الإتحاد العام التونسي للشغل الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي: اللائحــــة العامــــة البديـل عاجل: الذكرى العشرون لاغتيال شهيد الحرية نبيل بركاتي / 8 ماي، اليوم الوطني لمناهضة التعذيب البديـل عاجل:التعليم الأساسي:إضراب قبل موفى شهر ماي الحالي البديـل عاجل:الهيئة الإدارية للتعليم الثانوي تواصل أشغالها وتعلق اجتماعها ليوم ثم تقرر الإضراب ليوم 24 ماي 2007 البديـل عاجل:التعليم الأساسي وجلسة فاشلة مع وزارة التربية إسلام أونلاين.نت: نزع الحجاب.. شرط لدخول معرض الكتاب بتونس الشرق: تونس: زيادات مرتقبة في أسعار المحروقات الأستاذ محمود قويعة عضو المكتب التنفيذي السابق للإتحاد العام التونسي للطلبة في حوار شامل مع الحوار نت عن الحركة الطلابية وتاريخ الإتحاد العام التونسي للطلبة وعن حصيلة سنين الجمر جامعي و نقابي من كلية العلوم الإقتصادية و التصرف بنابل :بيان صحفي ردا على تهجم الصحفي أبوبكر الصغير. أبو أنيس : التاريخ يعيد نفسه فهل من معتبر؟ افتتاحية “الموقف”:الديمقراطية المؤجلة إلياس القاسمي: قفصة : الحقّ النقابي بين القانون والممارسة الحياة: إقبال شعبي على معرض تونس للكتاب … والعناوين الجديدة قليلة سويس إنفو : جماعتان حقوقيتان تصفان 4 دول بأنها غير مؤهلة لعضوية مجلس حقوق الإنسان سويس إنفو : محكمة مصرية توقف تنفيذ قرار محاكمة عشرات الاخوان أمام محكمة عسكرية عمار بن عزيز: مع ساركوزي.. هل يتعين على المغاربة إعادة فهم فرنسا؟ الحياة: الجزائر: أزمة حادة في قيادة «القاعدة» ومرجعيات التنظيم تعارض نهج “الأمير” إياد الدهماني: المغرب بين الخيار التركي والسيناريو الجزائري باسط بن حسن : حـّتى لا تتحوّل حقوق الإنسان إلى جدارعزلة جديد توفيق المديني: التحدي النووي الإيراني وتداعياته الدولية و الإقليمية
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
الإتحاد العام التونسي للشغل الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي
الذكرى العشرون لاغتيال شهيد الحرية نبيل بركاتي / 8 ماي، اليوم الوطني لمناهضة التعذيب
الهيئة الإدارية للتعليم الثانوي تواصل أشغالها وتعلق اجتماعها ليوم ثم تقرر الإضراب ليوم 24 ماي 2007
التعليم الأساسي وجلسة فاشلة مع وزارة التربية
إضراب قبل موفى شهر ماي الحالي
لجنة النظام تعمل (2)
نزع الحجاب.. شرط لدخول معرض الكتاب بتونس
تونس: زيادات مرتقبة في أسعار المحروقات
الأستاذ محمود قويعة عضو المكتب التنفيذي السابق للإتحاد العام التونسي للطلبة
في حوار شامل مع الحوار نت عن الحركة الطلابية وتاريخ الإتحاد العام التونسي للطلبة
وعن حصيلة سنين الجمر
هذا الحوار هدية من الحوار نت إلى شهداء الحركة الطلابية عامة وشهداء مجزرة 8 ماي1991 خاصة
وإلى أجيال الطلبة الجدد لعلهم يستفيدون من ثراء تجربة الأخ المحَاوَر ومن المسيرة الحافلة للإتحاد العام التونسي للطلبة.
*ولست أدري الآن وبعد كل سنوات الصمت الطويلة ما مآل تلك الموهبة …(الخطابة)…
* الاتحاد العام التونسي للطلبة الذي تعلمنا داخل هياكله ومن خلال أدبياته الصدق والتفاني في خدمة الطلبة وأن شرف القيادة هي فقط أن تكون خادما أمينا لمن انتخبك
*أن جوهر العمل النقابي كما تعلمناه من القائد الوطني الرمز فرحات حشاد رحمه الله تعالى هو الحب الصادق للشعب ( أحبك يا شعب )…
لأن الجامعات كما يقول إخواننا العروبيون على لسان عبد الناصر منارات تستطلع للشعب طريق الحياة .. وأدعوك للتساؤل معي بمرارة أي طريق سيستطلعه لشعبه شباب “دليلك ملك” وهذه المنوعة الهابطة أو تلك التي يصر منشطوها على إبراز أن ضيوفهم الذين يتقنون الرقص والتهريج هم من هذا المبيت الجامعي أوتلك المؤسسة الجامعية ؟؟
*غادر الأخ العزيز عبد الكريم الهاروني – عحل الله فرجه – الأمانة العامة وهو في أوج توهجه القيادي وتعلق الجماهير الطلابية بشخصه وحبها الكبير له
* فلا يعيب منظمتنا أن يكون البطل الأسيرعبد الكريم الهاروني عجل الله خلاصه قياديا في تنظيم سياسي ما فهذا شأنه وحقه…
* ولكنني أجزم أن تغييب الاتحاد العام التونسي للطلبة … طوال هذه السنوات الكالحة وتغييب كل القوى الخيرة داخل الجامعة خلف تصحرا رهيبا داخل الفضاء الجامعي وأنتج جيلا بلا قضية ولا هوية و لا فكرة .. جيل أصبحت لديه كلمة الوطن نكتة تثير الضحك والسخرية والالتزام والمسؤولية غباء
*(إنتخابات 2أفريل 89) .فرصة أخرى مهدورة في تاريخ بلادنا كان بالإمكان أن تكون سبقا تونسيا مشرفا في منطقتنا ولكنها أصبحت محطة تؤرخ لبداية الإنحدار نحو الهاوية والاستئصال ..
* من أهم دروس سنوات الجمر – والتي لم ينتبه لها البعض إلا مؤخرا – أن قدرنا في هذا البلد واحد .. ننعم فيه جميعا بالحرية أو نختنق جميعا
* اجتمعت في السجن ولأشهر قليلة بأخي الشهيد سحنون الجوهري رحمه الله تعالى ، وهو زيتوني بالمناسبة
* إن هذا البلد موعود في قادم أيامه بكل الخير بإذن الله .. ” وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ”
الحوار نت: أستاذ محمود محمود قويعة نرحب بك في الحوار نت ونود من سيادتك قبل الخوض في مضمون الحوار أن تعرف السادة القراء بنفسك وأن تعطينا فكرة عن أهم المراحل النضالية التي عشتها!
بسم الله الرحمن الرحيم:
محمود بن الهادي قويعة
مولود في : 18 أوت 1965 بالقيروان
المرحلة الابتدائية : بمدرسة غربي القيروان ثم مدرسة رياض سحنون بــــ( حومة السيد ) قرب مقام أبي زمعة البلوي رضي الله عنه .
المرحلة الأولى ثانوي : بمعهد طريق سوسة بالقيروان
المرحلة الثانية : بالمعهد الفني بالمنصورة بالقيروان حتى عام 1984 ( وكنت في سنتي السابعة ثانوي ) حيث أصدرت إدارة المعهد ومديرها حمادي الجوادي قرارا بطردي من المعهد طردا نهائيا في وقت كنت فيه موقوفا لدى السلط الأمنية (بعد أحداث تلمذية شهدتها جل معاهد البلاد) لمدة 12 يوم ( من 8 مارس 1984 الى 19 مارس 1984 ) ورغم اطلاق سراحي بعد حفظ القضية في شأني من قبل السيد حاكم التحقيق الذي عرضت عليه يوم 19 مارس 1984 فان إدرة المعهد أصرت على قرار الطرد بل وصدر أمر من وزير التربية بطردي مع قرابة 60 تلميذا من مختلف المعاهد والجهات من جميع معاهد البلاد وحرماننا حتى من حق الترسيم في المعاهد الحرة . وبعد تدخل جاد ودؤوب من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وبقرار مباشر من الوزير الأول آنذاك السيد محمد مزالي في جلسة له مع الهيئة المديرة للرابطة قبيل العام الدراسي الجديد ( 1984-1985 ) سمح لنا بالترسيم في المعاهد الحرة .
واصلت سنتي السابعة ثانوي شعبة آداب في معهد حر بالعاصمة حيث تحصلت في دورة جوان 1985على شهادة البكالوريا .
المرحلة الجامعية : المرحلة الأولى بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين .
المرحلة الثانية : بعد ما سمي باعادة الاعتبار للجامعة الزيتونية : وجهت لمعهد الحضارة الاسلامية بهذه الجامعة واكملت مرحلتي الثانية شعبة الثقافة الاسلامية التي توجت
بشهادة الاستاذية في العلوم الاسلامية في الدورة الاولى التي أجريت سنتها استثنائيا في سبتمبر 1990
* المهام النضالية: في السنة الدراسية 1982-1983 انتخبت نائبا للتلاميذ بمجلس المعهد ( المعهد الفني بالمنصورة )
– قبيل المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد العام التونسي للطلبة ( 16-17 ديسمبر 1986 ) انتخبت ممثلا لطلبة كلية الشريعة بالمؤتمر ثم عضوا بهيئة مؤسسة الكلية وكاتبا عاما لها وهي ذات المهمة التي باشرتها خلال المؤتمر الوطني الثالث ( 20-21-22 جانفي 1989 ) وبعده حتي تخرجي من الجامعة في سبتمبر 1990
– في المؤتمر الوطني الرابع انتخبت عضوا بالمكتب التنفيذي للاتحاد حتى تاريخ ايقافي في 9 افريل 1991 . وكلفت بمهمة الإدارة والنظام الداخلي بهذا المكتب .
– كما كنت ممثلا للطلبة في مجلس المعهد ( المعهد الأعلى للحضارة الاسلامية )
* السجل الأمني : تم توقيفي لأول مرة ولمدة يوم واحد يوم 30جانفي 1984 بعد أحداث
3 جانفي 1984 ( أحداث الخبز ) وما تلاها من تحركات بالمعهد الفني بالمنصورة بعد استشهاد الهادي البرهومي – رحمه الله تعالى – في تلك الأحداث .
– الايقاف الثاني كان لمدة 12 يوم – كما أشرت سابقا – من 8 الى 19مارس بسجن الهوارب وحفظ السيد حاكم التحقيق في شأني وأطلق سراحي بعد اصدار قرار بطردي من جميع معاهد البلاد .
– تم ايقافي للمرة الثالثة في الطريق العام بالعاصمة في 23 جوان 1987 في أوج هجمة السلطة أيامها على الاسلاميين ووجهت لي ( تهمتا ) الانتماء لحركة الاتجاه الاسلامي والتظاهر بالطريق العام وحكم لي بعدم سماع الدعوى واطلق سراحي في 26 ديسمبر 1987
– في أواخر شهر جويلية 1990 تم توقيفي (داخل جامع عقبة ) لمدة 4 أيام بالقيروان ونشرت قضية ضدي اتهمت فيها بـــ ( تنظيم نشاط في المسجد ) وحكمت لي محمكة الناحية بعدم سماع الدعوى وأقر نفس الحكم بعد استئناف النيابة .
– في 9 أفريل 1991 تم توقيفي بشارع الحرية بالعاصمة وحوكمت بخمس سنوات سجن قضيتها كاملة ( يضاف اليها شهران في مركز الايقاف ببوشوشة لم يحتسبا ضمن مدة الحكم ) بين سجني 9أفريل وزغوان . وغادرت سجن زغوان يوم 7 جوان 1996 .
* السجل المدني : تزوجت بفضل الله تعالى يوم 22 جويلية 1996 ( شهر ونصف فقط بعد مغادرة السجن ) وقد كنت عقدت قراني قبل 10 أيام فقط من ايقافي ( 29 مارس 1991 وبالمناسبة هو نفس اليوم الذي صدر فيه قرار تجميد الاتحاد العام التونسي للطلبة) ـ في 17 جوان 1997 رزقني الله تعالى ابني البكر معاذ
– في 18 ماي 2000 رزقني الله تعالى البنت الأولى ملاك
– في 30ديسمبر 2002 رزقني الله تعالى البنت الثانية منار
* اعتبر نفسي مُعطلا عن العمل وأتدبر أموري المعيشية منذ سنوات في مطعم الوالد رحمه الله تعالى .
….. آمل أن تكون هذه المعطيات قد وفت بالمطلوب ..
1ـ الحوار نت: أستاذ محمود، الذين عرفوك وعاصروك يسمونك خطيب الجامعة التونسية،متى بدأت تجربتك مع الخطابة وهل هي موهبة أم اكتساب؟
محمود قويعة: لعلك تقصد خطيب الجامعة الزيتونية .. وحتى هذه فيها كثير من المبالغة .. وفي كل الأحوال فان أساس النجاح في مخاطبة الجمهور هو ما سميتَه الموهبة أي ما أودعه الله تعالى فينا من استعدادات نصقلها وننميها بخبراتنا وممارستنا أو نطمسها باهمالنا وغفلتنا . كما أن مناخ الحرية يوفر فرص استكشاف المواهب واطلاقها .. وغياب الحرية يهدر كل الطاقات ويئد كل المواهب ..وأحسب أن هامش الحرية الذي عاشته بلادنا في بداية الثمانينات من القرن الماضي ( على ضيقه وكثرة منغصاته ) فسح بعضا من المجال لبروز كثير من المواهب في كثير من المجالات ..فقد وجدت في الحلقة المسجدية الاسبوعية بجامع نقرة بمدينة القيروان التي كانت تعقد مساء كل يوم أحد فرصة لمخاطبة الحاضرين والتفاعل معهم ، وساهم صبر الاخوة الاعزاء على ثرثرتي وكثرة مداخلاتي وتشجيعهم لي في دعم ثقتي بنفسي وفي قدرتي على مواجهة الجمهور دون رهبة او ارتباك .. فما عدت بعدها – بتوفيق من الله – أجد صعوبة في التواصل مع أي جمع مهما كثر عدده .. ولست أدري الآن وبعد كل سنوات الصمت الطويلة ما مآل تلك الموهبة ..
2ـ الحوار نت: أستاذ محمود، كان زملاؤك من الطلبة يقولون بأن محمود قويعة “قادر على أن يقود الطلبة في الأمر ونقيضه ويدفعهم في الإتجاه الذي يريده”. فهل هو الصدق أم الحنكة والقدرة على المحاججة؟
محمود قويعة: إن كان زملائي قد قالوا مثل هذا القول فقد أساؤوا لأنفسهم ولي ولعموم الطلبة الذين كنت أتوجه اليهم بخطابي .. فالذي يقاد للشيء ونقيضه هو فقط فاقد الأهلية العاجز عن التمييز بين الشيء ونقيضه والعاجز عن حسن الاختيار واتخاذ القرار وإن شئت فهو حسب التعبير النبوي الإمعة الذي يسير مع الناس أحسنوا أو أساؤوا .. وأنا أنزه زملائي وعموم الجمهور الطلابي من تلك الأوصاف . والذي يقود الناس للأمر ونقيضه هو فقط الديماغوجي المستخف بعقول المخاطَبين والمتلاعب بمصائر من وثق فيه .. والله تعالى أسأل أن لا أكون كذلك ..
أما إن كان القصد الثقة التي حظيت بها بفضل الله تعالى لدى عموم طلبة الزيتونة فقد كانت أساسا تعبيرا عن ثقة تلك الجموع الطلابية بالجهة التي أمثلها داخل الجامعة الزيتونية أي الاتحاد العام التونسي للطلبة الذي تعلمنا داخل هياكله ومن خلال أدبياته الصدق والتفاني في خدمة الطلبة وأن شرف القيادة هي فقط أن تكون خادما أمينا لمن انتخبك .. وأن جوهر العمل النقابي كما تعلمناه من القائد الوطني الرمز فرحات حشاد رحمه الله تعالى هو الحب الصادق للشعب ( أحبك يا شعب ) لذلك فإن الجماهير عادة ما تلتف حول من تلمس فيهم الصدق وتمنح ثقتها لمن يكون لها خادما…. لقد شرفني الله تعالى بخدمة زملائي وأحبائي فحظيت بفضل الله تعالى بحبهم وثقتهم ..
3ـ الحوار نت: كنت تستعمل في خطبك كثيرا من أشعار “ديوان الحماسة” وهناك أبيات عرفت بها فهل تذكرها؟
محمود قويعة: كنت وما زلت شديد الإعجاب بالأداء الفني البديع للشيخ الفنان عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى في كل خطبه ودروسه ولا أكشف سرا إذا قلت لك أن معظم ما ضمنته مداخلاتي أمام الطلبة من شعر هو ما حفظته من خطب هذا الشيخ الجليل رحمه الله .. وأحسب أنك تشير في سؤالك إلى بيتين طالما تردد صداهما في ساحات الزيتونة :
وِلى فَرَسٌ للِحلْم بالحلم مُلْجَمٌ … ولي فَرس للجَهْل بالجهْل مُسْرج
فمنْ شاء تقويمي فإني مُقوَّمٌ … ومَن شاء تَعْويجي فإني مُعَوَّج
4ـ الحوار نت: أنت نقابي طلابي “مخضرم” عشت العهد البورقيبي وعهد الرئيس الحالي وكذلك نشطت في الإتحاد العام التونسي للطلبة قبل حصوله على تأشيرة العمل القانوني وبعدها، فكيف تقيم العهدين وهل هناك من فرق بينهما؟
محمود قويعة: يؤسفني أن أقول لك أن المقارنة بين العهدين لن تكون بكل تأكيد لصالح ما يسمى بالعهد الجديد .. ويؤلمني أن بلدي تدحرجت من سياسة الري قطرة قطرة والتنفس بالقصبة ( كما يقال في المثل التونسي ) إلى متاهة الخنق والاستئصال ..
أما المقارنة بين نشاطنا قبل التأشيرة القانونية للاتحاد العام التونسي للطلبة وبعدها فأقول وبكل صراحة أن التأشيرة وهي حقنا الدستوري والأخلاقي لم تضف لمنظمتنا إلا هوامش محدودة من الحقوق التي يفترض أن تضمنها قانونيتنا ومع هامشيتها ومحدوديتها سرعان ما تم الانقلاب عليها والانحدار بنا نحو الأسوأ ..
5ـ الحوار نت: هل كان في رأيك تأسيس الإتحاد العام التونسي للطلبة ضرورة؟
محمود قويعة: بكل تأكيد نعم ..
لقد انتقلت الحركة الطلابية التونسية بعد تأسيس الاتحاد من حالة استنزاف طويلة في صراعات فئوية ضيقة ضيعت المشاغل الحقيقية للطلبة الى ساحات النضال الحقيقي لهذه الحركة الشبابية المناضلة، قطاعيا ووطنيا .. فهذا الاتحاد ولد في ظل افتقاد الجمهور الطلابي لأداتهم التنظيمية التي تؤطرهم وتقود نضالاتهم وولد في ساحة استأثرت بها أطراف سياسية من شتى التلوينات أغرقت الحركة الطلابية في تفاصيل صراعاتها الايديولوجية بل والتنظيمية .. فكان التأسيس بذلك استجابة لحاجة أكيدة للحركة الطلابية لأداة تنظيمية تنهض بالمهمات التاريخية والنضالية لهذه الحركة وتقطع مع حالة التشتت والتشرذم التي انتهت اليها في تلك المرحلة من تاريخها ..
6ـ الحوار نت: ألم يكن من الأفضل تفعيل المؤسسة الموجودة والحفاظ على الوحدة الطلابية بدل الفرقة والخلط بين الإنتماءات الفكرية والعمل النقابي؟
محمود قويعة: نعم من حيث المبدأ الأفضل ما تفضلت به أي تفعيل المؤسسة الموجودة .. ولكن وبغض النظر عن تاريخ هذه المنظمة ( ونعني الاتحاد العام لطلبة تونس ) وملابسات تأسيسها في فرنسا وكل تلك التفاصيل التي استنزفت قطبي الصراع الطويل والمرير ( دعاة التأسيس ودعاة 18 خ.ع ) (خارق للعادة) .. بغض النظر عن كل ذلك، أسأل أولا هل كان ذاك الاتحاد موجودا عند تأسيس اتحادنا ؟ وأؤكد ثانيا أن الوحدة التنظيمية داخل الساحة الجامعية هي المطلب الأمثل ولكن إذا تعذرت تلك الوحدة وأضعنا سنوات نلهث وراءها ولم ندركها بل انتهينا الى حالة من الشذوذ والعناد وشعارات لا تشرف حركتنا الطلابية المناضلة من نوع :
لا حرية لأعداء الحرية .. لو دعا الظلاميون لـــ 18 خ.ع سنتخلى عنها .. الخ .هل نظل نلهث خلف السراب ؟في مثل هذه الملابسات التي أحاطت بتأسيس الاتحاد العام التونسي للطلبة كان لابد من الحسم والساحة الجامعية في كل الأحوال تتسع للجميع ..
7ـ الحوار نت: هل كانت السمة الغالبة لعمل الإتحادات الطلابية الإهتمام بالمشاكل النقابية للطلاب أم التركيز على الإهتمامات الثقافية لتأطير الطلبة فكريا؟
محمود قويعة: بكل تأكيد أن الصعيد الأساسي للعمل النقابي ضمن أي قطاع هو الدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية لأبناء ذلك القطاع .. ولكن لا يمكن اختزال العمل النقابي في ذلك الصعيد وحده وحصره في الهم المطلبي بل لابد من الانفتاح على بقية الاهتمامات ( ثقافية ، فكرية ، سياسية …) ضمن رؤية نضالية واضحة تتنبه لمحاذير الخلط بين السياسي الحزبي أو الثقافي الايديولوجي والعمل النقابي .. وأحسب أننا في الاتحاد العام التونسي للطلبة قد وفقنا بفضل الله تعالى وبأقدار محترمة ( وليس نجاحا كاملا بكل تأكيد) في التحوط من تلك المحاذير .. وأقر في ذات الوقت أن نجاحنا في ايلاء الجانب الثقافي والفكري القدر المطلوب كان محدودا ..
8ـ الحوار نت: هل من تقييم موجز لآداء الحركة الطلابية التونسية، ثم ألم يكن ممكنا اجتناب كثيرا من الصراعات والمشادات التي كانت تصب في مصلحة السلطة؟
محمود قويعة: أذكر أننا دُعينا أيام كان الدكتور عبد السلام المسدي وزيرا للتعليم العالي لجلسة حوارية مع القذافي بدار الثقافة ابن خلدون بالعاصمة كما دعي الاتحاد الآخر والدساترة .. والذي يعنيني في هذه الجلسة ( التي حضرها عبد السلام جلود عوضا عن القذافي ) كلمة الترحيب والتقديم للدكتور المسدي الذي دعا ضيفه الليبي للاستعداد لجولة حوارية ساخنة مع شباب يتقن المحاججة والمواجهة .. واستقر في خاطري يومها وبذاكرتي اليوم أن الرجل وهو الدكتور المرموق يفاخر ضيفه بشبابه الطالبي الذي وصفه يومها بالمشاكس .. ودلالة ذلك في سياق إجابتي على سؤالك أن رجلا ببصيرة دكتورنا المسدي لم يحجب عنه كرسي الوزارة ولا ”مشاغبات ” هؤلاء الطلبة الذين يمتدحهم أهمية أن تنعم ( وأضع سطرين تحت تنعم ) بلاده بمثل ذاك الحراك الذي كان يشهده القطاع الطلابي رغم الكثير من السلبيات التي كانت تلازمه ..
وأن غاية المطلوب من العقلاء داخل الصف الطلابي وحوله هو ترشيد ذاك الحراك وتحجيم سلبياته لا الكيد بالليل والنهار لإطفاء شعلته ووأده .. لأن مصلحة الجميع بما في ذلك السلطة في حيوية هذا القطاع وحراك أبنائه .. لأن الجامعات كما يقول إخواننا العروبيون على لسان عبد الناصر منارات تستطلع للشعب طريق الحياة .. وأدعوك للتساؤل معي بمرارة أي طريق سيستطلعه لشعبه شباب “دليلك ملك” وهذه المنوعة الهابطة أو تلك التي يصر منشطوها على إبراز أن ضيوفهم الذين يتقنون الرقص والتهريج هم من هذا المبيت الجامعي أوتلك المؤسسة الجامعية ؟؟
إن بلادنا خسرت لأكثر من عقد من الزمن حركة طلابية كانت رائدة برغم كل سوءاتها التي أزعم أن ميلاد اتحادنا العام التونسي للطلبة وجهود الكثير من الخيرين ساهمت في محاصرتها والتقليل منها، بل أزعم أن حركتنا الطلابية خطت أشواطا جيدة نحو الرشد قبيل سنوات الجمر ( حاصرنا ظاهرة العنف داخل الجامعة .. أصلنا لمبادئ كانت غريبة داخل الساحة الجامعية مثل احترام الدرس والمدرس واعتبار المؤسسات الجامعية وتجهيزاتها مكاسب وطنية يتعين الحفاظ عليها .. الخ ( راجعوا الميثاق الجامعي الذي صادق عليه المؤتمر الثاني للاتحاد ) .. جسّدنا هذه المبادئ في فعلنا النضالي .. قدنا تحركات تاريخية وضخمة من حيث جماهريتها وامتدادها الزمني كتحرك جامعة الزيتونة عامي 89/90 ولم يستهدف زجاج ولو نافذة وحيدة على امتداد التحرك الذي دام أشهرا برغم الأذى والحصار ، قدمنا للرأي العام الطلابي والوطني ولسلطة الاشراف عديد المبادرات للتفاوض والحوار الجاد حول الملفات المطروحة كان آخرها مبادرة الأخ عبد الطيف المكي قبيل مؤتمرنا الرابع بالدعوة للتفاوض الجاد – بعد وعود الرئاسة في مقابلة الأمين العام مع الرئيس – من أجل سنة دراسية – 90/91- بدون اضرابات وتبنينا في المكتب التنفيذي الجديد عرض الأخ عبد اللطيف ضمن مبادرة طرحناها على سلطة الاشراف جعلنا شعارها ” حوار إيجابي وسنة جامعية بدون اضرابات من أجل جامعة وطنية حية وفاعلة ” فكان رد السلطة تجميد الاتحاد والزج بمناضليه في السجون … ) قد يتوهم البعض أنه استفاد من تناقضات الساحة الطلابية وسلبياتها وتوفق في إدخال الحركة الطلابية الى بيت الطاعة ، ولكني أجزم أنه واهم وقريبا سيستفيق الجميع على حجم الدمار والخراب الذي خلفته السنوات الكالحة على جامعتنا وشبابنا وبلادنا ..
9ـ الحوار نت: بصفتك أحد رموز الإتحاد العام التونسي للطلبة ، هل كان الإتحاد مؤسسة تابعة للنهضة ولفصيلها الطلابي بالجامعة “الاتجاه الإسلامي”؟
محمود قويعة: كيف يمكن تحديد استقلالية هذه المنظمة أو تبعية الأخرى لهذا الطرف أو ذاك ؟ المحدد الأول هو القانون الأساسي لأي منظمة ولوائحها الداخلية وثانيا خطابها وأدبياتها وثالثا فعلها في الساحة وحركة قياداتها .. وأنا أدعو كل منصف وباحث أن يتفحص مسيرة منظمتنا ووثائقها وفي سلوك قادتها أثناء مباشرتهم لمهامهم وأن يجيب على هذا السؤال ..
ومن جهتي أذكر أن اتحادنا التزم رغم كل الظروف الصعبة بدورية مؤتمراته وتجديد هياكله ففي أقل من ست سنوات عقدنا بفضل الله تعالى أربعة مؤتمرات سبقتها أربعة انتخابات تمهيدية لتلك المؤتمرات، جددنا من خلالها قياداتنا في كل الأجزاء الجامعية وحرصنا أن تكون تلك الانتخابات مفتوحة لجميع الطلبة ترشحا وانتخابا ( لكل طالب وبمجرد الاستظهار ببطاقته الطالبية الحق في الترشح وفي الانتخاب ) والتاريخ يشهد أن كل انتخاباتنا وفي كل الأجزاء تمت تحت إشراف مباشر لأساتذة جامعيين ومحامين، وفي كثير من الأجزاء باشراف عدول منفذين وشخصيات وطنية بالتالي يشهد التاريخ أن انتخاباتنا كانت تتمتع بأقدار عالية وعالية جدا من المصداقية والشفافية .. وفي هذه المدة القصيرة أيضا تداول على قيادة منظمتنا أربعة مكاتب تنفيذية وثلاثة أمناء عامين ( لاحظوا : غادر الأخ العزيز عبد الكريم الهاروني – عجّـل الله فرجه – الأمانة العامة وهو في أوج توهجه القيادي وتعلق الجماهير الطلابية بشخصه وحبها الكبير له وهو مرسم بالمرحلة الثالثة في كلية العلوم وله الحق في الترشح لأي موقع في الآتحاد وكذلك الشأن للأخ العزيز عبد اللطيف المكي ..) إذا لقد حصَّنَّا منظمتنا من الارتهان لأي فرد مهما علا قدره داخلها أو أي جهة خارجية مهما كثر أنصارها داخل هياكل المنظمة ، فالقانون فوق الجميع والرجوع الدوري للقواعد والجماهير الطلابية هو المحك الدائم لتزكية هذا أو اقصاء ذاك ويبقى لي أن أسأل : إذا أمَّنَّا لجماهيرنا الطلابية انتخابات دورية شفافة وذات مصداقية عالية أمّنّا فيها حق كل طالب في الترشح وفي الإنتخاب ( بالمناسبة منعنا في كل انتخاباتنا – باستثناء المؤتمرالعام لخصوصيته – الترشح ضمن قوائم حزبية بل حرصنا لضمان تكافؤ الفرص أمام الجميع على أن يكون الترشح فرديا ومنعنا الدعاية الحزبية لهذا الطرف أو ذاك ) إذا أمّنّا كل ذلك هل يطلب منا بعدها أن ننصب محاكم تفتيش تبحث في انتماء الفائزين بتلك الانتخابات وتوجهاتهم الفكرية أو السياسية وإذا ثبت انتساب هذه المجموعة أو تلك لهذا الطرف السياسي أو ذاك يطلب منا أن نستنجد بالمجتمع الدولي ليفرض حصارا دوليا على الفائزين كما فُعل بإخوتنا في حماس في الأراضي المحتلة .. أم نستنجد بالعسكر للإنقلاب عليهم كما فُعل بالفائزين في انتخابات الجزائر ؟؟؟
إن تمتع أي طرف بأغلبية ما داخل أي هيكل يضعها أمام مسؤولية أخلاقية أن لا تستأثر بذلك الهيكل وتتعدى على قوانينه وأن تحترم القواعد التي أوصلتها لذلك الموقع والتي قد توصل غيره ..
وأنا أشهد للتاريخ أن الاسلاميين الذين فازوا بحضور طاغ داخل هياكل منظمتنا طوال سنوات نضالها – وهذا لا يعير المنظمة ولم ننكره في يوم من الأيام – قد تحلوا بأقدار كبيرة من تلك المسؤولية الأخلاقية وحموا اتحادنا مما وقع فيه غيرنا حين أصبحت هياكل ومنظمات مجرد بوابات خلفية لأحزاب سياسية تعيث فيها فسادا وخرابا حتى انتهت إلى هياكل خاوية بلا روح ولا فاعلية ..
10ـ الحوار نت: لقد كنت من المدافعين عن شعار الاستقلالية للإتحاد، ألم تكن عضوا في الاتجاه الإسلامي؟ وهل يمكن في رأيك الفصل بين النشاط النقابي والإنتماء السياسي؟وهل حوكمت من أجل إنتمائك السياسي أم من أجل مسؤوليتك في الإتحاد العام التونسي للطلبة ؟
محمود قويعة: أعود فأوضح مجددا .. لا علاقة يا سيدي بين انتماء هذا المناضل أو ذاك الفكري والسياسي والتنظيمي باستقلالية منظمتنا .. فنحن نرفع شعار استقلالية المنظمة ومارسناه واقعا يشرف كل انصار الاتحاد وأحبائه ولم نتحدث في يوم من الأيام عن استقلالية مناضلينا .. والفرق يجب أن يكون واضحا بعيدا عن الدعايات المغرضة .. فلا يعيب منظمتنا أن يكون البطل الأسيرعبد الكريم الهاروني عجّل الله خلاصه قياديا في تنظيم سياسي ما فهذا شأنه وحقه الأخلاقي والدستوري ولا يحق لأحد منازعته فيه .. بل شرف أمثال هؤلاء القادة الأفذاذ أنهم حافظوا على المسافة المطلوبة بين انتماءاتهم الفكرية والسياسية وبين التزاماتهم الأخلاقية والنضالية والقانونية تجاه منظمتنا فحفظوها لجماهيرها وقواعدها مستقلة مناضلة حية وفاعلة .. وأقولها للتاريخ: لقد خسرت جامعتنا بل وكل البلاد خسرانا فادحا بإجهاض تجربة تنظيمية ونضالية مشرقة… ومشرفة .. فحسبنا الله ونعم الوكيل ..
أما محاكمتي فلم تكن لا من أجل انتمائي السياسي ولا هي أيضا من أجل مسؤولياتي في الاتحاد العام التونسي للطلبة .. بل أقحمت وكل أعضاء المكتب التنفيذي في قضية أحداث المركب الجامعي في 8 ماي 1991 وحوكمنا جميعا بتهم التجمهر المسلح وإحراق محل غير معد للسكنى والإعتداء على أعوان أمن … الخ ( بالمناسبة تم اسقاط تهمتي القتل مع سابق الاضمار والترصد ومحاولة القتل مع سابق الاضمار والترصد بعد أن وجهت الينا في البداية بمقتضى الفصلين 201 / 202 من المجلة الجنائية وتصل العقوبة فيهما الى الاعدام ) .. وكان نصيبي خمس سنوات سجنا .. ”وما يدوم حال” ..
11ـ الحوار نت: هل تعتقد أن غياب الإتحاد منذ 1991 قد سبب إحداث فجوة في النشاط الطلابي؟
محمود قويعة: أحدثك يا صديقي عن خسارة فادحة للجامعة والبلاد وتحدثني عن فجوة في النشاط الطلابي..لو كانت مجرد فجوة لهان الخطب يا صاحبي .. ولكنني أجزم أن تغييب الاتحاد العام التونسي للطلبة ( وليس غيابا لأن الغياب قد يكون اختياريا ) طوال هذه السنوات الكالحة وتغييب كل القوى الخيرة داخل الجامعة خلف تصحرا رهيبا داخل الفضاء الجامعي وأنتج جيلا بلا قضية ولا هوية و لا فكرة .. جيل أصبحت لديه كلمة الوطن نكتة تثير الضحك والسخرية والالتزام والمسؤولية غباء .. وهذا التوصيف المفزع هو لقلم قريب من السلطة وليس من خصومها ( راجعوا مقال بسيس في جريدة الصباح عن الحركة الطلابية في ذكرى حركة فيفري 72 ) .. في مثل هذا التصحر والفراغ يعشش التطرف الأعمى .. وهذا الاستخلاص أيضا لبسيس نفسه .. وذاك بعض من الحصاد المر لهذه السنوات العجاف .. جيل ممزق بين متاهة الاستقالة والسلبية وآخر تتخطفه دعاوي التنطع والغلو ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ..
12ـ الحوارنت: الحركة الطلابية كانت حبيسة داخل أسوار الجامعة لكن الإسلاميين وجدوا الفرصة للخروج من أسوار الجامعة خلال إنتخابات 1989 وقد كنت ناطقا رسميا باسم القائمة المستقلة لمدينة القيروان التي رأسها الشيخ عبد الوهاب الكافي وأتيحت لك فرصة مخاطبة الجماهير الشعبية بدل الجماهير الطلابية، كيف تقيم التجربة؟
محمود قويعة: فرصة أخرى مهدورة في تاريخ بلادنا كان بالإمكان أن تكون سبقا تونسيا مشرفا في منطقتنا ولكنها أصبحت محطة تؤرخ لبداية الإنحدار نحو الهاوية والاستئصال ..
أما عن تجربة التواصل مع أبناء شعبنا خارج ما أسميته بأسوار الجامعة فقد أثبت قطاع واسع من حركتنا الطلابية أن هذه الحركة المناضلة لم تكن كما يراد لها حبيسة تلك الأسوار بل كان التواصل مع جماهير شعبنا سلسا وفاعلا وكان طلبتنا جزءا أصيلا من ذاك الحراك الشعبي ..
13ـ الحوار نت: هل تواكب ما يحدث في الساحة الطلابية وكيف تقيم آداء الإتحاد العام لطلبة تونس بعد أن خلا له الجو؟؟
محمود قويعة: من أهم دروس سنوات الجمر – والتي لم ينتبه لها البعض إلا مؤخرا – أن قدرنا في هذا البلد واحد .. ننعم فيه جميعا بالحرية أو نختنق جميعا .. وأن اليد التي تمتد لتلتهم الثور الأبيض لن توفر الثور الأسود .. وأن النار حين تأتي على كل شيء لن توفر نفسها حتى تفتر وتخبو .. تلك سنن الله في الكون والحياة .. لذلك لم ”يخل الجو” في الجامعة بعد تغييبنا لأحد – وإن توهم البعض ولبعض الوقت أن الأمر خلاف ذلك – إما بالتضييق والمحاصرة أو – وهو الغالب – بالتآكل الداخلي ثم الانسحاب ..
ولم ”يخل جو” إلا للفراغ والتصحر والخطر المحدق الذي تدق نواقيسه الهادرة في آذان الجميع ..
14ـ الحوار نت: هل كتبت مذكرات لتجربتك الثرية أو تقييم لآداء الإتحاد، أين أصاب وأين أخطأ بعد انقضاء التجربة وتراجع اندفاع الشباب وحماسته؟ وإن لم تفعل فهل هناك نية لذلك؟
محمود قويعة: بداية .. أسأل الله تعالى أن لا يتراجع في نفوسنا وقلوبنا وعزائمنا ” اندفاع الشباب وحماسته” …. وجوابا على سؤالك أقول بكل أسف لم أكتب مذكرات ولا تقييمات والسبب الرئيسي هو التقصير ..ربما يتيسر تدارك ذلك مستقبلا ..
15ـ الحوار نت: بلغنا أنك تعرضت لتعذيب شديد أثناء فترة اعتقالك مما تسبب لك في آلام مزمنة في الظهر، فما حقيقة الأمر ؟
محمود قويعة: ما بلغكم يا صاحبي عار عن الصحة تماما .. لم أتعرض للتعذيب أثناء فترة الاعتقال .. بل للأمانة والحقيقة عوملت معاملة في مجملها طيبة – إذا استثنينا ظروف الايقاف والأكلة .. – وأذكر أن أحد أعوان فرقة الارشاد ببوشوشة صفعني فنهره رئيسه المباشر وأنبه في حضوري .. فوجب التصحيح ..
أما آلام الظهر فقد بدأت معاناتي معها في عام 2002 وأسأل الله العافية للجميع .
16ـ الحوار نت: لقد نالت جامعة الزيتونة الحظ الأوفر من التنكيل سواء من حيث عدد المساجين أو التعذيب أو قسوة الأحكام (الصادق العرفاوي، حبيب إدريس، جمال لمخنيني) أو عدد الشهداء ( عزالدين بن عايشة، عامر الدقاشي، عبد الوهاب بوصاع) ما سبب ذلك في رأيك وهل جمعك السجن بالإخوة الشهداء؟
محمود قويعة: أظن أن حظ أبناء الزيتونة من التنكيل كان مساويا لحظوظ بقية أبناء حركتنا الطلابية ..فقد روعي في تقدير هذه الحظوظ أعلى درجات العدالة والمساواة .. إلا إذا توفرت لديك إحصائيات دقيقة تنفي عن أصحابنا قيم العدالة والمساواة .. وفي كل الأحوال جزى الله شبابنا عن شعبهم وبلادهم خير الجزاء ورحم الله شهداءنا جميعا ..
نعم اجتمعت في السجن ولأشهر قليلة بأخي الشهيد سحنون الجوهري رحمه الله تعالى – وهو زيتوني بالمناسبة – في بداية صائفة 1991 .. كما جمعني السجن سنة 1987 بالأخ الشهيد عامر دقاش ..
17ـ الحوار نت: لقد اعتقلتَ يوم 19 أفريل 1991 ويوم 8 ماي حدثت مجزرة بالمركب الجامعي راح ضحيتها عدد من الطلبة العزل منهم الشهيد أحمد العمري والشهيد عدنان سعيد، هل وصلتكم أنباء المجزرة وكيف كان وقع الخبرعليكم؟
محمود قويعة: اعتقالي كان يوم 09 أفريل 1991 وليس 19 أفريل ..
.. بكل تأكيد وصلتنا أصداء أحداث المركب الجامعي يوم 08 ماي 1991 من خلال الوافدين الجدد من الطلبة على مركز الايقاف ببوشوشة حيث كنت موقوفا منذ قرابة الشهر .. أما عن وقع الخبر علينا فقد كان قاسيا سيما وأن ما يصلنا عادة ما يكون مشوشا وأحيانا مبالغ فيه بفعل الصدمة والترويع …والمفاجأة لي في هذا الصدد أن أجد نفسي بعد أقل من شهر وبالتحديد يوم 07 جوان 1991 أمثل أمام حاكم التحقيق ليوجه لي تهمة المشاركة في تلك الأحداث ويحيلني إلى سجن 09 أفريل ” خالد الذكر ” .. ولم تشفع لي إقامتي شهرا كاملا قبل تلك الأحداث بمركز الايقاف ببوشوشة فحوكمت – كما أسلفت – خمس سنوات سجنا ..
18ـ الحوار نت: فقدت القيروان مؤخرا شيخها وعالمها الشيخ عبد الرحمان خليف؟ هل تتلمذت عليه؟ وماذا كان إحساسك يوم أن ودعت القيروان عالمها؟
محمود قويعة: للصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قول مأثور يقول فيه :” موت العالم ثلمة لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار ” .. وفقد الشيخ الجليل عبد الرحمــان خليف رحمه الله تعالى لم يكن مصاب القيروان وحدها بل هو خسارة كبرى لكل الأمة وأسأل الله تعالى أن يأجرنا في مصيبتنا وأن يخلفنا خيرا منها وإنا لله وإنا إليه راجعون ..
أما عن إحساسي يوم توديع الشيخ رحمه الله تعالى فقد تجاذبني يومها إحساسان متناقضان : إحساس بالحزن والأسى لعظم المصاب وآخر بالسرور والغبطة .. نعم لقد سررت يوم وداع الفقيد الغالي وأنا أشارك الآلاف من أبناء القيروان والوافدين عليها في تشييع الشيخ الجليل في جنازة مهيبة لا أحسب أن مدينة القيروان شهدت لها مثيلا واعتبرت يومها أن القيروان ولأول مرة تنصف شيخها الجليل ..فقد كانت جنازة تليق بالشيخ الفقيد .. رحمه الله تعالى ..
نعم لقد كان لي شرف التتلمذ على يدي سيدي وشيخي عبد الرحمان خليف رحمه الله تعالى .. حفظت على يديه أجزاء من كتاب الله تعالى فضلا عن مواكبة دروسه في التفسير والفقه والحديث والسيرة وكذلك خطبه المنبرية أيام الجمعة والأعياد .. فرحمه الله تعالى وجزاه عنا خير ما جزى عالما عن قومه ..
19ـ الحوار نت: ماذا تعني لك هذه الأسماء؟
ـ عبد الكريم الهاروني : كلما سمعت خبرا عن هذا الرجل ازددت له احتراما واجلالا وازداد إحساسي بالأسى والمرارة أنه مازال يقبع في سجون هذا البلد .. رده بشموخ وإباء على دعوة بسيس لإطلاق سراحه تفصح عن معدن هذا الرجل وتفصح أكثر عن خسارة بلدنا ببقاء أمثاله خلف القضبان ..
ـ العجمي لوريمي “هيثم” : إذا كان هذا الرجل قد افتك الاحترام والتقدير من ألد خصومه الفكريين والسياسيين فكيف يكون شأن من أحبوه واحترموه .. في المناسبات القليلة التي جمعتني بالعزيز هيثم ( لاسيما أثناء زياراته لجامعة الزيتونة ابان الاضراب عن الطعام في ديسمبر 89 ) تكشف لي مدى تواضع الرجل رغم حجم اسمه وزعامته داخل الساحة الجامعية .. وكم يؤلمني أن رجلا بأخلاق هذا الهيثم وعلمه وتواضعه وهدوئه أفنى عشرية ونصف من عمره في السجن ..
ـ مختار بدري : جمعتني بالبدري محطات نضالية ممتعة لاسيما تحركاتنا الطلابية بقيادة الاتحاد العام التونسي للطلبة ضد قانون أوت 82 ( المحدد للترسيمات ) ولا أذكر عنه إلا كل خير وخاصة نكته التى لا تفارقه واعتزازه بلهجته الريفية .. وقد غابت عني أخباره .. أرجو أن يكون بخير وعافية ..
ـ محمد الشرفي : علمت أن الرجل مريض ولا يسعني إلا أن أرجو له الشفاء والعافية ..
وحين يتعافى قد تتوفر لنا فرص للحديث خاصة عن جلسة جمعت مكتبنا التنفيذي للاتحاد بالوزير الشرفي يوم 15 جانفي 1991 تصدر فيها سيادته المجلس مبررا اغتيال الطالب الشهيد صلاح الدين باباي رحمه الله ومدافعا عن قرار تجنيد الطلبة كعقاب ضد من يتجاوز القانون – حسب تعبيره –
ـ علي الشابي : يوم وقفنا ندافع عن قرار اعادة الاعتبار للجامعة الزيتونية ونتصدى لمن خططوا للالتفاف على ذلك القرار وقف السيد علي الشابي في الضفة الأخرى
– محمد الغرياني : ما تبقى في ذاكرتي من أيام الدراسة الثانوية بالمعهد الفني بالمنصورة بالقيروان في بداية الثمانينات من القرن الماضي أن الرجل محاور جيد ..
ـ سمير لعبيدي : لا أعرفه …
ـ الهاشمي الحامدي : كان يطربني هذا الفتى يوم كان يشدو في سوح الجامعة ” استمروا يا صحابي استمروا / أوقدوا من ضلوعي شموع الليالي / أوقدوها وسيروا على الدرب سيروا /لا يهم المجاهد حين يجاهد أن يرى لحظة الانتصار / سأرى لحظة الانتصار سأراها بعيني أخي ….”
أما اليوم فأتمنى على الدكتور أن لا يفكر في السير على خطى الفنانة التائبة شمس البارودي التي طالبت منتجي أفلامها قبل توبتها بوقف توزيعها فيعمل هو أيضا وقد “تاب الله عليه” على المطالبة بسحب اعترافاته التي لم يسجلها قلم التحقيق من أرشيف جريدة الرأي الموؤودة لأن الاعترافات والربيع ضدان لا يلتقيان .. أو يعمل – وهو أسهل – على إتلاف أرشيف مغربه العربي في ”مستقلته” لأن هجير حلقاته التي غابت عنها ”الكلمة الطيبة” لا تناسب نسائم الربيع الجميلة في بلدنا الجميل …
ـ 20 الحوار نت: هل ترغب في كلمة أخيرة توجهها إلى رفاق دربك أو إلى أجيال الطلبة الجدد؟
محمود قويعة: للأجيال الطلابية الجديدة أهدي نص الميثاق الجامعي الذي صادق عليه المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد العام التونسي للطلبة والذي أردناه بمثابة دستور يوجه بوصلة النضال الطلابي ويحفظ اتجاهاته من الانحراف .. والذي اعتبره اليوم شاهدا على مدى النضج الذي وصلته حركتنا الطلابية ورشد خطابها قبيل سنوات المحنة .. والذي كان بالإمكان أن يكون الحصن الذي نحمي به شبابنا وطلابنا من مخاطر الانحرافات والضياع التي باتت تفتك بشبابنا وترفع معدلات الجريمة وتهدد كيان مجتمعنا .. ونحصّن به طائفة أخرى من شبابنا من دواعي الغلو والتنطع واغراءات العنف المدمر الذي لا يوقّر أحدا والذي يشكل خطرا على سلامة شعبنا وبلدنا ..
ولإخوة الدرب أقول إن بلدا أنجبت عبد الكريم الهاروني والعجمي الوريمي وعبد اللطيف المكي ونجم الدين الحمروني وعادل الثابتي ولطفي العيدودي – رحمه الله – وأحمد نجيب الشابي ومنصف المرزوقي وراشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وبن عيسى الدمني وعبد الوهاب الكافي ومية الجريبي وسهام بن سدرين وأم زياد وراضية النصراوي وسعيدة العكرمي ومحمد عبو وزوجته المناضلة … إن بلدا هؤلاء أبطاله ( والقائمة تطول وتطول …. ) والذين هم امتداد لخير لدين التونسي وعبد العزيز الثعالبي والشيخ محمد الطاهر بن عاشور والشيخ محمد صالح النيفر والشيخ عبد الرحمان خليف – رحمهم الله – إن هذا البلد موعود في قادم أيامه بكل الخير بإذن الله .. ” وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ”
الحوار نت: نشكر لك أستاذ محمود تفضلك بقبول الحوار معنا آملين أن ينفض هذا الحوار الغبار عن نفوس طال عليها الأمد فبدأ النسيان يتسرب إليها وأن يساهم في إنارة درب الأجيال الطلابية الجديدة التي يراد لها أن تكون على هامش الأحداث.
الإخوة في الحوار نت : خالص شكري على كل جهودكم الخيرة والمعذرة عن كل هذا التأخير … وهذه نسخة من مطوية الميثاق الجامعي أرجو أن ترفق بالحوار .. جزاكم الله خير والسلام عليكم
حـــاوره : صـــابـر التونسي
ملاحظة: ينشر هذا الحوار في المنتدى الكتابي العام للحوار نت للتفاعل مع ما طرحه الأخ محمود .ويتكفل الحوار نت بنقل كل تفاعلاتكم إليه لأنه لا يستطيع متابعتها من داخل تونس بسبب حجب الموقع هناك. كما ندعو كل السادة والسيدات القراء للمساهمة بكتابات مستقلة إضافية عن الحركة الطلابية التونسية.
(المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 8 ماي 2007)
جامعي و نقابي من كلية العلوم الإقتصادية و التصرف بنابل :
بيان صحفي ردا على تهجم الصحفي أبوبكر الصغير.
في اليوم الموالي لإضراب قطاع التعليم العالي و البحث العلمي, عمد مدير مجلة الملاحظ و صاحب العمود المسمى عبثا ” مساحة حرة !! ” بجريدة الصريح إلى مقاطعة أخبار الإضراب الوطني و بيانات الجامعة العامة للتعليم العالي و البحث العلمي , و خصص مقاله للتحامل و التهجم على بيان النقابة الأساسية لكلية العلوم الإقتصادية و التصرف بنابل و على كاتبها العام مع حجب اسمه و اسم المؤسسة حتى يحرمنا من حق الرد( أنظروا مقال ذاك الصحافي في ما يلي هذا الرد). هذا فضلا عن ما ورد في المقال من إفتراءات عارية من الصحة و تحامل بلغ حد التحريض ضد النقابة و الثلب. و إذ أن إيماننا بحرية الصحافة يجعلنا نستنكف من متابعة هذا الصحافي قضائيا بتهمة الثلب و نشر الأخبار الزائفة و منعنا من حق الرد فإننا نكتفي بهذا التوضيح للرأي العام.
نابل في 15/04/2007
بـيـــان صـحـفـي
عن” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير(أبو بكر) “… ” أستفيد أن…” من رفض إلغاء مكاسب الجامعيين و طالب بتلبية مطالبهم المادية و المعنوية و عاب على الوزارة تسويفها و مماطلتها في التفاوض, “… تجاوز العمل النقابي المطلبي…” و أصبح “…ثوريا مندسا ذو خلفيات إيديولوجية و سياسية…” و وجب اجتثاثه من الحقل الجامعي !!
I) تمهـــيـد :
عجبا لذلك الذي يقر بجهله في البداية ( قد تقولون ” من اعترف بذنبه فلا ذنب عليه ” ولكنه لم يتوقف عند ذلك الإعتراف و لم يأخذ به) و يتحول بعد ذلك ( قد يكون مصابا بداء النسيان الفوري !!!) إلى محلل و مختص بارع في الخطاب, يتعجب و يوجه و يلوم و يصنف و يحاكم الناس على هوياتهم السياسية و الإديولوجية المفترضة ( كل ذلك انطلاقا من قراءته لبيان نقابي مقتضب لايعدو إلا أن يكون تذكيرا بمطالب القطاع و هو ما يدفعني الى الشك في أن تكون لأخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” مواهب أخرى كالتنجيم بضرب الرمل يحجبها عنا حتى لا يتهم بالمنافسة غير الشريفة أو التطفل على المهنة من طرف جمعية المنجمين و المشعوذين التونسيين المرهوبة الجانب لكثرة منخرطيها !! ) , فيذكرنا بما قامت به محاكم التفتيش , سيئة الذكر, في أروبا في عصور الإنحطاط أو ما قامت به لجنة ماك آرثر خلال الخمسينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية من ملاحقة و آجتثاث اليساريين و النقابيين الأمريكيين, و يؤكد لنا مرة أخرى أن ” الجهل مصيبة ” حقا.
عجبا لذلك الذي يقدم البراهين على جهله ( من حيث لا يدري) و يعترف به من باب المخاتلة حتى يتجنب الخوض في كنه الأشياء و تقديم البراهين و الحجج و لا يتوانى في التحامل على غيره و تشويههم إعتمادا على شطحات و قفزات بهلوانية في قطيعة تامة مع قواعد المنطق الشكلي السليم و باجترار قشور و شكليات سطحية و تافهة لتكون النتيجة النهائية في منتهى الضحالة ( تسمع جعجعة و لا ترى طحينا !!).
عجبا لذلك الذي يقر بجهله خداعا لكي يمرر للقراء صورة المتواضع الوقور, ثم يتربع على صفحات الجرائد و المجلات بمقالات تتصدرها صورة أنيقة له بنظاراته الطبية الباريسية المكلفة و يده الممسكة بذقنه في وضعية المبحر في التأمل محاكاة و تقمصا منه لشخصية العظماء من الفلاسفة و المفكرين, و يسمح لنفسه بالكتابة في كل شيء و لا شيء, و ينتصب متطاولا لتلقين الجامعيين و النقابيين فن الخطابة و آداب المخاطبة حتى تخاله ” حكيم القرية و شيخها الوقور!! ” أو حتى يسقط عنه قناع التواضع الزائف ليترك مكانه لحقيقة رديئة ( رداءة الإعلام الوطني ) تفسر أسباب عزوف التونسيين عن متابعة الكثير من وسائل الاعلام الوطنية و ارتماءهم في أحضان بعض وسائل الإعلام القروسطية التي يسودها خطاب شمولي, كلياني, سلفي و تكفيري و كأنهم يعملون بمقولة ” و داوني بالتي كانت هي الداء !! “… أو ” كالمستجير من الرمضاء بالنار !! “
و للعلم فإن ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” يفترض أن يكون خريج إحدى أعرق المعاهد العليا في الجامعة التونسية : المعهد الأعلى للصحافة و علوم الأخبار ( نظرا لما دابت عليه بعض إداراتنا و مؤسساتنا من إعتماد المحسوبية عند الإنتداب عوض الإختصاص و الكفاءة المهنية فإنني أؤكد على الصيغة الإفتراضية لكلامي و لا ” أضع الأسطر عليه!! ” كما يحلو” لأخينا و شيخنا الصحافي الصغير” أن يكتب في مقالاته في ترجمة ركيكة من اللغة الفرنسية تؤدي إلى تعابير سقيمة و مضحكة بعد أن يتحول معناها من التأكيد الى الشطب و لو أن عقله الباطن لا يقر فعلا الا بهذا المعنى الأخير : أي شطب و إقصاء كل المختلفين معه!!. وعليه فأنا أانصح ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير “ بأن يسطرتحت الجملة التي يستشهد بها و يريد التأكيد عليها أو يكتبها بالخط العريض و بأن يضع بين قوسين ( التأكيد لنا).) و هو صحافي ذو تجربة طويلة تمكن من تبوئ مرتبة المدير المسؤول و رئيس تحرير مجلة الملاحظ السياسية الأسبوعية ( المستقلة !!. سه , يكفي قراءة مجلة الملاحظ لتجمعوا البراهين الكافية عن توظيف صحافينا الفاضل لقلمه بطريقة فاضحة و مفضوحة لصالح جهة سياسية معلومة. ) يمارس فيها بكل استقلالية الانحياز و التحامل !!على كل من تسول له نفسه الإختلاف معه أو مع حزبه و التزلف و الإطراء لكل أصحاب السلطة.
و لتعميم الفائدة فقد ارتأت الجريدة اليومية المستقلة ! ” الصريح ” أن تبعث عمودا يوميا أسمته ” مساحة حرة !! ” ( و كان من المفترض أن يخصص لكي يعبر من خلاله المواطنون عن آراءهم بكل حرية ) و أوصدته أو كادت أمام مساهمات الأقلام الحرة لكي تسلمه ” لأخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” حتى ينحاز فيه يوميا و بكل حرية للآراء التي يشتهيها و حتى تمكنه من بعض القراء بعد أن كسدت بضاعته و امتنع المواطنون عن شراء مجلة الملاحظ “لايغاله بالاستقلالية ” على صفحاتها !! .
و ما دمنا نتحدث عن ذلك العمود المسمى زورا و بهتانا ” مساحة حرة !! ” فإنه و نتيجة للشكل الذي وقع إستعماله به من طرف ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” يذكرني بروح الدعابة التي يمتاز بها الشرقيون عموما عند أوقات الشدة. فإثر احتلال العراق من طرف القوات الأمريكية و تدميره و تسليمه لأذنابهم من العملاء العائديين على ظهور الدبابات لبناء الديمقراطية الأمريكية الموعودة ( عفوا التييوقراطية !!!), ارتأت سلطات الاحتلال أن تبعث بقناة تلفزية فضائية ناطقة بالعربية و سلمتها لبعض العملاء المحليين حتى تظهر بمظهر القناة الوطنية. و لمزيد المغالطة أسمتها ” قناة الحرة !! ” , فما كان من المواطنين العراقيين العاديين إلا أن ردوا الفعل بطريقتهم الخاصة و تفتقت أذهانهم عن عديد الدعابات التي تناقلوها و نعتوا في بعضها تلك القناة ” بقناة الهرة !! “. و أنا بدوري لا أجد ما أنعت به العمود الصحفي المذكور أعلاه (في شكله الحالي) إلا ” بمساحة مرة !! ” على غرار المقولة الشعبية ” الخبزة مرة !! ” حتى أؤكد على المستوى الذي ينحدر إليه بعض صحافيينا (و هم قلة) خدمة لمآربهم الخاصة و تذهب ضحية له النزاهة و الموضوعية التي من المفروض أن يتحلى بها كل أهل المهنة. و على كل حال يجدر “بأخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” أن يتذكر أن ” الحرة (الحقيقية) تجوع ولا تأكل بثدييها !!“.
II) عندما يلجأ “أخينا و شيخنا الصحافي الصغير “ إلى إختلاق وقائع مزيفة يتخذها بعد ذلك مطية للتهجم على نقابيي قطاع التعليم العالي و البحث العلمي:
1) يقول ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” بأنه ” وقع بين يديه و قرأ بيانا !! ” محاولا إيهام القارئ بأنه اطلع عليه صدفة, ثم يواصل التزييف لينسب البيان المستهدف للكاتب العام لنقابة أساسية للأساتذة الباحثين الجامعيين شخصيا عوض نسبه لمكتب النقابة, و مع ذلك فهو يتعمد عدم ذكر المؤسسة الجامعية المعنية حتى يحرم مكتب نقابتها و كاتبها العام من حق الرد و حتى نعيد الأمور الى نصابها فنحن نسوق الملاحظات الآتية :
أ ) بما أن النقابة الوطنية لمدرسي و باحثي التعليم العالي( الجامعة العامة للتعليم العالي و البحث العلمي) لا تتمتع بالإمكانيات الكافية حتى تمكن نفسها أو تمكن نقاباتها الأساسية من الإلتفاف على المقاطعة الصحفية التي تفرضها السلطات عبر أمثال ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” على بياناتها و لوائحها و ذلك بإلقاءها على المواطنين من طائرات تستأجرها للغرض !! فلا يمكن أن تصل صدفة إلى أي كان. و بما أن ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” قد “ استقال منذ زمن بعيد عن ميثاق شرف المهنة ” و ما يمليه على أصحاب الضمائر الحية من السعي لإنارة الرأي العام الوطني بحقائق الأمور في الإبان و من مصادرها فلا يمكن أن يكون قد اتصل , قبل إضراب 5 أفريل بقطاع التعليم العالي المعلن من طرف هيئته الإدارية منذ يوم 24/02/2007 , بالمكتب الوطني أو بمكاتب النقابات الجهوية أو الأساسية لكي يتحصل على بياناتها. و عليه فإنه كان على ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” أن يتحلى بالشجاعة الكافية حيال مواليه و أصحاب الفضل عليه و يعترف للقارئ بأنه يتصفح على صفحات الأنترنات خلسة النشرية الإلكترونية اليومية ” تونس نيوز tunisnews ” التي تمنع السلطات الولوج إلى موقعها من تونس و ذلك حتى بعد أن حذفتها من قائمة المواقع الممنوعة أو ” المحرمة ” ( لكي يتمكن بعض المحسوبين عليها من النشر على صفحاتها) و أدرجتها ضمن قائمة ” المواقع المكروهة “.
و هكذا يتضح للقارئ بأن البيان المذكور و المؤرخ بتاريخ 26/03/2007 قد نشرته ” تونس نيوز” على صفحاتها بتاريخ 03/04/2007 و بأن “أخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” قد إطلع عليه على صفحاتها منذ ذلك التاريخ و يرفض نسب المصدر إلى ذلك الموقع و لتلك النشرية (حتى يكون نزيها) و ذلك خوفا من الإقرار بالحقيقة المرة المتمثلة في أنه ككل المواطنين التونسيين يستقي أخبار البلاد و العباد الصحيحة من أجهزة الإعلام الأجنبية و على صفحات نشريات إلكترونية تونسية تضيفها مواقع إلكترونية موجودة خارج البلاد لإنعدام حرية الصحافة و حرية التعبير في بلادنا و هو ما يذكرنا بتلك النكتة التونسية حول أصحاب المطاعم القذرة الذين يتناولون وجباتهم في ” المطعم المقابل !! “.
ب) يعلم القراء و يعلم ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” بالتأكيد بأن النقابات الأساسية هي هيئات أو مكاتب من 7 أعضاء منتخبين مباشرة من طرف المنخرطين تنتخب بدورها كاتبا عاما يكون قانونا الناطق الرسمي بإسمها و يمثلها و يمضي نيابة عنها بياناتها و لوائحها و محاضر جلسات الإتفاقيات التي تعقدها، و هو ما ينطبق على البيان المذكور الذي يمثل قرار المكتب أو النقابة الأساسية في إجتماعها بتاريخ 26/03/2007 ( أنظروا على أرشيف “تونس نيوز” عدد النشرية بتاريخ 03/04/2007 الذي ينص صراحة على أن البيان منبثق عن إجتماع مكتب النقابة ! ) و الذي أمضاه بكل وضوح كاتبها العام بصيغة ” عن النقابة الأساسية للأساتذة الباحثين الجامعيين…”. فلماذا إذا تزييف الوقائع و نسب البيان للكاتب العام للنقابة شخصيا ؟ أهو جهل بحقائق الأمور أم رغبة في تصفية حسابات مع ذلك النقابي و تلك النقابة بتوصية من بعض الأطراف داخل وزارة التعليم العالي على خلفية فضحها في السنة الفارطة لتسترها على ما ساد الكلية من تدليس للإمتحانات و سوء تصرف طيلة سنوات… ؟!
2) ثم يسترسل ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” في الكلام ليوهم القارئ بأن هذا البيان يندرج ضمن تحرك إحتجاجي جهوي أعلنت عنه نقابة أساسية ( أو جهوية ) حتى يعتم على البعد الوطني و الشامل للإضراب الذي ينادي البيان المستهدف لتنفيذه و حتى يتحاشى تغطية نشاطات الجامعة العامة للتعليم العالي و البحث العلمي الممثل النقابي الوطني لقطاع التعليم العالي و البحث العلمي و هو ما يستوجب بدوره الملاحظات الآتية :
أ ) يعلم ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” بأن ذلك البيان ما هو إلا نداء من طرف النقابة الجهوية أو الأساسية لمنخرطيها من الأساتذة الباحثين لكي ينفذوا قرارا بالإضراب الوطني يوم 5 أفريل 2007 إتخذته بكل ديمقراطية الهيئة الإدارية لنقابتها الوطنية ( و هي سلطة القرار العليا بين مؤتمرين) , و هو على ذلك الأساس يذكر بأسباب قرار الإضراب و شكله القانوني ( أصدرت برقية إضراب في الآجال القانونية حتى تتمكن الوزارة من طلب جلسات تفاوضية جديدة تعلق الإضراب إذا ما قررت توخي الجدية و التخلي عن المماطلة ) و الأسلاك التي يهمها الإضراب و أشكال تنفيذه.
فلماذا يعتم ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير ” على إضراب وطني يمس كل المؤسسات الجامعية و على لوائح و بيانات الجامعة العامة للتعليم العالي و البحث العلمي الممثل النقابي الوطني للقطاع و يدرج البيان المذكور ضمن ما سماه زورا و بهتانا ” ما أعلن عنه من تحرك إحتجاجي من قبل النقابة الأساسية المذكورة !! ” موهما القارئ بأن إضراب يوم 5 أفريل لا يعدو إلا أن يكون تحركا احتجاجيا جهويا ؟!
ب) يتضح سريعا للقارئ التونسي المتابع لمجريات الأمور داخل قطاع التربية و قطاع التعليم العالي بأن الهيئة الإدارية لجامعة التعليم العالي و البحث العلمي قد انعقدت و اتخذت قرارا بالإضراب الوطني (ليوم 5 أفريل 2007) منذ يوم 24 فيفري 2007 , و كذلك فعلت النقابات العامة للتعليم الأساسي و الثانوي و القيمين …إلخ (قرارا بالإضراب ليوم 11 أفريل 2007) , كما يتضح له بأن الجرائد (على الأقل التي تؤمن برسالتها) قد نشرت لوائح هاته النقابات و علقت عليها و تابعت مفاوضات آخر لحظة مع كل منها. ثم و مع إقتراب يوم الإضراب قامت النقابات الجهوية أو الأساسية لمدرسي التعليم العالي بعقد إجتماعات لتدارس آخر المستجدات و أصدرت بياناتها في شكل نداءات لتنفيذ الإضراب و أمنت لها النشر على صفحات الأنترنات و على صفحات بعض الجرائد.
فما الذي دفع ” بأخينا و شيخنا الصحافي الصغير” إلى تجاهل كل تلك الأخبار طيلة شهر و نصف على صفحات مجلته (الملاحظ) و على عموده اليومي بجريدة الصريح ؟! و ما الذي دفع به إلى الإحتفاظ ببيان النقابة الأساسية المذكورة بعد أن سحبه من موقع ” تونس نيوز ” منذ يوم 3 أفريل 2007 و إلى جعله موضوع مقاله المتحامل ليوم 06 أفريل 2007 ( زاعما أنه قرأه صدفة في اليوم السابق !!. ” إذا لم تستحي فاكذب كما شئت !! ” ), أي اليوم الموالي للإضراب مباشرة و الذي كان من المفروض أن يخصصه أي صحافي نزيه إلى تغطية أخبار الإضراب الوطني و تصريحات الهيكل النقابي الوطني و إلى نشر النسب المئاوية للإضراب حسب مصادر الجامعة العامة للتعليم العالي و البحث العلمي و مصادر وزارة التعليم العالي ؟!
III) ألا يقول بيان النقابة الأساسية (للأساتذة الباحثين الجامعيين) إن “…السياسات الفوقية المرتجلة و المغيبة للمدرسين و الرافضة لدعم قطاع التعليم بالإمكانيات المادية الضرورية قد أدت إلى تدهور مستوى التعليم…” ؟! ها هو ذا “أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” (المدير و رئيس التحرير لإحدى المجلات السياسية و الفارس المغوار الذي يصول و يجول بقلمه بين الجرائد و الذي ينظم و يترأس الندوات الفكرية التي يحظرها المنظرون الإيديولوجيون للحزب الحاكم…) يقدم لنا أمثلة حية على ذلك التدهور بلغ حد الجهل:
1) منذ الوهلة الأولى يخلط ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” بين العنوان , الذي جاء مباشرة بعد كلمة ” بيان ” و بالخط العريض و في سطرين لكي يدعو المدرسين الباحثين الجامعيين للإضراب و أساتذة التعليم الثانوي إلى رفع الشارات الحمراء , و بين صيغة النداء (التسمية) التي استعملت للتوجه الى منخرطي النقابة : ” أيتها الزميلات أيها الزملاء , أيتها الرفيقات أيها الرفاق “. ثم يمر إلى ما هو أتعس من ذلك فيعيب على ذلك البيان بأنه لم يكتفي بصيغة : ” أيتها الزميلات أيها الزملاء ” أو لم يضف صيغة ثالثة و هي : ” أيتها الأخوات أيها الإخوان !! ” و يتهمه بأنه ” يعكس توجها سياسيا و إيديولوجيا !! “.
و بقطع النظر عما يمكن أن أجيبه به هنا , لو أردت توخي السطحية , من أنه يفضح إنتماءه إيديولوجيا و عقائديا لفكر تلك الأخوية الدينية المصرية ( confrérie religieuse) المسمات ” بالإخوان المسلمين ” و للتيار السياسي الذي فرخته بتونس في أول الثمانينات, فإن كلامه يظهر أنه لا يفقه معنى كلمة ” مناضل ” و كلمة ” رفيق ” و كلمة “ أخ ” و هو يستوجب الملاحظات التالية :
أ ) إن التوجه بنداء إلى أهل القطاع قبل الإضراب هو بطبعه محاولة لإعادة التعبئة و رص الصفوف لتنفيذ قرار من المفروض أنه قد خرج عن الإجتماعات القاعدية في صورة توصيات إلى هيئة وطنية ممثلة تبنته. إلا أن أهل القطاع هم الأساتذة عموما و لا يقتصرون على النشطاء داخل الهياكل النقابية أو على النخرطين مهما كانت نسبتهم. و لذا يتوجب على النقابة أن تتوجه بالنداء لعموم الأساتذة بمن فيهم غير المنخرطين أصلا ( وهي صيغة النداء الأعم و الأشمل : أيتها الزميلات أيها الزملاء ).
و بما أن محاولة تعبئة الأساتذة للدفاع عن مطالبهم ليست مهمة إطارات النقابة و حزامها القريب من المناضلين الملتزمين فقط ( الصف الأول ) , بل هي مهمة كل النشطاء من المنخرطين المؤمنين بالعمل النقابي ( الصف الثاني) و كل المنخرطين عموما( الصف الثالث) , فقد وجب التوجه إليهم بصورة خاصة و بصيغ نداء أكثر حميمية لشحذ هممهم و إذكاء حماستهم.
ب) ولهذا السبب فقد جرى العرف و التقاليد في كل أنحاء العالم و بكل اللغات على أن ينادى الصف الأول من نشطاء النقابات و الأحزاب و الجمعيات و عموما كل المنظمات الجماهيرية ( و بقطع النظر عن طبيعة نشاطهم و إهتماماتهم و خلفياتهم السياسية و الإيديولوجية) ” بالمناضلين ” .
و تعلمنا المعاجم بأن ” المناضل ” هو الذي يشارك بصورة فعالة في الحياة اليومية لمنظمته( الحزبية , النقابية أو الإجتماعية) و هو يصارع و يخوض المعارك من أجل الدفاع عن أفكار و وجهات نظر و قيم أو حزب بكل بساطة.
و رغم ما يعكسه مفهوم ” المناضلين ” من شطط و مغالات في الدفاع عن منظماتهم و من تعصب لأفكارهم في كثير من الأحيان فإن ذلك لم يمنع كل المنظمات السياسية (أحزاب ) و الإجتماعية( جمعيات) و النقابية من استعمال هاته الصيغة في النداء عند التوجه إلى نشطاءها من الصف الأول بما في ذلك رئيس التجمع الدستوري الديمقراطي. و أكثر من ذلك فإن رئيس الجمهورية عند إلقاءه خطابا موجها لجميع التونسيين لا يكتفي بالصيغة العامة ” أيتها المواطنات أيها المواطنون ” بل يخصص و يضيف لها صيغة خاصة و هي ” أيتها المناضلات أيها المناضلون “. و لم نسمع يوما أن أحدا ( بمن فيهم ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” ) ينعت رئيس الجمهورية ” بالثورية ” أو غيرها…
ت) كما أقرت التقاليد و الأعراف في كل أنحاء العالم و بكل اللغات أن ينادى الصف الأول و الثاني من نشطاء المنظمات الجماهيرية ” بالرفاق ” . و تعلمنا المعاجم بأن ” الرفيق “ هو ” المرافق أو الملازم le compagnon” و هو الذي نتقاسم معه نفس النشاط ( دراسة , ترفيه , …إلخ) أو الذي ينتمي إلى نفس السلك أو يخضع لنفس النظام الأساسي (مهنة…) , و هو الصديق الذي نلتزم معه بنفس المهام , و هو ما ينطبق , في هذه الصيغة الأولى للتعريف حتى على الأزواج , و من هنا نرى الرجل ينادي زوجته أو صديقته ” برفيقة دربي “.
و إثر قيام الدولة الحديثة و إنخراط الشعوب في العمل السياسي و النقابي و الجمعياتي توسع تعريف مفهوم ” الرفيق ” ليطلق على جميع أعضاء جمعية معينة أو حزب معين ( و لو أن إستعماله كان شائعا أكثر داخل أحزاب اليسار عموما من إشتراكيين طوباويين, إشتراكيين ماركسيين, يسار قومي , يسار ديمقراطي…إلخ). ثم أصبح يطلق على أعضاء التريدينيونات الأنقلوساكسونية و النقابات.
و بقطع النظر عن أن النقابات و الجمعيات هي منظمات جماهيرية ديمقراطية أصلا تعترف بالإختلاف و التنوع و تمثل مكاتبها المنتخبة فسيفساء تعكس حيوية المجتمع و ثراءه و تنوعه( بما في ذلك على المستوى الإيديولوجي و السياسي) , فإن طبيعة مهامها و نشاطها و أنظمتها الداخلية و خاصة تنوعها يمنعها من توظيف قواها توظيفا سياسيا أو سياسويا و إلا فهي تنفجر إلى مكوناتها الأساسية لتصبح طوائفا و ملل و نحل و فرق منغلقة على نفسها و لا جدوى منها و تخسر صبغتها الجماهيرية.
و هو ما ينطبق على النقابة المستهدفة. فهي أولا فسيفساء من القناعات الإيديولوجية و الأفكار السياسية المختلفة ( و هو أقل ما ينتظر داخل الجامعة و ما يعلمه أولي الأمر منك ! ) , و ثانيا لا يمكن لأحد , بالعودة إلى بياناتها و تحركاتها الماضية, أن يزعم أنها كانت موظفة سياسيا.
و لكل هذا فنحن نتساءل كيف يمكن لكلمة ” الرفاق ” أن تعكس خلفيات إيديولوجية بعينها أو نوايا سياسية معينة داخل نقابة متنوعة أصلا و تتخذ قراراتها بالأغلبية و يهمها المحافظة على وحدتها ؟! و كيف يمكن لها أن تعكس أفكار فئة دون الأخرى داخل النقابة و هي ( كلمة الرفاق) التي تعني أصلا كل المنتمين لها ؟! كما نتساءل ما الذي يقلق ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” في أن يكون لكل الأساتذة الجامعيين و للنشطاء النقابيين معتقدات إيديولوجية و توجهات سياسية كالتي يحملها هو نفسه و يدافع عنها يوميا بكل دغمائية ؟!
أيرجع هذا إلى أنه لا يؤمن بحرية التفكير و المعتقد ¸أم لأنه قد تبنى بإنتهازية ” نظرية فوكوياما F.Fukuyama التعيسة حول نهاية التاريخ و الإيديولوجيا ” ؟! أظن أن القول الأخير هو الأقرب لعقلية ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” لما يتضمنه من فسح المجال أمام إيديولوجيا واحدة لتسود بحجة إتجاه العالم المزعوم نحو نظام اقتصادي و إجتماعي واحد…
ث) أما عن أسباب عزوفنا عن إستعمال كلمات من نوع ” أخوات و إخوان ” فذلك يعود إلى أنها لم تنشأ أو تظهر داخل المنظمات الجماهيرية الحديثة ( أحزاب, جمعيات و نقابات) و قد تطور إستعمالها خاصة داخل الفرق و النحل الصغيرة و المنغلقة ذات التوجه الديني المتعصب أو الإرهابي, و هي بذلك لا تأدي المعنى المرجو.
و تعلمنا المعاجم بأن كلمة ” أخ ” تعني الإسم أو صيغة النداء التي يستعملها بينهم أعضاء بعض الجمعيات أو الأخويات الدينية ( confréries religieuses ) خاصة و هي أيضا ما يطلق على أعضاء بعض الأنظمة الدينية (ordres religieux) من مثل, les francs-maçons, les frères franciscains و إخوة المدارس المسيحية الذين يتفرغون للتدريس أو للتبشير و ما أشبههم بما يعرف عندنا بإخوان التبليغ و الدعوى…
كما تعني المنتمين إلى بعض الفرق أو النحل أو الطوائف و الملل الدينية (sectes religieux) المنغلقة على نفسها و المنسلخة و المتكونة كرد فعل على بعض الأفكار و الممارسات الدينية المهيمنة. و هي فرق كثيرا ما تتبنى العنف كعقيدة و من أمثال ذلك : الحشاشين(les assassins) , الإخوان المسلمين, …إلخ
2) ثميعبر لنا ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” عن صدمته !! ( اللهم ألطف بشيخنا و قه شر الصدمات. و لو أننا مقتنعون بأنه يتصنع الصدمة و يحق عليه المثال الشعبي التونسي : ” خوف سالمة مالقمرة !! “) من الكلمات و المصطلحات المضمنة في نص البيان و ينعتها بالتطرف المصطلحي و اللغوي, و يقع في الخطئ ليستعرضها واحدة بعد الأخرى فيكتشف القارئ بأنها كلمات بريئة تخلو من أي خشونة و لا يخلو منها أي بيان نقابي و قد أقرتها التقاليد و الأعراف النقابية في كل بلدان العالم و من زمن بعيد لكي تعبر عن موقف النقابيين بكل دقة و بكل احترام مع تسمية الأشياء بأسماءها.
ثم يستغرب ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” من أن الإنجاز الذي قامت به قيادة الإتحاد العام التونسي للشغل و المتمثل , حسب زعمه , في تطوير الخطاب النقابي , لم يتحقق في صفوف الجامعيين !! و بقطع النظر عن ما في مثل هذا الخطاب من محاولة تأليب المركزية النقابية على هياكلها فإنه يعكس أيضا محاولة من ناطق غير رسمي بإسم السلطة لفرض خطاب خانع و مستكين على المركزية النقابية و على هياكلها و تطاول على النقابيين يدعي فيه صاحبه تلقينهم معجم مصطلحات نقابية جديدة .
و عليه فانني سوف أستعرض تلك الكلمات واحدة بواحدة و سوف أحاول أن أتصور ما سيجود به علينا فكر ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” من تجديد لمعجم المصطلحات النقابية لو قدر له أن يستشار في المسألة :
أ ) عندما تصر وزارة التعليم العالي و البحث العلمي و وزارة التربية على إقصاء و تهميش المدرسين و اتخاذ قرارات أحادية الجانب تهم التعليم و البرامج… , و عندما تعمد إلى إصدار مناشير غير قانونية , فما المصطلح الذي يعبر عن عدم قبولهم لهذا الواقع المشين سوى ” الرفض ” ؟ أم عسى ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” يقترح علينا أن نغيره فنقول مثلا : “…عدم اشتهاء و إنتفاء للرغبة و عدم قبول...!!“ ؟!
ب) عندما تحاول الوزارة طيلة سنوات تنصيب نقابة وطنية طيعة بدلا عن النقابة التي انتخبها الأساتذة , و عندما تؤجل التفاوض مع نقابة القطاع لسنوات متذرعة بأسباب واهية ثم تفتح باب مفاوضات صورية تطول على إمتداد سنة كاملة, فلا هي تقر صراحة بنيتها المبيتة في عدم الإستجابة لمطالب القطاع و لا هي تتوخى الجدية و تمكن القطاع و لو من جزء من مطالبه, فكيف يمكن تسمية ذلك إذا لم يكن ” بالمماطلة و التسويف ” ؟ أم عسى ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” يقترح علينا أن نغير ذلك لكي نقول مثلا : “ تتمنع….في أنوثة و دلال…!! ” ؟!
ت ) ثم يمر ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” لكي ينعت بعض ما جاء في البيان المستهدف ” بالإتهامات الصريحة !! ” من مثل ندعو الوزارة إلى “…الإقلاع عن سياسة الإنفراد بالقرار …و السياسات الفوقية المرتجلة …” و “…نرفض رفضا باتا كل محاولة لتمرير مشروع التفقد البيداغوجي المقنع…و كل محاولة إبتزاز ترمي إلى ربط الزيادة في الأجور بالزيادة في ساعات العمل…و كل تعد على الحريات الأكاديمية…إلخ “.
و نحن نلفت نظر ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” إلى أن هاته الجمل تعبر فعلا عن إتهامات و لا تتطلب التعليق و لا البرهنة بالنسبة لمتابعي شؤون القطاع و لكنها إتهامات ضمنية لأنه سبقها و أعطاها معناها و موضوعها و مضمونها كلمات مثل ” رفض و دعوة إلى الإقلاع…إلخ ” و لا يصح نعتها بالإتهامات الصريحة !!.
ث ) ثم يسجل علينا ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” ما سماه , في لغة بوليسية خشبية و تحريضية , ” أخطر موقف تضمنه البيان !! ” المستهدف و هو : “…تعبر ( النقابة) عن رفضها القطعي…و عموما كل محاولة للإنقلاب على مكاسب القطاع…”. و نحن نسأل القراء بماذا نسمي سحب أو التراجع عن مكاسب تحصل عليها الجامعيون و ثبتت في نصوص قانونية , بدون إستشارة الهياكل النقابية الممثلة لهم و عن طريق مناشير وزارية لا قانونية تصادر صلاحيات السلطة التشريعية و سلطة رئيس الدولة ( في سن القوانين بعد إستشارة المجتمع المدني) و سلطة المحكمة الإدارية(فقه القضاء) و سلطة المجلس الدستوري( بعض هذه المناشير غير دستورية) ؟ و ماذا نسمي مشاريع قوانين تمرر إلى البرلمان و تخص قطاع معين بدون إستشارة أهل القطاع و المجتمع المدني, أي بطريقة تضرب في الصميم مؤسسات النظام الجمهوري, ؟ أليس ذلك إنقلابا ؟ ! أم عسى ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” يقترح علينا أن نغير ذلك لنقول مثلا : ” تتدحرج و تتقلب …في كل الإتجاهات ركوبا لموجات اللذة و الرغبة الجامحة…( في السطو على حقوق الجامعيين و إستعبادهم !! )…” ؟!
ح ) أما آخر ما جاد به علينا ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” فهو إختياره للجملة الآتية : ” …تدعو النقابة إلى الإستجابة الفورية لمطلب منحة التكاليف البيداغوجية لتدارك التدهور الخطير الذي أصاب مقدرة الأساتذة الشرائية منذ عشرية كاملة….و إلى إرساء آلية للتشاور الدوري…(مع تأكيده على كلمة الفورية) ” و نعتها بالجملة التحذيرية !!. و بقطع النظر عن ما يتضح من جهل ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” فإننا بحثنا عن صيغة التحذير فلم نجدها. فالجملة لم تأتي لا في صيغة تحذير مباشر من فعل معين قد قامت به الوزارة أو قد تقدم عليه (مثال : نحذر من مغبة…إلخ), و لا في صيغة تحذيرية غير مباشرة أو مشروطة و إلا لقرنت الدعوة للإستجابة لمطلب معين بالتحذير من رد فعل معين. بل إننا لم نجد في الجملة سوى دعوة الى الإنفراج بإحلال التشاور محل التعنت و الإقصاء. أما صيغة التأكيد على كلمة “( الإستجابة) الفورية ” فهو في غير محله نظرا لأن مدرسي التعليم العالي يطالبون بالتصدي لتدهور مقدرتهم الشرائية منذ قرابة الخمسة عشر سنة.
3) بعد أن زعم ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” في أول مقاله بأن البيان المستهدف , الذي لا يعدو إلا أن يعدد المطالب المادية و المعنوية للقطاع , ليس بالبيان النقابي المطلبي !! و بعد أن ” خمن !! ” بأنه “يعكس موقفا و توجها سياسيا واضحا ” ها هو يعود في آخر مقاله لكي يتهم البيان بأنه بيانا ثوريا !! (و العياذ بالله !!).
و عبثا تحاول إقناع ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” بأنه كخريج جامعة و كصحافي يتوجه إلى القراء بجميع أصنافهم يجب أن يحترمهم و يتوخى الدقة عند استعمال الكلمات و المصطلحات و عند تعريف المفاهيم, فلا جدوى من ذلك ( ” على من تقرأ زابورك يا داوود !! “). و يظهر و أن وزير التربية , و بقطع النظر عن الصبغة الإرتجالية و الأحادية الجانب لقراره , محق في محاولته تعويض مناظرة السنة السادسة إبتدائي التي حذفت منذ سنين بإمتحان في السنة الرابعة إبتدائي حول المعارف الأساسية , فهو سيضمن لنا على الأقل أن لا يدخل المعاهد الثانوية إلا من يتقن القراءة و الكتابة و الحساب, و أن لا يدخل الجامعة و لا يتخرج إلا من أصبح مستوعبا للمفاهيم… و إلا فكيف نفسر أن يخلط ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” بين ” الخطاب الثوري الراديكالي المنادي بالتغيير الجذري و العنيف للأمور داخل مجتمع معين و في قطيعة تامة مع ما هو سائد( و بشكل طفرات و قفزات نوعية ) …” و بين ” الخطاب المطلبي النقابي التريدينيوني الإصلاحي بطبعه المنادي بالتغيير الجزئي المسالم و التدريجي بدون المساس بمؤسسات و بنى المجتمع…” ؟ ! ألأنه لا يفقه فعلا ما معنى النظام الجمهوري و ما معنى دولة المؤسسات و القانون ؟ ! أو لأن مفهوم ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” للحاكمية و الديمقراطية هي مفاهيم تيوقراطية نسي تغييرها منذ أن إنقلب على جماعته سنة 1987 و حلق لحيته و نزع جبته و لبس مسوح الديمقراطية ؟ !
في النهاية أقول ” لأخينا و شيخنا الصحافي الصغير” إذا كان رفض الإلغاء و الإنقلاب على مكاسب الجامعيين و المطالبة بتلبية مطالبهم المادية و المعنوية , قد أصبح في قاموسه و قاموس مدرسته السياسية الأولى و الحالية من باب “الثورية الهدامة ” و يعكس ” توجهات سياسية و إيديولوجية …” لا يرضى عنها أولي الأمر (منه) بالضرورة , فإنني لا أملك إلا أن أقول لك ” …أن تقريرك قد وصل إلى من يهمهم الأمر و اكتشفوا حقيقة أمري…و أنني لست نقابيا و إنما ثوريا مندسا…و هم ينظرون الآن في إمكانية اجتثاثي من الحقل الجامعي, فلينم ( المواطن الرقيب داخلك) قرير العين…” , أو لعلك تستحي و تترك عناء البحث عن الأفكار و المعتقدات السياسية للناس إلى الأمن السياسي و الأجهزة الأخرى المختصة في القمع و تهتم بالعمل الصحفي و ما يمليه على أصحاب الضمائر الحية من الموضوعية و التقيد بإنارة الرأي العام بحقائق الأمور.
كما أغمز إلى الذين وظفوا ” أخينا و شيخنا الصحافي الصغير” لهذه المهمة بأن ” إتهام النقابيين بإتجاهاتهم السياسية لعبة قديمة حذقها الوزير السابق , و سيئ الذكر, ” محمد المزالي ” و لم يفلح فيها و خلنا أنها اندثرت مع نهاية حقبته كما خيل إلينا أن ” الموضى ” تغيرت و أن ورثته يفضلون إاتهام المناضلين النقابيين و نشطاء الجمعييات الحقوقية ” بالإستقواء بالخارج…و تلقي الأوامر من وراء البحار !! ” .
و أخيرا, و بعيدا عن المغالطات و الإفتراءات و باللجوء إلى المنطق العلمي و التجريبي أضم صوتي لصوت ذلك البدوي الشهير لأقول ” لأخينا و شيخنا الصحافي الصغير” : ” البعرة دليل على البعير!! “.
· كلمة النهاية : ” إن عدتم… عدنا إليكم بالنعال …!! “
الإمضاء :
جــامعــي و نـقــابــي
مــن
كلية العلوم الإقتصادية و التصرف بنابل
(يتبع…)
———————————————————————————————–
جريدة الصريح ليوم الجمعة 6 أفريل 2007 (ص 4 )
مــســـاحـة حــــرة
بقلم: أبوبكر الصغيّر
أيّتها الرفيقات , أيّها الرفاق !!
قد يرى القارئ الكريم إن ما سيطالعه في هذه المساحةتحليل سيميولوجي لخطاب , و هو علم معروف يدرس العلامات و دلالاتها , لكن بكلّ صدق لست متخصصا أو حتى عارفا في هذا العلم الذي له جهابذته في جامعاتنا.
لابدّ من أن أعلن موقفا مما وقع بين يدي و قرأت أمس.
إنه بيان صادر عن الكاتب العام لنقابة أساسية للأساتذة الباحثين الجامعيين و الباحثين.
يندرج البيان ضمن ما أعلن من تحرّك احتجاجي من قبل النقابة المذكورة , لن أدخل في تفاصيل ذلك, فهذا شأن آخر, لكن ما سأهتم به الصيغة التي كتب بها البيان , و كذلك الكلمات أو المصطلحات المستعملة.
بدءا من العنوان , جاء كما يلي : ” أيتها الزميلات أيها الزملاء, أيتها الرفيقات أيها الرفاق” , كان بإمكان صاحب البيان أن يرفق كلمة “أيتها الأخوات أيها الإخوان ” أو يكتفي بالجملة الأولى , لكن الحرص على إلحاق جملة ثانية لا يمكن في رأيي المتواضع إلا أن يعكس موقفا أو توجها سياسيا أو إيديولوجيا واضحا لصاحبه !
من هذا المنطلق ومن العنوان بإمكان أي مطّلع على البيان أن يخمن منذ البداية نوايا سياسية و ليست مجرّد موقف أو دعوة لتحرك نقابي مطلبي الذي هو كما سبق أن أشار وزير التعليم العالي و البحث العلمي نفسه و المعني بالمسألة خلال الندوة الصحفية المنعقدة بداية الأسبوع الحالي .. حقّ شرعي .
بعد ذلك , يصدم المرء بهذه الكلمات المضمّنة في نصّ البيان من ذلك وعلى سبيل المثال :
– كلمة ” رفض” و مشتقاتها.. استعملت وحدها خمس مرّات في بيان لا تتجاوز عدد فقراته الست فقرات.
– صفة ” المماطلة ” كالقول : مواصلة الوزارة ” المماطلة ” و كذلك دعوتها للكفّ عن ” المماطلة ” .
– كلمات أخرى جاءت في شكل اتهامات صريحة من ذلك : ( الإقلاع عن سياسة الإنفراد بالقرار) و (السياسات الفوقية المرتجلة) و ( رفض رفضا باتا كلّ محاولة لتمرير المشروع) و ( كلّ محاولة ابتزاز) و ( كلّ تعدّ على الحريات). خلاصة كل ذلك هي هذا الموقف الأخطر (كلّ محاولة للانقلاب على مكاسب القطاع )!!
– ختام البيان جملة تحذيرية تدعو سلطة الإشراف إلى : ( الاستجابة الفورية ) أضع أسطر على كلمة فورية.
أعتقد أنّه لو كان هذا البيان صادرا عن مجموعة طلابية ” ثورية ” من هاته التي نراها في فضائنا الجامعي, ليمكن للمرء أن يجد تفسيرا أو حتى عذرا لهذه المصطلحات المستعملة. لكن أن تضمن في بيان نقابة لأساتذة باحثين جامعيين, فإن ذلك يدعو حقا إلى الحيرة و التساﺅل, كيف يعقل أن نرى بيانا موجها إلى العموم بهذا التطرّف المصطلحي و اللّغوي. ماذا عن الأدبيات و الخطاب الذي يمكن أن يسود داخل أصحاب القرار بهذه النقابة ؟
من بين الإنجازات التي- على حدّ علمي- حرصت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل على تحقيقها خلال الأعوام الأخيرة تطوير الخطاب النقابي . إذا نكتشف اليوم أن هذا الأمر لم يتحقق في صفوف من يمثلون صفوة النخبة .. أين نأمل أن نراه يتجسّد .
هناك مثل شهير يقول : ” إن العنوان يدلّ على صاحبه “.
§ كلمة النهاية :
” قل لي فيما تفكر.. أقول لك من أنت “.
التاريخ يعيد نفسه فهل من معتبر؟
قفصة : الحقّ النقابي بين القانون والممارسة
أخبار قصيرة من الموقف
إقبال شعبي على معرض تونس للكتاب … والعناوين الجديدة قليلة
مع ساركوزي.. هل يتعين على المغاربة إعادة فهم فرنسا؟
جماعتان حقوقيتان تصفان 4 دول بأنها غير مؤهلة لعضوية مجلس حقوق الإنسان
محكمة مصرية توقف تنفيذ قرار محاكمة عشرات الاخوان أمام محكمة عسكرية
الجزائر: أزمة حادة في قيادة «القاعدة» ومرجعيات التنظيم تعارض نهج “الأمير”
المغرب بين الخيار التركي والسيناريو الجزائري
حـّتى لا تتحوّل حقوق الإنسان إلى جدارعزلة جديد
(المصدر: موقع “الأوان” (منبر العقلانيين العرب)، بتاريخ 8 ماي 2007)
التحدي النووي الإيراني وتداعياته الدولية و الإقليمية
توفيق المديني
استقبل العالم الغربي ، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية منه،إعلان إيران انضمامها إلى “النادي النووي”، أي انضمامها إلى الدول الحائزة تكنولوجيا نووية بقلق بالغ و تنديد. واحتفلت إيران بـ “إنجازها” في استكمال دورة الوقود النووي،ذلك أن إعلان إيران أنها نجحت في تخصيب اليورانيوم إلى المستوى الضروري لإنتاج الوقود النووي، و بالتالي صارت الدولة النووية الثامنة في العالم، يسلط الضوء على الدول التي سبقتها إلى عضوية النادي النووي.
1-إلى متى يظل النادي النووي مغلقا على الكبار؟
حتى الآن هناك أقل من عشرة بلدان تمتلك السلاح النووي . و من أصل الدول التي تمتلك التقنية النووية ، هناك خمس دول تمتلك أسلحة نووية وفق التعريف الذي تعتمده ” معاهدة منع الانتشار النووي TNP)) “، وهي فوق ذلك القوى الكبرى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ، أي الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا (تحديدا الاتحاد السوفياتي السابق) وبريطانيا، و فرنسا، و الصين ، و كلها باستثناء الصين كانت الدول الحليفة التي انتصرت على “دول المحور” في الحرب العالمية الثانية.
ومن المعروف هنا أن المواقف التقليدية من طرف القوى النووية الكبرى، الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين)، تصر على احتكار السلاح النووي، وتعارض امتلاكه من جانب أي دولة أخرى. لكن جرى خرق هذا الحظر، وقامت العديد من الدول بصناعة أسلحتها النووية، مثل “اسرائيل” والهند وجنوب إفريقيا وباكستان وكوريا الشمالية. بعض هذه الدول تمكن من خرق القاعدة خلال فترة الحرب الباردة (” اسرائيل”، جنوب افريقيا)، والبعض الآخر انتظر حتى نهاية العقد الماضي حتى ينجز مشروعه النووي العسكري، مثل الهند التي أعلنت امتلاكها القنبلة الذرية في بدايات مايو/ ايار سنة 1998 ،وباكستان التي تلتها بأيام معدودة. وحدها كوريا الشمالية انتظرت حتى السنة الماضية، لكي تعلن استكمال برنامجها النووي العسكري.
إن تجاوز هذا المحظور من طرف المجموعة الأخيرة، يعني عمليا رفض توقيع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية التي تم التوصل إليها سنة 1995. وقد صار بدءا من هذا التاريخ، في حكم الممنوع على أي دولة أن تكون مالكة للسلاح النووي، وتتمتع بعضوية الوكالة الدولية للطاقة الذرية في نفس الوقت. والسبب هو أن أحد شروط العضوية هو التوقيع على اتفاقية حظر الانتشارالنووي، وهذا لا ينطبق من حيث المبدأ على القوى النووية التقليدية، كون برامجها النووية أصبحت سابقة للإتفاقية.
وهذا يعني أن على الدول التي سعت منذ ذلك الحين لدخول النادي النووي، أن تختار بين برنامج نووي عسكري يعرضها لمتاعب مع المجتمع الدولي، كما هو الحال مع ايران، وبين برنامج نووي سلمي تتولى منظمة الطاقة الإشراف عليه ومراقبته بصورة دائمة، وتقديم المساعدات الفنية اللازمة له. وقد ندر حتى الآن التسامح مع حالة من الحالات، حاولت خرق هذه القاعدة، وهذا يمكن ملاحظته بوضوح من خلال النزاع حول الملفين الكوري الشمالي والإيراني، حيث تبدو امكانية الجمع بين الخيارين النوويين العسكري والمدني مستحيلة، وهي تلقى الرفض من جانب الأطراف الغربية المؤثرة.
لقد فضلت غالبية القوى النووية الجديدة، أي الواقعة خارج نادي الكبار، الخيار الأول الذي وصلته عبر أساليب ملتوية، بدأت عادة بإقامة برنامج مدني، ثم انتهت إلى برنامج عسكري. وقد رأت هذه القوى التي تقع أغلبها في منطقة جغرافية واحدة (آسيا الوسطى، وشرق آسيا)، أن امتلاك سلاح الردع أفضل لها من الناحية الاستراتيجية، من التوظيف النووي في الميدان السلمي، فالمشاكل التي تعيشها بسبب مخلفات نزاعات الحرب الباردة، والخلافات الاثنية والحدودية، دفعتها للتأمين على النفس بوجه التهديدات التي يمثلها الجار الآخر، كما هو الحال بين الهند والصين، وباكستان والهند، وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، أو اليابان وجاراتها.
دولتان من الدول غير الموقعة للمعاهدة انضمتا علنا إلى النادي النووي و هما الهند وباكستان بعد إجرائهما تجارب و تفجيرات نووية . أما إسرائيل التي تتكتم على وضعها وترفض توقيع المعاهدة، فتؤكد التقارير أنها تمتلك ما لايقل عن 100 رأس نووي.أما كوريا الشمالية فقد اجتازت العتبة النووية على الأرجح، و الحال هذه يبدو أن إيران يستهويها مسار النمط الكوري الشمالي.
وفي الواقع هناك خمسون دولة تمتلك اليوم مفاعلات أبحاث أو محطات طاقة التي تسمح لها باجتياز العتبة النووية إما عاجلا و إما آجلا. بيد أنه من الملاحظ أن عدد الدول المرشحة لإمتلاك السلاح النووي قد تضاءل تدريجيا مع مر العقود. و لابد من لفت النظر إلى أن أن هناك بلدانا مختلفة أيضا ، مثل كندا ، و سويسرا ،و ألمانيا، و السويد، و البرازيل ، وتايوان، و إيطاليا، و كوريا الجنوبية، و الأرجنتين ،و ليبيا، و العراق، قد استهوتها المغامرة النووية في مراحل مختلفة و في ظروف متنوعة . فجنوب إفريقيا سعت خلال فترة الحكم العنصري إلى دخول ” النادي النووي” لكنها تخلت عن طموحها ودمرت موجودات ترسانتها لاحقا. كما أنه يتعذر بدقة رصد المستوى الذي وصل إليه النشاط التخصيبي لكوريا الشمالية.
هناك ثلاثة عوامل رئيسة مرتبطة عضويا سمحت إلى حد الآن استبعاد آفاق عالم حيث تتنافس فيه عدة قوى نووية . بيد أن هذه العوامل هي اليوم ضعيفة ، منفردة و مجتمعة.
في مركز هذا الترتيب ، يرمز بشكل طبيعى نظام حظرالانتشار النووي الذي تم التوقيع عليه في عام 1968، و الذي وقعت عليه منذ حينئذ كل الدول باستثناء إسرائيل ، و الهند ، وباكستان و كوريا الشمالية. وهذه المعاهدة هي مضمومة إلى نظام المراقبة و التفتيش للوكالة الدولية للطاقة النووية .
وترى الدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة الأميركية ، أن الأزمة الإيرانية تتعلق بالنتائج المحتملة لصنع قنبلة نووية إيرانية، إذ ستلجأ بصفة خاصة السعودية و تركيا ومصر إلى إنتاج قنابلها النووية . وهنا لا يصبح الاختيار بين أن يكون في العالم 9 أو 10 دول نووية، ولكنه سيصبح بين أن تكون هناك 9 و30 دولة أو أكثر.
إيران أمة قديمة تقع في قلب منطقة حيوية من الناحية الاستراتيجية ، و يشكل خروجها من النظام الدولي لمنع الانتشار النووي تحطيما لمنطق الثقة و الامتناع المتبادلين اللذين شكلا أساس معاهدة حظر الانتشار النووي.فإيران النووية ستفجر سباق التسلح النووي في المنطقة من قبل الدول العربية الرئيسة.فقد اعتبر وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إن:” مصر لا تقبل ظهور قوة نووية عسكرية في المنطقة،حيث أن ذلك سيزيد من تعقيد حالة الخلل الأمني الإقليمي”. و ذكر أبو الغيط أنه لم يحرز تقدما بعد “لشرق أوسط ” خال من السلاح النووي في ضوء الإصرار الإسرائيلي على عدم الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي أو حتى نيتها للانضمام للمعاهدة”.
ثم إن وجود إجماع في ظروف الحرب الباردة بين قائدي المعسكرين الغربي والسوفياتي ضَمِنَ الأمن للقوتين الأعظم ، و مَنَعَ بروز قوى جديدة متمردة على نظام منع الانتشار النووي.بكل تأكيد كانت حرب الخليج الثانية في عام 1991 و ملحقاتها قد فرضت هذا المنطق الثائي على المجموعة الدولية، بما أنه من خلال الإجماع الذي حصل في مجلس الأمن ، فكك المفتشون الدوليون البرنامج النووي العراقي.
بيد أن نظام الإدارة المشتركة لأمن البلدان غير النووية قد اختفى مع زوال النظام الدولي ثنائي القطبية ، وجاءت الحرب الأنكلو- أمريكية على العراق في عام 2003 لتحطم الإجماع داخل مجلس الأمن . فعلى الرغم من إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن ، كما فعلت مع أسلحة الدمار الشامل العراقية في بداية عام 2003، فإن معضلة هذا الملف للإدارة الأميركية، هي “شبح غزو العراق” الذي يخيم عليه، إذ إن واشنطن، بعد إخفاقها الاستخباراتي في موضوع أسلحة الدمار الشامل العراقية، تواجه “تحديا لمصداقية الإدارة في إقناع الأميركيين والعالم بأن واشنطن محقة هذه المرة بشأن إيران”.
2 الصين و الأزمة النوويةالإيرانية
مع الأزمة الإيرانية الحالية ، نحن نشهد من جانب الأوروبيين محاولة إعادة خلق إجماع دولي ، و لكن في شروط مختلفة جراء الكارثة العراقية و الأهداف المتباينة بين أمريكا التي تريد إحداث تغييرات ديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وفق رؤية المحافظين الجدد، و بين الصين و روسيا اللتين ترفضان مثل هذا النشاط. الصدام الإيراني – الامريكي الراهن، ليس في الواقع أكثر من واجهة لصراع اوسع وأضخم بكثير، تلعب فيه إيران الدور نفسه الذي يلعبه الثقب الأسود الكوني الذي يجذب إلى أعماقه كل/ وأي شيء يقترب منه.
القوى العالمية المشاركة في الصراع تشمل، عملياً، كل الدول الكبرى الحالية: الصين وروسيا، أوروبا واليابان، الهند والنمور الآسيوية وغير الآسيوية (البرازيل وجنوب إفريقيا). صحيح أن مشاركة كل من هذه الدول في النزاع تتفاوت بتفاوت قدراتها ومصالحها، إلا انها جميعاً في النهاية معنية كلية بما يجري في الهضبة.
الصين تبدو على رأس القوى المنغمسة في سباق حرب الموارد هذه، لسببين: الاول، أنها الدولة العظمى الصاعدة الجديدة التي ستشَكل بعد نحو عشر سنوات القوة الموازنة الرئيس للزعامة الامريكية العالمية. والثاني، لأنها بحاجة ماسة للغاية إلى كل قطرة نفط وقارورة غاز لتزييت اقتصادها العملاق.
في آخر تقرير صدر عن القوة العسكرية لجمهورية الصين الشعبية في 23 مايو/ أيار ،2006 انتقدت وزارة الدفاع الأمريكية المساعدات العسكرية الصينية لبعض الدول مثل إيران والسودان، ووصفتها بأنها وسيلة لتحفيز هذه الدول على فتح الطريق أمام الصين كي تتمكن من وضع يدها على احتياطي الطاقة في الشرق الأوسط وإفريقيا. كما اتهمتها بتطوير السفن الحربية التي تشكل الأسس المتينة لبناء قوة قادرة على التوغل في مناطق إنتاج النفط على الأرض.
الصين، من جهتها، لا تخفي رغبتها في مد أصابعها وخطوطها إلى إيران. وهي تعتبر أن الحظر الاقتصادي – النفطي الأمريكي على إيران، هدية ثمينة لها تتلاءم ومخططاتها النفطية، لأنه يفسح في المجال أمام الشركات الصينية للاستفراد بساحة النفط الإيراني.
فالصين على تعاون مع إيران منذ فترة طويلة، وخصوصا في ميدان الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وهناك آفاق واسعة للعلاقات الثنائية في المستقبل القريب، في ظل حاجة إيران للخبرات الصينية في تشييد البنية التحتية. ثم إن حيازة إيران للسلاح النووي لايزعج الصين، مثلما هو الأمر لروسيا.ولم تقدم الديبلوماسية الصينية على أي خطوة من شأنها تعكير صفو العلاقة و الصداقة مع طهران التي وجدت أن مصدر انطلاقتها في السنوات الأخيرة هو امتلاكها للنفط .و الصين اليوم سعياً وراء امتلاك الطاقة تتوق إلى الانخراط في الرهانات الجيوبوليتيكية أصبحت منذ عام 1993 مستوردًا صريحَا للذهب الأسود. فهي تشتري ثلث احتياجاتها من الخارج، وسوف يتجاوز هذا المعدل ليصل إلى 50% في عام 2020، و من المحتمل إلى 80 في عام 2030. ويضع هذا الأمر الصين في حالة فقدان للأمن الاستراتيجي، مادام ثلثي هذه الاسترادات مصدرها الشرق الوسط. زد على ذلك حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها المنطقة، النفط يصل الصين عبر الطرق البحرية أي 12000كم تفصل ما بين شنغهاي و مضيق هرمز الواقع تحت سيطرة القوات البحرية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية.
هذا يعني أن الحماس الصيني للفكاك من ربقة الحصار الأمريكي عبر إقامة علاقات وثيقة مع دول نفطية لها حساسيتها الخاصة تجاه واشنطن، و الهدف هوفتح مزيد من نقاط العبور إلى ممرات آسيا الوسطى التي اشتهرت بالأمان. و في هذا الصدد تقدم إيران ورقة رابحة مزدوجة. ففي عام 2004 ، وقع البلدان اتفاقا تشتري بموجبه الصين مادتي الغاز و النفط بقيمة 70 مليار دولار، ومدة التسليم تصل على ثلاثين عاما. ومن هذا المنطلق سوف يساهم الصينيون في استثمار آبار يادفاران الواقعة على مقربة من الحدود العراقية، كما تأمل بكين أن تشارك في مشروع خط الأنابيب مرورًا بإيران و حتى بحر قزوين، حيث يمكنها لا حقًا الاتصال مع خط الأنابيب الآخر الذي يربط كازاخستان بالصين الغربية.
الصين تحتاج إلى إيران بشدة لأنها عطشى بشدة للنفط. وهي تجد في بلاد فارس ضالتها الرئيسة المنشودة. فطهران المتمردة على واشنطن وشركات النفط الأمريكية العملاقة، تمتلك ثاني أكبر احتياطي للبترول في العالم، يقدر ب 132 بليون برميل (11% من الاحتياطي العالمي) وثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي (971 ترليون قدم مكعب أو 1.15% من الاحتياطي العالمي). صحيح ان النفط الايراني أقل منه في السعودية، وصحيح أن كمية الغاز الإيراني أقل من الكمية الموجودة في روسيا، إلا أن ميزة إيران تكمن في قدرتها على السيطرة الوطنية على هذه المصادر الحيوية للطاقة.
وهذا بالتحديد ما يغري بلاد الهان (الصين) على الاندفاع إلى بلاد فارس، برغم التهديدات الامريكية القوية لها بعرقلة اندماجها في الاقتصاد العالمي.ثم إن قسطا اساسيا من قوة الموقف الايراني يعود الى الموقفين الروسي و الصيني. فإلى وقت قريب بدت روسيا و الصين على غير اتفاق مع اوروبا والولايات المتحدة فيمايخص البرنامج النووي الإيراني. ويعود تميزهما هذا إلى أسباب تخص كل منهما على حدة، لكنها مرتبطة في كل الأحوال بعلاقات التبادل مع إيران.
إن الاتفاق الأمريكي لآسيا الوسطى لا يتفق مع تلك المخططات. وهذا بدوره قد أحيا مخاوف بكين حيال الطرق القارية البديلة، يغذيه قلق الصينيين من الوقوع بين فكي كماشة من الشرق و الغرب. من هنا عملت بكين وطهران اللتين تواجهان نفس الإستهداف لتصليب جبهتيهما في مواجهة الاندفاع الأمريكي في المنطقة.
هدف إيران المعلن هو جعل الصين في رأس قائمة مسوقي النفط و الغاز الإيرانيين بدلا ًمن اليابان. وفي هذه الظروف لم يكن مستغربا معارضة الصين في عام 2004 لقرار مجلس الأمن الخاص بالملف النووي الإيراني . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستواضب الصين على حماية إيران حتى ولو أدى التحدي الإيراني الجديد إلى أزمة دولية حادة؟.
في الوقت الحاضر لا تزال الصين تعارض فرض عقوبات قاسية على طهران أو الحديث عن أية إجراءات عسكرية أخرى. فالصين “لاتزال ترى أن الحل الدبلوماسي هو الحل الأنسب”.
3-توتر بين طهران وموسكو حول محطة “بوشهر”
وفيما كان قسطا اساسيا من قوة الموقف الايراني يعود الى الموقفين الروسي والصيني، طرأت مفاجأة للإيرانيين تكمن في التحول في الموقف الروسي، الذي أصبح يؤيد الغرب في سعيه لتقييد البرنامج النووي الايراني. فإلى وقت قريب بدت روسيا على غير اتفاق مع اوروبا والولايات المتحدة فيمايخص البرنامج النووي الايراني. ويعود تميزها لارتباطها في كل الأحوال بعلاقات التبادل مع ايران.
بعد أن توافقت القوى العظمى على إصدار قرارمن مجلس الأمن يتعلق بفرض عقوبات مشددة ضد طهران،اندلعت ازمة جديدة بين موسكو وطهران حول محطة “بوشهر” الكهروذرية الايرانية، التي أنجزتها مؤسسة “آتوم ستروي اكسبورت” الروسية . واللافت في الازمة ليس التناقض الروسي – الايراني في تفسير ملابساتها وحسب، بل في انها شكلت ضربة مفاجئة هزت واحداً من عناصر قوة الموقف الايراني في مواجهة الضغوط الغربية، لاسيما ان الأزمة اندلعت في مرحلة دقيقة من مراحل العمل في المحطة، اي عندما حان أوان البدء بإرسال الوقود النووي اللازم لتشغيلها الى ايران.
ومن المعروف تاريخيا أن محطة “بوشهر”، كانت شركة”سيمينز” الألمانية قد تكفلت ببنائها منذ العام 1980 ، غير أن نشوب الحرب العراقية –الإيرانية الطويلة في السنة عينها ، دفع بالشركة الالمانية الى التخلي عن المشروع، ورفض الخبراء الالمان بعد انتهاء الحرب 1988 العودة لاستكمال العمل فيه. و في العام 1995وافقت روسيا على استكمال العمل لبناء محطة”بوشهر” ،بعد أن وجدت المؤسسة الروسية”آتوم ستروي اكسبورت” مبنى المحطة الكهروذرية مدمراً ومهجوراً لأكثر من 15 سنة.
و بينما كان من المفروض أن تعطي المؤسسة الروسية المسؤولة عن محطة “بوشهر”الوقود النووي اللازم لتشغيل المحطة مع بداية شهر مارس الجاري، أثارت روسيا في شكل مفاجئ مسألة التأخير في دفع المستحقات المالية من جانب الحكومة الإيرانية. وهكذا أعلنت موسكو أن الشركات الروسية “مضطرة لوقف العمل في انجاز المرحلة الأخيرة من بناء المحطة بسبب عدم وفاء إيران بالتزاماتها المالية”. وقال مدير الوكالة الروسية للطاقة الذرية سيرغي كيريينكو للصحافيين “إن روسيا لا تستطيع إكمال بناء المحطة الكهرذرية في بوشهر على نفقتها الخاصة”، وان بلاده لم تتسلم منذ اوائل العام الحالي الدفعات المستحقة على الإيرانيين.
في المقابل أكد نائب رئيس مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية محمد سعيدي أن طهران دفعت لموسكو ” أكثر من 80 مليون دولار خلال الستة أشهر الخيرة” من أصل المبلغ المستحق، و المقدر بنحو مليار دولار، هو كلفة المشروع. لكن التحويلات تأخرت بسبب انتقال ايران من التعامل بالدولار الأميركي الى اليورو. ولمّح المسؤول الإيراني إلى أن أثارا سياسية ستترتب على الموقف الروسي الجديد، حين قال إن المشاكل المتعلقة بمشروع محطة بوشهر “تحمل طابعاً مالياً وفنياً في الوقت الحاضر، ولكن، إذا لم تجهز روسيا الوقود النووي في آذار من هذه السنة فهذا يعني أن المشكلة تجاوزت هذه الأطر”.
وفي هذا السياق، من التصريحات و التصريحات المضادة، بدأت الأوساط الروسية تتحدث عن بداية مغادرة لألفين من من التقنيين والمهندسين الروس وغيرهم من المختصين الذين كانوا يعملون في بناء محطة”بوشهر” ، رابطين بين هذا الرحيل وعدم دفع المستحقات المالية.
وتعزو تحليلات الصحافة الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة بين موسكو و طهران ، لا لأسباب مالية ، و إنما لأسباب سياسية.
1-يرى المراقبون الغربيون أن التحول الذي طرأ على الموقف الروسي نابع من تخوف موسكو ، من أن يكون للإيرانيين برنامج نووي سري.فقد أظهرت تصريحات المسؤولين الروس في الاسابيع الاخيرة تزايد مخاوف موسكو من احتمال تجاوز طهران “الخط الرفيع الفاصل بين الصناعات النووية المدنية والقدرة على تطوير سلاح نووي” تعزز وجهة نظر اطراف ترى ان التطورات الاخيرة وتزامنها مع الحديث عن عملية عسكرية أميركية محتملة تعكس تحولاً جدياً في الموقف الروسي، ويكفي ان سكرتير مجلس الامن القومي الروسي ايغور ايفانوف تعمد ان يعلن اخيراً وفي حمّى السجالات الروسية – الإيرانية أن بلاده “لا يمكن ان تقبل بأن تمتلك إيران سلاحاً نووياً”، وحذر من ان تطوراً من هذا النوع سيشكل تهديداً لأمن روسيا الاستراتيجي. في الوقت نفسه كتب رئيس الوزراء الروسي الاسبق يفغيني بريماكوف الذي يعد مهندس سياسة روسيا في الشرق الاوسط مقالاً اعتبر فيه “ان هناك أقوالاً وأفعالاً تتنافى مع تأكيدات القادة الايرانيين على سلمية برامجهم النووية”، منها رفض ايران تقديم اجوبة على اسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإعلان طهران تصميمها على عدم تجميد اعمال التخصيب، وتسريع وتيرة تركيب المزيد من اجهزة الطرد المركزي المخصص لتخصيب اليورانيوم..
2-تزايد الضغوطات الأميركية على روسيا الذي تزامن مع الاحباط الذي ولده اصرار الايرانيين على تجاهل النصائح الروسية في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومطالب المجتمع الدولي، لجهة التخلي عن تخصيب اليورانيوم.و في ظل هذا التعنت الإيراني ، يبدو أن روسيا قررت التخلي عن حليفها الإيراني ، إذ وافقت موسكو ومعها بكين على مشروع قرار دولي جديد بفرض عقوبات جديدة ضد إيران. ولاشك أن هذا التطور يخدم مصلحة الولايات المتحدة الأميركية ، في الوقت الذي بدأت فيه طهران تخسر آخر حلفائها.
وما يؤكد صحة هذا التحليل قول الباحث الروسي الكسندر بيكايف (من معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية) من أن قادة إيران “يساهمون بطريقة مباشرة في إنجاح السياسة الأميركية تجاه إيران” على رغم خطابهم العدائي حيال الولايات المتحدة لا سيما والغرب عموماً”، مشيراً إلى أن سلوك إيران خلال الأسابيع الأخيرة أوقع بلدين كانا يتخذان موقفاً ودياً تجاه إيران هما روسيا والصين في حرج. وزاد ان موسكو وبكين “لم يعد في مقدورهما أن تقفا مع طهران التي تصر على تجاهل قرارات مجلس الأمن”.
الموقف الروسي، هو الأكثروضوحًا و تأثيرًا. فروسيا هي الحليف الأول لإيران فيما يتصل بالبرنامج النووي ، و كانت مواقف موسكو مؤيدة لطهران دائمًا ، أو رافضة لمسايرة الضغوط الأوروبية والأمريكية عليها، وآخر هذه المواقف الاقتراح الذي قدمته روسيا لإيجاد مخرج من عقدة تخصيب اليورانيوم الذي تصر عليه إيران. فقد أقرت روسيا للمرة الأولى بوضوح أن طهران تعطي حججًا إلى الأطراف التي تشتبه في أنها تسعى لامتلاك السلاح النووي مشددة موقفها من حليفتها. ودعت روسيا إيران إلى وقف كل نشاطاتها لتخصيب اليورانيوم لاستخدامه وقودًا نوويًا بأنه “خطوة في الاتجاه الخاطىء”.
فحسابات و مصالح روسيا التي تجعلها حريصة على استمرار التعاون مع إيران ، لم تعد كافية لتستمر موسكو في الدفاع عن إيران و التصدي لواشنطن و أوروبا بالوقوف في خندق واحد مع الإيرانيين.وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في تصريحات أوردتها وكالات الأنباء:”إن اقتراح روسيا بتخصيب اليورانيوم الإيراني على أراضيها ما زال قابلا للتفاوض” . و أضاف أن الخطة الروسية”لاتزال مطروحة على طاولة المفاوضات و تشكل عنصرًا مهماً في البحث عن حل”للأزمة النووية الإيرانية.و تقترح موسكو منذ أشهر على طهران تخصيب اليورانيوم على الأراضي الروسية لطمأنة الغربيين الذين يشتبهون في أن طهران تطور شقا عسكريًا سريًا تحت ستار برنامجها النووي المدني.وكان هذا الاقتراح المدعوم من الأمريكيين و الأوروبيين موضع جولات مفاوضات عدة عقدت في موسكو و طهران بدون أن تسفر عن نتيجة.
ومهما أحرجت المواقف الإيرانية الصين أو روسيا، لن تدخل هاتان الدولتان طرفاً في عمل عسكري ضد إيران بسبب طموحاتها النووية وذلك لاعتبارات نفطية واقتصادية ومصالح جغرافية – سياسية لموسكو وبكين.
4-واشنطن والخيار العسكري
هناك إتفاق عام في واشنطن يقوم على عدم السماح لإيران بإمتلاك السلاح النووي.و قد رأينا مؤخرا كيف أن واشنطن و تل أبيب تخوضان الحرب النفسية ضد طهران. فإيران تريد القنبلة النووية ، رغم أن قادة طهران أكدوا للمجتمع الدولي مرارا و تكرارا أن هدفهم من وراء تخصيب اليورانيوم ، يتمثل في توظيف التكنولوجيا النووية لخدمة الأغراض السلمية، و أن نزاهتهم في هذا الشأن لا يجوز أن يرقى إليها شك من جانب الحكومات الغربية. و تكمن المسألة في معرفة ” ماهو غير مقبول ” حقا، من وجهة نظر أوروبية و أمريكية ، هل إن إيران تريد صنع القنبلة النووية؟ و هل إن المسألة تكمن في ” تغيير النظام ” الحاكم في طهران ، أم في منع إنتشار الأسلحة النووية؟ لأنه لا يوجد أي حزب سياسي إيراني ، و لا حتى المعارضة الملكية الموالية للشاه و القريبة جدا من واشنطن ، تعارض إمتلاك إيران القنبلة النووية.و هناك شبه إجماع في المشهد السياسي الإيراني- الذي ليس هو أحاديا- على ضرورة إمتلاك إيران السلاح النووي .
وفي إطار هذا الصراع مع الغرب، تحدت ايران الدول الغربية وباشرت ابحاثها النووية بعد تعليق طوعي استمر نحو عامين ونصف العام .وعاد المشروع النووي الايراني الى الواجهة من جديد، وأخذ يتصدر الاهتمام الدولي، بعد أن وصلت المفاوضات بين الترويكا الاوروبية(فرنسا، المانيا، بريطانيا)، والسلطات الايرانية الى طريق مسدود
ويثير البرنامج النووي المدني الايراني خصوصا مخاوف الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي اللذين يخشيان أنه يشكل غطاء لشق عسكري لامتلاك السلاح الذري.ويعتبر تخصيب اليورانيوم مرحلة اساسية في العملية النووية لأنه يسمح وفقا لدرجة التركيز، بإنتاج وقود يمكن استخدامه في مفاعل نووي وفي انتاج شحنة قنبلة نووية.ولكن إيران تؤكد بقوة وبصورة متكررة أن برنامجها النووي مخصص حصرا للأغراض المدنية، وأنها لا تسعى لحيازة السلاح النووي.
ومع استئناف أبحاثها النووية مؤخرا، باتت ايران على مسار تصادمي مع الدول الغربية، حين أعلن رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية غلام رضا اغا زاده الثلاثاء10نيسان 2007ان الجمهورية الاسلامية مصممة على نصب 50 ألف جهاز طرد مركزي في نطنز لتخصيب اليورانيوم، من دون تحديد رقم “منعا لإثارة الالتباس” حول أهداف إيران. وقال “فكرت ان وسائل الإعلام الأجنبية قد تفسر ذلك بأن برنامج إيران انتهى بتثبيت ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي”، مؤكداً أنه “على العكس، لقد دخلنا المرحلة الصناعية وسيتواصل تثبيت الأجهزة الى ان تبلغ خمسين ألف جهاز”. وأشار الى ان “التجهيزات الكهربائية وأنظمة التهوية (..) في نطنز مصممة لتثبيت خمسين ألف جهاز”.
وكان اغا زاده والرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد قد أعلنا أول أمس انتقال تخصيب اليورانيوم الى مستوى صناعي من دون ان يكشفا عدد أجهزة الطرد المركزي التي نصبت في نطنز.
وعلى الرغم أن الكثير من الخبراء يعتبرون أن إيران تحتاج إلى سنوات قبل التزود بالأسلحة النووية،إذ يحتاج برنامج القنبلة الحقيقية إلى 50 ألف آلة نابذة ويستغرق تطويره 5 أو 10 سنوات،فإنهم يرون اليوم أن الخطر النووي الإيراني أصبح المعيار لتحديد الحلفاء ورسم المعسكرات المتخاصمة التي تقسم الأسرة الدولية. وهو يقود بدون شك إلى أزمة دولية جديدة.
وتبلورت هذه الصورة تماماً بعد التحدث إلى مجموعة من الخبراء في الملف الإيراني وملف الشرق الأوسط: إن واصل الإيرانيون هذا المسار وطوروا الأسلحة النووية، الاحتمال كبير بأن تلجأ الولايات المتحدة إلى استخدام القوة العسكرية بدعم من حلفائها أو من دونه.
وفي إيران، يعوّل الرئيس أحمدي نجاد على ضعف الأوروبيين والصعوبات التي يواجهها جورج بوش في العراق.
ثلاثة خيارات
وتمتلك الإدارة الأمريكية ثلاثة خيارات في التعامل مع الملف النووي الإيراني .
الخيار الأول، و يتمثل في بدء مفاوضات شاملةمع إيران.أن تتخلى إيران عن البرنامج النووي و دعم ما تسميه واشنطن”الإرهاب” مقابل تعويضات تقدمها واشنطن تتمثل في رفع العقوبات الاقتصادية، و دخول إيران إلى منظمة التجارة العالمية، و ضمانات أمنية أخرى. ويبدو أن هذا الخيار صعب التحقيق، إذ إن الأمريكيين ما انفكوا يقترحون الخيار عينه منذ عشرين سنه ، بينما كان الإيرانيون يرفضون.و في معرض شهادتها أمام لجنة الشؤون الخارجية للكونغرس، قالت كوندليزا رايس أن الخلاف مع إير ان يتعدى برنامجهاالنووي:”إنه من الصعب إيجاد أرضية مشتركة مع حكومة تعتقد أن إسرائيل يجب أن تزول و تساند حزب الله و المنظمات الإرهابية الأخرى المصممة على تحطيم مسار السلام”.
الخيارالثاني، و هو المتبع اليوم. إنه خيار الدبلوماسية الذي يقوم على العصا والجزرة.ويعتقد كينيث بولاك:”أن الإيرانيين حساسون للضغوطات الاقتصادية.و يتمثل المشكل في قدرة الأوروبيين و الأمريكيين على العمل بصورة مشتركة . فإذا توصلوا، ستتنازل طهران. ويجب أن يكون الحل الذي يقترحة الأوروبيون ذو مصداقية ، لكي يجربوه الإيرانيون، و في الوقت عينه يجب أن تستعد الإدارة الأمريكية لتقديم تنازلات.فهناك طريق يجب قطعه من الجانبين.”
و يفترض هذا الخيار أن تتخذ الإدارة الأمريكية و كذلك الحكومة الإيرانية قرارات صعبة.و لا يمكن أن يؤكدأي إنسان أن موقف طهران هو ستاتيكي (ثابت)و غير قابل للإختراق: إن تطبيع العلاقات مع واشنطن سيزيد من التكلفة السياسية لبرنامج عسكري،و سيؤثر على شرائح داخل النظام الإيراني، و سيفسح في المجال لتوسيع المبادلات التجارية التي سيستفيد منها البعض.
و قدأخفقت الدبلوماسية، بعد أن فرض مجلس الأمن عقوبات اقتصادية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية . وإذا رفضت إيران الامتثال لقرارت مجلي الأمن ، عندئذ سيبقى أمام واشنطن اللجوء إلى الخيار العسكري.
ويبدو الخبير العسكري الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط، ريتشارد روسيل متشائما بشأن الخيارات تجاه إيران. فهو يعتقد أن الدبلوماسية الأوروبية التي تركز على الخيار السلمي لا مكان لها من النجاح، و أن العقوبات التي فرضها من قبل مجلس الأمن ستضرب الشعب الإيراني أكثر منه النظام . و أخيرا ، يعتبر الخيار العسكري خيارا مليئا بالمخاطر، إذ سيترتب على القوة المهاجمة ضرب المئات من المراكز الحساسة، أو إحتلال البلاد، و هي مغامرة في الحالتين كلتيهما تفوق قدرات الولايات المتحدة الأمريكية الحالية الغارقة في المستنقع العراقي.
و في نطاق البحث عن الخروج من هذا النوع من الحلقة المفرغة ، تقترح اللجنة حول الخطر الداهم (Committee on Present Danger-CPD) ،التي تشكلت في أيام الحرب الباردة- و كانت تحذر من سوء تقدير الخطر السوفياتي – و التي استعادت دورها الآن ، إستراتيجية شاملة ، تستهدف تغيير نظام الحكم في طهران. و كان تقريرها الذي نشرللعلن في ديسمبر 2004 ، قد صاغه بشكل جوهري مارك بالمير المستشار السابق في عهد ريغان و كاتب خطبه، و الذي أصدر مؤخرا كتابا جديدا حمل العنوان التالي:تكسير محور الشر الحقيقي: كيف يمكن التخلص من آخر الديكتاتوريين في العالم لعام 2025″ .على أية حال ،أظهرت السابقة العراقية أن أفكار مثل هذه المجموعات (مراكز أبحاث وضغط) لها تأثير حقيقي على الرئيس بوش و مستشاريه أيضا. و تظل الطريق إلى طهران طويلة و مبلطة بعدة أفخاخ.
و لاتوجد أية ضمانات حقيقية مستقبلا في حال أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على تغيير النظام . فأحداث العام المنصرم ( إخفاق الإصلاحيين في الإنتخابات التشريعية، و إرتفاع أسعار النفط، و الصعوبات الأمريكية في العراق) ،عززت دعاة الخط المتشدد ،و زادت من ثقة النظام في نفسه في أعلى مراتبه منذ عشر سنوات .
أما المسار الثاني للتعامل مع إيران ، فسوف يتم من خلال تفعيل المستوى الدبلوماسي والسياسي الدولي، وبشكل مواز للمسار الأول . ويقضي بحشد المجتمع الدولي بشكل ثنائي مباشر لا سيما مع الحلفاء الأوروبيين وفي العالم العربي، وأيضاً من خلال الأمم المتحدة، لاسيما مع الصين وروسيا، ضد إيران وخططها النووية، “على حد الوصف الأمريكي”، وسيكون لوكالة الطاقة النووية الدولية دور في هذا الحشد، وكذلك مجلس الأمن الدولي، وذلك تمهيداً لتقبل دولي لأي قرار “ستجد واشنطن نفسها مضطرة لاتخاذه”، وهو قرار قصف المفاعلات النووية الايرانية المتاخمة بعضها للعمق الإيراني.
ويبدو أن التصور الأمريكي الحالي لمواجهة إيران توسع ليس لضرب أو قصف مفاعلات ايران النووية فقط، بل الى استهداف الحرس الثوري الايراني، وتقديم المساعدة بكافة أشكالها المباشرة وغير المباشرة لمن يطلق عليهم أمريكياً “تيارات المعارضة الايرانية” في الداخل والخارج.
5-إيران النووية تثير جدلاً حول خيار الحرب
يتفق المحللون الغربيون أن التصريحات التي تصدر عن بعض المسؤولين الإيرانيين حول الملف النووي ، و التي تبدو متناقضة، تعكس في جوهرها حالة من الإرباك التي يعاني منهاقادة إيران .فالنظام الذي أصبح سجين “التعبئة القومية ” التي أطلقها داخليا حول النووي– حين استطاع الرئيس الإيراني أن يجيش شعبه ويحشده ببراعة خلف المشروع النووي الايراني، وينقل المسألة النووية من مجرد حاجة عادية قد تسعى اليها أية دولة إلى مسألة قومية تتعلق بكرامة الأمة الإيرانية- بات يعي أن عقوبات جديدة تتضمن حظراً على صادرات الأسلحة الايرانية، وحظراً على تقديم قروض حكومية إلى إيران، وتجميد ممتلكات بعض الأفراد الإيرانيين والشركات المرتبطين بالبرامج النووية الإيرانية،ستكون لها إسقاطات مدمرةعلى البلاد.و لهذا ، فهو يرسل رسائل إلى الأطراف الدولية تتعلق باستعداد إيران للتفاوض ، و لكن من دون أن يفقد ماء الوجه.فهو لا يقبل وقف تخصيب اليورانيوم من دون مقابل .
إيران تريد أن تكون في نفس وضعية اليابان “على عتبة النووي”، أي أنها تريد أن تمتلك التكنولوجيا النووية المدنية كي تستطيع استخدامها ، في المجالات العسكرية، إذا اقتض الحال.و هذه سياسة الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي : انفتاح باتجاه الدول الأوروبية، وتجميد تخصيب اليورانيوم لمدة سنتين و نصف، على أمل أن يتم الاعتراف بالدور الإقليمي الإيراني في المنطقة.
وعلى الصعيد الإقليمي تمتلك إيران أوراقا قوية ، استطاعت أن توظفها عبر سياستها الخارجية ، إذ زرعت ما يمكن تسميته “مراكز نفوذ متقدمة” في بلدان عدة، تكون نصيرا حادا في أي نزاع قد ينشب مع أية دولة كبرى وبالذات مع الولايات المتحدة. لقد استطاعت إيران منذ الثورة الايرانية دعم الروح الثورية واستنهاض المسلمين عبر سياسة تصدير الثورة، وعندما أخفقت في ذلك، بسبب اندلاع الحرب العراقية –الإيرانية الطويلة، قوّت من شوكة الأقليات التي تستند و إياها إلى نفس المرجعية الدينية في العالم العربي، كما هو الحال مع “حزب الله” ،الذي استطاع بفضل مقاومته الباسلة في لبنان ، وصموده البطولي في حرب تموز الماضية أن يحبط المخطط الأميركي الصهيوني في المنطقة، ، ومن خلال علاقاتها العضوية مع الأحزاب الدينية في كل من البحرين و العراق التي فازت في الانتخابات التشريعية الأخيرة في البلدين كليهما، وأصبحت مسيطرة على السلطة على الأقل في العراق، و عبر تحالفها الإستراتيجي مع سوريا.
من جانبها، تريد الولايات المتحدة الأميركية إبقاء الحديد ساخنا في النار من خلال حشد أساطيلها في الخليج، وممارسة الضغوطات على إيران من أجل دفعها نحو الحل الوسط الذي قد ينقذ ماء وجهها ويقلل في الوقت ذاته من خطر برنامج إيران النووي. فهي تستكشف الطريقة الدبلوماسية و العقوبات الاقتصادية.و هي ترسل إشارات قوية في الوقت عينه على تصميمها باتجاه الخيار العسكري:وتعتبر حاملتي الطائرات الأميركيتين في الخليج العربي صورة شهيرة وحديثة عن “السياسة المسلحة”.
و من المعلوم أن قرار الإدارة الأميركية باستخدام القوة العسكرية لتدمير المفاعلات النووية الإيرانية سوف لن يقود إلى محو كل المراكز النووية ، أو على الأقل استئصال القدرة العلمية و التكنولوجية لخبراء إيران النوويين ،إذ إن المراقبين يعتقدون إيران تملك مفاعلات أخرى مخبأة جيدا، وبوسعها استخدامها للمضي قدما في مشروعها. علاوة على ذلك كله، فإن قرار الحرب سيفجر سلسلة من ردود أفعال إيرانية ضد الكيان الصهيوني و المصالح الأميركية في المنطقة .فإيران قادرة على تحريك “حزب الله” في لبنان وفتح جبهة مع الكيان الصهيوني، وتحريك الشارع في العالمين العربي و الإسلامي الذي يعادي السياسة الأميركية في المنطقة بسبب انحيازها الأعمى “لإسرائيل”، وهو لن يقف على الحياد. وإيران قادرة أيضا على تحريك الأحزاب العراقية الموالية لها ضد أميركا في العراق، فتصبح القوات الأميركية عرضة لهجمات مختلف أطياف الشعب العراقي على اختلاف طوائفه. كما أن خيار الحرب، سيعزز من الوحدة الوطنية للشعب الإيراني ، التي من المؤكد أنها ستنسى مشاكلها الاقتصادية، وتصاعد الغلاء والتضخم، وزيادة البطالة، لكي تتخندق في الخندق الواحد مع قيادتها السياسية ، التي ستركز على ضرورة محاربة العدو القومي، الذي يريد إذلال إيران المسلمة، ومنعها من امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية.
إذا كانت مخاطرالحرب تعد كبيرة على الولايات المتحدة الأميركية، لجهة تفوقها على إيجابياتها من ناحية ، ولإخفاق الإدارة الأميركية في العراق التي تريد التستر عليه من خلال البحث عن كبش فداء يتمثل في التركيز على دور إيران السلبي جدا من ناحية أخرى، فهل تستطيع “إسرائيل ” أن تتعايش مع إيران النووية؟
الصهاينة يعتقدون أن إيران على مسافة ثلاث أو أربع سنوات من إنتاج القنبلة النووية، (و لكنهم يقولون أن هذه التقديرات لا تأخذ بعين الاعتبار احتمال أن يكون لإيران برنامج نووي سري )، بينما يتحدث الخبراء الأميركيون من خمس إلى ثماني سنوات.
ويفضل قادة الكيان الصهيوني أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية بهذه الضربة العسكرية المعقدة و المحفوفة بالمخاطر. فهم يعتقدون أن الأميركيين مجهزون بصورة أفضل على صعيد الوسائط العسكرية في ميدان العمليات، و هم من دون أدنى شك يستطيعون أن يتحملوا النتائج الدبلوماسية لمثل هذه الحرب المدمرة.بالنسبة للكيان الصهيوني ، الأمر يتعلق بتحدي من طبيعة استراتيجية : المواقع النووية الإيرانية هي متفرقة، و غالبا مخبأة تحت الأرض، و تبعد عن “إسرائيل ” بمسافات تتراوح ما بين 1200 كيلومتر إلى 1500 كيلومتر، وهذه المسافات قابلة للزيادة إذاكان على الطائرات الصهيونية أن تتجنب المجال الجوي الأردني ، بل العراقي.
ولكي تكون لهذه العملية العسكرية معنى استراتيجي ، يجب أن يتم تدمير مراكز التحويل ، و التخصيب، و الإنتاج لليورانيوم بشكل كامل، الأمر الذي يتطلب تدمير على الأقل ، المنشآت النووية في إصفهان ، وناتنزو آراك.و لكي تنجح “إسرائيل ” في تحقيق ذلك، يجب عليها أن تحظى بدعم الولايات المتحدة الأميركية. بيد أن الإدارة الأميركية المحاصرة دوليا وإقليميا و حتى أميركيا من الداخل، تعلم جيدا أن خوضها الحرب ضد إيران ، سوف يجرها إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط، وهي تدرك أنها قد تخسر كثيرا، لا سيما أن استخدام القوة ليس مضمونا.
6-العرب و التحدي النووي الإيراني
من وجهة نظر الغرب ، يعكس القرار 1747 الذي اتخذه مجلس الأمن بالإجماع ، القلق العميق للمجتمع الدولي في شأن البرنامج النووي الإيراني، حيث لا يزال المسؤولون الإيرانيون يؤكدون على مواقفهم الثابتة حيال هذا الموضوع ، ألاوهي أن نشاطات إيران النووية مشروعة بصوره تامة وتجري وفقاً لمعاهده حظر الانتشار النووي، وأن قرارات مجلس الأمن غير شرعية. ويبدو أن قطب النظام الدولي، واشنطن، حسمت خيارها الاستراتيجي حيال إيران: إما الاعتراف لها بدور إقليمي كبير أو مواجهة طموحاتها الإقليمية بكل الوسائل ، بما فيها الخيار العسكري. وفضلا عن ذلك،فإن المواجهة الإيرانية – الأميركية الراهنة لن تخرج إلا بإحدى نتيجتين: إما محاصصة بين الطرفين والاعتراف بدور إيران الإقليمي ،أو مواجهة مدمرة بينهما تدفع خلالها الساحات العربية وفي مقدمها لبنان والعراق أغلى أثمانها.
و إذا كانت الدول العربية ، و لا سيماالخليجية منها، مارست سياسة الصمت لمدة طويلة إزاء البرنامج النووي الإيراني ،فإن تخوفها الآن نابع من أن برامج إيران باتت تشكل مشكلة كبرى لنظام منع الانتشار النووي، وللأمن الدولي ، و لأمن الخليج على وجه الخصوص،في ظل تظافر الدلائل على أن إيران أنجزت مشروعا سريا لتخصيب اليورانيوم، وتسير بخطى ثابتة و قوية على طريق امتلاك السلاح النووي، الأمر الذي ينصبها على رأس المعسكر الراديكالي المتشدد في الشرق الأوسط العربي والإسلامي. ومن المرجح أن تحمل إيران إذ ذاك الدول الإسلامية و العربية على التزام سياستها الراديكالية ، وعلى قطع علاقتها مع الكيان الصهيوني.
بيد أن العوامل التي جعلت هذه الاستكانة العربية لا يمكن احتمالها على أكثر من صعيد، ورجحت كفة القلق، وتصدرت دواعي التساهل ،هي الصعود القوي لإيران في المنطقة بعد الاحتلال الأميركي له في العام 2003، ، و بروزها كقوة طليعية للتيار الراديكالي بزعامة الرئيس أحمدي نجاد، فضلا عن احتمال ظهور جار نووي قريب من الخليج .
على نحو غير مألوف، أظهرت الحرب العدوانية التي خاضها الكيان الصهيوني ضد حزب الله في صيف 2007، في نظر القادة العرب عمق وقوة التأثير و الاندفاع الإقليمي الإيراني في المنطقة ،لا سيما في لبنان .فهذه الحرب، لا الوضع السائد في العراق، هي التي أسهمت في خلق تعبئة سياسية لا مثيل لها، بعد أن أثبتت الحرب أن إيران أصبحت اللاعب الأول على الساحة اللبنانية، وأن قدراتها العسكرية المتطورة، التي أظهر “حزب الله” جزءاً صغيراً منها، هي إحدى أهم أوراقها الردعية. و هناك “البراعة” الإيرانية في نسج التحالفات سواء مع أحزاب تنطوي تحت مظلة “الشيطان الأكبر” في العراق؛ أو مع أخرى تناصب واشنطن العداء العقائدي في لبنان، جعلت جمعها للتناقضات الأيديولوجية في سياسة إقليمية تخدم مصالحها الوطنية مثالاً يومي�