماد على المرجعية الإسلامية وما يعنيه من تقيد في جميع تصوراتها ومواقفها بما هو معلوم من الدين بالضرورة مُضمنَّا في النصوص الشرعية القطعية مع التوسع في غيرها من الظنّيات بالاجتهاد بشروطه المعتبرة، والتمسك في ذلك بالقيم السياسية والاجتماعية العليا من حرية وشورى واحترام للخيار الشعبي وتكافل اجتماعي ومساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات دون أيّ إقصاء أو إلغاء. وهي تعتبر نفسها امتدادا لجهود الإصلاح والتجديد التي توارد عليها المصلحون والمجددون في داخل تونس وخارجها، انطلاقا من منهجها الوسطي، وهي المنهجية التي تتخذ منها الحركة منطلقها في كلّ آرائها ومواقفها السياسية والاجتماعية والثقافية.

2 ـ المجال السياسي:

 يؤكد المؤتمرون التزام الحركة بمبادئ العمل السياسي المدني، والدعوة إلى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة التي لا تستثني أحدا، هذا التوجه الأصيل الذي وقعت الدعوة إليه في مؤتمري 1995  و2001 والحركة تعاني من مخلفات القمع والمحنة لا يزال هو المبدأ المعتمد على أنه هو السبيل إلى وضع البلاد على طريق الإصلاح. وضمن هذا الخيار فإن الحركة تتحمل مسؤوليتها كاملة في القيام بدور المعارضة البناءة التي تراعي الاختلاف وتدعو إلى احترامه  وتعتبره ضرورة لتوازن الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية في البلاد في إطار منهج الحوار السياسي مع مختلف الأطراف.

 إن الفهم الذي تعتمده الحركة للمصالحة لا يعني  سياسة الاحتواء استمرارا لسياسة الاستئصال، وهو يؤكّد على بسط قواعد للعمل الوطني التي تقوم على الاعتراف المتبادل واحترام الحقوق الأساسية للمواطنة من حرية التعبير والإعلام والتنظم والتدرج بالحياة السياسية على نهج التغيير والإصلاح الديمقراطي الحقيقي.

وفي هذا السياق اعتبر المؤتمرون أنّ المبادرات التي تهدف إلى تكتيل القوى السياسية وقوى المجتمع المدني حول هذا التوجه الهادف أمر مطلوب ويحتاج إلى التعزيز المستمر والحماية من الانفراط بالتأكيد على القضايا الأساسية وذات الأولوية وتجنب القضايا الخلافية التي هي من جوهر التعدد الفكري والسياسي المعبرة عن خصوصية كل طرف منها. وفي هذا الصدد فإن  الحركة تدعو مختلف الشركاء إلى تخطي العقبات خدمة للمصلحة الوطنية العليا وبناء حوار مثمر يعزز أرضية الالتقاء الأولى ويطورها.

لقد دأبت الحركة حتى في أوج محنتها على طرق كل باب يخرج البلاد من أزمتها وينهي حالة الاحتقان فيها. وإذا كان طريق التصالح تكتنفه الصعوبات فإنها تبذل جهدا موصولا رغم عمق ما أصابها من أذى من أجل تقديم المصلحة العامة وتجاوز الماضي. وفي هذا الصدد باركت الحركة كل خطوة من أجل إنهاء معاناة المساجين ورفع الضغوط عن أسرهم وسلكت مختلف الأساليب السياسية والديبلوماسية لدعوة السلطة إلى طيّ صفحة الماضي ورد الاعتبار للحياة السياسية في البلاد، إيمانا منها بأن ذلك يغني بلادنا عن كثير من الاستنزاف وتضييع الطاقات. إلا أن هذه المساعي لم تجد صدى وتعاملا مناسبا من الطرف المقابل. ومع ذلك فإن الحركة وبهذه المناسبة تدعو السلطة من جديد إلى بسط جسور الحوار والتعامل السياسي الجاد معها ومع مختلف الأطراف الوطنية بهدف تنقية المناخات وتحقيق الانفتاح المنشود طريقا إلى الإصلاح السياسي الحقيقي، كما تجدّد الحركة المطالبة بحقّها في العمل السياسي باعتباره حقا أساسيا من حقوق المواطنة.

لقد اعتبر المؤتمر أن المهمة المرحلية للحركة تنصب على تحقيق الانفتاح السياسي سبيلا للتغيير الديمقراطي الذي تتحرك المنطقة برمتها نحوه، ولا يسع بلادنا التخلف عنه، وكل تأخير في تحقيق هذا الأمر لن يزيد الأوضاع إلا تعقيدا.  وأكد المؤتمرون على ضرورة العمل المشترك من أجل تحقيق الانفتاح السياسي والتنمية الديمقراطية مع كل قوى المعارضة الجادة.، ويتأكد العمل المشترك على وجه الخصوص مع هيئة 18 أكتوبر، مع التوصية بدعم هذه الهيئة في اتجاه التخلص من العراقيل الداخلية التي قد تشوّش على حسن سيرها ودوام التئامها.

ويعتبر التزام الحركة بالعمل مع شركائها في المعارضة الوطنية دورا طبيعيا في نهج المصالحة والإصلاح الديمقراطي الملتزم بآليات العمل المعارض الذي يمارس واجب النقد والنصح بما تقتضيه الحكمة ومنهج الوسطية والاعتدال، ويعمل على الالتقاء مع الآخرين والإسهام في تكتيل قواهم  لتعديل ميزان القوى وحث السلطة على الانخراط في نهج الإصلاح.

كما دعا المؤتمر إلى بذل الحركة جهدا أكبر في التعريف بمشروعها داخليا وخارجيا بتطوير علاقاتها السياسية مع جميع الأطراف الفاعلة، واستثمار ذلك لحل المشكل الحقوقي المستفحل، وخدمة مشروع التغيير الديمقراطي، وإسناد هذا العمل بجهد ميداني وإعلامي ضاغط وفاعل.

واعتبر المؤتمرون أن للحركة دورا أساسيا في العمل على نشر وتأصيل الفكر الوسطي المعتدل في مواجهة نزعات التشدد والعنف. كما أكد المؤتمر على إيجابية حضور عدد من الفعاليات الإسلامية في ساحة العمل الحقوقي والإعلامي ودورهم في ترشيد الممارسة والخطاب بما يشجع مختلف الأطراف على تيسير مطلب الانفتاح. وفي هذا الصدد فإن الحركة تعتبر أنه من مصلحة بلادنا رفع الحصار وإنهاء التضييق على آلاف المسرحين بما يخفف من أسباب الاحتقان ويعيد هؤلاء إلى ما ينتظر منهم من دور إيجابي في ساحات العمل العام المختلفة  ويفتح الطريق أمام مصالحة وطنية حقيقية.

ودعا المؤتمر قيادة الحركة إلى اتخاذ السياسات المناسبة لدعم حضور المرأة والشباب وإلى توفير شروط التجدد في أجيال الحركة وقياداتها في العمل السياسي وسائر المجالات مواكبة لما دأبت عليه طيلة تاريخها من تجدد وتطوير.

ولا يسع حركة النهضة إلا أن تغتنم الفرصة لتضمين مجموعة من المطالب تمثل  مداخل لحل المشكل السياسي المتواصل في بلادنا وخطوة نحو تحقيق الانفتاح المنشود، ومن هذه المطالب:

إنهاء معاناة المساجين الذين طالت محنتهم ورفع التضييق عن المسرحين والتمكين من حق العودة للمغتربين دون قيود تمس من كرامتهم وحقوقهم كمواطنين.

سن عفو تشريعي عام يساهم في طي صفحة الماضي وفتح أفق جديد للحياة العامة في البلاد.

فتح حوار وطني جاد يجمع مختلف الأطراف في اتجاه بناء مشروع إصلاح حقيقي للحياة السياسية في البلاد.

إيقاف الاعتقالات التعسفية والمحاكمات السياسية وكلّ أنواع الانتهاك لحقوق الإنسان وكرامته، والتوجه إلى معالجة الأسباب العميقة لما حدث من مواجهات بداية العام الجاري وهي بالأساس التعدّي على الهوية الإسلامية والانغلاق السياسي والحيف الاجتماعي.

مقاومة الفساد المالي وفتح حوار وطني حول الخيارات الاجتماعية والاقتصادية وآثار العولمة على سوق الشغل والطاقة الشرائية للتونسيين.

                        احترام الهوية العربية والإسلامية لبلادنا وعدم استهدافها أو الاستنقاص منها.

كما أكّد المؤتمرون على مناصرة قضايا العدل والحرية وحقوق الإنسان داخل تونس وخارجها، ومن ذلك على وجه الخصوص:

ـ دعم كلّ المنظمات الحقوقية من أجل ذودها عن كلّ حقوق الإنسان.

ـ دعم استقلالية كل مؤسسات المجتمع المدني الإعلامية والثقافية .

ـ المطالبة باستقلال القضاء، ووضع حد للاعتقال التعسّفي وممارسة التعذيب.

ـ دعم النضال النقابي والطلابي من أجل الدفاع عن حقوق العمال ومن أجل فضاءات جامعية مفتوحة.

ـ دعم نضال المحرومين من حق الشغل وبالخصوص من حملة الشهائد .

ـ دعم حركات التحرير التي تقاوم من أجل تحرير بلادها.

ـ دعم الحركات المناضلة ضدّ المظاهر السلبية للعولمة.

ـ دعم الهيئات المناضلة من أجل سلامة البيئة.

ـ دعم المؤسسات المناضلة من أجل الحفاظ على الأسرة ورعاية الطفولة وحقوق المرأة.

إن حركة النهضة وهي ترفع هذه المطالب، وتناصر هذه المنظمات والهيئات  تعي أهمية الدور المنوط بعهدتها في الداخل والخارج من أجل دفع البلاد نحو أجواء المصالحة والانفتاح والإصلاح وتلتزم ببذل الوسع في خدمة قضية الحريات والانفتاح الديمقراطي والإقبال بروح وطنية على كل مبادرة تحقق ما أقره المؤتمر من مقاصد وأهداف.

3 ـ المجال الداخلي لعمل الحركة:

– أوصى المؤتمر أن يعمل أبناء الحركة في مختلف بلدان إقامتهم على الاستفادة من الامكانيات المادية والمعنوية التي تتوفر عليها علما وخبرة، وأن يسعوا إلى أن يكون وجودهم في تلك البلاد إيجابيا فينخرطون في خدمة المجتمع، ويسهمون في التنمية الحضارية مُضيفين مُعطين لا مجرد مستهلكين.

–  قرّر المؤتمر أن تولي الحركة العناية الكافية بأبنائها من حيث التربية والتأهيل، وأن توجّههم توجيها فاعلا نحو التحصيل العلمي المتفوّق واكتساب الخبرات العالية في التخصصات المختلفة. كما قرّر أن يقع السعي لإدخال إصلاحات هيكلية تستجيب لمتطلبات المرحلة، وفي نطاق ذلك وقع القرار بتحديد مدة تولي رئاسة الحركة بدورتين متتاليتين.

– ونظرا لتواصل الظروف الإستثنائية في البلاد من حيث الوضع السياسي عامة ووضع الحركة خاصة أوصى المؤتمر باستصحاب الوضعية القيادية الإستثنائية تبعا لذلك، أي تواصل عمل مؤسسات الحركة  في المهجر إلى حين توفر الظروف الملائمة والشروط الضرورية لعودة القيادة إلى الداخل وفق رؤيتنا السياسية وخيار العمل العلني بوصفه الوضع الطبيعي والقانوني الذي نعمل  من أجل تحقيقه.

وبعد مصادقة المؤتمر على هذه القرارات والتوجهات انتخب رئيسا للحركة ومجلسا للشورى. وقد استعفى الرئيس السابق للحركة الشيخ راشد الغنوشي من أن يُحمَّل مسؤولية الرئاسة مجددا، داعيا إلى إرساء سنّة التداول على المسؤولية، وبعث الدماء الجديدة في الحركة، ولكن أغلبية المؤتمرين جددوا له مسؤولية الرئاسة للدورة المقبلة بانتخابه من بين بعض المُرَشّحين الآخرين بنسبة 60 بالمائة من الأصوات مقدّرين أنّ الظرف الحالي وما يتطلّبه من مهامّ يقتضي ذلك التجديد.

 ثم تولى رئيس المؤتمر تسليم الرئاسة للرئيس المنتخب الشيخ راشد الغنوشي فألقى كلمة حث فيها الحاضرين على تقوى الله ولزوم الجماعة والدعوة إلى الله على بصيرة، وحمل أمانة الحركة، ودعاهم إلى النهوض بالمسؤوليات التي تعهد إليهم، وبذل الجهد في فك الحصار المضروب على الحركة وعلى كلّ المضطهدين.

ثم ختم المؤتمر أعماله بمثل ما ابتدأ به من حمد الله والثناء عليه والدعاء بالتوفيق في الأعمال وحسن الخاتمة في المآل.

والله تعالى ولي التوفيق وهو أحكم الحاكمين .

جوان 2007 / جمادي الأولى 1428

  (المصدر: مراسلة بتاريخ 12  جوان 2007)


تفاعلا مع  المؤتمر الثامن لحركة النهضة

 
إن انعقاد المؤتمر الثامن لحركة النهضة يمثل محطة هامة  في تاريخ الحركة وفي تطورات الأوضاع في تونس. هذا اللقاء الذي ضم ثلة من أبناء الحركة شاءت الأقدار أن تجمع بينهم بعد أن هجّروا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله،… وانتشروا في أرض الله يواصلون رسالتهم متمثلة  في النضال من أجل تحقيق الكرامة لهم ولكل أبناء الشعب التونسي الذي امتحن في أعزّ ما يملك الإنسان، حريته ودينه. لقد كان حقا لقاءً أخويا حضره جمع من المؤتمرين انتخبوا انتخابا حرّا  من أبناء الحركة، الأمر الذي يؤكد على تمسك هذه الحركة الوطنية ذات التوجهات الإسلامية بمبدأ الشورى في صفوفها قبل أن تطالب به الآخرين. وكانت هاتان السمتان (الروح الأخوية والشورى المبنية على الصراحة والشفافية) الطابع العام الذي ساد المؤتمر طيلة انعقاده. ولكنه كان لقاء يجمع بين المرارة والأمل: * مرارة طول المحنة التي يعاني منها الشعب التونسي، والحال أن أبناء الحركة سواء كانوا في الداخل أو في الخارج هم جزء من هذا الشعب، بهمومه وآماله وآلامه. ولعل انعقاد مؤتمر الحركة في الخارج دليل على عمق المحنة وانسداد وضع الحريات في بلد الزيتونة. إلى حدّ أصبح فيه صاحب الحق في بلده مهجّرا ومهمشا ومهانا ، بينما يرتع السائح والغريب فضلا عن المجرمين الحقيقيين في البلد دون قيود. * وتزيد الأخبار والتقارير الواردة عن البلد مرارة وحزنا، منها ما يتعلق  بتفاقم المشكلات الاجتماعية والإجرام وظاهرة الغلو والتطرف في التدين  ويقابلها  مظاهر التفسخ والميوعة في أوساط الشباب وإنتشار الفساد والرشوة في كل المواقع والمستويات . و ربما كان أخطرها ظهور بوادر عنف مسلح في البلاد لأول مرة منذ ما يقارب ثلاثين عاما، بما يتناقض مع النهج السلمي للحركة.  الأمر الذي يعني أن إقصاء تيار الصحوة الإسلامية المعتدل مقابل التمادي في نهج الانغلاق السياسي والتضييق على مظاهر التدين العام بطرق قانونية وأمنية فتح الباب أمام كل الاحتمالات الخطيرة المهددة لاستقرار البلاد، وهذا الاستقرار هو جوهر ما تصبو حركة النهضة (الاتجاه الإسلامي سابقا)  إلى تحقيقه عبر نضالاتها الطويلة. ويعزّ على الإنسان أن يشاهد البنيان الذي كان مساهما رئيسيا في بنائه حجرة حجرة يتصدع وينذر بالسقوط. فكيف إذا  كان الأمر يتعلق بمستقبل مجتمعات وشعوب؟ إن لسان حال المؤتمرين يتساءل: لماذا لم نكن مجتمعين في بلادنا، مع إخواننا، لنقوم برسالتنا في ترشيد الصحوة الدينية وخدمة الشعب والمجتمع؟ * ويقود هذا التساؤل إلى العامل الآخر الذي يزيد من أجواء المرارة التي خيمت على المؤتمر،  بسبب تعذر المشاركة المباشرة لجسم الحركة وأبنائها في الداخل في فعاليات المؤتمر. فكان الداخل الحاضر الغائب في المؤتمر. ففي كل جولة من النقاش، كانت المداخلات تؤكد على ضرورة تقديم السند والدعم الكاملين للداخل. وكانت صور السجون للمناضلين ومحاصرة  المسرّحين حاضرة في ألأذهان، تعود بين الفينة والأخرى في جولات النقاش والحوار داخل قاعة المؤتمر أو في فترات الاستراحة. إن قضية المساجين والمسرّحين المحاصرين في حرياتهم ومعيشتهم بقيت الشغل الشاغل لأبناء الحركة ولكل ضمير حي، وجاء المؤتمر ليؤكد تمسك الحركة بمطلب فك الحصار عن المسرّحين واطلاق سراح المسجونين الذين ظلموا بغير حق، ذنبهم الوحيد أنهم اختاروا الفكرة الإسلامية منهجا لحياتهم وسعوا إلى عرض قناعاتهم  بمنهج سلمي  على الناس في سبيل تحقيق حياة الكرامة والعزّة للشعب وللوطن. * بيد أن الداخل ليس هو الهاجس الوحيد لأبناء حركة النهضة، بل إن الأجواء العامة المخيمة على الوضع الدولي تدعو إلى القلق الشديد. وعبّر المؤتمرون عن انشغالهم بما هو سائد في المحيط العالمي الذي ما يزال محكوما بتداعيات 11 سبتمبر التي تتمحور في التضييق على الإسلام عامة ، وعلى العاملين للإسلام خاصة ، وهو ما استتبع استشراء العولمة في مجالات الحياة المختلفة، وخاصة منها المجال الاقتصادي والثقافي مما كان له الأثر السيئ على المناهج التربوية في العالمين العربي والإسلامي، وعلى الوضع الاقتصادي للشعوب التي يزداد فقرها فقرا وتضعف فيها الطبقة الوسطى لصالح الطبقات الفقيرة والغنية. ولكن لم يكن المؤتمر مناسبة للتنفيس عن هذه المشاعر المشحونة بالمرارة، بقدر ما كان فرصة لتجديد العهد على المساهمة في رفع التحديات في حدود الاستطاعة والجهد البشري، وبما تسمح به الوسائل النضالية السلمية. ولم تكن مشاعر المرارة لتحبط أصحاب المبادئ، بل تزيدهم شعورا بالمسؤولية. في هذا الإطار، جاء التأكيد في المؤتمر على جملة من القرارت من أهمها العمل على  تحقيق الانفتاح السياسي سبيلا للتغيير الديمقراطي، عبر الضغط الميداني المدني والعمل الإعلامي وتطوير العمل المشترك مع كل قوى المعارضة. ولقائل أن يقول: إن هذا الكلام قديم وأصبح ممجوجا، والحال أنه لم يحرك ساكنا من انسداد الوضع السياسي وكبت الحريات وتفاقم تدهور معيشة المواطن في تونس. قد يكون هذا الاحتجاج يتضمن في ظاهره جانبا من الصواب،  ولكن  المتأمل في تطورات الحياة السياسية التونسية، يلاحظ بوادر تململ لدى الرأي العام  في الداخل بسبب عمق الأزمة التي يعاني منها الشعب، وبوادر قلق لدى أوساط صناع القرار في العالم بسبب التخوّف من المجهول، في ظل حالة الاختناق والتوتر المنذرة بعواقب وخيمة. التمسك بالهوية : ولهذا كان التمسك بمبدأ الانفتاح والإصرار على التغيير الديمقراطي أكبر ضامنين للخروج من مأزق الانسداد السياسي. بل الثبات على المبدأ هو الموصل لشاطئ السلام. ولا يمكن التراجع عن هذا الهدف الأمّ في الوقت الذي يتطلع فيه الرأي العام إلى حلّ شامل يضع حدّا لمحنة طال أمدها. كما لا يمكن التراجع عن النهج السلمي بحجة انغلاق السلطة ورفضها لكل نداءات المصالحة التي أطلقتها حركة النهضة ووطنيون آخرون يغارون على بلادهم. ولعل الطابع الذي ساد المؤتمر هو الأمل في أن ساعة الفرج قد زادت اقترابا بإذن الله تعالى و أن شدة المحنة قد أذنت باقتراب الفجر. ويزيد الأمل بالنظر إلى ما يحدث في دول الجوار في المحيط المغاربي والعربي حيث ظهرت أقدار معتبرة من الانفتاح السياسي، وتطور ملحوظ في التجربة الديمقراطية، ومساع جادة في المصالحة الوطنية، وهو ما يجعل تونس تبدو كأنها نشاز في هذا السياق. وستؤتي سياسة الضغط ثمارها عاجلا أم آجلا. والأمل معقود على تنامي ظاهرة التدين في تونس في صفوف الرجال والنساء وعلى الأخص منهم صفوف الشباب مما مثل صحوة ثانية واسعة الانتشار. ويجب التعريج في هذا الصدد على الهوية الدينية. إذ لا غرابة أن يؤكد   المؤتمرون على التزام الحركة بالصفة الإسلامية، وعلى الانتماء إلى الأمة الإسلامية و الانحياز إليها في قضاياها العادلة، وفي همومها الحاضرة ومشاريعها النهضوية. ذلك أن الحركة خرجت من رحم المجتمع التونسي العريق في هويته الإسلامية، ولا يمكن لأحد أن يسلخ هذا الشعب عن هويته ودينه. الصفة الشورية : ولعل التمسك بالهوية الدينية هو الضامن للخط الشوري الذي ساد الحركة طيلة تاريخها. وكانت محطة المؤتمر مناسبة جديدة للتأكيد على هذا التوجه. وعندما جاءت المحطة الانتخابية في المؤتمر لانتخاب رئيس للحركة، كانت ساعة الحقيقة التي بينت بكل وضوح وشفافية مدى رقي الوعي بالصفة الشورية. حيث أصرّ رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي على احترام مبدأ التناوب، وشدّد على ضرورة تجديد الرئاسة لتحويل الفكرة إلى واقع، وتقديم نموذج حي للديمقراطية الشورية لدى الحركات الإسلامية. وقد استمع المؤتمرون إلى الشرح الضافي الذي قدمه الشيخ راشد في موضوع التناوب على الرئاسة، وتمت العملية الانتخابية في أجواء من الحرية والمسؤولية، انتهت بإعادة التجديد للشيخ راشد في مسؤولية رئاسة الحركة وإلزامه بذلك بعد أن أعطاه 60 بالمائة من المؤتمرين أصواتهم في آخر دورة من دورات الانتخاب الثلاث. وعلى عكس ما يظن البعض، فإن هذا التجديد لا يمكن  تأويله بغياب الصفة الشورية داخل الحركة، وبالتالي لا يمكن الإسراع بإطلاق الأحكام جزافا على الحركة واتهام رئيسها بالسلطوية، والتعميم في القول بأن حركة النهضة مثلها مثل الأنظمة العربية التي تتشبث قياداتها بالزعامة والمناصب. إن حركة النهضة حركة إسلامية مسؤولة تحمل رسالة دعوية ذات أهداف إنسانية وتناضل من اجل ضمان كرامة الشعب التونسي وحريته وهويته الإسلامية. كواليس المؤتمر:     * كانت نسبة تمثيل المؤتمرين لبقية أبناء الحركة واحد عن كل أربعة أعضاء وهي أكبر نسبة وقع العمل بها في كل مؤتمرات الحركة السابقة.     *  من المفارقات أن العنصر النسائي من بين المؤتمرين كان الطرف الرافض لتعيين نسبة معينة (كوتا) منهن في مؤسسات الحركة، مع التأكيد على مقياس الكفاءة في الاختيار.     * امتدت عملية انتخاب أعضاء مجلس الشورى ورئيس الحركة والإعلان عن النتيجة إلى ساعة متأخرة من الليل،  وانتهت أعمال المؤتمر قبيل الفجر، وصلى المؤتمرون صلاة الصبح قبل أخذ نصيب من الراحة.     * ساعد رئيس المؤتمر نائبان، أخ وأخت.     * تخلل فقرات المؤتمر بعض الفقرات التنشيطبة ( أناشيد وشعر…) مما ساهم في الترويح عن المؤتمرين والمساهمة في التخفيف من الأجواء الجادة وحتى الساخنة أحيانا.     * مما كان ملفتا للنظر وكان له معنى مهما أن كل مصاريف المؤتمر ( نقل ومصاريف إقامة…) قد تحملها المؤتمرون سواسية.     * من الفقرات المؤثرة، التعرض لحالة اجتماعية دقيقة لأحد أبناء الحركة في الداخل لم يتمكن من إجراء عملية جراحية باهظة الثمن واستشرى المرض في بدنه. فكان تفاعل الحاضرين كبيرا حيث تم على عين المكان جمع مبلغ كاف لإجرائها إلا ان احد الحاضرين ( لم يعلن عن اسمه )  أصر أن يتكفل لوحده بكامل المبلغ. صور علي هامش المؤتمر , النقر علي الصورة لتكبير الحجم http://www.nahdha.info/arabe/modules.php?name=News&file=article&sid=106  
(المصدر: موقع نهضة.نت بتاريخ 11 جوان 2007)  


الحزب الديمقراطي التقدمي 10 نهج آف نوال – تونس

بيان اللجنة المركزية في دورتها الأولى بعد المؤتمر

 
اجتمعت اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي في دورتها الأولى بعد المؤتمر يوم 3 جوان 2007 بتونس العاصمة برئاسة الأخت مية الجريبي الأمينة العامة و تناولت بالدرس الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية على الصعيد الوطني كما قيمت أداء الحزب و مسيرته في الخمس أشهر الأخيرة التي أعقبت المؤتمر و السبل الكفيلة بالرفع من جاهزيته استعدادا للمحطات السياسية القادمة ووقفت اللجنة المركزية على أسباب و تداعيات الأحداث المسلحة بين مجموعة سلفية جهادية و قوات الأمن و اعتبرت أن هذه المواجهات و حملة الإعتقالات الواسعة التي أعقبتها في صفوف الشباب المتدين كشفت فشل سياسة « الكل الأمني » المعتمدة منذ سبعة عشرة عاما. و سجلت أنه بينما كان يفترض أن تدفع هذه الصدمة نظام الحكم إلى استخلاص العبر و العمل على خفض درجة الاحتقان السائدة و التدرج نحو الإصلاح السياسي و الإجتماعي و الثقافي فإن السلطة فضلت سياسة الهروب إلى الأمام باستغلال هذه الأحداث و توظيفها في اتجاهين مترادفين: تمثل الأول في التأكيد على سلامة الخيار الأمني رغم كل الإخفاقات و الإمعان في ضرب الحقوق و الحريات من خلال حملة الإعتقالات العشوائية و ممارسة التعذيب على نطاق واسع و استصدار أحكام قاسية ضد شباب في مقتبل العمر. كما تمثل في تشديد الحصار على المجتمع السياسي و المدني بمواصلة التضييق على القضاة المستقلين ومنع نشاطات الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بعد أن منعتها من عقد مؤتمرها وفي استهداف منهجي للحزب الديمقراطي التقدمي بالسعي لإخراجه من مقره المركزي و من مقراته الجهوية لتعطيل دوره الوطني في معارضة سياسات الحكم علاوة على التضييق على تحركات هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات و منع رموزها من النشاط. و تمثل الاتجاه الثاني في حملة المناشدة الموجهة لرئيس الدولة من أجل الترشح لولاية رئاسية خامسة ما وضع البلاد في أجواء حملة انتخابية من جانب واحد سابقة لأوانها في إطار سياسي و تشريعي تنعدم فيه أدنى شروط المنافسة الإنتخابية. و اعتبرت اللجنة المركزية أن هذه الحملة المتكررة تمثل تراجعا صريحا عن الوعود التي قطعها نظام الحكم على نفسه غداة تغيير 7 نوفمبر من أجل طي صفحة الرئاسة مدى الحياة التي خبر التونسيون مخاطرها إبان الحكم البورقيبي. و توقفت اللجنة المركزية عند الموجة الإضرابية التي شملت في الفترة الأخيرة عديد القطاعات الهامة التي تشغل عشرات الآلاف من الأجراء مثل التعليم الأساسي و الثانوي و العالي و الصحة و المواصلات و المالية، إضافة إلى ما شهدته السنة الجارية من اعتصامات و إضرابات في القطاع الخاص و من تحركات عديدة و نوعية للمعطلين عن العمل من أصحاب الشهائد. و اعتبرت أن هذه الحركة الإضرابية تأتي احتجاجا على تدهور القدرة الشرائية جراء الارتفاع المشط للأسعار (مثل الزيادة المتكررة في المحروقات و عديد المواد الاستهلاكية) و التي لم تتمكن الزيادات الأخيرة في الأجور من التقليص منها علاوة على تفاقم ظاهرة البطالة بصورة عامة و بطالة أصحاب الشهائد بصورة خاصة، و ظاهرة تسريح العمال و غلق المؤسسات و خوصصة المؤسسات العمومية. إلى ذلك ما فتئت الشرائح الشعبية تتحمل تبعات تدني الخدمات الاجتماعية سواء في مجال الرعاية الصحية أو في مجال التعليم و تدني الخدمات البلدية و الإدارية والنقل، إضافة إلى تدني الأوضاع البيئية نتيجة تضارب سياسات الدولة في هذا المجال. و تؤكد اللجنة المركزية أن هذا التوتر يأتي على خلفية مصاعب اقتصادية غير خافية تمثلت أساسا في تراجع نسب النمو و استمرار ركود الاستثمار الداخلي و الخارجي نظرا لغياب إصلاحات جوهرية تنهض بالنمو و تبعث مواطن الشغل ما ينبئ بمزيد من تعقيد الأوضاع الاجتماعية. و اللجنة المركزية إذ تحيي نضالات الشغالين التونسيين و تعبر لهم و لهياكلهم النقابية في الإتحاد العام التونسي للشغل عن تضامنها معهم و مساندتها لمطالبهم المادية و المعنوية المشروعة و لدفاعهم عن الحريات النقابية، تعتبر أن تأزم الوضع الإجتماعي يأتي نتيجة سياسات السلطة التي عمقت الفوارق الاجتماعية و الثراء الفاحش و تسببت في نزيف هائل للقدرة الشرائية لعموم المواطنين. و تؤكد على أن انتهاج سياسة تقوم على توزيع عادل للثروة الوطنية و رسم برامج من أجل تحقيق مطالب الشرائح الشعبية في خدمات اجتماعية لائقة و مستوى عيش كريم بعيدا عن أساليب التوظيف السياسي المتبعة حاليا، هي السبيل إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف فئات الشعب التونسي واعتبرت اللجنة المركزية أن حصيلة هذه التطورات و حالة التذمر العامة التي تعيشها شرائح متعددة سواء من أرباب العمل أو من أصحاب المؤسسات الصغرى و المتوسطة أو من الشغالين أو من العاطلين أو من الشباب، تؤكد أن بلادنا تدخل مرحلة متقلبة ما يضع المعارضة الوطنية أمام تحديات حقيقية تتطلب منها الرفع من استعدادها حتى تكون قادرة على استعادة المبادرة السياسية و التصدي للاستحقاقات القادمة. و بعد تشخيصها لمجمل هذه التطورات فإن اللجنة المركزية: أولا: تؤكد أن المدخل الأساسي لإصلاح الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تمر بها بلادنا تتطلب عاجلا تحقيق انفراج سياسي في البلاد و ذلك عبر إطلاق المساجين السياسيين و تحرير الإعلام و إطلاق حرية التنظم و الاجتماع . و في هذا السياق توصي اللجنة المركزية المكتب السياسي بالسعي الحثيث لدعم نشاط هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات من أجل تفعيل نضالها حول هذه المطالب الثلاثة و توسيع دائرته ليشمل كل الأطراف الديمقراطية المعنية بتحرير الحياة السياسية بتونس ثانيا: تدعو اللجنة المركزية كل النخب الديمقراطية و الأحزاب و الجمعيات المستقلة إلى عقد ندوة وطنية بمناسبة الذكرى الخمسين لإعلان الجمهورية و ذلك لرسم ملامح الجمهورية الديمقراطية التي تسعى المعارضة الوطنية و الديمقراطية لإرسائها و للمطالبة بإصلاحات دستورية و تشريعية تحدد الولايات الرئاسية و ترسي التوازن بين السلطات و استقلال القضاء و تنشئ المحكمة الدستورية إضافة إلى مراجعة القوانين المنظمة للحياة السياسية وخاصة منها مجلة الصحافة و المجلة الإنتخابية و قانون الأحزاب، و توصي المكتب السياسي باتخاذ كل المبادرات و الإجراءات الضرورية لإنجاح هذه المبادرة في موعدها المحدد ثالثا: إذ تؤكد أن الانتخابات التشريعية و الرئاسية سنة 2009 تمثل محطة سياسية هامة على الحزب الديمقراطي التقدمي و كل أطراف المعارضة الوطنية العمل لتحويلها إلى فرصة لإحداث الفجوة الديمقراطية فإنها تدرك أن شروط المنافسة الديمقراطية الحقيقية منعدمة حاليا. لذلك تعتبر اللجنة المركزية أن المهمة الأساسية المطروحة اليوم هي المطالبة بإصلاح الإطار التشريعي و السياسي للعملية الإنتخابية بما يكفل انتخابات رئاسية و تشريعية حرة و ديمقراطية تمكن التونسيين و التونسيات من الإختيار الحر لمن يحكمهم في الفترة القادمة و على الصعيد العربي دعت اللجنة المركزية إلى رفع الحصار المضروب على مخيم اللاجئين الفلسطينيين في نهر البارد و التوصل إلى حل سياسي لهذه المواجهة و نددت بالعدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة و باستهداف المناضلين بالاغتيال و باستهداف النواب و الوزراء بالاعتقال و جددت مطالبتها البلدان العربية بكسر الحصار المضروب على الشعب الفلسطيني كما أكدت دعمها للمقاومة العراقية التي تكافح ضد الاحتلال الأمريكي و مطالبتها القوات الأمريكية و البريطانية بالجلاء فورا و باحترام حق الشعب العراقي في تقرير مصيره عن اللجنة المركزية الأمينة العامة مية الجريبي تونس في 3 جوان 2007
 

 

 

 

حزب الوحدة الشعبية 

تونس في 9 جوان 2007 

بــــــــلاغ

إحياء الذكرى الثلاثين لمحاكمة الوحدة الشعبية

 

في إطار التأكيد على التواصل بين أجياله وعلى دور المؤسسين يشرف السيد محمد بوشيحة الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية على حفل تكريم على شرف المناضلين الذين تمت محاكمتهم في 13 جوان 1977 بسبب الانتماء للوحدة الشعبية. وسيتم في نفس السياق تكريم عدد من المحامين الذين تولوا الدفاع في هذه المحاكمة.

وسينتظم الحفل بمقر جريدة  » الوحدة  » بالعاصمة يوم الأربعاء 13 جوان 2007 انطلاقا من الساعة السادسة والنصف مساء.

هشام الحاجي

عضو المكتب السياسي المكلف بالإعلام


 

تلقّى تهديدات بالقتل بسبب إنتقاده لأصهار الرئيس التونسي …

الصحفي التونسي سليم بوخذير يتعرّض لمحاولة اعتداء من جديد.. والبوليس يفرض الحصار عليه

 

واشنطن – وطن – خاص :    تعرّض مراسل « وطن » في تونس  السبت إلى محاولة إعتداء جسدي جديد ، على خلفيّة تقارير كتبها عن حالات فساد مورّط فيها عدد من أصهار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ، و تصريحات كانت بثتها للزميل قناة « الحوار » التي تبث برامجها من لندن .  و تفرض السلطات التونسية منذ أيام على الزميل سليم بوخذير مراسل « وطن » في تونس والكاتب المعروف بعدد من الصحف و المواقع العربية ، مراقبة أمنية لصيقة على منزله بالعاصمة التونسية وعلى مجمل تحرّكاته في الشارع حيث تُطارده دائما سيارة بيضاء اللون حاملة لرقم 61 تونس 7019 على متنها عونان من البوليس السياسي .  و في مساء أمس السبت 9 جون إمتطى الزميل سيارة أجرة من منزله إلى مقرّ صحيفة « لابراس » الحكومية حيث كان ينوي لقاء كاتب عام نقابة الصحافيين التونسيين محمود الذوادي ، و بعد مكوثه أمام مقرّ الصحيفة منتظرا خروج زميله للموعد ، إستقدم له أعوان البوليس السياسي الذين صارعددهم كبيرا فور وصوله إلى مقر الصحيفة ، فتاة مجهولة سارعت إليه لتشرع في شتمه متهمة إيّاه بأنه حاول التحرّش بها في إطار مسرحية رديئة الإخراج .  وعلى الفور حضر « بلطجي » مفتول العضلات من الجهة المقابلة ليحاول ضربه في إطار المسرحية ذاتها ، وقد هبّ أعوان الإستقبال في صحيفة « لابراس » لإنجاد السيد بوخذير حيث كانوا قريبين تماما من الزميل بوخذير و شاهدوا أنه لم يكن ينظر إليها أصلا وأدخلوه إلى مقر الصحيفة مانعين عنه الاعتداء.    و تأتي هذه المحاولة الجديدة بهدف مزيد التشفّي في الزميل سليم بوخذير و محاولة إثنائه عن التحرّك و الكتابة بحرّية .  و كان الزميل بوخذير قد تعرّض لإعتداء خطير يوم 15 مايو الفارط على يد « بلطجي » آخر على مقربة مقرّ المجلس الوطني للحريات بتونس ، إستقدمه له أعوان البوليس السياسي التونسي عقابا له على تقارير كان نشرها بعديد وسائل الإعلام عن تجاوزات خطيرة مورّط فيها أصهار الرئيس التونسي ، من ذلك مطالبته بالتحقيق مع المسؤول عن تنظيم كارثة حفل « ستار اكاديمي » بمدينة صفاقس التونسية التي مات و جُرج فيها العشرات و هو حسام الطرابلسي صهر بن علي ، و كذلك إشارته في تقرير آخر إلى إعتقال 5 أعوان أمن تونسيين بسبب محاولتهم إيقاف صهر آخرللرئيس التونسي إعتدى على مواطنين و كان في حالة هيجان و سكر، و هي طبعا من الأخبار المحرّم نشرها في تونس .  و سبق للزميل بوخذير أيضا أن كتب تقارير عن تورّط صهر آخر للرئيس عماد الطرابلسي في تهريب يخوت مسروقة من فرنسا إلى تونس ، فضلا عن تقارير عديدة عن أوضاع حقوق الإنسان في تونس و قمع المواطنين .    و قد عُرف إسم الصحفي التونسي المستقلّ سليم بوخذير في عديد وسائل الإعلام التي يكتب فيها من تونس تقارير جريئة ، بينها صحيفتنا و كذلك موقع قناة « العربية » و إذاعة و تلفزيون ألمانيا بالعربي و صحيفة « القدس العربي » و « المصريون » و غيرها .  و كانت منظمات حقوقية دولية عديدة قد أدانت بشدة الإعتداء سابقا على الزميل بوخذير بينها الإتحاد الدولي للصحافيين و منظمة « مراسلون بلا حدود » و اللجنة الدولية للدفاع عن الصحافيين بنيويورك .  و إثر تصريحات كانت بثّتها له قناة « الحوار » اللندنية مؤخرا إنتقد يها قمع النظام التونسي للصحافيين المستقلين ، كان الزميل تلقّى تهديدات صريحة عبر الهاتف بالقتل .   * (المصدر : موقع صحيفة « وطن » (تصدر بأمريكا) بتاريخ الإثنين 11 جوان 2007 ).  الرابط :  http/www.watan.com/index.php?name=News&file=article&sid=985

السلط التونسية تواصل إمعانها في الاعتداء على الصحفي سليم بوخذير

تونس- سفيان الشورابي في حلقة أخرى تضاف إلى مسلسل الاعتداء على الصحفي سليم بوخذير و هرسلته بسبب مقالاته اللاذعة ضد القوى النافذة، والدوائر المتحكمة في القرار السياسي الحكومي، حصلت يوم السبت 9 جوان الفراط محاولة جديدة للاعتداء عليه. حيث جلب له البوليس السياسي فتاة إدعت أنه حاول التحرش بها و أخذت تصيح و تشتم السيد بوخذير أمام باب مقرّ صحيفة « لا براس » الحكومية. و على الفور حضر شخص من الجهة المقابلة ليحاول ضربه مستغلا حالة الفوضى العارمة التي أحدثتها الفتاة المستقدَمة للقيام بتلك المهمة. ولم يستطع السيد بوخذير الإفلات لولا تدخل أشخاص كانوا متواجدين بالمكان شهدوا على زيف و بطلان دعوى الفتاة، و قاموا بإنقاذه من بين أيدي الشخص المنسوب لأعوان البوليس السياسي. و يواجه الصحفي بوخذير خلال الفترة الأخيرة تصعيدا كبيرا في حجم الانتهاكات التي بلغت حد تهديده بالقتل على اثر مشاركته في برنامج لقناة « الحوار » اللندنية، شهّر خلاله بتجاوز الصلاحيات، و أبرز درجة التعفن المالي و السياسي الذي تعيشه تونس. قد عُرف إسم الصحفي التونسي المستقلّ سليم بوخذير في عديد وسائل الإعلام التي يكتب فيها من تونس تقارير جريئة ، بينها صحيفتنا و كذلك موقع قناة « العربية » و إذاعة و تلفزيون ألمانيا بالعربي و صحيفة « القدس العربي » و « المصريون » و غيرها. و كانت كل من جمعية صحفيين بدون حدود، والفيدرالية الدولية للصحافيين، و مجموعة »ايفكس » مراقبة حرية التعبير في تونس أصدرت بيانات متتالية رافضة بحزم مثل هذه الأشكال في التعامل مع الأصوات الحرة، وداعية الحكومة التونسية إلى رفع حالة الحصار و المراقبة التي تفرضها على الصحفي سليم بوخذير.  
(المصدر:  موقع أخبار مكتوب بتاريخ 11 جوان 2007) http://news.maktoob.com/?q=node/629145  
 


6 جـــوان: وتعــود الذكـــــــرى…

 
عبد الله الزواري – تونس و تعود الذكرى، و تتجدد الأشجان، متعة أوقات البدايات و روعتها تذهب عن النفس مللها و تثاقلها، فتشحذ الهمة و تحرك العزيمة… و يزداد المرء يقينا بوجاهة الشعارات التي رفعتها حركة النهضة في خريف و شتاء1990، وخصوصا شعارها المركزي: فرض الحريات.. نعم كانت حركة النهضة من السباقين في تحديد ملامح التعامل مع السلطة، خصوصا مع تبخر الأمل مبكرا في الشعارات التي وردت في بيان 7 نوفمبر.. لكن حسابات أخرى راهنت على السلطة معتبرة إياها مؤتمنة على الديمقراطية و مكاسب المجتمع التونسي في الوقت الذي رأت في « النهضة » تهديدا صريحا للديمقراطية و المكاسب الاجتماعية أو هكذا زعمت.. و بناء عليه لم تبخل على السلطة بمساندتها المطلقة في ضرب حركة النهضة و قمعها و التنكيل بكل من كان يوما متعاطفا مع الحركة أو التيار الإسلامي… و لم تتوان بعض قيادات المعارضة عن المساهمة في حملات التشهير بالحركة… و إن كان البعض قد قام بذلك من موقع الانتهازية الرخيصة فإن البعض الآخر قد انطلت عليه مغالطات السلطة و أكاذيبها… « و في الليلة الظلماء يفتقد البدر » و كان ذلك الحبل قصيرا… فانقشعت الغشاوة، و بانت الحقائق، و أدرك الأحرار مدى فظاعة مساندة السلطة في حربها الاستئصالية التي شنتها على حركة النهضة، و أيقن آخرون أن ما كان من « هويمش » الحريات في الأشهر الأولى من « التغيير » و ما كان من الإجراءات التي تبدو مكرسة لحقوق الإنسان، إنما كان كل ذلك بفعل توازن القوى على الساحة السياسية و الاجتماعية، و لم يكن أبدا نتاج قناعات فكرية أو سياسية… لذلك سرعان ما وقع الالتفاف على كل تلك القوانين و الشعارات و الوعود…و كانت القطبية الثنائية في تونس صمام أمان أمام تغول الدولة و توحشها كما كانت القطبية الثنائية على مستوى العالم أفضل رادع لتوسع القوى العظمى و فرض سياساتها و رؤاها على بقية الدول و ترويضها لخدمة مصالحها… و بمجرد أن خلت الساحة السياسية من حركة النهضة حتى انبرت الأخطبوط تأكل أصابعها الواحدة بعد الأخرى…فكانت المحاكمات لحلفاء الأمس القريب الذين انتهى الدور المنوط بهم… و في ذلك ما فيه من إرهاب و رعب لبقية الحلفاء قبل الخصوم… و لسان الحال بقول: هذه أحزاب و جمعيات و منظمات لا تتحرك إلا في المساحة التي أشير بها عليها، فتقوم بالدور المحدد المطلوب منها، بلا اجتهاد أو تأويل و بلا تقاعس أو تراخ، و تلازم الصمت في غير ذلك، مع السماح لها بتبرير السياسة الرسمية و تلميعها و التصدي لكل من تسمح له نفسه بمعارضتها أو التشكيك فيها، فلتثلب و لتقذف و …و لن يؤاخذها أحد، و ليعلم الجميع أن ليس هناك منطقة وسطى: إما معي أو الغياهب: غياهب السجون أو غياهب المنافي… و بدأت الأصوات ترتفع منذ سنوات معبرة عن  » فرض الحريات » بطرق مختلفة، اعتصامات، إضرابات جوع، إضرابات عن العمل، تعدد الجمعيات غير المرخص لها و إصرارها على مواصلة العمل الذي نذرت له نفسها و اعتبرته محور نشاطها… أليس في هذا دليلا كافيا على وجاهة ما رفعته  » النهضة » في خريف 90، و مع ذلك فهذا لا يمنع من تحمل المسؤولية بشجاعة فيما آلت إليه الأحداث، و كل هذا لا يمنع كذلك من تحميل أطراف أخرى نصيبها من تحمل ما حل بالبلاد بعد ذلك… « و يبتلى المرء… » و تحملت  » النهضة » الجزء الأوفر من الأذى، كما نال المساجين من هذا الأذى ما شيب رؤوس الولدان، ولم يقف الأذى عندهم بل طال عائلاتهم و أطفالهم و كافة ذويهم… و لا أبالغ إن قلت: إن كل ما حول السجين أو المسرح يذكر صبح مساء بأن النظام الحاكم هو المسؤول الأول و الأخير عن الضنك الذي يعيش، و المأساة التي يحيى، و ضيق ذات اليد التي يعاني، و البطالة التي يكابد… أما  » النهضة » و ما قامت به فلا يعدو عمل أي حركة سياسية تحترم نفسها و تحترم منخرطيها و تعمل بجد من أجل إرساء دعائم المجتمع الذي ترنو إليه كلفها ذلك ما كلفها… نعم كما أصاب المغتربين بعض الأذى من السلطة، لكن هذا الأذى سرعان ما اختفى بفعل بحبوحة العيش ( على الأقل مقارنة مع عيش المساجين و عائلاتهم) و اجتماع شمل العائلة و ما توفر لديها و آفاق الحرية الرحبة التي تسود بقدر بلدان الإقامة و ما نتج عنها من اكتساب للدين و الدنيا معا… و ليذكر إخواننا المغتربون إن كانوا سيحصلون على تلك الشهادات العلمية إن كان من قدرهم أن عمروا سجون التغيير، و هل كانت ستغني عنهم شيئا من عفريت البطالة السائد في بلدهم أم يكونون مجرد أرقام إضافية في سجلات قوائم العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات، أو أعداد إضافية من التجار المتجولين المنتصبين في الأسواق الأسبوعية و على الرصف الذين يرجعون مساء إلى بيوتهم وقد أنهكهم التعب فيجددون طاقتهم من أجل يوم جديد من الكدح و المصابرة على الهرسلة اليومية المتجددة… و في هذا الإطار يندرج طموح كثير من المسرحين إلى الهجرة و الاغتراب لكن لا أحسب ان هناك من المغتربين من يطمح للاستقرار في بلده ثانية فيذوق بعض ما تجرعه إخوانه طيلة سنوات، اللهم زيارات سياحية للأهل و الأحباب و القنطاوي و الحمامات و طبرقة و جربة و لجولة في قلب الصحراء كما يفعل بعض الأروبيين و غيرهم…  » لا تلعنوا الظلام بل أوقدوا شمعة…. » و في هذا الخضم قد تشوش الرؤية على البعض، فينزلق بهم اجتهادهم إلى الموقع الخطأ و القول الخطأ و التصرف الخطأ، لكن حسبهم من الاجتهاد بذله و أجره، و ليذكر إخواننا هؤلاء أن المساجين الذين يريدون العمل من أجل تفريج كربهم لا يريدون دفع أي ثمن من أجل ذلك، بل إن حرصهم على حركتهم و ثوابتها أكبر من حرصهم على سلامتهم الذاتية، كما أنهم على ثقة تامة بأن لهم قيادة- خبروها طويلا كما خبرتهم- لا تألو جهدا للعمل من أجلهم و لا يوجد بينهم من يتاجر بآلامهم، و إن طالت المأساة فمرد ذلك ضبابية هذه الرؤية و تشوشها، و أي أسى هذا الذي يحط بكلكله على المساجين عندما يرون أو يبلغهم أن تسخر أقلام بعض أحبتهم للبحث عن أعذار للجلادين و الظلمة في الوقت الذي لم تكتب حرفا واحدا عن الظروف التي يعيشون و التنكيل المسلط عليهم منذ أكثر من عقد و لم يبادروا بعمل في الاتجاه الذي يريدون، و لم يفتحوا أكشاكا- أنجع- للتعريف بمأساتهم و مساندتهم، و هم إذ يرفضون رفضا قاطعا أن تتاجر قيادتهم بهم فإنهم لن يسمحوا بذلك لأي كان من أي موقع و من أي منطلق… وفي الوقت الذي ينطفئ فيه نور بصر أخينا الحبيب اللوز يتقد نور بصيرته فيتمسك بحقوقنا جميعا في العمل و التواجد مقدما عزيمة الإصرار على الثوابت على رخصة  » يسع الفرد ما لا يسع المجموعة ».. إن إطالة هذه المأساة – مأساة المساجين و مأساة المغتربين-لا يعود إلى تصلب قيادة الحركة و تصعيدها بل يعود في الأساس إلى تخلف عدد من الطاقات و الجهود و الأقلام و الأموال و تقصيرها في التعريف بالمظلمة المسلطة و في العمل من أجل محاصرة الاستبداد و دحره من كل المحافل…  » اللهـــــــــم هــــل بلغـــــــت… » أكتب هذا ليس على لساني فحسب بل على لسان كثير من إخوتي الذين أحببتهم و أحبوني كما أحببتموهم و أحبوكم، إخوة تقاسمنا معا رغيف الخبز الرديء و اليابس و  » قاميلة » الرا?و التي لا تستسيغها غير معدة يقطعها الجوع و جمعتنا غرف التعذيب في أقبية السجون تمسكا بشعائر ديننا و محافظة على إنسانيتنا… نلتفت إلى بعضنا و نتذكر الشعب و مصعبا بن عمير و تألب الأحزاب و نرى في الأفق خيوط الشمس تتسلل الهوينى و تتجمع فتكون فجرا صادقا يمزق حجب الظلام… فننهض ساخرين من محاولات نظام بائس و جائر في تكسير إرادتنا… مدركين أن درب الجهاد بين و أن المجاهد الصادق أحد اثنين لا ثالث لهما: » فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر » لكنه لن يكون بحال من المبدلين و من المغيرين…إن وفاءنا لشهدائنا و وفاءنا لسجنائنا لن يسمح لنا أبدا أن نقول للمخطئ أصبت أو للظالم عدلت أو للمسيء أحسنت… أما إذا لم يكن من خيار إلا بين الهروب إلى الأمام أو الهروب إلى الخلف فليكن هروبي إلى الأمام، أما النكوص و الركون إلى الظلمة فدونه النفس و النفيس لا انتصارا لنفس نالها من العذاب و الاضطهاد ما نالها لكن انتصارا لدين تحارب شعائره و تدنس مقدساته و انتصارا لمجتمع مسخت هويته و انتصارا لقيم الإنسان المكرم عند ربه و انتصارا لحقوق المواطنة… و لسان الحال يجيب سيدا في شدوه: نعم هناك أخي من يواسي الجراح و هناك من يرفع الراية من جديد… و لا يسع المرء إلا أن يترحم على أرواح إخواننا الذين سبقونا الشيوخ الأجلة محمد صالح النيفر و عبدالقادر سلامة و محمد الإخوة و عبدالرحمان خليف و أخواننا الذين تعلمنا منهم آداب الالتقاء و آداب الاختلاف علي نوير و سحنون و رضا الخميري و عبدالوهاب بوصاع و الحبيب الردادي و كل شهدائنا الذين ارتفعوا إلى ربهم أو الذين ينتظرون…. فســــــــــلام عليهم في عليين…. و ســــلام عليكم فقد كتب ربكم على نفسه الرحمة….. عبدالله الــــــــــزواري abzouari@yahoo.fr (المصدر: المنتدي الكتابي لموقع الحوار.نت بتاريخ 9 جوان 2007) الرابط: http://www.alhiwar.net/vb/showthread.php?t=9626


الجامعة التونسية ..إلى أين؟

 

    كتب السيد أبو يعرب المرزوقي مقالين للرد على مقال رجاء بن سلامة المعنون  » للذكر مثل حظ الأنثيين جرح التفضيل الإلهي ».  قدمت صحيفة  » تونس نيوز » الكاتب في مقاله الأول بعبارات  » البروفيسور أبو يعرب… أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية » وقدمته صحيفة « القدس العربي » في مقاله الثاني بالعبارات:  » باحث وأكاديمي تونسي متخصص في الفلسفة ». وهذا يوحي بالطبع بعظمة المهمة التي سيقوم بها الكاتب عبر المقالين!

   لست أنوي مناقشة الأستاذ أبو يعرب حول كل ما أضافه من ردود وما صنفه من كلام حول مقال رجاء بن سلامة فيكفيني ما كنتُ كتبتُه تحت عنوان  » مع من المشكلة؟ مع القرآن أم مع الفقه الأصولي؟ »تعقيبا على مقالات الرد السابقة والمنشورة في صحيفة « تونس نيوز ». إنما أريد في هذا المقال أن أستعرض عينات من أقوال البروفيسور أمام القارئ الكريم لعله يستنتج من معانيها وإيحاءاتها حقيقة الوضع في جامعتنا التونسية أو جانبا من جوانب نشاط وإنتاج أحد أساتذها.

 

    أبدأ باستعراض اتهامات صاغها أبو يعرب بخصوص عدد من زملائه في الجامعة التونسية: 

  » …أشير إلى مأساة-ملهاة ركحها أقسام العربية في الجامعة التونسية. فعلوم العربية التي هي أسمى علوم الأمة ماتت وعوضها شبه من التفلسف مربع قل أن تجد له مثيلا في الجامعات التي جعلها النقد الذاتي تتحرر من سلطان الدجل: فبعض المختصين فيها أصبحوا فلاسفة تاريخ. وبعضهم أضحوا فلاسفة حضارة.  وبعضهم أمسوا فلاسفة نقد. وهم جميعا باتوا فلاسفة تشريع. ولم يبق أحد في أقسام العربية مختصا في علوم العربية إذا أضفنا إلى هذا الرابوع الرطن بما يسمى اللسانيات بين قوم لا يكاد أغلبهم يجيد اللسان العربي حتى وإن صندق قواعده فضلا عن غياب تعدد

الألسن الضروري لمثل هذه المهام. ووهم تفسير التشريع الإسلامي بأسباب النزول بدأها زعيم فلسفة التاريخ رغم كونه ينتسب إلى اختصاص العربية وتابعها زعيم فلسفة الحضارة رغم نفس الانتساب وأتمتها زعيمة فلسفة النقد رغم نفس الانتساب فصار عندهم الكلام في الفلسفة جزافا دون حساب: إذ كلهم يشتركون في جرأة التطفل على ما ليسوا مطالبين بعلمه جرأة لا يساويها إلا الجرأة على إهمال ما هم مطالبون بعلمه. فهل الآداب العربية تعد إلى فلسفة التاريخ وفلسفة الحضارة وفلسفة النقد إعدادا يؤهل أصحابها إلى الخوض في فلسفة التأويل والشرائع والأديان خوض العلماء؟ »

 

   يلاحظ القارئ بسهولة حجم الاتهامات لأساتذة لم يذكر أسماءهم. ولكن ليته فعل فيجبرون على الرد والدفاع عن النفس.

   لو ذكر أسماءهم لقام الحوار بين الجميع فنتمكن من فهم ما يعنيه البروفيسور بعبارة  » علوم الأمة » أو عبارة « أسمى علوم الأمة ». فما تختص به أمة ما يعد من مكونات الثقافة ولا يعد علما، ولا يسمو أي واحد من العلوم على البقية فلكل علم مجاله الخاص وميزته الخاصة.

   لو ذكر أسماءهم لأجبروا على الكلام فعرفنا من منهم لم يكتف بحقه في التعبير والكتابة والنقد بل تطاول على حقوق البروفيسور فدرّس الفلسفة أو صاغ موضوع الامتحان في قسم الفلسفة نيابة عنه…

   يبدو بوضوح أن البروفيسور يكيل الاتهامات والإهانات لزملائه لكي يمتنعوا عن « الخوض في فلسفة التأويل والشرائع والأديان » ولكي يتركوا الخوض والتعبير للسادة « العلماء » الذين يعنيهم ( ربما يوسف القرضاوي أو سيد قطب أو الشيخ ابن باز…)

 

جاء في المقال الأول للبروفيسور ما يلي:

 » إنهم( الحداثيون) يقدمون أنفسهم على أنهم تحرروا من سلطان الكهنوت الزائف باسم إله وهمي حسب رأيهم بسلطان كهنوت أكثر زيفي باسم إله هو عين التزييف: العقل الذي لا يمتاز عن الرأي وعبادة الهوى إلا بالادعاء. »

 

   هكذا العقل هو « عين التزييف » حسب كلام أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية. لكن الفلسفة، حسب علمي، لم تدعي لنفسها مرجعية غير العقل والبحث العقلاني.

   هكذا صارت المؤسسة الجامعية، التي هي نتاج الحداثة، قلعة للبروفيسور أستاذ الفلسفة الذي يتهكم عن الحداثة والحداثيين متهما عملية التحرر من الكهنوت الديني بأنها إقامة لسلطان كهنوت جديد  » باسم إله هو عين التزييف: العقل الذي لا يمتاز عن الرأي وعبادة الهوى إلا بالادعاء. »

  أنا أسأل غرماء البروفيسور في الجامعة التونسية عن معاني كلامه هذا. بل أسأل كل مثقفي الوطن عن مصير جامعة تتكلم الفلسفة فيها بلغة الأصوليين، وعن مصير بلد تتهاوى جامعاته بهذا الشكل؟

  وللبروفسور باقة من العبارات المماثلة حول الحداثة والحداثيين نشرها بين أسطر مقاليه سابقي الذكر:

 

  » تسليما بما بات موجودا في مجتمع الفكر التحديثي فكر الأغنياء الجدد »  

« وكان على حداثيينا العجلين أن يسألوا السؤال الذي يلهيهم عنه هوسهم العلماني بالعاجل والفاني »

«  …فتزيل النسيج الاجتماعي عامة سواء كان وطنيا أو دوليا ويصبح الجميع أرقاما في آلة جهنمية هي بالذات مجتمع الحداثة »

« إن الآلية العمياء لفكر التحديثيين الذين فقدوا كل ذوق جعلت المساواة الرياضية العمياء أو الرقمية التامة مثال المنزلة الوجودية مثالها الأعلى. وكان ينبغي عندئذ أن يعترفوا بأنهم لا يعترفون إلا بنوع واحد من المنازل: منازل الأرقام اللااسمية في سوق السوقة أعني البضاعة التي يحدد منزلتها السوقية عرض المتسوقة وطلبهم. »

«  وخاصة في المجتمعات الأليغارشية كالتي يحلم بها حداثيونا ويسمونها ديموقراطية »

«  لا تعدو أن تكون تفسيرا للتاريخ الكبير بالتاريخ الحقير: لذلك ترى كل الحداثيين يسترقون السمح لما يجري في بلاطات بلادهم لتفسير التاريخ بمقاسهم ماضيه كحاضره وجليله كذليله.  »  » إنهم ( الحداثيون العرب) يقدمون أنفسهم على أنهم تحرروا من سلطان الكهنوت الزائف باسم إله وهمي حسب رأيهم بسلطان كهنوت أكثر زيفي باسم إله هو عين التزييف: العقل الذي لا يمتاز عن الرأي وعبادة الهوى إلا بالادعاء. أما خصومهم فيجمعون بين الشرعيتين: شرعية ما تؤمن به أغلبية الجماعة وشرعية ما تريده الجماعة شرعا لها لو استفتيت في تشريعاتها. لذلك فإنه لم يبق لهؤلاء غير شرعية الاستبداد الذين هم حلفاؤه موضوعيا وذاتيا مع « رفاه » المعارضة الصالونية التي لم تعد تنطلي على أحد وخاصة منذ أن تبين للجميع حلف أغلبهم مع رأس الطاغوت الروحي (إسرائيل أو/والفاتيكان) والمادي (فرنسا أو/والولايات المتحدة) في الحرب على حصانة الأمة الروحية بالعمالة الفاقدة لكل روح والعابثة بكل القيم باسم عقلانية قاصرة على أدنى شروط علوم العقل والنقل. »

 

  هذه هي الألفاظ التي يعبر بها البروفيسور عن علاقته بالحداثة والحداثيين قدمتها للقارئ الكريم عله يتخيل المصير الحاصل واللاحق لجامعتنا ووطننا.

 

   يقذف البروفيسور كل هذه الألفاظ الغليظة في وجه الكاتبة والحداثيين وقسم العربية بالجامعة التونسية  بتعلة الدفاع عن اختصاص قسم الفلسفة وتحت اليافطات التي ترفعها كل من صحيفة « تونس نيوز »: « البروفيسور أبو يعرب أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية » وصحيفة  » القدس العربي »: «  باحث وأكاديمي تونسي متخصص في الفلسفة ». لكنه في كل من مقاليْه إنما يقوم بدور رجل الدين الأصولي الذي لم يقبل العبارة التي وردت في مقال السيدة رجاء (جرح التفضيل الإلهي).

   هل تستلزم « جريمة » النطق بهذه العبارة كل ما أصدره المرزوقي من غليظ الكلام حول كاتبة المقال وحول الحداثة والحداثيين؟

 

   تعددت الأديان وتعددت الآلهة منذ القدم في الثقافة البشرية، ثم تعددت التعريفات والصور داخل الدين الواحد لإلهه الخاص، فإله الإسلام في نظر المعتزلة يختلف عن صورته في نظر وفقه الأشعري أو ابن تيمية أو محمد بن عبد الوهاب… فلا بد لنا، عند الحديث عن « منزلة المرأة الوجودية في الإسلام » للرد على مقولة « التفضيل الإلهي »، من التمييز بين مفاهيم مختلفة في الإسلام. لا بد أن نوضح طبيعة مجال البحث: هل هو الإسلام الشعبوي السائد ( وهذا ما عنته الأستاذة حسب رأيي) المتمثل بالسلوكيات والقناعات الملتصقة بالإنسان المسلم والناتجة عن الإرث التاريخي والمحتويين التعليمي والإعلامي أم إسلام آخر: « أصلي » أو « نظري »؟

   يقع الفصل بين الحلال والحرام والفصل بين المعروف والمنكر.. يقع التصرف في شؤون الناس وحتى التصرف في أملاكهم وحياتهم حسب الإسلام الشعبوي ويقع اللجوء إلى مفهوم « الإسلام الأصلي » للدفاع ،عند الحاجة،عن الإسلام من إسلامه الشعبوي: فعندما دمرت القلعتان قال بوش وكل حكام المسلمين: إن الإسلام بريء.. هناك إسلام  » أصلي  » لا يسمح بالإرهاب؛ وعندما تتكلم رجاء بن سلامة حول جرح التفضيل بين المرأة والرجل يحدثنا البروفيسور بنفس الأسلوب عن براءة الإسلام ويقدم لنا وقتها حديثا مطولا عن المنزلة الوجودية للمرأة في الإسلام الأصلي أو الإسلام النظري الذي لم يقدم لنا عرضا أو تحديدا لمراجعه و مقولاته الأصلية.

  يريد البروفيسور بحديثه عن المنزلة الوجودية للمرأة في القرآن إثبات خطأ القول بالتفضيل الإلهي للرجل على المرأة معتمدا على « علم كلام » أو » تصنيف كلام » جديد أوصله إلى القول بأن النص القرآني يقول بالعكس تماما أي أنه يقول بأن منزلة المرأة الوجودية أعلى من منزلة الرجل.

  حسْبنا هنا أن نستعمل نفس منهجية البروفيسور حيث يلتجئ  إلى فكرة الإستفتاء الشعبي، للفصل في خلافه مع الحداثيين حول قضية الإرث حين قال:  » وحتى يتأكد من الحداثة الكاذبة في فكر الحداثيين العرب يكفي أن تسأل عن طبيعة الشرعية التي يستند إليها التشريع الوضعي الذي يريدون. فمن المفروض أن يكون البديل الوحيد من شرعية التشريع الذي تقول به أخلاق الجماعة التي ينتسبون إليها الشرعية الديموقراطية أعني إرادة الجماعة التي يريدون أن يفرضوا عليها آراءهم التشريعية. فهل يقبلون مثلا أن يعرض مقترحهم بالحد من حرية المالك في الوصية إلى غاية تتحقق فيها المساواة بين المرأة والرجل في الإرث على الاستفتاء الشعبي؟

    حسبنا إذا أن نعرض قضية التفضيل الإلهي على الاستفتاء الشعبي وسنرى أن الشعب يفهم القرآن والإسلام بأنهما يفضلان الرجل على المرأة وليس العكس، سنرى بوضوح كامل كيف أن  » التفضيل الإلهي للرجل على المرأة  » حقيقة مفهومية تحتل المكان والزمان في عالمنا الإسلامي وتجرح النساء والحداثيين وكل المسلمين الخيرين الذين يريدون إصلاح دينهم ولا يجدون الوسيلة لذلك في عالم تحالف فيه الدولار مع نفط الخليج على نشر الفكر الوهابي بصفة خاصة والفكر الأصولي بصفة أعم.

   يتوصل البروفيسور حسب تأويله للنص القرآني إلى القول بأن منزلة المرأة في القرآن أعلى من منزلة الرجل. فما الذي كان يحدث لو قالت رجاء بن سلامة أو أي مواطن عادي نفس قولة البروفيسور هذه؟

    لو قال  أي مفكر أو مواطن نفس الكلام لغاية البحث الموضوعي والجدي لانهالت عليه تهم التكذيب والتكفير من كل أبواق الإعلام الأصولية، لكن تلك الأبواق التي سكتت هذه المرة تعرف جيدا أن البروفيسور يمزح، وتعرف أيضا أن ما قدمه من تأويل لا غاية له سوى الإساءة إلى صاحبة المقال وإرهابها لإثنائها عن مواصلة الكتابة.

   يقول السيد أبو يعرب المرزوقي في تأويله للنص القرآني حول القوامة ما يلي:

   » فإذا لم تفهم القوامة بمعنى السلطان-وهو احد الفهوم لكنه هو الذي طغى- بل فهمت بمعنى الرعاية بات المفضل في هذه الحالة هم النساء لأن القيم يكون في خدمة ما هو قيم عليه. فيكون الرجال قيمين على النساء لأنهن أفضل ومن هذه القوامة الإنفاق. »

   هكذا يلغي البروفيسور الفهم والتأويل « الذي طغى » في الفكر الإسلامي لخمسة عشر قرنا في مسألة المبدأ أو  » المنزلة الوجودية » أي منزلة المرأة في القرآن ولا يقدر على إعادة التفكير في الفروع من مثل نصاب الأخ وأخته في التركة.

   حين يتكلم السيد المرزوقي باسم الفلسفة حول رعاية أحد الزوجين للآخر ينبغي أن يحتسب كل أشكال الرعاية: فشؤون البيت وأشغال الفلاحة ورعي الأغنام وكل الأشغال التي تقوم بها المرأة منذ جاهلية العرب إلى يومنا هذا بدون أجر.. لا تقل قيمة أو قداسة على دراهم الزوج التي ينفقها على عياله. لقد كانت تلك الأشغال ولا تزال في العديد من بلاد الإسلام المتخلفة تفرض على الأنثى كشكل من أشكال السخرة ( عمل العبيد: قهرا وبدون أجر) حيث تجبر الزوجة أو الأخت أو البنت على القيام بها بدون أي مقابل من الأجر أو الاحترام.

   ويقول البروفيسور أيضا في دعمه لنظريته الجديدة:  » ولما كان المعتقد السائد عندئذ أن المرأة خلقت بعد الرجل وهي منه حتى لو صدقنا أنها من ضلع فقط فإن معنى كون الرجل مادة صنعت منه المرأة يجعله في نسبة المادة إلى الصورة فيكون بالقياس إليها أقل تطور في سلم التصوير الوجودي أعني دونها منزلة وجودية « 

   يلاحظ القارئ هنا بسهولة كيف أن البروفيسور صار يعتمد على « المعتقد السائد » للتدليل على منزلة المرأة في القرآن.. بل هو يختار من القصة المروية في المعتقد السائد كون المرأة خلقت من الرجل ويشكك في كونها خلقت  » من ضلع فقط  » ويتناسى عبارة  » ضلع أعوج « .

  ما نسي البروفيسور حسبانه أيضا هو دور الإرادة الإلهية في عملية خلق المرأة حسب المنطق الديني عامة والمنطق الإسلامي بصفة خاصة. فهل تتقيد الإرادة الإلهية، في المنطق الإسلامي حسب نظره ، بقواعد التراتب بين المادة والصورة؟ هل هي مجبرة على خلق الأفضل منزلة من الأقل أفضلية؟ هل ظهور المرأة بعد آدم حصل بحسب ناموس الطبيعة و قوانينها التي نلاحظها اليوم عبر علوم البيولوجيا وتكنولوجيا صناعة السيارات…أم أنه حصل بإرادة إلهية محضة تأذن للسماء « أن تقع على الأرض » و تأمر الشمس فتسير من المغرب نحو المشرق (من صحيح مسلم) وتقول للشيء كن فيكون…؟

 

  يبذل البروفيسور كل الجهد للإساءة إلى الكاتبة بسبب عبارة « جرح التفضيل الإلهي بين المرأة والرجل لكنه يذكرنا في نفس مقاله بجرح  » تفضيلي » آخر لا يقل إيلاما، فقد جاء في مقال البروفيسور ما يلي:

   » فالتفضيل الوارد في القرآن له خمسة معان: 1- تفضيل آدم وبنيه على الملائكة باستخلافهم 2- وتفضيل بني إسرائيل على العالمين باصطفاء الكثير من الأنبياء منهم قبل نقض العهد 3- وتفضيل المؤمنين على الكفار بتوريثهم الأرض. وقبل هذه الثلاثة الصريحة نجد تفضيلين مضمرين هما: 4- تفضيل الوجود على العدم قبل النشأة الأولى 5- ونجد بعدها تفضيل البعث على العدم بعد النشأة الثانية. »

 

  » كل هذه الضروب من التفضيل معللة  » حسب تعبير الكاتب وهو ما يعني أن تفضيل المؤمن على غير المؤمن ( من يعنيهم بعبارة الكفار) ليس شأنا دينيا محضا أو نصا قرآنيا يمكن فهمه مقاصديا وربط صلوحيته بالمكان والزمان أو الحدث،  بل هو تفضيل معلل حسب رأي أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية ينبغي استمراره وقبوله بمنطق الفلسفة والعقل أيضا!. إن إيماننا بحرية المعتقد يجعلنا نرفض كل ذرة أو شكل من أشكال التفضيل لصالح  المؤمن أو لفائدة غير المؤمن، وقد يحملنا هذا الموقف إلى الاعتقاد بأن ما جاء في النص القرآني ناطقا بالتفضيل إنما كان جوابا خاصا لظرف خاص.

 

  يواصل الكاتب توضيح علة التفضيل بين المؤمن وغير المؤمن بالكلام التالي:

   » وخاصة في المجتمعات الأليغارشية كالتي يحلم بها حداثيونا ويسمونها ديموقراطية: يصعب أن يفهموا التشريع المعد لمجتمع ذي قيم ارستوقراطية تشمل الجميع مجتمع للفضيلة فيه معنى وبها تحدد المنازل لأن معيارها التقوى في التعارف وليس التقية في التناكر. »

  يفهم القارئ بسهولة حديث البروفيسور حول  » مجتمع ذي قيم ارستوقراطية ( بمعنى قيم راقية عليا) تشمل الجميع مجتمع للفضيلة فيه معنى وبها تحدد المنازل لأن معيارها التقوى في التعارف  » فهو يتحدث عن المجتمع المثال بالنسبة له.

  ما هي الفضيلة في نظر الكاتب؟ الجواب واضح حسب كلامه: فهي التي يكون « معيارها التقوى ». وما هي التقوى في نظره؟ لا تشبه التقوى في نظر الكاتب تلك التقوى التي تحدث عنها الفيلسوف سبينوزا والتي تعني فعل الخير مع الجار، وليست تلك التي تحدث عنها السيد المسيح وتعيش بها كل الشعوب المتقدمة في سلم ونماء متواصل حين قال: اليوم انتهى وقت العبادات وحان وقت فعل الخير، وليست تلك المعنية بالحديث النبوي القائل بأن المسلم هو من سلم الناس من يده ولسانه، بل تعني التقوى عنده كل ما أصدره من الكلام الغليظ في حق الكاتبة وحق زملائه في الجامعة وحق كل الحداثيين.

  سألت ذات مرة، ضمن تخميناتي حول مفهوم التقوى في الإسلام، أحد خريجي جامع الزيتونة عن  « الأركان الخمسة للإسلام »: هل يعوض القيام بها أو يغني المؤمن عن الالتزام بقيم المساواة والحرية والصدق والإخلاص ومحبة الآخرين وفعل الخير مع الجار؟ فلم يجبني بما يقنع. اليوم أتوجه إلى الجامعة التونسية لطرح نفس السؤال. لن أطرحه على فلاسفة التاريخ أو فلاسفة الحضارة أو فلاسفة النقد بالجامعة قبل طرحه على البروفيسور الذي يتفوق عليهم جميعا بما له من الكلام الغليظ حول كفاءاتهم.

   أسأله إذا عن عملية تغليب العبادات على القيم هل هي من الإسلام الأصلي أو من إسلام التقليد؟ 

   ثم أسأله عن دور تلك العملية في تغليب الإسلام الطقوسي أو إسلام العبادات على إسلام الفضيلة والقيم الإنسانية  وفي تغليب الإسلام الأصولي وفرقه الإرهابية على محاولات الإصلاح الديني والبناء الحضاري بصفة عامة.

  أليس من حقنا أن نسأله حول قضية الطقوس والأركان هذه قبل أن ندخل في الحديث عن المزيد من الإشكاليات الفكرية واللاهوتية من مثل الفصل بين اعتبار شكل اقتسام الإرث: فريضة هو أم عبادة؟

  أليس من حقنا أيضا أن نسأله عن عبارة  » استبدال النساء » التي كرر استعمالها عديد المرات، هل أنه لم يجد عبارة ألطف منها أو أستر ؟ وهل هي من التاريخ وعائدة إليه أم أنها ركن في بناء فلسفي أو طائفي يريد له البقاء والدوام؟

 

  حين تهكم رجل الدين على شارل داروين بالقول: يا حفيد القرد، أجابه داروين بالقول يا حفيد رجل الدين. رد داروين يدلنا بطبيعة الحال عن الموقع والنظرة التي صارت له حول رجال الدين بعد أبحاثه ومعاناته؛ ولكنه يدلنا أيضا على أن الحجة أو البرهان العلمي المنطقي كانت وستبقى جنسا مختلفا عن الحجة أو العلة الدينية.

  ليس جديدا ما يحدث من الصراع بين هذين الصنفين. تريد الحجة العقلية والبرهان العلمي أن يكونا أداة لفهم الكون وفهم الدين ذاته بكل ألفاظه وبكل ما كسب ويكسب من علاقات بالكائن البشري، وتريد الحجة والعلة الدينية أن تكونا رقيبا وسلطانا أعلى فوق كل النشاط الفكري والعلمي للبشر.

  ما الذي يحدث حين يخلط البروفيسور بين هذين الجنسين؟

  يقدم لنا الكاتب أحد أمثلة الخلط في كلامه التالي:  » وتفضيل بني إسرائيل على العالمين باصطفاء الكثير من الأنبياء منهم قبل نقض العهد… »

  يقدم البروفيسور عملية اختيار الأنبياء من وسط بني إسرائيل على أنها علة التفضيل الإلهي لهم على بقية الأقوام، في حين أنها تمثل تفضيلا أصليا: فهو فضل بني إسرائيل بأن اختار الأنبياء من بينهم ثم فضلهم لكون الأنبياء من بينهم. ما أسماه علة تفضيل بني إسرائيل هو ذاته تفضيل لهم أو « جرح تفضيل » أصلي، حسب عبارة رجاء بن سلامة. فكيف يبرر تفضيل بتفضيل أو جرح بجرح؟

   هذا ما يستنتج من كلام البروفيسور لكنه قد يجيب بأن الله اختار الأنبياء من بني إسرائيل لأنه وجد فيهم الرجال الحكماء والفضلاء الذين يصلحون للنبوة. بل لا أظنه يتخذ هذا القول علة لاختيار الأنبياء من بني إسرائيل لأنه يرفض التفسير التاريخي للنص الديني ويعتبر التفسير بأسباب النزول وهما:  » ووهم تفسير التشريع الإسلامي بأسباب النزول بدأها زعيم فلسفة التاريخ رغم كونه ينتسب إلى اختصاص العربية… »

   لو كان الله اختار موسى أو إسحاق لأن الفضيلة وجدت في هذا الرجل من بني إسرائيل فإنه يكون في اختياره هذا قد استجاب أو تناسقت إرادته مع الحدث التاريخي المتمثل بوجود الرجل الأكثر فضيلة داخل بني إسرائيل. ولا أحسب أن البروفيسور الذي يرفض دور أسباب النزول ( التي هي أحداث ووقائع من التاريخ) في فهم أو تفسير التشريع الإسلامي سيقبل بهكذا تأويل.

   وقصة « نقض العهد » في كلام البروفيسور توضح أيضا نزوعه إلى تفسير السلوك الإلهي بالحدث التاريخي. فالتفضيل الإلهي لبني إسرائيل في هاته القصة ينتهي وينقطع بسبب تاريخي هو نقضهم للعهد.

  أليس البحث عن العلة خلف التفضيل الإلهي أو خلف السلوك الإلهي بصفة أعم هو عين التفسير التاريخي؟

  تقول الآية  » وإذا أرادنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا  » أي علة يمكن أن يجدها البروفيسور لإرادة التدمير هذه في النص القرآني ؟ أم أنه يمزح هنا أيضا في حين أنه يعرف أن الفكر الديني يرفض أي تعليل للإرادة والشرع الإلهيين في آخر المطاف؟

 

  بحث البروفيسور عن العلة وراء التفضيل الإلهي لا يخفي طبيعة الثنائية المميزة لخطابه. فهو يعطي تعليلا للنص الديني وشرائعه باسم العقل وسنده التاريخي من جهة ويرفض في نفس الوقت أي حياد عنها وأي تأويل عقلاني للنص من الجهة الأخرى. إنه يوهمك في تأويله للنص الديني بأن غايته من كتابة مقاله هي حماية العمران البشري ودفع نمائه، لكنه في واقع الأمر يرفض مكتسبات العمران الحاصلة في عصرنا: فهو يرفض المساواة بين المؤمن وغير المؤمن ويرفض المساواة بين الأخ وأخته في الميراث ويرفض التفسير العلمي – التاريخي للنص الديني…

   ألا يعلم البروفيسور أن من رفضوا هذه المكتسبات لم يشيدوا عمرانا في أفغانستان أو السودان أو حتى في باكستان، بل إيران نفسه ملآن بمتفجرات الحقد الطائفي وألغام التمرد على الاضطهاد الديني والعرقي… لعله يعلم أن ما يحدث في العراق ليس من إنتاج الحداثة والحداثيين.. لعله يعلم أن نمو العمران في هذا البلد هو آخر ما قد يفكر فيه زعماء الطوائف الإسلامية ممن يتمسكون بتطبيق الشريعة أكثر من تمسكهم باحترام حياة الإنسان وحقوقه… لعله يعلم أن فتوى إرضاع الموظفة لزميلها في العمل مثل فتاوى الحجب والحجاب، مهما كانت علاقتها بمقاصد الدين الإسلامي وتأويلات نصوصه، تظهر بوضوح أن البناء العمراني هو آخر ما يعني زعماء الأصولية ومؤسساتها (ومنها جامعة الأزهر) بعد التطبيق الحرفي لنصوص السنة والظاهر من نصوص القرآن وبعد توظيفهما من أجل إرجاع المرأة إلى البيت وحرمان الوطن من كفاءات وطاقات نصف أبناءه…

 

  إن مشاريع « العمران » الطالبانية والزرقاوية هي التي تتحقق بخطاب الحقد الديني وخطاب السباب والشتم الرخيص الذي فاض عن مؤسسات الصحافة وإعلام فضائيات البترو- دولار إلى كتابات أساتذة في الجامعة التونسية يقول البعض منهم:  

« إن الآلية العمياء لفكر التحديثيين الذين فقدوا كل ذوق جعلت المساواة الرياضية العمياء أو الرقمية التامة مثال المنزلة الوجودية مثالها الأعلي. وكان ينبغي عندئذ أن يعترفوا بأنهم لا يعترفون إلا بنوع واحد من المنازل: منازل الأرقام اللااسمية في سوق السوقة أعني البضاعة التي يحدد منزلتها السوقية عرض المتسوقة وطلبهم. »

  بل يقول البروفيسور أكثر من ذلك حين يقتبس لغة التخوين عن صحافيي قناة الجزيرة وجريدة « القدس العربي » وغيرها من أبواق البترو- دولار في قطرستان ولندنستان.. :    

 » لذلك فإنه لم يبق لهؤلاء (الحداثيين العرب) غير شرعية الاستبداد الذين هم حلفاؤه موضوعيا وذاتيا مع « رفاه » المعارضة الصالونية التي لم تعد تنطلي على أحد وخاصة منذ أن تبين للجميع حلف أغلبهم مع رأس الطاغوت الروحي (إسرائيل أو/والفاتيكان) والمادي (فرنسا أو/والولايات المتحدة) في الحرب على حصانة الأمة الروحية بالعمالة الفاقدة لكل روح والعابثة بكل القيم باسم عقلانية قاصرة على أدنى شروط علوم العقل والنقل. »

   إلى أين تمضي الجامعة التونسية بعد هذا الكلام للبروفيسور الأستاذ الباحث الأكاديمي في الفلسفة؟ هل ستتمسك بالحداثة والبحث العلمي والعقلاني بالمقاييس الكونية أم ستترك كل ذلك لكي تصبح كتابا أو روحستانا هي أيضا؟

زهير الشرفي – تونس- 5-6-2007

 

 

أي قيادات سياسية تحتاجها الأمة؟

  

 
                      منصف المرزوقي (*) لا شيء يسترعي الانتباه في الانتخابات التشريعية الجزائرية التي تمت منتصف مايو/ أيار الجاري, ما شاهدناه هو تعددية مزيفة من أساسها.. افتعال الإدارة الحياد التام.. انتصار أنصار السلطة التنفيذية.. تقاسم الغنائم بين أحزاب بيت الطاعة.. عزوف الناخبين كآخر سلاح بين أيديهم للاحتجاج على لعبة يسخر فيها من ذكائهم ومن كرامتهم، بغضّ النظر عن التعدي على مصالحهم. كل هذا كان متوقعا وجرى حسب السيناريو المبتذل الذي أصبح سمة من سمات النظام السياسي العربي، ولم يعد فيه ما يفاجئنا أو نتعلم منه. هل نحن متأكدون من هذا؟ ثمة ظاهرة بالغة الأهمية وراء كل هذا الابتذال انتبهت لها سليمة غزالي في مقال نشرته يوم 18 مايو/ أيار بصحيفة ليبراسيون الفرنسية، هي طبيعة المتنافسين على مقاعد البرلمان. فأغلبهم خاضوا معركة التعيين الحقيقية قبل توجّه أول جزائري نحو مركز الاقتراع، هم تقاتلوا لتوجد أسماؤهم في القوائم القابلة للنصر. ويبدو أن فيهم من دفع كثيرا للحصول على دائرة انتخابية مضمونة، وأن هناك من غيّر ولاءه منتقلا من حزب لآخر حسب قوانين العرض والطلب. هؤلاء الناس هم الذين سيراقبون مصاريف الدولة، ويسنون القوانين الضامنة للحقوق ومنها قوانين العقاب على التزييف وانتحال الصفة. ربما يلاحظ البعض أننا نعطي قيمة زائدة لهؤلاء الناس على اعتبار أن دورهم شكلي. خطأ، فهم عيّنة من نموذج عام طبع الكثير من الفاعلين داخل الجهاز التنفيذي والمخابرات وفي السلك القضائي وحتى داخل منظمات المجتمع المدني، أي نموذج الفاعل السياسي الانتهازي المزيف الفاسد. ما لم تركّز عليه الصحفية وما أريد لفت الانتباه إليه هو مكان هؤلاء في تاريخ النظام السياسي العربي، حيث هم الحلقة الثالثة في سلسلة الفاعلين الفاسدين المفسدين, هذا الجيل إذا لم يكن الأخير فإن إمكانيات نهوض هذه الأمة في هذا القرن الحالي ستصبح شبه معدومة. إن البرلمانيين الجزائريين الذين وقع تعيينهم أخيرا هم عينة لا أكثر من هذا الجيل الثالث، مما يعني بالطبع هذا أن هناك جيلا أول وجيلا ثانيا. الأول هو جيل الآباء المؤسسين الذين وضعوا أسس الدولة العربية المعاصرة في بداية الخمسينيات والستينيات على قواعد عبادة الشخصية وسيطرة الحزب الواحد والمراقبة الاجتماعية والحكم بالخوف، وأبرزهم جمال عبد الناصر وبومدين وبورقيبة. كأني أسمع صراخ الاحتجاج: كيف يمكن اتهام هؤلاء القادة العظام والذين لا ننكر لا نزاهتهم ولا نضاليتهم– بالفساد، والحال أن أهمّ خاصية تميزهم عن الذين يتحكمون اليوم برقابنا هو نظافة اليد؟ قد يكون هذا الاعتراض فرصة لتوسيع المفهوم، حيث إن فساد الشيء يعني في اللغة عدم أهليته أو عدم صلاحيته لوظيفته وليس ملتصقا بالضرورة بالرشوة والعمولات. من هذا المنظور يمكن القول إن الآباء المؤسسين، وإن لم يعرفوا قذارة نهب أموال شعوب فقيرة ليضعوها في بنوك الخارج، فإنهم هم الذين يتحملون مسؤولية هذه الظاهرة المخزية لأنهم هم الذين وفروا لها كل شروطها. فعندما وظفوا القضاء ومنعوا الصحافة الحرة وتصدوا لتكوين الجمعيات المستقلة، منعوا بروز الآليات الوحيدة التي كان بمقدورها ردع المجرمين. وسواء كانت خياراتهم المشؤومة نتيجة هيمنة نظام الحزب الواحد في العالم الثالث والكتلة الشيوعية في عصرهم، أو نتيجة أمراضهم الشخصية، أو عن قناعة بأن النظام « القوي » هو أقصر طريق للتقدم ولرفعة الوطن، فإن عواقب هذه الخيارات السلبية طغت على كل الإيجابيات المفترضة، ومن أهم هذه السلبيات تربية الجيل الثاني من القادة الفاسدين المفسدين. هذا الجيل هو جيل أغلبية القادة العرب المتمسكين بكراسيهم بأظافرهم وأسنانهم، والذين خلقوا نظاما سياسيا نكاد نتميز به نحن العرب من بين كل الأمم باستثناء كوريا والكونغو (النظام الجملكي). وفي مستوى الجيل الثاني يكتسب الفساد كل معانيه من لا صلاحية طرق الحكم إلى تعفنها بالرشوة وتهريب أموال الشعب، واستغلال النفوذ لمصلحة العائلة والطائفة وعصابات الحق العام. الخاصية الأساسية لهؤلاء القادة أننا أمام أناس جد عاديين وأحيانا أقل من عاديين لم يلعبوا أي دور في ملحمة الاستقلال الأول، ولم يصلوا للأماكن التي وصلوا إليها بفضل خصالهم وإنما بفضل انعدام هذه الخصال. لنتذكر أن النظام الاستبدادي قائم برمته على عبادة شخصية الدكتاتور وأن هذا الأخير بحاجة إلى أعوان تنفيذ لا لشركاء، إنه لا يتحمل من يعارضه فما بالك بمن يهدد هيمنته المطلقة ومنها مصادرة كل الفضائل الشخصية. لا غرابة أن تنطلق حال وضع أسس النظام الاستبدادي تصفية كل الشخصيات القوية الحاملة لوظيفة النقد البناء والقادرة على لعب دور البديل في كبرى الأزمات. على العكس يقع تقريب وإعلاء كل من فهموا أن المطلوب هو الولاء وليس الكفاءة. هكذا تقع على امتداد السنوات عملية معاكسة لعملية النشوء والارتقاء في عالم الطبيعة، حيث يتم اصطفاء الأكثر طمعا وجبنا ونفاقا وانتهازية أي الأردأ على حساب الأشجع والأشرف والأكثر جدية ووطنية وكفاءة. تمتلئ شيئا فشيئا كل مراكز القرار بأناس لا يستمدون وجودهم لا من كفاءتهم ولا من تفويض شعبي وإنما من قدرتهم على تملق الزعيم الأوحد والتكيف بمزاجه وأهوائه. هذا هو جيل الفاعلين السياسيين الذي اصطفاه الآباء المؤسسين في بداية السبعينيات بعد أن « طهروا » الدولة من الداخل، وأغلقوا ساحة الفعل المجتمعي المستقلّ واضطهدوا كل القوى من داخل النظام ومن خارجه الوحيدة القادرة على إنقاذه. وبطبيعة الحال فإن مثل هذا الجيل لم يكن قادرا بحكم شدة شعوره بهشاشة شرعيته من خيار غير السير في النهج الذي أنتجه، بل والمراهنة على ملء كل دواليب القرار بمن يظهرون أكثر ولاء وأقل كفاءة مما أظهر حتى هو لمواصلة التمتع إلى آخر رمق بسلطة تم فك الارتباط كليا بينها وبين كل ما من شأنه حل مشاكل المجتمع. هؤلاء الناس لا يهمهم مصير أطفالنا، كلّ ما يعنيهم مصير أطفالهم. وهذا الجيل الثاني الذي سينتهي على أقصى تقدير في العشرية المقبلة بفعل عامل العمر، هو الذي ربى لنا جيلا أكثر شؤما سنتحمله ربما للعشريتين القادمتين . نحن إذن كشعوب عربية في وضعية شركة تقودها إدارتها للإفلاس، لكن عوضا أن تعوّض هذه الإدارة نراها تنقل صلاحياتها للصف الثاني من المسؤولين لمواصلة نفس السياسة, مما يؤدي إلى مزيد من الإفلاس, لكن الشعار دوما « وداوني بالتي هي الداء » حيث يتمخض جيل المسؤولين هذا عن جيل أردأ يوصل الشركة إلى الهاوية.. وليس للعمال وأصحاب رأس المال الحق إلا في الخضوع أو التمرّد. ثم بعد هذا تريدون لشعوبنا وللأمة مستقبلا.. كيف تسمونه ؟.. زاهرا. لنلخّص أهم خصائص النظام السياسي العربي الحالي عبر أجياله الثلاثة هذه: 1-هو نظام نزف كلّ ما فيه من شرعية وهيبة ومصداقية ومات في العقول والقلوب. 2-هو نظام مبني على منطلقات أساسية في قيادة المجتمعات وقع التخلي عنها في كل مكان تقريبا من سطح الأرض لاتضاح كلفتها الهائلة من الدم والدموع ولا فعالية لها في حل الأزمات. 3- هو نظام في قطيعة تامة مع المكونات الحية للمجتمع، وفي صراع دائم معها من منطلق أن أحسن ما في المجتمع لا يقبل أن يستبدّ به أسوأ ما فيه. 4-هو نظام يخلط بين العنف والقوة، يجهل أو يتجاهل أن قوة النظام السويدي في خلو الشوارع تقريبا من البوليس وضعف النظام العربي في كثرته فيها، حيث يبدو كجيش احتلال داخلي أصبحت مهمته حماية الجريمة المنظمة من المجتمع لا حماية المجتمع من الجريمة المنظمة. 5-هو نظام غير قادر لطبيعته على التجدد من داخله بل على العكس حيث تجبره هذه الطبيعة على التحول من سلطة الحزب إلى سلطة مراكز القوى فإلى سلطة العصابات. 6-هو نظام لا مخرج له غير الهرب إلى الأمام في ميادين التزييف والقمع وتوسيع دائرة الفساد لتصبح طبقة في حد ذاتها تدافع عن وجودها بكل الوسائل، وهو ما يرفع تدريجيا من منسوب العنف داخل المجتمع إلى حد الوصول به يوما إلى حالة الحرب الأهلية. هذه هي الحالة المعروفة وبتداعياتها الرهيبة المتوقعة. لنتساءل الآن عن طبيعة ومواصفات القيادات السياسية الجديدة التي تستطيع الارتفاع إلى مستوى التحديات المصيرية التي تتخبط فيها أمة لها ربما ماض، لكن يبدو أنه ليس لها مستقبل إذا تواصلت على المنوال الحالي. 1-القطع مع نموذج الجيل الأول على مستوى الذهنية والخيارات واعتبار الآباء المؤسسين أخطأوا عن حسن أو سوء نية، وعلى كل حال لا مجال لتكرير تجربتهم المبنية على الشخصانية وحكم المخابرات وقمع حركة المجتمع الذاتية أو اعتبار أن جغرافيا الوطن ليست مرسومة على جلد كل مواطن وأن الوطنية الحقيقية شيء مغاير للمواطنية. 2-القطع مع مفهوم الرجل العنيف، والنموذج هتلر وستالين وصدام، للارتباط بمفهوم الرجل القوي والنموذج شارل ديجول وتشرشل أو مانديلا. هؤلاء حقا رجال أقوياء خدموا بلدانهم بكل قواهم وبكل قوة ثم انسحبوا لعلمهم أنه لا يوجد شخص يفوق شعبا، وهؤلاء هم الذين كرمهم التاريخ. 3-القطع مع مفهوم هيبة الدولة وقوتها مرتبطة بعدد البوليس في الشوارع وشراسة المخابرات وربطها بالشرعية التي لا تمنحها إلا انتخابات حقيقية وتصرفات أخلاقية تثير الاحترام، وحكم مؤسسات غير مغشوشة وقانون ينطبق على الجميع. 4-القطع مع مفهوم الدولة كبعبع مهمته مراقبة مجتمع خطير وتوفير المتطلبات الدنيا له لكي يسلم قياده، بل اعتبار المجتمع هو مصدر السلطة والدولة أهم مؤسساته مهمتها السهر على شؤون معينة بالتعاون مع سائر المؤسسات المدنية الأخرى. 5- إرساء مبدأ الكفاءة فالكفاءة ثم الكفاءه في كل مراكز القرار. 6-إرساء مبدأ التقييم المستمر عبر الصحافة الحرة وصندوق الاقتراع والتداول السلمي على السلطة. لقائل أن يقول كفي أحلاما يا هذا. من أين سيخرج لنا مثل هؤلاء القادة، والجامعات والجوامع والجمعيات لا تعج إلا بنماذج تكرر بوعي وأغلب الوقت دون وعي النماذج التي قادتنا إلى التهلكة لأن الناس دوما على دين ملوكهم ؟ إنه من الغباء التعامل مع عالم هكذا ووضع هكذا بتفاؤل، لكن من الظلم التعامل معه بتشاؤم لما يزخر به من قوى تجدد وتعاف، لذلك أحسن موقف هو حسب تعبير إميل حبيبي التشاؤل. على كل حال، هذه الأمة موضوعة أمام خيار مصيري: إما أن تغير نظامها السياسي وإلا فإن بغداد وغزة مجرد عينات مما ينتظرنا في كل رقعة من الوطن العربي. كلنا نعرف أن الأمم لا تنتحر وإنها مسألة وقت قبل أن تستعيد توازنها. هذا النص مساهمة متواضعة في عملية استعادة التوازن وهي سبقتنا جميعا وستتواصل بعدنا. كل ما هنالك أن مزيدا من الوعي ومن تحمل المسؤولية من طرف كل عربي وعربية يمكن أن يسرع بها. (*) كاتب تونسي (المصدر: ركن « المعرفة » بركن الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 10 جوان 2007)
 

رسالة اللقـــاء رقم (19)

صيــحة فــزع :

أيـن المشــروع الإسـلامي التونسـي؟؟؟

 
د. خــالد الطراولي ktraouli@yahoo.fr عندما تتصفح هذه الأيام بعض المواقع التونسية المعارضة تلاحظ الكم الهائل من « الحوارات » والكتابات التي انهمرت حول موضوع المصالحة، وبعيدا عن الغث والسمين التي اصطحبها وهو شأن كل عمل إنساني لا يدعي الكمال، وبعيدا عن رؤيتي الخاصة في هذا الموضوع الذي ألزمت قلمي في عدم الدخول فيه مع احترامي للجميع، وللإشارة لبعض القراء الأعزاء فإن مبادرة المصالحة التي أعلنتها سنة  2003 والتي قام أحد المواقع العزيزة بإعادة نشرها هذه الأيام لم يكن بطلب مني، ولكن أصحاب الموقع رأوا ذلك لعله تذكير بها وإضافة تاريخية « للحوار »، وهم أحرار في ذلك بعدما تصبح الكتابة إذا خرجت إلى النور ملكا للعموم. إن المتتبع لهذه الموجة من الكتابات لا يسعه إلا أن يرى أن القلم الإسلامي التونسي قد شابه الضمور أو الضعف أو العدم، وهذا الاستنتاج ليس وليد اللحظة، ولكنه تأكيد متجدد على حالة مشروع ومسار يعيشان أزمة وجود وتواصل. حتى لا يرتهن الفكري بالحقوقي لكم ذكرت دائما وأعيده اليوم وأكرره للمرة الألف في إطار عام ومعذرة على الإزعاج، أن المشروع الإسلامي التونسي يعيش غيبة كبرى لم تنته، برّرناها غالبا بمواجهة محنة عاصفة ومقاومة مشروع ممنهج للتصفية وتجفيف المنابع، تركنا هذا الجانب الحقوقي على سعته وحضوره وإنسانيته يهيمن على كل الفضاء، فانحسر وجود جيل كامل في إحدى فترات تواجده أو نضاله في هذا المد الحقوقي الضاغط. لن نهوّن من ضخامة المسؤولية تجاه جيل كامل بأطفاله ورجاله ونساءه وأسره، المنفي منه والمسجون، المعذّب منه والشهيد، لن نهوّن من كل هذه الطامة الكبرى التي تترك الحليم حيران، لن نشكك في إخلاص الجميع وتفانيه مادة وفعلا وممارسة في إغاثة الملهوف وتسكين لوعة المعدوم، ولكن هناك ولا شك انهيار الهمّ الفكري والبناء المعرفي، سقوط كامل إلا القليل القليل الذي حمله قلم أو قلمان وعلى وتيرة متباعدة وغير متناغمة! هذه الكلمات التي أردت إبرازها وأنا أشاهد هذه الأيام سباقا في الكتابة والردود وإن كان البعض يراها مهمة ولا أرى فيها أي جديد ينفع هذا المشروع، هذه الكلمات هي صيحة فزع تثبتها هذه الأيام هذا القصور في البناء المعرفي للمشروع الإسلامي التونسي، غيبة تصورات  وبرامج، والمواضيع والتحديات التي تطال تضاريسه تقاس بالأمتار! تحديــات منسيــة أو مهمشــة تحـدي اقتصـادي واقعي، شراكة متوسطية يرى البعض محدودية نتائجها ونسبية جدواها، وتساؤلات عميقة حول إيجابياتها وسلبياته بعد مرور أكثر من عقد، عولمة زاحفة تتبلور عبر عمليات خصخصة مريبة يتشابك فيها الإيجاب والسلب، والجرأة والنوايا المبطنة والفساد، أين التحليل الجاد، أين الرد الموضوعي، أين المقاربة النوعية، أين البناء؟… أين البديل « الإسلامي »، أين الإجابة الإسلامية، أين اقتصاديو الطرح الإسلامي التونسي؟،… تحـدي اجتمـاعي متسارع وضاغط، تمثله ثورة اجتماعية داخل المشهد العام، ضمور للطبقة الوسطى بعد أن علا بنيانها يوما وراهن عليها النظام، فقر بدأ يطال بعض الجيوب، عودة لمناطق الظل بعد أن هفت صياحها حقيقة أو مجازا، شباب ضائع أو يكاد، شهادات تملأ جدران الصالونات وأصحابها يملأون المقاهي والشوارع، شباب يحبذ الموت غريقا وهو يحمل بصيصا من النجاة على أن يعيش في الظلام كل الحياة! فما هي مطالبنا، ماهي الأطروحة الإسلامية في هذا المجال، دعنا من العموميات التي نعتبرها محطة لا بد منها، لكننا والعيب فينا حتى هذه المحطة تكاد تكون غائبة إلا اللمم… ابحثوا لي الكتابات الاجتماعية في هذا المجال التي يمكن أن تمثل تصورا ممنهجا وإجابة ولو مقتضبة لهذه التحديات وسوف تجدون الصحاري جيراننا! تحـدي ثقـافي تمثله عديد الأبعاد، مسرح وسينما وملاعب كرة وشواطئ صيف، وعقلية تونسية تتشابك فيها ستار أكاديمي وجلباب وقميص وحجاب، صحوة ملأت اللآفاق أو تكاد وانفصام مزعج بين الفكرة والممارسة، بين الشعيرة والفعل، تحد يبحث عند البعض عن توظيف، وعند البعض الآخر عن استقلالية، وعند آخرين عن فقدان علم وعالم وتوجيه ميداني وإرشاد واقعي غير مسقط  ولو كان من بعيد! ماذا قدمنا في هذا المضمار غير التشكي والنحيب حول السقوط الأخلاقي وانهيار القيم! ولكن وبعد… ما هو المجتمع البديل ما هي الأسرة البديلة، ما هو المسرح البديل والسينما البديلة؟… ماهي المنهجية الفاعلة والقادرة على الإجابة على هذه التحديات العميقة والخطيرة في مسار مجتمع وأفراد… والحقيقة المرة التي نريد إخفاءها أو تجاهلها، أنه إذا لم نجب اليوم ونكون حاضرين، فإن عجلة التاريخ تسير ولا تنتظر المتأخرين… حـــذار كلماتي هذه، وأعتذر على أنها غير مرتبة في بعض ثناياها، ولكنها زفرة حالم وخائف وعازم،  هي تعبير عن انزعاج وحيرة وخوف بدأ يلمّ بي وأنا أرى في هذه الأيام طاقات مهدورة، بعضها يطل علينا لأول مرة، وينحبس مدرارها في كتابات لا يخالفني الكثير في نسبية جدواها… خوف أن نخطأ معركتنا الحقيقية وننحرف أو ينحرف بنا ونساق إلى مواضيع إن لم تكن هامشية فهي لا تحمل في هذه اللحظة واقعية الزمان والمكان! خوف على أن تنسينا بعض الكتابات الحدثية و »الخفيفة » مشقة الكتابة المعمقة والبحث عن البديل، وتقنعنا خطأ بأننا نبني ونحن بعيدين حتى عن الأسوار! حيرة من هذا التسابق في هذه المواضيع وظهور عديد الأقلام فجأة، وكأن الدفاع عن التنظيم غلب الدفاع عن المشروع، أو كأن غياب المشروع ليس بالمنزلة الكبرى التي تستدعي إعلان الطوارئ! بروز وردود ثم ضمور وانكفاء عن الكتابة في الفكرة والطرح والاجتهاد من أجل بلورة هذا المشروع النظري عبر مراكمة فكرية جادة ومنهجية. انزعاج من أن هذه « الحوارات » سوف تترك بصماتها على العلاقات لما حوته من تجاوزات، بعضها طال مناطق المحظور، ولعلها عند البعض تعطي دليلا وحجة على عدم الجرأة في الاجتهاد والبناء. انزعاج من أننا لم نعط صورة جميلة لمن حولنا حول أدب الحوار والقيم الأخلاقية التي نزعم حملها وترانا نلهج بها صباحا مساء…ولكم أزعجتني بعض المقالات وهي تستفتح بالبسملة وتنتهي بحديث وآية ويتوسطها معسول الكلام وبين هذا وذاك إثارة واستفزاز وتجاوز للمحظور ودخول في مناطق الشبهات.  صدقوني أني لست خائفا على هذا المشروع، فهو مشروع حق وعدل، وإن لم نكن بناته، فسوف يكون أصحابه من غير حارتنا، وتتكفل به أياد من غير ذواتنا، والاستبدال منهج قرآني شعاره البقاء للأصلح، ولكني خائف أن لا يكون لنا بصمة فيه، أن لا يكون لنا أثر في ثناياه، أن نكون مقصرين نحوه بانسحابنا أو تقاعسنا أو وقوعنا في الفخاخ، وانجرارنا إلى حوارات جانبية وكتابات هامشية، ونحو مواقع وردود لا تتجاوز أنوفنا، ونسعى من ورائها إلى افتكاك حلول فردية وخلاص شخصي، والمشروع لا يزال يتكبّل في حبال الاستضعاف والاستبداد من أعدائه، ومن اللامبالاة والإحباط واليأس من أهله وذويه! خرجنا بصحبته ومن أجله يوما اشتد صقيعه وعمّت ظلمته، هروبا من الاستبداد، ونسينا أو تقاعسنا على مواصلة البناء ورأى بعضنا التخلي عنه والعودة بدونه إلى الديار! أعلم أن هذا الحديث غير مرتب ولا شك، والوقت لم يسعفني هذه المرة، وأعلم أن جانب المشاعر والعواطف قد أخذ نصيبه ولا شك، ولعلي أزعجت البعض ولا شك، وأعلم أن البناء عملية ومسار طويل المدى يتطلب التضحيات والإرادة والعزيمة، ولكني أجزم بكل تواضع ودون أستاذية في هذا المجال ولا في غيره، أن هناك خطرا يحيط بالمشروع الإسلامي يتمثل في ماهيته ووجوده، لا يجب أن نراهن على قدسية مرجعيتنا للفوز والنجاح، فمشروعنا مدني يبنى على علم ودراية وسهر ليل وتضحيات، ومن تقاعس به عمله لن تفديه مائدة من السماء! لا تدعها حتى تقـــع إن حديثي هذا ليس تهويلا، أو وقوفا على الربوة، ولكنه ناقوس خطر، وهو ليس الأول فقد سبقه تذكير بهذه الحالة التي عليها المشروع الإسلامي في كتابات سابقة [1] لكن هذه المرة يبدو أن السيل وصل الزبى، أكده الفراغ السابق والمتواصل ودعّمه هذه الأيام سيل من الأحاديث الجانبية والهامشية في بعض ثناياها، ودفع من البعض بوعي أو بغير وعي نحو مناطق العدم، فكان لابد أن نرفع عقيرتنا محذرين، وداعين للاستيقاظ من هذه الغفلة المطولة وهذه الغيبة المتواصلة، حتى لا يبعدنا الهامش عن المحور، والظرفي عن الهيكلي، وحتى لا تلهينا القشور عن اللب، واللب في حالتنا مشروع نهضة أمة وتحرير الإنسان وتنمية مجتمع. لست وصيا على المشروع ولست من أتباع عقلية الوصاية ولا نخبة الأوصياء، ولكني أحشر نفسي في مجموع أحبائه…للبيت رب يحميه، ومن للمشروع غير أبنائه؟ لقد نظرت يمنة ويسرة هذه الأيام ورأيت في مقابل هذه « الحوارات » المسترسلة والتي تحمل عديد مناطق ظل، والتي ملأت مواقعنا، بناءات في الضفاف الأخرى وتصميم على طرح البديل وتفان بين الأيدي والأقلام لإتقانه..، نظرت إلى اليسار التونسي عبر كل من نشرية البديل التي يصدرها حزب العمال ونشرية جديدة إسمها « اليسار » يصدرها حزب العمل الوطني الديمقراطي، تذكرنا بمجلة أطروحات في الثمانينات، كتابات توحي بتفاني أصحابها وثقتهم في مشروعهم والعمل الدؤوب على بنائه، بعيدا عن منطق اليأس والقنوط والانسحاب ورمي المنديل، كتابات نوعية نهنأ أصحابها ولكنها تبعث في الوقت نفسه حسرة وصيحة فزع مدوية :… أين المشروع الإسلامي التونسي؟؟؟ أستطيع أن أوقف قلمي عند هذه الكلمات وأظنها أدبيا مقبولة، ولكن طبعي غلب تطبعي، لن أقف متشائما، أو خائبا أو يائسا،. ولكنه تفاؤل يشوبه الحذر إذا عزمنا على عدم السقوط في البناء الوهمي وتركنا عاجلا هذه « الحوارات » غير البنّاءة والفضفاضة في بعض ثناياها، والدخول بوعي وحزم إلى حلبة البناء، لن ندعها حتى تقع، فنقع قبل أن تقع، ولكنها الإرادة والتصميم والعزم والمسؤولية وأولوية البناء من أجل شعب وقضية، ولا نخالنا إلا قادرين بعون الله لتحمل هذا التحدي والاستجابة لحالة الترقب والتعطش التي تنساب بين الشعاب. هـــوامش : [1] رسالة اللقــاء رقم 9 : « المشروع الإسلامي التونسي وأولوية النقد الذاتي وضرورة البناء » موقع اللقاء www.liqaa.net المصدر: اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net

 

 
الطريق الثالث
 
الأزهر مقداد / سويسرا كثر الحديث حول الإصلاح والمصالحة، وتعددت الآراء واختلفت المواقف. ومما يستوقف الإنسان في كل ما كتب وحبر حول هذا الموضوع، جنوح أغلب الأطراف نحو أقدار من الشطط والمغالاة. بين من يعتبر المصالحة استسلاما كاملا وتسليما واعترافا بكل فضائل السلطة وايجابياتها وسلبيات الحركة وأخطائها، وحث الحركة على إبداء التوبة والندم والقبول بما يعطى ولو في الحد الأدنى وعدم إحراج السلطة بطلبات مهما كان نوعها. إلا إذا تنازلت طوع إرادتها وفقا لتقديرات السلطة التي تنبني على مدى جدية الحركة في توجهها ولطفه واعتداله، وقطعها مع الماضي. ويتأتى ذلك أول ما يتأتى في خطاب الحركة الذي يجب أن يلين ولا يحرج السلطة ولا يكون خطابا محرضا. وبين من يعبر عن قطيعة كاملة ويأس مطلق من أن النظام القائم يمكن أن يصلح ويصلح أو أن يصالح وبالتالي فالرهان على تجذير القطيعة معه وحتمية الصدام وبالتالي الاستنجاد بكل ما حوت اللغة العربية من مفردات الشدة لاستعمالها ضده في الخطاب. وتأليب الرأي العام الوطني والدولي عليه للوصول إلى إجباره على التنازل أو تغذية وتنمية الغضب الشعبي للوصول إلى ثورة شعبية تفرض التغيير. ويرى أصحاب هذا الرأي أن موازين القوى هي التي سيدفع النظام إلى التنازل والتصالح وأن في مضمار السياسة لا مجال للعواطف ومجانية التنازل والعطاء. يستنجد أصحاب الرأي الأول لدعم رأيهم وإبداء حسن النية للنظام بنقد الحركة والتهجم عليها وعلى قياداتها ورموزها ويذهب في خلدهم أن السلطة لن تصدقهم في دعواهم إلا إذا ركبوا مركب القطيعة مع الحركة والتنصل من ماضيهم والتطهر مما شاركوا فيه. كما يحاول أصحاب هذا الرأي تجميع كل من له مشكلة مع الحركة وقيادتها لتشكيل مجموعة ضغط أو ربما تيار يقنع السلطة من خلال استعدائهم لإخوان الأمس وأحبة الماضي، أملا في دفع السلطة للمراهنة عليهم وسعيا وراء إيجاد تيار معارض داخل الحركة للانضمام إليهم. كما يسعى أصحاب الرأي الثاني، إلى التشكيك في كل داع إلى المصالحة واتهامه، على اعتبار أن الدعوة إلى المصالحة في نظرهم ستضعف من تأليب الرأي العام وتقلص من حجم الغضب الشعبي، وتعطي فرصة للنظام لكي يوجد الفرقة في صفوف المعارضة. وأن كل دعوة للمصالحة تصب في مصلحة سلطة لم تبدي أي مرونة أو استعداد لطي صفحة الماضي. وعادة ما يتهم الداعي إلى المصالحة بأن دعوته إلى المصالحة هي تقارب مع السلطة وبتنسيق إذا لم يكن بتواطؤ معها. إن مسلك الفريقين ليس له من طائل، ولا يحقق هدفا للإسلام ولا للإسلاميين ولا للبلاد والعباد وإنما يوغر الصدور ويزيد للجروح جروحا وللمعاناة معاناة جديدة وللصف الإسلامي مزيدا من الفرقة والتشرذم. إذا كان أصحاب رأي المصالحة أوفياء لرأيهم فعليهم أن يكونوا حريصون على تجميع الكلمة ورص الصفوف وإشاعة أخلاق وقيم التسامح والتصالح بين الجميع فلا معنى لمصالحة مع طرف علي حساب طرف ثان ومعاداته. ثم عليهم أن يعوا جيدا أن طريق المصالحة لا يجب أن يمر عبر معاداة الحركة ورموزها والتنصل من الماضي بإيجابياته وسلبياته، وإذا كان ثمن المصالحة والاقتراب من السلطة معاداة إخوة الأمس ورفاق الدرب فلن تكون تلك مصالحة ولن تجنى منها ثمرة، وليس بمقدورها أن تقنع أحدا سواء أكان في السلطة أم في الحركة بجدواها وبحسن نية القائمين عليها والداعين لها. وهي أول ما تضر تضر بنهج المصالحة نفسها إذ تستعدي الجميع، من يقف على الضفة الأخرى ويؤمن بخيار الضغط والمغالبة أو من يعتقد بجدوى المصالحة دون أن يستعدى أحدا ودون أن تكون على حساب الأخوة والتاريخ والمصلحة. وسيعطي الفرصة للذين يعتقدون في غير هذا الخيار أن يرذلوه ويدفعون الناس للاشمئزاز منه ونبذه. والتسويق السيئ لأي فكرة مهما كانت إيجابية يصب حتما في مصلحة خصومها. وإذا كان أصحاب رأي الضغط والمغالبة حريصون على إنجاح ما يدعون إليه فهم في حاجة إلى إدارة حوار هادئ مع الجميع لكي يوحدوا الجهود ويجمعوا المشتت لأن بدون ذلك لن يصلوا إلى هدفهم. وانقسام الصف الإسلامي لن ينجح مسارا أو خيارا، وإذا كان الحرص يتجه إلى توحيد كل أطراف المعارضة فمن باب أولى توحيد الصف الإسلامي. على دعاة المصالحة أن يعوا أنه ليس كل داع إلى الضغط والمغالبة داع إلى التناحر والصراع، وعليهم أن يفهموا أن ما يدفع هؤلاء إلى اعتماد هذا الأسلوب مبررات يرونها تعود إلى تصلب السلطة وضعف استعدادها طيلة عشريتين لطي هذا الملف ومعالجة مخلفاته. ومهما قيل عن محاولات فتح الجسور مع السلطة فقد وقعت بعض المحاولات كان من الممكن دفعها واستثمارها من طرف السلطة إذا كان لديها الاستعداد الكافي لنهج المصالحة والحوار. وعلى دعاة المصالحة أن يجتهدوا في إزالة عوائق كثيرة أمامها ليست بالضرورة كلها لدى الصف الإسلامي ولا لدى قيادة الحركة رغم أهمية إزالة هذه العوائق إن وجدت. يجب أن يكون هناك جهدا موازيا أو مضاعفا للجهد الموجه للحركة ولقيادتها ولعموم أبنائها لإقناع السلطة بالمصالحة والحوار. فالحوار لن يكون إذا اقتنع به طرف دون الأخر والمصالحة لن تتم إذا لم تكن بين طرفين اقتنعا بضرورتها والمصلحة التي تجرها عليهما معا. كما أنه يتحتم على أصحاب المغالبة والضغط وفرض الحريات أن يقنعوا حركة لم تجني من هذا النهج إلا السجون والمعتقلات والتهجير وتصحر البلاد من منابع الدعوة ونشرها. كما عليهم أن يقنعوا أبناء الحركة وعموم الشعب التونسي لماذا نهجا كهذا لم يصل بأصحابه إلى نتيجة تذكر وهم يمارسونه طيلة عشريتين؟ وما الذي يضمن تحقيق ما لم يتحقق طيلة هذه الفترة مستقبلا. ثم عليهم أن يديروا حوارا جادا ومقنعا حول المشروع الإسلامي وهل هو مشروع مغالبة وصراع أم مشروع دعوة ورفق؟ وهل هو مشروع إعادة الوعي لشعب وعودته للتمسك بدينه وقيمه أم هو مشروع دولة وسلطة؟ وبأيهما يضحى أو يؤجل إذا استحال التوفيق بينهما وتحصيل الاثنين معا؟. وهل الصراع قدرا بين أبناء الأمة الواحدة وبين أبناء الشعب الواحد؟. وعليهم أن يقنعوا الجميع ما الذي تغير حتى يعتمد نفس النهج الذي ساهم في إيصال الحركة والبلاد لما وصلت إليه؟ أسئلة عديدة وتحديات كثيرة أمام أصحاب الرأيين لم لن يفيد فيها جدال ونقاش كالذي يقع اليوم على صفحات الانترنيت. فهي أسئلة معقدة تتطلب أناة في البحث والتمحيص ورفقا في إبداء الرأي والرد عليه. ومراعاة مصالح دينية أساسية قد يهدمها تعصبا لرأي أو انحيازا لموقف. وقد تضيع المصلحة في خضم انتصارا للنفس وجنوحا في الرد على المخالف. المصالحة مسؤولية كبرى تقتضي إمكانيات وقدرات ومواصفات كثيرة، إذ ليس أسهل على المرء من معارضة حادة تلغي الأخر وكل إيجابياته وتركز على سلبياته. إنما المصالحة والحوار وضريبتهما تقتضي إجبار النفس وحملها على البحث عن الإيجابي والمشترك ودفع الطرف المقابل إلى السلوك الخير والمثمر بدل استثارة الشيطان فيه. إنها نكران للذات وتجاوز عن بعض رغباتها ووضع مصلحة المجتمع فوق المصلحة الخاصة للذات أو الفئة أو الحزب. لا أحد ينكر ما عانته حركة النهضة طيلة عشريتين من الزمن، والسلطة أكثر طرف يعرف حجم هذه المعاناة وتفاصيلها. ولا احد يمكن أن يتصور أن بقدور الحركة وأبنائها أن يلغوا من أذهانهم وأن يتجاوزوا بسهولة ويسر عن معاناة وألام لا زالت أثارها متواصلة إلى اليوم ولن يصدق أحد أنه بالإمكان محو ذلك من الأذهان والقلوب والعقول فقد حمله أشخاص إلى قبورهم ونحت الكثير منه على أجسام نزيلي السجون والمعتقلات، وترسخ الكثير منه في عقول الناشئة والشباب الغض. وليس يسيرا إقناع حركة بأكملها أن ما سلط عليها هو جزاء أخطائها وأن النظام برئ من كل ذلك وأن كل ذلك تم تحت طائلة القانون النزيه وحكمه. وأن ذلك مما اقترفت أيديها. وليس سهلا إقناع أبناء الحركة أن ما قاموا من أجله في الدفاع عن حقهم في الوجود القانوني وحرية التعبير والتنظم والمطالبة بحقوقهم المدنية، كل ذلك وهم وخطأ ما كان عليهم أن يطالبوا به وأن يقوموا من أجله. إن القول بذلك إلغاء للتاريخ وقراءة محرفة له، وطمس لحقائق تقر بها شرائع السماء وقوانين الأرض. وإبعاد للمصالحة ودفع إلى ضفة الصراع والتحدي. إن المصالحة الحقيقية هي التي لا تلغي كل ذلك، وإنما تجد له طريقا لمعالجته ومحو أثاره، ورد الحقوق إلى أصحابها ووقف المتواصل منه، والبحث عن طريق لوجود الحركة الهادئ والمقبول والمتفق عليه وتجنب الهزات الاجتماعية عبر تصريف الشأن السياسي والاجتماعي بحكمة وتعقل. إن البحث الناصب يجب أن يتجه إلى إقناع السلطة والحركة معا بالالتقاء في منتصف طريق الشطط بين رأي الإلغاء ورأي تكسير العظم. إن المطلوب طريق ثالث، بعيدا عن طريق الصراع والنفي ولا يسقط في معاني الاستسلام والركوع وإنما يؤمن طريق المستقبل عبر إيجاد علاقة سليمة همها مصلحة الوطن، لا تلغي التباين والاختلاف وإنما توظفه وتستفيد منه وتعيد صياغة العلاقة بين السلطة ومكونات المجتمع المدني بما فيهم الإسلاميين الى علاقة تواصل وحوار وتكامل للوصول إلى توافق حقيقي لتجربة ديمقراطية متدرجة قد تكون ذات خصوصية بنا تبعد بنا عن أجواء الصراع والتناحر الذي يهدر الطاقات ويبددها. المصالحة ليست نفيا لأحد الأطراف وإلغاءا له ولا دعوة لاستسلامه وإنما هي إعادة صياغة للعلاقة القائمة وطرق التعبير عن هذا التباين والاختلاف بوسائل بناءة وهادئة، وتشريك الجميع في هموم الوطن وحل مشاكله. إنها قدرة على توظيف التباين والاختلاف والمعارضة. لتصبح عوامل بناءا وإضافة عوض أن تكون عوامل هدم وإهدارا للطاقات. إن أكبر مؤشر للوعي داخل المجتمعات قدرتها على معايشة الأفكار المختلفة وتبدأ المصالحة داخل المجتمعات يوم تمسك كل الأطراف بمقدرة الحوار البناء والمثمر والقطع مع أساليب الدفع إلى الزاوية وصياغة الرأي المخالف بطريقة مشوهة ليسهل دحضه وإلغاءه. لقد تحولت النقابات والأحزاب في الدول الديمقراطية من موقع الصراع وتطبيق مقولات الصراع الاجتماعي والتناقض الطبقي إلى لعب أدوار تكاملية وشراكة حقيقية همها مصلحة الوطن من خلال تقديم الأفضل له وحسن إدارة الدفاع عن المصالح الفئوية وصهرها ضمن المصالح الوطنية الكبرى والتضحية بالمصلحة الفئوية إذا تحققت مصلحة وطنية كبرى. المصالحة ليست خطابا يعدل رغم أهمية تعديل الخطاب في تيسير انتهاج نهج المصالحة وترطيب أجوائها. والمصالحة ليست إخراجا للمساجين رغم أهمية أن يتم ذلك في الطمأنة وإشاعة أجواء ومقدمات فتح صفحة جديدة. والمصالحة ليست موقفا تكتيكيا يرتبط فقط بمصالح آنية. المصالحة الحقيقية مبدأ ومنهج لإعادة سياسة المجتمع وإدارة شؤونه يتوافق عليه الجميع ويلتزمون به. إنها تفكيك لألغام الفرقة والتناحر واستبعاد لأساليب العنف والمغالبة وكسر العظام. إن عالمنا الإسلامي يعيش تحولا حقيقيا في المضمون اللغوي لمقولات بداية القرن، حيث نعيش فترة انتهاء المعاني والأنظمة الشمولية لصالح معاني النسبية والتكامل في اتجاه أنظمة الوفاق والشراكة. ولم يعد مستساغا ولا مقبولا إدارة بلداننا بأنظمة شمولية مهما كانت اللافتة التي ترفعها. والشعارات المغرقة في الإيديولوجية انتهت لتترك مكانها إلى شعارات الواقعية والنسبية. نقول هذا للأنظمة كما نقوله لحركات المعارضة والحركة الإسلامية من بينهم. إن القول بأن الأوضاع كي تستقيم يجب أن تقلب لن تخلف إلا دمارا شاملا يأتي على مستحقات كثيرة تحققت طيلة سنوات عديدة داخل المجتمع. ويأتي حتى على الطبيعي والعادي من الحقوق وإنما المطلوب الوعي بأن التحولات الاجتماعية التي تدوم وتستمر تلك التي تأخذ وقتها في التفاعل والتحول، وتترسخ القناعة بها من خلال معايشتها بتدرج وعندما يعايشها المجتمع ويعيش بها ومعها. كما أن مغالبة التحولات داخل مجتمعاتنا والتعويل على صدها بقوة الدولة لن يثمر إلا الهزات الاجتماعية ويذكي الصراعات التي لن تنتهي والحال انه لم تقضي قوة على فكر على مدار التاريخ. إن الصحوة الإسلامية نتيجة طبيعية لتحولات كبرى تشق عالمنا الإسلامي بل العالم بأسره، لن يجدي معها محاولة انتزاعها وشطبها. فهي مغالبة لسنن الله في الكون والمجتمعات، وسنن الله غلابة. والأنظمة التي تشهد استقرارا حقيقيا اليوم هي التي استطاعت أن تحسن التعامل مع الحركة الإسلامية وتجد لها مكانا في الخارطة السياسية يجنب البلاد التناحر والصراع. والحركات الإسلامية الواعية هي التي استطاعت أن تجد طريقا للتعايش السلمي والهادئ مع أنظمتها، وغلبت مصالح البلاد الكبرى وأعادت ترتيب أولوياتها وقناعاتها اتجاه ما كانت تعتبره مقدسا لا يجب التنازل عليه وهو لا يعدو أن يكون وسيلة يمكن الاستعاضة عنها بغيرها من الوسائل. وإذا كان طريق التفاهم والتلاقي والمصالحة لابد له من ثمن فليكن لدى الجميع الاستعداد لدفع هذا الثمن لمصلحة وطن يئن تحت أقدامنا جميعا.

مــحــاور جـديـد
 
كما أنه يتحتم على أصحاب المغالبة والضغط وفرض الحريات أن يقنعوا حركة لم تجني من هذا النهج إلا السجون والمعتقلات والتهجير وتصحر البلاد من منابع الدعوة ونشرها. كما عليهم أن يقنعوا أبناء الحركة وعموم الشعب التونسي لماذا نهجا كهذا لم يصل بأصحابه إلى نتيجة تذكر وهم يمارسونه طيلة عشريتين؟ وما الذي يضمن تحقيق ما لم يتحقق طيلة هذه الفترة مستقبلا كلام معقول و عقلاني ولكن اين موقعك انت يا سي لزهر هل انت من دعاة المصالحة التي حسب ما يبدو تدخل صاحبها حتما في صراع مع دعاة استمرار الصراع مع السلطة حتى تجنح للسلم وهي صاغرة..او انك من دعاة المغالبة و لي الذراع و الذي لا يزيد السلطة الا تصلبا و تضييقا على المشروع الاسلامي و اهله؟ المطلوب منك يا سي لزهر ليس الاطناب في تشخيص الواقع الاليم و الراي القويم و تبيان جرم الصحب اللئيم… ولكن نريد منك موقفا تكون عليه واقفا حتى يتحقق.. مسك العصا من الوسط لم يعد يجدي شيئا …شكرا على حسن خلقك اخوك بن سعيد       (المصدر: موقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 10 جوان 2007)

الأزهر 

أخي بن سعيد بارك الله فيك على اهتمامك وحسن أدبك.

 
في مقالي لم أكن واصفا فقط وإنما أبديت رأيي صراحة إذ اعتبرت أن الطريقين الذين وصفتهما غير مجديين لأنهما يسقطان في الشطط يمينا أو يسارا. راجع أخي هذه الفقرة جزاك الله خيرا: إن مسلك الفريقين ليس له من طائل، ولا يحقق هدفا للإسلام ولا للإسلاميين ولا للبلاد والعباد وإنما يوغر الصدور ويزيد للجروح جروحا وللمعاناة معاناة جديدة وللصف الإسلامي مزيدا من الفرقة والتشرذم. ولقد أبديت رأيي واضحا جليا في الفقرات التالية وما يليها الى آخر النص: إن المطلوب طريق ثالث، بعيدا عن طريق الصراع والنفي ولا يسقط في معاني الاستسلام والركوع وإنما يؤمن طريق المستقبل عبر إيجاد علاقة سليمة همها مصلحة الوطن، لا تلغي التباين والاختلاف وإنما توظفه وتستفيد منه وتعيد صياغة العلاقة بين السلطة ومكونات المجتمع المدني بما فيهم الإسلاميين الى علاقة تواصل وحوار وتكامل للوصول إلى توافق حقيقي لتجربة ديمقراطية متدرجة قد تكون ذات خصوصية بنا تبعد بنا عن أجواء الصراع والتناحر الذي يهدر الطاقات ويبددها. المصالحة ليست نفيا لأحد الأطراف وإلغاءا له ولا دعوة لاستسلامه وإنما هي إعادة صياغة للعلاقة القائمة وطرق التعبير عن هذا التباين والاختلاف بوسائل بناءة وهادئة، وتشريك الجميع في هموم الوطن وحل مشاكله. إنها قدرة على توظيف التباين والاختلاف والمعارضة. لتصبح عوامل بناءا وإضافة عوض أن تكون عوامل هدم وإهدارا للطاقات. ثم أن كل الفقرات الموالية لهذه الفقرة تؤطر وتوضح رأيي في المصالحة كما يوحي به عنوان المقال- الطريق الثالث – ثم إن شئت فراجع الفقرات التالية: إن الصحوة الإسلامية نتيجة طبيعية لتحولات كبرى تشق عالمنا الإسلامي بل العالم بأسره، لن يجدي معها محاولة انتزاعها وشطبها. فهي مغالبة لسنن الله في الكون والمجتمعات، وسنن الله غلابة. والأنظمة التي تشهد استقرارا حقيقيا اليوم هي التي استطاعت أن تحسن التعامل مع الحركة الإسلامية وتجد لها مكانا في الخارطة السياسية يجنب البلاد التناحر والصراع. والحركات الإسلامية الواعية هي التي استطاعت أن تجد طريقا للتعايش السلمي والهادئ مع أنظمتها، وغلبت مصالح البلاد الكبرى وأعادت ترتيب أولوياتها وقناعاتها اتجاه ما كانت تعتبره مقدسا لا يجب التنازل عليه وهو لا يعدو أن يكون وسيلة يمكن الاستعاضة عنها بغيرها من الوسائل. وإذا كان طريق التفاهم والتلاقي والمصالحة لابد له من ثمن فليكن لدى الجميع الاستعداد لدفع هذا الثمن لمصلحة وطن يئن تحت أقدامنا جميعا جزاك الله خيرا وسدد خطاك. (المصدر: موقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 10 جوان 2007)

رسائل محبة إلى معز ّوالأزهر وخالد

 
د. محمد الهاشمي الحامدي  
إخوتي في الله والوطن، أحبتي الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: قضيت دقائق جميلة في قراءة مقالاتكم المفيدة، وهذه رسائل موجزة لكل منكم، تعبيرا عن احترامي لكتاباتكم، وتقديري لجهودكم، ورغبتي الصادقة في التواصل البنّاء المفيد معكم. * * * إلى الأخ معز السليماني * * * أخي معز السليماني: أعزك الله بطاعته وخدمة دينه وفقك وأهلك لما يحبه ويرضاه. أثلجت صدري بمقالتك المتينة الرائعة، وحججك المبهرة. ثم إنك جعلت لك دينا في عنقي عندما كتبت في خاتمة مقالتك: « في الخلاصة و حتى نرد الأمر لمن سبق إليه نقول: كان الله في عونك يا دكتور محمد الهاشمي الحامدي، و زادك توفيقا لقد ناديت ب « القطع نهائيا مع منهج الاشتباك والتصادم والمغالبة » قبل الأن… ندعو لك المولى عزّ و جل لمزيد من التوفيق، و فرج الله على يديك كربا كثيرة كما حصل سنة 1999 فخرج من السجون قرابة 700 إسلامي. جعلك صابرا محتسبا أمرك لله وحده و زادك توفيقا. أخوتي الأعزاء: مشروع المصالحة لن يبقى حافيا يراوح مكانه إلى ما لا نهاية له. سينتعل، و ينطلق إلى مزيد من الخير لبلادنا تونس بعون الله تعلى. فطوبى لمن ساهم في هذا الخير ». (انتهى النقل) أخي معز: بمثل الهمة التي تفيض بها مقالتك، سينجح دعاة الوفاق والديمقراطية والتجديد بإذن الله في تجاوز التجارب السابقة للتيار الحركي الإسلامي، التي غلب الفشل فيها على النجاح، وسيخطون فصولا جديدة مجيدة في تاريخ بلادهم وتاريخ الإسلام. أرجوك ألا تتوقف عن الكتابة، فإنني وجدت فيك كاتبا مبدعا مجيدا بلغة الضاد. أفكارك مرتبة وواضحة وحججك قوية. مشروع المصالحة والوفاق لا يستغني أبدا عن أمثالك. بارك الله فيك وفي أهلك وقلمك، وأعز بك دينه وأمته وبلادنا العزيزة الغالية. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. * * * إلى الأخ الأزهر مقداد * * * أخي الأزهر مقداد: حياك الله وبارك فيك ومتعك بالصحة والعافية. كيف حالك وحال العائلة في تونس والمهجر؟ أرجو أن تكونوا جميعا بخير حال. قرأت مقالتك عن الطريق الثالث ووجدتها مقالة رصينة ومهمة للغاية. آمل أنك لم تكن تعنيني عندما انتقدت بعض دعاة المصالحة وقلت فيهم: « يستنجد أصحاب الرأي الأول لدعم رأيهم وإبداء حسن النية للنظام بنقد الحركة والتهجم عليها وعلى قياداتها ورموزها ويذهب في خلدهم أن السلطة لن تصدقهم في دعواهم إلا إذا ركبوا مركب القطيعة مع الحركة والتنصل من ماضيهم والتطهر مما شاركوا فيه. كما يحاول أصحاب هذا الرأي تجميع كل من له مشكلة مع الحركة وقيادتها لتشكيل مجموعة ضغط أو ربما تيار يقنع السلطة من خلال استعدائهم لإخوان الأمس وأحبة الماضي، أملا في دفع السلطة للمراهنة عليهم وسعيا وراء إيجاد تيار معارض داخل الحركة للانضمام إليهم ». (انتهى النقل) اقرأ كل مقالاتي التي نشرتها خلال الشهرين الماضيين، تجد أنني دعوت لمصالحة بين السلطة والحركات الإسلامية المعتدلة، وقلت إن هذه المصالحة المطلوبة تشمل الشيخ راشد الغنوشي والأخ وليد البناني والدكتور عبد المجيد النجار. ولكن ردود الفعل التي واجهتني كانت متشنجة في أغلبها. أما حديثي عن جهودي لتحقيق المصالحة بين السلطة وحركة النهضة فكانت جوابا على حملة من الإتهامات الجارحة وجهت لي، فأردت توضيح الحقائق للباحث عنها. وهل يضير قيادة النهضة في شيء أن تعترف بهذه الجهود وبأنها أساءت التعامل معها في وقت من الأوقات دون مبرر؟ وجدت في مقالتك أيضا جرأة محمودة في طرح بعض الأسئلة الضرورية التي تعتبر ردا صريحا ومباشرا على الأفكار التي طرحها الشيخ راشد حفظه الله ورعاه في حواراته الصحفية الأخيرة. قلت في مقالتك: « كما أنه يتحتم على أصحاب المغالبة والضغط وفرض الحريات أن يقنعوا حركة لم تجني من هذا النهج إلا السجون والمعتقلات والتهجير وتصحر البلاد من منابع الدعوة ونشرها. كما عليهم أن يقنعوا أبناء الحركة وعموم الشعب التونسي لماذا نهجا كهذا لم يصل بأصحابه إلى نتيجة تذكر وهم يمارسونه طيلة عشريتين؟ وما الذي يضمن تحقيق ما لم يتحقق طيلة هذه الفترة مستقبلا. ثم عليهم أن يديروا حوارا جادا ومقنعا حول المشروع الإسلامي وهل هو مشروع مغالبة وصراع أم مشروع دعوة ورفق؟ وهل هو مشروع إعادة الوعي لشعب وعودته للتمسك بدينه وقيمه أم هو مشروع دولة وسلطة؟ وبأيهما يضحى أو يؤجل إذا استحال التوفيق بينهما وتحصيل الاثنين معا؟. وهل الصراع قدرا بين أبناء الأمة الواحدة وبين أبناء الشعب الواحد؟. وعليهم أن يقنعوا الجميع ما الذي تغير حتى يعتمد نفس النهج الذي ساهم في إيصال الحركة والبلاد لما وصلت إليه؟ » (انتهى النقل) أخي الأزهر مقداد سلمه الله وبارك فيه: الطريق الثالث الذي تدعو إليه هو ما كتبته في مقالتي للأخ عبد الرحمن الحامدي يوم أمس. وهو أن يبادر عدد من الإسلاميين التونسيين إلى كتابة فصل جديد في تاريخهم وتاريخ بلادهم، وأن يرفعوا راية لتيار جديد، يحرر الإسلام من الحزبية الضيقة، ويرد أمر التدين للمجتمع بأسره، لأن الأمة يا أخي الأزهر هي الحاضنة الحقيقة للدين، وهي القادرة على حمايته، لأنها تعرف أنه دستور سعادتها وفوزها في الدنيا والآخرة. أرجوك أن تفكر في الأمر، ولا تكن كأحد الإخوة الذين تحدثوا عن المصالحة في حوار صحفي نشر في اليومين الماضيين. لقيته في لندن قبل سنوات على مائدة عشاء، فقال لي إنه نذر نفسه لمواجهة منهج الشيخ راشد وهزيمته داخل الحركة. فقلت له: يا عزيزي: الدنيا أثمن واقصر من أن تقضيها معارضا للنظام التونسي ومعارضا للشيخ راشد الغنوشي داخل الحركة. احترم خيار الشيخ راشد وابحث لنفسك عن خيار جديد. أخي الأزهر: ما رأيك في هذه الطرح؟ ألم يحن للنخب الإسلامية التونسية أن تخرج من حالة العجز وقلة الحيلة، وتخط لنفسها نهجا جديدا، يستفيد من تجارب الماضي، ويقدم لتونس مبادرة جديدة مفعمة بالأمل والفرحة والنجاح؟ فكر فيما أقوله لك بعيدا عن هواجس الحزبية، لعل الله يجعل من حوارنا ومناقشاتنا خيرا لديننا وبلادنا. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. * * * إلى الأخ الدكتور خالد الطراولي * * * أخي الدكتور خالد: حياك الله وبارك فيك ونفع الأمة بعلمك ورضي عنك ووفقك لكل خير. قرأت مقالتك المنشورة هذا الصباح، والتي أعربت فيها عن قلقك الشديد من مآلات الحوار حول المصالحة بين السلطة والإسلاميين. وكتبت فيها بوجه خاص: « كلماتي هذه، وأعتذر على أنها غير مرتبة في بعض ثناياها، ولكنها زفرة حالم وخائف وعازم، هي تعبير عن انزعاج وحيرة وخوف بدأ يلمّ بي وأنا أرى في هذه الأيام طاقات مهدورة، بعضها يطل علينا لأول مرة، وينحبس مدرارها في كتابات لا يخالفني الكثير في نسبية جدواها… خوف أن نخطأ معركتنا الحقيقية وننحرف أو ينحرف بنا ونساق إلى مواضيع إن لم تكن هامشية فهي لا تحمل في هذه اللحظة واقعية الزمان والمكان! خوف على أن تنسينا بعض الكتابات الحدثية و »الخفيفة » مشقة الكتابة المعمقة والبحث عن البديل، وتقنعنا خطأ بأننا نبني ونحن بعيدين حتى عن الأسوار! ». (انتهى النقل) أخي الدكتور خالد: حوار المصالحة حوار واقعي تماما، يعبر عن مشاغل قطاع من المواطنيين التونسيين. وجهة نظرك أنه موضوع غير واقعي في هذه المرحلة. هذه وجهة مظر جديرة بالإحترام، وقد تكون صحيحة. لكن وجهة النظر التي أتبناها مثلا، مبنية على أن المصالحة ممكنة، وواقعية، وأن نتائج عملية مثمرة لها قد تتحقق قبل نهاية هذا العام، إذا اتخذ قطاع من الإسلاميين التونسيين بعض الخطوات الضرورية التي تسهل تحقيق مثل تلك النتائج. هذا الخلاف في الرأي ليس مشكلة على الإطلاق. وهو لا يمنع الباحثين والكتاب من نشر إبداعتهم في أي ميدان من الميادين. لاحظ أن المقالات المنشورة في العديد من المواقع الإخبارية التونسية تتضمن مقالات أخرى عديدة في أكثر من اختصاص. تصفح جريدة « لوموند » هذا الصباح وستجد فيها السياسة والإقتصاد والفن والرياضة والمحليات والدوليات. هكذا طبيعة الحياة وهكذا طبيعة البشر. أي أن التونسيين المهتمين بالشأن العام، يستطيعون أن يكتبوا عن الحريات العامة والإقتصاد والمصالحة الوطنية والفكر الإسلامي والسيرة والتفسير والعلمانية وتاريخ الحركة الوطنية والإقتصاد الإسلامي وتاريخ العثمانيين والموريسكيين وتراث ماركس وانجلز والرياضة أيضا.. ولا ضير في ذلك كله، لأنه أمر من طبيعة الحياة وطبيعة البشر. مع التحية والتقدير وخالص الدعاء لك بالتوفيق.

رسالة إلى كل قادة الحركة الإسلامية في تونس

 
بقلم: مراد علي كمواطن تونسي مهتما للمشروع الاسلامي كتابع وليس كقائد فلا يضرني دلك من ابداء رأيي حتى يعلم الاخوة القادة صوتي ويعلمون رأيي لاخده بالحسبان ودلك للعهد الدي أخدته على نفسي أن أسير وراء كل من كان له نفس إسلامي بعدت وجهات النظر معه أو قربت فلا يضرني خلافي معه ما وجدت الحد الادنى الدي يجمعني به حجتي في دلك درء المفاسد قبل جلب المصالح وأي مفسدة في الفرقة والتنازع في الامر الواحد ،فلا يهمني القائد أن يكون منتظما أو غير دلك مبتدأ بالغنوشي منتهيا بالماجري المهم أن يكون جامعا للكلمة عاملا من أجلها تاركا وراءه مصلحته لمصلحة غيره يتنازل عن ما يرى محترما لرأي الجماعة . وليعلم من كان قائدا أننا لانريد من يساوم في القضية وكأنها ملكه يفعل بها ما يشاء فمن كان بالامس القريب يحضنا ويقوم فينا خطيبا للعمل من أجل هدا المشروع وبعد أن خيل له أن السفينة غرقت ولى مدبرا لشأنه متنصلا لكل معاهداته تاركا إخوانه بدون سند مثل هدا النوع لا نستطيع أن نسلمه رقابنا مرة ثانية فما أدرانا أن يتاجر بها كما يظهر والله أعلم. لدا وجب علي أن أخبركم أني أبايع كل مخلص لم تظهر عليه علامات الخدلان والادبار والهروب من الميدان لا يهمني في دلك نهجه أو طريقته مغالبا كان أو داعيا لغير دلك على أن يتقوا الله فينا فلا نراهم يتناحرون أو يتنابزون. اختلفوا كما شئتم المهم أن تساندوا بعضكم ولا تفرقوننا بينكم واحدروا فبسقوط أحدكم يسقط جمع غفير كما قال الغلام لابي حنيفة .ولكل منكم أفكار صحيحة وجب اتباعها ولكن لن يجتمع الحق عند واحد منكم مهما بلغ علمه أو كثرت خبرته أو حتى كان من السابقين الاولين. لدلك يرحمكم الله أوجه ندائي وخاصة للاخ محمد النوري وكل من يرى رأيه أن يأخدوا بزمام المبادرة ولا يتركنا هملا لكل من هب ودب فيتصلوا بالنظام ويناقشوه أمرنا ونحن من وراءه سائرون فقد وجدنا تباينا رحمكم الله في ما تعرضونه وما هو سائد بيننا فلا يكفي جوزيتم خيرا أن تشرحوا لنا الامر بل يجب أن تبرهنوا عنه بأخد زمام المبادرة فهدا واجبكم تجاهنا . بقي أن أقول أننا لن نسلم رقابنا لمن خدعنا من قبل فالرجاء من كل الاخوة الدين نثق فيهم في النهضة أو خارجها أن يأخدوا مكانهم حتى لا يسند الامر إلى غير أهله ونبقى عرضة للمزايدة والمتاجرة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (المصدر: موقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 10 جوان 2007)
 

ما استوقفني في حوار الأخ الطاهر العبيدي مع الأخ محمّد النوري:

 عبد الحميد العداسي

 

أتوجّه بالشكر أوّلا إلى الأخ الطاهر العبيدي الذي جعلنا – هو وثلّة من إخوانه العاملين في ميدانه – نطّلع من خلال حواراتهم القيّمة على الكثير من رجالاتنا الأفذاذ. ونظرا لأهميّة الحوار الذي تناوله مع الأخ القيادي بحركة النهضة الأستاذ محمّد النوري، فقد رأيت – بعد إذنه – التوقّف عند بعض المفاصل أو لنقل عند أمّهات الأفكار المفصلية والإتيان بها مرفقة أو غير مرفقة بتعليق، رجاء تثبيت الفائدة، ذلك أنّ طول الحوار قد يَذهب بانتباه القارئ.

هذا وأريد أن أنوّه إلى أنّ فكرة هذا التلخيص قد تناولتني قبل صدور مقال الأخ معزّ السليماني، الذي دعاني شخصيا لمطالعة الحوار بدقّة وبأعين مفتوحة (ولعلّه حشرني معالذين تتقد عيونهم الصغيرة شررا! حسبنا الله ونعم الوكيل)، كما أريد أن أشير إلى الخلط الذي وقف فيه الأخ معزّ، فتعليقي على مقال الأخ الفاضل، الفاضل البلدي، كان في ركن منتدى الحوار.نت، وأمّا المقترحات المضافة فقد كانت على مشروع مصالحة قديم للأخ خالد الطراولة ولم يكن تعقيبا على الأخ الفاضل، وما قلتُه في معرض ذلك: « وقد تُجبّ كلُّ تلكم المطالب إذا أبدت السلطة ندما واستقامة على ما يجلب المصلحة للعباد والبلاد« ، يأتي بعد الدخول في تنفيذ مشروع المصالحة المفترض وليس قبل البدء فيه، ما يدعونا جميعا إلى استعمال أبصارنا وبصائرنا عندما نقرأ وعندما نكتب كذلك. وأقرّ بأنّ الفقرات المختارة في هذا التلخيص قد شهدت بعض التطويل بعد أن رأيت الأخ السليماني يقتطع جمل لا تفي بالمعنى الذي أراد المحاوَرُ إيصاله. على أنّ الدرس العام من الحوار يبرز – رغم أنف الناظرين بعيونهم الكبيرة – إلى الميزة التي تتحلّى بها هذه الحركة، فهي فعلا متحرّكة في داخلها بما تحوي من أفكار كثيرة تصل حدّ التضارب في بعض الأحيان دون أن تحيد على المنهج الذي سطّرته الجماعة مجتمعة: تنوّع يقابله انسجام وتعدّد تقابله وحدة واختلاف يقابله اتّحاد وفشل معه نجاح واعتراف بالفشل معه إصرار على الإصلاح والتصويب… وهو لعمري المجتمع الذي ننشده، وبخلافه نكون كما يقول المثل التونسي مثل « دجاج الحاكم » … وفيما يلي ما استوقفني في الحوار:  

بخصوص الاقتصاد:

 

تونس حققت طيلة الخمسين سنة الماضية تقدّمااقتصاديا ملحوظا لا يمكن إغفاله أو تجاهله. حصل ذلك في مجالات عدّة مثل البنيةالتحتية والإدارة والخدمات والإنتاج والدخل الفردي والتعليم والصحة والتنميةالبشرية بشكل عام حيث تحتل تونس المرتبة 87 من ضمن 177 دولة مصنفة، وهي بالمناسبةمرتبة متوسطة ومتواضعة، ليست بالقياسية حتى يروّج البعض للمعجزة الاقتصادية ولابالسلبية جدا حتى يحذر البعض الآخر من الكارثة! مشكلة السياسة والسياسيين في تونس هي هنا!عندما نخوض في قضايانا وهمومنا غير السياسية، الاقتصاد مثلا، غالبا ما نتناولهبخلفية سياسية بعيدة عن الموضوعية والدقة، فيخيّل لغير المطلع على حقيقة الشأنالتونسي وتعقيداته، عندما يستمع للخطاب الرسمي وبعض المروّجين له، أنه إزاء حالةاستثنائية تقترب من المعجزة أو هي المعجزة ذاتها، فتتحول تونس بجرّة قلم عبر هذاالخطاب الدعائي إلى جنة اقتصادية أوٌ سويسرا إفريقية، ضاربا بعرض الحائط كلالمعضلات الهيكلية المزمنة التي تنخر جسم الاقتصاد منذ عشرات السنين، والتي تقذفبمئات الشبان المتعطشين للشغل من حين لآخر في أعماق المحيطات . وكذلك الشأن فيالمقابل عندما يستمع الإنسان إلى خطاب بعض المعارضين، تنقلب الصورة بفعل التوظيفالسياسي في لحظة واحدة إلى بلد منهوب في الربع الساعة الأخير من الزمن، تسيطر عليهعصابات المافيا ويوشك على الانفجار بين حين وآخر! هاتان الصورتان المشرقة من جهة والمدلهمةمن جهةأخرى، لا تعبران عن الحقيقة ولا تساعدان على النظربموضوعية إلى واقع الأمور!

الحقيقة إذا هي بين هذا وذاك. ليس الوضعكارثيا ولا قياسيا.

قلت: مثال رائع من العدالة لا يأتيه إلاّ ذو خلق رفيع. فالرّجل يريد أن يقدّم المعلومة الرّياضية المجرّدة المتجرّدة، دون أن يكون للمعول السياسي دور في التأثير فيها.

ثمّ بعد أن يتكلّم عن المكاسب الثمينة التي حقّقها الشعب التونسي (حكّاما ومحكومين) سيّما في المجال التعليمي، وبعد أن يتحدّث عن المصاعب الحقيقية والتحدّيات الجوهرية يضيف: تخطئ الحكومة إذا أصرت على مواجهة هذهالتحديات بمفردها في ظل الانغلاق والتشدد والانفراد بالقرار وإقصاء الطاقاتوالكفاءات والقوى الوطنية بكل أطيافها وانتماءاتها السياسية والفكرية. كما تخطئالمعارضة عندما تغلب الموقف السياسي والحزبي وتنفق جهودها في المناكفة والمغالبةالسياسية وتسلك نهج القطيعة بدل التواصل والحوار حتى عندما يصر الطرف المقابل علىهذه القطيعة. وهو رأي يشاركه فيه بمقادير كبيرة الشيخ الفاضل الحبيب اللوز الذي دعا هو أيضا إلى الإصرار على بذل الجهد لجرّ السلطة إلى التحاور حول الشأن التونسي الداعي إلى معاقرة سياسة الإصلاح.  وهو ما يؤكّد عليه الأخ النوري هنا بالقول: المطلوب حوار وطني مفتوح حول الشأنالاقتصادي يشارك فيه الجميع من أجل مصلحة الجميع. ويقترح لذلك: لنتصور فرضا لو خصصت الأحزاب السياسيةالقانونية وغير القانونية والمنظمات والجماعات الوطنية لفترة محددة من الزمن حيزامن اهتمامها في إيجاد خلايا تفكير وورشات عمل حول هذه التحديات والمصاعب التيتستقبلها البلاد بدلا من إهدار الوقت والجهد في التنازع والاشتباك السياسي الذي لايتعلق بالتحديات الحقيقية للبلاد مع تأكيد حق الجميع في المطالبة الجادة والمسئولةبالإصلاحات السياسية ؟ أليس ذلك أجدى وأنفع للجميع؟ وأكرّر أليس ذلك أجدى وأنفع؟!  

حول الشأن النهضوي:

 

استدرجت (أي حركة النهضة) لمواجهة غير متكافئة وحصل ما حصل خلال مرحلة التسعينات من مظلمة ومأساة لميشهد لها تاريخ البلاد مثيلا على الإطلاق!

واليوم، وبعد هذه التجربة الطويلة والمليئةبالأحداث والمعاناة، لا بد من استخلاص الدروس والعظات والوقوف عند مواطن النجاحوالإخفاق دون تردد أو مداراة.

خلال هذه المحنةالأخيرة نجحت الحركة في تفادي الكارثة وتجاوز المحنة وان كانت التكاليف باهظة.ونجحت أيضا في الحفاظ على وحدتها وخطها الفكري وصورتها السلمية المدنية وحضورهاالسياسي والمعنوي لدى شريحة هامة من أبنائها والمتعاطفين معها. ونجحت في تجنيبالبلاد مهالك العنف والعنف المضاد على عكس ما حصل في الدول المجاورة. هذا كله يحسبللحركة. ولكن ما يحسب عليها ليس بالهيّن أيضا. فقد دخلت في اشتباك خاطئ وغير محسوبوالدخول في معركة غير متكافئة ومحسومة النتائج سلفا. ولا يعفيها قبولها للاستدراجمن المسؤولية ولا شراسة الهجمة الاستئصالية التي تعرضتإليها. كان منالأجدى والأصوب على القيادة الإنصات لأصوات التهدئة والتعقل والصبر التي أطلقت فيالإبان من قبل العديدين في صفوفها. أخطأت أيضا في تقدير حجم الخسائر التي كانتمقدمة عليها منذ البداية وحجم المعاناة التي تلظى بها أبناؤها وأنصارها وكلالمتعاطفين معها. أخطأت أيضا في كيفية التعامل مع الغاضبين والمنسحبين من صفوفهاولم تفلح في الحفاظ على علاقة إيجابية معهم. أخطأت أخيرا في ضعف تفاعلها معالتحولات التي طرأت في الواقع ومراهنتها على التغيير العاجل وعجزها على اختراق جدارالتكلس والانغلاق بكل الوسائل والأشكال. وتخطئ كثيرا في المرحلة القادمة إذا أصرتعلى نفس السلوك ولم تنصت لتعبيرات القلق والاحتجاج ودعوات الإصلاح والتجديد من داخلالحركة وخارجها. إن أمامها تحديات وأولويات ثلاث أساسية: التكيف السياسي مع الواقع بعقلانيةوانفتاح، التشبث بالمبادئ ومقاومة كل ملاحقة فكرية من أي طرف كان تمس بالثوابتوالهوية، التجدد والتشبيب والتداول على المسؤولية منعا لاستنساخ الواقع الذي تسعىلإصلاحه وتغييره. فلا يمكن أن نطالب بالإصلاح من الآخر ونستنكف عن استحقاقاته فيالداخل !

حول المصالحة:

 

المصالحة، في تقديري، هي خط وخيار استراتيجيلحركة النهضة منذ تأسيسها ليومنا هذا، وهو ما أقرته آلية الشورى في مؤسساتها طيلةمسيرتها الطويلة. وما حدث لها خلال التسعينات من مواجهة واشتباك خاطئ، إنما هواستثناء وليس أصلا في خطها الفكري والسياسي برغم الإخلال والانحرافات التي طرأت علىهذا الخط. ومن يشكك في هذا التقدير ما عليه سوى الرجوع إلى مقررات الحركة ونصوصهاوأدبياتها للوقوف على هذا الثابت من ثوابتها.

نعم لقد أخطأت الحركة مثلما أخطأ غيرهاسواء كان في السلطة أو في المعارضة. و قد اعترفت بذلك وأعلنته وان كان بشكل محتشموغير كاف ومن حق الآخرين أن يطلبوا منها مراجعة من حجم أكبر نظرا لخطئها في التقديروقبولها للاستدراج لما خطط له الآخرون ولا حرج في ذلك فالواجب الوطني يدعو الجميعإلى مراجعات عميقة في كثير من الأمور والحركة الإسلامية مدعوة مثل غيرها وحتى قبلغيرها لهذا الطلب المشروع لاعتبارات متعددة منها ارتباطها بما حصل ومسؤوليتهاالشرعية والتاريخية التي تدعوها إلى المراجعة ومحاسبة الذات والدور الذي يناط بهافي المستقبل باعتبارها طرفا أساسيا في البلاد لا يمكن شطبه مهما كانت المحاولات وقدأثبتت الأيام ذلك.

والمقصود من هذا ليس الحركة ككيان تنظيمي فحسب، فقد أصاب هذا الكيان ماأصابه، وبقيت الحركة كمشروع وفكرة ورسالة وتيار يلتقي حوله الكثيرون برغم الاختلاففي تقدير الموقف واختيار النهج الصائب للإصلاح والتدارك. في هذا الإطار وبحكم عمق الأزمة التيشهدتها الحركة والبلاد طيلة هذه المحنة القاسية لا ضير أن تتباين الآراء وتختلفالأطروحات إزاء صوابية المنهج وسلامة الخيار. ولذلك ليس الخلاف السائد في أوساطالحركة اليوم في جوهره وأقول في جوهره، حول أصل الخيار أي المصالحة والوفاق والحوارمع الآخر في السلطة والمعارضة وإنما في تنزيل هذا الخيار اليوم على ارض الواقعباعتبار رفض الطرف المقابل المرجو التصالح معه لهذا المطلب وإصراره على ممارسةسياسة الإباء المتواصل لطي الصفحة والبحث عن سبل التفاهم عوضا عن التنافيوالإقصاء.الخلافإذن في التنزيل. وبعد ذلك يضيف: « ومن جهة ثانية أضحت أطروحة المصالحة بمثابةالبضاعة الكاسدة في سوق المزادات العلنية من جراء الطرح الخاطئ لهذا المشروعالاستراتيجي الهام الذي يرتبط بمصيره مستقبل البلاد« .  

المصالحةفي فهمي إذن ليست مجرد تعبير عن مرحلة ولا هي أمنية أو عاطفة عارضة لبعض الواهمينكما يعبر عن ذلك بعض أنصار الرأي الآخر، وإنما هي مشروع طويل الأمد وخيار لا رجعةفيه ولا مفر من اللجوء إليه لصالح الجميع. إنها مشروع مجتمعي يهدف إلى إلغاء عوائقالماضي وعوامل استمراره في المستقبل وتصحيح ما ترتب عنه من ظلم ومآسي وأخطاءوالقطع نهائيا مع منهج الاشتباك والتصادم والمغالبة والتأسيس لانجاز وفاق وطني شامللإنهاء الضغائن والأحقاد وإعادة صياغة علاقات إيجابية تضامنية بين الدولةوالمجتمع.

ثمّ يخضع المصالحة إلى التعبير الاقتصادي إن صحّ التعبير فيقول: المصالحة هي عملية تشاركية وتفاعلية وليست مجرد إملاءات على طرف واحد يحكمها قانون العرض والطلب بالمعنىالاقتصادي إن شئنا. فالتركيز على جانب الطلب وإغفال جانب العرض يؤدي إلى خلل فيالمعادلة وينتهي بالمشروع إلى أزمة وما مفهوم الأزمة في النهاية سوى خلل حاد بينالعرض والطلب.  

ثمّ يواصل الحديث عن عنصري المصالحة فيقول: صحيح أن السلطةغير حريصة في هذه اللحظة على المصالحة بالمفهوم الذي تبلوره رؤية التصعيد والمغالبةفي أوساط المعارضة وفي داخل الحركة أيضا ولكن كيف يرجى من الطرف الأقوى والمهيمن أنيكون حريصا على ذلك في حين أن الضحية التي تعاني المأساة ليست أحرص منه ولا يدلسلوكها في كثير من الأحيان على شيء من ذلك؟ أما القول بان السلطة لم تصدر منها إشاراتعملية في هذا الاتجاه، فهو كلام غير دقيق ويحتاج إلى تصويب. إن سلوك السلطة تجاهالحركة خلال السنوات الخمس الماضية على الأقل، شهد بعض التطور الايجابي وان كان لايزال منقوصا ودون المأمول بكثير ولكنه يختلف كليا عن السنوات العجاف التي سبقت.المطلوب ليس إنكار هذه الحقيقة والترفيع غير المجدي في سقف المطالب ولو كانت مشروعة، ولكن الحكمة تقتضي تسجيل الإيجابيات وتعزيزها بسلوك أرْشد في اتجاه تفكيك الأزمةوليس في اتجاه تكريسها. ثمّ يواصل قائلا: إذا رأيتمالمداحين فاحثوا في وجوههم الترابٌ، كما جاء في الحديث الشريف. وكذلك، ليس المسلمبالسّباب ولا بالفاحش ولا اللعان ولا البذيء! هذا هو الخطاب المطلوب الذي ينتجالمصالحة ويقود إلى التفاهم.  

حول الدّاخل والخارج:

 

…والمتأمل في خطابالداخل من خلال التصريحات التي صدرت لحد الآن يلمس تطورا إيجابيا ملحوظا ووعيامتناميا بحجم التحديات المطروحة على الحركة والبلاد. ونأمل أن يهتدي الإخوة فيالداخل إلى سلوك رشيد ينقلون به الوضع الراهن من الركود السلبي إلى حالة جديدة منالحراك الإيجابي. وهم قادرون على ذلك بحول الله! الانحباس السياسي لا يمكن تجاهله. ولكنالمطلوب ليس الاحتماء به لتبرير الانحباس الفكري والعجز عن الفعل ولكن كيف الوصوللكسر الحواجز النفسية والسياسية وبناء جسور مع الكل لطي الصفحة والتخطيط للمستقبل. أنا أقول هذا ممكن وليس مستحيلا كما يتصور البعض. لم نبذل الجهود الكافية لتحقيقذلك. والجهود التي بذلت لم تكن في إطار منهج متكامل يعضد بعضه بعضا. هذا هو التحديالعسير المطروح بإلحاح. أما عن اتصال السلطة بي فهذا لم يحصل والحركة في تقديري،ترحب بكل حوار إيجابي لمعالجة الأمور العالقة.

 

حول حركة 18 أكتوبر.

إذاكان هناك من يراهن على حركة 18 أكتوبر من أجل إحداث التغيير والتداول على السلطةوتحقيق الديمقراطية المكتملة فهذا عين الوهْم. أولا لان القائمين على هذا الفضاء لميطرحوا من ضمن أهدافهم الأولى مثل هذه الطموحات بل نجدهم يطالبون بالحد الأدنىالمقبول سياسيا في هذه المرحلة وهو إطلاق سراح المساجين وعودة المغتربين وحريةالتنظم والتعبير لا أقل من ذلك ولا أكثر. بل كثير من قادة هذه الحركة الناشئةيعتبرون أن موضوع التداول على سبيل المثال ليس مطروحا اليوم في تونس لاعتباراتموضوعية يطول شرحها. وهذا الوعي يجب أن يترجم على أرض الواقع فلا تحيد هذه الحركةعن أهدافها الاصلية وتتوه في بحار الخلافات الفكريةوالايديولوجية!

مع كل ذلك وبرغم هذه الهشاشة والتعثر الذيتشهده هذه الحركة التي فاجأ ظهورها الجميع، فإني اعتقد أنه يمكن أن يكون لهذهالحركة دور إيجابي على الساحة إذا أحسن الجميع التصرف والتعاطي مع الواقع دون تخاذلولا تنطع. ويمكن لها أن تكون صمام أمن سياسي واجتماعي لصالح البلاد والعباد لو ابتعد عنها بعض اللاهثين وراء مصالح حزبية وإيديولوجية لا تخطئها العين البصيرة.

 


 

فى نـابل : تكريم للدكتور هشـام جعيط على الطريقة البورقيبيـة

                                    الاستـاذ فيصـــل الزمنــى : انتظمت  بمركز نيابوليس الثقـافى بمدينة نـابل مساء السبت الفارط  تظـاهرة روج لهـا فى البداية على أساس أنهـا لقـاء مع الدكتور هشام جعيط حول مسيرته العلمية و الفكرية .. حضرهـا جملة من مثقفي الجهة الا أنه و بالحضور على العين فقد اتضح و أن الامر يتعلق بتكريم للدكتور هشام جعيط و ليس لقـاء فكري حول مسيرة الدكتور الفكرية  كمـا تضمنته الدعوات الموجهة للجمهور … و فوجئ الحـاضرون بطريقة غريبة فى التظيم تم بموجبهـا استحداث ركح احتوى على مقاعد و أرائك من الصناعة التقليدية تم استقبال الدكتور هشام عليهـا و كذلك بعض الوجوه من الاساتذة الجامعيين الذين حضروا الحفل .. و قد استغرب جل الحـاضرون من الطريقة  التى تمت بهـا التظـاهرة اذ أنه فسح المجـال للاساتذة الجـامعيين الذين حظروا مع السيد هشام جعيط دون سواهم للتدخل و قد أطنبوا فى تمجيد السيد هشام جعيط الـى أن جعلوا منه  » الــه  »  صغير… على غرار الطريقة التى كـانت تعتمد فى المـاضى عند حضور الرئيس السابق الحبيب بورقيبة .. و تقديمه بعنوان الرجل الذى لا مثيل لـه .. بشكل جعل جل الحـاضرين يستـاؤون … و قد زاد الطين بلة عندمـا أعلن السيد مدير مركز نيابوليس عن الاكتفـاء بخمسة ( 05 ) مداخلات للحاضرين الا أنه سرعـان مـا ألغـاهـا قـائلا بلسانه أنه يتعسف على الحـاضرين و يلغى باقى التدخلات.. هكـذا … بمـا جعل جل الحضور يشعر و أن الرجل لا زال يعيش فى حقبة قديمة تجاوزهـا التـاريخ … بل أكثر من ذلك فان هـذه الاجواء التى أرجعتنـا الـى مـا قبل 1987 قد جعلت من الدكتور جعيط يتذكر بعض الاحاديث التى جمعته مع الرئيس السابق الحبيب بورقيبـة …  و سرد على الجميع احداهـا…  . و هي كلهـا ملابسلات جعلت من الحـاضرين يضيقون بمـا نزل عليهم من اهـانة اذ تمت دعوتهم لحضور لقـاء فكري و اذا به تكريم على طريقة أكل الدهر عليهـا و شرب … ثم تم منع الحـاضرين بمختلف مشاربهم من مثقفين و محـامين و أساتذة .. الخ ..من الكلمة بعد أن تم تنـاول الكلمة من طرف قوم فـاجؤونـا بطريقة تمجيد و تأليه البشـر .. ظننـا أنهـا قد أوريت التراب …  و لم تشذ عن هـذا المنحى الا الاستاذة لطيفة لخضر التى و الحق يقـال قد أبدت بعض التحفظ فى خصوص توجهـات الدكتور جعيط الفكرية .. و هي التى روج لهـا من قبل لـدى تقديم الرجل و كأنهـا منزلة … لا تقبل النقاش . أمـام كل هـذا سجل جل الحـاضرون احتجاجهم منسحبين من المكـان تـاركين التكريم لاهله و على طريقتهم … و لسان حـالهم يتسـاءل هل أن من أعد التظـاهرة بهذه الطريقة … له علم بأننـا فى سنة 2007  أم أنه قد اختلطت عليه الامور؟

موقع تونسي خاص بابن خلدون

 
منذ حوالي شهر تم نشر موقع ابن خلدون للدراسات الانسانية والاجتماعية – موقع الدراسات الخلدونية http://www.exhauss-ibnkhaldoun.com.tn/ هو موقع أكاديمي تونسي أنجزته مؤسسة خاصة للنشر الإلكتروني ويشرف عليه الاستاذ علي بوعزيز  وقد نشأ الموقع كمبادرة خاصة في سياق احتفال تونس بذكرى مرور 600 سنة على وفاة العلامة عبد الرحمان ابن خلدون. ومثلما يوحي به عنوان الموقع فإن محتواه ينحصر  في نشر الدراسات التخصصية في ميداني الانسانيات والاجتماعيات، ويعمل على سد ثغرة كبيرة تخص الدراسات الخلدونية الجادة التي تكاد تفقد على شبكة الانترنات، بما يخول له أن يكون الموقع الالكتروني المرجعي  والمعياري في هذا المضمار. اللغة الأصلية للموقع هي اللغة العربية، وثانويا بحسب الترتيب اللغة الفرنسية واللغة الانقليزية، وعرضيا اللغات الاسبانية والالمانية والايطالية ويهدف الموقع الى: * تطوير نشر وتوسيع حضور الدراسات الاكاديمية العربية التي تعلي من شأن العقلانية وتنتصر للقيم الانسانية وتواكب التحولات المعرفية والبحثية المعاصرة. * إنشاء موقع أكاديمي عربي مرجعي يعادل في مستواه العلمي أفضل المواقع العالمية التخصصية، موقع مستقل عن أي جهة حكومية أو غير حكومية، وحيادي بعيد عن أي تجاذبات مصلحية ضيقة، ويتميز بسرعة رد الفعل ويسر الاستجابة للتحولات المعرفية والاتصالية التي تسم عالمنا المعاصر. * خلق منبر اكاديمي من مستوى عال مفتوح  للجامعيين العرب للتعريف بإنتاجاتهم  حتى لا تبقي منحصرة داخل الحيز الضيق جدا للنشر الورقي التقليدي  الذي لا يتجاوز عدد متصفحيه مئات من الاشخاص. * إيصال نتائج البحث العلمي العربي الى كل مناطق العالم، وفك الانعزالية الاكاديمية العربية. * المساهمة في تطوير البحث العلمي التخصصي في ميداني العلوم الانسانية والاجتماعية. * الابقاء على جذوة الاهتمام بالدراسات الخلدونية حتى لا يبقي اهتماما موسميا مرتبطا بالاحتفالات المناسباتية. * ربط الصلة ما بين جامعيين عرب وأجانب قد لا تتوفر لهم فرص الالتقاء بواسطة الوسائل التقليدية. * استثمار الامكانيات الهائلة التي توفرها شبكة الانترنات لتطوير تقاليد البحث العلمي التعاوني ما بين جامعيين من نفس الاختصاص أو من اختصاصات مختلفة. (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 11 جوان 2007)

 


 

تصدير الفكر العلماني.. من تونس

آمال موسى (*) بالاستناد إلى الأرقام الرسمية، فإن عدد الجمعيات في تونس يبلغ أكثر من 7000 جمعية، الشيء الذي جعل الدولة تخصص يوما سنويا تطلق عليه اليوم الوطني للجمعيات. وبصرف النظر عن مدى فعالية مثل هذا العدد الضخم، حيث أنه يبقى على الأقل في المستوى الدلالي الأول، ملمحا من ملامح بناء المجتمع المدني، فإن ما يعنينا بالأساس في هذا المقال، الخبر الذي تم تداوله داخل تونس وخارجها، حول تأسيس جمعية تونسية للدفاع عن العلمانية. وإذا كان تأسيس آلاف الجمعيات في تونس، قد مر مرور الكرام ومن دون جدل يذكر، فإن الأمر في هذه المرة بدا مختلفا، إذ وجد الكثيرون صعوبة في هضم هكذا جمعية، رغم أنها لم تتحصل بعد على التأشيرة القانونية. ولعل الأسئلة التي تتبادر الى الذهن هي: هل أن العلمانية مهددة في تونس، الشيء الذي يستوجب الدفاع عنها. في البداية لا بد من الإشارة إلى أن هذه المبادرة تحمل إمضاء عدد من المثقفين والمثقفات ورجال ونساء القانون والجامعيين والجامعيات التونسيين. وقد قاموا بنشر النص التأسيسي الخاص بمبادرة تأسيس الجمعية الثقافية التونسية للدفاع عن العلمانية في أكثر من موقع إعلامي. وكي يرفعوا عن مبادرتهم أي تبعية للدولة، وأي غطاء سياسي فإنهم حرصوا على وصف جمعيتهم بـ«الثقافية»، وتأكيدهم في ديباجة النص التأسيسي أن مبادرتهم ذات طابع ثقافي وفكري، وليست طرفا في الصراعات الحزبية ذات الطابع السياسي المباشر. وفي الحقيقة أن هذه المبادرة الأولى من نوعها في تونس ليست مفاجأة، وذلك لأسباب تاريخية وثقافية، حيث أن الراحل الحبيب بورقيبة، كان قد عبر في الصحف الفرنسية قبل حصول تونس على الاستقلال عن ميوله لإرساء دولة علمانية، من دون أن ننسى أن مجموعة الإصلاحات التأسيسية، التي أسستها النخبة السياسية الأولى، في فترة الاستقلال الأولى عملت على تفكيك الهياكل ذات البنى التقليدية والدينية، وهي إصلاحات تقيم الدليل على محاولة تجسيد دولة علمانية تستند إلى محاكم مدنية وضعية، خصوصا أن بورقيبة قام بإلغاء المحاكم الشرعية والتعليم الزيتوني والأوقاف الخاصة والعامة والمشتركة. كما أن الفعل السياسي الذي ساد الدولة الوطنية التونسية، لم يخل من مظاهر وتوجهات علمانية واضحة. ولعل المتابع لبعض الملفات، التي اشتد وطيسها في الأشهر الأخيرة في تونس، يدرك أسباب إلحاح أصحاب هذه المبادرة على خلع الجبة السياسية، استنادا الى خلفية مواجهة الدولة لظاهرة الحجاب، وأيضا تسلسل مجموعة من السلفية الجهادية في نهاية العام الماضي الى داخل البلاد، وقد آل الموقف الى مواجهة دوى فيها الرصاص. ولكن عندما نتمعن في مفهوم العلمانية، التي أسست مرجعيتها من فلسفة الأنوار، وتمثل نوعا من العلاقات الممكنة بين الدين والدولة، وهي علاقة الفصل، فإننا لا نجد ما يقلق هذه المجموعة العلمانية الثقافية. أما إذا كانت هذه المبادرة تسعى للتصدي إلى ظواهر اجتماعية دينية وإلى بعض التغييرات التي طرأت على المعيش الديني للمجتمع التونسي، فإن مشروع الجمعية التونسية للدفاع عن العلمانية يصبح سلاحا ذا حدين. وما يجعلنا نميل قليلا إلى هذه الفرضية هو إشارة أصحاب المبادرة إلى ما يتميز به المحيط العربي الإسلامي بمواصلة استهجان العلمانية، واعتبارها دخيلة وغريبة على المجتمعات العربية والإسلامية. ولكن هل يمكن لجمعية تونسية تهدف إلى الدفاع عن العلمانية أن تنجح في ما فشلت فيه قوى ليبرالية ذات تاريخ طويل؟ نطرح هذا السؤال لأن المشروع التحديثي، الذي تبنته تونس إبان استقلالها ما زال الى اليوم يثير الجدل والرفض في أوساط عربية كثيرة، فما بالنا بجمعية صغيرة محدودة في آليات العمل وتعلن بصريح العبارة والمعنى سعيها إلى نشر قيم العلمانية ومحو الانتكاسة التي تشهدها بعض مظاهر العلمانية في مجتمعاتنا. إنها بعض أسئلة أثارها خبر نية تأسيس جمعية ثقافية للدفاع عن العلمانية، مع ضمان حق أصحاب هذه المبادرة في التعبير عن طروحاتهم وتحديد الإطار المناسب لها. حتى ان جرأتهم في التعاطي بصوت عال مع مفاهيم (كالعلمانية واللائكية)، تثير حساسية فئات عريضة من مجتمعاتنا، تحسب لهم، خصوصا إذا ما نجحوا في الدفاع عن فكرة تخليص الديني من توظيف الساسة وإقحامه في مناورات تحط من هيبة ما هو ديني. (*) كاتبة وشاعرة من تونس (المصدر: صحيفة « الشرق الأوسط » (يومية – لندن) الصادرة يوم 11 جوان 2007)  


مشروع « الإتحاد المتوسطي » يرمي لإحياء الدور الفرنسي

تونس – رشيد خشانة بين الخطاب الذي ألقاه المرشح للرئاسة الفرنسية نيكولا ساركوزي في فبراير الماضي في مدينة تولون، جنوب فرنسا (حيث الحضور القوي للجاليات المغاربية)، والعرض الذي قدمه جون بيير جويي، وزير الشؤون الأوروبية في حكومة ساركوزي، أمام وزراء خارجية دول « المنتدى المتوسطي » في جزيرة « كريت » اليونانية يوم 2 يونيو الجاري.. .. تبلور مشروع « الإتحاد المتوسطي » الذي تحمل لواءه الإدارة الساركوزية، بُغية استعادة فرنسا مكانتها في منطقة نفوذها التقليدية ومواجهة التمدد الأمريكي – الآسيوي. والثابت، أن المشروع اختمر فترة طويلة قبل أن يكشف النقاب عن بعض ملامح ساركوزي نفسه في حفل تسلمه لمهامه يوم 16 مايو الماضي. وأكد مصدر فرنسي، رفض الكشف عن هويته لسويس أنفو، أن باريس تعمّـدت استثمار الاجتماع غير الرسمي للمنتدى، الذي جمع مؤخرا في اليونان 11 وزير خارجية من البلدان المطلة على البحر المتوسط، كي تقيس ردود الفعل على المشروع، خاصة أن بينهم من عارضه، مثل تركيا، ومن أيّـده مثل البرتغال، واعتبر المصدر أن الدعم البرتغالي الواضح، يشكل ورقة مهمة للمستقبل لأن البرتغاليين سيتسلون الرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي من أيدي ألمانيا مطلع الشهر المقبل. والظاهر، أن العرض الذي قدّمه الوزير جويي (باقتراح من وزير الخارجية البرتغالي)، أطفأ ظمأ الكثيرين، بمن فيهم بعض الأوروبيين الذين كان المشروع الفرنسي يُثير حفيظتهم أو على الأقل يُشوقهم لمعرفة مضامينه، أما الأمريكيون، الذين لم يكونوا أقل شوقا للإطلاع على تفاصيله، فنالوا مبتغاهم بالنهل من النبع خلال قمة بوش – ساركوزي في هايليغندام بألمانيا على هامش قمة الدول الصناعية الكبرى، لكن هل يمكن القول أن قسمات المشروع باتت جلية بعد كل ذلك؟ مسار أوروبي متوسطي أعرج جديد المبادرة الفرنسية، أنها طرحت صيغة للعلاقات الأوروبية المتوسطية أعلى من سقف مسار برشلونة، لا بل هي ترقى إلى مستوى العلاقات بين أعضاء الإتحاد الأوروبي، ما دام الأمر يتعلق باتحاد وليس بشراكة، وهي أتت صدى للانتقادات اللاذعة والمتنوعة التي صبّـها أصحابها، من الجنوب والشمال على حد سواء، على المسار الأوروبي المتوسطي الأعرج، وخاصة بمناسبة إحياء الذكرى العاشرة لانطلاقه في برشلونة نفسها، ولعل هذا ما حمل سياسيين وأكاديميين من الضفة الجنوبية، على إبداء تفاؤلهم بالمشروع الفرنسي الجديد. ويعتقد الكاتب والباحث التونسي أحمد ونيس، أن المشروع يمكن أن يعمق المسار الأوروبي المتوسطي ويسد الثغرات والتشققات، التي ظهرت في جداره، وعزا ونيس، الذي عمل سفيرا لبلاده في مدريد وموسكو وعواصم أخرى، في تصريح لسويس انفو ذلك التفاؤل، إلى أن المفهوم نفسه ينبني على فكرة الإتحاد، « فهو معادل للإتحاد الأوروبي، لكن في حقل جغرافي واقتصادي مُغاير، ومعنى هذا، أن هناك عقلية جديدة تذهب إلى مدى أبعد من مفهوم الشراكة، أي إلى نظير للإتحاد الأوروبي ». وشاطر هذا الرأي رئيس الوزراء الجزائري الأسبق إسماعيل حمداني، إلا أنه شدد على ضرورة إدماج ثلاثة أبعاد جوهرية في بنية الإتحاد المزمع إنشاؤه، وهي صوغ مفهوم مشترك للإرهاب، مع التخلي عن ربطه بالمسلمين، سكان الضفة الجنوبية (لأن لكل دين متطرفيه) والارتكاز على مفهوم المصالح المتوازنة ومكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بإرساء فكرة الأمن الجماعي، وقال لسويس أنفو، « إن مسار برشلونة لم يستطع استيعاب هذه الأبعاد وإيجاد أجوبة واضحة عليها ». ورأى أنطونيو دياس فارينا، الأمين العام لأكاديمية العلوم السياسية في لشبونة، أن الإتحاد المتوسطي هو أفضل رد على التقلبات التي تعصف بالمنطقة، واعتبره وسيلة فعالة لتعزيز الاستقرار وإقامة حوار بين الحضارات والأديان المنتشرة على ضفتي هذا البحر. غير أن هذا المشروع لن يكون محصنا من المطبّـات، التي وقع فيها مسار برشلونة، مما يطرح أسئلة عدة عن الضمانات التي ينبغي تأمينها لوضعه على السكة. وفي رأي السفير ونيس، أن الانطلاق من فكرة الإتحاد، يُبعد المخاطر والمزالق، لأنه يتعدى المنظومة المبنية على الشراكة ويؤمِّـن الضمانات لتحقيق الغايات المأمولة من الإتحاد. ضعف ومسؤولية مشتركة لكن ما دام مسار برشلونة قد أظهر ضُـعف الإرادة، التي تدفع الأوروبيين لتطوير الشراكة، فما الذي يضمن أنها ستكون أقوى زخما وأشد مضاء في المشروع الجديد؟ أجاب ونيس على هذا السؤال بالعودة إلى أسباب تعثر مسار برشلونة، راميا الكرة في الملعبين معا، إذ أكد أن الضعف لوحظ لدى الجانبين والمسؤولية مشتركة، واستدل بتجربة أوروبا الشرقية والوسطى « اللتين حققتا الغايات المرسومة للشراكة، إذ انطلقتا من روحها قبل الانضمام للإتحاد الأوروبي »، على حد تعبيره. وأوضح أن إرادة تلك البلدان كانت « القبول بإصلاح النظام الاقتصادي، ولكن أيضا إصلاح أنظمتها السياسية وإقامة المؤسسات وإرساء التعددية وصون حقوق الإنسان وإطلاق حرية الإعلام واحترام استقلال القضاء وإصلاح النظام التعليمي، وهي خطوات لم تحققها بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط في ذلك الحيز الزمني، نفسه لأنها كانت متعلقة بتدفق التمويلات الأوروبية والمحافظة على الامتيازات، التي أتت بها اتفاقات سنة 1976 مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية ». لكنه أكد أن بلدان أوروبا الشرقية والوسطى، حصلت على تمويلات أكبر ومساعدات من البنك الدولي، كانت مخصصة للمنطقة المتوسطية، بينما لم نستفد منها نحن في المتوسط، بسبب تركيبة الشراكة، ومع ذلك، رأى أن للإتحاد الأوروبي نصيبه من المسؤولية عن إخفاق الشراكة، لأنه لم يف بالوعد في قضايا الشرق الأوسط، بل ظل يخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة، وهو لا زال يتّـهم المقاومة في الأراضي المحتلة بأنها إرهابا، ويسلط العقوبات على سوريا، بينما أراضيها محتلة، ولم يسلطها على الدولة المجرمة. ولما اندلعت الحرب في لبنان، رفض وقفها لأكثر من شهر، مع أن لبنان شريك للإتحاد، وهو يعلم أن الدولة اللبنانية غير قادرة على الدفاع، لأنها تحت سيف المقاطعة. لكن على أي استخلاصات من مسار برشلونة أقام الفرنسيون مشروعهم الجديد؟ يوجد في أساس مشروع ساركوزي، تقرير وضعته نخبة من المخططين، مؤلفة من أكاديميين ورجال سياسة ودبلوماسيين بطلب من ساركوزي نفسه لما كان مرشحا للرئاسة، وأطلق عليه اصطلاحا عنوان « تقرير ابن سينا »، تيمنا ربما باسم الطبيب والفيلسوف المسلم المعروف. ومن العناصر الجديدة في التقرير، مؤاخذته دول الإتحاد الأوروبي على تركيزها على العلاقات مع الحكومات في دول جنوب المتوسط وقلة سعيها لربط الجسور مع المجتمعات المدنية، وبخاصة المنظمات الأهلية، ذات الثقل والمصداقية في بلدانها، لكنه حث على الحذر أيضا من الحوار مع الأصوليين، مُكتفيا بالإشارة إلى ضرورة الاتجاه إلى القوى الإسلامية المعتدلة الرافضة للعنف، مع دفع السلطات الحاكمة في البلدان المتوسطية إلى التخلي عن نهج الانغلاق ومحاربة المعارضين المسالمين. وطبعا، توجد العلاقات الفرنسية – المتوسطية في قلب هذه الرؤية، لأن ساركوزي يعكف مع فريقه الجديد على تحسين مركز فرنسا الإقليمي والدولي على السواء، في إطار قوس يمتد من ضفاف البوسفور في تركيا إلى ضفاف الأطلسي في موريتانيا. مصالح فرنسا العليا ويعتقد الأكاديمي الإسباني خوان أنتونيو شافاريا، أن الانطلاق من هذه الزاوية، ليس ذنبا ولا عيبا، وإنما هو سبيل لبناء العلاقات في المستقبل على أساس المصلحة الجماعية والمنفعة المتبادلة، ويستدل شافاريا، وهو استاذ في جامعة مدريد للآداب الإسبانية وعضو مؤسسة « الإرث الأندلسي » الإسبانية، على صحة هذا المنظور، بالإرث الثقافي المشترك الذي تبادله سكان ضفتي المتوسط على مدى العصور، والذي جسده معمار قصر الحمراء في الأندلس. ويلتقي عند هذه النقطة المركزية، مشروع ساركوزي ومبادرة سلفه شيراك، التي عرضها رئيس وزرائه دومينيك دوفيلبان في خطاب ألقاه في معهد العالم العربي في باريس يوم 20 مارس الماضي، والذي طرح من خلاله شراكة جديدة على بلدان المغرب العربي. وانبنت مبادرة شيراك أيضا على عمل طويل، قام به فريق من الخبراء برئاسة أمين عام وزارة الخارجية آنذاك فيليب فور. ولاشك أن هناك رؤى مشتركة بين الطاقم الذي ساعد شيراك وذاك الذي طبخ مشروع خلفه، فكلاهما ينظر إلى مصالح فرنسا العليا، خاصة وهما ينتميان إلى تيار سياسي واحد. والجدير بالذكر أن دوفيلبان عرض أربعة محاور رئيسية لتلك الشراكة الجديدة المعروضة على بلدان الإتحاد المغاربي، والتي قال إنه يمكن توسيعها إلى باقي البلدان المتوسطية، وهي تعزيز مكانة اللغة الفرنسية في المغرب العربي وتطوير الشراكة في مجالي التكوين والبحث العلمي وإرساء تعاون متطور في قطاع الإعلام السمعي والبصري وربط علاقات متينة بين المنظمات الأهلية في الجانبين. وطبعا، ثمة فوارق جوهرية بين المبادرتين، لأن مشروع ساركوزي يتوجه إلى جميع البلدان المتوسطية الشريكة للإتحاد الأوروبي (عشرة بلدان)، ويعرض عليها اتحادا شاملا، وليس مجرد شراكة، وإن لم تتوضح بعد أسُـس هذا الإتحاد. رفض وتساؤلات غير أن الأتراك الذين تعهد ساركوزي بإيصاد أبواب الإتحاد الأوروبي في وجوهم، سارعوا لرفض الإتحاد المتوسطي، مُعتبرين أن المطروح عليهم الانضمام للإتحاد الأوروبي، وليس مقعدا صغيرا في اتحاد من الدرجة الثانية، وقالوا على لسان وزير خارجيتهم عبد الله غل، إن الإتحادين كيانان مختلفان بعضهما عن بعض. كما أن بعض النخب في المغرب العربي تتساءل عن مدى قابلية المشروع للتحقيق، بعدما رفض الإتحاد الأوروبي طلب العضوية الذي سبق أن تقدم به ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، فضلا عن الضيق الشديد من ترشح تركيا لعضوية الإتحاد. وطالما أن بلدا في حجم تركيا أعلن رفضه الانضمام إلى الإتحاد المتوسطي، المنوي إنشاؤه، وأن بلدانا أوروبية منافسة لفرنسا وقوى أخرى من خارج المنطقة، مثل الإدارة الأمريكية، ستسعى لتعطيله أو ربما قص أجنحته. فهل سيكون بمقدوره أن يطير يوما ويحلِّـق في سماء المتوسط؟ (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 11 جوان 2007)


فيلم فلسطيني يحصد ذهبية مهرجان تونس

 
عاطف دغلس- نابلس فاز الفيلم الفلسطيني « أنا في القدس » بالمرتبة الأولى في مهرجان الاتحاد العربي للإذاعة والتلفزيون الثالث عشر في تونس، الذي أقيم في الفترة  2-7 يونيو/حزيران 2007. تدور قصة الفيلم ومدته 35 دقيقة حول طفل فلسطيني يدعى عبد الله يأتي لزيارة القدس لأول مرة بحياته، ويستخدم كافة الطرق للدخول إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه. وعبر هذه الحبكة البسيطة، يتعرف عبد الله على الحياة اليومية القاسية لسكان القدس وممارسات الاحتلال الإسرائيلي القمعية. منى الجريدي مخرجة الفيلم قالت للجزيرة نت إن المهرجان شهد منافسة كبيرة حتى تمكن الفيلم من لفت انتباه لجنة التحكيم والجمهور لأنه اعتبر شكلا جديدا من أشكال الأفلام الوثائقية يعكس من خلال الصورة قوة الأحداث المتتالية مع تغييب لعنصري السيناريو والحوار ». وحول أسباب اختيار عنوان الفيلم، أوضحت الجريدي أن هذا العمل يأتي بعد أربعين عاما من احتلال مدينة القدس التي تتعرض لتجاهل إعلامي « رغم أنها تتعرض لأخطر أنواع التهويد، وتتعرض لحصار وعزلة عن العالم، وإن قضية القدس يتم تناولها فقط كقصة مسجد الأقصى والمقدسات، رغم أن هناك قضايا أخرى أهم، وأهمها التهويد وطرد سكانها العرب وعزلتهم ». ويتناول الفلم في محاوره، طمس الهوية الفلسطينية، وأن الصراع الذي يظهر ليس صراعا دينيا كما يعكسه اليهود، وإنما صراع أرض مسلوبة وتشريد أهلها، وتهويد ملامحها حتى إن العلم الإسرائيلي يظهر في الفيلم على شطيرة الفلافل التي تباع بالقدس. العودة للقدس لكن وبالرغم من كل هذه المعوقات والعراقيل يتعهد بطل فيلم « أنا في القدس » بالعودة إلى المدينة المقدسة قائلاً باللهجة الفلسطينية العامة « حوصلك حتى لو عارف إني ممكن أموت، حوصلك ولازم حتحسي بلي حبك موت ».  المخرجة الجريدي تحدثت إلى الجزيرة نت عن صعوبة التصوير وإدخال الكاميرات إلى الأماكن الحساسة « التي يتواجد فيها اليهود كحائط البراق وكون مدينة القدس محتلة إضافة إلى عفوية الطفل الممثل وصعوبة توجيهه إخراجيا كونه ليس ممثلا محترفا ».  من جهته أكد أحمد زكي من مؤسسة « بال ميديا للإعلام » المنتجة للفيلم، في تصريح للجزيرة نت أن هذا الفوز يعد انتصارا لقضية القدس وفلسطين، مشيرا إلى أن مؤسسة بال ميديا قدمت سبعة أفلام في قضايا مختلفة كالجدار العازل والحصار، كذلك قدمت أغنيتين مصورتين عن التراث الشعبي بصوت الفنان الفلسطيني عمار حسن.  وشارك في مسابقة هذا العام 176 عملا تلفزيونيا وإذاعيا من مختلف البرامج الدرامية والأفلام وبرامج وثائقية وبرامج الأطفال والمنوعات.  وينظم المهرجان الذي يتخذ من تونس مقرا له منذ سنة 1981 مسابقة مرة كل سنتين بالتعاون مع مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التونسية. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 10 جوان 2007)

 


 

العوا: أدعو الإخوان إلى ترك العمل السياسي

 
حوار – إسلام عبد العزيز فرحات دعا الدكتور محمد سليم العوا الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين، جماعة الإخوان المسلمين إلى ترك العمل السياسي بكل مفرداته، والتوقف عن ممارسة الحقوق السياسية، والتوجه نحو التربية والعمل الاجتماعي؛ لأن الوقت غير مناسب لهذا العمل.  وأكد العوا أن هذا الاقتراح قديم منذ عام 1995، وقد قبله فريق من الجماعة ورفضه القائمون على صناعة القرار داخلها، مشيرا إلى ضرورة الاهتمام بالجانب التربوي والاجتماعي داخل المجتمع الذي بدأ يعاني من الانهيار في تلك الجوانب. جاء ذلك في حوار خاص لـ »إسلام أون لاين.نت » على هامش مؤتمر « الإفتاء في عالم مفتوح » والذي عقد في الكويت في الفترة من 26 إلى  28/5/2007م. وشدد العوا على أنه من أكثر الداعين لضرورة إيجاد علاقات طبيعية وتواؤم مع المسيحيين داخل المجتمع المصري.. مؤكدا في الوقت ذاته على أنه يدعو للوقوف بقوة في وجه الاستقواء بالخارج، وفي وجه حرمان المسلمين من حقوقهم.. مقررا أن تخوف بعضهم من وجود المادة الثانية في الدستور المصري تخوف مدعى، ولا أساس له من الصحة. وأوضح كذلك أن خروج قادة الجماعة الإسلامية إلى المجتمع، ومشاركتهم الأخيرة في مؤتمر الشريعة والهوية والدستور يعد ظاهرة صحية، ودليلا على نبذهم الحقيقي لثقافة العنف التي كانوا يؤمنون بها من قبل، مؤكدا على أنه يرى مراجعاتهم حقيقية وليست محل شك. قضايا كثيرة ناقشناها مع المفكر الإسلامي د.محمد سليم العوا في الحلقة الثانية من هذا الحوار، أفرزت العديد من الرؤى التي قد تكون محل قبول من البعض، ونقاش من الكثيرين، فإلى التفاصيل.. ** مؤتمر الشريعة والهوية والدستور الذي عقدته جمعية مصر للثقافة والحوار التي ترأسها فضيلتكم.. هذا المؤتمر شهد وجود قيادات من الجماعة الإسلامية بعد خروجهم من السجن.. فماذا يعني هذا التحول من وجهة نظركم؛ وكيف ترون مستقبل الجماعة؛ وما رؤيتكم للمراجعات في الأساس؟  ** مراجعات الجماعة الإسلامية صحيحة وقد تخلوا بالفعل عن فكرة العنف. – في الحقيقة ما صدر من تقارير إعلامية عن مؤتمر الشريعة والهوية والدستور تؤكد أنه كان مؤتمرًا ناجحًا بالمقاييس كلها؛ لأنه قد أدى غرضه، وقد كان غرضنا من هذا المؤتمر أن نقول إن قضية الإسلام والهوية الإسلامية وتطبيق الشريعة ليست قضية جماعة الإخوان المسلمين، ولا قضية الجمعية الشرعية، ولا قضية حزب الدعوة في العراق أو في إيران، إنما هي قضية كل مسلم في كل بلد إسلامي. ونحن مسلمون لا ننتمي إلى حزب ولا إلى جماعة؛ ونطالب بأن تكون الهوية الإسلامية منعكسة في الوثائق السياسية المصرية، وأن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وتستمر كذلك، ويزداد نطاق إعمالها في كل قوانيننا وفي كل تطبيقاتنا القضائية.. لهذا عقدنا المؤتمر، وكان بهذا المعنى مؤتمرا ناجحا عبر عن هذه الفكرة. نجاح المؤتمر أيضا تمثل في أننا دعونا كل الاتجاهات الموافقة والمخالفة، المسلمة والمسيحية، ولم نستثنِ أحدا.. نظن أننا حققنا رسالتنا التي أردنا أن نوجهها إلى جمهور الأمة وإلى الحكام وإلى المثقفين. القضية الثانية في هذا الأمر والتي ذكرتها أنت.. هي ظهور قيادات الجماعة الإسلامية في المؤتمر.. وأنا شخصيا اعتبرت هذا الأمر عاملا من أهم عوامل نجاح المؤتمر؛ لأن إخواننا في الجماعة الإسلامية لم يشتركوا في أي نشاط عام منذ أن خرجوا من السجون، بل يقاطعون النشاطات العامة، يدعون إليها ولا يذهبون.. فلما دعوا إلى مؤتمرنا جاء منهم أكثر من 15 شخصًا، وكان منهم الشيخ عصام دربالة، والشيخ عاصم عبد الماجد، وعدد من المسئولين عن موقعهم على الإنترنت الذين يعكسون موقفهم من الإعلام، وعدد آخر من القيادات الوسيطة. ويعني لي قبولهم حضور هذا المؤتمر أشياء مهمة جدا.. منها أن هناك نوعا من الثقة في هذه الفكرة التي تقوم على جمع المجتمع المصري على قلب رجل واحد، دون تعصب ولا غلو ولا مباشرة للعمل السياسي. المعنى الثاني هو استعداد هذه الجماعة ورجالها الكبار للمشاركة في الحياة الثقافية وإبداء رأيهم.. وقد تصادف بالمناسبة أن المسألة التي تكلمنا فيها كانت مخالفة لرأيهم تماما.. وقام عاصم عبد الماجد وعلق على تولية المرأة، وعلق على وجود المسيحي في سلطة الدولة، تعليقا في غاية الأدب والدقة، وفي غاية المخالفة لما قلته. المعنى الثالث الذي كان جديدا علي هو أنه وبعد انتهاء التعليقات وكنت أنا الذي أدير الجلسة بالمصادفة، فكان من حقي أن أعلق عليهم بعد تعقيبهم، وبالفعل علقت برأيي بأدلته وكان على وجوههم قبول وابتسامة وراحة، ولم يكن هناك غضب ولا نفور كما كان حالهم في الماضي، حيث كنا نحدثهم فلا يسمعون الحديث أصلا.. وكان هناك علماء قد ذهبوا إليهم في السجون فلم يسمعوا لهم، وأداروا لهم ظهورهم.. أما هذه المرة فكان هناك حوار وأخذ ورد.. بل حينما خرجنا من القاعة جلس معي ثلاثة من قياداتهم هم عصام وعاصم وثالث لا أذكره، وناقشوني بالتفصيل في الأمر، وانتهينا إلى أن قلت لهم اقرءوا كذا وكذا، وأعيدوا القراءة الفقهية، فقالوا إذن هذا أمر يبقى مفتوحا للنقاش، فرددت عليهم بأنه لا يغلق، بل لا بأس أن تبقوا على رأيكم وأبقى على رأيي، فهذا التنوع لا يضر في شيء، وفي النهاية يوم يكون الإسلام محل اختيار الناس سنعرض آراءنا عليهم، فما اختاروه كان هو الأولى، وما رفضوه ينحى جانبا. أما المعنى الرابع، وهو مهم في رأيي، أنهم لم يتلقوا عتابا ولا لوما من الأجهزة الأمنية أو الحكومية على حضورهم هذا المؤتمر.. وهو ما يعني أنه اطمئنان إلى أن هؤلاء الناس قد نبذوا العنف حقيقة وأصبحوا يعبرون عن فكرة لو وجدت داخل المجتمع الثقافي لكان خيرا لنا.. وقد قلنا هذا قديما لكن لم يسمع لنا، والآن يسمعون، ويطلب منا أن نضع رؤى لبعض المشكلات، وبفضل الله تحل. ** إذن ترى فضيلتكم أن المراجعات بالفعل حقيقية.. على عكس ما يردده البعض من كونها صفقة أو ما إلى ذلك؟ – في الحقيقة إن رأيي في المراجعات ينقسم إلى مرحلتين، مرحلة الكتب الأربعة الأولى، ثم مرحلة بقية العشرين كتابا التي صدرت حتى الآن.. ففي مرحلة الكتب الأربعة الأولى أنا لم أكن مطمئنا إلى أن هناك نبذا حقيقيا للعنف، وكتبت ذلك في دراسة قدمتها لكلية الاقتصاد ونشرت في مؤتمرها السنوي، ثم بدأت تظهر الكتب الأخرى فقرأتها كتابًا كتابًا، فوجدت أن هناك تغيرا بين الأربعة الأولى وبين ما بعدها من كتب سيما كتاب « الحاكمية ». وقد اجتمعت بعد ذلك بهم لما خرجوا من السجن وناقشتهم في آرائهم، واستمعت منهم إلى تعليل في غاية الأهمية؛ وهو أن الكتب الأربعة الأولى كانت مجرد طرح للفكرة لأول مرة على ألوف من المسجونين الذين سمعوا من هؤلاء الشيوخ أنفسهم فتاوى استعمال السلاح وقتل السياح وضرب الحكومة… إلى آخره، فكان من العسير جدا أن تطرح فكرة مضادة مائة في المائة، فكان هذا تمهيدا لتقبل الفكرة التي جاءت فيما بعد.. وهذا الكلام إن كان صادقا -وأحسبه كذلك- فهذا من الحكمة، وإن كان فكرهم قد تطور بالتدريج فهذا أيضا من فضل الله عليهم.. وأنا أعتقد أنهم صادقون فيما يقولون، وقد قرأت المراجعات كلها، وأنا مؤمن أنهم تخلوا عن العنف تخليا تاما. ** امتدادا لثقافة الحوار التي تدفع فيها فضيلتكم شاركتَ في فريق أسماه المؤسسون « الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي » وهذا الفريق يبذل قصارى جهده في محاولة التقاء الطرفين.. لكن هناك بعض المسيحيين مصرون على الاستقواء بالخارج وعلى عقد المؤتمرات وخلافه.. فكيف ترى هذا الحوار ومستقبله في ظل وجود أمثال هؤلاء؟ ** موقفنا مع نصارى مصر واضح.. ندفع في اتجاه الوئام معهم، ونقف في وجوههم إن استقووا بالخارج علينا – دعني أقول لك إن هناك واجبين كما قال الإمام الغزالي رحمه الله في الإحياء في شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا لم يكن الآمر أو الناهي متأكدا أن ما سيفعله سيأتي بالنتيجة التي يريدها.. فقال: إن عليه واجبين.. عليه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعليه واجب الوصول إلى التغيير الذي يجب أن يقع في المجتمع نتيجة أمره ونهيه. ثم قال: أما التغيير الذي يقع في المجتمع فإنه لا يملك منه شيئا، ولا يجوز له أن يعول عليه.. وأما واجب الأمر وواجب النهي فواقعان عليه سواء أكان متأكدا من وقوع التغيير أم غير متأكد منه.. من هنا فنحن من واجبنا أن ندفع في اتجاه علاقات طبيعية وتواؤم، كالتي سادت طول القرون ببيننا وبين إخواننا أهل البلاد من غير المسلمين. كذلك فمن واجبنا أن نقف في وجه الاستقواء بالخارج، كما أن من واجبنا أن نقف في وجه حرمان المسلمين من حقوقهم.. كما فعلنا في قضية وفاء قسطنطين، وماري عبد الله، وقضايا الكنائس والمساجد، وكما فعلنا في قضايا كثيرة ولا نزال نفعل.. حتى بعض التصريحات التي تخرج من رجال الكنيسة وتحتاج منا إلى تعقيب نحن لا نتردد في التعقيب والرد عليها ولو كان تعقيبا يضايقهم.. لأن مضايقتهم أو رضاهم لا يعنينا، وإنما الذي يعنينا أن نقول كلمة الحق وأن ينتفع المسلمون بما علمنا الله تبارك وتعالى إياه. والخلاصة أن علينا أن ندفع في اتجاه الحياة الطبيعية التي فيها وئام وسلام بين أهل الوطن، وفي نفس الوقت علينا أن نقف في مواجهة أي خروج عما توجبه المواطنة من جانبهم أو من جانبنا.. فلما اعتدي عليهم في الكشح كنا نحن الذين وقفنا في وجه المعتدي، ولما قال الأستاذ مصطفى مشهور إنهم لا يدخلون الجيش لأنهم لا يؤتمنون كنت أنا الذي وقفت في مواجهة هذا الرأي وكتبت ضده، ولم ينقص هذا من المودة التي بيني وبين الأستاذ مصطفى شيئا، نصرناهم عندما اعتدي عليهم، فالمفترض ألا نسكت عن نصر ديننا حينما يعتدون هم عليه. هذا ما بيننا وبينهم.. إذا جاءوا بالخارج ليستقووا بهم علينا فسنقف ضدهم، وإذا قبلوا أن نعيش في وئام فسنقف معهم.. وهذا عملنا وما نؤمن به. ** لكن هناك تخوفات -أستاذنا- لبعضهم من المادة الثانية وطبيعة الممارسات الحكومية في ظل وجودها؟ ** التعديلات الدستورية الأخيرة تخطيط أكبر من استهداف الإخوان المسلمين، فهي استهداف للتغيير من الأصل. – هذا تخوف مدعى.. وأستطيع أن أقول إنه كلام لا أساس له من الصحة، وأنا أعددت دراسة مختصرة عنوانها « الدين والدولة في التجربة المصرية » وألقيتها في اجتماع للفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي -الذي تكلمتَ عنه- في جامعة القديس يوسف في بيروت، وأثبت بالدليل من واقع التنظيمات والقوانين والقضاء الذي يصدر في مصر؛ أنه في ظل الدساتير 23، 56، 64 كانت المحاكم تحكم بالأحكام التفصيلية المأخوذة من الفقه الإسلامي دون غضاضة من أحد، فلما جاءت المادة الثانية من الدستور.. دستور 71.. منذ صدور هذا الدستور إلى اليوم لم يصدر حكم واحد متعلق بالأحكام التفصيلية المأخوذة من الشريعة.. إنما بدأت الأحكام تقول: قيم الشريعة الإسلامية، مبادئ الشريعة الإسلامية، النصوص قطعية الورود قطعية الدلالة، المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية.. فالذي حدث أن المادة الثانية ارتقت بالفكر القانوني من الفكر التفصيلي الجزئي الذي يأخذ حكما من هنا وحكما من هناك من الفقه الإسلامي؛ لأنه لا يوجد نص في القانون الوضعي طبقا للمادة الأولى من القانون المدني، وتحولت من الأحكام الجزئية إلى المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية.. فليس هناك في تطبيق المادة الثانية منذ صدر دستور 71 إلى اليوم ما يخل أو يؤثر على أي حق لغير المسلم في الدولة المصرية، والادعاء بغير هذا ادعاء لا يسنده أي دليل مادي من الواقع. أنا لا أنكر.. ولا يجوز لذي بصيرة أن ينكر أن هناك بعض المواقف التي لا تجوز ضد الأقباط في نظام الدولة، نظام الإدارة المصرية، لكن هذه المواقف ليست ضد الأقباط وحدهم، هذه المواقف ضد الأقباط وضد المسلمين.. كم مائة معيد مصري من أوائل الدفعات لم يعينوا في الكليات؟! وقد رفعوا دعاوى وكسبوا أحكاما ولم تنفذ.. كم مائة ألف مواطن ممنوعون من السفر أو يستوقفون في المطارات إذا عادوا لبلادهم لغير سبب؟! كم من آلاف الموظفين الذين فصلوا بغير حق؟! هناك خلل في نظام الدولة المصرية ليس قاصرا على الأقباط وحدهم، بل هو شامل للمصريين كلهم، لكن الأقباط حينما يستخدمون هذه الورقة يوحون إلى السامع أو القارئ أو المتابع أنها ورقة طائفية، ولكنها في الحقيقة ليست ورقة طائفية، هي ورقة فساد في البيروقراطية المصرية.. وأنا ممن يرون ضرورة معالجة الفساد في البيروقراطية المصرية، فإذا تبين وجود حالة أو حالتين أو حتى مائة فيها تعمد إساءة لقبطي بسبب قبطيته يضرب على يد المخالف بقوة، لكن لا يعقل أن يقال إن هناك ظاهرة تمييز ضد الأقباط في مصر.. هذا غير صحيح. مثلا هم يقولون إنه ليس هناك ضباط أقباط في أمن الدولة.. لا.. هناك ضباط أقباط في أمن الدولة، على الأقل هناك ثلاثة في هذا الجهاز، وقد عرفت هذا من نعي في الجرائد.. ليست عندنا معلومات من الدولة، وقد قرأنا نعيا للواء طبيب مدير الإدارة الطبية لجهاز أمن الدولة، وهو من يعالج كل رجال أمن الدولة، ويراعي صحتهم وصحة أبنائهم وأسرهم وهو قبطي.. ولم نسمع بهذا قبل نشر النعي في الجريدة.. فهذا جهاز لا يعلم أحد من بداخله، فقد يكون هناك آخرون في مختلف المواقع.. فالقول إذن بهذه التخوفات غير صحيح. ** امتدادا للحديث عن الدستور.. برؤية المحلل السياسي ونحن الآن على أبواب انتخابات مجلس الشورى.. كيف ترون مستقبل جماعة الإخوان في ظل التعديلات الأخيرة، خاصة أن البعض يرى أنها المقصود الأول من تلك التعديلات؟ – أنا أظن أن الديمقراطية والأمل في الحرية والأمل في التغيير السلمي داخل مصر هو المقصود الأول بهذه التعديلات.. المقصود بهذه التعديلات بقاء الحال على ما هو عليه دون تغيير.. أو تحوله إلى أسوأ، أن يصيب هذا الإخوان المسلمين وارد، أن يصيب هذا الوفد وارد، أن يصيب هذا حزب الوسط الذي هو تحت التأسيس وارد.. فلا أستطيع أن أحصر المقصود من التعديلات كلها في الإخوان المسلمين. ** أنا أتحدث على أساس أنهم الفئة الظاهرة الآن، والتي بالفعل لها تأثير على الساحة السياسية، ويخشاها من قاموا بتلك التعديلات؟ – لا.. دعني أقول لك.. التعديلات مثلا تناولت حق رئيس الجمهورية في حل مجلس الشعب دون استفتاء، أيضا تضمنت أن يكون النائب عن رئيس الجمهورية والذي يقوم مقامه في حالة العجز الجزئي هو رئيس الوزراء؛ مع أنه في حالة العجز الكلي يقوم مقامه رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية بنص الدستور!! فلماذا هذه النصوص الجديدة؟! لا هناك تخطيط أكبر من استهداف الإخوان المسلمين، إنه استهداف التغيير.. إيقاف السفينة حيث هي، لا هي غارقة ولا هي عائمة!! العقبة الرئيسية التي قابلت الإخوان المسلمين هي تعديل المادة 88 من الدستور المتعلقة بالإشراف القضائي.. ولو كنت مكان الإخوان المسلمين ما دخلت انتخابات مجلس الشورى، ولو كنت مكانهم لأعلنت التوقف عن مباشرة حقوقي السياسية؛ وهذا اقتراح لي قديم قلته سنة 1995 وقبلته جماعة منهم ورفضته جماعة ولم ينجح في الجهات التي تأخذ القرار عندهم.. وما زلت أدعو إليه حتى اليوم.. أنا أدعو جماعة الإخوان المسلمين إلى إعلان التوقف عن مباشرة الحقوق السياسية ترشيحا وانتخابا وتصويتا، والتحول تماما عن العمل السياسي فيما يتعلق بممارسة السلطة أو الحصول على جزء من السلطة؛ إلى ممارسة العمل التوعوي والترشيدي، عن طريق إحياء روح النهضة في الجماهير، وإحياء روح مقاومة الظلم والاستبداد.. وليست مقاومة الظلم والاستبداد مقصورة على أن ترشح نفسك لانتخابات مجلس الشعب ومجلس الشورى.. أنت إذا ربيت الناس، واشتغلت في محو الأمية، وفي تنظيف الشوارع وفي الرعاية الصحية، وفي الرعاية التربوية.. أنت بذلك تحيي الأمة من جديد. أنا أدعو جماعة الإخوان المسلمين إلى أن يتوقفوا عن مباشرة النشاط السياسي المتمثل في الانتخابات والترشح لها والتصويت فيها، وليقضوا عشر سنوات يعملون بالتربية والنهضة الشعبية المصرية.. مصر في حالة من الانهيار الشعبي لا يتصورها أحد، وتحتاج إلى هذه القوة.. قوة الإخوان المسلمين، البعض يقول إنهم مئات، والآخرون يقولون إنهم بضعة نفر قليلون لكن صوتهم عال، وهم يقولون إنهم مليون أو أكثر.. ليكونوا كما يكونون، ما داموا يشتغلون في العمل السياسي هم معرضون لما يجري من اعتقالات ومن سجون ومن محاكم عسكرية، وحينما يتوقفون عن العمل السياسي لن يكون هناك مبرر لهذا.. دعنا نجرب أن يخرج الصوت الإسلامي من قمقم العمل السياسي إلى فضاء العمل الثقافي والاجتماعي والتربوي، وسنرى ماذا ستكون النتيجة.. قد أكون مخطئا.. لكن هذه دعوتي. ** لكن ألا ترى فضيلتكم تعارض هذه الدعوة مع فكرة الشمولية من جانب، وأنه مع ترك الإخوان للعمل السياسي لن يتركهم أحد وستظل سياسة التضييق بكل مفرداتها قائمة؟! – أولا دعك من أن أحدا لن يتركك وأن سياسة التضييق ستظل قائمة، لأنه من المفترض أنك وطنت نفسك على هذا من يوم أن رضيت بأن تكون صوتا للإسلام الوسطي الصحيح.. فقد وطنت نفسك على معاداة كل هذه الأنظمة القائمة.. ونحن لا نتحدث عن الاعتقالات والسجون على أنها هي المشكلة.. المشكلة هي تشويه صورة الإسلام نفسه نتيجة العداوة لجماعة واحدة من الجماعات، ومعلوم أن الإسلام أحب وأعز علينا من الإخوان المسلمين، وما يجري الآن من تشويه الصورة، والادعاء بالمسائل المالية والأخلاقية، وما ينشر في الصحف صباحا ومساء يفسد الصورة الإسلامية كلها، ولا يفسد صورة الجماعة فقط. ثم إن الجماعة لا تستفيد شيئا من العمل السياسي، فالإخوان لهم الآن 88 نائبا في البرلمان، ماذا فعلنا بهم نحن كشعب مسلم؟! لم نستطع أن نحقق شيئا، حتى إن اثنين منهم رفعت عنهم الحصانة مؤخرا.. فهذا العمل السياسي قد أثبت في رأيي عدم جدواه، وتركت الجماعة في مقابل هذا العمل السياسي معظم نشاطاتها التربوية الأخرى، التي تنشئ الناس نشأة إسلامية صحيحة. وأذكر هنا واقعة حكاها لي عثمان أحمد عثمان بنفسه عندما جاء بناء السد العالي، ذهب إلى الرئيس جمال عبد الناصر وقال له: نحن في حاجة إلى مجموعة من المهندسين، وأعطى له أسماءهم، وقال هؤلاء معتقلون لأنهم إخوان مسلمون، وطلب من عبد الناصر أن يخرجهم، فأبدى تخوفه، فقال له إنهم سيذهبون إلى أسوان ولن يعودوا إلا بعد الانتهاء من العمل، وسيعودون مرة أخرى على المعتقل.. فأعطاه إياهم، وذهبوا، وأنا أعرف بعضهم معرفة شخصية. وواقعة أخرى.. حدثني محمد فائق الذي كان وزيرا للإعلام في عهد عبد الناصر، وكان مسئولا عن الملف الإفريقي، حدثني شخصيًا قال: لما قامت الحرب في منطقة بيافرا في نيجيريا، وكنا في حاجة لطيارين لأنه لم يكن ممكنا وقف إبادة المسلمين هناك إلا عن طريق الطيران.. فذهب فائق لجمال عبد الناصر وعرض عليه تلك الفكرة، فرد عبد الناصر بأنه ليس هناك طيارون يمكن أن نستغني عنهم، فأخبره فائق أن هناك مجموعة يتعدى عددهم العشرين أبعدوا من الخدمة، وهم الآن داخل المعتقلات لأنهم من الإخوان، ومن الممكن أن تتم الاستعانة بهم في هذه المهمة بعد فترة تدريب بسيطة، وبالفعل أعد له فائق قائمة بالأسماء ووقعها عبد الناصر، وخرج هؤلاء وقضوا فترة تدريب بسيطة، وذهبوا إلى هناك وكانوا سببا في الحفاظ على نيجيريا المسلمة، وحققوا النصر على المتمردين هناك. فالقدر من النقاء والثقة الذي تحقق في الإخوان المسلمين في هذا الوقت، لم يتحقق لأنهم كانوا يعملون بالسياسة أو لأنهم كانوا داخل البرلمان، وإنما تحقق لأنهم كانوا على قدر من التربية الإسلامية الصحيحة.. فإذا فقدت التربية الإسلامية الصحيحة لن ينفعك البرلمان شيئا.. هذه وجهة نظري في المسألة.. أنا لست ضد البرلمان، لكني مع البرلمان المنتج؛ لكن إذا كان البرلمان وهو فرض كفاية سيعطلني عن فروض الأعيان.. فلا.. تقديم فروض الأعيان أولى. ** والشمولية يا أستاذنا.. هل تتعارض معها تلك الدعوة؟ – لا.. لا تتعارض أبدا.. فأنت إذا ربيت تمارس سياسة، وإذا نشأت على الأمانة والصدق تمارس سياسة.. وقد ضربت تلك الأمثلة لأقول كيف يكون أثر التربية في العمل السياسي الناجح، والعمل السياسي ليس دائما دخول الانتخابات، هذه إحدى صوره، وكله في النهاية يصب في مصلحة سياسة الأمة. (المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت  (القاهرة – الدوحة) بتاريخ 10 جوان 2007)


تعقيبا على دعوة العوا للإخوان بترك السياسة

العريان: العمل السياسي سبيلنا للإصلاح

 
بقلم: إسلام فرحات القاهرة – رفض قيادي بجماعة الإخوان المسلمين دعوة الدكتور محمد سليم العوا الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين للجماعة بترك العمل السياسي، والتفرغ للتربية والعمل الاجتماعي، مبررًا ذلك بأن ممارسة السياسة لا غنى عنها لمكافحة الظلم والفساد ولتحقيق الإصلاح المنشود في المجتمع، وأن عملية التربية تحمل بُعْدًا سياسيًّا ولا تعني انكفاء على الذات. وقال الدكتور عصام العريان في تصريح لـ »إسلام أون لاين.نت » اليوم الأحد 10-6-2007: « إن ممارسة العمل السياسي لا غنى عنها لمكافحة الفساد والظلم ولتحقيق الإصلاح المنشود في المجتمع »، وتابع: « إذا كانت دعوة العوا تعني التوقف عن الترشيح والتصويت في العمليات الانتخابية فقط، فأنا أقول إن مقاومة الاستبداد يمكن أن تتم بصورة أفضل وأقوى من خلال المجالس النيابية ». وردًّا على دعوته الجماعة للتخلي عن السلطة قال العريان: « كذلك أقول إن السلطة ليست هدفًا للإخوان، ولكن الهدف الأسمى الآن هو إصلاح الحياة بكافة مجالاتها، وإصلاح المجال السياسي بصورة أخص؛ لأنه المجال الذي تتخذ فيه القرارات التي تمس حياة المواطنين ». وعن تفسيره لأسباب دعوة العوا قال العريان: « أنا أتصور أن د. العوا يؤلمه ما يحدث لشباب وقيادات الإخوان من محاكمات عسكرية، واعتقالات ومصادرة للأموال.. ولكني أقول إنه لا مقاومة للظلم والفساد، ولا تربية بدون تضحية.. ولا بد من دفع الثمن، وتلك سُنة قديمة ». وتتعرض جماعة الإخوان لحملة تضييق أمني منذ إعلانها خوض انتخابات مجلس الشورى (الغرفة الثانية بالبرلمان) المقررة الإثنين 11-6-2007، حيث أسفرت عن اعتقال أكثر من 800 شخص من أفراد الجماعة؛ لرغبة السلطات في منع الجماعة من الحصول على المزيد من المكاسب الانتخابية، بحسب مراقبين. كما يمثل أمام محكمة عسكرية النائب الثاني لمرشد الجماعة، المهندس خيرت الشاطر و32 من قيادات وأعضاء الجماعة، بينهم عضو مكتب الإرشاد محمد علي بشر، ورجال أعمال بارزون. وكان العوا قد وجه دعوة لجماعة الإخوان المسلمين في حوار خاص مع « إسلام أون لاين.نت » لكي تتوقف « عن مباشرة الحقوق السياسية ترشيحًا وانتخابًا وتصويتًا، والتحول تمامًا عن العمل السياسي فيما يتعلق بممارسة السلطة أو الحصول على جزء من السلطة؛ إلى ممارسة العمل التوعوي والترشيدي، عن طريق إحياء روح النهضة في الجماهير، وإحياء روح مقاومة الظلم والاستبداد ». كلام متناقض وفي مطلع تعليقه على قول العوا إن التعديلات الدستورية الأخيرة لا تستهدف الإخوان بشكل خاص، قال العريان: « إن كلام العوا يحمل تناقضًا.. فإذا كان الإخوان ليسوا هدف التعديلات الدستورية.. فيجب أن يوجه د. العوا دعوته إلى كل الشعب المصري، وإلى كافة الأحزاب السياسية ». وتطرق العريان إلى ما اعتبره إنجازات سياسية للجماعة بقوله: « أدعو كل من يسأل سؤال ماذا قدم الإخوان في مجلس الشعب (الغرفة الأولى بالبرلمان) إلى متابعة نشاطاتهم داخل المجلس وخارجه، ويمكن الاطلاع على قدر من ذلك في الموقع الإلكتروني الخاص بالكتلة البرلمانية ». وفازت الجماعة في الانتخابات التشريعية عام 2005 بـ88 مقعدًا في مجلس الشعب من بين إجمالي عدد مقاعد المجلس البالغ عددها 454 مقعدًا؛ وهو ما يجعلها أكبر كتلة برلمانية معارضة. وأقرَّ البرلمان المصري في مارس الماضي عددًا من التعديلات الدستورية من بينها الحظر على استعمال الرموز أو الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية، كما حظرت تلك التعديلات قيام أي حزب سياسي على أساس ديني، وخففت من قيود الترشح لانتخابات الرئاسة بالنسبة للأحزاب فقط دون المستقلين. ورأى المحللون أن هذه التعديلات استهدفت بالأساس منع جماعة الإخوان المسلمين -باعتبارها أكبر وأبرز قوى معارضة- من المشاركة السياسية وتقليص وجودها. بُعْد سياسي وفي ردّه على دعوة العوا الإخوان للتوجه لتربية النشء قال العريان: « إن دعوة التربية كما يفهمها د. العوا وكما يفهمها الإخوان أيضًا ليست دروشة ولا انكفاءً على الذات ولا تقوقعًا، وإنما تحمل بالضرورة بُعدًا سياسيًّا، خاصة إذا كان هدفها مقاومة الظلم والفساد والاستبداد ». وأشار العريان إلى أن « النشاط السياسي للإخوان لا يمثل إلا قمة جبل الثلج وهي قمة قد لا تصل إلى 10% من مجمل نشاط الإخوان التربوي والخيري والاجتماعي والثقافي »، في إشارة إلى أن للإخوان قاعدة من العمل التربوي والاجتماعي. وتواجه أنشطة جماعة الإخوان المسلمين تحفظًا من بعض الجماعات والحركات الإسلامية، على أساس أنها تركز على العمل السياسي والحركي على حساب العملية التربوية لأفرادها، وهو التحفظ الذي ترفضه الجماعة. وتتبنى جماعة الإخوان التي تتمتع بأرضية شعبية كبيرة في المجتمع المصري منهجًا سلميًّا في عملها السياسي، لكنها تواجه تضييقًا من السلطات المصرية التي تصفها بجماعة « محظورة »، وتلقي القبض على أعداد من أعضائها وتوجه لهم تهم الانتماء لجماعة غير مشروعة، وحيازة منشورات تدعو لفكر الجماعة وعقد اجتماعات تنظيمية. ولذا يترشح أعضاء الجماعة ضمن فئة المستقلين في الانتخابات البرلمانية. (المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت بتاريخ 11 جوان 2007)


صراع الأسـود !

 
محمد صادق الحسيني (*) قبل حكاية احمدي نجاد مع ذيل الاسد كما نقلت عنه وكالات الانباء في الايام الاخيرة في تحذير منه للامريكيين بعدم التحرش بما سماه بـ الاسد الايراني الهادئ المنزوي جانبا ثمة حكاية معروفة تروي في ايران عادة حول نصيحة يقال ان احد العقلاء اراد اسداءها لاحدهم من المتهورين بان قال له: لا تلعب بذيل أسد احسن لك فانك لست كفؤا له فأجاب الرجل: انا لست بصدد اللعب بذيل الاسد لكنني اينما اضع قدمي اجد ذيل الاسد تحته ! والسبب هو تمدد الاسد في كل مكان، كما يقصد من القول المذكور. اعرف ان هذا الامر ينطبق علي الاسد الامريكي المتمدد في كل مكان قبل ان ينطبق علي ايران او اي قوة اخري تحاول التفلت من الاسد المتوحش الذي لا يقبل بأقل من تقديم مراسم الطاعة الكاملة له من قبل جميع الحيوانات بما فيها الاسود الهادئة ! لكن الوضع الدولي الراهن الشديد الاستقطاب والتوتر العالي والمتشابك في ملفاته يصعب فيه التوقع من امريكا بالذات ومن ايران بالمقابل ايضا كما يحاول الكثير من العقلاء نصيحتهما ان تطبقا مثل هذه النصيحة برأيي الا اللهم ان يتخليا عن اسوديتهما ! فالاسد الامريكي المتوحش والجريح في العراق والمتعثر في اكثر من ميدان يحاول التعويض فيه عما جري له في العراق انما يبحث بجد عن فريسة سهلة ينهش جسدها خاصة اذا كانت من نوع الاسد الهادئ ! وايران بالمقابل لن تستطيع هدوءا برأيي قبل ان تنقض علي الاسد الجريح اذ ان هناك مشروعين متناقضين تماما للمنطقة احدهما يقوده الاسد المتوحش يقضي بضرورة اخضاع الجميع لارادته وعلي رأسهم الاسد الهادئ في اطار ما يسميه بالشرق الاوسط الجديد ! والثاني يتصدره الاسد الهادئ والذي ينادي بضرورة تحرر الجميع من سلطة الاسد المتوحش لاجل بناء ما يسميه بالشرق الاوسط الاسلامي ! السؤال الآن هو هل يستطيع فعلا احد الاسدين ان ينفذ نصيحة الآخربعدم اللعب بذيله؟ وذيل كل منهما ممتد من تخوم روسيا والصين وبحر الخزر الي شواطئ المتوسط وجبال الاطلس في شمال افريقيا. انها المفارقة التي يجب البحث عن حل لها خارج دائرة النصيحة المحضة، برأيي اعتقد ان العالم بحاجة الي اعادة صياغة كاملة تبدأ باذعان سيد الغابة المتوحش للحقيقة المرة التي تقول بانه خسر الحرب ولا بد له من التخلي عن قانون الغاب الذي اتبعه حتي الآن وما عليه الا الجلوس بشكل متكافئ مع الجميع والا فانه سيحرك كافة الاسود النائمة والهادئة مرة واحدة! فها هو الدب الروسي وقد تحول الي اسد هائج وها هي اوروبا تتململ وغدا الصين علي الطريق هذا ناهيك عن خروج الاسد السوري من عرينه وهلم جرا، مما ينذر بتقطيع اذيال الاسد المتوحش علي اشلاء الشعوب المقهورة. وفي هذا السياق ثمة انباء تفيد بان الدب الروسي بعد ان تحول الي اسد بفعل تداعيات حماقة الاسد الامريكي المتوحش واختلال موازين القوي العالمية بفضل مقاومة الشعوب المقهورة فان هذا الاسد الجديد يحاول ان يطوع الاسد المتوحش من خلال اقتراحه انشاء قاعدة عسكرية مشتركة فوق ارض اذربيجانية مستأجرة لروسيا لاحتواء التهديد الصاروخي الايراني المزعوم بدلا من مشروع الدرع الصاروخية فوق الاراضي الاوروبية. وهنا تتبدي خطورة اللعب بالاسد الهادئ مرة اخري وان جاء ذلك من الباب الخلفي! من جهته يحاول الاسد المتوحش اللعب بذيل الاسد السوري من خلال افتعال معركة الحرب علي الارهاب في نهر البارد في مقدمة لاشياء كثيرة من بينها تطويق سورية ومحاولة عزلها ومحاصرتها بقوات دولية بحجة انفلات الحدود وتسرب الاسلحة وتاليا اللعب بأسد الاسود الهادئة اي حزب الله اللبناني. ان من شأن هذه التصرفات ليس فقط احياء اكثر من حرب باردة عالميا، بل والدفع بالامور الي نشوب صراعات حامية في اكثر من ساحة وايقاظ قيامات قومية ودينية في اكثر من منطقة في العالم بل وصناعة اسود لم تخطر ببال الاسد المتوحش الاكبر! هذه الحالة التي نعيشها الآن هي الحالة المثالية للفوضي والاضطراب العالمي وبما ان العالم الذي يسوده الفوضي والاضطراب هو الحالة المثالية لتلعب الشعوب المقهورة دورها الريادي في الحاق الهزيمة بالامبريالية كما كان يقول ماوتسي تونغ ويطالب من سماهم بالعالم الثالث بالاتحاد مع العالم الثاني، فالاعتقاد السائد الآن هو ان الاسد الايراني الهادئ يحاول ان يلعب مثل هذا الدور بالتعاون والتنسيق مع كل من سورية الاسد وفنزويلا شافيز ولبنان نصر الله وفلسطين الحماسية الجهادية والعراق المهدي وافغانستان الطالبانية الجديدة المطعمة بالحكمتيارية وصولا الي التنسيق الخلفي مع الصين وغيرها من قوي الممانعة التي تمارس التقية السياسية! من هنا قد نفهم نصيحة احمدي نجاد الفارسية النكهة للامريكي الساذج في فهمه لاخلاق وخلقيات الشعوب: بأن لا تلعب بذيل الاسد الهادئ ! (*) كاتب إيراني (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 11 جوان 2007)

تركيا: الأسس الاقتصادية للصراع بين العلمانية واللاعلمانية

 
أثر كراكاش   الترجمة عن التركية: بكر صدقي مقدمة من المترجم: كان لافتاً في المظاهرات التي قامت في المدن التركية في الشهرين الماضيين، والتي نظمها العلمانيون لرفض وصول مرشح من حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى منصب رئاسة الجمهورية، رفع المتظاهرين لشعار: « لا للاتحاد الأوروبي، لا للولايات المتحدة، نعم لتركيا المستقلة! ». وتعارض الأحزاب العلمانية المتشددة، وخاصة حزب الشعب الجمهوري الذي يعد نفسه وريث الحزب الذي أسسه مصطفى كمال، الانضمام إلى الاتحاد، وهي تستفيد في موقفها هذا من تلكؤ دول الاتحاد في قبول عضوية تركيا. إنها مفارقة طالما حيرت المراقب الخارجي. المقال التالي، للكاتب التركي آثر كراكاش، يلقي ضوءاً على الأساس الاجتماعي الاقتصادي لهذه المفارقة. من المفيد التنويه بمشكلة في الترجمة، لم أتمكن من تجنبها: حيثما يتحدث الكاتب عن علمانيين ولا – علمانيين، فهو لا يقصد التمييز بين أنصار علمانية الدولة وخصومها، بقدر ما يقصد بالأولين، القاطعين مع ثقافة البلاد الأصلية (الإسلام) المعتنقين لعقيدة « علمانية » أي معادية للدين، أما خصوم العلمانية، فهم لا يعترضون، عموماً، على علمانية الدولة، بل يتمسكون بدينهم تحت سقف الدولة العلمانية. أشارت استطلاعات رأي حديثة إلى أن نسبة الأتراك الذين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية لا تتجاوز 8% (فضلاً عن أنها إلى تناقص، فقد كانت نسبة الفئة نفسها في أواسط التسعينيات تبلغ 25%)، في حين تبلغ نسبة المعارضين لتطبيق الشريعة الإسلامية اليوم 76%… وهذا نص المقال…ٍ *** شهدت الجمهورية التركية، منذ تأسيسها إلى اليوم، صراعات كثيرة حول محور العلمانية. لا أريد، في هذه العجالة التحليلية، سرد تاريخ موجز لهذه الصراعات، ولا استعراض التحليلات التقليدية لها. قد يجوز عدم استغراب ظهور ردة فعل، يمكن وصفها بالمضادة للعلمانية، على التحولات الراديكالية في البنية الفوقية التي تمت في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، في بلد هو وريث الإمبراطورية العثمانية؛ ولكن تبسيط المشكلة إلى هذا الحد، أي تناول هذا الصراع الممتد إلى يومنا، والذي يشتد أكثر وأكثر، بوصفه صراعاً بين التقدمية والرجعية، يبدو لي فقيراً بالمعنى. لا بد من وجود أسباب أخرى وراء هذا الصراع الذي يزداد كل يوم شدةً وتصلباً، ويتصاعد باطراد على وقع انتخابات رئاسة الجمهورية والشائعات بصدد الانقلاب العسكري المتوقع. العلاقة بين الاقتصاد الريعي والعلمانية
لا شك أن أحد هذه الأسباب المحتملة هو العوامل الاقتصادية، بيد أنه ينبغي أيضاً عدم اختزال الصراع إلى بعده الاقتصادي وحده. ولكن يبدو لي أن فهم ما يجري غير ممكن ما لم نر البعد الاقتصادي. من الممكن أن تفتح دراسة التاريخ الاقتصادي لمرحلة قيام الجمهورية بصورة جيدة، أمامنا آفاقاً هامة بهذا الصدد. ورثت الجمهورية من الحقبة العثمانية إمبراطورية زراعية بيروقراطية، ولم تتغير هذه البنية كثيراً مع تحولات الجمهورية. بل بات التغير مستحيلاً، مع رشوة القطاعات الشعبية التي أظهرت بروداً إزاء التحولات الراديكالية في المستوى القانوني لسنوات العشرينات، وذلك بإلغاء ضريبة العشر. الجمهورية التي واجهت صعوبات في مجال الإنتاج، لجأت إلى إجراءات استهدفت خلق تراكم رأسمالي لدى نخبة كوادر الدولة، فاعتمدت الاقتصاد الريعي وأسست المصارف العامة وآليات تشجيع الاستثمار ونظام الحماية الاقتصادية، وما إلى ذلك. لم ينجح هذا النموذج الاقتصادي. وعموماً ليس ثمة مثال تاريخي واحد لبلد ازدهر اقتصادياً وأنجز تصنيعه بوساطة الريوع. لكن هذا الإخفاق، لم يمنع من خلق نخبة ضيقة آمنت فعلاً بالعلمانية واغتنت بوساطة الاقتصاد الريعي. أعتقد أن رؤية التلازم، منذ الأيام الأولى للجمهورية، بين مفهوم العلمانية من جهة، والاقتصاد الريعي المنغلق على الخارج والمتمحور حول مفهوم الأمة من جهة أخرى، تشكل مفتاحاً لفهم هذه الحقبة الزمنية. أما المفتاح الثاني فيتمثل في أن القطاعات الواسعة خارج إطار نخبة الدولة المؤمنة بالعلمانية، والتي تلقت التحولات الراديكالية في المجال القانوني في العشرينيات والثلاثينيات ببرود، لم تنل من الاقتصاد الريعي حصةً تعادل ما نالته النخبة البيروقراطية المذكورة. وقد تجلت آثار هذا الخلل في جميع الانتخابات التشريعية منذ العام 1950 إلى اليوم. مع تعاظم الاقتصاد وتكاثر عدد السكان، ضاقت حدود النخبة العلمانية ومدى انتفاعها بالاقتصاد الريعي، فازدادت حدةً وتطرفاً، وأخذت في بعض الفترات منحى انقلابياً (كما تجلى ذلك في انقلاب 1960 مثلاً). أما القطاعات الواسعة التي لم تنل حصةً كافية من عوائد الاقتصاد الريعي الهزيلة أصلاً بحكم التعريف، فقد اتخذت، كردة فعل، موقفاً عدائياً من النخبة العلمانية في نواة بيروقراطية الدولة، وبالأخص من نمط حياتها، وأخذت تعرّف نفسها تدريجياً، خارج إطار العلمانية. كل هذا يتعلق بالماضي، لكن هذا التفاوت ما يزال مستمراً إلى اليوم، وإن بتغيير مهم في الشكل. يبدو أن الفئة الأقل تغيراً، هي تلك النخبة الريعية المناصرة للاقتصاد المنغلق والمؤمنة بمفهوم عن علاقة الدين بالدولة يعود إلى العشرينات والثلاثينات. في حين أن الفئة المقابلة تتعرض لتحول شديد الأهمية. فهذه الفئة التي بقيت تقليدياً خارج إطار الاقتصاد الريعي للدولة، اتجهت مرغمة إلى الأسواق الخارجية، رغبة منها في النمو والتفتح، فعملت في صناعات موجهة للتصدير. والحق أن الدولة لم تسمح لها بأي نمط آخر لمراكمة رأس المال. هذه الفئة التي يمكن أن ندعوها بالتقليدية، انفتحت على الأسواق الخارجية، والسوق الأوروبية خاصةً بحكم بنية تجارتنا الخارجية، بقدر ما تم حرمانها من إمكانيات الريع والقروض المصرفية وسياسات التشجيع، لتتمكن من الوقوف على قدميها. لكن تصدير السلع والخدمات إلى الدول الأوروبية، له شروط وقواعد محددة، مما يرغم هذه الفئة التقليدية على تطبيق هذه القواعد والمواصفات في الإنتاج أولاً، بهدف مراكمة رأسمالها والوقوف على قدميها رغم أنف أنقرة. لعل فيما سأقوله ما يذكّر بالخطاب القديم لليسار، ولكن يبدو أن تبني الشروط والمواصفات الأوروبية وتطبيقها في الإنتاج يحدد، إلى درجة معينة، النظرة إلى الحياة والقانون والسياسة معاً. في السنوات الأولى من سيرورة الاندماج الأوروبي، حين لم تكن الدول الأعضاء بصدد تجاوز حدود الدولة – الأمة بصورة راديكالية، لم تكن لدى نخبتنا العلمانية القومية مشكلة مع الاتحاد الأوروبي (السوق الأوروبية المشتركة آنذاك)، ولم تتناقض أهداف نظام أنقرة مع أهداف الاتحاد كثيراً. بل أكثر من ذلك، كانت تلك النخبة ترى في الاتحاد الأوروبي ضمانةً للعلمانية في وجه الفئات الواسعة التي تشكل، في نظرها، خطراً عليها. أما اليوم، فقد بلغ الاتحاد الأوروبي مستويات غير مسبوقة من الاندماج، وباتت أهدافه متباعدة كثيراً مع الخط التقليدي لنخبة أنقرة. لذلك نرى اليوم تبلور خط معارض للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لدى الأوساط القريبة من نخبة الدولة كحزب الشعب الجمهوري ومؤسسة الجيش والتيارات القومية الأخرى. أما الأوساط التقليدية التي كانت تنظر إلى السوق الأوروبية، سابقاً، بوصفها منتدىً مسيحياً، فقد أخذت تتبنى مشروع الانضمام إلى الاتحاد بإخلاص أكثر، كنتيجة لاتجاهها مرغمةً نحو التصدير. أنا على قناعة اليوم بعدم جدية تفسير وصول حزب الشعب الجمهوري إلى خط معارض للانضمام إلى الاتحاد، ومثله تقارب حزب العدالة والتنمية مع هذا الأخير، بردود فعل كمالية من الحزب الأول، وببحث الثاني عن ضمانة في وجه الجيش. المشكلة التي سيواجهها العلمانيون المتشددون إن مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والأهم من ذلك مسار العولمة عموماً، يهددان مصالح الفئات التي ربطت وجودها ومصيرها بالاقتصاد المغلق والريعي، وتتصرف هذه بصورة صائبة تماماً من وجهة نظر مصالحها الفئوية، حين تعارض المسارين المذكورين. في المقابل، اضطرت الفئات التقليدية إلى الاتجاه نحو التصدير إلى الأسواق الخارجية، بمقتضى وجودها بالذات، لأن أنقرة قد أغلقت أبوابها في وجهها، وحينما فتحتها، بصورة متقطعة بين مرحلة وأخرى، لم يثق رأس المال الأناضولي بديمومة ذلك. وهكذا فقد أنتجت السياسات المعروفة لنخبة أنقرة العلمانية المتمسكة بالاقتصاد المغلق، نقيضتها، فظهر قطاع رأسمالي تمكن من تصدير ما قيمته تسعة مليارات دولار في شهر آذار 2007 وحده. ويرى هذا القطاع مستقبله في الأسواق الخارجية، ويدعم كلاً من الوحدة الجمركية والاتحاد الأوروبي أكثر مما تفعل النخبة البيروقراطية في أنقرة. لقد مرت تركيا، وما زالت تمر، بتحول اجتماعي كبير جداً ذي حوافز اقتصادية. أعتقد أنه كلما تشبثت النخبة البيروقراطية العلمانية المنحازة إلى الاقتصاد المغلق بموقفها هذا، استمر الصراع بين العلمانيين واللاعلمانيين على محور العولمة. بيد أن مسار العولمة سيزيد من قوة القطاع التقليدي من جهة، ويقربه أكثر من قيم العلمانية (السيكيولاريزم)، من جهة أخرى. لنر إلى أي مدى ستستطيع نخبة أنقرة مواصلة معركة يستحيل كسبها في عصرنا. علينا أن نرى في الصراع الدائر في تركيا بين العلمانيين وغير العلمانيين، صراعاً بين أنصار الاقتصاد الريعي في أنقرة وأنصار اقتصاد السوق المنفتح على الخارج. من المؤسف أن الخط العلماني التقليدي قد تحول اليوم إلى إيديولوجيا أنصار الاقتصاد الريعي. هل هي مصادفة أنك لا ترى علمانياً متشدداً واحداً يدافع عن اقتصاد السوق المنفتح على الخارج؟ (المصدر: موقع « الأوان »، تصفح يوم 11 جوان 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=698&Itemid=2
 


Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.