الأربعاء، 18 أبريل 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2521 du 18.04.2007
 archives : www.tunisnews.net


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع المنستير: بيــان إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل: بــلاغ إعلامي موقع الحزب الدسمقراطي التقدمي:نص بيان الندوة الصحفية التي قام بها الحزب الديمقراطي التقدمي و جريدة الموقف الحزب الديمقراطي التقدمي ـ جامعة أريانة : رسالة مفتوحة إلى السيد والي أريانة ميدل ايست اونلاين :الحزب الديموقراطي التقدمي التونسي مهدد بخسارة مقره، والسلطات تقول انه نزاع مدني حول عقار يو بي أي: حزب تونسي معارض يتهم الحكومة بالتّضييق علي نشاطه الصباح: الحزب الديموقراطي التقدمي مطالب بإخلاء مقــره بالعاصمـة نهضة. إنفو: الشيخ القرضاوي في تونس!! الله ينصرك على من يعاديك الحوار.نت: ملف  – من وحي الذكرى الواحدة والعشرين لاستشهاد الطالب الشاب عثمان بن محمود بحي التضامن بتونـس لطفي الهمامي :ملاحظات حول نص » الهيئة العالمية لنصرة الإسلام في تونس » بشير العبيدي :ملاحظات حول المبادرة الهاشمية د. محمد الهاشمي الحامدي: لا أملك « جزرة » ولا أنطق باسم السلطة  – متفائل جدا بالمصالحة بين السلطة والإسلاميين – سياسة الرئيس بن علي لا تحركها الأحقاد عبد الرؤوف العيادي:قضاء الوقاية والحرب الوقائية أوحتى لا تنتشر عقيدة الحرب صابر التونسي:ســواك حـار (26) محمد العروسي الهاني:الحلقة الثانية: حول موضوع التشغيل وما أدراك ما التشغيل الطاهر الأسود: تعليق حول  » حوار حول الحلقة الثالثة من مسلسل زمن بورقيبة حول موقف بورقيبة من القضية الفلسطينية الطاهر الأسود: عرض لكتاب « إسرائيل و بلاد المغرب »: في التطبيع و ميكيافيلية الدولة الوطنية في المغرب العربي مؤسسة التميمي للبحث والمعلومات ;تقويم الحلقة الرابعة من مسلسل زمن بورقيبة التي بثتها قناة العربية العربية.نت:في الحلقة القادمة من « مشاهد وآراء » الخميس:مسؤولون تونسيون سابقون يناقشون « زمن بورقيبة » على العربية


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

فرع المنستير

 

بيــــان

 

        صدّق أو لا تصدق : حمل البادجا في بيوت الراحة وإلا…

سايا بورجيس مؤسسة لتركيب  قطع الغيار الألكترونية انتصبت بمدينة المنستير منذ أمد بعيد وكان لها أرفع النسب الإنتاجية ، احتضنت 250 عاملا وعاملة.غير أن بعض المسيرين لم يكونوا مرتاحين لهذا المناخ فعملوا على تعكير صفوه لمزيد من السيطرة والابتزاز مستغلين الإجراء الذي أقرته الإدارة والقاضي بإجبار العاملين بالمؤسسات على حمل البادجا  

إن هذا الإجراء لا يخلو من بعض الإيجابيات وإن امتعض منه البعض،، فهو يشعر العامل بالساعد والفكر بمسؤوليته ما دام على الميدان ، كما أنه يخلق ألفة بين المواطن الزائر والمسؤول،  ذاك هو بعدُ الإجراء الإداري الذي وقع إقراره ، غير أن ما حصل مع عمال وعاملات سايا بورجيس يتنافى مع خلفية هذا الإجراء، فقد تحول إلى وسيلة للضغط وقمع العمال والعاملات الذين رفضوا حمل البادجا عند  التوجه إلى بيوت الراحة لقضاء حاجتهم البشرية ،فقد اعتبروه مخلا بكرامتهم الإنسانية، وكانت النتيجة أن وقع إيقاف 30 منهم . ورغم المساعي  التي بذلها الاتحاد الجهوي للشغل لإيجاد حل مشرف  للطرفين فإن الإدارة أبت إلا أن تواصل تعسفها فأصرت على إحالة العمال على مجلس التأديب  ويبدو أنها  انتدبت بعض العمال الجدد،   وهو ما يؤكد  أنها عازمة على التخلص من العمال المرسمين .

لكل هذه الاعتبارات فإن فرع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان الذي من حقه بل من واجبه أن يقف إلى جانب كل من أصبح مهددا في لقمة عيشه، لا يملك إلا أن يستنكر هذه المظلمة التي تعرض لها العشرات من عمال هذه المؤسسة، كما أنه يدعو السلط الجهوية إلى تحمل مسؤوليتها في حماية هؤلاء العمال الذين صاروا عرضة للطرد. ويؤكد  أنه سيواصل تشهيره بهذه الأساليب اللاإنسانية ودعمه لهؤلاء العمال والعاملات بكل الطرق القانونية  والشرعية المتاحة   

                     رئيس فرع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بالمنستير

                                    سالم الحداد


 

إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل

 

بــــلاغ إعلامي

تونس في   18أفريل2007

 

    بعد الاعتداء الهمجي الذي تعرض له الرفاق أعضاء إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين ومناضلي إتحاد الطلبة ببنزرت ،قررت التنسيقية الوطنية لإتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل في اجتماعها الدوري تنظيم تحرك احتجاجي على هذه الاعتداءات المتواصلة وتحميل سلط الإشراف مسؤولية الأضرار التي لحقت بالرفاق ومسانديهم.

وقد تقرر هذا التحرك بشارع 9 أفريل المقابل للكلية التي شهدت منذ أشهر تحركات كثيفة من أجل حق المعطلين في العمل.

وقد شهدت كلية 9 أفريل منذ الصباح حضورا مكثفا للبوليس رغم الطابع السلمي للتحرك المزمع عقده ،حيث قرر الرفاق بعد اجتماعات عامة بالكلية تنظيم مسيرة احتجاجية موجهة الى مقر وزارة التربية والتكوين الرافضة للحوار مع الإتحاد ومناضليه بدعوى لا قانونية المنظمة أو ما شابه من التبريرات التي تناقض القانون والدستور التونسي الناص على حق المواطن في العمل والتنظم والتظاهر.

ومثلما تعاملت وزارة التربية مع مطالب الإتحاد لم يشذ تعامل البوليس عن القاعدة المعتادة وعن خرقه للقانون المتواصل وحرية التظاهر باستعمال العنف لمنع الرفاق من الوصول إلى وزارة التربية والتكوين واستهداف البعض منهم بالضرب الذي تسبب في فقدان الوعي لأحد الرفاق المتواجدين أمام مبنى الكلية،وبالسب والشتم والتجريح في بعض المناضلات عبر استهدافهم بألفاظ سوقية وغيرها من الأساليب التي تؤكد للعموم مدى الصلاحيات المقدمة لجهاز البوليس لقمع المطالبين بحقوقهم.

كما تم اليوم الإربعاء 18 أفريل 2007 منع الرفاق أعضاء التنسيقية الوطنية الشريف الخرايفي وفلة الرياحي من الدخول الى المحكمة لمتابعة القضية المرفوعة من قبل مدير أحد المبيتات الغير مرخص لها من ديوان الخدمات الجامعية في حق الرفيقة فلة الرياحي بدعوة رفضها إمضاء التزام لصاحب المبيت واقلاقها لراحة الطالبات مع العلم أن الرفيقة فلة الرياحي هي الطالبة الوحيدة بهذا المبيت.

وإذ يؤكد إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل عن استنكاره للإرهاب الذي يمارس ضد مناضليه الا أنه متمسك بالحوار مع المؤسسات المعنية بالتشغيل وفق ما تقتضيه وما تؤكده الأرضية العامة للمنظمة ،الناصة أساسا على تحمل المسؤولية المشتركة والمساهمة الجادة والفعلية في بلورة بدائل جذرية وحلول مؤكدة لهذه الأزمة بما يخدم أصحاب الشهادات والمجتمع التونسي بعيدا عن التدخل البوليسي الذي يمتهن كل أساليب الترهيب ضد مناضلي الإتحاد.كما يدعوا الحركة الديمقراطية بالبلاد الى المساندة الفعلية وفتح حوار جدي مع الإتحاد وتقديم الإضافة لهذا المشروع النقابي الذي يستدعي تظافر المجهودات لاستكمال تأسيسه.

إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل

التنسيقية الوطنية

المكلف بالإعلام

الحسن رحيمي

21918197


 

نص بيان الندوة الصحفية التي قام بها الحزب الديمقراطي التقدمي و جريدة الموقف

 
سيداتي، سادتي، نشكركم على تلبيتكم دعوتنا لحضور هذه الندوة الصحفية المشتركة بين الحزب الديمقراطي التقدمي وصحيفة الموقف والتي وددنا من خلالها إحاطتكم علما بما تتعرض له هاتان المؤسستان من محاصرة باتت تهدد بالقضاء على آخر مربع لحرية التعبير والنشاط السياسي في بلادنا. لقد توصل مدير جريدة « الموقف » صباح الجمعة 13 /4/2007 بتنبيه صادر عن مالك المقر الذي تتواجدون فيه اليوم يعلمه فيه بأنه فوجئ باستعمال المكرى كمقر للحزب الديمقراطي التقدمي خلافا لمقتضيات عقد الكراء التي خصصت المكرى لنشاط مؤسسة صحفية ويمهله فيه خمسة عشر يوما للإذعان للتنبيه وإلا قام بفسخ العقد وسوف نوزع عليكم نص هذا التنبيه. وللتوضيح نود أن نذكركم بما يلي: –   أن مقر الحزب الديمقراطي كان دائما مقر صحيفة « الموقف » منذ تأسيسه وحتى قبل الاعتراف به من طرف السلطة. –   أننا نشغل المقر الحالي منذ ثلاثة عشر عاما أي قبل انتقال ملكيته إلى مالكه الحالي سنة 1999 والذي ربط معنا الصلة على ذلك الأساس وتقاضي معينات الكراء دون أن يثير أدنى تحفظ. –   أن التنبيه الصادر إلينا من مالك مقرنا المركزي تزامن مع حملة وطنية لتجريدنا من مقراتنا في الجهات من ذلك أن جامعتنا بقابس اضطرت إلى الخروج من مقرها بناء على تنبيه بالخروج لانتهاء المدة وتحت ضغط السلطات الجهوية حسبما أعلمنا بذلك مالك المقر. كما صدر حكمان قضائيان يلزمان جامعتينا بكل من تطاطوين والقيروان بإخلاء مقريهما بناء على نفس الإدعاء (استعمال المحل لغير ما أعد له) كما اضطرت جامعتا الحزب في كل من جندوبة وتوزر إلى التخلي عن مقريهما بمجرد الإمضاء على عقدي الكراء وتسلم مفاتيحهما بعدما تعرض مالكاهما إلى أقصى الضغوط من السلطات الأمنية. وتوصلنا أخيرا بتنبيه بإنهاء كراء مقرنا في مدنين بناء على نفس الادعاء كل ذلك فضلا عما يلاقيه المناضلون من صعوبات جمة لكراء مقرات لهم حالت دون حصول جامعاتنا في كل من بن عروس وقابس وتطاوين وتوزر وجندوبة على مقرات لنشاطهم بسبب الضغط المسلط على المالكين وتجدون في الملف الذي وزع عليكم نسخ من التنابيه وعقود الكراء الملغاة التي تثبت الطبيعة الوطنية لهذه الحملة. –   إن لجوء الحكومة إلى هذه الأساليب الملتوية لمحاصرة الرأي المخالف ونشاط أحزاب المعارضة وجمعيات المجتمع المدني المستقلة غير جديد وقد سبق أن علقت بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أكثر من ثلاثين قضية أثارها منخرطون مزعومون موالون للسلطة انتهت إلى شل جميع نشاطاتها وغلق مقراتها بالمدن الداخلية ومحاصرة مقرها المركزي كما يتذكر الجميع التنبيه الذي صدر للأستاذ العياشي الهمامي بإنهاء كراء مكتبه بسبب احتضانه لإضراب الجوع لشهر أكتوبر 2005. –   وغني عن التذكير هنا بالمضايقات المختلفة والمتواصلة التي تتعرض لها صحيفة الموقف، من حرمان من الدعم العمومي وحجب للإشهار إلى الحجز من الأكشاك بصفة غير قانونية ومن طرف أشخاص خارجين عن القانون تحركهم أياد حكومية فضلا عن الضغوط التي يتعرض لها لباعة العاديين من أجل عرضهم للجريدة حتى باتت تباع سرا في كثير من الأحيان أو يعتذر البائع عن تسلمها منا تحاشيا للمضايقات، وكانت كل هذه الممارسات محل بيانات ومقالات صدرت على أعمدة الجريدة. وبناء على ما تقدم فإن الحزب الديمقراطي التقدمي: –   يعتبر أن التنبيه الصادر من مالك مقره المركزي يعبر عن إرادة حكومية مبيتة للقضاء على آخر مربع لحرية التعبير والاجتماع بعدما قضت على نشاط الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ولا يعتبر التنبيه سوى أداة لتنفيذ تلك الإرادة التي لا تريد أن تفصح عن نفسها للمحافظة على مظهر من التعددية السياسية الزائفة –   يعبر عن عدم إذعانه للتنبيه ورفضه الانخراط في متاهات قضائية أثبتت التجربة المريرة عدم جدواها في وضع ينعدم فيه التفريق بين السلطات وتسيطر فيه المصالح الخاصة للفريق الحاكم وأجهزة حزبه على أجهزة الدولة. –   يعبر عن عزمه الراسخ للتصدي لكل محاولة لإخراجنا من مقرنا المركزي بكل الوسائل السلمية المتاحة ومن بينها عزم الأخت مية الجريبي الأمينة العامة للحزب والأستاذ أحمد نجيب الشابي مدير صحيفة الموقف وعدد من كوادر الحزب في العاصمة والجهات على شن إضراب عن الطعام غير محدود دفاعا عن حرية التعبير والاجتماع في بلادنا –   يناشد الحزب الديمقراطي التقدمي كل القوى الديمقراطية التونسية من هيئات مدنية وحركات سياسية وشخصيات وطنية الوقوف معه في هذا الاختبار الذي لا يستهدف الحزب الديمقراطي التقدمي وحده بل يرمي إلى حرمان التونسيين جميعا من آخر ما تبقى لهم من بقع التعبير الحر عن همومهم وإلى محاصرة حقهم المشروع في المشاركة السياسية الحرة. سيداتي، سادتي، إن الحدث الذي دعوناكم من أجله اليوم لا يعد أمرا بسيطا وإنما يمثل تهديدا خطيرا لما تبقى من حرية العمل السياسي في بلادنا ويشير في ذات الوقت إلى مدى التقهقر الذي أصاب حياتنا السياسية خلال العشرين سنة الماضية إذ لم يسبق أن تعرض الحزب الديمقراطي التقدمي إلى مثل هذا التهديد حتى لما كان حزبا غير معترف به ينشط علنا بمقر جريدة « الموقف » الذي كان يتواجد بنهج الكومسيون بالعاصمة بداية الثمانينات من القرن الماضي. سيداتي، سادتي، نشكركم على حسن استماعكم ويسعدنا أن نتولى الإجابة عما قد تتفضلون به من أسئلة. الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي: مية الجريبي مدير صحيفة الموقف: أحمد نجيب الشابي (المصدر: موقع الحزب الدسمقراطي التقدمي بتاريخ 17 أفريل 2007)


بعد رفض السيد والي أريانة قبول وفد عن جامعة أريانة للحزب الديمقراطي التقدمي نجد أنفسنا مضطرين إلى إحاطة الرأي العام بموضوع طلب المقابلة

 رسالة مفتوحة إلى السيد والي أريانة

الحزب الديمقراطي التقدمي ـ جامعة أريانة                                                      أريانة في 7 افريل 2007  إلى السيد والي أريانة المحترم الموضوع : إعلام و احتجاج على ممارسة غير قانونية . تحية طيبة و بعد، فإننا أعضاء مكتب جامعة أريانة للحزب الديمقراطي التقدمي نتقدم لكم بمكتو بنا هذا للتعبير عن احتجاجنا و استيائنا مما حصل يوم افتتاح مقرنا الجديد بمدينة أريانة ، 24 نهج الطيب المهيري  والذي كان مقررا عقده  يوم الجمعة 6 افريل 2007 على الساعة الخامسة مساء. حيث أن أعوان امن  بالزى المدني قاموا بمنع بعض ضيوفنا من دخول المقر دون وجه قانوني بل وفي تحد صارخ لحرية الاجتماع التي يضمنها دستور البلاد ، مما اضطرنا إلى إلغاء حفل الافتتاح  و الندوة التي كانت مقررة . سيدي الوالي ، إننا إذ نتوجه لكم بهذا الإعلام معبرين عن شديد استنكارنا لما حصل فإننا نهيب بكم لاتخاذ الإجراءات التي يخولها لكم منصبكم لضمان تطبيق القانون و احترام حرية العمل الحزبي بما يكفل لنا القيام بدورنا الدستوري و القانوني في تأطير المواطنين . املنا وطيد في إن لا تتكرر مثل هذه الممارسات التي تتعدى على حقوق المواطنين وتسيء لسمعة الوطن. عن الجامعة: الكاتب العام : عبدا لعزيز التميمي


حزب تونسي معارض يحتج على الضغوط التي يتعرض لها

الحزب الديموقراطي التقدمي التونسي مهدد بخسارة مقره، والسلطات تقول انه نزاع مدني حول عقار.

 
ميدل ايست اونلاين تونس – احتج الحزب الديموقراطي التقدمي التونسي المعارض الثلاثاء على الضغوط التي يتعرض لها، متهما السلطات « بافتعال قضية ترمي الى القضاء على اخر مربع لحرية لتعبير والاجتماع » في تونس. وقالت مية الجريبي رئيسة الحزب واحمد نجيب الشابي مدير صحيفة « الموقف » الناطقة باسمه خلال مؤتمر صحافي حضره نشطاء في مجال حقوق الانسان ان « المقر الذي يستأجره الحزب منذ اكثر من 13 عاما والذي كان دائما مقر صحيفة الموقف مهدد بالإغلاق بتهمة « استغلاله لغير ما اعد له ». واعتبر الشابي ان « التنبيه » الصادر عن مالك المقر يعبر عن « ارادة حكومية مبيتة للقضاء على اخر مربع لحرية التعبير والاجتماع ». وأشارت الجريبي من ناحيتها الى ان « التنبيه يتزامن مع حملة وطنية لتجريدنا من مقراتنا في المدن التونسية ». ولفتت الى وجود ثمانية فروع للحزب « اما مغلقة او ان انشطتها معطلة بدوا! ع قضائية او ادارية مختلفة ». لكن السلطات التونسية نفت ان يكون « لها علاقة بالامر ». وقال مصدر رسمي تونسي ان « الامر يتعلق بنزاع مدني عقاري بين مالك ومسوغ »، مؤكدا على ان « القضاء وحده المؤهل للنظر في مثل هذه النزاعات ». وعبر الحزب الذي يعد من ابرز التنظيمات السياسية المعارضة منذ تأسيسه في 1983 عن « عزمه الراسخ » للتصدي لاقفال مقره الرئيسي بالوسائل السلمية المتاحة بما في ذلك « اضراب مفتوح عن الطعام » للدفاع عن حرية التعبير والاجتماع. وناشدت الجريبي « كل القوى الديموقراطية التونسية من هيئات مدنية وحركات سياسية وشخصيات وطنية الوقوف معه في هذا الاختبار الذي لا يستهدفه وحده بل يرمي الى حرمان التونسيين جميعا من اخر ما تبقى لهم من بقع التعبير الحر ». واضافة الى التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم بزعامة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، توجد في تونس ثماني تشكيلات سياسية معترف بها، خمسة منها ممثلة في البرلمان. الرابط  http://www.middle-east-online.com


حزب تونسي معارض يتهم الحكومة بالتّضييق علي نشاطه

 
تونس ـ يو بي أي: اتهم حزب تونسي معارض السلطات التونسية باحكام التضييق علي نشاطه ومحاصرته في مختلف جهات البلاد ،وهدد بدخول أمينته العامة وعدد من كوادره في اضراب مفتوح عن الطعام للدفاع عما وصفه بآخر مربع لحرية التعبير والاجتماع في البلاد . وقالت مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي (حزب معارض معترف به) خلال مؤتمر صحافي عقدته امس الثلاثاء، ان حزبها تلقي يوم الجمعة الماضي تنبيها بضرورة اخلاء مقره المركزي الواقع وسط تونس العاصمة. وأوضحت أن هذا التنبيه الصادر عن مالك العقار جاء بدعوي أن عقد الأجار الذي يعود الي حوالي 10 سنوات ـ ينص علي احتضان العقار المذكور لأنشطة صحيفة الموقف الناطقة باسمه، لا أنشطة الحزب . واعتبرت الجريبي خلال المؤتمر الصحافي الذي حضره برينن غيلمور المستشار السياسي لسفارة أمريكا بتونس، أن التنبيه الصادر عن مالك العقار يعبر عن ارادة حكومية مبيتة للقضاء علي آخر مربع لحرية التعبير والاجتماع، وأداة لتنفيذ تلك الارادة التي لا تريد الافصاح عن نفسها للمحافظة علي مظهر من التعددية السياسية الزائفة . ورفض مصدر رسمي تونسي بشدة هذه الاتهامات،ووصفها في بيان تلقت يونايتدبرس أنترناشونال نسخة منه، بالمزاعم. وشدد علي أن الأمر يتعلق بنزاع مدني عقاري، بين مالك ومتسوغ، وأن القضاء هو وحده المؤهل للنظر في مثل هذه النزاعات . وبحسب مية الجريبي التي اعتبرت ان لجوء الحكومة الي مثل هذه الأساليب الملتوية لمحاصرة الرأي المخالف ونشاط أحزاب المعارضة، غير جديد ، فان حزبها يرفض الدخول في متاهات قضائية . وأكدت بالمقابل عزم حزبها علي التصدي لكل محاولة لغلق مقره المركزي بكل الوسائل السلمية المتاحة ، بما في ذلك الدخول في اضراب مفتوح عن الطعام للدفاع عن حرية التعبير والاجتماع في البلاد. وناشدت الجريبي القوي الديمقراطية في تونس الوقوف مع حزبها في هذا الاختبار الذي قالت انه لا يستهدف حزبها وحده،بل يرمي الي حرمان التونسيين من آخر ما تبقي لهم من بقع للتعبير الحر عن همومهم، والي محاصرة حقهم المشروع. السياسية . (المصدر: جريدة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 18 أفريل 2007)


الحزب الديموقراطي التقدمي مطالب بإخلاء مقــره بالعاصمــــة

 
تونس/الصباح عقدت السيدة ميّة الجريبي الأمينة العامة للحزب الديموقراطي التقدمي ظهر امس ندوة صحفية على خلفية التنبيه الذي تلقاه الحزب يوم الجمعة المنقضي، يطالبه باخلاء المقر اذا لم يتم احترام بنود العقد الذي ينص على الاستغلال الصحفي للمقر دون اي نشاط آخر.. وكان مدير صحيفة «الموقف» الناطقة بلسان الحزب، تلقى تنبيها من مالك المقر (الذي يستخدمه الحزب منذ سنوات في العمل السياسي والصحفي)، يعلمه فيه بكونه «فوجئ باستعمال المحل كمقر للحزب الديموقراطي التقدمي، خلافا لمقتضيات عقد الكراء التي خصصت المحل  لنشاط مؤسسة صحفية»، وينص التنبيه الذي تم توزيع نسخ منه على الصحفيين، على «امهال مدير صحيفة الموقف (السيد نجيب الشابي)، مدة خمسة عشر يوما للاذعان للتنبيه، والا قام بفسخ العقد». وقال بيان للحزب تلقت «الصباح» نسخة منه، ان الحزب يشغل المقر الحالي منذ ثلاثة عشر عاما، اي قبل انتقال ملكيته الى مالكه الحالي سنة 1999، والذي ربط الصلة بالحزب على هذا الاساس وتقاضي معينات الكراء دون ان يثير ادنى تحفظ، على حد تعبير البيان. لكن السيدة مية الجريبي، اوضحت ان الحزب لن يلجأ للقضاء وسيواجه هذا الموقف بأسلوب سياسي، فيما شدد السيد نجيب الشابي على ان الحزب لا يطلب التصعيد ولا يريد ان يخوض معركة من هذا القبيل اصلا. صالح عطية (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 18 أفريل 2007)

دعوة عامة
 
تتشرف جامعة أريانة للحزب الديمقراطي التقدمي بدعوتكم لحضور حفل افتتاح مقرها الكائن ب 24 نهج الطيب المهيري حيث يلقي الأستاذ احمد نجيب الشابي عضو المكتب السياسي و  الأمين العام السابق  محاضرة حول الذكرى المأوية لإنشاء ،، حركة الشباب التونسي ،، و ذلك يوم 20 افريل 2007

تونس أونلاين. نت

رزق صديقنا الصحفي و الاديب والناشط الحقوقي الطاهر العبيدي يوم الجمعة 13 أفريل بمولود بهي الطلعة أسماه  » تيسير »

 ونحن في تونس أونلاين نغتنم هذه المناسبة السعيدة ونتقدم إلى صديقنا و أخينا الطاهر و زوجته ماجدة  والبنية الصغيرة كرامة بأحر التهاني و أطيب الأماني سائلين الله للمولود أن ينبته نباتا حسنا . لتقديم التهاني: Tél.: 33 (0) 6 14 30 68 50 E-Mail: taharlabidi@free.fr www.tunis-online.net info@tunis-online.net


الشيخ القرضاوي في تونس!! الله ينصرك على من يعاديك

 
الشيخ القرضاوي قي تونس!! مع دموع الفرح… « الله ينصرك على من يعاديك »: تلك هي العبارة التي رددها تونسيون تجمعوا حول الشيخ العلامة يوسف القرضاوي عندما حل بمطار تونس قرطاج الدولي في الثاني من أبريل 2007، مظهرين عظيم فرحتهم وشدة غبطتهم برؤيته يحل بتونس، استبشارا بحلول « مجدد القرن » رئيس اتحاد علماء المسلمين بأرض الزيتونة ,,  وقد اندفع بعضهم يقبل يده وأخرى تدعو له بالثبات والنصر، « الله ينصرك على من يعاديك » . وقد لقي الشيخ من الاحترام والتقدير في المطار ما يليق بمكانته حيث دخل من قاعة كبار الزوار، علما أن  زيارته لم تكن ذات طابع رسمي ,وإنما كانت ذات طابع عائلي بحت (عيادة لمريض في أحد المستشفيات التونسية). وقد صحبته في هذه الزيارة حرمه الإعلامية اللامعة الأستاذة أسماء بن قادة . صلاة العصر بالزيتونة؛  مسك وعطر  في طريقه لأداء صلاة العصر بالجامع المعمور جامع الزيتونة أقبل عليه تجار السوق العربي يسلمون عليه , ويعطرونه بالمسك والعطورات التونسية مصطحبينه وهم يمشون خلفه حتى المسجد . يشار إلى أن السلطات التونسية تلقت كتابه « التطرف العلماني، تونس وتركيا نموذجا »  (والممنوع في تونس) ووقوفه إلى جانب المحجبات في أن من حقهن أن يلبسن اللباس الشرعي الذي يدن الله به..  تلقت مواقفه هذه ورسائله المتعددة عبر الفضائيات لتونس بعدم الرضى  والسلبية. (المصدر: موقع نهضة. إنفو بتاريخ 17 أفريل 2007) الرابط: http://www.nahdha.info/arabe/modules.php?name=News&file=article&sid=63


من وحي الذكرى الواحدة والعشرين لاستشهاد الطالب الشاب عثمان بن محمود بحي التضامن بتونـس

18 أبريل نيسان 1986 ـ 18 أبريل نيسان 2007.

 
ملف من إعداد: الحوار.نت ( محسن الجندوبي ـ الهادي بريك). محتويات الملف : 1 ـ من هو الشهيد عثمان. 2 ـ مقال للشيخ راشد الغنوشي بمناسبة الذكرى. 3 ـ  مقال للأخ لزهر مقداد : واحد من أكثر المقربين الملتصقين بالشهيد عثمان.

1ـ  من هو الشهيد عثمان ؟

 ـ هو : عثمان بن محمود ـ من مواليد : 1963. ـ طالب بالسنة الثالثة بالجامعة التونسية ( هندسة مدنية ). ـ قيادي إسلامي معروف بالجامعة التونسية.

2ـ  كتب الشيخ راشد الغنوشي بهذه المناسبة:

قتل عثمان بن محمود بداية حرب الاستئصال  في مثل هذه الايام من سنة 1986صعدت روح طالب الهندسة عثمان بن محمود الى بارئها بثلاث رصاصات صوبت الى راسه من مسدس شرطي كان ـ وعون معه ـ يطاردانه على متن سيارتهما الرسمية بينما كان هو يمتطي دراجته ،حتى إذا وقع  ارضا لمّا أصاباه ترجلا ، وصوب أحدهما النار الى راسه مباشرة فأرداه قتيلا.ولم يكن ذلك مجرد حادث عارض أو تجاوز للسلطة أو خطإ غير مقصود. والدليل على ذلك :  1- أن السلطة تسترت على الجريمة وقدمت الحماية للمجرم وذلك  رغم الصدى الاعلامي الذي لقيته هذه الجريمة في ارجاء البلاد وبالخصوص في الجامعة حيث عثمان يمثل رمزا طلابيا اسلاميا معروفا بدماثة الخلق والسماحة واتساع شبكة علاقاته بكل التيارات ما جعل الجميع يأسون لمصابه ويعبرون عن سخطهم واحتجاجهم لا سيما وقد تمكن الاطار الطبي من تصويره في المشرحة،وتم تسريب الصورة الى الاعلام ،فاهتز لوقع اثرها الشارع ومنظماته السياسية والحقوقية حتى أن منزل الشهيد- نحسبه كذلك إن شاء الله- تحول الى مزار استقطب كل قوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.ومع ذلك لم تحرك السلطة ساكنا غير أنها فرضت طوقا على المنزل كما فرضت دفنه في سرية كاملة شانها حتى اليوم  مع ضحايا كل الاحداث المشابهة للقتل اغتيالا أو تحت التعذيب.  2- إن قتل عثمان ابن محمود جاء تطبيقا لسياسة تم اعتمادها رسميا لتعليمات العجوز الطاغية الذي كان وزيره للداخلية يومئذ يؤجج  – من خلال تقاريره اليومية التي يقدمها له عن تصاعد  الخطر الوصولي!- نيران أحقاده على الاسلام ودعاته وما يمثلونه من خطر على مشروعه التحديثي!. وسرعان ما أتى ذلك أكله ففي اجتماع اللجنة المركزية للحزب ـ الاداة التدميرية ـ أعلن عن إرادته التي لا راد لها: أنه يريد أن يخرج من الدنيا وليس في تونس » اخوانجي » واحد، ما قدم لقوى الاسئصال وللقوى الطامحة لخلافة العجوز الدموي، المشروعية الكافية لإطلاق مسارين في نفس الوقت: مسار خطة تجفيف الينابيع وذلك بعد عزل الوزير الاول محمد مزالي الذي أخذ عليه أنه أسرف في التعريب واستقبل رموز الحركة الاسلامية في قصر الحكومة بما أعطى انطباعا عن تمش صوب الاعتراف بهم. وفي هذا السياق تم تعيين محمد الصياح وزيرا للتربية وتأسست لجنة لمراجعة برامج التعليم يشرف عليها الرجل القوي في الدولة:وزير الداخلية الزين ابن علي.وبموازاة ذلك انطلق مسار تحجيم الحركة الاسلامية والتضييق عليها ورصد كل المعلومات عنها. ولقد تنزل في هذا السياق اغتيال  القيادي الطلابي الاسلامي عثمان ابن محمود، أمل أسرته النازحة من الهامش الى أحد أضخم الاحياء الهامشية في العاصمةـ حي التضامن ـ حيث منزل والديه المتواضع جدا.كان عثمان  أمل الاسرة في الارتقاء الاجتماعي عبر التعليم. وكانت مسيرته الدراسية المكللة دائما بالتفوق، وشدة بره بوالديه وحدبه على اخوته تعزز ذلك الامل.إلا أن قوى الشر كانت لاحلام الاسرة بل لاحلام جيل بل اجيال بالمرصاد، واضعة البلاد كلها على طريق الدمار الذي ستتكشف غير بعيد آثاره. وما لبثت آلة التدمير أن أطلقت العنان لشبقها الدموي الهلع من كل صوت للتغيير ومن كل صحوة للحرية وللهوية واستعادة لكرامة المواطن والسلطة للشعب،فانطلقت بعد بضعة أشهر في ربيع السنة الموالية (مارس 1987)طبول الحرب على الاسلاميين الخصم الرئيسي وعلى الايدولوجيا التي يمثلونها، وذلك في سياق التسابق المحموم على وراثة العجوز المهجوس، حتى إذا تم لوزير الداخلية الذي ارتقى على جمجمة ابن محمود والعشرات من اخوانه الى سدة الوزارة الاولى، دفع الاوضاع الى الاقصى، الى حافة الخطر، تقدم منقذا، فكان 7/11 وكانت اعلانات التخدير والانفراج الموهوم شراء للوقت الضروري للمسك بكل الاوضاع ، كان ذلك مجرد هدنة واستراحة محارب، إذ لم تتلبث السلطة طويلا وبالخصوص بعد ما تكشفت عنه انتخابات 1989من شيخوخة الحزب الحاكم والتحول العارم للشعب لصالح الحركة الاسلامية رغبة في التغيير وتمسكا بالهوية والانتماء العربي والاسلامي لتونس.وبذلك استؤنف المساران اللذان انطلقا باغتيال عثمان ابن محمود مسار الاستئصال وتجفيف الينابيع،فكانت العشرية الحمراء عشرية الجمر التي تجمعت فيها قوى الشر في الداخل واجدة دعما غير مجذوذ من خارج راسمالي متلمظ لالتهام البلاد ودمجها هامشا من هوامشه. فعرفت البلاد حجما من القمع المركب لم تعرف له مثيلا في تاريخها، وانطلق عرابوه شرقا وغربا يبشرون بنجاحهم الباهر في القضاء على طاعون العصر :الاصولية!، باعتبارها العقبة الكؤود في طريق احتواء البلاد اقتصاديا وثقافيا وأمنيا وتوثيق العلائق مع الكيان الصهيوني، فلقد صاحب الحملة على الحركة الاسلامية مشاريع » الشراكة » ومشروع التسوية والتطبيع مع الكيان الصهيوني . وكانت آلة الاعلام تعزف معزوفات المعجزة الاقتصاديية التونسية!! وانتصار مشروع الحداثة!، والقضاء نهائيا على طاعون العصر!. غير أن  شمس الحقيقة سرعان ما أخذت تنشر أشعتها كاشفة عما خلفته تلك الخطط من تفكيك لأواصر المجتمع التونسي وتدمير بناه الاقتصادية والثقافية فتصاعدت احتجاجات المنظمات الحقوقية على قيم حقوق الانسان المنتهكة وأصوات أفواج المثقفين العاطلين عن الشغل وفشت نسب إحصائية مخيفة عن تردي جملة أحوال المجتمع التونسي :انهيار مريع لمؤسسة الاسرة:ارتفاعا مهولا لنسب الطلاق وعزوفا مريعا عن الزواج وعن الانجاب حتى غدا المجتمع التونسي الوحيد في العالم الاسلامي بل العالم الثالث:أنه مهدد بالشيخوخة حتى غدت المدرستان الابتدائيتان والثلاث تجمع في مدرسة واحدة بسبب قلة الاطفال..فضلا عن اندلاع مشكل العنف: عنف في الاسرة وعنف في المدرسة وعنف في الشارع وتفش للاجرام، ثم لا يستحي بعد ذلك بعضهم من الحديث عن استقرار الاسرة بفضل القوانين الجديدة!.فهل من عجب بعد ذلك أن يتنامى وسط الشباب الاتجاه الى العنف سبيلا الى  الاحتجاج على دولة لم تبق لمواطنيها من سبيل للاحتجاج والتغيير غير أن يتكلموا باللغة الرسمية الوحيدة التي تصر على توخيها في التعامل مع شعبها.إن حي التضامن الذي خرّج في الصحوة الاولى أمثال عثمان ابن محمود واسماعيل خميرة ……رحمهم الله، ممن اغتالتهم يد القمع هو اليوم يخرّج أجيالا جديدة من الاسلاميين كثير منهم رافضون لنهج عثمان وجيله في الدعوة بالموعظة والحسنة والتبشير بالتعددية الاسلامية والديمقراطية. هؤلاء حاملون لإدانات لذلك النهج ولأصحابه  أنهم  فشلوا  في الدفاع عن الاسلام ودعاته!!، مبشرون بديلا عن ذلك بنهج « التوحيد والجهاد » ضد « دولة الردة والالحاد »، منجذبين الى رموز الجهاد الدولي.ولم تكن المواجهة الدامية بين ثلة من هؤلاء الشباب ومفرزات من الجيش والشرطة في نهاية السنة الماضية- حسب البعض- إلا  البدايات الاولى لطلائع الطور الجديد الذي قادت اليه البلاد سياسات حمقاء للسلطة ظلت باستمرار ترفض لغة غير لغة الوصاية والقمع والنفاق في التعامل مع قوى شعبها، بديلا عن لغة الحوار والتفاوض والاعتراف المتبادل.  هذه السياسة الحمقاء التي دشنها نظام القمع باغتيال عثمان ابن محمود كادت تنتهي لا الى القضاء على الاسلام تحت مسمى الحرب على الأصولية فعقائد الشعوب وهوياتها ارسخ من أن يستأصلها جهاز الدولة، وإنما الذي يحصل عادة هو تحول طاقات الدفع من مسار الى آخر. هل ستنتهي هذه « السياسة » الى القضاء على السياسة جملة لصالح العنف بديلا، وهو ما أخذت مؤشراته تتالى في أشكال مختلفة .هل يعتبر انجازا للسلطة أن كان منتهى سياساتها الاسلامية استبدال حركة سياسية كان عثمان ابن محمود أحد رموزها وكان حي التضامن أحد قلاعها، استبدالها  بشبكات ارهابية والتهديد بتحول البلاد مسرحا لصراعات دولية؟ذلك هو الثمن الذي يدفعه مجتمع يركن الى سلطة طاغوتية حمقاء وتظل قواه منشغلة بقضايا جزئية كالميراث بينما البلاد كلها تورث لعصابة متنفذة يعيثون فيها وبها فسادا. ليس في هذا المشهد الذي آل اليه أمر البلاد تحت قيادة تعاني قصورا فكريا وضحالة قيمية وانبتاتا تاريخيا حضاريا، معززة بصمت أو تواطؤ محلي ودولي ليس في هذا المشهد ما يفتح نوافذ للامل غير التذكر بأن الحق أصيل في بنية هذا الكون وأن جهود ومعاناة وآلام ودماء أجيال من المناضلين في طليعتهم عثمان ابن محمود وسحنون الجوهري والشيخ الزرن….من أجل الاسلام والحرية والعدل من أجل تونس حرة جزء من امة العرب والمسلمين ،بلا قمع ولا إقصاء..لن يضيعها رب عادل بر رؤوف رحيم. كيف وهو سبحانه يبشرنا في هذه الصيغة القوية »وما كان ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم »أي عملكم.لم ولن تضيع دماء ابن محمود بل ستظل تطارد الوالغين فيها،وستنبت على امتداد البلاد أزهارا هي فعلا أخذت أرض الخضراء تهتز بها وتربو. »والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون ».  راشد الغنوشي. لندن في 17-4-2007  

3 ـ كتب الأخ لزهر مقداد بهذه المناسبة :

للشهادة عبق لا ينضب في ذكرى استشهاد الشهيد عثمان بن محمود كم يحلو للإنسان في بعض الأحيان أن يوقف الزمن في لحظة مضت، ليعيد تمريرها في ذهنه ببطء. يتذكر بها ذكرى يجمع بها شتات نفسه، ويخفف بها هموم الحياة من حوله، يشحن بها عزيمته التي فعلت فيها الأيام فعلها، وأذاب منها الواقع المعيش شحناتها الفياضة، ولهيبها المتأجج. وتزداد قيمة هذه اللحظات وأهميتها حين تملأها صورة رجل أكبر من اللحظة وأبعد من زمن عمره المحدود. تتكرر هذه اللحظات كل سنة لدي ولدى كل من عرف الشهيد البطل الأخ عثمان بن محمود في موعد ذكرى استشهاده ( 18/أفريل 1986) لتملأ علي صورته شاشة ذهني وتعيد الذكرى لشاب عرف بصمت واع وملأ بتقوى تصوف شفاف وزين بدماثة خلق نادرة. لقد قلت يوم استشهاده أن الله يختار الشهداء قبل استشهادهم. فكل من عرف شهيدنا وما تحلى به من خلق وما تميز به من فضائل وما سكنه من حب وتفان للبذل والعطاء والعمل يعرف أنه أمام رجل ستكون نهايته اختيار واصطفاء. الأخ الشهيد عثمان عرفته الجامعة التونسية كما عرفته أحياء تونس الغربية  ( حي التضامن/ حي بن خلدون/باردو/ الدندان/حي الزهور/منوبة/واد الليل/طبربة…) فارسا جوابا في تلك الربوع ملئ  حيوية  داعيا حركيا محبا لإخوانه ومتفانيا في خدمتهم إلى حد ليس له حدود. لا يمكن أن تحتاجه في لحظة من ليل أو نهار إلا وتجده قد سبقك إلى ما تنويان فعله.  تلقفته رصاصات الغدر يوم 18 أفريل 1986 بعد محاولة فرار كادت تكلل بالنجاح على متن دراجته بعد مطاردة من البوليس على متن سيارة قادهم إلى مكان يعرف دروبه جيدا في حي الزهور الرابع ليمر من مكان تمر منه الدراجة ولا تمر منه السيارة. ولما أيقنوا بعدم قدرتهم اللحاق به، استنجدوا ـ كعادة الجبان دائما حين تعوزه الحيلة ـ برصاصهم ( أكثر من أربع رصاصات). كان الهدف قتله وليس اعتقاله وقد قيل يومها أنهم أجهزوا عليه بعد أن سقط. اشتعلت الجامعة يومها بالمظاهرات، ومن يوم استشهاده فتح باب من البلاء على بلادنا لم يغلق بعد.  لقد عرفت دروب حي التضامن الشهيد عثمان رجل دعوة وصاحب أخلاق عالية وروح حانية على إخوانه كان صمته عبرة ونطقه حكمة. أحبه الجميع وأحب هو كل الناس.  وكانت شهادته شهادة على قتل النبل والفضيلة والأخلاق. كان قتله قتلا للربيع في بلادنا، ومن يوم استشهاده اجتاح بلادنا شتاء قاس امتد بها أكثر من عشرين سنة ولا زال يلفها.  لقد غادرنا الشهيد عثمان وتتالى الشهداء من بعده تباعا : محرز بودقة ـ بولبابه دخيل ـ الرائد المنصوري ـ عبد العزيز المحواشي – إبراهيم الخياري – زهرة التيس – مبروك الزمزمي – رضا الخميري – رضا البجاوي – عدنان بن سعيد – أحمد العمري – الطيب الخماسي – الهادي بوطيب – إسماعيل خميرة – سحنون الجوهري – مبروك الزرن – الخضر السديري  – عبد الوهاب بوصاع – حبيب الردادي ـ عبد المجيد بالطاهر- نجاة الماجري – علي الدريدي – مولدي بن عمر – عبد القادر الصويعي – عزّ الدين بن عائشة – بلقاسم بالحاج نصر – الجديدي اليعقوبي – لطفي العيدودي – كمال المطماطي – فيصل بركات – الشاذلي بن حريز – جميل وردة – صلاح الدين باباي – صالح بن حميدة عمرة – الأزهر نعمان – محمد الناصر الشارني – عبد الرؤوف العريبي- فتحي الخياري- علي نوير ….  لقد قدم هؤلاء وغيرهم وقدم شهيدنا البطل عثمان بن محمود نفسه ثمنا لحرية لا زال ينشدها الجميع  من اجل رفع للظلم والاستبداد. لقد استشهدوا جميعا في ساحة الحرية لا يحملون سلاحا سوى إيمانهم بعدالة قضيتهم وحبهم لبلدهم وإصرارهم على حقهم في الحرية والكرامة. لقد نالتهم يد الغدر بالرصاص في ساحات الجامعات أو في المعاهد أو تحت التعذيب أو بسبب الإهمال الصحي، تتعدد الأسباب والقاتل هو نفسه. والمشهد مكرر في كل مرة، كانوا جميعا عزلا إلا من إيمانهم.  لاشك في أن ملف الشهداء والمعذبين سيفتح في يوم من الأيام، وسيعلم الجميع وقتها ما عانى أبطال حركة النهضة من قتل وتعذيب وتنكيل دون جريرة ولا ذنب. وسيفاجأ الجميع بحجم المأساة التي عاشها أبناء الحركة ومدى صمودهم في وجه آلة سخرت فيها كل امكانيات الدولة من أجل استئصال حركة لم تنزلق إلى العنف رغم ما وقع عليها من عنف.  سيبقى الشهيد عثمان وبقية إخوانه من الشهداء وكل المعذبين والمساجين والمشردين والمظلومين من أبناء شعبنا وكل من مسته المحنة من قريب أو بعيد عنوان مرحلة تمد أجيالنا القادمة بعزيمة لا تنضب من أجل الدفاع عن الحق في الكرامة والحرية والعدالة وتجذير الهوية والمحافظة على إسلامهم ودينهم.  شعارهم في رحلتهم نحو دولة الحق والحرية والديمقراطية:  لا تسقني ماء الحياة بذلّـــة    بل فاسقني بالعزّ كأس الحنظــل ونبراسهم في طريقهم الشاق الطويل قول الله تعالى:  }ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون . فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون . يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين . الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم{  ـ من سورة آل عمران. الأزهر مقداد – سويسرا. خاتمة : اللهم قيض لبلادنا وأمتنا رجالا يذبون مجتمعين عن حياضها يهشون بسلاح الكلمة الحرة الصادقة عن بيضتها أعداء لدا ومنافقين جددا. اللهم إجعل يومنا خيرا من أمسنا وغدنا خيرا من يومنا واهدنا إلى خير العمل وعمل الخير. (المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 18 أفريل 2007)

 

 

ملاحظات حول نص » الهيئة العالمية لنصرة الإسلام في تونس »

 
أصدرتم يوم 6 افريل 2007 بيانا تحت عنوان « إعلان 8 مارس طعنة في الإسلام ودعوة للفتنة  » وهو ممضي من قبل السيد محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي كنص رد على إعلان هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات :حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين الصادر بتاريخ 8 مارس 2007 وفي هذا الإطار أتقدم لهيئتكم الموقرة ببعض الملاحظات. بداية أود التعرض إلى التسمية التي اتخذتها هيئتكم أي « العالمية لنصرة الإسلام في تونس » حيث تحيل التسمية باستعمال كلمة « الإسلام »إلى عدة معاني تحيل إلى مهمات مختلفة من حيث الطرح والاستتباعات العملية .لذلك رأيت من المهم مناقشة نصكم في البداية إلى الإحالات المتضمنة صلب التسمية والتي تخفي حقيقة اللجنة . في التعريف اللغوي والقرآني
الإسلام لغة هو الإخلاص والاستسلام والخضوع إلى الله .ويعني كذلك الإذعان والانقياد وترك التمرد والإباء لعناد.وتعني كذلك معرفة الله بلا كيف ولا شبهة ,ومحله الصدر.وهو مصدرا وليس اسما,منفلتا بذلك من القالب والصيغة الواحدة . ومن البين أن هذا المعني اللغوي يحيل إلى مجال الروحانيات الخالصة والتي لا تحتاج إلى نصرة مادية أو معنوية من قبل لجنة دولية وهو كذلك ذاتية عميقة وذات تجربة خاصة قصد الانقياد الذهني والقلبي إلى الله وهي لا تحتمل أي دفع خارجي. والى حدود هذا المعني اللغوي فلجنتكم لا معني لها من حيث البعد التصوري والتطبيقي.
أما في المعني ألقراني 

 فكلمة »الإسلام » بالمعني الذي استعملتموه مخالف لكلمة « الإسلام « التي وردت في القران والتي تحيل إلى الرابطة بين العباد وخالقهم ولا تقتصر على رسالة معينة بل تشمل كل رسالة سماوية, وهو ما يخالف اتجاه فهم لجنتكم والتي تعني الدفاع عن إسلام المسلمين في تونس ولكم هذه الشواهد للتدليل عن معني كلمة « الإسلام » : ورد في الآية 3 من سورة المائدة « اليومُ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً » وتعني كلمة الإسلام هنا اسم الدين الذي رضيه لعباده وهو غير مقتصر على ما تسمونه انتم بالمسلمين فقط والدليل في ذلك قوله في الاية131 من سورة البقرة         « إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِيينَ » والمقصود هنا إبراهيم الخليل حيث ورد معني الإسلام الخضوع إلى الله بالصيغة المطلقة ولا يعني الإشارة إلى الديانة الإسلامية بالذات والتحديد أي بصيغة اشمل من المعني الذي استعملتموه في تسمية لجنتكم هذا إذا لم اجنح نحو القول بتحريف المعني الأصلي للمعني القرآني . وتأكيدا للمعني الشمولي ورد في الآية 128 من سورة البقرة في دعاء إبراهيم وإسماعيل  « رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمِينَ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ » كما ورد في سورة البقرة  « يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُم الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ »   كما كان حواريو  عيسى أيضاً مسلمين  مثلما ورد في الاية52 من سورة آل عمران  « فَلَمَّا أَحَسَّ عِيْسَى مِنْهُم الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ». وورد معني الإسلام مرادف للدين وهو ما يعني تجاوز الديانة الإسلامية إلى بقية الديانات السماوية حيث ورد في الآية 19 من سورة آل عمران « إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ » وورد بالآية 133 من سورة البقرة أن يعقوب جاء أيضا بالإسلام  « أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيْهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءَابَآئِكَ إِبْرَاهِيْمَ وَإِسْمَاعِيْلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » وهو نفس الشأن عند موسي حيث ورد في الآية 124 من سورة الأعراف  « وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَـَّما جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ » هذا من ناحية المعني الوارد في القران وهو معنى مخالف لما ذهبتم إليه في استعمالكم لكلمة الإسلام حصرا على أتباع الديانة الإسلامية في تونس.
 « الإسلام « الاصطلاحي والتاريخي
تستند كلمة « الإسلام » اصطلاحيا على معني المسلم والذي يعرف أي المسلم على انه المنقاد طوعا بالأحكام وللأحكام الشرعية ومنه المسلمون اللذين يؤسسون الديانة الإسلامية,وهو المعني الذي قصدتموه أي « لجنة عالمية لنصرة المسلمين في تونس » ويعود هذا التوضيح المختصر لأطرح عليكم لماذا اخترتم كلمة « الإسلام » بالاطلاقية وتركتم المسلمين أو أتباع الديانة الإسلامية في تونس بالتخصيص.  – أما من الناحية الفكرية فان استعمالكم كلمة نصرة الإسلام فهذا لا يحيل إلى معنى لكون الإسلام مفهوم والمفهوم لا يستحق من يدافع عنه لأنه موجود, والشيء الموجود, الدفاع عن وجوده من عدمه لا يعني شيء لأنه لا يؤكد وجوده ولا ينفيه ما دام هو موجود . مما يعني في هذا السياق وفي المعني الذي فهمته أي لجنة دولية لنصرة الديانة الإسلامية في تونس وهذا أمر أخر من حيث المعني والدلالة والطرح والمهام.وهو ما يعني من البداهة أن الديانة الإسلامية في تونس مهددة ووجب تكوين لجنة دولية لنصرته ,وإذا كان هذا القصد الذي ذهبتم إليه, فانا بدوري أريد أن اعرف من يهدد هذه الديانة  في وجودها واجتثاثها من تونس والحال أنكم انتم أنفسكم تقولون في النص:  « أنه عقيدة عموم التونسيين وشِرعتهم ومنهاجهم، وهو الدّين الرسمي للدّولة التونسية، والركيزة الأساس لهوية البلاد التونسية؛ » – أما من حيث وقائع الأمور والتي اعرفها جيدا كون الصراع ضد الدكتاتورية في تونس لا تدور رحاه على قاعدة فريق يهاجم المسلمين ويحاربهم وفريق يدافع عنهم ويناصرهم, وليس هناك نزاع ديني أو مذهبي بل صراع سياسي بين قوي مدنية ديمقراطية ونظام حكم مستبد . – أما الصراع الدائر بين النظام والإسلاميين فهو صراع سياسي بين خصمين سياسيين مثلما هو دائر بين النظام والشيوعيين والقوميين والاشتراكيين ولليبراليين والقوي الحقوقية والاجتماعية والنقابية التونسية ,وما مهاجمة النظام للإسلاميين بطرائق أشرس,فذلك لطبيعة المواجهة بين هاذين الفريقين إذا ما ذكرتكم أن الإسلاميين هم بدورهم هاجموا الدكتاتورية الحالية بقصد الإطاحة بها بعدما كانت علاقتهم طيبة معها. وأمام تعقد الوضع السياسي وهيمنة السلطة وتوجيه آلة القمع في كل الاتجاهات   جعل خصوم النظام السياسي التونسي يلتقون في هيئة 18 أكتوبر  للدفاع المشترك عن مصلحة مشتركة وهو الحريات السياسية التى ينتفع منها الجميع. فيما عدي ذلك لم يحصل إلى حدود اللحظة حرق مساجد ولا إعلان حرب على الديانة الإسلامية, وغلق المساجد في  أوقات الصلاة يتعلق بالصراع السياسي الدائرة مع النظام بين قوتين تراهنان على المسجد لقلب موازين القوي السياسية في المجتمع مما جعل على سبيل المثال حركة النهضة التونسية تعلن رسميا عن تخليها عن استعمال المساجد والدعوة إلى الحفاظ على حياديتها فيما يستمر النظام إلى حد الآن في توظيف المساجد باسم الدين وليس مناهضة للدين ,كما تستعمل قوي أخري المسجد إلى حد الآن مثل الدعوة والتبليغ والسلفية الوهابية وحزب التحرير وفرق مذهبية أخري مختلفة فيما يتردد الأغلبية المطلقة من المصلين من المسلمين إلى المساجد والتي تجد روادها في بعض الأماكن يصلون في الشارع لضيق مساحة المسجد.  وحدهم الديمقراطيون التونسيون يناضلون ضد الاستبداد بمنأى كلى عن المسجد .وفي هذا الإطار  أقول لسيادتكم الحقائق التالية حول النظام الفاسد والدكتاتوري في تونس . – هو نظام يعتمد من بين اعتمادا ته على الدين الإسلامي و يوظفه لصالحه وهو مهيكل لإسلام رسمي مثل النظام السعودي والإيراني  والأنظمة العربية الإسلامية التي توظف الدين لحساباتها السياسية والفرق الوحيد أن هناك تفاوت بين هذه الأنظمة فرضته تطورات تاريخية أو خصوصية أو تغيير الأغلفة من نظام إلى آخر  ففي تونس الآذان يذاع في وسائل الإعلام الرسمية خمسة مرات بما فيه التلفزة الرسمية ويقع ذلك تحت مراقبة الدولة وبتأطير مباشر منها والمصحف يطبع في تونس ويدرس في الأساسي والثانوي وبن على يبدأ خطاباته بالبسملة وينهيها بآية قرآنية  والحال إنني لست من اللذين يبحثون في ضمائر الناس فمن قال إن بن على ليس مسلم الم يكن الحكام المسلمين في الماضي مرجعا دينيا وهم اكبر مستبدين وأعظم فاسدين على وجه الأرض . – أن الدستور التونسي والقوانين السارية المفعول في تونس لها سند شرعي أرساه علماء جامع الزيتونة ومن عاصرهم من المصلحين وانه ناتج عن حالة اجتهادية تارة سلفية وتارة مقاصدية وتارة توفيقية ورغم ذلك لم ينفع ذلك ولم يحمي التونسيات والتونسيون من بطش النظام لان العلة ليست في مدي مطابقة الدستور والقوانين للشريعة الإسلامية بل هي تعميق وتدقيق اكبر في موضوع الاجتماع البشري وتأسيس نظام سياسي قادر على إرساء دولة الحق والواجب.  وأعود لأطرح عليكم ما هي مشروعيتكم التي خولت لكم نصرة الديانة الإسلامية في تونس وتدويلها  والحال انه دين الأغلبية ؟ ومن أوكلكم هذه المهمة ومع من صغتم آليات نصرة الديانة الإسلامية في تونس؟ ألا يعتبر هذا توظيف للدين مثلما يفعل النظام الحالي الذي يعتبر نفسه حامي الحمى والدين ومثل الحركات العنفية الرافعة للواء الدفاع عن الديانة الإسلامية . ومن هي الحركات الوثنية التي تريدون صدها ؟ وخلاصة القول في هذا الباب أن رايتكم هو رأي لا يتجاوزكم والأصل فيه رؤية سياسية ووجهة نظر في القراءة والتأويل متشددة ومنغلقة على ذاتها حد نعتكم الآخرين بمعاداة الديانة الإسلامية وهو نفس المنهج التكفيري الذي أسس للخراب في التاريخ العربي والإسلامي. أما في ما يخص موضوع ردكم على نص هيئة 18 اكتوبر للحقوق والحريات : ذكركم منذ البداية أن هيئة 18 أكتوبر انطلقت من ثلاثة شعارات أساسية وذكرتموها بتحريف المحتوي الأصلي للشعار الثالث الذي نص على « إطلاق سراح المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام » وليس كما ذكرتم « إنهاء معاناة المساجين السياسيين « والفرق بين ما ذكرتم والمطلب الأصلي فرق شاسع يخص التأصيل السياسي وتجذ ير المطالب التي دافعت عنها أجيال وليس اختصارها في صياغة مبهمة لا تحيل صراحة على إطلاق السراح ولا عن عودة المغتربين ولا إلغاء الأحكام التكميلية التي تخص على الأقل المصرحين ولكنها تبقيهم رهائن للبوليس  كما ذهبتم إلى ذلك وهو ما يبين منذ البداية عدم اطلاعكم على عمق أطروحات المطالب الثلاثة.بالإضافة إلى كون الشعار الذي وضعتموه بدل الأصلي فضفاض ولا يحتوي على معني مطلبي ونضالي سياسي .   المغالطة الثانية التي أوردتموها في قولكم منذ بداية النص تتمثل في عدم ذكركم الإطار الذي صدرت عنه الوثيقة المتعلقة بالمساواة وهي « منتدى الحوار » الذي أسس بذات الفترة التي أعلن فيها البيان التأسيسي للهيئة والذي أعلن كأهداف طرح أهم الموضوعات قصد توسيع مجالات الاتفاق وتبيان مواقف الخلاف من اجل إحداث إمكانية حقيقية لتطوير الهيئة إلى ما هو ارقي من هيئة عمل والابتعاد عن كل ما هو تخميني وقبلي .   أما فيما يخص المطالب الثلاثة فهي الأدنى المتفق عليه والمنتدى هو محاولة لتطوير هذا الأدنى والتطوير لا يعني بالضرورة الاتفاق المطلق بل القدرة على الوضوح في المواقف. وأوردتم أن الهيئة العالمية لنصرة الإسلام: « إنها تعرب عن استغرابها من إشادة هيئة 18 أكتوبر بمجلّة الأحوال الشخصيّة والاتفاقيّات والمعاهدات الدوليّة – مع أنّها عمل بشري لا يخلو من نقص وقصور – لحدّ تلبيسها بمسوحِ قداسةٍ! تجعل كلّ من يخالفها عُرضة  » للتعقّب بتهمة التمييز ضد المرأة وفتح حقّ التقاضي في شأنه لكلّ المنظّمات والهيئات ذات الصّلة « [3] – كما توعّدت بذلك الهيئة! – متعامية في الآن نفسه عمّا جلبته هذه المجلّة ولواحقها القانونية، من بؤس وشقاء على كلٍّ من المرأة والأسرة التونسية. »   الاستنتاج الذي ذهبتم إليه من اعتبار أن هناك مسحة قدسية على مجلة الأحوال الشخصية هو استنتاج لا وجود لما يسنده في إعلان هيئة 18 أكتوبر لا تلميحا ولا تصريحا بل إن صياغة النص والطريقة التي وردت بها تدلل على عكس استنتاجكم غير الموضوعي وغير المنطقي .   أما في ما يخص عدم قبولكم لمجلة الأحوال الشخصية والتي تبنتها حركة النهضة الإسلامية في هذا الإعلان أو في الميثاق الوطني سنة 1988 وكذلك في نص هيئة 18 أكتوبر بباريس في 8 مارس 2006 وما أوردوه من دفاع عن موفقهم بالطرق الشرعية يدلل على أن هذه المجلة مقبولة على الأقل من جهة  مجموعة ذات مرجعية دينية إسلامية  تونسية ويعني هذا أن قراءة مجلة الأحوال الشخصية متعددة الأوجه مما يجعل موقف الطعن الشرعي فيها مردود على أصحابه من الناحية العملية والفكرية .أما إذا كنتم تعتبرونها مخالفة للشريعة الإسلامية فذا شانكم ما دمتم متمسكين بماضويتكم ونضرتكم السطحية وعدم قبولكم بأي تطور فكري أو اجتماعي .ولكن ليس من حقكم اتهام الآخرين بالخروج عن الدين وكأنكم الأوصياء الأواخر عن فهم الدين والدفاع عنه ,وليس من حقكم اعتبار من ناصر مجلة الأحوال الشخصية وتبني المعاهدات الدولية اتهامه بمعاداة الإسلام لان في ذلك ضرب من المزايدة التي لم تعد تنطلي على أي احد بعد ما عانته الحضارة العربية الإسلامية من مثل هذه الأفكار.هذا وإني لن ادخل معكم في جدل فكري وتاريخي يخص هذا الموضوع بالذات . أما ما زعمتموه من نتائج سلبية لمجلة الأحوال الشخصية مدللين بذلك بنسبة الطلاق في تونس فهذا بدوره استنتاج سطحي وغير موضوعي وادعوكم إلى المزيد من الاطلاع لتكوين أفكار سليمة حول هذا الموضوع لأنه لا يمت بصلة إلى المبادئ التي احتوتها مجلة الأحوال الشخصية ولا علاقة لها بهيئة 18 أكتوبر المعارضة للنظام القائم الذي تنخره الأزمة . ذكرتم بان هيئة 18 أكتوبر     » لم تتردّد في الجراءة على دين الله بالطّعن في شرعه تلميحا وتصريحا واصمة إياه – وحاشاه – بالحيف والتمييز والتقاليد البائدة! وتكريس دونية المرأة ».   يتبين مما أوردتم قدرتكم على تشويه النص الأصلي لخدمة تحليلاتكم ,فأين يوجد في النص الأصلي لهيئة 18 أكتوبر الربط بين التقاليد البائدة وتكريس دونية المرأة والحيف والتمييز والدين الاسلامي,هل ذكر النص مثل هذا وانتم تقولون الطعن في دين الله تلميحا وتصريحا فأين هو التلميح وأين هو التصريح ,وحال الأمر قول النص التقاليد في معناها السلبي والمخالف لحرية المرأة ونقد النظرة الدونية لها أم تراكم من بين هؤلاء الذين لهم نضرة بائسة للمرأة وانتم من أنصار تقاليد الحيف والتمييز مما هز في أنفسكم الحمية للبائد . و  من البين أن هذا الفهم للدين يحذف المناهج العقلية والعقلانية في التعامل مع النص وهو منهج ينكر المنزع الاجتهادي والعقلاني من المعتزلة والرشدية إلى المدرسة الإصلاحية الحديثة والاجتهاد النهضوي العربي لأواخر القرن التاسع عشر وكل ما أنتجته من قراءات واجتهادات كما انه يعادي المنهج ألمقاصدي الذي يعتبر مكسبا في القراءة والتأويل ويعادي ما أنتجه العقل البشري من قيم كونية .   ومن البين كذلك أن هذا التذكير بان الشرع الإسلامي منزل من الله يعني استمراركم في الخلط بين مجالات التفكير والمهام المطروحة وجهل لأبسط أبجديات عمل هيئة 18 أكتوبر التي تعمل في مجال السياسي والمدني وليس في مجال الديني والاخلاقوي وهذا الفصل بين المجالات هو المنهجية الداعية إلى التوحد من اجل مقاومة الاستبداد على قاعدة الحرية للجميع وليس من منطلق مذهبي عقدي ضيق مثلما ذهبتم إليه في رأيكم هذا. وذكرتم  » إن الهيئة العالمية لنصرة الإسلام تعلن تضامنها مع النساء؛ باعتبارها نُصرة المظلوم – رجلا كان أو امرأة – واجبا شرعيا، كما تُبدي الهيئة مساندتها لكلّ جهد صادق مخلص في تمكين النساء من التمتّع بجميع حقوقهنّ الشرعية في العلم والتعلم والتعليم والعمل، وحريتهنّ في اختيار الزوج عن رضى[5]، وحقهنّ في ممارسة مختلف المناشط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ونحوها؛ على أن يكون كلّ ذلك وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية وهَديِها؛ »    من الواضح أن هذه الفقرة من حيث الذهنية العامة التي صاغتها لا تزال تعيش في القرون الوسطي متجاهلة أن الحقوق اليوم هي مدنية وليست شرعية ويمكنني أن أتفهم أن تكون هذه المدنية غير متناقضة مع روح الديانة الإسلامية وجوهرها أما أن تدعوا إلى الاحتكام إلى الشريعة فهذا يعني منذ المنطلق الدفاع عن الدولة الدينية وهو موضوع خلاف جوهري بين الطرح الديمقراطي للمسالة وما أوردتموه من تصور عقدي للمجتمع وللمرأة .   أما هيئة 18 أكتوبر فليس هذا منطلقها الذي تأسست عليه بل إقرارها بالحد الأدنى المشترك وما تطرحونه لا يمثل الأدنى بل يقيم التناقض على أشده من البداية وعليه فان مساندتكم لهيئة 18 أكتوبر وفقا لشعاراتها الثلاثة هو من محض التكتيك والانتهازية وليس على أسس مبدئية في الدفاع المشترك ضد كل أشكال إهانة التوانسة مهما كان مصدرها ومنطقكم هذا وهو طرح شمولي وعقدي خطير يؤسس لنهج التصفية . ذكرتم حالة المرأة في عهد النبوة وما تلاه من عهود الإسلام .  » مثلما كان حال المرأة في عهد النبوّة، وفيما تلاه من عهود الإسلام الزاهرة، بمنأى عن كلّ الأعراف المبتدَعَة المُزرية بقدر المرأة، والتقاليد والعادات المبتذَلَة المُهينة لكرامتها، والمخالفة لشريعتها، وكذلك بعيدا عمّا نشهده اليوم من مهاترات، ومتاجرة بشعار المساواة، والحرية النسوية، وافتعال المعارك والصّراعات الوهمية، أسوة بتجربة المرأة الغربية. » ولكن تغافلتم على مسالتين على الأقل :أولا نحن الآن نطرح المسالة من وجهة ما بلغته الإنسانية من مفهوم للمواطنة وهو معني لم يكن واردا في ذلك العهد ,لقد تغير العالم برمته ولم يعد مكان ترعي فيه الإبل وتستعبد فيه المرأة حتى نتحدث عن إطلاقها حرة بالمعني القديم. أما ثانيا:تتحدثون عن المرأة في عهد النبوة وما تلاه من عهود الإسلام وكأننا لا نعرف تاريخنا وكأنكم تحدثوننا عن المدينة الفاضلة. والحال أنها أي هذه المدينة الفاضلة لم توجد بتاتا في التاريخ العربي والإسلامي وإذا ما أردتم فتح هذا الملف فلا بأس من ذلك لتنسيب الأمر بعض الشيء عندكم. أوردتم في النص « إن الدّعوة للمساواة الكاملة – على ما فيها من إغراء – تحمل السمّ في الدّسم لما تنطوي عليه من مخاطر على المرأة والأسرة والمجتمع على سواء؛ ولا أدلّ على ذلك من تجربة المجتمعات الغربية الماثلة اليوم أمامنا؛ حيث استحالت المرأة فيها سلعة تباع وتشترى في أسواق الدّعاية والابتزاز، والاستغلال بكافّة أشكاله وصنوفه وألوانه، وذلك باعتراف عقلاء الغرب نساء ورجالا. والعاقل من اتعظ بغيره؛ فهل من مدّكر؟! «    انتم تتحدثون عن مظاهر مرضية في المجتمعات الغربية ولكن لماذا تصمتون عن المرأة الغربية التي تشكل أغلبية هذه المجتمعات وهي تناضل في كل أوجه الحياة وتحقق الانتصارات بجانب الرجل وهي الأم التي تربي الأجيال على المبادئ الديمقراطية ,وهو المجتمع الذي تعيشون فيه وقد استقبلكم وفتح لكم باب الحرية بدون أي عقد وخاطبكم بنفس القوانين التي يتخاطبون بها فيما بينهم وهم يكتبون عن الحب وعن العدل وعن المساواة وعن الحرية وفيهم من يدفع من ماله وصحته لمقاومة الفقر في العلم والسيدا وفيهم من هم من النساء من يدعمنا في نضالاتنا ضد الدكتاتورية فلماذا كل هذا الجحود والإنكار للحق والابتعاد عن كل موضوعية في حديثكم عن المرأة الغربية هل المجتمعات الإسلامية اليوم خالية من بيع وشراء النساء في سوق النخاسة الجسدية بدءا من السعودية إلى الإجراميين الذين يحكمون السودان باسم الشريعة إلى دول النفط الخليجي إلى المجتمع الإيراني ,ولكن أنا انسب الأمور فهناك تفاوت وهناك خلل لابد من مقاومته ولكن ليس من نفس الأطروحة التي تقدمونها والتي تنظر إلى الأشياء من منظار واحد .  ثم من هم عقلاء الغرب اللذين تشيرون إليهم غير أنهم رجالا ونساء يكافحون من اجل معالجة مشاكل مجتمعاتهم ولكن الفرق بينكم وبينهم أنهم ديمقراطيون ودعاة مساواة بين النساء والرجال وانتم ضد هذه المساواة بدعوي الشرع الإسلامي وهو ليس سوي أفكاركم انتم والتي ترفعون من شانها وتلبسونها هالة التشريع . وذكرتم  » إنّ من حقّ خصوم الإسلام سواء كانوا من بين أعضاء هيئة 18 أكتوبر أو غيرهم، أن يكون لهم فهمهم، أو رأيهم الخاصّ المخالف للإسلام ونهجه القويم، الذي قرّر منذ أربعة عشر قرنا أنه { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } [البقرة: 256] بيد أن وجودهم في مثل هذه الهيئة أو في سواها من الهيئات والمواقع والمنظّمات أيّا تكن حكومية أو شعبية، وطنية أم أجنبية، فإنّ ذلك لا يعطيهم – وهم فئة قليلة – شرعية الاختيار ولا صلاحية التقرير لأغلبية الشعب التونسي.  »   أريد أن اعرف من هم خصوم الإسلام من هيئة 18 أكتوبر وكيف صنفتموهم وما القواعد الشرعية والضوابط الفكرية وممارساتهم السياسية والفكرية والمدنية التي جعلتكم تضعونهم في موقع خصوم الإسلام.وفي هذا الإطار أعود إلى معني »الخصوم »حيث ورد في الآية  » وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشتط وأهدنا إلى سواء الصراط » ومن الواضح أن المعني الوارد أن الخصوم والخصم والخصومة تعني النزاع بين على الأقل طرفين واستعمالكم كلمة خصوم الإسلام بالاستعمال الاصطلاحي تعني أن هناك نزاع بين بعض أطراف هيئة 18 أكتوبر والمسلمين في تونس وان موضوع النزاع هو الدين الإسلامي. فهل هذا صحيح وهل هو منطقي حتى يصدر عمن في رأسه عقل.   ومن البين أن هذا المنهج في المعالجة يقوم على حالة التفضيل والتفاضل في التركيبة التي تقوم عليها هيئة 18 أكتوبر بين خصوم الإسلام والمدافعين عنه وهذا المنهج في الفهم والتحليل هو معادي تمام المعاداة للمواطنة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد وهو ذات المنهج المحيل إلى التكفيرية ,فلا معني آخر لكلمة خصوم الإسلام خارج معني الكفرة والكفر واتهامهم الصريح .   أما الفكرة الثانية الواردة في هذه الفقرة والتي تتناول صلاحية التقرير لأغلبية الشعب التونسي فهي مجانية وفجة لأنه بنفس المنطق ما هي الصلاحية لديكم حتى تنتصبوا المدافعين عن الإسلام فهل انتم أغلبية ؟ وما هي مدللاتكم  في أن « وهم فئة قليلة  » وان هم كذلك, ألا تعتقدون في أن كم من فئة قليلة هزمت فئة كبيرة من مثل أهل تفكيرهم التكفيري. وذكرتم في النص مثال الفتاة التي تعرضت للمحاكمة بسبب شربها للخمر واعتدائها على والدها واستنتجتم « بما لا عهد للمجتمع التونسي به من قبل  » وهذا مجانب للصواب لان هذه الحادثة معزولة ولا يمكن التدليل بها على أية قصة من قصصكم ومن ناحية الاستنتاج فهو غير سليم بدوره لان مثل هذه الحالات المعزولة وقع ما أشنع منها في المجتمع التونسي من قبل ولا يمنع هذا لمثيلاتها من المظاهر المعزولة للوجود سواء في تونس أو في بقية مناطق العالم لان الإنسان كائن نسبي والمجتمع يخضع إلى تناقضات مدهشة وكان هذا في كافة المجتمعات وكافة العصور بما في ذلك المجتمعات العربية والإسلامية الأولى والإشكال ليس هذا بل في كيفية صياغة المبادئ العامة للمجتمع وكيفية معالجة مثل هذه الظواهر مما يعني أن المثال الذي قدمتموه لا يعني ولا يؤسس لأي تدليل عن ظاهرة تدين المجتمع . أما في ما تبقي من الأمثلة التي قدمتموها فهي لا تبدوا معقولة من جهة رد أسبابها وطرائق علاجها لأنها شان المختصين في علم الاجتماع والطب النفسي وغيره. وذكرتم في النص « إنّ تحسين وضع المرأة وضمان حقوقها، يقتضي – في تقديرنا – حركة إصلاح شامل للمجتمع التونسي كلّه برجاله ونسائه، وكافّة مؤسّساته وتشريعاته، على وفق المنهاج الإسلامي من الإيمان والحقّ والعدل والاستقامة والصلاح والتقوى والإيثار والرحمة. » من الواضح في هذه الفقرة عدم إقراركم بالمساواة بين المرأة والرجل وأنكم تعتبرون كل دعوة إلى المساواة هي دعوة لمعاداة الإسلام وأنكم تدعون إلى « تحسين وضع المرأة  » ويعني التحسين بالنسبة لكم التراجع عن مجلة الأحوال الشخصية وعدم إقرار المعاهدات الدولية الخاصة برفع كل أشكال التمييز والعودة إلى مقترحاتكم الخاصة بوضع المرأة وفي هذا الإطار بالذات أريد أن اعرف من سيادتكم ما هي القوانين والضوابط التي تريدون صياغتها . لان ما تطرحونه عمومي إلى درجة أن لا معني له مثل « وفق المنهاج الإسلامي » والحال أن هناك مناهج واجتهادات في الإسلام تخص هذا الموضوع بالذات وليس منهاج واحد كما ذكرتم وتضيفون « والحق والعدل والاستقامة والصلاح والتقوى والإيثار والرحمة « , وهذا ما ورد في معناه الحقيقي في المعاهدات الدولية وكذلك في مجلة الأحوال الشخصية التونسية . كما تعرضتم  في سياق النص إلى الائكية وكأنها الشر الأعظم والخطر الذي يهدد الإسلام وتقدمونها على أنها ضد الدين وهذا الأمر لا يمكن أن يصدر عمن  له دراية عن الائكية ومبادئها التي تعني الحكم المدني ومجتمع المواطنة حيث لا اضطهاد على قاعدة التشيع المذهبي والانتماء الديني أو غيرها من ضروب البطش مثلما وقع ويقع في الدول العربية والإسلامية اليوم كما أن الائكية ليست معادية للدين بل بالعكس هي ضمانة لاحترام الديانات والمتدينين يمارسون شعائرهم الدينية بكل حرية.أما من الناحية العملية من هم الآن في أمان أكثر من غيرهم هل المواطنات والمواطنين اللذين يعيشون في الدول الإسلامية أم الدول الائكية الغربية التي تهاجمون نسائها وتشهرون بإحكامها وانتم تنعمون بالحرية العقدية والمدنية فيها . ولكم حسن الفهم لطفي الهمامي عضو هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات بباريس. باريس في 18 افريل 2007


ملاحظات حول المبادرة الهاشمية

بقلم : بشير العبيدي alchatibi@yahoo.fr قرأت بعض الحوارات والردود المختلفة، التي تراوحت في مجملها بين القدح والمدح، حول ما اقترحه السيد الهاشمي الحامدي في مبادرته. ورغم أنني من أبعد أترابي عن الخوض في أمور السياسة عامّة، والسياسة القطرية على وجه الخصوص، إلا أنني بحكم بعض النّشاط الذي أقوم به في مجال الحوار الثقافي بين المواطنين المسلمين وغيرهم من المواطنين الأوربيين، رأيت أن أفيد بني جلدتي  بمشاركة، فأطرح بعض وجهات النظر البسيطة لعلها تسهم في إثراء الأفكار الحوارية، وقلت في نفسي : نحن للحوار فيما بيننا أحوج منه فيما بيننا وبين غيرنا، وبالله التوفيق. وليعذر أهل السياسة ما قد يكون من الزلات، فلست من أصحاب هذا الاختصاص. من حيث الأصل : – لا أظن أحدا يرفض في المطلق ما دعا إليه السيد الهاشمي الحامدي. ومن أبى الصلح وأعرض عن رأب الصدع بين أبناء المجتمع التونسي، وبين أبناء الإنسانية على وجه العموم، فلا بد أن يكون وراء ذلك سبب ما، من جرح لم يندمل أو غرض لم يعرف بعد. لكن الباحث عن إصلاح ذات البين، لا بد له من وقت طويل وجهد جهيد حتى يستمع إلى آلام المتألمين ويفهم رفض الرافضين وسبب ركض الرّاكضين، كي يكون الدواء بعد ذلك منازلا لخطر الداء، ويكون الترياق قاطعا لأصل الأذى، فذلك، والله أعلم،  أبلغ في الصلح الصحيح من التسرّع المفرط في الحماس، ناهيك أننا، نحن معشر العرب، قد عُرفنا في زماننا هذا بضرب من غلبة العواطف والانفعالات… – الجموع التي خرجت من تونس منذ ما يقارب العشرين سنة بفعل المشاكل السياسية، استقر بها المقام في الخارج في أغلبها الأعم، وعروقها امتدت في البلدان الأجنبية، وابتاعت المنازل، وتجنّس العشرات منهم، وتزوج أبناءهم وصار الكثير منهم أجدادا، وتداخلت مصالحهم المرجحة للبقاء في الخارج. ولكن لا مانع أن ينظم الشعراء قصائد في الحنين إلى الأوطان، بيد أنه، إذا قسنا الأمور بميزان المنفعة الفردية الصّرفة، فمنفعة العودة إلى الديار التونسية المرغوب فيها لا تتعدى، في نهاية التحليل وفي أكثر الأحيان، رغبة تدارك التنعم بملاقاة الأهل والأحباب، ولم لا شمّ رائحة الربيع والصيف في تونس، وتذوق زيت الزيتون كما قال السيد الهاشمي. وهذه المنافع الفردية لو نظرنا إليها بتمعّن، يمكن تعويض قدر منها كبير، عبر الزيارات والرحلات العائلية التي تتم الآن من وإلى تونس من طرف العائلات دون مشاكل تذكر. إذن، فما سبب رجاء المصالحة والحالة هذه؟ عندي، أن المصالحة لا يصحّ أن يُفهَم سببها إذن سوى إرادة خير حقيقية موجودة في أفئدتنا جميعا لوطننا الذي نشترك في محبته، وهي بذلك أبعد أن تكون رغبة جامحة وجماعية في العودة للاستقرار في تونس، اللهم عند بلوغ سن التقاعد، وربما كانت العودة الصرفة مما ينطبق عليه قول المثال العامي، « يأتي الغافل ويفرّ الجافل »… – نظرا لطول المدة ومفعول الزمن والملل الذي هو طبيعي في الإنسان، فإن كثيرا من الضغائن السياسية في طريقها إلى الكمون شيئا فشيئا، كجمر مغلف بالرماد، لتطل برأسها في سلوك أجيال أخرى، على شكل ما حصل لنجل السيد الفاضل البلدي. ثم ما الخوف من هؤلاء المهجّرين، لا سيما أن الجموع التي غادرت تونس، لم تصبح في أغلبها ولا في أقلها جهابذة ترتعد منها الأنظمة، لا في السياسة ولا في العلوم ولا في الأعمال ولا في المعارف والآداب. هذا دون أن نبخس ما قام به البعض من مجهودات فردية كبيرة في نشر الثقافة والتربية وتأسيس المراكز والنشاطات المقوية للحضور العربي الإسلامي في المهجر. – أما الذين اكتووا حقيقة بنار الفتنة والفرقة فهم من الذين رابطوا داخل المجتمع التونسي من أبناء الشعب وخاصة منهم الذين ذاقوا السجون، الصغيرة  منها والكبيرة. إن النار التي اكتوى بها هؤلاء مع عائلاتهم لاذعة حقا، ولا تقارن بحال من الأحوال بعذابات الذين هاجروا، مع احترامي الكامل لبلاء كل فرد. – لكن مهما بلغ بنا الألم في مصابنا، لا يحق لأحد عاقل يعرف قدر الحكمة وموازين النظر، أن يقارن ذلك بفتنة مجتمعاتنا في الجزائر أو في المغرب أو في ليبيا فيما أصابهم في سالف الأيام. فليس نظام بن علي في تغوّله وصلفه بأسوأ من تجارب أخرى، لأنه جعل لنفسه حدّا، فلم يمعن في القتل والتذبيح الجماعي وهو كان قادرا على ذلك. وسواء أحجم الحكم عن ذلك جبنا من لدنه، أو حكمة فلتت منه، فالنتيجة هي أن مصابنا في الجملة أهون منه عند إخواننا من العرب والمسلمين، نسأل الله لنا ولهم النجاة من شرّ الفتن. وليس ذلك أبدا استنقاصا من معاناة إنسان مظلوم مهما هانت، أو تهوينا من ممارسة متنكّبة عن صراط العدل صدرت من أحد مهما صغرت، ولكن الباحث عن الحق محتاج لا محالة لآلة القياس وماعون المقارنة، تفويتا لانخرام منطق الأشياء، عندما يعزّ المعنى ويطفح الكيل جرّاء قلّة الفهم. – في رأيي، استقرّ في وعي التونسيين عامة شيئان : أن نظام تونس لن يفلح  أبدا في القضاء على الحركات الإصلاحية المعتدلة التي تتخذ من الإسلام مرجعية لها، مهما فعل وجفّف وأرعد وأزبد. وبالمقابل، يشعر التونسيون في الجملة أن تونس لا يمكن أن تحكمها حركة إصلاحية إسلامية شمولية مهما حاولت أن تفعل، سواء بقوة الانتخابات أم بقوة العسكر. دعنا من البحث عن تفسير ذلك بموازين القوى الإقليمية والدولية أو ضعف دويلات الاستقلال أو موت العصبيات، أو غير ذلك من الأسباب. قد يبدو هذا تناقضا صارخا أيها القارئ، لكنها تبدو لي حقيقة ساطعة استقرت في وعي التونسيين الجمعي، لا ينكرها إلا جاهل أو جاحد، أو هكذا يبدو لي. فأهل تونس، في جملتهم، لا يحبون التفريط في مرجعيتهم العربية الإسلامية. ودعنا من تفسير ذلك حينا بتأثير مدرسة الإخوان في السبعينات، وحينا آخر بتأثيرات قنوات الفضاء ومشائخ النفط الخليجي، فليس التديّن التونسي بمثل هذه السّهولة الغريبة ينبت ويستشري، فالدّين ليس من الأعشاب الطفيلية في تونس، ولنسأل في ذلك من لهم شأو في علم العمران وقدم راسخة في الرّصانة العلمية. ثم هم بالمقابل ليسوا مع التفريط في دولة وفرّت لهم، لحدّ الآن، كثيرا مما لم يتوفر لجيرانهم في بلدان شمال إفريقيا، ودعنا من تفسير ذلك بجبن التونسيين أو ميلهم للمسالمة في طبائعهم أو بمفعول انبساط عمرانهم على المسطّح من الجغرافيا والسّطحي من التاريخ. وعلى هذا، يبدو لي أن بين الحركات الإسلامية الوسطية والنظام التونسي، أعطى التونسيون في وعيهم الجمعي  بما يشبه قسمة العدل لكل من الطرفين حسب ما يستأهله، ولا يجتمع الناس على ضلالة. – يتابع المرء شؤون بلده فيكوي فؤاده تساؤل بغيض : هل يمكن لمن استحكمت في قلوبهم الشحناء والشكوك ممن اختلطت مصالحهم الشخصية المعتبرة بمواقفهم السياسية المعبّر عنها، ممن هم قادة ورموز في النظام أو وفي العائلة السياسية ذات المرجعية الإسلامية الوسطية أن يتجاوزوا ما حصل من حروب طاحنة؟ ثم ما العمل عندما يتراءى لذوي النظر أن الأمر صار من بعض وجوهه محض تورّم لسرطان الحسد الشخصي بين هذا وذاك؟ هل نكتفي بترديد قول الشاعر : لله درّ الحسد ما أعدله    ابتدأ بصاحبه فقتله ؟؟؟ فننتظر موت المتحاسدين حتى نتصالح؟ لعل هذا الأمر هو الذي قد يشجّع الإرادات الصادقة على التنادي لتجاوز المرحلة السابقة بما لها وما عليها، والتنكّب عن ذلك ربما يسمح بتفويت الفرص على شباب القطر التونسي الذي قد نورّثه لا قدّر الله البغضاء والشحناء وقلة حب البناء. –  يلاحظ المتابعون لمبادرات الصلح التي تمت في بلدان العرب والمسلمين قاسما مشتركا يحار العقل في فهم كنهه : فلا تكاد تتم مبادرة إلا على حساب الاستماع إلى معاناة الضحايا والاستماع إلى رزايا المتوجعين، فلم نكد نسمع بضحية وقفت أمام جلادها تصرخ العذاب بملئ فيها ويستمع الظالم بكل تقدير إلى شكواها، ولم نكد نسمع ولم نكد نرى إلا دعوات للثأر الجاهلي، أو للتجاوز على مضض دون استخراج مكنونات قلوب الضحايا ومشاعر جلاديهم. ومن وجهة نظري، أن كل مبادرة تسكت عن هذا ستولد مشوّهة لا محالة، وسيكون عمرها الحضاري محكوما بمدى الأذى الذي تغاضت عنه، وإنه من الحكمة أن يُستمع إلى رافضي مبادرات الصلح المطروحة إذ لعلّ المظلوم لم تتح له أية فرصة ليقول كل الظلم الذي عاناه، ومن الحكمة أن يُستمع إلى تفاصيل قول الحكّام في تبرير ظلمهم، فذلك مما قد يسهّل الفهم على من ضاقت به سبل النظر العميق. ولا يظنن ظانّ أن هذا القول هو من صنف البحث عن التوازن المغشوش واللعب على الحبال، إنما هي مظنّة تغليب ميزان الحلم الذي هو سيّد الأخلاق في معالجة أمر سئمت النفوس الأبية استمراره.  أما من حيث الشكل : – فالدّاعي للمبادرة الحالية، السيّد الهاشمي حامدي متهم تصريحا وتلميحا بنفس النقيصة التي بتآخذ بها النظام معارضيه : التقلب في المواقف وعدم الثبات على الرأي وقلة العهد، وهي تهمة قد تصح في جوانب وقد لا تصح في أخرى، وقد تكون محض وهم قائم على سوء تقدير أو سوء تفاهم أصلا، لكن المرء مغلوب لا محالة بداء التعميم والتّبسيط، والنتيجة هي أن البعض صار يرى بأنه نعم للصلح على ألا يأتي عن طريق فلان أو علان البتة، نظرا لتراكمات ماض أليم، وهذا من باب معرفة الحق بالرجال. لكن عندما يدرك الجادّون من دعاة الصلح هذا الأمر، فعليهم التصرّف بمقتضاه، دون التّعامي أو تخوين هذا الشعور واستفزازه، ومن الغرور أن نسير على شاكلة تلك العجوز التعيسة التي غمرتها مياه الوديان فلم يمنعها ما هي فيه من أن تقول « تبارك الله ما أعظم صابة هذا العام »… خاصّة وأن الناس يتبعون بعضهم البعض بنوع من الانطباع هو إلى السّذاجة أقرب، كإبل المائة لا تكاد تجد فيهم راحلة، – درج المعتنون بأمر السّياسة في أقطرانا العربية، ومنها أبناء تونس، على طرح كثير من الأفكار والمبادرات مع قلة صدور تلك المشاريع من أرحام دراسات علمية موضوعية يقوم بها أهل الاختصاص في الميدان من علماء عمران بشري، وعلماء سياسة، وأخصائي التواصل، وغيرهم. والنتيجة هي نوع مما ما لاحظه المرحوم شيخ الإسلام ابن تيمية في زمانه من كثرة ظهور « أنصاف العلماء وأنصاف الأئمة وأنصاف الساسة وأنصاف القادة »، ممن قد استحالوا زبيبا قبل أن يكونوا عنبا… والنتيجة في ذلك هي الإجهاض تلو الإجهاض في المبادرات، حتى يظن اليائسون أن الحل هو في العنف والتدمير والقتل، فما أكثر من رثى الحجاج ابن يوسف وما أكثر من وجد تبريرا لما فعله الباي بوبالة، وحالهم يردد قول الشاعر « وداوني بالتي كانت هي الداء » نسأل الله السلامة. – قرأت هنا وهناك أن مثل هذه المصالحة ستكون بادرة خير وستسبق تونس، مرة أخرى، إلى ذلك بقية البلدان… وليسمح لي أصحاب الرأي مّمن يُتتلمذ على أيديهم في معرفة تفاصيل التاريخ وتعاريج المصالح، أنني لا أكاد أقرأ شيئا من تاريخ سبق تونس إلى بعض الأمور إلا ويصيبني ضرب من الذهول لأمر لم أجد له تأويلا : كأني بتونس أصيبت، لا بعقدة أوديب، ولكن أوديب ولة بعقدة السبق دون اللحق، لكأني بتونس سبّاقة إلى ما لا تدركه. وإلا، من يفسر لي، رضي الله عنكم وأرضاكم، كيف سبقت تونس بعلم العمران البشري فما جاء بعده عمران يحكمه حاكم إلا ومات ذالك الحاكم على الأغلب مقتولا؟ وسبقت تونس في إصدار عهد أمان لكن لم تراع منه شيئا؟ وسبقت تونس بكتابة دستور لم تحترم من فصوله سوى الشكليات الخاوية؟ وسبقت تونس بأول نقابة عمّالية في إفريقيا لكن لما استمكنت منها تنكبّت عليها؟  وسبقت تونس بحركة إصلاحية فما بدأت تصلح من شأنها حتى تسلّط عليها الاستعمار؟ وسبقت تونس بما سمّي بالمقاصد الشرعية وتفسير التحرير والتنوير فما بلغت بها مقصدا وعمّت منطقة المغرب العربي التفسيرات الموغلة في الغلوّ والتطرّف بشقّيه المتأسلم والمتلكيإ؟، وسبقت تونس بتأسيس مدرسة الزيتونة العريقة، فلما بلغت الاستقلال أوصدت بابها دون الطلاب؟ وسبقت الحركة الوطنية في تونس بالذبّ عن حجاب المرأة المسلمة التونسية ضد محاولات الاستعمار، فلمّا استتب لها الأمر عملت على منع الحجاب بالقانون؟،  وسبقت تونس باقتراح قبول تقسيم فلسطين فأخذت منّا كل فلسطين مجانا وطولبنا بعدها بخفض السعر؟ وسبقت تونس بردّ حقوق النّساء فلم يرتفع شأن المجتمع عامة؟ وسبقت بحركة إسلامية معتدلة طوّرت، على ما لها وما عليها، مدرسة الإخوان، فأدى ذلك إلى أن نخر السّوس عظام شبابها في السّجون؟، وسبقت تونس بإعلان نهاية الحكم مدى الحياة ولم تفعل سوى أن تنصّلت من إعلانها بعد برهة؟ من يشفي صدري بتحليل في ذلك يمتّ إلى المنطق بسبب، ولو في سمك شعرة معاوية ابن أبي سفيان؟ بل ما يمنع أن تكون مبادرات الصّلح الحالية من عائلة هذا الصّنف من « السبق »؟؟؟. وهذا تساؤل لا بد أن يأخذه أمثال الأخ الهاشمي على محمل الجدّ وأن يفكر الجميع في حلّ له، صحيح أنه لا بد من « أن نُسبّق الخير » لكن ما العمل إذا كنا في كلّ مرة « نسبّق » الخير فيهرب منّا إلى الأمام ويتركنا يتامى الحسرة؟ ومن وجهة نظري: لكي نتلافى كل ذلك أو بعضا منه، لا بد أولا من الرفع من مستوى خطابنا الصّلحي وترك ما تتوشّح به الردود المختلفة من كلمات التّخوين المهين وعبارات التعظيم الكاذب وسفسطات الشكر المفضوح، سواء لهذا الطرف أو ذاك، ولتكن كلماتنا رسل أحلامنا لا خراطيش بنادقنا، لأن الحرب أولها كلام. ثم أن الداخل لحلبة السياسة إما رابحا وإما خاسرا. أما الداخل لحلبة الإصلاح، فهو إما صالحا وإما مصلحا. ومن جازف بالأولى لكسب الثانية، فربما فقدهما وعاد منهما صفرا، أو صار من بين الأشياء، كما قال أبو عمرو الجاحظ « نرضى له من الغنيمة بالإياب ومن غنم الحمد السلامة من الذمّ ». وهذه بعض أفكار على غير ترتيب في الأفضلية، أطرحها للحوار : أولا : أن يعمل الصادقون على أن تكون محاولات الصلح نابعة من مؤسسة أو مؤسسات، لا من الأفراد فحسب، قصد تفويت الفرصة على الشكّ بنوايا هذا وأطماع ذاك، أو الطعن الذي نحن في غنى عنه. ولم لا تكون جمعية عالمية يؤسسها ثلّة من ذوي الغيرة على مستقبل بلدهم التونسي ومستقبل وطنهم العربي الكبير، ممن هم ليسوا طرفا بارزا في الصّراع، مثلا : تأسيس « منتدى الصلح وعهد الأمان » يكون شعاره « الاعتراف والصفح والتجاوز »، يساعد على جبر النفوس المنكسرة من آثار الصدام والنزاع السياسي في تونس وربما أفضل للجميع قدر المستطاع لو يشمل ذلك كل فترات التاريخ الحديث بما فيه فترة الستينات والسبعينات جبرا لكل الخواطر المنكسرة والنفوس المحطّمة بمفعول الأسباب السياسية والصّراعات ذات الصلة. وإذا رفضت جهة ما أن تستجيب، فليكتب التاريخ نسخة الجهة التي قبلت، إقامة للحجة وتبرئة للذمة… ثانيا : يمكن أن يشترك في مجهود مؤسسي كهذا كل من أراد مهما كان التزامه السياسي، على أساس ميثاق دقيق لا يستثني أحدا بسبب فكره يكون جل اهتمامه  في اتجاهين : أولا : فتح ملفات الاستماع لشهادات الضحايا بدقة متناهية، وشهادات الجلادين السابقين بنفس الدقة، على أن يلتزم الجميع بتبادل الصفح مقابل الاعتراف بما مورس من أذى وذكر ذلك وتوثيقه لأجيال الشباب. ثانيا : مراكمة خبرة وفقه الصّلح وجمع دراساتها وترويج أدبياتها وتشجيع سائر المتنازعين على فتح حوارات بينهم مستنيرين بفكر الصّلح مقابل فكر العنف والغطرسة والتشفّي والثأر. وفي ظني أن الصّلح المغشوش هو ذاك الذي، إما يلتهم المراحل ويطوي السجلات الثقال قبل فتحها، وإما ذاك الذي يعلق في أوحال التفاصيل ومستنقعات القيل والقال دون أن يغلق للشر بابا. ثالثا : اعتماد المعايير الدولية في أعمال الصّلح والقطع مع عقلية التوظيف السّياسوي المبتذل لمثل هذه الأعمال سواء من هذا الجانب أو من ذاك، وربط الصلة بالمنظمات التي عملت في هذا المجال سواء في المغرب الأقصى أو في جنوب إفريقيا أو في عملية الصلح بين ألمانيا وفرنسا أو تجارب أخرى أشرفت على تنسيقها الأمم المتحدة. ولا يذهبن بظن البعض عظم ذلك، فقد رأى الجميع كيف آل أمر فرنسا وألمانيا إلى صلح وعمل مشترك، بعد أن ذبحت الحرب عشرات الملايين من البشر، ودمرت مدنا بأكملها على رؤوس ساكنيها، وسبحان محوّل الأحوال. لنفقأ معا هذه الدّملة وإلا فلا خير فينا جميعا.أ رابعا : لا يمكن إقناع الجميع بجدوى هذا الصلح قبل أن تتم دراسة وإحصاء ثمن اللاصلح الذي دفعناه ولا زلنا ندفعه جميعا، وما يسببه لنا من خسارة فادحة للقطر التونسي وسائر البلاد العربية. والخسارة يمكن تقديرها اجتماعيا وماديا وحضاريا وهي كبيرة سواء من جهة النظام الحاكم أو من جهة المجتمع بمعارضيه ومسانديه للحكم.  إن صلحا بهذا المعنى ليس بديلا عن المعارضة الموجودة أو منافسا لها في حقها، وإن صلحا كهذا لن يكون رمادا تعمي به الحكومات أعين الناس. إنه صلح إنساني محض يقصد به الرفع من مستوى الإنسان أولا وآخرا، أي أن يستشعر المواطن بإنسانية تتدفق في شرايينه، إنسانية تدب بين أضلع صاحب القدرة فتمنعه من الحيف وتتدفق في شرايين صاحب الضعف فتنقذه من أن ييأس من إمكان العدل البشري. « إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ». صدق الله العظيم.  والله أعلم. بشير العبيدي ـ باريس

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا أملك « جزرة » ولا أنطق باسم السلطة

متفائل جدا بالمصالحة بين السلطة والإسلاميين

 

سياسة الرئيس بن علي لا تحركها الأحقاد

 

د. محمد الهاشمي الحامدي

 

أكثر المتصدرين لرفض خيار المصالحة والوفاق بين السلطة والإسلاميين يكتبون بلهجة الإسلاميين وخطابهم.

ومع ذلك، يلحظ كل مراقب متخصص أنه ليس من بينهم حتى الآن كاتب محسوب رسميا على حركة النهضة. وهذا أمر جدير بالإهتمام.

وليس من بينهم أحد محسوب على حزب التحرير، أو على هيئات علمية مستقلة، أو على التيارات التي تنبذ العنف من التبليغيين والسلفييين.

وهذا أيضا أمر جدير بالإهتمام.

لسان حال هذه الجماعات والهيئات هو دعنا نرى ما يؤول إليه الأمر، ونتأكد أولا من أن فكرة الصلح لها صدى ولو بالحد الأدنى عند السلطة.

من السلطة أيضا لم تصدر أية إشارة عن الموضوع، ولم يعلق على الموضوع من هو محسوب عليها في الصحف الرسمية أو شبه الرسمية أو في منابر الانترنت الخارجية.

وهذا أيضا أمر جدير بالإهتمام.

* * *

المستعجلون بالإنتقاد

* * *

من هم الذين تصدوا وتصدروا لانتقاد الدعوة للوفاق والمصالحة بين الإسلاميين والسلطة في تونس؟

إنهم تونسيون أغلبهم على هامش هذه القوى المعنية مباشرة بالموضوع. وبعضهم أصحاب أسماء مستعارة، منهم مخلصون متحمسون، وقد يكون منهم محترفون تخصصوا في إفساد أي مسعى للتقارب بين التيارات الإسلامية والحكومة التونسية.

وهؤلاء ينقادون وراء داعي التسرع والمشاعر الغريزية إلى الدرجة التي تجعلهم يجوزون لأنفسهم قلب الحقائق والزعم بأنهم مطلعون على ما تخفيه صدور دعاة المصالحة والوفاق. وبعضهم يزايد ويتطرف لأنه من دون رصيد حقيقي في ميدان العمل العام.

ـ إذا قيل لهؤلاء إن الحكومة التونسية أحسنت استقبال العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، لم يصدقوا، أو سكتوا ولم يعلقوا بحرف.

ـ إذا قيل لهؤلاء إن الحركات الإسلامية في العديد من البلدان العربية، توالي زعماء بلدانها، وتخاطبهم بأفضل الألقاب، وتواليهم سرا وعلنا، بالرغم أن من أكثر هؤلاء ليسوا من رواد الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبعضهم اشتهروا بالريادة في سياسة التطبيع بشكل علني ورسمي، وبعضهم قال في الدين ما لا يقبله طالب علم مبتدئ.

إذا حُدّث المتنطعون عندنا بأخبار هذه الحركات، تهربوا من مناقشة تجاربها، حتى لا يظهر تنطعهم وإعراضهم عن سنن التغيير والإجتماع البشري.

ـ وإذا سئل المنكرون لدعوة الوفاق والصلح مع السلطة عن البديل ردوا بنصوص مكررة في التهجم على السلطة والتنديد بها وبمن يدعو للصلح معها.

وهم ينسون أن عديد المواقع التونسية في الإنترنت نشرت آلاف المقالات من هذا النوع من قبل، فهل أدت تلك المقالات للتغيير المنشود في تونس.

* * *

كلمة للمزايدين

* * *

وينحو كثير من خصوم أطروحة الوفاق والصلح للمزايدة في التهجم على السلطة وعلى دعاة المصالحة، وينسون أيضا أنهم، مهما كتبوا وشتموا وزايدوا، فلن يكون بوسع أحدهم أن يقول مرة إنه التقى برئيس الدولة أكثر من مرة، وفي كل مرة كان موضوع الحديث هو الصلح مع حركة النهضة وإطلاق سراح معتقليها والتوصل لتسوية سياسية نهائية معها، بالإضافة لتسوية ملفات أخرى مشابهة لشخصيات دستورية ويسارية ووطنية.

ـ ولن يكون بوسع أحد منهم أن يقول إنه بث على امتداد عام كامل برنامجا أسبوعيا عبر التلفزيون لإثارة موضوعات الإصلاح السياسي في تونس وأحدث ثورة إعلامية شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء.

ـ ولن يكون بوسع أكثرهم أن يروي موقفا له في محكمة تحاكمه بتهمة الإنتماء للإتجاه الإسلامي، أو تحكم عليه بالسجن عشرين عاما مع الأشغال الشاقة، ولن يكون له ذكريات من سجون تونس يرويها لأبنائه أو للناس.

ـ ولن يكون بوسع أحدهم أن يقول إنه وقف بكل جهده مع الكثير من ضحايا حالة الصدام بين السلطة والحركة الإسلامية، وساهم بما يسر الله له في الإفراج عن المئات منهم، ورفع أحكام الرقابة الإدارية عن الكثير منهم، وإعادة جوازات السفر للعديد منهم.

كل هذه القرارات من اختصاصات رئيس الجمهورية الرئيس زين العابدين بن علي، فله التقدير والثناء. وأشهد من تجربتي العملية أنه رجل يقبل الشفاعة ممن لا يعلن الحرب والعداوة عليه، ويقدر الكلمة الطيبة، وكثيرا ما يرد على التحية بتحية أجمل منها، بل بأعمال ملموسة جميلة أهم وأعظم وقعا من التحية اللفظية التي تلقاها.

* * *

فكرة المصالحة تتقدم

* * *

لهذه الأسباب وغيرها اقول إن الفرصة مازالت متاحة أمام تونس لتشهد تقدما نوعيا باتجاه المصالحة.

ـ لدينا رئيس حقق الكثير من الإنجازات الإقتصادية والإجتماعية لبلاده وشعبه، ويحتفل في السابع من نوفمبر المقبل إن شاء الله بالذكرى العشرين لصعوده إلى سدة السلطة. وليس ثمة شك أنه مما يفيده كثيرا ويعزز شعبيته ونفوذه ويعزز مكانته في تاريخ تونس أن يشهد الإحتفال المقبل بذكرى السابع من نوفمبر تجمعا للعائلات الفكرية والسياسية التونسية حول قيادته، وهو أشار إلى هذا المعنى في خطابه المهم الذي ألقاه يوم 7 نوفمبر 2006.

ـ ولدينا الآن شخصيات تونسية كثيرة، داخل البلاد وخارجها، من رموز التيارات الإسلامية المعتدلة التي أشرت إليها في بداية المقالة، اكتمل لديها الوعي بأولوية المصالحة على الصدام والمشاكسة، وهي مقتنعة تماما بالمبدأ، وتطلب أو تبحث عن إشارات تعطيها أملا بإمكانية التوصل إلى هذا الهدف الوطني النبيل.

***

المطلب الأول والمستعجل

* * *

المطلب الضروري المستعجل من كافة التيارات الإسلامية المعتدلة إذن هو اعتماد خطاب جميل يؤلف القلوب ويقرب النفوس، و »الصوم » تماما في المرحلة المقبلة عن البيانات المشحونة بخطاب التشهير والعداوة للسلطة.

لنكن صرحاء: ما فائدة بيان حاد ضد السلطة ينشر في الانترنت أو تصريح تلفزيوني في هذه القناة أو تلك؟

إنه لن يغير من الواقع شيئا، وسيقرؤه عدد قليل من الناس وربما شاهده عدد أكبر ثم سرعان ما ينسونه لأن أخبار العراق وفلسطين ودارفور لم تبق لأخبار تونس مكانا في أولويات وسائل الإعلام العربية والعالمية.

ستكون لمثل تلك البيانات والتصريحات فائدة واحدة. سينسخها ويسجلها أعداء فكرة الوفاق والمصالحة  ويعرضونها بسرعة قياسية أمام الرئيس زين العابدين بن علي، وسيقولون له: سيادة الرئيس، اقرأ واسمع ما صرح به قادة  الناس الذين يحثك البعض على فتح باب للصلح والوفاق معهم. إنهم لن يرضوا عنك أبدا، فما فائدة الصلح معهم، وقد استتب لك الأمر من دونهم لنحو عقدين من الزمن؟

بالمختصر المفيد، الخطاب العدائي للسلطة هو الوقود اليومي الذي ينتظره الإستصاليون كل صباح. وفائدته الوحيدة أنهم يقدم لهم الأدلة التي يحتاجونها من أجل أن يبقى الرئيس بن علي وحزبه خصوما إلى الأبد وأعداء للإسلاميين التونسيين.

فهل يقبل الإسلامي العاقل على نفسه أن يصبح حليفا للإستئصاليين المتطرفين؟

                                           * * *       

لا أملك جزرة ولا أنطق باسم السلطة

* * *

يسألني البعض عن « جزرة » آتي بها على وجه الإستعجال ليلبوا مثل هذا الطلب. وكاتب هذه السطور يعلن للجميع بصدق وصراحة أنه ليس ممثلا للسلطة ولا مندوبا عنها في طرح هذه الأفكار ولم يصله منها طلب لطرح دعوة الوفاق والصلح على الناس.

إن دفاع صاحب هذه السطور عن دعوة الصلح بين الإسلاميين المعتدلين والسلطة هو دفاع عن فكرة يؤمن بصوابها، وبإمكانية تحقيقها، وبأنها مفيدة جدا للطرفين.

ويستطيع كل عاقل أن يدرك أن دفاعي عن هذه الأطروحة لا يعزز وضعي عند السلطة إن كان هدفي في الحياة إرضاء السلطة. كما أنه لن يعزز وضعي في صفوف الحركة الإسلامية من بعد أن أعلنت استقالتي منها منذ خمسة عشر عاما. وقد قلت لمن يرغب بتصديقي أنني لا أبحث عن منصب ولا مغنم، وأنني راض بما قسمه الله لي، ومنشغل جدا بإنجاح المسابقة التي تبنتها قناة المستقلة لاختيار شاعر العرب، وهي أكبر مسابقة في تاريخ الشعر العربي،

هدفي شفاف ومعلن. الصلح والوفاق بين السلطة والإسلاميين يعزز أمن بلادي واستقرارها ويخدم التطور الديمقراطي فيها. والسعي من أجله واجب ديني ووطني. والدفاع عنه خدمة لزعيم سياسي أحترمه وأقدره وأدافع عنه علنا هو الرئيس زين العابدين بن علي.

وهو أيضا وفاء لأصدقاء عشت معهم شبابي، وأحب لهم الخير كل الخير، وأن يخرجوا من السجن في أقرب وقت ممكن، وأن يبنوا حياتهم من جديد.

هم أيضا أصدقاء آمل أن تتاح لي قريبا فرصة اللقاء بعدد منهم قرب « صخرة سقراط » في كلية الحقوق، أو في « باب بحر » أو في « جامع الزيتونية. وأخص بالذكر منهم الأصدقاء الذين تزاملت معهم في الجامعة في النصف الأول من الثمانينيات، العجمي الوريمي وعبد الكريم الهاروني وعلي شنيتر وعبد المجيد الزار والصحبي عتيق والأمين الزيدي وعبد الحميد الجلاصي وآخرون. وإن حضر الأستاذ البحيري وزوجته الأستاذة سعيدة فلا ضير، فهما من خريجي كلية الحقوق وهيثم وأنا كنا من زوارها!!

أما الشيخ عبد الفتاح مورو فيقصد بالزيارة. مجلسه حلو وجميل تنشرح له النفس، وأراهن الكثير من قادة التجمع أن يخرجوا بخلاف هذا الإنطباع إذا جلسوا معه. (من أحدث طرائفه التي وصلتني أنه احتج على الأخ العزيز كمال بن يونس لأنه لم يرد عليه السلام. (بالمناسبة، دخلت الجامعة بعد تخرج كمال منها ثم لحقت به في السجن وزاملته أشهرا في السجن المدني 9 أفريل). قال كمال معتذرا مستفسرا: متى رأيتك، ومتى سلمت علي فلم أرد؟ قال الشيخ مورو: سمعتك صباح اليوم في إذاعة لندن، قلت لك صباح الخير يا كمال مرات عديدة ولم ترد!!!

من أهدافي أيضا أن يعود الشيخ راشد الغنوشي والدكتور عبد المجيد النجار ووليد البناني وأصدقاؤهم إلى تونس. محمد مزالي عاد. وأحمد بن صالح عاد. الأزهر عبعاب عاد. والرئيس بن علي لا تحرك سياسته الأحقاد، وبإمكانه عند توفر الظروف والشروط اللازمة أن يهيئ مناخ العودة والأمن والحرية لألد معارضيه. هكذا يفعل الزعماء دائما والقادة الكبار.

لا أحب الرجم بالغيب لكن آمالي في الصلح والوفاق كبيرة. فيا أنصار الصلح والوفاق لا تبتئسوا ولا تيأسوا. إن غدا لناظره قريب.


قضاء الوقاية والحرب الوقائية أو حتى لا تنتشر عقيدة الحرب

(تعليق على مقال السيد مساعد وكيل الجمهورية لدى محكمة تونس الابتدائية)

 
عبد الرؤوف العيادي ما إن قرأت عناوين المقالات التي اختارتها مجلة القانونية في عددها لشهر مارس 2007 لتخصّها بالإشهار على غلافها حتى شد انتباهي ما كتبه أحد مساعدي وكيل الجمهورية بمحكمة تونس الابتدائية باللغة الفرنسية واختار له العنوان التالي: « منظومة الأدوات القانونية لمكافحة الإرهاب » Le dispositif juridique de lutte contre le terrorisme. ولم تكن مسارعتي في قراءته والاطلاع على ضمّن به من أفكار سببها أنّ الموضوع يقع منذ مدة ضمن دائرة اهتماماتي المعرفية والمهنيّة فقط. ولكن أيضا الحاجة إلى معرفة وجهة نظر النيابة العمومية التي يقتصر دورها في التتبع بإصدار إنابة عدلية إلى البوليس السياسي الذي اطّلعنا على ما يكرّسه من مفاهيم شاذّة وما يعتمده من لغة الإدانة النمطية والملقّنة. ثم هي تكتفي بجلسة المحاكمة بطلب إجرائها طبق فصول الإحالة مع التشديد في الحكم إذ لا نسمع لها مرافعة ولا قولا مفصلا يبرّر طلباتها. واستوقفني أوّلا عنوان المقال ذاته لاستعماله مصطلح Le dispositif وهو كما عرفه قاموس Le petit Robert مقتبس من لغة العسكر بما يوحي بالانخراط في حرب وهذه لن تكون غير تلك التي أعلنتها الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة « بوش » وهو ما يتأكّد من خلال ما جاء بالجزء الثاني من المقال من حديث عن المقاربة الدولية و »التعاون الدولي »… إلخ وتساءلت بعد قراءة المقال كيف يدرج بنشرية تدّعي التخصص في الدراسات والتعاليق القانونية، إذ خلا من أيّ جهد تحليليّ وطغت على عباراته النزعة الدعائية والتمجيدية المقتبسة من الخطاب الرسمي وما تبثّه وسائله الإعلامية. وتكررت مقولات « المقاربة الشاملة » و »متعددة الأبعاد » وإفلاح المشروع في « بلورة منظومة قمعية ووقائية كاملة ».. إلخ أمّا ما يثير الصدمة لدى كل مطّلع على قانون 10/12/2003 فهو قوله بالفقرة الثامنة من المقال أنّ القانون المذكور « لم ينشئ محاكم خاصة أو استثنائية كما أنّه لم يسن نظاما إجرائيّا استثنائيا » لمخالفة ذلك القول للواقع من جهة وعدم دقته من جهة أخرى. فلئن كان صحيحا عدم إنشاء قانون 10/12/2003 لمحكمة خاصة جديدة إلاّ أنّه سنّ إجراء استثنائيا عبر تخصيص محكمة تونس الابتدائية بالنظر في الجرائم الإرهابية (الفصل 43) تخصيصا مطلقا، كما جعل الاختصاص في إثارة التتبع في تلك الجرائم من مطلق نظر وكيل الجمهورية لدى تلك المحكمة (الفصل 34). هذا فيما يتعلق بالجزء الأوّل من تعليقه، أمّا قوله بأنّه لم يسنّ نظاما إجرائيا استثنائيا فهو غير صحيح إذ يكفي أن نحيله على الفصول 22 و37 و47 و48 و49 و51 و61 من القانون المذكور والتي جاءت استثناء لقواعد العام الإجرائية، إذ حمّلت المحامي واجب الوشاية بحريفه، واختصّ وكيل الجمهورية بمحكمة تونس الابتدائية بإثارة التتبع دون سواه ونصّ على مضاعفة آجال سقوط الدعوى العمومية وكذلك الشأن في خصوص آجال سقوط العقوبة بمرور الزمن وأصبح الاعتراض في قضايا الإرهاب لا يوقف تنفيذ الأحكام الصادرة عنها بما يخالف الفصل 180 من مجلّة الإجراءات الجزائية. كما مكّن القانون المذكور أعوان الضابطة العدلية وكذلك القضاة من عدم الكشف عن هويتهم وبالتالي حرم الدفاع من إمكانية مراقبة شرط الاختصاص الذي هو من شروط المحاكمة العادلة. فهل بعد هذا يقال « إنّ قانون 10/12/2003 لم يسن نظاما إجرائيا استثنائيا ؟ » الواقع هو أنّ المحكمة الابتدائية بتونس أصبحت بعد سنّ هذا القانون لها طبيعة مزدوجة فهي تشتغل إمّا كمحكمة عادية أو كمحكمة استثنائية حسب الوصف الذي يعطي للجريمة عاديّة كانت أم إرهابية خاضعة للإجراءات التي جاء بها قانون 10/12/2003 أي أنّها تشتغل بمعايير وقواعد مزدوجة بما ينهي وصفها السابق كمحكمة عاديّة قبل صدور ذلك القانون. وهذا الواقع الجديد الذي أحدثه قانون 10/12/2003 يكرّس قضاء المكيالين بما يتناقض مع مبدأ المساواة المكرّس صلب دستور البلاد بالمادة 6 التي نصّها: « كلّ المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات. وهم سواء أمام القانون » ويبدو لي- والله أعلم- أنّ لغة المقال الأعجمية والنهج الدعائي التمجيدي يكشفان عن أنّ مسعى صاحبه لم يكن في إقناع أصحاب الاختصاص من رجال القانون ولا الرأي العام الداخلي بقدر ما كان الأمر يتعلق بمخاطبة الرأي العام الخارجي والتسويق لسياسة تشريعية كرّست ازدواجية المعايير ودعّمت القضاء الاستثنائي. وليس حديث السيد مساعد وكيل الجمهورية عن « الرؤية الشاملة » فيما أسماه النظام القمعي والوقائي الكامل، إلاّ تبريرا « للقضاء الوقائي » الذي أصبحت تتعاطاه محكمة تونس الابتدائية بموجب قانون 10/12/2003 والذي يعدّ أحد وجوه « الحرب الوقائية » التي أعلنها الرئيس « بوش » والتي- خلافا لما ذهب إليه كاتب المقال- تنسف الحقوق الأساسية للمواطن وخاصة حقه في المحاكمة العادلة إذ أصبح مئات الشباب يحاكمون لمجرد الانتماء إلى تيار فكري ودون توفّر أدلّة الإدانة عن ارتكاب أعمال مجرّمة وفق رؤية تبرّر للقمع الاستباقي أو الإجهاضي. وقد كنت رويت في مقال سابق كيف كان ردّ السيد المساعد عمّا أثرته في حديثي معه بمناسبة حادثة إلقاء الشاب هشام السعدي بنفسه عبر نافذة مكتب التحقيق العاشر عن عدم توفر أدلّة الإدانة إذ أجابني: هل تنتظر حتى يلبس الحزام الناسف؟ حرب هناك أرادها « بوش » وقائية تلد حربا وقائية هنا ولكلّ سلاحه وأدواته وجنوده ويقوم بينهما خيط يحقق الوحدة أو التحالف بين دعاتها هو رابط العقيدة التي تؤسس لوهم المساواة بينهم فيصبح الجميع ينطق باسم « السلم والأمن الدوليّين » وباسم « المجتمع الدولي » حتى ذلك الذي ليس له من السيادة أو الولاية إلاّ ما يصنعه الوهم وما يجود به الخداع وخداع الذات. (المصدر: مجلة « كلمة » (أليكترونية شهرية – تونس)، العدد 52 لشهر أفريل 2007) الرابط: http://www.kalimatunisie.com/article.php?id=527


 

 

ســواك حـار (26)

 سواك : صابر التـّونسي

 

* كما حمل القرضاوي بشدة على صور « الديمقراطية المزيفة التي تُرفع شعاراتها في كثير من الدول الإسلامية »، قائلا: « الاستبداد العلني خير من الديمقراطية المزعومة ». (إسلام أون لاين)

وفي كل شر!… ولكن ديمقراطيتنا لا موهومة ولا مزعومة وإنما « تونسية » لحمها « أمني » ودمها « علوي » ورأس مالها طرابلسي!

 

* وانتقد القرضاوي استمرار أكثر حكام العرب والمسلمين في مقاعدهم طوال حياتهم، معتبرا أن « حكامنا يجذبهم مغناطيس لكرسي الحكم، ولا يتركونه إلا بالموت أو الانقلاب ». (إسلام أون لاين)

في هذه جانب الشيخ الصواب، فالمغناطيس في حكامنا والكرسي هو الذي ينجذب إليهم ويأبى أن يفرط فيهم و »مناشدات » اليمن وتونس مصداق قولي!!

 

*  تجاوبا مع هذه التوصيات أقترح على أهل القطاع (تصدير زيت الزيتون) اعتماد علامات تجارية تونسية فيها أصالة تونس وخصوصياتها. من ذلك مثلا اسم « زيتونة » (الهاشمي الحامدي: الحوار نت)

الزيتونة لا شرقية ولا غربية لذلك أقترح اسم « جبة » فهي تعبر بحق عن الهوية التونسية!! خاصة إذا كانت من طراز جبة « السيد » الرئيس أو النسخة المقلدة عنها جبة سي الهاشمي!

 

* قيل لي اليوم إن الطقس في تونس ربيعي وفاتن، كأنه طقس أهل الجنة، فهاجت أشواقي إلى الوطن. قد برّح بي الشوق إلى تونس، وأهلها، وربوعها، ومروجها، وورودها، وربيعها الذي ما أزال أحلم به منذ غادرت وطني قبل اثنين وعشرين عاما. …. وقد خطر لي أن أعود إلى ربيع تونس ولو بمقالة. (الهاشمي الحامدي: الحوار نت)

 سي الهاشمي!! الكلاب مربوطة والدار دارك وغير معقول أن تطلق الإشهارات السياحية لتونس ثم تذهب للسياحة في غيرها!! وبعد أن شفيت واقتنعت بأنك لست « قمحة » أبشرك بأن الدجاجة قد اقتنعت أخيرا!!

 

* إلا أن ورقة التوت كشفت عن عوراته بحملته على المجتمع المدني التي وضعت العالم أمام صورة حقيقية لما تعرض له الإسلاميون خلال فترة حكم الدكتاتورية الأمنية. (د: هيثم مناع الحوار نت)

أقصى ما تفعله ورقة التوت أنها تغطي سوءة ولكنها لا تستر عورة إلا عند من استوت سوءته وعورته!!  

 

* وفيما يتعلق بدعوة القذافي لإقامة ما أسماه بدولة فاطمية ثانية للقضاء على التوتر بين الشيعة والسنة، قال د. إدريس: « بالنسبة للدعوة إلى إقامة دولة فاطمية بشمال إفريقيا فإن انتساب الفاطميين الذين كانوا يحكمون شمال إفريقيا إلى آل البيت نسب مطعون فيه من قبل المؤرخين ». (إسلام أون لاين)

بعد فشل مشروع الأمانة على القومية العربية وفشل توحيد الأفارقة، لما لا نجرب الزعامة باسم الدين والإنتساب لآل البيت، ولكن كيف لمن رفض السنة أن يثبت النسب!!

 

* ويقول الجيش الأمريكي إن الصدر، المتواري عن الأنظار منذ أسابيع، موجود حاليا في إيران، بينما يصر مساعدو الصدر على أنه موجود في العراق، نافين تلميحات إلى أنه فر إلى إيران ليتجنب الخطة الأمنية الجديدة التي بدأتها القوات الأمريكية والعراقية في بغداد يوم 14 فبراير الماضي. (إسلام أون لاين)

لعل مقتدى الصدر قد غاب غيبة صغرى متعمدة ليعود ويعلن بعدها أنه كان في لقاء مع الإمام المهدي وهو رسوله لتوحيد الطائفة الشيعية والقضاء على « النواصب »! وكل غريب عند بعض مستساغ لدى آخر!

 

* ديمقراطية جوهرها احترام الإرادة العامة وضمان الحريات والتعددية واستقلال القضاء وحرية الإعلام والنقد -الوليد الشرعي للديمقراطية-. علي لعريض:نواة

قضية احترام الإرادة العامة لدى « سلطتنا » والقبول بها، يشبه قبول « إسرائيل » بعودة اللاجئين …. وفي الأول زوال السلطة وفي الثاني فناء « إسرائيل » !!

 

* بلغنا في الحوار نت  من مصادر موثوقة بالداخل أن البوليس التونسي قد قام بغارات ليلية في حدود الساعة الثانية والنصف فجرا …على كثير من بيوت المواطنين … التي يفترض أنها آمنة وروع النساء والأطفال… وتأتي هذه الإقتحامات على خلفية ما حصل في المغرب والجزائر! (الحوار نت)

وإذا نزل المطر عند الجيران فتح الأغبياء عندنا المطريات والشمس مشرقة!! وهكذا يصنعون « الإرهاب »  ثم يحدثوننا على أن المواطن في « تونس » بن علي لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه!

                         

ســواك: صابر التونسي

18/04/2007


بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أفضل المرسلين تونس في: 17/04/2007 الرسالة 220 على موقع الانترنت تونس نيوز

الحلقة الثانية: حول موضوع التشغيل وما أدراك ما التشغيل قضية التشغيل قضية وطنية هامة ومعقدة للغاية

 
تبعا للمقال الأول الصادر يوم 15/04/2007 بموقع تونس نيوز حول قضية التشغيل الحلقة الأولى وقد تعهدت بكتابة حلقة ثانية حول موضوع التشغيل حتى أعطيه ما يستحق من العناية والإهتمام والرعاية الإعلامية خاصة على موقع الإنترنت العالمي موقع الصراحة والوضوح وكلمة الحق والعرفان بالجميل لكل من يساهم ويدعم ويساعد ويسعى للإضافة في مجال التشغيل وينصت لخلجات الشباب المتعطش للشغل ولفرحة الحياة وبناء المستقبل ولا شيء أجمل من تحقيق فرحة الحياة ولا معنى للحياة الكريمة بدون شغل ولا أنفة بدون عمل ولا مستقبل بدون عيش كريم ولا إستقرار بدون مناعة إقتصادية ولا سلم إجتماعية بدون ضمان الكرامة وفي هذا المجال فإن كل مسئول وطني نزيه صاحب إدراك ووعي سياسي وحس وطني سليم يسعى بكل قوة وحماس ووطنية صادقة للمساهمة بقدر الإمكان إلى إضافة حجرة إضافية في مجال التشغيل ويعمل على دعم إختيارات لرئيس الدولة وفي هذا الإطار أعتقد أن السيد الدكتور الصادق القربي وزير التربية والتكوين أدرك منذ تعيينه يوم 22/02/2007 قبل سنة وشهرين 14 شهرا أن أهم عنصر لنجاح المسئول هو فهم قضايا الوطن ومشاغل الناس وطموحات الشباب وتفكيرهم وشغلهم الشاغل هو العمل والحصول على موطن شغل حسب مؤهلاتهم وهذا ما يسعى إليه سيادة الرئيس وما قام به الدكتور الصادق القربي منذ عام يؤكد ما يصبوا إليه رمز البلاد ومما يذكر في هذا الصدد أن الوزير الذي ذكرته عندما سمع السنة الماضية بأن إمرأة متزوجة أخذت الإجازة منذ 11 سنة ولم يسعفها الحظ في الكاباس مرارا تألم الوزير وأذن حالا بدعوتها وتم إبرام عقد عمل وابتسم الحظ لها وتم تعيينها في سن 39 سنة قبل فوات الأوان بعام واحد حسب ما قرره رئيس الدولة سن الأربعين يمكن له أن يلتحق بالشغل بعد أن كان في السابق 35 سنة فقط وفي حالة أخرى سمع الوزير بها أذن حالا بتشغيل الفتاة قريبة من مقر سكناها 2 كلم وحالة ثالثة إجتماعية أذن فورا بتشغيلها في بلدتها وحالة رابعة شاب أذن بإنتدابه في سلك الأعوان وحالة خامسة شاب من الحنشة أذن بتعيينه عند ما سمع بأن والده بلغ سن 75 سنة وهو الوحيد سند العائلية وحالة سادسة من معتمدية منزل شاكر وحالة سابعة بجهة الأسوده بسيدي بوزيد وحالة أخرى بجهة وأولاد الشامخ وحالة أخرى بجهة التلالسة الجم كل هذه الحالات وغيرها وقد ذكرت 3% من الحالات تستحق الشكر والتنويه والإكبار ولا بد من ذكرها بكل إفتخار وإعتزاز وهذا هو المسئول الذي يشرف تونس ويشرف النظام والشعب ولا زالت أسماء أخوى هي محل متابعة يومية مثل حالة شاب من منطقة الظل الحجارة التي راهن عليها سيادة الرئيس وشاب أخوي من البطاطحة منطقة الظل وشاب ثالث من رياض بوهلال معتمدية الجم هو الآخر مجاز هذه الحالات هي محل متابعة يومية وقد كلف الوزير المشار إليه رئيس ديوانه بمتابعة الملفات ذات الأهمية وحسب حرص سيادة الرئيس ومتابعته لمشاغل الشاب في المناطق الريفية ومناطق الظل والمعوزين والحالات الإجتماعية تلك هي القضايا الحقيقية المطلوبة معالجتها بكل صدق في مجال التشغيل الذي يجد الدعم المتواصل من لدن رئيس الدولة. وموضوع التشغيل حساس وهام ويمس كل الشرائح والفئات الإجتماعية وأصحاب الإعاقة والفقراء وسكان مناطق الظل والجهات النائية والريفية والمدن والقرى والمداشر والصحراء وسكان الجنوب والحدود ومن الضروري إيلاء التشغيل المرتبة الأولى وهذا ما أكده سيادة الرئيس شخصيا في الحملة الإنتخابية الرئاسية لعام 1999 وحرص على إعادة التأكيد عام 2004 في الحملة الإنتخابية الرئاسية الثالثة وفعلا كان لعناية الرئيس وبرنامجه الرئاسي الصدى البالغ والأثر الحسن والوقع في النفوس والإهتمام من طرف الشعب التونسي الشعار التشغيل من أولوياتي نعم شعار رائع وجميل ومأثر والأجمل منه متابعة الرئيس بقضية التشغيل أسبوعيا وإحداث وزارة خاصة للتشغيل تهتم بموضوع التشغيل وبعث آليات جديدة للتشغيل وحوافز وتشجيعات ودعم رئاسي متواصل ومما تجدر ملاحظته في هذا المجال الهام أن خصص الرئيس مجالس وزارية خاصة لدراسة موضوع التشغيل ودعم آليات التشغيل وفرص الشغل سواء عن طريق تمويل المشاريع من طرف بنك التضامن أو التشغيل المباشر ودعم فرص الشغل بالمؤسسات العمومية والخاصة وتشجيع أصحاب المؤسسات وإيجاد حوافز وتشجيعات جديدة لهم قصد بعث مواطن شغل لحاملي الشهائد العليا وأخيرا قرر رئيس الدولة مزيد العناية والرعاية الكريمة لأبناء مناطق الظل وأصحاب العائلات المعوزة والحاجة الملحة للشغل وقد أشرت في مقالي الأول لهذا الموضوع مزيد الإهتمام والمتابعة بمصداقية أكثر لعناية الرئيس نؤكد من جديد على إيلاء موضوع تشغيل أبناء الحاجة الملحة وذات الأولوية المطلقة حسبما دعا إليه رئيس الدولة يوم 20 مارس 2007 في ذكرى عيد الإستقلال وأعطى الموضوع ما يستحق من كريم العناية والرعاية وفتح أبواب الوزارات على مصرعيها للإصغاء إلى الشبان حاملي الشهائد العليا وشهادة البكالوريا وفتح مكتب العلاقة مع المواطن بإستمرار وفتح الهاتف للجميع والحرص على أن تكون وزارة التشغيل مفتوحة دون حاجب أو حواجز وأن يتم الإيفاء بالعهود هناك مسئولين ينصتون إليك ويهتمون بمشاغلك ومشاغل جهتك وأبناء الريف بالخصوص ويؤكدون لك بأنهم حارصون على الإنجاز الفعلي. هل الشاب الذي ذكرته في مقال يوم 15/04/2007 الذي وقع دعوته من طرف إدارة الشركة التونسية للبنك من جهة عمادة الأعشاش معتمدية منزل شاكر ولاية صفاقس من عائلة معوزة وفقيرة للغاية هل هذا الشاب الذي يحمل أعلى الشهائد لا يستحق العمل أم لأنه من أسرة فقيرة وهندامه متواضع وحالته غير ميسورة أم أن البنك يبحث على الصورة والأناقة والهندام أم ماذا! نرجو أن تصل هذه المعلومة وهذه الحالة والصورة الواقعية إلى علم رئيس الدولة الذي لا يرضى بذلك الأمر ولا يقبل مثل هذا التصرف وشغله الشاغل إقامة العدل وإعطاء الفرصة للعائلات الأقل حظا والعائلات المعوزة والفقيرة ولا أتصور عائلة فقيرة أكثر من عائلة العشي وفي التعليم أيضا هناك حاملي الشهائد العليا في حالة إجتماعية حرجة ومنهم الطالب محمد الهادي بوعجيلة يعمل الآن بمقهى عامل يومي وهو حامل الإجازة وغيرها من شباب تونس في حالة بطالة وحرمان وفقر. نرجو فهم هذه الرسالة فهما دقيقا شاملا والله ولي التوفيق قال الله تعالى: » ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ». صدق الله العظيم. محمد العروسي الهاني


 

تعليق حول  » حوار حول الحلقة الثالثة من مسلسل زمن بورقيبة حول موقف بورقيبة من القضية الفلسطينية » (المنظم من قبل « مؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات »)

الطاهر الأسود

باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية

laswadtaher@yahoo.com

http://taherlaswad.blogspot.com

أتابع كما يفعل عدد من التونسيين حلقات الشريط الوثائقي « زمن بورقيبة » الذي تبثه قناة العربية و أعده تونسيون حول الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بما في الحلقة الثالثة حول الموقف البورقيبي من الصراع العربي الاسرائيلي (3 أفريل الجاري). كما طالعت على صفحة تونسنيوز (عدد الاثنين 16 أفريل الجاري) حوارا نظمه الجامعي (المتقاعد) المتخصص في الدراسات العثمانية السيد عبد الجليل التميمي عبر « مؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات » حول الحلقة الثالثة من « زمن بورقيبة ».

و من الضروري بداية أن أؤكد على أهمية الدور الذي يقوم به السيد التميمي في إثارة النقاش على أسس جدية منذ فترة في علاقة بالحقبة البورقيبية من خلال اللقاءات المختلطة التي تجمع الأكاديميين بالـ »شهود » و التي حرص على نشرها بانتظام، و هي على ما اعتقد باتت تكتسي صفة ربما لم يقصدها السيد التميمي و هي فرصة فسح المجال لعدد من التيارات السياسية (و ليس كلها) للنقاش ليس حول بورقيبة فحسب بل أيضا حول تجاربها. و هذه مسألة في غاية الأهمية في الظرفية السياسية الراهنة.  

و في سياق الرغبة في إثراء النقاش الناشئ حول الحقبة البورقيبية و الذي لا يزال في خطواته الأولى على كل حال حتى تتوفر ظروف سياسية أفضل تسمح لنا بشهادات و رؤى أكثر اتساعا، أود القيام بالتعليقات التالية على الحلقة الثالثة من « زمن بورقيبة » و « حلقة الحوار » التي نظمها السيد التميمي على السواء:

1-من الواضح أن معدي الحلقة الثالثة كانوا يدافعون عن رؤية للأحداث و لم يكونوا كما يفترض أن نتوقع من « شريط وثائقي » أي أن يتصرفوا كوسائط للمعطيات المتوفرة. طبعا تم الالتجاء الى شهود يمثلون وجهة النظر « الأخرى » و لكن التعليق المصاحب للبرنامج (و هو الذي يمثل وجهة نظر معديه) تبنت رؤيتها الخاصة مما يقلل من الثقة في طريقة اختيارها لشهود الرؤية « الأخرى » (بالمناسبة لا يبدو لي أن السيد أحمد السعيد و هو المتخصص في الدعاية السياسية في زمن « صوت العرب » هو أفضل من سيقدم رؤية تحليلية تمثل وجهة النظر »الأخرى »).

و الرؤية التي تم الدفاع عنها من قبل معدي « زمن بورقيبة »،  و كما أشار الى ذلك بعض المشاركين في « حوار مركز التميمي »، تتلخص في أن الرئيس الراحل كان يتميز برؤية « عقلانية » للصراع العربي الاسرائيلي مقابل الرؤية الناصرية التي اتسمت في أحسن الأحوال بالخشية من الإفصاح بالرأي « الصحيح » أمام الجمهور و في أسوأ الأحوال بأنها رؤية « غير واقعية » و « متشنجة ». يجب هنا الإشارة الى أن معدي البرنامج كانوا تونسيين (السيدين عبد الرحمان و الحناشي) و لكن لم تترك قناة العربية في جينريكها شكا في علاقة بدورها المباشر فيه حيث أشارت الى اسم السيد عبد الرحمان الراشد مدير القناة حاليا (رئيس تحرير صحيفة « الشرق الأوسط » سابقا) بأنه « المشرف العام » على الشريط. و من المعروف أن للسيد الراشد رؤاه الخاصة بالصراع العربي الاسرائيلي التي لا تختلف عن الرؤية التي تم الدفاع عنها في « زمن بورقيبة ». و من الصعب الاعتقاد أن ذلك التوافق كان مجرد صدفة.

2- آتي هنا للتأكيد على أهمية التعليق على مسألة رؤية بورقيبة من حيث المصادر و التناول الأكاديمي و ليس من جهة السجال السياسي. حيث أن جزء أساسي من مشكل الطريقة التي صور من خلالها معدو برنامج « زمن بورقيبة » رؤية الرئيس الراحل للصراع العربي الاسرائيلي أنها إفترضت مبدئيا أنها رؤية نابعة من تقدير استراتيجي محايد و خالي من أي حسابات سياسوية لظروف الصراع. و هنا لن أتعرض لنوايا بورقيبة فذلك يدخل تحديدا ضمن طرق السجال السياسي. عوضا عن ذلك سأحاول استقراء الرؤية البورقيبية ليس على أساس افتراض بديهي بخلوها من الحسابات السياسوية و إنما من خلال إستقراء الكم الهائل المتوفر من الوثائق حول هذه العلاقة.

3-أمر الآن في الحقيقة الى السبب الأساسي الذي جعلني أقوم بهذا التعليق. و هي مسألة الدراسة الأكاديمية للعلاقة بين الرئيس الراحل و الأطراف الاسرائيلية أو تلك المقربة منها. و في الوقت الذي كتبت فيه أكثر من مرة حول هذا الموضوع أشرت فيها الى دراست أساسية حوله لاحظت خلو البرنامج و الحوار من أي استفادة من هذه الدراسات (أنظر أسفله النقطة 4). و تفاجئت هنا في الحقيقة بمساهمة السيد عبد الجليل التميمي و هو الأكاديمي المميز خاصة في اختصاصه (تاريخ شمال افريقيا العثماني) و الذي كان من المفترض أن يعكس إطلاعا معقولا حول الموضوع و ما توصلت اليه الدراسات غير أنه كان محدودا ضمن مجال مقال وحيد كتبه أخيرا. حيث من الواضح أن السيد التميمي قدم رؤيته للرؤية البورقيبية بناء على وثيقة منفردة (لقاء بورقيبة بإسترمان في جويلية 1957) و قدم بناء على أساسها مجموعة من الاستنتاجات من بينها: « كان بورقيبة منذ تلك الفترة يؤمن إيمانا راسخا بحتمية الحوار مع إسرائيل، وكانت هذه قناعته ورؤيته من القضية منذ البداية » و من ثمة يستنتج السيد التميمي: «  وطلب أن يمهل بعض الوقت لتهيئة الرأي العام العربي وليسهل لهم قبول الأمر الواقع. وكانت تلك هي سياسة بورقيبة وفلسفته. ومن هنا أنتظر مؤتمر أريحا ليعبر عن موقفه هذا » و أخيرا أن هذه العلاقات مع الأطراف الاسرائيلية أو اليهودية المقربة من إسرائيل هي « علاقات معروفة وليست سرية« .  و كما سأبين أسفله هي رؤى في الحقيقة لا تنسجم مع الدراسات الراهنة الأكثر عمقا و لا مع محتوى الوثائق المنشورة و التي تتجاوز بكثير كما و نوعا الوثيقة التي بنى عليها السيد التميمي استنتاجاته.

4- كما أشرت أعلاه كتبت أكثر من مرة في موضوع الرؤية البورقيبية للصراع العربي الاسرائيلي و كان الذي جذبني الى ذلك النافذة الأكاديمية التي افتتحت تدريجيا في العشرية الأخيرة و التي سمحت لنا أخيرا أن ندرس الرؤية البورقيبية ليس بناء على الموقف السياسي العام من الرئيس الراحل و لكن على أساس مصادر أرشيفية محايدة هي في الأغلب محاضر إجتماعات سواء مع أطراف اسرائيلية مباشرة أو يهودية مقربة من دواشر القرار الإسرائيلي أو دوائر غربية خاصة أمريكية. و قد أكدت في هذه المقاربات بشكل خاص على دراسات مايكل لاسكير و الذي تخصص في دراسة الأرشيف الإسرائيلي الخاص بمنطقة المغرب العربي و الذي يحتوي على عشرات الوثائق. و أعيد في هذا الإطار في أسفل هذا التعليق نشر العرض النقدي الذي كتبته حول مؤلفه الرئيسي في هذا المجال « إسرائيل و بلاد المغرب » (نشر العرض في صحيفة القدس العربي 28 فيفري 2005). و قد تفاجأت أنه باستثناء أحد الحاضرين أو ربما اثنين في « حوار مركز التميمي » فإن البقية و منهم مؤرخون مختصون في الحقبة البورقيبية ليسوا حتى على علم بوجود مقالاتي أو حتى مؤلف مايكل لاسكير المشار (بالإضافة الى السيد مصطفى الزيتوني الذي يبدو أنه على علم بشكل عام بوجود كتاب لاسكيير و ببعض محتواه فإن البقية لم تشر اليه على الرغم من أهميته المركزية في النقاش المطروح. السيد المنصف الشابي أشار الى أن الكتاب « صدر بألمانيا » و ذلك طبعا غير صحيح حيث تم نشره من قبل جامعة فلوريدا في الولايات المتحدة).

و قد أشرت في هذا المقال الذي تعرض في جزء منه للرؤية البورقيبية بناءا على الدراسة الدقيقة للاسكير الى تققيم عام للرؤية البورقيبية بنيته على معطيات أخرى توصلت اليها بشكل مباشر في الأرشيف الأمريكي و كنت قد تعرضت اليها في مقال سابق قبل حوالي العام من ذلك بعنوان « ثوابت العلاقات التونسية الأمريكية و آفاقها في ظل رؤى المحافظين الجدد للمنطقة العربية » (أقلام أون لاين العدد العاشر فيفري 2004). و ملخص الرؤية البورقيبية حسب استقراء مطول للوثائق المتوفرة (و يمكن الاطلاع على بعض التفاصيل في مقالي السابق أسفله) أن الرئيس بورقيبة كان يعتمد استراتيجية عامة جوهرها هي البحث عن دور للدولة الوطنية ضمن الاستراتيجيا الأمريكية و اعتبار ذلك حجر الزاوية الأساس في قيام ثم في استمرار الدولة الوطنية الناشئة. و وفق هذا المبدأ يجب النظر للرؤية البورقيبية للصراع العربي الاسرائيلي. فعلى أساس نصيحة مبكرة تسبق الاستقلال بسنوات اعتبر الرئيس الراحل الى أن من أهم مفاتيح مواقع القرار في واشنطن هي الأطراف الإسرائيلية بمختلف مؤسساتها المباشرة و غير المباشرة (و هنا تتنزل أهمية « المؤتمر اليهودي العالمي ») و على ذلك الأساس كانت بداية العلاقات من خلال الباهي الأدغم في نيويورك في شهر جوان 1952 على أساس الدور الذي يمكن أن يلعبه الإسرائيليون في إقناع واشنطن في الضغظ على الفرنسيين لبدء التفاوض (لم يدعم الإسرائيليون الموقف التونسي لأن مجمل أوراقهم في تونس كانت تتقاطع مع مصلحة الوضع الإستعماري الفرنسي في تونس و لهذا ماطلوا بورقيبة للحصول على تنازلات بدون مقابل كما تبين الوثائق المعروضة من قبل لاسكيير). و كلما رجع بورقيبة لموضوع الموقف من إسرائيل كلما كان ذلك في إطار هذه الرؤية التي تنطلق أساسا من مصلحة الدولة القطرية-الوطنية كما يراها الرئيس الراحل. و يندرج ضمن هذا الإطار بالتحديد « زيارة بورقيبة للشرق » بما في ذلك « خطاب أريحا » الشهير حيث يتوافق من حيث التوقيت مع المعطيات المتوفرة في الأرشيف الأمريكي و التي تشير الى جهود بورقيبة و بروقيبة الابن منذ سنة 1965 للتقرب بشكلأ أكبر من الولايات المتحدة (إثر تداعيات أزمة بنزرت) و خاصة بهدف الحصول على دعم إقتصادي متعدد الأشكال (قروض مباشرة و غير مباشرة و استثمارات سياحية… الخ). و تشير محاضر الاجتماعات مع الأطراف الإسرائيلية بالتحديد الى هذا الملف بوصفه الملف الأكثر الأهمية لدى الجانب التونسي. و بالمناسبة فإن كل الإجتماعات بين الطرفين سواء مع شخصيات إسرائيلية مباشرة أو عبر ممثلي « المؤتمر اليهودي العالمي » (و الذين كانوا بالطبع يرفعون تقارير عنها للقيادة الاسرائيلية و جزء من الأرشيف في الواقع هذه التقارير تحديدا) كانت تتم بشكل سري تماما و ذلك بطلب و « إلحاح شديد » كما تشير الوثائق من قبل الجانب التونسي (في إحدى المرات اشتكى ايسترمن بقاؤه في غرفة مغلقة لأيام في أحد النزل التونسية قبل لقاء الرئيس بورقيبة).  كل المعطيات تشير الى أن الرؤية البورقيبية لا تعبر عن « فلسفة » أو « قناعة » مبدئية « منذ البداية » للصراع العربي الاسرائيلي بشكل مجرد يتصف بالـ »العقلانية ». فهي رئية لم تكن معزولة بل هي قائمة أساسا على الحسابات السياسية و تحديدا تلك المتعلقة بمصلحة الدولة القطرية-الوطنية كما يراها الرئيس الراحل. و في هذا الإطار عنونت عرضي النقدي لكتاب لاسكيير « في التطبيع و ميكيافيلية الدولة الوطنية في المغرب العربي » (ينطبق الأمر على رؤية الحسن الثاني و بشكل جزئي على بعض قيادات جبهة التحرير).

إن الموقف الذي عبر عنه السيد التميمي و من ثمة شريط « زمن بورقيبة » لا يعبر عن قراءة جدية للدراسات المتوفرة و لا لوثائق الأرشيف بقدر ما يعيد إستهلاك منظومة دعائية عبر عنها الخطاب البورقيبي بانتظام في علاقة بالصراع العربي الإسرائيلي (كما هو بارز في أشرطة وثائقية موجهة للجمهور الفرنسي موجودة على موقع بورقيبة في الانترنت مثلما هو الحال مع شريط تم إعداده أياما قليلة بعد حرب جوان 1967): و تتمثل هذه المنظومة التي لا تقل تصميما عن المنظومة الموازية في « صوت العرب » في أن بورقيبة يملك رؤية « غير متشنجة » و « أبوية » و لا تتأثر برأي الجمهور بقدر ما تعلمه. و طبعا لا يمكن فصل هذه المنظومة الدعائية التي اخترقت كل الميادين عن قناعة بورقيبية جدية بأنه فقط نظام أبوي هو القادر على حماية الدولة القطرية-الوطنية. و لكن ذلك موضوع آخر. لكن من الضروري أن أشير الى نقطة أساسية هنا أكدت عليه في السابق أكثر من مرة. يجب الكف عن التعامل مع الرئي بورقيبة من خلال قوالب جامدة. لا ينطبق ذلك فقط على أولاءك الذين يقدمونه على أساس أنه « عقلاني » و « مستنير » مجرد من السياسوية بل ينطبق أيضا على من يعتبره مجرد « عميل » و « خائن ». حيث أني على قناعة أن التجربة البورقيبية قبل و بعد 1956 كانت بالضرورة ممكنة لأن التونسيين سمحوا لها بذلك. و بشكل آخر فالبورقيبية هي تعبير عن الظرفية التونسية حتى و لو أنها لا تعبر بالضرورة عن قناعات جميع التونسيين. و لهذا اليبب تحديدا لم يكن من الممكن أن تستمر حيث كانت تداعياتها الكشف عن رؤى بديلة بشكل كبير. غير أن الأخيرة لم تكن على النقيض من البورقيبية بقدر ما كانت تختلف معها حتى لو خاصمتها و شتمتها. ينسحب ذلك على رؤية التونسيين تجاه إسرائيل و طبيعة العلاقات معها. فبورقيبة لم يطبع العلاقات في النهاية منفردا و كما أشار « زمن بورقيبة » فقد عارض بدوره الأسلوب الإنفرادي للرئيس السادات عند إمضائه إتفاقية كامب دافيد. و ذلك تحديدا يخبرنا عن حدود البراغماتية البورقيبية بعيدا عن الشعارات و التي تعي تماما ظرفيتها التونسية.    

5-آتي هنا لنقطة أخرى و هي كيفية تمثل الصراع و تعرجاته من زاوية « وجهة النظر الأخرى ». و هنا من الضروري التصرف بأكثر جدية و عدم النظر للمواقف « غير البروقيبية » على أنها متجانسة و متماثلة حيث من الضروري أن نتفهم أكثر الفارق بين المقاربة المصرية-الناصرية و المقاربة السورية-البعثية مثلا خلا الستينات.

كما أنه من الواضح أن الرؤية الناصرية كانت تتوفر، كما هو الحال مع معظم الرؤى الناصرية، على شقين: الاول استراتيجي عام و الثاني سياسي خاص. و من جهة ثانية كانت الرؤية السياسية الخاصة تحظى في المجمل بأولوية خاصة. و لهذا تحديدا كان موقف القيادة المصرية مستعدا بشكل دائم للأخذ و العطاء (أو « خذ و طالب » حسب تعبير الرئيس بورقيبة) و المشكل لم يكن في أن هناك رغبة مصرية « متشنجة » في « رمي إسرائيل في البحر » بل في العروض المقترحة (خاصة أمريكيا) قبل حرب السويس سنة 1956 حيث كانت تتعارض مع آفاق بناء الدولة القطرية-الوطنية بالذات (كما هو واضح من الوثائق الأرشيفية المنشورة في معظمها الآن). و بمشاركة إسرائيل في العدوان الثلاثي بدون أي مبرر و مشاركتها في إحتلال أو الحد من السيادة على أراضي مصرية لم يكن من الممكن التعامل مع العلاقات مع إسرائيل خارج إطار المصلحة القطرية-الوطنية المصرية بالتحديد. و من ثمة أصبح الوجود الإسرائيلي تهديدا مباشرا لوجود الدولة الوطنية المصرية. و هكذا من الدعائية الترويج لمقولة أن عبد الناصر كان « متشنجا » و « غير عقلاني » أو خاصة أقل براغماتية من بورقيبة. و بمعنى آخر فإن المقارنة الوحيدة الممكنة بين بورقيبة و عبد الناصر هي مقارنة مستحيلة: حيث علينا أن نضع بورقيبة على رأس مصر لكي نعرف ماذا كان أن يفعل و لم يفعله عبد الناصر.

إن مسألة طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي و آفاق حله هي مسألة معقدة و لا يمكن أن أتعرض اليها بالتفصيل في هذا الإطار. و لكن رجاءا دعنا نكون جديين بعض الشيئ، و هنا أوجه كلامي تحديدا لمن يتصور أن « المرحلية البورقيبية » هي إكتشاف نادر لم يتفطن اليه أحد باستثناء الزعيم الراحل، لا يوجد ما يكفي من الأدلة على رغبة إسرائيلية أو أمريكية و ذلك منذ 1948 على رغبة جدية في القبول بجسم دولة عربية متصلة في فلسطين سواء على أساس قرارات التقسيم الأولى أو القرارات الأممية اللاحقة. إن أي سياسة واقعية و عقلانية تتجنب الشعارات بما في ذلك شعارات من نوع « الرؤية العقلانية غير المسبوقة » لا يمكن لها أن تتغاضى عن هذا الموقف المتطرف و العدمي و الذي يرى في الحقيقة (و هنا للتذكير أتحدث عن الموقف الإسرائيلي السائد و ليس عن « المتطرفين العرب ») أن القوة قبل أي عامل آخر هي أساس الحل في المنطقة. و هنا تحديدا علينا مراجعة « التناقض » على الأقل رسميا بين مواقف « الأنظمة العربية المتطرفة » و الموقف البورقيبي و الذي أكد مرارا (رسميا على كل حال) على ضرورة الجمع بين « غصن الزيتون و البندقية » كما أشار الى ذلك شريط « زمن بورقيبة ». هل يعني ذلك أنه لم تكن هناك خلافات؟ لا طبعا. منها بالتأكيد نزعة ميكيافيلية مغالية للرئيس بورقيبة. و لكن أعتقد أن العامل الرئيسي لهذه الخلافات يبقى ما يتعلق بالظرفيات القطرية الجغراسياسية المتمايزة و ما يستتبعها آليا من تفارق في المصالح أو في أقل الأحوال ما يقع تمثله و تقديره من تفارق في المصالح.      

6-لا أستطيع في النهاية أن أتجنب القيام بملاحظة عامة خاصة بالتحديد بالشهود المقربين من الرئيس الراحل الذين ظهروا عبر حلقات الشريط حتى الآن. حيث كان من إيجابيات شريط « زمن بورقيبة » أنه منحنا فرصة للتعرف عن قرب على « أعوان بورقيبة » و الذين كانوا متوارين مشهديا خلف صورة الزعيم الراحل رغم أنهم مثلوا قطع أساسية في بنية النظام. و باستثناء السيدين أحمد بن صالح و العياري فإن « الشهود البورقيبيين » و غالبيتهم من الوزراء السابقين كشفوا عن درجة مفاجئة من الضعف على مستوى التبليغ و التحليل. حيث كان من الصعب أن يقوم أي منهم و غالبيتهم شغلوا مناصب في غاية الحساسية (و أعني هنا للذكر لا الحصر السادة المصمودي و المزالي و الصياح) بصياغة جملة كاملة سليمة. و لا أعني هنا الجانب اللغوي فحسب بل مستوى المعنى أيضا. و رغم أنه كان من الممكن توقع ذلك منذ بضع سنين بعد مشاهدة السيد الطاهر بلخوجة في حلقات « شاهد على العصر » (قناة الجزيرة) و مستواه المتواضع للغاية من حيث الرؤية و التحليل فإنه يبقى أمرا مفاجئا. و لكنه يمنحنا أيضا صورة انطباعية عن طبيعة غالبية الطبقة السياسية الحاكمة المؤسسة للدولة الحديثة. و المعضلة التي تبعث على الحزن أنه سيكون من الصعب حقا أن نجد مسؤولا حكوميا سابقا قادرا على أن يتحدث باتزان و بشيء من العمق عن تجربته في السلطة. و لا أعني هنا أننا من المفترض أن نتوقع من المسؤول السياسي الرفيع أن يكون أكاديميا فصيحا و لكن من الجهة الأخرى من المشروع أن نفترض منه أن يحضى ببعض التوازن و البلاغة و القدرة على التعبير عن رؤية واضحة و ليس مجتزأة عن تجربته. و في الحقيقة لا أدري إن كان هذا المستوى المحدود للغاية ناتجا عن ميل الرئيس الراحل لمن يقل عنه كثيرا من حيث المواهب أم هو نتيجة لوضع بنيوي شامل لم يكن لأحد أن يتجاوزه. أخيرا من الضروري أن ألاحظ أننا نفتقد في تونس شاهدا إعلاميا من طينة ما يمكن أن نجده في ساحات عربية شهدت تجارب إعلامية عريقة (هيكل في مصر، البزاز في العراق…) و من ثمة و بجانب مواقع « المؤرخ » و « الشاهد » كان موقع « الإعلامي » شاغرا رغم وجود « إعلاميين » من بين ضيوف « زمن بورقيبة ».  

عرض لكتاب « إسرائيل و بلاد المغرب »: في التطبيع و ميكيافيلية الدولة الوطنية في المغرب العربي

 

الطاهر الأسود باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية المشكل بالرغم من استمرار الصراع العربي الاسرائيلي فإن طوله الكرونولوجي قد سمح ليس فقط بتجمع كم أرشيفي هائل بل أيضا بمرور الزمن الكافي لرفع السرية عن عدد هام من الوثائق التي لم تكن معروفة. و باستثناء الأرشيف الحكومي العربي (و هو لا يحوي على كل حال على تسجيل لكل الوقائع) و الذي لا يتضمن تراتيب واضحة تضبط المدة اللازمة لرفع السرية عن الوثائق الحساسة فإن باقي مراكز الأرشيف الدولية قد بدأت منذ حقبة الثمانينات و خاصة التسعينات برفع الحجر عن مصادر هامة تساعد على الـتأريخ أو في أقل الأحوال توفير حد أدنى من المعطيات التي لم يكن ممكنا في السابق الاطلاع عليها و هو ما يتعلق خاصة بالفترة الأكثر التصاقا الى الراهن السياسي العربي أي مرحلة النصف قرن الماضي من حياة الدول القطرية/الوطنية العربية. و إذا كان الموضوع لا يزال في حاجة الى تحيين ضروري على المستوى العربي عامة فإن منطقة المغرب العربي بفعل بعدها الظاهري عن المجال الجغرافي الأكثر سخونة للصراع العربي الاسرائيلي قد بقيت متوارية في تلك الصورة، تقبع خلف « اللاعبين الاقليميين الرئيسيين » و هو ما يجعلها تحتاج بالتأكيد الى إهتمام أكبر. فهل كانت هذه المنطقة فعلا متوارية سياسيا و استراتيجيا بتناسب مع تواريها الجغرافي؟ يجيب الكتاب الذي يشكل محور عرضي النقدي هذا، و لو جزئيا، على هذا السؤال. و بالرغم من كل ما يمكن أن يمثله إنتماء مؤلفه الإسرائيلي و رؤيته الصهيونية في الأساس من حدود بديهية تقلل من الشروط الموضوعية للبحث الأكاديمي التاريخي فإننا سنتعامل معه من زاوية ما يمكن أن يوفره من معطيات إخبارية يمكن أن تلقي ضوءا مختلفا على بعض الأحداث المعروفة أو ضوءا جديدا يكشف عن أحداث لم تكن معروفة. و في هذا الاطار يتوفر الكتاب على معطيات كافية تساعد على التوصل الى ثلاث أفكار أساسية. أولا يدفع الى الكف عن النظر الى الأقطار المغاربية على أنها مستنكفة عن الخوض في موضوع الصراع العربي الاسرائيلي، مستغرقة في محيطها الاقليمي أو غير مبالية بما يحدث في « قلب الصراع ». ثانيا يحث على التوقف عن النظر الى الأنظمة الحاكمة من زوايا قيمية و إطلاقية من نوع إما أبيض و إما أسود: إما « وطنية » و « وفية » (فيما يتعلق بالنظامين الجزائري و الليبي) و إما « عميلة » و « خائنة » (و هي التهم التي ما تُثار عادة في علاقة بالنظامين المغربي و التونسي). حيث تقدم الوثائق الأرشيفية الجديدة الخام (الوصفية في الأغلب) صورة أكثر واقعية تقرب الهوة بين هذه الأنظمة و توضح طبيعتها الميكيافيلية و التي تمثل نقطتها المشتركة البديهية. ثالثا، و فيي المقابل، توضح الكثير من المعطيات أن عددا من الشعارات القومية و الوطنية كانت بالتأكيد (و لا تزال) صحيحة و لا تعبر عن أوهام أو تحليلات تامرية، و خاصة تلك المتعلقة بتقييم السياسة الاسرائيلية التي تعتمد التطبيع لـ »تخريب »، كما جاء بشكل صريح في أحد الوثائق الاسرائيلية، « جهود الوحدة العربية« . الكتاب تخصص المؤرخ و أستاذ جامعة بار إيلان الاسرائيلي (المتحدر من عائلة يهودية مغربية) مايكل لاسكيار (Michael Laskier) منذ بداية الثمانينات في كتابة البحوث حول موضوع محدد: العلاقات بين « بلاد المغرب » (بالتعريف الفرنسي المحدد فقط في أقطار تونس و الجزائر و المغرب) و إسرائيل. و من الممكن إعتبار باكورة بحوثه كتابه الذي صدر أخيرا في سنة 2004 عن دار النشر التابعة لجامعة ولاية فلوريدا و المعنون « إسرائيل و بلاد المغرب: من إقامة الدولة الى أوسلو » (Israel and the Maghreb: From Statehood to Oslo). و من المؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التعرض الى هذا الموضوع. فبخلاف التقارير الصحفية التي تظهر في بعض المنعطفات السياسية توجد بحوث ذات طابع أكاديمي مماثل لمقالات لاسكيار و يتعلق الأمر على سبيل المثال بمؤرخ اسرائيلي اخر يدرس الان في كلية سلاح الجو الأمريكي يعقوب أبادي (Jacob Abadi) و الذي نشر في أواسط التسعينات مقالات مهمة عن علاقة الأقطار المغاربية بإسرائيل. و لكن تتميز أعمال لاسكيار بتفردها من حيث الاعتماد على وثائق من الأرشيف السري الاسرائيلي تم رفع السرية عنها تدريجيا و ذلك منذ بداية التسعينات عندما بدأ في تأليف كتابه و الذي نشره في الواقع بشكل متقطع في مؤلفاته السابقة و في عدد من الدوريات الدولية و خاصة في الولايات المتحدة و أشير هنا مثلا الى مقال كان قد نشره سنة 2000 في نشرية ميدل ايست ريفيو اوف انترناشيونال أفيرز، الدورية الأمريكية المتخصصة في الشأن السياسي العربي الاسلامي و التي يشرف عليها اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة، و هو بالمناسبة متوفر على الموقع الالكتروني لهذه الدورية لمن يتعذر عليه قراءة الكتاب و يرغب في قراءة تلخيص عام لما جاء فيه. و بالاضافة الى وثائق سرية سابقا محفوظة في الولايات المتحدة و فرنسا تتمثل أهم مصادر لاسكيار في مجموعة من الوثائق السرية المحفوظة إما في مراكز الأرشيف الرسمية الاسرائيلية مثل أرشيف وزارة الخارجية أو في مراكز أرشيفية تتبع أساسا لمنظمات غير حكومية مثل « الارشيف المركزي الصهيوني » في القدس المحتلة و هي تتعلق أساسا بوثائق ترجع للفترة القائمة بين خمسينات و بداية سبعينات القرن الماضي و صادرة إما عن مؤسسات اسرائيلية رسمية مثل وزارة الخارجية الاسرائيلية او مؤسسات مرتبطة باسرائيل مثل « المؤتمر اليهودي العالمي ». كما اعتمد الكاتب ضمن مصادره تقارير لشخصيات رئيسية شاركت في أحداث تتعلق بالفترة الزمنية الخاصة بالوثائق سابقة الذكر، و يتعلق الأمر مثلا بتقارير كتبها ألكس ايسترمن (Alex Easterman) مدير المكتب السياسي لـ « الموتمر اليهودي العالمي » المتركز في لندن عن حوارات و مقابلات أجراها مع مسؤولين مغاربة (الوزير الأول مبارك البكاي سنة 1956 في باريس) و تونسيين (الرئيس بورقيبة و وزير الخارجية بورقيبة الابن سنة 1966 في تونس) و التي نشرها كاملة ضمن ملحق خاص. و في الوقت الذي قسم فيه المؤلف كتابه الى سبعة فصول فإنه يعالج فيه أربعة محاور أساسية أشار اليها في المقدمة، و تتمثل في : أولا، مختلف الانعكاسات السياسية الناتجة عن وقائع أساسية مثل هجرة اليهود المغاربيين الى إسرائيل و الصراع العربي الاسرائيلي. ثانيا، الانخراط الاسرائيلي في الأوضاع الداخلية لبلاد المغرب. ثالثا، « الدور الريادي » الذي قام بها قادة مغاربيون لإيجاد حل سلمي للصراع العربي الاسرائيلي. رابعا، أهمية دور الأقلية اليهودية المغاربية (و خاصة في المغرب الأقصى) في توفير قنوات اتصال سرية بين إسرائيل و أقطار المغرب. مفارقات التقارب و الصراع في سنة 1965 صرح وزير الخارجية الاسرائيلي ليفي أشكول في خطاب بالكنيست « احفضوا نصيحتي: لا تعلقوا أهمية زائدة على ما يسمى بالقادة العرب المعتدلين ». كانت الشكوك الاسرائيلية تجاه ما يُقدم الان على أنهم قادة « معتدلين » أو « متعاونين » مع اسرائيل قوية، و يشمل ذلك بالنسبة لبلاد المغرب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة و العاهل المغربي الحسن الثاني. و من أهم أسباب التشاؤم الاسرائيلي تجاه هؤلاء حرصهم الكبير على عدم التورط العلني في أي علاقة بإسرائيل بالرغم من استعدادهم لعقد لقاءات على أعلى مستوى بالمسؤولين الاسرائيليين. و هكذا فأمام المطلب الاسرائيلي المستمر بالكشف عن هذه العلاقات الخلفية فإن تونس و المغرب حرصتا بشكل فائق و بإلحاح على الطابع السري لأي علاقة بالدولة العبرية. لقد كان هناك توافق تونسي مغربي (بشكل عفوي أم واعي؟) على هذه السياسة و التي ميزت التطورات اللاحقة و الراهنة حيث يحرص كل منهما على اتباع نفس التوجه و القاضي بالامتناع عن اتخاذ أية خطوات تبدو مخالفة للـ »إجماع العربي » الرسمي، و لا يتوقف ذلك على مرحلة المد القومي بل يتعداه للمرحلة الراهنة. و ضمن هذا الاطار يجب فهم ملاحظة أشكول أعلاه: ففي حين أن أهم الفوائد السياسية لتلك اللقاءات من وجهة النظر الاسرائيلية تكمن تحديدا في « كسر حصار » دول الطوق فان تلك الفائدة لم تتحقق عمليا لأنها ببساطة غير مرئية. حيث أن ما يكفل حقا كسر الطوق الأثر الإعلامي بالذات لمثل تلك اللقاءات و ليس حدوثها فحسب. و هكذا حتى في مراحل التقارب و الحوار المباشر حرص، على سبيل المثال، المسؤولين المغاربة على إبقاء أي محادثات مع الاسرائيليين طي الكتمان. و علي سبيل المثال أكد الوزير الأول لمغربي البكاي في لقائه مع ايسترمن سنة 1956 (و الذي خصص لترتيب لقاء بين الملك محمد الخامس و السفير الاسرائيلي في فرنسا) على السرية المطلقة لأية محادثات تجري بين الطرفين. و هو ما حدث كذلك في أول لقاء للحسن الثاني عندما كان وليا للعهد في سنة 1960 (حيث التقى في الرباط بوفد إسرائيلي لمناقشة مسألة تهجير اليهود المغاربة الى إسرائيل) عندما افتتح اللقاء بتحذير شديد من أن أي تسريب لخبر اللقاء سيدفعه لـ »اتخاذ قرار بالامتناع الكلي عن أي لقاء في المستقبل ». كما اضطر ايسترمن للبقاء حبيس غرفته في أحد فنادق العاصمة التونسية في زيارة سنة 1966 دعاه إليها الرئيس بورقيبة حيث ماطله الرئيس قبل لقائه في سرية مطلقة حيث تم تكرار رغبة الرئيس التونسي في الحفاظ على المحادثات في إطار من السرية الكاملة و هو ما اضطر ايسترمن لتقديم ضمانات واضحة في هذا الشأن. و هكذا كان حال التقارب المخفي بين الطرفين منذ بدايته أي منذ بداية الخمسينات. و بشكل عام كان ذلك التقارب شديد الخفاء حتى يفعل أثره. من جهة أخرى تخللت حالات التقارب تلك حالات من الصراع الصريح. تجسم ذلك مثلا في الحالة المغربية في إطار تأثيرات النشاط الصهيوني في المغرب الأقصى من أجل تهجير اليهود المغاربة الى إسرائيل و هو ما ميز خاصة المرحلة الفاصلة بين سنتي 1956 و 1961. حيث عارض المخزن بما في ذلك الحكومة الجديدة بكل تنوعاتها السياسية بكل قوة سياسة التهجير الاسرائيلية و ذلك لعدة أسباب منها عدم الظهور بمظهر الخارج عن الاجماع العربي المعارض لهجرة اليهود العرب الى إسرائيل و لكن أيضا الحرص على الابقاء على رؤوس الأموال اليهودية ضمن الدورة الاقتصادية المغربية خاصة في تلك المرحلة المبكرة من الاستقلال. و فشلت في هذا الاطار المحادثات التي وقعت بين عبد الرحمان بوعبيد نائب الوزير الأول المغربي و ايسترمن في المغرب سنة 1959 عندما حاول « المؤتمر اليهودي العالمي » التحكم في عملية التهجير و الضغط على الحكومة المغربية لمنح جوازات سفر لليهود المغاربة للذهاب الى إسرائيل. و قد التقت مختلف الحساسيات السياسية ضمن حزب الاستقلال (أي رئيسيا تياري المهدي بن بركة و علالة الفاسي) و ذلك بدعم من مؤسسة المخزن في رفض “التدخل الاسرائيلي السافر” و اتخاذ إجراءات مشددة لمحاصرة محاولات الحركة الصهيونية للقيام بعمليات تهجير غير مشروعة. و هكذا كان الموقف شديد الغموض يتراوح بين الاستعداد للتحادث و اللقاء (و بالتالي عدم استعداء الطرف الاسرائيلي بشكل مطلق) مقابل الامتناع عن قبول المطالب الاسرائيلية و ذلك استجابة للموقف العربي الرسمي المشترك و لكن أيضا لأسباب داخلية خاصة بمصالح الدولة القطرية/الوطنية أساسا. في المقابل كانت الثورة الجزائرية و دولة الاستقلال الناشئة عنها في حالة تعارض كبير مع إسرائيل خارجة في الأغلب عن الخيار الجزائري. حيث دخل الاسرائيليون في تحالف استراتيجي مع فرنسا (في إطار ظروف و استتباعات العدوان الثلاثي) جعلهم ليس في موقع دعم سياسي فحسب للجهود الفرنسية لقمع الحرب الشعبية المتصاعدة بل أيضا في موقع التورط العسكري المباشر حيث تشير الوثائق الى اتفاق فرنسي اسرائيلي يتعهد وفقه الاسرائيليون بالانخراط في الجهود الاستخبارية في أوروبا لاعتراض عمليات تهريب السلاح للثوار الجزائريين مقابل توزيد الفرنسيين للدولة العبرية بأحدث الدبابات و الطائرات الفرنسية. و تعمقت أسباب الصراع الجزائري الاسرائيلي عندما اكتشف الجزائريون أنه خلال الأشهر القليلة التي سبقت تسلمهم السلطة (أي قبيل يوليو (جويلية) 1962) قام الفرنسيون و بمشاركة إسرائيلية مباشرة بعملية تهجير واسعة ليهود مدينة غرداية و هو ما انضاف على الدلائل السابقة للتنسيق المباشر بين الفرنسيين و الاسرائيليين في سياسة التهجير هذه حيث سبق لجبهة التحرير أن اعتقلت و أعدمت مبعوثين اسرائيليين مشرفين على عمليات التهجير سنة 1958. و لكن حتى في الحالة الجزائرية لم يكن هذا الصراع غياب أية قنوات اتصال بين الطرفين. فحتى خلال الثورة كان يوجد جناح مستعد للتوافق مع الاسرائيليين و هو ما عبر عنه قيادي جبهة التحرير فرحات عباس في خطابه في الأمم المتحدة سنة 1957 عندما رحب بهجرة اليهود الجزائريين الى إسرائيل. غير أن أحد أهم الشخصيات المثيرة للجدل في علاقة بقنوات مبكرة بين الاسرائيليين و قيادات جبهة التحرير كانت من خلال عبد الرزاق عبد القادر أحد حفداء الأمير عبد القادر و أحد ممثلي التيار اليساري في صفوف الجبهة، و الذي التحق بصفوف الجبهة سنة 1954 بعد ان تزوج اسرائيلية (من أصل بولوني) من « اليسار الاسرائيلي » و أقام معها في أحد المستوطنات الاسرائيلية. و قد شغل في فترة أولى ممثل الجبهة في ألمانيا الغربية و سويسرا و هي الفترة التي نشر فيها مؤلفا دعى فيه بوضوح لتركيز الجبهة على دعم العلاقة مع إسرائيل عوض التعويل على البعد العربي للثورة. و قد أرسى عبد القادر أولى الاتصالات المباشرة بين بعض قيادات الجبهة و المسؤولين الاسرائيليين و ذلك في ربيع سنة 1962. و لكن كان من الواضح أن هذا التيار كان ضعيفا حيث تعرض عبد القادر الى السجن سنة 1963 ثم النفي سنة 1964 (المثير أن عبد القادر توفي في التسعينات في إسرائيل بعد أن أصبحت له هوية و اسم إسرائيليين). التطبيع و مصالح الدولة الوطنية كانت مرحلة التأسيس للدولة القطرية/الوطنية المدخل الرئيسي للطرف الاسرائيلي الى منطقة المغرب. حيث كان هناك استعداد متبادل للتوافق على دعم اسرائيلي لمطلب الاستقلال الوطني مقابل التعهد بالمساهمة في الدفع عربيا نحو الاعتراف باسرائيل و تسهيل الهجرة اليهودية. و كما أشرت أعلاه فقد برزت هذه الرؤية حتى ضمن صفوف الثورة الجزائرية بالرغم من كل أسباب الصراع. فقد لعبت لجنة من « اليسار الاسرائيلي » لدعم « جزائر حرة » دورا مهما في خلق قنوات مبكرة مع بعض الناشطين الجزائريين في أوروبا. و قد تدعمت هذه الاتصالات مع « اليسار الاسرائيلي » من خلال اللقاءات التي قامت بها « الحكومة الجزائرية المؤقتة » (ممثلة في أشخاص الوزراء بلقاسم كريم و محمد يزيد) و المتمركزة في تونس مع بعض وجوه هذا التيار و المتمحورة حول المطالب الجزائرية من إسرائيل للتخلي عن دعم الموقف الفرنسي. و تجلى الدخول الاسرائيلي الى الجزائر خلال دولة الاستقلال من خلال المعارضة في ظل دعم حكومتي بن بلا و بومدين للمقاومة الفلسطينية. حيث تكشف الوثائق في هذا الاطار تورط بلقاسم كريم عندما كان يقود تنظيما معارضا من المغرب في السنوات الستين علاقات مع الأجهزة الاستخبارية الاسرائيلية. و من المرجح أن للرئيس الحبيب بورقيبة دورا هاما في هذه المبادرات حيث تذكر بالاتصالات التونسية الاسرائيلية الاولى في نيويورك بداية الخمسينات و ذلك في اتجاه كسب دعم اسرائيلي لمطلب الاستقلال. قد بدأت هذه الاتصالات تحديدا منذ 25 يونيو (جوان) 1952 من خلال لقاء أحد ممثلي الحزب الحر الدستوري الجديد الباهي الادغم في نيويورك بممثل اسرائيل في الامم المتحدة انذاك و التي قام خلالها المبعوث التونسي بـ »طلب الدعم الاسرائيلي » لمطلب الاستقلال التونسي، كما اكد الباهي الادغم في نفس اللقاء ان حزب الدستور لم يكن وراء الهجمات « المعادية لليهود » في تونس انذاك. و بشكل متزامن دعى بورقيبة في حوار مع صحيفة لوموند الفرنسية في جوان 1952 الى ضرورة قيام الاطراف العربية بتسوية سياسية مع اسرائيل. و اكد نفس الرؤية حين وجوده بالمنفي ضمن المجال الفرنسي سنة 1954 في لقاء مع ايسترمن. و من المثير ان الطرف الاسرائيلي –اكثر ربما من الطرف التونسي— كان مترددا في إعلان هذه العلاقات لتجنب إغضاب سلطات الاحتلال الفرنسي. و تأتي في هذا الاطار اللقاءات بين أحمد بن صالح زعيم المنظمة النقابية التونسية و أحد قادة حزب الدستور مع زعيم الهستدروت الاسرائيلي كوهين-حضرية في إطار اجتماعات المنظمة النقابية الدولية السيزل حيث طلب المسؤول التونسي دعم المنظمة النقابية الاسرائيلية المطلب التونسي بتنظيم مؤتمر السيزل لسنة 1957 في تونس مقابل السماح بمشاركة وفد اسرائيلي في المؤتمر. المثير في الأمر أنه في الوقت الذي كان فيه بعض الوطنيين التونسيين مستعدين لتجاهل الظرف القومي المميز بالصراع مع إسرائيل أملا في دعم إسرائيلي للاستقلال القطري/الوطني كان الاسرائيليون يحظون بعلاقة مميزة مع الفرنسيين جعلتهم يتمتعون بتسهيلات كبيرة داخل تونس يصعب التفكير أنهم كانوا على استعداد للمساعدة على تعريضها لمخاطرة انتقال السلطة في تونس لتيار وطني يعبر عن السكان العرب للبلاد. و من أهم ما تكشفه الوثائق الاسرائيلية الشبكة الواسعة داخل تونس لفرع التهجير التابع للموساد الاسرائيلي و التي كانت تنشط (بعلم السلطات الاستعمارية الفرنسية) على شكل واسع خاصة في الفترة الممتدة بين 1949 و 1956. و قد قام فرع الموساد هذا بتنظيم عملية تهجير حوالي 6200 يهودي الى إسرائيل خلال تلك الفترة. و لكن إضافة الى ذلك تجاوزت مهمات الاستخبارات الاسرائيلية في تونس مسألة التهجير حيث بادرت الى تنظيم خلايا مسلحة للـ « الدفاع الذاتي » (تخوفا من « العنف المتأتي من تصاعد الحركة الوطنية ») في الأحياء اليهودية خاصة في مدينة تونس و جزيرة جربة و لكن أيضا في بقية المدن التونسية مثل قابس و صفاقس. و تواصل وجود هذه الخلايا حتى بعد الاستقلال سنة 1956 و كانت تحت إشراف ضباط من الموساد تم إرسالهم خصيصا من إسرائيل. و بعد سنة 1955 توسعت هذه الشبكة لتشمل بقية أقطار المغرب و خاصة المغرب الأقصى و أصبح ضابط الموساد المشرف عليها يقود أنشطتها من باريس. و قد شهدت العلاقات الإسرائيلية المغربية قبل الاستقلال وضعا مختلفا بعض الشيئ عما حدث في الجانب التونسي. حيث لم يسع الوطنيون المغاربة الى إقامة أي شكل من الاتصالات قبل ضمان الاستقلال. في المقابل كان الاسرئيليون يتمتعون بتغطية فرنسية لعملية التهجير الواسعة ليهود المغرب و الذين كانوا أكثر عدد من يهود تونس. و حسب الوثائق الاسرائيلية فقد قام الموساد بتنظيم هجرة حوالي 90 ألف يهودي الى إسرائيل عبر فرنسا بين سنتي 1949 و 1956. و قد انعكست العلاقة القوية بين الاستعمار الفرنسي في المغرب و الاسرائيليين من خلال تصريحات ممثل اسرائيل في الولايات المتحدة و التي كانت تدعو لعدم تدخل الامم المتحدة في الشأن المغربي لأنه « شأن فرنسي داخلي » و ذلك في ظرفية حاولت فيها الحركة الوطنية المغربية اختراق المسرح الدولي للضغط على الفرنسيين. و لكن بعد سنة 1956 سيصبح منطق العلاقة مع إسرائيل قائما على رؤية قيادات الاستقلال الجديدة في تونس و المغرب لأهمية الدور الاسرائيلي في خدمة بناء الدولة القطرية/الوطنية الناشئة بالخصوص مسألة البناء الاقتصادي من خلال البحث عن دعم المؤسسات المالية الدولية، و هو ما تزامن مع رؤية اختارت الابتعاد عن « التجربة الاشتراكية » التي عمت عددا من الأقطار العربية (شهدت تونس مسارا معقدا فشل فيه أنصار التجربة التعاضدية شبه الاشتراكية حسم الصراع السياسي لصالحهم داخل حزب الدستور وهي نفس الوضعية التي شهدها المغرب و لو في فترة مبكرة جدا من عمر الدولة الجديدة). و يبالنسبة لتونس يأتي في هذا الاطار لقاء مهم جدا بالنسبة لصياغة رؤية بورقيبة للسياسة الخارجية التي يجب ان تلعبها تونس في المستقبل و هي على ابواب إنهاء الاحتلال العسكري الفرنسي. ففي شهر فيفري 1956 و خلال المفاوضات الدائرة في فرنسا حول الاستقلال التقى بورقيبة بالسفير الاسرائيلي بباريس ياكوف تسور (Yaakuf Tsur) و بعد سماعه ملاحظات عديدة لبورقيبة تتلخص في « كرهه » لعبد الناصر و سياسته في المنطقة, نصح السفير الاسرائيلي بورقيبة النصيحة التالية: ان عليه « ضمان دعم اليهود الامريكيين للحصول على دعم اقتصادي امريكي« . و بالاضافة الى التعاون الاقتصادي المباشر بين الحكومتين و الذي انطلق بشكل فعلي مع لقاء السفير الاسرائيلي تسور في 3 اكتوبر 1956 مع وزير المالية التونسي، فإن اهم ثمار هذه العلاقة خاصة بالنسبة لتطوير العلاقات التونسية الامريكية كان مع اواسط الستينات. ففي ماي 1965، أي بعد اقل من شهرين من خطاب اريحا الشهير و جولة بورقيبة المثيرة في المشرق العربي في مارس 1965، سافر بورقيبة الابن و الذي كان وزير الخارجية التونسي و حامل اسرار ابيه انذاك الى واشنطن في زيارة هدفها طلب الدعم المالي الامريكي. و استجابة لطلبه فقد طلبت وزارة الخارجية الامريكية من اسرائيل التوسط للجانب التونسي مع حكومتي فرنسا و المانيا الغربية للحصول على دعم مالي يقدر ب20 مليون دولار، كما طلب الامريكيون في نفس الاطار من اسرائيل شراء الخمور التونسية. و تلاحظ الوثائق الاسرائيلية في هذا الاطار ان موافقتها على الاستجابة للمطالب الامريكية كان في اطار املها ان تساهم الحكومة التونسية في تشجيع حكومات عربية « معتدلة » اخرى من اجل « إفشال أو تخريب الجهود المصرية و السورية للوحدة العربية ». و خلال نفس الفترة أقام الطرفان خلية اتصال دائمة من خلال سفيريهما في باريس: السفير التونسي محمد المصمودي و السفير الاسرائيلي والتر ايتان (Walter Eytan) و ذلك بحضور الموساد الاسرائيلي. كما التقى المصمودي مرة على الاقل بوزير الخارجية الاسرائيلي انذاك ابا ايبان (Abba Eban) و ذلك بمنزل البارون دي روتشيلد. بالاضافة الى وجود قناة اتصال اخرى من خلال ايسترمن و الذي كانت له علاقة قديمة ببورقيبة كما اشرنا الى ذلك سابقا. و من اهم النقاط التي يمكن التأكيد عليها في علاقة بالنقاشات التي تمت عبر قنوات الاتصال هذه هي الطلب التونسي من خلال محمد المصمودي (مثلا في لقاء يوم 4 اكتوبر 1966 بين الاخير و ايسترمن) لدعم اليهود في الغرب لتونس ماليا و اقتصاديا عموما، و ذلك لتجنب علاقة مباشرة و مكشوفة بين الطرفين و هو الامر الممكن في حالة الاعتماد على يهود يحملون جنسيات اخرى غير الاسرائيلية. و بالنسبة للحالة المغربية فقد اتخذت العلاقة بعدا أكبر بكثير بعد الاستقلال تجاوز التنسيق الدولي ليصبح فيه الدور الاسرائيلي في المعادلة السياسية الداخلية للمغرب أكبر من أي قطر مغربي اخر. و تجسم قضية الدور الاسرائيلي في اغتيال المهدي بن بركة هذه العلاقة الخاصة و التي جعلت من الاسرائيليين منخرطين مباشرة في مسألة الصراع على السلطة في المغرب من خلال محاولة دعم المعرضة المغربية في مرحلة أولى ثم العمل على التخلص منها في مرحلة لاحقة. و لعل من أهم المساهمات الوثائقية لكتاب لاسكيار هي ما كشف عنه في علاقة بهذا الموضوع و الذي تثبت بلا مجال فيه للشك الدور الكبير الذي لعبه الموساد الاسرائيلي ليس في اغتيال بن بركة فحسب بل أيضا في إقامة شبكة مشتركة مع الاجهزة الامنية المغربية لمراقبة أنشطة المعارضة المغربية على امتداد القارة الأوروبية. و تشير هذه الوثائق الى مرور علاقة الاسرائيليين ببن بركة منذ تمركزه في منفاه الباريسي بمرحلتين. المرحلة أولى اتسمت باستعداد للقاء و التحاور و هو ما تجسم في لقاء بن بركة بممثل سامي إسرائيلي (و كان حسب الوثائق ضابطا كبير في الموساد) و ذلك في شهر اذار (مارس) 1960 حيث طالب الاسرائيليون على وجه الخصوص باستعادة الاتصالات الربيدية بين إسرائيل و المغرب في ظل الحكومة التي كان يسطر عليها أنصار بن بركة. كما اجتمع الأخير في شهر نيسان (أفريل) من نفس السنة بإيسترمن و الذي ينقل في تقريره تصريح بن بركة حول استعداد الاتحاد الاشتراكي لافتكاك السلطة عبر الضغط السلمي و استعداده لإقامة علاقات سلمية مع الدولة العبرية. و تمضي الوثائق الاسرائيلية للحديث عن علاقة تجاوزت مجرد اللقاء و التشاور حيث تذكر تقديم « المؤتمر اليهودي العالمي » في شهر يوليو (جويلية) 1960 لدعم مالي لبن بركة بقيمة ألف دولار. و قد قام الاسرائيليون في هذه المرحلة باللعب على حبلي المعارضة و السلطة حيث تشير الوثائق الى سماح وزير الخارجية الاسرائيلي لإيسترمن بالذهاب في أغسطس (أوت) 1960 الى الرباط للقاء ولي العهد المغربي و رئيس الحكومة انذاك الحسن الثاني حيث قدم له نفس قائمة المطالب الاسرائيلية التي تم عرضها على بن بركة في اجتماع اذار. و يبدو أن هذه السياسة الاسرائيلية المزدوجة أثرت على أي امكانية لانحياز اسرائيلي واضح لأي من الطرفين و هو ما يبدو ما أدى الى قرار بن بركة التخلي عن هذه العلاقة خاصة في ظل الدعم المتزايد الذي بدأ يلمسه من قبل الحكومة الجزائرية. في المقابل تطورت العلاقة بين المخزن المغربي و الاسرائيليين خلال الستينات خاصة من خلال رجال أعمال مؤثرين في الساحة الدولية بالاضافة الى الأثرياء من اليهود المغاربة و هو ما كان منسجما مع طموحات العاهل المغربي لإقامة علاقات قوية مع الأوساط المالية الدولية. و قد تطورت العلاقات الأمنية بشكل متسارع بعد قيام الموساد بإشعار المقربين من ولي العهد انذاك الحسن الثاني في كانون الثاني (ديسمبر) من سنة 1959 بتحضير المعارضة المغربية لإفتكاك السلطة. و يبدو أن علاقة الموساد بالجنرال أوفقير قد توثقت منذ تلك اللحظة حيث تشير الوثائق الاسرائيلية الى مساعدته شبكة الموساد في المغرب على استمرار عملية تهجير اليهود المغاربة. و لكن نقطة التحول الدراماتيكية في هذا التحالف الأمني/المخابراتي غير المسبوق عربيا حدثت حسب الوثائق الاسرائيلية مع أواسط سنة 1963 عندما قام الجنرال أوفقير بالاتفاق مع الموساد في تمرين أعوان و ضباط مغاربة من قبل ضباط إسرائيليين. و في فترة قريبة من ذلك و لكن غير محددة حسب هذه الوثائق ذهب الملك الحسن الثاني الى حد القبول بوجود مكتب دائم للموساد على الأراضي المغربية و قد أشرف هذا المكتب على الحفاظ على علاقة مستمرة بين الاسرائيليين و المخزن و قام مثلا بترتيب زيارة اسحاق رابين للمغرب سنة 1976. كما قام المكتب بتنسيق الدعم العسكري الذي قدمه الاسرائيليون للمغرب خلال المواجهات مع الجيش الجزائري سنة 1963. و عموما فإنه ضمن هذه المعادلة بالذات شاركت المخابرات الاسرائيلية في عملية إغتيال المهدي بن بركة و التي لم تكن إلا نقطة في بحر من التنسيق الوثيق بين الطرفين. غير أنه مقابل كل ذلك لم يتوان العاهل المغربي أمام ارسال فوات مغربية الى سوريا للمشاركة في حرب أكتوبر و هو ما أدى الى أزمة حقيقية مع الاسرائيليين. كما أنه لم يخاطر بإبرام أي اتفاق للسلام بعيدا عن الاجماع العربي بعد كامب ديفيد و التي ساهم في التوصل اليها من خلال استضافته لأولى الاتصالات المصرية الاسرائيلية. و هكذا كانت حسابات الحسن الثاني متعلقة بشكل كبير باستراتيجيا عامة خاصة بما يراه « مصالح المغرب » بالضبط كما كان يرى الرئيس بورقيبة دواعي تحالفه و صراعه مع مختلف الأطراف الدولية بما في ذلك الاسرائيليين من خلال « المصالح التونسية »، و هي مصالح لا يتم تعريفها من خلال الانعزال المطلق عن « المصالح العربية المشتركة » و لكن لا يتم أيضا ربطها تماما ياستراتيجيا عربية موحدة. في نفس الوقت كانت الرؤية الإسرائيلية لا ترى مانعا في المساهمة في « حفظ الاستقرار » أو « المساعدة المالية » للأنظمة القطرية/الوطنية في المغرب العربي مادام أن ذلك يأتي في إطار مساهمة هذه الأنظمة للحد من استمرارية و عمق أي توجه عربي مشترك لمواجهة الطرف الاسرائيلي. و قد أصبحت هذه العلاقة أكثر قوة مع سقوط جدار برلين و نهاية حرب الخليج الاولى حيث تم الانخراط الرسمي العربي الجماعي في تطبيع العلاقات خاصة و أن “دول الرفض” مغاربيا أي الجزائر و ليبيا قد تخلت عن خطوطها الحمراء و تتقدم باتجاه التأسيس لتطبيع العلاقة مع الاسرائيليين. غير أن هذه العلاقة بقيت أيضا ضمن حدود تجاذبات ما تبقى من الصراع العربي الاسرائيلي حيث لم يتوان التونسيون و المغاربة من سحب ممثيهم الديبلوماسيين من تل أبيب بعد اندلاع الانتفاضة الثانية بل و حتى السماح و المشاركة الرسمية في تظاهرات تندد بالمرحلة الراهنة من العدوان الاسرائيلي. و لا يتوان الاسرائيليون في ظل هذا الظرف من المقاطعة (الرسمية على الأقل) من التنديد بـ « الدكتاتوريات العربية » حيث يقومون من خلال تحليلهم الأحادي الطابع من اعتبار « المشكل الرئيسي » عربيا غياب الاصلاحات الديمقراطية. غير أن التعريف الاسرائيلي لهذه الاصلاحات يتسم بطابع سياسي غير مجرد عن المصالح الاسرائيلية، فبالنسبة لشمال افريقيا يعتبر الاسرائيليون أن من أهم القضايا التي تحتاج الى « إصلاح عاجل » هي مسألة « اللاجئين اليهود » من شمال افريقيا تم « طردهم » أو « دفعهم » للهجرة من خلال العداء المستمر الموجه ضدهم خاصة بعد قيام الدول الوطنية. و من أهم المنظمات ذات الارتباط الاسرائيلي التي تروج بنشاط لهذه القصة منظمة (Jimena) (منظمة « يهود أصيلي الشرق الاوسط و شمال افريقيا”) و التي تتكون بالاساس من يهود ذوي أصول شمال افريقية (خاصة تونس و الجزائر) مقيمين بدول غربية و لكن يحملون أيضا جوازات سفر إسرائيلية يطالبون بتعويضات و الاعتراف بهم من قبل الأقطار المغاربية كلاجئين تعرضوا للاضطهاد. و تستخدم الحكومة الاسرائيلية بنشاط هذه الحكاية خاصة أثناء المفاوضات حول وضع اللاجئين الفلسطينيين حيث يطالب الاسرائيليون بمبدأ « المعاملة بالمثل » و اعتبار « اللاجئين اليهود » بنفس وضعية اللاجئين الفلسطينيين (يستهدف ذلك طبعا دفع الحكومات العربية للضغط على الجانب الفلسطيني للتنازل عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين). و كما تُظهر الوثائق الاسرائيلية الواردة في كتاب لاسكيار فإن الهجرة اليهودية لإسرائيل كانت مرتبطة بالدرجة الأولى بمخطط إسرائيلي بإشراف مباشر من الموساد لم يكن متأثرا البتة بوقائع حقيقية للاضطهاد بل أن الحكومات الجديدة في بداية الأمر رفضت بشدة هذا المخطط و لم تعمل أي من الأطراف الوطنية على الدفع نحو تهجير الأقلية اليهودية. و المثير أن منظمة (Jimena) كانت من المنظمات « الشمال افريقية » القليلة التي شاركت و عبرت عن « قضية الاصلاح في شمال افريقيا » (من خلال الدعوة لـ »إرجاع حقوق اللاجئين اليهود ») في موتمر مثير للجدل « من أجل الاصلاح في الشرق الأوسط » الذي نظمه بعض المتوترين « الليبراليين » العرب من أنصار الحكومة الاسرائيلية و النيومحافظين في واشنطن في أكتوبر 2004. المؤتمر الذي كان في الأساس واجهة للمجموعة التي تعمل في الأوساط اللبنانية الأمريكية المقربة من تيار « قرنة الشهوان » بالاضافة للحضور الكبير للمجموعة القبطية المتطرفة. كما شارك في النقاشات تحت يافطة منظمة حقوقية ديبلوماسي اسرائيلي معروف يعمل الان في السفارة الاسرائيلية في واشنطن ضمن الجهاز الاعلامي. و إضافة للمنظمة اليهودية فإن بقية « ممثلي » شمال إفريقيا تراوحوا بين ممثلين مقيمين بالخارج عن منطقة القبايل الجزائرية و منظمة موريتانية تتخصص في مسألة « استعباد العرب للسود ». و في العموم فإن « قضية الاصلاح و الديمقراطية » في الرؤية الاسرائيلية و كما عبر عنه هذا المؤتمر تتمثل بالأساس في مشكل واحد: « اضطهاد العرب المسلمين » لبقية الأقليات لا أكثر و لا أقل. و في الواقع فإن البلاغة الاسرائيلية المتصاعدة حول قضية الاصلاح في الشرق الأوسط مرتبطة بقوة بظرفية سياسية معينة و هي بالأساس شعار ذرائعي لا غير (على العكس من بعض أقطاب التيار النيومحافظ الأمريكي و الذين يعتقدون بجدية في « مثالية » أهدافهم). و علينا أن نشير هنا الى أن ناتان شارانسكي و الذي شارك حزبه في حكومة شارون قد ألف كتابه « الحجة من أجل الديمقراطية » (و الذي « قرأه » الرئيس بوش و يقع تقديمه على أنه « تحليل طليعي » في التدليل على الحاجة الملحة لدمقرطة المنطقة العربية) ألفه ضمن ظروف إنحسار التطبيع الرسمي العربي، و بمعنى اخر كرد فعل على هذا الانحسار. طبعا مثل احتلال العراق و مخلفات 11 سبتمبر مناسبة جديدة في ظل الخطط الجديدة للقادة الاسرائيليين (الذين تخلوا عن مقررات مدريد منذ أواسط التسعينات و قرروا التخفيض من سقف المطالب العربية الى “السلام مقابل السلام” عوض “الأرض مقابل السلام”) لفتح مرحلة أخرى من تطبيع العلاقات التي يمكن أن ترتقي مستقبلا الى علاقات ديبلوماسية كاملة، خاصة و أن وزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالوم، المتحدر من عائلة يهودية كانت تقطن مدينة قابس التونسية، يعتبر نفسه « مغاربي الهوى ». المشكل الذ ي ينتظر الاسرائيليين الان هو أن تيارا مهما أمريكيا بدأ في التصديق الجدي في الأطروحة النيومحافظة (و التي لا يمثل كتاب شارانسكي بالمناسبة إلا قشرة قشرتها) حول « الحاجة الدولية » لدمقرطة المنطقة، حيث أن إصلاحات ديمقراطية عربية حقيقية ستجلب الى السلطة (أو دوائر نفوذها) بالتأكيد قوى وطنية متعطشة للتأثير السياسي تستمد قوتها الجماهيرية (جزئيا على الأقل) من برنامجها القائم على القطيعة مع الدولة العبرية، و هو ما سيجعل من التطبيع مسألة بعيدة المنال أو في أقل الأحوال على غير الدرجة التي يأمل في تحقيقها الاسرائيليون. و يأتي هذا المأزق الاسرائيلي في ظل خلل شامل يتعلق برؤيتهم الصلفة لعلاقتهم بالعرب حيث لم يعدوا مستعدين للقيام يأي مقايضات حتى مع « أصدقائهم المعتدلين ». و هكذا فقد سمع في النهاية القادة الاسرائيليون (و لو لأسباب مختلفة) نصيحة ليفي أشكول التي أطلقها قبل 40 سنة: « لا تعلقوا أهمية زائدة على ما يسمى بالقادة العرب المعتدلين« . Laskier, Michael. Israel and the Maghreb: From Statehood to Oslo. Florida University Press: 2004 نشر في صحيفة القدس العربي (صفحة مذكرات و كتب) عدد 28 فيفري 2005


 

تقويم الحلقة الرابعة من مسلسل زمن بورقيبة التي بثتها قناة العربية

يوم الاثنين 09 أفريل/نيسان 2007 زمن بورقيبة (4) حصة تقويمية حول الحلقة الرابعة التي بثتها قناة العربية يوم الاثنين 10 أفريل ‏2007

 
** د. عبد الجليل التميمي أرحب اليوم بالسادة الوزراء وببقية الحاضرين، وبكل من أبدى اهتماما بتاريخ بورقيبة. نجتمع اليوم في حصة تقويمية رابعة لمسلسل « زمن بورقيبة ». وقد نشرت الحلقة الأولى بجريدة الصباح بمناسبة ذكرى سنة وفاة الحبيب بورقيبة السادسة. وأيضا قمنا بتنظيم حصة ثانية لتقويم الحلقة الثانية وكان حوارا جيدا ووجه نصه إلى كافة المشاركين والى جريدة الصباح. ثم نظمنا حوارا ثالثا الأسبوع الفارط عن الحلقة الثالثة وقد وجهنا نصه إلى جريدة الصباح أيضا بتاريخ 16/04/2007. واليوم سنهتم بالحلقة الرابعة من سلسلة زمن بورقيبة وهدفنا الأساسي من هذا الحوار، هو استجلاء الجوانب الإيجابية والسلبية فيه ونحن نحتاج إلى تعميق هذا الحوار على جميع المستويات. وأؤكد على أن قبولكم المشاركة في استجلاء هذه الملفات يعكس بلا شك تميز تونس على مستوى أساليب الحوار واحترام الرأي الآخر. وسوف نتناول محورين أساسيين: قضية التعاضد ومسألة الوحدة مع ليبيا. ودورنا هو مواصلة استشراف الآراء حول ما بث بهذه للحلقة، مع العلم أن الملاحظة التي طغت على حصة البارحة، كانت وبلا شك غياب وجهة نظر المؤرخ عن هذه الفترة، واقتصر الأمر على آراء المسؤولين ووزراء تلك الفترة. ومن هنا فإن غياب المؤرخين وإبداء رأيهم حول كل الإشكاليات المثارة، يمثل في حد ذاته عاملا سلبيا كان بالإمكان تجنبه. مع العلم أننا سنعمل على نشر هذه الحوارات جميعها مستقبلا. وأفتح المجال الآن لإبداء آرائكم وإضافاتكم بشأن تجربتي التعاضد والوحدة. – السيد محمد الصياح (وزير سابق): أغتنم الفرصة لأنوه بالدور الإيجابي الذي تقوم به مؤسسة التميمي من خلال ما تنظمه من سيمنارات لحفظ الذاكرة الوطنية طيلة سبع سنوات. وأشير إلى أن المؤسسة انطلقت في الحديث عن شخصية بورقيبة  منذ ما قبل وفاته. ومن هنا فتح الباب لمزيد العناية بكتابة تاريخنا الحديث الذي ظل مغلقا لمدة طويلة. وشخصيا تسوءني مواقف البعض ممن يتهمون الحكومة التونسية في عهد بورقيبة، بأنها تمنع كتابة تاريخ الحركة الوطنية. فبورقيبة كان يناشد المؤرخين باستمرار لكتابة تاريخ الحركة الوطنية وتسوءني أيضا الأفكار السائدة التي تقول بأن تاريخ الحركة الوطنية بدأ مع بورقيبة وأن ما قبل بورقيبة لا وجود لتاريخ حركة وطنية. وهذه بلا شك أخطاء شائعة وهذه الملاحظات أقولها لتفعيل هذه الحوارات لدى المؤرخين والصحفيين وحتى في صفوف الرأي العام المهتم بهذه الحقبة التاريخية من تاريخ تونس المعاصر، وهذا في حد ذاته أمر هام ليس فقط لتخليد ذكرى بورقيبة، وإنما للبناء الوطني ككل وللتأريخ لكافة الشخصيات المساهمة في الحركة الوطنية منذ مجموعة الشباب التونسي مرورا بمجموعة الحزب القديم، وصولا إلى مجموعة الحزب الحر الدستوري الجديد. أما بشأن ملاحظة الدكتور عبد الجليل حول غياب المؤرخين في حلقة البارحة، فأنا شخصيا لا أعتبر ذلك نقيصة، لأن المؤرخين حتى وإن لم يحضروا، فإنهم يواصلون المساهمة والقيام بدورهم، فعدم حضور المؤرخين في حلقة من حلقات السلسلة، ليس قضية هامة أو خطيرة لأن عدم حضور المؤرخ سيخول له الحكم على ما قاله المسؤولون وعما عبر عنه البعض من نرجسية أو تصفية حسابات. واليوم نعاين جميعا ما يجري من أحداث مؤلمة بدول العالم المنتسبة للعروبة والإسلام، وعندما أتأمل في الأحداث، أقول أنه كان من الممكن الاستفادة من مواقف بورقيبة ومشاريعه، لتجنب وقوع هذه الأحداث وهذه المآسي المتواترة. ولا شك في أن المؤرخ سينصف الأشخاص ولن يؤاخذهم مؤاخذة تامة، لأنهم عالجوا الأوضاع وساهموا كل بطريقته في تنمية البلاد، رغم وجود النقائص والتشهير بالأشخاص. وقد لاحظت أن منتج البرنامج وحتى الصحفي المشرف عليه، حرص على عدم التركيز على المقولات التمجيدية وحرص في المقابل على تسجيل المواقف النقدية من منطلق التأكيد على وجود التعددية واختلاف الرأي. وأورد مثالا على ذلك، فقد قلت في مداخلتي في حصة البارحة التلفزية، أن بورقيبة كان يساند كل المقترحات المقدمة بشأن آليات تطبيق التعاضد. وهذا القول بث في الحلقة، ولكني أردفت هذا القول بشهادة أخرى حذفت ولم تبث، ومفادها أن بورقيبة كان في كل مرة، يساند فيها مقترحات سياسية التعاضد، وكان يؤكد أن الأهمية ليست في السياسة المتبعة وإنما في نتائجها. وهذا القول ليس لتمجيد بورقيبة وإنما لإبراز الأهمية التي يوليها بورقيبة لنتائج سياساته المتبعة وليس للنظريات وكان يقول: « L’homme politique est responsable… et on doit le juger sur les résultats» ؛ الرجل السياسي هو المسؤول ولا بد من محاكمته بالنتائج التي توصل إليها. – د. عبد الجليل التميمي: أود التعليق على هذه البانوراما التي قدمها السيد محمد الصياح، فالفترة الممتدة ما بين 1960 حتى 1970 كانت عشرية طبقت فيها سياسة التعاضد، وهي سياسة هزت البلاد من أقصى البلاد إلى أقصاها. وقد ذكر السيد محمد الصياح أن هذه السياسة نفذت بالعودة إلى سياسة تشاور وحوار؛ لكني أؤكد أنه لم يقع أي حوار مع النخب الجامعية ومع مثقفي البلاد، وبل على العكس سادت القطيعة بين السلطة وبين المثقفين والجامعيين، والدليل أن العديد من المواطنين، قد أقدموا على الانتحار جراء هذه السياسة المرفوضة التي كانت نتائجها عميقة على هيكلية المجتمع التونسي فكيف ينفون مسؤولية حصول هذه النتائج؟ ولماذا تتنصلون من مسؤولياتكم؟ وفي هذا الإطار أذكر برسالة أحد المواطنين من مساكن الذي على ضوء الشهادة التي أدلى بها المرحوم الوالي عمر شاشية على منبر مؤسستنا، علق على شهادته برسالة دقيقة إلى درجة الخطورة. ولا أكتمكم سرا أني أبلغت محتوى هذه الرسالة إلى المرحوم عمر شاشية الذي طلب مني نشرها دون أي تعليق. وقد نشرتها في أعمال المؤتمر الخامس حول نهاية بورقيبة والرجاء التفضل بالاطلاع عليها لمن يريد أن يتعرف على التداعيات الخطيرة للتعاضد على شريحة شعبية من الشعب ! – السيد محمد الصياح: ما يقال بشأن إقدام الناس على الانتحار طيلة السنوات الممتدة ما بين 1962 حتى 1970، في حين كنا نحن المسؤولون لا نبالي بما يقع وهنا أشير إلى ما قاله السيد الشاذلي العياري في حلقة البارحة، بأن تفاقم الأوضاع وتزايد رفض سياسة التعاضد لم يتأكد إلا سنة 1968. وبالتالي فإن الأزمة لم تكن متواصلة، بل ألفت النظر إلى أن ما تم من حوارات ومناقشات في فترة التعاضد، لم يقع في أي فترة أخرى كقضية خلافة بورقيبة أو مسألة ميزان الدفعات وكذلك عوامل خارجية صادرة عن البنك الدولي… وبالتالي فلا بد من الإشارة إلى كل هذه العوامل التي تضافرت لإفشال تجربة التعاضد. – السيد محمد بالحاج عمر (الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية سابقا): بعد عرض حلقة البارحة من سلسلة « زمن بورقيبة » اكتشفت أن مشاركتي كانت بمثابة « un cheveux dans la soupe » وقد بدأنا بوضع مخططات التعاضد منذ قبل بعث وزارة التخطيط، كما شرعنا في إيجاد المخططات بوزارة الفلاحة، واهتم بها مجموعة صغيرة متكونة من 4 أشخاص، عندما فكرنا في إيجاد نظرة تقويمية لمقدرات تونس الاقتصادية ولاستشراف ما يمكن إنجازه في الميدان الاقتصادي. ومن هنا أنجزنا La perspective décimale وقد خرجت من مكتب السيد مصطفى الزعنوني وقد منحنا الوزير عبد السلام الكتاني الضوء الأخضر للانطلاق في تطبيق هذه المخططات بهدوء وجدية وبكل رصانة وعقلانية، لم توجد مثلها في تاريخ الاقتصاد التونسي. والشيء الذي آلمني البارحة، هو أن المتدخلين لم يتعمقوا في طرح بقية جوانب تجربة التعاضد فكيف يمكن للوزير الذي أبعد، لما أراد تطبيق برنامج الاتحاد العام التونسي للشغل، وبعد مدّة يعود ليجد نفسه على رأس عدد من الوزارات لتطبيق نفس البرنامج ؟؟ وهذا لا بد أن يتعمق في طرحه ويجب أن يفهمه عامة الناس وخاصة المؤرخون، اللذين تمنيت حضورهم في الحلقة البارحة، لأنهم الوحيدون القادرون على تفسير هذه الجوانب. فتجربة الستينات تعود جذورها إلى سنة 1956 وتحديدا منذ 1955، عندما كان بورقيبة منشغلا انشغالا تاما بمؤتمر الحزب. واقتصر انشغاله  على الجوانب السياسية ولم يكن له أي اهتمام أو انشغال بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية. فقد كان همه الوحيد أن يلتئم مؤتمر الحزب وناور إلى آخر لحظة، ليتمكن من عقد المؤتمر، وبالفعل نجح في عقد المؤتمر،ولكنه دخله وليس في حقيبته أي برنامج اقتصادي واجتماعي. وكان من بين الحاضرين للمؤتمر، مجموعة الاتحاد العام التونسي للشغل الذين اغتنموا الفرصة وفرضوا برنامجا اقتصاديا، وكان برنامج قد بهر المؤتمرين. وتكونت هذه المجموعة من مصطفى الفيلالي ومحمود الخياري وعبد الله فرحات والأمين الشاذلي والشاذلي القليبي ومجموعة أخرى من إطارات الاتحاد. وهكذا فإن الأفكار الاقتصادية الجديدة والناجحة، لم تكن أفكار أحمد بن صالح، بل هي  أفكار موروثة من عهد محمد علي الحامي وفرحات حشاد التي طرحها في آخر اجتماع نظمه قبل وفاته في نوفمبر 1952 وعرض فيها برنامجا اقتصاديا واجتماعيا متكاملا، وكانت المنطلق للمشاريع الاقتصادية سنوات الستينات. وهكذا لا بد من الوعي بأن بورقيبة كان يناور لاستمالة كل من الباهي الأدغم والمنجي سليم والطيب المهيري.. لتشريكهم في المؤتمر وكان يعد كل واحد منهم بتنصيبه في مكان صالح بن يوسف. – د. السيد محمد الصياح: أتوجه إلى السيد محمد بلحاج عمر وأسأله هل كنت حاضرا وسمعت هذه المناورات، أم سمعت وعود بورقيبة لهذه المجموعة؟ – السيد محمد بلحاج عمر: نعم كنت حاضرا وكنت ملما بكل هذه التطورات، والسيد محمد الصياح يعلم أساليب سعينا لمعرفة دقائق الأمور، وتعلم أني كنت من بين العشرة أشخاص: « الدمادم » الذين كانوا يصطحبون بورقيبة في جولاته في قرى الساحل، وكنت معه في اليوم الشهير الذي جد بالقلعة الصغرى، الذي كان موازيا ليوم خطاب بن يوسف بجامع الزيتونة، وعندما قدم صالح فرحات ليطلع بورقيبة على فحوى خطاب بن يوسف، عندها قرر بورقيبة العودة إلى تونس ليغير سياسته ومواقفه حتى إزاء بعض الدساترة أنفسهم. ولا بد من إعادة دراسة هذه التطورات حتى يضطلع المؤرخون بإعادة النظر في هذه التفاصيل. أما عن تجربة التعاضد، فأؤكد أن سند أحمد بن صالح الأساسي لتطبيق التعاضد، كان بورقيبة ولا أحد غير بورقيبة، ولدي صور فوتوغرافية تثبت ذلك، احتفظت بها لما كنت أصطحب بورقيبة في جولاته الدعائية للتعاضد داخل البلاد. ولازلت أتذكر كيف حاول مندوب الفلاحة بصفاقس استثناء صفاقس من سياسة التعاضد ومن تعميم التعاضد بدعوى أن صفاقس تسود فيها الزراعات الأحادية، ولا زلت أتذكر كيف أجابه السيد أحمد بن صالح بالرفض وقال له: « من فضلك… لا مجال لسياسة التمييز بين الولايات » وإذ ذاك عاينت بنفسي كيف أثر هذا الموقف في سحنة والي صفاقس، السيد الهادي البكوش، حيث تبدل لون وجهه ومر بكل الألوان: من الأحمر إلى الأصفر..؟ وهكذا انطلقنا في تجربة التعاضد بكل حماس وانتظام وخاصة بمساندة تامة من بورقيبة. وبعد أن قررنا فقط الاقتصار على تطبيق التعاضد بولايات الشمال، دعا بورقيبة وساند فكرة تعميمه ببقية ولايات الجمهورية. وقد كنت بوصفي رئيس الاتحاد المركزي لتعاضديات الزراعات الكبرى، قد كلفني السيد أحمد بن صالح بمسألة تمويل هذا الاتحاد. ولما قدمت له التقرير المالي والمتعلق بالمصاريف اللازمة لتمويل التجربة، تفاجأ أحمد بن صالح ودهش من المبالغ الضخمة، فبينت له أن أصحاب الأراضي، كانوا هم اللذين يمولون مشاريعهم الزراعية، ولكن اليوم وبعد استيلاء الدولة على هذه الأراضي، أصبحت الدولة هي المطالبة بإيجاد هذه التمويلات. فأجابني، لماذا لا يواصل أصحاب الأراضي المساهمة في تمويل المشاريع الزراعية فأجبته: « يرحمك الرحمان، كيف يمكن للفلاح أن يسلم للدولة أرضه، ثم يساعدها ويساهم في المصاريف اللازمة للتعاضد؟ فأجابني: دبر راسك Vous marchez où je vous dénonce auprès de Bourguiba. وهذا يؤكد مرة أخرى أن المساند الأساسي لبن صالح وتجربة التعاضد، هو الحبيب بورقيبة. وفي مارس 1967، كنت رئيسا لشعبة الفلاحة ونظمت سيمنارا عنوانه: دور المهندس الزراعي في تنمية البلاد، وقدمت نسخة من برنامج السيمنار لمحمد صالح بلحاج، الذي كان أمين عام لجنة التنسيق الحزبي بتونس، ولما أطلع الرئيس على برنامج الندوة أعجب به وقرر أن يفتتح بنفسه أشغال الندوة. وكان سيقوم بذلك لولا التوعك الصحي الذي تعرض له وإصابته بجلطة. وهكذا أعيد التأكيد على دور المؤرخين وواجبهم التعمق في درس هذه المعطيات. – د. علي المحجوبي (مؤرخ): بعد مشاهدتي الحلقة الرابعة، تعلمت الكثير مما قاله الإخوان المتدخلون في هذه الحلقة، إلا أنه في اعتقادي لم يقع التعرض إلى بعدين: البعد الأول هو مسألة تغير وتطور بورقيبة من الليبرالية إلى التعاضد، فقد ظل مؤمنا حتى بداية الستينات بالاقتصاد الليبرالي، حتى أنه كثيرا ما كان يستشهد بمقولة آدم سميث « دعه يعمل دعه يمر » « Laisser faire laisser passer » وما راعنا فيما بعد إلا وقد تغير لتأخذ الدولة على عاتقها الاقتصاد. وقد فسر ذلك عند زيارته إلى المشرق العربي سنة 1965، وعندما ألقى محاضرة بالجامعة المصرية وفسر فيها هذا التطور وقال أننا تركنا الأمر في البداية للبرجوازية التونسية، إلا أنها عجزت عن تنمية الاقتصاد. ولذلك بادرت الدولة إلى التكفل بالتسيير الاقتصادي ومع ذلك أعتقد أن بورقيبة ظل ليبراليا ولم يكن أبدا اشتراكيا. البعد الثاني هو البعد الحداثي، فقد كان لبورقيبة ثوابت تمثلت في الحداثة في جميع الميادين: الاقتصادية، الاجتماعية، التعليمية… وغيرها. حتى أن القوانين الخاصة بالتعاضديات هي شبيهة بقوانين الشركات الخفية الاسم، حيث أن المرابيح لا يقع قسمتها حسب الأفراد المنخرطين بالتعاضدية وإنما حسب اشتراكاتهم. وتختلف فقط عن الشركات الخفية الاسم بطريقة التصويت في الجلسة العامة، فكل عضو له صوت في حين أن الشركات الخفية الاسم الأصوات حسب عدد الأسهم المشارك بها. أما مسألة تعويل بورقيبة التام على أحمد بن صالح، فلأنه الرجل السياسي الوحيد الذي كان بحوزته برنامجا اقتصاديا وهو نفسه برنامج الاتحاد العام التونسي للشغل، وتحديدا هو برنامج مؤتمر الاتحاد لسنة 1956. وكما أن قضية التعاضد هي قضية موروثة وبرزت منذ ستينيات القرن التاسع عشر. كما وقع اتحاد التعاضد العالمي ويعود أيضا إلى نظرية جون جوراس (Jean Jaurès) حول اقتصاد التعاضد ومحمد على الحامي كان تأثر بالتعاضد في فترة تواجده في ألمانيا في العشرينات. وأما بن صالح فقد يكون تأثر بمحمد على وكذلك بالتجارب التعاضدية التي طبقت في الدول الاسكندنافية (سويد، دنمارك..) التي عايشها عن قرب لما أقام ببروكسال، وعندما اتصل بالنقابات الاسكندنافية حيث طبق التعاضد. – مصطفى الزعنوني (وزير التخطيط السابق): أود أن أفتح قوسين بشأن مسألة التعاضد، فقد كنت مسؤولا عن وضع عشرية التخطيط مع مجموعة من المهندسين وقدمت هذه العشرية سنة 1959. ولا يعني ذلك أنني كنت مسؤولا على سياسة التعاضد فيما بعد، واقتصر دوري على التخطيط صحبة مجموعة من المهندسين التونسيين والفرنسيين لتطوير قطاع الفلاحة خلال العشر سنوات الموالية من خلال مخطط فني واقتصادي. ولا يمكننا أن نحكم على الاقتصاد المسير أو الاشتراكي حكما شاملا، فقد طبق التعاضد في مناطق الشمال فقط في البداية، لأن إدخال المكننة وتعصير الفلاحة لا يمكن أن يطبق إلا بالمساحات التي تتجاوز 200 هكتار. وفي البداية وافق الجميع على تطبيق ذلك بضيعات الشمال بما في ذلك البنك الدولي الذي ساهم بـ18 مليون دولار، كإعانة لتشجيع الوحدات الإنتاجية بالشمال. وجاء هذا الإجماع بالموافقة بسبب انعدام حلول أخرى، فكانت الوحدات الإنتاجية هو الحل الأمثل للرفع من إنتاج الحبوب والزراعات الأخرى بمناطق الشمال، حيث تتجاوز المساحات 100 هكتار. ومن هنا جاءت نظرية محمد بلحاج عمر في التخطيط، حيث أكد على ضرورة اتباع سياسة الخطوة، وهو أستاذ ومنظر مدرسة التعاضد بتونس، ولازلت أحتفظ بالدروس التي ألقاها السيد محمد بلحاج عمر لتأسيس مذهب التعاضد، وكرس مبادئ التعاضد وحاول أن لا يعتبر المتعاضدون أنفسهم مجرد أجراء. لكن للأسف هذا ما حصل فيما بعد، واعتبر المتعاضدون أنفسهم أجراء ولهذا شلت تجربة التعاضد بسبب التسرع في تطبيق التعاضد. وخلال الاجتماع الذي ترأسه السيد محمد بلحاج عمر، وهو اجتماع إطارات الساحل الكبير سنة 1964، وأكد فيه على مبدأ اقتصار التعاضد على ولايات الشمال فقط، حرصا على عدم إدماج تربية الماشية وزراعة الخضر في قطاع التعاضد. في المقابل تتكفل الدولة بقطاعات التوريد والتصدير والتجارة الكبرى. لكن سنة 1968 و1969، عمم التعاضد. وقد عارضنا ذلك وقمنا بمظاهرات في ولاية سوسة، وقد اتهمني آنذاك عمر شاشية بأني أقوم بتخريب وعرقلة التخطيط (Le sabotage ). ولكني كنت أدافع وأساند نظرية حصر التعاضد في ولايات الشمال فقط، وكنت أشجع وأحث الولاة على دعم روح التعاضد من امثال محمد التريكي. لكن بدأ الحماس يفتر وتراجع التعاضد منذ أن تم دمج قطعان الماشية والزراعات الصغرى. وفي هذه الفترة سارعت بكتابة تقرير سنة 1964، هاجمت فيه سياسة تعميم التعاضد وقد أدمجت نسخة من هذا التقرير فوق سقف سيارتي بمطار العوينة، قبيل أن أغادر نهائيا البلاد نحو روما في 17 سبتمبر 1964، حيث مكثت 4 سنوات ونصف في العمل في منظمة الفاو (FAO). وهكذا انقسمت الآراء بين متمسك بمبدا حصر التعاضد في الشمال وبين المتسرعين المنادين بضرورة تعميمه على كامل الولايات وبكافة القطاعات الاقتصادية. وإذا أردنا تقييم التجربة من خلال نتائجها، فإن النتائج ظهرت سنة 1969، وعند عودتي من روما انضممت إلى حكومة الهادي نويرة سنة 1970، وشاركت في تحضير « تقرير العشرية الأولى » وقبل خروجي من هذه الحكومة سنة 1980 أعددت تقريرا للعشرية الثانية والنتائج الاقتصادية للتجربتين العشريتين الأولى والثانية وهي موجودة في كتاب أحمد خالد، الذي سلمته وثائق هذين التقريرين ليتم نشر ذلك في كتابه حول الهادي نويرة. وقد كانت لنتائج العشرية الأولى نتائج وخيمة وعكسية بسبب التسرع في تطبيق التعاضد رغم ما يقال وما يشاع بشأن بعض النتائج الإيجابية، فإن الحكم لا يستقيم على الجزء بل على الكل والحكم على التجربة ككل هو حكم بالفشل بلا شك. ولدي تعليق على ما قاله الدكتور علي المحجوبي، الذي نفي أن يكون بورقيبة اشتراكيا. فقد استدعاني بورقيبة لما نشرت مقالا انتقدت فيه التجربة التعاضدية بصحيفة Perspective واستنكر دعوتي إلى العودة إلى النظام الرأسمالي، ففسرت له أسباب فشل تجربة الرأسمالية بتونس وأكدت له أنها تعود إلى فترة الاضطرابات وحرب الجزائر وأحداث ساقية سيدي يوسف وأحداث بنزرت، وتظافر هذه العوامل جعل المستثمرون الأوروبيين يحجمون عن الاستثمار وهذا ما أدى إلى فشل التجربة الاقتصادية الرأسمالية. ومع ذلك لم يقتنع بوجهة نظري هذه، وأكد أن النظام الرأسمالي غير صالح، ومجد النظام الاشتراكي، فقد كان متأثرا بصدى نجاح التجربة السوفياتية. وهكذا فبورقيبة لم يكن يتبنى نظرية اقتصادية محددة المعالم، بل كان رجلا تجريبيا (un homme empirique). وساند الدعاية التي أشاعت أن النظام الرأسمالي غير مجد للدول الحديثة الاستقلال، ولكنه سرعان ما عاد ليبني النظام الليبرالي عندما تأكد له فشل التجربة الاشتراكية. – د. عبد الجليل التميمي: أود التأكيد على أنه ليس من المجدي اليوم مواصلة التعتيم على تجربة التعاضد التي أرساها أحمد بن صالح، خاصة منها ما أنجزه لبناء البنية التحتية للبلاد، وهي التي أنجزت في فترة التعاضد، فلا بد من الإشادة بهذه الإنجازات الرائدة والأساسية، حتى وإن ثبت فشل التعاضد. واليوم فاجأنا السيد مصطفى الزعنوني بموقفه المعارض للتعاضد منذ سنة 1964 وفاجأنا خاصة سكوته عن هذه القناعات ولم يبلغ معارضته إلى الرأي العام، بل خير الخروج من البلاد والإقامة بروما على أن يساهم في إنقاذ الموقف. ومع ذلك فإن الخوض في مسألة التعاضد والحكم عليها يتطلب الكثير من التوضيحات، وبصورة إجمالية، فإن التجربة أثبتت فشلها والدليل أن الاقتصاد التونسي تضرر من جراء تطبيق التعاضد. – د. مولدي القيسومي (باحث جامعي): لدي تعليق على عنوان البرنامج الذي أطلق عليه اسم « زمن بورقيبة » وكان من الأجدى أن يسمى بـ »بورقيبة » فقط. وفي هذا الإطار لدي بعض المآخذ بشأن كيفية تناول فترة التعاضد. فالبرنامج الذي اهتم في حلقته الأخيرة بقضايا التعاضد والوحدة مع ليبيا وتعديل الدستور، قد ألغي بالتوازي مع عدد من القضايا الموازية لهذه المسائل وأهمها مثل مسألة إلغاء المنظمات الوطنية ودورها في المشاركة في الحياة السياسية. فمنظمة الأعراف تم التخلي عنها بإيعاز من الحزب نفسه، كما تم إلغاء مسألة التعاقد الاجتماعي. واليوم كانت غايتنا تقويم البرنامج ولكننا انزلقنا للاهتمام بموضوع وحيد بالبرنامج وهو موضوع التعاضد، وأدعو إلى مزيد الاهتمام بما غيبه البرنامج حول عدد من المحاور تكاد تكون أهم من المواضيع المطروحة نفسها. ولا أعلم أن ذلك جاء لضرورة إخراجية من وجهة نظر المخرج. وإجمالا بدت لي الحلقة الرابعة على غرار الحلقة الأولى منقوصة وتعاني من عديد الإعاقات، فكانت حلقة مخيبة لآمالنا. – د. منصف الشابي: أود تصحيح ما ورد منذ حين بشأن وصف مجلة برسبكتيف على أنها مجرد نشرية بل برسبكتيف كانت مجلة ذات قيمة ولها موقعها التاريخي وهي غير مجموعة برسبكتيف المعروفة لدينا. بالنسبة إلى مهمة تقييم الفترة الممتدة من 1960 حتى 1969 وهي فترة التعاضد، فموقفي الشخصي يتراوح بين الموقفين المؤيد والرافض. إذ أجد شيئا من الإقناع لدى مؤيدي التجربة، وبالتوازي أجد شيئا من الصحة لدى من يهاجمونها من ذوي الفكر الليبرالي، رغم أني كنت منتميا في تلك الفترة إلى مدرسة مختلفة تماما، وهي المدرسة الماركسية-اللينية التي انتهت إلى السجون والإبعاد والمنافي. وقد كانت هذه المدرسة تصنف تجربة بن صالح، على أنها تجربة « رأسمالية الدولة »، بالضبط كما كنا نصنف في ذلك الحين تجربة الاتحاد السوفياتي وتجارب دول المعسكر الشرقي. وكنا نعتبر أنه لهذه التجربة بعض الخصائل وأهمها تجميع رأس المال لأن الرأسمال المشتت ليس له الفعالية الكافية في البلدان النامية ومنها تونس. وكانت هذه الخاصية قد تواجدت في تجربة بن صالح التعاضدية. وكنا في المقابل نحترز في تصنيف تجربة أحمد بن صالح، على أنها تجربة اشتراكية مع تقديري التام، لكل من ساهم في هذه التجربة. وانا أقدر السيد محمد بلحاج عمر الذي اعتبره أخي الاكبر وأقدر صدقه في هذه التجربة. والجانب الأخطر في هذه التجربة هو الاسراع بحلها بعد ان بنيت على أراضي الناس وجهودهم وممتلكاتهم، ولكنها عندما وقع التخلي عن التجربة انتهت هذه التراكمات إلى جيوب البعض دون البعض الآخر ممن ساهموا في تكوين هذه التراكمات وفي رأسمال التجربة. وفي تقديري كانت هذه النهاية فاشلة أكثر من التجربة نفسها وتضمنت حيفا كبيرا وهذا الحيف هو الذي ساهم في تكوين ما يسمى بالبورجوازية التونسية. أما فيما يتعلق بتقييم حلقة البارحة، فقد أجهدت نفسي وشاهدت الحلقة، ولكني وجدت ان مخرجها ليس مهتما بشهادات الشخصيات، إذ كان بثها موجزا وسريعا، رغم عمق وأهمية ما قالته هذه الشخصيات، وبالتالي فإننا لم نستطع تكوين فكرة مترابطة عن أحداث تلك الفترة وبالتالي فإننا لم نستطع تكوين فكرة مترابطة عن أحداث تلك الفترة. وفي هذا الإطار اقترحت شخصيا على الدكتور عبد الجليل التميمي أن نقوم بعمل اقرب إلى الواقع وأصدق مما قدم، واقترحت القيام بورشة عمل، لإعداد سيناريو حقيقي عن حياة الحبيب بورقيبة وتشريك المختصين في كتابة السيناريوهات. – د. الشاذلي العياري (وزير التخطيط السابق): كنت قد ألفت كتابا عن التجربة الاقتصادية بتونس خلال فترتي الستينات والسبعينات، وبالتالي فإن أفكاري ومواقفي من هذه التجربة الاقتصادية، ضممتها في هذا الكتاب. وقد خصصت جزءا هاما لتحليل مسألة التعاضد حسب وجهة نظري الشخصية، وأجبت فيه عن المسائل التالية: كيف نشأ التعاضد بتونس؟ وكيف تطور ولماذا أوقف؟ وقد سألني في أحد الأيام صحفي تونسي، كيف أقيم تجربة التعاضد بتونس؟ فأجبته بأنه بالنظر إلى تجربتي المتواضعة بتونس وخارجها، فإني أعتبر اقتصاد تونس معجزة متواصلة، وذلك بالنظر إلى ما هو بصدد الحدوث خارج تونس وفي العالمين العربي والإفريقي. وبررت له ذلك بمقدرة تونس، خلال الخمسين سنة التي عقبت الاستقلال، وتمكنها من تحقيق ما بين 4% و5%، كنسبة نمو سنويا، رغم افتقاره إلى الموارد والثروات. وبارتفاع نصيب الفرد باستمرار خلال كامل الفترة التي عقبت الاستقلال، وذلك خلال مختلف التجارب للاقتصادية المتبعة: الاشتراكية والليبرالية ،وعليه فإن التقدم الاقتصادي لم يتوقف مطلقا منذ خروج الاستعمار. مع العلم أن تونس لم تتأخر أبدا عن دفع ديونها في آجالها المحددة. وأعيد التأكيد على أن هذه الإنجازات، تحققت بدون موارد فقد توليت مهمة التخطيط الاقتصادي بدون اعتبار الموارد الأولية، وذلك على غرار نفس ما قام به مصطفى الزعنوني، على خلاف ما يقع في بقية البلدان المجاورة لنا وحتى البعيدة عنا. وهذا الاستنتاج هام جدا ويجب أن نكون واعين ومطلعين عليه قبل الشروع في أي عملية تقويم للاقتصاد التونسي. أما موقفي من تجربة التعاضد، فأشير إلى أني لم أكن أبدا من رواد التعاضد بتونس، ولذلك لم أتولى أي منصب إداري أثناء فترة التعاضد، فقد اقتصرت على مهمة التدريس بالجامعة التونسية، رغم المحاولات العديدة لإقناعي بالانضمام إلى الجهاز الإداري أثناء هذه الفترة. ومع ذلك فإني لم أكن معارضا لسياسة التعاضد كمبدأ، لأني أعتبره ضروريا لبناء الاقتصاد التونسي. فقد مثل الطريقة الوحيدة التي تمكن من بعث تنمية للقطاعات المتدنية، بسبب غياب كلي للقطاع الخاص بتونس في تلك الفترة. ومع ذلك لم أكن متحمسا للتعاضد من الناحية الفكرية والثقافية، ولكن عمليا كان التعاضد في نظري تجربة يجب أن تخاض. وفي كتابي استشهدت بما أوردته تقارير البنك الدولي وبآراء الأجانب حول تجربة التعاضد واعتمدت على تقارير البنك الدولي، التي تزامنت منذ انطلاق التعاضد واستشهدت بمقولات خبراء البنك الدولي في زياراتهم إلى تونس، وكانت شهادات إيجابية ومساندة للتعاضد في البداية، ولكنها بدأت بالاختلاف سنوات 1967 و1968 وأصبحت شهادات وتقارير البنك الدولي تتساءل عن جدوى وإيجابية هذه التجربة. ويعود ذلك إلى أن البنك الدولي كان يرى أن الاقتصاد التونسي والتخطيط التونسي، من أحسن ما هو موجود في تلك الفترة بالعالم الثالث. ومن هنا أقدم البنك الدولي بوصفه رمزا للرأسمالية على تمويل التعاضديات التونسية وهكذا لم يقع تنبأ الخبراء الدوليين والبنك الدولي بأي أزمة أو فشل واقتصر الأمر على مجرد التردد في البداية. وقد اطلعت على هذه المواقف لما شغلت منصب ممثل تونس بالبنك الدولي. وهو يؤكد على أهمية تجربة التعاضد في بداياتها وعلى قيمتها ودواعيها. وفي اعتقادي الشخصي لم يكن هناك بديل للتعاضد أو خيار آخر في تلك الفترة وأعيد التأكيد أني لم أكن أحد المؤيدين للتعاضد من الناحية الفكرية والثقافية. وبعد أن تسارعت الأمور نحو التعتيم الذي سيفشل التعاضد، فإن اللافت للنظر هو عدم تجرأ القائمين على التجربة، بإعلان الأزمة أو إعلان ضرورة إيقاف تعميم التجربة ولا وجود لأي مستقيل من الحكومة في تلك الفترة، كتعبير عن رفض التجربة باستثناء أحمد المنستيري الذي استقال سنة 1968، رغم انه استقال بصفة متأخرة. وعند محاكمة أحمد بن صالح كنت قد دخلت الحكومة ككاتب دولة للتخطيط، أي أنى أخذت مكان احمد بن صالح. فطلب مني القيام بتقرير أقيّم فيه اقتصاد البلاد وكان ذلك في شهر نوفمبر 1969. وأذكر أني طلبت من السيد الصادق بحرون أن يواصل العمل معي، رغم أننا كنا على طرفي نقيض بشأن التعاضد، وكنا نتراشق التهم على أعمدة الصحف الوطنية، ولكنه رفض وخير الاكتفاء بالعمل في الشركة التونسية للكهرباء والغاز. وذكرت في التقرير الأوجه السلبية والإيجابية للتعاضد, وفي خاتمة التقرير أكدت ان التجربة « بها وعليها » وقد عبرت آنذاك عن رأيي بكل تجرد، لما علمت بمحاكمة أحمد بن صالح وأكدت أن رغبة الحكومة في محاكمة شخص أحمد بن صالح، ليست في محلها، بسبب أن كافة أعضاء الحكومة, كانوا مساندين للتعاضد وموافقين على سياسة أحمد بن صالح. وأشرت إلى أن التعاضد كان سياسة نظام كامل وقد عبرت عن ذلك بصراحة المبتدأ السياسي الذي لم يكن متخوفا من ردود الفعل.. وقد جاء موقفي هذا بناء على ما قاله الزعيم بورقيبة  نفسه, أثناء اجتماع 1 جانفي 1969 وهو اجتماع التأم لتتويج هيكل وبناء التعاضد: Le couronnement du processus . وقد جاء في خطاب بورقيبة آنذاك ان ما يعيبه على أحمد بن صالح، هو بطئ خطواته في تنفيذ التعاضد وقد سمعت ذلك شخصيا وجاء قوله في خطاب له، أي في فترة حاسمة وسابقة لاندلاع الأزمة. وهكذا فإن الحكم على التعاضد أو لفائدته يجب أن يكون بناء على هذه الخلفية ويجب أن نصرح بآرائنا، مجردة إزاء ما ندافع عنه وما نجحنا في إنجازه وما فشلنا في إنجازه على حد السواء. وتجربة التعاضد تحتاج إلى رؤى مختلفة وبعقل متزن وليس وفق آراء وخلفيات إيديولوجية. أما عن موقف بورقيبة من التعاضد فقد جاء بوصفه un homme pragmatique et n’était même pas rationaliste. فعندما تأكد أن التجربة الليبرالية المطبقة قبل 1960، كانت نتائجها كارثية للاقتصاد التونسي وهذا ما تؤكده الأرقام, فقد خير بورقيبة التخلي عن الحلول الرأسمالية، وساند تجربة الاقتصاد المخطط والمركز كحل وحيد, معتبرا أن قضية الديمقراطية الاقتصادية ليست القضية الأساسية في تلك الفترة، اذ كانت الأولوية التعجيل بالنمو الاقتصادي قبل كل شيء. وخلال فترة السبعينات تواصل عدم التوازن الاقتصادي، وتواصل ذلك إلى غاية مؤتمر الحزب الذي عقده بالمنستير، الذي « صار فيه ما صار »، وخلال هذا المؤتمر تحتم على النظام أن يختار الانفتاح الاقتصادي. وإجمالا، أود التأكيد أن فترة التعاضد، ورغم الإجماع على سلبيتها، فإني أؤكد أنها كانت globalement positive et pas globalement négative. والدليل أنه خلال سنة 1969، كان معدل النمو الاقتصادي بتونس حوالي 4.5% وهي نسب وردت في وثائق البنك الدولي. وشهادتي هذه هي في إطار إيماني بضرورة: il faut rendre à César ce qui appartient à César. وCésar هنا هو الشعب التونسي كله، ويجب أن نتخذ المسافة العلمية اللازمة لحسن تقييم التجربة. كما يجب أن نتأكد أن التجربة التنموية لبلادنا تونس، تجربة متواصلة ومتطورة ومتواصلة ولم تتوقف في أي فترة من الفترات وهذا في حد ذاته أحد مميزات تونس عن غيرها من البلدان النامية. – السيد محمد بلحاج عمر: أريد أن أوضح مسألة متعلقة بمداخلة السيد الشاذلي العياري. فأحمد بن صالح سنة 1961، لم يبعث تعاضديات اشتراكية بل أسس شركات  رأسمالية رقاعية،  حيث استولى على الأراضي وأعطى مقابلها رقاع. ودخلنا معه آنذاك في صراع، وأكد لنا له أن ذلك ليس تعاضدا فاتهمنا بأننا نجهل أسس التعاضد، قائلا أنها مسألة Tuniso-tunisienne وقد عارضنا ذلك بشدة. وأما فيما يخص مداخلة الدكتور عبد الجليل التميمي فإني أتحدى أي شخص يقدم لي اسم شخص، شنق نفسه أو انتحر بسبب سياسة التعاضد أو بسبب نتائج التعاضد. وأؤكد أن هذه الدعاية، هي مجرد سيناريوهات ودعاية كاذبة ولا أساس لها من الصحة. وأنا على علم باستجلاب الأشخاص المعوزين والمفقرين والذين يجوبون الشوارع متسكعين، ولا علاقة لهم بملكية الأراضي، وتلقينهم مقولات معادية للتعاضد ثم طلبوا منهم قول ذلك أمام شاشة التلفزة. وللتأكيد أيضا أن التعاضد لم يقع تعميمه بصفة بلغت إلى درجة الإيذاء بالأشخاص وبممتلكاتهم بل بالعكس هناك من تحصلوا على قروض ووقعت زراعة أراضيهم، ولم يرجعوا هذه القروض إلى الدولة فيما بعد. وأؤكد أيضا الثروة وعائدات الزيتون المسجلة في السنوات الفارطة، تعود إلى التنمية التي عرفتها المنطقة إبان سنوات التعاضد. – د. عمر الشاذلي (وزير التعليم العالي السابق): أود تفسير أسباب اختيار تطبيق سياسة التعاضد بتونس وأؤكد أن الغاية الأساسية التي كانت وراء ذلك تنمية البلاد والعباد وذلك في إطار انعدمت فيه الأفكار والمذاهب الاقتصادية وانعدمت فيه الأساليب والإمكانيات. وفي هذا الإطار قضى بورقيبة  فترة دراسة وتساؤل ثم استغل فرصة زيارته لاسكندنافيا سنة 1963, ليتعرف عن كثب على أساليب تطبيق التعاضد وكنت ضمن الوفد المرافق للزعيم بورقيبة, وقضينا 15 يوما قضاها بورقيبة  في دراسة التجربة. وبعد عودته كان معجبا بالتجربة التعاضدية المطبقة بالنرويج التي كان عدد سكانها مساويا لعدد سكان تونس ورغم محدودية إنتاجية أراضيها فقد كانت النتائج هامة. وقد لقي هذا الإعجاب صداه لدى احمد بن صالح الذي كان أكثر المتحمسين لتطبيق التعاضد. وبعد الشروع في تطبيق التجربة، تواصل نجاحها إلى غاية سنة 1967, لكن منذ 17 مارس 1967، تاريخ إصابة بورقيبة  بالأزمة الصحية, تراجعت نتائج التعاضد، ليس فقط لاسباب اقتصادية وإنما لعوامل سياسية تمثلت في التسابق لخلافة بورقيبة  بعد أزمته الصحية. مع العلم ان الزعيم بورقيبة  كان أكثر المساندين لبن صالح والدليل أنه لما لقي أحمد بن صالح معارضة من قبل توفيق الترجمان والطاهر بلخوجة، اشتكى ذلك لبورقيبة الذي سارع بسجن الطاهر بلخوجة وكان ذلك أكبر دليل على مساندة بورقيبة  لأحمد بن صالح من منطلق قناعته الراسخة بجدوى التعاضد ونجاعته في الخروج بتونس من تخلفها. وتوصلت  قناعته هذه إلى حدود شهر جانفي 1969. وخلال سنة 1969 جدت أحداث الوردانين التي سقط فيها بعض الموتى، إذ ذاك بدأ بورقيبة  بالتراجع لما تأكدت لديه معارضة السكان لسياسة التعاضد، وبدأ يتساءل عن ردود الفعل ومواقف السكان ويأخذ بعين الاعتبار معارضتهم للتعاضد. فكلف مجلس الجمهورية (le Conseil de la République) للنظر في المسألة. ولما قرر المجلس أن سلبيات التجربة أهم من الإيجابيات, سارع بتغيير سياسة التعاضد. وفي البداية، لم يكن عازما على تنحية بن صالح بل أبقى عليه كوزير للتربية في نوفمبر 1969 وطرح مسألة تعيينه سفيرا بإسبانيا ولم يقرر بورقيبة  محاكمته, إلا في أواخر مارس 1970 عندما تداولت بعض الشائعات. – د. عبد الجليل التميمي: أود تهنئة السيد الشاذلي العياري عن قناعاته وآرائه ومبادئه المستجدة، فلأول مرة أستمع الى قناعات من هذا النوع وهي القناعات التي تقرر بأن تجربة التعاضد تجربة إيجابية عموما ولا يمكن اعتبارها تجربة سلبية وهذه حقائق جديدة. – محمد بلحاج عمر: إن الإرث الاقتصادي الذي أورثته فترة التعاضد هو الذي وراء هذه النسب المتنامية. وهذا التطور الاقتصادي الملحوظ. فعشرية الستينات خلفت قاعدة اقتصادية صلبة لعشرية السبعينات, ولم تقدر عشرية السبعينات التي أشرف عليها الهادي نويرة على توريث أي قاعدة لعشرية الثمانينات. لذلك فإن حكومة محمد مزالي، ورغم تكونها من أحسن العناصر لم تتوصل إلى أي نتائج اقتصادية ملموسة. – د. علي المحجوبي : أود دعم مقولة الشاذلي العياري، لأؤكد أن عشرية التعاضد وصفت بكونها عشرية البقرات العجاف (Les vaches maigres) وعلى العكس كانت عشرية السبعينات كانت عشرية(Les vaches grasses). كما أن سياسة الستينات لم تكن مقتصرة على التعاضد فحسب, بل تزامن ذلك مع غراسة آلاف أشجار الزيتون والتفاح (خاصة بمنطقة سبيبة) وكذلك تعددت الإنجازات في المجال الصناعي، حيث ركزت المركبات الصناعية والكيمياوية بجهة قابس وبنزرت والقصرين… وكذلك على مستوى البنى التحتية.. غير أن الإصلاحات لا تعطي أكلها إلا على المدى البعيد. وقد كنت اطلعت على وثيقة رسمية في زمن وزارة منصور معلى للتخطيط، احتوت تعدادا للإيجابيات الاقتصادية لفترة الستينات, ويؤكد أن النتائج الإيجابية لفترة التعاضد ظهرت خلال فترة السبعينات. – خليفة ساكري : تتلخص مداخلتي في ملاحظتين أساسيتين بشأن ما بث بالحلقة الرابعة من مسلسل زمن بورقيبة. فقد كان موضوع الحلقة : تجربة التعاضد وتجربة الوحدة مع ليبيا. فهذه الحلقة أشارت لتجربة التعاضد من زاوية واحدة، وهي وجهة نظر رجال بورقيبة ووزرائه دون سواهم. وبناءا على ذلك فما أعيبه على محتوى هذه الحلقة من زمن بورقيبة, تغييب وجهة نظر أناس آخرين، ولا أدري لماذا لم يقع استدعاء أناس من عامة الشعب ممن عايشوا تجربة التعاضد وعانوا من انعكاساتها. ففي نظري اهتمت الحلقة بتجربة التعاضد من وجهة نظر وزراء بورقيبة, ولم تهتم بوجهة نظر المعنيين بصفة مباشرة بالتعاضد وهم عامة الناس الذين عانوا من وقع التعاضد على حياتهم اليومية. أما المبحث الثاني الذي كان الموضوع الثاني للحلقة، فكانت قضية الوحدة بين تونس وليبيا، حيث لم تركز الحلقة على الدوافع النفسية للقائمين على هذه الوحدة وهي في نظري دوافع محددة لشكل اتفاقية جربة ولمداها الزمني ومفسرة لفشلها السريع فيما بعد. – د. عبد الجليل التميمي: أعيد التأكيد أن مدة الحلقة 50 دقيقة ولا تستطيع تحميل هذه الدقائق أبعادا زمنية شاسعة. مع العلم أننا اليوم اختصرنا على الحوار حول قضية التعاضد وسنرجأ مسألة الوحدة مع ليبيا إلى المرة القادمة. أود التعبير هنا عن درس أساسي تستمده(un enseignement majeur)  لهذه التقويمات ومفاده على التونسيين أن يقوموا بإنجاز فيلم توثيقي يكون فاعلا في خدمة تاريخ تونس، ويجب أن يتحمل التونسيون مسؤوليتهم في ذلك، دون أي تهاون أو اتكال على بقية القنوات الأخرى العربية أو الفرنسية وما يجب إنجازه بشأن بورقيبة، هو دين على التونسيين والتونسيات، لأن ما أنجزته قناة العربية حول بورقيبة كان إنجازا أول، وهو غير كاف بسبب ضيق الحيز الزمني، إذ لا يمكن إيفاء جميع الجوانب من حياة دولة الاستقلال البورقيبية في 6 ساعات فقط، هي عمر السلسلة ككل. ومع ذلك يبقى الإنجاز افضل من لا شيء. وفي الختام أشكركم جميعا على إيجابية هذا الحوار وهذه الاستشرافات البناءة. وأعطيكم موعدا الثلاثاء القادم (24 أفريل، التحرير) لمواصلة تناول الحلقة الخامسة من مسلسل زمن بورقيبة التي ستهتم بملفات هامة أخرى. (المصدر: مراسلة اليكترونية وزعتها مؤسسة التميمي للبحث والمعلومات بتاريخ 17 أفريل 2007)


في الحلقة القادمة من « مشاهد وآراء » الخميس

مسؤولون تونسيون سابقون يناقشون « زمن بورقيبة » على العربية

 
دبي-العربية.نت يشارك عدد من المسئولين الكبار السابقين في النظام التونسي يوم الخميس 19-4-2007م في مناقشة وتقييم الحقبة الأخيرة من حياة الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة التي قدمت العربية لأول مرة فيلما وثائقيا على امتداد خمس حلقات يتناول سيرة حياته في مراحلها المختلفة تحت عنوان « زمن بورقيبة ». ويسبق نقاش البرنامج عرض للحلقة السادسة والأخيرة التي تحمل عنوان نهاية زمن بورقيبة، وتتضمن فترة  الثمانينيات من تاريخ تونس وما شهدته من اضطرابات وشلل تام في مختلف مفاصل البلاد كما تتعرض إلى بروز الإسلاميين في الساحة التونسية، ويظهر في البرنامج للمرة الأولى كل من السادة الهادي البكوش أول وزير أول في تونس بعد إقالة بورقيبة وعبد الله القلال رئيس مجلس المستشارين في تونس، وهما من الأطراف الفاعلة في مرحلة الثمانينيات والتسعينيات. وتستعرض الحلقة نهاية زمن بورقيبة والظروف التي أدت إلى إقالته في السابع من نوفمبر تشرين ثاني عام 87 حيث تولى وزيره الأول آنذاك زين العابدين بن على إقالته بناء على تقرير طبي وقعه سبعة أطباء أكدوا عدم أهلية بورقيبة للحكم. وكان البرنامج الذي أعده كل من الإعلامي في قناة العربية محمد الهادي الحناشي واخرجه الإعلامي ماهر عبد الرحمن، وكلاهما تونسي، قد أثار موجة من ردود الفعل في الدوائر السياسية التونسية وإمتد الجدل إلى أروقة الجامعة التونسية، حيث دفع للنقاش ولأول مرة منذ إقالة بورقيبة البحث في تاريخ تونس خارج الرواية الرسمية، وقدم عدد من المؤرخين والسياسيين جملة من الاراء والشهادات التي تتعلق بهذه الفترة من تاريخ تونس. وكانت مؤسسة التميمي للبحوث والدراسات وهي إحدى المؤسسات الأكاديمية المشهود بنشاطها البحثي في تاريخ تونس قد خصصت سلسلة ندوات تقييمية لمناقشة مضمون حلقات البرنامج. عودة للأعلى « أزمنة بورقيبة » وقد تضمنت الحلقة التي حملت عنوان « زمن الكفاح » أبرز المراحل التاريخية، التي عاشها الشعب التونسي خلال مرحلة كفاحه ضد المستعمر الفرنسي، والسياسة التي انتهجها بورقيبة للوصول إلى الاستقلال. كما تضمنت الحلقة صورا نادرة لتونس في مراحل العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي وخطبا ومواقف نادرة لبورقيبة. واستعرضت الحلقة الثانية التي حملت عنوان « زمن بنزرت وديغول » مراحل الصراع بين بورقيبة، وخصمه صالح بن يوسف الذي كان يحضى بدعم الزعيم جمال عبد الناصر. وتضمنت الحلقة أيضا معطيات تم الكشف عنها لأول مرة وخاصة تلك المتعلقة بحرب بنزرت وباغتيال صالح بن يوسف، والمحاولة الانقلابية الفاشلة التي تعرض لها بورقيبة بداية الستينيات. وخلفيات الصراع بين بورقيبة والرئيس الفرنسي شارل ديغول، و صورا نادرة ووثائق سرية يكشف عنها لأول مرة. فيما خصصت الحلقة الثالثة لزمن عبد الناصر وفلسطين وتناولت رحلة بورقيبة نحو المشرق العربي وعلاقته مع الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر. كما تناول البرنامج وللمرة الأولى خلفية الصراع على الزعامة بين الرجلين وخطاب بورقيبة في أريحا يوم الثاني من شهر مارس عام خمسة وستين والذي أثار موجة من الغضب العربي ضده حيث اتهم بالعمالة وبخدمة الإستعمار، ونقل البرنامج مقتطفات من خطاب أريحا الشهير وأخرى للزعيم جمال عبد الناصر يندد فيها ببورقيبة. وتعرضت الحلقة إلى علاقة بورقيبة بالقضية الفلسطينية وصولا إلى استقباله للقيادة الفلسطينية على أرض تونس عام 1982 خلال حصار بيروت. وكانت الحلقة الرابعة التي حملت عنوان « زمن الاشتراكيين والثوار » قد تناولت  التجربة الإشتراكية في تونس، التي انتهجها بورقيبة وتسلط الضوء على دور مهندس التجربة الوزير أحمد بن صالح كما تتعرض لخفايا الصراع الداخلي بين أركان الحكم في تونس والظروف الإقليمية التي ساهمت في توتير الأوضاع في تونس في حقبة الستينيات والسبعينيات والتي مهدت لإنتخاب بورقيبة رئيسا مدى الحياة. وتخصصت الحلقة الخامسة التي حملت عنوان « زمن الفتن في الأجواء التونسية » نهاية السبعينيات وما عرفته البلاد من اضطرابات عمالية ومظاهرات شملت مختلف أنحاء البلاد. (المصدر: موقع العربية.نت بتاريخ 18 أفريل 2007)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

الأربعاء، 5 مايو 2010

Home – Accueil   TUNISNEWS  10ème année, N°3634 du 05 .05 .  2010  archives : www.tunisnews.net الحريةلسجين  العشريتينالدكتورالصادق شوروولضحاياقانونالإرهاب المنظمةالدوليةللمهجرينالتونسيين:أحزابسياسية

+ لمعرفة المزيد

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.