الجمعة، 6 يوليو 2007

Home – Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2600 du 06.07.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


 

الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: حصار- محاكمة عادلة – خيبة أمل جمعيّـة الصحافيّيـن التونسيّيـن: بـيـان الحياة: تونس تريد «شراكة استراتيجية» مع واشنطن رويترز: بالرغم من قواعد المراقبة الأكثر صرامة في العالم: – شبان وفتيات تونس يقضون ساعات طويلة علي الانترنت مغاربية: التدوين الالكتروني دفاعا عن حرية التعبير ومناهضة لصحافة رديئة يو بي آي: تونس تدعو لبلورة برنامج عمل مغاربي مشترك لتحقيق الأمن الغذائي رويترز: نمو قطاع السياحة في تونس 9.6 في المئة في النصف الاول رويترز: الرئيس الفرنسي يلغي زيارة للمغرب خلال جولة في شمال أفريقيا الشيخ محمد العكروت الرئيس الأسبق لحركة النهضة والسجين السياسي السابق في حوار شامل صريح مع الحوار.نت ( الجزء 1 من 3 ) عبد الستار بن موسى نقيب المحامين التونسيين لصحيفة “الشرق” القطرية وضع المحاماة في تونس سيئ.. محسن المزليني: حوار حول حرية المعتقد تحت الحصار سفيان الشّورابي: اتحاد الطلبة التوحيد.. التوحيد طلبة تونس: الإتجاه الإسلامي و المسألة الثقافية  د. اعْلية علاني: الإســلاميـــون بتــونــس بين المواجهة والمشاركة (1980 ـ 2006 ) بي بي سي: هل تغيرت أولويات المعارضة التونسية ؟ نقابي من بن عروس: من خطبة الرفيق بلقاسم العياري د. محمد الهاشمي الحامدي: مواقف عمرية (1) أحمد فؤاد نجم:دا شعب فقرى


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
تونس 29 يونيه 2007 – 5 يوليو 2007
حصار الأمن التونسي يحاصر مقرّ التكتل الديمقراطي للعمل والحريات ويمنع العديد من الناشطين المشاركة في ندوة حول حرية المعتقد والاعتداء عليهم بالعنف دون أيّ سبب خاصة وقد سمح لبقية الوافدين بالدخول. محاكمة عادلة رئيس محكمة الدّائرة الجنائيّة الثانية بالمحكمة الابتدائية , يمنع احد المحامين من إتمام مرافعته بدعوى أنّ لا حقّ له في مناقشة قرار دائرة الاتهام الذي أحيل بمقتضاه المتهمون على الدائرة الجنائية وأمر أعوان الأمن بإخراجه بالقوّة من الجلسة، وقد حال المحامون الذين كانوا موجودين بالقاعة دون ذلك. وأمر برفع الجلسة دون تمكين بقية المحامين من الترافع ودون أعذار المتهمين وقد صدرت فيما بعد أحكام قاسية ضدّهم.والرابطة التونسية لحقوق الإنسان التي نقلت في بيانها الواقعة طالبت في نهاية بيانها بتوفير الضمانات القانونية للمحالين على المحاكم بمقتضى قانون الإرهاب واحترام حقوقهم كاملة بما في ذلك سلامتهم الجسدية والمعنوية وحقهم في الدفاع عن أنفسهم وتكليف المحامين للحضور معهم أمام جميع الهيئات القضائية ومعاملتهم بصورة تحفظ كرامتهم سواء في مراكز الأمن أو بالسجون وتمكينهم من حق زيارتهم من طرف أهلهم ومحاميهم دون قيود وضمان الشروط الدنيا للمحاكمة العادلة عند إحالتهم على القضاء. خيبة أمل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تصدر بيانا لتعرب فيه عن خيبة أملها في اللقاء الذي تم بين السفير التونسي بالقاهرة والدكتور بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر لمناقشة سبل دعم التعاون في مجال حقوق الإنسان بين المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر والهيئة العليا لحقوق الإنسان في تونس بخصوص مؤتمر يعقده المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر حول الديمقراطية وحقوق الإنسان في أفريقيا في بداية ديسمبر القادم دون أن يتطرق اللقاء الذي أعلن عنه المجلس القومي إلى أي إشارة حول موجة القمع الشديدة التي مارستها الحكومة التونسية ضد الصحفيين و نشطاء حقوق الإنسان في تونس التي شهدها شهر يونيو الماضي لقراءة البيان : http://www.hrinfo.net/press/2007/pr0702.shtml المصادر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مزيد من المعلومات والموضوعات على صفحة تونس : http://www.hrinfo.net/tunisia


جمعيّـة الصحافيّيـن التونسيّيـن

تونس في 6 جويلية 2007

بـيـــــــــان

 

نقلت أجهزة التلفزيون للعالم أجمع أمس الصّـور البشعة لقيام قوّات العدوان الإسرائيلي في غـزّة بإطلاق النّـار على الزميل المصـوّر الصّـحفي الفلسطيني عماد غانم وهو طريح الأرض، ممّـا أدّى حسب المصادر الطبيّـة إلى بتر ساقيه.

وتمثّـل هذه العمليّـة الإجراميّـة حلقة جديدة من سلسلة استهداف القـوّات الإسرائيلية للصحفيّيـن بهدف منع الكشف عن الفظاعات التي ترتكبها في حـقّ الشعب الفلسطيني.

وفي الوقت تعبّــر فيه جمعيّـة الصحافيّيـن التونسيّيـن عن تضامنها الكامل مع الزميل المصاب ومع كافّـة الصحفيّيـن الفلسطينيّيـن في مواجهة الإرهاب الرّسمـي الإسرائيلي، تؤكّـد إدانتها للجرائم الوحشيّـة الإسرائيليّـة ورفضها القاطع لاستهداف الصّـحفيّيـن..

 

عن الهيئة المديرة

الرّئيـس

فوزي بوزيّـان

 


 

 

تونس تريد «شراكة استراتيجية» مع واشنطن

تونس – الحياة    

 

أكد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أن بلاده تسعى إلى «الارتقاء بعلاقتها مع الولايات المتحدة إلى شراكة استراتيجية… تخدم الأهداف المشتركة في تحقيق السلم والأمن». وقال في رسالة إلى الرئيس جورج بوش لمناسبة احتفال أميركا بالذكرى الحادية والثلاثين بعد المائتين لإعلان استقلالها إنه يريد أن تعكس الشراكة المزمعة «عمق الروابط التاريخية بين البلدين وتخدم الأهداف المشتركة في تحقيق السلم والأمن والازدهار لشعوب العالم كافة».

 

وكان وفد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي زار تونس نهاية الشهر الماضي، وحض الحكومة على اتخاذ خطوات إصلاحية في المجالين السياسي والإعلامي «تُعزز النجاحات التي حققها البلد في المجالين الاقتصادي والاجتماعي».

 

على صعيد آخر، أظهرت النتائج النهائية لانتخابات نقابة المحامين فوز المحامية الإسلامية سعيدة العكرمي والمحامي الإسلامي محمد نجيب بن يوسف بعضوية مجلس النقابة، فيما استأثر النواب القريبون من «التجمع الدستوري الديموقراطي» الحاكم ببقية المقاعد في المجلس وعددها خمسة.

 

وهذه المرة الأولى التي يفوز فيها محامون قريبون من «حركة النهضة» المحظورة بمقاعد في مجلس نقابة المحامين. وكان محامون يساريون يسيطرون على المجلس السابق، إلا أن الصراعات بينهم حالت دون فوز أي منهم في المجلس الجديد الذي يستمر ثلاث سنوات. وكان المحامي المعارض بشير الصيد فاز بمنصب نقيب المحامين الإثنين بعدما رجح نحو مئة صوت كفته على منافسه القريب من الحكم شرف الدين الظريف في اقتراع متوتر استمر 24 ساعة نهاية الأسبوع الماضي. غير أن الصيد الذي تولى قيادة النقابة بين العامين 2001 و2004 أعلن أنه سيكون نقيب جميع المحامين أيا كانت نزعاتهم واراؤهم.

 

(المصدر: صحيفة “الحياة” (يومية – لندن) الصادرة يوم 5 جويلية 2007)


 

 

بالرغم من قواعد المراقبة الأكثر صرامة في العالم:

شبان وفتيات تونس يقضون ساعات طويلة علي الانترنت

 

تونس ـ رويترز: تزايد في الاونة الاخيرة عدد المراهقين التونسيين الذين يقضون ساعات طويلة أمام الكمبيوتر يتحاورون فيما بينهم داخل البلاد ومع غيرهم من مختلف أنحاء العالم عبر الانترنت في منتديات الدردشة. لكن الاباء وبعض الخبراء يساورهم القلق علي ابنائهم من هذه الظاهرة الجديدة. وقال معز الصوابني رئيس الجمعية التونسية للانترنت لتلفزيون رويترز لا يجب الخوف من الانترنت. العديد من الاشخاص والدول كذلك يخافون من الانترنت ويقولون هناك أشياء سيئة ويخافون علي ابنائهم منه. الجيد والسييء موجود في كل مكان. لابد علي الشاب أن يري السلبيات والايجابيات ثم يحكم بمفرده .

 

لكن الطبيب النفسي كمال عبد الحق يقول الانترنت لن تسمح للشاب بالتعبير عن مشاكله خاصة اذا كان الشاب مراهقاً. لان المراهق يتساءل كثيرا وهو في مرحلة انتقالية لا تسمح له أن يكون مستقرا في شعوره لانه يقوم ببناء شخصيته. اذا كيف يكون هناك حوار حين ينغلق الشاب علي وسائل يكون الطرف المقابل فيها مجهولا .

 

وقد يبدو الجدل في هذه القضية امرا عفا عليه الزمن لكن الانترنت جديد نسبيا في تونس. فقد اشارت احصاءات دولية عن مواقع الانترنت الي ان نسبة مستخدمي الانترنت في تونس لم تزد علي 9.3 في المئة من السكان حتي ايلول (سبتمبر) عام 2006. وتشير بيانات الي ان الاقبال علي استخدام الانترنت يتزايد سريعا مقارنة بواحد في المئة فقط من التونسيين كانوا يغامرون بتصفح الانترنت عام 2000.

 

ويرجع الفضل في هذا الي حد كبير الي الجهود الحكومية النشطة لاتاحة وتنظيم استخدام الانترنت من خلال وكالة الانترنت التونسية التابعة لوزارة تكنولوجيا الاتصال التي تقدم خدمة الاتصال بالشبكة الدولية عبر الهاتف أو عبر الحزم العريضة أو الاقمار الصناعية. واعلنت الوكالة في الاونة الاخيرة توصيل الجامعات ومعامل البحث والمدارس الثانوية بالانترنت بشكل كامل في انحاء البلاد وان 70 في المئة من المداراس الابتدائية أصبحت متصلة بالانترنت. وافتتح اول مقاهي الانترنت التي ترعاها الحكومة في تونس عام 1998. ومنذ ذلك الحين زاد عدد البالغين الذين يقضون ساعات في مقاهي الانترنت العامة في انحاء العاصمة يتخاطبون عن بعد مع افراد من كل الجنسيات. ويكمن قلق الاباء في عدم قدرتهم علي مراقبة المواد التي يطالعها ابناؤهم عبر الشبكة. وقال الصوابني الاب حين يجد ابنه أو بنته تتخاطب عن بعد يخاف ويقول ربما بالسماح له أو لها بالاشتراك عبر الشبكة سيقع في مشاكل .

 

ويدور جدل ايضا بخصوص امكانية ان يتحول قضاء ساعات أمام الانترنت الي نوع من الادمان، وان يكون له تأثير ضار علي قدرات صغار السن في التواصل الاجتماعي داخل العالم الطبيعي بعيدا عن عالم الانترنت. ويقول عبد الحق المشكل ان كنا نستعمل الانترنت للتخاطب مع الاخرين سنجد أنفسنا في تعطيل عن التعبير العاطفي الذي تقع فيه التباسات، وهذا يعطل التواصل مع الاخرين وهذا من شأنه أن يشعر الشاب بالكبت وينتابه شعور بأنه لم يستطع ايصال أفكاره. اذا يعيد الكرة ويلح وهذا يتطلب وقتا .

 

وتفرض تونس بعضا من أكثر القواعد صرامة في العالم علي مراقبة الانترنت. وكشفت اختبارات اجرتها مبادرة اوبن نت التي تراقب عمليات الاشراف والرقابة علي الانترنت عن رقابة حكومية منتظمة في تونس لمواقع المعارضة السياسية والمواقع التي تنتقد سجل الحكومة في مجال حقوق الانسان او المواقع الاسلامية والمواقع الاباحية والخاصة بالمثليين وكثير من مواقع خدمات الترجمة.

 

(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 6 جويلية 2007)


 

 

التدوين الالكتروني دفاعا عن حرية التعبير ومناهضة لصحافة رديئة

تتحد مجموعة من أصحاب المدونات التونسيين لشجب الحرمان من حرية التعبير في بلادهم فيما آخرون يشنون حملات ضد رداءة الكتابة الصحفية.

أثار ما قامت به الشرطة التونسية يوم 17 مايو الأخير بالتضييق على مجلة كلمة غضب أصحاب المدونات التونسية وطرحت تساؤلات حديثة عن الحرمان من حرية التعبير في بلادهم.

 

في المقال كلمة التونسية: حرّروا الكلام” ضم المدون التونسي كوسموبوليس صوته لاتحاد الصحف العالمي لشجب ما أسموه “التخويف والقمع للصحافة الحرة في تونس”. و دعا أصحاب المدونات للانضمام إلى سامسوم الذي كتب يقول “في يوم 1 من يوليو من أجل حرية التعبير وكسر المحظور في تونس”.

 

هذه هي المناسبة “من أجل وضع [حد] للصمت عن العديد من المواضيع…بشجب هذه الحالة التي تضر بسمعة بلادنا العزيزة علينا. لنتحد …ونُخرج مقالات أو مواضيع محظورة في البلاد” هكذا كتب المدون التونسي.

لقد نفذ صبرنا. نريد تغييرا حقيقيا ليس ثورة مجرد الحق في التعبير عن ذواتنا بحرية” كانت تلك كلماته التي شجب بها سامسوم القضية. وأضاف يقول “أدرك أن المشروع محفوف بأخطار كبيرة لكن ما لنا أن نخسره؟ [الحكومة] تحجب مدوناتنا نستطيع أن ننشأ مدونة أخرى لنفس القضية. سنقوم بنشر مدونة جديدة. وسنقوم بإنشاء وسيط بهذه المناسبة لنرى ماذا سيحدث. إذا تم إغلاق 300 مدونة وحظر الوسيط لا بأس. سنعيد الكرة من جديد بعناوين الكترونية جديدة”

 

الجدال اتخذ مسارا آخر بعد أن دعا المدون سالمازان زملاءه المدونين باستغلال المبادرة للتشهير بالصحفيين الذينينسون أن حرية التعبير لها أيضا حدود وقواعد”. ويعتقد المدون أن حرية التعبير ينبغي استخدامها للتعبير عن الذات وكشف الحقائق بدل السعي لتحقيق المكاسب السياسية. ودعا المدون إلى مساعدته في شجب رداءة الكتابة الصحفية و”حرية التعبير للأغبياء”.

 

وجاءت دعوة سالمازان ردا على مقال نُشر في مجلة ميدل إيست أونلاين الذي نقل عن تقرير لصحيفة الوطن زعم وجود “عبدة الشيطان في تونس والتي تضم 70 شابا وشابة” وناقش المقال أيضا الاجتماعات السرية ومراسيم العبادة الغريبة لهذه الجماعة.

 

وردا على مقال “إعلام رخيص والعواقب: هل نتفاعل أم ماذا؟” للمدون فضاء سافون نشر المدون ديمون انجيليك مسودة رسالة موجهة لموقع ميدل إيست أونلاين. وجاء فيها “أنا شابة تونسية لقد قرأت المقال الذي نقلتموه عن الوطن التونسية حول عبدة الشيطان. أردت فقط أن ألتمس منكم التحقق من مصدر الخبر مستقبلا إذا أردتم نشر أي شيء. لأن هذه الصحيفة الرخيصة ليست لها موثوقية ولا يشتريها أويقرؤها إلا القلة”

 

الجدال الساخن الجاري في عالم التدوين التونسي استرعى انتباه المدون أونورمال الذي كتب عنه يقول إن الكفاح ضد الإعلام الرديء ويوم التدوين من أجل حرية التعبير في تداخل “لأن الحرب ضد الصحافة الجاهلة والعبثية أولوية دفاعا عن حرية التعبير في بلادنا”.

 

(المصدر: موقع “مغاربية” (ممول من طرف وزارة الدفاع الأمريكية) بتاريخ 5 جويلية 2007)

الرابط: http://www.rezgar.com/news/s.news.asp?nid=132187

 


 

«اتصالات تونس» تستعد للتخصيص

تونس ـ صالح عطية

 

لم تستبعد مصادر حكومية رسمية، إخضاع قطاع الهاتف القار لتنافسية خلال الفترة المقبلة، وذلك ضمن توجه جديد صلب شركة «اتصالات تونس» التي ترغب في تحسين خدمات الهاتف القار، إلى جانب خدمات الربط بشبكات الانترنت. ويخضع قطاع الهاتف القار حاليا، لاحتكار «اتصالات تونس» (التيليكوم)، المشغّل الأول للاتصالات الهاتفية في تونس، لكنه قطاع يعاني من شكاوى عديدة من قبل حرفائه، بالنظر إلى خدماته التي لم تتطور بالشكل المطلوب.

 

من جهة أخرى نفت هذه المصادر التي رفضت الافصاح عن هويتها، أن تكون «اتصالات تونس»، تفكر في التفويت في جزء من رأس مالها إلى القطاع الخاص، مثلما تردد في بعض الأوساط.

وكانت شركة «تيليكوم»، خصخصت نحو 35% من مساهمتها العام المنقضي لشريك فرنسي.

 

وأوضحت ذات المصادر لـ «الشرق»، أن الشركة، منهمكة خلال هذه الفترة على إنجاز جملة من المشروعات الجديدة، إلى جانب تنويع الخدمات وضمان جودتها، وتوفير الاحتياجات الموجودة، استعداداً للسنوات القادمة، التي يتوقع أن تتكثف خلالها حركة الأعمال في البلاد، على خلفية تدشين منطقة التبادل الحر التونسية الأوروبية، ودخول منافسين أوروبيين إلى تونس في قطاعات البنوك والمصارف والمحيط الاقتصادي والتجاري عموما. 

 

(المصدر: صحيفة “الشرق” (يومية – قطر) الصادرة يوم 6 جويلية 2007)


 

 

نمو قطاع السياحة في تونس 9.6 في المئة في النصف الاول

 

تونس (رويترز) – أظهرت بيانات رسمية نشرت يوم الجمعة أن عوائد السياحة في تونس ارتفعت 9.62 في المئة الى 1.207 مليار دينار تونسي (933 مليون دولار) خلال النصف الأول من العام مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.

 

والسياحة هي المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية في تونس وتمثل أكبر قطاع من حيث العمالة بعد قطاع الزراعة.

 

وكانت عوائد السياحة قد ارتفعت الى 2.8 مليار دينار العام الماضي من 2.56 مليار دينار في العام السابق. وبلغ عدد السائحين 6.5 مليون سائح وهو الاكبر منذ بدأت الدولة تطوير قطاع السياحة قبل نحو 46 عاما.

 

وتتوقع الحكومة عوائد تتجاوز ثلاثة مليارات دينار عن العام 2007 بأكمله بارتفاع يبلغ نحو 8.6 في المئة عن العام الماضي.

 

(المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 6 جويلية 2007)


 

 

مداخيل السياحة في تونس تفوق 710 مليون يورو

 تونس (6 تموز/يوليو) وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء – أفادت إحصائيات رسمية لوزارة السياحة التونسية أن مداخيل القطاع السياحي بلغت خلال النصف الأول من العام الجاري نحو 1.207 مليار دينار (حوالي 710 مليون يورو) .

و أضافت هذه الإحصائيات التي نشرت اليوم (الجمعة) أن هذه المداخيل نمت بنحو 9.62% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية . وقد بلغ عدد السياح الذين زاروا تونس منذ يناير الماضي 2 مليون و 564 ألف سائح من بينهم مليون و 463 ألف سائح أوروبي و 148 ألف سائح إيطالي.

ويتوقع المراقبون أن تقفز هذه الأرقام بصفة ملحوظة خلال النصف الثاني من العام الحالي خصوصا و أن أشهر تموز و أغسطس وأيلول تشهد ارتفاعا في عدد السياح و المداخيل من النقد الأجنبي. يذكر أن تونس استقطبت خلال سنة 2006 نحو 6.55 مليون سائح.

 

(المصدر: وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء بتاريخ 6 جويلية 2007)

 

 


 

تونس تمنح ريجو اويل ترخيصا للتنقيب عن النفط والغاز

 

تونس (رويترز) – قال مسؤولون بالحكومة التونسية يوم الجمعة ان تونس منحت شركة ريجو اويل الكندية ترخيصا للتنقيب عن النفط والغاز في جنوب البلاد.

 

وأضافوا أنه بموجب اتفاق اقتسام الانتاج ستستثمر ريجو اويل بالاشتراك مع شركة الانشطة البترولية التونسية المملوكة للدولة ثمانية ملايين دولار في عملية التنقيب.

 

ويغطي الاتفاق الذي تبلغ مدته أربع سنوات منطقة تبلغ مساحتها 4380 كيلومترا مربعا تمتد بين منطقتي توزير وكيبيلي.

 

(المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 6 جويلية 2007)

 


 

تونس تدعو لبلورة برنامج عمل مغاربي مشترك لتحقيق الأمن الغذائي

 

تونس ـ يو بي آي: دعت تونس الدول المغاربية إلي بلورة برنامج عمل مشترك لدعم قدرة القطاع الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة، وللتصدي للتحديات الكثيرة التي تواجهه.

 

وقال محمد الحبيب الحداد وزير الفلاحة والموارد المائية التونسي في كلمة إفتتح بها الأربعاء أعمال الملتقي المغاربي للمنظمات الزراعية، إن هناك ضرورة ملحة لإنشاء قاعدة معلوماتية تبرز خصائص الإنتاج الزراعي المغاربي وإمكانيات تسويقه إقليميا ودوليا.

 

وشدد علي أهمية تعزيز علاقات التعاون والشراكة بين الهياكل والمنظمات الزراعية وهيئات الخدمات الزراعية المغاربية الناشطة في مختلف مجالات الصناعات التحويلية للإنتاج الزراعي وتسويقه.

وإعتبر أن القطاع الزراعي في الدول المغاربية الخمس (تونس وليبيا والمغرب والجزائر وموريتانيا) يواجه حالياً تحديات كبري علي مستوي التقلبات المناخية وندرة الموارد الطبيعية، وعلي صعيد المفاوضات الجارية بشأن تحرير تبادل الإنتاج الزراعي.

 

وبحسب وزير الفلاحة التونسي، فإن هذه التحديات تستدعي ضرورة تفعيل دور الإتحاد المغاربي للمزارعين بما يساهم في تعزيز التشاور وتنسيق الجهود وبرامج العمل وفق ما تقتضيه التطورات الإقتصادية الإقليمية والدولية ولا سيما منها المتعلقة بالقطاع الزراعي، وبالتالي تحقيق الأمن الغذائي.

 

ومن جهته إعتبر الحبيب بن يحي الأمين العام لإتحاد المغرب العربي أن كسب رهانات المرحلة القادمة يبقي مرتبطا بمدي الإنخراط الفاعل للمزارعين وهيئاتهم في تحديد وإنجاز السياسات والبرامج المشتركة سواء علي مستوي كل دولة أو علي مستوي الإتحاد المغاربي.

 

وأشار إلي أن الإتحاد المغاربي حدّد العديد من التوجهات كأرضية للتعاون المغاربي في المجال الزراعي، منها إحداث سوق زراعية مغاربية مشتركة علي المدي الطويل، وإنجاز خطة مغاربية لتكثيف إنتاج المواد الزراعية الأساسية وإعتماد إستراتيجية مشتركة لمقاومة التصحر وحماية البيئة والتصرف المستديم في الموارد الطبيعية. يشار إلي أن أعمال الملتقي المغاربي للمنظمات الزراعية التي بدأت امس ستتواصل علي مدي ثلاثة أيام بمشاركة كافة الدول المغاربية، وذلك لبحث سبل تفعيل دور الإتحاد المغاربي للمزارعين وإيجاد السبل الكفيلة بدعم العمل المغاربي المشترك في المجال الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي.

 

(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 6 جويلية 2007)

 


 

 

تونسي يقضم أذن غريمه.. علي طريقة تايسون

تونس ـ يو بي آي: قضم شاب تونسي جزءاً من أذن غريمه علي طريقة بطل الملاكمة العالمي السابق مايك تايسون.

وقالت صحيفة الصباح التونسية امس الخميس إن هذا الشاب برر ما أقدم عليه بالدفاع عن النفس، بعد أن هاجمه ثلاثة شبان بقصد سلب ماله وأغراضه. ونقلت الصحيفة عنه قوله أمام قاضي إحدي المحاكم التونسية التي أحيل إليها لمحاكمته بتهمة الإعتداء بالعنف الشديد ،إنه لم يجد سبيلا للدفاع عن نفسه سوي اللجوء إلي قضم أذن غريمه.

ويبدو أن القاضي قد إقتنع بهذا التبرير،حيث حكم عليه بدفع غرامة مالية بقيمة 200 دينار تونسي
(155 دولارا).

وكان الملاكم مايك تايسون الذي دخل التاريخ عندما أصبح أصغر أبطال العالم للملاكمة في الوزن الثقيل عام 1986، قد أقدم علي قضم أذن منافسه إيفاندر هوليفيلد عام 1997، حيث حُكم عليه بدفع غرامة قيمتها 3 ملايين دولار.

(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 6 جويلية 2007)

 


 

الرئيس الفرنسي يلغي زيارة للمغرب خلال جولة في شمال أفريقيا

باريس (رويترز) – قال المتحدث باسم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم الجمعة إن الرئيس سيلغي رحلة مزمعة الى المغرب الاسبوع المقبل بسبب مشاكل في جدول المواعيد لكنه لايزال يعتزم زيارة الجزائر وتونس.

وكان من المتوقع أن يقوم ساركوزي بجولة سريعة في الدول الثلاث يومي 10 و11 يوليو تموز في أول رحلة له خارج أوروبا منذ تولي منصبه في مايو أيار.

لكن المتحدث الرئاسي دافيد مارتينو قال إن زيارة الرباط ألغيت في اللحظة الاخيرة بطلب من السلطات المغربية لاسباب لم تحددها ذات صلة “بجدول المواعيد”.

وأضاف للصحفيين “لكن تم الاتفاق على أن رئيس الجمهورية سيزور المغرب…في النصف الثاني من أكتوبر.”

ومن المقرر الان أن يزور ساركوزي الجزائر يوم العاشر من يوليو تموز حيث يتناول غداء عمل مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ثم سيتوجه مباشرة الى تونس لتناول العشاء مع الرئيس زين العابدين بن علي.

وكانت الجزائر مستعمرة فرنسية بينما كانت تونس تحت الحماية الفرنسية.

وقال مارتينو “الرئيس سيتوجه…الى الجزائر ثم الى تونس ليؤكد مرة أخرى على صداقة فرنسا العميقة مع البلدين ولعرض خطته عن اتحاد لدول البحر المتوسط.”

ويريد ساركوزي اقامة شراكة رسمية تضم دول جنوب أوروبا وهي اسبانيا وفرنسا واليونان وايطاليا والبرتغال وجيرانها في شمال أفريقيا وهي الجزائر والمغرب وتونس وليبيا ومصر.

ولمح الرئيس الفرنسي الى أنه يريد استقطاب تركيا للانضمام للمجموعة بدلا من أن تصبح عضوا في الاتحاد الاوروبي.

 

(المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 6 جويلية 2007)

 


الشيخ محمد العكروت الرئيس الأسبق لحركة النهضة والسجين السياسي السابق

في حوار شامل صريح مع الحوار.نت ( الجزء 1 من 3 )

(ملاحظة : إضطررنا في الحوار.نت نظرا لطول الحوار مع الشيخ العكروت إلى تقسيمه إلى أجزاء ثلاثة)

حاوره: الهادي بريك ـ الحوار.نت ـ المانيا.

من هو الشيخ محمد العكروت :

ــ محمد بن عياد بن مسعود العكروت من مواليد الخامس من يوليو ( جويلية ) من عام 1952 بقرية تشين بمعتمدية مطماطة من ولاية قابس ( الجمهورية التونسية ) من عائلة محافظة ومتمسكة بدينها ومناضلة ضد الإستعمار الفرنسي : أبي وخالي سجنا من أجل ذلك وكانا معارضين لبورقيبة إذ ينتميان إلى الحركة اليوسفية ( نسبة إلى المناضل الوطني صالح بن يوسف عليه رحمة الله الذي إغتاله بورقيبة في مدينة فرانكفورت الألمانية في شهر آب أغسطس من عام 1962 على يد البشير زرق لعيون ). لما خرج المستعمر الفرنسي أصبح خالي وأبي من المغضوب عليهما : خالي ممن عذبهم بورقيبة في ( صباط الظلام ).

ــ حفظت ما تيسر من القرآن الكريم عند المؤدب ( إسم الكتاتيب القرآنية قديما بتونس ) وكان أبي حريصا على أن أقوم بصلاتي منذ صغري.

ــ متحصل على شهادة التقنية الإقتصادية للتصرف وعلى شهادة الباكالوريا ( شعبة آداب ) وحرمت من مزاولة تعليمي الجامعي بسبب دخولي السجن.

ــ متزوج وأب لبنتين وأربعة أولاد : إبنتي البكر تعد لشهادة الدكتوراه ( هندسة مدنية ) وإبني الأكبر متحصل على شهادة تقني سامي ( إعلامية ـ إختصاص تسويق ) يسعى لمواصلة دراسته خارج البلاد إذا يسر الله له ذلك. بقية الأبناء يزاولون دراستهم : إثنان منهم في سنة التخرج ( كلاهما تخصص إعلامية : أحدهما أستاذ والآخر مهندس ). أما الآخران : أحدهما سادسة تعليم ثانوي ( رياضيات ) وتاسعة تعليم أساسي.

ــ إنتميت إلى الحركة الإسلامية بتونس منذ نشأتها حيث بايعت الشيخ راشد الغنوشي في سنة تخرجي سنة 1974 وتحملت العديد من المسؤوليات داخل منطقة قابس لما كنت بها ( المنطقة في النظام الأساسي للحركة هي وحدة عمل ترابية ).

ــ إشتغلت محاسبا في مؤسسة خاصة ثم في مؤسسة حكومية بالعاصمة التونسية ثم طلب مني الشيخ راشد العودة إلى قابس لحاجة العمل الإسلامي بها. أنشأت مكتبة ” الهدى ” التي أصبحت معلما لترويج الثقافة والكتاب الإسلامي بالجنوب التونسي حيث قمت بالعديد من المعارض في كامل تراب الجنوب التونسي ثم عدت إلى العاصمة تلبية لحاجة العمل الإسلامي مرة أخرى بسبب شغور داخل القيادة المركزية في إثر المحاكمات المتتالية للحركة من سنة 1981 حتى 1984. وكذلك بسبب الملاحقة الأمنية حيث أني أصبحت حينها وجها معروفا بقابس لقيامي بالدروس والمواعظ في أغلب مساجد الولاية ( المحافظة ) وإلقاء الكلمات التوعوية في المناسبات ( أعياد وأفراح وأتراح ).

ــ تحملت داخل القيادة المركزية للحركة العديد من المهام إذا كنت عضوا بالمكتب التنفيذي ونائبا لرئيسها ثم رئيسا للحركة عندما حدث الشغور كما كنت عضوا في الهيئة التأسيسية للحركة وشاركت في كل مؤتمراتها إلا مؤتمر 1986 حيث بقيت بصفتي نائبا للرئيس ضمن الفريق الإحتياطي لمواصلة قيادة الحركة.

نص الحوار:

الحوار.نت : شيخ محمد مرحبا بك ضيفا كريما على موقعنا الحوار.نت ونجدد لك التهاني بمناسبة إطلاق سراحك من السجن بعد ما يقرب من عقد كامل ونصف من الإحتجاز.

الشيخ العكروت : هنأكم الله بالإيمان وبصالح الأعمال لخدمة الإسلام والمسلمين رغم أني لا أعتبر خروجي من السجن مكسبا كبيرا إذا كانت حركتي التي أفنيت عمري من أجلها لا تزال مسجونة ومكبلة فما قيمة الخروج من السجن وأنا مكمم الفم ومكبل اليدين والرجلين فإضافة إلى البوليس هناك رقابة من الجميع ( الزوجة والأم والأبناء والأقارب والإخوة في الله ..) فالكل يحاول تكميم فمك إما خوفا عليك أو خوفا منك. لكن هذا السجن يمكن تحمله لمدة متصبرا ممنيا النفس بأنها مجرد سحابة عابرة سوف تزول. أما السجن الأكثر سمكا والأشد من سجن الجدران هو عندما تجد الجميع يطالبك إما بتعويض ما فاته من حرمان أو سداد ما عليك من ديون مادية ومعنوية فالأقارب والجيران والأحباب كل ينتظر أن تزوره وتحسن إليه وتساعده في حل مشاكله ودون أن أغفل على الزوجة التي عانت في غيابي بسبب الرعب من المداهمات الأمنية في دجى الليالي مما أدى بها إلى مرض السكري والأعصاب والقيام بعملية جراحية على المرارة وما عانته من حرمان عاطفي وخصاصة مادية فهي اليوم تنتظر مني أن أوفر لها فسحات في جربة وعين دراهم ( مدن تونسية سياحية جميلة ) وربما زيارة إلى الأماكن المقدسة ( عمرة وحج ) ولم لا جولة في أوربا. وقس على ذلك الأبناء والوالدة مع المطالبة بإصلاح المنزل وترميم الأثاث وتجديده والقائمة طويلة وعريضة ولا أذكر هذا مسألة شخصية تهم محمد العكروت وعائلته وإنما هذه المعاناة قاسم مشترك بين أغلب المسرحين من سجن الجدران. ورغم أن البعض ينحو باللائمة على الحركة وعلى الإخوة في المهجر بالخصوص مذكرين بما كنا نروجه من أدبيات شعارها ( رحم الله الأشعريين كانوا إذا أرملوا إقتسموا ما عندهم بالسوية فهم مني وأنا منهم ـ حديث نبوي شريف ) .. ولكن الحل في رأيي هو أن تسارع الحركة وسائر قوى الخير في البلاد والعالم بمطالبة السلطة بإلحاح كبير إلى رد الإعتبار للمساجين السياسيين من مثل عودتهم إلى أعمالهم المهنية السابقة وتعويضهم عن بعض ما أصابهم وعائلاتهم. أقول بعضا من ذلك فحسب لأنه ليس هناك قوة في الدنيا قادرة على تعويض سنة سجن واحدة فالمعوض هو الله وحده سبحانه في جنة الخلد.

الحوار.نت : لعل أول سؤال يلح على الناس بمناسبة خروجك من السجن بعد عقد كامل ونصف في ظروف شهد القاصي والداني لها بالسوء البالغ هو : كيف وجدت تونس بعد فراقها ؟ كيف وجدت الأهل والقرابة والجار والصديق والرفيق والزميل والصحوة والشارع والطريق والأسعار والإعلام؟ كيف وجدت كل ذلك ؟ هل فاجأتك المشاهد الجديدة وفي أي إتجاه أم كنت ترقب ذلك؟

الشيخ العكروت : في الحقيقة لم أفاجأ فكل الظواهر كانت بوادرها موجودة قبل دخولي السجن إلا أن بعضها نما بسرعة وأخرى كان نموها بطيئا ومتدرجا خاصة أني أرقب الوضع من خلال الزيارة والرسائل وبعض ما تجود به وسائل الإعلام إضافة إلى العزلة. فالعزلة على ما فيها من مساوي ـ مع العلم أني قضيت أغلب فترة سجني ( 16 عاما ) في عزلة إنفرادية منها أكثر من ثماني سنوات متتالة بين بنزرت والكاف والهوارب وقابس ـ تمكنك من معرفة جيدة بالسجن وما فيه من أمراض من خلال التعرف على الإدارة وأعوانها وكل ما يدور داخل هذا الجهاز من إنحراف وفساد بأنواعه المختلفة. كما تمكنك العزلة من معرفة المساجين معرفة قد لا تظفر بها ولا تهتم بها إذا كنت داخل الغرف. قد تتساءل كيف تعرف ذلك وأنت في عزلة؟ هم يمكرون بالليل والنهار للنيل مني وضرب معنوياتي وهرسلتي فهم إضافة إلى سوء معاملتهم مع المساجين بصفة عامة ومع المعاقبين بصفة خاصة تراهم يتعمدون حرمان المعاقبين من أدويتهم وخاصة داء الأعصاب وحرمانهم من الأكل والفراش خاصة في برد الشتاء القارس. فأنا أحاول أن أسري على هؤلاء المعاقبين بهدف دعوتهم وإصلاحهم وبهدف الإستفادة منهم والتخفيض من ضجيجهم الذي لا يهدأ بالليل والنهار. وهذا الصنف في الغالب فيه نوع من الرجولة تجعله يتعاطف معنا ويثق بنا فضلا عن السمعة الطيبة التي تحظى بها الحركة لدى مساجين الحق العام خاصة من خلال معايشتهم للإخوة مع ما قام به الإخوة من جهود جبارة لإصلاح المساجين والأعوان والإدارة مع أن أبناء النهضة معروفون بإحسانهم وكرمهم وحسن أخلاقهم رغم ما نالهم من أذى الإدارة ومن بعض مساجين الحق العام. فالإدارة تعاقب أي أخ يعطي سجينا آخر ولو قطعة من الغلال أو صحن طعام ووصل بهم الأمر إلى منع الإخوة أبناء القضية الواحدة من العطاء والتعاون فيما بينهم ورغم ذلك فإن الإخوة صبروا ونجحوا في ترويض الإدارة والمساجين دون أن أغفل أن الإدارة ومساجين الحق العام بدورهم قد حققوا أقدارا مهمة في ترويض الإخوة والتأثير فيهم سلبا. أما الإدارة فكانت في العموم تعتمد سياسة تغيير الأعوان معي خوفا من أن أؤثر فيهم فتصبح لي صداقات معهم وذلك جرم لا يغتفر. حصلت لي فوائد كبيرة بهذا التغيير المستمر للإعوان جعلتني أعرف من خلالهم ومن خلال المساجين أوضاع البلاد فمثلا كنت أشعر أن بعض الأعوان مكلفون من الإدارة بتسريب بعض الأخبار بهدف إحباطي وضرب معنوياتي ومع ذلك أستفيد منهم إذ تكون تلك المعلومة حافزا لي كي أسأل غيره من الأعوان أو المساجين. كنت أسأل المساجين عن الشباب خاصة شباب المعاهد والجامعات فكانت العشرية الأولى خلاصتها أن المساجد أفرغت من عمارها وأن الشعب التونسي بصفة عامة يعيش حالة من الهلع والرعب فالبعض ترك الصلاة والبعض يصلي خفية وكل أنواع الفساد إنتشرت في المجتمع وخاصة لدى فئة من الشباب فتعاطي المخدرات ظاهرة منتشرة في تلاميذ المعاهد لدى الجنسين ونادرا ما تعثر على شاب أو شابة يصلي أما الخمار فلا وجود له في المعاهد والمؤسسات العمومية والخاصة والجامعات ولكن في السنوات الأخيرة هناك عودة كبيرة إلى الصلاة والحجاب والأكيد عندي أن الأحداث العالمية الكبرى كان لها دور فعال في هذه العودة خاصة حدث 11 سبتمبر الذي رج الضمير العالمي رجا عنيفا فدفع الغربيين إلى البحث عن هذا الدين فبيعت المصاحف والكتب الإسلامية بأعداد لم يسبق لها مثيل ودفع هذا الحدث المسلمين إلى مزيد من التمسك بدينهم والعودة إليه وكذلك الممارسات الإرهابية الوحشية التي مارستها القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا ضد العرب والمسلمين في أفغانستان والعراق وفي السودان وليبيا وفي غيرها. كل تلك الأحداث جعلت الإسلام محور حديث القاصي والداني.

عندي قناعة بأن الإسلام كلما كان محور حديث ولو من المعادين له والمشوهين كان هو المستفيد خاصة مع وجود الدعاة الصادقين المنافحين عنه والموضحين لما جاء به فسنة التدافع لصالح قيم الخير: ” ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض “. هذه العودة إلى الإسلام وهذه الصحوة أصبحت ظاهرة ملفتة للإنتباه في كل العالم وأصبحت مزعجة للسلطة.

كما كانت تصلني بعض الأخبار عن الحملات الإعلامية المطالبة بالحريات وبإطلاق سراح المساجين والمنددة بالظلم والظالمين والقمع والقامعين .. فإضافة إلى التأثير الإيجابي لبعض القنوات الإعلامية التي سخرها الله سبحانه كي تنسف القوانين الظالمة التي كانت تهدف إلى إفراغ المساجد من عمارها وإلى تجفيف منابع الحركة الإسلامية ” ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ” .. ” فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ” .. ” ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ” .. وأصبحت منافسا معتبرا لقنوات الفساد والإفساد وهو أمر يدعو بإلحاح الحركات الإسلامية الجادة والميسورين من أهل الخير كي يستثمروا أموالهم وجهودهم في الفن الراقي ( أغاني جادة ومسلسلات وأفلام ) وتوجيه بعض الشباب من ذوي المواهب والإنفاق عليهم كي يواصلوا دراستهم في الجامعات في الإختصاصات التلفزية والمسرحية والسنمائية .. حتى تكون العودة إلى الإسلام عودة جادة ومتكاملة تلبي حاجات المجتمع المتنوعة .. فالشعب التونسي له إستعداد كبير للتصالح مع دينه لو يجد من يعينه ويوجهه إلى ذلك دون تعسف على رغباته وعاداته .. وحتى ما يراه البعض من إنتشار كاسح لبعض مظاهر السلبية كالغش والخداع والخيانة والوشاية إذ أصبح البعض يعتبرها الصفة الغالبة لدى الفرد التونسي وربما حتى لدى سائر شعوب العالم .. فإني أراها مجرد أمراض سطحية أملتها الحاجة والفقر والتأثيرات السلبية لسياسة السلطة الإعلامية والثقافية و التعليمية فهي في تقديري في طريقها إلى الزوال لأن عمق التدين لدى المواطن التونسي لا يمكن أن تزيله هذه المخططات فالتونسي عميق في تدينه وإن بدا ظاهريا عكس ذلك.

لما كنت في عزلة في سجن قابس أتوا بسجينة معاقبة في حالة هيجان فلم تترك لفظا من الألفاظ البذيئة أو سبا للدين ولجلالة المولى سبحانه إلا نطقت به فخاطبتها بلطف فضحك مني ومن سخافتي بعض المساجين المعاقبين لأنه حسب زعمهم يعرفون ما هي عليه من ضلال وإنحراف ولكن الحمد لله فقد أصبحت تقلقني بكثرة مطالبتها بأن أتلو عليها ما تيسر من القرآن الكريم وأن أعلمها دينها فتعلمت الصلاة وحفظت ما تيسر من القرآن الكريم والأدعية ولبست الحجاب ولما عادت معاقبة في رمضان وجدت أن أغلب المعاقبين يصلون معي صلاة التراويح وصلت معنا وأتت إلى العقوبة وهي أكثر توبة وندما على ما فرطت من عمرها. هذه حالة الكثير ممن عرفتهم داخل السجن وخارجه إذ يظنهم البعض أنه ميؤوس من صلاحهم وتوبتهم ولكن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمان سبحانه يقلبها كيف يشاء فالتدين والطيبة والخير هي فطرة الله التي فطر عليها الناس وأنا مقتنع تمام الإقتناع بأن الشعب التونسي في طريقه إلى التصالح مع هويته ودينه تحت تأثير أمرين متناقضين :

أ ـ ردة فعل نفسية لا شعورية على مخططات التغريب التي تقوم بها السلطة ومن في صفها من الدوائر العلمانية ومن يقف وراءهما من الغرب وأمريكا خصوصا وردة فعل على ما تقوم به أمريكا وحلفاؤها من إضطهاد وقهر للشعوب العربية والإسلامية فهذا في تقديري عامل مهم ومحفز للتصالح مع الهوية والإسلام والتمسك بهما لأنهما الملجأ الوحيد للتقوي على كل الأعداء وعلى الشعور بالعزة والكرامة.

ب ـ ما تقوم به القنوات وما تقوم به الحركة خصوصا من تأثير حتى إن غاب إسم الحركة كحركة سياسية فالحركة ـ حركة النهضة ـ أكاد أقول أنها مجهولة لا يسمع بها الكثير من الناس مجرد سماع خاصة فئة الشباب الذي ولد بعد غيابها أو كان صغيرا وقتها ولكن فكر النهضة وطرحها آخذ في الإنتشار من خلال تأثير أبناء الحركة المغلوبين على أمرهم فأبناء الحركة حتى إن فقدوا الصفة السياسية وفقدوا الرابطة التنظيمية فهم يفعلون فعلهم في المجتمع من خلال معاملاتهم اليومية مع الأقارب والجيران وفي علاقاتهم المهنية والتجارية فضلا على أن أبناء النهضة بدؤوا يسترجعون أنفاسهم ويفيقون من سباتهم وبدأت تعود إليهم الروح المعنوية على الإختلاف الكبير بينهم في النظر فالبعض حتى إن يئس من النهضة كحزب سياسي فهو عائد إلى تأثيره في المجتمع كمسلم جاد يراقب الله سبحانه في نفسه وعياله وفي مجتمعه مع تطليقه بالثلاث لكل إنتماء سياسي والبعض لا يزال يؤمل وينتظر عودة الحركة إلى الفعل كحزب معترف أو كحزب مشاكس متمرد على قوانين السلطة إذا لم تقبل هذه الأخيرة بالإعتراف به وإستيعابه وهذه الفئة التي قد تتمرد ليست بالضرورة تحت لواء النهضة بل قد تتمرد على النهضة وقياداتها إذا لم تقدر على إستعيابها وفهمها.

وخلاصة القول هي أنه رغم سياسة التجويع التي تعتمدها السلطة في البلاد مع كل من خالفها الرأي ومع الشعب عموما حتى تجعل الجميع يلهث وراء لقمة العيش ووراء الديون وهي سياسة إنتهجتها السلطة من خلال سياسة تسهيل القروض لملء جيوب البعض وإفراغ جيوب الجميع حتى لا يبقى لأي فرد متسع من الإهتمام والوقت كي يفكر في السياسة ولا في غيرها فأبواب السجن مفتوحة للجميع والكل في حالة سراح مؤقت بسبب تراكم الصكوك ( الشيكات ) والكمبيالات فالمواطن التونسي في أغلب الحالات لا يرى من مرتبه غير ورقة الحسابات فالمرتب يوزع قبل قبضه وإذا قبض البعض منه فسيوزعه على العطار والخضار والجزار ولا يصل منه إلى داره إلا الزفرة العميقة زد على هذا سياسة التجهيل بغلاء كل وسائل التعليم والتثقيف فالكتاب أصبح ثمنه حارقا … رغم كل هذا فإنه بدأ يعي ما يحيط به وما يحاك ضده فهو واع وفاهم ولهذا فلا خوف عليه فهو عائد إلى دينه وإلى رشده وقد يفاجأ الجميع في أي لحظة من اللحظات مثلما وقع في أحداث الخبز.

الحوار.نت : هل تقص على الناس من خلال موقعنا بعضا مما جرى معك في ضيافة مخافر الشرطة ثم في السجون التي مررت بها؟ إذا كان ذلك يتطلب مجلدا ضخما فهلا إلتقطت لنا مشهدين أو ثلاثة يمكن لها أن تعكس بقية التعامل أو تلخص المأساة وتكون عنوانا لها ؟

الشيخ العكروت : صراع المعلومة : هذا الصراع في بلادنا لا يحكمه منطق ولا قانون إلا قانون الغاب فالجلاد يبحث عن المعلومة كي يرضي أعرافه ويرتقي ويرضى بمنحة الإنتاج. أنا أريد أن أؤمن حركتي وإخواني وأن أؤمن نفسي ولهذا بدأت المعركة منذ لحظة الإيقاف الأولى بحي إبن خلدون فلم أستسلم لهم لا أملا في الهرب ولكن أملا في أن يبلغ الخبر مستعملي الدار وهي إدارتنا وقتها ( وقد وقع ) ولما حاولوا إصعادي إلى سيارتهم بالقوة تشبثت وتترست ببابها ولم يقدروا على إصعادي إلا بعد أن جاءهم المدد وكنت أصيح بأهل الحي طالبا النجدة معلما من تجمهر من المارة والسكان بأني محمد العكروت من الإتجاه الإسلامي وأعرف بالقابضين علي واصفا إياهم بأبشع النعوت خاصة أنهم يلبسون زيا مدنيا. كبلت يداي وأحني رأسي حتى لا أرى ولا أرى. توقعت أني ربما أكون قد بلغوا بي باب سعدون أين الإزدحام ونحن في ساعة الذروة فحدثتني نفسي بضرورة المحاولة من جديد أملا في أن يراني من يعرفني فيعلم الحركة ولا أدرى من أين جاءني ذلك الإلهام وتلك المهارة حيث أدخلت أصابع رجلي في مغلاق الباب وعطلت برجلي يد السائق الذي كان يحاول بيد قيادة السيارة وبالأخرى منعي من فتح الباب وزميله الذي يمسك بشدة بالكبالات ” مينولت ” ويجذبني إليه بقوة ومع ذلك فتحت الباب وقفزت خارج السيارة وكأني في مشهد سنمائي وأوشكت السيارة على الإنقلاب وجثيا فوق رأسي يرضخانه بالحجر ويصيحان في عون المرور قرب المركز الجامعي مشبعانه سبا وشتما وكفرا طالبين منه المسارعة لإعانتهم. كنت أصيح لإعلام المارة وأغلبهم من الطلبة : أنا محمد العكروت من حركة الإتجاه الإسلامي وهما يصيحان أنه مجرم. حدثتهما في الطريق عن أهداف الحركة وأننا نناضل من أجلهم ومن أجل المحرومين أمثالهم : أسيادكم ينعمون في القصور ويهربون الأموال وأنتم تعرضون حياتكم إلى الخطر وذكرتهم بالآخرة ولطخت كسوة أحدهم الأنيقة بالدماء التي تسيل بغزارة من رأسي فحاول إبعادي منتهرا فقلت مستفزا ” إسم الله على الموبر لا يتغبر ” وهو مثل تونسي معروف.

ما إن صعدوا بي الطابق الثاني حتى تجمهروا حولي مشرئبة أعناقهم في فضول كبير وأخذ أحدهم يرقص فرحا ويغني كأنه في عرس معددا ما سيظفر به من عندي من معلومات قائلا : يا تنظيم .. يا إدارة .. يا مالية.. يا تجار .. يا أمن .. يا جيش .. يا ديوانه .. يا علاقات خارجية .. ولكنه أخطأ حيث أراد أن يوهمني بأنه يعرف عني كل شيء فعرفت أنه لا يعرف. بدؤوا إستجوابهم بمقولتهم الشهيرة ” طير البرني إذا حصل ما عادش يفرفط ” وهو مثال تونسي معروف. ولما أعلمتهم بأنهم مخطؤون وأني لا أعرف شيئا مما يطلبونه ونظرا إلى أني متعب والدماء تسيل من رأسي حملوني بسرعة إلى المستشفى العسكري كي يطمئنوا بأن جمجة الرأس بخير وهل أن حياتي في خطر. بعد أكثر من خمسة عشر تعليقة ( نوع من أنواع التعذيب يعرف بإسم ” روطي ” ) تدوم كل واحدة بين أربع وخمس ساعات بمعدل تعليقتين في اليوم لا أنزل إلا بعد أن يغمي علي فألقى على الأرض عاريا ويصب الماء البارد فوقي وأنا أرتجف وأسناني تصطك وتقع إفاقتي بسائل ملهب أحر من الجمر يصب في خياشيمي وعلى أجهزتي التناسلية. لما كانوا يصعدون بي يجرونني جرا وأعترضني رئيسهم وحاشيته وليس صدفة ولكن لتحفيز أعوانه على الضرب بقوة على معنوياتي وقال مخاطبا أعونه : هذا الكلب ولد … ( كلام فاحش جدا معناه إبن زانية ) ما أعطاكم من الشاة كراعا وتوجه إلى قائلا : وربي لنعصرنك كما تعصر الفاتورة لتلد الزيت وقلت في نفسي ما ذا سيفعلون بي أكثر مما فعلوا فالتعذيب الوحشي ملاقيني لامحالة وعلي أن أهزءه أمام أعوانه ومرحبا بالشهادة في سبيل الله سبحانه وقلت له : لو تأكل خبزتك مسارقة خير لك ولا تدري ما ذا يخبئ لك الزمان فلعلي أكون رئيسك على رأس وزارة الداخلية يوما فهجم أعوانه علي متنافسين في إبراز ولائهم فمنعهم وقال في حدة من مفاجأة الجواب وهو ممسك بمسدسه موجها فوهته نحو رأسه : يوم تمسكون أنتم البلاد أنزل على هذا الزناد .. خذوه وحاسبوني بجلده حيا أو ميتا. مع العلم أنه بعد إنتهاء مرحلة التعليق بأنواعه المختلفة ( شكوة ـ روطي ) وإنتقلت إلى المرحلة الموالية كنت عاريا تماما إضافة إلى الجلد بخراطيم المياه المطاطية الحمراء.

مشاهد من السجن :

ــ أوصى به عمار ( أحد الجلادين الكبار الذي إنتقم الله منه في الدنيا عن طريق زوجته وأبنائه المعاقين وما ينتظره يوم الحساب أشد و أعظم والله أعلم ) كرد فعل على ما دار بيني وبينه لما أتانا في فترة المحاكمة محاولا إقناعنا بفك الإضراب عن الطعام إذ قال لرئيسه مدير السجن ( أحمد الحاجي ) بأني قلت له : أنت لا تستطيع أن تأتي لنا سوى بــ ” القريزي ” ( مادة تنظيف حارقة معروفة في تونس ) فأراد إذلالي والإنتقام مني من خلال العون سعيد ( يسميه المساجين العجل لأنه سمن بسرعة كبيرة من خلال سرقة ما تأتينا به عائلاتنا من أطعمة يوم الزيارة ) وكأسلوب من أساليب إذلالنا كان الواحد منا عندما يخرج إلى الفسحة يبقى واضعا يده على جبينه محييا طيلة تمتتعه بالوقت المخصص للفسحة اليومية ويا ويل من يخالف الأمر مع العلم أن الفسحة تدوم بين سبع وثماني دقائق لكني رفضت هذا الأسلوب فلم أحي ” العجل ” فهم بضربي فمنعته بمسك يده.

ــ الملازم بالسجن ( يسميه المساجين شارون ) والوكيل عمار يسبان الشيخ راشد وحركة النهضة ( فهمت من خلال ذلك أن أبناء الحركة قاموا بتحرك حقوقي في الخارج مما أزعج السلطة ) وعند إجتماع لجنة المحاكمة أشبعوني ركلا وضربا وسبا وتفلا في الوجه وتهديدا بأن يضعوا العصا في دبري ويجوبون بي السجن كله على تلك الحال. حكمت المحكمة ( اللجنة ) فأتاني ما يزيد عن ثلاثين عونا وجردوني من ملابسي والملازم يأمرني بالهرولة بينهم وهم في حلقة وكل واحد منهم يدفعني إلى من يقابله ركلا بالحذاء العسكري المعروف ( بوردكان ) وضربا بالهراوة وبعد الإنتهاء من الفصل الأول مروا بي إلى الفصل الثاني فعلقوني وأشبعوني ضربا بالهراوة على رجلي وعلى كل مكان من جسمي وكانت إحدى الضربات على رأسي فأغمي علي ثم إنتقلوا بي إلى الفصل الثالث فألبست زيا عقابيا وهو سروال إلى الركبة مقطع من كل جوانبه ( هيكل سروال ليس أكثر ) وقميص بدون أقفال ملطخ بالدماء والأوساخ والقمل يسعى عليه من كل مكان حتى قتلت من القمل في تلك الليلة من ذلك القميص 260 قملا وفي الليلة التي تليها 150 وهكذا كل ليلة وناولني ” العجل ” ربع غطاء ” زاورة ” رائحتها نتنة من أثر البول والدم والقيئ يسمونها في السجن ” بباصة ” كي تكون فراشا وغطاء والحال أننا في شهر ديسمبر أو جانفي أي برد شديد كما أوثق ” العجل ” رجلي بالسلاسل بطريقة ضاغطة مؤلمة مع الضرب بمفتاح كبير على عظام الساق ” جحاد النعمة ” وهو مكان مؤلم جدا وبقيت عشرة أيام مقيدا بتلك السلاسل بالليل والنهار ترمى إلي في اليوم قطعة خبز يابسة ولكم أن تتخيلوا الباقي …

ــ لما كنت خارجا من سجن المهدية ( مديره الزيتوني ) إفتكوا مني مصحفي وبعض ممتلكاتي ( سردينه و هريسه ) ونقلت إلى سجن قفصة إستقبلني نائب المدير ( إبراهيم يانس ) بالسب والشتم وقال لي : هنا نحن عصابة في جبل فأشتك إلى من تشاء من حقوق الإنسان وإلى .. ( كلام بذيء جدا لا يقوى القلم على مجرد كتابته ) وجردوني من ملابسي وبعثروا أدباشي وألحقوا بها الأذى والقاذورات وأفتكوا الجبة والقميص وغطاء الرأس ( طاقية ) ومددوني على السرير وسلسلوني من رجل ويد وأزالوا الوثاق بعد حوالي أسبوع أي بعد أن أضربت عن الطعام وتقيأت الدم.

ــ في سجن بنزرت زارني المدير ( نبيل العيداني ) فأشتكيت له رداءة الأكلة فشتمني فتركته واقفا وزبانيته ودخلت غرفتي ودخل في هستيريا وأشبعني ضربا وركلا لا تزال آثاره إلى اليوم موجودة ( زرقة واسعة حادة فوق الركبة ) ومزق أدباشي وكتبي ومنها المصحف الشريف الذي ركله برجله ورموا به في القمامة ثم أرجعوه إلي من الغد بدون غلافه الجلدي الذي أدعوا بأنه ضاع في القمامة ولن يزال شاهدا على ذلك حتى يوم البعث إن شاء الله.

ــ في الكاف إستعملوا معي أسلوب الهرسلة والموت البطيء بالتفليق اليومي ( التفليق نوع من أنواع التعذيب يقضي بتقييد الأرجل وتثبيتها والضرب على القدمين بقوة وموالاة حتى تتفطر دما) والحرمان من النوم.

صراع مستمر طيلة 15 عاما من السجن أو تزيد أضربت فيها عن الطعام أكثر من عشرين مرة أكثر من عشرة منها زادت عن الشهر وخمسة منها زادت عن أربعين يوما ووصل آخرها إلى الستين يوما أشرفت فيها على الموت عدة مرات كلها من أجل الرسائل والكتب والنظافة والأكلة والتداوي والزيارة الخ… .

إلى اللقاء في الجزء الثاني من الحوار الصريح الشامل مع الشيخ العكروت.

(المصدر: المنتدى الكتابي لموقع الحوار.نت بتاريخ 6 جويلية 2007)


 

 

عبد الستار بن موسى نقيب المحامين التونسيين لصحيفة “الشرق” القطرية:
** وضع المحاماة في تونس سيئ..
** قانون مكافحة الإرهاب في تونس يتضمن إجراءات تعسفية فيها خرق لأبسط حقوق الدفاع
** نطالب بإطلاق سراح زميلنا محمد عبّو من السجن

** حافظنا على استقلالية المحاماة من جميع التيارات السياسية وموضوع تسييس المهنة «اسطوانة حكومية مشروخة»

** هناك حالة من انسداد الحوار مع السلطة في تونس والمجتمع المدني يعاني من مرض الزعاماتية
تونس: حوار صالح عطية

وصف الأستاذ عبد الستار بن موسى، نقيب المحامين التونسيين، الوضع الراهن للمحاماة بـ “السيئ” ماديا ومعنويا.. وحمّل بن موسى في حوار خص به “الشرق” من تونس، الحكومة مسؤولية تردي أوضاع المحامين، بسبب “منعها إدخال أي إصلاح جوهري على القوانين المنظمة للمحاماة” على حد قوله، الأمر الذي جعل الهيئات النقابية المتعاقبة للمحامين خلال السنوات الإثني عشرة الماضية، لا تحصد سوى الفتات “الذي لا يسمن ولا يغني من جوع”.

وتطرق نقيب المحامين في نهاية مشواره على رأس النقابة، إلى المضايقات التي يعيشها المحامي في تونس سواء من السلطة أو القضاة أو كتبة المحاكم أو من المسؤولين على السجون، فيما تقف الحكومة متفرجة من دون أي محاولة لإعادة الاعتبار للمحامي في تونس.

وانتقد عبد الستار بن موسى بشدة قانون مكافحة الإرهاب الذي أصدرته الحكومة التونسية قبل نحو عامين، قائلا: “إنه يمس من السر المهني للمحامي، ويخرق أبسط حقوق الدفاع، ويمثل تعديا على لسان الدفاع، باعتبار أن المحامي أصبح بموجب هذا القانون ملزما بالوشاية بحريفه وإلا يصير محل تتبع جزائي”حسب قوله.

وطالب نقيب المحامين التونسيين بإطلاق سراح المحامي محمد عبّو القابع في السجن منذ أكثر من عامين بسبب “تعبيره عن رأي مخالف” على حد تعبيره.

لكن بن موسى شدد في المقابل، على أن نقابة المحامين حافظت على استقلالية المهنة في وجه جميع التيارات السياسية، لكنه رفض الادعاءات التي تطلقها الحكومة حول “تسييس مهنة المحاماة”، ووصفها بأنها “اسطوانة مشروخة” لا تمتّ لنقابة المحامين التونسيين.

وكان نقيب المحامين في تونس، رفض تجديد ترشحه لرئاسة النقابة في أول خطوة من نوعها في تاريخ المهنة، مكرسا بذلك منطق التداول على رئاسة النقابة، وهو القرار الذي نوه به المراقبون وصفق له المحامون طويلا في افتتاح جلستهم العامة السنوية أمس..

وفيما يلي نص الحديث..
وضع المحاماة سيئ..
ü كيف ترى الوضع الراهن لقطاع المحاماة في تونس؟

ــ الوضع الراهن سيئ من جميع النواحي.. ماديا اصبح جل المحامين عاجزون عن تأمين مصاريف مكاتبهم وتكاليف الحياة اليومية.. لقد أصبحنا نعيش في عصر بروليتاريا المحاماة.. كذلك الأمر بالنسبة للظروف المعنوية، حيث أصبح المحامي يعاني يوميا في تعامله مع الإدارة ومع كتبة المحاكم، وحتى مع بعض القضاة، أما زيارة السجون فإنها غالبا ما تتم ـ بالنسبة لقضايا معينة ـ في ظروف صعبة في خرق لحقوق الدفاع وخاصة خرق السر المهني.

ü كيف تقيم فترة رئاستك لهيئة المحامين؟

ــ ككل فترة، هناك إيجابيات وسلبيات، وأعتقد أن ما وعدنا به من إصلاحات بأيدي هياكل المهنة حرصنا على إنجازه في مستوى مجلس النقابة، وقد وفقنا في البعض وفشلنا في البعض الآخر.

وأعتقد أن أهم إنجاز حققناه، هو المحافظة على استقلالية المحاماة تجاه كل التيارات السياسية، في السلطة والمعارضة.. فلم نتلق تعليمات من أي أحد، ودافعنا على المهنة في محطات ساخنة بكل جرأة ومسؤولية.

وأرسينا سنة التداول على رئاسة النقابة، إلى جانب تكريس التعامل الديمقراطي فيما بين الفروع المختلفة للمهنة.

لا بد من القول بأن الحلول لمشاكل المهنة، ليست بأيدينا بل هي بأيدي السلطة التي لم تسمح بإصلاح قطاع المحاماة، ما جعل الهيئات المتعاقبة على النقابة تعجز في تحقيق إصلاحات جذرية للمهنة.

كل ما وقع تحقيقه خلال الفترة السابقة التي تمتد على أربعة مدد نيابية، إنما يتمثل في إجراءات لا تسمن ولا تغني من جوع.. إذ ما يزال المحامي التونسي، يعاني من غياب الحماية الكافية عند أداء مهنته، مثلما هو معمول به في عديد الدول الشقيقة والصديقة، على غرار مصر، حيث يعتبر الاعتداء على محام داخل محكمة، بمثابة الاعتداء على مواطن بسيط.

ü لكن مسألة الحصانة ألا تثير الكثير من الجدل في أوساط المحامين؟

ــ في هذا الموضوع حدث ولا حرج.. فالقانون المنظم لمهنة المحاماة، عبارة عن “سيف ديموقليطس”، مسلط على لسان المحامي داخل المحكمة.. فقد يدخل المحامي مرافعا عن حريفه الموقوف، فيحال توّا من أجل مرافعته، وبدلا من أن يعود إلى مكتبه أو منزله، يقتاد إلى السجن مع حريفه.. ونحن نعتقد أنه طالما سوفت الحكومة عملية الإصلاح الجذري ولم تبد إرادة حقيقية بهذا الاتجاه، فإن المحامين التونسيين سيستمرون في معاناتهم.

حول تسييس المهنة

ü هناك جدل كبير في أوساط المحامين منذ مدة بشأن ما يعرف بـ “تسييس” المحاماة، بل هناك اتهامات لهيئتكم الحالية بممارسة التسيس.. ما رأيكم؟

ــ هذه دعاية غير حقيقية، ويجب أن نفصل بين الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ونقد القوانين وانتقاد السلطة، وهو أمر مشروع ولا يعتبر تسييسا، وبين توظيف المهنة أو احتوائها من قبل أطراف خارجة عنها، وهو أمر مرفوض باعتبار أن هذا هو التسييس بعينه.

ولقد حرصنا على ألا تدخل السياسة إلى المحاماة، منعا لتوظيفها واحتوائها.. بل عملنا على معاملة المحامين سواسية دون تمييز ودون البحث عن انتماءاتهم الحزبية.

ü لكن السلطة تعتبر وقوف نقابتكم مع المحامي محمد عبّو نوعا من التسييس؟

ــ نحن لم نقف مع هذا الزميل بوصفه زعيما سياسيا، بل وقفنا مع زميل لنا عبّر عن رأيه.. ولنفرض أننا وقفنا مع زعيم سياسي ودافعنا عنه، هل يعتبر هذا تسييسا؟!

المحامي بطبيعته يدافع عن كل الناس مهما كانت جرائمهم وانتماءاتهم.. فهو يدافع عن القتلة والمغتصبين وعن المحتالين وغيرهم.. هل كثير عليه أن يدافع عن شخص لأنه خالف الرأي وعبّر عن موقفه في الشأن العام؟؟

واعتقادي، أن مسألة تسييس المهنة، اسطوانة مشروخة سيظل يرقص على أنغامها هذا الطرف أو ذاك بحسب هوى كل طرف ومدى استفادته من التسييس أو ضرره منه.. الجدير بالذكر، أن المنتمين للحزب الحاكم، حاولوا في مناسبات كثيرة تسييس المحاماة وعرقلة جهود مجلس النقابة، إلى جانب تعطيل أعمال الجلسات العامة.

ما يمكن التأكيد عليه في هذا السياق، هو أنه لا يمكن تصور المحاماة من دون الدفاع عن الحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان، تلك رسالة نبيلة للمحاماة في جميع أنحاء العالم مهما كان شكل السلطة القائمة.. وستبقى هذه المهنة، شامخة ومناضلة وملتزمة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية ضد الظلم والقهر، وبحب الوطن أيضا.

علاقة التوتر مع الحكومة

ü أليس هذا الاتهام راجع بالأساس إلى العلاقة المتوترة للنقابة مع الحكومة، وأجواء الشد والجذب فيما بين الطرفين؟

ــ السلطة في تونس هي السبب باعتبار أننا انتهجنا الحوار معها وشاركنا في اللجان لإصلاح قضايا المهنة، لكن وزارة العدل وحقوق الإنسان، التفت على أعمال اللجان وقدمت مشاريعها على مقاسها.

لقد اتضح جليا أن الحوار لم يكن جديا مسؤولا وبنّاء، وهي أبسط مقوماته، بل كان عبارة عن واجهة حتى تمرر السلطة مشاريعها وحتى يقال إن المحامين شاركوا في صياغتها.

ü يشكو عديد المحامين في تونس، من عمليات خرق للسر المهني، ما هي مظاهر هذا الخرق؟

ــ في البداية ليس بوسع المحامي نسخ كافة وثائق ملف التحقيق خصوصا في قضايا ما يعرف بـ “مكافحة الإرهاب” و “غسل الأموال”.. كما أن القاضي لا يمكن المحامي من الدفاع بكل حرية، وكثيرا ما ينهي مرافعته.. أما زيارة السجون، فيحرص المسؤولون على هذه المؤسسات العقابية، على أن تتم بمراقبة أحد الأعوان، وهو أمر مخالف للقانون المحلي والدولي على السواء.

من ناحية أخرى، كثيرا ما تمتنع إدارة السجن عن عدم تمكين المحامي من زيارة حريفه رغم حصوله على بطاقة زيارة من القاضي المختص.. كما أن المحامي يجد مشاقا في زيارة حريفه الموقوف على ذمة التحقيق، إذ يقع إيداع هذا الأخير بسجن قد يبعد عن مقر القاضي بمئات الكيلو مترات.

حول قانون مكافحة الإرهاب
ü على ذكر مكافحة الإرهاب، كيف تقيم قانون الإرهاب المعمول به منذ أكثر من عامين في تونس؟

ــ لا بد من الإشارة هنا إلى أن هذا القانون، فرضته الولايات المتحدة الأمريكية بغاية حماية مصالحها.. وتضمن القانون إجراءات تعسفية فيها خرق لأبسط حقوق الدفاع وتعدّ على لسان الدفاع باعتبار أن المحامي أصبح بموجب هذا القانون ملزما بالوشاية بحريفه وإلا يصير محل تتبع جزائي.

ولقد تظافرت جهود المحامين في جميع أنحاء العالم لمكافحة هذا المساس الخطير من المحافظة على السر المهني، على اعتبار أن المحاماة مبنية على الأمانة والشرف، والمحامي يقسم في كل أنحاء العالم قبل ممارسة المهنة، بأن يحافظ على السر المهني بصفة مطلقة.

ü هل تحركتم عربيا ودوليا للاحتجاج على بعض الحكومات، سيما وأنكم عضو في الهيئة الدولية للمحامين؟

ــ نعم هناك مسيرات حصلت من قبل المحامين في عديد البلدان الأوروبية، بل إن هيئات المحامين في دول أوروبية مختلفة، شددت في بيانات على التقيد بالسر المهني بشكل مطلق غير قابل للنقاش أو التنازل.

أما المحامون العرب، فقد نددوا بكل مظاهر انتهاك حقوق الدفاع، وخاصة السر المهني، وتحرك اتحاد المحامين العرب في هذا الاتجاه رفقة جميع نقابات المحامين في العالم العربي.

المحامي محمد عبّو
ü أين وصلت قضية المحامي محمد عبّو بعد أكثر من شهرين من سجنه؟

ــ ما يزال الزميل محمد عبّو موقوفا بالسجن، وقد سعينا إلى إطلاق سراحه، ونحن ماضون في هذه المساعي إلى الآن.. وأتمنى أن يقع إنهاء محنته ومحنة عائلته قريبا.

كيف تقيم الحراك صلب المجتمع المدني في تونس خلال المدة الفارطة، في ضوء “الاستفاقة المفاجئة” لهذه المنظمات مؤخرا؟

ــ أعتقد أن انسداد الحوار مع السلطة، هو السبب في ذلك.. فجل وسائل الإعلام وبخاصة المرئية والمسموعة لا تعزف سوى ألحان السلطة.

كذلك لا بد من ملاحظة انعدام النوادي الثقافية، بل إن الجمعيات جلها موالاة.

أما ما تبقى من جمعيات مستقلة، فإنها تواجه محاولات الاحتواء والمضايقة، فيما أن الصحف المستقلة، تعاني بدورها من المضايقات والحصار الإشهاري.. وبالطبع هذا ما يجعل المجتمع المدني في حراك.. لكنني ما زلت على اعتقاد بأن هذا الحراك جنيني باعتبار الخلافات التي تشق مكونات المجتمع المدني، ومرض الزعامات الذي ينخر كيان مجتمعنا العربي.. فنحن نحب الكراسي، ونضع وراءها آية الكرسي دوما.

 (المصدر: صحيفة “الشرق” (يومية – قطر) الصادرة يوم 6 جويلية 2007)

 

 


 

 

حوار حول حرية المعتقد تحت الحصار

 

محسن المزليني

مرّة أخرى… منعت السلطة يوم 29 جوان الماضي  شخصيات سياسية وإعلامية وحققوقية من حضور ندوة فكريّة حول “حريّة الإعتقاد والضمير”، دعا لها حزبان قانونيان هما الحزب الديمقراطي التقدّمي والتكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريّات.  والطريف في هذه الواقعة غير الطريفة، أنّ المنع تعلّق بمسعى  لتأسيس توافق فكريّ بين أطراف ومشارب فكرية مختلفة تؤطّره حركة 18 أكتوبر للحقوق والحريات. وإذا كان الحدث برمّته أعسر على الفهم وعلى التبرير لأنّه لا يحمل، حسب منطق الأشياء، أيّ خطر لا على النظام العام ولا على الدّولة، فأيّ ضير في ندوة تسعى إلى بناء رؤية مشتركة أو حدّ أدنى من “النظر” التوافقي لمجمل القضايا الكبرى، وتفكيك ألغام فكرية وسياسية ساهمت في تعقيد المشهد السياسي منذ الاستقلال وحكمت على الجميع سلطة ومعارضة بتغليب منطق التنابز و الإحتراب؟ أبان المنع هذه المرّة عن حقيقة مؤدّاها أنّ السلطة في كلّ عصر ومصر هي من يسهّل أو يعيق التواصل بين التيارات السياسية المختلفة وأنّ الفكرة المجرّدة أيّا كانت مرجعيّتها لا تشكّل سببا للقطيعة إلاّ إذا نفخت فيها السلطة من روح التفريق التى تدير عبرها الشأن العام.

ومن تابع النّدوة التي حرص الداعون إليها على أن تتواصل  برغم منع عديد الفاعلين والناشطين خاصّة من أعضاء 18 أكتوبر( السادة حمّة الهمّامي وعلي العريّض ولطفي الحجّي و العياشي الهمّامي وعلي بن سالم والأستاذة راضية النّصراوي وغيرهم) أدرك أنّ هذه الفكرة  وصلت، إذ جدّد السيّد مصطفى بن جعفر في كلمته الافتتاحية عزم الهيئة على مواصلة الحوار الفكري باعتباره الخيار الإستراتيجي الذي لا يمكن التراجع عنه.

عبد المجيد الشّرفي: عوائق فكرية تمنع الإسلاميين من تجاوز منتصف الطريق

 قدّم الأستاذ عبد المجيد الشرفي رؤية نقديّة لمقاربة الإسلاميين فقهيا وسياسيا مثمّنا ما اعتبره بعض المكتسبات ومتتبعا ما رآه عوائق وعثرات.

نصف الطريق

لاحظ الباحث أنّ هذه القضيّة ليست من القضايا الساخنة في تونس لأنّها لا تثير اعتراضا من حيث المبدإ لدى الإسلاميين، وهو موقف اعتبره الشرفي حقيقيا وليس من باب التقيّة أو التكتيك. وأرجع ذلك إلى المكتسبات الفكرية التي حصلت في الفكر الإسلامي التونسي والمدّ الإصلاحي الذي واكب حركة تطوّر المجتمع. إلاّ أنّ هذا التقدّم لم يحجب تمسّك أطياف هذا التصوّر برواسب تمنع من تحقيق قيمة الحرية بشكل كامل. فالإعتراف بالقيمة من الناحية المبدئيّة لا يعني، حسب الشرفي، أنّ المسألة قد حُسمت نهائيا. ذلك “أنّ هناك إشكالا قائما… لا يتعلّق بالمبدإ وإنّما بالإستتباعات الضروريّة له. ويمكن أن نعتبر أنّ الإسلاميين قد قطعوا نصف الطّريق ولكن هناك حواجز فكريّة أساسا تمنعهم من أن يذهبوا بالقضيّة إلى آخر ممكناتها”.

 

 

جهل وانتقاء 

إنّ العائق الذي منع الإسلاميين من تجاوز نصف الطريق إلى تأسيس نظري شامل لحريّة المعتقد والضمير يعود حسب الباحث، إلى آليّة القراءة للتراث التي تتّسم بالجهل بأبعاده المختلفة وبالنّزعة الانتقائية التي تغلب على قراءتهم. فأغلبيّة المثقفين لا يعرفون من التاريخ الإسلامي إلاّ جوانب معيّنة فيه، بينما تضيع حوادث وحقب مختلفة أو تختفي من زوايا النّظر بسوء نيّة أو حسنها فالنتيجة سيّان. فالكثير من الإسلاميين يستنكفون من الخوض في آراء ومسائل من باب التحريم أو التجريم، في حين أنّها كانت من المفكّر فيه في عصور مضت. واعتبر الشرفي أنّ رأيه هذا ليس من باب التجنّي، وإنّما توصيف لواقع، فليس هناك فرق كما قال “بين من يقلّد الغرب أو من يستدعي أنماطا قديمة من الرواسب الذاتية”.

كما أنّ الجهل بكليّة هذا التّراث، حسب الشرفي، دفع الإسلاميين إلى تبنّي قواعد ثابتة ونهائيّة هي “المعلوم من الدين بالضرورة”. فلا يحقّ لأحد مناطحة هذه المسلّمات دون أن تكون لذلك عواقب وخيمة على مآله. وذكّر الباحث بجملة من الأمثلة لتنسيب المسلّمات وليس للاستفزاز. و ذكر من بينها عدد الصلوات الخمسة التي يعتبرها الفقهاء من صنف المعلوم من الدين، في حين أعادها الشرفي إلى “الضمير القصصي” الذي ورد في قصّة المعراج وشابها من مساومة بين الله والرسول محمّد حول الصلوات الخمسين وكيف خُفّضت إلى خمس. وهي قصّة ليست قرآنية، كما يرى الباحث. وأضاف أنّه “عندما يعترض مسلم على عدد الصلوات يُصنّف على أنّه مسّ ما هو معلوم من الدين بالضرورة”. وقس على ذلك  فرائض الصّوم أو غيرهما. وفسّر المحاضر ذلك بضرورة المأسسة التي خضعت لها كلّ الأديان من أجل توحيد الصفوف. “فالرهان، بناء على ذلك هو من طبيعة اجتماعية ذات لبوس ديني”.

كلّ بدعة ضلالة…

ومن المعيقات الأخرى التي منعت الفكر الإسلامي من تجاوز مأزقه هو الخوف الدائم من الجديد، طالما أنّ الرؤية السلبية إلى المستقبل تجسّمت في شكل توجّس دائم من التبديع ومحدثات الأمور. وهذا ما أصاب الشخصية الإسلامية،حسب رأيه، بمرض الإنفصام: انفصام بين واقع غير متحكّم به وتشبّث بتقاليد وأنماط سلوكية تعود إلى رواسب ما قبل الحداثة، وهذا أيضا ما انعكس على الفكر الإسلامي وجعله مربكا طالما أنّه لم يربط بين التراث والظروف والرهانات الاجتماعية والسياسية التي تتحكّم فيه. وبذلك يُصبح أيّ مساس بقيم موروثة بمثابة تصديع للذات…ذات مصدّعة بطبيعتها نظرا للتغيّرات الحضارية مما يُسقط مفكّري هذا التيار في ما سمّاه بالترميم، يدفعهم إحساس متضخّم بأنّهم حفّاظ هذا التراث وهذه الذات من التشتّت وذهاب الريح.

ريح الحضارة الدارسة

وأشار الشرفي إلى عائق آخر استخلصه من مداخلة السيد علي العريض (المكتوبة)، وهي الانطلاق من مسلّمات خاطئة. ذلك أنّ هذا الأخير تمسّك بتأطير رؤيته ضمن “المرجعيّة الحضارية العربية الإسلامية”، وهي، حسب الباحث، رؤية مفوّتة طالما أنّها لم تع بأنّ هذه الحضارة تنتمي إلى الماضي وأنّ كلّ الشعوب الإسلامية تعيش الحضارة الغربية شاءت أم أبت. والحضارة الإسلامية لم تعد تلبي ما تطمح إليه الشعوب في هذا المجال الحضاري كما أنّها لم تعد هي من تصنع قيم السلوك وتؤطّر الممارسة. وأضاف أنّ الذين يعودون إلى هذه المرجعيّة يتعرّضون إلى جملة من الآثار المتعارضة، سواء في النّظر أو الممارسة التاريخيّة، ثمّ يقومون بانتقاء ما يبرر آراءهم ممّا يرسم وجها واحدا لهذه الحضارة ويتغافلون أو يُخفون الوجه الآخر… “وكانّ الرسالة نزلت على الملائكة ولم تنزل على بشر تتغيّر ظروفهم وأحوالهم وقيمهم”. ثمّ ضرب مثالا على القيم المعيقة لإيمان كامل بالحرية وهو مبدأ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، الذي اعتبره الباحث تكريس لمبدإ تمييزي وآلية من آليات التدخّل والوصاية على الآخرين زادت في تعميقها السلطة عندما حوّلتها إلى مؤسّسة حسبة.

وخلص الباحث إلى أنّ الحرية لا معنى لها إذا كانت حدودها شيء آخر غير حرية المعتقد ذاته، فلا الأعراف ولا التقاليد حتّى ولو كانت ذات أصل ديني هي من يحدّ هذه الحرية وإنّما فقط القانون هو الفيصل في المسألة. وختم بالقول “إنّ حرية الضمير والمعتقد مطلب ولكنّ تحقيقه لا يتمّ إلاّ عبر الاعتقاد في حرية غير مقيّدة للتعبير والمعتقد”.     

أحمد نجيب الشابي:  في الفكر الإسلامي مجال فسيح للحرية

   ثمّ تناول الكلمة الأستاذ أحمد نجيب الشابي ليقدّم قراءته للمسألة. غير أنّه بدأ بتعقيب سريع على مجمل الأفكار التي طرحها الشرفي مبديا عدم موافقته على كثير منها، فكيف يمكن، حسب الشابي، القبول بفكرة أنّ الحضارة العربية ماتت ولم يبق منها إلاّ بعض الرواسب المحكوم عليها بالزوال، في مواجهة الحضارة الغربية الحديثة؟ وأضاف أنّ هذه مصادرة خاطئة طالما أنّنا ورغم ما أصاب شخصيتنا الحضارية مازلنا نحسّ بحضورها الحيّ في السلوك والمخيال ونجسّدها في تربية أبنائنا. لذلك فإنّ نعي حضارة بهذا العمق والامتداد لا يمكن البرهنة عليه علميا أو واقعيا.

مخاوف مبرّرة

بعد هذه النّشب والسهام الإعتراضية انطلق الشابي من التذكير بدواعي إدراج قضية حرية الضمير والمعتقد على جدول أعمال هيئة 18 أكتوبر و”الحال أن هذه الحرية مصانة في بلادنا… و أن الدستور التونسي الذي نص في فصله الأول على أن الإسلام دين الدولة، أكّد في فصله الخامس على ضمان حرمة الفرد وحرية المعتقد”. وعزّزت هذه النّصوص الممارسة الاجتماعية التي سارت حسب المحاضر على تلك السنة التحررية دون مشاكل تذكر. واعتبر أنّ ظهور تيارات الإسلام السياسي أثارت منذ مطلع السبعينات، في الأوساط العلمانية واليسارية على وجه الخصوص، مخاوف من أن تستبطن دعوتهم إلى الأسلمة مشروعا شموليا يصادر كلّ الحريات الأساسية. وقد استغلّت السلطة في أكثر من مناسبة هذه المخاوف لتُعمّق الشرخ بين مكوّنات الحياة السياسية وتمنع من تبلور بديل ديمقراطي تعددي. لذلك اعتبر أنّ من أولويات مكوّنات هيئة 18 أكتوبر نزع هذه الألغام الفكريّة وصناعة توافق على الحدّ الأدنى المشترك بحثا عما سمّته بعض الأدبيات بالكتلة التاريخيّة التي تبني الإيلاف الضروري لتحمّل المهام التاريخيّة المطروحة على الجميع. كما أكّد أنّ هذا الطّرح تبرّره تشكّل قوى دينيّة تمتح من معجم القراءات الحرفية للنصوص الدينية، نصوصا تُثمّن الإكراه وتتراجع عن المكتسبات. واستشهد الشابي بما شهدته تونس في الآونة الأخيرة من أحداث تبيّن نشأة سلفية جهادية ترى في الحريّة طعنا في الدّين وإمكانا لمحاربة الله ورسوله كما يُستشفّ من تنظيرات أبو حمزة البغدادي أحد أكبر قادة هذا الاتجاه في العراق. كما أنّ هذا الفكر يرى في الإنتخابات كفرا وفي البرلمانات معاندة ومشاركة للّه في ما اعتبروه تفرّدا بالتشريع. كما يبرّر هذا الطّرح أيضا نكوصا في بعض البلدان الإسلاميّة إلى محاولة تقنين تجريم تغيير المواطن لدينه أو ما اصطلح عليه فقهيا بحكم الردّة. وعدّد المحاضر حالات هذه الممارسة في كلّ من مصر والكويت وماليزيا التي رفضت إحدى إداراتها التنصيص على تغيير إحدى المواطنات ديانتها إلى المسيحية حتى تتمكن من التزوج بمسيحي، وقد أثارت هذه الحادثة، كما ذكر الشابي، اهتمام الرأي العام وتجمع حشد من المواطنين تأييدا لقرار المحكمة باعتبار أن الإسلام هو دين الدولة وأن الردة ليست حرية شخصية وإنما من أركان النظام العام.

ردّة غير قطعيّة

وبما أنّ مسألة الردّة تمثّل أهمّ القضايا الفقهية وهي مثار جدل وحجّة عند الكثير ممّن اعتبروا الفكر الإسلامي غير قابل مطلقا لتأسيس فكرة الحرية، فقد فنّد الشابي  هذا الحكم القاطع اعتمادا على قراءة بعض الإسلاميين المعاصرين المختلفة لهذه القضيّة. ومن بين هذه القراءات، تعرّض إلى المفكّر الإسلامي جمال البنا الذي اعتبر في كتابه “الإسلام وحرية المعتقد” أن الإيمان والكفر قضية شخصية لا تهم إلا صاحبها وبالتالي فلا تدخل ولا إكراه له من أي جهة كانت، وأن الرسل ليسوا إلا مبشرين ومبلغين وليس لهم سلطة إكراه أو جبر، وأن الاختلاف والتعدد بين البشر مما أراده الله ومما يفضل به يوم القيامة وأن الإسلام يؤمن بالرسالات السابقة، مؤكّدا أنه لا يوجد حد في القرآن على الردة رغم عن تعدد الآيات فيها والوعد بالعقاب الأخروي. وأضاف أنّ الحكم الذي استنبطه الفقهاء كان ضدّ المنطق الإسلامي ومقاصد الشريعة. كما تطرّق المحاضر إلى آراء كلّ من سليم العوّا وراشد الغنوشي وغيرهما ممّن أكّد على “أن حكم الردة تأسس على أحاديث لم تبح الدم لمجرد تبديل الدين وإنما لاقترانه بجرائم أخرى كالقتل والمحاربة وأن السيرة النبوية لم يرد فيها  قتل الرسول لمرتد واحد في حياته، بل أن الحوادث المأثورة التي تجاوز فيها الرسول عن المرتدين كثيرة كما يوردون وقائع لم يطبق فيها الصحابة ومنهم عمر حد القتل على المرتدين عن الإسلام.

تقاطع لا بدّ منه

وخلص الشابي إلى أنّ هذا العرض المستفيض لآراء الفقهاء والمفكّرين الإسلاميين لم يكن الغرض منه التموقع داخل المقولات الفكرية لهذا التيار أو الانتصار لأحد الآراء وإنما لإظهار “الفضاء الفسيح الذي يمكن أن يتقاطع فيه التحرريون والمعتدلون من كلا الاتجاهين الإسلامي والعلماني ويؤسسون فيه موقفا مشتركا حيال هذه القضية المعاصرة”. فشتّان، حسب الشابي، بين مكفر ينتصب ناطقا باسم الإرادة الإلهية مستبيحا لدم المسلم لمجرد اختياره الديمقراطية… وبين من يراجع التراث على ضوء قراءة جديدة للقرآن والسنة ليستخلص حرية الفرد ومسؤوليته عن نفسه. لذلك رأى أنّه “بإعلان وثيقة مشتركة حول حرية المعتقد والضمير تكون هيئة 18 أكتوبر وضعت اللبنة الثانية، بعد وثيقة المساواة بين الجنسين، على طريق صياغة “العهد الديمقراطي”، أو الميثاق المشترك بين كل الديمقراطيين التحرريين من أجل غد أفضل”، وشرطا كافيا لتأسيس مجتمع حديث غير منبتّ عن ماضيه أو معزول عن حاضر يطرح الكثير من التحديّات على الجميع.

علي العريض: الإكراه على المعتقد نفي لإنسانية الإنسان

أمّا السيد علي العريض فقد أكّد في ورقته التي تُليت نيابة عنه، أنّه يصدر في مقاربته لقضية حرية المعتقد  “عن قناعة مفادها تضافر قيم العقل و النّقل  في تأكيد حرية الإنسان في اختيار معتقده وما في  ضميره”. مؤكّدا على أنّ هذه القيم  تضمّنتها تعاليم الإسلام ومقاصده و أكدتها المواثيق والمعاهدات الدّوليّة لحقوق الإنسان. كما اعتبر أنّ قيمة الحريّة ليست مجرّد حقّ  من حقوق الإنسان فحسب، بل هي شرط إنسانيّة الإنسان، وتأكيد لكرامة أصيلة بمقتضى الخلق والجعل الإلهي. لذلك اعتبر أنّ تناول هذه القضيّة تتعلّق في التصوّر الإسلامي بمنزلة الإنسان الوجودية… منزلة تتأسّس على مبدإ التكريم،  تكريم الإنسان من حيث هو إنسان أي باعتبار انتمائه إلى الآدميّة التي يشترك فيها جميع البشر، وتكريم باعتباره خليفة للّه في الأرض، وما يقتضي ذلك من شروط الوعي والقدرة على التعقّل والتدبّر وتقرير اختياراته بحرية وتحمل مسؤوليته. وبناء على هذه المقدّمات تتأسّس، حسب العريض، الرؤية الإسلامية… رؤية ترفض الإكراه وتسمح بالاعتراض وتمكّن من الاختيار الحرّ، لأنّ أمر الإيمان يجري على الاستدلال ، والتمكين من النّظر  والاختيار، مدعّما ذلك بالآيات القرآنيّة وبما أورده عن الرازي في تفسيره من “أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر ، وإنما بناه على التمكّن والاختيار“.

الحرية… في التاريخ

و اعتبر العريض في ورقته، أنّ هذه القيم لم تبق حبيسة السطور وإنّما تمثّلها المجتمع الإسلامي في تجربته التاريخيّة بتفاوت طبعا بين الأزمنة والأمكنة. فقد وسعت دار الإسلام المختلف الديني بكلّ تلويناته في عصر كان الإجتماع السياسي يقوم أساسا على التضامن والتلاحم الديني. ورغم أنّ مساحة الحرية طوال الفترات الإسلامية كانت تضيق تارة وتتّسع أخرى على الجميع بما فيهم الرعايا المسلمين ذاتهم، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع، حسب الورقة، من وجود فترات زخرت بالاختلاف والتنوّع والتّعايش والجدل العلني بين المسلمين وشتّى الملل والنّحل والمذاهب بما فيهم من عُدّوا من الملاحدة، و احتضنت هذا التدافع الفكري والمذهبي المساجد وبلاطات الأمراء بحضور جمهور النّاس وهو ما ساهم في نموّ علم الكلام والجدل والمناظرة. أمّا لحظات التوتّر وعدم التعايش فقد فسّرها بتدخّل السياسي، لذلك فإنّ الصراع غالبا ما يكون لاعتبارات سياسية واجتماعية وإن كان تحت يافطات وعناوين دينيّة.

وأكّد العريض على أنّ احترام حقّ النّاس في اختيار عقائدهم وممارسة كلّ الحريّة في هذا الشّأن يأتي من منطلق ديني، تعضده جملة المبادئ والحقوق التي أقرّتها المواثيق الدولية والإقليميّة وذكّر بالفصول التي تناولت هذا الموضوع في كلّ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدّولي للحقوق المدنية والثقافية والإعلان الإفريقي لحقوق الإنسان والإعلان العربي لحقوق الإنسان.

كما اعتبر أنّ هذا الحقّ هو “مكسب إنساني على الجميع أن يناضل من أجل ترسيخه في الدّساتير وفي القوانين وترجمته في الواقع” مؤكّدا على أنّه  “لا تناقض بين احترام الخصوصيّة وعالميّة حقوق الإنسان  رغم أنّ الخصوصية قد تُتّخذ ذريعة للتحلل من الالتزام لاسيما وان الإسلام يدعو إلى إرساء ثوابت قيميّة على مستوى البشريّة جمعاء فهو لذلك عالميّ بامتياز”، مذكّرا بأنّ العالميّة لا تعني الاستنساخ والتنميط وإنّما عولمة للخصوصيات جميعا وليس فرضا لخصوصيّة واحدة على الكل. وفرّق في هذا المستوى بين العالميّة وبين العولمة.

سؤال الردّة

أمّا عن مسألة الردّة فذكّر العريض بأنّ الفقهاء والمفكرين الإسلاميين قديما وحديثا الذين  تناولوا أمر الردّة اختلفوا في تكييفها، إذ ميز بعضهم بين “الردة الفكرية باعتبارها تتعلق بضمير الإنسان وبين ما يصاحب ذلك من ملابسات تتعلّق بما تعدّه الشّرائع والقوانين اعتداءً على الهيأة الاجتماعيّة والنّظام العام مثل الردّة  المصحوبة بالتمرّد أو حمل السّلاح في وجه المجموعة أو التّواطؤ مع قوى معادية،  فالمُجَرَّم فيها ليس تغيير المعتقد بل ما صاحبه من اعتداء على الحقوق والحرمات ورغبة في التّغيير بالقوّة لإرادة المجتمع الذي اختار شكل انتظامه القيمي أو السّياسي أو القانوني.واعتبر هؤلاء إن الردة الفكرية عقوبتها الأخروية عظيمة كما نصت عليه الآيات ولكن لا عقوبة قانونية عليها و إما الردة الثانية فعقوبتها القانونية متعلقة بالجريمة المصاحبة لها”.

تدافع دون إكراه

وخلصت الورقة إلى أنّ هذه القيم وما تنطوي عليه من اختلاف الخيارات الفكرية والثقافية متروكة للحراك الإجتماعي الذي من شأنه أن يعلي بعضها أو يحطّ من قيمة أخرى حسب مسار التدافع فيه بين مكوّناته من نخب وأحزاب وجمعيات مدنيّة، وأنّه لا مجال للقسر السلطوي هنا، لأنّ السلطة إذا دخلت الشأن المدني أفسدته، مضيفا أنّ “تصوّرا كهذا لا يمكن أن يتحقّق إلاّ في ظلّ مجتمع يسوسه نظام ديمقراطي يقوم على عدم الفصل بين الحريّة والمواطنة. وأكّد في الخاتمة على أنّ حقوق الإنسان الأساسيّة الفردية والجماعية عالميّة، و أن لها مكانها في تعاليم الإسلام ومقاصده. و أنّ الانتماء للوطن هو الأساس الذي تقام عليه الحقوق والواجبات على اعتبار أنّ الجميع مشارك في بنائه وحمايته. كما أنّ  تطوّر الشّعب التّونسيّ لا ينفصل عن مرجعيّته الحضاريّة وأنّ الديمقراطية، وفق نظرته، مسار لا كينونة وان الشعب لا يحكم إلا بما يرتضيه وذلك من جوهر الديمقراطية.

مصطفى بن جعفر: فصل الدين عن السياسة الضمان الوحيد لحرية الإعتقاد

كانت خاتمة أوراق النّدوة تلك التي قدّمها الدكتور مصطفى بن جعفر، مؤكّدا في بدايتها على اتفاقه مع أغلب ما جاء في محاضرة الأستاذ الشرفي. أمّا تناوله للقضية مدار النقاش، فحدّد لها زوايا ومرجعيات ثلاث

1ـ الزاوية الحقوقية: وتتمثّل في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، طالما أنّ جلّ قيادات التكتّل الديمقراطي يتحمّلون مسؤوليات في هياكل رابطة حقوق الإنسان. ومن هذا المنطلق اعتبر بن جعفر أنّ المبادئ التي أقرّها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تشكل مرجعا أساسيا في مقاربة التكتّل للمسألة. وبناء عليه، تمثّل حرية المعتقد والضمير إحدى الحريات الأساسية، وهي مسألة شخصية وفردية. ورأى أنّه لا يكفي التذكير بهذه الحقوق وتعدادها، بل وجب التنصيص عليها في نصّ قانوني واضح لا يحتمل اللبس أو التأويل، لكي يصبح مبدأ سياسي مصرّحا به ويخرج من زاوية التناولات الفلسفية أو التحديدات الفضفاضة التي يمكن التلاعب بها. وضرب مثال لذلك بالإعلان العربي لحقوق الإنسان والذي ناور عبر اللغة فأعطى كلّ الحريات ابتداء ثمّ أفرغها جميعا من محتواها بأن وضع لها شرطا نافيا وهو أن تكون “في إطار القانون”، وهو ما يفتح الباب، كما قال، أمام محاصرة كلّ الحريات مثل ما حدث لهذه النّدوة.

2ـ العلاقة بالمنظومة الإسلامية: اعتبر بن جعفر أنّ نظرته تنطلق بتمييز بين الإسلام في حقيقته وجوهره وبين الممارسات التي عرفتها مجتمعات إسلامية عديدة، أي التمييز بين ما سمّاه الشرفي الرّسالة والتاريخ. ذلك أنّ الكثير من هذه الممارسات حادت عن جوهر الرسالة وكرست تناقضا بيّنا بين مبدإ الحرية وبين القراءة التي حاول البعض فرضها بدعوى أنّها الإسلام الأصيل، وعلى أساسها تمّ محاصرة هذه الحريات واتّهم الداعون لها بالزندقة والدّعوة إلى الفتنة بالخروج عن طاعة أولياء الأمور. أمّ الإسلام في حقيقته كما يتمثّل في النصّ القرآني والسنّة النبويّة فهو، في نظر بن جعفر، لا يتعارض إطلاقا مع حريّة المعتقد، إذ لم يكره الله أحدا على الإيمان، رغم قدرته على فعل ذلك. وهو إذ طلب من رسوله ألاّ يُكره أحدا فإنّ القصد، كما يعتقد المحاضر، أن يعلّمنا احترام الكرامة الشخصية. أمّا الردّة فاعتبر أنّ كلّ حيثياتها تشير إلى أنّها قضيّة سياسية بالدّرجة الأولى ولا علاقة لها بالإيمان، ذلك أنّه إثر وفاة الرّسول بادرت عديد القبائل إلى الإنفصال عن الدّولة الوليدة. وفي مواجهة هذه النزعة الإنفصالية دافعت الأمّة عن مكاسبها ووحدتها. وفرّق بن جعفر من جهة أخرى بين مفهوم التسامح وحريّة المعتقد، مبيّنا أنّ المفهوم الأوّل يقتضي عدم التساوي بين مجموعات بشرية. فهو في معناه الحقيقي تنازل مجموعة مسيطرة عن بعض المكاسب لمجموعة أقلّ منها قوّة، في حين تُحيل الحريّة الدينيّة إلى حقوق تقوم علة الإحترام، وهو مبدأ يفترض المساواة المطلقة بين الناس.

3ـ الفصل بين الدين والسياسة: اعتبر المحاضر أنّ حرية الضمير والمعتقد تندرج ضمن منظومة متناسقة تميّز بين ما يتعلّق بالبعد الإيماني العقائدي وبين إدارة وتسيير الشّأن العام. والضمان الوحيد في تحقيق هذه الحريات يكمن حسب الورقة في عدم اعتماد دين أو إيديولوجية معيّنة في تحديد العلاقات العامّة، وهو مبدأ يولي الإنسان المكانة المركزية ويُحيل إلى اعتماد العقل في التدبير والتسيير. وختم المحاضر بالتأكيد على أنّ  الغاية من تفعيل حرية المعتقد والضمير هو تجاوز الوضعية الدونية التي عاشها الإنسان طيلة قرون على الطّاعة دون تفكير والتأكيد على العقل كمرجعيّة فعالة في النّظر والعمل.

 

 

النقاش

لم يكن حيّز مناقشة المداخلات الذي اقتطعه المنظمون من وقت النّدوة، أو ما تبقّى منه بعد أن ذهب الصّراع من أجل إقامتها بأغلب الجهد والزمن، لم يكن يكفي لجدل حول قضيّة حماّلة لكلّ وجوه القول والنّظر، يختلط فيها الديني بالسياسي والعلمي بالإيديولوجي والرّغبة بالقدرة. غير أنّ ذلك لم يمنع من تدخّل في الرّبع الساعة الأخير من رمي سهم نقد أو تعميق فكرة أو تنسيب حكم. كان أوّل المتدخّلين الأستاذ خميّس الشماري الذي أدان ما تعرّضت له النّدوة من أشكال المحاصرة المتنوّعة مؤكّدا أنّ هذا الأسلوب لا يخدم أيّ طرف. ثمّ تطرّق إلى موضوع النّدوة بادئا بشكر الشرفي على مداخلته التي يلتقي مع كلّ ما جاء فيها، معتبرا أنّ تناول موضوع بهذا الحجم والأهمية يستحقّ حيّزا أكبر واقترح لذلك جولة ثانية تُخصّص لمناقشة الورقات المقدّمة. وذكّر بأنّ الرابطة التونسية لحقوق الإنسان سبق لها أن تعاملت مع قضيّتان تتعلّقان بحرية المعتقد والضمير، إذ تدخّلت ميدانيا في قضيّة جدّت سنة 1985 حينما تمّ إيقاف مواطنا تونسيا اعتنق المسيحيّة وأودع السّجن حيث تعرّض إلى معاملة قاسية من قبل المساجين، وهو ما يدل حسب الشماري إلى أنّ هناك عقلية تعارض مبدأ الحرية وليست القوانين فحسب. والطريف في الأمر، كما قال، هو أنّ المواطن أحيل على القضاء بتهمة نشر أخبار زائفة. أمّا القضيّة الثانية التي تدخّلت فيها الرابطة فتتعلّق بما تعرّض له البهائيون أواخر الثمانينات من تتبعات وملاحقات. ثمّ ندّد الشماري بما جاء في الإعلان العربي لحقوق الإنسان معتبرا إيّاه أتعس ما سُنّ من إعلانات ومبادئ تهمّ هذه الحقوق. ثمّ تدخّل الباحث سامي براهم ونقد ما جاء في ورقة الأستاذ الشرفي معتبرا أنّ أغلب أحكامه هي أقرب للإرتسامات أكثر منها نتائج علميّة يطُمأنّ إليها، متسائلا  إن كان القول بموت الحضارة العربية الإسلامية يستقيم علميا، كما انتقد موقف المحاضر الذي اعتبر أنّ الإنطلاق من المرجعية الحضارية كما جاءت في ورقة العريض، يشكّل عائقا أمام تأسيس مسألة الحرية في الفكر الإسلامي. واعتبر براهم أنّ الأمر، بخلاف ما ذهب إليه الشرفي، يمثّل تطوّرا هاما في رؤية الإسلاميين طالما أنّ الإحالة على المرجعيّة الحضارية يستبطن القبول بتعدّد الآراء التي تحفل بها مدوّنات هذه المرجعيّة.

 

صدر المقال بالموقف عدد 413


 

 

اتحاد الطلبة

 التوحيد.. التوحيد

سفيان الشّورابي

(الاتحاد العام لطلبة تونس يعاني من أزمة)، (ضرورة احترام قوانين المنظمة)، (التوحيد هو الخيار الأسلم لإنقاذ ما أمكن)… تلك هي أهم المقولات التي ترددت بشكل واضح من لدن المتدخلين أثناء النقاش العام و المفتوح الذي دعت إليه اللجنة الوطنية من أجل عقد المؤتمر التوحيدي يوم السبت 30 جوان المنقضي، و ذلك بالمقر المركزي للاتحاد. و قد أثّث الموعد حضور ثلة من القدماء و القياديين السابقين للمنظمة الطلابية الذين أدلوا بآرائهم و مواقفهم فيما يتعلق بالمرحلة الراهنة، مساهمين من جهتهم بزبدة تجربتهم السابقة بما يمكن أن يُصلح ما فسد بمرور الزمن.

و تُعتبر هذه المحطة، حلقة جديدة من المشوار الذي اتفقت على السير فيه غالبية مكونات الساحة الطلابية، قصد تعميق الحوار، وتنسيب الاختلافات، و وضع اللبنات الأولى و الضرورية لرتق الجسم النقابي، وترميم هيكل بلغ من العمر نصف قرن حاليا. ففي أي اتجاه انساقت تدخلات الحاضرين؟

التفاف القدماء حول التوحيد

افتتح الأمين العام لاتحاد الطلاب اللقاء بكلمة ترحيبية، أفاض خلالها في التطرق إلى الدور الكبير الذي لعبه قدماء الناشطين في المحافظة على الاتحاد من الاندثار و الاضمحلال مع موجة الهجمة الشرسة التي اتبعتها القيادة البورقيبية تجاه الحركة الطلابية ككل. و قد حثّ خلال كلمته، كل هؤلاء إلى مزيد الالتفاف حول المسار التوحيدي، ودعمه تقنيا و معنويا حتى يتحقق ما يرجو الجميع الوصول إليه.

و أضاف أن ” استقلالية الاتحاد تبقى فوق كل الاعتبارات ومن دون تدخل أي كان”، وهو ما يعتبر ردا صريحا و واضحا على جملة التحركات التي تقوم بها مجموعة الاشتراكيين اليساريين بهدف “الهروب إلى الإمام و محاولة السيطرة الحزبية على المنظمة.”، داعيا في نفس الوقت إلى لتصدي للإسقاطات التي تتعرض إليها الجامعة و الوقوف صفا واحدا ضد الحركة الإسلامية التي تستهدف عقول الطلبة على حد تعبيره.

أما فيما يتعلق بتعطّل عمل اللجنة و الاتهامات الموجه إليها بتعمد التباطؤ لإرجاء موعد المؤتمر إلى فترات متباعدة، فبرّر السيد زعتور الذي يشغل أيضا مهمة الناطق الرسمي باسمها، ذلك بصعوبة تجاوز الخلافات السابقة المتراكمة لسنوات طويلة وصلت في بعض الأحيان إلى الاعتماد على العنف المادي لتسوية التباينات و التعارضات، مؤكدا أن الإتحاد اليوم يستند أولا على الشرعية القانونية (إجماع مكونات اللجنة الوطنية و أغلبية أعضاء المكتب التنفيذي و الهيئة الإدارية)، وثانيا على المشروعية النضالية (التفاف معظم التيارات النقابية و السياسية المتواجدة بالفضاء الجامعي)، وهو ما يثري من جهة و يدفع من جهة أخرى المسار التوحيدي.

و في نفس هذا الاتجاه، عرّج السيد علي فلاح، نائب الأمين العام لمؤتمر التصحيح على “الخطوات الايجابية التي قطعتها اللجنة الوطنية”، معتبرا أن تأجيل موعد المؤتمر إلى بداية السنة الجامعية القادمة يهدف، بدرجة أولى، إلى تشريك أكثر ما يمكن من الطلبة في فعالياته.

وعلى ضوء هذا الخط العام، انساقت غالبية التدخلات الصادرة عن قدماء اتحاد الطلبة. فأطنب السيد منذر جغام في بيان الظرف الموضوعي الذي أفرز حالة العطالة النقابية، معيدا مسبب ذلك إلى “السلطة وممارساتها القمعية التي تضع العراقيل أمامه”، مضيفا أيضا أن “الأقلية المنقلبة مخطئة و ستعود!”. في حين فصَل السيد عبد السلام الحامدي بين الحركة الطلابية و بين الاتحاد العام لطلبة تونس الذي اعتبره الواجهة القانونية و الرافد للحركات اليسارية، خصوصا منذ المؤتمر رقم 19. وكمخرج ممكن حسب رأيه لإنقاذ ما يمكن، نصح السيد الحامدي اللجنة الوطنية بحسن إدارة الأغلبية لأغلبيتها لكي لا تتكرر أخطاء الماضي، وهو نفس الرهان الذي طرحه السيد بوبكر الطاهري الذي دعا إلى تجاوز الإرث الذي يحمله الجيل الحالي، شادا في هذا السياق على أيدي اللجنة الوطنية من أجل مؤتمر موحد كإطار سياسي بمقدوره بلوغ ذلك الهدف.

أما من جهته، فأعرب السيد عبد المومن بلعانس عن مساندته و بدون شروط للخيار التوحيدي، محذرا الجمهور الطلابي من الانقسامات و التجزئة التي نخرت الصف السياسي في الجامعة. وهو ما أثنى عليه السيد منصف الشابي بقوله أن ” الاتحاد يملك وسائل القفز على هذه المرحلة السيئة”، و أنه لا مندوح منه سوى عقد مؤتمر توحيدي يضمن استقلالية القرار في صلبه، مفصحا أن حزبه المعترف به، يدعم بقوة هذا الاتجاه. وهو نفس الهدف الذي تمنى السيد مصطفى الزيتوني تحقيقه، كخطوة أساسية هامة، قد تليها أخريات تدعّم هذا المنعرج حتى تُجذّر المؤتمرات القادمة فعلا جماهيرية الاتحاد المفقودة منذ فترة ليست بالقصيرة.

 

صدرالمقال بصحيفة مواطنون عد 26

 

 


 

الإتجاه الإسلامي في الحركة الطلابية بتونس (الحلقة السادسة) :
الإتجاه الإسلامي و المسألة الثقافية

 انطلاقا من أن الثقافة هي حجر الزاوية لأي مجتمع حر و أن دورها استراتيجي في حركة التغيير

و انطلاقا من الرؤية الإسلامية في بناء ثقافة جادة و مسؤولة لا تسمح بالهزيمة الفكرية و لا تبيح التخاذل  و الإنبطاح و التسليم للواقع المشؤوم المؤلم

و انطلاقا من أن المثقف العربي المسلم يجب أن يتصف بالفكرة الحية و القلم النابض و الحجة الدامغة و الأساليب المعاصرة و اللسان الفصيح حتى يستطيع تحقيق أهدافه بتحريك السواكن و استنهاض الهمم

و نظرا لتوالي أعمال الهدم و التدمير في الثقافة العربية الإسلامية و إعمال الفأس فيها تكرارا و مرارا بهدف سلخ الإنسان عن هويته و تزييف وعيه و مسخ شخصيته بكل الوسائل الممكنة و طمس كل ماهو أصيل فيه لغة و تفكيرا و نمط حياة

و انطلاقا من أن الثقافة التي يتلقاها الإنسان –  في مختلف مراحل حياته – هي التي تحدد نمط تفكيره و طريقة لباسه و عيشه و سلوكه و علاقاته الإجتماعية ….

بادر ” الإتجاه الإسلامي ” إلى تركيز نشاط ثقافي متكامل كان من مهامه و أهدافه :

– إقامة بنيان ثقافي جديد و خصب بدل الذي نخره السوس و تحويل الجماعة إلى ” خلية نحل ” الكل فيها يعمل و ينتج و لا مجال فيها للبطالة و الكسل 

– إرساء ثقافة جادة و هادفة تقطع مع الإبتذال و التهريج و الميوعة و الإنحلال و التسطيح و الإستكانة و تخريب العقول وهو أخطر ما يصاب به الإنسان و أكبر كارثة تلحق بالمجتمعات لأن في خراب العقول تهديم لكيان الأمة 

– استبدال ثقافة الهزيمة و الإنحطاط بثقافة المقاومة و الصمود أمام ثقافة الإنبتات ، ثقافة تتيح للطالب – وهو هدف التغيير و أداته – أن يعي ذاته  

– تحرير إرادة الطالب لأن تحرير إرادته مناعة لكيانه من الإختراق و الإستلاب و تمثل بداية الطريق نحو النهوض

– تنضيج الأفكار و الرؤى و التصورات بحيث يتسنى للطالب النظر إلى قضايا المجتمع من زاوية شاملة و عميقة

– تنمية قدرات التفكير و التحليل و اكتساب أدواتها

– توسيع الآفاق الذهنية بحيث يصبح يتمتع بحس اجتماعي مرهف وهي إحدى المواصفات الضرورية للنجاح في رسالة التغيير

– تعميق الوعي بقضايا الأمة العربية الإسلامية بحيث يتهيأ لحمل أمانة النهوض بمجتمعه و أداء دوره الطبيعي في التصدي لهموم و مشاكل الأمة وهو شرف لا يناله إلا من كان قلبه حي و ضميره متيقظ

و بسبب هشاشة التكوين مع إعراض أغلب الطلبة عن المعرفة بمفهومها الواسع فقد كانت إرادة ” الإتجاه الإسلامي ” قوية في نشر الثقافة و الوعي في صفوف الطلبة على أوسع نطاق و باستعمال مختلف الوسائل و الإمكانيات المتاحة

 انطلاق العمل الثقافي في ظروف صعبة و واقع معادي :

 و قد تزامن بروز النشاط الثقافي لـ ” لإتجاه الإسلامي ” مع شيوع ظواهر مشينة و ممارسات غير لائقة يقوم بها  “bizutage بعض الطلبة من مثل الـ   “

الذي كان يتم تنظيمه في مفتتح السنة الجامعية و يعتبر مناسبة لخلع الحياء و التحلل من كل خلق فاضل و يتسم بقدر كبير من الميوعة و التجاوزات اللاأخلاقية المختلفة و يدعي منظموه بأن في ذلك تيسير لإدماج الطلبة الجدد في الجو العام و تسهيل تأقلمهم في الواقع الدراسي الجديد و إزالة كل الحواجز النفسية و الإجتماعية التي تعوق اندماجهم مع الطلبة القدامى كما كانت تعمد بعض ا لمجموعات من الطلبة إلى تنظيم حفلات راقصة يتخللها الكثير من المجون و خاصة في المعهد الأعلى للتصرف بتونس و المدرسة العليا للدراسات التجارية بقرطاج  و عندما يتعذر عليهم ذلك بسبب رفض الطلبة أو بعض التيارات السياسية يعمدون إلى إقامة هذه الحفلات في النزل 

 و في مقابل ذلك يقوم الإتجاه الإسلامي في بداية السنة الجامعية بتكوين لجان تهتم باستقبال الطلبة الجدد و تقديم الإرشادات اللازمة لهم حول الإقامة في المبيتات الجامعية و مساعدتهم في القيام بعمليات الترسيم و التسجيل في المكتبة الجامعية و المطعم و إعطائهم صورة واضحة عن الأقسام الدراسية في الكلية و أفضل الطرق لمتابعة دراستهم بنجاح

 و قد صاحب بروز النشاط السياسي و الثقافي و الإعلامي للإتجاه الإسلامي في أواخر السبعينات من القرن الماضي انطلاق حملة شعواء من قبل رموز الحزب الدستوري الحاكم – في فترات متقطعة و كانت البداية سنة 1979 – ضد الإسلاميين في الجامعة و على الساحة الشعبية و من يرجع إلى بعض الأخبار و المقالات و التحاليل المنشورة في الصحف اليومية و الأسبوعية الصادرة في تلك الفترة يصاب بالإستغراب و الدهشة و الذهول و يقرأالعجب العجاب لما كانت تكتبه بعض الأقلام المأجورة من ترهات و خزعبلات

 و بعيدا عن الصورة النمطية و الكاريكاتورية التي حرصت السلطة و من والاها عل رسمها للإسلاميين و طبعهم بها باعتبارهم ” أناس لا يعيشون العصر و يريدون الرجوع بالبلاد إلى الخلف رافضين استعمال الكهرباء  و امتطاء الطائرات  و حجز المرأة في المنزل و منعها من الخروج و الدراسة و حصر دورها في الإنجاب و تربية الأبناء

 و بعيدا عن تلك الصورة المهينة لعقول و ذكاء الجماهير الطلابية و الشعبية كان قيادات و أنصار ” الإتجاه

الإسلامي” و في هدوء و بدون ضجيج و لا تبجح يشيدون صرحا ثقافيا امتدت آثاره الإيجابية إلى الساحة الشعبية و كان سببا في تقليص مساحة الرداءة في المجتمع

 وفي الأخير يجب التأكيد على أن العديد من الأعمال الثقافية التي قدمها ” الإتجاه الإسلامي ” لم تأخذ الوقت الكافي لتتبلور في شكل متطور نظرا للظروف الخاصة و الإستثنائية التي مر بها التيار الإسلامي بسبب المضايقات و المحاكمات السياسية المتكررة  ( 1981 – 1983  – 1987 – 1991  ) و التي لم تترك له الوقت الكافي لالتقاط أنفاسه

  مرجعية الثقافة و التكوين :

 كان يتم تدريس العلوم الإسلامية كعلم الحديث و التفسير و السيرة النبوية و الفقه و أصوله و العقيدة الإسلامية يتم تدريس كل ذلك في الخلايا التنظيمية و في حلقات المساجد بالكليات و المبيتات الجامعية لتمكين الطالب الإسلامي من ثقافة شرعية متينة و ثقافة عامة واسعة و زاد معرفي أخلاقي و تمكينه من الإنفتاح على الفكر الإسلامي و أصوله بحيث يكون قادرا على المساهمة في الإبداع و فتح الآفاق الذهنية و لعب دور ريادي في المجتمع

و كان فكر حركة الإخوان المسلمين – في تلك المرحلة الزمنية – هو السائد و أدبياتها متاحة بشكل كبير و كانت كتابات كبار منظري الحركة تبشر بمشروع نهضوي عالمي الأبعاد

أما عن أكثر الكتب تداولا بين الإسلاميين خلال فترة السبعينات و بداية الثمانينات من القرن الماضي فقد كانت :

  كتب الشهيد سيد قطب رحمه الله و التي من ضمنها ” معالم في الطريق ” وهو أشهر كتبه على الإطلاق و قد أحدث محتواه تحولات عميقة و تأثيرات هائلة في مسار العديد من التنظيمات و الجماعات الإسلامية و من كتبه الأخرى ” خصائص التصور الإسلامي ” و ” معركة الإسلام و الرأسمالية ” و العدالة الإجتماعية في الإسلام ” و ” هذا الدين ” و ” معركتنا مع اليهود ” و ” السلام العالمي و الإسلام ” و خاصة تفسير ” في ظلال القرآن ” الذي يعتبر من أهم التفاسير المعاصرة

 و كذلك كتب الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله مؤسس حركة الإخوان المسلمين ( سنة 1928 بمدينة الإسماعيلية في مصر ) و بالخصوص كتابيه ”  مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ” و ” مشكلاتنا في ضوء الإسلام ” و مذكرات الدعوة و الداعية ” و ” المناجاة ” و ” المأثورات “

 كما يتم تدريس كتب العلماء و المفكرين الإسلاميين من أمثال أبو الأعلى المودودي ( الهند ) : ” تذكرة دعاة الإسلام ” – نظرية الإسلام السياسية ” – ” القانون الإسلامي ” – ” أسس الإقتصاد بين الإسلام و النظم المعاصرة ” – ” الربا ” – ” الحجاب ” – “الحكومة الإسلامية ” – “

 و الدكتور يوسف القرضاوي ( مصر ) : ” الحل الإسلامي فريضة و ضرورة ” – ” ثقافة الداعية ” – ” العبادة في الإسلام ” – ” فقه الزكاة ” – ” مشكلة الفقر و كيف عالجها الإسلام “

 و الشهيد عبد القادر عودة ( مصر ) : ” الإسلام و أوضاعنا القانونية ” – ” التشريع الجنائي في الإسلام “- “

الإسلام و أوضاعنا السياسية ” – ” المال و الحكم في الإسلام “
 و الأستاذ فتحي يكن ( لبنان ) : ” كيف ندعوإلىالإسلام ” – ” ماذا يعني انتمائي للإسلام ”

 و مالك بن نبي ( الجزائر ) : ” دولة الفكرة ” – ” ميلاد مجتمع ” – ” وجهة العالم الإسلامي “- ” مشكلة الثقافة ” – ” شروط النهضة ” – ” في مهب المعركة ” – ” الصراع الفكري في البلاد المستعمرة “

 و سعيد حوى ( سوريا ) : ” الله ” – ” الرسول ” – ” الإسلام ” – ” جند الله ثقافة و أخلاقا “

 و الدكتور سعيد رمضان البوطي ( سوريا ) : ” السنة و مكانتها في التشريع الإسلامي ” – ” الدين و الدولة في الإسلام ” – ” نظام السلم و الحرب في الإسلام ” – ” دراسة في السيرة ” – ” من روائع حضارتنا “

 و الشيخ محمد الغزالي ( مصر ) : ”  خلق المسلم  ” – ” الإسلام و الأوضاع الإقتصادية ” – ” الإسلام و الطاقات المعطلة “

 و الأستاذ البهي الخولي ( مصر ) : ” تذكرة الدعاة ” – ” الإسلام  لا رأسمالية و لا اشتراكية “

 و الأستاذ محمد قطب ( مصر ) : ”  منهج التربية في الإسلام ” – ” في النفس و المجتمع ” – ” مزايا العبادات في الإسلام ” – ” معركة التقاليد ” – ” منهج الفن الإسلامي “

 و الأستاذ عفيف طبارة (    ) : ” روح الصلاة في الإسلام ” – ” روح الدين الإسلامي “- ” الخطايا في نظر الإسلام ” – ” اليهود في القرآن ”

 و الدكتور حسن الترابي ( السودان ) : ” تجديد أصول الفقه الإسلامي ” – ” الصلاة عماد الدين ” – ” الإيمان و أثره في حياة الإنسان “

 و الدكتور عبد الله النفيسي ( الكويت ) : و كتابه ” عندما يحكم الإسلام “

 و الدكتور فتحي عثمان (    ) : ” أصول الفكر السياسي الإسلامي ” – ” آراء من التراث ” – ” الفكر الإسلامي و التطور “

 و الفيلسوف الإسلامي الكبير محمد إقبال صاحب كتاب ” تجديد التفكير الديني في الإسلام ” و قد تميز محمد إقبال بعمق فلسفي و بشاعرية و اطلاع واسع على العالم الحديث كما اشتهر بمناقشته لكبار الفلاسفة الغربيين

 و كذلك كتب العديد من المصلحين في المشرق العربي من أمثال عبد الرحمان الكواكبي و كتابه ” طبائع الإستبداد و مصارع الإستعباد ” و رشيد رضا و كتابه ” تفسير المنار ” و جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و محي الدين القليبي و كتابه ” تونس الشهيدة ” و تفسير القرآن ” التحرير و التنوير ” للشيخ الطاهر بن عاشور

 ومن الكتب التي لقيت رواجا كبيرا بسبب احتدام الصراع الإيديولوجي مع التيارات الماركسية كتاب ” دروس في الماركسية ”  لفاضل رسول

 و الأستاذ أحمد بهجت : ” أنبياء الله “
 و الأمير شكيب أرسلان : ” لماذا تأخر المسلمون و تقدم غيرهم “
و الأستاذ أنور الجندي : ” اليقظة الإسلامية في مواجهة الإستعمار “
 الصراع مع التيارات الفكرية و الإيديولوجية المنافسة :

 كان الصراع بين ” الإتجاه الإسلامي ” و الأطراف اليسارية خصوصا يتخذ في كثير من الأحيان و المناسبات طابعا ثقافيا و ذلك في شكل مساجلات فكرية و نصوص أدبية و رسوم كاريكاتورية و قصائد شعرية …..

و كان دائما شعار الإسلاميين في مقارعة الحجة بالحجة ما ورد في الآية الكريمة :
 ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )
     سورة البقرة – الآية 111  –
ومن القصائد الشهيرة خلال أواخر السبعينات قصيدة يقول مطلعها :
   أمناضل أنت أم جلاد يا وطد*                  أم عنفك الثوري أم خفاش يرتعد
  * نسبة لتيار الوطنيين الديمقراطيين
 و قصيدة أخرى مطلعها :
   سلوا المركب**  كم خضنا معامعه     ………………………………..
  ** نسبة للمركب الجامعي بتونس

 و قد نال المركب الجامعي جزءا كبيرا من القصائد و الأبيات الشعرية نظرا لخصوصية وضعه في النضال الطلابي باعتباره قلعة النشاط و التحركات و مركز الثقل في الجامعة التونسية و كانت ساحاته عصية على الإستعباد و على أن تكون ذيلا للسلطة تابعة ذليلة لها و كان عموم الطلبة و التيارات السياسية يطلقون عليه تسمية ” المنطقة المحررة ” على أساس أنه لم يكن يتجرأ أي مسؤول حكومي أو ممثل رسمي لها على دخوله أثناء فترات الدراسة لأن النتيجة المباشرة لذلك هي الإضراب العام و المواجهات و الإجتماعات العامة و حتى المظاهرات …….

 و قد أدى التفاعل مع الأطروحات المختلفة على الساحة الطلابية إلى إقبال مجموعات كبيرة من الإسلاميين على مطالعة أمهات كتب و مراجع الماركسيين و القوميين بشقيهم الناصري و البعثي بنهم شديد قصد التمكن من الرد على أطروحاتهم الفكرية و مواقفهم السياسية و نقاشهم فيما يطرح من قضايا و إشكاليات …

 يقول أحد الطلبة الإسلاميين : ” أذكر فيما أذكر أن أحد الإخوة من كلية العلوم بتونس ( ب. س ) درس عشرات الكتب الماركسية لدرجة أنه استوعب النظرية الماركسية بشكل جيد و تفوق في ذلك على العديد من قيادات الطلبة الماركسيين في استيعاب أسس ايديولوجيتهم حتى أنه أصبح – خلال حلقات النقاش – يصحح بعض ما يطرحونه اعتمادا على كتابات و مقولات كبار منظريهم . و كان هذا الأخ يذهب إلى معرض الكتاب الذي كانت تقيمه السفارة الروسية  ( السوفياتية سابقا ) في تونس و يرجع دائما محملا بقفة مليئة بالكتب الماركسية التي لا يتجاوز أغلاها ثمنا بضع مئات من المليمات …..

 و كانت ليوسف الطالب الإسلامي بكلية الحقوق و الإقتصاد بتونس صولات و جولات في الصراع الفكري و السياسي المحتدم مع اليسار حيث كانت تدخلاته مثار اهتمام أعداد كبيرة من الطلبة نظرا لفصاحته و ما وهبه الله من قدرات خطابية و جرأة في الطرح و تحدي السائد من المقولات و الأفكار … ومن الإستشهادات التي كان كثيرا ما يرددها عند طرح النقاش حول القضية الفلسطينية – متهما بعض أطراف اليسار بقبول تواجد الكيان الصهيوني على أرض فلسطين الحبيبة – ترديده المستمر لمقولة أنور خوجة الزعيم الألباني الماركسي في كتاب له : ” ليس من مصلحتنا القضاء على دولة ” إسرائيل ” لأنه يمكن تطويرها إلى دولة ديمقراطية ”  

و قد بلغ الصراع العقائدي أوجه مع مبادرة بعض التنظيمات الماركسية إلى التشكيك في بعض المسلمات الدينية الإسلامية و من ذلك التشكيك في صحة بعض آيات و سور القرآن الكريم و انتقاء بعض الآيات و إخراجها من سياقها العام و إبراز ما يدعون أنه ” تناقض ” في مضمونها …..

و في هذا الإطار تم تنظيم حلقة نقاش في كلية العلوم بتونس ( سنة 1980  على أغلب الظن ) طرح خلالها أحد المنظمين ما يدعي أنه ” تناقض ” في سورة ( القمر ) و لم يتوان الطلبة الإسلاميون الحاضرون في الرد على الخزعبلات التي خرجت من أفواه من لا يفقهون في علوم تفسير القرآن و أسباب النزول و الحديث الشريف شيئا و قد وصل الأمر في بعض النقاشات و الأطروحات إلى تجاوز الخطوط الحمراء بالتهكم على العقيدة الإسلامية و استفزاز المشاعرالدينية للطلبة فتتشنج النفوس و تحصل مواجهات كلامية تتطور في بعض الأحيان إلى تبادل اللكمات و الصدام المباشر ….

 و قد أوضح طلبة ” الإتجاه الإسلامي ” و في مناسبات عديدة سواء من خلال المعلقات أو النقاشات المباشرة – و بصفة مبدئية – بأنهم مع حرية التعبير و النقد و أنهم لم يسبق لهم أن قاموا بتقطيع معلقات و نصوص الأطراف السياسية الاخرى عندما تنتقد ” الإتجاه الإسلامي ” و أطروحاته الفكرية و السياسية و النقابية و لن يفعلوا ذلك مستقبلا و تحت أي ظرف كان و كانوا دائما يذكرون بأن ” الإتجاه الإسلامي ” هو المبادر و السباق إلى إرساء حرية التعبير في الجامعة و تمكين كل التيارات السياسية من حرية النشاط و الحركة انطلاقا من اجتماع 26  ديسمبر 1977  التاريخي و المشهود ….. و لكن عندما يصل الأمر حد القدح و التهكم و الإستهزاء و السخرية بالإسلام و عقيدة الشعب التونسي فإن ذلك يصبح غير مسموح به مهما كانت المنطلقات و التعلات …

و كنماذج على بعض الممارسات المستفزة لعقيدة الطلبة و الشعب ما قام به بعض اليساريين عندما قاموا بتعليق رسوم كاريكاتورية في بداية الثمانينات تتهكم من شعيرة الصلاة و فيه غمز و لمز بالإسلاميين و مواقفهم السياسية                                                                                                                               و قد صور الكاريكاتور المذكور مسلما وهو بصدد الصلاة على سجادة زينت أرضيتها بعلم الولايات المتحدة الأميركية و كاريكاتور آخر يصور تمساحا قابضا بين فكيه المشرعين على صومعة مسجد …..

 الإعلام في قلب المعركة الثقافية :

 انطلاقا من اهتمام طلبة ” الإتجاه الإسلامي ” بالواقع المحلي و الإقليمي و الدولي تم التركيز بعناية شديدة على متابعة وسائل الإعلام المحلية و العالمية و رصد أهم الأحداث و التحاليل و التفاعل معها

فعلى الصعيد المحلي تتم متابعة دقيقة لما ينشر في الصحف و المجلات من أخبار و آراء و تحاليل و سجالات سياسية و فكرية و من أهم الصحف التي تتم مطالعتها ” الصباح ” و ” لو طان ” و ” لا براس ” و جريدة ” الرأي ” ( لصاحبها حسيب بن عمار ) و التي كانت تعتبر أهم منبر إعلامي مفتوح لمختلف التيارات السياسية و كذلك مجلة ” المغرب العربي ”  لصاحبها عمر صحابو و صحيفة ” المستقبل ” و صحيفة ” الطريق الجديد ”

و بصفة مبكرة و منذ سنوات ( 1977 – 1978  ) كان هناك تركيز و توجه للإنفتاح على الإعلام العربي و الإسلامي و الغربي بحيث كانت الرغبة قوية لفهم الآخر و بناء وعي شامل و عميق بمختلف القضايا المحلية و العالمية

 و من العناوين الصحافية المتداولة آنذاك :

– صحيفة ” الشرق الأوسط ” : و كان هناك إقبال كبير عليها خاصة وأن ثمنها كان زهيدا (  ثمن النسخة سنة 1978 : 100 مليم  فقط )

– صحيفة ” الحياة ” الصادرة بلندن
– مجلة ” اليوم السابع ” الصادرة بباريس
– صحيفة ” القبس ” الكويتية
– مجلة ” المستقبل العربي ” التي يصدرها شهريا مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت

و لفهم ثقافة الآخر و نمط تفكيره و الإلمام بشبكة العلاقات الدولية المعقدة و العوامل الفاعلة فيها باعتبار أننا نعيش في عالم أشبه بالقرية الصغيرة كنا نطالع العديد من الصحف العالمية و خاصة الناطقة بالفرنسية و منها على سبيل الذكر لا الحصر :

– صحيفة ” لوموند ” الفرنسية ( ثمنها سنة 1979  : 130  مليم )
– ” لوموند ديبلوماتيك ” وهي صحيفة أكاديمية شهرية
– ” جون أفريك ” لصاحبها البشير بن يحمد و الصادرة بباريس
– ” لو نوفال أوبسارفاتور “

 كما يتم الحصول في بعض الأحيان و في فترات متقطعة على بعض المجلات الإسلامية السياسية و الفكرية و ذلك بسبب الرقابة المشددة على المطبوعات ذات الخلفية الإسلامية

و من العناوين التي تيسر الحصول عليها :

– مجلة ” المجتمع ” الكويتية و هي أسبوعية و قد نشرت في أحد أعدادها سنة 1986  مقالا حول اغتيال الطالب الشهيد عثمان بن محمود وهو أول طالب في القائمة الطويلة من طلبة ” الإتجاه الإسلامي ” الذين سقطوا شهداء في ساحات الكليات أو في المعتقلات و السجون و كان عثمان بن محمود – رحمه الله – يدرس آنذاك بالمدرسة الوطنية للمهندسين بتونس

– مجلة ” المسلم المعاصر ” وهي مجلة فكرية ثقافية أكاديمية تصدر شهريا بالكويت
– مجلة ” الدعوة ” وهي المجلة الرسمية الناطقة باسم حركة الإخوان المسلمين
 هذا فضلا عن صحف و مجلات حركة ” الإتجاه الإسلامي ” التي صدرت لفترات وجيزة متقطعة و منها :
– ” المعرفة ” و كان مديرها الشيخ عبد القادر سلامة – رحمه الله – و قد صدرت سنة 1972
– ” الحبيب ” و قد صدر العدد الأول منها في جويلية 1980

– ” المجتمع ” و كان مديرها عبد الحميد عطية و رئيس تحريرها الشيخ راشد الغنوشي و قد صدر أول عدد منها يوم 10  أوت 1979

– ” الفجر ” وهي صحيفة أسبوعية و تمثل أهم تجربة إعلامية للتيار الإسلامي بتونس وقد صدر العدد الأول منها يوم السبت 21 أفريل 1990 و تم إيقافها إثر صدور العدد رقم 23  في 29  ديسمبر 1990  مع بداية الحملة الإستئصالية الشرسة ضد ” حركة النهضة “

 و في سنوات 80 – 81 – 82  حصل تركيز على الندوات الفكرية و المطالعات المكثفة لكتب برهان غليون و روجيه غاروديه و الدكتور فتحي عثمان و الدكتور عابد الجابري و الدكتور حسن حنفي و الدكتور عصمت سيف الدولة و خاصة سلسلة كتبه الشهيرة ” نظرية الوحدة العربية ” ( سبعة أجزاء ) و كتب المفكر الفلسطيني منير شفيق و منها كتابه ” موضوعات في الثورة الفلسطينية ”

و قد نالت الكتابات و الأدبيات الفلسطينية قسطا هاما من اهتمامات الطلبة الإسلاميين و مطالعاتهم و ذلك بالرغم من شح المصادر

كما عرفت تلك السنوات إقبالا كبيرا على أدبيات الثورة الإيرانية و كبار منظريها و مفكريها و خاصة آية الله الخميني و الطالقاني و تقي الدين المدرسي و هادي المدرسي

و من الكتب التي أثارت الإهتمام بصفة خاصة كتب علي شريعتي و خاصة كتابه الذي يحمل عنوان ” هكذا تحدث الرسول ” و كتابي باقر الصدر : ” فلسفتنا ” و ” اقتصادنا ”  و كذلك كتاب ” العالمية الإسلامية الثانية ” لصاحبه محمد أبو القاسم الحاج حمد

 غياب الثقافة و الإنطلاقة الجديدة :

 مثلت أزمة التمثيل النقابي التي فجرها ” انقلاب قربة ” (*) سنة 1971 – وهونقطة سوداء في تاريخ الحركة الطلابية – منعرجا خطيرا طالت آثارها مختلف مناحي الحياة الجامعية و قد تسببت في تركز اهتمام مختلف التيارات السياسية على إيجاد حل لهذه القضية و نتيجة لذلك و بسبب الصراعات الإيديولوجية و الفكرية المحتدمة و انعكاس الأحداث المحلية و حتى الدولية على الساحة الجامعية لم يكن للنشاط الثقافي حيز من الإهتمام لدى هذه التيارات السياسية فكانت الجامعة تعيش حالة من الركود لم تشهد له من نهاية إلا مع أواخر السبعينات حيث كان لصعود التيار الإسلامي و طرحه ” للمحور الثقافي ” كجزء هام من النشاط الطلابي الأثر العميق في أن تصبح الأنشطة الثقافية احدى أركان هذا النشاط تأكدت أهميته خاصة بسبب غياب ثقافة جادة و هادفة على مستوى الساحة الشعبية فأخذت تبرز للوجود التظاهرات الثقافية الدورية و خاصة خلال بعض المناسبات الهامة و منها :

 – ” يوم الأرض ” في مارس 30  من كل عام وهو اليوم الذي انتفض فيه الشعب الفلسطيني البطل المجاهد للدفاع عن أرضه التي تتعرض لاغتصاب الصهاينة المحتلين و قد أدت هذه الإستماتة في الدفاع عن أرضه إلى سقوط العديد من الشهداء يوم 30  مارس 1978  و بذلك أصبح مناسبة سنوية لإحياء هذه الذكرى

 – ” اليوم العالمي للتنديد بالإمبريالية ” : في يوم 24  أفريل وهي تظاهرة تتم على مستوى عالمي للتنديد بهيمنة الإمبريالية الغربية على مقدرات الشعوب المستضعفة و لحفز همم الشباب العالمي الذي يعتبر نبض الأمم على مقاومتها و الوقوف في وجهها

و من أشهر الشعارات التي كانت ترفع خلال التظاهرة :
  ”  إمبريالية من ورق ينتصر صوت الحق “

 و كان محتوى هذه التظاهرات يختلف عما هو سائد في المؤسسات الثقافية الرسمية من ثقافة إستهلاكية تهريجية مائعة لا تسهم في الإرتقاء بوعي جماهير الشعب فكانت المسرحيات و ” السكاتشات ” و الاغاني الملتزمة و القصائد الشعرية متميزة من حيث المحتوى ملتصقة بهموم الطلبة و الجماهير الشعبية و تعبر عن نمط جديد من الثقافة الراقية

و فضلا عن ذلك كانت تنظم معارض للكتاب تميزت بإقبال كبير من كافة الطلبة و حتى الأساتذة الذين نهلوا من مختلف المعارف و العلوم مما ساهم في إثراء زادهم الثقافي و المعرفي و كانت بحق فترة ذهبية عرفتها المطالعة و الكتاب لم تشهد الحركة الطلابية مثيلا لها فكانت ساحات و أروقة و مدارج الكليات و المعاهد تعج بالطلبة و هم متحلقين في مجموعات صغيرة أو كبيرة لمناقشة مختلف المواضيع و الأحداث و القضايا الفكرية و الإيديولوجية فكان لهذه الصراعات دور كبير في شحذ ملكات و طاقات الطلبة الفكرية و السياسية

 كما كانت تقام معارض للصور بمناسبة الأحداث السياسية الهامة و خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني و القضية الفلسطينية و احتلال أفغانستان و مقاومة الشعوب للإستعمار الجديد و مساندة حركات التحرر في العالم 

و من مميزات هذا النشاط الثقافي و كانت خاصية من خاصيات ” الإتجاه الإسلامي ”  إحياء سهرات ثقافية قبل كل عطلة جامعية ( ديسمبر – مارس ) بالأحياء الجامعية و إقامة معرض للصور و الكاريكاتور تخليدا لبعض الذكريات و المناسبات التاريخية الهامة

 كما أسس ” الإتجاه الإسلامي ” لتقليد جديد داخل ساحة النشاط الثقافي الجامعي بإقامة ” مهرجانات ثقافية ” ضخمة و متنقلة بين مختلف الكليات و المعاهد احتفاء بمناسبات إسلامية أو و طنية أو تاريخية هامة و كان من ضمنهاالإحتفال بحلول القرن الخامس عشر الهجري الذي أطل فجره في أواخر سنة 1979

 من ناحية أخرى كان للعروض السينمائية حضورها القوي حيث لا يكاد يمر أسبوع إلا و يقع عرض أحد الأشرطة السينمائية الهادفة و خاصة تلك التي تتناول قضايا التحرر في العالم و كذلك الأشرطة الوثائقية ذات المضمون الراقي و المحتوى الجيد و أساسا تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية و الجهاد الأفغاني و مقاومة الإستعمار الجديد و الهيمنة الإمبريالية على العالم …..

 أما فيما يتعلق بالمحاضرات فكان يتم استدعاء نخبة من المفكرين و العلماء لطرح مواضيع و قضايا علمية و     وعرضه لكتابه  Maurice Bucaille فكرية هامة و نذكر من بينها محاضرات الطبيب الفرنسي موريس بوكاي

  ” الإنجيل و القرآن و العلم ”                                           «   La Bible , Le Coran et la Science

و قد قدمه بكلية الطب بتونس   

و كذلك محاضرات الدكتور البشير التركي العالم المتخصص في الفيزياء النووية و محاضرات الدكتور المنجي الكعبي و غيرهم من الأسماء المعروفة على الساحة الجامعية

 و كان يتم توجيه اهتمام الطلبة إلى متابعة بعض البرامج الجيدة القليلة في القناة التلفزيونية المحلية من مثل برنامج     Armand Jammot ” ملفات الشاشة ” الذي يقدمه  Les Dossiers de l’ecran        

و انطلاقا من السنة الجامعية 1981 – 1982  تم التوسع في نشر و طباعة الدراسات الأكاديمية في مختلف فروع المعرفة : الفقه –الحديث – السيرة – السياسة – الفكر – الثقافة – الفن – …..

و أنشئت العديد من الفرق المسرحية و الموسيقية من مثل فرقة ” عشاق الوطن ” و ” أولاد بومخلوف ” و ” أولاد المشاهب ” و الشمس ” و كذلك مجموعات للإنشاد الديني ….

و كانت أناشيد ” أبو دجانة ” و ” أبو الجود ” الحماسية التي يتم الإستماع إليها من خلال الأشرطة السمعية هي السائدة خلال أواخر السبعينات و تلت ذلك أشرطة ” الشيخ إمام ” و ” مرسيل خليفة ” و مجموعات أهازيج و أناشيد الثورة الفلسطينية و كانت كل هذه الأغاني و الأناشيد تزرع الأمل في القلوب و تجدد العزيمة و النشاط …

لم يكن هناك مكان للأغاني الهابطة و التافهة و المائعة و الماجنة بل كانت الأغنية الملتزمة هي السائدة

 و كان التفاعل مع القضية الفلسطينية على أشده و لا تكاد تخلو تظاهرة ثقافية أو فنية من الإشارة إلى القضية الإستراتيجية للأمة العربية و الإسلامية قضية فلسطين الحبيبة و لذلك كان طلبة ” الإتجاه الإسلامي ” يختتمون و بعفوية تامة أغلب التظاهرات الثقافية بالأناشيد الفلسطينية التي كانت تلهب حماس الجماهير

و من الأناشيد المشهورة و التي يتم ترديدها باستمرار أنشودة يقول مطلعها :

 ” شدوها رجال  شدوا هذي العصابة ….. العصابة النهابة …… والله يا رجال ما بتكون الإصابة إلا بالنار و المدفع و الرشاشة “

المبادرات الثقافية المستقلة لبعض الإسلاميين :

بلغت الحيوية و النشاط و علو الهمة ببعض الطلبة الإسلاميين إلى عدم الإكتفاء بالمساهمة في الأنشطة الرسمية المنظمة لـ ” الإتجاه الإسلامي ” و القيام ببعض المبادرات المستقلة انطلاقا من قناعة بأن ذلك يمثل رافدا من روافد النهر الكبير المتدفق الذي يمثله النشاط الإسلامي في الجامعة و أن أجواء الحرية السائدة في ساحات مختلف الأجزاء الجامعية كنتيجة لتضحيات و نضالات الجماهير الطلابية تسمح بالمبادرة الحرة و بتنويع الأشكال الحركية

لذلك سعى العديد من الطلبة الإسلاميين و بمجهوداتهم الفردية الخاصة إلىتركيز أنشطة ثقافية و إعلامية و سياسية كان لها دور في إضفاء المزيد من الحركية على الساحة الجامعية و إبراز طاقات و مواهب ما كان لها أن تظهر لو لم تكن الإرادة حرة و العزيمة صلبة

و على سبيل الذكر لا الحصر فقد أصدر أحد الطلبة الإسلاميين خلال السنة الجامعية 1984 – 1985  مجلة ثقافية أسبوعية تحت عنوان ” الأمان الثقافي ” وكان يصدرها بصفة منتظمة و يقوم بتحرير كافة موادها

وقد احتوت هذه المجلة على عدة أركان منها الأخبار و التحاليل و الشعر و المقالات و غيرها… وكانت ” الأمان الثقافي ” أول من تطرق بصفة جدية وواضحة إلى وباء ” السيدا ” و نبهت إلى خطورة تفشي هذا الوباء بسبب العلاقات المحرمة بين الجنسين و أوردت مقالا تحت عنوان : ” السيدا : الخطر الداهم على تونس ” وذلك قبل أن تطرحه وسائل الإعلام المحلية بما فيها الرسمية منها

(المصدر: “أخبار الجامعة” العدد 30 بتاريخ 30 جوان 2007 من موقع طلبة تونس)
الرابط: http://www.tunisie-talaba.net/

 

 


 

الإســلاميـــون بتــونــس بين المواجهة والمشاركة (1980 ـ 2006 )

بقلم: د. اعْلية علاني (*)

ظهرت الحركة الإسلامية بتونس في فترة السبعينات من القرن العشرين نتيجة عدة عوامل داخلية وخارجية، فبالنسبة للعوامل الداخلية نلاحظ أن عشرية السبعينات تميزت بدخول النظام الحاكم في أزمة داخلية عقب الخلاف بين التيار الليبرالي والتيار المحافظ داخل الحزب الدستوري الحاكم، والذي توج بخروج التيار الأول من الحزب والحكومة بعد خلاف حول عدة قضايا أبرزها غياب المشروع الديمقراطي في الدولة البورقيبية خاصة إثر إعلان الرئاسة مدى الحياة لبورقيبة في مؤتمر المنستير الثاني للحزب الدستوري سنة 1974.

ثمّ تتالت الأزمات بالمواجهة الدامية التي حصلت بين الحكومة والمنظمة النقابية في 26 جانفي 1978 والتي سقط فيها عديد القتلى والجرحى وحوكم فيها عدد كبير من الكوادر النقابية من مختلف الهياكل وفي خضم هذه الأزمة بدأت الحركة الإسلامية، التي كانت تتابع الوضع السياسي عن كثب، تتلمس أولى خطواتها السياسية، فقد كانت تصدر في فترة السبعينات من القرن العشرين مجلة “المعرفة”، ولم تكن المواضيع السياسية تحتل حيزا كبيرا بالمجلة في البداية. كما أن نشاطاتها انحصرت في دروس الوعظ والإرشاد بالمساجد، وفي الانخراط بجمعيات المحافظة على القرآن الكريم التي كانت منتشرة بالبلاد. ولم تكن القضايا السياسية تستهويها كثيرا واقتصرت معظم أبحاث المجلة على قضايا اجتماعية ودينية كالأسرة والتعليم والتعريب إلخ. ولم يبدأ اهتمامها بالسياسة في التبلور إلا مع اندلاع أحداث 26 جانفي 1978 الدامية بين الحكومة واتحاد الشغل فوقفت ضمنيا في صف الحكومة واعتبرت الشغب والعنف الذي حصل بسبب المواجهة مع المنظمة النقابية “هيجة مفتعلة” من عمل اليسار، العدو التقليدي للحركة الإسلامية آنذاك.

أما العوامل الخارجية التي ساهمت في انتعاشة التيار الإسلامي بتونس في السبعينات فمتعددة من بينها بداية انحسار المد القومي العربي، لكن العامل الأهم، قيام الثورة الإيرانية سنة 1979 التي أعطت للحركة الإسلامية بتونس دفعا سياسيا وفكريا وتنظيميا. فهذه الحركة كانت منذ سنواتها الأولى تبحث عن نموذج للإسلام الثوري وجدته في الثورة الإيرانية.

وقد أسهبت مجلة “المعرفة” في مدح خصال الخميني وإبراز ثورته على أنها انتصار للإسلام ولصوت المستضعفين في الأرض ، وذهب الغنوشي إلى إثبات أن هناك علاقة تاريخية بين الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الإيرانية الشيعية منذ أربعينات القرن العشرين فيقول : “ومن التاريخ الحديث للحركة الإسلامية نُذكِّرُ بالعلاقة التي كانت تربط بين الإمام الشهيد حسن البنا وبين الإمام الكاشاني الزعيم السابق للحركة الإسلامية في الأربعينات والخمسينات في إيران حيث وضعا برنامجا للتعاون والتنسيق لقيام الدولة الإسلامية وتأييدها من المجتمع في أي مكان تقوم فيه حسبما بلغني ممن أثق فيه، فضلا عن أن حركة “نواب صفوي الفدائية في إيران كانت امتدادا لتفكير الإخوان… فلا مناص من مدّ الجسور الإسلامية المشتركة معه.ا”

إذن في هذه الظرفية بدأت الحركة الإسلامية بتونس تتلمس خطواتها السياسية الأولى. فكيف تطورت الحركة الإسلامية من تيار كان أقرب للوعظية، إلى تيار مسيّس وما هي إستراتيجيتها بخصوص المشاركة السياسية؟ وما هي الظروف الذاتية والموضوعية التي دفعت حركة الاتجاه الإسلامي بتونس المسماة حركة النهضة حاليا إلى المراوحة بين المواجهة والمشاركة ؟

1) من الجماعة الإسلامية في السبعينات إلى حركة الاتجاه الإسلامي في الثمانينات :

حاول الإسلاميون الاستفادة من تساهل السلطة إزاء تحركاتهم، فكثفوا من تركيز خلاياهم التنظيمية في نهاية السبعينات من القرن العشرين، “وقد كان موقفهم المندد بانتفاضة 26 جانفي 1978 العمالية واعتبارها هيجة مفتعلة من عمل اليسار عاملا مساعدا على عدم ملاحقة السلطة لقياداتهم.” وكانت الظروف ملائمة للإعداد التنظيمي والفكري لجيل الحركة المرتقب ، فركزت القيادة في تكوين كوادرها على الأدبيات الإخوانية ، وقد كانت آنذاك منضوية في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. وكانت النصوص التي يتمّ تداولها في هياكل الحركة بتونس مستوحاة في معظمها من نصوص حسن البنا وسيد قطب وفتحي يكن وغيرهم، فكنت تجد بصحيفة الحركة مقالات تتحدث عن المفاصلة بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الجاهلي، وأُخرى تتحدث عن الجيل القرآني الفريد، ودراسات تتحدث عن رؤية الحركة للغرب ورفضها لأطروحاته، إلا أن هذا الموقف سيشهد تطورا ملحوظا خلال فترة الثمانينات وخاصة في فترة المهجر، فقد جاءت النصوص الأولى للحركة منتقدة للغرب، فهي تعتبره مصدر الأزمات وسبب تخلف العالم الإسلامي، وتعيب على الحركات الإصلاحية في القرن التاسع عشر موقفها الداعي إلى الاقتباس من الغرب، وهي تريد بذلك أن تثبت أن مرجعيتها الفكرية لا تستند إلى تلك الحركات الإصلاحية. فقد اعتبرت مجلة “المعرفة” أن نهاية الغرب الرأسمالي المسيحي أصبحت وشيكة ويبقى إثرها الصراع مفتوحا مع الشيوعية : “إن الغرب انتهى بشيوعيته ومسيحيته… إن الأزمة النفسية طغت على العالم المسيحي (أي الرأسمالي) وبدأت تنهش هيكل العالم الاشتراكي. إذن في نظرة بعيدة المدى للتطور في الثلاثين سنة القادمة إن شاء الله سوف تكون المعركة بين الإسلام والشيوعية”. ثم تمضي المجلة في انتقاد المشروع الإصلاحي الذي نادى به كل من الأفغاني وعبده وخير الدين التونسي وخاصة دعوتهم للاقتباس من الغرب : “هل أن الذي شاهده الجنرال الوزير كان حضارة فعلا حتى نضطر لنسخها – نحن لا نطالب الجنرال خير الدين بأن يتوقع في أواسط القرن التاسع عشر ميلادي المعادلة التالية :

الغرب = تلوث + انتحار + جريمة + تضخم مالي + جنون + بطالة + مخدرات…

ولأن الله يعلم وأنتم لا تعلمون سار الغرب والعالم وراءه إلى حيث هو الآن. ومازال هناك من يردد الآن كلام خير الدين حتى بعد أن تبين أن الماء مجرد سراب.”

كيف تطورت الحركة الإسلامية من تيار كان أقرب للوعظية، إلى تيار مسيّس وما هي إستراتيجيتها بخصوص المشاركة السياسية؟ وما هي الظروف الذاتية والموضوعية التي دفعت حركة الاتجاه الإسلامي بتونس المسماة حركة النهضة حاليا إلى المراوحة بين المواجهة والمشاركة ؟

وبعد التكوين النظري والتربية الحركية التي تلقاها أنصار الجماعة الإسلامية منذ السنوات الأولى، كان على القيادة أن تفكر في عقد مؤتمر تأسيسي يجمع كل الخلايا التنظيمية وكان ذلك في أوت 1979. وقد جمع المؤتمر الأول للحركة ستين نائبا : “ومن أبرز مقرراته المصادقة على تسمية الحركة باسم “الجماعة الإسلامية بتونس”، وكذلك على قانونها الأساسي الذي انبنت على أساسه هيكلة التنظيم” وتتمثل هذه الهيكلة في المؤتمر الذي ينعقد كل 3 سنوات ومجلس الشورى الذي يضم 25عضوا والمكتب التنفيذي الذي يشرف عليه أمير ويضم 9 أعضاء وعمال يعينهم الأمير على رأس كل منطقة، ووكلاء وهم المشرفون على الجهات، وخلايا، وفيها يقع تأطير القاعدة الإسلامية حسب سلم تكويني من الدوائر إلى الأُسر المفتوحة إلى الأسر الملتزمة. وقد انعقد المؤتمر في كنف السرية. وتواصل نشاط الحركة بشكل طبيعي إلى أن تمّ انكشاف التنظيم من طرف الأمن على سبيل الصدفة في 5 ديسمبر 1980 فقررت الحركة استباق الأحداث والمطالبة بالعمل العلني من خلال التقدم بطلب تأشيرة حزب سياسي أطلقت عليه اسم “حركة الاتجاه الإسلامي” وذلك يوم 6 جوان 1981 وقبل الإعلان عن الحزب الجديد بشهرين عقدت الحركة مؤتمرها الثاني في سوسة يومي 9 و10 أفريل 1981 الذي أقر ضرورة اللجوء إلى العمل العلني وأكد على “اعتبار الحزب الحاكم عدوّا رئيسيا مما يحتم تكوين تحالف موسع مع المعارضة هدفه الإطاحة بنظام الحكم” وبذلك يتضح أن الحركة اضطرت ضمنيا لاختيار المواجهة، ربما لاعتقادها بأن السلطة لن تترك مسألة العثور على التنظيم السري دون عقاب.

لقد حمل المؤتمر الثاني أولى خطوات المواجهة ذلك أن السلطة حسمت أمرها في مسألة التصدي للتيار الإسلامي من خلال عقد محاكمة أولى في 1981 تلتها محاكمات أخرى. وبذلك بدأت رحلة المتاعب وسياسة الكرّ والفرّ بين السلطة والإسلاميين بتونس. ورغم أن المناخ السياسي العام في بداية الثمانينات كان يتميز بشيء من “الانفتاح السياسي” في بداية عهد حكومة محمد مزالي إلا أن البروز المفاجئ لقوة إسلامية منظمة ومهيكلة ومعادية لمشروع الدولة البورقيبية جعل خيار التصادم أمرا محتما. زد على ذلك أن البلاد كانت تعاني متاعب شتى سواء بسبب الأزمة بين الحكومة والمنظمة العمالية أو بين الحكومة والتيارات الديمقراطية واليسارية المعارضة خاصة إثر الانتخابات البرلمانية لسنة 1981 والتي زورتها الحكومة بالكامل بشهادة المسئولين الحكوميين في تلك الفترة بهدف منع المعارضة عموما وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين على وجه الخصوص من الحصول على مقاعد بالبرلمان.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن مما زاد في متاعب النظام الحاكم، تلك الخلافات الداخلية بين أعضاء الحكومة والتي غذتها أزمة الصراع على الخلافة. لقد عجّل برنامج حركة الاتجاه الإسلامي الذي تضمنه بيان التأسيس المقدم في الندوة الصحفية يوم 6 جوان 1981 باستنفار مراكز القوى الفاعلة في السلطة إذ اعتبروا هذا البرنامج نقيضا لدولة الحداثة التي أسسها بورقيبة، ورأوا فيه معاداة صريحة للغرب الحليف التقليدي للسلطة، وتهجما كبيرا على اللائيكية، بالإضافة إلى دعوة الإسلاميين كذلك لاتخاذ المسجد مركزا للتعبئة الجماهيرية، وقد اعتبرت الحكومة ذلك مسّا بالوظيفة التعبدية للمسجد وإقحامه في حلبة صراع سياسي من المفروض أن يكون خارج هذا المكان المقدس.

ومما جاء في البيان التأسيسي للحركة المعلن عنه في هذه الندوة الصحفية :
“إعادة الحياة للمسجد كمركز للتعبد والتعبئة الجماهيرية.
دعم التعريب والانفتاح على اللغات الأجنبية.
رفض العنف كأداة للتغيير…
تحرير الضمير الإسلامي من الانهزام الحضاري إزاء الغرب.

اعتماد التصور الشمولي للإسلام والتزام العمل الإسلامي بعيدا عن اللائكية” وهكذا تضافرت جملة من العوامل لدى السلطة، من الانكشاف الأمني، إلى البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الإسلامي، لكي تتأكد من أن هذه الحركة أصبحت تمثل نقيضا لمشروعها المجتمعي وخطرا يهدد أركان الدولة، فقررت الدخول في مواجهة معها للحد من انتشارها التنظيمي فكانت محاكمات 1981 أول مرحلة لمواجهة جدية بين السلطة والإسلاميين .

2) حركة الاتجاه الإسلامي بتونس بين المواجهة والرغبة في المشاركة:1981-1989
أ- مرحلة المواجهة

كانت حادثة الاعتداء على مدينة قفصة بالجنوب التونسي في جانفي 1984 منطلقا للحركة للتعبير عن مواقفها السياسية من نظام الحكم ، فأدانت الاعتداء المسلح على هذه المدينة، و الذي صدر عن تونسيين تسللوا من أراضي الجوار، لكنها حملت المسؤولية كذلك للسلطة إذ اعتبرت هذا الحادث نتاجا لتراكمات اقتصادية واجتماعية أدت إلى تهميش المناطق الداخلية وعدم تمتعها بتنمية متوازنة، بالإضافة إلى تغييب الجماهير عن سلطة القرار كما جاء في بيان الحركة عن هذه الحادثة.

إن هذا الموقف السياسي الذي يدين السلطة ومرتكبي العملية في آن واحد يضع الحركة في موقع المعارضة البديلة، لكن الجناح الطلابي التابع لها كان أكثر راديكالية في مواقفه حيث ساند مرتكبي عملية قفصة، و من هنا تبدأ مسيرة التجاذب من داخل الحركة بين قيادتها وبعض هياكلها مما دفع البعض إلى اتهامها بازدواجية الخطاب، وقد بدأت السلطة تهتم بكل ما يصدر عن الحركة من مواقف وتحركات. وعندما حصل الانكشاف الأمني في ديسمبر 1980 أي بعد إحدى عشر شهرا من حادثة قفصة، وجدت الحكومة المبرر للحد من انتشار هذه المجموعة بالرغم من أن الحركة أعلنت اعتزامها النشاط في الإطار العلني.

وهكذا تجسم أول ردّ فعل للسلطة في تنظيم محاكمة للعديد من رموز هذا التنظيم في صائفة 1981. وبذلك أصبحت المواجهة مفتوحة مع السلطة. ويمكن القول أن هناك أسبابا عدّة دفعت السلطة للمواجهة وللتعجيل بمحاكمة الإسلاميين سنة 1981 من بينها سببان أساسيان:

أولاهما: اعتقادها أن الحركة “تريد افتكاك السلطة ولها خطط في هذا الشأن من ضمنها التسرب إلى المؤسسة الأمنية”.

ثانيهما: رفضها لما قامت به الحركة من تدخّل في شؤون إدارة المساجد عندما عمدت إلى تنصيب إمام بالقوة مكان إمام معين من طرف السلطة. واعتبرت ذلك سابقة خطيرة تنزع عن الدولة حقها في تسيير ومراقبة المؤسسات الدينية. وكانت الأحكام الصادرة في قضية 1981 تتراوح بين 11 سنة سجنا وعدم سماع الدعوى و شملت 107 متهما ، وهي أول مناسبة تحصل فيها مواجهة كبرى مع السلطة. ومن هنا شرع ما تبقى من القياديين خارج السجن في إعادة النظر في هيكلة الحركة، كما بدأت المراجعات الفكرية والسياسية صلب هذا التنظيم في التبلور تدريجيا، وانبثـقت عن ذلك نتيجتان هامتان:

النتيجة الأولى: خروج بعض رموز الحركة، وهم أقلية، وإنشاؤهم لتنظيم إسلامي يعطي الأولوية للجانب الفكري على الجانب التنظيمي والحركي وسمّوه “التيّار الإسلامي التقدّمي” ومن أبرز رموزه احميدة النيفر الذي كان نائبا للغنوشي وصلاح الجورشي الذي كان عضوا بمجلس شورى الحركة.

النتيجة الثانية : ظهور تباين في داخل التنظيم بين تيار معتدل بزعامة عبد الفتاح مورو يدفع باتجاه ترشيد الحركة الإسلامية والحدّ من مواقفها المتشنجة، وتيار راديكالي بزعامة صالح كركر يدعو لمواصلة الثورة على النظام، في حين كان الغنوشي يتلمس طريقه بين التيارين لأسباب تكتيكية.

ب – مرحلة الانفراج أو بداية الرغبة في المشاركة: 1984- 1985

لم تكد تمضي ثلاث سنوات على محاكمة 1981 حتى اندلعت بالبلاد انتفاضة عنيفة عرفت بانتفاضة الخبز في جانفي 1984 نتيجة الترفيع في ثمن هذه المادة الحيوية، واعتبر الوزير الأول آنذاك محمد مزالي هذه الانتفاضة مؤامرة جمعت بين أطراف من السلطة (أساسا وزير الداخلية) وأطراف نقابية، وقد تمكّن الوزير الأول من إزاحة وزيره للداخلية، ثم دخل في مواجهة مفتوحة مع قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل انتهت بمحاكمة الحبيب عاشور أمين عام الاتحاد. وكان على مزالي أن يحد من الخسائر في علاقته بأطراف أصبحت في شبه قطيعة معه. فبدأ يفكر في مشروع تطبيع تدريجي مع رموز الحركة الإسلامية القابعين في السجن. ومن هنا نشطت الوساطة بين السلطة والإسلاميين وتوجت بإرسال عبد الفتاح مورو الشخصية الثانية في التنظيم رسالة إلى الرئيس بورقيبة يؤكد فيها التوجه السلمي للحركة وعدم تعارضها مع الحداثة ومقتضيات التقدّم ورفضها للعنف ولأي انتماء أجنبي. وأثمرت هذه الوساطة إفراجا تدريجيا على عناصر القيادة. والأهم من ذلك أن لهجة محمد مزالي تجاه معارضيه من الإسلاميين بدأت تتجه نحو نوع من التقارب، خصوصا وأن هؤلاء يرون في الوزير الأول شخصا يمكن التفاهم معه” فهو في نظرهم صاحب الفضل في نشر التعريب وأحد الداعين إلى مبدأ الأصالة والتفتح بكل ما يعني ذلك من التمسك بالهوية العربية الإسلامية”.

وكدليل على حصول التقارب اقتبل مزالي بمنزله عبد الفتاح مورو يوم 30 جويلية 1984 ثم أردفه بلقاء رسمي جمعه بالغنوشي ومورو بقصر الحكومة في أكتوبر 1985، فكان هذا اللقاء مفاجئا للعديد من الأطراف داخل السلطة وخارجها. واعتبر البعض هذه المقابلة كأنها إيذان بالسماح للحركة بالنشاط بشكل طبيعي بالرغم من عدم حصولها على الترخيص القانوني.

ومنذ ذلك الحين بدأت الحركة تفكر في المشاركة السياسية رغم صعوبة التعامل مع الرئيس بورقيبة، الذي كان لا يرى جدوى من إقحام الإسلاميين في اللعبة السياسية.

لقد حاول مزالي في إطار سياسة التجاذب مع معارضيه أن يدفع باتجاه خفض أكثر ما يمكن من بؤر التوتر. وبدا وكأنه يمهد لإمكانية تقنين أو قوننة التيار الإسلامي، إذ صرّح لجريدة “لابراس” (La Presse وهي صحيفة حكومية باللغة الفرنسية) في نوفمبر 1985 أنه “إذا كانت حركة الاتجاه الإسلامي لا تدّعي احتكار الإسلام، وإذا تخلت عن بعض مطالبها، فان الاعتراف بها ممكن”.

وبقدر ما خلّف هذا التصريح من حركية داخل صفوف الحركة فانه لم يتمكن من إزالة مشاعر الريبة والاحتراز من عدد هام من كوادر التنظيم خاصة وأن الوعد بالاعتراف القانوني تأخر كثيرا. وكان الشق المتصلب يشكك في إجراءات” انفتاح” هذه الحكومة، لذلك كان الاتجاه صلب الحركة يقضي بالاحتفاظ بالهياكل السرية للتنظيم توقيا من أي مفاجآت غير منتظرة، والإبقاء على خطاب هو أقرب إلى التصعيد منه إلى المصالحة. وهكذا لم يدم شهر العسل طويلا بين الحكومة والإسلاميين، خاصة وأن الحركة قررت في مؤتمرها الرابع في 1986 بمنطقة المنار بالعاصمة العودة إلى سياسة المواجهة بعد إقالة حكومة مزالي وأقرّت ما سمي بإستراتيجية التصعيد بسبب تأخير الاعتراف القانوني بها، ولاعتقادها في قرب نهاية النظام البورقيبي.

ج – العودة إلى المواجهة ونهاية العهد البورقيبي : 1986-1987 :

تزامنت العودة إلى سياسة المواجهة مع إقالة حكومة مزالي في 8 جويلية 1986 فقررت الحكومة عقد مؤتمر مستعجل في ديسمبر 1986 لدرس كل الاحتمالات الناجمة عن هذا الحدث وكان القرار النهائي الإبقاء على ازدواجية الخطاب والقيادة تحسّبا لكل المفاجآت.

أعطيت التعليمات للكوادر الوسطى والصغرى بمواصلة مسيرات الاحتجاج والتظاهر التي كادت تكون يومية خلال فترة 1986 -1987 ولم تكن هذه المسيرات الاحتجاجية بدفع أساسي من الإسلاميين بل ربما بمشاركة نشيطة منهم. فالوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني في نهاية 1986 وبداية 1987 بلغ حدا كبيرا من التدهور ممّا ساهم في تغذية هذه المظاهرات. وكانت خطة الإسلاميين بعد سقوط حكومة مزالي تصب في اتجاه تصعيد التوتر اعتقادا منهم أن نهاية العهد البورقيبي أصبحت قاب قوسين أو أدنى، وأن الحركة الإسلامية هي الفصيل الرئيسي الذي سينتفع من زوال هذا النظام، لذلك أقر مؤتمر المنار سنة 1986 ثلاث مسائل أساسية :

قيادة صلبة.
خطة منظمة للمواجهة
لوائح ونصوص يغلب عليها طابع التشدد.

وجاء في أحد الوثائق الداخلية للتنظيم حول هذا المؤتمر : “صادق المؤتمر على إستراتيجية الحركة وتنقسم إلى ثلاث مراحل أساسيّة، أولها مرحلة البلاغ والتعريف بالنّفس والفكرة، وثانيها إعداد البديل من إطارات وإعداد نمط الحكم الإسلامي، ثمّ تأتي المرحلة الثالثة والأخيرة وقد سميت بمرحلة التمكين، والمقصود بها قلب نظام الحكم بالبلاد”. وقد لعب محمد شمام المشرف على الجناح العسكري بالحركة دورا بارزا في تعبئة كوادر الحركة وتحسيسهم بأهمية الاستعداد للتحرك خاصة إثر محاكمة عناصر القيادة في سبتمبر 1987 أمام محكمة أمن الدولة والتي حكم فيها على الغنوشي بالأشغال الشاقة المؤبدة وعلى 6 من رفاقه بالإعدام وعلى البقية بأحكام تتراوح بين 20 سنة وعدم سماع الدعوى.

ولم يمض شهران على المحاكمة حتى تغيّر الحكم في تونس يوم 7 نوفمبر 1987 وأصبح الوزير الأول آنذاك زين العابدين بن علي رئيسا للجمهورية، فتنفس الإسلاميون الصعداء خاصة الغنوشي الذي صرّح بأن بورقيبة خطط لقتله في السجن لولا تدخل بن علي شخصيا لفائدته. يقول الغنوشي :”إن الوزير الأول آنذاك زين العابدين بن علي قد رفض تنفيذ ما طلبه منه بورقيبة وهو قتلي وقتل إخواني الآخرين لأنه لم ير لهذا الطلب أي مبرر أخلاقي أو قانوني… وأحسب أن زين العابدين بن علي تحمّل المسؤولية كاملة وخاطر بنفسه للقيام بالتحول الشهير الذي قاده في صبيحة السابع من نوفمبر وهو بذلك لم ينقذ شخصا بريئا فحسب وإنّما أنقذ وضعا كاملا برمّته”.

واعتبر تصريح الغنوشي بادرة من الحركة لطي صفحة المواجهة والاستعداد لدخول طور جديد من المشاركة.
د – الحركة الإسلامية في عهد الرئيس بن علي بين المشاركة والمواجهة 1987 – 2006 :
مرحلة المشاركة : 1987 – 1989: –

كدليل على حصول التقارب اقتبل مزالي بمنزله عبد الفتاح مورو يوم 30 جويلية 1984 ثم أردفه بلقاء رسمي جمعه بالغنوشي ومورو بقصر الحكومة في أكتوبر 1985، فكان هذا اللقاء مفاجئا للعديد من الأطراف داخل السلطة وخارجها. واعتبر البعض هذه المقابلة كأنها إيذان بالسماح للحركة بالنشاط بشكل طبيعي بالرغم من عدم حصولها على الترخيص القانوني.

تحمّس الإسلاميون لتغيّر السلطة بتونس وساندوا بقوة بيان السابع من نوفمبر 1987 فقد جاء في تصريح الغنوشي :”إنني أقدّر أن بيان التغيير وهو الوثيقة الأساسية التي تحكم الوضع القائم اليوم وتوجه جملة السياسات الحالية، يتضمن عناصر أساسيّة كانت كل القوى السياسية في البلاد والاتجاه الإسلامي من بينها قد ناضلت من أجلها” وبدأت حالة الاحتقان السياسي بين الحركة والسلطة تخف وطأتها خصوصا بعد الإفراج عن الغنوشي في 14 ماي 1988 ليلة عيد الفطر ثمّ العفو عن علي العريض المحكوم عليه بالإعدام.

وكانت السلطة تتعامل بحذر بالغ مع مسألة الاعتراف القانوني بالتيار الإسلامي “لأنها لم تتأكد بعد من تخلي الحركة عن النشاط السري والتسرب إلى الأجهزة الأمنية وانتهاج خطاب سياسي مزدوج”.

واختارت عوضا عن ذلك شكلا من التعامل مع الحركة الإسلامية دون أن تتورط في الاعتراف القانوني بها ويهدف هذا التعامل إلى إقحام الحركة تدريجيا في اللعبة السياسية وهو ما اعتبره عديد الباحثين بداية التشريك السياسي لها وتم ذلك على ثلاثة أصعدة :

أولا : دعوة الحركة في نهاية 1988 للانضمام للمجلس الأعلى للميثاق الذي سيضع الدستور الجديد للبلاد والتوجهات الأساسية لجمهورية ما بعد بورقيبة.

ثانيا : تمكين الحركة من أن يقع تمثيلها رسميا بالمجلس الإسلامي الأعلى في بداية 1989.
ثالثا : تمكين الحركة من المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت سنة 1989.

وهناك إجراءات أخرى تفسر انفتاح النظام الجديد على الحركة الإسلامية، من بينها السماح بإنشاء منظمة طلابية موالية لها تسمى الاتحاد العام التونسي للطلبة وتمكين قيادة الحركة من صحيفة ناطقة بلسانها وهي جريدة” الفجر”. وللتدليل على رغبتها في العمل السياسي المنظم وطمأنة السلطة والمعارضة الديمقراطية بانتهاجها مسلك الحوار ورفض احتكار التحدث باسم الإسلام، بادرت “حركة الاتجاه الإسلامي” منذ 8 فيفري 1989 إلى تغيير اسمها إلى “حركة النهضة” “وقدمت ملفا يتضمن وثائق تكوينها إلى مصالح وزارة الداخلية ويترأس هذه الحركة راشد الغنوشي ويساعده مكتب تنفيذي يتركب من 19 عضوا” وقد ورد في بيان تأسيسها تحديد للأهداف التي تناضل من أجلها من بينها : “دعم النظام الجمهوري واحترام دستور البلاد وتكريس الشورى وتحقيق الحرية وتأكيد استقلال القضاء وحياد الإدارة …ودعم التعاون بين الأقطار العربية والإسلامية” . وواضح من خلال هذه الأهداف أن المسألة الديمقراطية لم تنضج لدى الحركة، فالتأكيد على مبدأ الشورى يحمل دلالات وقراءات يمكن أن تكون متباينة، فهناك الشورى المخبرة والشورى الملزمة. كما أن مبدأ الشورى عندها لانستطيع أن نعرف إن كان يخضع لتحديدات سماوية أو أرضية. أما الأهداف الأخرى الواردة ببيان التأسيس فهي مبادئ سياسية صرفة تشترك فيها النهضة مع بقية الأحزاب الأخرى. وإعلان الحركة عن التمسك بها يبعدها عن تهمة التمسك بفكر شمولي وإطلاقي، ويسمح لها في آن واحد بدخول تجربة المشاركة السياسية بحظوظ أوفر.

بدأ التشريك السياسي لحركة النهضة بدخولها المجلس الأعلى للميثاق في نهاية 1988 إذ أصبحت تحضر باستمرار اجتماعات هذا المجلس وتدلي برأيها في أمهات القضايا الكبرى للبلاد. وكانت الحركة ممثلة في شخص المحامي نور الدين البحيري. وسعت من خلال مشاركتها في هذا المجلس إلى طمأنة سائر أطراف المجتمع المدني بأنها تقبل الثوابت الواردة بالدستور وتحافظ على الطابع التحديثي للدولة بما في ذلك مجلة الأحوال الشخصية، وتؤكد على ضرورة الحفاظ على هوية البلاد العربية الإسلامية : “فالاعتبارات التاريخية والواقعية معا تقضي بأن الإسلام هو عماد هويتها الحضارية… فلئن استلزم دعم الهوية استلهام الإسلام في ذاته فإن استثمار التراث الإسلامي الذي لا يزال حاضرا فينا يحتاج إلى جهد تحليلي ونقدي. “

واستفادت الحركة كثيرا من مشاركتها في هذا المجلس ونجحت في تطبيع تدريجي لوضعها مع السلطة بعد الفترات العصيبة التي مرت بها في العهد البورقيبي.

ثم كانت المحطة الثانية في المشاركة، دخول الحركة المجلس الإسلامي الأعلى في بداية 1989 ممثلة في الشخص الثاني للتنظيم عبد الفتاح مورو ويضم المجلس في تلك الفترة 25 عضوا برئاسة التهامي نقرة ، ورغم الطابع الاستشاري لهذا المجلس، مثله مثل المجلس الأعلى للميثاق ، فإنه يمهد لفكرة التعايش والاتفاق على قواسم مشتركة بين مختلف الحساسيات السياسية وهي مرحلة مهمة في إطار فلسفة المشاركة.

وتبقى المحطة الأهم في مسار المشاركة بالنسبة لحركة النهضة هي الانتخابات التشريعية لسنة 1989 والتي لم تستثمرها الحركة بشكل جيّد بل وعادت عليها بالوبال وأنهت عمليا ورسميا عقد التفاهم الذي كان بينها وبين السلطة من جهة ، وبينها وبين عديد القوى السياسية من جهة أخرى.

فالانتخابات البرلمانية اعتبرتها الحركة فرصة ذهبية لإبراز قوتها والتعريف بمبادئها من خلال الحملات الانتخابية. ولم يكن سهلا على الحزب الحاكم وهو مازال في بداية التجربة التعددية قبول لعبة سياسية يمكن أن تقلب التوازنات القائمة على قاعدة الوفاق والتي قبلت الحركة أسسها منذ أن شاركت في أشغال المجلس الأعلى للميثاق.

لقد وضعت الحركة كل ثقلها في هذه الانتخابات ماديا وأدبيا وبشريا وسوّّقت لخطاب تعبوي يعتمد على شعارات قديمة عامة كالتأكيد على أن الإسلام هو الحلّ وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما لوّح مرشحوها في بعض القوائم بإمكانية التراجع عن مجلة الأحوال الشخصيّة وهو عكس ما التزمت به الحركة في نص الميثاق الوطني ووصل الأمر ببعض المرشحين مثل رئيس قائمة تونس بالمطالبة بالعودة إلى استرقاق العبيد.

واعتبرت السلطة وبقية قوى المجتمع المدني أن خطاب النهضة خطير وأن التزامها بالوفاق لم يعد له أساس من الوجود كما أن المتربصين بالحركة من داخل السلطة والمعارضة وجدوا في هذه الانتخابات الفرصة الملائمة لدق ناقوس الخطر والتصدي لما أصبح يسمى بعودة الخطر الأصولي.

وقد أنهت الانتخابات البرلمانية لسنة 1989 عمليا مرحلة المشاركة، إذ ستبدأ رحلة المتاعب من جديد بالنسبة لحركة النهضة مع مطلع التسعينات من القرن 20.فشل المشاركة والعودة إلى سياسة المواجهة: 1990 – 2006 :

يمكن القول أن حبل الود بين السلطة وحركة النهضة انقطع مع نهاية الانتخابات البرلمانية لسنة 1989 وقد قرر الغنوشي بعد شهر من هذه الانتخابات مغادرة البلاد فطلب إذنا بالخروج للحج في ماي(مايو) 1989 ومنذ ذلك التاريخ لم يعد إلى أرض الوطن.

ثمّ تتالت الإجراءات الإدارية والسياسية للحدّ من توسّع حركة النهضة ، وأول إجراء تمّ اتخاذه تعيين محمد الشرفي وزيرا للتربية وهو معروف بعدائه للأصوليين : “وقاوم أنصار الحركة بشدة سياسة الوزير وأصدروا بيانهم الشهير في 2 أكتوبر 1989 يطلبون فيه بإقالته من منصبه” لأنه منع الإسلاميين من تسييس المؤسسات التربوية وتوظيفها مثلما كان الأمر في عهد الرئيس السابق بورقيبة. لكن الحدث الأهم والذي سيدفع الإسلاميين لإدارة عجلة المواجهة والتصعيد من جديد هو خطاب رئيس الدولة في ذكرى 7 نوفمبر 1989 الذي أعلن فيه صراحة منع قيام أي حزب على أساس ديني في إشارة واضحة لحركة النهضة وبذلك تأكدت الحركة أن لا سبيل للبحث عن حلول وسطى أو توفيقية مع نظام الحكم، لذا لجأت إلى ما تسميه بسياسة الدفاع عن النفس أي الدخول في مرحلة لَيِّ الذراع.

وفي هذا الإطار استغلت حركة النهضة اندلاع حرب الخليج سنة 1990 وما رافقها من مسيرات ومظاهرات تكاد تكون يومية ضدّ السياسة الأمريكية لإثبات قدرتها على التعبئة ، وصرّح الغنوشي من لندن بوجوب الوقوف مع الشعب العراقي ، في حين اتخذ الرجل الثاني في التنظيم عبد الفتاح مورو موقفا مناقضا وهو التنديد بالغزو العراقي للكويت ومناصرة الشق الخليجي. ويُرجع الباحثون هذه المواقف المتباينة إلى ما تنتهجه الحركة من ازدواجية في الخطاب. وقد وجدت الحركة الفرصة الملائمة لتحريك الشارع فجندت قواعدها الطلابية التي كان لها دور نشيط في تلك المسيرات بما ترفعه من شعارات ولافتات. ولم يتأخر رد فعل السلطة إذ سرعان ما تمّ سحب الرخصة من التنظيم الطلابي الإسلامي المعروف باسم “الإتحاد العام التونسي للطلبة” وذلك في نهاية مارس 1991. وقبلها بقليل قررت الحكومة تعطيل صدور جريدة “الفجر” لسان حال الحركة منذ ديسمبر 1990 بحجة نشرها بيانات للغنوشي رأت فيها السلطة تحريضا على الفوضى والإخلال بالأمن العام.

ويمكن القول أن الحركة، بخروج الغنوشي وبعض القياديين من البلاد، دخلت في مرحلة ردود الأفعال. ويبدو أن السلطة اتخذت قرارها بالتصدي نهائيا لحركة النهضة بعد أن اكتشفت تسربا جديدا لعناصرها بالمؤسسة الأمنية والعسكرية فنظمت في 1991 محاكمة لثلاثمائة شخص من التنظيم منهم مائة عسكري واتهم وزير الداخلية حركة النهضة بأنّها ” أصدرت تعليماتها إلى عدد من المجموعات والأفراد للتأهب لتنفيذ عمليات إرهابية في الضواحي الجنوبيّة للعاصمة تستهدف ثكنة الجيش بالزهراء وعدد من مراكز الأمن وإقامة بعض الشخصيات” وبذلك لم يعد ممكنا الحديث عن أية مشاركة سياسة لحركة النهضة فجزء منها في السجن وجزء آخر في المهجر.

الانتخابات البرلمانية اعتبرتها الحركة فرصة ذهبية لإبراز قوتها والتعريف بمبادئها من خلال الحملات الانتخابية. ولم يكن سهلا على الحزب الحاكم وهو مازال في بداية التجربة التعددية قبول لعبة سياسية يمكن أن تقلب التوازنات القائمة على قاعدة الوفاق والتي قبلت الحركة أسسها منذ أن شاركت في أشغال المجلس الأعلى للميثاق.

والملاحظ أن تجربة المهجر لم تكن أحسن حالا إذ أنّها أصبحت تمثل ، في نظر بعض القريبين من الحركة ، سلبية مضاعفة ، فلا هي حققت تأييدا عربيا ودوليا ولا هي استطاعت إنقاذ جسمها التنظيمي من التفكك ، وتركزت نضالاتها في فترة التسعينات من القرن الماضي على مسألة الإفراج عن مساجينها.

وفي منتصف التسعينات عقدت الحركة بالمهجر مؤتمرها السادس في جوان 1996 طرحت فيه نقدا ذاتيا لإستراتيجيتها في المواجهة وحمّلت السلطة المسؤولية الأولى ودعت لأول مرة إلى مراعاة مقتضيات التدرج الديمقراطي. وصدرت لائحة عن هذا المؤتمر نذكر منها ما يلي :”إن التجربة المريرة التي لا تزال تعاني منها البلاد منذ 1990 وأدت إلى هذا المأزق الخانق وموت السياسة تتحمل مسؤوليتها السلطة ثمّ الحركة ثمّ المعارضة عامة… إن بلادنا اليوم في أشدّ الحاجة إلى مراجعات عميقة من طرف الجميع من أجل التوصل إلى نهوض حقيقي… ومما لاشك فيه أن مقتضيات التدرج الديمقراطي الحقيقي وشروطه الأساسية هي تحقيق الانفتاح السياسي والتخلي عن ثقافة التناحر والتصادم والإقصاء والتمسك بالاعتدال والدخول في حوار وطني جامع وعميق.

وقبل أحداث 11 سبتمبر 2001 الشهيرة عقدت الحركة مؤتمرها السابع في المهجر بلندن في 3 أفريل (نيسان) 2001 أعادت فيه التأكيد على رغبتها في انتهاج العمل السياسي السلمي ورفض كل أشكال العنف واعتماد الاختيار الديمقراطي الحر أسلوبا في مباشرة كل القضايا كما طالبت في هذا المؤتمر “بتحقيق إصلاحات دستورية وقانونيّة شاملة ورفع القيود على التدين والكف عن وصاية الدولة على الدين ومؤسساته”. ويمكن القول أن تمشّي الحركة منذ مطلع الألفيّة الثالثة بدأ يرتكز على البحث عن القواسم المشتركة مع سائر القوى الديمقراطية بما فيها تلك التي كانت في تناقض استراتيجي معها مثل الحزب العمالي الشيوعي التونسي.

ولعل انخراط حركة النهضة في تنسيق مبدئي مع قوى ديمقراطية ويساريّة في هيئة موحدة عُرفت بهيئة 18 أكتوبر2005 دليل على أنّها أصبحت تسعى لضبط إستراتيجية جديدة للمشاركة تقوم على إقناع قوى المجتمع المدني بالعمل المشترك على بلورة خطّة عمل تتمحور حول عدّة مطالب من بينها العفو التشريعي العام والإفراج عن المساجين السياسيين. وقد شكلت عمليّة الإفراج الأخيرة سنة 2005 عن حوالي مائة سجين إسلامي بادرة رأت فيها عناصر من الحركة محاولة جدية للخروج من حالة اليأس والترهل.

ملاحظات واستنتاجات:

هناك إشكاليات عديدة نود طرحها في خاتمة هذا البحث: لماذا فشلت عملية المشاركة بالنسبة لحركة النهضة؟ وهل هناك بوادر لإعادة إحيائها ؟ والتساؤل الثاني، هل أن إستراتجية العنف متأصلة في الحركة ونابعة من جوهر فكرها أم هي مفروضة بحكم الظروف الموضوعية ؟ وما هي نتائج المواجهة ؟ وهل تسببت في خلق تيارات متطرفة علي غرار تيار السلفية الجهادية في بلدان أخرى ؟ ونتساءل كذلك هل استفادت الحركة من وجودها بالمهجر ومن علاقتها بالغرب وكيف تطورت هذه العلاقة مع الدول الأوروبية و الأمريكية ؟

وأخيرا هل يمكن الحديث عن ترشيد الظاهرة الإسلامية بتونس ؟

يمكن القول أن فشل المشاركة يعود لأسباب ذاتية وموضوعية، فالحركة لم تقدّر جيدا اختلاف موازين القوى بينها وبين السلطة عندما اختارت التصعيد ، فالشخص الثاني في التنظيم عبد الفتاح مورو يرى مثلا أن انتخابات 1989 حملت أخطاء كبيرة من جانب الحركة سواء من حيث اختيار بعض مرشحيها أو نوعية خطابها الذي فجر التناقض بينها وبين مختلف مكونات الطبقة السياسية في الحكم والمعارضة علي السواء.

ويري الباحث صلاح الجورشي القيادي السابق بالحركة والوجه البارز حاليا بالتيار الإسلامي التقدمي، أن الحركة شرعت في تقييم أخطائها وأصبحت تنسق مع عديد قوى المجتمع المدني سواء من خلال انخراطها في هيئة 18 أكتوبر 2005 أو من خلال القيام بعدة مبادرات للتهدئة. وأكد أن هناك جناحا خاصا في حركة النهضة مستعد لإحداث مصالحة مع السلطة رغم كل ما حصل, وهو يرى أن عودة المشاركة بالنسبة للحركة ربما تكون في المستقبل المتوسط لا القريب ، وذلك بحكم التراكمات الكبيرة لهذا الملف ، ولأن الأولويات الآن بالنسبة للحركة هي الإفراج عن بقية المعتقلين وتأهيلهم اجتماعيا وتسوية أوضاعهم المهنية والصحية.

أما بخصوص التساؤل الثاني عن إستراتجية العنف وهل هي متأصلة في فكر الحركة أم أنها مفروضة عليها، فيمكن القول أن العنف نتيجة لردود أفعال، وربما تكون حصلت تجاوزات من هنا وهناك، لكن الغموض المتعمد أحيانا في بعض مواقف الحركة، إضافة إلي مشكلة ازدواجية الخطاب لديها جعل عملية التصادم أمرا حتميا.

والملاحظ أن خيار التصادم، نتج عنه، بالإضافة إلى تفتت الجهاز التنظيمي للحركة، توجه البعض نحو العمل الراديكالي والمتطرف. ويذكر مورو في حواري معه أن المحاكم التونسية سنة 2006 نظرت في محاكمة مئات الإسلاميين القريبين من أطروحات تيار السلفية الجهادية وذلك تحت قانون مكافحة الإرهاب ويقول:|”إن تيار أنصار السلفية الجهادية ينتقدون الديمقراطية ويدعون لمحاربة الغربيين والحكام العرب عن طريق الجهاد. ويرفض هؤلاء كل ما يأتي من الغرب ومؤسساته ويقاومونه بالسلاح وهو أمر خطير لم تصله أي حركة إسلامية.

وبخصوص حصيلة تجربة حركة النهضة بالمهجر فمعظم الذين استجوبتهم أكدوا علي سلبيتها رغم بعض الإيجابيات المحدودة، لأن النضال في رأيهم من خارج الوطن ، يجعل الحركة مفصولة عن الواقع، ويضع مزيدا من العراقيل في اتجاه ترشيد الظاهرة الإسلامية بتونس. كما أكد بعض القياديين أن الحركة لم تستفد من وجودها بالمهجر وأساسا بأوروبا. يقول مورو :”إن تجربة الهجرة بالنسبة لحركة النهضة سلبية مضاعفة، إذ قطعتها عن الواقع الوطني، كما أن الإسلاميين لم يتأقلموا مع موطنهم الجديد في الهجرة، فهم لم يطوروا تجربتهم في المهجر وهذه سمة عامة الإسلاميين، إذ أنهم لا يتفاعلون بسهولة مع الواقع الجديد الذي عاشوه في الغرب كما أنهم لم يستفيدوا من آليات الغرب ولم يتمكنوا من الدخول في مؤسساته بشكل جدي كما تفعل العديد من تيارات المهاجرين”.

ويري الجورشي كذلك أن المهجر تجربة قاسية وأن سلبياته أكثر من إيجابياته، وأن “الإنجاز الوحيد الذي حققته مرحلة المهجر هو أن الحركة بقي لها رأس يدافع عنها، لكن السلبيات كثيرة أبرزها ضعف واضح في أداء الجهاز التنظيمي وانسحاب عدد هام من الكوادر من التنظيم”.

أما بخصوص علاقة حركة النهضة بالغرب (أوروبا و أمريكا) فقد تطورت في الفترة الأخيرة عما كانت عليه في السنوات الماضية. ومنذ أحداث 11 سبتمبر 2001 أصبحت للغرب أولويات أبرزها الحد من الهجرة السرية ومقاومة الإرهاب. وأصبح ضغط الغرب علي الدول الإسلامية ينطلق من هذين الهاجسين. ويؤكد الجورشي أن تشريك التيارات الإسلامية المعتدلة في العملية السياسية ببلدانها يحد من الهجرة القسرية التي بدأت أوروبا تحس بوطأتها و أحيانا بخطورتها علي علمانية الدولة بالغرب ، سواء من حيث الحملة التي صاحبت قضية الحجاب أو في تبعات حادثة الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة دنمركية سنة 2006 والتي حاول البعض تسويقها في إطار الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب.

يري الجورشي أن المهجر تجربة قاسية وأن سلبياته أكثر من إيجابياته، وأن “الإنجاز الوحيد الذي حققته مرحلة المهجر هو أن الحركة بقي لها رأس يدافع عنها، لكن السلبيات كثيرة أبرزها ضعف واضح في أداء الجهاز التنظيمي وانسحاب عدد هام من الكوادر من التنظيم”.

و يمكن القول أن ترشيد الظاهرة الإسلامية بتونس أو ما يسمي بعقلنة الحركة الإسلامية، مرتبط بجملة من العوامل الذاتية والموضوعية. فمن بين العوامل الذاتية، ضرورة إسراع القيادة بمراجعات فكرية، وهي مراجعات تحدث عنها بعض قياديي” النهضة” لكنها لم تنشر لحد الآن، وربما يعود ذلك للوضع الاستثنائي الذي تعيشه الحركة. أما العوامل الذاتية الأخرى فمن أبرزها تثبيت الطابع المدني لهذا التيار، فالخلفية الدينية لحركة النهضة مازالت تشكل هاجسا محرجا لدى مختلف مكونات الطبقة السياسية رغم التحالفات الأخيرة التي عقدتها النهضة مع عدد من قوى المجتمع المدني. أما العوامل الموضوعية فأبرزها تعميق التجربة والممارسة الديمقراطية في المجتمع من خلال تحديد ثوابت تضمن حماية الدولة من أية اهتزازات ( كالإيمان بالدولة الوطنية ، والحفاظ على مكتسبات الحداثة ، وإعطاء الهوية العربية الإسلامية بعدا تقدميا ) .في هذا الإطار ، تصبح المشاركة السياسية لحركة النهضة محكومة بالحفاظ على هذه الثوابت ، وأن كل تنكر لها يضعها موضوعيا خارج إطار المشاركة.

وختاما لا بد من التأكيد أن كلفة المشاركة السياسية للتيارات الإسلامية المعتدلة تبقى أفضل بكثير من كلفة اللامشاركة.

(*) باحث تونسي ومحاضر بكلية الآداب ـ قسم التاريخ، جامعة منوبة. تونس،
للتواصل: allani.alaya@yahoo.fr

** قدم هذا البحث في إطار ندوة بمراكش يومي 16و17 جوان 2006 حول” الحركات الإسلامية المشاركة في المؤسسات السياسية في البلاد العربية وتركيا ” بدعوة من مركز الدراسات الدستورية والسياسية وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة القاضي عياض مراكش، المغرب.

(المصدر: موقع “الشهاب” تصفح يوم 6 جويلية 2007)

الرابط: http://www.chihab.net/modules.php?name=News&file=article&sid=1887

 

 


 

 

هل تغيرت أولويات المعارضة التونسية ؟

كمال بن يونس – بي بي سي – تونس

 

تكشف الشعارات التي ترفعها النخب والنقابات والاطراف السياسية التونسية خلال تحركاتها انتشارا أكبرللمشاعر والادبيات المعارضة بحدة للسياسة الامريكية والاسرائيلية ولسيناريوهات التطبيع والتفاعل مع المبادرات الامريكية والاسرائيلية .. لاسيما منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحربي أفغانستان والعراق.

 

بل إن عملية حشد التأييد لقضايا سياسية داخلية ؟ مثل المطالبة بالاصلاح والحريات – اصبحت كثيرا ما تنطلق عبر حملات تشهير برموز السياسات الاسرائيلية والامريكية في المنطقة .. لاسيما منذ الاعلان عن دعوة رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون الى تونس للمشاركة في القمة العالمية للمعلومات التي تنظمها الامم المتحدة في نوفمبرالقادم .. حيث تكاتفت نقابات الطلاب والاساتذة والمحامين وقيادات المعارضة استعدادا لما تصفه بمعركة معارضة التطبيع مع ساسة اسرائيل يسارا ويمينا. تصعيد المحامين

 

في هذا السياق دخل آلاف المحامين منذ دعوة شارون ؟ قبل ثلاثة أشهر- في تحركات سياسية وحملة تصعيد ضد السلطات انخرط فيها كذلك من يوصفون برموز الاعتدال في قيادة النقابة العامة للمحامين مثل شوقي الطبيب عضو القيادة والرئيس السابق للمحامين الشباب الذي يبرر اضراب المحامين وتحركاتهم التي عارضتها السلطات القضائية وبعض المحامين القريبين من الحزب الحاكم.

 

يقول المحامي شوقي الطبيب “من اسباب اضرابنا وتحركاتنا المطالبة باطلاق سراح الزميل محمد عبو الذي اصدر بيانا ينتقد دعوة شارون لتونس .. وإذا كان البيان ينطبق عليه قانون الصحافة فإننا كجزء من المجتمع المدني نرفض زيارة مجرم الحرب شارون الى تونس وان كان المبرر حضور مؤتمر تنظمه الامم المتحدة ” صرف الانظار

 

لكن هل يمكن أن يكون الهدف من مثل هذه التحركات المعارضة للاحتلال الاسرائيلي ولسياسات واشنطن في المنطقة صرف انظار الشعوب عن مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية مثل مكافحة الرشوة والفساد وغياب الحريات وفرض الحصار بمساعدة أمريكية وأوروبية؟

 

يعترض الجامعي والناشط الحقوقي علي المحجوبي بقوة على هذا التفسير ويشكك في جدية واشنطن والعواصم الغربية في دعم مشاريع الاصلاح وتشجيع الديمقراطية في العالم العربي، لأن الديمقراطية- على حد قوله – ” لا تخدم مصالح القوى الاستعمارية الاوربية ولا مصالح الولايات المتحدة .. كما لا تخدم تيار الانحياز الكامل لاسرائيل في الولايات المتحدة ” حكومات لاتقبل النصح

 

لكن الدكتورعبد الجليل التميمي، مدير مركز دراسات جامعية، يعتبر أن معارضة سياسات اسرائيل والقوى الإستعمارية ،لاينبغي أن تحجب حقيقة مهمة وهي حاجة الاوضاع داخل الدول العربية للاصلاح رغم عدم تجاوب اغلب الحكومات العربية مع نصائح مثقفيها وساستها المستقلين ..

 

ويعنبر التميمي أن ” الحكومات العربية لا تقبل نصيحة مثقفيها ولا تتفاعل مع افكار الاصلاح من الداخل التي يتقدم الجامعيون والمثقفون المستقلون”.

 

والسؤال الكبير يبقى : الى أي حد سينجح الخطاب السياسي الذي يراهن على توظيف المشاعر المعادية لسياسات اسرائيل والولايات المتحدة في تحريك الجماهير .. التي قد تعلن يوما أن أولوية الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات المستقلة ينبغي أن تكون تحسين الأوضاع الداخلية في الدول العربية بعيدا عن الحملات الاعلامية والتحركات الحماسية الظرفية ضد اسرائيل والسياسيات الامريكية؟

 

(المصدر: موقع بي بي سي العربية بتاريخ 14 ماي 2007)

الرابط: http://news.bbc.co.uk/go/pr/fr/-/hi/arabic/news/newsid_4547000/4547829.stm

 


 

 

من خطبة الرفيق بلقاسم العياري

 

قال الرفيق بلقاسم العياري النقابي المرموق والمناضل المعروف في الهيئة الإدارية الجهوية ببن عروس، قال في معرض حديثه عن أوضاع المنظمة النقابية ( الاتحاد العام التونسي للشغل ) الملتئمة أخيرا لترميم الشغور الحاصل بالمكتب التنفيذي بالجهة، قال أنه قبيل مؤتمر المنستير الأخير حدد اختياره بصواب وتموقع ضمن فريق ” الأرضية النقابية ” التي كان له فضل صياغتها في منزله في شهر رمضان الفائت وهو اختيار عين الصواب ونعم التموقع.

قال، وهو في حالة من تمتم الصدق والصفا أنه اختار موقعه من منطلق إيمانه الوثوقي الراسخ بوجوب محاربة الانتهازيين، الوصوليين، المتمعشين من الاتحاد، أصحاب التاريخ الملطخ بالمواقف المخزية والأيدي المتسخة بغدر العمال والاتحاد، المتهافتين على مقعد في مجلس المستشارين أولئك الذين زكوا الرئاسة مدى الحياة ( * ) وافتعلوا لأنفسهم قناعا تقدميا وديمقراطيا وابتدعوا فزاعة الجهوية والعشائرية وجعلوا من مسألة الدورتين ( 2 mandats ) صهوة لحجب حقيقتهم، أولئك الذين حاولوا التدخل في شؤون الاتحاد الجهوي ببن عروس عند إعادة توزيع المسؤوليات بعد ارتقائه هو للمكتب التنفيذي الوطني وهو قلة بعضهم من المكتب التنفيذي الخالي وبعضهم الآخر كتاب عامون لاتحادات جهوية وحولهم تألف حزام من أشباههم.

كان يخاطب الجارة كي تسمع الكنة.

هؤلاء ، ومن تحلق حولهم، تناسوا ويتناسون ان للبيت رب يحميه، وأن جهوية وعشائرية القراقنة كذبة لا يكاد يصدقها إلا من اصطنعها وسواها والحال أن هناك خط نقابي صميم في المنظمة من كل الجهات بما في ذلك الشمال، الشمال المناضل، وليس حلف الشمال الذي يلهج باسمه هؤلاء الانتهازيين.

وكان للرفيق المناضل بلقاسم العياري أن سبق وأكد يوم 26 جانفي الماضي، في غمرة الاحتفاء به كعضو بالقيادة الجديدة، أنه مقر العزم على اقتحام الشمال والوسط والجنوب أيضا، وأنه سيثبت للجميع أنه غير ابن الشمال الذي سبقه للقيادة من قبل.

والحقيقة أن المرء إذا كان لا يملك القدر الأدنى من الشعور بالمروءة والكرامة يمكن أن لا يملك حتى الإحساس بالعار، والعار هو نوع من الغضب يصب المرء الصادق جامه على نفسه ويمكن ان يكون العار لدى المرء المتعفن تعفنا استثنائيا نوع من الغضب يصب جامه على غيره من الناس وبطلاء كبير من الكذب.

وقديما قيل ساق الكذب قصيرة.

وقيل أيضا من بيته من زجاج لا يرمي غيره بالحجر.

قد يتاح لمعتوه أن يقود مركبة تغص بعقلاء يجهلون بين أيدي من قد أودعوا مصير حياتهم، ويتاح له أن يفلح في مواجهة الأمواج العاتية بتمام الاقتدار والحكمة ولكنه وفي لحظة مباغتة أن يقودها للهلاك والغرق. فهل ينفع الضحايا فيما بعد أن يعترف المعتوه بإثمه؟

 

نقابي من بن عروس

 

 

 ( * ) ولم يذكر الرفيق بلقاسم العياري الحاضرين بأنه امتنع عن التصويت وأنه فيما بعد برر موقفه ذاك لمنطقة المن ببن عروس وللسيد الوالي هناك بأنه هكذا تصرف لحماية نفسه من جماعات اليسار المحيطة به والتي قد تستغل له أي موقف آخر لتزعزع نفوذه بالجهة وفي ذلك خسارة اولا وقبل كل شيء للدولة.

 

 


 

حول التكذيب
عبدالحميد العدّاسي

 

قرأت “السواك الحار” الذي أثار حفيظة السيّدة سلوى الشرفي ثمّ قرأت “ردّ فعلها” الذي تفهّمتُه، ولمّا قرأت الرّسالة التي وجّهها صابر التونسي إليها معتذرا عمّا بدر منه (نتيجة جهله ببعض المعطيات)، مصحّحا بعض المفاهيم التي قفزت إلى ذهنها، كنت أنتظر من الأستاذة، التي وصفوها بالكبيرة، أن ترجع إلى الحقّ الذي رجع إليه صابر، فأهل تونس كلّهم بحاجة إلى كلمة سواء تجمعهم أو على الأقلّ تحدّ من درجة التوتّر الذي صُنِع لهم.

 

غير أنّ “تكذيب” الوارد على صفحات تونس نيوز بتاريخ 4 يوليو 2007، قد قفل الموضوع بطريقة فيها الكثير من اللاّمبالاة بالآخر وفيها الكثير من الكبر الكاذب والتعالي الذي لا يزيد صاحبه إلاّ وضاعة، لتُلقي بكلام أناس هم عند الكثير من التونسيين أرفع شأنا وأكثر ثقة من هذا “الشرفي” الذي لم يكتف  بتكذيب الأحداث الصحيحة، بل رمى (أو رمت) غيره بتهم التدليس وامتلاك القدرة على اختلاق الوقائع…

 

أقول بأنّ الذي كذّب ما جاء به الله سبحانه تعالى وكذّب ما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم واتّهم ساداتنا الصحابة الأجلاّء بالإرهاب والعنف، لهو أقدر على تكذيب صابر التونسي ومحمود قويعة وغيرهما من التونسيين الصادقين الواضحين… ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العظيم… 

 

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مواقف عمرية (1)

 

د. محمد الهاشمي الحامدي

 

هذه خواطر وقصص مهداة بشكل خاص إلى كل من: د. رجاء بن سلامة، د. سلوى الشرفي، د. حامد القروي، د. محمد مواعدة، والأستاذ محمد حرمل.

 

* * *

 

من الضروري أن يكون المرء موهوبا واستثنائيا وصادقا في عمله إلى حدود غير طبيعية من أجل أن يجمع ملايين البشر على تبجيله وحبه وتقديره على امتداد القرون.

 

أقرأ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بين الفينة والأخرى، وأتساءل: لماذا يحبه أهل المغرب والمشرق حتى يوم الناس هذا؟

 

لماذا لم يختف ذكره الحسن الحميد من التاريخ أبدا؟

 

لماذا يشهد بفضله المسلمون والمؤرخون والكتاب المنصفون من غير المسلمين؟

 

وأجيب نفسي بنفسي: لا شك أنه كان موهوبا واستثنائيا وصادقا في عمله إلى حدود غير طبيعية.

 

ثم أبسّط الجواب وأقول لنفسي: أتستكثر ذلك على تلميذ نجيب من تلاميذ سيد البشر وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم؟

 

من بين الأخبار الكثيرة اليومية التي تشغل التونسيين والعرب كافة هذه الأيام، فكرت في إهداء بعض هذه المواقف العمرية لبني وطني التونسيين خاصة، ولمن تصله من قراء العربية بوجه عام.

 

* * *

 

الموقف الأول

 

* * *

 

وردت تفاصيل هذ االموقف في مسند الإمام أحمد وفي الكامل للتاريخ لابن الأثير وفي تاريخ الطبري، برواية أسلم، المساعد الشخصي لثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

 

قال أسلم: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى حرة واقم، حتى إذا كنا بمرتفع إذ بنار بعيدة فقال عمر: يا أسلم إني لأرى هناك ركْبًا حبسهم الليل والبرد فانطلق بنا.

 

قال: فخرجنا نُهَرْوِلُ حتى دنونا منهم، فإذا هي امرأة معها صبية صغار، وإذا بِقِدْر منصوبة على النار، وصبيانها يتضاغون (يتصايحون).

 

ـ قال الخليفة: السلام عليكم يا أهل الضوء، وقد كره أن يقول: يا أهل النار.

 

ـ قالت: وعليكم السلام.

 

ـ قال عمر: أأدنو؟

 

ـ قالت: ادْنُ بخير أو دع.

 

ـ فدنا فقال: ما بكم؟

 

ـ قالت: قصر بنا الليل والبرد.

 

ـ قال: فمالِ هؤلاء الصبية يتضاغون؟

 

ـ قالت: الجوع.

 

ـ قال: فأي شيء في هذه القدر؟

 

ـ قالت: ماء أُسْكِتَهُم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر.

 

ـ قال: أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم؟

 

ـ قالت: يتولى أمرنا، ثم يغفل عنا، الله بيننا وبينه.

 

قال أسلم: فأقبل عليَّ عمر به ما به، يقول: انطلق. فأتينا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلا من دقيق، وكبَّة من شحم، ثم قال:

ـ احمله عليّ.

 

ـ فقلت: أنا أحمله عنك يا أمير المؤمنين.

 

ـ قال: أأنت تحمل وزري يوم القيامة، لا أمَّ لك؟

 

قال أسلم: فحملته عليه. فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، حتى أتيناها، فألقى العدل عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا، وجعل يقول:

 

ـ ذرِّي عليّ وأنا أُحرِك.

 

وجعل ينفخ تحت القدر، فرأيت الدخان يخرج من خلال لحيته حتى طبخ لهم. ثم أنزل القدر فأتته بصحفة فأفرغ فيها الطعام، ثم جعل يقول لها:

 

ـ أطعميهم وأنا أسطح لهم. (أي أبسطه حتى يبرد)

 

فلم يزل كذلك حتى شبعوا، ثم ترك عندها فضل ذلك الطعام، ثم قام وهي تقول:

 

ـ جزاك الله خيرًا. كنت أولى بهذا الأمر من عمر.

 

ـ قال: قولي خيرًا قولي خيرًا.

 

ثم تنحى عنهم ناحية واستقبلهم وقد رَبَضَ مَرْبَضًا يراقبهم.

 

قال أسلم: فقلت إن له لشأنًا وهو لا يكلمني حتى رأى الصبية يصطرعون، ثم ناموا، وهدؤوا، فقام يحمد الله، ثم أقبل عليّ، فقال:

 

ـ يا أسلم: إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت.

انتهت القصة. وقد رواها شعرا حافظ ابراهيم رحمه الله في هذه الابيات الجميلة:

 

فمن يباري أبا حفصٍ وسيرتَه

ومن يحاول للفاروقِ تشبيها

ومن رآه أمام القدر منبطحًا

والنارُ تأخذ منه وهو يُذكِيْهَا

وقد تخلل في أثناء لحيته

منها الدخان وغاب فُوهُ فِي فِيهَا

رأى هناك أمير المؤمنين على

حالٍ تروع لعَمْرِ الله رائِيْهَا

يستقبل النارَ خوف النارِ في غَدِه

والعَيْنُ من خشيةٍ الله سالت مآقِيها

 

 

 

 


 

دا شعب فقرى

أحمد فؤاد نجم:

 

نظرا لأن النعمة فاقت حدها

ولأننا مش قدها

ولأن فعلا انجازاتك

فوق طاقتنا نعدها

ولأننا غرقنا في جمايل

مستحيل حنردها

نستحلفك ……. نسترحمك

نستعطفك …….نستكرمك

ترحمنا من طلعة جنابك حبتين

عايزين نجرب خلقة تانية

ولو يومين

اسمع بقى

إحنا زهقنا من النعيم

ونفسنا في يومين شقا

عايزين نجرب الاضطهاد

ونعوم ونغرق في الفساد

بيني وبينك حضرتك

دا شعب فقرى مايستحقش جنتك

أنا عارفه شعب ماينفعوش

إلا شارون وبلير وبوش

عايز يجرب الامتهان

ويعيش عميل للأمريكان

بيمد “غازه” لإسرائيل

ويومين كمان ويمد نيل

أهو يعنى نشرب ميه واحدة

ندوب في بعض

ماء وماء وماء

ونفض سيرة الانتماء

وبلاها نعرة وطنطنة

تبقى البلاد “مستوطنة

(متسلطنة بالسرطنة)

إيه اللي خدناه م الكرامة والإباء

حبة خطب وكلام…كلام

إحنا راهننا على النظام

ورضينا بخيار السلام

بخيار حنسد عين الشمس بيه

علشان مايطلعش النهار

ويطلع لمين؟

حبة معارضة مغرضين؟

وحسب بيان السلطة

شلة مأجورين؟

ياعم فضك سيرة

وارضى بقسمتك

دا شعب مش فاهم أكيد

يالا اطرده من رحمتك

وإن كنت غاوي الحكم

خليك مطرحك

حاغطس واقب وأعود

بشعب يريحك

راضى وعمره مايجرحك

أخرس ومايسمعش

وأعميلك عينيه

مش كل قرش يبص فيه

مايقولش لأه، وفين، وليه

يضرب ينفض في السليم

وعلى الصراط المستقيم

كل اللي يعرف ينطقه

عاش الزعيم

يحيا الزعيم

 


Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

14 août 2009

Home – Accueil     TUNISNEWS 9 ème année, N° 3370 du 14.08.2009  archives : www.tunisnews.net   AP: Le Tunisien extradé

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.