الأحد، 25 أبريل 2010

TUNISNEWS

 9ème année,N°3624 du 25 .04 . 2010

 archives : www.tunisnews.net

الحرية لسجين

 العشريتين الدكتور الصادق شورو

وللصحافي توفيق بن بريك

ولضحايا قانون الإرهاب


كلمة:احتجاز الإعلامي زهيّر مخلوف عدة ساعات السبيل أونلاين:صور من الإعتداء الذي تعرض له المناضل الحقوقي ومراسل السبيل في تونس زهير مخلوف الجمعية الدولية  لمساندة المساجين السياسيين:تواصل اضطهاد  الناشط الحقوقي زهير مخلوف.. ! الحزب الديمقراطي التقدمي :بلاغ :حول اعتقال زهير مخلوف الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب:بيان:أحكام قاسية ضدّ الطلبة منظمات وشخصيات حقوقية: نداء من اجل غلق ملف الحوض ألمنجمي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان – فرع القيروان:بيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان أمسية تضامنية بباريس:مواطنون تحت الحصار ، المراقبة الإدارية في تونس الاتحاد العام لطلبة تونس يحتجّ على تواصل تدهور الخدمات الإدارية بالمعهد العالي لإطارات الطفولة قرطاج درمش الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع قليبية قربة:اليوم العالمي للشبيبة المناهضة للإمبريالية حزب « تونس الخضراء « :مؤتمر أحزاب وجمعيات الخضرإفريقيا – أوغندا السبيل أونلاين:وفاة والد الشاب وليد جراي بعد عودته من فترة علاج بالعاصمة طارق الكحلاوي:من أجل مبادرة شعبية لمقاومة الحجب الالكتروني في تونس مدونة ناجي الخـشـناوي:لأول مرة عمار منصور يتكلم : أدب السجون لا يكون إلا من أدب التحرّر والحرية كلمة:مدينة حلق الوادي محط أنظار مجلس الوزراء وأصهار الرئيس الصباح:وزير الاتصال في اجتماع الصحفيين العرب بتونس لا وجود لمحظورات في الاعلام التونسي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بتونس ،المكتب الإعلامي يكذب ، و يوضّح التالي إلي الرأي العام الوطني و النقابي مؤسسة « بينتون »:BENETON صلف المسيرين وتواطؤ مدير الاتحاد الجهوي للشغل بالمنستير والضريبة يدفعها العمال المساكين . ندوة « الحوض المنجمي: الحق في الشغل والتنمية العادلة »درب النضال طويل… الصباح:بداية من 2011رحلات جوية مباشرة من تونس نحو كندا، أمريكا واليابان الصباح:العنف الافتراضي يهدد المؤسسات التربوية:!تلاميذ يشهرون بالمربين على «الفايس بوك».. والنظام التأديبي صامت محمد العماري:العودة إلى الوطن قرار فردي.. تماما كما كان « الفرار » منه خلاصا فرديا. ابراهيم بلكيلاني:النخبة الاسلامية  بين الانشغال بالجزئيات و مواجهة التحديات  الدكتور محمد بن نصر:عندما تتصاغر همة العلماء تتعاظم شراهة المستبد د.رفيق عبد السلام:في الحاجة إلى بناء الكتلة التاريخيية الحالة التونسية نموذجا(الجزء الثاني والأخير) الصحبي عتيق:الوسطيّة بين الفكر المقاصدي والفكر الحركي 4/1 د. عبد الستار قاسم:الفلسطينيون بين المصالحة ونقض البيت بلال الحسن:أوباما يواجه نتنياهو داخل ائتلافه الحكومي د. فهمي هويدي:ملعوب أمريكي جديد د. فيصل القاسم:الإعلام العربي صارم ناعم حسب الطلب محسن صالح :الإستراتيجيات التفاوضية الإسرائيلية العشر


(Pourafficher lescaractèresarabes suivre la démarchesuivan : Affichage / Codage / ArabeWindows)To read arabictext click on the View then Encoding then Arabic Windows)  


 منظمة حرية و إنصاف التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس

أفريل 2010

https://www.tunisnews.net/15Avril10a.htm


احتجاز الإعلامي زهيّر مخلوف عدة ساعات


حرر من قبل التحرير في السبت, 24. أفريل 2010 تم إخلاء سبيل الإعلامي والناشط الحقوقي زهيّر مخلوف بعد ساعات من تحويل وجهته من أمام منزله مساء السبت 24 أفريل حوالي الساعة السادسة من قبل أعوان بالزي المدني يتقدّمهم رئيس منطقة برج الوزير ورئيس مركز الأمن بالنخيلات. وقد تم استجواب مخلوف حول تقريرين مسجّلين نشرهما خلال الفترة الأخيرة، قبل إطلاق سراحه في وقت متأخر من الليل. واتهم مخلوف السلطات الأمنية بكونها أقدمت على احتجازه لمنعه من مقابلة محام فرنسي مساء السبت.  وتعرض زهير مخلوف عند نقله من قبل أعوان الأمن إلى اعتداء بالضرب والكلام البذيء.  وكان هذا الإعلامي قد اعتقل لمدة أربعة أشهر أنهاها في شهر فيفري الماضي، على خلفية نشر تسجيل مصوّر عن الحي الصناعي بنابل. (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 24 أفريل 2010)

 


صور من الإعتداء الذي تعرض له المناضل الحقوقي ومراسل السبيل في تونس زهير مخلوف


السبيل أونلاين – تونس   رابط الصور : http://www.assabilonline.net/index.php?option=com_content&task=view&id=7093&Itemid=1   (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 25 أفريل 2010)


الجمعية الدولية  لمساندة المساجين السياسيين 43 نهج الجزيرة تونس/ aispp.free@gmail.com تونس في 25 أفريل 2010 

تواصل اضطهاد  الناشط الحقوقي زهير مخلوف.. !


عمد أعوان البوليس السياسي يوم السبت 24أفريل 2010 إلى اختطاف الناشط الحقوقي والإعلامي زهير مخلوف بعد تعنيفه أمام زوجته وأبنائه، و قد تبين لاحقا أنه قد تم اقتياده إلى مركز الأمن ببرج الوزير ومنه إلى مركز الأمن بالنخيلات من ولاية ريانة ، وقد تم فتح محضرين ضد زهير مخلوف بتهم متعددة منها، ترويج أخبار زائفة ، وذلك  بناءاً على شريطين نشرهما على صفحات الأنترنات و يتعلق المحضرالأول بشريط يعرض قضية الطالبة صابرين الخميري( طالبة محكومة بالسجن مع النفاذ) و يتعلق المحضر الثاني بشريط يعرض قضية السيدة فاطمة تبانة، ولم يخل سبيل زهير مخلوف إلا حوالي منتصف الليل، علما بأن زهير مخلوف كان على موعد لمقابلة عميد باريس للمحامين،  مما يبعث على الظن أن احتجازه كان بنية منع حدوث المقابلة .. والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ، إذ تعرب عن تضامنها مع الناشط الحقوقي زهير مخلوف الذي لم يكد يسترجع أنفاسه بعدالتعرض لمحاكمة كيدية بتهمة ملفقة و بعد قضاء أشهر في السجن ظلما ، فإنها تطالب السلطات بالتوقف عن اضطهاده ووقف المظالم و الإنتهاكات التي يتعرض لها المواطنون بدل الإصرار على اتهام من يفضحونها ..بنشر الأخبار الزائفة.. !

عن لجنة متابعة السجناء السياسيين المسرحين رئيس الجمعية الأستاذ سمير ديلو


الحزب الديمقراطي التقدمي

بلاغ حول اعتقال زهير مخلوف


علم الحزب الديمقراطي التقدمي أن البوليس أقدم اليوم السبت 24 أفريل 2010 على اعتقال الأخ زهير مخلوف الإطار بالحزب والإعلامي المعروف الذي قضى مؤخرا عقوبة بالسجن بموجب قضية كيدية ثمنا لالتزامه السياسي ولنضاله الإعلامي والحقوقي وقد تعرض الأخ مخلوف أثناء عملية اعتقاله اليوم إلى وابل من العبارات النابية وإلى اعتداء بالعنف الشديد تحت أنظار عائلته مما روع أطفاله الصغار وخلف له جروحا ونزيفا بفمه وفق شهادة عائلته والحزب الديمقراطي التقدمي إذ يدين بشدة هذا الاعتقال فإنه يدعو الحكومة إلى إطلاق سراح الأخ مخلوف فورا والكف عن مواجهة تطلعات التونسيين إلى الحرية بالأساليب الأمنية التي لا تخلف إلا مزيدا من التوتر والاحتقان مية الجريبي الأمينة العامة تونس في 24 افريل 2010


الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب:بيان:أحكام قاسية ضدّ الطلبة


علمت الجمعيّة أن محكمة الاستئناف بتونس أصدرت حكمها في قضيّة الطّلبة اليوم 24 أفريل 2010، وقد قضت بتقرير الحكم الابتدائي بخصوص الطلبة الثلاثة المحكومين ببراءة، وبعام سجنا مؤجل التنفيذ بالنّسبة لباقي الطلبة المحالين بحالة سراح. كما قضت بالسّجن لمدّة عام بالنسبة لأنيس بن فرج وعمر إلاهي، أمّا بالنسبة إلى زهير الزويدي وضمير بن عليّة والصحبي ابراهيم وطارق الزّحزاح وعبد القادر الهاشمي وعبد الوهاب العرفاوي، فقد قضى ضدّ كل واحد منهم بالسّجن لمدّة عام وأربعة أشهر. إنّ الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب: تعتبر أنّ الأحكام الصادرة ضدّ الطلبة قاسية وغير قانونية وتأتي عقابا لهم على خلفية نشاطهم النقابي في الجامعة بإتحاد الطلبة، وهي تدعوا إلى إطلاق سراحهم فورا. تونس في: 24 أفريل 2010 الكاتب العام للجمعية منذر الشارني للاتصال بالجمعية : 25339960 – 98351584 – 21029582 (المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 24 أفريل 2010)


نداء من اجل غلق ملف الحوض ألمنجمي


نحن المنظمات والشخصيات الحقوقية الممضية أسفله، وأمام تواصل أزمة الحوض ألمنجمي في تونس متمثلة في:

· تواصل اعتقال  عديد الشبان من المنطقة على خلفية احتجاجهم على البطالة وغياب التوازن الجهوي،

· إحالة  السيد حسن بنعبدالله ، الناشط ضمن أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل، موقوفا على محكمة الاستئناف يوم 27 افريل 2010 بعد أن حوكم ابتدائيا بأربع سنوات سجنا،

· إحالة الصحفي الفاهم بوكدوس ، المتهم بتغطية الأحداث التي جدت في الحوض ألمنجمي ، بحالة سراح على محكمة الاستئناف  يوم 27افريل 2010 كذلك بعد أن حوكم ابتدائيا بأربع سنوات سجنا،

· تتبع السيد محي الدين شربيب ، الناشط الحقوقي بفرنسا المتهم بمساندة التحركات السلمية بالحوض ألمنجمي والمحكوم غيابيا بسنتين سجنا،

· صيغة السراح الشرطي للمسرحين من قيادات التحركات الاحتجاجية في الرديف ورفض إرجاعهم إلى سالف عملهم  ،

· استمرار الحصار الأمني المفروض على العديد من مناطق الحوض ألمنجمي،

فإننا نطالب السلطات التونسية ب:

1. إطلاق سراح كل المسجونين على خلفية التحركات الاجتماعية بالحوض ألمنجمي، 2. إيقاف التتبع ضد السيدين الفاهم بوكدوس ومحي الدين شربيب، 3. سن عفو عام على كل المسرحين من قيادات الحركة بالرديف وإرجاعهم إلى سالف شغلهم ، 4. رفع الحصار الأمني على منطقة الحوض ألمنجمي،

 

الإمضاءات:

 

·       مسعود الرمضاني وعبد الرحمان الهذيلي: اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض ألمنجمي، ·       ناجي البغوري وزياد ألهاني ، النقابة الوطنية للصحافيين ·       محمد العيادي : المرصد الوطني للحقوق والحريات النقابية، ·       عبد الستار بن موسى : العميد السابق للمحامين ، عضو هيئة الدفاع ، عضو اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض ألمنجمي ·       سهام بن سدرين، المجلس الوطني للحريات بتونس ·       عمر المستيري ، مدير راديو كلمة ·       نزيهة رجيبة – أم زياد ، المرصد الوطني لحرية الإبداع والنشر والتوزيع ·       الحبيب الحمدوني ، رابطة الكتاب الأحرار ·        علي بن سالم ، الودادية الوطنية لقدماء المقاومين ·       المنذر الشارني ، الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب ·       كمال الجندوبي : رئيس لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان بتونس، ·       طارق بن هيبة : رئيس الفيدرالية الدولية من اجل مواطنة بين الضفتين ، باريس


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان – فرع القيروان 23 افريل 2010 بيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان


دعت لجنة العمل الديمقراطي المشترك بالقيروان ، المتكونة من منتمين إلى أحزاب سياسية ومستقلين،  إلى ندوة اليوم السبت 23 افريل  2010 حول الواقع الطلابي وذلك  بمقر حركة التجديد بالقيروان . إلا ان قوات الأمن  لم تكتف بمنعه بنشر الحواجز الأمنية في الطرقات  المؤدية للمقر، بل أنها منعت العديد من النشطاء حتى  من مغادرة منازلهم بدعوى « تطبيق الأوامر »، ويمثل هذا  المنع اعتداءا على حق الأحزاب القانونية في تنظيم اجتماعات عامة  بمقراتها ، كما يمثل انتهاكا لحقوق المواطنين في التنقل والتعبير والاجتماع بالأماكن العمومية لذلك ندعو السلطات الأمنية في البلاد للالتزام بالقوانين  واحترام حقوق المواطنين والكف عن التذرع بالتعليمات.

عن هيئة الفرع مسعود الرمضاني

 


أمسية تضامنية بباريس دعوة مفتوحة للجميـــــــــــــــــــــــــــــــع


أمسية تضامن مع معاناة المواطنين التونسيين الواقعين تحت إجراءات المراقبة الإدارية المؤبدة : الخميس 29 أفريل 2010 ابتداء من الساعة  18h30 Salle AGECA 177 rue Charonne 75011 Paris Metro Ligne 2Station Alexandre Dumas.

سيكون اللقاء فرصة لتقديم ومناقشة الكتاب / الوثيقة الصادر مؤخرا عن الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين بعنوان:  » مواطنون تحت الحصار ، المراقبة الإدارية في تونس  » يهدف هذا اللقاء أساسا إلى إطلاع المهاجرين التونسيين بفرنسا والجاليتين العربية والإسلامية والرأي العام الفرنسي والدولي على معاناة سجناء الرأي السابقين والمعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في تونس (المراقبة الإدارية-الحرمان من الحقوق المدنية – الاضطرار للهجرة …).

بإشراف :

– الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين،  – جمعية التضامن التونسي، – اللجنة العربية لحقوق الإنسان ، – جمعية صوت حر، – المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين،

 

(في الحضور تأييد للقضية وإسهام في تخفيف معاناة أصحابها)


الاتحاد العام لطلبة تونس يحتجّ على تواصل تدهور الخدمات الإدارية بالمعهد العالي لإطارات الطفولة قرطاج درمش الاتحاد العام لطلبة تونس – المؤتمر الوطني الموحد المعهد العالي لإطارات الطفولة قرطاج درمش بيان


خاض طلبة المعهد العالي لإطارات الطفولة بقرطاج درمش اعتصاما مساء يوم الخميس 22 أفريل 2010 تواصل إلى حدود الساعة الخامسة مساءا من نفس اليوم، احتجاجا على تواصل تدهور الخدمات الإدارية بالجزء، واستنكارا لتزايد انتهاكات بعض الإداريين والعملة لعديد الطلاب، حيث كانت تصرفات الموظفة الإدارية المكلفة بتقديم الكتب والمراجع للطلبة « القطرة التي أفاضت الكأس »، بتكرار سوء معاملتها واستخفافها بالطلبة في أكثر من مناسبة، وهو ما أصبح بمثابة الثقافة المستشرية في هذا الجزء على أكثر من جهة. كما سبق وأن تقدمنا (الاتحاد العام لطلبة تونس) بلائحة مطالب إلى إدارة المعهد، لخّصنا فيها جملة المشاكل التي يعاني منها الطلبة، فمنها البيداغوجي، ومنها المادية (البنية التحتية المهترئة، عدم تواجد تجهيزات ومعدات كافية للبحوث والعروض…). هذا وتواصل الإدارة غضّ النظر على إصلاح جملة الأخطاء التي وقعت في احتساب أعداد السداسي الأوّل، بالرغم من لفتنا لانتباه الإدارة لضرورة إصلاح الأخطاء في أكثر من مناسبة. وعليه فإن المكتب الفيدرالي للإتحاد العام لطلبة تونس بالمعهد العالي لإطارات الطفولة بقرطاج درمش:  يطالب إدارة المعهد بوجوب الإصغاء لمشاكل عموم الطلبة عبر ممثليهم بالاتحاد العام لطلبة تونس، باعتباره الممثل الشرعي والوحيد لعموم الطلاب.  نعبّر عن استنكارنا لممارسات وسلوكات بعض العملة والإداريين تجاه الطلبة، مما يحد من الاحترام والتقدير.  نطالب الإدارة بتنفيذ كل الوعود والاتفاقات السابقة مع مسئولي الاتحاد بالجزء، من التعجيل بإتمام إصلاح البنية التحتية، وتوفير قاعة تمريض، تأثيث قاعة الانترنت بتوفير حواسيب إضافية للأربعة حواسيب « اليتيمة » المتوفرة لاستعمال ما يقارب عن 1200 طالب. !!  التعجيل بتحضير بطاقات أعداد السنة الجامعية الفارطة وتقديمها للطلبة، والكف عن مثل هكذا تأخير.  دعوتنا الملحّة للحد من الأخطاء التي وقعت في احتساب أعداد السداسي الأوّل، والتّعجيل بإصلاحها. ندعو كل الطلبة إلى مزيد الالتفاف حول الاتحاد العام لطلبة تونس بما يضمن لهم التصدّي لكل أشكال الاعتداء والمسّ من حقوقهم ومصالحهم. عاش الاتحاد العام لطلبة تونس حرّا مناضلا مستقلا تونس في: 23 أفريل 2010 عن المكتب الفيدرالي للمعهد العالي لإطارات الطفولة بقرطاج درمش (المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 24 أفريل 2010)


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع قليبية قربة اليوم العالمي للشبيبة المناهضة للإمبريالية 24 أفريل


من المؤكد وأن الشبيبة المناهضة للإمبريالية تتحرك اليوم، عالميا، بوازع من رصيدها الفكري النضالي، وهي تعيش ترديا مأساويا في أوضاعها، والرأسمالية المتوحشة تسدّ في وجهها كل الآفاق، وتحاول إلهاءها بشتى الطرق لتُميّع وعيهاوتخرّبه بالكثير من المغريات. وإن احتفالنا مع الشبيبة بيومهم العالمي سيكون هذه المرة بطريقة أخرى نقوم فيها بشيء من الإستذكار، متمثلا في كتاب » الإمبريالية أعلى مراحل الراسمالية » لقائد ثورة اكتوبر1917 وفيه فضح اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 التي قامت على اقتسام تركة الرجل المريض( الخلافة العثمانية تركيا) وما حصل في سوريا ولبنان وفلسطين، وهذه النزعة اإمبريالية، تسعى هذه الأيام إلى إعادة تقسم العالم، و  » المشطرة » واضحة وضوحا، دمويا » شديدا،كما نراها في افغانستان، والعراق، ومخالبها متحفزة لفتح جبهة أخرى في إيران، واستعداداتها حثيثة في قواعدها العسكرية بالسعودية والكويت وعُمَان، وفي البحار والمحيطات. وهم يسعون إلى تحقيق أهدافهم، » بالحديد والنار » (كما يقول عن أسلافهم ، إنجلز،صديق كارل ماركس، في كتابه » ضد دوهرينق » ). وبما أن الشبيبة ، بما تملكه من شجاعة وإقدام، لا تبقى متفرجة على مخططات القتلة ومصاصي دماء الشعوب، وهي ستنظم في هذه الذكرى العديد من المهرجانات للتذكير بالشناعات التي يقترفها هؤلاء المجرمون ضد الشعوب، ألم تروهم ينتقلون إلى كل مكان من العالم لملاحقة أقطاب الإمبريالية، والتظاهر قرب مقرات اجتماعاتهم حيث يخططون إلى الإستحواذ على عالمنا وإحكام السيطرة عليه وإغراقه في أزماته المالية والإقتصادية؟ وهنا لا ننسى  » الأممية الثالثة » وما جرى فيها من مساندة وتشجيع لحركات التحرر الوطني وما أثمرته من مَدٍّ لحركات التحر رالوطني، وضربها للإستعمار في إفريقيا وآسيا وغيرهما. وعلينا أن نتساءل: كيف سيحتفل شبابنا هذه السنة باليوم العالمي للشبيبة المناهضة للإمبريالية، وهو جزء من شبيبة العالم وقد كان فعّالا أثناء تحركاته في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي؟ فقط نحن نسأل، ومن يسأل لا يتيه، واسألْ مْجرّب وما تسألش طْبيبْ، والفاهم… يفهم حيث أعداد لا تحصى منهم في السجون والسرية وخاضوا ملاحم نضالية… 23 أفريل2010 رئيس الفرع : عبد القادر الدردوري

 


مؤتمر أحزاب وجمعيات الخضر إفريقيا – أوغندا


التأم مؤتمر أحزاب وجمعيات الخضر في القارة الإفريقية من يوم 15 إلى 20 أفريل 2010 في مدينة « عين طيبة » « Entebbe » في اوغندا وقد جمع هذا اللقاء 73 ممثلا لكافة القارة الافرقية. ومثل تونس حزب تونس الخضراء المنسق العام عبد القادر الزيتوني في حين رفض حضور  » حزب » الخماسي باعتباره ليس حزبا معارضا مستقلا و هو حزب السلطة. ولقد تمخض المؤتمر عن قرارات هامة منها اعادة تاسيس الفيديرالية الافريقية وتم تعيين مجلس لتسييرها وعيّن ممثل « تونس الخضراء » عضوا كاملا في هذا المجلس وتم اختياره منسقا لمنطقة شمال افريقيا. وياتي هذا التتويج يوم 19 افريل بالتحديد وهي الذكرى السادسة لتاسيس حزب « تونس الخضراء » الشىء الذي يدعمه مساندة فصائل المجتمع المدني والاحزاب الديموقراطية الى جانب حركة الخضر الإفريقية و الأوروبية و العالمية. وبهذه المناسبة نحن نعلن مواصلتنا العمل الى جانب كل فصائل المجتمع المدني والاحزاب من اجل ارساء الوحدة المنشودة وتاسيس البدائل المطلوبة في هذه المرحلة. كما نحيي ايضا كل مناضلي ومسيري الاحزاب وفصائل المجتمع المدني لوقوفهم معنا طيلة هذه السنوات الصعبة ونعدهم باننا سوف نعمل معهم لتوحيد صفوفنا لان الخضر هم دائما قوة بناء فاعلة من اجل مصالح بلادنا في الداخل والخارج.   المنسق العام حزب « تونس الخضراء  » عبد القادر الزيتوني عضو الحزب الخضر الأوروبي عضو الفيدرالية الإفريقية للخضر عضو « Global Greens » الهاتف الجــــوال : 00216 98 510 596 البريد الالكتروني :  Tunisie.verte@gmail.com هاتــــف/فاكــــس : 00216 71 750 907

 


وفاة والد الشاب وليد جراي بعد عودته من فترة علاج بالعاصمة


السبيل أونلاين – تونس – عاجل   توفي اليوم السبت 24 أفريل 2010 ، ببنقردان والد سجين الرأي السابق وليد جراي وذلك بعد عودته بحوالي عشرة أيام من فترة علاج من داء السرطان في مستشفى الرابطة بالعاصمة تونس ، وسيشيع جثمانه غدا على الساعة 9 صباحا بمقبرة المدينة الواقعة بجنوب شرق البلاد .   وخلال فترة اقامة والده بالمستشفى منع وليد جراي من زيارته وقد راسل السلطة الأمنية بجهة بنقرادان وكذلك وزارة الداخلية للسماح له بعيادة أبيه ولكن دون جدوى .   يذكر أن وليد اعتقل مساء الجمعة 19 فيفري 2010 ، من طرف مركز الحرس ببنقردان وأحيل على المحكمة بتهمة « عدم الامتثال للمراقبة الإدارية » ، وذلك بعد أن نقل والده إلى مستشفى الرابطة بالعاصمة للعلاج ، وأصدرت محكمة الناحية ببنقردان بتاريخ 05 مارس 2010 ، حكما ضده بشهر سجن نافذ .   وعلى الرغم من أنه سجل حضوره في مركز الحرس ببنقردان ووقّع على المراقبة صباح الخميس الموافق لـ 18 فيفري الماضي ، وأعلمهم بأنه وحيد وابويه وأنه سيرافق والده إلى مستشفى الرابطة بتونس العاصمة أين سيقيم لفترة هناك للعلاج ، وبعد عودته من تونس إلى بنقردان يوم الجمعة في حدود العاشرة ليلا توجه مباشرة إلى مركز الحرس لتسجيل حضوره ضمن المراقبة الإدارية اليومية فتم إيقافه على الفور .   وكان وليد بن الطاهر الجراي ، حوكم سابقا وأطلق سراحه في أفريل 2009 ، وتعلق به ملحق للحكم (5 سنوات مراقبة ادارية) ، وهو يسجل حضوره يوميا في مركز الحرس ببنقردان منذ خروجه من السجن .   بالتعاون مع الناشط الحقوقي سيد المبروك – تونس   (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 24 أفريل 2010 )


من أجل مبادرة شعبية لمقاومة الحجب الالكتروني في تونس


طارق الكحلاوي أعتقد أن الظروف بدأت تنضج لقيام مبادرة شعبية (حقيقية و ليس شعاراتية) لمقاومة الحجب الالكتروني في تونس… أقول ذلك بالاعتماد على معطيين: الأول هو اتساع حالة الحنق و التبرم من الحجب الالكتروني بما يمس قطاعات واسعة بما في ذلك الشباب « غير المسيس ».. و يمكن تحسس ذلك خاصة من خلال منابر تفاعلية واسعة مثل صفحة « تونس » (في فايسبوك، أكبر صفحة تونسية تعد أكثر من 200 ألف عضو) بما في ذلك النقاشات الاخيرة التي تمت على هذه الصفحة فيما يخص هذا الموضوع http://www.facebook.com/photo.php?pid=3775570&id=99328877514&ref=mf و من الواضح أن في هذه النقاشات هناك مسألة أساسية بصدد التحقق و هو اقتناع بعض من مستعملي الانترنت أن الحل لا يكمن في إيجاد « بروكسي » بل في مبدأ حق التعبير و الابحار في الانترنت و مقاومة الحجب ذاته و محاولة محاصرته… هذا التحول البطيئ لكن المهم يجب الانتباه اليه و تعزيزه في رأيي المعطى الثاني هو تكثف و اتساع سياسة الحجب خلال الاسابيع الأخيرة بنسق غير مسبوق ليشمل مواقع ذات شعبية و تمس ذات القطاعات المشار اليها أعلاه (أي الشباب « غير المسيس ») بما في ذلك صفحة « تونس » المذكورة أعلاه و مواقع تقاسم الفيديو و مواقع اخبارية بالفرنسية واسعة الانتشار… في هذا السياق « المرصد الافتراضي » و هي مبادرة ايجابية أسست بالأمس (من أجل تحديد/تحيين قائمة المواقع المحجوبة) من المؤمل أن تهدف إلى محاولة توحيد الجهود في هذا الاطار… اذ ليس من المفيد أن يقع تكرار هذه القوائم بشكل منفصل عن جهود سابقة http://www.facebook.com/group.php?gid=118669994810664 الآن ماذا يجب/يمكن أن نفعل؟ التحدي الأساسي المطروح تونسيا هو الحاجة لتحول موضوع الحجب من مشكلة فردية إلى مشكلة جماعية.. اي من مشكلة تجد حلها في البروكسي إلى مشكلة تستوجب احتجاجا جماعيا يحقق ضغطا على جهاز الحجب و من ثمة البدئ في مسار تحرير الانترنت من الحجب غير القانوني و المؤسساتي كنت أطرت هذا الموضوع في السياق التونسي سابقا http://www.facebook.com/notes/tarek-rq-kahlaoui-lklwy/mqtrt-lltqdm-mly-fy-mwjh-w-ljb-llktrwny/402664910801 و أهم نقطة هي موضوع سرية جهاز الحجب و بالتالي امكانية تهربه من أي افعال تعتبر تعديا على مبادئ الدستور و القانون و خاصة مبدأ حرية التعبير… إذ هناك توزازن ضروري في رأيي يجب التشبث به و هو أن مقاومة الحجب السياسي و غير المؤسسساتي يجب أن تكون مترافقة مع الاقرار بضرورة وجود حجب معقلن… إذ في تونس نحن في مرحلة عقلنة الحجب من أشد المهام الملحة الآن هو أن يشعر مستعمل الانترنت بأن هناك وسائل قانونية و سلمية و مواطنية لمقاومة هذا الحجب و خاصة بأن يشعر بحالة تضامن جماعي في هذا السياق.. و هنا نحن لسنا إزاء موضوع مقاومة الحجب فحسب بل إزاء معضلة التأسيس لمبادرات مواطنية سلمية و جدية تعطي الثقة لدى الناس في أهمية التحرك الجماعي و على هذا الأساس فالهدف من اي مقترحات عملية يجب أن يستهدف أساسا التأسيس لهذه الثقة من خلال مبادرات بسيطة و لكن مؤثرة بقياس ظروف هذه المرحلة… كنت طرحت بعض هذه المقترحات أكررها هنا الخطوة الأولى بدء حملة لوضع العنوان الالكتروني لوكالة الانترنت التونسية و رقم هاتفها و حث مستعملي الانترنت للاتصال بهم بهدف المطالبة بالكشف على الشخص (أو مجموع الاشخاص) المكلفة بالحجب في السرية بشكل معادي للدستور و لقوانين الجمهورية بما يجعلهم خارج القانون.. الخطوة الثانية عريضة.. و نقوم بوضعها في مدونة خاصة تعنى بتنظيم الأنشطة حول هذا الموضوع الخطوة الثالثة تشكيل لجنة لا تدعي الحديث باسم مستعملي الانترنت لكنها تقوم بتنظيم المتضررين من الحجب الالكتروني… الخطوة الرابعة و هي خطوة تستهدف تتويج الخطوات الثلاث بعد خلق حالة من الحشد و التركيم رفع قضية تضم عددا محترما من الأفراد و لا تستهدف الفرقعة الاعلامية فحسب بل إعداد ملف قانوني جدي حول الموضوع… هذه الخطوات المتصاعدة يجب أن تكون مترافقة مع حملة متواصلة في المنابر الاعلامية التقليدية و أضيف إلى هذه المقترحات مقترحا أراه مهما للغاية و يجعل أي مبادرة لمقاومة الحجب ليس موضوعا افتراضيا فحسب بل موضوعا يتجاوز المجال الافتراضي… أقترح إيجاد شعار مبسط محدد مرئيا يمكن رسمه باليد… و أن يخرج هذا الشعار إلى الشارع بأشكال بسيطة.. على القمصان أو أي اشكال أخرى نترك ظروف إبداعها لكل شخص… تركيز مقاومة الحجب في شعار مرئي مبسط مهم للغاية كأحد الطرق لجعل هذه المقاومة ذات طابع شعبي/شبابي سلمي مبسط… و لما لا نرى هذه الرموز المبسطة مثلا في مدارج ملاعب الكرة أو في مدارج مهرجانات غنائية.. إلى غير ذلك من المجالات التي تتيح رواجا أكبر و ظهورا مستمرا في المجال البصري العام في كل الأحوال من الضروري و من الملح عدم التراخي في الظروف الراهنة و الاستفادة منها لتحسين وسائل مقاومة الحجب.. أعتقد من الضروري في هذا السياق الانخراط في كل النقاشات المطروحة في الانترنت التونسي لأجل هذا الهدف. (المصدر: مدونة طارق الكحلاوي بتاريخ ٢٤ أفريل ٢٠١٠) الرابط:http://tarek-kahlaoui.blogspot.com/2010/04/blog-post_24.html


لأول مرة عمار منصور يتكلم : أدب السجون لا يكون إلا من أدب التحرّر والحرية


عمّار منصور … من كان ينتظر أن يتكلم عمار منصور في يوم ما عن تجربته السجنية وتجربته الشعرية وموقفه من أدب السجون في تونس بشقيه، أدب المسؤولين السياسيين، وأدب الرفاق، رفاق حركة آفاق، رفاق سجن 9 افريل … كنت دائما أراه متوغلا في صمته وتأمله، ولم أكن أنتظر ـ كغيري ربّما ـ أن يتحدث إليّ في أكثر من جلسة واحدة لولا إصرار أحمد حاذق العرف . فكان هذا الحوار الذي بين أيديكم . من مساوئ الذاكرة الجمعية أنها تتجاهل أو تتناسى من يساهمون في صنع التاريخ في صمت … أنت كنت واحدا ممن ناضل في صمت ويبدو أنك تمرّ في صمت أيضا؟ ـ نحن لا نتخاصم على « تركة » تاريخية. أنا لا أتحدث عادة عن السجن في علاقاتي الشخصية والمهنية ولذلك فالكثير من الناس يستغربون دخولي السجن. أعتقد أن التجربة أو المحنة التي مررت بها لم أخضها من باب الطموح الشخصي الضيق، وإنما من باب القناعات الفكرية والوجودية بالأساس وبدرجة أقل سياسية. لذلك أعتقد، ولا أدّعي، أن ما قمت به ليس (مزية) على هذه البلاد أو على أي شخص كان، وإنما أعتبرها محاولة بسيطة لإرضاء ضميري الحائر إلى درجة العذاب والذي لا يزال كذلك إلى الآن، معذب من عديد القضايا الوجودية سواء محلية أو قومية أو أممية وأعتقد أنها تشكل بؤرة التوتر في حياتي إلى اليوم، ولربما على هذا الأساس، فإن تجربتي السجنية، وكذلك الاشعار التي كتبتها وأنا داخل السجن لم يطّلع على بعض جوانبها ـ بل لم يسمع بها كثير من الأصدقاء والزملاء إلا فيما شذّ وندر ـ إلى درجة أن بعض الناس يستغربون تمام الاستغراب إذا ذكر بعضهم أن فلانا شاعر أو كان سجينا سابقا. كأنني دفنت نفسي بنفسي أو كأني خرجت من سجن لأدخل إلى آخر. أمقت الافتعال والتصنّع وقد أكون مخطئا في هذا وقد يعود ذلك إلى حكم سلبي مطلق على تجربتي من ألفها إلى يائها ولكنه في الحقيقة يشكل احتراما فعليا لتلك التجربة. ولكن كل المناضلين أو لنقل جلهم خاضوا تجاربهم أيضا انطلاقا من قناعاتهم، كما أنهم يحترمون تجاربهم فعليا دون تصنع أو تكلف؟

ـ إذا كان الأمر كذلك مع كل السجناء السياسيين السابقين دون استثناء فهذا أمر مشرف لهم ومشرف للوطن. طيب، لنعد إلى قابس وما قبل قابس؟ ـ إنها عودة « إلى الوراء » زمانيا لأكثر من نصف قرن (1955) حينما كانت الحركة الوطنية في تونس والعالم العربي في أوج فعلها التحرري أذكر أنني (ولم أكن قد إلتحقت بعدُ بالمدرسة الابتدائية بقرية المنصورة) استمعت ذات صباح إلى ضوضاء رهيبة وعلمت فيما بعد أنها مظاهرة ضد الاستعمار الفرنسي فلم أشعر إلا وأنا أختطف من أميّ أداة حادة كانت تستخدمها في نسج الصوف وقفزت من سطح الدار وخرجت لألتحق بجموع المتظاهرين . لقد نشأت في مناخ وطني متحرك خاصة وان أبي نفسه محمد بن منصور قد كان من أول مؤسسي شعبة الأعراض بالجنوب التونسي والتي كانت لها علاقة وثيقة بالمقاومين مثل بلقاسم البازمي والساسي الأسود والطاهر الأسود والحبيب شقرة. أذكر أن والدي كان يعطيني سلة لأجلب له الفلفل من بستاننا لأعطيه للفلاڤة خلسة. عندما إلتحقت بالتعليم الابتدائي تشبعت بالأناشيد الوطنية التونسية والعربية، وهناك قصائد أحفظ منها الكثير الى الآن للشابي وحليم دموس وحافظ ابراهيم واحمد شوقي وجميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي … في مرحلة الثانوي بالمعهد المختلط بقابس (62 / 63) تعرفت على عدد كبير من التلاميذ من مختلف ولايات الجنوب أذكر منهم سجناء سياسيين فيما بعد مثل عمار الزمزمي ونور الدين بعبورة وبولبابة بوعبيد، أما محمد معالي فكان زميلي من فترة التعليم الابتدائي وتعرفت ايضا على التلميذ أحمد حاذق العرف الذي أضحكنا كثيرا على شخصية ( شلُكْة ) وهو قيّمٌ عام . هذه الفترة كانت أخصب فترة من حيث المطالعة فقد كنا نتداول الكتب أكثر من تداول الجوعى للخبز . في ظرف ثلاث سنوات قرأنا مئات الكتب . إلى أي الاتجاهات أخذتك الكتب؟ ـ حملتني الأفكار إلى نثر نقاط الاستفهام وطرح الأسئلة وتوليد الأسئلة من الأسئلة. في تلك الفترة اطلعت تقريبا على المدونة الأدبية والنقدية العربية بالخصوص من الجاهلية حتى مجلة آداب لسهيل إدريس ثم دخلت عالم الأدب الفرنسي.

وأيضا حملتك إلى ظلمة السجون؟ ـ يمكن أن يكون ذلك صحيحا بنسبة كبيرة، فجدتي رحمها الله سمعت أنني نشرت قصيدة في إحدى الجرائد اليومية فلم تفرح بل حزنت وتوقعت مصيرا غير سار لحفيدها عمّار، ولعل هذا ما جعل عمار يرثيها في قصيدة مطولة عندما أدركتها الموت وهو في السجن. وكان قد بعث لها في إحدى رسائله سلاما لكنه لم يصل (بلّغتكُ السلام فلم يصل ). في خضم عالم القراءات وفورة الحركات التحررية الوطنية في كافة أنحاء العالم وخاصة بعد هزيمة 67 اتصلنا بالفكر الماركسي عن طريق نصوص مبرمجة في كتب الفلسفة أولا ثم عن طريق مترجمات مشرقية لكلاسيكيات الماركسية، وفي تلك الفترة، وأنا بين البورقيبة والناصرية واليوسفية والماركسية انتقلت الى الجامعة التونسية والتحقت بكلية الآداب والعلوم الانسانية ( 9افريل) بعدما تحصلت على شهادة الباكالوريا في الفلسفة والآداب الأصلية . في الكلية درست الآداب العربية، وفي شوارع العاصمة انفتحت الآفاق رحبة . كنت أتصوّر قبل الالتحاق بالكلية أن صفة طالب تعني بالضرورة صفة ثائر، ومن البداية تعرفت على عدد كبير من الطلبة سرعان ما تجاوبنا معا لتشابه مراجعنا وقراءاتنا وخلفياتنا الفكرية وطموحاتنا . في تلك الفترة تعرفت على « الشيخ » الهاشمي الطرودي وكان شابا ذكيا وحركيا ومن خلاله تعرفت على الرفيق محمد بن جنات الذي كان يتقد حماسا ويتمتع بنوع من الكاريزماتية والنجاعة العملية، ثم أصبحت أسكن معهما في نهج أحمد التليلي. منذ سنتي الأولى كنت عضوا في اتحاد الطلبة وكنت أيضا في التنظيم السري (آنذاك) لحركة آفاق بعد ان حسمت أمري من اختلاط البورقيبة واليوسفية والناصرية والماركسية لصالح الأخيرة. عشت وساهمت من بعيد في مؤتمر قربة وحركة فيفري 72 وحركة ماي 73 . ليلة 18 نوفمبر 1973 دخلت السجن؟

ـ قُبض عليّ. لم أدخل طوعا إلى السجن. أُدخلت إلى سجن 9 افريل في الزنزانة رقم 6 ومنها إلى الزنزانة عدد 17 (قد تكون الزنزانة عدد 5 فعذرا على الذاكرة المهترئة) قبلها بقينا تقريبا ثلاثة أشهر في مكاتب ودهاليز وزارة الداخلية التي كان على رأسها الطاهر بلخوجة آنذاك . أثناء الاستنطاق تعرضت كغيري من الرفاق إلى تعذيب شديد اكتسى مظاهر متعددة لعل أشنعها التعليق على طريقة « الهيلكوبتر » وهي طريقة بلغنا إنها مستوردة من أمريكا اللاتينية حيث تُربط يدا السجين وساقاه بإحكام شديد ويتم تعليقه على عمود ثابت وتوضع على فمه « كمامة » فتصير قدماه إلى أعلى ورأسه إلى أسفل ويتداول عليه جلاّدان بالهراوة وهي أنواع متعددة هي الأخرى (الهراوة المطاطية والهراوة الخشبية) ومن أبرز الجلادين الذين أحتفظ الآن بأسمائهم محسن ولد الصغيرة وثان ينادونه « سكابا » وثالث اسمه نور الدين ولا أذكر لقبه ولكن أذكر جيدا انتشاءه بالتعذيب بالغناء نكاية فينا. من بين أشكال التعذيب أيضا ضرب العضو التناسلي للسجين بعصى مطاطية مما جعلني أتبوّل الدّم سبعة أيام متتالية وانتفخت رجلاي ويداي وتقيحت، وفقدت أظافري وطيلة فترة زمنية لم أعد قادرا على الذهاب الى دورة المياه الا بمساعدة شرطيين بالزي ممن كانوا يتولون حراستنا بعد الجلادين وكان بعض هؤلاء لا يخفى تعاطفه معنا خاصة وان منهم شباب تلمذي شارك في حركة فيفري 1972 واضطر للالتحاق بسلك الأمن لأسباب قاهرة . ظللت أكثر من شهرين لم يلمس الماء جلدي حتى أن بعض الحشرات كالقمل والبق بدأت تعشش في فُرُشِنَا وأجسادنا ويوم نُقلنا الى « دوش » السجن المدني بـ 9 أفريل لم تدم حصة التطهير تلك أكثر من خمسة دقائق بحيث أن الاوساخ تحيّرت ولكنها بقيت بأجسادنا ممّا ضاعف من وسخنا وآلامنا، وكأن « الدوش » كان نوعا من أنواع التعذيب بل هو كذلك. أشعلوا النار في شعر عانتي، عشت على « الراڤو » لمدة شهر تقريبا ومع ذلك فقد كنا صامدين أمام القمع والتعذيب داخل دهاليز وزارة الداخلية بحيث كنا نؤلف الأناشيد الثورية ونلحنها وننشدها بكل قوة ليلا نهارا مما يثير الهلع في صفوف الحراس وموظفي الداخلية الكبار ومن الأناشيد التي ألفتها وأنا في الزنزانة وأَنْشَدَهَا الكثير من الرفاق السجناء وانتشرت داخل وزارة الداخلية . كتبتُ (إلى اللقاء، إلى اللقاء يا أيها الرفاق / سوف النضال يجمع شملا بعد الفراق / سنلتقي سنلتقي في جبهة النضال / في حزبنا حزب الملايين من العمال…) وهي معارضة لنشيد كنا حفظناه في التعليم الابتدائي يقول مطلعه « الى اللقاء، الى اللقاء يا أيها الإخوان »… إذن كنت تكتب داخل زنزانتك؟

قبل الدخول الى السجن كانت لي تجارب شعرية ومحاولات عديدة انطلقت من التعليم الابتدائي ولكنها في بداية التعليم الثانوي بدأت تتبلور في اتجاه رومنطيقي صوفي وقد نالت بعض قصائدي جائزة الجمهورية على مستوى الشبيبة المدرسية في مناسبتين متتاليتين أذكر منهما قصيد »ثورة مجنون« ونشرت عدة قصائد في الصحف (جريدة الصباح، مجلة فكر) ثم لما إلتحقت بالجامعة وتحديدا كلية الآداب والعلوم الانسانية 9 افريل في السنة الدراسية 69 / 70 تعرفت على العديد من الشعراء الطلبة مثل المرحوم الطاهر الهمامي والمنصف الوهايبي والطيب الرياحي وبدأنا نتصل بكثير من النقاد والشعراء المعروفين الذين بدأوا يؤسسون لما يسمى بالطليعة الأدبية مثل ابراهيم بن مراد ومحمد الصالح بين عمر والحبيب الزناد وسمير العيادي وأحمد مختار الهادي فضلا عن أحمد حاذق العرف وشاعر اخر نسيت اسمه كان يشتغل في الحرس الوطني!!! (عذرا تذكرت اسمه، خالد التومي ). وقد تزامنت هذه الموجة « الطليعة » مع انهيار نظام أو سياسة التعاضد مع أحمد بن صالح فبقدر ما كنا مستائين من سياسة احمد بن صالح التجميعية المفرطة وغير المبنية على وعي الفلاحين، كنا نتعاطف معه وحرصنا على حضور محاكمته باعتبار انه لم يكن المسؤول الاول عن تلك السياسة الفاشلة، وفي خضم تلك الأحداث كتبت أنا والمنصف الوهايبي أول قصائد جماعية بمجلة »فكر« والملاحظ هنا أن هذه المجلة تفتحت في تلك الفترة بالذات على الطليعة ونشرت الكثير من النصوص الجريئة، كما كتبنا مجموعة قصائد جماعية ايضا سنة 1970. أذكر مقطعا من قصيدة كتبتها دفاعا عن بن صالح باعتباره مظلوما أقول فيها : ( حياتكم أفيون / وفكركم عاطل / فحكمّوا المجنون / وحاكموا العاقل …. وأذكر مقطعا آخر يعبّر عن تبرّم الناس من الوعود التي لم تتحقق الا من خلال أبواق الدعاية: (عُوّدتُ بالخضوع / عُوّدتُ بالقناعة / عُوّدتُ أن أرتقب الموعد ألف ساعة / وكنت حينما أجوع / أقتاتُ من برامج الاذاعة). هذا قبل السجن، ولعل هذه الأشعار والأفكار هي التي أفضت بي الى السجن. أنا سألتك عن الكتابة داخل الزنزانة؟

ـ في البداية مُنعت عنا الاقلام والأوراق والكتب ورغم ذلك كتبت برماد السجائر على أوراق علب الدخان ومختلف أنواع الأوراق الاخرى ومن ذلك قصيدة ـ وقد ضاعت ـ عنوانها »قائمة الممنوعات« أقول فيها (ممنوع ممنوع… الحاكم يحكم والشعب قطيع… مكتوب بالحبر… مكتوب بالطين على كل جبين… يدق بناقوس الانذار… كلما التقى اثنان… وكلما تحركت شفتان) هذه القصيدة كان يقرؤها الرفيق نور الدين بن خضر رحمه الله وهو ملقى على بطنه في أوج الشتاء بصوت مرتفع وجهوري ليبلغها إلى باقي سجناء السجن المدني عبر الفجوة التحتية لباب الزنزانة (صوته إلى الآن يرن في أذني ).

كيف كانت تصلكم الكتب؟ وهل تذكر بعض العناوين التي قرأتها داخل زنزانتك؟

ـ أثناء مرحلة كاملة في السجن المدني بدأنا نناضل نضالا مريرا من اجل المطالبة بالكتب والأقلام والأوراق، خضنا إضرابات جوع من أجل الحق في المراسلة والكتابة والقراءة وبعد عدة إضرابات جوع تمكنّا من حق الكتابة لأفراد عائلاتنا لكن الكتب لم يسمح لنا بها إلا بعد إضرابات جوع عسيرة ومضنية، ولم نتحصل على الكتب إلا بعدما تم نقلنا إلى برج الرومي . وقد زوّدنا الرفاق من خارج السجن ومن خارج البلاد أيضا بعناوين محترمة من الكتب في مجالات متعددة تتراوح بين التسلية مثل الروايات البوليسية والروايات العالمية بل أمهات الروايات العالمية من الروسية إلى الألمانية والأنڤليزية والفرنسية والعربية وروائع الشعر العالمي فضلا عن الكتب السياسية وتحديدا الماركسية منها، بما فيها رأس المال لكارل ماركس وديالكتيك الطبيعة لأنجلز . والكتابة داخل الزنزانة؟

ـ منذ بداياتي الشعرية الأولى، وأنا فتى اقترن، الشعر عندي بالمعاناة والحياة بحيث إنني كنت ـ ومازلت ـ أعجز تمام العجز عن الفصل بين القول والفعل . فالشعر عندي ليس مجرّد معالجة لسانية أو استهاميّة للوجود وإنما كان مغامرة أخوضها بقولي ووجداني وفعلي ولذلك فقد كنت متأثرا بالشعراء الفرسان والمتصوفين حتى البطولات الإنسانية المثالية التي كثيرا ما كان يسخر منها بعض النقاد « الموضوعيين » بل وحتى الأساطير والرموز … كنت أتمثلها واقعا لا ينفصل عن الجسد ولعل هذا ما حدا بي الى مواصلة الكتابة في السجن باعتبارها فعل مقاومة وإيمان وصدق … وقصائدي التي كتبتها على أوراق السجائر ولا أقصد أوراق علبة السجائر بل لفافة السيجارة، كنت أحرم نفسي من لذة التدخين وأتلف التبغ لأغنم ورقة السيجارة وأصيرها ورقة كتابة قابلة للتهريب خارج السجن… وتمكنت بهذه الطريقة من « تهريب » مجموعتين شعريتين إحداهما بعنوان « إلى تونس » بفضل المرحوم نور الدين بن خذر وقد استرجعتها حالما خرجت من السجن أما الثانية فقد هُربت الى باريس بفضل المرحوم أحمد بن عثمان وقد استرجعتها مؤخرا بفضل زوجته سيمون للوش وانا الآن بصدد الاعداد لنشر هذه القصائد في كتاب واحد سيكون حسب اعتقادي معبرا فعلا عن عمار منصور في عمر الشابي . ببساطة لأنني لن أغير فاصلة واحدة فيما كتبته داخل السجن وعمري لم يتجاوز الخامسة والعشرين وسأنشر الكتاب بتاريخه وخطه . لماذا كل هذا الاصرار على عدم تغيير أية فاصلة ممّا كتبت رغم أنك الآن خارج السجن وعمرك تجاوز الستين؟

ـ القضية ليست قضية عمر، وانما هي مسألة وعي. وأنا شخصيا أستنكر وأمقت الوعي المابعدي أي ذاك المبني على منطق تبريري كأن أقحم أو أفرض وعي رجل الستين أو السبعين على فورة ذاك الشباب الذي ما زال يتحسس طريقه وهو في العشرينات… هل هو أنا أم أنا هو؟! أبدا لا أدري ولكن كل ما أحب وكل ما أغار عليه هو ذلك الكائن الذي قد يكون أنا وقد يكون الآخر، ليس من ملكي الشخصي وانما يعكس وعيا محددا في قترة تاريخية محددة لا سبيل الى تزويقها أو التلاعب بها. أنا أغار على ذلك الشخص الذي كنته وإذا ما زوقته أو جمّلته أو خنته فمعنى ذلك أنني اعتديتُ على كرامته كذات متصلة بي ومنفصلة عني في ذات الوقت . هل تعني بالوعي الما بعدي كتابة مذكرات ما بعد السجن؟

ـ مذكرات ما بعد السجن… لم تكتب في السجن… وان كانت لها علاقة بالسجن… ذلك أن المذكرات التي تُكتب آو تدوّن بعد مرور الاختبار أو التجربة بسنوات عديدة (قد تتجاوز عشرات السنين) وبعد انتقال صاحبها من تجربة إلى تجربة قد تكون مناقضة للأولى… وهذا يؤدي حتما إلى تلبيس وتلفيق وترقيع وتشويه التجربة الأولى… بحيث يعمد البعض إلى تطويع وعي مضى لشروط وعي حاليّ… فيُغفل أشياء ويهمل أحداث ويُجمّل ما يريد تجميله ولو كان قبيحا… إلى غير ذلك من المخاتلات النفسية كأن يخون الإنسان نفسه، أو يخون وعيه وأقول يخون لأنه عاجز عن التجاوز الحقيقي… وهذا المسار إذا ما إنسقنا فيه سنكون في قلب العبث . لكن إذا كان النص المكتوب في السجن ( بحشيشه وريشه ) هو المنشور الآن فلا سبيل إلى المغالطة والتحذلق أو التقبيح . ذلك هو أنا مثلما كنت ماضيا … فهل معنى ذلك أن ذلك الماضي هو أنا حاضرا وتلك مسألة أخرى … التجربة السجنية قد تكون دافعا لكتابة أدب السجون ويكون جيدا وإنساني ولكنه ينبغي أن لا يُحسب تماما من أدب السجون … أدب السجون أدبٌ مدّمرٌ وليس أدب بلاغة ومجاز وشعارات… وإذا أردنا التعمم… فإن الأدب هو أدب سجون أو لا يكون لأن كل أديب يبحث عن حرية ما… والكلمة دائما تريد ان تتحرّر من سجن ما… من وضع ما… وأعتقد أن الكتابة فعل تحرّر وهي كذلك ولا ينبغي تقديس كل ما كُتب في السجن أو كل ما كُتب عن السجن خارج السجن، فليس كل من دخل السجن أديب ولا كل أديب دخل السجن … ولكن الهاجس التوثيقي والجانب التأريخي مهم؟

ـ طبعا التجارب السجنية بصفة عامة ليست بالضرورة تجارب إبداعية أدبية وإنما هي وثائق في تاريخ مجتمع… تعبر عن صراع سياسي ما في مرحلة ما… عن وعي حضاري معين… المهم أن يعي كلٌ دورهُ.. ولا سبيل الى الخلط بين مستويات متباعدة… ألهذا لم تدوّن مذكراتك السجنية على غرار البعض من رفاقك؟

ـ مذكراتي السجنية هي تلك القصائد التي كتبتها في السجن فقط، أما مذكراتي ما بعد السجن فهي مسألة اخرى تهم وعيي اليوم تاريخيا وحضاريا وفلسفيا… أي أنها تشكل مقارباتي الحالية لمجمل القضايا التي نعيشها وطنيا واقليميا وعالميا… ولكن اليوم، وعلى الأقل في تونس، أدب السجون بات يُمثل عنصرا مهما في المدونة المكتوبة؟

ـ أدب السجون، أو غيره، ينبغي أن يكون أدبا قبل أن يكون أي شيء آخر . فإذا كان أدبا قبلناهُ وقرأناه وبجلناهُ، أما أن يكون مجرّد مذكرات ما بعديّة أو مزايداتٌ تبريرية فهذا أمرٌ يتجاوزنا ( لاحظ كثرة المذكرات وخاصة من المسؤولين السياسيين السابقين …). أما عن رفاقي الذين إكتووا بنفس النار التي اكتويتُ بها فمازالوا في البداية… وإن الكتب التي أصدروها مازالت تُعدُ على قيد الأصابع (جلبار نقاش، فتحي بالحاج يحي، محمد صالح فليس في انتظار آخرين كثر…) فما أنجز لدينا من آثار قليلة لم يُشكل بعد أدب سجون… فأدب السجون في نهاية الأمر لا يكون إلا من أدب التحرّر والحرية، وهذا ما نحن في أشد الحاجة إليه .   (المصدر: مدونة ناجي الخـشـناوي بتاريخ ٢٤ أفريل ٢٠١٠) الرابط: http://ichrakate.blogspot.com/2010/04/blog-post_23.html

 


مدينة حلق الوادي محط أنظار مجلس الوزراء وأصهار الرئيس


حرر من قبل التحرير في السبت, 24. أفريل 2010 أشرف رئيس الدولة يوم الجمعة 23 أفريل على مجلس وزاري خُصّص للعناية بمدينة حلق الوادي، وبحسب برقية وكالة الأنباء الرسمية فقد اتخذ قرارات بإحداث فضاءات لإيواء السيارات وتوفير الخدمات الضرورية للأنشطة الترفيهية.  كما تم الأمر بتسوية ملف سكان حي البراطل الذين تم تهديم مساكنهم قبل شهرين في نفس المدينة بقرار بلدي. ويأتي هذا الاجتماع الوزاري قبل أيام من انطلاق حملة الانتخابات البلدية، وكذلك قبل تسلم عماد الطرابلسي صهر الرئيس بن علي رئاسة بلدية حلق الوادي حيث ترشح على رأس دائرتها الانتخابية في قائمة الحزب الحاكم. وفي سياق متصل أعلن قبل أيام السيد صخر الماطري زوج ابنة الرئيس ابن علي اعتزامه إطلاق مشروع سياحي ضخم خلال شهر جوان المقبل بضاحية حلق الوادي يتمثل في إنشاء قرية سياحية ستخصص لاستقبال الرحلات البحرية من بلدان المتوسط. وستتضمن القرية السياحية سلسلة من المطاعم الفاخرة وسوقا تقليدية ومقاه. (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 24 أفريل 2010)

 


وزير الاتصال في اجتماع الصحفيين العرب بتونس لا وجود لمحظورات في الاعلام التونسي


انعقدت أمس جلسة عامة مفتوحة في أحد فنادق الضاحية الشمالية حضرها عشرات الإعلاميين والمثقفين وثلة من المسؤولين عن قطاع الاعلام بمناسبة انعقاد اجتماع الأمانة العامة لاتحاد الصحفيين العرب. الجلسة ترأسها رئيس الاتحاد العربي السيد إبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام السابق وعدد من النقباء السابقين والحاليين للمنظمات الصحفية العربية وافتتحها وزير الاتصال السيد أسامة الرمضاني. الوزير نوه بالمناسبة بدور اتحاد الصحفيين العرب والنقابة الوطنــية للصحفيين التونسيين في مجال النهوض بالمهنة الصحفيـة. وذكر السيد أسامة الرمضاني بالمناسبة بالمواقف الواضحة التي عبر عنها رئيس الدولة زين العابدين بن علي فيما يخص حرية التعبير والاعلام في تونس من خلال إعلانه مرارا بأنه «لا وجود لمحظورات في الاعلام التونسي» شريطة احترام قوانين البلاد وأخلاقيات المهنة وعدم النيل من أعراض الناس. وأعلن السيد أسامة الرمضاني بالمناسبة عن دعم الوزارة والحكومة للنقابة الوطنية للصحفيين وكل منخرطيها والعاملين في القطاع وذكر في هذا السياق بعدد من الاجراءات الرئاسية التي تقررت لفائدة الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية بمافيها صحف أحزاب المعارضة التي تحصل على دعم مالي دوري وعلى دعم للورق. وقد نوهت كلمات السادة ابراهيم نافع رئيس اتحاد الصحفيين العرب والعميد السابق للاتحاد ونقيب الصحفيين اللبنانيين ملحم كرم وجمال الكرماوي رئيس نقابة الصحفيين التونسيين بالدور المهني للمنظمات الممثلة للصحفيين العرب ومن بينها النقابة الوطنية للصحفيين وبالمسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقها لتطوير واقع الصحافة والصحفيين نحو الأفضل. وتواصلت اجتماعات اتحاد الصحفيين العرب بعد ذلك في جلسة مغلقة. كمال (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 25 أفريل 2010)


الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بتونس ،المكتب الإعلامي يكذب ، و يوضّح التالي إلي الرأي العام الوطني و النقابي


نفيا لعدم صحة ما جاء في الرسالة التي أطلقها المرصد التونسي للحقوق و الحرية النقابية ، علي لسان طارق مهري- حول بيان مزعوم موقع من قبله ذكر فيه تسجيل إستياء اللجنة الجهوية بالرديف الشديد من ممارسات منسق اللجنة الحبيب قيزة  علي إعتباره ناطقا رسميا باسم الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بتونس  وتبرئهم من بعضعهم البعض ا مستقبلا من تمثيلها ، و أمام ما ورد من تصريحات  مغلوطة لا تمت للواقع بصلة نتوجه بهذا التوضيح التالي إلي الرأي العام الوطني و النقابي -1 -إنّ  هذا الخبر عار عن الصحة ،ولا علاقة للأخ حبيب قيزة  و كذلك موقع البيان المدعو ،طارق مهري و جماعته ولا لجنته الجهوية بشئ ، بالكنفدرالية الديمقراطية للشغل بتونس، لذلك ونظرا للأخطاء الجسيمة التي سقط  فيها البعض وبتعمدّ مقصود ممارسة الصنصرة بحقوق غيرهم  ، نؤكد عدم صلة هؤلاء لا من بعيد ولا من قريب بالمسألة لا تأسيسا ولا إلتحاقا بالتنظيم النقابي المؤسس حديثا المذكورألا وهي كنفدرالية الشغل .  ، وأنّ المنسق العام وناطقها الرسمي هو: الأستاذ الجامعي النقابي  محمد الطاهر الشائب منذ تاريخ التأسيس يوم 5 ديسمبر 2001 .. و إلي حدّ إعداد هذا التصويب   المكتب الإعلامي  خليفة فرح مبارك ..تونس 


مؤسسة « بينتون »:BENETON صلف المسيرين وتواطؤ مدير

الاتحاد الجهوي للشغل بالمنستير والضريبة يدفعها العمال المساكين .


محمد بابا وحمدي عاملان انتدبا للعمل بمؤسسة « بينتون » بالساحلين(ولاية المنستير) منذ حوالي 5 سنوات برتبة رئيس فريق لكنهما لم يشغلا هزه الخطة واستخدما في مراكز عمل أخرى وتمتعا بأجور أقل بكثير مما يتناسب وتصنيفهم المهني. فالتجآ للاتحاد الجهوي للشغل بالمنستير حيث تبنى المسئول عن القطاع الخاص مطلبهم ونصحهم بضرورة الانخراط في الاتحاد وتكوين نقابة تأطر تحركاتهم وتدافع عن مطالبهم ( وهو ما حصل بالفعل في وقت لاحق). كما أخذهم لقسم تفقدية الشغل والمصالحة حيث تمت دعوة ممثل للشركة ووقع إعلامه بتجاوزات مؤسسته لمقتضيات قانون الشغل ودعي لتسوية وضعية العاملين. وبمجرد أن تكونت النقابة الأساسية وتسربت أسماء أعضائها (ومن ضمنهم هذان العاملان) للقائمين على تسيير الشركة حتى بادرت الإدارة يوم 29/03/2010 بفصلهما عن العمل دون تبرير؟؟؟.وأعلمت النقابة المسئولين في الاتحاد الجهوي للشغل بالمنستير حيث أشاروا عليها بضرورة دعوة العمال لعقد اجتماع عام بمقر الاتحاد وبإشراف قيادته وبلورة موقف نضالي للضغط على الإدارة وحملها على التراجع في قرار الفصل. وانعقد الاجتماع يوم 04/04/2010 وحضر أكثر من100 عامل اتخذوا قرار الإضراب كامل يوم 20/04/2010ما لم تتراجع الإدارة في موقفها في حق زميلهم.وصدرت برقية التنبه بالإضراب يوم 07/04/2010 ثم انعقدت جلسة صلحية أولى يوم 13/04/2010وتلتها جلسة ثانية يوم14/04/2010 وتسك الطرف النقابي بضرورة إرجاع العاملين باعتبارهما استهدفا على أساس انتمائهما النقابي ودفاعهما عن حقهما وأصر الطرف الإداري على فصلهما مقابل تمكينهما من تعويضات مالية.وبقي الإضراب قائما إلى حد يوم 19/04/2010حيث تمت الدعوة لاجتماع آخر سبقته جلسة تمهيدية بين والي الجهة والمدير الجهوي لاتحاد الشغل ورئيس قسم تفقدية الشغل واتفقوا على ضرورة تأجيل الإضراب ريثما تتمكن إدارة المؤسسة لتصميم إخراج جديد لعملية الاستغناء عن العاملين إخراج يرفع الحرج عن ثلاثتهم بعدما ورطهم مسيرو الشركة بقرارهم الاعتباطي والفاقد لأي سند قانوني. فأشاروا عليه بضرورة تدارك الأمر وإحالة العاملين على مجلس الـتأديب لإضفاء نوع من القانونية على قرارهم. وعندها ينبري هذا الثالوث لتسويق فكرة »سلامة الإجراءات القانونية » ويتنصلوا من مسئولية الانخراط في الدوس عن قوانين البلاد وينصحوا الضحيتين بإتباع مسلك التقاضي أو قبول التعويض بالتراضي. كما تعمد هذا الثالوث تهديد أعضاء النقابة الأساسية(حديثة التكوين) وممثل الفرع الجامعي للنسيج والملابس الجاهزة لإرغامهم على قبول قرار تأجيل الإضراب هكذا دون تبرير، بل وصل سلوك المنجي الشرفي رئيس قسم القطاع الخاص حد تهديد أعضاء النقابة الأساسية بإحالتهم على لجنة النظام. وإذا كنا نجد تبريرا لموقف مسئولي الشركة اللاهثين وراء مصالحهم الخاصة وربحهم السريع ولو بمزيد الضغط على الأجور ومصالح العمال الأساسية ومستحقاتهم البديهية، وكذلك بالنسبة للسلطة التي تتحجج بعجزها عن لي ذراع مستثمر أجنبي « له الفضل في تشغيل المئات وربما الآلاف » وتمنحهم تبعا لذلك حق التطاول على قوانين البلاد وانتهاك سيادة قراراتها ، فإننا لا نجد أي مسوغ منطقي لسلوك هؤلاء « النقابيين » الذين شجعوا العمال في مرحلة أولى على الانخراط في الاتحاد وتكوين نقابة ثم دعوهم للاجتماع فلبوا الدعوة واستصدروا قرارا بالإضراب ثم أمضاه الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل وأبرقه لإدارة المؤسسة. ثم تراجعوا بعد ذلك وخذلوا العمال وانصرفوا ينظرون « للخشية من غلق المؤسسة « و »لقوة نفوذ هذه الشركة التي لا تستسيغ بسهولة تركيز عمل نقابي صلبها. إننا لا نجد تبريرا لهذا التصرف سوى » وفاء هذا النقابي »( الذي نصبته السلطة على رأس المنظمة ومكنته من الترشح لعضوية مجلس النواب) لأولياء نعمته وتفانيه في رد جميلهم وجميل من غمرهم وغمره بأفضاله. لكن ما نسيه مدير اتحاد الشغل بالمنستير هو أن نقابيي اليوم لم يبقوا بذاك المستوى من السذاجة والسطحية التي تربى عليها وألفها في العديد من مواليه ومن المحيطين به، وأنهم باتوا قادرين على كشف كل ألاعيبه ومؤامراته الخبيثة. فأي وجه قانوني يا سي عيد لمجلس تأديب سينعقد حوالي شهرا بعد ما اتخذ قرار الفصل ودافع عنه ممثلو الإدارة وتمسكوا بت في جلستي يومي 13 و14 أفريا؟وأي مصداقية لمصالح وزارة الشؤون الاجتماعية ولقسم تفقدية الشغل والمصالحة بالمنستير بعدما تحول السيد الطاهر العريض رئيس القسم لمجرد وسيط بين إدارات المؤسسات والعمال المطرودين يضغط عليهم ليجبرهم على الاستسلام لقرارات الطرد التعسفي وقبول الغرامات التعويضية؟ وإذا كان قرار الإضراب  » متسرعا ومن الممكن أن يعقد الأوضاع » (غلق المؤسسة مثلا) فلماذا وقعت دعوة العمال للاجتماع ولاتخاذ مثل ذلك القرار ؟ فهل غابت هذه الحقائق على سي سعيد في البداية أم كان رهانه منصبا على عجز العمال عن الحضور وإنجاح الاجتماع فتصبح الكرة في مرماهم؟ وإذا كانت مؤسسة بحجم مؤسسة « بينتون » لا يجوز للاتحاد العام التونسي للشغل أن يقتحمها ويركز فيها نقابة أساسية لماذا لم يبادر حضرة النائب في البرلمان لاستغلال صفته واستصدار قانون يحدد المؤسسات التي يحجر فيها العمل النقابي ويحرم على العاملين فيها مجرد الحلم بالتمتع بما يخوله القانون لغيرهم في المؤسسات الأخرى من حقوق أساسية. ختاما هذه بسطة عما يقع في مؤسسة « بينتون » نقدمها للرأي العام النقابي حتى يكون على بينة من جرائم أحد الحرس القديم للأمين العام السابق إسماعيل السحباني ، كما نأمل في أن تستيقظ ضمائر بقية أعضاء الكتب التنفيذي الجهوي فينتفضوا على مثل هذه التصرفات المخزية ويقفوا في صف العمال ويؤازروهم ويتبنوا قضاياهم العادلة. كذلك نهيب بالأخ الكاتب العام لجمعتنا أن يتبنى شخصيا هذا الملف ويتابعه إلى غاية إرجاع الأمور إلى نصابها ويمكن زميلينا من استئناف عملهما. كذلك نناشد كافة أعضاء المكتب التنفيذي الوطني وعلى رأسهم الأخ الأمين العام أن يولي قضيتنا ما تستحقه من عناية و متابعة ويدعموا جهدنا ويستغلوا حماسنا وتعبئة زملائنا من أجل فرض احترام العمل النقابي داخل هذه المؤسسة. مجموعة من عمال مؤسسة « بينتون


ندوة « الحوض المنجمي: الحق في الشغل والتنمية العادلة » درب النضال طويل…


تحت إشراف النقابة العامة للتعليم الثانوي إلتأمت اليوم الجمعة 23 أفريل بقاعة أحمد التليلي بالإتحاد العام التونسي للشغل ندوة بعنوان « الحوض المنجمي: الحق في الشغل والتنمية العادلة ». وقد تناولت الندوة بالنقاش الوضع الإجتماعي والتنموي بالجهة وأفاق تطوره وسط حضور مميز لعديد الوجوه النقابية والحقوقية والطلابية يتقدمهم قادة الحركة الإحتجاجية وسجناءها وأعضاء من المكتب التنفيدي للإتحاد بالإضافة إلى اللجنة الوطنية لمساندة الحوض المنجمي. هذا وإفتتح الجلسة السيد سامي الطاهري الكاتب العام للنقابة العامة الذي وجه بداية تحية إكبار وإجلال لشهداء الحركة الإحتجاجية وسجناءها، كما رحب بالحضور وقدم لمحة عن دواعي إنجاز الندوة مبينا أهمية إنعقادها أياما قبل جلسة الإستئناف التي يحاكم فيها كل من المناضل حسن بنعبدالله والصحفي الحرّ الفاهم بوكدّوس على خلفية الإحتجاجات وهو ما لا يدع مجالا للشك بأن ملف الحوض المنجمي جرح لايزال ينزف. المحامي رضا الرداوي: خروقات قانونية في مواجهة حركة ذات مطالب عادلة قدّم الأستاذ الرداوي مداخلة مركزية حول الإطار القضائي لمحاكمات الحوض المنجمي معتبرا أن السلطة السياسية قد أسست لإطار للإنقضاض على الحركة الإجتماعية التي نجحت بحكم الزخم الجماهيري والقيادة النوعية في ملامسة ثلاثة أبعاد « محضورة » لدى النظام أدت بالضرورة للمواجهة وهي نشأة إطار تفاوضي خارج الإطار القانوني لحق التنظم، والتظاهر السلمي الذي تحدّى القانون المحدد لحق التظاهر والإجتماعات العامة على منابر الإتحاد المحلي بالرديف الذي كسرالقانون المنظم لحق الإجتماع بالاماكن العامة. وقد قسّم الأستاذ الأدوات القانونية المستعملة من السلطة للإنقضاض على الحركة إلى :  الإنقضاض التشريعي عبر لجوء الإدعاء إلى قوانين وأوامر إستعمارية مثل أمر 18 جوان 1894 المتعلق بصنع القوانين الخارقة. وكذلك حول « حرية الجولان » وغيرها من التهم الموجهة لقادة الحركة. إذن فالسلطة السياسية إستبطنت دور « المستعمر » من خلال تصنيفها للقوانين والأوامر.  الإنقضاض الإجرائي: رغم تعهد النظام والإمضاء على العديد من المعاهدات حول « حسن معاملة الموقوفين » فإن التعذيب كان ممنهجا وقد مورس بشكل ممنهج وبإرادة « قضائية » لعدم التحقيق وملاحقة ومحاسية من تورّطوا في التعذيب أمرا وتنفيذا رغم ثبوته. وقد ذكر الأستاذ العديد من الحالات المسجلة في التعذيب الذي تكرر خاصة في مركز الأمن بالرديف ومنطقتي الأمن بالمتلوي وقفصة. ورغم مطالبة لسان الدفاع فقد تم رفض مطالبهم بعرض منوبيهم على الفحص الطبي.  الإنقضاض القضائي: وذلك عبر التجاهل المتعمد لفتح أيّ تحقيق في مقتل هشام بن جدو الذي استشهد بصعقة كهريائية والحفناوي المغزاوي وعبد الخالق عميدي الذين سقطا بالرصاص. هذا بالإضافة إلى محاكمة الإعلام والصحافة التي غطت بكل موضوعية كافة الأحداث. وفي ختام مداخلته أكد الأستاذ الرداوي على ضرورة المساندة للصحفي الفاهم بوكدّوس والمناضل المعتقل حسن بنعبدالله يوم 27 أفريل في الطور الإستئنافي بقفصة. الأستاذ عبد الجليل البدوي: تهميش وغياب لسياسات تنموية عادلة أكد الأستاذ عبد الجليل البدوي على مشروعية الحركة الإحتجاجية من منطلق بحث ميداني وأكاديمي في واقع الجهة التنموي حيث إنطلقت الإحتجاجات نتاج حالة التهميش للقوى المنتجة بالجهة فالمعطيات تشير إلى تفاقم نسب البطالة التي تجاوزت 20% جهويا (50% في صفوف الإناث) مع إنسداد أفاق التشغيل. كما اشار إلى الخصائص الطبيعية القاسية من تلوّث وانجراف وتصحّر وسوء استغلال للموارد المائية وتراجع قيمة المراعي. وأضاف أن المشاكل العقارية بالجهة لازالت تعطل الأهالي عن تملك الأراضي الإشتراكية ممّا يحول دون تنمية فلاحية حقيقية. وعرّج الأستاذ البدوي على تحوّل مدن الحوض المنجمي من قطب يستقبل اليد العاملة في الستينات إلى مدن تلفظ أهاليها نتيجة الحاجة والفاقة ونتيجة تراجع الطاقة التشغيلية لشركة فسفاط قفصة لتخليها عن الإنتداب المباشر لحساب شركات المناولة التي يتضاعف فيها إستغلال الطبقة العاملة. وعبّر في الأخير عن عدم جدية المشاريع المحدثة، بعد أن نجحت الحركة في إحراج السلطة، لكونها غير مترابطة إقتصاديا، حيث تم تركيزها لامتصاص الأزمة وتوفير بعض مواطن الشغل من منطلق حرص أمني عوض أن يكون حرصا إستراتيجيا لخلق تنمية عادلة عبر « مشاريع واستثمارات تتجذر في محيطها المنجمي » على حدّ تعبيره. مسعود الرمضاني: لازلنا على العهد بعد الإشارة إلى كون الحركة المنجمية قد شكلت منعرجا لا في تاريخ قفصة فقط وإنما في تاريخ البلاد ككلّ، أكد السيد الرمضاني منسق اللجنة الوطنية لمساندة الحوض المنجمي على ضرورة المواصلة في مساندة الملف المنجمي لا سيّما وأن الوضع لا يمكن حسمه أمنيا أو قضائيا بل بالتنبيه لمشاكل الجهة والتفاوض الجدّي حولها والبدء بحلها تدريجيا. ودعا السيد الرمضاني إلى ضرورة إيقاف التتبعات ضد مناضلي الحركة وإلى الحضور المكثف لجلسة 27 أفريل بقفصة. عدنان الحاجي: مقاومة الفساد هو المدخل لحل ملف الحوض المنجمي إنطلق الحاجي الناطق بإسم الحركة الإجتماعية في الحوض المنجمي بالتذكير بأسباب الانتفاضة التي لم تعالج بعد بغير الحل الأمني والقضائي، وعبّر عن هشاشة الحلول التنموية كمعمل « خميسة » للخياطة ومركز الإتصال عن بعد الذان لا يضمنان ديمومة العمل، بالإضافة لشركات المناولة البيئية التي تقلص عدد عمالها للنصف بسبب الهجرة السرية لشباب الجهة وعدم إدماج الشباب المسرّح من السجن والذي يعدّ بالعشرات. وأكد الحاجي أن هاته المشاريع أضحت مجالا للتلاعب والفساد والنهب من قبل أصحاب النفوذ السياسي والأمني والمالي بالجهة وخاصة بعد مصيبة الفياضانات حيث لم يجن المتضررون شيئا من الأموال المرصودة للتعويضات. وعدّد الحاجي العديد من الأمثلة عن الفساد على غرار الستة مليارات التي رصدت لتعبيد الطرقات والـ30 مليار التي توفرها شركة الفسفاط لجهاز البوليس والمعتمدية… وفي ختام تدخله طالب الحاجي الإتحاد قيادة وهياكل ونقابيين بالوقوف إلى جانب الأهالي خاصة الرديف الذين يعانون الإذلال والاستفزاز والابتزاز من طرف البوليس الرابض في المدينة بأعداد غفيرة من جهة، وبضرورة فتح ملف الفساد في الجهة ومحاسبة الفاسدين مهما على شأنهم كمدخل رئيسي لمعالجة الملف المنجمي من جهة أخرى. بشير العبيدي: الحراك المنجمي بحاجة إلى مساندة أم إلى مشاركة؟ أشار السيد العبيدي أحد قادة الحركة الإحتجاجية إلى أهمية الحركة في الحوض المنجمي وهي تدخل عامها الثالث وما تشكله من محطة مضيئة ومفصلية في التاريخ التونسي بما تحمله من بعد اجتماعي، وطبقي، وإنساني. فهي حركة أهلية، على حدّ تعبيره، لم تلتزم بالمألوف السياسي والجمعياتي والنقابي وقد اكتسبت ثرائها من تنوّعها وممارستها الديمقراطية في ما بين قادتها. وعرّج السيد العبيدي على أن الحركة تجاوزت الأنماط المألوفة في الإحتجاج فتحمّل الأهالي الإهانة والإذلال والإعتقالات والتعذيب من طرف البوليس ورغم التضحيات فمطالبنا لازالت قائمة ينضاف إليها عودتنا لسالف عملنا ومحاسبة الجلادين وإلغاء صيغة السراح الشرطي لمن سرحوا من السجن. وتوجه السيد العبيدي بتساؤل للحضور للنقاش مفاده هل أن الإتحاد والمجتمع المدني مساند للحراك المنجمي أم هنالك شراكة وما تتطلبه من رسم لأهداف جديدة للحركة؟؟ المولدي الجندوبي: ضرورة تحملنا لمسؤولياتنا بعد ترحيبه بأبطال الحراك المنجمي وكافة الحضور، أكد السيد الجندوبي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل على أهمية المساندة والتعاطف الذي لقيه الملف من قبل المنضمات والأحزاب المناضلة في تونس وخارجها. وأشار السيد الجندوبي إلى ضرورة التفكير في « منوال التنمية » في مدن الحوض المنجمي وفي جميع الجهات عبر تحمّل المسؤولية التاريخية تجاه تداعيات خيارات السلطة في « الخصخصة » للأملاك العامة. وحذر من خطورة تكرار ما حدث في الحوض المنجمي في مناطق أخرى على غرار الصخيرة إذا لم يتم التعجيل بالحلول من طرف السلطة. النقاش على إثر هذه المداخلات فتح رئيس الجلسة الباب للنقاش حيث تراوحت المشاركات بين التعبير على المساندة المطلقة للحوض المنجمي، وبين الدعوة لقيادة الاتحاد لمزيد تحمل مسؤوليتها تجاه قادة الحوض المنجمي والعمل على إرجاعهم لسالف عملهم ومحاسبة الفاسدين في الجهة، وبين تقديم بعض المقترحات كأن يتم الإحتفال بذكرى غرة ماي تحت شعار « حق الجميع في شغل قار » ولما لا يكون الإحتفال هذه السنة في مدينة الرديف. وفي الختام أكد رئيس الجلسة عن ضرورة السير في درب النضال ومساندة المناضل المنجمي المعتقل حسن بنعبدالله والصحفي الحرّ الفاهم بوكدّوس في جلستهما الإستئنافية بقفصة يوم الثلاثاء 27 أفريل 2010.

بلقاسم بنعبدالله

 (المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 24 أفريل 2010)


بداية من 2011 رحلات جوية مباشرة من تونس نحو كندا، أمريكا واليابان


سيكون بإمكان المسافرين تونسيين أو أجانب السفر مباشرة من تونس ودون المرور عبر مطارات أجنبية إلى جهات بعيدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واليابان وكوريا والصين ووجهات أخرى بعيدة في القارات الخمس. السفر جوا إلى وجهات بعيدة يتطلب في الوقت الراهن عبور أكثر من مطار واحد حتى يصل المسافر إلى وجهته النهائية وهو ما يضاعف في كلفة الرحلة ويتسبب في ارهاق المسافر وتمضية ساعات عديدة في «الترانزيت» قد تصل إلى يوم كامل أو أكثر بين المطارات، وقد يتسبب في المكوث لأيام بمطار معين في صورة اضطراب حركة النقل الجوي واغلاق المطارات على غرار ما تسببت فيه غيمة بركان ايسلندا الشهير. سيكون السفر إذن مباشرة من تونس إلى وجهات بعيدة ممكنا من خلال خطة فتح الأجواء وتحرير النقل الجوي في تونس التي شرع في تنفيذها من خلال اتفاقيات تم امضاء البعض منها وأخرى ما تزال قيد التفاوض مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية لكنها ستفضي قبل نهاية 2011 إلى تسيير رحلات مباشرة من وإلى المطارات التونسية. وسيتعزز هذا التوجه مع الشروع في استغلال مطار النفيضة الدولي أكبر مطار مغاربي وافريقي بصفة تدريجية باعتباره قادر ليس فقط على استيعاب عدد كبير من المسافرين (5مليون مسافر سنويا في مرحلة أولى) وعدد كبير من الرحلات والطائرات ولكن أيضا استيعاب الطائرات العملاقة القادرة على القيام برحلات طويلة المدى. وقد تم مغاربيا تحرير النقل الجوي بالحرية الثالثة والرابعة مع ليبيا والمغرب وسيتم اعتماد نفس التوجه مع موريتانيا والجزائٍر. وأيضا مع الدول العربية الراغبة في توقيع اتفاقيات مماثلة. وعلى المستوى الأمريكي تم إبرام اتفاق بين تونس وكندا وتم التوقيع عليه بتاريخ 11 فيفري 2010. كما وافت السلطات الأمريكية بتاريخ 23 سبتمبر 2009 الحكومة التونسية بمشروع اتفاقية تونسية أمريكية في مجال النقل الجوي هو الآن بصدد الدرس بالتنسيق مع الشركات الوطنية. أما مع الاتحاد الأوروبي فقد تم الشروع في عقد جلسات تحضيرية بشأن امضاء اتفاقية فتح الأجواء ويهدف الاتفاق الذي سيتم التفاوض في شأنه إلى تحرير حقوق النقل الجوي ورفع القيود على السعات وعدد الرحلات، تحرير تعريفات النقل الجوي، توسيع دائرة تعيين النقالات الجوية بحيث يمكن لأي دولة اتحادية تعيين ناقلة ترجع ملكيتها أو مراقبتها الفعلية لدولة اتحادية أخرى. وينتظر أن تنتعش أنشطة المطارات الداخلية من خلال خطة فتح الأجواء الذي يأتي تجسيما لقرار رئيس الدولة بالتحرير الكلي للأجواء قبل نهاية 2011- على اعتبار أنه سيتم من خلاله اعفاء الطائرات التي تنزل بالمطارات الداخلية من معاليم المطارات.. وإن كان تسيير الرحلات بعيدة المدى من مطارات تونسية ستؤمنها في مرحلة أولى شركات أجنبية قبل نهاية 2011، فإن الخطوط التونسية تستعد لتسيير خطوط بعيدة وستقوم بتجربة بعث خط جوي بين تونس واليابان. وتعمل حاليا على تجديد أسطولها وقد اقتنت مؤخرا طائرتين جديدتين، في انتظار اقتناء طائرات آر بيص 330 و350 الضخمة القادرة على تأمين رحلات بعيدة خلال السنة المقبلة. وقد استعدت تونس لخطة تحرير النقل الجوي منذ سنوات على مستوى تطوير البنية الأساسية والتشريع، ودمج بعض الشركات النقل الجوي، وإعادة هيكلة شركة الخطوط التونسية التي ستؤمن بداية من هذا الصيف 20 رحلة أسبوعية من مطار النفيضة الدولى الذي سيصبح قاعدة رئيسية من قواعد الناقلة الوطنية خلال سنة 2011 بالتوازي مع تطور الحركة الجوية بذات المطار. رفيق بن عبد الله (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 25 أفريل 2010)


العنف الافتراضي يهدد المؤسسات التربوية !تلاميذ يشهرون بالمربين على «الفايس بوك».. والنظام التأديبي صامت


تونس ـ الصباح

حيرة كبيرة عبر عنها ثلة من المهتمين بالشأن التربوي جراء سرعة انتشار ظاهرة استعمال التلاميذ لـ «الفيس بوك» بغاية التشهير بأساتذتهم ونقدهم وشتمهم والمس من هيبتهم.. وقال عدد من الأساتذة والمرشدين البيداغوجيين والقيمين أمس خلال ندوة حول ترسيخ ثقافة اللاعنف بالوسط الأسري والمدرسي والاجتماعي والافتراضي إنهم يشعرون بالدهشة عندما يجدون صورا كاريكاتيرية لهم أو لزملائهم مرفوقة بألفاظ بذيئة على شبكة الانترنيت.. وتكبر حيرتهم أكثر عندما يحال التلاميذ المرتكبون لهذه الحماقات على مجلس التأديب لأن النظام التأديبي المعمول به حاليا لم يحدد عقوبات مثل هذه المخالفات… وقال المربي حسن الأقرم وهو أستاذ عربية إن العديد من المربين أصبحوا عرضة للعنف الافتراضي من قبل تلاميذهم.. وإن الكثير من التلاميذ يستخدمون شبكة الانترنيت والشبكة الاجتماعية «الفيس بوك» للإساءة للمربين.. فهم يكونون عناوين الكترونية تحمل اسم أستاذهم أو أستاذتهم ومن خلالها يفتحون رصيدا في «الفيس بوك» ويستعملونه لكتابة ألفاظ نابية وعرض صور خليعة ومحتويات هابطة تمس من القيم والأخلاق وكل ذلك باسم أستاذهم أو أستاذتهم».  وفي نفس السياق بينت السيدة سعاد حبوب مديرة مدرسة إعدادية أن أساتذة الإعلامية مدعوون الآن وقبل أي وقت مضى لتطويق هذه الظاهرة والتحرك بسرعة لحماية الإطار التربوي بالمؤسسات التعليمية من مثل هذه التجاوزات وذلك من خلال مراقبة تلك الشبكات والرد عليها. وذكرت المربية أن هناك خطرا كبيرا من سوء استعمال «الفيس بوك».. فالتلاميذ على حد تعبيرها أصبحوا يستعملونها لتعنيف أستاذتهم لفظيا.. ومن جهته بين السيد محرز الدريسي مرشد أول في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي أنه من الصعب جدا مراقبة شبكة الفيس بوك لكن بإمكان أساتذة الإعلامية ولأغراض بيداغوجية تأطير تلاميذهم في استعمال شبكة الانترنيت وتوعيتهم بجدوى الاستفادة من مزاياها وأهمية الابتعاد عن مخاطرها.. وتذهب السيدة إشراف السهيلي القيمة والمرشدة الأولى أنه بالمكان توظيف ولع التلاميذ بشبكة الانترنيت وبالعالم الافتراضي توظيفا إيجابيا من خلال تطوير آداء المدرسة الافتراضية.. وعوضا عن استخدام الشبكة العنكبوتية للتشهير بالأساتذة يستفيد منه في دراسته وتكوينه.. وقالت إن التلميذ في أيامنا هذه سئم المدرسة بمفهومها التقليدي وأصبح لا يحبذ الجلوس في فصل فيه طاولات وكراس وصبورة ومصطبة فوقها مكتب الأستاذ وهو ما يدعو للتفكير بجدية في تحسين آداء المدرسة الافتراضية. لدى تفسيرهم لأسباب العنف الافتراضي بالوسط المدرسي ذهب جل هؤلاء المربين والمؤطرين التربويين إلى أن ممارسة مثل هذا العنف عادة ما يكون ردة فعل لعقوبة أسندها لهم المربي.. لكن التلميذة ألفة الجمل تذهب إلى أبعد من ذلك وتقول إن التلميذ يمارس العنف ضد الأستاذ لأن الأستاذ قد يدفعه لذلك دفعا حينما يشح عليه بالمعلومات الكافية رغبة في إجباره على حضور الدروس الخصوصية التي يقدمها بمقابل.. وعن الحلول الممكنة لظاهرة العنف الافتراضي ترى السيدة زبيدة الماجري أستاذة علوم الحياة والأرض أن العلاقة بين المربي والتلميذ يجب أن تبقى مثالية جميلة وأن المربي يجب أن يكون دائما قدوة لتلميذه من ناحية وعليه من ناحية أخرى أن يشعره بالحماية ويحسسه كما لو أنه والده أو والدته يخاف عليه من السوء ويرغب في نجاحه وتفوقه وعليه أن يشجعه قدر المستطاع ولا يحبطه. ولا تختلف معها السيدة سعاد حبوب في الرأي ولكنها تدعو للتفكير في مراجعة النظام التأديبي. وذكرت أن حيرة المربين تكبر أكثر عندما يحال التلاميذ المرتكبون لمثل تلك الحماقات في حق أساتذتهم على مجلس التأديب لأن النظام التأديبي لم ينص على عقوبات لمثل هذه المخالفات.. وهو نفس ما طالب به جل المهتمين بالشأن التربوي المشاركون أمس في الندوة المنتظمة ببادرة من المكتب الجهوي للمنظمة التونسية للتربية والأسرة ببن عروس. سعيدة بوهلال

(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 25 أفريل 2010)


العودة إلى الوطن قرار فردي.. تماما كما كان « الفرار » منه خلاصا فرديا.


لقد عاد إلى تونس جمع لا بأس به من الأخوة بعد غياب تجاوز العقدين للكثيرين منهم. و كان تعامل السلطة معهم إيجابيا رغم محاولة الأطراف الرّافضة للعودة ركوب هذا الملف سياسيا و إملاء شروطها المسبقة لأي خطوة في اتجاه البلاد. هذه العقليّة في التعامل مع قضيّة العودة والعائدين قد عبر عنها بكل وضوح المسمى « محمد سعيد الرحالي » في ثلاث مقالات حبرها وتناقلتها المواقع الافتراضية موغلا بكل صفاقة في تخوين العائدين واستهجان فعلهم  ومحاكمة نواياهم  كما بلغ به الصلف إلى حد الدعوة لحفظ أسماء هؤلاء  المخالفين     » فعلى النهضويين أن يحفظوا هذه الأسماء التي تمدح بن علي اليوم ليتابعوا نهاياتها بعد حين… » ( تونس نيوز 06.01.2010) مستندا في ذلك إلى بعض كتابات ومواقف سابقة و حاليّة لبعض من قيادات حركة النهضة رغم التبرؤ  المتأخر جدا للشيخ راشد من هذا « الماكر الخبيث  » دون أن يرتقي إلى التبرؤ الصريح من مضمون مقالات هذا « النكرة » السيئة و المسيئة، بل للأسف نجد أن مقالي الأستاذ راشد الغنوشي و كذلك الطيب الغيلوفي يلتقيان مضمونا مع مقالات المدعو « الرحالي ». و هو الشيء الذي سيفتح شهية هذا « الماكر » أكثر و أمثاله لمزيد نهش أعراض المخالفين. و ما مقال « أمر دبر بليل » المنشور على صفحات الحوار.نت إلا « رحالي » جديد أو « عبدالله بكوش » آخر.. فقد تختلف الأسماء و يبقى المضمون واحد. إن مضمون ما حبّره المدعو « الرحالي » في حلقاته الثلاث السيئة الذكر هو سبب الأزمة من الأساس كما هو سبب مباشر في تعقيد خيوطها واستعصاء حلولها على مدى كل هذه السنين.  أما العقلية المنتهجة مع المخالفين في الرأي و التوجه، هي للأسف مظهر من مظاهر التدني في السلوك المدني  و تجاوز للحدود الدُّنيَي للأدب حتى مع الخالق دون يُثير ذلك استنكارا من أحد.  لقد  بلغ هذا التردي بأحدهم، في » شفقة » على الدكتور النجار ـ ربما بما له من علم الغيب ـ  بأن لا يختم له الله بما ختم به للشيخ الطنطاوي  » أنا أسال الله أن يتوب على شيخنا النجار ولا يميته على ما هو عليه ويحسن خاتمته … اميييين…. وذلك حتى لا تكون عاقبته كالطنطاوي » ( محسن الخضراوي. الحوار.نت 16.04.2010) و احسب انه يقصد الشيخ محمد سيد طنطاوي ـ شيخ الأزهرـ عليه رحمة الله وطيّب  ثراه، الموارى منذ أسابيع مضت في مقبرة بقيع الغرقد إلى جوار أكثر من عشرة آلاف صحابي رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم.  لقد أصبح خيار العودة واقعا وقد أخذ مجراه  وبدأ يتكرس يوما بعد يوم لدى  العديد من المغتربين بواقعه الموضوعي القائم على تداعيات سلبيات الماضي وتطورات الحاضر، رغم الزوابع التي تُثار من حين لآخر ضد العائدين، في شكل محاولات يائسة ـ من بعض الذين ليست لهم مصلحة في العودة لأسباب خاصة بهم ـ للالتفاف على القضيّة  وقطع الطريق أمام الذين انتظروا  أكثر من عقدين  » حلا جماعيا  » وهميّا. إن جلّ المغتربين سواء كانوا لاجئين أو حاملي جنسيات بلدان الإقامة، هم من حركة النهضة، منتمين أو أنصارا، كانوا أو لا يزالون محل تتبعات قضائيّة وصدرت في شأنهم أحكام بلغ أقصاها حكم الإعدام و المؤبد. و بالتالي فان العودة و غلق ملف التتبعات العدلية لا يحيد عن ثلاثة احتمالات: – العودة بموجب عفو تشريعي عام: هذا حلم و مطلب المعارضة وهو بلا شكّ يرد الاعتبار و يطوي سلبيات الماضي و يُريح النفوس .و لكن إذا نظرنا للواقع بعين العاقل ، نجد أنّ شَرط تحقق هذا المطلب هو وجود أغلبيّة برلمانيّة مقتنعة بجدواه للمطالبة به داخل المجلس و عرض قانون فيه والتصويت عليه، باعتبار أن العفو التشريعي العام لا يصدر إن حصل ذلك، إلا عن المؤسسة التشريعيّة المتمثلة حاليا في مجلس النواب. وهذه الأغلبية مستحيلة الآن بكل المقاييس. – العودة بموجب عفو رئاسي وفق صلاحيات رئس الدولة الدستوريّة، يحفظ القضية ويُوقف التتبع على غرار ما وقع سنة  1987و 1988 مع مساجين محكمة امن الدولة آنذاك و أفراد ما بات يُعرف في ما بعد « بالمجموعة الأمنيّة ». – العودة بموجب التمشي القانوني العادي أي بالاعتراض أمام القضاء على الأحكام الغيابيّة مثلما كان الأمر مع المحاكمين غيابيا صائفة سنة 1987 ، مثل الشيخ عبدالفتاح مورو حمادي الجبالي والهاشمي الحامدي … وغيرهم، إثر عودتهم من الخارج سنة 1988. وهو الوضع الحالي لأغلبيّة العائدين، كما تجدر الإشارة بأن السلطات قد تعاملت السلطات بإيجابية كاملة مع هذه االحالات، و قد تحوّلت الأحكام الغيابية إلى مؤجلة التنفيذ مع تخفيض مدتها أو إسقاطها قضائيّا جملة واحدة. لا شك أن تغرب الإنسان عن موطنه و عدم قدرته على الرجوع إليه هو أمر مؤلم جدا. و لا شك أن محنة الاغتراب هي محنة قاسية و مدمّرة لا تفوقها إلا محنة السجن. و لكن ستبقى قضية العودة إلى الوطن قرارا فرديا، تماما مثلما كان الخروج منه فرارا خلاصا فرديا في بداية ثمانيات أو تسعينيات القرن الماضي. أما محاولة ركوب هذه القضية و توضيفها السياسي والمراهنة على أوهام الحاضر و المستقبل، لن يزيد أمر أصحابها إلا تعقيدا وبعدا عن الواقع المعاش للناس داخل البلاد والتطورات الحاصلة في ذلك في كل الاتجاهات.

محمد العماري ـ باريس


بسم الله الرحمن الرحيم  النخبة الاسلامية  بين الانشغال بالجزئيات و مواجهة التحديات 


كتبه : ابراهيم بلكيلاني ( النرويج ) .   إن المتأمل في الخطاب السياسي التونسي على صفحات الانترنيت المهجرية أو المحجوبة داخل تونس ، يلاحظ التالي :   1.    الانشغال بالجزئيات المختلف حولها على حساب الكليات الوطنية الجامعة . 2.    تبرئة الأنا الفردية أو الحزبية. 3.    الانزلاق بالخطاب و استدعاء مدونة لغوية تفوح برائحة الغلو في التشكيك بالآخر الفرد أو الجماعة .   و سنخصص هذا الجزء للنظر في المسألة الأولى :  فالناظر في مجموع التحديات التي تواجه الوطن ، المعلنة و المستورة ، يرى مدى تخلف و عجز حركة النخبة الاسلامية عن الأخذ بهذه الملفات و المبادرة بتقديم المقاربات و المشاركة في البحث عن الاستجابة الواعية لها . فالتحديات تطال كل جوانب الحياة:   أ‌-    فمنها ما يتعلق باللسان الاستيلاب اللغوي ، و ضعف المهارات اللغوية للأجيال الجديدة مما يعني بداية ضمور للسان العربي القويم في التعليم و الثقافة و السياسة و الاجتماع . و لعل صيحة الفنان المسرحي  الكبير المنصف السويسي  الذي نقلته الصباح مؤخرا آخر صيحات الفزع الثقافي  فهو  » يشير ولا شكّ الى محاولات المسخ الثّقافيّ والحضاريّ الّتي تستبطنها بعض الأعمال المسرحيّة لمجموعات وفرق « جديدة» تقول أنّها تبشّر بمسرح « جديد» وهي لا تبشّر في الحقيقة الاّ بالانسلاخ وتمهيد السّبيل لدعاة الارتماء ثقافيّا في أحضان « الآخر» الحضاريّ « [1]. و يمثل كتاب  الدكتور محمد الطالبي أيضا إشارة  إلى مدى التحدي الثقافي الذي تواجهه الهوية الوطنية [2] . ب‌-  و منها  ما تواجهه الناشئة و التي هي أوضح  وما أحداث العنف المدرسي و الرياضي إلا نتيجة لنسق تربوي و تعليمي ونمط لعلاقات اجتماعية غير سوية و مآلا خطيرا ينذر بظواهر  خطيرة تهدد المجتمع . و قد لاحظ الدكتور المنصف ونّاس إلى أنه   » ومنذ 4 عقود تقريبا تغيرا واضحا في السلوك والممارسة الحياتية لدى عدد هام من الشبان، اذ تسببت سرعة التحضر في بلادنا ( 75 في المائة من السكان يسكنون المدن) في تغير العادات والسلوك،ابتعد الأبناء عن آبائهم لأسباب مختلفة وتفككت بالتالي الرقابة التقليدية نظرا لاهتراء السلطة الأسرية، ونحن اليوم نعيش على وقع أزمة تربوية حقيقية، فالأولياء اليوم عاجزون عن السيطرة على وضع التسيب الذي يعيشه أبناؤهم بسبب نشوء شخصية شبابية جديدة تدافع عن قيم مختلفة وتصر على التمرد على التقاليد وحتى القيم الثابتة « [3] . ت‌-  و منها ما يواجه الأسرة التي هي اللبنة الأساسية للمجتمع فقضايا الطلاق لا تزال مرتفعة و لها ظلال مؤلمة و خطيرة على سلامة المجتمع . فعلى رغم ما أكده وزير العدل من  » تسجيل انخفاض نسبي في عددها خلال السداسي الأول للسنة القضائية الحالية من 5665 إلى 5547 قضية « . و لكن هذه النسبة تعد مرتفعة بالمقارنة إلى انخفاض في عدد الزيجات . و قد أفاد الوزير أيضا   » أنه تم تسجيل ارتفاع طفيف في قضايا الطلاق بطلب من الزوج من 3350 إلى 3490 قضية مقابل انخفاض طلبات الطلاق برغبة من الزوجة بنسبة 11 بالمائة. وقال إن قضايا الطلاق ترتفع بالأقطاب الحضرية وتنخفض في الجهات ذات الطابع الريفي « [4]. و قد أشارت بعض الدراسات سنة 2009 إلى أن تونس  » باتت تحتل المرتبة الأولى عربيا والرابعة عالميا في نسبة الطلاق، وذكرت دراسة أعدتها وزارة شؤون المرأة والأسرة التونسية ونشرت صحيفة « الصباح » التونسية المستقلة .. مقتطفات منها،أن عدد حالات الطلاق المسجلة خلال العام الماضي،بلغ 9127 حالة ،مقابل 16 ألف حالة زواج « [5] . ث‌-  أما عن التغيرات الناجزة في سلوك المرأة التونسية فقد قامت الباحثة الاجتماعية هادية العود البهلول بدراسة جرائم النساء من خلال  باب « أخبار الجريمة » في صحيفتي (الصباح) و (الشروق) ما بين بداية نوفمبر 2004 و بداية افريل 2005 , و قد خرجت الباحثة بالنتائج الخطيرة التالية :

*  » أن نوع الجرائم التي ترتكبها المرأة  والسائدة في المجتمع التونسي هي نفسها ولم تتغير تقريبا، وتتمثل خاصة في جرائم الأخلاق وخصوصا الجرائم الجنسية بنسبة تفوق 37%، التي غالبا ما تكون مرفوقة بجريمة سكر أو عنف. كذلك جرائم السرقة التي تقع بدافع الحاجة والفقر أو بدافع المحاكاة أو الإغراءtentation وتواجد الفرصles opportunités  كسرقة مثلا المعينة المنزلية لمشغلتها أو العاملة  في محل مخدمها.

*   تورط المرأة في العديد من جرائم القتل لأسباب سوسيو-اقتصادية *   انتشار ظاهرة العنف اللفظي والجسدي عند المرأة ضد الزوج الذي غالبا ما يقابله سكوت وإذعان من الضحية. *    انتشار ظاهرة استهلاك المخدرات *   أن أكثر من ثلثي الجرائم ترتكب في المدن الكبرى *    تغيُّر في أسلوب الجريمة عند المرأة، كتوخي العنف والتهديد باستعمال الأسلحة البيضاء للنهب، أو استعمالها لخلع المنازل والمحلات التجارية للسرقة *    أن المرأة لم تعد تكتفي بالمشاركة في الجريمة فقط كما كانت في الماضي بل أصبحت اليوم عنصرا فاعلا ومسؤولا ولها دور متنامي في مجال الجريمة. *    أن أغلب المنحرفا ت ينتمين إلى فئة الشباب والكهول الشباب، بدون عمل أو يقمن بأعمال ذات الأجور الزهيدة، ينحدرن من مناطق فقيرة ومحرومة،  وخاصة يشتكين من خلل قيمي وأخلاقي وغياب الوازع الباطني( دعارة، خيانة، سكر، مخدرات، قتل، عنف جسدي ولفظي، تحيل، غدر…)  » [6].

ج‌- و هناك تحدي آخر يؤرق وطننا و هو التحدي الديمغرافي  ، إذ تشير الدراسات إلى بعض الحقائق الصماء كما يصفها الاستاذ عبداللطيف الفراتي  و التي لا مجال للهروب  منها و ملخصها  » أن نسبة كبار السن ستتضاعف بالقياس للعدد الجملي من السكان بعد 25 سنة، بينما تتقلص نسبة الأطفال تحت 15 سنة بحوالي 25 في المائة. وسيزداد الأمر حدة في السنوات الموالية وإلى حدود منتصف القرن الحالي عندما يتطور عدد الوفيات إلى ما فوق عدد الولادات ويبدأ عدد السكان بالتناقص بعد أن يكون بلغ 13 مليونا فقط سنة 2049، لينزل تباعا إلى 12 ثم 11 ثم 10 ملايين  » [7].   و للأسف الشديد لا تلاقي هذه التحديات صدى في اهتمامات النخبة الاسلامية أساسا . فكثير منها ينزوي عنها بتحميل السلطة المسؤولية الأساسية ، و يستعيض بتوجيه النقد السياسي . و نحن لا نغمط الحق بالنقد السياسي . و لكننا نشير إلى أن هذا  التفكير هو تبسيط في فهم الظواهر السلوكية و الاجتماعية و التي تتصف بالتعقيد ، و لا يستقيم القول به عند وضعه أمام المحك العلمي و التحليل الموضوعي . و في اعتقادنا حان الوقت ليعلو صوت النخبة الاسلامية لتشارك في تقديم المقاربات النظرية و العملية ، و تحمل مسؤوليتها الوطنية و الشرعية . فالتحديات التي تواجه الوطن كبيرة و لم يعد في الوقت متسع للمساهمة المباشرة في صناعة المستقبل و لو على المستوى النظري في المرحلة الاولى . و على النخبة الاسلامية أن تتحرر من  » الأسر السياسي » و تنطلق في رحب النظر العلمي البناء لترسم مساهمات ، الوطن بأمس الحاجة لها . و أدعي أن النخبة الاسلامية لها من الامكانيات العلمية و الخبرة العملية و الشجاعة الأدبية و حب الوطن ، ما يمكنها من تسخير نفسها لمواجهة التحديات الكبرى ، و إن حيل بينها و بين الفعل  سابقا ، فالحائل في نظري مركب و يتوزع بين عامل داخلي مأسور لرد الفعل السياسي ممزوج بشحنة نفسية  لا تزال تعيش تحت وقع الظلم الذي سُلّط عليها و آخرخارجي مأسور هو أيضا بعقلية مشككة  بأنماط الالتزام الديني بل حتى بسلامة الصدور . و لعل البعض يعترض بأنه لافائدة ما دامت عقلية  » منهج السلطة  » هو المتحكم في المسار السياسي اليوم ، إلا أننا نرى بأن القطع مع هذه العقلية لا يُنجز إلا عبر سيرورة بناءة و عاملة على صناعة شروط انجاز  » سلطة المنهج » .و لمثل هذا المسار مجموعة من العوامل قد أشار إلى بعضها الاستاذ العجمي الوريمي في مقاله ( المراجعات القائمة و المصالحات القادمة) [8] .          

 

و فاتحة ذلك ف نظرنا هو انخراط النخبة الاسلامية في التحديات الكبرى التي أشرنا إلى بعضها بعيدا عن عقلية  » الأسر السياسي  » ، لأن نارها ستكوي الجميع . و للحديث بقية . [1]http://www.assabah.com.tn/article.php?ID_art=33045 [2] الطالبي ، محمد : ليطمئن قلبي . تونس : سراس للنشر ، ط1، 2007 . [3] http://www.assabah.com.tn/article.php?ID_art=33093 [4] http://www.assabah.com.tn/article.php?ID_art=33137 [5]  (المصدر: موقع ايلاف ( بريطانيا) بتاريخ 8 اوت 2009 ) [6]  مجلة علوم انسانية WWW.ULUM.NL السنة السادسة: العدد 41: ربيع 2009 [7] http://www.assabah.com.tn/recherche_details.php?ID_art=30083 [8] http://www.tunis-online.net/arabic/modules.php?name=News&file=article&sid=6998


عندما تتصاغر همة العلماء تتعاظم شراهة المستبد


الدكتور محمد بن نصر،   birali@hotmail.com   مَن من أحرار هذه الأمة -عندما تكون البوصلة سليمة – لم يتساءل يوما عن أسباب استمرار الأوضاع على حالها في عالمنا العربي؟ منذ ما يزيد عن القرنين والأصوات تنادي و لا تفتر بالتغيير والإصلاح ولكن لازالت الأسئلة هي الأسئلة، تتشعب وتتفرع لتعود إلى محورها: لماذا تأخر المسلمون وتقدّم غيرهم؟. لا شك أن هناك تحولات كبرى عرفتها المجتمعات العربية الإسلامية في مستوى أنماط الحياة، تكدّست فيها السلع واستحكمت بنواصيها ثقافة الاستهلاك ولكن الذي ظل على حاله وهو بالنتيجة في تقهقر مستمر هو وضع الإنسان العربي، فبالرغم من كل التضحيات التي قدّمها بل لعلّ بسبب قيمة التكلفة وضعف الحصاد تمكّن منه الخوف أيما تمكّن حتّى صار خائفا حين يتكلّم وخائفا حين يكتب بل خائفا حين يصمت.  استوى في ذلك الجميع، المواطن « العادي » الذي يخشى أن يجد نفسه في وضع أسوء ممّا هو فيه بعد أن علّمته تجارب الحياة أنّه حين يُحاط به يجد ظهره إلى الحائط فلا سند له ولا مغيث. و أهل الأبّهة، من أصحاب القلم وأصحاب المال وأصحاب الشوكة، يخشون أن يفقدوا مواقعهم فيفقدوا معها التمرغ الناعم في « أوحالها » الحريرية. علماء رحّل ولكن على شاكلة جديدة، يجوبون العالم برا وبحر وجوا، ينتقلون من مؤتمر إلى مؤتمر في الفنادق الفاخرة وفي القاعات المكيفة بردا وسلاما، يتكلمّون عن الحرية وعن العدالة وعن كل الأشياء الجميلة، جميلة مثل الأحياء الفاخرة التي ينزلون بها، فهم لا يعرفون عن الأهوال التي عاشها من أصابه ضيق من العيش أو من دارت عليه طاحونة الاستبداد.   ماذا سيقولون بعد ذلك لأصحاب السعادة؟ سيقولون لهم كلاما يريح نفوسهم ويزيح عنهم الهم، هَمُّ مطالبتهم أن يحكموا قسطا وعدلا، كم تجادل علماؤنا في حكم تارك الصلاة، فصّلوا في المسالة حتى أن خيالهم طال الممكنات التي لازالت في عالم الغيب ولكنّهم لم يتساءلوا علنا عن حكم الشرع في من أسقط الشورى وعن حكمه في من حكم بالجور وعن حكمه في من تسلّط منهم على العباد مرّة باسمه ومرّات باسم القانون.    هل التمدّن بقيمه ومعاييره وشروطه طلسم عجزت عقولنا الصغيرة عن فكّ رموزه وفهم معانيه؟ لا نعتقد أن المسألة بهذا الاستعصاء المستغلق، فنحن في الأصل أمة تربّت على القراءة باسم الله وعلى القراءة بمعية الله وبعونه. و إن لم تُسعفنا تجربتا التاريخية -كما يقول البعض – في إقامة العدل فإنّها لا شك تسعفنا في معرفة أسباب تحكم الظلم وكيفية التصدي له، ثم إن مشكلتنا ليس في الاستيعاب النظري لأسس التمدّن ولكن توفير شروط تنزيله.  هل يعود الأمر إلى الغرب الذي يخطط وينفذ بمدد من عندنا ومن عنده ليٌبقى على الحريق مشتعلا فلا نقوى على النهوض ولا نرضى بالقعود. لاشك أن هذا أمر واقع لا جدال فيه ولكن هل نتوقع من الغرب غير ذلك؟ هل نتوقع أن يتنازل عن مصالحه طوعا وأن يتوقف عن إيذائنا حلما وهو يعلم أن ضعفنا من شروط تفوقه.  فقه التظلم في هذا الجانب لا ينفع المظلوم ولا يرفع عنه الظلم. لأن الدول التي تتحكم في مقدرات العالم تريد وتقولها صراحة أنها تعمل دائما من أجل المحافظة على معادلة قلة متحكّمة، تحتكر العلم والمال والقوة و جمع ضعيف من الشعوب لا قدرة لها إلا على الاستهلاك. تتقن هذه القلّة من الدول اللعب بمهارة على أكثر من حبل، تؤيد الأنظمة المستبدة لأنها تحافظ عل مصالحها وتستقبل ضحاياها لاجئين لتعيد تدجينهم فينقلبوا على أنفسهم ويطيب لهم العيش على الفتات الوفير وتمر الأيام  تباعا وتصبح شعارات الأمس ذكرى بعيدة سرعان ما تخمد ثم تتلاشى تحت ركام مشكلات الحياة الجديدة التي بها أصبح الملجأ دار مقام.  إذا أين تبدأ خيوط الوهن وممّ تتغذّى؟ لاشك أن المعين الأكبر لها هي ثقافة الاستبداد الذي قال عنه عبدالرحمان الكواكبي يوما لو كان الاستبداد رجلا وأراد أن يحتسب وينتسب لقال أنا الشر وأبي الظلم وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمّي الضر، وخالي الذل وابني الفقر، وبنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب أما ديني وشرفي وحياتي فالمال المال.  من هنا تظهر المسؤولية الكبرى الملقاة على المفكّرين والعلماء بوصفهم أصحاب القلم وأهل الكلمة، سكوتهم عن الحق واختلافهم عليه مأساة هذه الأمة. يُؤثر عن تشرشل أنّه قال أن بريطانيا لا يحكمها مستبد مطلقا، قيل له ولماذا قال لأنّه سيعجز أن يجد من يآزره من المفكّرين الذين تربّوا على تقديس الحرية فقد علموا أن شعوبهم لن تقبل منهم مثل هذا التواطؤ.  بعد زيارته للإتحاد السوفيتي قال جان بول سارتر وكان حينها نجما ساطعا في مجال الفكر والأدب، إذا كان المواطنون السوفيت لا يسافرون خارج بلادهم فليس لأنّهم  ممنوعون من ذلك ولكن لأنّهم لا يشعرون بأية رغبة في مغادرة بلادهم الممتعة فهم ينتقدون سياسة بلادهم بحرية أكبر وبطريقة أفضل منّا مؤكدا أن حرية النقد في الإتحاد السوفيتي هي على أكمل وجه. شُنّع على سارتر واضطر أن يتراجع عن ذلك قائلا نعم قلت عن الإتحاد السوفيتي كلاما طيبا لا أعتقد في صحته وقد قلت ذلك لأنّي قدّرت أنّه عندما يكون أحدنا مدعوا من جماعة ما لا يستطيع أن يرميهم بقاذوراتهم حالما عاد إلى بيته وأيضا لأنّه لم يتبيّن لي الموقف من الإتحاد السوفيتي بناء على قناعاتي الخاصة.  لم يُقبل هذا التبرير من سارتر وسيذكر التاريخ دائما هذا الموقف المخزي لمؤسس الوجودية والداعي لحرية بلا حدود. كما أنّ التاريخ لن يشفع لماركس الذي حينما قام بأبحاثه حول الاستغلال في الأجور وجد العديد من العمّال المستغَلَّين في أجورهم ولكنّه لم يفلح في اكتشاف عاملة لم يُدفع لها أجر أصلا، وما كان ليجهد نفسه لأنّها ببساطة خادمته التي استغلها في جسدها وفي قوة عملها. سيكتب التاريخ ولكن بعد فوات الأوان عن العلماء والمفكرين، الذين رفعوا شعار الحداثة والذين رفعوا شعار الإسلام دفاعا عن المستبد العاقل والعادل الذي اضطر للاستبداد لتأديب الجهلة والغافلين من أبناء شعبه. ليس معنى ذلك ألاّ يفقه العالم والمفكر من قاموس السياسة إلا كلمة « لا » الخشبية، الرافضة لكل شئ ولو كان حسنا في ذاته. لا شك أن النطق بكلمة « نعم » في مكانها شهادة على الحق بالحق مهما كان مصدره ولكن الخشية تأتي من « نعم » تائهة لا تفرق بين الحق والباطل تٌبسط متراكمة لتصبح في النهاية بساطا مريحا لأصحاب العصي الغليظة.


في الحاجة إلى بناء الكتلة التاريخيية الحالة التونسية نموذجا


لمتابعة الجزء الأول من الدراسة الرجاء الضغط على الرابط التالي:

https://www.tunisnews.net/20Avril10a.htm

حيث تجد العنوان التالي على قائمة العناوين

د.رفيق عبد السلام:في الحاجة إلى بناء الكتلة التاريخيية الحالة التونسية نموذجا(الجزء الأول)

 

 

 

الحالة التونسية والكتلة التاريخية

(الجزء الثاني)

 

  د.رفيق عبد السلام باحث في الفكر السياسي والعلاقات الدولية  

 

ليس بوسعنا الحديث عن عمل سياسي مشترك، بله الحديث عن فكرة التكتل التاريخي في تونس قبل مرحلة الثمانينات التي شهدت نوعا من الحراك السياسي غير المسبوق. أما قبل ذلك فقد اتسمت الحياة السياسية التونسية بالانفراد الكامل للزعامة البورقيبة المسنودة بشرعية التحرير وبناء « الأمة » منذ  أن تمكن  بورقيبة من مسك مقاليد الحكم بعد استقلال البلاد سنة 1956.[1]  

ما عمق الإشكال السياسي في هذا البلد أكبر هو  أن حادثة الاستقلال اقترنت بحصول  شرخ عميق شق النخبة الاستقلالية التونسية في إطار الحزب الدستوري بين الأمانة العامة للحزب التي كان يتولاها الزعيم صالح بن يوسف، وبين الديوان السياسي الذي كان يشغل رئاسته الحبيب بورقيبة. وقد كان لهذا الانقسام السياسي المبكر تداعيات خطيرة على عموم الحياة السياسية وتوازنات الحكم في البلد. فبينما عمل بورقيبة على مواجهة خصمه اللدود صالح بن يوسف وتقوية مركز زعامته الانفرادية داخل الحزب، عبر نسج خيوط التحالف مع المنظمات والهياكل الوطنية وعلى رأس ذلك الاتحاد العام التونسي وكسب الدعم الفرنسي الخفي والظاهر، انتهى غريمه  صالح بن يوسف إلى تقوية الصلة بالتيار الزيتوني والقوى الاجتماعية التقليدية  إلى جانب توثيق الصلة  بمصر الناصرية والمشرق العربي عامة ، وبذلك تحول الخلاف السياسي بين الرجلين حول موضوع الاستقلال الداخلي إلى نوع من الاستقطاب حول مسألة الهوية والخيارات الثقافية والمجتمعية عامة[2].

كان من نتائج هذا الصراع المبكر أن اتجهت النخبة البورقيبية إلى اعتبار كل شكل من أشكال المعارضة السياسية ضربا من ضروب الفتنة ، على منوال ما أسمته منذ وقت مبكر بالفتنة اليوسفية، وإلى دمغ المعارضين والمنافسين السياسيين بمثيري الشغب والشقاق الوطني ، أي إن بورقيبة لم يسع إلى تصفية خصومه الفكريين والسياسيين فحسب، بل أكثر من ذلك سعى إلى إلغاء مبدأ شرعية المعارضة السياسية أصلا باعتبارها عنوانا على الفتنة والخروج على الإجماع الوطني الذي يتلخص في شخص الزعيم، وفي مثل هذه الأجواء اختفى معنى المعارضة السياسية عدا  ما بقي خفيا في إطار التجاذبات السياسية تحت مظلة الحزب الحاكم.    بيد أنه  منذ أواخر السبعينات وبداية الثمانينات  شهدت الساحة السياسية التونسية حراكا سياسيا واجتماعيا واسعين وذلك في أجواء الشيخوخة البيولوجية التي فلت من عضد الرئيس العجوز الحبيب بورقيبة، ومعها الشيخوخة السياسية التي أصابت مجمل الهرم السياسي الذي أقامه تحت زعامته الشخصية القائمة على مشروعية التحرير .  فقد فرضت  المواجهة العنيفة بين الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة زعيمه التاريخي الحبيب عاشور وبين الدولة سنة 1978 آثارا ا ملموسة إن كان ذلك على صعيد  الحكم أو على صعيد المعارضة وعموم الحالة السياسية التونسية، وذلك بالنظر إلى ما يتمتع به الاتحاد (تأسس سنة 1946) من ثقل سياسي واجتماعي  أتاح له أن يكون أهم قوة موازنة وكابحة لجماح الحكم. فقد أفرزت المواجهات الدامية بين الاتحاد وأجهزة الأمن والتي كانت تغذيها  فشل تجربة التعاضد (التجربة الاشتراكية) والاحتقان الشعبي، فضلا عن مخلفات الحكم الانفرادي حراكا سياسيا واجتماعيا ملموسين، إن على صعيد التكتلات السياسية الآخذة في التشكل أو على صعيد المجتمع المدني والهيئات العامة ، وفي مقدمة ذلك الحركة الطلابية المتمردة على السلطة[3].

بدأت المعارضة السياسية الرسمية  بنوع من التصدع داخل الحزب الدستوري الحاكم قاده الجناح الليبرالي وقتها بزعامة أحمد المستيري الذي سيتولى تشكيل وقيادة حركة الديمقراطيين الاشتراكيين فيما بعد، ثم تطور الأمر بعامل الوقت إلى قبول بورقيبة الاضطراري بنوع التعددية الحزبية الجزئية والمحدودة دشنها سنة1981  وبالاعتراف بثلاثة أحزاب رئيسية هي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحركة الوحدة الشعبية والحزب الشيوعي التونسي، بيد أن ذلك كان متزامنا مع اعتقال القيادات السياسية لحركة الاتجاه الإسلامي التي طلبت تأشيرة للاعتراف القانوني سنة 1981. 

عرفت تونس  منذ بداية الثمانينات مراحل مختلفة في مجال العمل السياسي المشترك  تراوحت بين المد والجزر، وكان ذلك في الغالب الأعم على قاعدة مطلب الحريات وتوسيع « الهامش الديمقراطي »من دون أن يرتقي ذلك فعلا إلى تكوين نواة صلبة ومتماسكة تفرض التغيير الديمقراطي الجاد، وفي مثل هذه الأجواء الانفتاحية الجزئية، شهد العمل التنسيقي بين مختلف القوى السياسية نوعا من التنامي الملحوظ، وخصوصا بين حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة الأستاذ أحمد المستيري والحزب العمال الشيوعي التونسي بقيادة محمد حرمل وحركة الاتجاه الإسلامي وقتها بقيادة الشيخين راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو، إلى جانب حركة الوحدة الشعبية بقيادة محمد بلحاج عمر،  والحزب الديمقراطي التقدمي (الذي تحول اسمه أخيرا إلى التجمع الديمقراطي) بزعامة الأستاذ أحمد نجيب الشابي.  وقد بدأ هذا  التنسيق في بدايته ضمن نطاق محدود، وعلى خلفية بعض القضايا أو المطالب المشتركة مثل الاحتجاج على الغارة الأمريكية على ليبيا سنة 1986 أو على شاكلة  تحركات تضامنية مع الاتحاد العام التونسي للشغل في مواجهة مخطط السلطة لتحجيمه والهجوم عليه، أو التنسيق داخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، إلا أنه مع اتساع دائرة الحريات نسبيا  خصوصا بعد انتفاضة الخبز سنة 1984 وشعور النخبة التونسية ببداية أفول الحقبة البورقيبية اتسع نطاق العمل التشاوري والتضامني بين مكونات المعارضة التونسية من دون أن يرتقي ذلك فعلا إلى طور التحالف السياسي الجبهوي.

كانت مرحلة الثمانينات واعدة فعلا بامكانية انتقال  تونس نحو حكم ديمقراطي مدني، خاصة وأن البلد يتوفر على قدر كبير من التجانس الاجتماعي ودرجة عالية نسبيا من التعليم والتمركز المديني مقارنة بدول الجوار المغاربي، فضلا عن كون  مطلب الإصلاحات والتغيير الديمقراطي كان موضع إجماع تقريبا بين مختلف القوى السياسية، وقد ساعدت هذه الأجواء « الليبرالية » نسبيا الجميع على التطور السياسي وامتلاك أقدار من ناصية النضوج الفكري والوعي السياسي. فقد بدأ الإسلاميون يخففون تدريجيا من اندفاعاتهم السياسية والايديلوجية الجذرية المتأتية من مرحلة التكوين في بداية السبعينات تحت تأثير الأدبيات القطبية والشعور بالعزلة النفسية عن محيط رأوه شديد التغرب والتفسخ، وأصبحوا أكثر ميلا للقبول بالفكرة الديمقراطية ومشاركة الآخرين، في مقابل ذلك بدأ اليساريون والليبراليون أكثر ميلا للتعاون مع الإسلاميين ومواجهة حكم بورقيبة المنهك أصلا [4] 

 

عودة حقبة القمع 

 

 بيد أن معطيات الواقع التونسي، ولسوء حظ التونسيين، قد سارت فيما بعد  في وجهة مغايرة لكل التوقعات والآمال التي علقت على مشروع « التغيير » الذي قاده الرئيس بن علي سنة 87، وقد مثلت انتخابات 89 التي شارك فيها الإسلاميون بقوائم مستقله بداية الانتكاس وتبدد الآمال التي علقت على « التغيير » لما رافق هذه العملية من تزييف واسع النطاق ثم عودة قوية للخيارات الأمنية والقمعية.

كان المراقبون للشأن التونسي، وكذا الفاعلون السياسيون يتوقعون  أن تشهد البلاد نقلة جادة نحو انتقال ديمقراطي حقيقي، وأن يكون الحكم الجديد  أكثر استجابة  لتطلعات التونسيين ونخبههم الفكرية والسياسية وذلك بالنظر إلى مجمل الوعود التي بشر بها والتي لخصها في شعار كبير ومكثف (لا ظلم بعد اليوم)، بيد أن الأمور قد سارت باتجاه « العودة »، بل أكثر من ذلك  الانتكاس إلى ما دون الحقبة البورقيبية على مساوئها، إذ أصبحت آلة القمع أشد ضراوة وشراسة مما كانت عليه.

عرفت تونس منذ بداية التسعينات تونس تراجعا مريعا على صعيد الحريات الشخصية والعامة، وذلك في أجواء تصميم السلطة على القضاء على خصومها الإسلاميين تحت عنوان القضاء على الخطر الأصولي، ومنذ ذلك الوقت دخلت تونس مرحلة الاستثناء السياسي بأتم معنى الكلمة، وذلك بسيطرة أجهزة الأمن والمحاكمات الصورية وتأميم الصحافة وكل مساحات العمل والتعبير  المستقلين التي انتزعتها القوى الاجتماعية والسياسية التونسية على امتداد أجيالها المتلاحقة[5].

في مثل هذه المناخات القمعية تراجعت أرضية العمل الوطني المشترك ليحل محلها الاستقطاب الفكري والسياسي، وتضاءلت لغة الحوار والتواصل بين مختلف

القوى المعارضة لتحل محلها الريبة والشك.

مثلت حقبة التسعينات  انتكاسا مريعا ليس على صعيد الحكم فحسب،  بل ما هو أخطر من ذلك على صعيد أداء القوى السياسية المعارضة والعلاقة فيما بينها. فقد نجح نظام الحكم المصمم وقتها على خوض معركة استئصالية لا هوادة فيها ضد خصومه الإسلاميين في تحييد المعارضة  وتجنيد بعض أجنحتها في إدارة  هذه العركة الشرسة على خلفية التفرغ لمواجهة العدو الأصولي المشترك ليتم من بعد ذلك إقامة ديمقراطية من دون إسلاميين  » بحسب وعوده. وفعلا اندرجت بعض المجموعات الإيديولوجية اليسارية ضمن هذه المعركة الطاحنة ووضعت خبراتها وإمكانياتها تحت تصرف أجهزة الحكم، بعد أن استقرت عندها  قناعة بمفادها أن جهاز الدولة يظل في نهاية المطاف بمثابة الخط الدفاعي  في مواجهة المد الإسلامي « المخيف »، وأن مثل هذا « الخطر » أشد ضراوة من خطر الاستبداد السياسي الرسمي.

يد أن مجريات الأحداث السياسة وتمدد آلة القمع نحو مخيف، قد أقنعت الجميع بخطأ مقولة الديمقراطية المجزأة، وتبين أنه ليس من الممكن الجمع بين الديمقراطية والاستثناء في نفس الوقت. وفعلا لم تتوقف آلة القمح عند حدود المعارضين الإسلاميين بل تعدتهم لتشمل مختلف مكونات الطيف السياسي والفكري التونسي ونشطاء الساحة الحقوقية والمجتمع المدني، حتى غدت السجون التونسية أهم حقل للتواصل واختبار القناعات السابقة، وكذا لتقييم التجارب والرؤى. بل كان  للمعايشة السجنية بين الفرقاء كبير الأثر في رفع الحواجز النفسية وتذويب الخلافات الإيديلوجية إلى حد بعيد، وهو ما أثمر فيما بعد تقوية الصلات بين المعارضة والإقدام على تكوين هيئة 18 أكتوبر.

بيد أن حالة الانهيار السياسي واشتداد آلة القمع التى دارت رحاها على أجسام وأرواح  جل المناضلين السياسيين من مختلف الفصائل والاتجاهات ، قد أقنعت الجميع طوعا وكرها بضرورة تدارك هذا المأزق التاريخي وعددم التمادي في الخطأ،  كما حفزهم أكثر على ضرورة فتح جسور التواصل والتعاون المشترك، وتجاوز مزالق المرحلة السابقة ومساوئها.   من المبادرة إلى الهيئة 

 

مثلت  مبادرة 18 أكتوبر التي ضمت قوى سياسية وفكرية مختلفة، من ذلك التجمع الديمقراطي والتكتل الديمقراطي وحزب العمال الشيوعي التونسي وحركة النهضة إلى جانب هيئات وشخصيات أخرى من المجتمع المدني،  خطوة مهمة ومتقدمة على طريق تركيز دعائم العمل الوطني المشترك وتجاوز مخلفات الشرذمة التي طبعت الساحة السياسية التونسية لعقود طويلة. انطلقت هذه المبادرة بادئ الأمر بإضراب مفتوح عن الطعام دشنته ثماني شخصيات سياسية وحقوقية  تونسية يوم 18 أكتوبر 2005، وقد اتخذت المبادرة هذه التسمية من وحي تاريخ تشكلها، وقبل شهر واحد من انعقاد مؤتمر المعلوماتية الدولي الذي أراد أنت يجعل منه السلطة  محفلا دوليا تنال بموجبه أوسمة الثناء على « تقدم تونس وديمقراطيتها ».اجتمع المضربون حول أربعة مطالب رئيسية كانت موضع إجماع بينهم وأسموها بالحد الأدنى الديمقراطي،  وهي تتلخص في إطلاق سراح المساجين السياسيين، سن العفو التشريعي العام، حرية الإعلام والصحافة، الحق في التنظم الاجتماعي والسياسي. بعد شهرين فقط تحول هذا التحرك الاحتجاجي العفوي إلى ما يشبه التجمع السياسي ضم 24 شخصية تمثل مختلف مكونات الطيف السياسي والمدني التونسي أطلق عليها هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات، وبموازاة ذلك تم تأسيس منتدى فكريا يضم  التوجهات المنضوية تحت مظلة 18 أكتوبر لإدارة حوار حول مختلف القضايا الفكرية والسياسية الخلافية، وفي مقدمة ذلك قضايا المرأة وحرية المعتقد والحريات الشخصية وما يسمى بالعقوبات الجسدية وغيرها.وقد أصدرت الهيئة إلى حد الآن ثلاث وثائق رئيسية  أثار بعضا قدرا من السجال والتجاذب داخل الأجسام السياسية المكونة ل18 أكتوبر، وخصوصا داخل الطرف الإسلامي. صدرت الأولى صدرت في شهر مارس-آذار سنة 2007 بمناسبة اليوم العالمي للمرأة تحت عنوان هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين ، وشددت على ما اعتبرته مكاسب تشريعية ومدنية حصلت لصالح المرأة التونسية، مع المطالبة بإلغاء المنشور 108 الذي يمنع المرأة التونسية من ارتداء الحجاب[6]. ، أما الوثيقة الثانية فقد  صدرت سنة 2008 وتتعلق بالحريات الفردية  أكد فيها أعضاء الهيئة التزامهم بحرية الضمير والاعتقاد ورفض كل أشكال التمييز على أساس الدين أوالمعتقد مع احترام حق كل طرف في الاحتكام إلى مرجعيته الفكرية الخاصة في تأصيل هذه الحقوق[7]، ثم أصدرت  الهيئة وثيقة ثالثة أواخر هذه السنة (2009)تحت عنوان في العلاقة بين الدولة والدين والهوية، شدد من خلالها أعضاء الهيئة على رفضهم لكل أشكال الاستبداد سواء كان ذلك باسم الدين أو باسم تصور شمولي ومغلق للحداثة، مع تأكيد الالتزام بالهوية العربية الأإسلامية ثقافة ولغة في إطار مع أسمته بالتفاعل »الخلاق » مع مكتسبات الحداثة.  وقد قصد من إصدار هذه الوثائق الفكرية والسياسية الاتفاق حول ما سمي بثوابت المشروع المجتمعي، والإطمئنان إلى أن الإسلاميين لن يهددوا هذه الثوابت. ورغم بعض السجال الذي صاحب صدور بعض هذه الوثائق، إلا أنها قد حملت في طياتها روحا وفاقية عامة بين مختلف التيارات المكونة للهيئة.

تقييم لهيئة 18 أكتوبر

 

رغم أن مبادرة 18 أكتوبر لم تخل من مظاهر تعثر وقصور بارزين من بعض المناحي التي سنأتي  على ذكرها لاحقا، إلا أنها مع ذلك حملت في طياتها مكاسب لا يمكن التهوين من شأنها أو التقليل من قدرها ، وهي مكاسب تظل  في أمس الحاجة إلى مزيد  المراكمة عليها وتعزيزها وإنضاجها  بما يرتقي بها إلى مستوى الكتلة التاريخية المطلوبة فعلا، وهي مكاسب يمكن تلخيصها على النحو التالي:

·   الخروج من حالة الاستقطاب السياسي والايديلوجي بين المعارضات السياسية، أو في الحد الأدنى التخفيف من حدتها لصالح  استقطاب أوسع مدى طرفاه معارضة  متحدة ونظام حكم استبدادي وانفرادي، بدل أن يجري هذا الاستقطاب بين مكونات الصف المعارض على أساس التقسيم الايديلوجي. لقد بينت تجربة الحوار بين الإسلاميين وبقية التيارات الأخرى الليبرالية واليسارية كما هو الشأن  في تونس وغيرها من الأقطار العربية أن مساحة الاختلافات الايديلوجية والفكرية ليست قاطعة ونهائية، بل يمكن تخطيها وتقليص حدودها عن طريق الفاعلية التداولية والحوارية ، شريطة أن يتحلى الجميع بخصلة التواضع وإرادة الحوار والابتعاد عن الاشتراطات المسبقة أو والرغبة في إدانة الخصم أو محاكمته. فالحوار في جوهره فاعلية قد تفح عقل المرء وقلبه (وكذا هو الأمر بالنسبة للهيئات العامة) على نهايات عير معلومة ونتائج غير متوقعة أصلا، ولا خير في حوار إن خرج منه المرء (أو المجموعة) بمثل ما دخل إليه.

·  ترسيخ روح التعايش الوطني والشراكة السياسية بين مختلف الفرقاء السياسيين بما يعزز روح الثقة وإذابة الجفوة والتوجس المتبادلين بين مختلف الأطراف، وخاصة بين اليساريين والإسلاميين. فقد كان من نتائج هذا التقارب بين  الإسلاميين واليساريين الذي بدأ في زنازين الاعتقال، ثم امتد إلى الساحات العامة فيما بعد، أن اقتنع حزب العمال الشيوعي التونسي مثلا بأن الخطر الرئيسي ورقم واحد، ليس « الأصولية » بل الاستبداد، وأنه ليس من قبيل المستحيل أو المحرم السياسي التعاون مع الإسلاميين وحتى التحالف معهم، ولو كان ذلك بدوافع برجماتية مصلحية.  وعلى الجهة الأخرى تعززت قناعة الإسلاميين في حركة النهضة بجدوى العمل مع الآخرين ونسج خيوط التحالفات السياسية، وأن خطوط التقاطع أو الافتراق لا تقوم ضرورة  على معطى الهوية والثقافة بل إن للسياسة والمصالح النصيب الأوفر في الالتقاء أو الافتراق السياسيين، كما أن السياسة كثيرا ما تفرض قوانينها وإكراهاتها الخاصة على الفاعلين السياسيين بما يتحدى قناعاتهم الايديلوجية الصلبة.   ·   محاصرة المنهج الذرائعي والتوظيفي الذي ألفته السلطة والذي يقوم على استخدام القوى السياسية ضد بعضها البعض واستغلال مناخات الخوف والعداء المتبادل بينها لإضعاف جبهة المعارضة. فقد كان إجماع القوى التونسية على ما أسموه بالحد الأدنى الديمقراطي ثم التحرك لتوسيع هذه المساحة تدريجيا معزز لجبهتهم الداخلية في مواجهة اختراقات السلطة ولعبها على حبال التناقض والتنافس بين العارضة، فضلا عن تشديد الطلب على التغيير الديمقراطي الجاد، بدل الركون إلى لعبة الترضيات الجزئية أو المغشوشة.    إلا أنه يتوجب الانتباه إلى أن هنالك عقبات جمة مازالت تحول دون ارتقاء هيئة 18 أكتوبر فعلا إلى مستوى الكتلة التاريخية التي نتحدث عنها وأن رافعة حقيقية للتغيير الديمقراطي المطلوب ، ومن ذلك

·   إن أجواء الاستبداد وتضاؤل مساحات الحرية قد حالا على نحو أو آخر دون تحول هذا التوجه التحالفي إلى كتلة تاريخية فاعلة ونشيطة. فقد خضع ومازال يخضع أعضاء هيئة 18 أكتوبر إلى رقابة لصيقة من طرف الأجهزة الأمنية، كما منعوا من الاجتماع والتشاور في المقرات العمومية، بل لوحقوا حتى في البيوت والمقاهي بما جعل هذه المبادرة تتحرك ضمن دائرة ضيقة من المناضلين السياسيين والحقوقيين ولم تكتسب بعد قاعدة شعبية واسعة تلتف حولها. صحيح أن مجمل التيارات والقوى والشخصيات التي تنضوي تحت هذه المظلة، وبحكم تنوعها وتعدد خلفياتها الفكرية والسياسية، وبضم جهودها إلى بعضها البعض، تمتلك قاعدة شعبية وازنة، إلا أن حالة الحصار الأمني والرقابة على مجمل الفضاءات العامة تجعل هذه الأطراف مقطوعة الصلة بعمقها الاجتماعي والشعبي.  

رغم أهمية الجانب الفكري في تقريب وجهات النظر وتقليص دائرة الخلاف  بين الفرقاء إلا أن الاستغراق فيه على حساب الملفات الأخرى الأكثر ضغطا وإلحاحا، من شأنه أن يمثل عقبة أمام التطور السياسي وحمل الملفات ذات الأولوية، وفعلا هذا ما حصل مع هيئة 18 أكتوبر من بعض الوجوه، فقد كان من المنتظر أن يكون « المنتدى » الفكري رافدا موازيا للمبادرة إلا أنه  أخذ تدريجيا وبعامل الوقت موقع الأولوية على حساب الملفات السياسية الوطنية، حتى لكأن الهيئة تحولت إلى ما يشبه المنتدى الفكري النخبوي المشغول بقضايا المرأة والمساواة في الإرث وحرية المعتقد والضمير وقضية الردة وما شابه ذلك. فما أن تضيّق السلطة  الخناق السياسي والأمني  على الأطراف المكونة للهيئة حتى ينكفئون على أنفسهم ويغرقون في قضايا وسجالات فكرية على حساب الأداء السياسي الميداني. صحيح أن هذا النقاش مفيد لتطور وعي المناضلين وصقل أفكارهم وتعميق أطروحاتهم، كما أن هذا النقاش قد تمخض إلى حد الآن عن صدور نصوص مهمة لتعزيز الثقة والتقارب إلا أن ذلك لا يسد مسد أولوية السياسي وإلحاحه. كما أننا نعتقد أن أهم ضمان لعدم الانفراد أو التسلط السياسي مستقبليا لا توفره الأفكار والنصوص  أو حتى الالتزامات السياسية من هذا الطرف أو ذاك بل الانخراط في جهد جماعي وترسيخ روح الشراكة السياسية، ثم وجود مؤسسات ناظمة تحول دون تكرار تجارب الانفراد والتسلط.

·   الاختلاف الواضح على سلم الأولويات وحتى التنافس بين بعض الأطراف المكونة للهيئة قد أضعفها وحال دون ارتقائها إلى مستوى الجبهة السياسية، بله الارتقاء إلى الكتلة التاريخية  التي تنهض بمهمة التغيير الشامل. وفعلا شهدت هيئة 18 أكتوبر نوعا من الفتور والارتخاء الداخلي منذ أن طرح ملف الانتخابات الرئاسية والتشريعية على طاولة الحوار السياسي بين أعضائها، وقد حاولت الاستعاضة عنه بتحويل الوجهة نحو القضايا الفكرية والنظرية بعد أن اصطدمت بصعوبات جمة على الجبهة السياسية بالغة الانغلاق.

·   انشغال  مجمل الأطراف السياسية المكونة لمبادرة 18 أكتوبر بشؤونها الداخلية وتضميد جراحها المفتوحة، بسبب ثقل مخلفات الاعتقال والقمع التي أتت على صحة المناضلين ومست أوضاعهم الاجتماعية في الصميم، وذلك على حساب المطلبية السياسية الوطنية، ولعل هذا ما يفسر تضخم الجانب الحقوقي والمطلبي في الساحة التونسية على حساب العمل السياسي، إذ هي المساحة الوحيدة التي تم فيها انتزاع بعض المساحات من أيدي القبضة الحديدية للسلطة.. ولعل أخطر ما في سياسات القمع الهوجاء ليس فقط ما تحدثه على مستوى الأبدان والنفوس من ندوب وآثار، بل في حرف  مشاغل المناضلين السياسيين نحو مشاكلهم الداخلية على حساب الأولويات الوطنية الجامعة.

خاتمة

مع ما كل ما ذكرناه أعلاه من صعوبات ذاتية وموضوعية أحاطت بهيئة 18 أكتوبر إلا أنها تظل حلقة ضرورية ومهمة   لأي مشروع مستقبلي يريد أن يخرج هذا البلد الصغير من دائرة الانقسام والتنازع ويضعه على سكة الاستقرار السياسي والاجتماعي  وذلك عبر تشكل المشروع الوطني الجامع على قاعدة مطلب التغيير الديمقراطي الجاد الذي ينهض بأعبائه الجميع مثلما يستفيد من ثمراته وفوائده الجميع. تكمن أهمية  18 أكتوبر أولا وأساسا في رمزيتها السياسية وطبيعة الرسالة التي تبثها للجميع، والتي مفادها أن الأوطان لا يمكن أن تدار بالانفراد والاحتكار بل عن طريق الشراكة العامة بين مختلف مكونات الطيف السياسي والفكري، كما تكمن في الانتباه إلى أن  أعباء التغيير لا يمكن أن تتحمله قوة بمفردها مهما كان حجمها وقوة سندها الشعبي.   عن (مجلة المستقبل العربي، العدد 373 لشهر آذار/مارس 2010 )  [1] , Michel Camu et Vincent Geissier ;Le SyndromeAutoritaire ; Politique en Tunisie de Bourguiba à Ben Ali (Paris 2003(               [2] Michel Camu et Vincent Geissier ;Le SyndromeAutoritaire ; Politique en Tunisie de Bourguiba à Ben Ali (Paris, 2003)   [3]   محمد صالح الهرماسي، تونس الحركة العمالية في نظام التبعية والحزب الواحد، (دار  الفارابي، بيروت، 1990) [4]      قوبل التصريح الذي أدلى به الشيخ الغنوشي سنة 81 في ندوة صحفية، وقبل بضعة أشهر من اعتقاله بأنه إذا ما اختار الناخب التونسي الحزب الشيوعي فليس له إلا أن يعترف بالنتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع ويسلم بالإرادة الشعبية، وأنه لا يطالب بتطبيق الشريعة بل بإشاعة الحريات، قوبل بنوع من التوجس والضيق في الوسط الإسلامي العام الذي اعتبر مثل هذه التصريحات ذهابا بعيدا عن الحدود المقبولة في مجال الخطاب السياسي للحركات الإسلامية [5]  أنظر العجمي الوريمي، الإسلاميون والسلطة في تونس، قراءة في مسار الحياة وأفق تطورها، مجلة أقلام أون لاين العدد 24، أكتوبر 2009  [6]  أنظر صحيفة البديل لسان حزب العمال الشيوعي التونسي في الرابط التالي http://www.albadil.org/spip.php?article1603   أنظر  [7] http://www.amanjordan.org/a-news/wmview.php?ArtID=15855


الوسطيّة بين الفكر المقاصدي والفكر الحركي 4/1


الصحبي عتيق*

تمهيد

كثر الحديث عن الوسطية وأصبح لها رواج في الساحة الفكرية، وقد وُسّع نطاق استعمال هذا المصطلح حتى غدا فضفاضا ضبابيا ومَرْكبا لكل تيّار حتى لأولئك المتحللين من نصوص الشريعة المروّجين للغثاء المستحدث والذين جعلوا من الوسطيّة ستارا لمواجهة أصول الإسلام ودعاته، وربما توظّف الوسطيّة لشرعنة العلمانية وتبرير الانحراف والتسيب باسم الاعتدال والتسامح – وهما جوهر الوسطية- وكأن الإسلام لا يحمل ثوابت ولا يملك تخوما. وسطية الفكر والحضارة:الرازي وابن عاشور

وبالعودة إلى السياق القرآني ومن خلال تفسير قوله تعالى: » وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس »(البقرة/143 )، وبالعودة إلى مفسرين من مدرستين مختلفتين وهما الإمام الرازي صاحب »مفاتيح الغيب » و الإمام ابن عاشور صاحب « التحرير والتنوير »، تفيد الآية كل معاني الاعتدال والقصد والخير. أمّا الرازي فقد ذكر أنّ العلماء اختلفوا في تفسير الوسط وذكر قوليْن : القول الأوّل : أن الوسط هو العدل والدليل عليه الآية والخبر والشعر والنقل والمعنى ، أما الآية فقوله تعالى :  » قَالَ أَوْسَطُهُمْ » ( القلم : 28 ) أي أعدلهم ، وأما الخبر فما رُوي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم :  » أمّة وسطاً قال عدلاً  » ، وقيل  كان النبي صلى الله عليه وسلم أوسط قريش نسباً ، وقال عليه الصلاة والسلام :  « عليكم بالنمط الأوسط  » وأما الشعر فقول زهير :

هم وسط يرضى الأنام بحكمهم … إذا نزلت إحدى الليالي العظائم

وأما النقل فقال الجوهري في «الصحاح» :  » وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا  » أي عدلا.ً وأما المعنى فمن وجوه . أحدها : أن الوسط حقيقة في البعد عن الطرفين ولا شك أن طرفي الإفراط والتفريط رديئان فالمتوسط في الأخلاق يكون بعيداً عن الطرفين فكان معتدلاً فاضلاً . وثانيها : إنما سمي العدل وسطاً لأنه لا يميل إلى أحد الخصْميْن ، والعدل هو المعتدل الذي لا يميل إلى أحد الطرفين . وثالثها : لا شك أن المراد بقوله :  » وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا  » طريقة المدح لهم لأنه لا يجوز أن يذكر الله تعالى وصفاً ويجعله كالعلة في أن جعلهم شهوداً له ثم يعطف على ذلك شهادة الرسول إلا وذلك مدح فثبت أن المراد بقوله : (وسطاً ) ما يتعلق بالمدح في باب الدين ، ولا يجوز أن يمدح الله الشهود حال حكمه عليهم بكونهم شهوداً إلا بكونهم عدولاً ، فوجب أن يكون المراد في الوسط العدالة.القول الثاني : أن الوسط من كل شيء خياره قالوا : وهذا التفسير أولى من الأول لأنه مطابق لقوله تعالى:  « كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ « (آل عمران/110)(انظر:مفاتيح الغيب للرازي)

أمّا ابن عاشور فقد فسّر الوسط في هذه الآية بالخيار لقوله تعالى : « كنتم خير أمةٍ أُخرجت للناس « وفسّره بالعدول. و يرى أنّه من أجل ذلك صار معنى النفاسة والعزة والخيار من لوازم معنى الوسط عرفاً فأطلقوه على الخيار النفيس كناية …لذلك فإن الآية « لما أخبرت أن الله تعالى جعل هذه الأمة وسطاً وعلمنا أن الوسط هو الخيار العدل الخارج من بين طرفي إفراط وتفريط علمنا أن الله تعالى أكمَلَ عقولَ هذه الأمة بما تنشأ عليه عقولهم من الاعتياد بالعقائد الصحيحة ومجانبة الأوهام السخيفة التي ساخت فيها عقول الأمم ، ومن الاعتياد بتلقي الشريعة من طرق العدول وإِثبات أحكامها بالاستدلال استنباطاً بالنسبة للعلماء وفَهْماً بالنسبة للعامة. »(تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور)

فالوسطية في فكر الأقدمين تعني العدل والخير ( عدول خيار) وقد قرنت في الآية بالشهادة على الناس بمعنى إقامة نموذج العدل والخير في السياسة والاقتصاد وفي مختلف مناحي تنظيم وجود الإنسان فردا ومجتمعا « لتمثل حال الأمة شاهدا على إمكانية إعمار الحياة بالدين » فتشهد على الناس جميعا وتقيم بينهم العدل والقسط وتضع لهم الموازين والقيم. والوسطية تنصرف للحضارة والثقافة بصفة عامة بما تعنيه من تكامل وتوازن وجمع بين كل الثنائيات: الروح والجسد، الفرد والمجتمع، العقل والوجدان، التفكير والشعور…والوسطيّة هي رؤية متوازنة تضمّ كلّ أبعاد الإنسان الروحية والعقلية و الجسدية والوجدانية والعلاقة بالكون بسننه ونواميسه لتحقيق التناغم والانسجام والوفاق سيرا نحو التقدم الحضاري.  والوسطية تمثل أكثر الملامح الأساسيّة أهمّية في التصوّر الإسلامي وفي منهج التعامل مع النصوص من حيث الاعتدال والتيسير.

يتبع ——————————— *كاتب وباحث من تونس (المصدر: صحيفة « العرب » (يومية – قطر) الصادرة يوم 23 أفريل 2010)


الفلسطينيون بين المصالحة ونقض البيت


د. عبد الستار قاسم

 

تنشغل وسائل إعلام وسياسيون كثيرا بالمصالحة الفلسطينية، أي المصالحة بين حركتي فتح وحماس، ويجادلون بأن الوضع الفلسطيني تدهور بسبب الانقسام القائم، وأن إسرائيل لم تكن لتجرؤ على الإمعان في سياساتها العدوانية وتحديها لولا غياب الوحدة الوطنية الفلسطينية. وعلى مدى سنوات ينشط الوسطاء وأصحاب الإصلاح في مجال المصالحة، ويلحّون على الحركتين بضرورة الاتفاق إنقاذا للقضية الفلسطينية وللحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. من اليمن إلى السعودية ومصر، إلى أشخاص من أصحاب الشأن الكبير والتأثير، لم تنجح الجهود بعد. تخيم هذه الجدلية أيضا على قطاع واسع من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يسيئهم الانقسام ويؤثر سلبا على مختلف أوضاعهم الخاصة والعامة. شعب فلسطين إجمالا يعتصر ألما على ما جرى ويجري على الساحة الفلسطينية، ويتمنى أن تكون ساعة المصالحة قريبة لكي يرتاح قليلا، ويتمكن من التفرغ لمواجهة سياسات الصهاينة. فهل ستحل المصالحة المشاكل القائمة داخليا؟ وهل بإمكان المتصالحين أن يتصدوا للتحديات الخارجية؟ الصلح خير من الناحية المبدئية الصلح خير لما فيه من استرخاء في العلاقات وإمكانية التعاون وتحاشي الصراعات التي تكون في العادة مكلفة للجميع. لا يمكن لمجتمع أو شعب أن يعمل بكفاءة إذا طغت الخلافات والصراعات على علاقاته الداخلية، وأخذت مكان الصدارة في قائمة أولويات الفئات المختلفة أو الأحزاب والتنظيمات. ربما لا يستطيع المجتمع حل مشاكله إذا اختفت الصراعات، لكن تدهوره مؤكد في حال وجودها، ومن الأفضل دائما أن تبقى الخلافات ضمن إطارها الخلافي التحاوري، وأن يتم العمل على محاصرتها من قبل كل الأطراف حتى لا تتحول إلى قطيعة ونزاعات وصراعات. الصلح لا يعني التوافق أو الاتفاق على كل شيء، لكنه يعني الاستمرار في الجهود نحو ذلك، أو على الأقل التعاون في المجالات المتفق عليها، واستمرار الحوار أو التنافس في المجالات التي هي موضع الخلاف أو الاختلاف. الصلح لا يعني إلغاء أحد، لكنه لا يعني أيضا استقواء أحد على آخر وحرمانه من حقوقه في التوجه إلى الناس من أجل كسب تأييدهم وحشدهم خلف فكرة معينة أو هدف معين، وهو لا يعني التفرد باتخاذ القرارات العامة وترك الآخرين يبتلعون آمالهم وتطلعاتهم ورؤاهم في إدارة الشؤون العامة. الشعب الفلسطيني يدرك هذه المسألة بصورة إجمالية، ويعي تماما أن الصلح بين فتح وحماس لا يعني إلغاء طرف لحساب آخر، لكنه يعي تماما أن مجالات التعاون تصبح مفتوحة ولو بصورة محدودة، ويصبح من الممكن محاصرة بعض الهموم الفلسطينية والتخفيف من بعضها. يتمنى الجمهور الفلسطيني أن يلتف الجميع حول أهداف واضحة ومعينة، وأن يلتفوا أيضا حول تدابير موحدة واضحة، لكن إذ لم يكن هذا ممكنا، فإنه من الممكن ألا تتجاوز الفصائل الخطوط الحُمْر، وأن تغلّب المصلحة العامة على المصالح الفئوية. تكرار الصراعات الفلسطينية تكررت الصراعات الدموية بين الفصائل الفلسطينية عبر عشرات السنين حتى بدت وكأنها ظاهرة في تاريخ القتال من أجل استرداد الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. حصلت صراعات دموية بين القيادات القبلية الفلسطينية قبل عام 1948، واستهلكت الجهود الفلسطينية التي كان من المفروض توجيهها ضد الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية. وقد اشتدت هذه الصراعات مع ظهور فصائل المقاومة الفلسطينية بعد هزيمة حزيران بحيث حصلت فيما بينها اشتباكات مسلحة متكررة. لقد شهد الفلسطينيون قتالا دمويا بين الفصائل في الأردن ولبنان، وشهدوا جهود الوساطة وإصلاح ذات البين من أجل محاصرة النزيف. لكن فرحة الفلسطينيين بمناظر قادة الفصائل وهم يظهرون أمام وسائل الإعلام بأيد متشابكة تدل على الوحدة والاتفاق لم تكن لتدوم طويلا، واستمر مسلسل الصراعات يقضي على الفرحات والآمال. تكرار الصراعات الدموية والقطيعة بين الأحزاب والتنظيمات يشير إلى خلل تركيبي خطير في المجتمع الفلسطيني وفي القيادات الفلسطينية. هذا أمر بحاجة إلى أبحاث علمية للوقوف على دقائقه، لكنني أكتفي هنا بالإشارة إلى أن ظاهرة الصراع الدموي لم تحظ حتى الآن من قبل الفصائل ولا من قبل منظمة التحرير بالاهتمام العلمي، ولم تبادر القيادات إلى دراستها بمنهجية علمية من أجل الوقوف على أسبابها ومعالجتها. يبدو أن الجميع قد استسلم للظاهرة، وبقي يتخوف من بروزها المتكرر، ويأمل الصلح الذي يلي. وهنا يبرز أيضا تقصير الأكاديميين والباحثين الذين لم يولوا المسألة الاهتمام المطلوب، ولم يقوموا بالجهود الشعبية الضرورية لبث الوعي حول زجر الفصائل عن التمادي في خلافاتها، وإغراق الشعب بالدماء. حصلت مصالحة بين الفصائل الفلسطينية عام 2005 في اتفاق القاهرة، وتم التوقيع على اتفاق نص على بندين رئيسيين هما الهدنة مع إسرائيل وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية. التزمت الفصائل بشق الهدنة الذي لم تكن إسرائيل طرفا فيه، لكنها لم تنفذ الشق الثاني، واستمر الخلاف الذي كان يستنزف الدماء. وتصالحت الفصائل أيضا عام 2007 في مكة، وقررت تشكيل حكومة وحدة وطنية لم تدم أكثر من شهرين. لم أكن أتوقع أبدا أن تحترم الفصائل أسس المصالحة لأن الخلافات على الساحة الفلسطينية أكبر من أن تحلها مصالحات. إنها خلافات تقوم على تناقض حاد في البرامج والتطلعات، والمصالحة لا يمكن أن توفق بينها. المصالحة لا تردع إسرائيل يتردد في وسائل إعلام وعلى ألسنة سياسيين أن إسرائيل تمعن في سياساتها الخاصة ببناء المستوطنات وتهويد القدس ومصادرة الأراضي وإبعاد الناس لأن الفلسطينيين منقسمون ومتصارعون، وأن إسرائيل لم تكن لتتمادى لولا أن الوضع الفلسطيني متهتك. هذه مقولة غير صحيحة، وسياسات إسرائيل التقليدية لا علاقة لها بالانقسام والمصالحة. السياسات الإسرائيلية التقليدية مستمرة منذ زمن بعيد: قبل أن تكون هناك فصائل فلسطينية، وعندما كان التوافق الفلسطيني قائما، وعندما نشبت الخلافات والصراعات أيضا. لم تشكل الفصائل الفلسطينية منذ عام 1967 حتى الآن رادعا لإسرائيل، ولم تتوقف إسرائيل عن ممارساتها العدوانية في أي لحظة من اللحظات. ربما كانت تتوقف لحين من الوقت عن هذه الممارسات خلال الانتفاضات، لكن ليس بسبب قوة الردع الفلسطينية، وإنما بسبب أولويات المواجهة. فقط انسحبت إسرائيل من غزة بسبب التكاليف التي فرضتها عليها المقاومة، وليس بسبب الوحدة الوطنية التي لم تكن أصلا موجودة. كان الفلسطينيون على شبه وئام في الثمانينيات، واستمرت الممارسات الإسرائيلية، ولم تنفجر خلافاتهم إلى صراعات في التسعينيات، لكن إسرائيل لم تتوقف. أي أن ردع إسرائيل عن الاستمرار فيما تقوم به لا يتوقف على المصالحة الفلسطينية، وإنما يتطلب الأمر أكثر من ذلك. وإذا كان للفلسطينيين أن يتصالحوا غدا، ويقوم قادة الفصائل بتبادل القبل، لما شكل ذلك بالنسبة لإسرائيل مناسبة لإعادة التفكير فيما تصنع. العلة في ترتيب البيت الانقسام الفلسطيني عبارة عن نتيجة وليس سببا، وإذا كان لنا أن نتغلب عليه فعلينا أن نبحث عن الأسباب التي أدت إليه ونتخلص منها. أما إذا كنا نبحث عن إنهاء للانقسام دون معالجة الأسباب فإن علينا أن ننتظر نشوب الخلاف مجددا وعلى وجه السرعة. أمر الفلسطينيين هذا شبيه بأمر الأنظمة العربية التي تظن دائما أن المصالحات تحل الأزمات التي تنشب بينها، فيلتقي الزعماء في المطارات وردهات الفنادق ويتعانقون ويذرفون دموع الندم على الشقاق، لكنهم يعودون إلى سابق عهودهم بعد أسبوع من اللقاء الحميم. العناق يعطي انطباعا شكليا، لكنه لا يعالج أسباب الشقاق، ويفرح الناس قليلا بلقاءات الإخوة ليعودوا للطم الخدود حزنا على حليمة. البيت الفلسطيني يعاني من علل كثيرة تقود جميعها إلى الانقسام، وذلك في تاريخ الصراع قبل عام 1948 وبعده. هناك عقلية قبلية ما زالت متجذرة، وطغت على فكرة التنظيم حتى باتت الفصائل تتصرف وكأنها قبائل على النمط الجاهلي. العقلية القبلية عقلية متحوصلة ذاتية تتغذى على المجتمع الأوسع، وتؤثر مصلحتها الخاصة على المصلحة العامة، وتلغي الشخص وتقتل فيه الإبداع والمبادرة. وكم من الأحيان تعاونت قبائل وفصائل مع عدو أو خصم نكاية بقبيلة أخرى أو فصيل، أو رغبة في الحصول على دعم لحسم خلاف داخلي. فضلا عن العقلية القبلية، تعاني الساحة الفلسطينية من عقلية قيادية استبدادية مشابهة تماما للعقلية القيادية العربية، وهي عقلية ترخي السبيل في النهاية للفشل والهزيمة والتنابز الداخلي والاتهامات والاتهامات المضادة. هذا إن لم تكن بعض القيادات مرتبطة ارتباطا خيانيا جاسوسيا بالعدو وتعمل بصورة متعمدة على صناعة الخلافات والاقتتال تحت شعارات وطنية أو شعارات فصائلية تعصبية عمياء. وقد تمت قيادة الشعب الفلسطيني عبر سنوات طويلة بطريقة « فهلوية » لم تترك قيمة لعالم أو أكاديمي أو مفكر أو شيخ جليل، أو لمقوم أخلاقي أو تماسك اجتماعي، ولم يكن من مفر من وقوع الشعب الفلسطيني عبر السنوات في مصيدة الاقتتال والنزف الدموي على أيدي الإخوة والأحبة الشركاء في السلاح. لم تلتزم الساحة الفلسطينية منذ البدء بالمواثيق الفلسطينية، وعلى رأسها الميثاق الوطني الفلسطيني، ولم تلتزم بالوحدة الوطنية إلى درجة أن الفصائل اضطرت إلى أن ترفع شعارا يقول « الدم الفلسطيني خط أحمر ». الشعب الذي يصل إلى هذا الشعار إنما يعي تماما أن مجمل ما يجري داخله يؤدي إلى الاقتتال، وشعار من هذا القبيل لا يعني سوى أن الشعب متجه نحو الاقتتال. لم تلتزم الفصائل الفلسطينية بالقول إن الوحدة الوطنية أهم من كل الاتفاقيات التي يمكن أن يعقدها طرف فلسطيني مع الغير الخارجي. لقد تجرأ قادة فلسطينيون وعلى رأسهم عرفات على توقيع اتفاقيات مع إسرائيل مست بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، ولم يكن من المتوقع أن يقف المناهضون لهذه المسألة مسبحين بحمده مقدمين له الشكر. لقد دخلت الساحة الفلسطينية في المحرمات مع اتفاق أوسلو، وحتما لم يكن من نتيجة متوقعة غير الاقتتال. هذا، ناهيك عن التدخل الخارجي المتعمد في الشؤون الفلسطينية، الذي يريد صياغة السياسات الفلسطينية. الأمم تتعاون، ولا يوجد أمام الشعب الفلسطيني سوى التعاون مع دول عربية وإسلامية، لكن الأمر خرج عن إطار التعاون لصالح الإملاءات التي تؤدي بالتأكيد إلى تأجيج الخلافات والصراعات، بخاصة أن الآخرين الأعداء باتوا يتحكمون في لقمة خبز الشعب الفلسطيني. المبادرة المصرية المبادرة المصرية بعيدة كل البعد عن معالجة أسباب الخلافات على الساحة الفلسطينية، بل هي تكرسها. المبادرة المصرية معنية بصورة أساسية باستمرار العملية التفاوضية وقبول الفصائل الفلسطينية بشروط ما يسمى بالمجتمع الدولي أو الرباعية الدولية. موضوع المبادرة المصرية هو الذي أجج الصراعات بالمزيد على الساحة الفلسطينية، وهو الذي ما زال يقف عقبة كأداء أمام ما يمكن أن يتمخض من وحدة فلسطينية. المبادرة لا تعالج الأسباب، وبالتالي لا يمكن لها أن تكون علاجا حتى لو وقعت حماس عليها. قد يؤدي التوقيع عليها إلى تخفيف التوتر الداخلي الفلسطيني مؤقتا، لكن الصراع سينشب من جديد. فقط المبادرة يمكن أن تنجح في حالة واحدة وهي عندما يصل الشعب الفلسطيني بصورة عامة إلى حالة بائسة من اليأس تتبخر معها آماله وآلامه، ولا يجد أمامه سوى الانحناء الطويل المدى. ما العمل؟ عهود الهزيمة والضعف لا توحد شعوبا بل تهزمها. الشعب الفلسطيني لا يختلف عن غيره من الشعوب، وقد حفرت الإحباطات والإخفاقات في صفوفه مختلف صنوف الشقوق والانقسام. وإذا كان له أن يتوحد فما عليه إلا أن يبحث عن أسباب القوة ليشعر بذاته وبقدرته على تحقيق الإنجازات. هذا يتطلب إعادة بناء المجتمع وفق أسس قيادية جديدة، وإعادة بناء الفصائل الفلسطينية وفق أسس أمنية جديدة تؤمن بالعمل السري القائم على ردع العدو وليس على التفاخر والتظاهر أمام الناس. من الضروري أن يحصل طلاق بين الشعب الفلسطيني وبين الكثير من الممارسات الاجتماعية والأخلاقية والأمنية، وعندها لن يكون الشعب بحاجة لقوى خارجية تنصحه بالوحدة، فهو سيجد طريق الوحدة بصورة تلقائية.

 

(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 25 أفريل 2010)


أوباما يواجه نتنياهو داخل ائتلافه الحكومي


بلال الحسن

 

لا تزال المعركة الدبلوماسية التكتيكية محتدمة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس وزراء « إسرائيل » بنيامين نتنياهو. بدأت المعركة بعنوانين بارزين هما: إيران والتسوية السياسية بين « إسرائيل » والعرب، مع اختلاف في تقييم أي واحد من هذين العنوانين يجب أن يحظى بالأولوية. « إسرائيل » كانت تقول إن إيران يجب أن تكون موضوع الاهتمام الأول، ولا ضرورة أثناء ذلك للبحث في موضوع التسوية مع الفلسطينيين، بينما كانت واشنطن تقول إن إيران والتسوية السياسية مع الفلسطينيين وجهان لعملة واحدة. وترتب على هذا التصور الأميركي مطالبة واشنطن لنتنياهو بجملة مواقف، أبرزها وقف الاستيطان في القدس. وكانت هناك داخل هذا السجال قائمة مطالب أميركية تم إبلاغها رسمياً ل »إسرائيل »، مع مهلة زمنية لتقديم الجواب وصلت الآن إلى نهايتها مع انتهاء فترة الأعياد الإسرائيلية، وحانت بذلك لحظة تقديم الجواب الإسرائيلي. أثناء فترة المهلة الزمنية قامت « إسرائيل » بحملة إعلامية مضادة أزعجت أوباما. سلسلة تصريحات إسرائيلية توالت في تل أبيب ضد مطالب أوباما، وصلت إلى درجة التحدي. داني أيالون، نائب وزير الخارجية، قال في هجوم شديد اللهجة على الإدارة الأميركية «إن إسرائيل لا تنتظر نصائح أي كان». نتنياهو نفسه قال في مقابلة مع شبكة التلفزة الأميركية «إن المطلب الأميركي بتجميد البناء في القدس هو مطلب غير ممكن». وقال أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية أمام السفراء الأجانب «إن القدس هي عاصمة إسرائيل إلى الأبد ولن يعاد تقسيمها». ثم تطورت هذه المواقف السياسية الإسرائيلية إلى ما هو أكثر حساسية ودلالة، وذلك حين أعلنت « إسرائيل » مقاطعتها للقمة النووية الدولية التي دعا إليها أوباما في واشنطن وغاب عنها نتنياهو. كان هدف القمة، حسب أوباما، تشكيل قوة ضغط دولية على إيران، يشارك فيها العرب، الذين يحتاج الأمر إلى إرضائهم بتسوية سياسية بين « إسرائيل » والفلسطينيين، بينما يرفض نتنياهو الذهاب إلى تلك التسوية، مصراً على أنه لا يوجد رابط بين إيران والتسوية السياسية. ثم جاء التطور الإسرائيلي النوعي الثاني في المواجهة مع أوباما، عبر حملة إعلامية داخل أميركا نفسها بادر إليها نتنياهو، حين قام بما وصفته صحيفة «هآرتس» بـ«تجنيد شخصيات يهودية أميركية اعتبارية، وأعضاء في الكونغرس، لممارسة الضغوط على أوباما». وكان أن بادر شخصان يهوديان أميركيان بارزان، هما إيلي فيزل الحائز لجائزة نوبل للسلام، ورون لاودر رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، بنشر إعلانين كبيرين، دعوا فيهما الإدارة الأميركية إلى الكف عن الضغط على « إسرائيل »، وانتقدا الإدارة الأميركية على تحميلها « إسرائيل » مسؤولية استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. وعلقت صحيفة «هآرتس» على هذه الإعلانات المدفوعة الأجر قائلة إنها خطوة غير حكيمة من جانب نتنياهو الذي يعرف الجميع أنه يقف وراء هذه الحملة الإعلامية. وكما مدت « إسرائيل » يدها إلى داخل اللعبة السياسية الأميركية، ردت واشنطن على اللعبة بالمثل، فبدأت بممارسة ضغط داخلي (ديمقراطي) على حكومة نتنياهو، داعية إلى تغيير سياسته حيناً، وإلى تغيير التحالف الحكومي نفسه حيناً آخر. وتفيد أنباء « إسرائيل » الداخلية بأن طاقم وزراء حزب العمل عقد مناقشة معمقة لبحث موضوع الأزمة الناشبة بين حكومة نتنياهو والإدارة الأميركية، وكان من نتائج هذه المناقشة أن تقدم الوزراء: بنيامين بن اليعازر، ويتسحاق هرتزوغ، وأفيشاي برفرمان، بطلب إلى إيهود باراك رئيس حزب العمل، أكدوا فيه أنه يتعين على الحزب، إذا لم يحدث تحرك سياسي خلال الأيام المقبلة، دراسة الانسحاب من الحكومة، أو العمل على تغيير الائتلاف الحكومي، وإدخال حزب كديما (تسيبي ليفني) في الحكومة. وذكر بعض المسؤولين الكبار في حزب العمل، أن هذه كانت أول مرة يجري فيها طاقم وزراء الحزب مناقشة بشأن الجمود السياسي. وقال أحد هؤلاء المسؤولين الكبار «كانت الرسالة الأساسية هي أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر». وحذر الوزير بن اليعازر من «تعاظم عزلة إسرائيل في الساحة الدولية، ومن الأزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة التي لن تؤدي إلا إلى تعزيز نزع الشرعية عن إسرائيل دولياً». وقد تجاوب إيهود باراك رئيس الحزب ووزير الدفاع في الحكومة مع هذا الطرح، وأعلن أنه ينوي الذهاب قريباً إلى واشنطن، لإجراء محادثات هناك بشأن موضوع السلام، وأضاف «هناك حاجة ماسة إلى توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة وإعادتها إلى الدفء الذي كانت عليه دائماً، حتى لو اقتضى ذلك تغيير سياسة الحكومة، أو تغيير الائتلاف». وبسبب هذا الجدل داخل الأحزاب الإسرائيلية المشاركة في الائتلاف الحكومي، ذهب المعلق السياسي ابراهام تيروش («معاريف» 21/4/2010) إلى حد القول «إن زيادة المخاطر على إسرائيل ناجم عن وجود حكومة إسرائيلية غير مؤهلة لتخليصنا منها. وبناء على ذلك فإن الخيار الوحيد الآن يكمن في تفكيك هذه الحكومة، بمبادرة من رئيسها، وتأليف حكومة أكثر اعتدالاً، أي حكومة تضم أحزاب الليكود، كديما، العمل، كي يصبح بإمكانها استئناف المفاوضات (مع الفلسطينيين) حتى من دون قيام أوباما بممارسة الضغوط عليها». وحين دخلت الأمور بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو لهذا المأزق الخطر، بادر الرئيس أوباما إلى تهدئة المخاوف الإسرائيلية المتوقعة، واستغل ذكرى إعلان قيام دولة « إسرائيل » (حسب التقويم العبري)، فوجه إلى « إسرائيل » تحية حارة تضمنت إعلان التأييد الكامل لها، والوعد الجازم بمواصلة التحالف الاستراتيجي معها. وتضمنت تحية أوباما ل »إسرائيل » حديثاً عن أرض « إسرائيل » باعتبارها وطناً للشعب اليهودي. وتعهد بالعمل على التوصل إلى حل للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني على أساس دولتين لشعبين، والوقوف في وجه القوى التي تهدد « إسرائيل » والولايات المتحدة والعالم (أي إيران). وقيل بشأن هذه التحية الحارة، إنها ضريبة كلامية فقط، من قبل المتشككين بموقف أوباما، وقيل أيضاً إنها إشارة إلى نيته التوصل إلى صفقة مع نتنياهو، من قبل المؤيدين لموقف أوباما. لكن أبرز ما يلاحظ في كل هذه المعركة الدبلوماسية التكتيكية بين البلدين، أنها تخلو من الحديث عن مطالب الجانب الفلسطيني أو العربي. إن ذكرهما يرد في السياق فقط، لكنه لا يرتبط بأي تحديد أو توضيح سياسي. وأقصى ما يقال هو الدعوة لوقف الاستيطان، أو تحديد وقف الاستيطان في القدس، مع بقاء كل الاستيطان السابق على حاله. لكن لا يرد أبداً أي ذكر لأسس المفاوضات، أو لمرجعية المفاوضات، أو للقانون الدولي، أي لا يتم أي ذكر لأي مرجعية تؤكد واقع «الاحتلال» الإسرائيلي وحتمية انتهاء هذا الاحتلال، بما يشمل القدس، وبما يشمل المستوطنات، وتكون النتيجة أن « إسرائيل » تكسب التأييد السياسي الأميركي، ولا تدفع مقابل ذلك سوى مواصلة المفاوضات. أما الجانب العربي فإن قضاياه الأساسية: الأرض، المستوطنات، القدس، المياه، السيادة الكاملة، وعودة اللاجئين، تبقى عرضة للمساومات التفاوضية المعروفة النتائج سلفاً. إن الإدارة الأميركية تضغط على « إسرائيل » لتكون «منطقية» في موقفها السياسي، لكنها تتجاهل مطالب الفلسطينيين والعرب، بطريقة لا تمت إلى المنطق بصلة. وبهذا.. تتواصل السياسة الأميركية القديمة نفسها، إنما بعد اجتياز أزمة من تلك الأزمات التي تحدث بين أفراد العائلة.

(المصدر: صحيفة « الشرق الأوسط » (يومية – لندن) الصادرة يوم 25 أفريل 2010)


ملعوب أمريكي جديد


د. فهمي هويدي

 

لا أستطيع أن أفترض البراءة في الدعوة الأمريكية لعقد مؤتمر «ريادة الأعمال في العالم الإسلامي» في واشنطن غدا وبعد غد «26 و27/4». ولدي شكوك قوية في أن الهدف الرئيسي منه هو «تشبيك» المصالح بين رجال الأعمال العرب والإسرائيليين، قفزا فوق الشرخ العميق القائم والذي يزداد اتساعا بين الجانبين. لقد نشرت جريدة «الشروق» «في 19/4 الحالي» تقريرا عن المؤتمر. فهمنا منه أن منتدى رجال الأعمال المصري الأمريكي أجرى مفاوضات حول الموضوع مع مسؤولي برنامج رعاية الأعمال الذي ترعاه الخارجية الأمريكية بهدف تشجيع مشروعات ريادة الأعمال ونشر ثقافة العمل الحر. إلى هنا، والبراءة ظاهرة في العملية، لكن هناك أسبابا كثيرة للشك في مقاصدها، أحد هذه الشكوك أن المؤتمر بدا وكأنه من أصداء الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما من القاهرة إلى العالم الإسلامي في العام الماضي، حتى وصفه التقرير المنشور بأنه مؤتمر «أوباما لرعاية الأعمال في العالم الإسلامي»، ورغم أن هذا عنوانه، إلا أننا فوجئنا بأن إسرائيل مدعوة إليه، ضمن 17 دولة أخرى غير مسلمة (مجموع الدول المشاركة 95 دولة يفترض أن يمثلها 250 شخصا). ورغم أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، إلا أننا لم نمانع في ذلك فيما بدا، فالرئيس أوباما حين جاء إلى القاهرة في العام الماضي لكي يخاطب العالم الإسلامي نظم له لقاء مع سبعة صحفيين يفترض أنهم يمثلون ذلك العالم، وكانت المفاجأة أن بينهم صحفيا إسرائيليا. وكما هو معلوم فإنني انسحبت من اللقاء احتجاجا على هذا التوريط الذي تفوح منه رائحة الاستعباط. هذه المرة تكرر الأمر حين رتب مؤتمر لرعاية الأعمال في العالم الإسلامي، وأقحمت فيه أو فرضت عليه إسرائيل، ولا أستبعد أن يكون إدراج بقية الدول غير الإسلامية الستة عشر قد تم خصيصا لتبرير وتغطية إقحام إسرائيلي بين الحضور. من تلك الشكوك أيضا أن عملية التحضير للمؤتمر بدأت باتصالات جرت مع مصر وإندونيسيا، والأولى أكبر دولة عربية والثانية أكبر دولة إسلامية، لأن ضمان حضور هاتين الدولتين يقوي من صورة المؤتمر ويعزز مكانته. وفي الوقت الذي دعيت فيه البرازيل والنرويج وفنلندا وباراجواي، واستبعدت إيران والسودان، بما يعني أن السياسة حاضرة وأن الاختيار كان انتقائيا، وليس صحيحا أن المؤتمر كان خالصا لا لريادة الأعمال ولا لنشر ثقافة العمل الحر. من الشكوك أيضا أن الرئيس أوباما لم يستطع أن ينجز شيئا مما وعد به فيما خص العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكان التعنت والاستكبار الذي مارسته إسرائيل سببا رئيسيا في إفشال جهود التسوية السياسية، فما كان من إدارته إلا أن التفت حول الفشل وسعت إلى تحقيق التواصل على الصعيد الاقتصادي، في حيلة جديدة لمد الجسور بين الإسرائيليين والعرب. أضف إلى ما سبق أن فكرة مد جسور التعاون الاقتصادي قفزا فوق جوهر المشكلة ليس نهجا جديدا. فهي كامنة في مشروع بيريز لإقامة ما سماه بالشرق الأوسط الجديد، وكامنة وراء مشروع إدارة الرئيس بوش حول الشرق الأوسط الكبير، وكامنة بدرجة أو أخرى في سياسة نتنياهو التي دعت إلى إقامة ما سماه بالسلام الاقتصادي مع الفلسطينيين مع تجاهل الشق السياسي. وهو النموذج الذي تم تطبيقه في رام الله التي شجع الإسرائيليون النشاط الاقتصادي فيها، في الوقت الذي مارسوا فيه الاعتقالات والتصفيات وتهويد القدس وحصار قطاع غزة، لإقناع الفلسطينيين بأن الاستسلام لإسرائيل هو طريق التقدم والرخاء. في التقرير المنشور أن 16 من رجال الأعمال المصريين سوف يشاركون في مؤتمر ريادة الأعمال. وأغلب الظن أن السفارة الأمريكية التي اختارتهم لمست فيهم استعدادا وعدم «ممانعة» في بلع الطعم والتجاوب مع الإسرائيليين في الاقتصاد، ولا أعرف ما إذا كان هؤلاء المشاركون وأمثالهم يدركون أن احتلال فلسطين لا يزال مستمرا ويزداد شراسة ووقاحة أم لا، لكن الذي أعرفه جيدا أن الذين يتجاهلون هذه الحقيقة يسجلون أسماءهم في قوائم الخزي السوداء، التي إذا سوغها البعض أو باركها في هذا الزمان فلن يغفرها لهم التاريخ.

(المصدر: صحيفة « السبيل » (يومية –  الأردن) الصادرة يوم 25 أفريل 2010)


الإعلام العربي صارم ناعم حسب الطلب


د. فيصل القاسم

 

لا شك أن وسائل الإعلام في الشرق والغرب على حد سواء هي في الكثير من الأحيان مجرد أدوات سياسية في خدمة هذا النظام أو ذاك. ولا تختلف البلدان الديموقراطية عن الديكتاتورية في هذا الصدد، فالاثنان يستغلان الأجهزة الإعلامية لتلميع نفسيهما والترويج لمشاريعهما ومخططاتهما واستراتيجياتهما، وأيضاً للنيل من خصومهما في الداخل والخارج على حد سواء. ويكفي أن نعلم أن هوليود الأميركية نفسها لا تشذ عن هذه القاعدة، فهي أداة في أيدي النظام الأميركي للترويج للقيم التي يريد نشرها ولضرب وتشويه القوى التي لا تسير على الصراط الأميركي. فقد تم استخدام هوليود بشكل مفضوح أيام الحرب الباردة لتشويه النظام الشيوعي وتصويره على أنه الشيطان الرجيم بعينه، والرفع من شأن النظام الرأسمالي. كما تم ويتم استغلالها بشكل بشع ومفضوح لتشويه صورة المسلمين في العالم خدمة للمشاريع الأميركية. وحتى الصحافة الغربية التي تدعي الحيادية والاستقلالية والموضوعية، فهي أيضاً في خدمة المشاريع السياسية الرسمية في كثير من الأحيان، فقد أشارت الكاتبة الأميركية أيمي غودمان إلى أن وسائل الإعلام الأميركية الخاصة التي تزعم أنها مستقلة عن البيت الأبيض ناصرت مثلاً الغزو الأميركي للعراق بطريقة مفضوحة، تماماً كما تفعل الصحف الرسمية في العالم العربي عندما يوجهها النظام في هذا الاتجاه أو ذاك. وتدلل غودمان على ذلك بالقول إن إحدى الصحف الأميركية الكبرى أجرت قبيل الغزو الأميركي للعراق مقابلات مع سبعة وتسعين خبيراً وإعلامياً وسياسياً أيدوا الغزو، بينما لم تجر سوى ثلاث مقابلات مع أشخاص عارضوا الغزو. وهذا يدلنا بوضوح على مدى التواطؤ بين الإعلام الغربي الذي يدعي الاستقلالية وبين الأنظمة الحاكمة في أميركا وحتى أوروبا. ناهيك عن أن السواد الأعظم من الإعلاميين الغربيين لم يمانع قط في مرافقة القوات الغربية التي غزت العراق على متن الدبابات والطائرات فيما يسمى بـEmbedded Journalism، وذلك لنقل الصورة التي كان يريد نقلها البيت الأبيض وعشرة داوننغ ستريت دون رتوش أو تحوير أو تعليق. لكن مع كل ذلك، من الخطأ الفادح تشبيه الإعلام الغربي كله بالإعلام الرسمي العربي، فمجال المناورة أمام الغربي أكبر بكثير، وتبقى هناك أصوات ووسائل إعلام خارجة على السرب. أما عندنا نحن العرب، فإن وسائل إعلامنا الرسمية أشبه ما تكون بجوقة منظمة، فهي تحت إمرة جهات معروفة، فما أن يأتيها الأمر بالانقضاض على فريسة ما حتى تنقض دفعة واحدة. فعندنا، كما يقول نزار قباني، في رائعته الشهيرة « أبو جهل يشتري فليت ستريت »، لا نبحث عن مبدع، وإنما نبحث عن أجير. « نعطي للصحافة المرتزقة مجموعةً من الظروف المغلقة… وبعدها.. ينفجر النباح والشتائم المنسقة… يستعملون عندنا الكاتب الكبير.. في أغراضهم كربطة الحذاء، وعندما يستنزفون حبره..وفكره..يرمونه، في الريح، كالأشلاء… هذا له زاويةٌ يوميةٌ..هذا له عمود..والفارق الوحيد، فيما بينهم طريقة الركوع..والسجود ». وبالرغم من ثورة المعلومات والعولمة الإعلامية، فإن الإعلام العربي لم يتزحزح قيد أنملة عن استخدام وسائل الإعلام كمخلب قط. لا بل إن البعض شديد الفجاجة في تعامله مع وسائل الإعلام والإعلاميين الموظفين عنده. فالتوجيهات الإعلامية لا تأتي بشكل غير مباشر أو مبطن أو على شكل تلميحات كما يفعلون في الغرب، بل تأتي على هيئة فرمانات قراقوشية ملزمة، والويل كل الويل لمن يعصي الأوامر والإملاءات. لنقرأ الخبر التالي الذي أوردته إحدى الصحف العربية قبل أيام فقط: « في تطور لافت لتهيئة الأجواء لتحقيق التقارب والمصالحة الكاملة بين البلدين، قررت السلطات العربية إياها وقف جميع أعمال وصور الحملات الإعلامية المضادة ضد البلد الآخر في كافة وسائل الإعلام المحلية. وكشفت مصادر سياسية مطلعة أن تعليمات عليا قد صدرت من مكتب الزعيم إلى كافة الصحف بوقف جميع الانتقادات إلى البلد الآخر ووقف الخطاب التحريضي وكافة الأخبار والتعليقات المسيئة له، والإشارة إلى نشر الأخبار والتعليقات التي تساهم في عودة التلاقي والتقارب بين الجانبين. وأضافت المصادر أن نفس التعليمات صدرت لأجهزة التلفاز والإذاعة، بوقف أي برامج أو تعليقات قد تفسر بأنها تسيء إلى « الشقيقة »، والاهتمام بتشجيع تقارب العلاقات في المرحلة القادمة ». لقد قمت بنقل الخبر حرفياً بعد حذف اسمي البلدين المعنيين، ليس لأنهما استثناء في استخدام وسائل الإعلام حسب الطلب، بل لأنهما نموذج يُحتذى من المحيط إلى الخليج. وقبل أسابيع قليلة أوعز مسؤول عربي آخر إلى وسائل إعلامه التي صدع رؤوسنا، وهو يروج لها على أنها مستقلة وحرة وموضوعية وعصرية، أوعز لها ولكل العاملين فيها بأن يتوقفوا فوراً عن انتقاد البلد الذي كان على خلاف معه في السنوات القليلة الماضية. وقد أبلغ خصمه القديم بأنه معني بوقف كل الحملات الإعلامية ضده. وعندما حاد بعض الصحفيين التابعين لنظامه عن الخط قيد أنملة طلب من مساعديه ترتيب لقاء بينه وبين كوادر مؤسساته الإعلامية كافة، وقال لهم كلاماً صريحاً وصل حد التبليغ الإداري، أو ما يسمّى « الإنذار ». وقد أوضح لهم: « لقد اتخذت أنا قرار بناء علاقة خاصة مع الدولة الفلانية… فاعلموا أنه من الآن فصاعداً لن يكون مقبولاً التعرض لها بأي شكل من الأشكال ». ولما حصل نقاش دل على وجود ممانعة لدى بعض العاملين لديه، وجد الزعيم الذي نحن بصدده نفسه مضطراً لأن يصوغ موقفه على نحو أكثر حدة ووضوحاً، فخاطب وسائل إعلامه بنبرة تهديد ساحقة ماحقة قائلاً: « هذا قراري، ومن لا يريد الالتزام به، فعليه المغادرة ونقطة على السطر ». تجدر الإشارة إلى أن نفس وسائل الإعلام التي ستلتزم من الآن فصاعداً بكيل المديح للدولة التي يريد الزعيم تطوير علاقته معها، كانت قد قالت فيها قبل أسابيع فقط ما لم يقله مالك في الخمر. رحمة الله على نزار قباني الذي قال إن الأقلام عندنا يتم شراؤها بالأرطال.. فكاتب مدّجنٌ.. وكاتب مستأجرٌ.. وكاتب يُباع في المزاد جرائدٌ.. جرائدٌ.. جرائدٌ.. تنتظر الزبون في ناصية الشارع.. كالبغايا..

(المصدر: صحيفة « السبيل » (يومية –  الأردن) الصادرة يوم 25 أفريل 2010)


الإستراتيجيات التفاوضية الإسرائيلية العشر


محسن صالح وسائل وظروف أفضل الإستراتيجيات العشر خلاصة قامت الإستراتيجية التفاوضية الإسرائيلية على أساس « إدارة الصراع » وليس على أساس « حل الصراع »، وهي إستراتيجية تسعى إلى إضعاف الخصم بكل الطرق، إلى أن يقنع بالخيار الوحيد المتاح إسرائيليًّا، وهو ما يفسر إطالة عملية التفاوض. ولذلك رفضت « إسرائيل » نهج التسوية الشاملة من خلال مؤتمر دولي، ورفضت كشف أوراقها النهائية، وتبنت سياسة « الخطوة خطوة »، وجزأت التسوية إلى مسارات منفصلة، ثم جزأت المسارات المنفصلة إلى مراحل ومحطات. وسائل وظروف أفضل وقد استفاد الإسرائيليون من وجود نظام ديمقراطي مؤسسي يخدم اليهود بشكل أساسي، ويستفيد بشكل أفضل من المؤسسات العلمية ومراكز الدراسات ومن الخبرات الإستراتيجية والسياسية، بحيث يستطيع إدارة العملية التفاوضية باحتراف كبير، مستفيدًا من عناصر القوة التي لديه ومن الفرص المتاحة. كما استفادت « إسرائيل » في العملية التفاوضية من مزايا: 1- غياب التكافؤ في ميزان القوى لمصلحة « إسرائيل » التي تسيطر على الأرض وتتحكم في حياة السكان. وتستطيع نظريًّا إلحاق الهزيمة بالجيوش العربية مجتمعة. 2- النفوذ الصهيوني الإسرائيلي الدولي، وقدرته على التأثير وصناعة القرار في الولايات المتحدة وعدد من الدول الكبرى، والدول ذات الأوزان السياسية والاقتصادية في العالم. 3- حالة ضعف وعجز وانقسام فلسطيني وعربي وإسلامي. 4- إدارة فلسطينية للمفاوضات تعاني من ضعف التنظيم ونقص الخبرة، وفوقية القرارات، وغياب الرؤية السياسية والإستراتيجية، هذا فضلاً عن الانقسام الداخلي وانعكاساته. الإستراتيجيات العشر وقد حرص الإسرائيليون في إستراتيجيتهم التفاوضية على استخدام عشر إستراتيجيات رئيسية منبثقة عن الإستراتيجية العامة: أولاً: عدم تقديم مبادرات رسمية تحدد الشكل النهائي للتسوية، وترك تقديم التصورات لتصريحات السياسيين والمفكرين والقادة العسكريين، دونما التزام نهائي بها. ولذلك نجد عشرات المبادرات والأفكار غير الرسمية، وهي في مجملها تحاول حلّ مشكلة « إسرائيل »، وليس حل المشكلة الفلسطينية، ومعظم هذه المبادرات يدور حول تقديم شكل من أشكال الحكم للفلسطينيين على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث يكون أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة. ومنذ أن ظهر مشروع إيغال ألون بعد حرب 1967 بشهر واحد، والذي اقترح شكلاً من أشكال الحكم الذاتي للفلسطينيين، فإنه أصبح أساسًا لمعظم المشاريع الإسرائيلية التالية. أما المؤسسة الرسمية الإسرائيلية ففضلت عادة الحديث عما ترفضه، دون أن تلتزم تمامًا بالحديث عما تقبله، ومنذ أمدٍ بعيد وهناك مجموعة من اللاءات الإسرائيلية التي يكررها قادة الأحزاب والحكومة، وهي تشكل جامعًا مشتركًا بين معظم الإسرائيليين، وهي: – لا لإعادة القدس الشرقية للفلسطينيين، والقدس عاصمة أبدية موحدة لـ »إسرائيل ». – لا لعودة « إسرائيل » إلى حدود ما قبل حرب 1967. – لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأرض المحتلة سنة 1948. – لا لإزالة الكتل الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية. – دولة فلسطينية منزوعة السلاح وغير مكتملة السيادة. ثانيا: إبقاء العملية التفاوضية عملية مستمرة ولا نهائية، وتجنب الوصول إلى حالة انسداد تام تؤدي إلى تخلي العرب والفلسطينيين عن خيار التسوية وانتقالهم إلى خيارات أخرى كالمقاومة. فقد أراد الإسرائيليون ملء الفراغ باستمرار، والوجود الدائم للعبة التفاوضية في الساحة، ومنع وقوع حالة انهيار تام تؤدي لانفجار الوضع، بمعنى استمرار دفع المفاوض الفلسطيني والعربي إلى اللهاث للوصول إلى « الجزرة »، واستمرار الحديث عن السلام والأمن والرفاه لشعوب المنطقة، في الوقت الذي يتم فيه بناء الحقائق على الأرض. ثالثا: الترحيب بالاستماع إلى المبادرات الفلسطينية والعربية، وأخذ ما فيها من تنازلات على أنها حقوق مكتسبة، ثم البناء عليها للمطالبة بمبادرات جديدة لتحقيق مكتسبات جديدة وتنازلات جديدة. وبعكس المفاوض الإسرائيلي، فقد انشغلت المبادرات الفلسطينية والعربية بتقديم تصورات لـ »إنهاء الصراع » وحلّه، وليس بإدارة الصراع. وكان الجانبان الفلسطيني والعربي، بسبب حالة الضعف والتشرذم والتخلف، وبسبب الضغوط الخارجية، وتحت شعارات الواقعية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يقدمان في كل مرة مبادرات جديدة تتضمن تنازلات جديدة، فيرحب الطرف الإسرائيلي بالعناصر الإيجابية في هذه المبادرة أو تلك ويطالب بالمزيد. منظمة التحرير الفلسطينية أنشئت سنة 1964، لتحرير فلسطين المحتلة سنة 1948 (الأرض الواقعة غرب الضفة الغربية)، ثم تبنت سنة 1968 فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة التي تجمع اليهود بمن فيهم من المهاجرين والمستوطنين الصهاينة، مع المسلمين والمسيحيين. ثم تبنت في سنة 1974 برنامج النقاط العشر بإقامة الدولة على أي جزء يتم تحريره أو « انسحاب » الإسرائيليين منه ، ثم تبنت سنة 1988 قرار تقسيم فلسطين، ووافقت على قرار الأمم المتحدة 242 الذي يتعامل مع قضية فلسطين باعتبارها قضية لاجئين، ونبذت « الإرهاب »، حتى وصلت إلى مؤتمر مدريد سنة 1991، ثم اتفاقية الحكم الذاتي في أوسلو سنة 1993. أما الأنظمة العربية فانتقلت من القضاء على إسرائيل، إلى إزالة آثار عدوان 1967، والموافقة على مبادرة روجرز سنة 1970، ثم إلى مبادرة قمة فاس 1982، ثم المبادرة العربية سنة 2002 . رابعا: تشجيع المفاوضات غير الرسمية التي تجري بين أطراف إسرائيلية غير رسمية أو غير مؤثرة في صناعة القرار مع أطراف فلسطينية متصلة مباشرة بصانع القرار الفلسطيني، للحصول على تنازلات مسبقة من الطرف الفلسطيني دونما التزام إسرائيلي مقابل، كما حدث في تفاهمات يوسي بيلين ومحمود عباس آخر 1995، وفي وثيقة جنيف 2003. ففي تفاهمات بيلين وعباس مثلاً، تنازل الطرف الفلسطيني عن حق عودة اللاجئين إلى الأرض المحتلة سنة 1948، ووافق على دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وعلى بقاء الكثير من المستعمرات الإسرائيلية، وعاصمة للفلسطينيين في محافظة القدس في منطقة مثل قرية أبوديس. أما وثيقة جنيف فقدمت تنازلات مشابهة حول اللاجئين والمستعمرات والدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح والقدس. ما هو مهم أنه تم تقديم تنازلات فلسطينية حاسمة في فترة مبكرة، لم يستطع الجانب الفلسطيني حتى الآن أن يصارح بها شعبه رسميًّا، لكن الطرف الإسرائيلي يتعامل معها بوصفها سابقة يبني عليها وحقًّا مكتسبا تمّ تحصيله. وعلى الرغم من أن هذه التفاهمات ليست ملزمة للطرفين فإننا نلاحظ أن الطرف الإسرائيلي ظل « يدندن » في مبادراته التالية حولها. ومن يتابع المفاوضات هذه الأيام يلاحظ أن الإسرائيليين يتعاملون وكأنهم انتهوا من حسم موضوع عودة اللاجئين، والكتل الاستيطانية، والدولة المنزوعة السلاح المنقوصة السيادة، وأنهم الآن بصدد حسم مستقبل القدس. خامسا: استخدام وسائل الضغط القذرة للضغط على المفاوض الفلسطيني، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني، كالحصار، والاغتيالات والاعتقالات، ومصادرة الأراضي، وهدم المنازل، وإغلاق المعابر، ومنع حركة العمال، وإعادة الاحتلال، والحواجز، وتسريع إجراءات الاستيطان والتهويد والجدار العازل، وتدمير البنى التحتية، وتأخير تنفيذ الالتزامات والاستحقاقات المرتبطة بالتسوية، والسيطرة على مصادر المياه… وغيرها. وهي أوضاع تدفع باتجاه جعل مجرد تحقيق أي أمر بسيط أو تخفيف أي ضرر مكسبًا كبيرًا، مثل تحصيل لقمة الخبز أو حرية الانتقال، أو الإفراج عن معتقلين، أو وقف تدمير المنازل والأراضي ومصادرتها، أو زحزحة الجدار العنصري العازل بضعة أمتار، أو العودة إلى أوضاع ما قبل انتفاضة الأقصى… إلخ. سادسا: نزع أوراق الضغط الفلسطينية: فلم يوافق الإسرائيليون على اتفاق أوسلو إلا بعد أن استفردوا بالفلسطينيين، وفصلوا مسارهم التفاوضي عن المسار العربي، وبعد أن نبذت منظمة التحرير الفلسطينية « الإرهاب » و »العنف »، وتعهدت بمنع العمل المسلح ضدّ « إسرائيل »، وبحل كافة المشاكل بالطرق السلمية، ووجدت نفسها (رغبت أم لم ترغب) في مواجهة العديد من الفصائل التي تؤمن باستمرار العمل المقاوم. وفي الوقت نفسه، لم يكن هناك أمد لإنهاء المفاوضات، ولا مرجعية ملزمة للطرف الإسرائيلي كالأمم المتحدة وقراراتها، ولم يكن هناك في الاتفاق ما يلزم « إسرائيل » بوقف الاستيطان ومصادرة الأراضي وتهويد القدس طوال فترة المفاوضات، وبالتالي أصبح الأمر مرتبطًا بمدى « الكرم » الإسرائيلي، الذي يملك عناصر القوة وأوراق اللعبة. سابعا: التعامل مع المسارات التفاوضية العربية على أنها مسارات منفصلة: وذلك سعيًا لمنع العرب من التعامل كتلة واحدة قوية ومتناسقة، وحرصًا على الاستفراد بكل طرفٍ معنيٍّ بالتسوية على حدة، وعزله وإضعافه، بما يضمن وضعًا تفاوضيًّا أفضل وأقوى للجانب الإسرائيلي. وهذا ما حدث على المسارات التفاوضية المصرية والفلسطينية والأردنية، كما يسعى الإسرائيليون لفصل لبنان وسوريا عن بعضهما. ثامنا: رفض تدخل أي طرف خارجي في المفاوضات عندما لا يتلاءم الأمر مع المصالح الإسرائيلية، كالأمم المتحدة وأوروبا وحتى أميركا… بحيث يتحقق استفراد إسرائيلي بالمفاوض الفلسطيني، وبحيث تقرر « إسرائيل » ما تعطيه وما لا تعطيه، وما تبحثه وما لا تبحثه، دونما مرجعية قانونية أو دولية تلزمها بأي شيء. ففي اتفاق أوسلو لم يكن هناك أي جهة أو مرجعية، تلزم « إسرائيل » بإنهاء المفاوضات ضمن سقف زمني محدد. وأخرج الاتفاق الأمم المتحدة من كونها مظلة دولية تحكم النزاع بين الطرفين، ولم تعد كل قراراتها المتعلقة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، أو بقرار تقسيم فلسطين سنة 1947… وغيرها، تشكل مرجعية يمكن الاحتكام إليها. وظلّت الولايات المتحدة تلعب دور الراعي لعملية التسوية، « ومن استرعى الذئب فقد ظلم »! بينما تركت الأمم المتحدة وأوروبا وروسيا وغيرها عملية المفاوضات لنتائج المباحثات الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. تاسعا: تجزئة قضايا التفاوض والاستغراق في التفاصيل التفاوضية: حيث يتعمد الكيان الإسرائيلي تحويل عملية التسوية إلى متاهة، يصعب التحرك في دهاليزها كما يصعب الخروج منها، فتناقش أدق التفاصيل لعمل اتفاقات وبروتوكولات ومذكرات… ينشغل بها عشرات المتفاوضين، في مئات من الساعات التفاوضية، بأشكال ثنائية ومتعددة ودولية. وبحيث يبدو استرجاع الفلسطينيين لأبسط حقوقهم انتصارًا كبيرًا وتنازلاً إسرائيليًّا مؤلمًا. فقد كانت مشكلة اتفاق أوسلو أنه أوغل في التفصيلات قبل أن يتفق على الأسس والمآلات، وينطبق على ذلك المسار التفاوضي في الفترة 1993-1999 ، حيث عقدت اتفاقات جزئية مفصلة (اتفاقات القاهرة، وطابا، وواي ريفر، وشرم الشيخ). فمن غزة-أريحا أولاً، إلى تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق « أ »، و »ب »، و »ج »، ووضع خاص بمدينة الخليل، وعمل مسارات خاصة بالمستعمرات وبالقدس واللاجئين والحدود… ثم تجزيء المجزّأ. فبالنسبة للمستعمرات هناك كتل استيطانية، وهناك مستعمرات « شرعية »، وعشوائية، وأمنية، وهناك ما تمّ ضمّه لـ »إسرائيل » في شرقي القدس، وما سيُضم خلف الجدار… إلخ. عاشرا: شراء الوقت والتهرب من استحقاقات عملية التسوية: كرس الإسرائيليون فكرة أنه لا مواعيد مقدسة منذ بداية العملية التفاوضية، وأصبح ذلك سمتًا عامًّا لسلوكهم التفاوضي بحيث لم تسلم أي اتفاقية من تأخير أو تعطيل، من خلال توليد الحوارات وتكثير الاجتماعات وتعطيل الاتفاقات، والعودة للوراء لأتفه الأسباب، وإعادة التفاوض على ما سبق التفاوض عليه، وتحويل المفاوضات إلى عملية لانهائية، والانتقال من شعار « المفاوضات من أجل السلام » إلى « المفاوضات من أجل المفاوضات ». وفي الوقت نفسه، تجري عملية مصادرة الأرض وتهويد الأرض والإنسان في الضفة الغربية بأعلى وتيرة ممكنة. فاستحقاقات التسوية النهائية وما يترتب عليها من إنشاء الدولة الفلسطينية كان موعدها سنة 1998، وتمّ تعطيلها وتأجيلها مرات عديدة، وكان ينبغي لخريطة الطريق أن تتوج بحلّ نهائي وقيام الدولة الفلسطينية في نهاية سنة 2005، لكن الدولة العبرية لم تنفذ حتى الآن استحقاقات المرحلة الأولى من خريطة الطريق وهي وقف الاستيطان، بعد أن أدت السلطة الفلسطينية في رام الله كافة ما عليها من استحقاقات. فضلاً عن أن « إسرائيل » لم تُعِد حتى الآن الوضع في الضفة الغربية إلى ما كان عليه قبل بدء الانتفاضة في 28/9/2000. خلاصة وهكذا، فإن الإستراتيجية التفاوضية الإسرائيلية تهدف إلى إطالة أمد المفاوضات مع استمرار بناء الحقائق على الأرض، والوصول إلى الأوضاع النهائية المفروضة إسرائيليًّا، مع نزع أوراق الضغط الفلسطينية، بحيث لا يجد الفلسطيني في النهاية ما يتفاوض عليه، ويكون أمام خيارات محددة بالسقف الإسرائيلي. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 25 أفريل  2010)

 

 

Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.