الجمعة، 11 أغسطس 2006

Home – Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2272 du 11.08.2006

 archives : www.tunisnews.net


الوحدويون الناصريون في تونس: لا صلح ولا مساومة.. المجد للمقاومة.. سليم بوخذير:  سلامتك يا جلال  الماطري …. د. محمد بوعلي: اعتذار القدس العربي : بن علي يدعو العرب لاعمار لبنان والاراضي الفلسطينية الصباح: الرئيس بن علي في اختتام الندوة السنوية لرؤساء البعثات الديبلوماسية والقنصلية: الدفاع عن مصالح تونس واسماع صوتها وتعزيز إشعاعها انطوين غريب : المرأة في تونس في مأمن من أي تراجع في الحقوق الاستاذ عبد السلام الحاج قاسم: جمعية النساء «الديموقراطيون» والجدل حول المساواة في الارث زهرة تونس: أيّام في حياتي مركز دعم الديمقراطية في العالم العربي: إعــلان – ورشات عمل حول الجاليات العربية ودعم الديمقراطية الأستاذ نور الدين البحيري: المقاومة  طريقنا نحو العزة  والكيان العنصري إلى زوال صالح محمد ألنعامي: الذعر من أسلمة الصراع يجتاح إسرائيل عبد الباري عطوان لـ «الشروق»: الآن، عودة الى ثقافة المقاومة والكفاح المسلّح توفيق المديني: العلاقات بين العرب و أوروبا,المهاجرون المغاربة أُنمُوذَجاً


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين »  

حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:

 


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 » انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون « 

صدق الله العظيم

 

تونس في :11/08/2006

يا جماهير أمتنا العربية المجاهدة..

 

مرّة أخرى يتفجر الحقد الصهيوني في لبنان الصمود، فيحصد أرواح الأبرياء في قانا والقاع بالبقاع وغيرهما، ويأتي على الحقول والمباني والجسور وكل مظاهر الحياة والمدنية فيلحق بها دمارا وخرابا، وينكشف مدى الحقد الذي يكنونه للأمة العربية التي صنعت أمجادا عظيمة، وأسهمت بقيمها ومثلها في بناء صرح الحضارة الإنسانية..لقد سقطت أقنعة الظلال والتظليل، ليدرك العالم أنّ قتل الأطفال الرضع والنساء والشيوخ العزل، في فلسطين و لبنان والعراق هو عار في  تاريخ  البشرية لا تضاهيه عبر كل العصور سوى عمليات الإبادة الجماعية  للسكان الأصليين لأمريكا وأستراليا حين غزاها الأوروبيون ليقيموا على أنقاض شعوبها وحضاراتها محاضن للإرهاب وأوكارا  لإستغلال الشعوب والأمم ونهب ثرواتها.. لقد تجلت الحقائق عارية أمام العيان، ليعلم الجميع أن صنائع « سايكس بيكو »، وأسيادهم الأمريكان ومن والاهم، متواطئون في حرب الإبادة هذه، التي تستهدف شعبنا العربي في لبنان  و فلسطين والعراق، إنهم يحاولون، عبر مختلف الوسائل، إسناد وتسهيل مهمة القتلة، فتارة يلجئون إلى التضليل الإعلامي لخداع الرأي العام الدولي، وطورا يعمدون إلى إستصدار « فتاوى » بائسة لإرباك الشعب العربي وتنمية بذور الفتنة بين طوائفه.

 

يا جماهير أمتنا العربية الصامدة

إنّ الوحدويين الناصريين في تونس؛

 

إذ يحيون المقاومة الوطنية الباسلة، بقيادة أبطال حزب الله الأشاوس، التي تتصدى بكل إقتدار و بسالة، منذ بدء العدوان الغاشم على شعبنا العربي في لبنان،وإذ يهيبون بجماهير الأمة العربية أن تلعب دورها في إسناد المقاومة ودعمها بالرجال والمال والعتاد، رغما عن أنوف حكامها العاجزين والمتواطئين.

 

يؤكدون على:

 

1.     أن عجز مجلس الأمن عن إصدار قرار لوقف العدوان على لبنان، هو وصمة عار على جبين المنتظم الأممي، وبرهان آخر على أن المنظمة التي بعثت من أجل حماية السلام والأمن الدوليين، قد أصبحت لعبة في يد الولايات المتحدة الأمريكية، تحركها كيفما تشاء لخدمة مصالحها ومصالح حلفائها.

2.     إن محاولات تدويل الصراع في لبنان  وذلك بجلب قوات دولية لحماية دولة الكيان الصهيوني هي إحدى أهداف العدوان الرئيسية وإذ يحذر الوحدويون الناصريون في تونس من خطورة هذه المؤامرة الدولية فإنهم يهيبون بالضمائر الحية في العالم حتى تضغط من اجل وقف العدوان على أهلنا في لبنان .

3.     إن ما يحاك في مجلس الأمن تحت عنوان وقف إطلاق النار هو محاولة معادية لتحويل العجز العسكري الصهيوني إلى انتصار سياسي حيث تتم العودة إلى القرار 1559 سيء الذكر وإن كنا على إيمان تام بان المقاومة التي أسقطت إتفاق 17 أيار /ماي ودحرت جيش لبنان الجنوبي وفندت أسطورة الجيش الذي لا يقهر ستجعل أي مؤامرة تلقى نفس المصير .

4.     يدعو الوحدويون الناصريون في تونس الهيئات الأممية والمنظمات الحقوقية ومنظمات حقوق الإنسان  إلى فتح تحقيق عاجل في الجرائم البشعة التي أرتكبت في حق أهلنا في لبنان وإلى محاكمة المجرمين الذين يقفون وراء ذلك .

5.     أن المآسي التي يتعرض لها الشعب العربي في كل من العراق وفلسطين ولبنان، ما كانت لتحدث لولا عجز النظام الرسمي العربي وتواطئه ،  ولولا قصور النخب وتقصيرها في تنظيم الجماهير العربية وتعبئتها، تلك الجماهير التي قهرتها الأنظمة الفاسدة وسحقها الاستبداد، فأنكفأت على نفسها، وتراجع أداؤها في دفع الأخطار التي تتهدد وجودها ومستقبلها.

 

لا صلح ولا مساومة.. المجد للمقاومة..

إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة

عاش نضال جماهير الأمة العربية على طريق الحرية والوحدة والإشتراكية

 

عن الوحدويين الناصريين في تونس

البشير الصيد

 

سليم بوخذير:  سلامتك يا جلال  الماطري ….

 

   بلغنا أن الوجه الحقوقي المعروف الأخ العزيز جلال الماطري أحد أشهر من نذروا أنفسهم لسنوات بسوسرا  من أجل قضية  الحرية و الكرامة و العدالة لتونس  ، قد ألمّت في الأيام القليلة الماضية أزمة صحيّة  إنتهت بإجراء عملية جراحية دقيقة له على مستوى العمود الفقري بإحدى مصحّات جينيف منذ أيام ، كُلّلت و الحمد لله بالنجاح التام .

  و يواصل  العزيز جلال الآن العلاج على يد عدد من أكفأ الأطباء السويسريين .   سلامتك يا أخي..  و أعذرنا رجاء فلم نسمع بالأمر إلاّ متأخرا  ، و حمدا للمولى على نجاح العملية  و دعواتنا الحارّة بالشفاء العاجل  يا من كان دائما سندا لبلاده و لقضايا بلاده و لأحرار بلاده دون أن ينتظر جزاء  و لا شكورا ، مثله في ذلك مثل كلّ الأصفياء الأخيار من عشّاق العزيزة تونس في الداخل و الخارج  الذين  ضحّوا بالغالي و النفيس و يواصلون التضحية من أجلها ،  لأنّها ببساطة هي أعزّ عندهم ألف مرّة من المال و من الولد و  حتّى  من الأوكسيجين الذين  يتنفّسون …  سلامتك « جلّول » مجدّدا ، و إن شاء « هذاكه هوّ حدّ الباس » يا صاحبي ….    أخوك سليم بوخذير   لمن يريد الإتصال بجلال الماطري للإطمئنان عليه     الهاتف    0041792038841


بسم الله الرحمن الرحيم
اعتذار  
أنا د. محمد بوعلي كنت قد نشرت مقالا قصيرا عن معاناة المساجين السياسيين من خلال تجربتي الخاصة بسجن سوسة. أعتذر عن للأخ نورد الدين العيدودي ولسائر القراء عن الخطأ العفوي الذي وقعت فيه لما كتبت أن المرحوم نور الدين العيدودي كان يقيم في الغرفة رقم 4 من السجن المذكور ،
وإنما كنت أقصد الأخ المرحوم لطفي العيدودي وليس نور الدين، فأنا أعرف المرحوم لطفي العيدودي حق المعرفة لإقامتي معه في نفس الغرفة المذكورة مدة عام، ولا أعرف الأخ نور الدين العيدودي إلا من خلال الأنترنيت وخاصة من خلال موقع تونس نيوز الأغر ولا أعرف حتى إذا كان يمت بصلة قرابه للمرحوم لطفي العيدودي أم أنه مجرد اشتراك في اللقب العائلي، وهو بالتأكيد من مناضلي المعارضة الوطنية ولا أتمنى له إلا دوام الصحة والعافية والسلامة في الدنيا والأخرة.
فالمعذرة عن هذا الخطأ غير المقصود، فقد كتبت المقال بعد عمل أكاديمي مرهق، ولم أتمكن من التركيز جيدا ولم أنتبه إلى هذا الخطأ رغم أنني قرأت المقال مرتين بعد كتابته، ولم أنتبه إلا بعد قراءته منشورا على صفحات تونس نيوز. ولم يكن في نيتي أن أكتب أصلا لولا أنني قرأت شهادة الأخ المناضل الدكتور شكري الزغلامي (فرّج الله كربه) منشورا، وقد كان معنا في نفس السجن وهو صديق الأخ المرحوم لطفي العيدودي، فحثني ذلك على الكتابة إخلاصا لمساجين الرأي المناضلين.
ولا يتحمل الأخ المناضل الحبيب مباركي هذا الخطأ لأنني أرسلته إليه كذلك.
فاعتذاري موصول إلى الأخ نورد الدين العيدودي وتونس نيوز وكل من قرأ المقال والسلام  

بن علي يدعو العرب لاعمار لبنان والاراضي الفلسطينية

2006/08/11 تونس ـ رويترز: ناشد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي امس الخميس البلدان العربية التعهد باعمار لبنان والاراضي الفلسطينية وازالة معالم الخراب التي خلفها العدوان الاسرائيلي هناك. وقال بن علي ندعو المجموعة العربية وخصوصا الدول التي من عليها الله بالامكانيات المادية الي وقفة تضامنية حازمة نتعهد فيها ونلتزم جميعا باعادة اعمار لبنان وفلسطين وازالة معالم الخراب الذي خلفه العدوان الاسرئيلي . ويعتقد علي نطاق واسع ان بن علي كان يشير علي وجه الخصوص في خطابه الذي القاه بمناسبة اختتام الندوة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية الي دول الخليج الغنية بالنفط. وخلفت الهجمات الاسرائيلية المستمرة علي لبنان منذ نحو شهر خسائر بشرية ومادية كبيرة وسقط نحو الف قتيل اضافة الي تدمير جزء كبير من البنية التحتية في البلاد التي اعيد اعمارها بعد دمار خلفته حرب اهلية استمرت 15 عاما من عام 1975 وحتي عام 1990. وقدمت بعض الدول العربية من بينها السعودية والكويت والامارات مساعدات مالية هامة. وتعهدت اغلبها بالوقوف الي جانب لبنان في محنته لكن لم تشر اي حكومة عربية صراحة الي امكانية المساعدة في عملية اعادة اعمار لبنان. وجدد الرئيس التونسي طلب الوفد العربي الي مجلس الامن التابع للامم المتحدة بضرورة التوصل الي اتفاق يقبله لبنان ويكون قابلا للتنفيذ علي ارض الواقع. وقال نهيب باعضاء مجلس الامن بالاسراع في المشاورات للتوصل الي قرار أممي يكون مقبولا من لبنان الشقيق وقابلا للتنفيذ علي ارض الواقع . ورأي بن علي ان حل الازمة اللبنانية لا ينفصل عن قضية الشرق الاوسط الجوهرية وهي قضية الشعب الفلسطيني الشقيق الذي اصبح يحتاج اكثر من اي وقت مضي الي الحماية الدولية . ووصف ما يجري في لبنان والاراضي الفلسطينية بانه مشهد غير مقبول باي مقياس من المقاييس الدنيا للمباديء الانسانية لم يتحمل ازاءه المجتمع الدولي وخصوصا القوي الفاعلة فيه مسؤولياته للتحرك السريع والناجع لايقاف النزيف . (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 20 أوت 2006)  


الرئيس بن علي في اختتام الندوة السنوية لرؤساء البعثات الديبلوماسية والقنصلية:

الدفاع عن مصالح تونس واسماع صوتها وتعزيز إشعاعها

قرطاج (وات) ـ اشرف الرئيس زين العابدين بن علي صباح امس الخميس على اختتام اشغال الندوة السنوية لرؤساء البعثات الديبلوماسية والقنصلية وألقى سيادة الرئيس بهذه المناسبة خطابا اكد فيه ان تونس تتابع بانشغال شديد ما يعانيه الشعبان الشقيقان في فلسطين ولبنان جراء العدوان العسكري الاسرائيلي وما يخلفه يوميا من ضحايا وآلام للمدنيين الابرياء ومن اوضاع ماساوية على كل الاصعدة تمثل انتهاكا صارخا لحقوق الانسان وسيادة الدول وكرامة الشعوب.
وبعد استعراض ثوابت سياسة تونس الخارجية اكد رئيس الدولة ما تستوجبه التحديات الراهنة من الديبلوماسيين التونسيين من تكثيف لتحركاتهم وتنويعها لدى الاطراف الفاعلة والمراكز المؤثرة لمزيد التعريف بمسيرة تونس ونجاحاتها في شتى المجالات وشرح مواقفها من مجمل القضايا الدولية مشددا على دور الديبلوماسية الاقتصادية في مساندة برامج التنمية الوطنية.
كما ذكر بما توليه تونس من عناية موصولة لمواطنيها بالخارج مجددا الدعوة الى مزيد العمل على تحسين الخدمات المسداة اليهم وتحسيسهم بتكثيف الاسهام في المجهود الوطني للتنمية وفي ملازمة اليقظة للذود عن حرمة تونس.
 وحضر الجلسة الختامية اعضاء الديوان السياسي للتجمع الدستوري الديموقراطي واعضاء الحكومة.   وفيما يلي النص الكامل للخطاب:   «بسم الله الرحمان الرحيم   السادة السفراء ورؤساء البعثات القنصلية   أيها السادة والسيدات   نختتم اليوم اشغال ندوتكم السنوية التي حرصنا على تأمين دورية انعقادها وجعلنا منها مناسبة متجددة لتقويم اداء بعثاتنا الديبلوماسية والقنصلية وتطوير اساليب عملها بما يدعم نجاعتها واسهامها في تنفيذ برامجنا التنموية وفي تعزيز مكانة تونس على الساحة الدولية.   وقد تابعت باهتمام سير اشغال ندوتكم وتدارسكم للسبل الكفيلة بتحقيق المزيد من الاشعاع لتونس والتقدم بالعمل القنصلي اشواطا جديدة في خدمة الجالية التونسية والتعاون الاقتصادي مع  بلدان اعتمادكم.   واذ اسجل بارتياح حضور تونس المتنامي في شتى انحاء العالم ومشاركتها الفاعلة في المحافل الدولية وما اتسمت به من حركية متميزة تجسيما للخطة التي اذنا بها في مطلع هذه السنة فاني واثق بعزمكم على مواصلة السعي الى مزيد التعريف بمكاسب بلادكم في مختلف المجالات وتعزيز علاقاتنا مع الدول الشقيقة والصديقة التي اعتمدناكم لديها.   لقد تبوأت تونس المكانة التي هي بها جديرة على الساحة الدولية بفضل ما حققته من انجازات كثيرة ومتنوعة في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما عرفت به من مواكبة واعية لمستجدات العصر وإيمان قوي بقيم الاعتدال والتسامح والتضامن وسعي حثيث الى اكتساب احدث المعارف والعلوم والتكنولوجيات.   ولم تدخر تونس جهدا في طرح العديد من المبادرات التي تعالج بعض القضايا المطروحة بحدة على المجموعة الدولية ومنها بالخصوص ظاهرة التطرف والارهاب فدعونا منذ سنة 1993 الى عقد ندوة دولية في المجال واعتماد مدونة سلوك تلتزم بها كل الاطراف.   وقد لاقت هذه المبادرة ترحيبا وتقديرا لدى عدة هيئات اقليمية ودولية من بينها القمة الاوروبية المتوسطية المنعقدة في نوفمبر سنة 2005ببرشلونة.   كما دأبنا على دعم اواصر التعاون والتضامن بين الشعوب وعلى التواصي بالحوار والوفاق في العلاقات الدولية وتكريس التعايش والتكامل بين الثقافات والحضارات والاديان.   ودعونا في هذا السياق الى عقد قمة عالمية حول مجتمع المعلومات احتضنت تونس مرحلتها الثانية. وكانت حدثا بارزا وانجازا مهما جسم مقاربتنا الهادفة الى تقليص الفجوة الرقمية في العالم وتمكين كل الدول من الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات. ونحن نأمل ان تتضافر الجهود الدولية والاممية لمتابعة قرارات هذه القمة وتنفيذها.   كما جاء انتخاب تونس في مجلس حقوق الانسان التابع لمنظمة الامم المتحدة تاكيدا متجددا لما تحظى به بلادنا من تقدير لدى المجموعة الدولية واعترافا منها بسلامة رؤيتنا الشاملة لحقوق الانسان وترسيخ ممارستها في جميع الميادين وعلى كافة المستويات.   ويمثل حضور تونس داخل المؤسسات والهيئات الدولية والاممية ولا سيما منها المجالس والهيئات المديرة للهياكل المختصة للامم المتحدة واختيارها لرئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للمنظمة الاممية مؤشرا آخر على مدى ثقة المجتمع الدولي بالرؤية التونسية وبقدرة بلادنا على المشاركة في ايجاد الحلول العملية للعديد من القضايا التنموية.   ايها السادة والسيدات    اننا نتابع بانشغال شديد ما يعانيه الشعبان الشقيقان في فلسطين ولبنان جراء العدوان العسكري الاسرائيلي وما يخلفه يوميا من ضحايا وآلام للمدنيين الابرياء وخصوصا الاطفال والنساء ومن تشريد للسكان وتدمير واسع النطاق للبنية الاساسية والمرافق العمومية ومن اوضاع مأساوية على كل الاصعدة تمثل انتهاكا صارخا لحقوق الانسان وسيادة الدول وكرامة الشعوب.   واذ نذكر بموقفنا الحازم منذ البداية في الدعوة الى الوقف الفوري لاطلاق النار وحقن الدماء البريئة والعودة الى التفاوض والحلول الديبلوماسية والسلمية فاننا نجدد وقوفنا الى جانب لبنان الشقيق ونهيب باعضاء مجلس الامن بالاسراع في المشاورات للتوصل الى قرار اممي في الغرض يكون مقبولا من طرف لبنان الشقيق وقابلا للتنفيذ على ارض الواقع في اسرع الآجال بما يفتح المجال امام الحوار والحل التفاوضي للنزاع القائم.   كما ندعو المجموعة العربية وخصوصا الدول التي من عليهاالله بالامكانيات المادية الى وقفة تضامنية حازمة نتعهد فيها ونلتزم جميعا باعادة اعمار لبنان وفلسطين وازالة معالم الخراب الكبير الذي خلفه العدوان الاسرائيلي عليهما حتى يتمكن الشعبان الشقيقان اللبناني والفلسطيني من تجاوز آثار الماساة التي يعانيان منها في مشهد غير مقبول بأي مقياس من المقاييس الدنيا للمبادىء الانسانية لم يتحمل ازاءه المجتمع الدولي وخصوصا القوى الفاعلة فيه مسؤوليته للتحرك السريع والناجع لايقاف النزيف.   كما اننا نؤكد ايضا ان حل الازمة اللبنانية لا ينفصل عن قضية الشرق الاوسط الجوهرية وهي قضية الشعب الفلسطيني الشقيق الذي اصبح يحتاج اكثر من اي وقت مضى الى الحماية الدولية والتدخل الفوري لوقف العنف وتهيئة الظروف الملائمة لاستئناف مسار السلام بما يضمن الامن والاستقرار في المنطقة وفي العالم.   ايها السادة والسيدات   يظل اتحاد المغرب العربي بالنسبة الينا خيارا استراتيجيا ثابتا ومكسبا حضاريا لسائر شعوبنا. ونحن نواصل السعي مع اشقائنا قادة الدول المغاربية الى مزيد تفعيل مسيرة الاتحاد وتنشيط مؤسساته وهياكله بما يكفل تحقيق الاندماج الاقتصادي صلب هذا الفضاء ويؤهله لان يكون مخاطبا كفءا للتجمعات الاقليمية والدولية.   اما على الصعيد العربي فاننا عازمون على مواصلة تكثيف الجهود لتعزيز التضامن العربي ووحدة الصف والمواقف ودفع العمل المشترك والتقدم بمسيرة التطوير والتحديث التي تم اعتمادها خلال قمة تونس فضلا عن الاهمية التي نوليها للتكامل الاقتصادي العربي ولاسيما من خلال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي كانت بلادنا سباقة الى الانضمام اليها.    كما نأمل من ناحية اخرى ان يتمكن الشعب العراقي الشقيق من التوصل الى ايجاد الحلول الملائمة لقضاياه الوطنية باعتماد الحوار البناء بين مختلف مكوناته بما يضمن له الامن والاستقرار ويتيح له التفرغ لاعادة اعمار بلاده.   وتكتسي علاقات تونس مع الاتحاد الاوروبي اهمية خاصة يؤكدها حرصنا على ارساء شراكة متضامنة مع هذا الفضاء تقوم على الاحترام المتبادل والحوار والتشاور وخدمة مصالح جميع الاطراف.   ونحن نأمل ان تشهد هذه الشراكة مزيد الدعم والتنوع على مستوى المبادلات التجارية وتدفق الاستثمارات وتنمية التبادل في مجال الخدمات وتنقل الاشخاص وتكثيف المشاركة التونسية في البرامج الاوروبية العلمية والتكنولوجية.   ونحن عازمون على مزيد التنسيق مع بلدان المنطقة الاوروبية المتوسطية وعلى الاسهام في دفع مسار برشلونة الذي يحتاج الى حركية جديدة تؤمن التواصل والتفاعل بين بلدان ضفتي المتوسط.   وتبقى تونس وفية لانتمائها الى القارة الافريقية التي تمثل عمقها الاستراتيجي.   وستواصل جهودها لتعزيز التعاون مع بلدان هذه القارة في اطار التنمية المتضامنة ودعم فضاءات العمل الافريقي المشترك وفي مقدمتها الاتحاد الافريقي والمنظمات الاقليمية الاخرى بما يساعد القارة على تطوير امكانياتها الذاتية ويمكنها من الاندماج في مسار العولمة الاقتصادية لتحقيق التنمية والامن والاستقرار في ربوعها.   كما ان تعزيز التعاون مع دول امريكا وآسيا يندرج في اطار العلاقات العريقة التي تربط بلادنا بهذه الدول التي نسعى معها الى دعم مجالات الشراكة وتوسيع قاعدتها.   ويتعين على ديبلوماسيتنا توظيف العلاقات المتميزة التي تربط تونس ببلدان القارتين ورصد الفرص التي يتيحها التعاون معها لتنشيط الشراكة الاقتصادية والاستثمار والتصدير.   ايها السادة والسيدات   إن التحديات الراهنة تتطلب منا تكثيف حضور بلادنا في مختلف الفضاءات الاقليمية والدولية معتمدين في ذلك على ما يربطنا بالدول الشقيقة والصديقة من علاقات تعاون واحترام متينة وما تتمتع به بلادنا من اشعاع ومصداقية على الساحة الدولية.   وإني ادعوكم في هذا السياق الى تكثيف تحركاتكم وتنويعها لدى الاطراف الفاعلة والمراكز المؤثرة لمزيد التعريف بمسيرة تونس ونجاحاتها في شتى المجالات وشرح مواقفها من مجمل القضايا الدولية.   ولما كان للديبلوماسية الاقتصادية دور اساسي في مساندة برامج التنمية الوطنية فاني اؤكد من جديد ما نوليه من اهمية لهذا البعد في علاقاتنا الدولية وادعوكم الى مضاعفة الجهد للتعريف بما يتميز به مناخ الاستثمار في تونس من حوافز وتشجيعات تساعد على توفير افضل ظروف النجاح لمخططاتنا الاقتصادية.   كما يتعين على ديبلوماسيتنا مواصلة دفع علاقاتنا التجارية مع الدول الشقيقة والصديقة الى المستويات المنشودة وتوسيع التعاون الفني وتنويعه معها في شتى المجالات واستشراف الآفاق التي تتلاءم مع حاجيات جهات الانتداب وتشمل القطاعات الجديدة مثل الخدمات والتكنولوجيات الحديثة.   وإذ أذكر بما نوليه من عناية موصولة لمواطنينا بالخارج وبحرصنا الدؤوب على رعايتهم ومتابعة اوضاعهم والانصات الى مشاغلهم فاني ادعوكم مجددا الى مزيد العمل على تحسين الخدمات المسداة اليهم تيسيرا لظروف عيشهم في بلدان الاقامة فحماية حقوق الجالية تعد في نظرنا من ثوابت الاداء الديبلوماسي لاسيما في هذه الظروف الصعبة والتحديات الكبرى التي يشهدها العالم مما يقتضي لمواجهتها تكاتف جهود جميع الهيئات الرسمية والجمعياتية.   كما يتعين عليكم تحسيس ابناء جاليتنا بضرورة تكثيف اسهامهم في المجهود الوطني للتنمية وفي ملازمة اليقظة للذود عن حرمة بلادنا والتصدى للمناوئين والمشككين في سلامة خياراتها ونجاح مسيرتها.   ايها السادة والسيدات   إن من اوكد المهام الموكولة الى عمل الديبلوماسية التونسية هو التحلي بالحيوية وروح المبادرة والمواكبة النشيطة لما يجد في العالم من احداث ومتغيرات على المستويين الاقليمي والدولي علاوة على الالمام الشامل والدقيق بما يتحقق في بلادنا من انجازات ومكاسب في جميع قطاعات التنمية وما نتخذه باستمرار من اجراءات ومبادرات لتطوير البناء الديموقراطي التعددي وترسيخ حقوق الانسان والحريات الاساسية ونشر الازدهار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي بين سائر الافراد والفئات والجهات.   وإذ أنوه بما يحدوكم من حماس وروح وطنية عالية في اداء مهامكم السامية واكبر شرف الامانة التي تتحملونها من اجل التفاني في خدمة تونس والدفاع عن مصالحها واسماع صوتها وتعزيز اشعاعها فإني واثق بانكم ستثابرون على مزيد اثراء العلاقات التي تربطنا بسائر بلدان اعتمادكم وفي اتاحة اكثر ما يمكن من فرص التعاون والشراكة والتشاور القائمة بيننا وبين هذه البلدان خدمة لمصالح جميع الاطراف ودعما للسلم والاستقرار في العالم.   والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11  أوت 2006  )  


جمعية النساء «الديموقراطيون» والجدل حول المساواة في الارث

بوّأ الدين الاسلامي الحنيف المرأة مكانة متميزة حيث اعتبرها النص القرآني الكريم والاحاديث النبوية، كاننا كامل الانسانية لا فرق بينها وبين الرجل ولا تفاضل بينهما في القيمة الانسانية الا بمقدار ما يقدم كل منهما من نفع للمجتمع وللانسانية. ولا بد من التذكير هنا ان المرأة في الحضارات السابقة للاسلام كانت تحرم من حقوقها، ومنها حقها في الارث، حتى لا ينتقل المال بزواجها الى بيت الزوج. وقد كان الارث في تلك الازمان ينحصر فقط في الابن الاكبر حتى جاء الاسلام فأعطى المرأة حقها في ارث والديها واقاربها وجعل هذا الحق ثابتا بصريح النص القرآني. وجاءت الآية القرآنية الكريمة الواردة في سورة (النساء) «يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين» بهذا المعنى واضحة وصريحة، ومن القواعد المعروفة التي اتفق عليها علماء الاسلام في التعامل مع النصوص الدينية الصريحة، انها قطعية وغير قابلة للتأويل وان العمل بنقيضها يقود الى المس بالعقائد والتشكيك حتى في اصل الدين وفي عدل المشرع.
ولذلك فان ما تدعو اليه «جمعية النساء الديمقراطيات» من المساواة بين المرأة والرجل في الارث هو خروج عن النص وتعد على الاحكام الشرعية التي لا يجوز لاي كان الخوض فيها دون معرفة باحكام الدين، زيادة على ان مثل هذه الدعاوي غير واقعية وتجرح مشاعر المسلمين لانها تشكك في عقائدهم.
فالعملية الاجتهادية هي عملية منضبطة بعيدة عن كل ايديولوجيا، وما تقوم به بعض الحركات والتيارات السياسوية هو سعي غير مبرر الى هدم منظومة مجتمعية متكاملة العناصر دونما موضوعية او اهداف ايجابية وانما لمجرد الاثارة والاحراج بعيدا عن الوفاء لموروثها الديني والحضاري وفي غياب الالمام بأبسط القواعد العلمية.
وقد توفق المشرع التونسي عند صياغة فصول مجلة الاحوال الشخصية الى التمييز بين الثابت والمتحرك وبين ما يجوز تأويله وما لايجوز مستندا في كل احكام المجلة الى ثوابت الدين الاسلامي الحنيف.. كما جاءت التنقيحات والاضافات الرائدة التي اقرها الرئيس زين العابدين بن علي نتيجة لاجتهاد جماعي موفق، ومسايرة لهذا المنهج في احترام الثوابت دونما اغفال ما تقتضيه روح العصر ومتطلبات الحداثة.
وان الذين يثيرون الشبهات حول مكانة المرأة في الاسلام مستندين في ذلك الى التمايز في الميراث لا يفقهون ان توريث المرأة نصف الرجل ليس موقفا عاما ولا قاعدة في توريث الاسلام لكل الذكور والاناث، وان هذا التمايز في انصبة الوارثين والوارثات لا يرجع الى معايير الذكورة والانوثة.
وللتدليل على ذلك فان استقراء حالات الميراث ومساندته .كما جاءت في علم الفرائض او المواريث يكشف عن حقائق قد تذهل الكثيرين عن افكارهم المسبقة والمغلوطة في الموضوغ اذ ان هناك اربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل، في حين توجد اضعاف هذه الحالات الاربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما، وهناك حالات تزيد على خمسة عشر حالة ترث فيها المرأة اكثر من الرجل، كما ان هناك حالات اخرى ترث فيها المرأة ولا يرث فيها نظيرها من الرجال.
ويمكن للتوسع في هذه الحالات الرجوع الى كتب الفرائض او المواريث والى مجلة الاحوال الشخصية.
ولا أحد اليوم يمكن ان يشكك في مجلة الاحوال الشخصية التي تجمع بين الاصالة والمعاصرة وبين النقل والاضافة. وقد كان لتطبيق هذه المجلة الاثر الايجابي على شخصية المواطن رجلا كان او امرأة وعلى نمط حياته وعلى تنظيم روابطه الاجتماعية وعلى توازن المجتمع كله.
الاستاذ عبد السلام الحاج قاسم  المحامي (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11  أوت 2006  )

المرأة في تونس في مأمن من أي تراجع في الحقوق

عبارات بن علي تلخص خيارات استراتيجية حول نمط المجتمع الذي تشكل في تونس بإرادة سياسية قوية لا تقبل الانتكاس أو الرجوع خاصة في مجال الحقوق والحريات.
ميدل ايست اونلاين بقلم: انطوين غريب
تعيش المرأة التونسية هذا العام على وقع الاحتفال بذكرى خمسين عاما من صدور مجلة الأحوال الشخصية التي اعتبرت ثورة حقوقية وحضارية في تونس منذ استقلالها من الاستعمار الفرنسي عام 1956.
وليس ادعاء أو رياء القول أن تونس التي شرّفت المرأة منذ خمسة عقود وأعطتها من الاهتمام ما يكفي للنهوض بالمجتمع وتحقيق التنمية أنها تواصل في عهدها الجديد اليوم تخصيص « نصف المجتمع » لديها مكانة بارزة وهو ما يتجلى بوضوح في قول الرئيس بن علي إن « تونس تختلف عن المجتمعات التي أبعدت المرأة ـ وهي نصف المجتمع ـ عن الحياة العامة، فقد اختارت تونس أن تسير إلى الأمام وقد جمعت بين نصفي مجتمعها ».
ويضيف قائلا: « إني على يقين أن بلادنا قد ضاعفت قدراتها ونوّعت الفرص المتاحة أمامها بفضل إسهام الرجل والمرأة جنبا إلى جنب في مسيرة التنمية. ذاك من أسرار نجاح الأنموذج التونسي، وقد أقام مشروع التغيير في المرأة التونسية سورا منيعا بوجه التطرّف، يحمي قيم الجمهورية ويحارب التعصب ».
ومن هنا نقول إذا كان الاحتفال باليوم العالمي للمرأة يوم 8 مارس 2006 قد اختارت له منظمة الأمم المتحدة شعار « المرأة في عمليات صنع القرار » فإن تونس اليوم أو ما يصطلح عليه بـ »تونس العهد الجديد » تجاوزت منذ مدّة طويلة هذا الشعار بفتح المجال أمام المرأة وتشريكها في صنع القرار في هياكل الدولة والحكومة والمؤسسات الدستورية وفي المجتمع المدني.
وقد وجه الرئيس بن علي غداة الاحتفال الأخير باليوم العالمي للمرأة رسالة إلى رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية تتضمن عباراتها لها دلالات خاصة تتلخص في قوله: « يحق لنا أن نعبّر عن كامل ارتياحنا وفخرنا للمنزلة الرفيعة، التي تحظى بها المرأة التونسية في الأسرة والمجتمع وما تنعم به من حقوق وما تضطلع به من واجبات في نطاق المساواة والشراكة مع الرجل والمواكبة الواعية لمقتضيات الحداثة والتقدّم ».
وأضاف الرئيس بن علي: « وإن في مرور خمسين سنة على صدور مجلة الأحوال الشخصية ما يوجب استخلاص الكثير من المعاني والدلالات لكي نتبين بإمعان ما كرّسته هذه المجلة من حقوق ومكاسب في عهد بناء دولة الاستقلال وما أضفناه إليها في عهد التغيير من مبادرات وقرارات دعمت حضور المرأة في مجالات التعليم والتكوين والإنتاج والتمويل والاستثمار وبوأتها مراكز قيادية متقدّمة داخل المجالس البلدية والمجالس الجهوية والمؤسسات الدستورية… ».
وهذه العبارات للرئيس التونسي على اختصارها تلخص خيارات استراتيجية حول نمط المجتمع الذي تشكل في تونس بإرادة سياسية قوية لا تقبل الانتكاس أو الرجوع خاصة في مجال الحقوق والحريات.
كما أن عبارات الرئيس التونسي تبرز أن منزلة المرأة في المشروع المجتمعي تحوّلت إلى مدعاة ارتياح ولم تعد تشكل مشغلا بل باتت مفخرة للأنموذج المجتمعي التونسي نظرا للنجاحات التي حققتها سياسة المرأة التي تفاعلت مع مختلف مراحل نطور تونس في عهدها الجديد.
ويعتبر نجاح الأنموذج التونسي فيما يتعلق بالمرأة في مأمن من أي تراجع، وبالقياس إلى المعايير الدولية فإنه ينظر إليه بعين التقدير لأن تونس اعتمدت من التشريعات ما جعل كل المبادئ التي نصت عليها الصكوك الدولية المتعلقة بالمرأة حقيقة معاشة.
كما أنه من الشواهد الصريحة على منزلة المرأة في تونس وعلى دورها الحيوي في تحقيق التنمية وتثبيت مقومات الاستقرار المجتمعي، الإجماع التلقائي لمختلف القوى الوطنية التونسية وخاصة المنظمات الأهلية على الالتزام الصّريح بضرورة تعزيز مكانة المرأة في المجتمع وذلك منذ تغيير عام 1988 حين التزم الموقّعون على ما يعرف بالميثاق الوطني التونسي الذي ينصّ على أن « مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة لا يقل أهمية عن مبدأ الحرية » وهي المساواة أيضا بين المواطنين رجالا ونساء بدون تمييز بسبب الدين أو اللون أو الرأي أو الانتماء السياسي.
وفي إطار هذه الرؤية الجريئة، أوجب قانون الأحزاب السياسية الذي صدر في بداية عهد تغيير السابع من نوفمبر على احترام المكاسب التي حققتها تونس والمتعلقة خاصّة بمجلة الأحوال الشخصية وجعل من هذا الاحترام للمجلة شرطا للترخيص بإحداث حزب سياسي وسببا لتعليقه أو حلّه (الفصل 2 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية في تونس).
كما جاء في هذا الإطار القانون المتعلق بالنظام التربوي لشهر يوليو1991 الذي يقول: « يهدف النظام التربوي في إطار الهوية الوطنية التونسية والانتماء الحضاري الإسلامي إلى تحقيق العديد من الغايات النبيلة منها إعداد الناشئة لحياة لا مجال فيها لأي شكل من أشكال التفرقة والتمييز على أساس الجنس أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الدين ».
من هنا يتجلى أن الرئيس بن علي عمل على تكريس حقوق المرأة في التشريعات والبرامج الوطنية وبما يتماشى أو يفوق معايير الأمم المتحدة.
ولمبدأ المساواة في التشريع التونسي مرتبة دستورية وضحها الفصلان السادس والسابع من دستور الجمهورية التونسية.
بيد أن أول نص قانوني أنصف المرأة التونسية أتت به مجلة الأحوال الشخصية التي يحتفل التونسيون يوم 13 أوت 2006 بالذكرى الخمسين لصدورها.
فقبل نصف قرن، حققت المرأة التونسية نقلة نوعية من خلال الأحكام الثورية التي تضمنتها مجلة الأحوال الشخصية متى قورنت بالأوضاع القائمة آنذاك في تونس وفي المنطقة العربية والإسلامية إذ أصبح تعدد الزوجات ممنوعا وحرّم الزواج القسري وتمّ تحديد سن الزواج الدنيا للفتيات بسبع عشرة سنة كما أنه لم يعد ممكنا للزوج أن يطلق زوجته بمجرّد النطق بالطلاق بل تحول الطلاق من مشمولات المحاكم ويمكن للمرأة أن تطلب الطلاق بناء على نفس الأسباب المخوّلة للزوج وعلى المحكمة أن تحكم للزوج أو الزوجة المتضررة بتعويضات للضرر الأدبي والمادي الذي يلحق أحدهما من جراء الطلاق ويعاقب الزوج المطلق عقابا جزائيا إذا لم يقم بدفع التعويضات المحكوم بها عليه في فترة شهر ويحكم القضاء في المسائل التحفظية المتعلقة بحضانة الأبناء والنفقة وسكنى الزوجة وحق الزيارة ويحكم قاضي الطلاق في المسائل المتعلقة بحضانة الأبناء باعتبار مصلحتهم.
وتتأثر مسائل الميراث بالقواعد المتبعة في الشريعة الإسلامية.
مجلة الأحوال الشخصية التونسية تشريع اعتبر في نظر الخبراء والمتتبعين رائدا و جديرا بالقراءة إذ أن كل فصولها تدلّ على ريادة تونسية نابعة منها نحو تكريم المرأة والأسرة والمجتمع عموما وهي إرادة تعززت بوضوح أكبر مع عهد الرئيس بن علي الذي أضاف فصولا وتعديلات وقرارات أخرى بلغت حدّ الدستور خاصة بعد الإصلاح الجوهري الذي أدخل عليه سنة 2002.
وهكذا يكرّس الدستور التونسي في تعديله الجديد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات حيث أنهما سواء أمام القانون بمقتضى الفصلين 20 و21 من هذا الدستور إذ تتمتع المرأة بحق الانتخاب وبحق الترشح للانتخابات.
ومن القرارات والتشريعات الموازية لفائدة المرأة تلك التي شملت مجلة الأحوال الشخصية في عدّة مناسبات أهمّها التي أدخلت في 12 جويلية 1993 و28 جويلية 1995 و16 ديسمبر 1995 و28 أكتوبر 1998 و9 نوفمبر 1998 فضلا عن التنقيحات التي أنصفت المرأة والتي أدخلت على مجلة الجنسية والمجلة الانتخابية ومجلة الشغل والمجلة الجنائية ومجلة الالتزامات والعقود التي كرّست كامل حقوق المرأة في إبرام العقود والشراء والبيع والتصرّف في أملاكها دون أن يغيّر الزواج شيئا في هذه الصلاحية القانونية لأن الزوج حسبما ينصّ عليه الفصل 24 من مجلة الأحوال الشخصية ليست له سلطة لإدارة الأملاك الخاصّة لزوجته.
ولئن فتح برنامج بن علي المستقبلي الذي غطى الفترة 1999 ـ 2004 آفاقا واسعة أمام المرأة فإن برنامجه لتونس الغد 2004 ـ 2009، تضمن في محوره السادس عشر هدفا آخر أكثر طموحا ينقل المرأة التونسية من المساواة مع الرجل إلى الشراكة الفاعلة معه.
وبالرّجوع إلى المؤشرات والأرقام المسجّلة على أرض الواقع تتبين مكانة المرأة التونسية التي تعترف بالفضل بالخصوص لمصلحين وقادة ثلاثة : الطاهر الحداد الذي دوى صوته بصرخة حق لمناصرة المرأة ظلت حبيسة في ظلام الثلاثينات من القرن العشرين ثم الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية الذي تحدى كل التقاليد البالية والعقيمة وأصدر في 13 أوت 1956 ـ سنة الاستقلال ـ مجلة الأحوال الشخصية ذات النزعة التقدمية والتحديثية و كذلك الرئيس الحالي زين العابدين بن علي الذي طوّر وأثرى كل ما حوته مدونة الإصلاح وأضاف إليها ما لم يكن متاحا أمام من سبقه من المصلحين فأصدر من المبادرات والتشريعات والقوانين ما ضمن حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل في الحياة العامة وبما جعلها شريكة كاملة الحقوق وأمّن حضورها في كل مواقع العمل بدون أي تمييز.
ورغم أن النصوص والتشريعات التي أصدرها بن علي لفائدة المرأة لها قيمة دستورية، ظل يتعقب كل تقليد اجتماعي قد يعطل المسيرة كما ظل يستحث المجتمع المدني على التجاوب والتناغم مع القوانين المنصفة للمرأة التي تمثل اليوم أكثر من ربع السكان النشيطين.
إن عدد النساء التونسيات صاحبات الأعمال الآن بلغ نحو عشرة آلاف، كما أقحم بن علي المرأة في تشكيلة الحكومة بمعدل سبع نساء.
كما تمثل المرأة التونسية اليوم نسبا تبلغ أكثر من 22 في المائة داخل مجلس النواب و19 في المائة من مجلس المستشارين (غرفة برلمانية ثانية تأسست حديثا) وأكثر من 26 في المائة داخل المجالس البلدية وقرابة 18 في المائة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي و34 في المائة في الإعلام و12 في المائة في الدواوين الوزارية وأكثر من 26% في اللجنة المركزية لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم) و32 في المائة في قطاع الفلاحة والصيد البحري و43 في المائة في قطاع الصناعات المعملية و51 في المائة من مجموع المدرّسين في التعليم الابتدائي و48 في المائة من المدرسين في التعليم الثانوي و40 في المائة ضمن قطاع المهن الطبية و72 في المائة في الصيدلة و31 في المائة في المحاماة و27 في المائة سلك القضاة و23 في المائة في القطاع العمومي للإدارة التونسية وثلث المنخرطين في أكثر من 8500 جمعية أهلية تونسية و57 في المائة من مجموع طلبة التعليم العالي.
ومنذ عيد الاستقلال سنة 1988 أكد الرئيس بن علي على أن: « مجلة الأحوال الشخصية مكسب حضاري نحن أوفياء له وملتزمون به ونفاخر به فلا تراجع في ما حققته تونس لفائدة المرأة والأسرة ولا تفريط فيه ».
ومنذ ذلك التاريخ ظلّت تونس العهد الجديد تتعهد المرأة بالمبادرات المتتالية وفي عزم متواصل من مختلف مكونات المجتمع على الرقي بها إلى الشراكة الفاعلة مع الرجل ومزيد تأمين حضورها في مواقع القرار والمسؤولية وتوفير فرص أكبر لفائدتها للتوفيق بين الحياة الأسرية والمهنية عبر إقرار نظام للأم يمكنها حسب رغبتها من العمل نصف الوقت مقابل الثلثين من الأجر مع حماية أكبر للرباط الأسري.
انطوين غريب كاتب لبناني (المصدر:ميدل ايست اونلاين يوم 11  أوت 2006  )


 

أيّام في حياتي

 

 زهرة تونس
ولدت في دولة عربية إسلامية صغيرة و ترعرعت في جو ريفي هادئ و غنمت من نسمات بحر دافئ اضطر أهلي لترك هذا البلد الكريم المعطاء بسبب ظلم حاكمه وانتشار جوره و غطرسته في البلاد و بدأت هجرتنا عندما خرجت مع أمي و اخوتي و قد كنا ثلاثة أخوة كنت ( أنا أوسطهم سنا ) في سيارة صغيرة وصلت بنا إلى حدود دولة مجاورة في وقت متأخر من الليل ، قطعنا حدود تلك الدولة مشيا على الأقدام في جو يخيم عليه الخوف و الرعب من المجهول. لبثنا في ذلك البلد وقتا لا بأس به ثم لحق بنا والدي العزيز. أكملنا هجرتنا عبر الفضاء إلى بلد آخر أكبر و أغرب من سابقه: لقد كان أهل البلد الجديد مختلفين عنا فلقد كان لهم لون بشرة غير لون بشرتنا و كانت طريقة كلامهم غريبة بعض الشيء كنا خائفين منهم و قد كان هذا شعور الطفل الذي لا يفقه شيئا في هذه الحياة. إلا أننا تعودنا على حياتنا الجديدة تلك و بدأنا نروم التعامل مع أهل هذا البلد الطيب و أتقنّا لهجتهم أو كدنا. انخرطنا في هذا المجتمع و اجتمعنا بالكثيرين من أهل بلدي الحبيب و الذين كانت لهم قصة كقصتنا كنا جميعا كالعائلة الكبيرة فلم أشعر يوما ما بفقد عم أو خالة لكثرة ما تعوّدت ألسنتنا على مخاطبة أهلنا ممّن لا تربطنا بهم صلة دمويّة و لكني كنت أفتقد الخال و العمة و الجد و الجدة ، فليس من الحضور من ينادى بهذه الصفة . كنا كالجسد الواحد نفرح لفرح الواحد منّا و نحزن لحزنه . مرت بنا أيام و ليالي بل شهور و سنون و نحن نعيش في هذا البلد الكريم في أمان و سلام . و كبرت مع السنين و تعلمت الكثير و عرفت الكثير : عرفت أنّ والدي يتعامل باسم غير اسمه .. حاولت جاهدة معرفة اسمه الحقيقي و لكن بدون طائل. حاولت التعرف على سبب مكوثنا في ذلك البلد , و معرفة السبب الذي يمنعنا من أن نعود إلى وطننا الأصلي… بدأ الناس يهجرون تلك البلاد لصعوبة العيش فيها و كثرة الأمراض و الأوبئة المنتشرة بها و لعدم وجود الأمان الكامل بها فقد بدأت أيادي حاكم بلادنا تطالنا و تتاجر برؤوسنا . و انطلقت منذئذ محنتي في الحياة إذ لم يعد ذاك الستار الذي طالما حجب به أبي عنّي الحقيقة لإبقائي و اخوتي بعيدين عن الهموم قادرا على الأداء بذات النجاعة السابقة . بدا التفكير يتملّكني و بدأ الهم يبحث عن مكان له في قلبي الصغير فوجد فيه فضاء لا يزال يتوسّع فيه حتّى سيطر عليه و لم يترك مكانا لغيره. بدأت أسأل و استفسر : من نحن؟ و ما هي قصتنا؟ و لماذا لا نكون في وطننا بين أهلنا و أصدقائنا و ربوع وطننا الغالي؟؟ قيل لي أنتم أناس غير مرغوب في وجودكم, أنتم أناس كان يجب القضاء عليكم, أنتم من حاول إفساد الأرض , أنتم من حاول حرمان الرعية من راعيها العادل, أنتم من أراد إعلاء كلمة الله و كان يجب أن تعلو كلمة الطاغوت , أنتم من حاول حرمان الناس من التمتع بالحياة و زخرفها , أنتم من حاول حرمان المرأة من متعة الحياة و جمالها بارتدائها ما يقطع عنها ضوء الشمس و ما يحبس عنها التنفس و الهواء العليل , أنتم …….و أنتم…………..و أنتم !!!!! صرخت عاليا كفى ، كفى ما هذا الهراء؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ منذ متى كان الدين الإسلامي مفسدة ؟ منذ متى كان قتل الناس و حبسهم عدلا , منذ متى كانت كلمة الطاغوت هي العليا ؟ كلا بل كلمة الله هي العليا و قد ذل من أعلى غيرها , منذ متى كانت دعوة الناس إلى الله و إلى عبادته هي حرمان لهم من متعة الحياة ، و منذ متى كانت حشمة المرأة و التزامها بشرع ربها حرمانا لها من التنفس أو حتى من ضوء الشمس … أسئلة كثيرة كنت أنتظر الإجابة عنها و لكن ما مِنْ مجيب ؟؟!! بدأ هاجس الخوف يكبر ……… و الأسئلة تكثر ……. هل سيأتي يوم أرى فيه أبى خلف القضبان؟ …………… هل سيأتي يوم أحرم فيه من كلمة أبي؟……………… بدأت الأحوال تسوء و اضطررنا لترك تلك البلاد بعد قضاء تسع سنين بشهورها و أيامها و لياليها. كان من المفترض أن تكون محطتنا الثالثة محطة مؤقتة . و لكن مكوثنا فيها طال فقد عاف العالم  » فضلات  » ظلّ يفرزها أنذال العرب الساقطين ، أولئك الذين نسوا أنّ لهم ربا يرى كلّ ما يفعلون فأهملوا حقوق العباد و طالوا بالخراب معظم البلاد . آثار خيانة المؤتمن من طرف الرّاعي كانت قاسية علينا و مؤثّرة جدّا على سير حياتنا التي تحوّلت إلى مأساة حقيقية عانت منها العائلة كثيرا. نعم كانت حياتنا أشبه ب …………….!! لم أجد ما أشبه به تلك الحياة………!! كنت أعيش باسم غير اسمي و جنسية غير جنسيتي و هذا ما كان يدعو الناس لسؤالي كيف تكونين من تلك البلاد و البشرة ليست كبشرتهم مثلا ؟ كنت أرجع ذلك إلى عرق قبيلتي الغائرة في القدم فأقنع و لا أقنع . كنّا في خلواتنا – نحن الاخوة – نضحك من تلك المواقف الصعبة و لكنّ ضحكاتنا تظلّ خافتة يتخللها حزن عميق فقد كانت الابتسامة تبحث عن مكان لها في حياتنا. كان الخوف سيّد المواقف كلّها . كانت حياتي جحيما سعرت ناره بكثرة هواجسي و كثرة تفكيري بالمجهول و خوفي على والدي … تدهورت نتائج دراستي و أصبحت أشعر أنني أغبى فتاة في العالم بعد أن كانت تطلق عليّ صفة الذكاء ذات يوم … تعاظم شعوري بالوحدة و لم يعد ذلك يفارقني … دعوت الله ليلا نهارا أن يهديني و يأخذ بيدي ليخرجنا ممّا نحن فيه و يبدل حالنا إلى أحسن حال …فقد غرست الأيّام أنيابها فينا دون رحمة … و بعد مرور تلك السنين المرعبة جاء الفرج فقد قبلت بنا بلاد ليس الإسلام دينها و لا العربيّة لغتها و لا القوميّة مرتكزها ، حفظت ذمم البشر دون نظر إلى دينهم أو جنسهم .. فالحمد لله ربّ العالمين و لعلّ قومي و أهل بلدي يعقلون أنّ الله غالب على أمره. فهو الذي أبدل خوفنا أمنا و ضيقنا المعيشي سعة و لعلّه سبحانه يكحّل أعيننا برؤية أهلنا في القريب العاجل …
(المصدر: الحوار نت يوم 11  أوت 2006  )


مركز دعم الديمقراطية في العالم العربي روتردام – هولندا إعـــــلان

ورشات عمل حول الجاليات العربية ودعم الديمقراطية

يسر مركز دعم الديمقراطية في العالم العربي دعوة المثقفين وسائر المهتمين بالمشروع الديمقراطي في العالم العربي، للمشاركة في خمس ورشات عمل ستبحث في « دور الجاليات العربية المقيمة في أوربا في مساندة التحولات الديمقراطية في خمس دول عربية هي: مصر، سوريا، تونس، لبنان، والأراضي الفلسطينية المحتلة »، وذلك خلال الفترة من 16 سبتمبر إلى 15 ديسمبر 2006، بمقر المركز بمدينة روتردام.
وتنظم ورشات العمل بالتعاون مع مؤسسة « وجهات نظر بديلة » ( Alternative Views)، وهي منظمة هولندية غير حكومية، مقرها مدينة أمستردام، تسعى لمساندة المنظمات العاملة من أجل الديمقراطية في دول الجنوب.
وستعقد أولى ورشات العمل يوم 16 سبتمبر2006 انطلاقا من الساعة الثالثة زوالا، وذلك بمقر المركز الكائن بالعنوان التالي:
Centre Support Democracy in the Arab World OBC (2nd floor) Heiman Dullaertplein 3 3024 CA Rotterdam
للمشاركة في ورشات العمل، التي سيؤطرها باحثون ونشطاء متخصصون، الرجاء الاتصال هاتفيا، أو عبر إرسال رسالة بالبريد الالكتروني أو الفاكس:
الهاتف: 0031622800825 الفاكس: 0031104769915 الايميل: kh_chouket@hotmail.com
 


الحمد لله وحده

المقاومة  طريقنا نحو العزة  والكيان العنصري إلى زوال

 

فتحت المعركة الأخيرة في الضفة والقطاع  وفي لبنان الأعين على معطيات هامة سيكون لها حتما إنعكاسات وتداعيات خطيرة على حاضر ومستقبل الأوضاع في المنطقة . وبترك النظر عن حساب حجم الخسائر في الأرواح والعتاد والممتلكات أثبتت الأحداث الأخيرة ( بداية بفوز حركة حماس في الإنتخابات  التشريعية الفلسطينية  ونهاية بالعدوان الصهيوني على لبنان مرورا بالعدوان على مدن وقرى غزة والضفة الغربية والحصار  الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني بدعم دولي وعربي وتواطىء فلسطيني مفضوحين ) بشكل قاطع لا مجال للشك فيه عدة حقائق أهمها حسب نظري والله أعلم : 1) أن الكيان الصهيوني الغاصب كيان عنصري  توسعي حاقد وأنه بحكم ما تأسس عليه من « خرافات » و « غلو » زادها حدة الجشع والطمع في إحكام القبضة على خيرات المنطقة وثرواتها لا مكان في قاموسه للقانون الدولي ولا لحقوق الإنسان ولا للقيم والمبادىء الدينية والكونية , ومن الطبيعي  جدا أن لا يعرف الكيان الذي زرع قسرا بسلاح العصابات على جماجم الأبرياء العزل طريقا لتثبيت وجوده وضمان توسعه غير طريق العنف  الأعمى والقتل , فوجود الكيان الذي نشأ في بركة من الدماء وإمتداده رهين ما ينجح في إشاعته من موت وفوضى ودمار … ليتأكد كل ذي بصر وبصيرة أن الرهان على تقيد هذا الكيان بأحكام القوانين والمواثيق الدولية وعلى إحترامه لما يعقده من إتفاقيات  رهان خاسر .

إن الطبيعة الإستيطانية العنصرية التوسعية لكيان تأسس بجهد العصابات وسواعدها وسلاحها في خرق مفضوح للقانون الدولي والقيم الدينية والإنسانية النبيلة تحول دونه ودون التحول من كيان قائم على الحرب وقوة الحديد والنار والمروق على كل القوانين والقيم إلى كيان منضبط لها لأن إحترامها والخضوع  لها  لا يعني إلا زواله  وبناء دولة فلسطين الديمقراطية الحاضنة لكل أصحاب الأرض الأصليين وخلفهم بترك النظر عن دينهم وعرقهم ولغتهم . وبناء على ذلك لا أبالغ إذا أكدت أنه واهم من ينتظر ممن تربى على الإستعلاء والغلو والحقد على الغير وبنى مجده على المجازر وزرع الموت والخراب شيئا من ضبط النفس والرحمة   ,   كما أنه واهم من ينتظر تخلي عصابات الصهاينة عن عنصريتها في التعامل مع عرب الكيان ومحيطهم القريب والبعيد والبشرية قاطبة  وهم الذين لم ينج من عنصريتهم وتمييزهم حتى الكثير من اليهود بسبب لونهم أو عرقهم أو نسبهم (لأب يهودي من أم غير يهودية ) أو عقيدتهم ( رفضهم للصهيونية ) .

وواهم من ينتظر من قطعان المستوطنين الذين تركوا الأرض التي ولدوا  وترعرعوا فيها  شرقا وغربا  وأقاموا مستوطناتهم كرها وغصبا  على حساب أصحابها  ومالكيها الشرعيين رد الحقوق لأهلها والتحرر من خرافة » أرض الميعاد  »  طوعا وبكل تلقائية . و واهم من ينتظر من  الصهيونية العالمية والقوى الدولية  الخاضعة والداعمة لها  على حد سواء وكل من له مصلحة في  توسع الكيان في قلب الأمة التخلي عن مشروع تاريخي وحلم بذل في سبيل تحويله إلى حقيقة على الأرض الغالي والنفيس ,,, وواهم من يعول على يقظة ضمير أولمرت وبيريز ورامسفيلد وعنان وسولانا وشيراك و أمثالهم من غلاة الصهاينة والمحافظون الجدد وأذيالهم  لأنهم  ومنذ أعلنوا الحرب على الإنسانية فقدوا ضمائرهم,,,ولم يعد يهمهم غير حماية مصالح الصهاينة وتحقيق أطماعهم والتغطية على جرائمهم حتى لو كان ذلك على حساب مصالح شعوبهم والامن والسلم العالميين  وما قتلهم الرضع والعجائز العزل وتدمير المستشفيات وسيارات الإسعاف والمساجد والكنائس والمقابر والتمثيل بجثث القتلى واللجوء إلى عمليات الإغتيال الجبانة والإختطاف وإستعمال الأسلحة المحرمة دوليا والفرار عند كل مواجهة مباشرة وإعتماد سياسة الأرض المحروقة  والقتل والعقوبات الجماعيتين والتردد حتى في اعتبار ما حصل في قرية قانا خرقا اسرئيليا للقانون الدولي وتعطيل مجرد صدور قرار من مجلس الامن بوقف إطلاق النار ( رغم وعييهم برمزيته وبأنه غير قابل للتنفيذ ) وسعيهم المحموم للتغطية على الجرائم الصهيونية وتبريرها رغم بشاعتها  إلا دليل على ذلك . وملخص القول  أنه لا أمن ولا إستقرار  في المنطقة والعالم  في ظل وجود الكيان العنصري التوسعي المؤسس على الحرب وقوة الحديد والنار ولانمو ولا نهضة ولا تقدم في المنطقة في ظل وجود هذا الورم السرطاني في قلبها وهو الموكول له إخضاعها وإعاقة تطورها ووحدتها فالكيان الصهيوني مثله مثل كل كيان مؤسس على نزعة توسعية عنصرية كيان محارب بالضرورة وقوة الحديد والنار وحدها تحمي وجوده  وتضمن إستمراره وتوفر شروط إمتداده بما يجعله كيانا إرهابيا بإمتياز وسببا رئيسيا من أسباب ما يعيشه العالم من كوارث وصراعات دامية وأزمات خانقة على كل المستويات  ولا أمل في إنقاذ المنطقة و العالم من شرور هذا الورم الخبيث الذي كلف الإنسانية  غاليا إلا بإستئصاله لأن فشل كل محاولات إدماجه وتطبيع وجوده لا يعود لرفض العرب أو  بعضهم لذلك بل لإستحالة تخلي الكيان الغاصب وقياداته عن سياستهم التوسعية والعدائية (التي هي مكونا رئيسيا من مكونات هويتهم وهدفا إستراتيجيا غير قابل  للمراجعة في مشروعهم التوسعي) اتجاه كل شعوب المنطقة وعلى حسابها. 2)أن المراهنة على تحول الافعى الصهيونية إلى حمل وديع يقبل التعايش مع محيطه لا يقل خطورة  عن إشاعة حالة من اليأس والإحباط في صفوف العرب والمسلمين وكل أحرار العالم بغاية إفقادهم كل أمل في القدرة على النهوض والتصدي ودفعهم نحو الإستسلام والخضوع بالترويج لنظرية  التفوق الصهيوني ولعجز العقل العربي وإستحالة تطوره دون التخلي عن الثوابت الدينية والحضارية وإعادة صياغته على قاعدة إنتزاع روح المقاومة  والتفريط في الحقوق المشروعة وبالتخفي تحت رداء إختلال موازين القوى  وهيمنة القطب الواحد لتمرير مشاريع الخيانة والتدمير والتخريب التي طالت أقدس مقدسات الأمة  كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في حين أثبتت معارك الأيام الأخيرة أن موازين القوى المادية على أهميتها لا تساوي شيئا إذا إجتمعت في قوم روح المقاومة وعشق الشهادة مع حد أدنى من العدة والعتاد والإستعداد في ظل قيادة وطنية مناضلة ومسؤولة تجيد التخطيط وتحسن إدارة المعركة والتحرك والفعل في أخطر المواقع وأدق اللحظات تحت راية الجهاد الواعي الجامع وشعارات وطنية موحدة بعيدا عن التعصب والفئوية والطائفية ولا غرابة بعد ذلك أن تنجح قيادة المقاومة الإسلامية في توحيد جهود كل الخيرين  من أبناء الأمة وأحرار العالم دفاعا عن الحق والعدل والقيم الإنسانية النبيلة.  حققت قيادة المقاومة عدة مكاسب تاريخية لم يسبق لأحد تحقيقها منذ عقود:

 أولها بنجاحها في  التحول من قيادة تنظيم إلى قيادة شعب وأمة وقطاعات واسعة من أحرار العالم ومستضعفيه رغم ما بذله الصهاينة وقوى الهيمنة الدولية  وعملائهم من الفلسطينيين واللبنانيين  والعرب لتشويهها و محاولة عزلها .

ثانيها تمكنها  بتوفيق من الله وعونه بعد دفع الأعداء إلى إرتكاب أخطاء قاتلة من إجهاض مشاريعهم  في فلسطين ولبنان والمنطقة عموما وإفتكاك المبادرة منهم  وفرض قواعد تعامل جديدة في ظل توازن رعب فرض نفسه على جميع الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين ويكفي من قاد هذه المعركة وخاضها في غزة والضفة  ولبنان شرفا أنه أثبت للأمة  والعالم أن الصهاينة وحلفائهم من قوى الهيمنة الدولية وخدمهم  في فلسطين ولبنان  والمنطقة ليسوا أكثر من  نمور من ورق وان الجيش الصهيوني الذي لا يقهر ليس إلا كذبة كبرى و أن التفريط في الحقوق والإستسلام ليس قدرا محتوما وأن المقاومة الوطنية المشروعة والمسؤولة  المتحررة من الفئوية والطائفية ومن كل مظاهر الغلو والتطرف ونوازع الحقد الديني  والمذهبي والعرقي هي طريق الأمة والإنسانية نحو العزة والكرامة والمساواة والحرية وأن السلاح المنضبط المشبع بالإيمان بعدالة القضية وبالقيم الإنسانية الخالدة والموجه إلى صدور المعتدين وحصونهم وقلاعهم  دون غيرهم في الزمان والمكان المناسبين  بعيدا عن دعاوي التكفير والتخوين وإستهداف وإستعداء الجميع المتميز عن الإرهاب الأعمى اللامسؤول والقتل العشوائي الذي لا يقبله عقل ولا دين  قادر على تحقيق المعجزات.

 ثالثها بما قدمته للامة وللعالم من مثال حي عن الجهاد الواعي والمسؤول في مرحلة خطيرة من مراحل تاريخ الامة والانسانية حيث اختلط الحابل بالنابل وأصبحت المقاومة إرهابا وبما  أعطته لرؤوس الفتنة الطائفية  وعشاق القتل العشوائي وهواة تفجير السيارات المفخخة في المدارس والمستشفيات والأسواق والمساجد والحسينيات وذبح وإغتيال الابرياء من دروس في منهج المقاومة المسؤولة المشروعة الملتزمة بشرف الغاية وشرف الوسيلة  باعتبارها الطريق نحو العزة في الدنيا والجنة في الآخرة.

 رابعها أن تحقيق  الإنتصار  سواء كان جزئيا أو شاملا يمر عبر الوعي والإستعداد والتعالي عن الصغائر : الوعي بطبيعة العدو وحقيقة المعركة في أبعادها المتعددة والمتشابكة وطنيا وقوميا وإنسانيا والإستعداد لخوضها  بإقتدار فكريا وإعلاميا وسياسيا وماديا والتعالي عن الحسابات الفئوية والطائفية الضيقة وعدم  الإنجرار  نحو المعارك الجانبية والثانوية داخليا وإقليميا مهما كانت درجة حدة الاستفزازات وتسخير كل الطاقات والجهود والإمكانات لخوض المعركة الرئيسية  ومواجهة العدو المباشر بعيدا عن المزايدات اللفظية والجعجعة الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع والتي لم تجلب لأصحابها وللأمة والإنسانية إلا المصائب والهزائم والخيبات  وقدمت خدمة مجانية للصهاينة وحلفائهم من قوى الهيمنة الدولية والانظمة العربية الخاضعة واشباه المستوطنين ممن رهنوا انفسهم لبني صهيون .    الأستاذ نور الدين البحيري المحــامي عضو المنظمة الوطنيـة لمقاومة التطبيع مـع العدو الصهيونـــي  


الذعر من أسلمة الصراع يجتاح إسرائيل

صالح محمد ألنعامي

حتى قبل أن تضع الحرب المتواصلة في فلسطين ولبنان أوزارها، فقد توصل العديد من صناع القرار، والقيادات العسكرية و النخب الثقافية والإعلامية في الدولة العبرية الى عدد من الإستخلاصات بالغة الأهمية؛ حيث كان القاسم المشترك بين هؤلاء جميعا هو الاتفاق على أن هذه الحرب مثلت مرحلة جديدة ومتقدمة في  » أسلمة الصراع  » بين العرب وإسرائيل، وصبغه بالصبغة الدينية. وقد زرع هذا الإدراك حالة من الخوف جعلت قيادية بارزة في الدولة العبرية وهي وزيرة الخارجية تسيفي ليفني تعتبر أن وجود دولة  » إسرائيل  » برمته أصبح في خطر كبير في حال تواصلت مظاهر أسلمة الصراع، مشددة في لقاء مع السفراء الأجانب المعتمدين في تل أبيب على أن مكامن الخطر في  » أسلمة الصرع « ، تتمثل في أنه يمد الفلسطينيين واللبنانيين قدراً هائلاً من الإيمان واليقين، يتلاشى معه تماماً تأثير قوة الردع الإسرائيلية القائمة على ميل موازين القوى العسكرية لصالح الجيش الإسرائيلي. وتصل ليفني الى قناعة مفادها أنه يتوجب على دول العالم قاطبة المساهمة في تطويق خطر الحركات الإسلامية التي نجحت في اقناع المجتمعات العربية بتبني  » النسخة الإسلامية « ، في كل ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل. وتحذر الوزيرة الإسرائيلية من أن الإسلاميين في العالم العربي نجحوا في دفع حتى التيارات القومية العربية لصبغ خطابها بالصبغة الإسلامية. لكن هناك من مفكري الصهاينة من ارتأى أنه على الرغم من الدور الذي يقوم به حزب الله في لبنان وفصائل المقاومة في فلسطين في استنزاف الدولة العبرية؛ وعلى الرغم من أن هؤلاء يؤكدون أن المواجهة الحالية قد وحدت المسلمين سنة وشيعة في مواجهة إسرائيل؛  إلا أنهم في المقابل يؤكدون أن ما يسمونه ب  » الإسلام السني « ، هو الذي يشكل الخطر الوجودي الأبرز على الدولة العبرية. البرفسور عوزي عراد الذي شغل في السابق منصب رئيس قسم الأبحاث في جهاز  » الموساد « ، ويرأس حالياً مركز  » هرتسليا متعدد الاتجاهات « ، أهم مركز أبحاث في الدولة العبرية يعتبر أن ما يسميه  » الإسلام السني  » هو الخطر بالغ الخطورة، لأن الدول العربية  » المهمة  » التي تحيط بإسرائيل هي دول  » سنية « ، وبالتالي، فأن وصول الحركات الإسلامية للحكم في هذه الدول يعني زيادة التهديدات لوجود الدولة العبرية بشكل لا يمكن تصوره وتوقع عواقبه. أما تيدي كوليك رئيس بلدية الاحتلال في القدس السابق، فقد أصر من على فراش مرضه أن يوجه نداء عبر الإذاعة الإسرائيلية لقيادة الدولة العبرية يحثها على بذل كل جهد مستطاع والعمل بكل إصرار من أجل وقف عملية  » أسلمة الصراع « ؛ حتى لو كان الثمن المطلوب أن تقدم إسرائيل تنازلات كبيرة للأطراف العربية المعتدلة في المنطقة. ويعود كوليك، وبصوت مخنوق، لأيام مضت، حيث يحذر من أن التاريخ قد يعيد نفسه، محذراً الإسرائيليين من أن  » عمر بن الخطاب آخر يمكن أن يترجل مرة أخرى ليعلن عودة القدس للمسلمين « ، على حد تعبيره. من ناحيته يسخر كارمي غيلون، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية  » الشاباك  » من الدعوات لوقف عملية  » أسلمة  » الصراع، مشدداً على أن هذه العملية هي أمر لا يمكن تجنبه، على اعتبار أن كل رموز الصراع بالنسبة للعرب هي رموز  » إسلامية « . بالتالي فأن غيلون ينصح ببذل جهد لمنع تطور عملية  » أسلمة  » الصراع، ومحاولة وضعها في حدود يمكن لدولة الاحتلال أن تتعايش معها، لكنه في المقابل يتفق مع من سبقوه بأن ذلك يتطلب من الحكومة الإسرائيلية تقديم تنازلات لأطراف  » الاعتدال  » في العالم العربي وتحديداً في فلسطين ولبنان، من أجل قطع الطريق على الإسلاميين، وتقليص تأثيرهم على هذا الصراع. ويضرب الصحافي جاكي كوخي مثالاً لدولة عربية بإمكان عقد تسوية سياسية معها أن تغير وضع إسرائيل للأحسن، ألا وهي سوريا. ويعتبر كوخي أن مفتاح الهدوء في الجبهتين الفلسطينية واللبنانية متواجد في العاصمة السورية دمشق. وينوه الى أن التسوية السياسية مع دمشق ستثقل على كل من حركة حماس وحزب الله، وتقلص هامش المناورة أمامهما. وهو يرى أن ذلك يتطلب من إسرئيل أن تدفع كل الثمن المطلوب دفعه لسوريا من أجل اقناعها بالتوقيع على تسوية سياسية معها. ويحذر كوخي دوائر صنع القرار في إسرائيل من الاستلاب لخيار القوة قائلاً  » لقد بدأ الجيش الاسرائيلي هذه الحرب بقوة نيران هائلة جدا، وسيعود منها كالكلب عندما يطوي ذيله بين رجليه « . ومن مفكري الصهاينة اعتبر أن أحد أهم الأسباب التي جعلت الدولة العبرية عاجزة في المواجهة المتواصلة أمام الإسلاميين في فلسطين ولبنان هو تهاوي منظومة القيم في الدولة العبرية. ويعتبر المفكر ارييه شفيط أن حرص المجتمع الإسرائيلي على ملذات الحياه قد أفسده، وجعله يفشل في مواجهة الإسلاميين. ويرى شفيط أن فساد المجتمع الإسرائيلي وتسلط أصحاب المصالح الطبقية والشخصية عليه، هو الذي مكن بضع مئات من المسلمين المؤمنين من تحدي إسرائيل ذات الجيش القوى،  » وقرع بابها متحدين  » . ويضيف  » لقد جاءنا جيش صغير من المؤمنين، مطيع ذي تصميم، وليقول ان ديمقراطيتنا فاسدة. وأن حرصنا الغربي على اللذة فاسد. وانه لا قدرة لمجتمع حر محب للحياة في شرق أوسط متدين « . وفي صرخة تحذير مدوية من دور ميل المجتمع الإسرائيلي للانغماس في الملذات، في اضعافه في مواجهة الإسلاميين، يقول شليط  » لقد تحولت اسرائيل لتكون مجرد قارب يركبه كل من يريد الإبحار بحثاً عن  الملذات، ولا يلحظ ربان هذا المركب الذين تسكرهم العجرفة وأصحابه الذين يشربون الفساد العاصفة الكبيرة الآخذة في الاقتراب « . ويعتبر شفيط أن النظام الرأسمالي الذي تتبناه إسرائيل قد أضعفها في مواجهة الإسلاميين، قائلاً  » لقد انشأنا نظاما رأسماليا مدمراً قائم على فردانية متشددة تنقض كل احساس بالتكافل وتضعف جدا نظام المنعة الوطنية « .

** نشر في موقع  » الاسلام اليوم  » بتاريخ 10-8-2006 لمتابعة بقية القضايا طالع موقع صالح النعامي www.naamy.net  لمراسلة الموقع على saleh1000@hotmail.com

 

عبد الباري عطوان لـ «الشروق»: الآن، عودة الى ثقافة المقاومة والكفاح المسلّح

 

 
* حوار فاطمة بن عبد الله الكراي * تونس (الشروق) : هي لحظة تاريخية غير عادية… غير عادية بمكوّناتها… وغير عادية بتداعياتها… ما يحدث في لبنان من عدوان اسرائيلي غير مسبوق من حيث «اطلاق العالم لليد الطولى لإسرائيل» ومن حيث صمود المقاومة اللبنانية التي تغيّر الآن عقليات وثقافة برمّتها كان قد أسس لها أبناء فلسطين ثم أخذ عنهم المشعل أبناء العراق، ما يحدث اذن ليس عاديا… وليس أمرا معادا أو مكرّرا… «الشروق» رصدت جوانب في الموضوع مع رئيس تحرير «القدس العربي» عبد الباري عطوان… عبد الباري قال ان المقاومة اللبنانية تستمد شرعيتها من حيث أنها أعادت الأمة الى مربّع المقاومة… وأن الشكل التعبيري الوحيد المتاح الأن لاسترجاع كرامة فقدت مع ثقافة «السلام» المغلوطة هو العمل المسلّح… فما أُخذ بالقوة لا يُسترد الا بالقوة… تحدّث عن لبنان وعن فلسطين وعن النظام الرسمي العربي وعن العالم الغربي الذي جزم عبد الباري عطوان بشأنه أنه لم يكن يوما معنا نحن العرب… وان القرارات التي يمكن ان تصدر من الأمم المتحدة لا تأتي سوى لضرب العرب ولإسناد اسرائيل في غيّها. * تشارف المقاومة اللبنانية على الشهر من الصمود ويتهيأ العدوان الاسرائيلي الغاشم على لبنان ليقفل الشهر من الزمن. في هذه اللحظة بالذات التي تتداخل فيها الشؤون العسكرية مع الشؤون السياسية ومع الشؤون الثقافية، كيف تقيّم اللحظة من كل جوانبها؟ ـ في تقديري عملية التغيير في المنطقة بدأت، وقد انطلقت في لبنان وفلسطين والعراق أصبحت العملية تستمد شرعيتها من العودة الى مربّع المقاومة. المنطقة قبل ثلاثين سنة كانت الأمة تؤمن بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة. وكان العمل المسلّح هو الشكل التعبيري الواضح عن هذه النظرية ثم حصل انحراف بعد حرب 73 وبدأ الحديث عن السلام ومحاولة منافسة اسرائيل على «قلب» الولايات المتحدة الامريكية. بعد 33 عاما فشل هذا الانحراف اذ ان القلب الامريكي كان ولا يزال وسيبقى مع اسرائيل، بينما العرب يقبضون من أمريكا على الماء، وقد أعلن الأمين العام للجامعة العربية السيد عمر موسى موت العملية السلمية وكان ذلك منذ أسبوعين. لكن، بدل من ان يطالب بالعودة الى الكفاح المسلّح والذي يمثل البديل قال ان العرب سيتوجهون الى مجلس الامن مجددا. المقاومات العربية في لبنان والعراق وفلسطين، أعادت المنطقة من جديد الى العمل المسلح وأثبتت عمليا ما عجزت عنه الجيوش النظامية في امكانية التصدي للمشروع الامريكي ـ الاسرائيلي والحاق خسائر كبيرة فيه والحيلولة دون تحقيق معظم أهدافه. بعد 30 يوما من الصمود في جنوب لبنان ومنع اسرائيل من احتلال كيلوميتر واحد من الأراضي اللبنانية يؤكد عدة أمور. أولا : ان الجندي العربي لم يعد يخلع حذاءه ويلقي جانبا بندقيته فيتخلص من سلاحه ويطلق ساقيه للريح منهزما مثلما كان يحدث في الحروب الرسمية العربية السابقة وانما يتمترس في خندقه للدفاع عن كرامته وأرضه حتى الشهادة. ثانيا : الحرب اللبنانية أفرزت قيادة سياسية متمثلة في السيد حسن نصرالله لا تخاف ولا ترهبها المجازر الاسرائيلية وغير معنية بالسياسات الرسمية العربية ولم تغادر لبنان ولا تسعى الى بساط أحمر في المطارات. وعندها قدرة عالية على التحليل وادارة المعركة بشكل علمي حديث. ثالثا : فشل الاستخبارات الاسرائيلية في اختراق المقاومة أولا وفي تقدير الموقف عسكريا وسياسيا، الامر الذي أدى الى سقوط هيبتها واندحارها في هذه المعركة. رابعا : كشفت حرب لبنان بأننا أمام مقاومة جديدة ومختلفة فحتى هذه اللحظة لم يظهر مقاتل واحد ملثّّم أو غير ملثّم أمام وسائل الاعلام ولم نشهد عروضا مسلّحة لهؤلاء. وهذه استراتيجية جديدة غير مسبوقة لم نشاهد مثلها الا في العراق. اذن أمام هذه المعطيات الجديدة تشهد المنطقة سياسيا وعسكريا منحى من اعادة الصياغة، وهذا سيعني شرق أوسط جديد مختلف عن الشرق الاوسط الحالي ومناقض كليا للشرق الاوسط الجديد الذي تتحدث عنه أمريكا. أما الخامسة : فإن عدم انتصار اسرائيل في هذه الحرب الآن، يسجل وللمرة الاولى وفي تاريخ الصراع بداية النهاية لهذه الدولة العنصرية التوسعية. فبعد ان يهدأ غبار هذه المعركة التي أسقطت «الهيبة» الاسرائيلية ستبدأ مشاكل اسرائيل الحقيقية وسنشاهد انقسامات وهجرة جماعية معاكسة مقابل تراجع كبير جدا في الهجرة اليهودية الوافدة. واذا حصل هذاالامر وهو شبه مؤكد فإن هذا يؤشّر الى سقوط أسطورة أرض الميعاد. * العدوان على لبنان وبأس المقاومة اللبنانية التي ضربت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر أخفت ملفّا أساسيا هو أصل الصراع، الملف الفلسطيني. فإسرائيل لم تحيّد هذا الملف بقدر ما عمدت الى مزيد من الجرائم في حق الشعب الفلسطيني وفي حق أعضاء حكومته ونوّابه في المجلس التشريعي؟ ـ في تقديري أنه من محاسن هذه الحرب في لبنان هو انهاء شيء اسمه السلطة الفلسطينية، لأن هذه السلطة كانت تقدم شكلا مزوّرا وخادعا لوضع في الارض المحتلة لأنها كانت بمثابة حكومة «فيشي» اVichyب تضفي شرعية على الاحتلال وتقدّم اسرائيل على أنها دولة سلام وتوحي بأن الفلسطينيين حصلوا على حقوقهم في الاستقلال، بينما الواقع مغاير لذلك تماما. اسرائيل تريد سلطة تكون بمثابة «روابط قرى» وعندما رفض الشعب الفلسطيني ان تكون كذلك، وصوّت ضد الفساد واختار من يرفع لواء المقاومة، انقلبت اسرائيل على هذه السلطة واعتقلت عشرة وزراء وستة وعشرين نائبا ورئيس المجلس التشريعي. ودمّرت البنى التحتية الفلسطينية بالكامل وشلّت عمل المؤسسات وفرضت حصارا تجويعيا شاملا. أليس غريبا ان السلطات الاسرائيلية لم تعتقل نائبا واحدا من غير نواب حماس. أليس لافتا ان السلطات الاسرائيلية لم تعتقل مسؤولا سابقا أو مسؤولا كبيرا او صغيرا في مكتب رئيس السلطة الفلسطينية او قادة الاجهزة الامنية. أنا هنا أسأل فقط وأعرف الاجابة والقارئ يعرفها. أنا في تقديري ان الشعب الفلسطيني ورغم المجازر التي ترتكب ضده بات يؤمن وبفعل الانكسارات الاسرائيلية على الجبهة اللبنانية بأنه أقرب من حقوقه الشرعية من اي وقت مضى. * في لحظة من الزمن يوهمنا العالم نحن العرب أنه معنا… يتناول قضايانا على طاولات مفاوضات قبل ان يتناول قضاياه هو لكن مع التجربة تفطّنا ان في الامر سرا : فهل مازال فينا من يعتقد ان العالم الغربي يقف يوما معنا؟ ـ العالم الغربي لا يمكن ان يقف معنا، فهو الذي أسس الامم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم وهو الذي صاغ قوانينها ومعاهداتها من موقعه كمنتصر في الحرب العالمية الثانية. لذلك لا تطبّق القوانين والمعاهدات الا اذا كانت ضدّنا وبما يخدم مصالح اسرائيل والغرب. أين معاهدة جنيف بشأن المدنيين في لبنان وفلسطين. وأين دور «اليونسيف» والأطفال يُقتلون ويغتالون… أين معاهدات حقوق الانسان من هذه المأساة، علينا ان لا نعوّل على الغرب وعلى مؤسساتنا انما على أنفسنا، وقد حان الوقت لمواجهة هذا التحدي بقوة وبشجاعة. * هناك حديث تحوّل الى واقع أثبته الميدان ان ثقافة المقاومة اتخذت لها مكانا مثلّث الأضلاع من فلسطين الى العراق الى لبنان، فهل ولدت هذه الثقافة من رحم المعاناة أم هي جاءت ردا على واقع فيه الكثير من الذلّ والهوان؟ ـ الآن في مقابل مثلث الاستسلام الذي حكم العرب على مدى 30 عاما ينشأ حاليا مثلث المقاومة بأضلاعه الثلاثة في لبنان وفي العراق وفي فلسطين. هذا المثلث خلق حالة من الصحوة في الشارع العربي، وأحيا مجددا وبقوة ثقافة المقاومة على أنقاض ثقافة الخوف وثقافة الهزيمة. المقاومات الثلاث هي التي باتت تحدد معنى الشرعية وهي التي تجبر اسرائيل والعالم الذي يدعمها على التنازل والنزول من عليائهم والاعتراف بعملية التغيير الحاصلة حاليا في المنطقة. ثقافة المقاومة أربكت وتربك النظام الرسمي العربي الذي بات مشلولا، لأول مرة منذ 30 عاما. المقاومة هي التي تعدّل قرار مجلس الامن وهي التي تقرر ما هو مقبول وما هو غير مقبول، وليس الوفد العربي (الترويكا) الذي توجه الى نيويورك. كان يمكن لهذا الوفد ان يكون فاعلا، لو كان مسلّحا بأوراق ضغط عربية. مثلا: تجميد العلاقات مع اسرائيل او تخفيض انتاج النفط بنسبة 5 على الاقل. ولم نعد نطالب بوقف هذا الانتاج لأنه لم يعد يوجد من يستطيع الاقدام على هذا القرار ان توقف 400 ألف برميل من حقول «ألسكا» الأمريكية بسبب تآكل الأنابيب أدى الى حدوث انهيارات في أسواق المال والاسهم العالمية. ولم تستعد عافيتها الا بعد ان أعلنت السعودية استعدادها لتعويض الجزء الاكبر في هذه الكمية. فلنتخيّل جميعا لو خفظت دولة نفطية كبرى مليونا من انتاجها الذي يتراوح بين 9 و11 مليون برميل يوميا وأقدمت دول عربية أخرى منتجة للنفط في الخليج او شمال افريقيا. علينا ان نتخيّل كيف سيكون حالنا وحال العالم وحال قضايانا. لو تعانق النفط مع ثقافة المقاومة.. آه لو هذا وقع… لو أصبح النفط على نفس الدرجة من الاهمية مثل دماء شهداء المقاومات الثلاث… لكن عند الانظمة المرتبطة بأمريكا يصبح دماء شهداء المقاومة أرخص كثيرا من هذا النفط الأسود.
 

(المصدر: جريدة الشروق التونسية الصادرة يوم 11  أوت 2006  )  


 

1-العلاقات بين العرب و أوروبا: المهاجرون المغاربة أُنمُوذَجاً

توفيق المديني أثارت أحداث خريف العام الماضي التي تعرضت لها فرنسا قضية المهاجرين العرب والمسلمين  والأوضاع الصعبة التي يعيشونها في الدول التي يهاجرون إليها، إذ تعددت أعمال العنف في دول أوروبا خلال الفترة  الأخيرة، والتي كانت واضحة في تفجيرات لندن وفي أحداث فرنسا، كما وقعت أحداث مماثلة في ألمانيا وبلجيكا.وقد لا تكون هذه الأحداث هي الأخيرة، سواء في فرنسا أو في أوروبا عموما. فأحوال المهاجرين العرب و المسلمين  مزرية منذ زمن بعيد، والقيود لا حصر لها على القادمين إلى فرنسا ومعظم الدول الأوروبية برا وبحرا وجوا، والتضييق على الأقليات، لاسيما العرب والمسلمين، شديد الوضوح، وقانون حظر الرموز الدينية وقوانين مكافحة الإرهاب الصادرة بعد 11 سبتمبر/ ايلول 2001 خير مثالين على ذلك، ففي رحمهما نشأ جنين الاحتقان، وأضف إلى ذلك قنبلتي العنصرية والبطالة الموقوتتين.
 وما حدث في فرنسا، كان سيحدث في دول أوروبية أخرى تعاملت مع مهاجريها وأقلياتها بالأخطاء نفسها، لذلك، كان طبيعيا أن يمتد الشغب من إحدي ضواحي باريس،  إلى مدن فرنسية قريبة وبعيدة عن باريس، ثم إلى بعض الدول الأوروبية الأخرى.
والمشكلة أكبر من فرنسا وعدة دول أوروبية أخرى. فالأحداث الأخيرة سيكون لها أثر سلبي بالغ في مستقبل الوحدة الأوروبية واستقرارها، باعتبار أنها ستثير من جديد مشكلات البطالة والهجرة والعنصرية واندماج الأقليات في جميع دول الاتحاد الأوروبي دون استثناء سكان المناطق الفقيرة التي شهدت الاضطرابات. وسنحاول في هذا البحث التطرق بالتحليل لواقع العلاقات بين العمال المهاجرين لقادمين من المغرب العربي وأوروبا عامة ، و فرنسا على وجه الخصوص.
1-   المهاجرون المغاربة في أوروبا  
من المعروف تاريخيا أن العلاقات الإقتصادية ، و التجارية ، والمالية ، والثقافية بين البلدان المغاربية وأوروبا ، هي علاقات جيدة ، ومعقدة وتنازعية ، وليست مؤقتة ، ولا هي في حالة تراجع ، تشهد على ذلك : 
أولاً – إن المغرب العربي هو المنطقة الوحيدة في العالم التي تدرس اللغة الأجنبية (وتحديداً الفرنسية ) في مختلف مراحل التعليم ، ويتكلمها أبناؤه بالقدر ذاته مع اللغة القومية السائدة أي العربية ، وهذا يعتبر مكسباً مهما لأوروبا بالنظر إلى دراسة اللغات الأوروبية الأخرى في التعليم المغاربي .
ثانياً – إن حركة هجرة اليد العاملة إلى أوروبا عامة وفرنسا خاصة ، هي من إنتاج السياسة الكولونيالية ، و الإقتصاد  الكولونيالي المهيمن في المغرب العربي ، والقائم على الإستغلال والتوطين ( الإستيطان مثال الجزائر ) والإستحواذ الكبير على الأراضي الزراعية الخصبة ، وإنماء الرأسمالية الزراعية .  وقد شهدت حركة الهجرة هذه مداً قويا عقب نهاية الحرب العالمية الثانية ، وإمتدت على مرحلتين : الأولى( 1945 – 1962 ) وتتناظر مع تحولات عميقة عرفتها آلية الإنتاج الفرنسية ، وتراكم رأسمالي قائم بشكل رئيس على إجتثاث فائض قيمة نسبي .  والثانية ( 1962 – 1974 ) ، وتتناظر مع دخول الإقتصاديات المغاربية بعد الإستقلال في عجلة الإقتصاد الرأسمالي العالمي ، وبداية الإنحدار للنمو في الإقتصاد  الفرنسي إلى حد إندلاع الأزمة البترولية الأولى عقب حرب أكتوبر 1973 .  وأسهم العمال المغاربة الذين يقارب عددهم مليونين في بناء الإقتصاديات الأوروبية عامة و الإقتصاد  الفرنسي خاصة ، وأصبحوا يتمتعون بحدود دنيا من الحقوق ، لاتقارن بكل تأكيد مع الامتيازات التي يتمتع بها المتقاعدون الأوروبيون في المغرب العربي .
ثالثاً – على الرغم من إن البلدان المغاربية المركزية الثلاثة ( تونس – الجزائر – المغرب ) انتقلت من الاقتصاد  الكولونيالي إلى الاقتصاديات الوطنية عقب نيلها الاستقلال السياسي بفضل نضالات الحركات الوطنية في المغرب العربي ، فإن نماذج التنمية الاقتصادية المتبعة خلال العقود الثلاثة الماضية لم تؤدإلى خلق جدلية علاقات تبادل بين الدول المغاربية ، بل قادت إلى اللاتنمية . 
في السعي لفهم كيف تحولت الهجرة المغاربية المؤقتة إلى هجرة دائمة ومتجذرة في المجتمعات الأوروبية ، فإن التحليل لا يجوزله أن يظل مقتصرا من الإنطلاق كما هي العادة ، من وجهة نظر الدول المستوردة لليد العاملة .  بل على العكس من ذلك ، فإن الأمر يقتضي تجسيد القطيعة المنهجية مع هذا الإتجاه السائد في الدراسات المتعلقة بالهجرة ، الذي تزدهر به النزعة المركزية الأوروبية ، والعودة إلى جذور هذه الظاهرة ، من أجل تناول مغزاها التاريخي.
بدأت حركة الهجرة المغاربية بمعناها الحديث إلى أوروبا مع بداية القرن العشرين ، وارتبطت بعاملين رئيسين :
الأول  :    اتساع مجال التطور الصناعي الرأسمالي في أوروبا عامة وفرنسا خاصة خلال الفترة الممتدة من 1906 وحتى بداية الحرب العالمية الأولى 1914 .  الثاني   :    الضرورات العسكرية و الاقتصادية الفرنسية التي اقتضت جلب الآلاف من الجنود والعمال من بلدان المغرب العربي، التي كانت خاضعة آنذاك للإستعمار الفرنسي .  ولم تكن هذه الهجرة منظمة نحو فرنسا في بدايتها بقدر ما كانت استعانة فرنسية بأيدي عاملة أجنبية .  ولهذا اتسمت حركة الهجرة بالطابع الموسمي والمؤقت .
   وخلال الحرب العالمية الثانية تكثفت حركة الهجرة المغاربية إلى فرنسا ، نتاج استعانة هذه الأخيرة بالجنود والعمال من شمال إفريقيا .  ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية واندلاع الثورة الجزائرية ، وحتى نيل بلدان المغرب العربي استقلالها ظلت حركة الهجرة المغاربية إلى المتروبول الفرنسي تأخذ طابعاً تصاعدياً ، إذ إنها انتقلت من 40.480 شخصا في عام 1946 الى 410.373 شخصا في عام 1960 .
في مرحلة الستينات بدأت حركة الهجرة المغاربية تتكثف وتتسع نتيجة حاجة أسواق العمل الأوروبية المتزايدة ، وأصبحت مقننة باتفاقيات بين الحكومات الفرنسية وكل من الحكومات الثلاث في المغرب العربي من أجل تنظيم حركة هجرة اليد العاملة .  فكانت الأولى بين فرنسا والمغرب في 27 تموز 1963 ، والثانية بين فرنسا وتونس في 15 تشرين اول 1963 ، والثالثة بين فرنسا والجزائر في 10 نيسان 1964 .
وشهدت مرحلة الستينات وحتى النصف الأول من السبعينات هجرة مغاربية مكثفة نحو البلدان الرأسمالية الأوروبية لاسيما فرنسا ، حيث جرى لأول مرة التلميح إلى هذه الهجرة المكثفة التي أصبحت تحتل مركز الإهتمام في الأوساط السياسية الأوروبية خصوصاً مع بداية الصدمة البترولية الأولى عقب حرب أكتوبر 1973 .
في النصف الأول من عقد السبعينات ، دخلت البلدان الرأسمالية الأوروبية في أزمة اقتصادية حادة ، الأمر الذي دفعها إلى إعادة مراجعة ملف سياسات الهجرة إلى أوروبا . وهكذا قررت الحكومة الفرنسية في عهد الرئيس السابق جيسكارديستان وضع حد لهجرة العمال المغاربة لاعتبارات سياسية واقتصادية ، واجتماعية، وذلك في تموز 1974 . غير أن هذا القرار الحكومي لم يستهدف التجمعات العائلية ، وهذا المنع للهجرة العمالية لم يجعل الحدود الفرنسية والأوروبية محكمة الإغلاق ، ذلك أنه نجم عن هذا المنع ولادة الهجرة السرية التي أصبحت لعبة سياسية وانتخابية في فرنسا لليمين واليسار على حد سواء .
خلال الفترة الممتدة من 1975 وحتى عام 1987 ، تناقص عدد العمال الجزائريين في فرنسا بنحو 26125 أي بنحو 5 في المئة ، بينما تزايد عدد المغاربة في فرنسا بنحو 429.450 أي بزيادة قدرها 39 في المئة خلال الفترة نفسها ،  فأصبح بذلك عدد المهاجرين الجزائريين 820000 ، والمغاربة 516.400 ، والتونسيين 202.600 . أما مجموع المهاجرين المغاربة فقد بلغ 1.539000 من أصل 3.752.200 عدد المهاجرين في فرنسا ، أي ما يعادل 41 في المئة من مجموع السكان الأجانب ، ويعود هذا الإرتفاع في عدد المهاجرين إلى سماح الحكومة الفرنسية بالتجمعات العائلية التي تسمح لزوجات المهاجرين وأبنائهم بالالتحاق بهم .
غير أن الهجرة المغاربية لم تقتصر فقط على فرنسا ، بل إنها شملت عدة دول أوروبية أخرى ، وإن كانت بدرجة أقل .فقد بلغ العدد الإجمالي للمهاجرين المغاربة في الدول الثلاث (هولندا ، وألمانيا، وبلجيكيا)نحو  352300 في عام 1987 ، حيث يشكل المهاجرون المغاربة في هولندا نسبة 21.9 في المئة من مجموع المهاجرين الأجانب الذي يصل تعدادهم إلى 591.800 .أما في ألمانيا ، فإنهم يشكلون 1.7 في المئة أي 80.100 من أصل 4.630.200 عدد المهاجرين الأجانب .  ويشكل المهاجرون المغاربة في بلجيكا 16،6 في المئة أي 142.100 من أصل 853.200 عدد المهاجرين الأجانب .  أما في فرنسا فإن المهاجرين المغاربة يمثلون 41 في المئة من المهاجرين الأجانب .
وهكذا يصل عدد المهاجرين المغاربة المقيمين في بلدان الإتحاد الأوروبي ما يقارب 2.000.000 شخصا من أصل 13.7 مليون نسمة عدد المهاجرين في بلدان أوروبا الأثني عشرة. وشكلت هذه الهجرة فرصة إلتقاء الحضارة العربية الاسلامية بالحضارة الأوروبية .  وينقسم هؤلاء المهاجرين إلى عدة أصناف ، فمنهم المقيمون بصفة قانونية ومنهم اللاجئون المقيمون بصفة غير قانونية ، ومنهم من حصل على جنسية بلد الاقامة .  وتفيد الاحصائيات المنشورة من جانب مصلحة الإحصاءات الأوروبية في بلدان الإتحاد الأوروبي بلغ نحو مليوني ونصف المليون ( 2.453.27 ) وذلك في مطلع كانون الثاني يناير 1993 (1) .
خلال عقدي السبعينات والثمانينات ظهرت هجرة من نوع جديد إلى فرنسا ، ليست عمالية كالسابق ، بل هجرة طلابية ومهنية شاركت بها فئات من الطبقة المتوسطة وبعض النخب ، كما أنه مع اشتداد الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية في بلدان المغرب العربي ، وبعد وقف الهجرة رسميا توافدت إلى فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وانكلترا أعدادا كبيرة من المهاجرين الجدد من المغرب العربي ، وعلى وجه الخصوص المغرب وتونس ، وهو ما أطلق عليها بالهجرة السرية .  وتقدر مصلحة الهجرة لمكتب العمل الدولي عدد الأجانب المقيمين بصفة غير قانونية في بلدان الاتحاد الأوروبي بـ 2،6 مليون شخص في بداية التسعينات من بينهم 540000 من بلدان المغرب العربي أي خمس المهاجرين المقيمين بصفة غير قانونية ، ويوجد معظم هؤلاء في دول جنوب أوروبا، أي إيطاليا وإسبانيا وفرنسا واليونان والبرتغال.
ولعبت الهجرة المغاربية دورا كبيراً في التوازنات الإقتصادية والإجتماعية للبلدان المغاربية خلال عقود الستينيات والسبعينيات ، والثمانينيات ، نظرا لأن تحويلات المهاجرين إلى بلدانهم الأم ، أسهمت في إعالة عائلاتهم ، وتخصيص قسم منها لشراء أو بناء سكن جديد ، أو إقامة مشاريع إنتاجية توفر ريعا بغرض تحسين المكانة الاجتماعية .  وأسهمت الهجرة المغاربية إسهاماً حقيقياً في مسيرة التنمية الاقتصادية الأوروبية ، وفي الحد من ضغط البطالة في بلدان المغرب العربي خلال عقدي الستينيات والسبعينيات ، وكانت لها نتائج مهمة على مسار اقتصاديات البلدان المغاربية بسبب التحويلات المهمة والمستمرة من العملة الصعبة لإدخارات المهاجرين .
وتعد فرنسا وايطاليا واسبانيا من بين أكثر 12 دولة في العالم من حيث تحويل أموال الهجرة إلى بلدان أخرى، حيث تبلغ قيمة التحويلات منها على التوالي: 3،9 -6،2- 2،2 مليار دولار. وفي المقابل، نجد أن اقتصاد دولة مثل المملكة المغربية يحتل المرتبة الرابعة في العالم من حيث تحويل أموال المهاجرين إليها، بما يعادل 3،3 مليار دولار في العام، كما أن تحويلات المصريين العاملين في الخارج، تعد من أبرز أعمدة الاقتصاد المصري بجانب السياحة والبترول وقناة السويس. وتفيد الإحصاءات حسب تقديرات البنك الدولي لعام 2006 بأن المهاجرين حولوا إلى بلدانهم الأصلية ما قيمته نحو 232 مليار دولار على مستوى العالم، وهو رقم يبلغ ثلاثة أضعاف ما يقدم إلى دولهم كمساعدات للتنمية.
ومع قيام الإتحاد الأوروبي الذي يضم 15 بلداً وإزالة الحدود الداخلية بين الدول الأعضاء، تبلورت عناصر سياسية أوروبية مشتركة جديدة في ميدان الهجرة أقحمت ضمنها ضرورة التعاون مع البلدان التي ينتمي إليها المهاجرون، وقد جاء في إحدى الوثائق الصادرة عن اللجنة الأوروبية أن معالجة أسباب الهجرة تقتضي بالخصوص  » إدماج السياسات المتعلقة به في طلب السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ، مما يقتضي التدخل على مستويات مختلفة في مبادئ التجارة ، وسياسات التنمية، والتعاون وكذلك في ميدان حقوق الانسان »(2).
كما اعترف بيان برشلونة الصادر عن المؤتمر للشراكة الأوروبية المتوسطية الذي جمع دول الإتحاد الأوروبي و 12 دولة من دول الضفة الجنوبية والقريبة من البحر المتوسط منها 8 دول عربية للدور المهم الذي تقوم به حركات الهجرة في علاقتهم ، ويتفقون على تنمية التعاون بينهم للتخفيف من الضغط المؤدي إلى الهجرة ، وذلك من خلال برامج للتدريب المهني وتنمية فرص العمل ، كما يلتزمون ضمان حماية جميع الحقوق المعترف بها في التشريعات المتعلقة بالمهاجرين المقيمين بصفة قانونية فوق أراضي هذه الدول .
لقد سيطرت الهجرة المغاربية على الحياة السياسية الفرنسية خلال العقود الثلاثة الماضية ، نظرا لتفشي العنصرية ضد المغاربة وضد العرب في أوساط عديدة في المجتمع الفرنسي ، حيث أصبحت الهجرة المغاربية المادة الرئيسية التي يتغذى منها حزب الجبهة الوطنية الذي يتزعمه جان ماري لوبان من أجل تجنيد الرأي العام الفرنسي مع اقتراب مواعيد الانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية لمقاومة ما يسميه هذا الحزب  » غزو المهاجرين  » لأنه يشكل  « خطرا يهدد الهوية والأمن والسيادة الوطنية في فرنسا  » .  ويرى زعيم هذا الحزب أن أبناء الجزائريين المولودين في فرنسا ، والذين حصلوا على الجنسية الفرنسية ليسوا أهلا للقيام بالخدمة العسكرية ، كما ينادي هذا الحزب بأن يتم التجمع العائلي لا في فرنسا بل في بلد المنشأ ويطالب بتقليص تراخيص بناء المساجد وبوضع نظام للضمان الاجتماعي خاص بالمهاجرين يحرمهم من المنح العائلية ومن الحد الأدنى للأجور.   والملاحظ أن هذا الخطاب السياسي وبرنامج الجبهة الوطنية ضد المهاجرين بصفة عامة ، والمهاجرين العرب والمسلمين بصفة خاصة ، مكن هذا الحزب من كسب 15 في المئة من الأصوات في الإنتخابات التشريعية والبلدية ، ووصل في المرتبة الثالثة في فرنسا(3) .
إذا كان الجيل الأول من المهاجرين عرضة للعنصرية التي تدعمها دائما بعض الأوساط الرسمية الفرنسية ، فإن بروز ظاهرة الجيل الثاني من أبناء المهاجرين الذين ولدوا في فرنسا وحصلوا على الجنسية والثقافة الفرنسية ، والذين يختلفون عن آبائهم بكونهم يتقنون الفرنسية ويعرفون جيداً تقاليد وعادات المجتمع الفرنسي ، يشكل ظاهرة لافتة في حركة الهجرة المغاربية . فأبناء الجيل الثاني أصبحوا جزءا ملحوظا من التركيبة السكانية الفرنسية وأحد ألوان النسيج الإجتماعي . وعمل غالبية هؤلاء في صفوف اليسار الفرنسي ، وحين انتصر اليسار في بداية الثمانينيات اعتقدوا أنهم سيشهدون إعادة الإعتبار لهم ولآبائهم ، ولكنهم اكتشفوا مع الوقت أنه لا اليمين الذي حاربوه دون هوادة ، ولا اليسار الذي ابتهجوا بوصوله لسلطة يرغب بتحسين صورتهم ورفع الجور الواقع عليهم ، خابت آمالهم بما آلت الجالية الإسلامية لفرنسا في هذه الفترة(4).
لقد أصبح مفهوم  » الخطر الاسلامي  » مادة رئيسية دسمة يستخدمه الرأي العام الفرنسي لتشويه صورة المهاجرين المغاربة في فرنسا ، ولإقامة الربط الخاطئ بين الإسلام والعنف ، وبين الإسلاميين و  » الإرهابيين  » .  وكانت القضية التي أثارت ضجة إيديولوجية و سياسية وحضارية للسلطات العمومية الفرنسية ، وللعالم الفرنسي الحاقد ، وضع  الحجاب  من قبل طالبتين مغاربيتين في إحدى الثانويات الفرنسية ، حيث برر طردها من الثانوية بعنف لا نظير له .  وبذلك أصبح الحجاب قضية دائمة للدولة الفرنسية من سنة 1989 حتى يومنا هذا  .  وهو يعكس أحد مصادر الإضطراب والخلاف بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الأوروبية . 2- الهجرة غير الشرعية ومصلحة أوروبا
على الرغم من إن ظاهرة الهجرة من الدول المغاربية إلى الدول الغنية ليست جديدة، فإن الاهتمام بها إعلامياً وسياسياً تزايد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. وزاد من هذا الاهتمام الحوادث المأساوية التي تتعرض لها القوارب التي تنقل المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا الموعودة عبر البحر الأبيض المتوسط، والتي يطلق عليها قوارب الموت.
ويجري ذلك في الوقت الذي تحولت فيه الهجرة إلى هاجس يستحوذ على عقول قسم كبير من الشباب في معظم البلاد النامية الذين يحلمون بظروف حياة أفضل. ويسود الاعتقاد في الغرب أن دوافع المهاجرين لترك بلدانهم ليست سياسية بقدر ما هي ذات طابع اقتصادي بحت.
ولعل من أبرز نتائج اتفاقية شينجن لعام 1990 أنها حدت بقوة من منح تأشيرات الدخول الى أوروبا، الأمر الذي ترك في أوساط الراغبين في الهجرة إليها شعورا بالإحباط. وقد أدى ذلك إلى تنشيط حركة الهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوروبية عبر وجهات مختلفة مثل البوابة الشرقية المتمثلة ببولندا وروسيا وأوكرانيا وبوابة البلقان وصولا ً إلى الخيار المفضل لدى العديد من الافارقة والمتمثل بالبوابة الإسبانية  المغربية عبر مضيق جبل طارق.
ويعتبر الوصول إلى أوروبا عبر البوابة الأخيرة مغامرة بالغة الخطورة، لاسيما أن العبور إلى السواحل الأوروبية يتم بواسطة قوارب مطاطية صغيرة أو مراكب صيد ضعيفة أمام تحدي مخاطر الإبحار. ويزيد من حدة المشكلة سلوكها طرقا أطول من أجل تجنب المراقبة المتزايدة التي يخضع لها المضيق من قبل شرطة خفر السواحل. و تحتاج سياسة الإتحاد الأوروبي الخاصة بالهجرة إلى مراجعة أساسية, فالإتحاد الأوروبي هو بحاجة إلى مهاجرين كي يحقق جميع المنافع التي تنطوي عليها  عملة اليورو الوحيدة و التي تتطلب حرية تنقل اليد العاملة, و يحقق الإستقرار في نسب فئات السكان المعمرة المحتاجة إلى إعالة, ويحل مشكلة الملاءة المالية في نظم الضمان الإجتماعي. و ينجم عن ذلك, من زاوية السياسة العامة , أن الإتحاد الأوروبي يحتاج إلى تشجيع الهجرة بدلا من تثبيطها و لجمها كي يتمكن من مساندة الفئات السكانية المتقدمة في العمر, علما بأن مصدر هذه الهجرة هو بلدان حوض المتوسط التي يوجد فيها فائض في اليد العاملة و التي تصدر الرأسمال البشري(5).
حين تصبح الهجرة ضرورة لإيطاليا
وبحلول عام 2015 ستصل نسبة المتقاعدين في أوروبا الى 22 في المائة من عدد السكان، الامر الذي يعني انخفاض أعداد الأيدي العاملة والمساهمة في تمويل صناديق الضمان الاجتماعي والشيخوخة. وسيكون لذلك بالطبع مشكلات اجتماعية واقتصادية لا بد لها ان تتفاقم في حال عدم إدراك القارة العجوز هذه الظاهرة. فقامت كل من ايطاليا واليونان واسبانيا بتطبيق اجراءات قانونية جديدة لإضفاء صبغة شرعية على إقامة آلاف المهاجرين غير الشرعيين في هذه البلاد. ويرى المراقبون أن من شأن هذه القوانين توفير الملايين من عائدات الضرائب الضائعة في الأسواق السوداء. علاوة على توفير أيد عاملة شابة ومؤهلة.
إلا ان ارتفاع معدل البطالة في كثير من الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا يجعل من الصعب على صانعي القرار السياسي تمرير قوانين جديدة تفتح المجال أمام أفواج من المهاجرين الجدد الى أراضيها. و لكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن لأوروبا لتي يكمن آفاقها في التوسع شرقا، و حيث سكانها تعاني من الشيخوخة، أن تبلور سياستها المشتركة للإستقبال و الإندماج لأولئك المهاجرين الذين تجلبهم، و الذين  تحتاجهم  أسواقها للعمل؟
لأن الضرورة هي التي تسنُ القوانين، فقد كان أرباب العمل الإيطاليون  المبادرين الأوائلصيف العام الماضي  ، في طرح النقاش  الذي يقود  إيطاليا إلى مراجعة قوانينها بشأن الهجرة. وفي الوقت الذي تتوافد فيه المراكب التي تحمل  أعداداغفيرة يوميامن الرجال و النساء و الشباب إلى سواحل  جزيرة لامبيدوزا في جنوب جزيرة صقلية، الهاربين من النزاعات المسلحة ، والفقر و المجاعات في أفريقيا، تدخل رئيس أرباب العمل الإيطاليين لوكا دي مونتيزيمولو، ليذكر ، »أن الهجرة هي أيضا ضرورة لإيطاليا ». و تذكر  رئيسة المؤتمر الدولي و الأوروبي  للبحث  في الهجرة، فانا زينكوني،  بقولها: »بدون  عمال أجانب، سيشل الاقتصاد الإيطالي ». وقد مرعلى لامبيدوزا 6000 مهاجر سري في عام 2002، و 6000 في 2003، وأكثر من 8000 خلال سنة 2004  و حتى منتصف سبتمبر الماضي.
و يوجد  في إيطاليا2,6  مليون من المهاجرين  الشرعيين ، و يمثلون 6% تقريبا من السكان العاملين ، و يسهمون ما بين 3,8% و 6% ، في الناتج المحلي الإجمالي ،حسب المصادر الإيطالية .و لا يتعدى معدل البطالة في صفوفهم 4% ، بينما المعدل الوطني يتجاوز 8%. و هناك  تقاعد من  أصل 80 مدفوع من قبل عامل مهاجر، حسب تقرير أهم نقابة في إيطاليا(CGIL). و فضلا عن تسوية الوضع القانوني ل690000مهاجر سري في عام 2003،  يقومون بالأعمال التي لا تتطلب كفاءة ،و الصعبة ، التي يرفض العمال الإيطاليون القيام بها، فإن هذه اليد العاملة لا تغطي الحاجات الضرورية.
إيطاليا ، بلد هجرة بامتياز تاريخيا. و هي تريد  الإستفادة من تجارب البلدان الأوروبية الأخرى، كي لا تقع في الأخطاء عينها التي و قع فيها الأوروبيون.و بسبب معدل الولادات الذي يعتبرالأضعف في أوروبا، وشيخوخة سكانها العاملين ، ازدادت حاجة إيطاليا إلى اليد العاملة الأجنبية بصورة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية. و حسب دراسة أعدتها غرفة التجارة الإيطالية ، فقد  بلغت حاجتها   إلى عمال إضافيين  224000 للعام 2003 وحده. و حسب هذه الوتيرة، ستبلغ  حاجة إيطاليا إلى اليد العاملة المهاجرة 5 ملايين  مهاجرا  في حدود سنة 2010، حسب  تقديرات أهم نقابة مركزية إيطالية(CGIL). و حسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء،فإن عدد سكان إيطاليا لم يزداد  في عام 2003، إلا بفضل  ولادات أبناء المهاجرين. ولا شك أن تحويلات العمال المهاجرين تسهم في إثراء بلدانهم الأصلية:إذ بلغت قيمة الأموال  المحولة إلى عائلاتهم 2,12 مليار يورو في عام 2003، حسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة.
بيد أن حاجة إيطاليا للعمال الأجانب  تصطدم في الوقت عينه بقانون الهجرة المسمى: قانون بوسي – فيني، الذي دخل حيز التطبيق في 2002. و انطلاقا من هذا القانون، فإن قبول العمال  الأجانب مرتبط بالحصول على  عقد عمل ذي مدة محددة أو مدة محددة لكنها طويلة، بينما تم إلغاء  نظام « سبونسور »الذي كان يسمح للإيطاليين بأن يكونوا كفلاء  للقادمين الجدد في انتظار الحصول على عمل  أو طيلة فترة البطالة .
و منذ العام 1998، تم تحديد حصص سنوية لليد العاملة الأجنبية  عبر مرسوم.و ضمن هذا الإطار، تم السماح لدخول 79500مهاجر اللأراضي الإيطالية في عام 2004. أما بطاقات الإقامة  فقد تم منحها لفترة مؤقتة من سنة إلى سنتين حسب الحالات. و تصطدم عملية تجديدها بالإجراءات البيروقراطية الثقيلة ( ما بين 7إلى 8 أشهر إنتظار في روما)، و في غضون ذلك يمكن أن يجد مهاجر نفسه في وضع غير قانوني بسبب التأخير الإداري.
  لقد نص هذا القانون  بوسي- فيني على تسوية الأجانب غيرالشرعيين ، الذين قدموا إلى إيطاليا ما بين 1999و 2002، و الذين أثبتوا أن لهم نشاطا مهنيا.وأدى هذا القانون إلى أكبر عملية تسوية لأوضاع العمال المهاجرين غير الشرعيين في إيطليا: 690000عملية تسوية من أصل 704000 مطلب مقدم إلى دائرة الهجرة  ما بين 11 سبتمبر و 11 نوفمبر من عام 2002.ولدى إيطاليا تقليدفى هذا المضمار, إذ شهدت أعوام1998،1996،1990،1986، عمليات تسوية لأوضاع المهاجرين غير الشرعيين. وهذا هو النموذج الإيطالي في عملية الإندماج للأجانب في النسيج الإجتماعي .
خلال ثلاثين عاما ، شكل المغاربة الجالية الأولى للأجانب في إيطاليا.و بعد عملية تسوية أوضاع العمال المهاجرين غير الشرعيين ، تراجع المغاربة إلى المرتبة الثانية، خلف الرومانيين ، الذين كانوا غائبين  مع بداية عقد التسعينات.اليوم الهجرة في إيطاليا هي أوروبية على وجه الخصوص.و قد ترافقت الموجة الأخيرة  مع مسار « نزع الأسلمة » عن الهجرة, خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر2001. تنامي الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا و المغرب إلى أوروبا
 غير أن المشكلة التي يواجهها الإتحاد الأوروبي الآن هي تزايد الهجرة السرية أو غير الشرعية ، التي أصبحت تحتل حيزا كبيرا في مناقشات رؤساء الدول و الحكومات الأوروبية ، الذين ركزوا في تصريحاتهم المختلفة على ضرورة مكافحة الشبكات السرية ، و تعزيز مراقبة الحدود . فقد شكلت أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة ، و صعود اليمين المتطرف والعنصري في أوروبا ، و إرادة القيادات الأوروبية لتقديم أجوبة على هذا  » الإنزعاج  » الذي أظهرته صناديق الإقتراع ، مجموعة من العوامل التي تفسر لنا هذا النقاش الأوروبي المحتدم حول الهجرة .ففي بريطانيا يدخل كل يوم بطريقة غير شرعية 137 مهاجرا جديدا ، و يختفي في الطبيعة . و منذ ثلاث سنوات يوجد في بريطانيا 150000 مهاجرا سريا يعملون في السوق السوداء ، بمساعدة أهاليهم . و تستقبل بريطانيا على أراضيها ما يقارب 1 مليون مهاجرا غير شرعي . و استقبلت السلطات البريطانية خلال عام 2001 ، 71700 طالبا للجوء . و تعتبر بريطانيا البلد الأوروبي المفضل للمهاجرين ، ذلك أن طالبي اللجوء يسمح  لهم بالعمل خلال الستة أشهر ، في انتظار البت  في ملفاتهم . و يأتي هؤلاء في معظمهم من أفغانستان ، والعراق، و الصومال ، و سيرلانكا .
   و أمام مواجهة الإرتفاع المطرد للهجرة  غير الشرعية  التي جاءت لتؤجج المشاكل غير المحلولة كالإندماج, أخذت الحكومتان البريطانية و الإسبانية بعين الإعتبار إحتجاجات الرأي العام، الذي أصبح يطالب بتقديم أجوبة قوية و مرئية. لهذا السبب تدرس حكومة طوني بلير إستخدام الجيش لإرجاع هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين ، و معاقبة البلدان التي تسهل عملية إنتقالهم إلى أوروبا . و كان إجتماع وزراء الداخلية في بلدان الاتحاد الأوروبي الذي عقد في روما يومي 29 و 30 أيار 2002، قد بحث  موضوع مراقبة أفضل للحدود . و كانت إيطاليا قد كلفت عقب قمة لا يتكين في ديسمبر 2001 ، بدراسة حول إنشاء بوليس أوروبي لمراقبة حدود الإتحاد ، و هي فكرة قديمة أطلقتها كل من روما و برلين ، و لكنها تبنتها اليوم معظم عواصم الإتحاد الأوروبي .و هكذا إتفقت بلدان الإتحاد الأوروبي على الوسائل البوليسية و القمعية لوضع حد لوصول المهاجرين غير الشرعيين.
وفي إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية ،قام رئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو برلوسكوني  بزيارة قصيرة إلى ليبيا في 25 آب 2005، التقى خلالها العقيد القذافي، في محاولة منه لحل المشاكل العالقة  التي أخرت بلورة إتفاق بين البلدين يهدف إلى تكثيف الجهود لمقاومة تدفق المهاجرين غير الشرعيين على سواحلها. ويعتقد الايطاليون أن أراضيهم، مع السواحل الاسبانية، هي المناطق الأوروبية الأكثر عرضة لـ »اجتياح » المراكب التي تقل المهاجرين من شمال أفريقيا.وبعدما توصلت السلطات الإيطالية في سنة 2000 إلى اتفاق اطاري مع تونس، التي لا تبعد سواحلها عن ايطاليا أكثر من خمسين ميلا في بعض المناطق، لاحظوا أن النتائج لم تكن في المستوى المؤمل. فقد تضمن الاتفاق منح زوارق سريعة للدرك الوطني التونسي لخفر السواحل (يبلغ طولها 1300 كلم) ومعدات متطورة للمراقبة والرصد ليلا ونهارا اضافة لتسيير دوريات بحرية مشتركة في المياه الدولية بين البلدين.
لكن على رغم العمليات الكثيرة التي نفذها حراس السواحل التونسيون لضبط محاولات اجتياز مضيق صقلية على متون سفن صيد صغيرة أو متوسطة الحجم، مازال عدد المراكب التي ترسي سرا وبشكل شبه يومي على سواحل جزيرة « لامبيدوزا » أكبر من قدرة الايطاليين على « التحمل ».ومما زاد من حنقهم ارتفاع أعداد مراكب المهاجرين غير الشرعيين المنطلقة من السواحل الليبية خلال الفترة الماضية ، لاسيما من زوارة محملة بمهاجرين من البلدان الواقعة جنوبي الصحراء الكبرىإضافة  للتونسيين والمغاربة الذين باتوا يشعرون أن الهجرة انطلاقا من شواطئ بلدانهم أصبحت محفوفة بالمخاطر.. وبدافع من هدا الشعور بـ »الخطر » زار وزير الداخلية الألماني أوتو شيلي مؤخرا نظيره الايطالي وبحثا في خطة عاجلة مشتركة لمجابهة تنامي الهجرة غير المشروعة.وأسفر البحث عن صيغة سرعان ما باركها نظراؤهما في البلدان الأوروبية الأخرى المعنية بالظاهرة تمثلت في إقامة معسكرات في شمال أفريقيا لتجميع المهاجرين غير الشرعيين الإفريقيين على اعتبار أن البلدان المغاربية صارت في أنظار أوروبا « معبرا للمهاجرين غير الشرعيين الآتين من جنوب الصحراء ».
ضغوط  موجات الهجرة على أبواب إسبانيا
يتحدث الإسبان  هذه الأيام عن « جرف ثلجي » حقيقي.هذا ماحصل يوم الخميس 29 سبتمبر 2005، حين حاول أكثر من 500 مهاجر غير شرعي، يتحدرون في معظمهم من أصول إفريقية، إقتحام السياج الأمني الذي وضعته السلطات الإسبانية حول مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين شمال المغرب. وخلال محاولتهم هذا ، اشتبك المهاجرون غير الشرعيين بقوات الحرس المدني الإسباني المكلفة  بمراقبة الحدود الإسبانية المغربية، في مواجهة وصفت بالعنيفة جدا ،وتمكن مئة منهم من دخول المدينة، ما شجع مجموعة ثانية ضمت حوالي ألف مهاجر من معاودة محاولة الاقتحام، ونجح 200 منهم في التسلل بقوة، وجرح مئة وثلاثين آخرين، بينما لقي خمسة أشخاص حتفهم، إثنان من الجانب الإسباني ، و ثلاثة من الجانب المغربي. وفتحت السلطات المغربية والاسبانية تحقيقات في الموضوع.
 وتعتبر مدينتي سبته ومليلة المغربيتين المحتلتين من إسبانيا، و الواقعتين على  الشاطئ الشمالي في المغرب، منطقتين  تسهلان  أعمال التهريب الناشطة،  كون المغاربة يمكنهم الدخول اليهما  بواسطة بطاقة الهوية فقط. ففي سبته يسجل يومياً عبور 25000 شخص من المهربين، ولذلك تحاول سبته  أن تقيم سياج حماية على حدودها من خلال ستار حديدي مشبك ومكهرب. غير أن مراكز الحراسة تواجه ضغطاً كبيراً من المهاجرين، وخصوصاً من الأولاد الذين يرد منهم الألوف سنوياً. وترى السلطات الاسبانية أن المهاجرين يأتون من كل أرجاء القارة الافريقية (وحتى من الشرق الأوسط وآسيا)، لكن دوائر الشرطة الاسبانية تؤكد أن 80 في المئة من المهاجرين هم من المغاربة.
ولمواجهة موجات الهجرة غير الشرعية، أرسل رئيس الحكومة الإسبانية لويس رودريغيز ثباتيرو 500 جندي  من جيش الأرض لتعزيز  قوات الحرس المدني في مدينتي سبته و مليلة. وقد أثار هذا القرار قلق المنظمات غير الحكومية التي تساعد المهاجرين على تسوية اوضاعهم. و بالمقابل شنت المعارضة الإسبانية هجوما عنيفا على سياسة الهجرة التي تنتهجها  السلطات الإسبانية. فقد اتهم زعيم المعارضة اليمينية ماريانو راجوي رئيس الحكومة الإسبانية زاباتيرو، بأنه « تصرف بطريقة لامسؤولة »، خاصة عندما عندما استفاد 700000 مهاجر غير شرعي، من تسوية أوضاعهم بصورةقانونية   خلال هذه السنة ، مظهرا بذلك  الضعف أمام المغرب.
إن الاختلاف في معدل النمو والثروة والسكان على ضفتي المتوسط، كبير الى درجة أنه لا يساعد في تخفيف الضغط. فمنطقة كوستا دل سول الغنية تقع في مواجهة الريف اليائس، كما يتبين من إهمال منطقة قطامة التي تركت لزراعة وحيدة هي زراعة الحشيشة.  ويساعد الاتحاد الأوروبي اسبانيا مالياً كي تواجه هذا التدفق الهائل من المهاجرين غير الشرعيين ،  وتحمي حدود دول معاهدة شنغن. ولدى اعتقالها المتسللين، تسلمهم السلطات الاسبانية الى المغرب مطالبة إياه في المقابل بـ300 يورو عن الشخص الواحد، وهذا الوضع هو ما يؤلم المغرب الذي يحتج مبدياً حسن نيته وتعاونه آسفاً لأنه لا يحظى بمساعدة أوروبية.
وتعتبر البلدان المغاربية أن مكافحة الهجرة غير الشرعية يجب أن تتم في إطار »مقاربة اقليمية تتجاوز الجانب الأمني »، متمنية على الاتحاد الأوروبي أن يتبنى  « خطة مارشال حقيقية لفائدة دول افريقيا جنوب الصحراء لحل اشكالات الهجرة ».
3-الحرب على المهاجرين
في قرائتنا لأحداث فرنسا ننطلق من المنظور الذي يتعاطى  في مقاربته للأحداث انطلاقاً من أسس تحليلية قائمة على معايير الاجتماع ـ السياسي، في سياق تفصيل العوامل والعناصر المتعلقة بالتمايز الاجتماعي والتنوع الثقافي ـ الديني، وصولا إلى التصادم بين الهوية الدينية ـ الثقافية للمهاجرين (الاسلام) وبين الهوية الدينية ـ الثقافية الفرنسية (المسيحية والعلمانية). فصعوبات المجتمع الفرنسي هي صعوبات جميع الدول الاوروبية. ففيها كلها يعيش مهاجرون من العالم الثالث، هم مسلمون في الأساس، يصعب عليهم الاندماج في مجتمع الكثرة. فرنسا هي حالة امتحان، لأنها هي، من بين جميع دول القارة، التي قبلت مهاجرين مسلمين بأعلى نسبة وهم يعدون نحو عُشر السكان فيها.
وقد أصبحت هناك ضرورة ملحة لاتخاذ خطوات نحو الدمج الفعلي للمهاجرين، وإنصافهم واعطائهم حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية حتى لا تكون شعارات المساواة والاخاء هي مجرد كلمات جوفاء لا تعبر عن الواقع في شيء.
و كشف العنف المديني الذي شهدته فرنسا في شهري أكتوبر ونوفمبر 2005، ضواحي باريس وعدة مدن أخرى ، عن الوجه الآخر لها، وهو بمنزلة ناقوس الخطر لأوروبا كلها، فما كان يعتبر من قبل وضعا ً طبيعيا ً، لم يعد مقبولا الآن. وقد نقل هذا العنف قضية المهاجرين المغاربة و الأفارقة إلى قلب المشهد السياسي و الثقافي و الإعلامي الفرنسي  .
لقد كشفت أحداث العنف التي عاشتها فرنسا في خريف العام الماضي النقاب عن مشكلة المهاجرين في أوروبا عموما، وفي فرنسا على وجه الخصوص، والتي تلقي بظلالها الخطيرة على تماسك هذه المجتمعات، والتي يمثل المهاجرون فيها نسبة لا يمكن تجاهلها، حيث تلعب دورًا اقتصادياً مهماً فيها، إذ تعتمد هذه المجتمعات بنسبة كبيرة على العمالة المهاجرة في نشاطها الاقتصادي. الشباب الغاضب الذي خرج إلى الشوارع الباريسية فعل ذلك عن إحساس بالظلم و عن ضجر لأنه كان ضحية تلاعبات سياسية استمرت سنوات طويلة. هؤلاء الشباب تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة و الثلاثين من العمر، كلهم من مواليد فرنسا و يحملون الجنسية الفرنسية بموجب ذلك. و مع ذلك يعيشون وضعا مختلفا و غير سوي في آن واحد.. أكثر من 66% من هؤلاء الشباب يعيشون بلا وظائف مستقرة، و يعيشون ثقافة مختلفة بحكم عائلاتهم المتجذرة من دول مغاربية مسلمة أو افريقية مختلفة. يعيشون ثقافة مزدوجة بين ثقافة الأهل و الوطن الأم و الثقافة الفرنسية بكل ما فيها من تباين بين الشخصية و المجتمع..
هؤلاء المهاجرون عجزوا في أن يكونوا مغاربة تماما أو أفارقة تماما أو أن يكونوا فرنسيين حقيقة. صاروا يعيشون وضعا ً مأساويا ًيبحثون من خلاله عن هويتهم، و عن الطريقة التي عبرها يوصلون همومهم و مشاكلهم إلى الجهة الثانية من الجسر ( أي إلى السلطة ). و لهذا حين تنفجر الأوضاع فجأة، يتم تسليط الأضواء على المشكلة، و لكن لا يتم حلها، بل تسويقها إعلاميا ليستغلها البعض قائلين » انظروا إلى بربرية العرب و الأفارقة الذين لن يستطيعون العيش في دولة ديمقراطية! » ساركوزي و حزبه، و كذلك الحزب الوطني الفرنسي بقيادة « جون ماري لوبين » .
إن صيغة الاندماج الفرنسية هي الذوبان في الثقافة السائدة. الجمهورية علمانية تقوم على المساواة، ومنذ اللحظة التي يحصل فيها إنسان على الجنسية يصبح مثل جميع المواطنين وحيث في ظاهر الأمر، لا أهمية لانتمائه العرقي أو للثقافة التي يجرها معه من مسقط رأسه. في البيت يستطيع الشخص أن يكون مسلماً، أو يهودياً، أو عابد أصنام، لكن الدولة لا تحمل على عاتقها تنمية تراثه ولا تنظر برضى إلى التعبيرات الصارخة عن تميزه. من هنا نشأت محاربة الحجاب.
ويجب الإشارة إلى مجموعة من العناصر:
 أولا، في سوق العمل اتسعت الفروق بين إيرادات أصحاب القدرات الكبيرة وبين إيرادات أصحاب القدرات الضئيلة. فإعطاء ثقافة أساسية لجميع المواطنين لا يُضيّق هذا الفرق، لأن أصحاب القدرة يعطون ذرياتهم أكثر، أكثر كثيراً، مما يُقدّم مجتمع الرفاه.
ثانياً، في العقدين الأخيرين تسود أكثر دول اوروبا الغربية بطالة ثابتة، وضحاياها الرئيسون هم العمال اليدويون ومؤدو الخدمات البسيطة. نسبة البطالة في فرنسا مرتفعة أصلاً، وبين سكان الضواحي المشتعلة تصل إلى نحو خمس عدد السكان ممن هم في سن العمل.
 ثالثاً، المهاجرون من المغرب العربي مطبوعون بطابع السِحنة المتميزة. الفروق في السِحن عائق عظيم في وجه الاندماج، لأنها تُميز المهاجرين وتقوّي الأحكام المسبقة حيالهم.
رابعاً، لا يميل الإسلام، وهو دين أكثر المهاجرين من المغرب العربي وافريقيا، إلى الانهزام للعلمانية الفرنسية. فالإسلام هو ثقافة تؤثر في التراتبية الأبوية، وفي عادات الحياة وآدابها، وفي الاستعداد لاستيعاب التأثيرات، وفي الميل إلى التآلف وجماعة المؤمنين.
كل هذه العوامل الأربعة،  يُقوّي بعضها بعضا وتحدث شعوراً بالمرارة واليأس. هذا هو الجو الذي يناسب انتشار الاصولية الاسلامية، وفي مقابل ذلك ـ يناسب نماء العنصرية والشعور القومي.
إن الدولة القومية نجحت ، على نحو عام، بتسكين وإخفاء المواجهة بين الفقراء والأغنياء بوساطة سياسة الرفاه وتنمية الهوية القومية. لكن عولمة المال والتجارة وانهيار الامبراطوريات الاستعمارية أنشأت أمواج هجرة جديدة،وضعت أمام الدول القومية تحديات ثقافية واجتماعية يصعب عليها مواجهتها . في فرنسا هناك مشكلة العنصرية، ويضاف   إليهامشكلة  الثقافة والعادات لدى المهاجرين المغا ربة وأطفالهم، والتي يريدها الفرنسيون أن تشبه ما عندهم!.
والحال هذه فإن أزمة اندماج المهاجرين المغاربة في النسيج الاجتماعي و الثقافي الفرنسي ، ناجمة من   المشكلة الثقافية والعنصرية في آن معا.و على الفرنسيين والأوروبيين الآخرين أن يتعلموا احترام ثقافات وعادات الآخرين. والاعتراف بالغنى والتعدد، تماماً كما اعترفوا بالاختلاف وبعدم خطورة ذاك الاختلاف. وإذا فعلوا ذلك فقد يكتشفون أن في تلك الثقافات غنى وتعدداً مثلما لدى الأوروبيين، وسواء أكان أولئك الناس المهاجرون عرباً أو أفارقة. ولا شك أن الأفكار المسبقة ذات الطابع الثقافي يمكن أن تثير أشكالاً متعددة من المخاوف.
الهوامش:
 (1)-  EUROSTAT – MIGRATION – STATISTICS 1995  (2)- محمد الناصر أوضاع المهاجرين العرب في بلدان الاتحاد الأوروبي – مجلة شؤون الأوسط – العدد 82 بيروت تاريخ نيسان / ابريل 1999  أنظر أيضاً اللجنة الأوربية :  COM (94) FINAL (3)- قيس جواد العزاوي – رئيس تحرير مجلة دراسات شرقية – بحث بعنوان : المهاجرون العرب والمسلمون في أوروبا – دورهم وتأثيرهم ( الحالة الفرنسية ) – منشور ضمن مجموعة ابحاث أخرى في كتاب : » العلاقات العربية – الأوروبية حاضرها ومستقبلها « الصادر عن مركز الدراسات – العربي – باريس – الطبعة الأولى 1997 ( ص 382 ) . (4)-  محمد الناصر أوضاع المهاجرين العرب في بلدان الاتحاد الأوروبي – مجلة شؤون الأوسط – العدد 82 بيروت تاريخ نيسان / ابريل 1999 ( ص 59 ) .  (5)-  ناصر السعيدي – إتفاق الشراكة الأوروبية و « إقتصاد الخوف » الطريق إلى الأمام – بحث منشور في كتاب جماعي يحمل العنوان التالي « الشراكة العربية – الأوروبية » تجارب قطرية، صادر عن غرفة تجارة دمشق،الطبعة الأولى 2001,(ص88).

  (  المصدر: مجلة « حوار العرب » الشهرية العدد 21، أوت 2006، التي تصدر عن مؤسسة الفكر العربي في بيروت  )  


Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.