الأحد، 4 يوليو 2010

 

عشرة أعوام من الإخبار اليومي عن وطن يعيش فينا ونعيش به وله… من أجل تونس أرقى وأفضل وأعدل.. يتسع صدرها للجميع…  

TUNISTUNISNEWSNEWS

10ème année, N°3694 du 04. 07 .2010   

 archives : www.tunisnews.net

الحرية لسجين

 العشريتين الدكتور الصادق شورو

ولضحايا قانون الإرهاب


زياد الهاني:حركة احتجاجية ناجحة في مؤسسة « لابريس »: العملاق ينهض؟ أمين عام حركة الديمقراطيين الاشتراكيين:بعث مركز دراسات وبحوث لنقد الذات دون جلدها  فتحي بالحاج:رسالة مفتوحة لهيئة تحرير صحيفة الموقف الأستاذ المختار اليحياوي:رسالتي إلى … المحرومة من الدعم و الإشهار* الحوار.نت:عزلة السلطة في تونس في تفاقم الصباح:بسبب الأزمة العالمية:تضرر أكثر من 70 ألف عامل.. والحديث عن منحة البطالة يتزايد الطاهر العبيدي:هموم مهجرية يعود للسجن بعد 11 سنة من الفرار الحياة:50 مليون دولار من البنك الدولي قرض لتونس لتأمين فرص عمل عماد الدّين الحمروني: »إنّا لله و إنّا إليه راجعون » الصباح:من الذاكرة الوطنية:حكومة الاستقلال واقتلاع العروشية الصباح:مدير الشؤون الإسلامية الإماراتي للصباح:لهذه الأسباب اخترنا أئمة وخطباء تونسيين للعمل ببلادنا قصيدة الشاعر المنصف الوهايبي في الدورتين (قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل تنوي الغاء الفاصل العاشر الشروق:يوم انشقت الأرض بحفوز: «فجوة الموت»..تبث الهلع والرعب في النفوس الشيخ راشد الغنوشي: الإسلام والمواطنة وائل مرزا :النظام السياسي العربي.. حل المشكلات أم «تدويرها» و«تأجيلها»؟! بلال الحسن:مطلوب رفع الحصار الإسرائيلي عن الضفة الغربية عبد الباري عطوان:ترطيب مع تركيا وتصعيد ضد سورية عريب الرنتاوي:مقاربة أميركية من «خارج الصندوق» د. فهمي هويدي:إنها الأجندة الغربية يا صاحبي فاطمة حسن :مصر: مؤشرات على انهيار ائتلاف المعارضة ياسر الزعاترة:شيخ الأزهر في أولى فتاواه السياسية


 Pour afficherlescaractèresarabes suivreladémarchesuivan : Affichage / Codage / ArabeWindows)Toread arabictext click on the View then Encoding then Arabic Windows)  


 منظمة حرية و إنصاف التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس

ماي2010

https://www.tunisnews.net/18Juin10a.htm


حركة احتجاجية ناجحة في مؤسسة « لابريس »: العملاق ينهض؟


لم يكن يوم الأربعاء 30 جوان 2010 يوما عاديّـا في سفر مؤسسة (سنيب/لابريس) العمومية المصدرة لصحيفتي « لابريس » و »الصحافة ». لقد كان يوما ملحميّا سيحفظه سجلّ المؤسسة بكل فخر. ففي هذا اليوم أطلق أبناء المؤسسة صرختهم المدوية التي ترددت أصداؤها في كل أنحاء البلاد: لن نساوم على كرامتنا، لن نساوم على حقوقنا، لن نتخلى عن نصرة زملاائنا الذين يعملون منذ سنوات طويلة في ظروف السخرة والاستعباد؟؟ في 30 جوان كانت البداية بالشارات الحمراء، هامات عالية ورؤوس مرفوعة تأبى أن يكون الخضوع قدرها.. وللملحمة بقية.. هذا العملاق عندما يستيقض، لا يمكن لعجلة التاريخ أن تعود إلى الوراء؟ في 30 جوان رفرفت رايات العز خفاقة، يكنس رجع خفقانها تخاذل المتخاذلين وتقاعس المشككين وتآمر الخادمين في ركاب مصالح المسؤولين المتمسحين على أعتابهم، ممن باعوا ضمائرهم بثمن بخس؟ عاشت نضالات أبناء الساحة الإعلامية وعاش تلاحمهم وتضامنهم عاش فرسان الإعلام الملتزمون بالدفاع عن حرية الصحافة باعتبارها قاطرة الدفع لحركة مجتمع ينهض متطلعا للحرية والكرامة زياد الهاني


أمين عام حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بعث مركز دراسات وبحوث لنقد الذات دون جلدها


أعلن السيد اسماعيل بولحية أمين عام حركة الديمقراطيين الاشتراكيـين عن بعث مركز دراسات وبحوث صلب الحركة يهدف إلى القيام «بعملية تقييم موضوعية وقراءة نقدية دون جلد الذات لمسار الحركة منذ انبعاثها»، حسب تعبيره. وقال خلال ندوة صحفية عقدها أمس بمقر الحركة بالعاصمة حضرها السيد محمد مواعدة المنسق العام وأعضاء المكتب السياسي للحزب، أن المركز سيتولي من خلال دراسات وبحوث علمية الوقوف على الوضع الحالي للحركة في ظل التجربة الديمقراطية التونسية بالاستعانة بكوادر الحزب وبكفاءات من خارجه. وأوضح أن قرار بعث المركز تمخض عن اجتماعات عديدة انعقدت صلب الحركة خلال شهر جوان المنقضي أشرف عليها أعضاء المكتب السياسي في جميع الجهات بمناسبة ذكرى انبعاث الحركة، واجتماع المكتب السياسي والمكتب السياسي الموسع والمجلس الوطني.. وأوكلت مهمة الإشراف على المركز إلى السيد محمد مواعدة. مشيرا إلى أن المركز سيعمل على تثمين الإيجابيات المحققة للحركة والسعي لدعمها وتطويرها لتكون أرضية مرجعية للوائح المؤتمر القادم للحركة الذي سيكون هذه المرة انتخابيا نابعا من صناديق الاقتراع، خلافا للمؤتمرين السابقين اللذين عقدا على أساس وفاقي. وأفاد بولحية أنه تقرر تعميم الانترنت على جميع مقرات الجامعات بمختلف ولايات الجمهورية بالتوازي مع تحديث موقع الحركة الالكتروني، بهدف تحديث خطاب الحركة وتطوير جريدتي المستقبل ولافنير، في نطاق خطة شاملة للإعلام يشرف عليها السيد جلال الأخضر. وفي إطار المراهنة على الشباب والعنصر النسائي أعلن بولحية عن انطلاق الدورات التكوينية للشباب يوم 20 جويلية الجاري بمركز الشباب بالرمال ببنزرت تحت شعار «2010 سنة إدماج الشباب». كما ستنطلق أولى ورشات التكوين للمستشارات البلديات يوم 17 من نفس الشهر في إطار اللجنة المكلفة بمتابعة عمل المستشارين البلديين وإثراء أدائهم في المجالس البلدية وسيشرف عليها عضو المكتب السياسي السيد الصحبي بودربالة. كما تقرر تفعيل أداء ممثلي الحركة في المجالس المنتخبة وبالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجالس العليا. وقد تم للغرض يوم أمس عقد اجتماع أعضاء المجموعة البرلمانية للحركة للاستعراض مشاركتها في أشغال اللجان لدراسة المخطط 12 للتنمية. والاستعداد للمشاركة في الجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع المخطط والمقررة خلال الأسبوع المقبل. وقال إن الحركة تسعى من موقعها إلى اثراء الحوار وتقديم المقترحات من أجل خدمة التنمية السياسية والاقتصادية، وذلك من خلال مسانتدها لإنجاح البرنامج الرئاسي «معا لرفع التحديــات». وذكر بما اقترحته الحركة مؤخرا من صياغة عقد اجتماعي جديد للخماسية المقبلة لتحيين وتفعيل قيم ومبادئ تحول السابع من نوفمبر. ووضع ميثاق تنموي وطني والعمل على تحقيق زيادة في النمو بنقطـتين والتخفيــــض في معدل البطالة بنفس النسبة. من جهته قال مواعدة أن مركز الدراسات والبحوث كان فكرة قديمة وأقرها المؤتمر الأخير للحركــة سنة 2008 وسيكون له مهمة تقييمية وتقويمية على حد تعبيره استنادا على دراسات علمية، وسيتولى أيضا الاهتمام بمسار الحركة وتموقعها في الساحة السياسية الوطنية واسهامها في تطوير المسار الديمقراطي التعددي التونسي، ومراجعة خصوصيات الخطاب السياسي للحركة وخياراتها المرجعية. فضلا عن تقييم واسشراف تموقع الحركة تنظيميا وهيكليا وعلى المستويـــين الكمــي والنوعي، وتكوين إطارات. رفيق بن عبد الله (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 04 جويلة 2010)

 


رسالة مفتوحة لهيئة تحرير صحيفة الموقف


 فتحي بالحاج

 

السيد مدير جريدة الموقف الأستاذ نجيب الشابي السيد رئيس التحرير: الاستاذ رشيد خشانة نتابع في المدة الأخيرة ما تنشره، صحيفة الموقف، وإذ نلاحظ فقدان الموضوعية، وانحيازها  الايديولوجي لشق دون أخر في ما يجري داخل قطاع المحاماة،  وتحاملها الغير المفهوم على الأستاذ البشيرالصيد والقوميين. وإذ نحترم الخيارات الفكرية والايديولوجية لصحيفة الموقف، فإن انزلاقها في حملة تشهير كنا نتصور انه اسمى من تنزل إليها..يفقدها المصداقية، والوفاء للرسالة الاعلامية التي تقتضي الموضوعية، والنزاهة. السيد مدير الموقف السيد رئيس التحرير ألفت انتباهكم. إن  ما نشرته الموقف في  عددها الأخير من تهجم رخيص وترويج أكاذيب  على لسان المدعي  فوزي بن مراد يأتي في هذا التوجه الذي دابت عليه الموقف في المدة الأخيرة..إن مقال السيد بن مراد لا يدخل في اطار وجهة النظر.التي  نحترمها بل احتوى على اكاذيب وتهجمات رخيصة تروجها عناصر يسراوية، وسلفية عرفت بمعاداتها للحرية والتنوع   والديمقراطية…ناسف أن تتحول الموقف منبرا للمزايدين وللذين يريدون تصفية حساباتهم الشخصية، وحل عقدهم النفسية مع القوميين ورموزهم أردنا لفت  انتباهكم إلى المسار الخطير الذي انزلقت إليه الموقف، وهي بهذا  تفقد جزء لا يستهان به من قرائها  والمدافعين عليها فالقوميين كانوا اول المدافعين علىيها أمام العراقيل التي وضعت في طريقها، يشهد على ذلك حضورهم المكثف والنوعي  في المقر، إنها بهذا المنزلق تدوس على قيم العمل الصحفي: النزاهة، الموضوعية، الحياد عدم التشهير وعدم نشر الأكاذيب. لقد  صدمتنا من مثل هذا السلوك الغير مفهوم.  وكنا نتصور أن الذين اكتووا بنار التشويه والاشاعة سيكونون على الشعب وتيارلته أرحم.  فهل قدر الاعلام في تونس، أن يبقى اسير الحسابات  الفردية والحزبوية الضيقة ؟ السيد مدير الموقف السيد رئيس التحرير إن استهداف القوميين ورموزهم المناضلة لن يقوي الحركة الحقوقية المناضلة في تونس، بل يضعفها، فهم كانوا ولازالوا سماد النضال من اجل ديمقراطية سليمة في تونس وكانوا ولا زالوا طلائع، ضد كل الذين تعاملوا مع المطلب الديمقراطي حسب الطلب، وضد كل الذين تلونوا حسب ما تقتضيه مصالحهم الذاتية والفئوية. إن حملات التشويه لن تثنينا على النضال من أجل حرية للجميع، وديمقراطية بدون استثناءات، ولن تثنينا على التمسك بالخيار الوطني المستقل.. إن مقال السيد بن مراد لا يدخل في إطار وجهة النظر لنطالب بحق الرد، بل يدخل في إطار نشر الأكاذيب والاشاعات  وكنا نود أن لا تنخرط فيها ضحيفة  الموقف. إنه لا تستحق إلا الازدراء.  نطلب منكم نشر هذه الرسالة في صحيفتكم. ونترقب  من إدارتكم  إتخاذ  الموقف المناسب. تقبلوا مني فائق الاحترام فتحي بالحاج


رسالتي إلى … المحرومة من الدعم و الإشهار*


كان مخاطبي يتحدث بكل جدية و هو يسألني عن طريق الهاتف:  » هل بلغتك أخبار الإنفتاح الحاصل في الحياة السياسية مؤخرا ؟ » فأجبته بأن ما أراه و ألمسه يوميا لايؤشر إلا على مزيد من الإنغلاق و التشدد طالبا منه أن يعفيني من من لعبة التنجيم و أن يقول ما لديه إن كان لديه ما يقال. فرد علي بصيغة الإستغراب « ألم تطلع بعد على العدد الأخير من صحيفة الموقف ؟ » أنا لا أطالع صحيفة الموقف و لم أطلع على العدد الأخير و لا على ما قبله سوى ما ينشر منها على الأنترنات و كان مخاطبي يعرف ذلك جيدا ولكن ما دخل الإنفتاح في الحياة السياسية بجريدة الموقف؟ عندها رد مخاطبي بشكل قاطع: « عندما تنشر صحيفة الموقف مقالا للدكتور المنصف المرزوقي وتوزع بصفة طبيعية و أتمكن أنا داخل الجمهورية من مطالعته فهذا يعني أن هناك إنفتاح سياسي غير مسبوق بصدد الحصول في الحياة السياسية في تونس. » هذا الحوار حقيقي و ليس مستنبط وهو مثال عن التندر و السخرية التي نتناول بها مثل الكثير من التونسيين بعض صحف المعارضة التي تدعي الدفاع عن حرية التعبير و تتباكى من التضييق و الحصار المفروض عليها من طرف السلطة. أنا لم أطلع بعد عن العدد الأخير من الصحيفة المذكورة و لكن الأمر يتعلق – و العهدة على صديقي – بالمقال الذي كتبه مؤخرا الدكتور المنصف المرزوقي عن الوزير الأول السابق محمد مزالي بعد وفاته و الذي نشرته جريدة الموقف « بعد تهذيبه » في عددها الأخير و بعد أن وقع تداوله في عديد مواقع الأنترنات. و لكن الغرابة التي تثير السخرية ليست في المقال في حد ذاته و لكن في إسم كاتبه. فالدكتور المنصف المرزوقي « ممنوع من الدعم و الإشهار » على صحيفة الموقف منذ سنوات و من الأسماء المضروب عليها الحجب « الديموقراطي التقدمي » لذلك يعتبر مجرد نشر مقال له نجاح لحملة « سيب صاح » لدى المعارضة. لا أريد التوقف كثيرا عن مغزى هذه المغازلة التي بدأت في الحقيقة في العدد السابق من صحيفة الموقف بمقال قصير عن صدور الطبعة الكاملة لكتاب الرحلة للدكتور المرزوقي و تزامنت مع إعلان قيام « تحالف المواطنة و المساواة » بين شق آخر من المنافسين على لافتة المعارضة سوى ملاحضة أن عملية الإحتواء و تدوير البيادق كما ألفناها داخل المعارضة قد بدأت لدى بعض البارعين في إعادة الإنتشار للمحافضة على الركود كلما ضهرت محاولة لتحريكه. بقيت كلمة أخيرة للتوضيح لبعض « الزعماء » الذين ينادون بحرية التعبير و الحق في نقد رموز السلطة و سياستها و لا يغفرون التجرأ على مجرد معاتبتهم فيمارسون الحجب و الإنتقاء بشكل أكثر فجاجة و تخلفا مما تمارسه صحافة المجاري و الموالاة ليعلموا أن التونسيين لم تعد تخدعهم الشعارات و انهم مدركون أن السياسة هي بالأساس ممارسات و أن الصحافة إذا تجردت من النزاهة تصبح مجرد وسيلة للنصب و المغالطات.

المختار اليحياوي – تونس في 03 جويلية 2010

* المقصود بالعنوان جريدة الموقف و هي جريدة شخصية تصدر بترخيص خاص بمالكها السيد أحمد نجيب الشابي و ليست جريدة الحزب الديموقراطي التقدمي حتى يمكنها إدعاء الحق في الدعم العمومي لصحف المعارضة مثل بقية جرائد الأحزاب الأخرى كمثال عن ممارسة هذه الصحيفة للحجب و الإقصاء ضد أسماء بعينها يمكن المقارنة بين النص الأصلي للسيرة الذاتية للعميد الجديد المنشور على صفحة الأستاذ الكيلانيhttp://www.abderrazak-kilani.net/presentation.html و النص المنقول حرفيا الذي نشر في العدد 552 من صحيفة الموقف و الذي يمكن تحميله (هنا)

 

أو مع كامل العدد على الوصلة التالية :http://www.pdpinfo.org/spip.php?article61724 ( المصدر: موقع www.tunisiawatch.com  بتاريخ ٣ جويلية ٢٠١٠) http://www.tunisiawatch.com/?p=2649


عزلة السلطة في تونس في تفاقم


شهدت الأيام المنصرمة أحداثا تونسية تؤشر كلها على عزلة السلطة التونسية وفقدانها لورقات التوت المزيفة الرقيقة التي سترت بها عورتها يوم اغتصبت السلطة في ذات هزيع من ليالي شتاء 1987. عمادة المحامين.

ذكر السيد صالح عطية في الصباح اليومية التونسية الرسمية إثر انتخابات عمادة المحامين التي جرت في الأيام المنصرمة بأنّ فوز العميد الجديد الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني يعزى إلى مساندة الإسلاميين والمستقلين. ومعلوم أنّ مرشح السلطة مُني بهزيمة واسعة في تلك الانتخابات التي شهدت إقبال الآلاف من المحامين. سؤالنا هو: إذا كان للإسلامين ذلك الوزن المعتبر في صفوف المثقفين والحقوقيين والنخبة ـ حتى بعد حرب داحس والغبراء التي قادتها السلطة بقيادة بن علي لاستئصال الوجود الإسلامي بقوة البوليس وضراوة التعذيب ـ فما هو المبرر لإقصائهم من الحياة السياسية والإعلامية والحزبية؟ إذا كان قطاع المحاماة يشهد ذلك الثقل الإسلامي فإلى متى تتواصل سياسة العمل بخطة تجفيف منابع التدين وإلى متى يتواصل العمل بتجميد الحريات وإلغاء الديمقراطية؟ ألا يعكس ذلك سفساف السلطة التي تدّعي أنّ الإسلاميين مجموعة من الظلاميين الإرهابيين المتطرفين الذين يهددون المكتسبات التقدمية؟ كيف يكون المحامي الإسلامي ـ وكثير من المستقلين إنما يختارون البديل الإسلامي عندما تجرى في البلاد انتخابات حرة ديمقراطية ولكن اضطر كثير من الإسلاميين في مواقع نخبة كثيرة في البلاد إلى رفع لافتة الاستقلال فرارا من دبابة السلطة ضد كل ما يمت إلى الإسلام بصلة ـ كيف يكون المحامي الإسلامي ظلاميا وهو رجل النخبة المثقف وصاحب الشهادة الجامعية؟ بل كيف يكون إرهابيا متطرفا وهو نصير المستضعفين والمقهروين والمطرودين ممن سحقهم إرهابُ السلطة في أكثر من حقل ومجال؟ إن هي إلا المكابرة العنيدة من سلطة بنت مشروعيتها من أول يوم ـ قبل أزيد من عقدين ـ على العبث بحقوق الإنسان وقتل الديمقراطية وجعل الدولة بمؤسساتها غنما يسيرا للعائلة المالكة الحاكمة. أي مشروعية لسلطة لفظتها النخبة الحقوقية في البلاد لفظ النواة؟ تونس الثانية في الفايس بوك دوليا.

تونس هي الثانية دوليا من حيث إقبال مواطنيها على الفايس بوك. خبر جديد ومثير في الآن ذاته. خبر له أكثر من دلالة من أكبرها أنّ دبابة السلطة ضد الإعلام الحر في البلاد بكل ألوانه وصوره ما تذر من صوت حر إلا أتت عليه فجعلته كالرميم. نقلت إلينا وكالات أنباء موثقة سابقا ـ فضلا عن أكثر الجمعيات الدولية الحقوقية عراقة ومصداقية ـ أنّ تونس هي العدو الأول في الأرض ضد الإعلام الإلكتروني وقالت تلك المصادر عن رئيس الدولة أنه بينوشيه العرب وأنه القاتل الضاحك لفرط مُرود الدولة في عهده على النفاق الذي يصدر خطابا ديمقراطيا يغازل به الأروبيين ويدهس به الأحرار في البلاد. واليوم تنقل إلينا الأنباء أنّ تونس هي الثانية دوليا في العالم كله من حيث إقبال التونسيين على الفايس بوك. دلالة ذلك تعني أنّ مساحات الإعلام ضاقت عن أهلها في البلاد فلم يعد أمام التونسيين إلا متنفسات قد يعسر على السلطة متابعتها رغم أنّ الأنباء تؤكد في الأيام الأخيرة أنّ السلطة قامت بالتضييق والتشويش على السكايب حتى ضج التونسيون المقيمون بالخارج ـ من غير المحاكمين والمطاردين ـ بسبب أنهم يتصلون مع ذويهم بالسكايب بسبب مجانيته وميزات أخرى مقارنة مع وسائل اتصال أخرى. العبرة من ذلك حصدها الناس منذ سنوات طويلة وهي أنّ ثورة الاتصالات الحديثة هي المهدد الوحيد والعدو الأوحد ضد الأنظمة الشمولية التي عفا عنها الزمن والنظام التونسي على رأس تلك القائمة بالتأكيد. أيّ مستقبل لسلطة تتابع مواطنيها من أجل كلمة أو قلم أو لسان أو صوت أو صورة أو رسم أو اجتماع؟ أي مستقبل لسلطة تكون الثورات العلمية خطرا على وجودها ومهددا لتجددها؟ تلك سلطة قروسطية المتاحف أولى بها لولا أنّ البوليس يحميها بعصاه الغليظة. تحالف المواطنة والمساواة.

نشأ تحالف سياسي جديد في تونس قبل أيام قليلة يُسمى باِسم: تحالف المواطنة والمساواة. يضم أربعة فصائل سياسية هي: حركة التجديد (الحزب الشيوعي التونسي سابقا) والتكتل من أجل العمل والحريات بزعامة السيد مصطفى بن جعفر وكلا الفصيلين معترف به من السلطة. وكذلك من تيار الإصلاح والتنمية بزعامة السيد محمد القوماني عقِب خروج ذلك التيار من الحزب الديمقراطي التقدمي قبل شهور طويلة (خلفية ذلك الخروج هي الخلفية ذاتها التي تحدث من حين لآخر في بعض الأحزاب والحركات السياسية التونسية وهي أنّ بعض النخبة بسبب شدة الانسداد والاحتقان العنيف المتواصل في الحياة السياسية في البلاد في ظل هيمنة عائلة بن علي وزوجه على مقاليد البلاد بالحديد والنار.. تظن تلك النخبة أنّ المشكلة هي في الخيار السياسي لأحزابها وهو الخيار الذي يصر على افتاك أكبر ما يمكن من مساحات الحرية في البلاد بالضغط السياسي المعتدل والتدافع الإعلامي المتوازن.. لذلك تسقط تلك النخبة في مشكل عويص تنخرط في إثره في العزوف عن نقد السلطة أو مساندتها في بعض خياراتها ظنا ساذجا منها أنّ ذلك كفيل باستجداء الحريات.. ثم تكتشف تلك النخبة أنّ اللعبة لم تكن سوى مناورة من السلطة لتشق صف تلك الأحزاب وتوهين فعلها فإذا خرجت النخبة من هيئاتها السابقة كذبت السلطة ـ كالعادة وألف ألف عادة ـ وبقيت تلك النخبة في ورطة تسلل سياسي). اِقرأ معنا تحليل التحالف السياسي الجديد.

قال في تصريحاته أنّ البلاد تعيش « انغلاقا كبيرا » و »انحسارا للمواطنة وتعطلا لمسار الإصلاح السياسي الذي تعهدت به السلطة من بعد انتصابها ». ماذا يعني ذلك؟ ذلك يعني أنّ تحليلا سياسيا واحدا هو محل اتفاق من مختلف الأطراف المعارضة في البلاد بمختلف مواقعها قربا وبعدا من السلطة. هيأة 18 أكتوبر (تضم أبرز المعارضات الأخرى ومنهم الإسلاميين) مشكلتها مع السلطة مشكلة انغلاق حاد واحتقان مسدود وانحسار للمواطنة وتعطل لمسار الديمقراطية وتراجع السلطة عن وعودها التي ضربتها قبل عقدين بل أزيد. حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بزعامة الدكتور المرزوقي كذلك. النخبة كذلك. الجميع متفقون على التحليل السياسي ذاته إلا السلطة التي تكابر وتعاند وترد على ذلك بالعصا والتشريد. أركان التحالف السياسي الجديد أحزاب سياسية معترف بها من لدن السلطة. بعضها ممثل في البرلمان. بعضها محسوب على السلطة بوجه أو بآخر. بعضها معروف بتوجهاته الاستئصالية سيما في موقفه من انضمام الإسلاميين إلى هيأة 18 أكتوبر. إذا كان ذلك كذلك وكان ذلك هو ما انتهى إليه ذلك التحالف فإنّ ذلك لا يعني سوى أنّ السلطة كذبت ألصق الكيانات بها وأقربها إليها وخذلته، وذلك هو صنيعها الذي لا يتخلف إذ الذاكرة التونسية متينة على نحو لا تتناسى فيه أنّ السلطة ذاتها قبل عقدين كاملين وتحديدا عام 1991 وعدت المعارضة كلها بالتحالف معها لاسئصال الإسلاميين ثم لها الجنة الموعودة.. تحالف معها من تحالف وتحالف مع الحريات من تحالف (للأمانة والحقيقة والتاريخ فإنّ الدكتور المرزوقي هو الذي لم يبدل في قضية الحريات ولم يغير بل بقي وفيا في زمن يكاد ينقرض فيه الوفاء والأوفياء).. ثم أدركت المعارضة كذب السلطة فعادت إلى قضية الحريات بقوة وهي على ذلك ثابتة حتى اليوم.. فهل تلدغ المعارضة من جحر السلطة مرتين!! مأزق الإنسداد الديمقراطي.

ذلك هو عنوان ندوة نظمت في باريس في الثاني من تموز يوليو من الشهر الجاري. ندوة نشطها السيد حسين الباردي وشارك فيها سهير بلحسن رئيسة الفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان وسهام بن سدرين عن المجلس الوطني للحريات وخميس الشماري المستشار الدولي المعروف في حقوق الإنسان وكمال الجندوبي رئيس اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان. انعقدت الندوة بمساندة حركة النهضة والمنظمة الدولية للمهجرين التونسيين وحركة التجديد (عضو تحالف المواطنة والمساواة آنف الذكر) والمؤتمر من أجل الديمقراطية وأحزاب وحركات وجمعيات أخرى.. السبب المباشر لهذه الندوة هي فضيحة القانون الجديد أي الفصل 61 مكرر من المجلة الجنائية الذي صادق عليه البرلمان التونسي حول المساس بالأمن الاقتصادي والذي أجمعت كل القوى في الداخل والخارج ـ فضلا عن الجمعيات الحقوقية الدولية ـ على أنه مسمار آخر في نعش الحريات والديمقراطية الذي ما فتئت السلطة تنسجه مسمارا بعد مسمار متجاهلة أنّ النعش الذي صنعته لدفن الحريات هو ذاته الذي تصنعه لعصابتها الحاكمة والمالكة. (أنظر كلمة حرة سابقة للحوار.نت حول تفاصيل ذلك القانون الفضيحة وتداعياته). أصابت الندوة حقا عندما تعنونت بــ »مأزق الانسداد الديمقراطي في تونس ». انسداد ظل يلاحق الأحرار في الداخل وفي الخارج سواء بسواء. انسداد يرمي في زمن ثورات الاتصال والإعلامية إلى إلجام كل لسان وإخماد كل قلم وإسكات كل كلمة وتظليل كل صورة لتكون باهتة. الخلاصة. كل ذلك لا يدل سوى على أنّ السلطة تحفر قبرها بطيشها وحمقها وتماديها في سياسة تكميم الأفواه بما يذكر بالحقبات اللينينية الستالينية البغيضة. كل ذلك يعني أنّ السلطة تتفاقم عزلتها عن المجتمع وفعالياته يوما بعد يوم. (المصدر: موقع « الحوار.نت (ألمانيا) بتاريخ  4 جويلية 2010)

 


بسبب الأزمة العالمية تضرر أكثر من 70 ألف عامل.. والحديث عن منحة البطالة يتزايد


يتوق السواد الأعظم من المسرحين من أعمالهم إلى الحصول على «منحة بطالة». وأصبح مطلب بعث صندوق وطني للبطالة خاصة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية ملحا.. وتردد ذكره خلال الأشهر الأولى من هذه السنة في الكثير من المنابر النقابية والسياسية. وشهدت الاشهر الاولى من السنة الجارية وفق معطيات وزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج تسريح 3 آلاف و99 عاملا ينتمون إلى 186 مؤسسة من بينهم 573 عاملا يشتغلون بست مؤسسات تابعة للقطاع العمومي. وأحيل 1935 منهم على التقاعد المبكر. وفي المقابل جاء في دراسة حديثة أجراها الاتحاد العام التونسي للشغل حول «تداعيات الأزمة المالية الاقتصادية على تونس بالأرقام» أن أكثر من 76 ألف عامل تضرروا من هذه الأزمة و أن 4213 أجيرا فقدوا عملهم بسببها و10927 أحيلوا على البطالة الفنية لمدة تتراوح بين عشرة أيام وشهرين.  ويذكر أن الطرد لأسباب اقتصادية وفي صورة عدم توصل إدارة الشغل إلى تحقيق صلح بين المشغل والعامل ترافقه جملة من الإجراءات، وحسب معطيات المنظمة الشغيلة فإن إدارة الشغل تحيل ملف الطرد على اللجنة الجهوية لمراقبة الطرد أو على اللجنة المركزية التي تجتمع بكافة أعضائها وتتخذ قراراتها بأغلبية الأصوات. وتطلب اللجنة من المؤجر مدها بالوثائق والبيانات التي لها علاقة بملف الطرد وتنظر فيها ويخول لها القانون تسليط عقوبات على المؤجر عندما يتعمد مغالطة اللجنة. وبعد دراسة الملف يمكن للجنة أن تقترح إما رفض طلب الطرد مع توضيح أسباب الرفض وإمكانية توجيه نشاط المؤسسة نحو إنتاج جديد أو وضع برنامج إعادة تكوين أو رسكلة للعمال المهددين بالطرد أو الإيقاف المؤقت لنشاط المؤسسة كليا أو جزئيا والإحالة على التقاعد المبكر للعمال الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة أو قبول طلب الطرد مع التعديل. وفي حالة قبول مطلب الطرد تقوم اللجنة بتحديد قائمة في العمال الذين سيتم طردهم مع مراعاة الاختصاص والقيمة المهنية للعامل والأقدمية. وتبدي رأيها في مكافأة نهاية الخدمة من خلال التوفيق بين الطرفين بخصوص مبلغها وتبحث إمكانية إيجاد شغل جديد للعامل المطرود في مؤسسة أخرى. وعند قبول الطرفين بمقترحات اللجنة تصبح اتفاقا ملزما ولكن عند الرفض يمكن اللجوء إلى القضاء. تدخلات اجتماعية تسند للعمّال الذين فقدوا شغلهم لأسباب خارجة عن إرادتهم دون أن يتحصلوا على تعويض في صورة توقف المؤسسة عن العمل لأسباب اقتصادية أو فنية أو عند غلق المؤسسة نهائيا وبصفة فجئية دون احترام الإجراءات المنصوص عليها بمجلة الشغل، إعانة حدّد مقدارها الأقصى بأجرة إثني عشر شهر عمل تقاضاها العامل من قبل. كما يواصل العمّال التمتّع بالتغطية الصحية وبالمنح العائلية طيلة سنة. وتتولى مكاتب التشغيل مهمة إعادة إدماج المسرحين من العمل لأسباب اقتصادية ومن بين الآليات المعتمدة في هذه المكاتب «عقد إعادة الإدماج في الحياة النشيطة»ويتمثل الهدف منه في تمكين فاقد الشغل من اكتساب مؤهلات جديدة موافقة لمتطلّبات موطن عمل مشخص مسبقا بالمؤسّسة الخاصّة. ويتمتع بهذا العقد العمال القارون الذين فقدوا شغلهم لأسباب اقتصادية أو فنّية أو إثر الغلق النّهائي والفجئي وغير القانوني للمؤسّسات التي كانت تشغلهم. والعمال غير القارين الذين فقدوا شغلهم لأسباب اقتصادية أو فنّية أو إثر الغلق النّهائي والفجئي وغير القانوني للمؤسّسات، والذين اشتغلوا لفترة لا تقلّ عن ثلاث سنوات بنفس المؤسّسة التي تولت تسريحهم. ويتم إبرام عقد إعادة الإدماج في الحياة النشيطة لمدة أقصاها سنة. وتسند الدولة منحة للمنتفع في حدود 200 دينار شهريا مع إلزامية مساهمة المؤسسة بمنح تكميلية للمنتفعين. وتتكفل الدولة بمعلوم التكوين بمؤسسات التكوين العمومية أو الخاصة في حدود 200 ساعة وبالتغطية الاجتماعية للمنتفعين.. سعيدة بوهلال (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 04 جويلة 2010)

 


هموم مهجرية يعود للسجن بعد 11 سنة من الفرار


الطاهر العبيدي ولأن هذه الحكاية الواقعية التي تلامس الخيال الواقعي، وذات مدلولات قدرية وزمنية، تترجم بوضوح التأرجح بين ثقافتين والتمزق بين غربتين. إنها حكاية مواطن جزائري يحمل الجنسية الفرنسية، يدعى » محمد بوركام « ، ولد بالجزائر وتغذى من تربة البداوة في أحد الأرياف القاحلة، المتسللة عن جمال الطبيعة ورطوبة العيش. وفي أحد الأيام التحق محمد بوركام بالجيش الفرنسي منظما إلى المستعمر الفرنسي، يقاتل ضد أبناء جلدته، وكان أشدّ قسوة عليهم من المحتل. نزع   » محمد بوركام  » العمامة الجزائرية بما تطويه من  » نيف  » وكبرياء، ليلبس بدلة عسكرية غريبة عن مقاسة، ولم يتصور محمد بوركام يوما أن تلك المجموعات الصغيرة المتناثرة في الجبال، والتي تعلقت بالحرية والكرامة هي أرفع من نفسه الوضيعة وتستطيع قلب المعادلات، لتستقل الجزائر ويجد  » محمد بوركام  » نفسه قد نحت صورة العدوّ لأهل بلده وأبناء جلدته. فأدرك أن وجوده هناك خطرا، فرحل مع القوّات الفرنسية عند مغادرتها الجزائر، ليستقرّ بفرنسا حيث تحصل على الجنسية الفرنسية. وأقام لسنين طوال على هامش المجتمع. توفيّت زوجته الأولى فتزوّج امرأة أخرى تصغره بست عشر سنة، بيد أن زواجه الثاني كان فاشلا، لأن هذه الزوجة الأخيرة لم تر فيه سوى صورة الخائن لوطنه، المتنكر لهويته ولأهل بلده، فاحتدّت الخلافات وتحوّل المنزل إلى جحيم. فكل ليلة ينامان على الخصام ويصحيان على العنف المتبادل، ممّا جعل المركبة الزوجية تغرق في بركة من الكحول والإدمان..وفي لحظة غضب رمادية هاربة من حدود العقل، أجّجها الإفراط في شرب الخمر قتل  » محمد بوركام  » زوجته الجديدة، فحوكم ب 15 سنة. ظل في السجن حبيس تلك الأيام البعيدة، التي كان يعتدي فيها على عذرية تربته. وتذكر تلك الأيام التي كان يتسلط فيها على الأهالي بالوشاية وتعذيب الثوار ممن وقعوا في الأسر. استطاع  » محمد بوركام  » الفرار من السجن، وأمضى 11 سنة في حالة فرار..وفي لحظة من لحظات التعب المستمر، والاختفاء المرهق عن أنظار البوليس، والقلق الدائم، وبعد عجزه عن ضمان قوته اليومي، لم يجد الحرية التي كان يتوق إليها خارج قضبان السجن، بل وجد نفسه يتحول من سجن الطعام والنوم فيه مضمونان، إلى سجن بلا قضبان السقف والأكل فيه معدومان.. فقرّر العودة بمحض إرادته إلى السجن، ليجد في انتظاره مدير السجن وحرّاسه تلبسهم الدهشة والغرابة أمام هذه الحادثة، التي لم يتعرّضوا لها طيلة حياتهم المهنية. ولأن  » محمد بوركام  » هو جملة تأثيرات المغلوب بالغالب، بين فلاح ريفي بسيط في قرية نائية، وبين غالب من بلد آخر، ليسحبه من محيطة الثقافي، فيصنع منه جنديا يقاتل ضد أهله. ويقبل هو هذه المهمّة بنفس وضيعة غريبة عن محيطها، متنصلة من جذورها وانتمائها. ورغم انصهاره إلا أن هؤلاء يبقون متأرجحين بين ثقافتين. ولا يعادل مصير هؤلاء سوى مصير الأرواح الهائمة في الأوديسة، حسب الميوثولوجيا التي آمن بها الإغريق لا بد أن تخصص لأجساد الموتى شعائر وطقوس دينية كاملة، تستطيع بعد نزولها إلى العالم السفلي الوصول إلى ضفة الحساب، بعد عبور نهر الستيكس، أما الأجساد التي لم تحض بهده الطقوس فإنها تظل تحوم حول نهر الستيكس، عاجزة عن عبوره وعن الوصول إلى مرحلة الحساب والعقاب. تظل تعيش كأشباح باكية هائمة على وجهها، ترجو العبور إلى ضفة الموت فلا تستطيع، فتطلق أناشيد حزينة وبكائيات مريرة الإيقاع، ناعية حضها السيئ الذي حرمها من الانتماء إلى عالمي الموت والحياة معا وخنقها في منفى وسيط ودائم، لا هو دار فناء ولا هو دار بقاء.  وحسب نفس الميثيولوجيا الإغريقية فأعسر وضعية هي وضعية هذه الأشباح الهائمة.. ولا تختلف وضعية هذه الأشباح عن وضعية الذين يؤمنون خطأ أو بلاهة بأنهم قادرون على التمركز في ثقافة أخرى، على حساب هويتهم وحضارتهم ومحيطهم.. جريدة مواطنون / جوان / 2010        


50 مليون دولار من البنك الدولي قرض لتونس لتأمين فرص عمل


تونس – سميرة الصدفي

أفادت مصادر تونسية بأن البنك الدولي وافق على منح تونس قرضاً بـ50 مليون دولار لدعم خططها في مجال خفض البطالة. وتحتاج تونس إلى اعتمادات كبيرة لامتصاص الزيادة المطردة في أعداد العاطلين من العمل، خصوصاً مواجهة تحديات بقاء قسم كبير من الخريجين من دون عمل. وأشارت تقديرات رسمية إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 14.7 في المئة، فيما بقي 23 في المئة من خريجي الجامعات من دون وظائف. ويُتوقع ازدياد هذه النسبة مع تراجع فرص العمل وقصور الهيئات المكلفة الوساطة بين العروض والطلبات. وأظهرت إحصاءات أن نصف الخريجين يُمضون الشهور الـ 18 الأولى بعد تخرجهم من دون عمل. ويهدف القرض الممنوح من البنك الدولي، إلى تحسين التأهيل ووضع خطط لإعداد طالبي الوظائف. وأعلنت مسؤولة خطة «قرض من أجل سياسة تنموية» في البنك الدولي ريبيكا غرون، أن هذا المشروع مع تونس «يشكل الخطوة الأولى من برنامج يرمي إلى إصلاح سوق العمل ودمج الخريجين من الجامعات في مجالات الإنتاج المتنوعة. ويستمر تنفيذ هذا البرنامج خمس سنوات تنتهي في 2014». إلى ذلك، حضّ وزير الصناعة الجزائري محمد بن مرادي، في اجتماع الدورة الثامنة للجنة التعاون الصناعي والتكنولوجي في الجزائر أمس برئاسة بن مرادي ونظيره التونسي عفيف شلبي، الشركات التونسية على «الاستثمار في الجزائر والاستفادة من الحوافز الممنوحة للمستثمرين الخارجيين». لكن اعتبر مراقبون شروط الجزائر التي ستُطبق على المستثمرين الأجانب، «لا تساعد في تعزيز التعاون الثنائي مع بلدان الجوار في المجالين الصناعي والتكنولوجي». وفي سياق متصل، تشارك 150 مؤسسة من 10 بلدان أوروبية وعربية في الدورة الثانية لمعرض الطيران، الذي يُفتتح غداً في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس ويستمر ثلاثة أيام. ويُعزى الاهتمام التونسي بقطاع الطيران، إلى الازدياد السريع للمصانع التي أسستها شركات دولية لتصنيع مكونات الطائرات والمروحيات في تونس في السنوات الأخيرة. وارتفع عدد هذه المصانع من 11 عام 2004 إلى 53 نهاية العام الماضي. وتضاعفت صادرات القطاع ثماني مرات خلال الفترة ذاتها. وتُقدر حاجات القطاع من العمال المؤهلين والمهندسين بـ 5000 في أفق عام 2016، فيما يشغل حالياً 4000 من الكوادر والعمال.

 (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 5 جويلية 2010)

 


بسمه تعالى « إنّا لله و إنّا إليه راجعون »


نتقدّم بأحرّ آيات التّعازي إلى صاحب العصروالزمان عجّل الله فرجه وإلى عائلة فقيدنا المرحوم العلاّمة المجاهد آية الله السيد محمد حسين فضل الله ، و إلى مراجع الإسلام العظام و إلى شعب لبنان والأمة الإسلامية. لقد كان الفقيد أحد أهم معالم الصّحوة الإسلامية المباركة خصوصا على مستوى عالمنا العربي و أحد أركان الوحدة الإسلامية و من أشد العلماء في مواجهة المشروع الصهيوـأمريكي في منطقتنا ، لقد كان رحمه الله عنوان العالم العامل ، المجدّد والمربّي لجيل المقاومين على طول العالم العربي ، لقد إستطاع آية الله السيد محمد حسين فضل الله أن يبرز عبر فكره و خطه و نهجه حقيقة مدرسة أهل البيت عليهم السلام خصوصا لدى أهلنا في الشّمال الإفريقي ، إنّنا فقدنا نحن في بلاد المغرب الإسلامي أحد أهم العلماء الذين ساهموا في الإحياء الإسلامي المعاصر. رحم الله فقيدنا العزيز، و نعاهده على مواصلة نهج الوحدة والمقاومة و لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

جمعية أهل البيت الثقافية تونس السيد عماد الدّين الحمروني ١٢رجب١٤٣١


من الذاكرة الوطنية حكومة الاستقلال واقتلاع العروشية


ظل الزعيم الحبيب بورقيبة لسنوات، لا يذكر اسم عرش او عروش معينة الا ويضيف نعت «السْخَطْ»، تعبيرا عن الامتعاض والتبرم. ولم يكن ذلك مجرد موقف مبدئي من الظاهرة القبلية، لتعارضها بطبيعتها مع التوجه التحديثي للمجتمع، وانما كان لذلك علاقة ببعض الاحداث السياسية فيما بين 1952 و1955، منها امتناع عدد من المقاومين عن التخلي عن اسلحتهم ابان المنحى التفاوضي مع فرنسا والتراجع في خيار الثورة المسلحة وكان الزعيم الحبيب بورقيبة نفسه اعطى اشارتها في جانفي 1952 «أجتمع للمرة الثانية بفريق الهمامة وعروشها في يومين متتاليين، فقد التقيت بهم امس في سيدي بوزيد، وها اني اليوم معكم في الرقاب، وستتواصل لقاءاتي بهذه العروش في أماكن اخرى. وأستهل كلمتي اليوم بالاعراب عن بالغ سروري بموقفكم المشرف في الكفاح وخاصة ابان المعركة الاخيرة، وفيما اقوله معنى لا يخفى عنكم، ذلك ان مواقفكم أزالت ما ساورني من خشية ازاء قدرتكم على القيام بدوركم كاملا في المعركة السياسية، لا لخوفي من انكم تهابون الموت، بل لما قد يعوزكم من حنكة سياسية ودراية بدواخل الامور، اذ ان خطتي في فترة الكفاح، تعتمد، الى جانب قدر لابد منه من الشجاعة، على الحنكة والنظر البعيد، فكنت اخشى ان يجرفكم تيار الحماس، فلا تنتبهون الى الحد الذي ينبغي ان تقفوا عنده». (الرقاب ـ 8 جانفي 1956). ويمضي الزعيم الحبيب بورقيبة في شرح ما كان يسميها بسياسة الكر والفر ازاء فرنسا، وهو التكتيك الذي اعتمده عندما دعا الى خوض المقاومة المسلحة كورقة ضغط، ثم التخلي عن السلاح كمدخل الى المفاوضات بشأن الاستقلال «لقد نبهتكم في الابان الى المعركة التي خضناها اخيرا لما اعرفه فيكم من حمية وفداء فأبليتم فيها البلاء الحسن ولم اقدم اليكم اليوم الا لاشيد بمواقفكم الرائعة واثني على بسالتكم وتلبيتكم لدعوة الوطن دون تحفظ واحتراز. ان كثيرا من الناس لم يؤمنوا بجدية نيتنا في الكفاح المسلح عندما أتيتكم في المرة الاخيرة، واهيب بكم ان تستعدوا له، لكن بمجرد اندلاع شرارة المعركة اصطليتم جميعا بنارها ووقفتم صفا واحدا رغم قلة العدد والعدة لمواجهتها. وكنت على يقين من ان السلاح الذي كان بأيدينا يومئذ غير كاف لمواجهة الخصم، غير اني لم اضع المشكلة قط في مستوى حرب بين جيشين متكافئين. والكفاح المسلح الذي دعوتكم اليه انما في الواقع جزء من خطة مرسومة، محكمة الحلقات، متعاقبة المراحل، يبرز فيها ذلك الطور الكفاحي كعنصر من جملة العناصر لحمل الفرنسيين على ترجيح كفة التعقل والمسالمة. وما ان جنحت فرنسا للصواب فاعترفت بحقوقنا المشروعة وأشهدت العالم على ذلك، حتى طلبت منكم المهادنة وتسليم اسلحتكم في انتظار ما ستفعله فرنسا هذه المرة، وقد زاد الالتحام قوة ما ابداه المجاهدون من طاعة وامتثال لاوامر القادة التي صدرت لهم بتسليم السلاح بعد جنوح فرنسا للمسالمة» (المكناسي ـ 11 جانفي 1956). الحركة اليوسفية ثم جاءت محنة التصادم بين الزعيمين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف غداة التوقيع على اتفاقيات الحكم الذاتي في 3 جوان 1955 وانحياز جانب من المقاومين الى الحركة اليوسفية «وحينما جعلت وجهتي الارياف انما اردت ان اخلق من ابنائها رجالا راشدين وارفع عن ابصارهم الغشاوة التي طمست عليهم معلم الطريق. وقد اشدت منذ حين بمواقفكم في الكفاح وتبصرهم وحكمتهم ازاء شرذمة الفتنة التي نشرت الفوضى في البلاد فلم يتوانوا في ايقاف الانتهازيين الذين انحرفوا مع الامانة العامة» (الرقاب 8 جانفي 1956). للتذكير فان الامانة العامة هي التسمية التي اطلقت على الحركة اليوسفية نسبة الى الخطة التي كان يشغلها الزعيم صالح بن يوسف كأمين عام للحزب. «وحري بي اليوم ان انوه باجتماعكم هذا وبالفرحة البادية على وجوهكم مكبرا فيكم صمودكم في الماضي ايام الكفاح ووقوفكم اليوم صفا واحدا في وجه دعاة الفتنة». (المكناسي 11 جانفي 1956). رواسب القبلية مهما كان من امر الاعتبارات السياسية الظرفية، فقد كان العزم على تخليص المجتمع من بقايا الظاهرة القبلية واقحامه في «معركة البناء والتشييد» وقوامها «الوحدة القومية». وكثيرا ما كان الزعيم الحبيب بورقيبة يعمد الى استفزاز مستمعيه من خلال ما كان يريد ان يرتسم في اذهانهم من معان وهم يستمعون اليه يصور الواقع ويصف الظواهر ويقرع الاذان بجارح الكلام الى حد تشبيه من أمامه بالسوائم والبقر«وقد يبلغ الانحطاط ببعض البشر الى المدى الذي يماثله بالبقرة فيشاركها في الاقتناع بلذتي البطن والفرج وتنحصر سعادته فيهما (…). هذا الكسل الذي يبدو على هؤلاء الحاضرين الذين بركوا هنا فجثموا على الارض مخلدين الى الراحة، انهم لا يرغبون الا في الجلوس جامدين، ومن واجب هذه الدولة ان تمرنكم على الوقوف حتى تدركوا انه من صفات البشر(…). وما سبب انحطاط تونس في الماضي ووقوعها تحت كلكل الحماية الفرنسية الا قلة الاتصال بين جهاتها وسكانها الذين كانوا في سبات عميق لا هم لهم الا ان يقبعوا في زواياهم كالسوائم والحشرات (…). لابد ان تتوارى عن ابصارنا مناظر تلك التعاسة المتمثلة في قوافل الاعراب وهم ينتقلون مع دوابهم من مكان الى اخر هائمين على وجوههم». يتبع محمد علي الحباشي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 04 جويلة 2010)

 


مدير الشؤون الإسلامية الإماراتي للصباح لهذه الأسباب اخترنا أئمة وخطباء تونسيين للعمل ببلادنا


ضمن مجالات التعاون الجارية بين تونس والإمارات العربية المتحدة، حلت بتونس لجنة إماراتية عن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف لانتداب أيمة وخطباء تونسيين للعمل بهذا البلد الشقيق. وعلمنا من مصادر بالوكالة الوطنية للتعاون الفني أنه سيتم انتداب 35 أماما وخطيبا للغرض، سوف يتحولون عما قريب للعمل بالإمارات العربية المتحدة. ولعل الهام في هذا الجانب أنه على الرغم من التعاون القديم بين البلدين في كافة المجالات التربوية والصحية والمهنية، فإنه ولأول مرة يسجل تعاون في المجال الديني والبحث فيه بين البلدين، وهذا يعكس الثقة والتقارب الكبير بين البلدين والتعاون في كافة المجالات. خلال أمس التقت « الصباح» داخل وكالة التعاون الفني بالوفد الإمارتي لمبعوثي  الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف للحديث حول التعاون في هذا المجال. وقد أفاد السيد محمد عبيد راشد المزروعي المدير التنفيذي للشؤون الإسلامية بدولة الإمارات، أن التعاون بين البلدين الشقيقين لا حدود له، ويمكنه أن يتصل بكافة المجالات، وبين أن هناك اتفاقية مشتركة في الغرض تعطي أهمية للتواصل والتعاون في المجال الديني، وضمن ذلك يتنزل انتداب أيمة وخطباء من تونس للعمل ببلدهم الثاني الإمارات العربية المتحدة. وأكد المدير التنفيذي للشؤون الإسلامية بالإمارات  أن زيارة الوفد الذي يترأسه إلى تونس، هو تفعيل  لهذا الاتفاق المشترك، خاصة وأن هناك عوامل عديدة مشتركة تجمع بين البلدين،  ومن أبرزها العاملان الديني  المتمثل خصوصا في المذهب المالكي، وكذلك اللغوي، إلى جانب نهج التسامح والاعتدال الذي تميز  بهما البلدان في علاقتهما بين كل الأديان الأخرى. وأشار السيد محمد  عبيد راشد المزروعي في جانب آخر إلى أن الزيارات في هذا المجال ستتكرر باطراد، وهي لن تقتصر على مجال الخطاب الديني وعمل الأيمة والخطباء، بل سترتقي إلى تعاون أشمل يتعلق بالبحث  الديني والحريات، خاصة وأن الوسطية والاعتدال يمثلان نهجا دينيا مشتركا بين البلدين، ويقع السعي إلى دعم هذا التوجه الذي يمثل الأبعاد الأساسية في الفكر الإسلامي الحنيف. وأبرز من ناحية أخرى أن التعاون في المجال الديني بين تونس والأمارات يهدف أيضا إلى إبراز معنى التعايش بين الأديان والأطياف وأكد على اشتراك البلدين في هذا النهج. وحول منهج عمل الأيمة والخطباء التونسيين في الأمارات أفاد أنه سيقوم على تبادل الخبرات والبحث المعمق في الشأن الديني وهو عمل يمكن للأيمة  والخطاء التونسيين إدارته باقتدار، نظرا  لما عرفوا به من ثقافة واسعة وفكر نير. واختتم المدير التنفيذي للشؤون الإسلامية بالإمارات حديثه بالإشارة إلى أن في الإمارات ما يربو عن 200 جنسية، كلهم متعايشون في وئام وذلك من خلال الأمن السائد واحترام جميع الديانات. وبين أنه سعيا لمزيد إرساء هذا النهج و السعي إلى مزيد تعميقه يجري التعاون مع الأشقاء في تونس ، مثنيا على حسن الاستقبال الذي حظي به الوفد الإمارتي للشؤون الدينية في تونس، وما لقيه من تعاون  في اختيار أيمة تونسيين للعمل بالإمارات. علي الزايدي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 04 جويلة 2010)

 


قصيدة الشاعر المنصف الوهايبي في الدورتين (قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل تنوي

الغاء الفاصل العاشر ، قانون تحديد المسؤولية النقابية بدورتين الذي اقره مؤتمر جربة


أتــــى الخـــلُّ يشكو إلى خلّـــهِ      ويسألـهُ كيف بالدّورتـيـــــنْ أتذكـــر جربة َ يا صاحــــــبي     لقد عدتُ منها بـخُـفّيْ حُـــنَـيْـــنْ ومن يومها صرتُ يا صاحبي      أرى الشيء شيئين أو بينَ بينْ أرانـــي إذا ســــرتُ في شارع ٍ      كأنّي ـ وربّكَ ـ في شارعين ْ  وإنْ جاءني حاجبي في الصّباح        صرختُ لماذا أرى حاجبينْ وأطلبُ لي قهوة ً كـــلَّ حــيـــنٍ       فـــــــــأُلْـفِي بطاولتي قهوتينْ كأنّي أميـــــــــــنانِ يا صاحبي     كـــــأنّي ـ وربّكَ ـ في مكــتبينْ فشــــــــــــندولُ عيّنتهُ مستشارًا       وسمّـــــيتهُ صاحبَ المجلسينْ  ففي مجلس »الشعبِ » عيني عليكم      وفي »المستشارينَ » لي ألفُ عينْ وصار حسينُ حُسِيــنَــــــــــيْنِ لي       يـــــطلُّ بعينينِ كالإبـــرتينْ ويـــــــــــهوِي على الجيبِ في خفّةٍ     ويستلّ كالبرق سيجارتينْ  ِ     وقرطاجُ صارتْ لِبِـلْقاسَمــــيـْـنِ       عريناً فَطُـوبَى لعلّيسـتـَيْــنْ سـيَضربُ في السرّ أخمـاســهُ    وأسـداسهُ  صاحبُ  الموقِــفَـــيْنْ ويأتي ليهمسَ »قرطاجُ لي »    إذا شئتَ أن تُــلــغِــيَ الذّورتــــيْـنْ وسـعْدٌ أُثَـــــــــنّيـهِ كيفَ؟ وسعدٌ       بِخزْنَــــتِهِ ذَهـــبٌ ولُــجَــيْــنْ إذا قلتُ « سعـدان » عيبٌ علينا      وإنْ قلتُ سَـعْــدَيْنِ أُوْفِي بِدَيـْـنْ ولاحَ رضا بُوزَرِيـــــــــــــبَةُ لي      قطاراً يسيرُ على سكـّــتينْ وأســــــــــــــــألهُ حبّةَ الأسبِرين        فيُهدي السّحِيمِيّ ُ لي حبّتينِْ فدكتـــــــــــــــــــــــورُنا بيطريّ لنا       يطوفُ علينا بسمّاعتينْ وحارَ البَريـــــــــــــــــكِيُّ في أمره      أيقبَلُ أم يرفُضُ الدّورتينْ سيحســــــــــــــــــــــــبُها جيّدا عندما       يدخّنُ في خَلْوةٍ شِيشَتَيـنْ « طــرابُـلْسُ تفتَحُ مصرَ وأبــقى     رهـــيناً بتونسَ في مَحبسَيـنْ  » سيَقبَــــــــــــــلُ يوما ويرفُضُ يوما    ويُخفي بيُسراهُ لي حَجَرَيْـنْ ومنصِفُ ناشدنا أن نقيـــــــــــــــــــــــم     بساحتنا هذه مسجـدَيْـنْ لـيَعـــبُـدَ خالقــــــــــــــــهُ فيهــِمــا    فمنْ زَهوِهِ لاحَ في مُنصِفـَـيْـنْ كأنّ لـــــــهُ ربّـَـــهُ وحــــــــدَهُ     ونحنُ عَـبَـدْنـَا هنا صـَــنَــمَــيْــنَْ؟ وأمّا عَـلِيٌّ فمــــــــــــــــــنْ نفســهِ       تصَوّرَ والله في هَــيـئَــتَــيْـنْ فكـــــــــــــــــــانَ عَـلِيٌّ عَــلِــيَّــيْــنِ لي    ليدفعَ مكرَ المُعاوِيَتَــيْــنْ يـصيحُ إذا جـــــــــــــاءهُ المُــولـَـدِي       يقولُ كأنّي بجَـنْدوبَـتَــيْــنْ ويذكــــــــرُ أملاكنا في يــدَيــْـــهِ       فَيَــهْــوِي يصافحُهُ باليـَــدَيـْـنْ بـــهِ عَــمُــرَتْ دارُنـــــــــــا وعَلاَ         نباحٌ لكلبينِ أو كلبَــتَــيْــنْ ومنصفُ يعقــــــوبُ عُقْبَى لــــهُ      يُـقَــبّـلُ في اليوم جمعيّــتَــيْــنْ أُحِـسُّ إذا بــاسَـــــنا أنّـــهُ     يُــثَــبِّــــتُ في خدّنا  « مْــغِــثَــتَـــيْــنْ » وكنتُ أقبّـــــــــــلكمْ قـــبْـــلَــةً       فصرتُ أقبّـــلكمْ  قُـــبْــلَـــتَــيْــنْ أتدري لماذا انبطـــحـــــنا إذنْ   نـُـغـَــمّــضُ عينا ونفــتَـحُ عــيْــنْ؟ لكي نطلقَ النّار يا صاحبي      ونَقـْــنِصَ في طــلقةٍ طـــائريْـــنْ رضا الحاكمــيــن حماةِ البـــــلاد   وإنّ رضــاهمْ رضــا الوالــــدينْ ومصلحةُ الاتحاد التــــــي       تُــحَتـّـمُ أن نلـــــغيَ الدّورتـــــــــيـنْ خَــلِــلَــيَّ قُــوما بِرَبّــيكُــما       أما آنَ أنْ  تنشــدا قائــــمَــــيْـنْ إذا الشّعب يوما أراد الحـياة      فلا بــدّ أن يَــشــطِــبَ الدّورتــين     ما لم يقله منصفان الوهايبيّان


يوم انشقت الأرض بحفوز: «فجوة الموت»..تبث الهلع والرعب في النفوس


مساء يوم الاربعاء الفارط وفي حدود الساعة الثالثة بعد الزوال عم الفزع والرعب جموع الفلاحين والمتساكنين بمنطقة «العين البيضاء» التي تبعد حوالي خمسة عشرة كلم جنوب معتمدية حفوز بعد أن ارتجّت الارض فجأة وانشقت بأحد البساتين الفلاحية حيث تهاوت كتلة كبيرة من التراب الى عمق مجهول وبعثت بغيمة كثيفة من الغبار تدرجت فيها الالوان بين الصفرة الداكنة والحمرة القاتمة ثم علت نحو السماء الى درجة أن كل العملة وأصحاب الضيعة فزعوا وهلعوا وفرّوا مذعورين في اتجاهات مختلفة بينما علت أصوات العجائز والشيوخ بالتكبير والتسبيح والابتهال للخالق حتى يبسط لطفه ورحمته على خلقه. هذا وصف لمشهد أول تكرر على مسامعنا ما إن وطأت أقدامنا تراب المنطقة. وقد استفدنا من نفس المصادر أنه بعد دقائق من الانفجار الصامت تلاشى الغبار تدريجيا وتنفس الحاضرون الصعداء واقتربوا رويدا رويدا من مكان انزلاق قطعة الارض وقد لازمتهم الدهشة وتسمّرت أقدامهم حين اتضحت الرؤية أمام أعينهم فلاحت لهم فجوة كبيرة وعميقة بلعت في جوفها شجرة الزيتون التي كانت ثابتة وشامخة فوق سطحها والتي كان يتظلل ويستريح تحتها ثلة من العمال قبل دقائق قليلة من وقوع الحادثة واختفت من أمامهم في لمح البصر وقُبرت تحت الاتربة بكامل جذوعها وفروعها وعروقها. كما أدى هذا الانزلاق الارضي كذلك الى ضغط باطني اندفعت معه الرمال لتكسّر الجدار الاسمنتي بأسفل بئر قريبة فردم نصيبا كبيرا من عمقها (40 مترا). نجاة العمال من فجوة الموت عند وصولنا الى موقع الحادثة اخترقنا جموع الحاضرين الذين وقع إشعارهم من طرف أعوان الأمن وفريق الحماية المدنية بعدم الاقتراب أكثر ووقفنا عند معاينة المكان من مختلف الجهات على فظاعة الاثر الذي خلفه هذا الارتجاج والمشكل المريع لفتحة الموت. التقينا في البداية مع صاحب الضيعة وهو الشيخ نصر العبيدي فوجدناه في حالة حزن ووجوم وقد اغرورقت عيناه بالدموع فحدثنا بنبرات خافتة قائلا: «قد يبكي الكادحون من عشاق هذه الارض فرحا وطربا حين يمنّ الله بخيره الوفير… وقد نذرف دموعنا على خدودنا كلما تعرّت الارض من اخضرارها… أو حين تنكس الاشجار أعرافها لشحوب أوراقها أو حين يصاب جزء من بساطها بضرر أو دمار مثل هذا فنحزن جميعا لحالها… ولقد عشت أطوار هذا الحادث وأنا على عتبة التسعين وفي أرذل مرحلة من عمر الانسان إلا أن كل مفاصلي قد ارتعدت واستجابت دموعي لعيوني… والحمد لله أن شجرة الزيتون التي كنت أصلي في بعض الاوقات تحتها وأسبح لخالقي وخالقها قد ابتلعتها الفجوة لوحدها بعد أن تفرّق من حولها أحبابها وأصحابها الذين أمدهم الله بعمر جديد». كابوس مرعب … تدخلت بعد ذلك حفيدة الشيخ نجاح وعمرها 23 سنة التي كانت متأثرة وثائرة على حالها وقد خنقتها العبرات فقالت: شاء قدر الكثير من الفتيات ان تهجر أريافنا ويتجهن الى مدن توجد فيها بنايات شاهقة ومصانع ينبعث من أعمدتها دخان المحركات لتلتقطن رزقهن في ظروف قد تكون مفروضة عليهن بعسرها ويسرها… وبقيت مع الأقلية متشبثين بأرضنا لأنها أحن علينا من البشر… جزعت كثيرا حين التهمت حمرة التراب اخضرار الشجرة وصمت المحرك بعد أن غرق البئر في الوحل وخشيت من أن تتوسع دائرة الخطر ويلحق الضرر ببقية غراساتنا التي سقيناها بجهدنا وعرقنا ومع هذه الهواجس لم نذق طعم النوم طوال الليل وبقينا نحملق بأعيننا على ضوء القمر الخافت صوب تلك الفجوة المرعبة والبئر الصامتة كصمت القبور…. ولكن الحمد لله أنه مع طلوع شمس اليوم الموالي التف الطيبون من حولنا وخففوا عنّا لوعتنا وأيقنا بعدها أن الضرر قد بقي محدودا وانا يراودني أمل كبير بأن نستعيد مرحنا ونشاطنا وابتسامتنا وان نحقق حتى النصيب المتواضع من أهدافنا وأحلامنا. كفاح من أجل حياة أرض اللقاء الأخير كان مع أحد ابناء الشيخ هو السيد العيدي بن نصر العبيدي (55 سنة) وهو مكلف بجميع الأعمال والأشغال الفلاحية بالضيعة… وبرغم حالة الحزن التي كانت بادية على وجهه فقد استجمع كل ما بقي لديه من رباطة جأش وقال: «في ظل الحوافز المتعددة المخصصة للتنمية الفلاحية والتشجيعات والمنح المتوفرة لذلك تحفزت مثل باقي الفلاحين لاصلاح هذه الارض… فلم أجد صعوبة في الحصول على قروض مكنتني من حفر هذه البئر وزرعت الأشجار وغرست مساحات بشتى أنواع الخضر وقد مكنني هذا المشروع أيضا من اتاحة فرص الشغل لبعض الفتيان والفتيات… ورغم ايماني العميق بقضاء الله وقدره فإنني لم أتوقع بأن أهداف الجميع ستتبعثر فجأة ولكن ما خفف عنا لوعتنا وحزننا هي الاحاطة الكبيرة التي لقيناها من قبل السلط المحلية والجهوية من خلال الاجراءات العاجلة التي اتخذت في هذا الشأن وقد أمكن لنا التزود بمياه الري من بئر مجاورة بتوفير كل الوسائل اللازمة (أنابيب وبنزين) حتى تأخذ كل الغراسات والنباتات نصيبها المعتاد من الماء… وحتى لا تتعطل سواعد الكادحين عن العمل. (المصدر: جريدة « الشروق  » (يومية – تونس) الصادرة يوم 3 جويلية 2010)


الإسلام والمواطنة


راشد الغنوشي من المفاهيم الأساسية في الفكر السياسي الحديث مفهوم المواطنة أساسا لتوزيع الحقوق والواجبات في الدولة، فما موقف الفكر الإسلامي منه؟ 1- يرتبط مفهوم المواطنة كما تبلور في الفكر السياسي الحديث بالدولة القومية من جهة وبالديمقراطية من جهة ثانية. والتطور إليهما ارتبط بالعلمانية غالبا، إذ أنه في المجتمعات ما قبل الدولة القومية حيث سادت أوروبا إمبراطوريات جامعة لعدة أعراق وقوميات، كان الرباط الديني هو الرباط الجامع، حتى إذا تفككت تلك الإمبراطوريات وتشكلت على أنقاضها دول قومية بحثت لها عن مصادر بديلة للشرعية تبلورت بعد سلسلة من التطورات الفكرية والحروب الدينية الطاحنة في معاهدة وستفاليا بين الدول الأوروبية في النصف الثاني من القرن السابع عشر في ما هو متعارف من دول قومية علمانية ديمقراطية، يتمتع فيها كل سكانها على اختلاف الدين والعرق بحقوق متساوية باعتبارهم مواطنين، تنطلق حقوقهم لا من الاشتراك في عقيدة بل في أرض. مع أن المواطنة لم تكن دائما تعني المساواة في الحقوق مع اختلاف الثروة والجنس. فلقد ظل حق الانتخاب مقصورا على مالكي الأراضي والأرستقراطيين، ولم تستكمل المرأة نظريا -على الأقل- حقوق المواطنة مثل الانتخاب إلا في زمان متأخر، وإن ظلت -عمليا- ضحية التمييز في الأجر حتى أيامنا هذه. السؤال المهم هو: هل هذا الارتباط بين الدولة القومية والعلمانية والديمقراطية من جهة، والمواطنة من جهة أخرى هو من نوع الارتباط المفاهيمي الضروري كما يزعم البعض؟ أم هو مجرد واقعة تاريخية لا تبرر أي مصادرة على المستقبل، فما حدث في الماضي حتى وإن تكرر لا يحمل دلالة ضرورية على أن المستقبل سيكون على نفس المنوال، حتى مع افتراض أن الماضي كان دائما كذلك، وهو أمر مشكوك فيه. 2- تقديرنا أن هذا الارتباط حتى ولو صح لا يحمل أي دلالة لزومية وإنما مجرد حدث غربي، والغرب اعتاد في بحثه للظواهر الاجتماعية أن ينطلق من مسلّمة مركزيته الكونية، فما يصح في تاريخه ومجتمعاته يصح قانونا للبشرية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها! وقد تقدم أن الارتباط بين الديمقراطية والعلمانية هو من هذا القبيل هو في أعلاه مجرد واقعة وليست قانونا، وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة بين فكرة المواطنة والعلمانية أو المواطنة والدولة القومية. فلقد عرف العالم ومنه أوروبا دولا قومية علمانية لا تعترف لكل مواطنيها بحق المساواة بل قد تقترف في حقهم اضطهادا يبلغ حد الإبادة ، كما فعلت النازية والفاشية، ولم يكتسب السود في الولايات المتحدة، مع أنها دولة قومية علمانية، حقوق المواطنة ولو من الناحية النظرية إلا في ستينيات القرن الماضي، ولا يزال المسلمون يتعرضون وكذلك أعراق وديانات أخرى لضروب بشعة من التمييز والقمع في دول قومية علمانية عديدة. بما يؤكد أن هذا الربط لا يحمل أي دلالة عابرة للتاريخ وإنما هو مجرد واقعة، ومقابل ذلك قامت في الغرب والشرق حكومات ديمقراطية على أساس المواطنة دون أن تكون علمانية بل تتبنى دينا رسميا مثل المملكة المتحدة البريطانية حيث تجتمع في رئاسة الدولة السلطتان الدينية والسياسية، وكذا حكومات غربية وشرقية أخرى. 3- وفي السياق الإسلامي تمتّع أهل ديانات وأعراق مختلفة بحقوق المواطنة أو بكثير منها في ظل حكومات إسلامية عبر تاريخ الإسلام الذي برئ من حروب الإبادة والاضطهاد الديني أو العرقي، بدءا بدولة المدينة التي تأسست على دستور مكتوب اعترف بحقوق المواطنة لجميع المكونات الدينية والعرقية للسكان باعتبارهم » أمة من دون الناس » حسب تعبير دستور المدينة المعروف باسم « الصحيفة » (سيرة ابن هشام) حيث نصت على أن « اليهود أمة والمسلمين أمة » (أي أمة العقيدة) وأن « المسلمين واليهود أمة » (هي أمة السياسة أو المواطنة) بالتعبير الحديث أي شركاء في نظام سياسي واحد يخولهم حقوقا متساوية باعتبارهم أهل كتاب وأهل ذمة أي مواطنين حاملين لجنسية الدولة المسلمة من غير المسلمين. قال عنهم أحد أكبر أًئمة الإسلام الخليفة الراشد الرابع علي كرم الله وجهه « إنما أعطوا الذمة ليكون لهم مالنا وعليهم ما علينا ». 4- لقد تمتع سكان المدينة من غير المسلمين بحقوق المواطنة ومنها حماية الدولة لهم، مقابل أدائهم واجباتهم في الدفاع عنها، وكان إخلال بعض يهود المدينة بذلك الواجب، إذ تحالفوا سرا مع العدو القرشي الذي غزا المدينة مستهدفا الإجهاز على نظامها الوليد، هو مبرر محاربتهم وإجلائهم، وليس بسبب دينهم، بينما تمتعوا في مختلف إمارات المسلمين على امتداد تاريخ الإسلام بحقوق غبطهم عليها حتى أهل الإسلام، فلم يكن جزاؤهم غير الكيد للمسلمين بأشد مما فعل أوائلهم، وما فعل صهاينتهم ويفعلون في فلسطين شاهد، وهم أشد الضاربين على طبول الحرب على المسلمين في العالم، مما سيؤول بهم لا محالة إلى نفس المصير. 5- وبينما تمتع كل الأقوام وأتباع الديانات ممن يقيم في أرض الدولة بحقوق المواطنة ومنها جنسية الدولة الإسلامية وبذل النصرة والحماية لهم من كل عدو يستهدفهم، فإن المسلمين الذين لم يلتحقوا بأرض الدولة الإسلامية، مجال سيادتها، لا يتمتعون بهذا الحق بإطلاق، بل إن حق التناصر بين المؤمن وأخيه تأتيه الدولة الإسلامية إذن في حدود ما تسمح به مصالحها العليا ومواثيقها الدولية، وهو ما نصت عليه آية الأنفال التي ميزت بوضوح بين مؤمنين التحقوا بأرض الدولة الإسلامية ومجال سيادتها، فهؤلاء لهم الولاء والحماية الكاملين وليس ذلك لغيرهم. قال تعالى: « إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا، وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق، والله بما تعملون بصير » (الأنفال-72). وهو ما يجعل مقالة الإمام الشهيد سيد قطب الشهيرة « جنسية المؤمن عقيدته » ليست ثابتة، فجنسية الدولة الإسلامية(المواطنة)لا تثبت إلا بالإقامة في أرض الدولة، من قبل المسلم أو غير المسلم، الذمي. 6- ورغم أن مفهوم الذمة شابته شوائب استغلت في تشويهه إلا أنه يظل معلما بارزا من معالم السماحة والتحضر في حضارة الإسلام التي تأسست على مبدأ « لا إكراه في الدين » (البقرة-256) وأيضا « لكم دينكم ولي دين » (الكافرون-6). ومع ذلك فإن هذا المفهوم ليس من ألفاظ الشريعة الملزمة، فإذا غدا يلقي ظلالا من التحقير على جزء من مواطني الدولة غير المسلمين فيمكن الاستعاضة عنه بأي مفهوم آخر تجنّبا للبس، مثل مفهوم المواطنة، مادام يحقق المبدأ الإسلامي في المساواة بين المواطنين، وذلك على قاعدة « لهم ما لنا وعليهم ما علينا ». ولقد ارتضى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قبيلة تغلب العربية النصرانية أن يؤدوا الضريبة تحت عنوان الزكاة لا الجزية، مما يعين على توحيد معايير الاستخلاص الضريبي، كما ارتضى فقهاء معاصرون كبار مثل يوسف القرضاوي وعبد الكريم زيدان اعتبار أن الجزية هي المقابل للخدمة العسكرية، فإذا غدت هذه جزءا من واجبات المواطن بصرف النظر عن دينه فلا يبقى لها مكان، لا سيما وقد قامت دولنا الإسلامية الحديثة على أساس المواطنة أي الاشتراك في امتلاك الوطن من كل سكانه بصرف النظر عن دياناتهم، بعد أن اشتركوا في تحريره من الاحتلال، فقامت شرعية التحرير أساسا لمجتمعاتنا الإسلامية الحديثة بديلا عن شرعية الفتح، التي قامت عليها مجتمعاتنا ما قبل الاستعمار(محمد سليم العوا)، وهو ما أرسى أساسا مشتركا للحقوق والواجبات بين كل المواطنين على اختلاف اتجاهاتهم وعقائدهم. 7- لا يجد أي دارس منصف للقرآن الكريم وللسنة المطهرة صعوبة تذكر في وضع يده على القيمة المركزية التي يحتلها الإنسان في بنية هذا الدين، وأن البشرية على اختلاف الألوان والملل والثروات والمواقع والأجناس تنحدر من أسرة واحدة، وكل منهم يحمل في ذاته تكريما إلهيا « ولقد كرمنا بني آدم » (الإسراء-70) وأنهم جميعا « عيال الله أحبهم إليه أنفعهم لعياله »وأن « من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا » (المائدة-32) على اعتبار أن كل إنسان يمثل في ذاته البشرية كلها، فالاعتداء عليه اعتداء عليها جميعا، ونفعه نفع لها جميعا. ولقد بين المبعوث بالقرآن لبيانه عليه السلام هذا المعنى بمثال عملي مهتبلا فرصة مرور جنازة يهودي، إذ قام لها فتعجب أصحابه. روى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم مروا عليه بجنازة، فقام لها واقفا، إكراما للميت، فقال له الصحابة: يا رسول الله؛ إنها جنازة يهودي وليست جنازة مسلم، فقال عليه صلوات ربي وسلامه « أليست نفسا؟! وهو ما يحمل المسلمين على الترحيب بكل ما من شأنه أن يعلي من منزلة هذا الكائن المكرم الذي من أجله خلق هذا الكون ويحفظ حقوقه ويدفع عنه كل ضروب العدوان ويقيم عدل الله في الأرض، فإنما بعث الرسل عليهم السلام من أجل ذلك. وأجلى معاني العدل، كما ذكر صاحب التحرير والتنوير الشيخ ابن عاشور المساواة، بما يجعل تحقيق هذه القيمة في العلاقات بين البشرية مقصدا أسني من مقاصد الإسلام، وما يجعل المسلمين أول من يسعد بكل ميثاق لحقوق الإنسان ينتصر لكرامته. فإذا كانت هذه هي المواطنة قد تحققت في التجربة الغربية في سياق الدولة القومية العلمانية، فتلك واقعة وليست قانونا لأنها قد تحققت قبل ذلك على نحو أو آخر في سياق التجربة الإسلامية وحسبما سمح به مستوى التطور البشري.

8- ولأن معظم مجالات التدبير لإدارة شؤون الناس هي من أمور الدنيا التي أهّل الله العقل الإنساني لاكتشاف سننها وبالخصوص إذا هو اهتدى بأنوار الوحي، فلا ضير على المسلمين إذن أن « يقتبسوا » من كل التجارب البشرية ما أثّلته من خبراتها مما هو نافع ويصلح لأن يجسد جانبا أو أكثر من مقاصد شريعتنا في العدل والحرية والمساواة وحفظ الأديان والأنفس والعقول والأعراض والأموال، بما يستبقي مجالات تبادل التأثر والتأثير مفتوحة على مصارعها مع كل الحضارات، وكذا الاستدراك. 9- تقديرنا أنه كما مثلت العلمانية بكل ألوانها ودرجات علاقتها بالمسيحية -حتى لتبدو أحيانا مسيحية متنكرة، كما أكد ذلك الفيلسوف الألماني كارل شميت- مدخل شعوب الغرب إلى الحداثة وثمارها العلمية والسياسية كالمواطنة والديمقراطية، فإن سبيل المسلمين إلى ذلك هو الإسلام وليس غيره بسبب جمعه في منظومة واحدة متماسكة بين ضمير الإنسان ونظامه الاجتماعي، بين المادي والروحي والدنيوي والأخروي، وبسبب عمق قيمه في الوجدان والثقافة، وهو ما يفسر أن تهميشه من قبل النخب العلمانية التي حكمت المنطقة كان العامل الرئيسي في فشل التجارب التنموية على كل صعيد، علمي تقني أو سياسي أو اقتصادي، ومنها الفشل في حل القضية الفلسطينية، وكيف ترتجى تنمية على أي صعيد مع استبعاد الروح الجامع والوقود المحرك للجماهير؟ وإن إنجازات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان في تعديل موازين القوة على يد حملة مشاعل الإسلام وحلفائهم، بعد أن استسلمت معظم قوى العلمنة، يحمل دلالة على ما يتوفر عليه الإسلام من طاقات تنموية لو أمكن توظيفها لا في الإرهاب والتدمير وإنما في البناء والتعمير. وتمثل المبادرات الذكية الفدائية لنشطاء السلام كما تجلت في سفن الحرية نموذجا لما يمكن أن يحرّكه الإسلام من طاقات وفعاليات في مستوى الجهاد المدني وليس فحسب في ساحات الجهاد القتالي. 10- كما أننا على تمام الثقة في قدرات الإسلام التنموية على صعيد تأصيل فكرة المواطنة في ثقافتنا والديمقراطية والمجتمع المدني، وأن السلم هو الأصل في العلاقة مع غير المسلم، وأن الجهاد لم يجعل أداة للدعوة إلى الإسلام أو لفرضه على مخالفيه أو لاستئصال الكفر من العالم، فكل ذلك مباين لنصوص وروح ومقاصد شريعة جاءت لتعلي من حريات الإنسان وتحيله بعد إقامة الحجة عليه مسؤولية مصيره « ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة » (الأنفال-42) و »لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل » (النساء-165) وإنما هو سبيل لدفع العدوان وإتاحة حرية الاختيار والعبادة للناس آمنين من كل فتنة وإكراه وحسابهم على الله (انظر المؤلف الضخم المهم للشيخ يوسف القرضاوي « فقه الجهاد ». 11- إننا لا نجهل أنه بدوافع رد الفعل على سياسات دولية عدوانية ضد الإسلام وأهله، وضد حكومات فرضها الغرب على أمة الإسلام، وبأثر الجهل بالإسلام، انبعثت من داخل الإسلام نفسه تيارات مضادة لقيمه الإنسانية العليا تسيء إليه أيما إساءة، وتقدّم وقودا للنار التي يلهبها أعداؤه من حول قيمه لربطها بالإرهاب، وبالعداوة لكل ما ناضلت البشرية من أجله من حريات وحقوق وعدالة وحقوق للنساء وللأقليات وفنون جميلة، وعلاقات دولية يسودها السلم باعتباره الأصل في علاقة الإسلام مع غير معتنقيه لا الحرب والقوة. ولكن الإسلام إذا كان رسالة الله الأخيرة إلى خلقه ورحمته بهم فلن يضيّعهم وبالخصوص في زمن ثورة المعلومات والتواصل البشري والانكشاف المتسارع للحقائق وتزايد الحاجة للرواسي في زمن تزلزلت فيه اليقينيات، واستبدت الحيرة. 12- يبقى العاصم الأساسي من الضلال هو الالتزام بموجّهات الشريعة، وهي موجهات لا تكبل العقل ولا تحد من نشاطه بل تطلقه حرا طليقا مزوّدا بأنوار تهديه ومقاصد تحميه من الضلال وبيقينيات تعمر القلب وتجنّبه الحيرة، « فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى » (طه-123)، ولا ينساق مع غرور شيطاني يسوّل له الاستقلال والاستغناء عن سبب وجوده ووليّ نعمته سبحانه، وتلك الطامة الكبرى الواقعة: غرور العقل بما كسب وزعمه إمكان تنظيمه الحياة ونيل السعادة بمغنى عن الله خالقه سبحانه ورسله، فتألّه، بل أعلن موت الله!! وإنما هو قد أمات نفسه وفقد البوصلة ودخل في مهمه وظلمات وفوضى بلغت حد تهديد الحياة جملة وتدمير الأسرة حتى « ظهر الفساد في البر والبحر » (الروم-41). 13- كل هذا لا يؤكد الجدوى الإجرائية والقيمية لمفهوم المواطنة ولو في الحد الأدنى من معناه وهو الاعتراف -ولو النظري- لكل سكان بلد بحقهم في امتلاك البلاد بالتساوي، أي بشرعية أن تكون لهم حقوق وفرص وعليهم واجبات متساوية أمام قانون عادل، يقوم على المساواة لا على المحاباة وعلى الاعتراف بكبرى اليقينيات الكونية أن لهذا الكون خالقا آمرا عادلا رحيما. « والأرض وضعها للأنام » (الرحمن-10) و »سواء للسائلين » (فصلت-10). (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 03 جويلة  2010)


النظام السياسي العربي.. حل المشكلات أم «تدويرها» و«تأجيلها»؟!


وائل مرزا 2010-07-04 تتراكم المشكلات في مجالات السياسة والإدارة، وتزداد الضغوط من كل مكان، فتشعر الجهات ذات العلاقة بالحاجة إلى التغيير، تتنوع تلك المشكلات، فمنها ما هو ذاتي يتعلق بالجهة نفسها، ومنها ما يتعلق بخدمة الجمهور الذي يُفترض أن تقوم بخدمته. وفي الحالتين، تكون تلك الجهات أمام مفرق طريق. فإما أن تقوم بإصلاحات جذرية، لا يمكن أن تبدأ دون إرادةٍ سياسية أو أن يتم (ترحيل) المشكلات و(تدويرها) و(تأجيلها) في غياب تلك الإرادة، وذلك من خلال إنشاء هياكل ومُسمّيات جديدة، وعبر ممارسات توحي بأن ثمة حركةً في الأفق توحي بالتغيير. وفي حالة النظام السياسي العربي الذي يعاني من مشكلات على المستويين المذكورين أعلاه، يبدو من متابعة التطورات الأخيرة أن الحلّ الثاني هو الخيار. بعيداً عن الضجيج المألوف، عُقدت في العاصمة الليبية طرابلس الاثنين الماضي قمةٌ عربيةٌ مصغرة جمعت زعماء ليبيا ومصر واليمن والعراق وقطر بالإضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية هدفها الأساس التوصل إلى آلية للعمل العربي المشترك. اجتمع الزعماء في خيمة العقيد القذافي العتيدة، وصدر في نهاية الاجتماع بيانٌ ختامي تستحق تفاصيله المناقشة والتحليل. فقد جاء في البيان المذكور أنه بالنسبة إلى «الرؤية الخاصة بتطوير جامعة الدول العربية والأجهزة الرئيسة التابعة لها اتضح من النقاش الذي دار حول هذا الموضوع وجود وجهتي نظر: الأولى تهدف إلى إحداث تعديل جذري وشامل وبوتيرة سريعة لإقامة اتحاد عربي والاتفاق على ميثاق جديد تنفذ عناصره في إطار زمني محدد، والثانية تتبنى منهج التطوير التدريجي والإبقاء على مسمى الجامعة العربية في المرحلة الحالية وإرجاء بحث إقامة الاتحاد في أعقاب تنفيذ خطوات التطوير المطلوبة وتقييمها». لا يتوقع الإنسان العربي طبعاً في مثل هذا الزمن العربي إمكانية «إحداث تعديل جذري وشامل وبوتيرة سريعة لإقامة اتحاد عربي»، ولئن كان واضحاً أن الاقتراح المذكور هو في الحقيقة نوعٌ من (التهريج) الإعلامي والسياسي، غير أن رفضهُ أيضاً بداعي انتظار «تنفيذ خطوات التطوير المطلوبة وتقييمها» يُتوّجُ عملية التهريج نفسها، لأنه يوحي بأن أحداً ما في هذا العالم العربي يعرف أصلاً ما هي تلك الخطوات، وكيف يتم تقييمها وتنفيذها! لهذا، يمكن اعتبار القضية بأسرها مزحةً أخرى من تلك الطُرف التي تُميز مشهد القمم العربية، لكن البيان المذكور تضمّن جملة توصيات أخرى يجب الحوار فيها بجديةٍ يقتضيها المقام. لا نعلم من عَرض تلك التوصيات الأخرى، لكننا نُرجح أن المصدر هو جهاز الأمانة العامة بقيادة الأمين العام عمرو موسى. فالرجل، وللإنصاف، يحاول أن يُفعّل العمل العربي المشترك وهو يعلم أنه يصارع تعقيدات منظومةٍ سياسية عربية لا يُحسد على موقعه فيها. غير أن هذا لا يمنع من قيام الصحافة بدورها في فتح هذا الملف والحوار فيه من وجهة نظرٍ لا تقف عند النيّات الطيبة، وإنما تتجاوز ذلك إلى البحث في المآلات الخطيرة الممكنة لمثل تلك التوصيات، من وجهة نظر الفكر السياسي المعاصر. حيث ورد مثلاً اقتراحٌ بتشكيل مجلسٍ تنفيذي على مستوى رؤساء الحكومات يراعي تنفيذ القرارات المتخذة في القمم العربية، فضلاً عن تشكيل مجلسٍ اقتصادي وآخر تجاري، على أن يقوم الأمين العام بالمبادرات اللازمة لتشكيل المجلس التنفيذي الذي سيعمل في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية والأمن والطاقة والاقتصاد والتعليم والزراعة والمياه. لأول وهلة، تبدو التوصيات السابقة مؤشراً لنوعٍ من الحراك الذي يهدف إلى تطوير العمل العربي المشترك، لكن معرفة طبيعة النظام السياسي العربي وآليات عمله التنفيذية الحقيقية توحي بدلالات أخرى. وفي هذا الإطار، يبدو وكأن النظام المذكور يمارس عملية (ترحيل) و(تدوير) للمشكلات على أكثر من مستوى، فالمجلس التنفيذي الذي سيراعي تنفيذ قرارات القمم مشكّلٌ من رؤساء الحكومات، وهؤلاء في غالبية البلاد العربية هم آخر من يمكن له أن يُنفّذ ما لم يُؤمر بالتنفيذ. وما سيحصل عملياً هو وجود هيكليةٍ جديدة تضيعُ قرارات الجامعة في أدراج بيروقراطيتها، ويمكن دائماً تعليقُ شماعة الفشل في التنفيذ عليها، في حين أن التنفيذ يمكن أن يتم محلياً وإقليمياً بوجود الإرادة السياسية لصاحب القرار، دونما حاجةٍ لمجلسٍ تنفيذي ومجالس اقتصادية وتجارية على مستوى الجامعة تزيد من أعبائها المالية والإدارية، وتُصبح مدعاةً لتضارب الصلاحيات والاختصاصات. ثم إن القمة الخماسية أوصت بعقد القمة العربية مرتين في العام «قمة عادية وقمة تشاورية تعقد في دولة المقر»، كما دعت إلى عقد «قمم عربية نوعية» لبحث أمور اقتصادية واجتماعية وتنموية وثقافية، ودعت إلى أن يصبح الأمين العام لجامعة الدول العربية «رئيس المفوضية» العربية، يعاونه عدد من المفوضين يشرف كل منهم على قطاع محدد. إن الجزء الأول من هذه التوصية يوحي وكأن المشكلة تتمثل في عدد القمم، التي يمكن أن تصبح الآن عاديةً وتشاوريةً ونوعية.. بدلاً من قمةٍ يتيمةٍ في كل عام. وإذا أمكن الحديثُ بشفافية، فإن دراسة مؤسسة القمة العربية يُبيّنُ أنها تُصبح باضطراد ساحةً للانقسام والاحتقان. لهذا، لا يبدو غريباً تصاعدُ ظاهرة المقاطعة المباشرة أو غير المباشرة لها في الآونة الأخيرة. من هنا، فالأغلب أن يكون الإكثار منها مدعاةً لتصاعد مشاعر التذمر وخيبة الأمل على مستوى الجماهير، ولتصاعد وظهور الانقسام العربي على المستوى الرسمي، وكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج سلبية. أما مسألة تحويل الجامعة إلى مفوضية وما إلى ذلك.. فمن المؤكد أنها ستصبح مجالاً آخر للترحيل والتدوير والتأجيل؛ لأن الجماهير ستُصبحُ مطالبةً بانتظار عملية تكامل الهيكلية الجديدة ليمكن تفعيل قرارات القمة، وهي عملية يعرف العرب جميعاً أنها يمكن أن تأخذ عقوداً من الزمن. خلاصة القول.. لن يكون تطوير العمل العربي المشترك ممكناً في معزلٍ عن إدراك النظام السياسي العربي بأن ذلك التطوير يصبّ بقوةٍ في مصلحة كل قطرٍ عربي على مستوى الشعوب والدول، لكن الأمر يحتاج إلى ثقافةٍ سياسية عربيةٍ تنفكُّ من الهوس القاتل بالفهم التقليدي لمصادر المشروعية السياسية.. وتمتلك القدرة على قلب معادلة الموازنة بين المصالح الخاصة والعامة، ولو بشكلٍ نسبي.. والأهم من ذلك، الإدراك بأن جميع الممارسات التي تدخل في خانات التدوير والترحيل والتأجيل لمشكلات العرب قد تبدو بديلاً مغرياً الآن، لكنها لن تساهم إلا في تسريع الاحتقان العربي، وزراعة المزيد من بذور فوضى قد تظهر ثمارها بأسرع مما نتوقع، وعلى جميع المستويات. * كاتب عربي www.waelmerza.com   waelmerza@hotmail.com (المصدر: « العرب » (يومية – قطر) بتاريخ 04 جويلة 2010)


مطلوب رفع الحصار الإسرائيلي عن الضفة الغربية


بلال الحسن انتدبت الولايات المتحدة الأميركية نفسها، لتكون القائدة لعملية التسوية السياسية بين الفلسطينيين و »إسرائيل ». وهي بالإضافة إلى صفتها هذه، الدولة العظمى الأكبر في العالم، حيث يفترض أن تكون كلمتها هي النافذة في كل أمر، وبخاصة مع حلفائها، وبشكل أخص مع حليفتها المدللة « إسرائيل ». ولكن ما نشهده يومياً وبأم العين، كيف أن الدولة العظمى القائدة تتصرف على غرار أي مندوب مغلوب على أمره، بحيث بات مستحيلاً علينا أن نرى في هذا المندوب ممثلاً لتلك الدولة العظمى، حيث يستطيع أي موظف إسرائيلي صغير مثلاً، أن يقول لهذا المندوب الكبير: قف عند حدك، لا تتجاوز ما نقوله لك. جورج ميتشل، مندوب الرئيس الأميركي أوباما لإدارة مفاوضات التسوية مع الإسرائيليين، هو نموذج حي لهذه الصورة الكاريكاتورية. يأتي مندوب الدولة العظمى بكل هيبته، ويبلغنا سلفاً أنه محبط من عدم تجاوب بنيامين نتنياهو مع طلباته. وحين يصاب هذا المندوب المهيب بالإحباط، تنتهي اللعبة، ولا يعود بمقدور أحد من المتفاوضين أن يفعل شيئاً. ومع أن ميتشل رجل طاعن في السن، فإننا شهدناه مع بدء مهمته حيوياً ونشطاً، أما في جولاته الأخيرة، فقد شاهدناه يتحرك ببطء، وبتؤدة، محني الظهر، يقول مظهره قبل تصريحاته، إنه مندوب محبط ولا يستطيع أن يعد بشيء. إنه يستمع إلى شروط من نتنياهو يجب أن تتحقق قبل أن يأذن بتطوير المفاوضات، ثم يستمع إلى طلبات من الرئيس محمود عباس حتى يتمكن من الموافقة على الانتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة، ولا يملك إزاء تعارض المطالب إلا أن يضرب كفاً بكف، ثم يعلن أنه سيعود إلى واشنطن لإبلاغ رئيسه بفشله، وتنتهي بذلك جولة من جولات المفاوضات، تليها بعد أسبوعين جولة أخرى.. وهكذا. وقد اعتدنا على وصف المفاوضات الفلسطينية مع « إسرائيل » بالعبثية، ولكن العبثية الحقيقية هي طريقة الدولة الأعظم، في إدارة وساطاتها. ثمة مظهر عبثي آخر، يدور مباشرة بين المفاوض الفلسطيني والمفاوض الإسرائيلي. وهنا تم الإعلان أن إيهود باراك وزير دفاع « إسرائيل » سيلتقي مع سلام فياض رئيس وزراء رام الله. وحين ندقق في جدول الأعمال بين الرجلين نرى عجباً. فهناك بند أساسي في جدول الأعمال يصر سلام فياض على طرحه، وهو ضرورة رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة بالكامل. وهذه نقطة إيجابية تسجل لسلام فياض، وإن كانت مشروطة برفع الحصار على قاعدة اتفاقية عام 2005 حول المعابر. وهذا يعني ثلاثة أمور تثير جدلاً صاخباً، الأمر الأول: أن يكون حرس الرئاسة الفلسطينية هو المسيطر على المعابر (لضمان إبعاد حركة حماس التي تمسك بالسلطة في غزة). الأمر الثاني: أن تكون « إسرائيل » موجودة في إدارة المعابر عبر كاميرات المراقبة. الأمر الثالث: أن تكون المعابر كلها تحت إشراف أوروبي. وإذا تغاضينا عن هذه المسائل كلها، فسنجد أنفسنا أمام مجموعة أخرى من المطالب، يضعها سلام فياض (مشكوراً) أمام المفاوض الإسرائيلي، وهي كما يلي: 1) وقف الاجتياحات العسكرية الإسرائيلية لمدن الضفة الغربية. 2) السماح للأمن الفلسطيني بالوجود خارج المدن الفلسطينية. أي أن ينتقل من المنطقة «ألف» إلى المنطقة «ب»، وهو أمر ترفضه « إسرائيل »، رغم أن الصحف الإسرائيلية أصبحت مليئة بالمقالات التي تمتدح الأمن الفلسطيني لدوره البارز، كما يقولون بكلمات إسرائيلية، في مواجهة «الإرهاب» الفلسطيني. وهو ما يعني بكلمات فلسطينية، مواجهة العمل المقاوم للاحتلال وضربه في مهده. 3) وقف الاستيطان، وبخاصة في القدس، ووقف مخطط تفريغ القدس من ساكنيها (هدم البيوت، طرد السكان، طرد أهالي غزة). 4) رفع الحواجز الإسرائيلية التي تقارب الـ400 حاجز، حتى تستطيع السلطة الفلسطينية أن تمد مؤسساتها إلى خارج المدن، حسب تعبير فياض. تبرز هذه النقاط مطالب سلام فياض من إيهود باراك، ولكنها تبرز أكثر حقيقة فاقعة اللون، لا يتحدث عنها أحد، وهي حصار « إسرائيل » المفروض على الضفة الغربية. إنه، وكما يظهر من هذه النقاط، حصار لا يقل قسوة عن حصار غزة، والغريب أن الكل أصبح يطالب برفع الحصار عن غزة، ولكن لا أحد يطالب برفع الحصار عن الضفة الغربية. ويفعل سلام فياض حسناً، إذا هو قال إن جدول أعماله مع إيهود باراك لن يتناول النقاط الأربع المذكورة، بل سيتناول نقطة واحدة فقط، هي رفع الحصار الإسرائيلي عن الضفة الغربية. ولكن المعضلة هنا، أن رفع هذا الشعار، قد يستدرج قوافل تضامن عالمي مع الضفة الغربية، وبما أن الضفة الغربية لا سواحل لها، فإن التضامن معها لن يكون بواسطة الأساطيل البحرية، بل هو يحتاج إلى أساطيل برية، تمر عبر الدول حيث لا وجود لمياه دولية، وهو أمر يثير كثيراً من الإشكالات، ويجعل معركة إنقاذ الضفة الغربية من الحصار أكبر بكثير من معركة إنقاذ غزة. وبينما تكاد تتلاشى فرص النجاح في مهمة ميتشل، وفي مفاوضات فياض – باراك، نجد « إسرائيل » نشطة على صعد أخرى، تتجاوز الحكومة إلى الإدارات والأحزاب. فنحن نستطيع أن نسجل ثلاثة قرارات إسرائيلية صدرت مؤخراً، ولها دلالاتها الخطيرة. أولاً: الأمر العسكري رقم 1650، الذي أعلن عن العمل على طرد أي مواطن من قطاع غزة يقيم في الضفة الغربية. وتباشر « إسرائيل » الآن تنفيذ هذا القرار، حيث بلغ عدد المبعدين أكثر من ألف شخص. ثانياً: قرار حزب الليكود (أو ما يسمى مركز الليكود)، وهو الحزب الحاكم في « إسرائيل »، بضرورة استئناف العمليات الاستيطانية في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، أي في موعد انتهاء التجميد المؤقت للاستيطان، الذي اتفق عليه نتنياهو «سراً» مع أوباما. ثالثاً: إقدام بلدية القدس على وضع أوسع خارطة هيكلية للمدينة، وهو أمر لم يتم منذ خمسين عاماً. تشكل هذه القرارات الثلاثة نوعاً من البنية التحتية للقرارات السياسية التي نشهد تطبيقها بين ميتشل ونتنياهو، وبين ميتشل ومحمود عباس، وبين سلام فياض وإيهود باراك. وهي ترجمة عملية لتحدي مندوب الدولة الصغرى، لموفد الدولة العظمى. ومطلوب منا أن نصدق، كفلسطينيين وكعرب، أن الدولة العظمى لا تملك إلا أن ترضخ لمطالب الدولة الصغرى. أو مطلوب منا أن نصدق، أن واشنطن تدير وساطتها بديمقراطية كاملة، ومن دون أي ضغط على أي طرف. ولكن الديمقراطية الأميركية، لا تمانع في فرض شروط الرباعية، أو في فرض شروط المصالحة الفلسطينية، على أي طرف آخر.  

المصدر: م. ف. إ. عن الشرق الأوسط

 


ترطيب مع تركيا وتصعيد ضد سورية


عبد الباري عطوان تبذل الادارة الامريكية جهوداً مضنية هذه الايام لاخراج اسرائيل من حال العزلة المتفاقمة التي تعيش في ظلها حالياً بسبب عدوانها على قطاع غزة ومجزرتها التي ارتكبتها على ظهر سفينة مرمرة التركية في المياه الدولية. هذه الجهود تنصب في ثلاثة محاور دبلوماسية رئيسية: المحور الأول: ترطيب الأجواء بين تل ابيب وأنقرة، واصلاح العلاقة بين الجانبين، بدءا من ازلة التوتر الحالي في العلاقات او تقليصها في حدودها الدنيا. ويتضح هذا التوجه في اللقاء السري بين وزير الخارجية التركي داوود اوغلو مع وزير الصناعة والتجارة الاسرائيلي بنيامين بن اليعازر في بروكسل قبل يومين. المحور الثاني: ترتيب لقاء سريع بين السيد سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني وايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي لمناقشة قضايا تتعلق بالأحوال المعيشية لمواطني الضفة الغربية حسب البيان الرسمي الفلسطيني. المحور الثالث: ايفاد السناتور جورج ميتشيل مبعوث السلام الامريكي الى رام الله وتل ابيب، للايحاء بأن المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين تسير في الاتجاه الصحيح، وان عملية السلام لم تمت. المحور الرابع: اللقاء الحار بين الرئيس الامريكي باراك اوباما والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز في البيت الأبيض، وطلب الأول من حليفه الثاني بذل جهود أكبر في عملية السلام حسب ما جرى اعلانه، ولكن ما لم يعلن هو طبيعة المناقشات والحوارات التي تتعلق بالملف الايراني وكيفية التعاطي مع الطموحات النووية الايرانية سلماً (عبر الحصار) او حرباً. ‘ ‘ ‘ اللقاء التركي الاسرائيلي تم نتيجة ضغوط امريكية، ومن الرئيس اوباما نفسه، ولا نستغرب ان يكون هذا الضغط قد توازى مع تهديدات او اغراءات او الاثنتين معاً. فلم يكن من قبيل الصدفة ان تتصاعد هجمات حزب العمال الكردستاني ضد اهداف تركية، مدنية وعسكرية بعد ايام معدودة من توتر العلاقات التركية الاسرائيلية، والشيء نفسه يقال ايضاً عن اثارة ملف مجازر الارمن في الكونغرس وفي أجهزة الاعلام الامريكية، بتحريض مباشر من اللوبي اليهودي. اما اللقاء الآخر المنتظر بين السيد فياض وايهود باراك فهو تدشين للمفاوضات المباشرة، وتعزيز للتنسيق الامني بين الجانبين، والايعاز للرأي العالم العالمي الغاضب على مجازر سفن اسطول الحرية بان الطرف الفلسطيني صاحب القضية المركزية في حال ود وانسجام مع الحكومة الاسرائيلية، ولا يعتبرها حكومة ارهابية ‘مارقة’ مثلما تعتقدون، فاذا كان أصحاب الشأن راضين، يعانقون الاسرائيليين فما شأنكم انتم! اللافت ان لقاء فياض باراك هذا يتزامن مع انعقاد اجتماع الدول المانحة في باريس، والسيد فياض هو القناة الوحيدة المعتمدة للأموال الغربية والعربية الى السلطة، ولا بد ان من يعطي المال والمساعدات هو الذي أمر بهذا اللقاء ووجد السمع والطاعة والا لا رواتب ستدفع، ولا امتيازات اخرى ستتواصل. ولا نستغرب ان نقرأ في الأيام القليلة المقبلة انباء عن قرب لقاء بين بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي والرئيس محمود عباس في القدس المحتلة او في رام الله، فالترتيب لهذا اللقاء يبدأ بلقاء فياض باراك، وتعمد الرئيس عباس تكرار نغمة تقول باستعداده للانتقال من مرحلة المفاوضات غير المباشرة الى المباشرة فوراً في حال تحقيق تقدم، ودعوته لنتنياهو لزيارة رام الله، ودعوة الثاني له بزيارة القدس. المريب في الأمر ان هذه الجهود الامريكية ‘الترطيبية’ بين تركيا واسرائيل من ناحية واسرائيل والسلطة الفلسطينية من ناحية اخرى تتزامن مع أخرى تصعيدية مع سورية وايران الأمر الذي يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول النوايا الامريكية، واحتمال وجود ‘خطة ما’ يجري اعدادها في الغرف المغلقة. وزارة الخارجية الامريكية تثير هذه الايام ضجة كبرى حول معلومات غير مؤكدة عن تزويد ايران لسورية بنظام رادار يردع صواريخ اسرائيلية ويكشفها قبل وصولها لضرب اهداف ايرانية. وتبلغ عملية التحريض هذه ذروتها ضد سورية بعد ان هدأت ضجة أخرى استمرت اسابيع تمحورت حول تزويد سورية ‘حزب الله’ اللبناني بصواريخ ‘سكود’ بعيدة المدى’. ‘ ‘ ‘ الادارة الامريكية تزود اسرائيل ببطاريات صواريخ باتريوت، وقنابل ‘ذكية’ زنتها الف طن لقصف المواقع الايرانية المحصنة، وطائرات هي الأحدث في العالم، وترى في ذلك امرا عاديا، اما ان تزود ايران سورية بنظام رادار يرصد الصواريخ التي ستطلقها اسرائيل لتدمير البلدين فهذه ‘ام الكبائر’ وجريمة كبرى. بمعنى آخر مطلوب من سورية وايران واي دولة عربية اخرى ان لا تفعل اي شيء لعرقلة الصواريخ الاسرائيلية حتى لو كان ذلك ‘رصدها’ مجرد الرصد فقط، والعلم بمرورها، ناهيك عن التصدي لها وعلى مواطني البلدين ان يقفوا فوق سطوح منازلهم والتصفيق والتهليل لكل صاروخ اسرائيلي ينطلق لتدمير البلدين او احدهما. نعرف جيداً ان السلطة الفلسطينية التي تعيش وتتغذى من الحبل السري الامريكي لا تستطيع ان ترفض طلباً امريكياً باللقاء مع الاسرائيليين وتبييض وجههم الاجرامي عربياً وعالمياً، ولكننا لا نفهم هذا اللقاء التركي الاسرائيلي السري وغير المبرر خاصة ان اسرائيل لم تلب شرطاً واحداً من الشروط التركية الاربعة، وهي الاعتذار عن مجزرة السفينة مرمرة، والقبول بلجنة تحقيق دولية، واعادة السفن المحتجزة في ميناء اسدود، ودفع تعويضات مالية لاسر الشهداء. ‘ ‘ ‘ لا نطالب حكومة رجب طيب اردوغان بالتطرف او الانتحار سياسيا ودبلوماسيا، فنحن نفهم ان لها استراتيجيات محددة تحكم علاقاتها وآلية عملها في التعاطي مع ملف العلاقات الاقليمية والدولية، ولكن مثل هذه اللقاءات، وبهذه السرعة، تهز صورة هذه الحكومة في الداخل التركي اولا والعالم الاسلامي ثانيا اللذين وجدا في موقفها من اسرائيل وعربدتها وقفة رجولية ردت الاعتبار لمليار ونصف مليار مسلم عانى كثيرا من العربدة الاسرائيلية والاذعان العربي لها. حكومة نتنياهو تخدع تركيا والسلطة والعالم باسره في الوقت نفسه عندما توفد شخصيتين من حزب العــــمل الاول مجرم حرب ملطــــخة يداه بــــدماء شــــهداء غزة اي ايهود باراك والثاني بنيامين بن اليعازر كان وزيرا للدفاع وقائدا للاركان، يدعي الاعتدال مثل رئيسه شمعون بيريس الذي ارتكب مجزرة قانا في جنوب لبنان. استقبال وزيرين من حزب العمل من قبل تركيا ورئيس الوزراء الفلسطيني هو التسليم رسميا بالخدعة الاسرائيلية التي تقول ان هؤلاء يختلفون عن حزب الليكود ونتنياهو ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان. انه استقبال يكشف عن سذاجة و’براغماتية’ في غير محلها على الاطلاق. لا فائدة من الحديث مع السلطة او نصحها، ولكن نعتقد ان الحديث مع الحكومة التركية وتحذيرها شيء ضروري، لان السيد اردوغان شخصية مستقلة تتمتع بصفات الزعامة التاريخية، واظـــــهر شجاعة غير عادية في الوقوف الى جانب الحق، ولذلك نتمنى ان يواصل مواقفه المتحدية لجرائم الحرب الاسرائيلية حتى النهاية، او على الاقل ان لا يتراجع عن مطالبه الاربعة، والانتصار لدماء الشهداء الاتراك. خاصة بعد ان اكد نتنياهو بالامس انه لن يعتذر ولن يدفع تعويضات لاسر ضحايا المجزرة في تحد استفزازي صلف ومتغطرس.

(المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 4 جويلية 2010)

 


مقاربة أميركية من «خارج الصندوق»


عريب الرنتاوي

ذات مؤتمر دولي في أثينا قبل خمسة أعوام أو يزيد ، أذكر أنني اقترحت على « محدثيي » من أوروبيين وأميركيين استضافة ممثلين عن « حزب الله » و »حركة حماس » للحديث معهم بدل الاستمرار في التحدث عنهم، يومها قامت الدنيا ولم تقعد، وبدا أنني قد قارفت جرماً لا يغتفر، ولولا بقايا حياء في وجه الضيوف والمضيفين، لطردت من القاعة بتهمة مساندة الإرهاب والتحريض عليه والترويج له. منذ تلك الواقعة، مررت بالعديد من « المواجهات المماثلة »، مع دبلوماسيين عرب (معتدلين) وأجانب، وغالبا ما تبادلنا ذات الحجج والذرائع، إلى أن بدأت اللهجات بالتبدل والمواقف بالتغيير، وآخر مرة دخلت فيها في حوار مع أوروبيين حول هذه العناوين كانت في غضون الشهرين الفائتين، حيث جاءت الإجابات مختلفة كثيرا هذه المرة: الحوار سيتم، والاعتراف سيتحقق والمسألة مسألة وقت. مناسبة حديث الذكريات هذه، تقرير نشرته صحيفة النهار اللبنانية بالأمس، لمراسلها في واشنطن، غير المحسوب على حماس وحزب الله، هشام ملحم، ويقول فيه إن فريقا من المسؤولين الاستخباريين العاملين في القيادة المركزية الأميركية لجنوب آسيا والشرق الأوسط، شكك في جدوى السياسة الاميركية الحالية والرامية الى عزل « حزب الله » وحركة المقاومة الإسلامية « حماس » وتهميشهما، وأوصى باستخدام استراتيجيات بديلة تهدف الى دمج التنظيمين في المؤسسات السياسية والعسكرية في لبنان والسلطة الفلسطينية. وجاء في التقرير الذي يتكون من خمس صفحات وصدر في أوائل أيار ـ مايو الفائت تحت عنوان « التعامل مع حزب الله وحماس » ونشره المحلل السياسي والعسكري مارك بيري على الموقع الإلكتروني لمجلة « فورين بوليسي »، أنه من الأفضل للولايات المتحدة أن تعمل على دمج حزب الله في مؤسسات الدولة اللبنانية المدنية والعسكرية، وإدماج حماس في مؤسسات السلطة الفلسطينية ، المدنية والعسكرية، من أن تكتفي بدعم الحكومة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، اللتين تمثلان جزءًا من الشعب هنا وهناك على أبعد تقدير. إحدى مهمات الفريق الاستخباري الذي أعد التقرير هي تقديم تحليلات وتقويمات استخبارية خارج اطار المألوف والمتوقع، والخروج بسيناريوات ومقترحات بديلة وغير تقليدية من « خارج الصندوق » وتتضمن احيانا افتراضات تتحدى التفكير التقليدي والاستراتيجيات المعتمدة، تكون وظيفتها تحدي المألوف والتفكير الأرثوذوكسي السائد. ويلاحظ التقرير أن « نشاطات حزب الله تعكس على نحو متزايد حاجات الحزب وتطلعاته في لبنان، وليس مصالح مؤيديه الايرانيين »، ويرى التقرير أن الحرب التي شنتها اسرائيل على الحزب عام 2006 ادت الى نتائج عكسية، « وبدل استغلال النزعة الاستقلالية لحزب الله… فان اعمال اسرائيل في لبنان ربما كانت لها نتائج مناقضة لذلك وادت الى تعزيز روابط الحزب بايران ». ويتحدث عن وجود نقاط تشابه بين « حزب الله » و »الجيش الجمهوري الايرلندي » الذي كان يقاتل الحكومة البريطانية وقواتها، والذي شارك لاحقا في عملية السلام في ايرلندا الشمالية، ويرى انه يمكن جذب « حزب الله » في المستقبل للاضطلاع بدور سياسي مماثل. ويذكّر بالاجتماع الذي عقده السفير البريطاني في لبنان مع بعض قادة الحزب في لبنان في 2009، ويرى ان هذا الاجتماع يمكن ان يخدم كنموذج مناسب للبدء بعملية دمج « حزب الله » في الجيش اللبناني. ويوصي بالدفع الى محادثات في لبنان مماثلة لتلك التي جرت في ايرلندا، لانه »كما قامت الولايات المتحدة بدور قيادي في محادثات السلام في ايرلندا الشمالية، فان البريطانيين يمكن ان يقودوا مثل هذه المحادثات بين الجيش اللبناني و »حزب الله » في لبنان ». وأستميح السادة القراء عذرًا عن هذه الاقتباسات المطولة من تقرير هشام ملحم في النهار، والتي أملتها أهمية فريق البحث ومصادره، مكتفياً بالإشارة إلى ثلاث حقائق رئيسة: الأولى: أن مستشار الرئيس لشؤون مكافحة الإرهاب جون براينن سبق وأن أدلى بتقديرات مماثلة لتقديرات الفريق الاستخباري، وهناك معلومات نشرت قبل أيام أكدت ميل واشنطن لتعزيز اتصالاتها مع حماس، مباشرة وغير مباشرة، الأمر الذي يعكس ميل المستوى الأمني والعسكري لهذه المقاربة الجديدة. الثانية: أن الولايات المتحدة رضخت في نهاية المطاف لوجهة نظر حميد كرزاي بخصوص التعامل مع طالبان ورفع الحظر المضروب عليها ومحاولة إدماجها في العملية السياسية، الأمر الذي يشير إلى ميل لتعميم هذه المقاربة دوليا. والثالثة: إلى أن تنضج شروط الحوار والاعتراف والإدماج، ستظل واشنطن تقابل هذه الأنباء – رسمياً على الأقل – بالتعقيب التقليدي: لا تغيير على سياسة واشنطن حيال هذه المسألة ؟  

(المصدر: المستقبل العربي بتاريخ 3 جويلية 2010)


إنها الأجندة الغربية يا صاحبي


د. فهمي هويدي

لاحظت في مطبوعات وأنشطة منظمات المجتمع المدني في مصر المعنية بحقوق الإنسان أنها لم تلق بالا لموضوع حصار غزة. صحيح أن هناك استثناءات محدودة على تلك القاعدة، وهناك نشطاء شاركوا بأشخاصهم في جهود الإغاثة ومساعي كسر الحصار. لكن الأغلبية تنطبق عليها الملاحظة التي ذكرتها. هذه الصورة بدت أكثر وضوحا خلال الأسابيع الأخيرة. إذ إنه في حين وجدنا أن منظمات المجتمع المدني الأوروبية والتركية هي التي تولت تجهيز أسطول الحرية، بتعاون مع منظمات موازية أخرى في الكويت وقطر، وفي حين تكاتفت جهود منظمات عدة في لبنان لتجهيز السفينتين مريم وناجي العلي، فإننا لم نلمس جهدا يذكر في هذا الصدد من جانب منظمات حقوق الإنسان المصرية، ولولا الإسهام النسبي في الإغاثة من جانب الهلال الأحمر المصري والجمعية الشرعية ولجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب وبعض النقابات المهنية الأخرى (التي ليست تحت الحراسة)، أقول لولا تلك الجهود لبدا منظر مصر في هذه الساحة بائسا ومحزنا. لا أريد أن أهون من شأن جهود منظمات حقوق الإنسان المصرية التي تبذلها داخل البلاد. حيث يعرف الجميع كم هي تستحق التقدير والاحترام، ويدرك الجميع أيضاً أنها تدفع ثمنا مرتفعا لقاء قيامها بمهام التحقيق والتوثيق والرصد للانتهاكات الحاصلة. لكني مع ذلك أستغرب أن تتحرك بهذه الهمة في داخل مصر، ثم تغيب تماما عن الحاصل في غزة، رغم أنه يجسد أحد أبشع مظاهر انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني. حاولت أن أبحث عن تفسير لذلك، فتراءت لي الاحتمالات التالية: استبعدت في البداية أن تكون تلك المنظمات حريصة على عدم إغضاب الحكومة، التي لا تحبذ التحرك الأهلي لإغاثة القطاع، بما قد يخل بالحصار المفروض عليه. كما استبعدت أن يكون مسؤولو تلك المنظمات قد آثروا السلامة، وتجنبوا التوقيف والاعتقال وغير ذلك من الإجراءات التي يتعرض لها الناشطون. وكان سبب استبعادي لهذين الاحتمالين أن تلك المنظمات تغضب الحكومة وتستفز الأجهزة الأمنية في حالات أخرى كثيرة، وبالتالي فهي ليست في وارد إرضائها. ثم إن أعضاءها يعرفون جيدا أن نشاطهم في المجالات الأخرى يعرضهم للملاحقة والاعتقال وغير ذلك، ولكثيرين منهم « سوابق » تدل على أنهم على استعداد لدفع ثمن الدور الذي يقومون به. خطر لي احتمال آخر يفسر ذلك العزوف انطلاقا من الموقف الأيديولوجي، باعتبار أن نسبة غير قليلة من قيادات تلك المنظمات من الماركسيين السابقين الذين لا يزالون يعتبرون الجماعات الإسلامية خصما لهم، وبعضهم ليس مستعدا لتقديم أي عون للقطاع طالما ظلت حركة حماس قائمة عليه. ولذلك فقد صرفوا النظر عما يجري فيه وأسقطوه من أجندتهم. وجدت أيضا أن يكون بعض الليبراليين أو العلمانيين المتطرفين، ربما اعتبروا أن التضامن مع القطاع قد يكون تعبيرا عن التضامن مع حماس، وهو ما لا يريدونه، ويفضلون الابتعاد عنه. وكان هناك احتمال آخر، هو أن تكون تلك المنظمات ضد المقاومة ومع التسوية السلمية والمفاوضات التي تنحاز إليها رئاسة السلطة في رام الله. وهو موقف يجعلها في حالة تقاطع مع القطاع والقائمين عليه. لم أجد أيا من تلك الأسباب مقنعا وكافيا في تفسير غياب منظمات حقوق الإنسان في مصر عن ساحة التضامن مع غزة، صحيح أن بعضها قد يكون له تأثيره السلبي بدرجة أو بأخرى. لكن موقف ذلك البعض لا ينهض سببا كافيا لإحجام الكل، لذلك اتجهت إلى البحث عن قاسم مشترك أقوى يفسر الظاهرة. وقد وجدته في التمويل الأجنبي الذي تعتمد عليه تلك المنظمات جميعها. وقد نبهتني إلى ذلك ملاحظة استوقفتني وأنا أقرأ مطبوعاتها وإصداراتها الأخرى. إذ وجدت أنها تدافع عن الشاذين جنسيا (يسمونهم المثليين من باب الالتفاف على الحقيقة)، الأمر الذي اقتضى أن ذلك الدفاع أصبح أحد بنود الأجندة الغربية. وإذ لاحظت حضور الشاذين وغياب التضامن مع قطاع غزة في مطبوعات المنظمات، فإن ذلك أكد عندي أنه يشكل الوجه الآخر للأجندة الغربية. وقد تعزز ذلك التأكيد حين وجدت أن المنظمات الأهلية الوحيدة في مصر التي تسعى للتضامن مع غزة وإغاثتها (السابق الإشارة إليها) هي تلك التي تعتمد على التمويل المحلي ولا شأن لها بالمعونات الغربية. إن الغربيين حين يدعمون أي منظمات في مصر، أو في أي بلد عربي آخر، لا يقدمون الأموال من باب البر والإحسان. ولكنهم حين يدفعون فإنهم ينتظرون المردود يوما، عاجلا أم آجلا. والموقف الذي تبنته منظمات حقوق الإنسان من قطاع غزة من نماذج الوفاء العاجل بذلك الدين.

 

(المصدر: صحيفة « السبيل » (يومية –  الأردن) الصادرة يوم 3 جويلية 2010)

 


استمرار الخلافات حول قرار «الجبهة» مقاطعة الانتخابات مصر: مؤشرات على انهيار ائتلاف المعارضة


2010-07-04 القاهرة – فاطمة حسن  تعرض ائتلاف رباعي الأحزاب المعارضة الذي يضم «الوفد والتجمع والناصري والجبهة» في الفترة الأخيرة لانقسامات عديدة، تهدد بفشله، بعد أن بدأ كل حزب يعمل بمفرده، ويتخذ قرارات بخصوص مقاطعة الانتخابات أو المشاركة فيها دون الرجوع إلى الأحزاب الأخرى، كما أخذت تهاجم بعضها البعض. قال الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع لـ «العرب»: إن الحزب قرر عدم مقاطعة انتخابات الشعب المقبلة، من أجل العمل على التغيير، والتصدي لسياسة الحزب الوطني المحتكر. وأوضح أن قرار خوض الانتخابات يخص كل حزب بعيداً عن الائتلاف الرباعي للأحزاب؛ لأن الائتلاف ليس اندماجاً وإنما تنسيق بين الأحزاب، ورفض السعيد قرار حزب الجبهة الديمقراطية بمقاطعة انتخابات الشعب المقبلة، لأنه سيؤثر على عملية التغيير، ويفتح الباب أمام النظام الحالي لتحقيق أهدافه في السيطرة على كرسي الحكم وتزوير انتخابات الشعب والرئاسة، وأعلن أن حزب التجمع سيخوض معركة ضد تزوير الانتخابات من قبل قيادات الحزب الوطني. وقال أحمد عودة، سكرتير مساعد حزب الوفد، والقائم بأعمال السكرتير العام: إن الائتلاف بين الأحزاب الأربعة قائم ولكنه ليس اندماجاً، وهو عبارة عن تنسيق بين الأحزاب فقط. وأَضاف أن قرار حزب الجبهة بعدم خوضه الانتخابات هو شأن داخلي يخص الحزب ليس للائتلاف علاقة به، موضحاً أنه لو كان قرار خوض الانتخابات بيده لكان قاطع الانتخابات المقبلة، لافتاً إلى أن قرار حزب الجبهة قرار صائب، لأنه لا توجد انتخابات في مصر وإنما هي عبارة عن تعيينات من وزارة الداخلية، وكان هذا واضحاً في انتخابات المحليات ومن بعدها الشورى التي عينوا فيها من يريدون وتم تقسيمها على الأحزاب. وأوضح أنه طالما لا يوجد قاض على كل صندوق فلا توجد انتخابات نزيهة، وأشار إلى أن كل حزب من أحزاب الائتلاف يخوض معركة الانتخابات بطريقته الخاصة. وقال أحمد حسن أمين عام الحزب الناصري: إن الائتلاف أصبح فاقد «الفاعلية»، لافتا إلى أن أحزاب الائتلاف لم تلتق منذ مؤتمر الإصلاح الدستوري الذي عقد في 13 مارس الماضي، والذي اتضح فيه عدم التزام بعض أطراف الائتلاف بما يتم الاتفاق عليه. وأضاف حسن أن أسامة الغزالي حرب، رئيس حزب الجبهة، أصبح خارج دائرة الائتلاف، فهو بعيد عنه ويدلي بتصريحات ضد الناصريين، مشيراً إلى أن الائتلاف حتى الآن لم يفشل ولم ينجح وكل حزب يعمل حسب مزاجه. من جانبها، قالت مارجريت عازر أمين عام حزب الجبهة الديمقراطية: إنه لا يوجد اختلاف في الائتلاف الرباعي، ولكن كل حزب يعمل حسب نشاطه السياسي، وأضافت أن عملية مقاطعة الأحزاب للانتخابات بشكل فردي لا تؤثر بالسلب إطلاقا في عملية التغيير، وأوضحت أن الأمر لو كان بيدها ما قاطعت الانتخابات، مشيرة إلى أن حزب الوفد خاض تجربة المقاطعة في وقت سابق ولم يحقق نتائج ايجابية من هذه المقاطعة. وأشارت مارجريت إلى احتمالية قيام قيادات الحزب بعقد اجتماع خلال الأسبوع الجاري، للنظر مرة أخرى في قرار مقاطعة انتخابات الشعب المقبلة، لافتة أن القرار الأخير للحزب بمقاطعة الانتخابات معلق حتى الآن.    (المصدر: « العرب » (يومية – قطر) بتاريخ 04 جويلة 2010)

 


شيخ الأزهر في أولى فتاواه السياسية


ياسر الزعاترة

أملنا كما أمل كثيرون أن ينأى شيخ الأزهر الجديد بنفسه عن دهاليز السياسة الرسمية، وبالطبع حتى لا يكرر التجربة المرة لسلفه الذي أودى بسمعة هذه المؤسسة العريقة، وإن كان من الصعب ربط بداية مسلسل الانحدار في سمعتها بتاريخ توليه للمنصب. لكن ثقل الواقع يبدو أكبر من قدرته على المقاومة، فمن منحوه الموقع لم يفعلوا ذلك من أجل أن يقول لهم لا، أو من أجل أن يحول بينهم وبين استخدامه بين حين وآخر في تسويق مواقفهم، مع أن واقع الحال لا زال يؤكد أن حشر الأزهر في الفتاوى السياسية التي تخالف التوجهات الشعبية لم يؤد إلا لمزيد من الانحياز ضدهم وضد الأزهر وشيخه في آن. لو أراد المعنيون إعادة الاعتبار للأزهر كمؤسسة عريقة، ولمصر كعنوان للتدين السني لذهبوا عكس ما يفعلون، أعني لمنحوا الضوء الأخضر لشيخ الأزهر كي يخالف المواقف الرسمية في بعض القضايا، لاسيما تلك التي تلامس مشاعر الشارع العربي والإسلامي. لكن أن يواصلوا ذات النهج التقليدي في استدعائه من أجل نصرة مواقف إشكالية، فسيؤدي ذلك إلى المزيد من تهميشه في وعي الناس، وشطب ما تبقى له من مصداقية. منذ توليه المنصب قبل شهور، تابعنا بعض الحذر من طرف شيخ الأزهر في التورط في تبني فتاوى سياسية إشكالية، وقد كان ذلك جيداً إلى حد كبير، لاسيما أنه أحسن في إعلان رفضه زيارة القدس وهي تحت الاحتلال، وذلك رغم توليه دعوة فيها الكثير من الخفة من طرف أوساط فلسطينية رسمية مثل وزير الأوقاف في رام الله. الآن، وبعد غياب غير محمود عن جدل أسطول الحرية وشهدائه الأبرار، يخرج علينا شيخ الأزهر بفتوى تتعلق بالمصالحة الفلسطينية، حيث أعلن أن تلك المصالحة « فريضة شرعية وواجب مقدس، ومن يعرقلها أو يؤخرها هو آثم ». لسنا بحاجة إلى كثير ذكاء لكي ندرك في أي اتجاه تصبّ الفتوى، وأنها محض محاكاة واضحة للموقف الرسمي الذي يتعاطى مع المصالحة ضمن ما يعرف بالورقة المصرية التي ترفض القيادة المصرية إجراء أي تعديل عليها، فيما يجري تحميل حركة حماس مسؤولية تعطيلها بعد موافقة السلطة عليها. لا نعرف بالطبع كيف يتورط شيخ الأزهر في الحديث عن مصالحة عنوانها جرّ جميع فرقاء الساحة الفلسطينية إلى مربع مفاوضات عبثية مع احتلال يستخف بسائر متطلبات عملية السلام، بينما كان الأولى به أن يدعو إلى التوحد على خيار المقاومة والجهاد، ويعلن قبل ذلك أن هذا العدو الذي يهوّد القدس والمسجد الأقصى لا يمكن التفاهم معه بغير لغة القوة. أليست هذه هي قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد المعروفة؟ قبل ذلك كان الأولى أن يتحدث شيخ الأزهر عن الجدار الفولاذي وعن حصار المسلم لأخيه المسلم، وعن قضية القدس والمقدسات، لكنه نسي ذلك كله وذهب يفتش عن نصرة لموقف رسمي إشكالي يعلم تمام العلم أنه يخالف الشرع، ويخالف توجهات الشارع المصري في آن. إن دعوة المصالحة في فتوى شيخ الأزهر هي كلمة حق يراد بها باطل، إذ أن المصالحة ضرورة، بشرط أن تكون مصالحة على نصرة الحق وبرنامج الحق، وليس برنامج التفريط. لقد جاءت الفتوى الجديدة بمثابة تأكيد على أن شيخ الأزهر الجديد لن يتخلى عن نهج سلفه في وضع هذه المؤسسة العريقة في خدمة الأجندة السياسية الرسمية في الداخل والخارج، الأمر الذي يثير الإحباط، ويدفع إلى القول إنه لا أمل يرجى منها قبل أن يحدث تغيير حقيقي في عموم المعادلة السياسية القائمة في مصر.

 المصدر: م. ف. إ. عن الدستور الأردنية

 

Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.