Home – Accueil – الرئيسية
TUNISNEWS
7 ème année, N° 2512 du 09.04.2007
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ـ فرع بنزرت: بــيـــان ردّ الجامعة العامة على بيان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا الحبيب أبو وليد المكني: هل نحن على أبواب فرز جديد للقوى بعد صدور وثيقة التوافق حول المرأة ؟ الهادي بريك: كلمة على درب الحوار حول مستقبل الحركة الإسلامية في تونس صابر التّونسي: ذكرى للشّهـداء أم استعراض”للولاء” د. محمد الهاشمي الحامدي: تونس الجميلة عبدالحميد العدّاسي: عندما يكون زيت الزيتون في فصل الرّبيع خالد الطراولي: قصـة قصيـرة :مفصـول عن الحيـاة أو ” طــاح فيه دعــاه “ وحيد الضاحك الباكي: الدعاء الرّسمي للدولة الحياة: … و«البلوطة» تخترق أذواق التونسيين «سيدتي» حضرت إحدى الجلسات ظاهرة «يوغا الضحك» في تونس.. هذه هي فوائدها! وات: تونس – ليبيا التكامل الاقتصادي الثنائي… صمام الامان للتعاون طويل الأمد الحياة: مقتل 9 عسكريين و6 إسلاميين في غرب الجزائر سويس إنفو: قتل تسعة جنود وأربعة متشددين في اشتباك بالجزائر الخليج: خطر “القاعدة” في شمال أفريقيا الجزيرة.نت: جاب الله: ترخيص مشاركة خصومي بالانتخابات جريمة الجزيرة.نت: راند توصي بدعم الليبراليين على حساب الإسلاميين القدس العربي: اردوغان يجس نبض تركيا بشأن ترشيحه الي الرئاسة سليم بن حميدان: الديمقراطية العصية والمسؤولية الوطنية عبد الباسط بن حسن: تدمير معنى السّياسة غسان شربل : صدّام يسأل من قبره عبد الباري عطوان: يوم جاءتنا رسالة صدام مطاع صفدي: من عنف الانحطاط إلي عنف الممانعة: هزيمة الاحتلال اعتراف بالعراق المقاوم محمد صادق الحسيني : البحارة البريطانيون وحروب الاستخبارات د. مضاوي الرشيد: السعودية: سُـفـور في الـخـارج ونـقـاب في الـداخـــل
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ـ فرع بنزرت 75 شارع فرحات حشاد بنزرت 7001 ــ الهاتف 435.440 72 بنزرت في 4 أفريل 2007 بـــيــان
يُعلِم فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، الرأي العام أن العشرات من عائلات المساجين السياسيين ممن لايزال أبناءهم فريسة للموت البطيء في السجون التونسية ، قاموا بإضراب عن الطعام ثلاثة أيام بصورة رمزية بمعية ذويهم وانضمت عائلات الشبان الذين تم إيقافهم منذ أكثر من سنتين في انتظار محاكمتهم وممن وقع إيقافهم على إثر حوادث الضاحية الجنوبية لمدينة تونس، وبحسب العائلات، فإن الإضراب المذكور كان قد جرى خلال اليوم الثاني والثالث والرابع من الشهر الجاري وذلك في أغلب سجون البلاد التونسية: برج الرومي والناظر ومرناڨ وباجة وبرج العامري والمنستير وسوسة وبلاريجا والهوارب والمرناقية. وقد أفادت عائلات المساجين: أن هذا الاضراب يرمي الى تحسيس الرأى العام التونسي والعالمي ولاسيما منه المنظمات الحقوقية والجمعيات الانسانية والاحزاب السياسية ، مؤكدين أن أبناهم وأزواجهم زُج بهم في السجون بغير مبرر قانوني. وتؤكد عائلات السجناء السياسيين هؤلاء : أن السلطة التونسية تتعمد ملأ السجون بالابرياء ، متهمة إياهم بنية القيام بأعمال إرهابية ، وتحاكمهم ظلما وقهرا دون أن توفر لهم شروط المحاكمة العادلة ، وعائلات السجناء تلاحظ أيضاً أن المحامون يتعرضون بدورهم الى شتى أنواع الانتقام لكلمة الحق التي يصدعون بها نصرة للقانون .وهو نفس الإنتقام الذي يُسلط على المنظمات الحقوقية التونسية المستقلة التي تتضامن مع المظلومين . إن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، فرع بنزرت : – تتوجه إلى السلطة بندائها أن تراجع سياسة القمع والاستبداد التي تنتهجها والتي لن ينتج عنها استقرار حقيقي. – تطالب بإلغاء قانون مقاومة الإرهاب والاحتكام فقط إلى الدستور التونسي. – تنادي بسن قانون عفو تشريعي عام ، وإخلاء السجون من الأبرياء . عن الهيئة الرئيس علي بن سالم
الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي تونس في 2 أفريل 2007
ردّ الجامعة العامة على بيان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا
صدر بموقع الواب لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا بيان بتاريخ اليوم “توضح” فيه موقفها من المطالب النقابية يتضمن جملة من المغالطات تهدف إلى إرباك إضراب 5 أفريل الجاري الذي قرره المجلس القطاعي للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، وهو ما يستدعي منا التوضيحات التالية :
1- منذ إحداث الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي خلال المؤتمر التوحيدي ليوم 15 جويلية 2006 لم يقع قبولها من طرف الوزارة إلاّ بعد ثلاثة أشهر وذلك يوم 12 أكتوبر 2006 وبأسلوب غريب تمثل في إدماج الوزارة “أطرافًا نقابية أخرى” في هذا الحوار متعللة بوجود قضايا منها ما لم يُحسم منذ حوالي أربع سنوات، ومتعدية على استقلالية القرار النقابي ومتجاهلة حقيقة التمثيلية النقابية في الجامعة التونسية. ولقد احتججنا بشدة على هذا التمشي المنافي للقانون، ولقد راسل الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل في هذا الشأن السيد وزير التعليم العالي وسيادة رئيس الجمهورية في إبانه. ولقد اُستأنف التفاوض بين الوزارة والجامعة العامة منذ 29 نوفمبر 2006 بعد إعلان الجامعة العامة عن عقد مجلسها القطاعي ليوم 25 نوفمبر 2006، أي بعد إنقطاع بـ6 أسابيع، ثمّ استأنف التفاوض يوم 13 جانفي 2007 أي بعد اِنقطاع بـ6 أسابيع أيضا، ثم لم يقع إستئناف التفاوض إلا يوم 20 فيفري 2007 أي بعد انقطاع بحوالي 5 أسابيع. وبالتالي وعكس ما ادعت الوزارة من أن التفاوض انطلق يوم 13 جانفي فإنه انطلق قبل ذلك بمدة ودام حوالي 5 أشهر إلى أن أشعرنا ممثلو الوزارة في الجلسة الأخيرة بأنهم يرفضون كل المطالب العاجلة التي وقع الخوض فيها، إذ اعتبروا إرساء آلية تشاور حول مجمل مشاغل الجامعيين ضربًا من التسيير المزدوج لا يقبله المنطق، وأن المطالب المادية هي من مشمولات المفاوضات الجماعية بين الحكومة والإتحاد العام وأنه لا خصوصية لها إذا لم ترفق بمقابل يقدمه الجامعيون. عندها عقدنا مجلسنا القطاعي يوم 24 فيفري 2007 الذي قرر الإضراب ردّا على هذا الأسلوب في التفاوض شكلا ومضمونا.
2- لم ترفض الجامعة العامة المشاركة في لجان “إمد” عكس ما إدعته الوزارة في بيانها، بل إعتذرت عن عدم المشاركة في اجتماع يحضر فيه إلى جانب الجامعة العامة أطراف أخرى تتدعي تمثيل الإتحاد العام التونسي للشغل وهو أمر مرفوض بعد المؤتمر التوحيدي ولقد باركت قيادة الإتحاد العام موقفنا، ولقد أرجأت الجامعة العامة مشاركتها إلى حين يقع البتّ في مطلب إرساء آلية تشاور دائمة حول مجمل مشاغل الجامعيين وليس في برنامج إمد فحسب الذي يكاد يشرف على نهايته بدون أي إستشارة.
3- وعكس ما تدعي الوزارة، فلقد رفضت في مناسبتين تسليمنا نسخة من مشروع القانون الإطاري، متعللة بأن ممثلي الإتحاد العام سيتطلعون عليه أثناء عرضه على المجلس الإقتصادي والإجتماعي أي بعد صياغته، وهو ما يعني أن الوزارة ترفض عمليا التشاور مع ممثلي الجامعة العامة في تصور القانون الإطاري الجديد.
4- لقد أنكرت علينا الوزارة قولنا في بياننا حول إضراب 5 أفريل 2007 إن الحوار الإجتماعي انقطع منذ 7 سنوات، متجاهلة أنه منذ إتفاق ديسمير 1999 الذي عارضه الجامعيون بشدة إلى حدّ اليوم لم يُبرم أي إتفاق لا مع النقابة العامة السابقة للتعليم العالي بإعتبارها ممثلة الأغلبة الساحقة للجامعيين المنخرطين في الإتحاد العام ولا مع الجامعة العامة الحالية، ومدعية أنها أبرمت اتفاقات مع النقابة العامة السابقة للأساتذة المحاضرين، وهي اتفاقات لم تنشر ولم يطلع عليها الجامعيون. وأما فيما يخص منحة المشرفين على وحدات البحث فهي دون المطلوب بكثير وقد ظلت في أدراج الوزارة بدون تطبيق منذ حوالي سنة ولم يُعلن عن صرفها إلا أخيرا بعد صدور قرار الإضراب. وهي على كل حال ليست مطلبًا رئيسيا ولا عاجلا نظرًا لقلة عدد المنتفعين بها.
5- بخصوص ادعاء الوزارة “تخصيص اعتمادات هامة لتشريك اطارات التدريس في دورات تكوينية”، فإنه تجدر الإشارة إلى أن الجامعة العامة أدانت هذه الدورات إذ أنها تهدف إلى إرساء تفقد مقنع في التعليم العالي تحت غطاء التربص البيداغوجي مخالفة في ذلك التقاليد المكرسة والقانون الأساسي للمدرسين الجامعيين. ولقد حدثت تجاوزات عديدة في تطبيق هذا التربص البيداغوجي إذ فرضته بعض الجامعات على من تجاوز من الزملاء أكثر من 10 سنوات أقدمية أحيانا في رتبٍ أخرى، إضافة إلى أنه لا يستند إلى أي نص قانوني، وهذه سيرة دأبت عليها الوزارة أخيرا إذ عمدت إلى إمطار الجامعة التونسية بوابل من المناشير الزجرية والتضييقية المخالفة للقوانين والأوامر الأعلى منها.
6- وخلافا لما تدعيه الوزارة في النقطة 8 من بيانها من أنها “لم تتدخل أبدا في التمثيل النقابي”، فإننا نُذكّر بأن هذه التدخلات حقيقة وليست إدعاءً وأخذت أشكالا عدة لعل أكثرها تعديًّا على القانون والحقّ النقابي بعثها لنقابة مستقلة للتكنولوجيين في مقر معهد الدراسات التكنولوجية برادس يوم 15 أوت 2006 بدعم مادي ومعنوي من الوزارة لم يخفيا على أحد. هذا إضافة إلى لائحة الـ1200 إمضاء المهزلة الطاعنة في المؤتمر التوحيدي التي ما كنا نعتقد أن الوزارة ستعود اليوم إلى ذكرها بعد أن افتضح أمر الدوائر الإدارية التي وقفت وراءها مرغمة أحيانا على إمضائها بعض الزملاء من ذوي الوضعيات الهشة وجلهم غير منخرطين في الإتحاد، فهل بعد هذا تقول الوزارة أنها لم تتخل أبدا في الشأن النقابي؟
7- تدعي الوزارة أن “البيان المرافق للإعلان عن الإضراب لا يتضمن مطالب نقابية محددة وهو ما يبين أن ممارسات الجامعة العامة لا تتأسس على الملفات الجامعية… ولكن على اعتبارات أخرى”، متجاهلة في ذلك فقرتين خُصصتا لمطالبنا في هذا البيان الذي يحيل من ناحية أخرى على لائحة المجلس القطاعي التي تبين هذه المطالب وعلى المذكرة التوضيحية حول المطالب العاجلة التي صادق عليها المجلس القطاعي ليوم 24 نوفمبر 2006. ونوضح هنا أن ممارسات الجامعة العامة لا تتأسّس على غير الإعتبارت والقرارت التي تحددها بإستقلالية ومسؤولية تامتين هيئاتها التقريرية دون غيرها وأنه ليست لها أي أجندة غير تلك النابعة من المطالب المادية والمعنوية المشروعة للجامعيين دون إعتبار لأي إنتماءٍ أو مذهبٍ.
وختامًا، ورغم كل هذا التحامل وهذه الإدعاءات، فإننا نظل في الجامعة العامة، مع اضطرارنا إلى إقرار إضراب يوم 5 أفريل، متمسكين بمنطق الحوار والتشاور كشرط أساسي لعلاقات سليمة وبناءة بين الأطراف الإجتماعية، مؤملين أن تمتد جسور التواصل من جديد بين الوزارة والجامعة العامة من أجل جامعة عمومية في خدمة أبناء الشعب التونسي ومتطلبات الإقتصاد الوطني وانتظارات المجتمع، وذلك في إطار التطلع إلى الأفضل وإحترام الحق النقابي والقوانين المنظمة لمهنتنا. الكـاتب العام سامي العوادي
الممثل القدير حسن الخلصي في ذمة الله
تونس 9 افريل 2007 (وات) توفي يوم الاثنين 9 افريل 2007 الممثل التونسي القدير حسن الخلصي عن سن تناهز 76 عاما فقد ولد حسن الخلصي في 8 سبتمبر 1931 بنهج حمام الرميمي بتونس العاصمة وخاض غمار الفن المسرحي من منطلق عصامي.
وكانت بدايته مع حمادى الجزيرى وحمودة معالي وتدريجيا اصبح احد نجوم الفترة الذهبية للاذاعة الوطنية التونسية في فترة الخمسينات والستينات والسبعينات ثم تدعمت نجوميته مع انطلاق البث التلفزى سنة 1966 ليصبح من الركائز الاساسية للدراما التونسية.
عرف حسن الخلصي بصدقه في الاداء واخلاصه لفنه وبقدرته على تقمص جميع الادوار بما فيها المركبة منها.
وامتدت مسيرته الابداعية على مدى اكثر من نصف قرن من العطاء اشتغل مع المخرج حمادة عرافة في مسلسل”وردة” وتحصل بالمناسبة على الجائزة الاولى للتمثيل في مهرجان الاذاعة والتلفزيون بالقاهرة ليبدا مرحلة ثرية بالمشاركات التلفزيونية في اعمال مثل “احتمالات” و “حليمة” و “رسالة حب” و” منامة عروسية” و ” امواج” واخيرا ” حسابات وعقابات”.
وبالنسبة للسينما شارك حسن الخلصي في ثلاثة اشرطة هي “خريف 86” لرشيد فرشيو و “الهائمون” للناصر خمير و “الرديف 52” لعلي العبيدى.
(المصدر: وكالة تونس افريقيا للأنباء (رسمية) بتاريخ 9 أفريل 2007)
تشييع جثمان الفنان الراحل على السريتي الى مثواه الاخير
تونس 6 افريل 2007 (وات) شيعت الاسرة الفنية والثقافية الموسعة يوم الجمعة جثمان الفنان الراحل علي السريتي الى مثواه الاخير بمقبرة الجلاز في موكب خاشع حضره عدد كبير من اهل الفن والثقافة من مختلف الاجيال.
وتولى السيد محمد العزيز ابن عاشور وزير الثقافة والمحافظة على التراث تابين الفقيد حيث عدد مناقب المرحوم الاستاذ علي السريتي ومآثره .
ووصفه بانه كان من امهر العازفين على الة العود في تونس وسائر العالم العربي اذ جمع بين حسن الاداء والتمكن من تقنيات العزف الحديثة مما جعله مرجعا في هذا الاختصاص وكان من الاساتذة البارعين في تعليم اصول الغناء والموشحات.
واضاف بان الفقيد ساهم في انشطة عدة فرق موسيقية رافقت كبار الفنانين في تونس كما ساهم في تكوين اجيال من العازفين والمطربين تبوؤوا مكان الصدارة في الساحة الموسيقية التونسية.
وسجل عديد المشاركات الفنية المتميزة بالخارج وخاصة باليابان وبعدد من البلدان العربية.
وقد حظي الفقيد برعاية موصولة من لدن الرئيس زين العابدين بن علي الذى اسند له سنة 1987 الجائزة التقديرية في ميدان الموسيقى.
كما منحه الصنف الاكبر من الوسام الوطني للاستحقاق في ميدان الثقافة سنة 1999 .
(المصدر: وكالة تونس افريقيا للأنباء (رسمية) بتاريخ 6 أفريل 2007)
الرئيس زين العابدين بن علي يوجه برقية تعزية الى اسرة الفقيد علي السريتي
قرطاج 6 افريل 2007 (وات) على اثر وفاة الفنان علي السريتي وجه الرئيس زين العابدين بن علي الى اسرة الفقيد الكبير برقية تعزية في ما يلي نصها:
“تلقيت بتاثر نبا وفاة الفنان الكبير علي السريتي واذ اذكر خصال المرحوم وابداعاته الفنية واسهاماته المتميزة في اثراء الموسيقى التونسية فاني اعرب لكم عن اعمق مشاعر التعاطف والمواساة راجيا من الله ان يتغمد الفقيد برحمته الواسعة ويرزق اهله وذويه والاسرة الفنية التونسية عامة جميل الصبر والسلوان.”
(المصدر: وكالة تونس افريقيا للأنباء (رسمية) بتاريخ 6 أفريل 2007)
هل نحن على أبواب فرز جديد للقوى بعد صدور وثيقة التوافق حول المرأة ؟
الحبيب أبو وليد المكني Benalim17@yahoo.fr منذ أن أصدرت هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات “وثيقة التوافق حول المرأة ” و الجدل مستمر داخل اليلاد التونسية و خارجها حولها ، وهو ما يقيم الدليل على أن هذا النص قد جاء ليهز الكثير من القناعات و يهدد بعض التوازنات و يثير جملة من التساؤلات التي تحتاج إلى ردود واضحة تخطو بوعينا الجمعي خطوات إلى الأمام ، و كنت في مقال سابق(1) قد تناولت موضوع الوثيقة من زاوية معينة ركزت فيها على شرح جوهر الخلاف بين الإخوة الكرام الذين تناولوا بالنقد البيان المذكور على أساس أن اختلاف المعايير بين المجالين الثقافي و السياسي لا بد أن يفضي إلى ذلك التباعد في الحكم لهذه الوثيقة أو عليها و أجدني بعد صدور بيان الهيئة العالمية للدفاع عن الإسلام في تونس و كذلك نشر بعض المقالات التي يهاجم أصحابها بيان الهيئة حول المرأة أذكر من بينهم الأخ الفاضل السيد الفرجاني أكتب ثانية حول الموضوع راجيا من الله السميع العليم أن يوفق في هذا الجهد بما يؤلف بين القلوب و يوفق العقول إلى ما يحبه و يرضاه …
و لعله من المفيد أن أذكر بأن الوثيقة( 2) تمثل نصا سياسيا توافقت عليه أطراف إسلامية و وطنية ، ندرك جيدا الظروف التي تعمل فيها ، و نعلم يقينا مكوناتها الثقافية و الأيديولوجية ، ونؤمن بمصداقيتها وبلاءها في مواجهة الاستبداد ، و صدقها في الدفاع عن الحريات في تونس و العمل من أجل الإقرار بحقوق المواطنة في البلاد و بالتالي نعتقد أنه من الخطأ التعامل معها بعين الريبة و الشك و تحميلها أكثر مما تحتمل من أعباء و تناول الوثيقة على أنها خطر على الإسلام و المسلمين(3) ،لأنها في النهاية عهد توافق عليه جزء مهم من المعارضة التونسية و مبادئ قد تترجم عن موازين القوى السياسية القائمة في البلاد اليوم و التي قد تتغير غدا، فتملي إعادة النظر في بعض التفاصيل التي تبدو اليوم مقبولة،و قد تصير في وقت لاحق في حاجة إلى تعديل ، دون أن يعني ذلك المساس بجوهرها المتمثل في إقرار المساواة بين الجنسين و العمل على تكريس ذلك ، ثقافة و ممارسة.
1 ـ لا بد أن نتفق أولا على مقومات الدولة الحديثة التي نريدها .
ضمن هذا العنصر أود أن أوضح للقارئ الكريم ما سبق أن تناولته من أسس الدولة الحديثة التي أشعر أن هيئة 18 أكتوبر تعمل من أجلها و بالتالي فقبل الاتفاق على هذه الأسس يصعب أن نتقدم معا إسلاميين و وطنيين في النضال من أجل تحقيق الاستقلال الثاني و الانتصار على ثقافة الاستبداد السياسي و إرساء حقوق المواطنة بمقاييس عصرنا .لا بد من الإقرار بأن الدولة الحديثة قائمة قبل كل شيء على استبدال القيم الموروثة وضعية كانت أم مقدسة بالقيم التعاقدية ، ليس معنى ذلك في نظر الإسلاميين الديمقراطيين على الأقل أن نتخلى على تعاليم الإسلام في تسيير المحال المشترك من سياسية و قضاء و اقتصاد و اجتماع و لكن هذه التعاليم لن تدخل مجال المشترك لتصاغ في شكل قوانين و إجراءات تنظيمية إلا بعد أن تنجح في الحصول على الشرعية الاجتماعية بما معناه أن أغلبية واضحة من المجتمع فد عبرت من خلال المؤسسات السياسية القائمة في البلاد و في مقدمتها مؤسسة البرلمان على مطالبتها بذلك ، و يحتاج تحقيق هذا الأمر كما لا يخفى لجهود كبيرة يجب أن يبذلها الإسلاميون لإقناع النخب قبل الجماهير بوجاهة رأيهم , و من خلال تراكم البحوث العلمية والدراسات الأكاديمية التي تقنع بأن مصلحة البلاد ستتحقق بشكل أفضل بتطبيق هذه التعاليم ، وليس من خلالا ممارسة الخطاب الشعبوي الذي قد يفسد أكثر مما يصلح .و قبل ذلك لا بد من أن توضع النصوص الدستورية التي تكفل حقوق المواطنة كاملة للجميع و منها حقوق الأقليات و حربة المعتقد و التنظم والتعبير و الاجتماع و احترام حقوق الإنسان و غيرها من المبادئ التي لا تقو م الدولة الديمقراطية الحديثة إلا بها…
أما الذين يتصورون أن الحديث عن احترام هوية التونسيين العربية الإسلامية يعني أن شرائع الإسلام و تعاليم ستأخذ طريقها إلى التطبيق في الواقع فقط لأنها وحي منزل من السماء لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ،مع القبول فقط بمبدأ التدرج في التنزيل فهؤلاء لا يبتعدون كثيرا عن العقلية السياسية التي كانت سائدة في العصور التي سبقتنا والتي كانت تدافع عن الحكم المطلق للملوك باعتبارهم رمزا للشرعية و ضمانة وحدة الممالك و استقرارها السياسي…
و لا يجب أن يفهم من هذه الأسطر بأي معنى من المعاني أن كاتب هذه السطور يضع محكم التنزيل من قرآن كريم و سنة مطهرة موضع الشك ، فقد يكون أكثر الناس قناعة بقدسيتها و صلاحيتها لكل زمان و مكان و لكن هذه مقتضيات الدولة الحديثة التي يجب أن توفر الحرية للمثقفين من علماء الإسلام و غيرهم من المنتمين إلى مذاهب أخرى كي بدور الحوار بينهم باستقلالية تامة عن السياسيين في الحكم و المعارضة فتتولد الأفكار الجديدة و يرتقي الوعي الجمعي و تزدهر الثقافة التي ستلهم أفراد المجتمع حلولا ناجعة لمشاكلهم و مشاريع جديدة في الحضارة و العمران…
و أعتقد أنه بدون هذه المبادئ التي من واجب النخب التونسية أن تقوم بصياغتها في شكل عهد ديمقراطي لا فائدة من الإكثار من العبارات الداعية إلى إرساء دولة الحق و الحرية و الديمقراطية في هذا العصر الذي نعيشه ..
في هذا الإطار يقيم الكاتب وثيقة التوافق حول المرأة التي أصدرتها هيئة 18 أكتوبر كلبنة أولى نحو صياغة العهد الديمقراطي و لا تشغله بعض التفاصيل التي قد تتعارض مع ما يؤمن به من أفكار و ما يقدسه من تعاليم قد تكون الوثيقة لم تعرها ما يلزم في رأيه من احترام …
فإذا استمر الجدل بين الفرقاء السياسيين في تونس على أساس أن الأول معبرا عن الحقيقة الدينية و الثاني ممثلا للحقيقة التقدمية و الثالث حارسا لبوابة العروبة ومدافعا عن أمجادها فلن ينجحوا أبدا في التوافق على أرضية صلبة تضمن التحالف المتين بينهم من أجل فرض الحريات و إرساء دعائم المجتمع الديمقراطي و إلحاق الهزيمة بالدكتاتورية وأنصارها الظاهرين منهم و المختفين .و إن توفير هذه الأرضية يمثل الشرط الأساسي لتشكيل جبهة وطنية معارضة ستنجح مع الأيام في امتلاك القدرة على زحزحة موازين القوى لصالح المجتمع المدني ، بعد أن تنجح في استقطاب الخائفين والمترددين و الغافلين و المغفلين الذين يجتمعون اليوم حول باب السلطان و يشكلون معظم قوته التي يبطش بها و يفرض بها شروطه على الداخل و الخارج ، ولأجل هذا السبب حققت حركة 18 أكتوبر ذلك الالتفاف الكبير حولها عند انطلاقها لأن الناس تدرك أنها خطوة على الطريق الصحيح لم تنجح المعارضة من قبل في الإقدام عليها وهي اليوم في حاجة إلى أسس ومبادئ قادرة على الصمود في وجه الإغراءات و التهديدات و الشكوك و عوامل الضعف و المقايضات .
ذلك أن مطلب المرحلة التي تمر بها البلاد ليس كما يظن البعض فك الاشتباك مع السلطة و البحث عن السبل الكفيلة بإقناعها بقبول الحوار مع المعارضة مجتمعة أو متفرقة ولكنها مرحلة استجماع شروط الاستعصاء و المغالبة حتى تدرك هذه السلطة أنها لن تكون قادرة على التحكم بالأوضاع و حماية السلم الأهلي إلا بالتفاوض مع المعارضة لتحقيق قدر من الشروط تحددها المعادلات السياسية و التحالفات الاجتماعية و حرفية السياسيين ، و لكن تحقيق شروط الاستعصاء و المغالبة يتطلب فك الاشتباك بين أهم أطراف المعارضة الإسلامية و الوطنية بعد أن تبين العدو المشترك واستفاد كل طرف من أخطائه القديمة التي يجب أن لا تتكرر مهما كانت المبررات التاريخية والأيديولوجية أو الدينية.
2 ــ فك الاشتباك بين أهم أطراف المعارضة الإسلامية و الوطنية
قد تكون الوثيقة موضوع هذا المقال في حاجة إلى بعض الوقت حتى تهدأ النفوس و تروض شياطينها الأيديولوجية و العقدية و تنتبه العقول إلى متطلبات المرحلة و شروط تغيير الواقع و تدرك أن كتابة المقالات الممتلئة بشعارات التقدمية و معاداة الرجعية لم تحقق مطلبا و لم توحد صفوفا و أن صياغة البيانات الموشحة بالآيات القرآنية و الأحاديث النبوية التي يعبر بها الشيوخ عن قراءاتهم الخاصة ويحسبون أنهم بها قد أفحموا مخالفيهم لم توفق في إيقاف المظالم و لم تمنع الاستبداد من الاستمرار فيما هو فيه من ظلم و جبروت و تأله و عندها يتأسس العمل الجبهوي غي تونس على أسس متينة سيلتحق المتخلفون و بصدق المتقدمون …
إن الأسئلة الرئيسة الذي ينبغي أن بطرحها أنصار هيئة 18 أكتوبر على أنفسهم وهم يقيمون هذه الوثيقة هي : هل يفيد هذا البيات في التعجيل بفك الاشتباك بين المعارضتين الإسلامية و الوطنية ؟ ,هل تساعد هذه الوثيقة على تجريد السلطة من بعض أوراقها الرابحة التي استخدمتها من أجل ترويض المجتمع في الداخل و التمويه على حلفاءها في الخارج وصولا إلى إحكام قبضتها على المجتمع وإنهاك قواه الحية ؟ هل يجدي هذا البيان في إقناع مزيد من النخب التونسية بأن حركة النهضة لا تشكل خطرا كما يتوهمون على الحريات السياسية و الفردية و ما حققته البلاد من مكاسب و من جملتها تحسين وضع المرأة و الرفع من منزلتها مقارنة بما كانت غليه قبل الاستقلال ؟ .هل تشكل هذه الوثيقة جزءا من العهد الديمقراطي الذي تحتاجه البلاد لتدخل معترك التغيير الحقيقي بعض أن أضاعت وقتا طويلا قضته المعارضة في رفع الشعارات الجميلة و تنظيم الاحتجاجات القليلة و تمكن فيه الاستبداد من إدارة معاركه ضدها بنجاعة ونال منها منفردة و كان يمكن أن يكون نجاحه أقل بكثير لو اجتمعت عليه واستغلت الفرص التي أتيحت لها في بعض المناسبات ؟
فإذا كانت الردود على هذه التساؤلات بنعم فلما كل هذا النقد و الوعيد ؟ و لما هذا التشكيك و التنديد ؟!
أما الذين يعتقدون أن الوثيقة لا تخدم هذه الأغراض فلا أملك إلا أن أحترم وجهة نظرهم و لا أطيل الجدل معهم … و أختم مقالي بالتأكيد على أن أهمية هذه الوثيقة تكمن قبل كل شيء في توقيع حركة النهضة عليها بعد تشاور بين الداخل و الخارج(4) فيجعلها بذلك إضافة نوعية على طريق صياغة العهد الديمقراطي في إطار شراكة بين جناحي المعارضة الإسلامية و الوطنية مما سيمهد الطريق لولادة حلف سياسي قادر على تجريد السلطة من الكثير من المسوغات و المبررات التي نجحت بها إلى حد الآن في إلحاق جانب معتبر من النخب التونسية بها و فرض الصمت على جانب معتبر آخر و ذلك العامل المهم الذي أضعف المعارضة بالإضافة إلى تشتتها فاستحال عليها توسيع قاعدتها الجماهيرية وأدى إلى دوام اختلال التوازن السياسي بين السلطة والمجتمع فانفرد شخص أو بضع أشخاص بالقرار و تمكن الاستبداد من البلاد و العباد ,وليس من الصعب بل من المؤمل أن يساهم هذا النص وملحقاته قي فك الاشتباك بين أطراف المعارضة و يؤدي بالتدريج إلى إضعاف الحزب الحاكم الذي سيصعب على قيادييه أن يقنعوا النخب التونسية التي لا تحصل إلا على الفتات من المصالح و المناصب فضلا عن عموم الناس، بأن سياسة الانسداد السياسي و الحصار الأمني ضرورية لحماية البلاد من إسلاميي حركة النهضة أو الشباب المتدين الجديد و هم يسمعون ما يجري في موريطانيا !!! فما يلبث أن ينتعش النفس المعارض في كل مكان و تتوفر شروط أفضل للعمل المعارض الجاد القادر على إحداث التغيير الحقيقي ..
أما الإخوة الكرام الذين يفكرون على النحو الذي بينه الفاضل محمد النوري في مقاله الصادر في تونس نيوز ليوم 6 .4 . 07 حيث ذكر :” أما بالنسبة للحركة الإسلامية فعليها في نظري أن لا تخطئ مرة أخرى في سياسة التقدير و التدبير فتراهن مراهنات خاطئة و تنفق من رأسمالها الديني و ثوابتها الفكرية من أجل مرامي سياسية محدودة ، قطعية الخسائر ظنية المكاسب ” فأقول لهم أنه بعد التحليل الذي تقدم فالأمر لا يتعلق بإنفاق من الرأسمال الديني و لا الثوابت الفكرية , فليس الإسلام الذي يدخل اليوم معركة صياغة العهد الديمقراطي و لكنه الرأي و الحنكة والسياسة , ثم أننا لا نجد في الوثيقة ما يتعارض مع نصوص قطعية الدلالة حتى نتردد في أمر رجح عندنا أن فبه المصلحة لأن فيه ما يفيد في توسيع هامش الحرية لمجتمعنا و نحن لا نتعلق بأية أوهام ،و ندرك أن الهدف لا زال صعب المنال ، و لا بأس من اختلاف وجهات النظر، ولكن ننبه بعض إخواننا الذين يريدون أن برهنوا قرار الحركة لمستوى الوعي السياسي الذي عليه شباب الصحوة الجديدة الذي يقارن بما كنا عليه في أواخر السبعينات بل هو أقل يخطئون التقدير و قد يكونون على استعداد للوقوع في الخطأ مرات و المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين . هوامش
( 1 ) طالع المقال على صفحات تونس نيوز بتاريخ 22.3.07 ( 2) من المفيد إعادة قراءة الوثيقة حتى لا يخلط القارئ بين النص الأصلي و التقييمات المتضاربة ( 3) أنظر نص البيان الذي أصدرته هيئة الدفاع عن الإسلام في تونس و نشرته على صفحات الحوار نت و تونس نيوز (4) أنظر مقال صلاح الدين الجورشي بعنوان” ليس دفاعا عن النهضة … ” الذي نقلته تونس نيوز عن يومية الحياة الصادرة يوم 6.4.07
كلمة على درب الحوار حول مستقبل الحركة الإسلامية في تونس.
الحلقة 1 من 3.
علامتان أوليان قبل الكلمة :
1 ــ فشل مشروع عصابة الفساد المتغلبة في تونس في معالجة أكبر تحديين نذر لهما نفسه قبل عقدين تقريبا : إستئصال المعارضة عامة والإسلامية منها خاصة وتجفيف منابع التدين التي تتغذى منها المعارضة الإسلامية. الدليل على ذلك الفشل : عودة الحراك الإعلامي حول ملف حركة النهضة تحديدا مباشرة في إثر خروج زمرة من قيادتها التاريخية من السجون بعد عقد كامل ونصف. هل كان الإعلام ـ ولن يزال ـ يعالج مواتا طوت ذكره الليالي ودفنته الذكريات؟
2 ــ لم يكن فشلا عاديا تمكن معالجته وتفاديه بل أضحى فشلا مركبا ينتسب إلى عصور ما قبل إندلاع ثورة الإتصالات الهائجة : من الأدلة على ذلك دخول السلفية الجهادية المسلحة على الخط لأول مرة فوق أرض دولة بوليسية تحصي الأنفاس وتعدها عدا. ومن الأدلة على ذلك كذلك : إستحالة تناول أي ملف تنموي في السياسة والإقتصاد والإجتماع فضلا عن معركة الأمة القومية مع المحتلين من صهاينة وأمريكان دون حضور الجانب الإسلامي ( حركة النهضة تحديدا ) سواء بالحضور المباشر أو بالحضور الغائب وسواء كان المعالج من المعارضة أو من الوفود الخارجية التي تبحث عن رعاية مصالحها بعد زوال شق من عصابة الفساد المتغلبة.
خلاصات ثابتة تبنى عليها الإستراتيجية الجديدة للحركة الإسلامية في تونس :
1 ــ الصحوة الإسلامية الثانية ( الصحوة الجديدة ) : مشهد ثابت قوي مشروع ولدت على أنقاض أمرين : خطة تجفيف منابع التدين بعد فشلها الذريع في حصد غريزة التدين و غياب حركة النهضة لعقد كامل ونصف بما خلف من فراغ كبير. هي صحوة مشروعة إسلاميا ووطنيا ولا ينفي ذلك كونها تجمع بين أنها جزء من مشكلة إسلامية ووطنية وبين أنها حل للمشكلة ذاتها. صحوة عالمية بكل المقاييس وبكل ما تعنيه الكلمة من معنى أفقي ممتد متنوع. صحوة من المنتظر أن تعمر طويلا على حالها تلك قبل حركة إستيعاب بينها وبين المجتمع.
2 ــ الثورة الإعلامية الهادرة المعاصرة لن تتوقف حتى تحول الأرض بأسرها إلى قرية صغيرة بما يحطم ما بقي من حدود مادية بين الناس . إنه أبلغ تنفيذ لإرادة الرحمان سبحانه في قوله : ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا “. التعارف بين الناس ـ كل الناس طرا ـ إرادة ربانية ماضية قدر لتنفيذها أمورا منها : الثورة الإعلامية العابرة للحدود المحطمة للقيود.
3 ــ مستقبل عصابة الفساد المتغلبة : يحسن التفصيل هنا. فمن ناحية يجمع المراقبون على أن تلك العصابة في أيامها الأخيرة منذ السنوات الخمس المنصرمة ولولا كارثة سبتمبر وما تلاها في مدريد ولندن لخر عليها السقف قبل ذلك ومن ناحية أخرى فإن عقدين كاملين كانا كافيين لتمكن الأيادي الأكثر تصهينا وطغيانا من الميليشيات الأمنية والمالية المتنفذة في صلب العصابة بما يجعل كل تغيير في البلاد لا يتجاوز حدود إعادة توزيع الأدوار وإحكام القبضة حتى لو أدى ذلك إلى تنفيسات تقتضيها المسرحية. مستقبلها إذن بالجملة تديره النار الهادئة في مراكز البحث والقرار الدوليين أما تفصيلا فتتنازعه تلك الأيادي الحمراء القذرة الأشد تنفذا وغلبة.
4 ــ حتى لو دفعت حالة الشعور بالظلم والغبن أكثر الفئات المتضررة منها أي الشباب العاطل أو نصف العاطل أو المهمش إجتماعيا إلى ما يشبه الثورة على غرار ثورة الخبز قبل عقدين ونيف فإن ذلك لن يغير معادلة مستقبل عصابة الفساد بحسب ما وقع تثبيته في الفقرة الخالية. ربما يكون إتحاد الشغل نفسه ـ رغم تحرره النسبي جدا من قبضة عصابة الفساد في مؤتمره الأخير بالمنستير ـ غير راض ولا مؤيد لشبه ثورة تحض على طعام المسكين.
5 ــ نصف قرن كامل من تدمير البنية التحتية الثقافية آتى كثيرا من أكله الزقوم : قام مشروع بورقيبة على صناعة أمة تونسية متمدنة متحضرة تلحق بركاب الأمم المتقدمة في أروبا. كان عليه أن يضحي ثمنا لذلك بالهوية العربية الإسلامية للبلاد ففعل ونجح إلى حد كبير ولكنه حقق في المقابل نجاحات معتبرة فيما يكون الإقتباس فيه نافعا من مثل تعصير الإدارة وأولوية التعليم. ولكن كان من سوء حظ تونس حقا أن يرثه خلفه الذي حقق بالعصا الغليظة والقتل البطيء ما عجز عنه بورقيبة. وبالخلاصة فإن نصف قرن كامل ( 1957 ـ 2007 ) كان كفيلا بإصابة البنية التحتية للهوية العربية الإسلامية لتونس بضربات تدميرية قاسية جدا يتطلب تجاوزها عقودا أخرى طويلة تقوم عليها مخططات إنمائية تجمع بين القوة والأمانة. يكفي دليلا على ذلك إجتماع عدد غير يسير من الظواهر الإجتماعية القاتلة تحيق بمجتمع صغير لا يزيد عن عشرة ملايين نسمة : ظاهرة الشيخوخة بسبب خنق معدل الولادات وظاهرة الطلاق وما ينذر به من إنحلال مؤسسة الأسرة وظاهرة الأمهات العزباوات وظاهرة الهجرة السرية وقوارب الموت. مجتمع مهدد لأول مرة جديا بالإنحلال الإجتماعي بل بالإنقراض التدريجي وهو التهديد ذاته الذي تضج منه مجتمعات أروبية بعد عقود قليلة قادمة.
6 ــ العلمانية في تونس في إنحسار وشيخوخة أو في زمن التقاعد : نشأت العلمانية العربية قبل عقود في إثر الثالوث المعروف : الإحتلال العسكري وحركة الإستشراق والغزو الفكري. نشأت في الأغلب مادية شيوعية فلسفيا ثم ألجأتها ظروف دولية وعربية إلى التدثر بالعلمانية والديمقراطية وكفاها نصرا في أيام زهوها وليالي مجدها أنها طوعت حركة القومية العربية لرؤيتها الأشتراكية فحكمت دولا وأذلت شعوبا وإنتقمت من الإرث الإسلامي شر نقمة. ثم آل الأمر ببعضها إضطرارا إلى إعلان التبني العام للإسلام حتى مع الإجتهاد في ثوابته القطعية. لا يختلف إثنان بأن الحديث عن العلمانية بعد عقدين على أسوإ حال هو حديث عن الماضي وعن التاريخ وعن سلف من الأسلاف البائدة. ولا ينفي ذلك كون العلمانية إلى يوم الناس هذا توجه جزءا كبيرا ومهما من دواليب الدولة إعلاميا وثقافيا وتربويا.
7 ــ حركة النهضة ذاتها وجودا ماديا ومعنويا : ثبتها الله سبحانه فثبتت على أكبر أمرين يحفظان لها ذلك الوجود بما هو رصيد صالح لإعادة البناء والتطوير : الوحدة العامة التي لم تؤثر فيها بعض الهزات الخفيفة من هنا وهناك ووضوح الخيار الفكري وسطية ولازمته السياسية إعتدالا على نحو ساهم في حفظ البلاد مما وقعت فيه بلدان أخرى من مثل الجزائر ومصر وغيرهما.
تلك هي في رأيي العوامل التي تحتاج إليها الحركة الإسلامية في تونس لتجديد إستراتيجية عملها إضافة إلى مراعاة الثوابت والمتغيرات في المحيط العربي والدولي وهي معلومة لم يطرأ عليها تطور يقلب منظر المشهد العام.
وإلى اللقاء في الحلقة الثانية من هذه الكلمة.
الهادي بريك ـ ألمانيا.
ذكرى للشّهـداء أم
استعراض”للولاء”
هذا المقال كتب بمناسبة الإحتفال بذكرى الشهداء سنة 2005 ونشر على تونس نيوز بتاريخ 12أفريل من نفس السنة، وقد شاهدت اليوم ـ 9أفريل 2007ـ الإحتفال بنفس الذكرى حيث تكرر المشهد والإخراج عدى ما اقتضته الضرورة من مثل رفع لافتات مكتوب عليها “معا مع بن على 2009” وكذا الصراخ بنفس الشعار. وقد سمح له رجال حمايته هذه المرة أن يقترب من الناحية التي يوجد بها جمع من عجائز قدماء المقاومون مع الحذر الشديد.
مرّ بنا يوم 9 أفريل وهو يوم عطلة رسمية في بلادنا تونس تخليدا لذكرى الشّهداء ـ رحمهم الله ـ الّذين سقطوا في سبيل الذّود عن حمى الدين والوطن. تأمّلت في حال الوطن الذى بذلت المهج والدّماء من أجله فوجدته على “أحسن” حال والحمد لله الدّماء لم تذهب سدى! الشّهداء مكرّمون كل سنة يكلف السّيد الرّئيس نفسه المشاقّ الجسام ويضع علىقبورهم أكاليل الزّهور ويدعو لهم بالمغفرة والثواب ويقرأ عليهم الفاتحة وكلّ ذلك” بوضوء” على مافيه من مشقّة حتّى يكون القبول الحسن ( آمــــيـــن).
تذكّرت ذلك اليوم أبياتا شعرية أظنّها لأحمد اللّغماني حفظتها وأنا طفل دون عناء منّي ولا رغبة، من كثرة ما أذيعت أواخر السّبعينات بسبب الخلاف بين بورقيبة والقذّافي ـ أو تونس وليبيا فلا فرق بين الدّولة والرئيس عندنا، يقول الشّاعر:
قـم فـانـظر يـا عمر المختـار ***عـبـث الثـورية والـثـــوار
يـــا زارع لـيـبيـا أمجــادا ***يـا قـاصـم ظـهـر الإسـتعمـار
قــم فانـظـر كيف يـخـرّب مـا *** شـيـّدت ومـن أعـلى ينهــار
بـلـيـت لـيـبـيـا وعـروبـتهـا ***بـعـتـل مـنـحـرف جـبـّار
انـــــقضّ بـسكّيـن الـجـزار***وأتـى بـمـسـحـاة الـحفّـار
وتــربّـع فـــوق ســريـر *** لـجـثـث من ضـحايـاه الأبرار
قلت في نفسي أين نحن من هذه الحالة البئيسة؟! فجهود المجاهدين لم تضع!! والدّولة عندنا دولة الشّعب! وليست دولة الرّئيس والعصابة المحيطة به كما الحال عند الجيران! ورئيسنا لا يتعامل مع شعبه بالسكّين والمسحاة والهراوة! هل شاهد أحد منّا رئيسنا أو من حوله يحمل هراوة؟؟!!حاشا لله لقد حكم فعدل فأمن فتجوّل باطمئنان! كلّ الشّعب ينعم بـ
“لا ظلم بعد اليوم” لم يسجن مسجون إلاّ بحق! لم يعذّب موقوف إلاّ بحقّ! لم تتجاوز مدّة الإيقاف “القانوني”إلاّ بحقّ!لم يختطف الآمنون إلاّ بحقّ! لم تثكّل الأمّهات إلاّ بحقّ! لم ترمّل النّساء إلاّ بحقّ! لم ييتّم الأطفال إلاّ بحقّ لم يطرد النّاس من وظائفهم إلاّبحقّ! لم يهجّر المهجّرون إلاّ بحقّ! لم يحرم أطفال كثيرون من رؤية بلادهم إلا بحقّ!… لم يمنع الحجاب إلاّ بحقّ! لم تغلق المساجد إلاّ بحقّ!!!….وأخيرا وليس آخرا لم يدع شارون لزيارة بلادنا ـ الطاهرة حتّى الآن وحسب ما نعلم ـ إلاّ بحق!
فلوليّ الأمر حقّ تقدير المصلحة وتنفيذ السّياسة “الشرعية” فقد يرى من المصالح ما يمكن أن يخفى عن قصيري النّظر أمثالنا! وله حقّ الطاّعة علينا في المنشط والمكره!! ومن لم يعجبه من وليّ أمره شيء دعاالله له بالهداية ولزم الطّاعة! أو غادر دولة “لا ظلم بعد اليوم” حتّى لا يظلم نفسه ! أو يظلم!!
فليهنأ شهداؤنا الأبرار ، إنّ حال البلاد بعدهم يسيء الصديق ويفرح العدو عفوا “يفرح الصّديق ويحزن العدو”
وهو كما وصفه الطّاهر الحبّاس في مسرحيّة “عمّار بو الزّور”: “الماء في الحيوط والضّوء في الخيوط والخبز أهشّ من البشكوت”.
وبمناسبة هذه الذّكرى الوطنية أردت أن أزيد أبنائي شيئا من حبّ الوطن والإحساس بالإنتماء لماضي بلادنا وحاضرها فشاهدت وإياهم زيارة السّيد الرئيس لمقبرة السجومي الّتي بها الكثير من شهداء الوطن، والحفل البهيج الّذي أقيم بالمناسبة “لتكريم الشّهداء”. انهالت عليّ أسئلة لم أكن أحسب لها حسابا!! وليس لديّ إجابات شافية لها!
.أبي:من هذا الرجل الأنيق الذي يعرج وليس برأسه شعرة بيضاء؟! من هذه الثّلّة الّتي تحيط به إحاطة السّوار بالمعصم؟! لمذا يلتفتون في كلّ اتّجاه كالمجانين كأنّهم يتوقّعون شرا مستطيرا؟! هل يتوقّعون غارة من المستعمر؟ وهل المستعمر لايزال في بلادنا؟ إذن لماذا مات الشّهداء؟! .
أردت أن أجيب عن أسئلتهم بما يوفّق الله أو بشيء من “الكذب” الجائز ، وبدأت بالرّجل الأنيق وقلت إنّه رئيسنا ووليّ أمرنا. منعوني من الإسترسال وانهالوا عليّ بكمّ جديد من الأسئلة :
لماذا يمنعون الطّير والذّباب من الإقتراب منه فضلا عن البشر؟ هل يخشون منه أم يخافون عليه؟! لماذا لا يقترب من النّاس؟ ما هذه الإشارات الّتي يطلقها بيديه كأنّه يتوعّد “المُحَضَّرين” ويقول لهم سأعصركم وأضعكم في بطني؟! ولماذا يرفع كل حاضر صورتين للرّئيس ؟! لماذا لا ترفع صور الشّهداء؟! أليست المناسبة من أجلهم؟!
أم ترى أنّ رئيسك لا يسمح بأيّ ولاء أو اعتراف بالجميل لغيره وإن كان من الأموات؟؟ من هؤلاء الذين بدا البؤس عليهم ظاهرا والفقر والشّيخوخة يفعلان فعلهما فيهم؟؟ لماذا يهتفون باسم الرئيس ولا يهتفون باسم تونس؟!
لمذا نرى في أعينهم خلاف ما تنطق به شفاههم؟! ام تراهم مقهورين ومغلوبين على أمرهم؟…لماذا لا نرى مثل هذه البهرجة والمواكب الإحتفالية في أروبّا ؟؟
وجدتها فرصة للإنقضاض ولقطع هذا السّيل العارم من الأسئلة الّتي لم أحسب لها حسابا وقلت لهم إنّ الثّقافات تختلف والشعوب الأوربّبة شعوب باردة لا تعرف معنى الحبّ والولاء والإعتراف بالجميل لأولياء النّعمة!!
فهي شعوب إنتهازية لا تحرّكها إلاّ شهوات البطون وما تحتها.!
وأمّا مسألة الصّور المرفوعة فهي صحيح صوّر الرئيس لكنّ كثرتها ترمز لكثرة الشّهداء وهذا الأمر لا يفهمه إلاّ من يتعمّق في بواطن الأمور ولا يكتفي بالظواهر! فالرئيس هو الوريث الشّرعي لثمرة جهاد المجاهدين، وأرواحهم الطّاهرة حلّت في روحه فهو منهم وهم منه!!
ضحك الرّضيع في حجر أمّه ساخرا ونطق بأوّل كلمة “كفاية” لقد أنطقني ما سمعت منك وإن لم تكفّ يا أبي عن هذا “الـتّـبـنـديـر” عدت إلى بطن أمّي فأنا حديث عهد به وما سمعت فيه ما أزعجني، أو غادرت الحياة مختارا وغير آسف عليها. قلت سبحان الّذي أنطقك! من أنبأك أنّ اباك ذيبُ(كان)؟؟!
وعدته أن أعود لأصلي وأن أهجر “التّطبيل” حتّى يعيد السّيد الرّئيس الثّقة بيني وبين أبنائي وبينه وبين شعبه.
(ولكنني عدت من دون أن يتحقق شرطي!2007)
صابـــر التّـــونسي
بسم الله الرحمن الرحيم تونس الجميلة
بقلم: د. محمد الهاشمي الحامدي
“رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي”. آمين.
***
قرأت ما كتبه الأخ نور الدين الخميري والأخ مهاجر على مقالة لي نشرتها قبل يومين بعنوان “الربيع والسياحة وزيت الزيتون في تونس”.
طلب الأخ مهاجر حفظه الله أن أقول خيرا أو أصمت، وهو مصيب في ذلك تماما. وقد أردت الخير كل الخير فيما كتبت. تشجيع السياحة العربية إلى تونس أمر نافع ومفيد من الناحيتين الإقتصادية والثقافية، وترويج زيت الزيتون التونسي أمر مفيد للفلاّح التونسي الذي يكد من أجل زيادة دخله ومن أجل تربية أبنائه وإسعاد عائلته.
وتساءل الأخ نور الدين حفظه الله عن إهمالي الإشارة إلى زيارتي الخاطفة لتونس قبل سنوات قليلة، ولا شك أنه يقصد ما جرى قبل تسع سنوات بالتمام والكمال.
ليس ثمة سر في الموضوع. فزيارتي التي قمت بها لتونس صيف 1998 وتشرفت فيها بمقابلة الرئيس زين العابدين بن علي كانت تهدف أساسا إلى المساهمة في معالجة المشكلة العويصة التي يشير إليها رد الأخ الخميري ومقال الأخ مهاجر، مشكلة الصدام بين السلطة والحركة الإسلامية.
وقد بذلت كل ما في وسعي آنذاك، وشرحت الأمر على شاشة الفضائيات وفي صفحات الجرائد، وأثمرت تلك الجهود بعض الثمار التي شهد بها عدد من المنصفين، لكنها لم تصل إلى مبتغاها الكامل لأسباب عرضتها في مناسبات سابقة وليس الوقت اليوم مناسبا للحديث فيها بتفصيل.
من دون مبالغة، ومن دون تحد لأحد، وبصراحة كاملة، أقول ما يلي: لقد بذل كاتب هذه السطور كل ما في وسعه ولا يزال حتى الساعة، من أجل حلحلة الأزمة المستحكمة بين السلطة والتيار الإسلامي المعتدل. لا أحب أن أزايد على أحد، ويؤلمني أن يزايد علي الآخرون. لكنني صبرت وسأصبر، وأدعو كل التونسيين إلى إحسان الظن بمخالفيهم في الرأي والمنهج.
أكثر ما يفسد كل مسعى للصلح وتقريب ذات البين هو مسارعة البعض لاستخدام خطاب متشنج لا يبقي للصلح بابا على الإطلاق. خطاب يصادر الوطنية والتدين من السلطة ومن كل من يسعى للحوار مع السلطة أو يكتفي بنشر مقالة عامة عن السياحة والفلاحة ولا يهاجم السلطة.
وهذا ظلم كبير، ومنهج لا يحقق أية مصلحة، وفيه مخالفة لسنن الإصلاح الديني كما بينتها تجارب الأجيال السابقة من المسلمين منذ صدر الإسلام.
ومن المؤسف أن منهج التشنج، ومنهج الخصومة والمغالبة بشكل عام، طغى على التجربة الحركية الإسلامية منذ نهايات العقد السابع من القرن الماضي، فأثمر جيلا لا يحسن غير فن اكتساب الخصوم في صفوف السلطة وتوسيع دائرتهم عاما من بعد عام.
وها هو منهج القطيعة والخصومة ينتهي ببعض رموز التيار الحركي الإسلامي إلى استرضاء أقليات متطرفة معقدة من التراث العربي والإسلامي لتونس، بتسويات واجتهادات شرعية مشوشة، لسبب سياسي واضح هو استمالة تلك الأقليات والتحالف معها في المعركة ضد السلطة.
أخي نور الدين وأخي مهاجر: تونس بن علي فيها خير كثير. ملايين التونسيين ينامون الليل مطمئنين، ويسعون من أجل الرزق آمنين، يرتادون المساجد، والملاعب، والحدائق، ويفرحون في الأعياد وفي كل مناسبة يتحقق فيها نصر معتبر لتونس في أي محفل من المحافل الإقليمية والعالمية. كثير منهم يملك بيته، وربما أكثر من بيت. وسيارته، وربما أكثر من سيارة. ويقود الفلاح من سيدي بوزيد شاحنته فجرا إلى باجة أو صفاقس أو العاصمة، ويعود منها ظهرا، آمنا مطمئنا، لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه.
والحكومة التونسية الحالية التي يرأسها الرئيس بن علي مكنت تونس من التفوق اقتصاديا على بلدان تملك ثروات كبيرة من النفط والغاز. أقرأ هذا الكلام في تقارير المنظمات الدولية الموثوقة، وأسمعه من الأصدقاء الموثوقين الذين يزورون تونس، ومن الجزائريين والليبيين الذين يزورون بلادنا بمئات الآلاف ويمدحون ما فيها من نظام ونظافة وخدمات طبية راقية.
أما درجة التطور الديمقراطي ومدى الحريات السياسية والإعلامية والسياسات الأوفق لتشغيل الشباب فأمر يمكن النقاش فيه، ويجب النقاش فيه، على أساس أنه شأن تونسي عام، للسلطة ولجماعات المعارضة رأي فيه.
وهنا أيضا يجب على المهتمين بمعالجة آثار الصدام بين السلطة والتيار الحركي الإسلامي أن يقدروا الأوضاع تقديرا حسنا. إذ ما الفائدة من التنفيس عن غضبة مضرية في مقالة هنا أو هناك وإغلاق الباب أمام كل إمكانية للتواصل وتقريب ذات البين؟
إذا كان خيار البعض المراهنة على استمرار العداوة والقطيعة بين المتدينين والسلطة، واغتنام كل فرصة لتأجيج هذه العداوة وتعميق هذه القطيعة، فإن هذا ليس منهجي.
أعلن بأوضح عبارة ممكنة أن منهج تأجيج العداوة والقطيعة بين المتدينين والسلطة ليس منهجي على الإطلاق، وأنني أسعى بكل ما وسعي للتخفيف من هذه العدواة وللتخفيف من هذه القطيعة بين السلطات التونسية والإسلاميين المعتدلين، وللبحث عن صلح فكري وسياسي تاريخي بين الطرفين، صلح يحث عليه القرآن الكريم وتحث عليه تجارب المسلمين على مر العصور وليس هناك شك في ثماره الطيبة الكثيرة إذا ما تحقق. صلح يخدم مبادئ الديمقراطية والتسامح وحقوق الإنسان في بلادنا.
من أجل الوصول إلى مثل هذا الصلح أدعو كل المهتمين بأمر التيار الحركي الإسلامي في تونس إلى التأمل في تجارب الماضي بشجاعة، وفي أولويات الحاضر بشجاعة أكبر. هل من الحكمة الإستمرار في نهج الصدام والمغالبة وتأليب الخصوم على السلطة، ذات النهج الذي جعل التيار الإسلامي يخرج من مواجهة إلى أخرى على امتداد ما يقرب من أربعين عاما، مع خسائر وتضحيات جسيمة تكبدها أنصاره، وتكبدتها عائلاتهم، وتضررت منها بلادنا كلها؟
أم أن الوقت قد حان، ليقول الإسلاميون، بشجاعة وثقة بالنفس، إن نهج المغالبة والصدام غير مفيد للوطن، وغير مفيد للإسلام. وأن التنازلات القاسية التي تقدم لبعض الغلاة المتطرفين من حلفاء المرحلة قد تكون أضخم وأعلى تكلفة من التنازلات التي يتطلبها إصلاح ذات البين مع رئيس الدولة والحزب الحاكم؟
آمل أن يفهم أخي نور الدين وأخي مهاجر دوافعي ويحترما حقي في الإختلاف، من دون أن ينزلق أي منا للتفتيش في قلب من يخالفه الرأي والتشكيك في نواياه.
أكثرنا زاد الشعر الأبيض في رأسه وأتيحت له الفرصة ليعيد قراءة تجارب الماضي ويتعلم منها ما لم يكن يقدر على تعلمه يوم كان في العشرينات من عمره.
وإذا كان لابد من الإختلاف حول هذه الأفكار، فإنني أدعو وبإلحاح إلى أن يكون الخلاف حضاريا ومحتكما لآداب الإسلام وأخلاق نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
وأقول لكثير من الإخوة الذين يقولون لي مباشرة أو بالهاتف إنهم يشاطرونني الرأي الذي عرضته في هذه المقالة: إن كنتم جادين فيما تقولون فاكتبوا آراءكم علنا وتحملوا مسؤلياتكم عما تكتبون. تأييدكم الهاتفي لا يفيد كثيرا، أما مواقفكم المعلنة فقد يكون لها أثر مباشر على نتيجة هذا الحوار وعلى فرص تحقيق الهدف المنشود منه.
إن هدفي الذي أسعى إليه، وأطلب علنا وبإلحاح من الرئيس بن علي ومن كثير من التجمعيين والإسلاميين تبنيه ونيل شرف تحقيقه، هو إعادة التأسيس لعلاقة جديدة بين التيارات الإسلامية المعتدلة والسلطة في تونس، وبين هذه التيارات والتجمع الدستوري الديمقراطي. علاقة تقوم على الإحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون على البر والتقوى كإخوة في الدين والوطن.
قد يبدو هذا الهدف اليوم بعيدا بعد السماء عن الأرض. لكنه هدف صحيح دون شك، وممكن التحقيق. وهو هدف خيّر ونبيل، فيه مصلحة الوطن ومصلحة الإسلام.
أخي نور الدين، أخي مهاجر: لو أردت أن أصف لكما أثر هذا الهدف، هذا الأمل، هذا الهاجس، على حياتي كلها، لما استطعت. ها أنذا أجوب الدنيا بطبيعة مهنتي، وألتقي قادة العالم وعلماء الأمة ومفكريها، وأزور أجمل الأماكن. لكنني مسكون بهذا الأمر في كل حين. حتى عندما أحاول أن أنسى، لا أستطيع أن أنسى. تعتريني دوافع اليأس أحيانا لكنني أواجه نفسي بتوجيه القرآن الكريم في معاداة اليأس ونبذه. وأقول لنفسي مرات في لحظة غضب: من لي بطبيب ينزع هذا الهاجس من قلبي؟ ثم أدرك أن الأمر مستحيل، وأنه قدري وقدر كل تونسي مر مثلي من ذاك الطريق.
اختلفا معي ما طاب لكما الخلاف، فسأحترم رأي كل منكما، وقد نتفق مستقبلا أو لا نتفق، لكن لنتعاهد على إحسان الظن بعضنا ببعض، والتماس العذر بعضنا لبعض، ولنقبل على الأمر بروح الباحث عن الحقيقة، لا المتعصب لرأيه صائبا كان أم مخطئا.
وإذا راودت أحدكما مرة فكرة التشكيك في ديني أو وطنيتي فتذكرا ـ رعاكما الله ـ أنني ممن تحملوا مسؤولية قناعاتهم، وممن عرف السجن والمنفى، وممن حاور وصادم، وممن لو أراد الربيع لنفسه وحده لكان له نهج آخر ومبادئ أخرى. كتبت هذه الفقرة مضطرا مستغفرا، لكن ألجأني إليها ما يكتبه بعض المتنطعين أحيانا من المتخصصين في تجاهل أقدار الرجال، ولستما من هذا الصنف إن شاء الله.
ولكم أنتم يا سيادة الرئيس زين العابدين بن علي ويا إخوتي في التجمع الدستوري الديمقراطي أقول الآتي: لقد ذكرت في هذه المقالة بعض محاسنكم، وأزيد فأقول إن في رصيدكم أكثر منها مما يستحق الذكر والإشادة. ولي على مسيرتكم تحفظات ومؤاخذات لم أكتبها، لأنني أفضل أن أعرضها عليكم عندما تتاح الفرصة في حديث مباشر، ولأنني أخشى أن يؤدي عرضها إلى التشويش على الهدف الرئيس لهذه المقالة.
لذلك أتحمل انتقادات المنتقدين وأكتفي بعرض الإنجازات دون المؤاخذات، آملا أن يساهم ذلك في فتح أبواب أوسع وفرص أوفر للتفاهم والتقارب.
وأضيف فقرة واحدة في سياق مخاطبة سيادة الرئيس بن علي وكبار مساعديه من قادة التجمع الدستوري الديمقراطي: تذكروا حفظكم الله أن ألد مخالفيكم في الرأي هم أيضا تونسيون. وأنه ليس حتما أن يؤدي الإختلاف إلى التنافي والإقصاء. وأن الله تعالي حث على العفو والتسامح والتغافر بين المؤمنين، وقال: “وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟” وأكد مبدأ الأخوة بينهم فقال وهو العزيز الحكيم: “إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم”
أيها الأصدقاء على ضفتي وادي القطيعة والجفاء: ما أجمل أن يضمنا الربيع التونسي الجميل جميعا بيده الحانية، فننعم بأنسامه وألوانه وأنغامه الرائعة الفاتنة، أسرة واحدة متماسكة اسمها تونس الجميلة.
ـــــــــــــــــــ
لندن: فجر التاسع من أبريل 2007
عندما يكون زيت الزيتون في فصل الرّبيع
كتبه عبدالحميد العدّاسي
طبيعيّ أن نختلف نحن التونسيون – كما بقية البشر في هذه الأرض – حول العديد من المفاهيم، وحول معاني بعض المصطلحات: كالجمال والرّبيع والحبّ والبغض والمواطنة وغيرها. فقد قال الشاعر عن الجمال:
ليس الجمال بأثواب تزيّننا = إنّ الجمال جمال الرّوح والأدب.
والحبّ أن تحبّ – باعتبارك مسلما – في الله أي أن تحبّ كلّ ما دعاك الشارع إلى حبّه ورغّبك في حبّه (وحبّ ما ينفع الإنسانية قاطبة ممّا وصّى به الشرع: الإعمار)، والبغض أن تبغض في الله أي أن تبغض كلّ ما أبغضه الشارع ونهاك عن إتيانه (ومساندة الظالم من أبغض ما أبغض الله)، والمواطنة حقوق وواجبات وتعاون بين أبناء الوطن الواحد ومساواة بينهم في تلك الحقوق والواجبات، وقوانين ضابطة لسلوك الحاكم والمحكوم على حدّ السواء، لا فرق بين هذا وذاك إلاّ بما كان من اختلاف الوظائف، وأمن وثقة وانضباط في السلوك من حيث التصرّف في خيرات الوطن، وتفان في العمل من أجل إثراء الوطن، واهتمام بالمحيط البشري والبيئي وغيره. في حين يرى آخرون ممّن لم ينهلوا ممّا نهلت منه أنت – أيّها المسلم – تعاريف أخرى لهذه المصطلحات ويوقفون عليها قيمًا قد تراها أنت غيرَ ذاتِ قيمٍ.
ولقد دعاني الحديث عن ربيع تونس الذي بادر به الأخ الدكتور الهاشمي الحامدي وردّ عليه الأخوان مهاجر ونورالدّين الخميري إلى التوقّف عند ما أصبح يفرّقنا في الحكم على بعض ما يهمّ تونسنا الحبيبة أو لنقل التوقّف عند ما أصبح يشدّنا إلى تونس الحبيبة: فمن كان يعيش النكبة في تونس حيث تشهد ما تشهده من ظلم واعتداء على الحريّات وتقتيل وسجن وتعذيب يفضي إلى فقدان العقل وتهجير يؤدّي إلى انحراف الولد وفقدان البلد، فإنّه لا يرى في تونس إلاّ فصلا واحدا، وهو ذلك الفصل الذي تذبل فيه الأوراق ثمّ تصفرّ ثمّ تتساقط ليعقبها سواد في الشجر ووحشة في الممرّ وعواء ذئاب وكلاب وقطط تبحث عن الملجئ وتسأل الله التعجيل بحسن القدر. وأمّا من كان متيّما بخيرات بلاده وزيتها الذي لا يفارقه وتمرها الذي لا يعدمه دون أن يكون كثير اهتمام بما يحدث في الأقبية أو ما يرمى في الجابية من “فضلات” بني جلدته الذين احتسبهم صاحب التغيير غير قابلين للتغيّر، فإنّه لا يرى في تونس إلاّ ربيعا مسترسلا (وهي كذلك – إن رحمها الله بغيثه –: ففصل الرّبيع يتنقّل ببلادنا، ولقد مكّنني مروري بالجنوب من ملاحظة أنّ فصل الخريف هو أحسن الفصول به من حيث اعتدال الطقس وجني محصول التمور وغيره).
وأحسب أنّ هذا الاختلاف في التقييم لا ينبغي أن يكون بأيّ حال من الأحوال خادما للباطل. ولقد رأيت في استشهادات الأخ الهاشمي اصرافا في الحبّ لتونس (وهي مزيّة ) صرفه عن حبّ إظهار الحقيقة (وهي نقيصة). فعندما تقول أخي: “أعرف أنّ الأمر يحتاج إلى المزيد من الجهد من أجل تعريف أكبر عدد منهم بحقيقة بلادنا الجميلة التي ما غيّرت يوما هواها العربي الإسلامي منذ تلاقت إرادة الخير والحب والسلام الراسخة في نفوس أهلها مع تعاليم الخير والحب والسلام التي جاء بها أصحاب نبي التوحيد والعدالة والحرية محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عن أصحابه الكرام وأرضاهم“. فعن أيّ هواء تتكلّم رحمك الله تعالى؟ فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به“، وإنّي أشهد الله ثمّ أشهد خلقه بأنّ هؤلاء قد حاربوا أغلب ما يعبّر عن التبعية للرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم. وأمّا إذا كنت تقصد الهواء الذي نتنفّسه، فلماذا أدرجت الإسلام وأصحاب النبيّ رضوان الله عليهم أجمعين؟! ألا ترى في ذلك نوعا من الخلط المفضي إلى التلبيس؟!
كما أرى في استشهادك كذلك بما يحكيه إخواننا من أرض الجزائر وليبيا، نوعا من الرّضا بالسوء: ذلك أنّ الحكّام في هذه الأرض قد أفسدوا بالقدر الذي يفوق الإفساد في تونس (على المستوى البنيوي)، ما يجعل الزّائر منها يُبهر بما يوجد في تونس (في الاماكن التي يزورها الزّائر المستعجل). على أنّي لست ممّن ينكر وجود تطوّر ظاهر على المستوى الاقتصادي، ولكنّه تطوّر غير مفرح، لأنّ كثرة الديون الخارجيّة وكثرة الاستسلام للأيادي الخارجية (الصهيونية منها على وجه الخصوص) كي تمرّر سياساتها في بلدنا، تُحبطه، كما أنّ مركزة المشاريع الاقتصاديّة بوجودها في أيادي مخصوصة أو في جهات مخصوصة ينقص الكثير من قيمتها، بل ويجعلها سببا من أسباب زوال العمران وليست سببا في تطويره. ولقد تكرّمت علينا بعضُ القنوات التلفزية التونسية (والمستقلّة ليست منها) بمشاهد محزنة تظهر لنا بعض المناطق التونسية وقد تمسّكت بصورتها التي تركها عليها الاستعمار (ربّما من أجل تشجيع السياحة، من يدري ). فالأمر نسبي إذن، والحديث عن “الجنّة التونسية ” فيه تزهيد كبير للمؤمنين الأمّيين في طلب الجنّة ودفع إلى التقاعس في فعل الخير…
قلت: “أخي رضا (وهو نورالدين ) وأخي مهاجر: تونس بن علي فيها خير كثير. ملايين التونسيين ينامون الليل مطمئنين، ويسعون من أجل الرزق آمنين، يرتادون المساجد، والملاعب، والحدائق، ويفرحون في الأعياد وفي كل مناسبة يتحقق فيها نصر معتبر لتونس في أي محفل من المحافل الإقليمية والعالمية. كثير منهم يملك بيته، وربما أكثر من بيت. وسيارته، وربما أكثر من سيارة. ويقود الفلاح من سيدي بوزيد شاحنته فجرا إلى باجة أو صفاقس أو العاصمة، ويعود منها ظهرا، آمنا مطمئنا، لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه“. وإنّي لأحسب أنّ كلّ تونسي مسلم صادق الإيمان يتمنّى لتونس وأهلها بل وللبشريّة جمعاء كلّ الخير. ولكنّ كلامك هذا فيه الكثير من المغالطات والتستّر على الجرائم التي يشكو منها أغلب التونسيين. فمتى كان المرء لا ينام مطمئنّا؟ وهل اطمأنّ في نومه إلاّ لمّا صارت تونس “تونس بن علي” (لاحظ: هذه تسمية فيها الكثير من الاستكانة وهي تحقير للتونسيين وغمط لجهدهم وحقوقهم أردته أم لم ترده: فلو كانت تونس “تونسَ بن علي”، فأين أنت وأنا وأين التونسيون والتونسيات؟ أم أنّه بالفعل قد ورثها أو اغتصبها من بورقيبة الذي قال ذات يوم: بأنّها قطعة أرض افتكّها من فرنسا)؟ ومتى كان المرء يمنع من الارتزاق؟ ولكنّه اليوم يُمنع وأنت تعلم ذلك، واسأل وجهاء المجتمع – المغضوب عليهم طبعا، كالمنصف بن سالم مثلا – لتجدهم ممنوعين من العمل ومن التنقّل ومن الحديث! وعن الفرحة في الأعياد، فوالله ما مُنع التونسيون الفرحة إلاّ في هذه الأيّام، فأين أنت من الحسّ التونسي وأين أنت من الاهتمام بأمور المسلمين من حولك؟ فوالله لو سألت الكثير من أصدقائك في هذه البلاد لأطلعوك على بعض الأخاديد التي حفرها هذا النّظام السيّئ في ذاكرتهم وفي نفوسهم… فما هكذا – أخي – تناقش أمور البلاد، ولا هكذا تبنى المصالحة!.. ولا يغرّنّك تنقّل فلاّح سيدي بوزيد بتلك الطمأنينة التي وصفت، لأنّ النّاس في أماكن أخرى من تونس قد اتّفقوا مع الذئب لرؤيته سوء ما هم عليه فأمّنهم على قطعانهم، ولكنّهم لم يأمنوا على أنفسهم ذئابَ بثّها صاحب التغيير (مفرّخ الذئاب) على الطرقات وفوق أسطح المنازل والعمارات تمنع الأفراح والتزاوج والرزق والفرحة، بل وتأكل السيارات والجرّارات وغيرها من مصادر النّفع التي لم يتمكّن قليل من التونسيين من تأمينها لذواتهم ولمن يعولون!…
بقي في الختام أن أشير إلى سوء هذه العلاقة المبنية على الزجر: فهذا النّظام الفاسد يفعل ما يريد، فإن نُصح أو قووم (من المقاومة) أرعد وأزبد وهدّد وقتل، ليجد من القوم فيما بعد من يحمّل الميّت المسؤولية لأنّه لم يختر الطريقة المثلى (اللينة الوسطى) فيستعملها في استهواء صاحب التغيير صاحب البلاد صاحب الشأن صاحب المصير صاحب الأنفس كي يرضى عنه. وأدعو بإلحاح إلى تغييرها فالحاكم هو المسؤول الأوّل، أي أنّه أكثر من يُسأل عمّا فعل وعمّا لم يفعل، وهو أكثر النّاس خوفا من ربّه (عند المسلمين) ثمّ من النّاس، فإنّه إن ظلم عُذّب وإن فشل عُزل….
قصـــة قصيـــرة :
مفصــول عن الحيـــاة أو ” طــاح فيه دعــاه “
خـــالد الطراولي ktraouli@yahoo.fr أفاق من نومه، دفع الغطاء عن وجهه الشاحب، ظن نفسه وحيدا في الفراش، جسد ممدود إلى جانبه، زوجته حليمة، عرفها، أدار وجهه، تثاءب ثم فتح المذياع… هنا الوطن نحييكم بتحية الوطن إلى كل مواطن، داخل الوطن وخارجه… أغلق المذياع… ولحقته لعنة.. على المذياع وأهل المذياع وصانع المذياع وسامع المذياع وعهد المذياع…
لبس ثيابه، أسرع نحو المطبخ، بحث عن القهوة لم يجدها، بحث عن قطعة خبز و”عقاب عشاء” يحرك بها أسنانه لم يجد شيئا، طاف عليهم طائف أثناء الليل الدامس دون شفقة أو رحمة… لعن المطبخ وأهل المطبخ وكل طباخ… شرب كأسا من الماء وخرج… أراد غلق الباب وراءه، رفض الباب الانصياع… دفعه بقوة حتى كاد ينكسر ولحقته لعنة… على الباب وأهل الباب وصانع الباب ومن يدخل ويخرج من الباب!!
وقف في المحطة يترقب الحافلة، مرت الدقائق ثم نصف ساعة ولم تأت الحافلة والمحطة تمتلئ، وكثر اللغط والشطط… ثم جاء الفرج… لم تتوقف الحافلة، كانت ملئ تكاد تنفجر، نظر إليها وهي تبتعد… وألحقها في داخله بلعنة على الحافلة وراكب الحافلة وسائق الحافلة وصانع الحافلة وعلى كل من قرب أو بعد عن الحافلة وعلى كل حافلة لا تنتظر…
وصل إلى عمله متأخرا، وجد سيده على الباب!! مفصول منك يوم عمل..، ترجّى، تذلل، فسّر وأوّل.. لا حياة لمن تنادي ولا قلب يلبي للمضطر! رفع رأسه فجأة وغمغم بكلمات… لعنة على السيد وأهل السيد وأعمال السيد وعمال السيد وعلى كل الأسياد، لعنة على الذل وعلى الفقر و علىالقهر وعلى كل الأغلال. عاد إلى بيته، لم يترقب الحافة الملعونة، قيل له أن هناك إضراب عن العمل ” طاح فيها دعاه “[1] فرح قليلا فهاهو لا يعمل اليوم ويساندهم رغم أنفهم وأنفه، فهو مفصول عن العمل!
وجد باب البيت مفتوحا يكاد يسقط وقد تركه مغلقا “طاح فيه دعاه” تعجب، أسرع خطاه ودخل، لم يجد شيئا، لم يجد الفراش ولا من كان على الفراش ولم يجد المذياع “طاح فيه دعاه”
جلس على الأرض، وضع رأسه بين يديه ولعن اليوم الذي رأى فيه الحياة…”طاح فيه دعاه” !!
[1] مثل تونسي يعني قبول الدعاء ووقوعه على من دعي عليه
المصدر : ركن “اللقاء الثقافي ” موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net
الدعاء الرّسمي للدولة
(يوزّع على جميع الأيمّة والمساجد)
اللهم ثبتنا على كراسينا وبارك لنا فيها! واجعلها الوارث منا! واجعل ثأرنا على شعبنا! وانصرنا على من عارضنا! ولا تجعل مصيبتنا في حُكمنا! ولا تجعل راحة الشعب أكبر همنا ولا مبلغ عِلمنا ولا الانقلاب العسكري مصيرنا واجعل القصر الرئاسي هو دارنا ومستقرنا ! اللهم إنا نسألك فترة ممتدة! وهجمة مُرتدة! والصبر على المعارضة! والنصر على الشعب! ونسألك الحُسن لكن لا نسألك الخاتمة أبدا ً! اللهم ارزقنا معونة لا نسرق بعدها أبدا! اللهم لا تفتح أبواب خزائننا لغيرنا!
لحسابات الحكام السابقين لنا في بنوك سويسرا اللهم أعطنا كلمة السر
اللهم وفق أمريكا لما فيه خيرنا! اللهم اغفر لـ (جورج بوش) فإنه لا يعلم أننا لا نعلم! اللهم وفقه لما فيه 99% من أصوات الناخبين! اللهم نجهِ من أي إعصار أو كارثة طبيعية لأننا سنحار مع شعوبنا بدونه !
اللهم عليك بشعبي، أما أعدائي فأنا سأتفاوض معهم! اللهم ارزقنا حب أمريكا! وحب من يُحب أمريكا
وحب ما يُقربنا إلى حب أمريكا! اللهم أمركني ولا تأفغنني! اللهم برطني ولا تصوملني!
اللهم فرنسني ولا تسودنني
اللهم ألمنّي ولا تؤلبنّي! اللهم أني أبرأ إليك من الاستعانة في حكم شعبي بأحد! ولا حتى بصديق، ولا برأي الجمهور
اللهم أني أعوذ بك من كرسي يُخلع! ومن شعب لا يُقمع
ومن صحيفة لا تُمنع! ومن خطاب لا يُسمع
ومن مواطن لا يُخدع
وأعوذ بك من أن أجلس على الكرسي ثم أقوم أو أ ُقام عنه! اللهم ثبتني على الكرسي تثبيتا! و شتت المعارضة تشتيتا! ولا تبق منهم شيطاناً ولا عفريتا !
اللهم يسّر لنا القضاء على اليساريين تيسيرا
وسلّم لنا رقاب الإسلاميين تسليما
واقصم وسط أحزاب الوسط
وشيّع جنازة الشيوعيين
وطيّن عيشة الوطنيين
اللهم هذا الدعاء وعلى الداخلية التنفيذ…….
اللهم آآآآآآآآمييييييييين
دموع
وحيد الضاحك الباكي
نقلا عن درر الكلام في أدعية الولاة والحكام
… و«البلوطة» تخترق أذواق التونسيين
تونس- سلام كيالي هي موضة أو تقليعة جديدة. وبالدارجة التونسية « عفصة»، تلك التي شاعت بين الشباب التونسيين. الأقراط التي كانت حكراً على الفتيات دخلت عالم الشباب الذكور من أوسع أبوابه. أقراط في الأذن أو على الحاجب أو الأنف أو الشفة، ومناطق أخرى يتفنن الشباب بتزيينها ويتباهون بها أمام الجميع، لأنها دليل على التحرر والانفتاح ومجاراة الموضة العالمية. ويقول سالم (فني كهرباء، 21عاماً) إن وضعه للأقراط في أذنه وسيلة للتعبير عن شعوره بأنه متميز في المجتمع الذي يرفض «عاداته وتقاليده البالية». والطريقة المثلى للتمايز في رأيه هي بوضع الأقراط، أو «البلوطة» بالمحكية التونسية، على لسانه وفوق حاجبه، وهو يسعى إلى أن يزيد منها في أماكن أخرى. ولم يمانع والدا سالم هذه الموضة، فهما، كما يقول، «يتمتعان بفكر متحرر، ولا يجدان سوءاً بما أقوم به». وفي أحد المهرجانات الموسيقية التي شهدتها العاصمة التونسية قبل فترة وجيزة، اعتمد أعضاء إحدى فرق « الهيب هوب» الأقراط. وضعوها جميعهم بلا استثناء وبشكل ملفت للنظر، وبأحجام كبيرة. ويقول نعمان (18 سنة) الذي يضع قرطاً في أذنه منذ خمس سنوات: «اعتمدتها وأصدقائي لغرامنا بها، كما أن هذه الحلي تتماشى مع نوعية الموسيقى التي نؤديها، خصوصاً السلاسل الكبيرة الحجم، والأهم من هذا وذاك أننا أحرار في كيفية ظهورنا بأي شكل يريحنا ويلفت النظر إلينا». ويحمل بعض الأمور دلالات قد تخفى على بعضهم ويعرفها بعضهم الآخر، فوضع الحلقة في الأذن اليسرى قد يرمز إلى أن الشخص مثلي، لكن جواب نعمان جاء غريباً: «ثقبت أذني اليسرى لأن الجهة اليمنى مقدسة في الإسلام، فالأكل باليد اليمنى والسلام باليمنى، لهذا فاليسرى هي الأنسب». ولم يشرح نعمان من أين استقى هذه النظرية، لكنها أقنعته على ما يبدو. وانتشرت تقليعة «البلوطة» جداً بين الشباب وبخاصة المراهقين، لكنهم يمتنعون عنها في المدرسة من منطلق الخجل والخوف من تعليقات الأساتذة. وسام (16 عاماً) مثلاً، الذي يضع الأقراط منذ طفولته، يلجأ إلى إزالتها قبل ذهابه إلى المدرسة خوفاً من أسئلة الأساتذة وملاحظاتهم المحرجة أمام الزملاء. وكثيرون من واضعي الأقراط لا يتوجهون إلى صيدلية أو متخصص لإجراء الثقب، بل يفضلون شخصاً يعرفونه فيكون موضع ثقتهم لا سيما أن العملية عند مختص قد تكون مكلفة. أنور مثلاً لا يتردد بثقب أي مكان يشاء صاحبه أن يضع قرطا فيه. العملية لا تأخذ وقتاً، يقول مضيفاً: «لا تكلف شيئاً»، «لم يشتك أحد من قبل إنه تأذى، فالأدوات التي استعملها معقمة بشكل جيد بحيث لا يبق مجال لآثار جانبية، والدليل عدد الأصدقاء الكبير الذين يلجأون إلي». اللافت أن أنور لم يجر لنفسه أي ثقب ولا يضع أي قرط «فهو لا تعجبه هذه الحركات» كما يقول. ويقوم بعض الاهالي الشباب بوضع اقراط لأبنائهم في بعض الأحيان. فصابرين التي أنجبت ولداً منذ ثلاث سنوات وضعت له «بلوطة» في أذنه، ليس لأنها كانت ترغب بإنجاب طفلة، بل لأن هذا «يزيد من جاذبية ابنها ذي الملامح الغربية». وتقول صابرين انها بعد سنوات لن تفرض ذوقها عل ابنها وستحترم رغبته بإبقاء «البلوطة» أو إزالتها، «فوقتها سيكون الخيار شخصياً». (المصدر: ملحق شباب بصحيفة “الحياة” (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 أفريل 2007)
«سيدتي» حضرت إحدى الجلسات ظاهرة «يوغا الضحك» في تونس.. هذه هي فوائدها!
جمع من النساء مستلقيات على ظهورهنّ على الأرض، وأعينهن مغمضة، وهنّ يضحكن بدون موجب ويقهقهن بدون سبب. يأتين ظهر كل يوم سبت إلى نادي «يوغا الضحك» لعلاج أنفسهن من الاكتئاب والضغط النفسي، ونسيان مشاكل الحياة اليومية. «سيدتي» حضرت إحدى حصص «يوغا الضحك» والتقت بدليلة الغرياني، مؤسسة أول نادي «يوغا الضحك» في العالم العربي:. تونس: الطيب فراد العلاج بالضحك كانت دليلة الغرياني تعمل موظفة بمكتبة المركز الثقافي الانجليزي في تونس، عندما اكتشفت عند مشاهدتها لبرنامج تلفزيوني أسلوب «يوغا الضحك». سافرت إلى إنجلترا وتلقت تدريباً في اختصاص «يوغا الضحك». ثم أسّست أول ناد للضحك في العالم العربي، وهي تقول إن حصة العلاج بالضحك لا تكلف إلا 35 ديناراً «حوالي 27 دولاراً» في الشهر، وعشرة دنانير للحصة الواحدة أسبوعياً، وهو مقابل بخس أمام ما قد ينفقه الإنسان من مال لشراء أدوية لمقاومة الاكتئاب وأمراض أخرى عضوية ونفسية. < ما هو هدفك من تأسيس نادي «يوغا الضحك»؟ – ثبت علمياً أن الإنسان في حاجة إلى أن يضحك خمس عشرة دقيقة كل يوم، وأن هذا الوقت يجب أن يكون أطول عند المرضى، فالضحك يحسّن شعور الإنسان بفرحة الحياة، ويزيد من الإحساس بثقته بنفسه، وأنا أبحث من خلال هذا النادي الذي أسسته إلى نشر السعادة إلى كل من حولي، وأسعى إلى مساعدتهم للخروج من الشعور بالخوف والقلق والغضب، فمصاعب الحياة ووتيرتها السريعة جعلت الناس أكثر اكتئاباً. وأكون في قمة السعادة عندما أرى نظرة يشعّ منها الأمل والحب لدى من هم حولي، فالسعادة مثل الصحة لا بد من العناية بها كل يوم. استنباط الضحك.. بالعدوى < ما هو الأسلوب المتبع في النادي لتدريب المشتركين على الضحك؟ يلتقي المشاركون حولي لنضحك معاً وفق المبادئ التي وضعها الدكتور «كاتاريا»، وهي تمارين هدفها استنباط الضحك من الداخل بأشكال مختلفة، والتقنيات المستعملة هي تقنيات نفسية وجسدية لإثارة الضحك، باتباع تمارين مختلفة غايتها البحث داخل كل منا عن الطفل الضاحك النائم. وتتواصل الحصة قرابة الساعة، ينتقل فيها الضحك بالعدوى، وهي طريقة لرفع المعنويات ولتقوية العزيمة وإدخال البهجة على النفس. ضحكة من القلب.. دواء < ما هي الفوائد التي تحصل للمشاركين؟ الضحك هو اللغة الوحيدة العالمية التي لها القدرة على إضفاء النقاء والصفاء جسدياً ونفسياً، والضحك يساهم في مقاومة الضغط النفسي وتحسين الاتصال وزيادة الثقة بالنفس، وهو يدعم الصلات بين الأفراد. والعلاج بالضحك أصبح من الأساليب الحديثة في الطب النفسي للخروج من دوامة الحزن، فضحكة قوية ومتتالية من القلب تشرح الصدر وتزيل الغمّ، وقد ثبت أن الضحك يطلق مادة «الأندروفين» في الجسد، وهي مادة تساعد على استرخاء الأعصاب وتحسين المزاج وتنشيط العضلات. < هل يصح القول إذن بأن الضحك دواء؟ الضحك هو أحسن طريقة للتخلص من المزاج السيئ والحزن والأسى والاكتئاب والأرق، وثبت أن منافع الضحك تعود على الجسم والعقل معاً، وعند الضحك يفرز الجسم مواد طبيعية مسكّنة للألم، فتتحسن الحالة النفسية، ممّا ينتج عنه التنقيص من الأدوية الكيميائية. والضحك يساعد على الاسترخاء العضلي والعصبي العميق، مما يعزز الشفاء من الصداع والآلام والاضطرابات، وهو علاج للأرق الليلي والتخلص من الإحباط. والضحك من الداخل يساعد على تحسين الصحة النفسية في العمل أو في الحياة الشخصية. النساء يضحكن أكثر من الرجال < من أكثر سهولة في الضحك، المرأة أم الرجل؟ المرأة أسهل في الضحك من الرجل، وذلك يعود لطبيعتها الفيزيولوجية والسيكولوجية، وأشفق على الكثير من الرجال، لأن الضحكة مستعصية عليهم، والبعض منهم يظن خطأ أن الضحك ينقص من هيبته. < من هي الشريحة الاجتماعية الأكثر إقبالاً على نادي الضحك؟ أغلب من يقبلن على النادي هن من الطبيبات. < ومن أكثر الناس، حسب رأيك، في حاجة أكيدة للاستفادة من «يوغا الضحك»؟ هذه التقنية أراها صالحة ومفيدة للجميع، وخاصة لرجال السياسة ورجال الأعمال والمتعاملين مع البورصة. < هل تأكدت من نتائج «يوغا الضحك»؟ سأروي لكم مثالاً ملموساً: فقد اشتركت في النادي امرأة أصبحت بعد ممارستها لـ «يوغا الضحك» أكثر تسامحاً في علاقتها بزوجها، وبمن حولها، تبادر بالصلح كلما شب ّخلاف بينها وبينه، وقد تغيّر طبعها نحو الأحسن، وكانت في السابق تغضب وتطول مدة انفعالها ومقاطعتها لزوجها. وبالنسبة للموظفين والموظفات، فقد ثبت أن الضحك يساعد على تحسين الاتصال بين الزملاء في العمل، وتقوية الشعور بالانتماء إلى المجموعة، ويساهم في الزيادة في الشعور بالثقة والمتعة في العمل. < هل يعني ذلك أن من يمارس «يوغا الضحك» ستنتهي كل مشاكله؟ الضحك لا يحل المشاكل، ولكنه يذيبها، وإذا ضحكت فإنك تحقق السلم والراحة مع نفسك ومع الآخرين. ضحكت يوم وفاة أخي < هل تذكرين حادثة شخصية أنجدتك فيها «يوغا الضحك»؟ ليس بالضرورة أن تكون سعيداً لتضحك، وأحياناً أنا أضحك كي لا أبكي، فقد فقدت أخي خلال شهر أكتوبر 2006 وهو عزيز عليّ، وقد وافته المنية ليلة عيد الفطر المبارك، ويوم دفنه لم أستطع مقاومة الأسى بداخلي، وبعد يوم من الحزن العميق، انزويت بنفسي ولجأت إلى تطبيق بعض تمارين «يوغا الضحك» لأعالج نفسي من مشاعر الكآبة التي غمرتني، وللبحث عن الراحة النفسية والطمأنينة الداخلية. < بحكم خبرتك وتجربتك، هل الشعب التونسي «عبوس»؟ الشعب التونسي يحب الضحك، ولكن شواغل الحياة وضغوطها، وخروج المرأة إلى العمل، وكثرة مسؤولياتها بين البيت والشارع والعمل، أفقدت بعض الناس الابتسامة. < هل تقدّمين حصصا لـ «يوغا الضحك» لبعض الفئات الاجتماعية الخاصة؟ نعم أقدم حصة أسبوعية لـ «يوغا الضحك» لفائدة الجمعية التونسية للمسنين بمدينة «المرسى»، إحدى الضواحي الشمالية لتونس العاصمة، كما أقدم من حين لآخر حصصاً في دار المتقاعدين بمدينة «منوبة» وأطفال «آس أو آس» ومستشفى «صالح عزيز للسرطان». < الى أي حد أنت متعصبة للضحك؟ – إلى الحد الذي أرجو أن يكون فيه موتي.. ضحكاً. شهادات خديجة جوة، طبيبة، 57 عاماً، مشاركة في نادي «يوغا الضحك»، تقول متحدثة لـ «سيدتي»: استغرب زوجي وأبنائي في البداية حين أعلمتهم بأني اشتركت في نادي «يوغا الضحك»، ولم يقتنع أي واحد منهم بجدوى ما أقدمت عليه، ولكن عندما لاحظوا بمرور الأيام ما طرأ على شخصيتي من تغيير، ومرح وإقبال على الحياة، تركوا لي حرية ممارسة هذه التقنية حتى في البيت، ولكنهم لم يفعلوا مثلي، وأنا مواظبة على الحضور منذ سنتين، ومصرة على المواصلة نظراً للفوائد التي حصلت عليها. وقد لاحظت مفعول الضحك الإيجابي على جسدي وذهني، فقد ساهم النادي في التنقيص من التوتر الذي كنت أعاني منه، واكتسبت الهدوء والطمأنينة والتوازن النفسي، وأصبح نومي أكثر عمقاً، وفي كل صباح أستيقظ وكلي نشاط وإقبال على الحياة. تخلصت من ضغوطات الحياة، وكنت شديدة الضيق من الأعمال المنزلية، فهي تزعجني، ولكن وبعد مشاركتي في النادي أحسست أن طباعي تغيرت نحو الأحسن والأجمل، وساعدتني «يوغا الضحك» على اتخاذ القرار السليم ومواجهة المواقف مهما كانت. أمارس بعض تمارين اليوغا بمفردي في بيتي، ودربت نفسي على الضحك وحتى ولو كنت بمفردي، وأصل أحياناً إلى حد الهستيريا، وهو ما يخلف لي انفراجاً في نفسيتي، ويصبح ذهني خالياً من كل ضغط. نصائح < ضعي الذكريات المؤلمة وراءك، واعقدي صلحاً مع ذاتك. < انظري إلى نفسك في المرآة واضحكي، ثم اضحكي وأنت تستحمين، اتصلي بأحد معارفك واضحكي معه بدون موجب ، فلست في حاجة لإيجاد سبب للضحك. < اضحكي عند بداية يومك، وأنت تعدين قهوتك، وعند تنظيف أسنانك، وأنت نازلة على الدرج.. وسيكون يومك مشرقاً جميلاً يقول عالم النفس مايكل تتيتز: كان الناس في الخمسينيات يضحكون بمعدل 18 دقيقة في اليوم الواحد، أما حالياً فإن الإنسان لا يضحك إلا 6 دقائق فقط. رأي علم النفس لا أحد يمكن أن ينكر فوائد الضحك، ومن الممكن أن يكون الضحك أسلوباً وقائياً من الأمراض الناتجة عن الضغط النفسي والانهيار العصبي، والضحك أثبت جدواه للاسترخاء والراحة، وهناك دراسة علمية أجريت في فرنسا على خمسين طالباً في الطب، أثبتت أن الضحك يساعد على تقوية مناعة الجسم ضد بعض الأعراض والأمراض، وهو ما دفع ببعض الأطباء إلى إدخال الضحك في الوسائل العلاجية. في العالم اليوم 600 ناد للضحك «يوغا الضحك» هي تقنية اكتشفها الدكتور «كاتاريا» عام 1995 والتي بدأت بخمسة أشخاص فقط، واليوم هي منتشرة في أكثر من ستة آلاف ناد، وفي أمريكا وحدها 100 ناد. والدكتور «كاتاريا» هو طبيب هندي يمارس عمله في مدينة «بومباي» (المصدر: موقع مجلة “سيدتي” (شهرية – السعودية) لشهر أفريل 2007) الرابط: http://www.sayidaty.net/NewsList.asp?NewsID=5938&MenuID=21&&Ordering=4
تونس – ليبيا
التكامل الاقتصادي الثنائي… صمام الامان للتعاون طويل الأمد
طرابلس 9 أفريل 2007 ( من مبعوثة وات الفة حبوبة ) تفرض المرحلة الراهنة من التعاون التونسي الليبي الدخول في طور متقدم من انجاز المشاريع الاستثمارية المشتركة بين رجال الاعمال في البلدين وخارجهما بما من شانه ان يساهم في تعزيز مستوى التعاون ويضمن ديمومته ازاء المنافسة المحتدة ذلك هو ما خلصت اليه الندوة التي التامت حول موضوع قطاع البناء والمقاولات في اطار الاحتفال بيوم تونس ضمن فعاليات معرض طرابلس الدولي الملتئم من 2 الي 12 افريل 2007 بليبيا.
واكد السيد منذر الزنايدى وزير التجارة والصناعات التقليدية لدى اشرافه علي هذه الندوة الى جانب السيد علي عبد العزيز العيساوى امين اللجنة الشعبية العامة للاقتصاد والتجارة والاستثمار بالجماهيرية الليبية ان حركية التعاون القائم بين البلدين تعكس / الطابع الاستراتيجي والنموذجي للعلاقات التونسية الليبية/.
وأضاف امام الحضور من رجال الاعمال التونسيين والليبيين ان قطاع المقاولات والبناء يزخر بامكانيات هامة لاسيما في ضوء الحركية التي يشهدها البلدان في مجال الاسكان وتعصير البنية الاساسية الي جانب فرص التكامل لتصدير الخدمات المتصلة بهذا القطاع نحو أسواق أخرى.
وأشار في هذا السياق الي الاستعدادات الجارية لتنظيم الدورة الثانية للصالون المشترك التونسي الليبي لتصدير الخدمات خلال هذه السنة بعد نجاح الدورة الاولي الملتئمة بطرابلس في 2005 ولاحظ ان هذا اللقاء الذى ينعقد غداة الشروع في تطبيق جملة من الاجراءات الرائدة المجسمة لقرارات اللجنة العليا المشتركة يؤكد اهمية الدور الموكول الي رجال الاعمال لمزيد استغلال هذا الاطار الامثل للتعاون ويؤسس لمراحل متقدمة من الاندماج الاقتصادي بين البلدين.
وذكر في هذا الصدد حرص الطرفين علي تعزيز التكامل اذ سيتم مع موفي شهر جوان 2007 استكمال اجراءات الاعتراف المتبادل بشهادة المطابقة وذلك بعد انطلاق تنفيذ هذا الاجراء بالنسبة لقائمة اولي تعد اكثر من 50 منتوجا.
وشدد السيد منذر الزنايدى علي اهمية تدعيم وتنويع التبادل التجارى واعطاء الدفع المنشود للشراكة والاستثمار قصد تسريع وتيرة التكامل انطلاقا من رؤية مشتركة تجعل من التعاون اداة لخدمة اهداف التنمية بابعادها الاقتصادية والاجتماعية في كلا البلدين وتدعم قدرتهما علي رفع تحديات العولمة والتكتلات الاقتصادية.
وبين السيد علي عبد العزيز العيساوى من جهته ان بلوغ حجم مليارى دولار من التبادل التجارى يفرض تحديات جديدة للحفاظ علي هذا النسق وتطويره وهو ما يحتم الدخول في مرحلة الشراكة والاستثمار المشترك باعتبارها/صمام الامان للتعاون طويل الامد /.
وأشار في هذا السياق الي وجود 28 مشروعا استثماريا تونسيا فى ليبيا بقيمة 176 مليون دولار مبرزا الرغبة للتقدم بخطوات ايجابية في مجال البناء والمقاولات لاسيما وان المعرض المتوسطي للبناء المنعقد مؤخرا بصفاقس مثل فرصة للاطلاع علي ما تزخر به تونس من مواد خام وخبرة.
وافاد السيد على عبد العزيز العيساوى ان العلاقات الاقتصادية الثنائية التي نسجت عبر سنوات من الجهد اصبحت نموذجا يحتذى في المنطقة مشيرا الى انها ستتعزز مستقبلا بفضل الاجراءات الاخيرة المقررة في اطار اللجنة العليا المشتركة.
ويتبين من المداخلات المقدمة خلال هذه الندوة التي حضرها بالخصوص السادة محمد الحبيب براهم المندوب العام لتونس بالجماهيرية الليبية ويوسف ناجي الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات وصلاح الدين شعبان رئيس الغرفة المشتركة عن الجانب التونسي ان قطاع الاسكان في ليبيا يعيش على وقع طفرة حقيقية اذ من المبرمج انجاز 400 الف وحدة سكنية خلال الفترة الممتدة من 2006 الى 2010
ويحتاج تنفيذ هذه المشاريع السكنية الهامة الي توفير جملة من المواد الخام علي غرار الاسمنت والبلاط والرخام والحديد المسلح والاجر وهو ما يدعو الشركات التونسية الناشطة في مختلف المجالات المتصلة بالبناء والمقاولات الي انجاز مشاريع استثمارية مشتركة في ليبيا لتامين هذه المواد.
وعبر كل من ممثل الجامعة الوطنية لمقاولي البناء والاشغال العمومية التابعة لمنظمة الاعراف التونسية وهيئة المهندسين المعمارين عن طموح الشركات التونسية لتنفيذ قسط من هذه البرامج العمرانية والبنية الاساسية في ليبيا.
وشدد المتدخلون في هذا اللقاء علي ان النتائج الملموسة للشراكة لم تحقق النجاعة الكافية وهو ما يتطلب المعالجة السريعة للعراقيل التى تحول دون ذلك لاسيما في ظل افاق التكامل الاقتصادى الثنائي والمغاربي واحتداد المنافسة العالمية.
كما اثار المتدخلون من مستثمرين تونسيين وليبين في هذا الصدد جملة من المسائل المتصلة بالضمانات البنكية والاجراءات الجمركية المعقدة وموضوع مطابقة المنتوجات للمواصفات مؤكدين ضرورة تفعيل الاتفاقيات المبرمة وتعزيز التعاون بين الشباب التونسي والليبي في مجال المشاريع الصغرى والنهوض باليات التكوين المهني في البلدين لتوفير يد عاملة مؤهلة عوضا عن استيرادها من بلدان اخرى.
وقد ادى كل من السيد منذر الزنايدى ونظيره الليبي زيارة الي الجناحين التونسي والليبي بالمعرض اين تعرفا على مختلف المنتوجات المعروضة. كما انتظم بالمناسبة حفل استقبال بمناسبة يوم تونس حضره اعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد بالجماهيرية ورجال الاعمال من البلدين.
(المصدر: وكالة تونس افريقيا للأنباء (رسمية) بتاريخ 9 أفريل 2007)
مقتل 9 عسكريين و6 إسلاميين في غرب الجزائر
الجزائر – محمد مقدم أفادت مصادر متطابقة أن مجموعة إسلامية مسلحة قتلت مساء السبت 7 أفريل 2007 تسعة عسكريين في مكمن نصبته لقافلة من الجيش كانت في مهمة تمشيط في منطقة تيزيوين في بلدية بن علال في أعالي جبال عين الدفلى (150 كلم غرب الجزائر) التي يُعتَقد بأن منفذي هجوم على حافلة تقل موظفي شركة روسية للغاز الشهر الماضي يختبئون فيها. وأشارت إلى أن المسلحين باغتوا فرقة الجيش بتفجير قنابل في طريقها، قبل أن يطلقوا وابلاً من الرصاص في حدود الساعة الخامسة عصر السبت، فتحصن أفراد الجيش بمناطق قريبة وردوا على المسلحين، ما أدى إلى مقتل تسعة عسكريين وستة من المهاجمين الذين يُعتقد بأنهم تابعون لتنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي». ورجحت مصادر أخرى مقتل 10 مسلحين. وتمكن عناصر المجموعة الذين يقدر عددهم بين أربعين إلى خمسين مسلحاً من سحب جثث زملائهم، ما دفع قوات الجيش إلى ملاحقتهم حتى المناطق المحاذية لحدود ولاية تيبازة (70 كلم غرب الجزائر) والمدية (90 كلم جنوب) للقبض على المهاجمين قبل دفن قتلاهم. وقال شهود إنهم سمعوا ليل السبت – الأحد دوي انفجار قذائف ثقيلة استعملتها قوات المدفعية، كما ظلت المروحيات الحربية تحلق على ارتفاع منخفض على طول الشريط الجبلي في المنطقة لتحديد مكان وجود المسلحين الذين يعتقد بأنهم كانوا يحاولون التحرك سريعاً في اتجاه المناطق الجنوبية. يُذكر أن الجيش الجزائري يشن هجوماً واسعاً منذ أكثر من أسبوعين في منطقة القبائل التي تعد معقل الإسلاميين المسلحين. وكثفت «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» هجماتها منذ غيرت اسمها إلى «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» نهاية العام الماضي. وأكد الجيش أنه قتل في حملته أكثر من 30 إسلامياً مسلحاً، أحدهم «أمير» يدعى «أبو صهيب عبدالرحمن». (المصدر: صحيفة “الحياة” (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 أفريل 2007)
قتل تسعة جنود وأربعة متشددين في اشتباك بالجزائر
الجزائر (رويترز) – ذكرت صحف جزائرية يوم الاثنين ان تسعة جنود واربعة اسلاميين مسلحين على الاقل قتلوا في اشتباك بين القوات الحكومية وعناصر من جماعة متشددة. وقالت صحيفتا ليبرتيه والوطن ان خمسة جنود اصيبوا أيضا بجروح في كمين نصبه متشددون يعتقد انهم ينتمون الى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي في وقت متاخر يوم السبت بولاية عين الدفلى التي تبعد نحو 150 كيلومترا الى الجنوب الغربي من الجزائر العاصمة. ولقي اربعة متشددين على الأقل حتفهم خلال اشتباك أعقب هجوم الجماعة التي كانت تسمى سابقا بالجماعة السلفية للدعوة والقتال قبل ان تغير اسمها في يناير كانون الثاني الماضي. ولم يتسن الحصول على تعليق من السلطات. وقالت صحيفة ليبرتيه ان قوات الجيش مدعومة بطائرات هليكوبتر باشرت عمليات بحث واسعة عن المهاجمين التي قدرت عددهم بنحو 50 مسلحا. وشهدت نفس المنطقة مؤخرا مقتل ثلاثة جزائريين وروسي واحد في هجوم على حافلة تقل عمال نفط. وتأسست الجماعة السلفية للدعوة والقتال عام 1998 على يد منشقين عن تنظيم اخر يسمى الجماعة الاسلامية المسلحة. وقتل نحو 200 الف شخص منذ بدء اعمال العنف في البلاد عام 1992 . (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 9 أفريل 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)
خطر “القاعدة” في شمال أفريقيا
جيل كارول – مراسلة “كريستيان ساينس مونيتور” في المغرب بدأت تبرز في الآونة الأخيرة إشارات مقلقة من المغرب تشير إلى إمكانية تحوله إلى أرض خصبة تنشط فيها جماعات إرهابية أكثر تعقيداً من سابقاتها. والمثال الأوضح على ذلك هو محاكمة خمسين إسلامياً وجهت إليهم تهم التخطيط لمهاجمة السفارة الأميركية في العاصمة الرباط، وقاعدة عسكرية، فضلاً عن منشآت سياحية. وخلافاً للجماعات الأخرى التي كانت وراء التفجيرات الإرهابية السابقة في هذا البلد الإسلامي المعتدل، لم تأتِ الجماعات الأخيرة من الأحياء الهامشية لمدينة الدار البيضاء، بل من الشرائح العليا للمجتمع. وتضاف إلى ذلك شواهد متزايدة على وجود تنسيق مشترك بين الجماعات الناشطة في شمال أفريقيا وتنظيم “القاعدة” في العراق وباكستان، مما يثير مخاوف كبيرة من عودة أعضاء ذلك التنظيم إلى بلدانهم مزودين بمهارات قتالية جديدة. ويعبر عن هذا التخوف “إيفان كولمان”، وهو مستشار في مكافحة الإرهاب ومتخصص في الجماعات الإسلامية المتشددة بقوله: “نحن أمام منعطف خطير، فإذا نظرنا إلى الشريحة الاجتماعية التي تلتحق بالجماعات الإرهابية، سنجد أنها أكثر تعلماً، وازدهاراً من سابقاتها”. وتضم الجماعة التي تحاكم في المغرب والمسماة “أنصار المهدي”، أشخاصاً ينتمون إلى الطبقة الوسطى المغربية، بينهم أفراد في الجيش، فضلاً عن زوجات لأربعة طيارين في شركة الخطوط الملكية، وذلك حسب التصريحات التي أدلى بها مسؤولون حكوميون إلى وسائل الإعلام. وكان الانتحاريون الذين قتلوا 33 شخصاً في تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، والانتحاري الذي فجر نفسه خلال شهر مارس الماضي، إضافة إلى منفذي تفجيرات مدريد عام 2004، من سكان الأحياء الهامشية في مدينتي الدار البيضاء وتطوان. ويوضح “كولمان” هذا التغيير الذي لحق بالتركيبة الاجتماعية للإرهابيين قائلاً: “إن الصورة النمطية للانتحاريين هي أنهم فقراء ومحدودو الذكاء”، وهي صورة كانت سائدة في المغرب حتى هذه اللحظة. غير أن حصرهم في هذه الخانة الضيقة “على أمل أن يبقى خصومك يصنعون القنابل الصغيرة وغير الفعالة”، لن يساعد في القضاء على الإرهاب. ومن ناحيتها قامت الأجهزة الأمنية في المغرب وفي جارتها الجزائر، بملاحقة الجماعات الإسلامية التي ينظر إليها كتهديد لنظامي البلدين. لكن ذلك لم يفضِ إلى نتائج ملموسة، لاسيما في ظل ما تشير إليه جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان من اعتقال أشخاص أبرياء وإخضاعهم للتعذيب، ما يؤدي إلى خلق مزيد من الإرهابيين. وبخصوص الجهود الأمنية التي تقوم بها بلدان شمال أفريقيا لاستئصال الإرهاب، يقول “روهان جارانتا”، وهو أستاذ مشارك في كلية العلاقات الدولية بجامعة سنغافورة ومؤلف كتاب حول “القاعدة”، إن الجماعات الإرهابية في شمال أفريقيا “عانت من ملاحقة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي تنسق مع الولايات المتحدة”. لكنه يضيف: “أثبتت تلك الجماعات قدرتها على البقاء والاستمرار”. كما يقول إن “الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة” و”الجماعة الإسلامية التونسية المقاتلة”، فضلاً عن “الجماعة الجزائرية” التي تحولت إلى “تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي”، أصبحت كلها “تملك حضوراً في المناطق القبلية بباكستان، فضلاً عن تواجدها في العراق”. ومن هنا ينبع الخوف لدى السلطات المغربية من أن “الإرهاب الهاوي” الذي اعتمدت عليه بعض الجماعات الإرهابية قد يتحول، مع عودة المقاتلين من العراق، إلى “إرهاب احترافي”. وفي هذا الإطار يشير “كولمان” إلى أن جماعات شمال أفريقيا الإرهابية لديها انتحاريون في العراق، والمشكلة “هي رجوع المقاتلين المغاربة من العراق وتنسيقهم مع الجماعات الأخرى في الجزائر”. وفي الوقت الذي اعتقد فيه المراقبون أن العناصر الإرهابية في الجزائر وصلت إلى حافة الانقراض، استطاعت تلك العناصر مؤخراً تنفيذ سلسلة من الهجمات ضد العمال الأجانب وأفراد الشرطة والجيش الجزائريين. وقد صرحت وزارة الداخلية المغربية بأنه لا توجد صلة بين الجماعات المغربية و”القاعدة”. والواقع أن العملية الانتحارية الأخيرة التي استهدفت، في 11 مارس الماضي، مقهى للإنترنت في أحد الأحياء الهامشية بالدار البيضاء لم تقتل سوى المنتحر نفسه بعدما ارتبك لدى مطالبة صاحب المقهى له بالتوقف عن ارتياد المواقع الجهادية على الإنترنت. لكن الوزارة أضافت أن الجماعات الإرهابية الجزائرية التي أعادت تسمية نفسها بـ”تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي”، قد تشكل مرجعاً يسترشد بها المغاربة الذين يتطلعون إلى ممارسة ما يرونه”جهاداً”. (*) ينشر بترتيب خاص مع خدمة “كريستيان ساينس مونيتور” (المصدر: ملحق “وجهات نظر” بصحيفة “الخليج” (يومية – أبو ظبي) بتاريخ 9 أفريل 2007) الرابط: http://www.wajhat.com/details.php?id=27424&journal=2007-04-09&active=1
جاب الله: ترخيص مشاركة خصومي بالانتخابات جريمة
حاوره من الجزائر/ أحمد روابة
أقصى قرار وزارة الداخلية عبد الله جاب الله وأنصاره من المشاركة في الانتخابات التشريعية باسم حركة الإصلاح الوطني، لفائدة خصومه الذين عقدوا مؤتمرا لهم وشكلوا قيادة جديدة للحزب.
وفي حوار خاص بالجزيرة نت اعتبر جاب الله منح رخصة المشاركة باسم الحزب لخصومه جريمة سياسية، ودعا لمقاطعة الانتخابات التشريعية القادمة، كما توقع تزويرا واسعا في نتائج الانتخابات.
– أعلنتم مؤخرا أنكم ستدعون إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية بعد لقائكم بوزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني، ما دواعي هذا الموقف؟
– فعلا لقد أعلنت في مؤتمر صحفي عن موقف أولي بالمقاطعة، في انتظار اجتماع هيئات الحزب التي ستفصل نهائيا في الأمر لاحقا.
وتعود مبررات هذا الموقف إلى كون وزارة الداخلية عمدت إلى منح رخصة المشاركة في الانتخابات لمجموعة من الأشخاص فصلوا من الحركة تنظيميا بكل الإجراءات القانونية يوم 12 أبريل/ نيسان 2004، وأكدت محكمة الحراش بضاحية العاصمة فصل رأس المجموعة يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2005، قبل أن يؤكد مجلس قضاء الجزائر العاصمة فصل محمد بولحية يوم 6 يونيو/ تموز 2006.
فالداخلية أقدمت على جريمة سياسية غير مسبوقة في حق الحزب عندما منحت رخصة المشاركة في الانتخابات لهؤلاء، وقد دأبت قبلها على وضع العراقيل الإدارية والإعلامية في طريق الحركة، ما ترك انطباعا عاما لدينا بأنها تبيت سوءا لحركة الإصلاح الوطني بقيادتها الشرعية.
كما رأينا أن هناك إرادة واضحة لدى السلطة لجعل الانتخابات مغلقة على أحزاب النظام.
لكل هذه الاعتبارات نعتقد أن الانتخابات ستشهد تزويرا واسعا لصالح حزب النظام ومن يدور في فلكه، ومثل هذا الوضع لا يمكن أن نقبل به.
– قلتم إن الوزارة منحت رخصة للمشاركة في الانتخابات، هل يعني ذلك أنها لم تعتمد المؤتمر؟
– بالفعل وقد أكد لي الوزير ذلك، إنه إذن مؤقت للمشاركة في الانتخابات التشريعية، أما موضوع الحزب فهو معلق بقضيتين هما: قرار مجلس الدولة والانتهاء من دراسة الطعون، والتأكد من الشروط المطلوبة لاعتماد المؤتمر.
– لكن هل يعقل أن تضع وزارة الداخلية شرط عقد المؤتمر لمشاركة الأحزاب في الانتخابات ثم تمنح رخصة دون استكمال دراسة ملف المؤتمر ودون اعتماد نتائجه؟
– لقد طرحت نفس سؤالك على الوزير، وأجاب بأنه قدر أن حركة الإصلاح الوطني حزب كبير موجود في كل المجالس المنتخبة بقوة، ولا يمكن أن يغيب عن الانتخابات التشريعية، وقال إنه بحث عن أي “خيط” ليمنح له الرخصة، وبأنه رجع من أجل ذلك إلى دورة مجلس الشورى الأخيرة التي عقدت يومي 26 و27 مايو/ أيار 2004، واستند إليها لمنح رخصة عقد المؤتمر، فكان رأيي كالتالي:
لقد قررت هذه الدورة إنشاء لجان لتحضير المؤتمر وأسندت المهمة للمكتب الوطني، وأنا (جاب الله) رئيس المكتب الوطني، ولم أتقدم بأي طلب بعقد المؤتمر ولم يكلف غيري بذلك من قبل هيئات الحزب.
وتابعت أقول له إن هؤلاء الأفراد فصلوا من الحزب نهائيا ونحن في بلد الدستور والقوانين، فأين سيادة وإلزامية تنفيذ الأحكام؟ فلم يجب، وبعد محاولات قال لي إن “الرصاصة خرجت ولا يمكن أن تعود“.
فأجبته، أنتم سمحتم لهؤلاء بالمشاركة في الانتخابات باسم الحركة بهدف قتلها أو تقزيمها يوم 17 مايو/ أيار القادم، لكن لا يمكن أن أستكين وأسمح أن يصنع هذا بالحركة التي عملت على تأسيسها وتقويتها حتى أصبحت حزبا رائدا في الساحة السياسية.
– ماذا ستفعلون؟ كيف ستكون دعوتكم إلى المقاطعة إذا أقر الموقف في الأيام القادمة؟
– في البداية سيجتمع إطارات الحركة في لقاء وطني ليطرح عليهم الموضوع، وإذا قرروا تثمين رأي رئيس الحركة والذهاب إلى المقاطعة فسوف نضع كل الآليات والوسائل السياسية لتفعيل الدعوة إلى المقاطعة.
يجري الحديث عن ترشيح عدد من أنصاركم في قوائم حرة، هل تزكون هذه القوائم أم أنها مبادرات شخصية؟ وما موقفكم منها؟
– لقد حدثني بذلك الوزير أيضا وهو أمر لم يحصل، وقلت له لو أن قراركم جاء قبل ذلك لمنحنا الوقت الكافي، لكننا قد لجأنا إلى هذه الصيغة، أما وأنه جاء متأخرا وإعداد القوائم الحرة تحتاج إلى تحضير كبير وإجراءات معقدة، فلا سبيل أمامنا إلا الدعوة إلى المقاطعة.
ومع هذا لا ألزم أحدا من إطارات الحركة بعدم الترشيح في أي ولاية من الولايات، لكني لا أزكي هذا العمل.
كيف تفسرون ما يجري؟
– هناك قرار سياسي بمنع حركة الإصلاح الوطني من المشاركة في الانتخابات التشريعية بقيادتها الرسمية، أملاه الخوف من الحركة بقياداتها. كما أن الذين اتخذوا القرار لهم أجندة في الفترة المقبلة، تتمثل في تمرير جملة من القوانين في برلمان أحادي ليس فيه معارضة، منها تعديل الدستور وقانون الأحزاب وقانون الجماعات المحلية.
هل تتوقعون أن يحصل للحركة ما حصل للنهضة من قبل في الانتخابات التشريعية؟
– وارد جدا، إلا أنهم يتوافرون على فرصة حدوث القضية قبل أيام فقط من الانتخابات، عكس حركة النهضة التي تركتها قبل ثلاث سنوات من الانتخابات التشريعية، حيث كان الوقت كافيا ليعرف الناس أنني لم أعد مع النهضة.
أما هؤلاء فيحاولون الإفادة من عامل الوقت وعدم تمييز الناس للوضع، وهو ما سنعمل على توضيحه في حملة المقاطعة التي نعد لها. يجب على الناس أن يعلموا أنني بريء من القيادة الحالية المشاركة باسم الإصلاح، وأنها فرضت من قبل وزارة الداخلية.
وهل تنتظرون شيئا من مجلس الدولة؟
– القرار المتوقع سيكون مزكيا، فقد مهد بذلك عندما نص القاضي على أن الطعون الجدية التي قدمها المدعي (جاب الله ومن معه) ترجح إعادة النظر في القضية.
ألمحتم في حديث سابق معكم إلى أنكم قد تطلقون حزبا جديدا، ما حقيقة ذلك؟
– نحن أصحاب حق، فنحن أسسنا الحركة وكونا بها هذا الرصيد على المستوى الوطني والدولي، ونحن متمسكون بحقنا وسنواصل النضال في سبيل استرجاعه، وإذا استنفدنا كل الوسائل وأصرت السلطة على موقفها فلكل حادث حديث.
ما تقديركم للبرلمان القادم بالنظر إلى المعطيات المتوافرة؟
– برلمان أحادي بمنابر متعددة، وهو دليل على رغبة السلطة في إرساء ديمقراطية مظهرية، والعودة إلى منطق الحزب الواحد في الواقع والممارسة.
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 9 أفريل 2007)
إيران تلتحق بالنادي النووي وتهدد بترك معاهدة الحظر
قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إن طهران دخلت النادي النووي ولن تستسلم للضغوط وستواصل عملها في مجال تخصيب اليورانيوم, وذلك بعد الاعلان عن انتقال إيران إلى مرحلة التخصيب على المستوى الصناعي.
وذكر أحمدي نجاد في كلمة ألقاها اليوم خلال احتفال أقيم بمنشأة نتانز النووية بمناسبة يوم الطاقة النووية الإيرانية, أن طهران لن تسمح للدول الكبرى بوقف برنامجها النووي وستدافع عن حقها في امتلاك الطاقة النووية حتى النهاية.
كما تعهد الرئيس بعدم السماح بوقف البرنامج النووي قائلا إن هذا البرنامج في طريقه إلى مادعاه القمة. وأشار إلى أن كل الأنشطة النووية في بلاده تمت تحت رقابة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. واتهم أحمدي نجاد مجلس الأمن بأنه أصبح خاضعا لضغوط القوى الكبرى في قرارته.
تغطية خاصة
وسبق كلمة أحمدي نجاد إعلان لرئيس منظمة الطاقة النووية غلام رضا أغازاده قال فيه إن بلاده أصبحت قادرة الآن على تخصيب اليورانيوم على المستوى الصناعي.
كما أعلن أغازاده عن بدء إنتاج أجهزة طرد مركزي بكميات كبيرة لتخصيب اليورانيوم. وقال إن ايران تسعى إلى إنتاج عشرين ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية خلال الأعوان العشرين القادمة.
من جهته هدد كبير المفاوضين عن البرنامج النووي الإيراني علي لاريجاني, بأن طهران ستضطر إلى الخروج من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية إذا فرضت عليها ضغوط إضافية بشأن برنامجها النووي.
وتشكل هذه الخطوات تحديا حقيقيا للإرادة الدولية ومجلس الأمن الدولي الذي طالب طهران في ثلاثة قرارات متتالية بتعليق نشاطات تخصيب اليورانيوم. وتحتفل طهران بيوم الطاقة النووية، وهي ذكرى نجاحها العام الماضي في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5% وهي النسبة المطلوبة لإنتاج الوقود النووي.
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 9 أفريل 2007 نقلا عن وكالات)
اردوغان يجس نبض تركيا بشأن ترشيحه الي الرئاسة
انقرة ـ اف ب: بدأ رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان باجراء مشاورات مع اوساط حزبه والمجتمع الاهلي بشأن ترشحه الي الرئاسة مما يحث المدافعين عن العلمنة علي حشد قواهم ضد هذا الناشط الاسلامي السابق. ومن المحتمل ان يعلن اردوغان اعتبارا من 16 نيسان (ابريل) قراره بشأن الترشح الي المنصب الاعلي وفق العملية الانتخابية لكن لا يتوقع عموما ان يكشف موقفه قبل اجتماع حزبه، حزب العدالة والتنمية المنبثق عن التيار الاسلامي، المرتقب بعد يومين علي الاقل.
وستكون لحزب العدالة والتنمية الحاكم منذ الانتخابات التشريعية في العام 2002، الكلمة الفصل بشأن رئيس الجمهورية المقبل بحكم امتلاكه الغالبية المطلقة في البرلمان. وينتخب النواب رئيس الدولة لولاية واحدة من سبع سنوات، وهو منصب يعتبر فخريا لانه لا يملك صلاحيات تنفيذية. وتنتهي ولاية الرئيس الحالي احمد نجدت سيزر المعروف بدفاعه الشرس عن العلمانية والذي اغضب بانتظام الحكومة ذات التوجه الاسلامي المحافظ، في 16 ايار (مايو) المقبل والانتخابات ستجري بحلول ذلك التاريخ. وقد عرف اردوغان (53 عاما) بمهارة كيف يبقي علي حالة الترقب حتي الان ولم يدل باي تصريح حول طموحاته الرئاسية المحتملة. لكنه بدأ منذ الجمعة بالتقاء قياديين نقابيين ومنظمات غير حكومية وكذلك نواب من حزبه في مجالس خاصة للاطلاع علي رأيهم بشأن احتمال ترشحه، وهي طريقة لجس النبض بحسب المراقبين السياسيين.
ومن النواب الـ26 الاوائل الذين التقاهم عبر 25 عن تأييدهم له بحسب الصحف. وبحسب الصحف فان هؤلاء النواب اوضحوا له بان ناخبي حزب العدالة والتنمية لن يفهموا كيف ان زعيم حزب وصل الي الحكم بغالبية 34% من الاصوات لا يترشح بطبيعة الحال الي الرئاسة وان لم يحدث ذلك سيعتبر الامر بمثابة ضغط من الاوساط المؤيدة للعلمانية علي الحزب. واردوغان ليس رجلا سياسيا عاديا وترشيحه قد يثير البلبلة. فهذا الناشط الاسلامي السابق بدأ بالبروز حتي قبل انتخابه رئيسا لبلدية اسطنبول كبري مدن البلاد في العام 1994. وقد سجن اربعة اشهر لتلاوته شعرا ذا توجه اسلامي قبل ان يؤسس حزب العدالة والتنمية في العام 2001. وزوجته ترتدي الحجاب كسواها من زوجات غالبية كوادر الحزب، علما بان الحجاب محظور في الوظائف العامة والجامعات ويعتبره المؤيدون للعلمانية اشارة الي دعم الاسلام السياسي.
وتركيا التي يدين 99% من سكانها بالاسلام متمسكة بمباديء العلمنة التي يدافع عنها الجيش. ويعتقد كثيرون من الاتراك ان اردوغان لا يمكن ان يكون حياديا بموجب الدستور. وتعترض الاوساط المؤيدة للعلمنة منذ اشهر علي فكرة ان يصبح اردوغان الرئيس الحادي عشر للدولة التركية معتبرة انه سيتوج بذلك طموحاته لـ اسلمة تركيا سرا من خلال الاستيلاء علي اخر حصن للعلمانية. وتتوقع المنظمات غير الحكومية المؤيدة للعلمانية اجراء تظاهرة حاشدة في 14 نيسان (ابريل) في انقرة لردع اردوغان عن الترشح الي الرئاسة. كما اعلن مجلس التعليم العالي الذي يضم رؤساء جامعات والمؤيد العنيد لمبدأ العلمنة معارضته بصورة غير مباشرة لاردوغان، مؤكدا في بيان الخميس الماضي ان علي الرئيس المقبل ان يؤمن بالعلمانية . وفي حال قرر اردوغان عدم ترشيح نفسه الي الرئاسة فان اسماء شخصيات عديدة من حزبه مطروحة لكن المرجح بينها هو وزير الخارجية عبدالله غول الذي يعد ذراعه اليمني. عندئذ سيقود اردوغان حزبه الي الانتخابات التشريعية المرتقبة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 أفريل 2007)
الديمقراطية العصية والمسؤولية الوطنية
سليم بن حميدان (*) عسيرة جدا لكنها ممتعة رحلة النضال ضد الظلم والاستبداد، جميل وعظيم حلم قيام مجتمع الحرية ودولة القانون العادل والمواطنة الكاملة. مسيرة عقود من التجارب السياسية الثورية ومن الملاحقات والسجون والتعذيب والتشريد أفضت إلى بعض الحقائق التي يحلو للكثيرين وصفها بالواقعية، واقعية تعني عند بعضهم الاعتراف بالواقع والتعايش معه ولدى آخرين معرفته أملا في إصلاحه أو تغييره. الحقائق المرة أما أولى هذه الحقائق فهي استعصاء التحول نحو الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية لاعتبارات جيو إستراتيجية تضع منطقتنا في قلب معركة التدافع الحضاري للسيطرة على العالم وتقرير مصيره. فالمسألة الديمقراطية تتجاوز إذن المسألة الوطنية، وقراءتها حصرا ضمن الإطار الوطني تنتج في أفضل الأحوال وعيا ثوريا إراديا يعيش إما على أمجاد الماضي التليد أو على أحلام المستقبل السعيد فلا يكون كسبه من نضاله سوى التعاطف المحدود أو العدو اللدود. الحقيقة الثانية هي استحالة تحويل مجرد الالتقاء السياسي بين أطراف المعارضة قاربا للخلاص الوطني لاعتبارات سوسيولوجية وأنثروبولوجية تجعل من التمايز والاختلاف غاية للخلق وقدرا لم تستطع الدولة القومية الحديثة نفسها كإبداع إنساني أرقى في التنظيم الاجتماعي إلغاءه نهائيا رغم قدرتها الخارقة على تسكينه وصهره في بوتقة المصلحة العامة عبر احتكار العنف. لقد ترسب في مخيالنا السياسي أن الدولة القطرية هي سبب مآسينا القومية جميعا، فهي دولة الاستبداد والتجزئة والتبعية والعمالة، لذلك أصبح الاعتقاد في مقاومتها وتحطيمها وبناء دولة الأمة أو الشعب على أنقاضها في مرتبة الواجب القومي والفريضة الدينية. وغاب عنا تماما أنها أضحت، طوعا أوكرها، البوتقة التي تصنع فيها كينونتنا وأنه لا وجود لنا ولا هوية خارجها، رغم أنف التاريخ، ورغم أنها التنين المرعب الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه فلا سبيل لخلاصنا بغير ترويضه وتأنيسه. ليس التوحد السياسي إذن ممكنا ولا مثمرا إذا كان تحريمه أو تجريمه مشروعا من المشاريع الإستراتيجية للدولة وللنظام الدولي من فوقها، ما يفاقم الأزمة عندنا حيث تتناقض الدولة مع علة وجودها الحضاري، في التعالي على ظاهرة الانقسام الاجتماعي الطبيعي، بتحولها هي الأخرى إلى فريق من فرقاء الصراع. هذا ناهيك عن اختلافنا النظري والظاهري في كل شيء: في العلاقة مع الغرب وفي النظام السياسي للدولة ومصادر التشريع والحريات والهوية والمرأة والحجاب والعمامة وربما في الختان وطقوس دفن الأموات. الالتقاء الوحيد الذي يمكن أن يثمر إجماعا حقيقيا تفيد منه المجموعة الوطنية هو ذلك الذي ينعقد مع الدولة لا ضدها أو رغما عنها لأنها تملك من أدوات الفتك والتدمير ما لا تستطيع أي قوة داخلية صده. وهذا الأمر يفسر لنا بوضوح سقوط كل “التحالفات السياسية” و”الجبهات الوطنية” و”الهيئات الوحدوية” و”البيانات التاريخية” لتصبح جميعها ولو بعد حين من أساطير الأولين وقصص الغابرين. عبثا إذن أن نحاول إيهام أنفسنا أو شعوبنا بقدرتنا السحرية على التوحد وصياغة الإجماع خارج مشروع بناء الدولة أو ضده، وهذا الأمر يفسر انتكاساتنا وضياع نضالنا وفشلنا الذريع في بناء وحدة وطنية ثابتة ومتماسكة. أما الحقيقة الثالثة فهي استحالة الانتقال بوجودنا، مجتمعا ودولة، من وضع التبعية والتوحش إلى حال الاستقلال والحضارة دون تجاوز مرحلة الخوف، وهذا هو مكمن الداء في أزمتنا الحضارية بجميع تجلياتها. سرطان الخوف هذا ينخر كيان الدولة نظاما ومؤسسات، فهي دولة مذعورة من العالم الفوقي (قوى عظمى ومؤسسات دولية ولوبيات مالية)، ومن العالم التحتي (النقابات والأحزاب والطلاب وعلماء الدين)، فهي تحتمي تارة بسطوة القانون وأخرى بمرارة العصا من أجل إثبات فحولة مترهلة والإيهام بقوة جوفاء. خوف الدولة من مجتمعها يرتكز على حقيقة التهديد الذي تشكله نزوعات الطعن في شرعية نظام الحكم والمطالبة بمقاومته، ناهيك عن التهديد بملاحقته قضائيا بجرائم الفساد والتعذيب وانتهاك الحقوق، وهو ما ترفضه طبيعيا غريزة حب البقاء وتتجه إلى استئصاله لتأمين وجودها حاضرا ومستقبلا. أما خوف المجتمع فهو مزدوج، خوف من الدولة وخوف من ذاته، فلا يحتاج خوفه من الدولة إلى دليل أو تعليل لأنه يتجلى في كل مظاهر اللامبالاة والعزوف عن الشأن العام كما هي الحال في مظاهر الاحتجاج الباهت المتقطع أو التطرف الذي هو أشبه بالانتحار منه بالشجاعة والثورية. أما خوفه من ذاته فتعبر عنه ظاهرة التشرذم واستحالة التقاء الفرقاء على الحدود الدنيا من المطالب السياسية وحتى الاجتماعية، ناهيك عن تحول التصامم والغيبة وانتهاك الأعراض والنبش في النوايا وعقلية الثأر من الآخر إلى ثوابت في التدافع السياسي ليصبح المغاير غريما بدل أن يكون حليفا. لقد تحول الخوف عندنا من مجرد حالة مرضية إلى ثقافة توتاليتارية تغذيها حماقات الفاعلين، كل الفاعلين دون استثناء، ليصبح الشلل هو الأفق الوحيد لحركتنا الجماعية في عالم الرمال المتحركة. تحرر ذاتي أم مهدي منتظر؟ أعتقد أن نضالنا الوطني ينبغي أن يعدل بوصلته إن نحن أردنا الخروج من سرداب الغيبة الحضارية الكبرى، وأن نخرج إلى العالم فنملأه عدلا وعمرانا بعد أن امتلأ جورا وخرابا كما هي صورة المهدي المنتظر أو المسيح العائد في مخيالنا الجمعي. ينبغي علينا أولا أن نتحرر جميعا من عقدة الخوف العدمي في مستوياته الثلاثة. في مستوى الدولة بأن يتحول مشروع إعادة بناء الثقة إلى إستراتيجية رسمية ترصد لها الإمكانيات المادية والخبرات الوطنية من باحثين في مجالات الاجتماع والقانون والسياسة والتاريخ والفلسفة والتربية والفن دون احتكار أو توجيه. ولن يكون هذا العمل الحضاري ممكنا دون أن تتحرر الدولة ونخبة الحكم المسيرة لها من عقدة الخوف من أسياد الخارج والعمل على ترويضهم مستفيدة في ذلك من التجارب الآسيوية أو حتى من التجربتين الإيرانية والتركية في التعامل مع المجتمع الدولي، بمعنى أن تكون لنا دبلوماسية حقيقية لا مجرد شخصيات دبلوماسية مهما كانت كفاءاتها. في هذا الإطار ينبغي أن نذكر دائما أن الدبلوماسية هي سياسة وأن السياسة هي بالتعريف الوظيفي فن تحويل اللازم إلى ممكن وأنها إدارة للحرب بوسائل أخرى. اللازم الذي ينبغي تحويله ممكنا وطنيا تتفاوض فيه الدولة من أجل رفع الفيتو الخارجي عنه هو الانفتاح السياسي الذي هو في الآن نفسه مصلحة وطنية وإقليمية ودولية دونها انسدادات خطيرة وبراكين إرهابية أضحى الجميع يدرك أن حممها تتطاير أرضا وسماء لتطال أكثر عواصم العالم أمنا وأبعدها مسافة. ويستوجب هذا العمل جهدا كبيرا لدى نخبة الحكم ويفرض عليها، من موقع المسؤولية الأخلاقية والإنسانية، إعادة النظر في المعارضة لكي تكون شريكا لا غريما، وفي السلطة لتصبح تكليفا وطنيا ووظيفة حضارية بدل أن تبقى تشريفا وغنيمة تنتظر كل مرة فارسا جديدا. أما في مستوى المعارضة فإن التحرر من عقدة الخوف تجاه الدولة يتمثل في تجاوز خطاب التخوين بالعمالة والنظر إلى نظام الحكم على أنه سلطة تابعة اضطرارا لا اختيارا، وأنه ينبغي مساعدة الدولة للخروج من مأزقها التاريخي الذي وضعها فيه الاستعمار الغربي وتسعى العولمة اليوم إلى إعادة إنتاجه وتسويقه في تعليب جديد. ضمن هذه القراءة لا نرى حلا في القضاء على أنظمة الحكم القائمة والاستبدال بها أخرى لن تكون قطعا أكثر كفاءة في إدارة حياتنا، لأنه يجب علينا لأجل ذلك تغيير العالم. بل الحل الصحيح هو البحث عن تسويات معقولة والعمل المشترك لطمأنة الدولة والمجتمع الدولي من فوقها إلى إمكانية تقاطع المصالح القومية والدولية، وإلى أن السلام الحقيقي والدائم هو السلام العادل الذي لا يوقعه ملك أسير. لقد آن الأوان أن ندرك، وبغض النظر عن المسؤول الرئيسي والمباشر عن عملية الإقصاء والتهميش والحرمان من المشاركة في البناء الوطني والإسهام في الحياة العامة، أن خلق فضاءات موازية للدولة تحاول عبثا بناء الشرعية والتشريع خارج نسقها سيفضي بنا في أحسن الأحوال إلى إنتاج أشكال جديدة من الطائفية السياسية، تصبح فيها الطوائف دويلات مستقلة بزعمائها ومؤسساتها وتشريعاتها متجاهلة لسلطة الدولة المركزية وقانونها بل ومتعالية عليها. من الدمار إلى السلام لن يكتب النجاح لهذه الإستراتيجية ما لم تتخلص معارضاتنا العربية نهائيا من أسلحة الدمار الشامل التي تملكها حقيقة وأثبتت التجارب أنها لا تجيد استعمالها بل إنها كثيرا ما تقع ضحية لنيران صديقة. فأسلحة التخوين والتجريح والقدح في الأشخاص والذم والتكبر والعجب وفرض الذات على الآخرين وتسفيه أقوالهم وأطروحاتهم أضحت صدئة نخرة لفرط استعمالها وتخزينها. ينبغي علينا إذن كمثقفين معارضين للاستبداد تجديد أسطول أسلحتنا، فنطور مخزوننا الديني والتاريخي الأقوى في العالم والمتمثل في قيم الاحترام والأخوة والتجاوز والرفق والتراحم والتواضع والكلمة الطيبة والدفع بالتي هي أحسن دون نفاق زائف أو تملق دنيء ينسينا الصدع بالحق أو يزين الباطل نورا وهداية. أما على المستوى الفردي فالخطاب موجه هنا إلى شريحة المثقفين والسياسيين لتجاوز السلبية وتجذير ثقافة النقد الذاتي على الصعيدين الشخصي (المحاسبة) والجماعي (مراجعة الخيارات)، إذ العقل، على قول الفيلسوف ديكارت، هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس، والأمر بالقراءة كنص سماوي مؤسس هو خطاب موجه للمكلفين بالاقتضاء وجوبا عينيا على قول الأصوليين. إن للمثقفين دورا مركزيا وواجبا أخلاقيا في تحرير الدولة والمجتمع من حالة الخوف وتعميم ثقافة المسؤولية التي تريد اجتثاثه وإحلال الثقة محله بدل تحويله إلى المعسكر الآخر ثأرا وانتقاما. وإذا جاز لنا أن نشبه الحرية بالعروس التي نخطب جميعا ودها فإن الطريق إلى مملكتها شاق طويل وكما يقول المثل الصيني الذائع، مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. أولى خطوات هذه المسيرة هي ردم الهوة وإعادة ترميم الجسور بين الدولة والمجتمع وبين مكونات هذا الأخير بعد أن أعملت فينا خطوب الدهر وحماقاتنا (دعاوى التكفير والتحريض والتشدد الديني والعلماني) فتكا وتدميرا وتركتنا ألعوبة يتقاذفها الكبار. بناء الثقة هو مفتاح الباب الحديدي الأول في جدار الوطن ثم نفتش بعدها عن بقية المفاتيح. لسنا نطمح في هذا المقال إلا لزرع بذرة خير وصدق ليصبح النضال من أجل السلام الأهلي الدائم والشامل مشروعا وطنيا ينبذ القطيعة والمواجهة كما يرفض التملق والاستسلام. وإلى من اعتبر رأينا وهما، فردنا أن وهما يُحيي خير من حقيقة تُميت. (*) كاتب تونسي (المصدر: ركن “المعرفة” بموقع “الجزيرة.نت” (الدوحة – قطر) بتاريخ 8 أفريل 2007)
تدمير معنى السّياسة
عبد الباسط بن حسن
“السّؤال المطروح عن معنى السّياسة، توجد إجابة عنه تتّسم ببساطة وقدرة على الإقناع، بحيث أنها تغنينا عن غيرها : هذه الإجابة هي التّالية : معنى السّياسة هو الحرّيّة.”
حنّا أرندت
هل انتقلنا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من سؤال شغلنا سنوات وعقودا حول “أزمة الخطاب السّياسيّ العربيّ” إلى حالة انعدام الخطاب واستحالته؟
فرغم ما يردّده البعض بخلفيّة شمولية عن “الصّحوة” التي أدّت إليها هذه الأحداث، وعن يقظة “ضمير الأمّة”، ورغم زعم البعض الآخر من “المستنيرين” السذّج بأنّها قد فتحت الباب على مصراعيه للتّحوّل نحو الدّيمقراطيّة، وبرغم ترسانة المساحيق البلاغيّة التي تستنجد بها كلّ انواع السّلطات لإدامة علاقات الهيمنة، فإنّ ما نعيشه الآن يبدو أقرب إلى موت السّياسة وخطابها في بلداننا. فما تقترحه هذه الأطراف على اختلافه الظّاهريّ لا يرقى إلى مرتبة الخطاب السّياسيّ الذي يبني ثقافة سياسيّة نقديّة تتعامل مع الحدث وتحوّل الوعي به إلى فرص تاريخيّة لإبداع أنماط للتّحرّر الفرديّ والجماعيّ ولاحتضان عمليّة التّنمية والمساعدة في بلورة مساراتها.
إنّنا أمام بلاغة تكرّر إنتاج المسلّمات نفسها والثّنائيّات نفسها : ثنائيّة الخير والشرّ والأصدقاء والأعداء والوطنييّن والخونة والمؤمنين والعلمانييّن والإسلام والغرب والاستسلام والمقاومة… وتجد هذه البلاغة فسحة في العديد من الفضائيّات والصّحف والمواقع الإلكترونيّة العربيّة لتصنع بوسائل الحداثة الالكترونية جنودا تدفع بهم إلى حروب وصراعات اللامعنى والعدم.
أمام هذا المشهد الشّموليّ، تتحوّل كلّ تجارب التحرّر التي تدعو إلى رؤية الحدث السّياسيّ في تعقّده وإلى بناء أنماط للنّهوض بحقوق الإنسان وللتّحوّل الدّيمقراطيّ، تتحوّل إلى معان مشبوهة يكفّر أصحابها ويلاحقون بتهمة الخروج عن الجماعة. بل إنّ بعض هذه التّجارب استبطن آليّات المشهد الشموليّ ليتحوّل بدوره إلى دعوات تبشيريّة بالدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان منفصلة عن رؤيتها السّياسيّة عاجزة بدورها عن التّحوّل إلى قوّة إبداع واقتراح تتصدّى بالنّقد لسلطة البلاغة الشموليّة وتؤسّس لخطاب سياسيّ تحرّريّ.
سلطات المشهد السّياسيّ السّائد في البلدان العربيّة، المجسّدة في الأحزاب الحاكمة الحريصة على مصالحها وبعض أحزاب المعارضة الدّينيّة أو غير الدينيّة والمنظمات “الجماهيرية” التقليديّة المهيمنة إعلاميّا تحوّلت إلى أدوات منفلتة عن الواقع، فهي تحصر الخطاب السّياسيّ في ردّات الفعل العاطفيّة وفي تهييج النّاس وتأليبهم ضدّ عدوّ غير منظور يمنعهم من تحليل الظواهر والنّظر في أوضاع وجودهم . إنّنا أمام مشهد يؤدّي فعليّا إلى كره السّياسيّ كأفق للتفكير العمليّ ويقترح الاستكانة إلى المطلقات والمشاريع الغائمة. إنّه المشهد الذي يدفع بأفواج متجدّدة أبدا من المتسيّسين والمثقّفين والإعلاميّين إلى نصرة قيم الحكم المطلق والفساد أو مواجهة هذه القيم ببلاغة قد تبدو في الظاهر جريئة ولكنّها لا تمنح “الجماهير” غير البكائيّات المهووسة التي تدفعهم إلى اليأس أو المواعظ التي تستغلّ بساطتهم لتجعلهم يستكينون إلى المشاريع الشّموليّة المستحيلة.
فالمتامّل في بعض الأحداث التي شهدتها البلدان العربيّة في الفترة الأخيرة وفي طريقة تعامل بعض النّخب السّياسيّة والإعلاميّة معها يقف على هذا التّدمير لمعنى السّياسة، ولاختزالها في المطلقات، كما يقف أيضا على تغييب لمفهوم الثّقافة السّياسيّة.
ومن الأمثلة الدّالّة على محاصرة الخطاب السّياسيّ وثقافته التّعامل مع حدث احتلال العراق. إنّ أكثر التّحليلات تختصر التّعامل مع الحدث في ثنائيّة مع الاحتلال أو ضدّه، وتسبغ على هذه الثّنائيّة قدسيّة تجعل الباحث في الوضع مطالبا بالتّعاطي العاطفيّ مع المسألة وباختيار موقع له في جوقة المزايدات الكلاميّة. فلا نكاد نعثر بالتّالي على محاولات جديّة للبحث في أعماق تحوّلات المجتمع العراقيّ تحت الاحتلال، ونقصد بذلك رصد الخطاب السّياسيّ الذي تشكّل بعد زوال النّظام السّابق، ونوعيّة التّحالفات التي تعقد بين الفرقاء السّياسييّن وأثرها الحقيقيّ في المجتمع، والدّور الذي قد تقوم به الانتخابات والدّستور الجديد في تطوير الوعي السّياسيّ إيجابا أو سلبا، ومدى وجود بحث عميق حول امكانية بلورة اسئلة الديمقراطية تحت الاحتلال في العراق. كما أنّنا نجد تجاهلا لتحليل مواقف الحركات السّياسيّة من أجندة مصالح قوات الاحتلال، وهي مواقف متعدّدة ومتناقضة تنبع من رؤية منفعيّة يمنعنا التّناول العاطفيّ للمسألة السّياسيّة من تبيّن معانيها. وتتّفق أغلب التّحليلات التي تتناول الوضع العراقيّ على استبعاد الجانب الحقوقيّ رغم أنّه أداة هامّة في فهم هذا الوضع. فما عدا بعض الشّهادات الصّادرة عن أفراد أو منظّمات عراقيّة ودوليّة، توجد مظاهر عديدة لا تكاد تحظى بالتّحليل المعمّق، منها الخطابات الطائفيّة والممارسات المرتبطة بها والتي بلغت حدّ التطهير العرقيّ ومنها انتهاك حقوق النّساء الذي يكرّسه الدّستور الجديد وإقصاؤهنّ من العمليّة السّياسيّة وانتهاك الحقّ في المشاركة السّياسيّة، ودور منظّمات المجتمع المدني النّاشئة في التّحوّلات التي يشهدها المجتمع ومسألة التنمية وتوزيع الثّروات والفساد المرتبط بالثّروات النّفطيّة. كما لا يتّسع مجال الخطب السّياسيّة والتّعليقات الإعلاميّة لتقديم شهادات عن الحياة اليوميّة للعراقييّن والعراقيّات في لحظات حياتهم المنتزعة من منطق الموت السّائد وسعي فتيانهم وفتياتهم إلى الحلم بلغة تصنع لهم موقعا من الوجود يتجاوز العنف المحيط بهم. فأين يا ترى الشّباب الباحث عن الحقّ في الأمن و التّعليم والصحّة والعمل والمشاركة في صنع القرار والحريّة الفرديّة من كلّ هذه الأصوات التّي تلخّص الوجود العراقيّ في ثنائيّة المقاومة المقدّسة أو الاستسلام المطلق؟
وبدل البحث عن أنساق واقعيّة تضع كلّ هذه الرّغبات في إطار مسارات للتّحرّر الجماعيّ والفرديّ وتبدع لغة وثقافة سياسيّة جديدة، فإنّ الدّعوات العاطفيّة تسجن المشهد العراقيّ في البحث الأبديّ عن البطل الأسطوريّ المخلّص الذي سينبعث من رماده ليقود الجموع نحو الجنّات الموعودة بعد ان يأخذ بثأره من الكفرة والصّليبييّن. لقد أصبح الحدث العراقيّ مجالا لاستعادة ثقافة سياسيّة قديمة تحصر الفرد والمجموعة في انتظار القدرة الفرديّة المجسّدة في بطل ينتظر الكلّ إنجازاته وانتصاراته ويعلّق عليها مصيره. إنّنا في حاجة أكثر من أيّ وقت مضى إلى الخروج من هذا المنطق وإلى اعتبار المثل العراقيّ فرصة لتغيير رؤيتنا للثّقافة السّياسيّة وبناء أنساق للتّحرّر تقوم على حقوق الفرد والجماعة لا على استيهامات بعض مثقّفي الفضائيّات العربيّة الذين ينعمون بهوامش الحريّات في ” البلدان الكافرة”، ويبحثون عن ثورات وبطولات بالإنابة.
لقد استبشرنا خيرا بإنشاء الفضائيّات التّلفزيونيّة العربيّة واعتبرناها أداة لفتح آفاق للحريّة والتّحرّر لأفراد وشعوب طالما كانت تعاني من الرّأي الواحد ومن طغيان صورة البطل المنزّه الصّانع وحده للتّاريخ. ولكنّ الأحداث الأخيرة علّمتنا أنّ بعض الأدوات الإعلاميّة قد تناست أنّ الإعلام لا يعني فقط الإخبار، بل إنّ وظيفته في الحالة العربيّة هي أن يصنع رؤية لثقافة سياسيّة مختلفة تعتمد بناء الفكر النّقديّ. لقد تحوّلت بعض هذه الفضائيّات في السّياق العراقيّ إلى أدوات دعاية للإرهاب يقتصر دورها على بثّ تسجيلاتهم الهاذية ودعوة مجموعة من المعلّقين لتحليل “أفكارهم” بدون اتّخاذ أيّ مسافة إيطيقيّة ونقديّة من خطابهم الكليانيّ المرعب. فهل يدرك الإعلاميوّن أنّهم بمنطق السّبق الصّحفيّ إنّما يصنعون جيلا كاملا من الشباب الذي لا يحصل على ثقافة سياسيّة حقيقيّة ويستبدل عشق الحياة برغبة العدم؟
ولقد تناست أغلب التحليلات أن احتلال العراق قد يمثّل فرصة كذلك لطرح معمّق لتحوّلات مفهوم حقوق الشّعوب في علاقته بالتّحوّل الدّيمقراطيّ بما يعنيه من ضرورة الرّبط المبدع في إطار التّجربة التّاريخيّة بين الحقّ في تقرير المصير وإعمال الحقوق الفرديّة والجماعيّة. وهو فرصة كذلك لاستعادة البحث النّقديّ في آليّات النّضال من أجل حقوق الشّعوب واستراتيجيّاتها واقتراح معالم ثقافة سياسيّة في المجال تركّز على مفهوم المشروع التّحرّري الوطنيّ المبنيّ على المشاركة الشعبيّة، وتحرّره من جعل حقوق الشّعوب مرادفا للشّعارات الجوفاء والمؤامرات.
وتتجلّى أزمة الخطاب السّياسيّ بقوّة في التّعامل مع ظاهرة الإرهاب. وتنحصر اغلب التّحليلات بين تبرير الإرهاب وربطه بالحق في تقرير المصير او التملّص من اتخاذ موقف معرفي وأخلاقي واضح بدعوى عدم وجود تعريف للإرهاب متّفق عليه دولياّ. وفي كلتا الحالتين يسجن الإنسان العراقيّ في نوع خطير من قلب المفاهيم وتنزع عنه انسانيّته بصفته “ضحيّة” ويتحوّل إلى مجرّد رقم في سلسلة الموت التي تعتمدها البلاغة السّياسيّة لتصنع تحليلاتها المفرغة من الهمّ الإنسانيّ. إنّ هذا الابتذال لفظائع الإرهاب لا يخدم في النّهاية سوى “الامجاد” الخاصّة لوعاظ السياسة الجدد ومحترفي التّحليل السّياسي ومصالح بعض مراكز البحوث والإحصاء ووسائل الإعلام. أما الضحية العراقية فإنها تترك لعراء مصيرها وتفنى بين كمّاشة إرهاب الدّولة وكمّاشة إرهاب الجماعات المسلّحة التي تبشّر بعالم الصّفاء.
إنّ ابتذال ظاهرة الإرهاب دليل آخر على فراغ الثّقافة السّياسية السّائدة وعدم قدرتها على استعادة العمل المعرفي والقانوني والأخلاقي الكبير الذي قامت به منظمات حقوقية منذ ثمانينات القرن الماضي. لقد حاولت هذه المنظمات ان تعرّف مسؤولية الدّولة في احترام التزاماتها في مجال حقوق الإنسان والامتناع عن ممارسة الإرهاب المنظّم ضدّ رعاياها ورعايا الدّول الأخرى. كما قامت المنظّمات في حالات عديدة بالتّفكير في مسؤوليّة الجماعات المسلّحة والافراد محاولة التّفريق بين المقاومة المشروعة والإرهاب. ولقد حاولت اجتهادات هذه المنظمات أن تجمع بين محاولة البحث المعرفي وفضح ممارسات الإرهاب أيا كان مصدرها.
وتبدو مسؤؤليتنا التاريخية اليوم كبيرة في استعادة أسس ثقافة سياسية تقوم على حقوق الإنسان وتعيد تعريف المفاهيم وتعيد إحلال القيم الأخلاقية الأساسية في جوهر الخطاب السياسي. ولعل هذه المسؤولية تكتسي مصداقية أكبر حين تهجر الابتذال والتّعميم وتضيف محتوى ملموسا للخطاب.
يتمثل التحدي الأهم اليوم في الانتقال إلى مقاربة مرتكزة على “الضحية”. ولعل المثال العراقي فرصة لتفكيك أسس خطابنا السياسي ومواجهة كل أشكال انتهاكات الحريات الفردية والجماعية ببناء معرفة وممارسة قائمتين على مفهوم الكرامة الفردية التي هي أساس تحرّر الشعوب.
إن الخلط المقصود بين جريمة الإرهاب ومقاومة أشكال التسلط، إضافة إلى إقصاء الضحية من الخطاب السياسي سيؤدي في نهاية الأمر إلى تربية أجيال انتزعت من أرواحها القدرة على تحليل وضعها الإنساني. أجيال تستسهل جريمة قتل الآخر بعد أن اصبحت غير قادرة على إدراك الكرامة المتأصّلة فيه.
إن حصر الخطاب السياسي في الثنائيات المتضادة والمتصارعة عند تناول الاشكاليات التي طرحها الاحتلال، سيحول العراق إلى فضاء لاستيهامات البلاغة السياسية القديمة. فيتحول صراع المصالح المحلية والاقليمية والدولية الهائل الذي يجري في أرض العراق إلى صراع بين الخير والشر وبين الكفار والمسلمين وبين الغرب والامة. كما يتحول العنف بمضاهره وأسبابه العميقة إلى مجرّد صراع بين إرادة المقاومة والخيانة. وتؤدي هذه الثنائيات في نهاية الأمر إلى اقصاء الإنسان العراقي وتطلعاته من دائرة المصالح واعتباره مجرد كتلة تخدم مصالح الفرقاء.
لقد ابرز احتلال العراق خطر استعمال مفاهيم حقوق الإنسان والديمقراطية في تبرير الهيمنة وعنف المصالح. ولكن مواجهة ازدواجية المعايير في العلاقات الدولية لا يتأتى بالسقوط في فخ استراتيجية التسلط التي تسعى إلى التشكيك في امكانية قيام العدالة الدولية وإلى حرمان ضحايا التهميش والاقصاء والعنف من أدوات التحرّر التي توفرها قيم و تجارب الديمقراطية وحقوق الإنسان. فالاصوات التي تنادي باقامة عدالة السماء أو عدالة الفرد المنقذ لمداواة جراح الجموع وخيباتها المتتالية، تمهد في حقيقة الأمر إلى اقامة انماط أخرى من اللاعدالة والهيمنة. كما أن اللعبة البلاغية الخطرة التي يمارسها بعض ” الديمقراطيين” العرب الذين يتبارون في نقد تسلّط حكامهم ولكنهم في الوقت نفسه يتباكون على موت “القائد” في العراق، ستؤدي في نهاية الأمر إلى مزيد من الإرباك للوعي السياسي.
فبدل أن نزاوج بين التّمسّك بحقوق الإنسان ونقد ازدواجيّة المعايير في هذا المجال، ونطوّر منهجا للنقد المتواصل لأنساق الهيمنة، نستخدم “ازدواجيّة المعايير” أو “انفصامها” شمّاعة جديدة، نعلّق عليها إحباطاتنا السّياسيّة ونتّخذها في الوقت نفسه تعلّة للتّملّص من الدّفاع عن حقوق الإنسان باعتبارها في الأساس تمسّكا بالكرامة والحرّية.
ويبدو ضياع الخطاب السّياسيّ والثّقافة السّياسيّة في حدث آخر هو قضيّة الكاريكاتور “المسيء للرّسول”. لقد أبرز الحدث عمق التّحوّل الذي شهدته البلدان العربيّة في السّنوات الأخيرة، أبرز اضمحلال المثقّف ودوره السّياسيّ النّقديّ في المجتمع وتعويضه بمهمّة الواعظ الذي ينصبّ همّه على تحريك الجموع وتجنيدها عاطفيّا ضدّ ” الآخر”، وإعدادها إيّاه لمواجهات وصدامات حضاريّة وثقافيّة ودينيّة متخيّلة تحجب عن النّاس القدرة على تحليل الواقع الوطنيّ والإقليميّ والدّوليّ في تعقّده. لقد ملأ الواعظ الفراغ الذي تركه غياب القائد الملهم والمخلّص، والفراغ النّاتج عن عجز الحركات السّياسيّة المعارضة عن إبداع أنماط تحرّر من سلطة الواحد. وتبرز خطورة ظاهرة الواعظ على الوعي السّياسيّ في كونها تمحو الفواصل والحدود بين أدوار الفاعلين الأساسييّن في المجال السّياسيّ. فالواعظ قد يكون الداعية الدينيّ أو القائد السّياسيّ أو المثقّف أو الإعلاميّ أو بعض رموز منظّمات المجتمع المدنيّ في بعض الأحيان. ويؤدّي هذا الخلط في الأدوار إلى سيطرة بلاغة سياسيّة جمعيّة تعتمد الهيجان العاطفيّ وردّ الفعل بدل الفعل الواعي القائم على وضوح الأدوار والخطابات. كما أنّ من نتائج هذا الخلط استلاب وعي العرب وتدمير قدرتهم على تمييز جوهر الأحداث السّياسيّة وتطوير رؤية نقديّة لها بعيدا عن المصالح الضيّقة لهذه الفئة الجديدة من الوعّاظ. لقد تحوّل الوعّاظ إلى سلطة في المشهد السّياسيّ العربيّ. إنّها سلطة سلبيّة تتغذّى من الجهل السّياسيّ المعمّم كما تتغذّى من موت الخطاب النّقديّ . سلطة تسعى إلى إدامة سيطرتها على العقول لا من أجل مصلحة من تخاطبهم بل من أجل خدمة صورتها ونجوميّتها. فكيف يمكن تفسير السّيناريو الذي آلت إليه مسألة الكاريكاتور : فهؤلاء الوعّاظ بعد أن ألهبوا حماس الجماهير ضدّ الكاريكاتور والغرب الكافر الذي أبدع حرّية الرّاي والتّعبير قد انبروا يتنافسون من أجل الحوار مع البلدان “المتّهمة” بإساءتها للإسلام ورسوله. فمن يقف خلف هؤلاء في حملاتهم المطلقة ضدّ الغرب تارة وفي الدّعوة إلى الحوار والتّسامح طورا؟ إنّنا أمام سلطة جديدة ومطلقة تسعى إلى محو مفهوم المثقّف العقلانيّ والنّقديّ لصالح الواعظ الذي يستبدل منطق السّياسة بمنطق الدّعاية لصورته باعتباره مدافعا أوحد عن ثوابت الأمّة وقد وقع تصعيدها إلى مفهوم مجرّد يستعصي على الإدراك وينفي تعدّد الواقع الوطنيّ والإقليميّ والدّوليّ والمصالح الحقيقيّة التي تعتمل داخله.
لقد بيّن لنا حدث الكاريكاتور أنّنا أمام فاشيّة حقيقيّة تحاصر كلّ محاولة لتحليل الخطاب الجمعيّ واستيهاماته وتمنع كلّ مجهود نقديّ لرصد مراكز القوّة في العالمين العربيّ والإسلاميّ. هذه الفاشيّة استغلّت عواطف الجماهير ورفعت شعارات الدّفاع عن الدّين لقيادة معركتها الخاصّة ضدّ بعض القوى الدّوليّة.
كان الهجوم على حقوق الإنسان مرّة أخرى أداة استعملت من أجل مصارعة المفهوم المطلق والشّيطانيّ الذي بنته ذهنيّتنا الجمعيّة في علاقتها بالغرب كمفهوم مطلق غير قابل لأن ينزّل في السياق التاريخيّ. فلم تعد حقوق الإنسان وحرية التعبير أحد أهم مظاهرها المطلب الإنسانيّ المشترك الذي نسعى إلى إعماله من أجل تطوير وضعنا الإنسانيّ وتفكيك خطاب الهيمنة في بلداننا وبناء أمثلة الكرامة والحرية والعدالة والمساواة، بل تحوّلت بقدرة الوعاظ وآلة الدّعاية إلى أداة جهنّميّة سيدمّر بها الغرب الصّليبيّ حضارتنا المشرقة. لقد أبرزحدث الكاريكاتور حالة الانفصام الرّهيبة التي أصبحت عليها شعوبنا في غياب ثقافة سياسيّة حقيقيّة. فالشعوب التي تطالب بحقّها في الرّفاه والدّيمقراطيّة، وحقّها في التّخلّص من سلطات الهيمنة والفساد هي ذاتها التي يحملها منطق التهييج الأعمى إلى مهاجمة مثل حقوق الإنسان والدّيمقراطيّة وإلى اعتبارها عناصر دخيلة على ثقافتها مهدّدة لمكتسباتها. كما تتجسّد حالة الإنفصام في كذب سلطة الدّعاية والوعظ على شعوبها. إذ هي تجنّد النّاس ببلاغتها ضدّ حقوق الإنسان ومفاهيم الدّيمقراطيّة باعتبارها مفاهيم غربيّة غازية وتمجّد في ذات اللّحظة مفاهيم الحوارالثّقافيّ والدّينيّ والحضاريّ والتّسامح. فهل يمكن للمحاور والدّاعي إلى التّسامح أن يقوم بدوره التّاريخيّ بدون وجود أفق لحرية الرّأي والتّعبير، وبدون القبول باعتبار هذه الحريّة هدفا مطلقا؟ وهل يمكن للافراد والشّعوب ان تدافع عن حقّها في الحوارفي إطار المساواة مع بقيّة الشّعوب إذا كانت ترزح تحت أنساق التسلّط والجهل؟
ليس الحوار مع الآخر الحاضر في الواقع التّاريخيّ مفهوما غيبيّا، بل هو نتاج عمل دؤوب، وثمرة مسارات تبدأ ببناء قدرة الإنسان على تحليل واقعه والمشاركة في صنع القرار. والقدرة على تحليل الواقع تعني فهم تحوّلات المصالح والقوى التي تتحكّم في صياغة القرار. والمشاركة في صنع القرار تعني امتلاك القدرة على اقتراح سياسات لإصلاح الواقع وتحويله اعتمادا على مبادئ حقوق الإنسان والدّيمقراطيّة .
لقد بيّن حدث الكاريكاتور كذلك حجم فاجعة بعض دعاة حقوق الإنسان والديمقراطية وقصور حركتهم عن القيام بدورها الإيطيقيّ في خضمّ هذا الارتباك الحضاريّ المعمّم. فأمام العنف الرّمزيّ الذي مارسته بلاغة الدّعاية والوعظ، وأمام فاشيّتها المطبقة على العقول اختارت النخبة عموما لغة تبريريّة متلعثمة لا تقدر على تفسير الحدث وأبعاده من منظور حقوقيّ. فهل ترتفع تصريحات البعض إلى مستوى الأفق التّاريخيّ للحدث حينما يؤكّدون أنّهم براء من انعكاسات المسألة لأنّهم لا يتلقّون تمويلات من الدانمارك للقيام بانشطتهم؟ وهل يمكن للبعض الآخر أن يفهم تبعات موافقته على دعوات بلورة أدوات دوليّة لإحكام الرّقابة على حرية الرّأي والتّعبير؟ وهل يمكن لهؤلاء أن يقدّروا انعكاسات هذا الموقف على وضع حقوق الإنسان في المستويين العربي والدّوليّ، وأن يتصوّروا إمكانية استغلال هذه الدعوات لمزيد تضييق الخناق على الحريات في بلداننا؟ لقد اختارت الأغلبيّة من المثقّفين منطق الاستكانة لتيّار الوعظ طلبا للسّلامة وسعيا للحفاظ على موقع في التوزيع الحالي للأدوار الاجتماعية والسياسية، في حين كان بإمكانهم اقتراح قراءة أخرى للحدث، وكان بالإمكان اعتباره فرصة تاريخية لنقد مسلمات الدعاية السياسية السائدة وكشف حجب الكذب المتلفع برداء الدين والأمة وبلورة خطاب حقوقي تربوي يساعد على فهم الواقع في تعقده وتعدد معانيه. فهل نسي البعض ان التربية على حقوق الانسان ليست مجرد تقنيات تختبر في قاعات الندوات والتدريب بل هي أداة لتحويل الخطاب السياسي السائد وتغييره ونقد مسلماته اعتمادا على مبادئ حقوق الانسان؟ هل نسوا أنّه عمل شاق ودؤوب من أجل نقد المسلمات واقتراح أنماط تاريخية للتحول الفكري والاجتماعي في لحظات تاريخية معينة؟
(المصدر: موقع الأوان )
صدّام يسأل من قبره
غسان شربل ماذا لو قيض لصدام حسين، وبعد أربعة أعوام من ذلك المشهد في ساحة الفردوس، ان يطرح من قبره بضعة اسئلة. يستطيع ان يوجه كلامه الى العراقيين سائلا: هل تعتقدون ان اوضاعكم اليوم افضل مما كانت عليه قبل اربعة اعوام؟ وكيف تفسرون ان عدد القتلى خلال فترة غيابي القصيرة يفوق بأضعاف عدد الذين سقطوا إبان حكمي الطويل؟ هل تعتقدون ان ممارسات اجهزة الاستخبارات البعثية كانت بقسوة ممارسات المقاتلين الجوالين و «فرق الموت»؟ واذا كان نظامي هو المشكلة فلماذا تكاثرت الجنازات على رغم غيابه؟ ولماذا تفرون الآن الى الدول المجاورة او تبحثون عن ملجأ في بلدان بعيدة؟ ويمكن ان يختم حديثه اليهم بعنجهيته المعهودة: كنت ظالما في العراق لكن العراق كان موجودا واليوم تضاعف الظلم وتضاعف الظلام ولم يعد العراق موجودا. يستطيع صدام حسين ان يسأل العرب ايضا: هل يمكن القول ان اوضاعكم اليوم افضل مما كانت قبل اربعة اعوام؟ وماذا عن الخلل الفاضح في موازين القوى في الاقليم تجاه العدو الاسرائيلي أولاً ثم تجاه الجار الايراني ثانيا؟ أولا تشعرون ان سقوط «البوابة الشرقية» كان باهظ الثمن وانه كشف المنطقة العربية ودولها امام الاجندات غير العربية في المنطقة؟ صحيح انني كنت عنصر اضطراب ولكن المخاوف التي اثارها نظامي لا تقارن اليوم بمخاطر الفتنة المذهبية التي تبث سمومها في عروق الأمة مهددة وحدة دولها وتماسك مجتمعاتها ومستقبل شعوبها ومصير ثرواتها؟ وهل صحيح ان دولة كبرى على طريق الولادة في الاقليم وان العرب سيقيمون كالأيتام بين قنبلتين وترسانتين؟ ويستطيع صدام ان يسأل اميركا وحلفاءها في الغرب: هل تعتقدون فعلا ان العالم بات اكثر أمانا بمجرد شطبي من المعادلة؟ وأين هي الديموقراطية التي قلتم ان نموذجها المشع سيبدأ من بغداد؟ هل تعتقدون ان المغامرة في العراق عززت فرص كسب الحرب على الارهاب ام اضاعت هذه الفرص؟ وماذا عن تحول العراق معهدا ميدانيا لانتاج اجيال جديدة من الانتحاريين؟ وهل هذا هو الشرق الاوسط الجديد الذي روجتم له؟ وهل التعايش مع مقتدى الصدر مثلا اقل كلفة من التعايش مع صدام حسين؟ في التاسع من نيسان (ابريل) 2003 اسقطت دبابة اميركية تمثال «السيد الرئيس القائد». خرج كثيرون الى الشوارع مبتهجين وانهالوا على الصور والتماثيل ورموز النظام البائد. لم يكن يومها من حق صدام ان يطرح الاسئلة التي يطرحها بعد اربعة اعوام. طرحه الاسئلة لا يعفيه من المسؤولية ولا يخفف من ارتكاباته الفظة في الداخل والخارج. ذهب صدام بأوسمته وفظائعه. تركناه يسأل لنسأل عن العراق فهو من لحم أمتنا وضرورات التوازن والأمن. بعد أربعة أعوام يقترب عدد القتلى من عدد اشجار النخيل. لقد ارتكب رجل اسمه جورج بوش حماقة شاسعة تنذر بنكبة كاملة للعراق والأمة وتنذر بخسائر بعيدة المدى لأمن المنطقة والعالم وبأثمان باهظة لبلاده. وفي العراق لم يحسن الذين توهموا الانتصار ادارة انتصارهم. ولم يحسن الذين شعروا بالخسارة سلوك طريق الحد من الخسائر. انتصرت خيارات الثأر واليأس والانتحار. ذهب صدام حسين لكن النكبة لا تزال في البدايات. (المصدر: صحيفة “الحياة” (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 أفريل 2007)
يوم جاءتنا رسالة صدام
عبد الباري عطوان قبل اربع سنوات، وبعد استيلاء القوات الامريكية علي العاصمة العراقية بغداد، اعلن الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش بكل فخر ان الحرب انتهت وان مرحلة الأمن والاستقرار والرخاء في العراق قد بدأت. في اليوم نفسه، كان الرئيس العراقي الراحل وسط انصاره، محمولاً علي الاعناق، ومؤكداً ان الحرب الحقيقية ستبدأ الآن لمواجهة الاحتلال، بعدها اختفي عن الانظار ليقود المقاومة، ويعيد تنظيم صفوف المتطوعين بطريقة بدأت تعطي ثمارها بشكل لم يتوقعه الرئيس جورج بوش ولا حليفه توني بلير، وكل الزعماء العرب الذين تواطأوا مع العدوان، وفتحوا ارض بلادهم وقواعدها لانطلاق قواته نحو بغداد. وقفنا في هذه الصحيفة، ومنذ وصول اول جندي امريكي الي ارض الجزيرة العربية صيف عام 1990، وبعد اجتياح القوات العراقية للكويت، في خندق الأمة العربية، وبالأحري في الخندق المقابل للخندق الامريكي، لأن بوصلتنا كانت دائماً تؤشر الي ما هو عكس السياسات الامريكية في المنطقة التي كانت تصب دائماً في مصلحة العدوان الاسرائيلي. توقعنا المقاومة، وتوقعنا هزيمة مشروع الاحتلال الامريكي، ليس لأننا نضرب في الرمل ونقرأ الطالع، وانما لادراكنا ان جميع الاحتلالات في التاريخ منيت بالهزائم المذلة في نهاية المطاف، ولم يسجل التاريخ مطلقاً هزيمة المقاومة ورجالاتها الذين يريدون تحرير بلادهم وطرد قوات الاحتلال. كنا، وما زلنا، علي ثقة مطلقة، بأن الشعب العراقي، والشرفاء منه علي وجه التحديد، وهم الاغلبية، ويمثلون مختلف الطوائف والاعراق والاديان، سيتصدي للاحتلال، ويقاوم مشاريعه، والذين اتوا علي ظهر دباباته، لانه شعب اصيل يمثل سبعة آلاف سنة من الحضارة والتصدي للغزاة، من مختلف الاتجاهات. لم نفاجأ عندما جاءتنا الرسالة الاولي (واحدة من خمس رسائل) علي جهاز الفاكس بتاريخ 28/4/2003، وبخط يد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مخاطباً الشعب العراقي والأمة العربية عبر هذا المنبر، مبتدئها بالبسملة وآية قرآنية تقول ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار، وكان عهد الله مسؤولا ومبشراً فيها الشعب العراقي العظيم وابناء الأمة العربية والاسلامية، والشرفاء في كل مكان بأنه مثلما دخل هولاكو بغداد دخلها المجرم بوش بعلقمي بل واكثر من علقمي مطالباً شعبه انتفضوا ضد المحتل، ولا تثقوا بمن يتحدث عن السنة والشيعة، فالقضية الوحيدة التي يعيشها عراقكم العظيم الآن هي الاحتلال ومؤكداً علي الوحدة اتحدوا يهرب منكم العدو ومن دخل معه من الخونة مختتماً رسالته بقوله سيأتي باذن الله يوم التحرير والانتصار لأنفسنا، والأمة، والاسلام. عاش العراق العظيم، وعاش شعبه، عاشت فلسطين حرة عربية من البر الي البحر.. والله اكبر . نبوءة الرئيس العراقي في تصاعد المقاومة تحققت، ولكن تحذيره من الفتنة الطائفية لم يجد من يصغي اليه، خاصة من بعض ابناء العراق، فقد سقط الكثيرون في مصيدة الطائفية التي اعدها الاحتلال ومن جاءوا معه بعناية فائقة، وراح ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين الابرياء امتلأت ثلاجات المستشفيات بجثثهم الطاهرة، وتحول العراق كله الي مقبرة جماعية. المقاومة العراقية التي بدأت منذ اليوم الاول للاحتلال لم تكن عفوية، وان كانت بعض جوانبها كذلك، بل كان مخططاً لها بشكل جيد، من خلال قيادات سرية ومخازن اسلحة جري بناؤها قبل اشهر، وعناصر مدربة تدريبا متقدما علي حرب العصابات. نبوءة الرئيس بوش بانتهاء الحرب لم تتحقق، فما زال يرسل المزيد من القوات الي العراق، ويستجدي الكونغرس لاعتماد المزيد من الاموال، أما عراق الرخاء والاستقرار الذي وعد بانشائه فأصبح مرتعاً للسيارات المفخخة، وفرق الموت، والميليشيات الطائفية واللصوص وعصابات الاجرام. حكام العراق الجديد يعيشون في منطقة لا تزيد مساحتها عن ميلين مربعين، وسط حراسات مشددة، لا يستطيعون مغادرتها، وان غادرها بعضهم فإلي المنافي الآمنة في الغرب، حيث ما زالت تعيش اسرهم وسط بحبوحة من العيش، ينعمون بالمليارات المسروقة من قوت الشعب العراقي. مئة وستون الف جندي امريكي مجهزون بأحدث العتاد، ومدربون في احدث المدارس والكليات العسكرية، علاوة علي خمسة وعشرين الف جندي من القوات المتعددة الجنسية، ومئتي ألف جندي عراقي موزعين بين قوات أمن وحرس وطني، ومثل هذا العدد من الميليشيات العربية والكردية، وفوق هذا وذاك عشرة آلاف جندي بريطاني، ومع ذلك عجزوا عن تأمين طريق مطار بغداد ناهيك عن باقي احياء العاصمة. العراق اليوم، وفي الذكري الرابعة لسقوط عاصمته في ايدي القوات الامريكية الغازية، يعيش ظروفاً غير مسبوقة في السوء، فلا ماء ولا كهرباء ولا أمن ولا مدارس او جامعات، ولا مستشفيات، الشيء الوحيد المتوفر هو المقابر وثلاجات حفظ جثث الموتي. عراق اليوم هو جمهورية الخوف الحقيقية يهرب منها العراقيون بمئات الآلاف شهرياً، ويعيش اسوأ انواع التعذيب والقتل، جثث في الشوارع مثقوبة جماجمها بالمثقاب الكهربائي، وممثل فيها بطرق يعف القلم عن وصفها. كنعان مكية، مؤلف جمهورية الخوف وابرز مفكري الاحتلال والمحرضين علي غزو العراق وتغيير نظامه، امتلك الشجاعة الكافية لكي يعتذر للشعب العراقي، وينأي بنفسه عما يحدث في بلاده من قتل وتعذيب وتخريب، ويعترف بأنه انخرط في البكاء عندما شاهد الرئيس العراقي صدام حسين يذهب الي حبل المشنقة. الاعتذار مفيد، ولكنه متأخر جداً، وغير ذي معني، فقد بلغ الخراب درجة يستعصي فيها الاصلاح، او ربما يحتاج الي عقود عديدة، وقيادة جديدة صلبة، وربما شعب جديد. الرئيس صدام حسين ذهب الي حبل المشنقة مرفوع الرأس، شامخ القامة، ممثلاً كبرياء العراق وعزته وكرامته الوطنية، فالرجل لم يخن، ولم يتعاون مع احتلال، ولم يفرط بالثوابت الوطنية، وترك خلفه اجيالاً من الرجال الذين يقاتلون من اجل تحرير ارضهم. بحسابات الربح والخسارة، يمكن ان نقول بأن الرئيس العراقي انتقل الي جوار ربه وقد مهد الطريق الي النصر، وجرّع اعداءه مرارة الهزيمة الكأس تلو الاخري، ولذلك استشهد وهو مرتاح الضمير، علي عكس خلفائه الذين تعاونوا مع الاحتلال واوصلوا شعبهم الي ما وصل اليه من خراب ودمار. العراق المقاوم كلف الادارة الامريكية 500 مليار دولار حتي الآن، وثلاثة آلاف قتيل، وخمسة وعشرين الف جريح، واذلالا عسكريا وسياسيا غير مسبوق، وهي خسائر لم يلحقها بأمريكا الاتحاد السوفييتي في ذروة قوته وعظمته وثلاثون الف رأس نووية في حوزته. سمينا الاشياء باسمائها، وقلنا انه احتلال، واكدنا انها مقاومة، فعانينا الكثير وما زلنا من اتهامات ابواق الاحتلال، والسائرين في ركبه، وها هو العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز يقولها صراحة، وعبر منبر القمة العربية، بأن العراق يعيش احتلالاً غير شرعي، فهل يا تري قبض العاهل السعودي من صدام، وهل حصل علي كوبونات نفط؟ (المصدر: افتتاحية صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 أفريل 2007)
من عنف الانحطاط إلي عنف الممانعة:
هزيمة الاحتلال اعتراف بالعراق المقاوم
مطاع صفدي (*) من إشعاعات الاحتلال الامريكي للعراق حوله، أن المشرق كله تحول إلي منطقة زلازل من كل نوع، بعضها معبأ وكامن، وبعضها الآخر علني وعلي حدود التفجر. لكن بين حال الكمون والتفجر تمور مجتمعات المنطقة بمختلف المشكلات البنيوية المتراكمة، والتي تخرج حتماً عن طاقة أية سلطات قائمة في حلها، هذا إذا انتوت حقاً الإصلاح وتدبرت بعض وسائله. بل ينبغي القول صراحة أنه ليس ثمة قطر عربي واحد مشرقاً ومغرباً يمكنه أن يدعي الاستقرار بمعناه الحقيقي، وليس بالهذر الإعلامي. إذا كان لبنان يمسرح استعصاءاته إلي حد ما، إلي درجة أن مكوناته الطائفية والمذهبية تعيش علي وقع حرب أهلية باردة، وبانتظار الإعلان النهائي عن فشل كل التسويات المتبادلة التي لا تموت إحداها حتي تتولد أشباهها، إذا كان لبنان لا يزال يتمتع بتلك الإيجابية النسبية التي تنتج تظهيراً سياسوياً معيناً لذلك النوع الخطر من مشكلاته البنيوية، فإنه بمعني ما يكاد ينوب في ذلك عن أقرب جيرانه، وخاصة سورية التي يتابع شعبها أخبار الأزمة اللبنانية، وتسهر العائلات ليلياً لتنفعل مع الشاشات اللبنانية، وتتحزب لهذا الفريق أو ذاك من لاعبي المسرح البيروتي الفاتح أبوابه ليلاً نهاراً لرواده من مقموعي العالم العربي كله. ولكن شعب سورية معني بمعاناة شقيقه، ليس من باب التضامن الأهلي فحسب، بقدر ما هي مشاركة مباشرة في استشعار الخطر المصيري الذي لن يتم حصره وحصاره في لبنان هذه المرة، كما كانت الحالة طيلة الحرب الأهلية السابقة. فالبركان اللبناني ربما سيكون هو الأصغر بالنسبة للبركان السوري المنتظر. هذا بالرغم من أن سورية لم تعرف حرباً أهلية أو ما يشبهها منذ استقلالها. لكنها كانت بلد الانقلابات العسكرية الفوقية التي دشنت تقاليدها قبل سواها، ومنذ السنوات الأولي لقيام الدولة السورية المستقلة. حتي تعمم هذا التقليد عربياً، وأمسي هو المحرك السياسي المركزي في تكوين النهضة العربية الثانية. والمقصود بصفة المحرك السياسي هذه أن الانقلاب العسكري لم يكن مجرد أداة للتغيير، بل طبع جدلية الحراك الثقافي السياسي لأهم القوي الفاعلة من أحزاب وتيارات، إذ تم التعامل مع ثقافة التغيير من باب السيطرة بالفعل العنيف المحتكر كلياً من قبل الجيش عادة. وكان الصراع بين الأحزاب يعكس تنافساً ضارياً علي استمالة فئة عسكرية ضد أخري. ليست الجيوش هي التي اغتصبت السلطة. إنها القوي السياسية المدنية من أحزاب وحركات وتيارات هي التي استخدمت العسكر لتحقيق مآربها. ثم أضحت من توابع الديكتاتوريات العسكرية التي أقامتها. وعلي هذا ينبغي الاعتراف أن النهضة لم تعش حياة سياسية مدنية. كانت إيديولوجيا العنف، والعمل العنيف هي المسيطرة من وراء الشعارات. أي لم تكن أحلام التغيير لديها الصبر التاريخي لإنضاج الكفاح المدني. صارت (الانقلابية) أشبه بعقيدة شعبوية، لا يتحرر من سلطان جاذبيتها طلائع المثقفين أنفسهم الذين تحالفوا مع العسكر، ثم دخل معظمهم سجونهم، أو قبل بعضهم بوظيفة الأداة أو البوق للسلطات الرأسية القائمة بوسيلة العنف نفسها التي أوصلتها إلي القمة. إنه المنطق السياسي المحكوم بهواجس التغيير السريع الذي قاد شبكية التحولات الفوقية في كل من القطرين السوري والعراقي بصورة خاصة، هو المسؤول دائماً عن الخيبات المتكررة التي تمني بها مصائر عامة للمنطقة كلها، ولا تقتصر أفاعيلها المباشرة أو غير المباشرة علي هذين القطرين وحدهما. فالعراق المهدم اليوم بفعل الاحتلال يكاد ينوء بكلكله علي مستقبل المشرق العربي وعمقه الاسلامي من ورائه. يكفي أنه تحول تحت الاحتلال إلي الساحة الأولي لأفجع انشقاق مذهبي عرفه الإسلام المعاصر، وسوف يهز عمق النظام الخليجي نفسه الذي نجح حتي اليوم في تحييد أقطاره عن أعاصير المنطقة. ولا يعلم أحد كيف يمكنه غداً أو بعده أن يتابع استراتيجية التحييد هذه. لا شك أن العمل علي كشف السواتر عن التناقضات الأهلوية، وتغذيتها بالاقتتالات الدموية المباشرة، وزرع أوطان المجتمعات المسالمة بثارات المهالك الجماعية، ونشرها في جزر متكاثرة، من قارة العرب والاسلام، هذا التصميم علي التخريب الذاتي بات آخر رهان لاستمرار الهيمنة الأمريكية، وحماية مستقبل الكيان العبري، علي أمل الرفع المستمر والمدروس لمستويات هذه التناقضات، وتأجيجها بما يغطي علي الخارطة الأساسية للصراع السياسي المقاوم، البالغ أوجه، المضمر أو العلني، ضد إنجازات هذه الهيمنة لمخططاتها المتباينة بالأسماء والعناوين، لكنها جميعها الهادفة إلي تبديد قوي الممانعة الوطنية وشرذمتها، وجعل مونها النهائي يبدو علي صورة الانتحار الذاتي، وليس فقط بفعل الغزو الاستعماري وأشباهه ومشتقاته الدعاوية المسعورة. نقول ان النهضة العربية الثانية عاشت العنف البنيوي بشتي أشكاله. وهي قبل أن تواجه حقبة كاملة من الغزو العسكري والسياسي المتمادي الذي تمارسه أمريكا، وكأنها أضحت شريكاً ذاتياً، فاعلاً من داخل كل ظاهرة عامة تعتري مساحة المشرق العربي بخاصة، كان العنف سيد تحولاتها القميّة. فلم يكن ثمة تغيير ما قادراً علي فرض حقائقه كنتاج طبيعي ومنطقي لتطور اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي، يمكن وصفه بالموضوعي، ولا يتعلق بإرادات أفراد أو فئات، بقدر ما هو من منطق واقع الأمور العامة نفسها. يشعر المجتمع العربي في شتي أحواله أنه واقع تحت سطوة الإرغام، يأتيه من أية جهة ما. فليس النظام الحاكم ولا أجهزته البوليسية التي لا يخلو منهما معاً أي بلد عربي أو إسلامي، ليس الاستبداد السياسي منعزلاً عن سلطة التقاليد، عن أنظمة التحريم والإباحة الدينية والمللية، عن ازدواجية الظاهر والباطن في العلاقات السلوكية بين الأفراد والجماعات، عن القهر الأسروي، عن التمييز الجنسي والعرقي والطبقي. إنه مجتمع العنف المعمم، المقنن بالعادات والتقاليد والمعتقدات والمواقف الفئوية. وقد تأتي لحظات التفجير السياسي علي مستوي القمم وكأنها بدائل عن استحالات التفجير الأخري في المخزون الأهلي من شعائر الوجه والقفا من كل مكبوت. فجائع العراق اليومية تنجح في إطلاق رمزيات الهلاك العام، وجعلها تصير حدثيات مألوفة، ما دام الهلاك العام أصبح قاب قوسين أو أدني من الجميع. إنها تنجح في تمزيق أقنعة الوصايات الزائفة عن مجاهل المكبوت المجتمعي التي تصير أشبه بحقائق كل يوم. هذا ما يفسر إلي حد ما ظاهرة القبول أو الاستسلام لواقع الحال عند البعض. كأنه يعرض ظواهر عادية لأحداث غير عادية قطعاً، لكنها سرعان ما تصير من نوع ارتكابات الكل ضد الكل، بما يمسح أدني مسؤولية من فظائعها، ولا يتبقي الا المحتل المعتدي لكي تقذف علي ظهره وحده كل تبعاتها، سواء شارك في إعدادها أو فوجئ هو نفسه بأهوالها، لكنه يظل هو المشرّع الأول لقانون الهلاك العام الذي أعلنه منذ أن وطأت دباباته أرض العراق، الوطن السليب الثاني بعد فلسطين، ولكنه العائد علي أطلال الاحتلال وأعوانه. مقابل (قانون الهلاك العام) الأمريكي وإنجازاته المريعة المدانة من قبل الضمير العالمي أينما كان، وكيفما أتيح له التعبير اختراقاً لهيمنة الإعلام الإمبراطوري علي المعمورة، يقوم العراق الآخر المقاوم، مستهدفاً أصعب المهمات ذات الطبيعة المزدوجة. فهو عليه من جهة أن يكافح انتقام الانحطاط العائد، من نهضته، والمتمثل في تفجير مخزونات من أشكال العنف المللي والعنصري والطبقي وسواها وفي الآن عينه، عليه أن يستردّ ذاكرة نهضته المغدورة، باستشارة وإحياء أهم مثلها المضيّعة، في وحدة الأرض والشعب والمستقبل، والمضي في مسيرة حرب تحرير حقيقية شاملة، ضداً علي (تجديد) انحطاط الذات، وعدوان الآخر، الوحش الدولي الأكبر في تاريخ الغاب الإنساني البائس. إنه العراق المقاوم المواجه في آن واحد لتحالف هذين الوحشين. وهو الذي ينبغي البحث عن وجهه الحقيقي الذي يصير محجوباً وراء الغزاة، ووقائع التهلكات الجماعية، والمللية المسعورة، بدلاً من تلك الحالة المزرية التي تحاول أخذ العراق الأصيل بجريرة النسيان حتي من قبل أقرب إخوانه وجيرانه. فقد أمعن النظام العربي منذ الغزو في التعامل مع العراق كما لو أنه مُسح من خارطة الوطن. ولم يستفق أرباب النظام من غفوة الإهمال المشوب بالتشفي والفرح المخجل، إلا مع التأكد من هزيمة الغزو، الذي استعاض عن عجزه في تثبيت قواعد سياسية محلية لاستقرار احتلاله، بتشغيل مفاعيل قانون الهلاك الذاتي، والدفع يومياً بالبلد المنكوب إلي حوافي حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، من البشر والحجر. وهي المنذرة باختراق الحدود، وتصدير نسخ عن جحيمها تلائم شروط الفرقعة الأهلوية في أكثر من قطر ضمن المحيط الخليجي خاصة. من يهزم أمريكا كل يوم ليست تهلكات الانحطاط الذاتي هذه التي هي بالأحري صنيعة الاحتلال وإشارته المميزة لمنهجه الإرهابي. بل إنه العراق المقاوم الذي لا يزال يوقع هزيمة عسكرية متمادية، لم تستطع جيوشها الجرارة أن تحتل من أرضه الطيبة طيلة السنوات الأربع السوداء، إلا جزراً مقطعة في بقع متناثرة لثكناتها المحاصرة المعزولة، ولم يتمكن نظامها السياسي المفروض من مبارحة سجون (المنطقة الخضراء)، بعد أن أمست هذه، هي مساحة الحكم العراقي، مجرد ألعوبة أمريكية فاشلة. والمحزن أخيراً في كل هذا أن النظام العربي يتابع تكريس الاعتراف بمشروعية ما لهذه السلطة عبر قمته الأخيرة. وإنه الاعتراف البائس الذي لا يمكنه أن يلغي العراق الآخر الحقيقي، بل يذكر بالعراق المقاوم. فهو وحده الذي جعل أمريكا تعترف بهزيمتها. لكن العراق المقاوم، طارداً المحتل اليوم وغداً، عليه كذلك أن يعيد وحدة الأرض والدولة والمستقبل لجميع أبنائه. فالعراق المقاوم وحده هو الموجود ما فوق المذهبيات والعنصريات والجهويات. هذ ا الإثبات الآخر لوجوده الحقيقي الأصيل سوف يشكل المهمة الأصعب بعد طرد الاحتلال، إنها مهمة الانطلاق نحو بناء مجتمع السلام ضداً علي غاب التهلكات المذهبية وأحلافها المتعاونين إقليمياً دولياً. (*) كاتب عراقي مقيم في جنيف (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 أفريل 2007)
البحارة البريطانيون وحروب الاستخبارات
محمد صادق الحسيني (*) بصفقة سرية او بدونها اطلقت ايران البحارة البريطانيين و استطاعت ان تحقق اهدافها كما يقول اعلامها الرسمي من عملية الاعتقال والتحقيق و كشف المستور مما كانت تقوم به بريطانيا العظمي علي الحدود الايرانية انطلاقا من جنوب العراق المحتل من عمليات استخباراتية مكثفة ودقيقة وخطيرة. هذا في حدود النتائج المباشرة لعملية الامساك بالمعتدي وهو في حالة القيام بالجرم المشهود! واما علي المدي المتوسط والبعيد فقد ارادت ايران ايصال رسائل متعددة الي الاطراف المختلفة التي يمكن ان تتورط في اي نزاع محتمل تحرض عليه الدولة العبرية او قد تقوم به هي نفسها او بالتعاون مع واشنطن ضد طهران الا وهي:
اولا: ان انتهاك السيادة المائية او الارضية او الجوية الايرانية من قبل اي طرف متورط في حرب العراق سيواجه بقوة وحزم ولن يتم اغماض الطرف عنه من الآن فصاعدا كما كان يحصل في السابق بل ستتعامل معه وكأن الحرب قد بدأت عمليا! العين بالعين والسن بالسن والبادي اظلم ! ثانيا: ان حرب الاستخبارات التي بدأتها واشنطن ولندن مبكرا ضد طهران ومترافقة مع حرب نفسية قوية واعلامية ودعائية واسعة هي تحت النظر والسيطرة الايرانية وستواجه من الآن فصاعدا بحرب استخباراتية اعلامية دعائية منظمة مضادة ستكون مفتوحة ساحاتها علي مدي انتشار الازمات المترابطة في المنطقة ـ كما جاء في المؤتمر الصحافي لاحمدي نجاد.
ثالثا: بما ان الاحتلال متعدد الجنسيات ويحاول الظهور وكأنه جبهة دولية واسعة الانتشار فان المقاومة والممانعة ستظهر من الآن فصاعدا ايضا بشكل متعدد الجنسيات وواسع الانتشار! وما دمتم قد اردتموها حربا مفتوحة علي كل قوي الممانعة والمقاومة فخذوا الرد ايضا علي مستوي فعل العدوان واتساعه! في اطار هذه الثلاثية في التحليل والاستراتيجية والتكتيك تعاملت طهران مع أزمة البحارة البريطانيين بشمولية العدوان وضرورة شمولية الممانعة! فعندما توسلت لندن كل الدول الخليجية والاقليمية للتدخل من اجل اطلاق سراح البحارة استجابت طهران لكافة الوساطات والتدخلات واشركت حليفتها سورية في الادوار لتبدو الممانعة متعددة التحالفات.
وعندما هددت في المرحلة الثانية لندن وارادت انكار انتهاك بحارتها للمياه الاقليمية ردت طهران بحزم واصرار وذكرت البريطانيين برهائن السفارة الامريكية وما يمكن ان تؤول اليه الأزمة الجديدة الي تمريغ للانف البريطانية العظمي في تراب قوي الممانعة والمقاومة! وعندما عادت اخيرا الي دائرة العقل والحوار وقررت البحث عن سبل الحل السلمي وقدمت اعتذارا رسميا وتعهدت بعدم تكرار اعمال انتهاك السيادة والتدخل في الشؤون الداخلية الايرانية ثم اطلاق البحارة والعفو عنهم مبكرا وهكذا حصل البريطانيون علي رهائنهم او معتقليهم بالاحري بنفس الشروط التي رضخ لها الامريكيون قبل ربع قرن ولكن في غضون ايام وليس بعد 444 يوما وباذلال لن يغفره لهم الشعب الامريكي! بالاضافة الي ما تقدم فقد كسبت ايران اطلاق سراح رجلها الثاني في سفارتها في بغداد وفتح قناة مع معتقليها الخمسة لدي المارينز في بغداد وبذلك تكون الرسالة قد وصلت الي المحتل في العراق والحبل علي الجرار.
فها هي الديبلوماسية الاوروبية قد تحركت بهدف اعادة احياء طاولة المفاوضات والحوار مع طهران حول ملفها النووي… وها هي الخارجية الامريكية تعلن عن احتمال لقاء كوندوليزا رايس مع منوشهر متكي في تركيا. كل ذلك يضاف الي زيادة اوراق حليفة طهران سورية التي تقارع علي جبهتي العراق ولبنان والذي سيزداد رصيدها من بعد أزمة البحارة من خلال القنوات الجديدة التي فتحت وستفتح مع بريطانيا بعد انفتاح القنوات الامريكية التي دشنتها بيلوسي في زيارتها التاريخية لدمشق. في زيارتنا الاخيرة لمصر الكنانة سمعنا مصر كلها تتحدث بلسان واحد بأنه لا أمان للامريكيين ولا يمكن الركون للمحافظين الجدد… فهم يبحثون عن عملاء صغار واجراء وليس عن علاقات متكافئة مع دول ورجال! لم يتخلف احد في مصر عن هذا القول أيا كانت علاقته التاريخية او المستحدثة مع الامريكيين! (*) كاتب ومحلل إيراني (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 أفريل 2007)
السعودية: سُـفـور في الـخـارج ونـقـاب في الـداخـــل
د. مضاوي الرشيد (*) انبهرت وسائل الاعلام العربية والعالمية بالحراك السافر للدبلوماسية السعودية والتي جاءت قمة الرياض لتتوج حصيلة اشهر من اللقاءات والتحضيرات وتجعل من القيادة السعودية محورا مهما لحل الأزمات العربية من فلسطين مرورا بلبنان والعراق والصومال والسودان. فبعد حالة شلل تامة فرضتها احداث المنطقة علي القيادة السعودية انتفضت هذه القيادة من سباتها العميق لتدخل العمل الدبلوماسي من باب عريض وتتصدر قمة اعتبرتها الصحافة العالمية من اهم القمم والتي قد تفتح الباب علي مصراعيها للسلام القادم المرجو. ولكن قد لا يجد هذا الزخم الاعلامي مادة ملموسة يستند عليها من اجل ان يصدق المعنيون بالأزمات العربية والمعايشون لها علي ارض الواقع مدي تبلور قرارات القمم وتفعيلها حتي تنفرج أزماتهم وتلوح بوادر السلام علي ارضهم. كثرت التكهنات حول خلفية السفور الدبلوماسي السعودي فبعضهم عزاه الي الرغبة الامريكية في الخروج من مأزقها الحالي خاصة في العراق والآخر عول علي الرغبة العربية في الخروج من حالة الاستقطاب والعداء المفضوح بين المحاور العربية والذي لم تعد بالامكان تغطيته او التكتم عليه. فريق ثالث استحضر الدور السعودي والشعور بالمسؤولية تجاه احداث العرب من اجل ان ينفخ الدور السعودي الاقليمي ويصوره كمحور مضاد مدافع عن المصالح العربية المشتركة في وجه محور ايران والذي هو ايضا تجاوز حدوده الاقليمية ليخترق الساحات العربية الشعبية وعلي مستوي الانظمة معا.
كل هذه التحليلات والتكهنات حول اسباب الحراك السعودي تتجاهل مدي اهمية هذا الحراك علي المستوي الداخلي حيث يبقي هذا الداخل منقبا ومحجوبا عن أعين الصحافة واهتماماتها. السفور الدبلوماسي السعودي في الخارج يقابله نقاب ثخين يسدله النظام علي تطورات الساحة الداخلية والتي تشهد منذ بداية عام 2007 حالة تململ واضحة وعودة الي تلك الفترة التي تلت احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) حيث برزت اصوات سعودية في الداخل تطالب باصلاحات جذرية للنظام وأسس الحكم. وبعد حملة اعتقالات واسعة شهدتها السعودية عامي 2003 و2004 اعتقد البعض ان الستار قد اسدل علي الجولة الاولي من المواجهة بين النظام والمطالبين بالاصلاحات خاصة الدستورية منها ولكن اتضح بعد ذلك ان هذه التكهنات لم تكن صائبة حيث عادت العرائض والاعتقالات من جديد لتظهر مدي جدية المطالبة بتغيير شامل للنظام السياسي المغلق وغير القابل للتطور والانفتاح. تزامنت مرحلة الحراك الجديدة مع بوادر تنبئ بمدي استعداد النظام لقمع الاصوات الداخلية المطالبة بالاصلاح تحت سلسلة من الاتهامات الجائرة وذرائع مكافحة الارهاب لتضلل الرأي العالمي وتبعده عن الشأن الداخلي السعودي وملفاته الساخنة. وجاءت العودة الي المطالبة بالتغيير علي خلفية سقوط القناع الذي اخفي مدي تفشي الفساد علي مستوي القيادة السعودية وخاصة ما يتعلق بملف صفقة اليمامة المشهورة ومضاربات سوق الاسهم والتي اودت بثروات المستثمرين الصغار وهددت بجرف طبقة سعودية متوسطة الدخل الي الهاوية. هذا بالاضافة الي تداعيات الاحتقان الطائفي والذي يهدد البنية السكانية ويضرب تعايشها وقد يؤدي الي انفجار كبير لن تستطيع الاصوات المنادية بالوطنية ان تحتضنه وتخفف من حدته.
علي هذه الخلفية المحتقنة في الداخل جاء الحراك السعودي علي جبهات العرب ليغطي الثغرات الداخلية. وكانت قمة الرياض التي مثلت السفور الدبلوماسي بمثابة المنقذ من متاهات الداخل المحتقن والذي ما زال يطالب بالتغيير رغم حملات الاعتقال وانتهاكات الحريات. انقذت قمة الرياض الملك عبدالله ولو لمرحلة وقتية من حالة الشلل التامة علي الصعيد الداخلي. فبعد فشله الواضح والصريح في دفع عجلة التغيير والتي وعد بها منذ بداية حكمه واستبشر بها الكثير ممن هم في الداخل نجده اليوم آثر ان يتصدر السياسة الخارجية بعد عجزه التام وفشله الذريع في مجال السياسة الداخلية كرست قمة الرياض دور الملك عبدالله كملك للخارج بينما ظهر واضحا ان السياسة الداخلية لها ملوكها غير المتوجين. فشعارات محاربة الفساد والنزاهة وتقليص صلاحيات الاسرة الحاكمة وامتيازاتها وفتح المجال للمشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي بقيت ترفع دون قرارات ملموسة لها صداها في تغيير الوضع الحالي. لم يبق للملك عبدالله سوي الساحة العربية الخارجية بعد فشله الواضح في ترك بصماته علي السياسة الداخلية. وقد وفرت الساحة العربية وخاصة قضية فلسطين وجبهة العراق وأزمة لبنان الكثير من الفرص للسفور الدبلوماسي مع بقاء النقاب مسدولا علي الملفات الداخلية. ظهر العجز الداخلي واضحا وجليا عندما تم تثبيت الوزراء الحاليين في مناصبهم رغم مرور اكثر من اربع سنوات علي تعيينهم وكذلك في تكريس مبدأ البيعة السرية وهيئتها المستحدثة والتي تستثني الملك الحالي وولي عهده من اي تغيير قادم. لن يدخل الملك عبدالله ارشيف التاريخ كملك ترك بصماته علي النظام السياسي الداخلي ونقله نقلة نوعية من مرحلة الملكية المطلقة والسرية التامة الي مرحلة الانفتاح التي تتطلب بناء مؤسسات تعكس طموحات شعبية ترجو تفعيل المشاركة الشعبية ولكنه قد يدخل ارشيف التاريخ كملك سعودي قاد عملية التطبيع مع اسرائيل دون تنازلات ملموسة وانجازات واضحة تستفيد منها القضية الفلسطينية وتلبي طموحات الفلسطينيين بانشاء دولة مستقلة يعود اليها آلاف اللاجئين والمشردين في مخيمات منتشرة في اراضي دول الجوار العربي وتكون القدس عاصمتها.
ليس من المستغرب ان يلجأ ملك مقيد داخليا الي الساحة الاقليمية ليفك الحصار الذي يعاني منه في بلاده. هذا الحصار لم تفرضه شرائح اجتماعية وحشود جماهيرية سعودية مطالبة بالتغيير بل فرضته تداعيات الاسرة الحاكمة وتركيبتها الحالية وتشعب سلطاتها وامتيازاتها والتي لن يستطيع الملك ان يحد منها حسب الشعارات التي رفعها سابقا. ورغم ان للملك ميليشيا خاصة به وجهازا كبيرا من النخب الوزارية والثقافية التي تدور في جوقته الا انه يعلم علم اليقين ان منافسيه من اعضاء الاسرة الحاكمة ذاتها لهم ايضا محاور اجتماعية مستقطبة وكفيلة بأن تسقط مشاريعه الداخلية في اصلاح الوضع السياسي لذلك سيبقي الملك الحالي معولا علي انجازات دبلوماسية واهداف خارجية ربما تنجح او تسقط تحت ضغط العنجهية الاسرائيلية وتحولات السياسة الامريكية وتخبطها في المنطقة.
تحولت قمة الرياض تحت التغطية الاعلامية المكثفة من قبل الاعلام العربي المملوك من قبل السعودية الي مهرجان للمهراجات العربية يذكرنا بالدور الذي لعبته مهراجات هندية في تثبيت دعائم الاستعمار البريطاني في الهند. كانت هذه المهراجات تحج الي مركز الحاكم البريطاني وتدخل في احلاف مستقلة وجماعية مع هذا الحاكم علي حساب مصلحة ومطالب شرائح هندية كبيرة مطالبة بالاستقلال النهائي عن حكومة بريطانيا وبعد استقلال الهند سقطت هذه المهراجات ولم تجد لها مكانا في الهند المستقلة وتحولت قصورها الي متاحف يزورها السياح كشاهد علي مرحلة ولت ولن تعود. وان كان حكام العرب اجتمعوا في الرياض تحت عباءة اكبر المهراجات العربية ليقدموا ولاءهم للمشروع الامريكي ـ الاسرائيلي فسيجدوا انفسهم كمهراجات الهند المنقرضة ان لم يكن اليوم فغدا. تصدر السعودية لمثل هذه اللقاءات والقمم قد يكون فرصة آنية تتيح للملك اثبات وجوده علي الساحة العربية ولكن سيبقي ملف الاصلاح الداخلي المعطل نقطة ساخنة تعود لتطفو علي السطح بعد انحسار التغطية الاعلامية للانجازات المزعومة والتي حققتها قمة الرياض. وبما ان السياسة تكون دوما مدفوعة بما هو محلي يخص البلد ذاته لن تستطيع القمم العربية ان تبعثر اهتمام المواطن بشأنه المحلي ولن تثنيه عن التفكير بهمومه الخاصة واحلامه في بناء دولة تضمن حقوقه. فكم من قائد انجز الكثير في حروب خارجية ومعاهدات سلام خارج الحدود ولكنه سقط تحت ضغط الهم الداخلي. ولنا هنا عبرة في تاريخ بريطانيا الحديث حينما استطاع ونستون تشرشل ان يضمن استقلال بريطانيا تحت المد النازي الالماني ولكنه سقط داخليا فورا بعد انتصاره في الحرب العالمية الثانية. وان كانت هذه حال من قاد بلاده في حرب طويلة ودخل التاريخ من بابه العريض فما بالنا بمن جمع قيادات العرب ليقدموا اكثر المبادرات الخجولة دون نتائج ملموسة حتي هذه اللحظة. وكيف نتوقع اصلاح الوضع العربي واطفاء حرائقه المشتعلة من ملك لم يستطع انجاز القليل من وعوده السابقة وخاصة تلك المتعلقة باصلاح حال اسرته وبلاده. قبل القدوم علي اتخاذ خطوات جريئة علي الجبهة العربية يجب علي الملك ان يقف لحظة ليتأمل الشأن السعودي الداخلي وتدهوره من سيئ الي اسوأ. ويبدو انه قد فقد القدرة علي التكرم بمكرمة ملكية تطلق سراح سجناء ابرياء ادخلوا السجن دون محاكمات او تهم واضحة وصريحة وفك الحصار عن نخب ثقافية منعت من السفر ناهيك عن مكرمة ملكية تنقل البلاد الي دولة حديثة ومؤسسات تمثيلية تمارس من خلالها الشرائح الاجتماعية حقها في تقرير سياستها ومشاركتها في الحكم. لن يعمي السفور السعودي الخارجي هذه الشرائح الاجتماعية عن المطالبة بحقوقها وستظل تطالب باسقاط النقاب عن الشأن الداخلي. (*) باحثة سعودية مقيمة في لندن (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 أفريل 2007)
Home – Accueil – الرئيسية