الثلاثاء، 25 أبريل 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2164 du 25.04.2006

 archives : www.tunisnews.net


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسـان: المؤتمر الوطني السادس 27 و 28 ماي 2006 :فتح باب الترشحات للهيئـة المديرة

شبكة البصرة: الصحافة التونسية في خطر من جديد

رويترز: تونس تدين تفجيرات دهب في مصر وتصفها بالإرهابية

وات: حادث مرور على طريق الجرف بولاية مدنين يسفر عن وفاة 6 أشخاص

الصباح: عدد العاطلين عن العمل يرتفع بـ95،2% العام الماضي الى 14 ألف ايلاف: تونس والكويت تغلقان ملف قطع غيار الطائرات

الـتيار الـنقابي الـتقدمي : الإمبريالية عدوة التقدم عبدالله الزواري: الدكتاتور والنعامة…. قصة واحدة! حسونه: سقوط دولة الاستبداد مشروط بالتخطيط المُحكم الشروق: يوم غيّر حياتي…حسين العفريت: وقوفي على قبر الرسول (ص) ووفاة نجيب الخطاب في البال الشبكة العربية لحقوق الإنسان: وزارة الداخلية المصرية ترتكب جريمة جديدة الحياة: الخلاف بين الحكومة المصرية والقضاة وصل مرحلة الصدام إسلام أون لاين: غضب عارم بمصر لإهانة القضاة سويس إنفو: الأمم المتحدة: سوريا تستضيف 181 لاجئا فلسطينيا محتجزا على حدود الأردن د. عبدالوهاب الافندي: عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الإسلامية المعاصرة برهان بسيس: فتاوى الترابي احمد أبو المعالي: الإصلاحيون الوسطيون في موريتانيا.. وآفاق العمل السياسي أبو يعرب المرزوقي: رسالة مفتوحة إلى أصحاب الفكر الاستراتيجي فلسطينيين وعرباً ومسلمين


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

الرابطــة التونسيــة للدفــاع عن حقـــوق الإنســـان تونس في 25 أفريل 2006  

المؤتمر الوطني السادس 27 و  28 ماي 2006 فتــح بــاب الترشحــات للهيئــة المديـــرة

 تعلم الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عن تنظيم المؤتمر الوطني السادس للرابطة يومي 27 و 28 ماي 2006 بتونس العاصمة حسب البرنامج الذي سينشر لاحقا.  و عملا بالقانون الأساسي و النظام الداخلي يفتح باب الترشح للهيئة المديرة التي سيتم إنتخابها خلال هذا المؤتمر، و على الذين تتوفر فيهم شروط الترشح و لهم الرغبة في ذلك تقديم مطالب ترشحهم مباشرة لكتابة الرابطة مقابل وصل في ذلك في أجل لا يتجاوز يوم الجمعة 12 ماي 2006 بنهاية توقيت العمل الإداري. مع الملاحظة أن إرسال تلك المطالب عبر البريد قد يجعلها لا تصل في الإبان نظرا لما يتعرض له بريد الرابطة من مصادرة منذ أشهر رغم مراسلة السيد وزير الإتصالات في الغرض. كما يلاحظ أن مطالب الترشح التي قدمت قبل موعد المؤتمر الذي كان حدد لأيام 09 و 10 و 11 سبتمبر 2005 لن تؤخذ بعين الإعتبار.     عن الهيئــة المديــرة         الرئيـــس   المختــــار الطريفــــي  


 

الأخ الكريم سليم بوخذيـر

 

بنزرت 24.04.2006

 

نحن أعضاء الجمعية الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين نشد على أيديكم ونعلن مساندتنا لقضيتكم العادلة ووقوفنا إلى جانبكم في محنتكم هذه ومحنة بلادنا لما أصابها ويصيبها من إنتهاك لأبسط حقوق أبنائها في العيش الكريم،

 

وإذ نعبر لكم عن خالص تقديرنا لنضالكم من أجل تلك الحقوق فإننا نأسف أن تدفع السلطات التونسية مواطنيها إلى الموت، نسأل الله لك العافية، من أجل حقوقهم المشروعة، غير عابئة بما يمكن أن تؤدي إليه سياسة صم الآذن عن مطالب أصحاب الحقوق من إضرار بمصالح المواطنين والوطن في آن معاً.

 

وإذ نأمل أن تنفرج محنتكم وتستجيب السلطات إلى مطالبكم قريباً، نجدد لك في الختام تضامننا مع قضيتكم ومؤازرتك على نحو دائم.

 

أعضاء الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين:

عثمان الجميلي

طارق السوسي

فوزي الصدقاوي

 


الصحافة التونسية في خطر من جديد

شبكة البصرة سفيان الشورابي – تونس
لم ينتهي إضراب جوع الأكاديمي منصف بن سالم، حتى دخل متضررون آخرون من النظام التونسي هم أيضا، في مثل هذا التحرك الاحتجاجي. إذ يشن كل من الصحفييْن سليم بوخذير، وشهرزاد عكاشة؛ وكليْهِما يشتغلان في الجريدة اليومية الشبه رسمية “الشروق”، إضرابا عن الطعام “

من أجل حقّ العمل وحريّة الصحافة

.” ممارسة تعسفية ضد بوخذير

وكانت صحيفة الشروق، ذات التوجه العروبي والقريبة جدًا من قصر قرْطاج، أقدمت على طرد الصحفي سليم بوخذير في الخامس من الشهر الجاري. وهوما دفعه إلى الإضراب عن الطعام منذ ذلك التاريخ الى اليوم. وتكونت لجنة وطنية للمساندة والدعم، تتركب أساسًا من كل: رشيد خشانة رئيس تحرير الموْقف، عبد الوهاب الهاني رئيس تحرير مجلة التونسي،  لطفي حجّي رئيس نقابة الصحفيين التونسيين، بشير الّصّيد عميد سابق للمحامين،  مصطفى بن جعفر الأمين العام للتكتّل الديمقراطي من اجل العمل والحريات، سهام بن سدرين الناطق الرسمي باسم المجلس الوطني للحريات… كما قام وفد من الشبكة الدولية لحرية التعبير (الايفاكس) يوم 18 أفريل بزيارة إلى منزله، وتلقى برقيات مساندة من جمعية “مراسلون بلا حدود”    والصحفي سليم بوخذير مراسل، أيضا، للموقع الإلكتروني العربية.نت، كان دوما ضحية للإجراءات التعسفية الصادرة من قبل السلطة. إذ وقع طرده من جميع الصحف التي اشتغل فيها (أخبار الجمهورية، الصريح)، بسبب مواقفه المتباينة مع الخط التحريري فيها.   وللصّحفية عكاشة نصيب
ومن جهة أخرى، وتقريبا دفاعا على نفس المطالب، دخلت شهْرزاد عكاشة في إضراب جوع مفتوح، ابتدءًا من يوم 18 أفْريل 2006  بمقر جمعية الصحفيين التونسيين. وذلك على اثر امتناعها عن نشر مقال تمجد فيه انجازات “بن علي” بمناسبة الذكرى 18 لوصوله للسلطة، في 7 نوفمبر 2005 .

أطالب بالكفِّ عن سياسة التجْويع التي تمارسها السلطة في حق الصحفيين

“. هكذا ردّدت الصحفية المقْموعة، وهي في انتظار وقوف الجمعيات الحقوقية المحلية والعربية إلى جانبها. منجي الدّكالي محروم من أيضا التعبير

كما قامت السُلط المحلية بمنع طباعة كتاب ” دليل الموظف للدّفاع عن حقوقه” للأستاذ مُنْجي الدّكالي الباحث في قوانين الشغل والوظيفة العمومية . وهومؤلَف لا يحتوي في مضمونه ما “من شأنه أن يُعكر صفوالأمن العام”، ولا من شأنِه أن يسبّب الكثير من القلق تجاه النظام السياسي.
وأصدرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان؛ فرع  توزِر ـ نفطة بيان دعتْ فيه ” إلى تمكينه من إصدار كتابه قبل التئام الدورة الجديدة لمعرض الكتاب الدولي صوْنًا لحقه في التعبير والنشر”.
منْع ترويج كتاب في… سوريا وامتدّت اليد الطولى للرقابة إلى “الشقيقة” سوريا. حيث قررت الحكومة السورية منْع تداول النُسخة العربية من كتاب «صديقنا الجنرال» للفرنسِيَيْن نيكولا بووجان بيار توكوا. والكتاب يؤرخ للفترة الانتقالية التي عاشتها تونس اثر  انتقال الحكم إلى الرئيس بن علي الذي انقلب على سابقه الحبيب بورقيبة.     حيث قررت الحكومة السورية منع تداول الكتاب وسحب جميع النسخ الموجودة في الاسواق السورية استجابة لـ لاحتجاج رسمي تقدمت به السفارة التونسية في دمشق الى وزارة الإعلام، حسب ما جاء في صحيفة الحياة الصادرة يوم 18 أفريل 2006. وبعد؟
تمثل كل هذه العينات، أدلة قاطعة على خواء الخطاب الرسمي عن وجود حرية للأعلام في تونس وتأكيد، جلي، لما تصدره الهيئات المستقلة، المهتمة بالشأن الإعلامي؛ من ترد، سواء في المشهد المرئي والمسموع والمكتوب، أوفي وضعية العاملين في هذا القطاع.
شبكة البصرة السبت 23 ربيع الاول 1427 / 22 نيسان 2006
 


تونس تدين تفجيرات دهب في مصر وتصفها بالإرهابية

تونس (رويترز) – ادانت تونس يوم الثلاثاء التفجيرات التي هزت منتجع دهب السياحي بسيناء يوم الاثنين وقتل فيها ما لا يقل عن 23 شخصا ووصفتها بأنها تأتي في اطار الاعمال “الارهابية”.

وقال الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في برقية مواساة وجهها لنظيره المصري حسني مبارك انه يدين “هذه الأعمال الإرهابية التي استهدفت مدنيين أبرياء”.

وانفجرت ثلاث قنابل في منتجع دهب المصري بشبه جزيرة سيناء يوم الاثنين مما اسفر عن مقتل 23 شخصا على الأقل وإصابة عشرات آخرين في أحدث هجوم على صناعة السياحة التي تشكل ركيزة للاقتصاد في مصر.

وعبر الرئيس التونسي في برقيته التي نشرتها وكالة الانباء الحكومية عن “مشاعر مواساته وتضامنه الكامل مع مصر راجيا الله ان يحفظ الشعب المصري الشقيق من كل مكروه”.

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 25 أفريل 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

 


حادث مرور على طريق الجرف بولاية مدنين يسفر عن وفاة 6 أشخاص

 

تونس 24 أفريل 2006 (وات) جد اليوم الاثنين حادث مرور بين سيارة أجرة للنقل الريفي ذات تسعة مقاعد وعابر طريق على مستوى منطقة عمرة بالطريق الرابطة بين مدنين والجرف من معتمدية مدنين الجنوبية اسفر عن هلاك اربعة اشخاص على عين المكان ثلاثة من ركاب السيارة والمترجل فيما اصيب ستة اشخاص بجروح متفاوتة توفى منهم اثنان بالمستشفى بعد تقديم الاسعافات الاولية لهم.

 

وقد كلف الرئيس زين العابدين بن علي والي مدنين بتقديم المساعدة للمصابين وتوفير الاحاطة الكاملة لهم ومواساة عائلات الضحايا.

 

وسارعت السلط الجهوية والمحلية بولاية مدنين بالتعاون مع الحماية المدنية والوحدات الامنية والصحية بتسخير كل الامكانيات للانقاذ والاسعاف وتوفير الظروف اللازمة للجرحى الذين تم نقلهم الى المستشفى الجهوي بمدنين واحالة احدهم الى المستشفى الجهوى بصفاقس لمزيد العناية والرعاية.

 

وتتمثل صورة الحادث في اصطدام سيارة الأجرة بعابر الطريق مما افقدها توازنها وتسبب في ارتطامها بزاوية جدار لمتجر مواد غذائية دون ان يلحقه اى ضرر.

 

والأبحاث متواصلة لتحديد الأسباب الكامنة وراء هذا الحادث.

 

(المصدر: وكالة إفريقيا تونس للأنباء بتاريخ 24 أفريل 2006)


 

حسب الأرقام النهائية للمعهد الوطني للاحصاء:

عدد العاطلين عن العمل يرتفع بـ95،2% العام الماضي الى 14 ألف

 

تونس ـ الصباح: خاص

 

سجل عدد العاطلين عن العمل في تونس العام الماضي ارتفاعا بنحو 95،2% ليبلغ عددهم نحو 488 الف عاطل مقابل ما يقرب 474 الفا في سنة 2004 اي بزيادة قدرت بـ14 ألفا حسب احصائيات صادرة عن (المعهد الوطني للاحصاء) INS.

 

الارقام النهائية الصادرة عن ذات المعهد يؤكدها ارتفاع نسبة البطالة من 23،14% في سنة 2004 الى 29،14% خلال السنة الفارطة.

 

ويشار الى ان تقديرات الحكومة بالنسبة لسنتي 2004 و2005 كانت تحوم في دائرة 9،13% وهو ادنى مستوى يسجل منذ سنة 2000 على الاقل.

 

وتُقاس نسبة البطالة في تونس انطلاقا من عدد العاطلين التي تقسم على العدد الجملي للناشطين حيث بلغت هذه الاخيرة في السنة الماضية اكثر من 414،3 مليون ناشط مقابل 328،3 مليون ناشط في سنة 2004 اي بنسبة نمو بـ58،2%.

 

كذلك الشأن عرفت نسبة النشيطين المشتغلين نموا بـ52،2% لتبلغ 926،2 مليون حيث يتوزع هذا العدد اساسا على القطاع الثالث او الخدمات بنحو 49% من جملة النشطين المشتغلين يليها القطاع الصناعي الذي استقطب 3،32% متراجعا بنحو 2% عن سنة 2004 والتي استفاد منها القطاع الفلاحي التي ارتفعت نسبته في استقطاب اليد العاملة النشيطة المستغلة من 3،16% سنة 2004 الى 7،18% سنة 2005 بمعنى ارتفاع احداثات الشغل في القطاع الفلاحي مقابل تراجعه في القطاع الصناعي.

 

اضافة الى ذلك يرى بعض الاقتصاديين ان ارتفاع عدد المشتغلين في القطاع الفلاحي يعكس الاستعمال المكثف لليد العاملة في هذا المجال في عملية الانتاج وهو ما يؤثر على مردودية المستغلات الفلاحية فكما هو معلوم في فلاحة الدول المتقدمة انها لا تستقطب اكثر من 5% من اليد العاملة النشيطة في حين ان معدلات انتاجها الفلاحي يتجاوز بكثير حاجياتها الاستهلاكية مما يفتح امامها مجالات التصدير الرحبة.

 

اضافة الى ذلك تعني النسبة المنخفضة للمشتغلين في القطاع الفلاحي في الدول المتقدمة الاعتماد الكلي على هيكلة الانتاج والاستعمال المكثف لعنصر الانتاج «رأس المال» ومايتضمنه من استثمار وكذلك عنصر الانتاج «البحث العلمي» الذي يقدم الحلول لاهم المشكلات الفلاحية اضافة للمنتوجات الجديدة.

 

وليد الدرعي

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 25 أفريل 2006)

 


تونس والكويت تغلقان ملف قطع غيار الطائرات

 

 
الكويت – ايلاف: أعلن وزير الخارجية التونسي عبدالوهاب عبدالله في ختام زيارته الى الكويت اليوم عن حل مشكلة قطع غيار الطائرات التابعة للخطوط الجوية الكويتية والعالقة بين الكويت وتونس منذ الاحتلال العراقي للكويت. وقال عبدالله في مؤتمر صحافي مشترك مع نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح بانه “لم يكن لدينا علم بوجود هذه القطع في تونس الا بعد زيارة المنسق الدولي لشؤون الأسرى والممتلكات الكويتية المفقودة في الأمم المتحدة السفير بولي فورنتسوف لنا”. واضاف أنه “بمجرد ان وصل العلم الى السيد الرئيس اذن بارجاعها لاصحابها..والقضية انتهت تماما”. وأشار الى “ان الرئيس التونسي ابلغ الامير الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح باستلام هذه القطع متى ما كان الاخوة الفنيين جاهزين للذهاب الى تونس”.

واعرب الشيخ محمد عن شكره للقيادة التونسية على تعاونها الكبير في الموضوع المتعلق بقطع غيار طائرات الخطوط الجوية الكويتية قائلا ان ” الرئيس التونسي اصدر اوامره بتعجيل تسليم قطع الغيار الى الجانب الكويتي وهذا شيء يشكر عليه . الى ذلك نوه الوزير التونس خلال المؤتمر الصحافي نوه بحجم الاستثمارات الكويتية في تونس وقال “انها كبيرة جدا وهي لا تنطلق من الصفر في العديد من المجالات سواء السياحية اوالزراعية او الصناعية وغيرها””. وأوضح ان زيارته الى الكويت “تأتي لوضع جدول اعمال بالنسبة للمستقبل اي حتى نحقق انجازات اكثر واكثر بين البلدين لاسيما مع بروز الدور الاساسي للقطاع الخاص خلال السنوات الماضية”، معبرا عن رغبته “بان يكون للقطاع الخاص دور اكبر.” وأعرب عبدالله عن سعادته بمقابلة الامير الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح. وقال انه نقل اليه دعوة من الرئيس زين العابدين بن علي لزيارة تونس وقبلها وسيتم لاحقا تحديد موعدا لهذه الزيارة”. من جهته، قال وزير الخارجية الكويتي الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح ان الاجتماعات مع نظيره التونسي تناولت العلاقات الثنائية والبرامج والخطط التنموية في تونس والبرامج الاقتصادية الطموحة فيها. واشاد بالعلاقات السياسية لكنه شدد ايضا على ضرورة تقوية التواصل الاقتصادي. وفيما يتعلق باجتماعات اللجنة المشتركة الكويتية التونسية اشار الشيخ محمد الى ان اتفاق تم على ان تعقد جلساتها في نهاية العام الحالي في الكويت حيث كان من المفترض ان تعقد خلال العام الماضي لكنها تأجلت بسبب التغيير الوزاري في تونس.

 

(المصدر: موقع ايلاف بتاريخ 25 أفريل 2006)

 


تونس في 19 أفريل 2006

 

للمرة الثانية سيمنار الذاكرة الوطنية مع د. صالح المهدي

 

السبت  29 أفريل 2006 على الساعة التاسعة صباحا

 

 

 كنا قد استضفنا في إطار سمينار الذاكرة الوطنية د. صالح المهدي يوم 01 أفريل 2006, وحيث أثار بداية مسيرته الفنية حتى إعلان الاستقلال. ونظرا لكثافة المعلومات التي عاشها د. المهدي, وفي رصيده أكثر من 700 لحن  وعدد من المؤلفات, واختزل في ذاكرته بنك معلومات ثرية جدا حول تطور الموسيقى في بلادنا. وها نحن ندعوه من جديد لينقل جانبا من مذكراته ولقاءاته مع الرئيس الحبيب بورقيبة والسيدة وسيلة بورقيبة, وغيرهما من رموز البلاد وكذا مع الوسط الفني التونسي والمغاربي والعربي والدولي.

 

والدعوة مفتوحة للجميع ابتداء من الساعة التاسعة صباحا في المقر الجديد بالمؤسسة المذكور أسفله.

 

إدارة المؤسسة

 

 

مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات

العنوان : المنطقة العمرانية الشمالية – عمارة الامتياز – 1003 تونس

الهاتف : 0021671231444 / 0021671751164. – الفاكس 0021671236677

البريد الإلكتروني  temimi.fond@gnet.tn

 

الموقع على الإنترنت( باللغة العربية) ; www.temimi.org

(site en français) www.temimi.refer.org


 

.   24 أفريل 2006   .   

 : الإمبريالية عدوة التقدم

   أيها الرفاق،

تحيي القوى التقدمية يوم 24 أفريل من كل سنة اليوم العالمي لمقاومة الإمبريالية، وهي مناسبة يجدر بنا أن نذكر فيها بأهم ثوابت موقفنا الطبقي والثوري ومرتكزاتنا النظرية والسياسية وأساليبنا التنظيمية التي تميز عداءنا للإمبريالية ومقاومتنا لها عن المواقف العاطفية والتشنجية وتميزنا عن المزايدات الديماغوجية اللصيقة بمسألة العداء للإميريالية.

لقد أصبحت صفة “معاد للإمبريالية” هلامية حتى الحد الأقصى وكادت تفتقد معناها الأصلي باتخاذها يافطة من قبل أطراف لا تختلف مشاريعها ورؤاها الإيديولوجية في شيء عن المشروع الإمبريالي ذاته. إن توسيع جبهة العداء للإمبريالية واشتماله على مروحة متسعة من التلوينات ليس سلبيا في حد ذاته بل هو دليل على تعدد المآخذ على السياسة الإمبريالية وتعدد أساليب العمل؛ ـ البعض يقاومها من وجهة نظر بيئية فيعادي فيها التبذير اللامسؤول للموارد الكونية والتدمير الإتلافي لمكامن الطاقة والتكديس الإجرامي لأسلحة الدمار الشامل وعدم رصد الإعتمادات الكافية لتجديد الغابات الإستوائية وإهمال التصدي لانبعاث الغازات المخلة بتوازن التركيبة الغازية لغشاء الأوزون وأيضا عجزها عن التصدي للكوارث الطبيعية على النحو الذي برز عقب اجتياح الأمواج العملاقة (تسونامي) لشواطئ آسيا أو الفيضانات التي ضربت مدينة نيو أورليانس: وهذا هو العداء للإمبريالية من منطلق بيئي؛ ـ وبعض المعادين للإمبريالية يفعلون ذلك انطلاقا من رفضهم لقيمها المتمحورة حول التسليع الكيفي للعلاقات البشرية والتتجير النمطي لكل شيء والتصنيم التعبدي لأهداف الربح والنجاح الفردي بحيث أصبحت معدلات النمو وتطور نسب الفائدة هي قدس أقداسها ومعبد صلاتها، وهؤلاء إنما يعادون في الإمبريالية اقتصادها المشهدي وقيمها الإستهلاكية واعتمادها المفرط على الدعاية التهييجية واستغلال الغرائر الجامحة لتحويل الفرد إلى عبد للموضة السائدة التي تحددها دائما ثقافة الطبقة السائدة: وهذا هو العداء للإمبريالية من منطلق أخلاقي؛ ـ ويعادي آخرون الإمبريالية بحكم رفضهم لسيطرتها الثقافية والفكرية كما تتجلى في الإنتشار السرطاني للأفلام والمسلسلات الأمريكية المعلبة وما تحمله من مسبقات ضمنية تشيد بتفوق الرجل الأبيض وتحرض على العنف والقسوة وجملة القيم التي يجمعها الدارسون تحت تسمية الداروينية الإجتماعية، كما وتتجلى هذه الهيمنة في سيطرة الوكالات العملاقة ومعاهد سبر الآراء على المادة الخبرية وتوليها رسم انعطافات الرأي العام المستلـَب، ومع التعفن المتسارع للإمبريالية أصبح ممثلوها الرئيسيون لا يترددون في السنوات الأخيرة عن ترويج الفكر الخرافي ونزعة العداء للأجانب والإشادة بالإستعمار وهو ما جر إلى ردة فعل تتلفع بعض تعبيراتها بدثار العداء للإمبريالية وتنظر لصراع الحضارات: وهذا هو العداء للإمبريالية من منطلق ثقافي.

إن الموقف التقدمي يستوعب الإيجابي في كل مناحي العداء للإمبريالية ولكنه يرفض بعضا من منطلقاتها واستنتاجاتها ولا يقبل تعميماتها المتسرعة ولا أسلوب المبالغة والتهويل كما يبدوان بالخصوص في المواقف البيئية ولدى دعاة صراع الحضارات. والموقف التقدمي يعادي الإمبريالية من منطلق طبقي وبالإعتماد على قراءة راكمتها أجيال من منظريه ومثقفيه ولا زالت تراكمها، فعداؤنا للإمبريالية قائم على انحياز نظري وسياسي وتـنظيمي إلى الطبقة العاملة وضد الطبقة البورجوازية وهو يتنزل ضمن المشروع الإشتراكي الساعي إلى تحطيم نمط الإنتاج الرأسمالي سلما أو عنفا وإنهاء صراع الإنسان مع الإنسان وعبودية البشرية لرأس المال ولسائر الأشكال الإغترابية السابقة لها أو الناتجة عنها. الموقف التقدمي يعتبر أن “الإنسان هو أسمى غاية للإنسان نفسه” (ماركس) ويسعى إلى “الإنتقال بالبشرية من جحيم الضرورة إلى ملكوت الحرية” (ماركس). ويستنكف الطرح التقدمي عن تملق غرائز الجمهور وعن التذيل لميول الإنغلاق الدفاعي بما تنتجه من نزعات معاكسة للعداء للآخر إثنيا أو لغويا أو عقائديا. عداؤنا للإمبريالية فرع من أصل يجد جذوره في عدائنا للرأسمالية إذ أن الإمبريالية هي الرأسمالية في أعلى مراتبها حسب التنظير اللينيني المعروف.

وموقفنا من الرأسمالية القائمة على مبدإ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج قائم أصيل وعريق لأنه مبني على رفض مسبقتها المؤسسة لمجمل بنيانها النظري كما صيغت منذ ستيورات مل وآدام سميث وهي تتلخص في القول بأن سعي كل فرد إلى تحقيق مصلحته الخاصة يؤدي إلى تحقق مصلحة الجميع وأن هناك يدا خفية تنظم مجمل المصالح الفردية وتجعلها تصب في خانة المصلحة العامة. إن تاريخ نمط الإنتاج الرأسمالي منذ وصوله إلى تحقيق السيطرة في بداية القرن التاسع عشر يقيم الدليل على بطلان هذه الفرضيات المؤسسة للرأسمالية. فإطلاق العنان لكل فرد كي يحقق مصالحه الخاصة يفضي إلى تحالف بين الأفراد الأقوى في إطار طبقة تفرض احتكاراتها وتسوغها بقوانين عامة تصدرها عبر آليات الديموقراطية الشكلية ومهزلة الإنتخابات التمثيلية المتباعدة زمنيا، ويفضي الإحتكار على الصعيد الوطني إلى الإحتكار على الصعيد الكوني عبر تحالف طبقي بين الممثلين السياسيين للبرجوازية الكبرى والطغم العسكرية والثيوقراطية والعشائرية الحاكمة في البلدان المتخلفة على النحو المشتغل حاليا والذي يفضل الولوعون بالصرعات العابرة والكلمات المستعحدثة تسميته بالعولمة. على أن العولمة ليست مرحلة جديدة في الإمبريالية ولا في الرأسمالية، بل هي خاصية محايثة لنمط الإنتج الرأسمالي منذ تكونه. فهذا النمط كما أبرزته تحليلات ماركس قد نشأ منذ البدء عالميا وما كان له أن يتمكن من تحقيق المراكمة البدائية لولا النهب المنظم لثروات البشرية قاطبة عبر التجارة العابرة للقارات وقد بين ماركس وأتباعه من بعده أن النمط الرأسمالي قد نشأ منذ الأصل في إطار التجارة العالمية حتى أن ماركس يرجع بالأصول الأولى لهذا النمط إلى المدن التجارية الإيطالية ويقول بأن تاريخه غير قابل للإنفصام عن تاريخ تطور الملاحة العالمية وتدفق المعادن النادرة التي تم جلبها من العالم الجديد ووجهت ضربة قاصمة إلى النمط الإقطاعي باقتصاده الكفافي وهياكله الحرفية المغلقة وتعدد أنظمة الموازين والمكاييل فيه وتنوع عملاته. فالعولمة، بما هي المسار الطويل المفضي إلى امتداد نمط الإنتاج الرأسمالي عالميا حتى درجة التشبع المؤذنة بسقوطه، ليست مرحلة جديدة في الإمبريالية التي هي ذاتها أعلى وآخر مراحل الرأسمالية.

أيها الرفاق،

 إن مقاومة الإمبريالية ليست قبعة للزينة صادف الآن مواكبتها للموضة وأضحى بوسع كل من هب ودب أن يعتمرها، بل هي قائمة على تحديدات نظرية وسياسية وتنظيمية لا يمكن لغير اليسار التقدمي والثوري الإيفاء بمتطلباتها والسير مع نتائجها حتى النهاية: نظريا بتوضيح وتخصيص المضمون الطبقي لهذه المقاومة من حيث هي مهمة تقودها مصلحة الطبقة العاملة في إعادة تقسيم الثروة الإجتماعية، وسياسيا بما هي رفض للتحالف مع ممثلي الطبقات المعادية وخصوصا البدائل الفاشية المنتظمة في إطار الأحزاب التيوقراطية، وتنظيميا بتوعية وحشد قوى الطبقة العاملة القادرة كطبقة تاريخية على التصدي للسياسة الإمبريالية بمقوماتها الأساسية من استغلال واستعمار وعدوان عسكري.

 

    الـتـيار الـنقـابـي الـتــقــدمـي

 


الدكتاتور والنعامة…. قصة واحدة!

25-4-2006 عبدالله الزواري ـ كاتب تونسي مضطهد والطاغية مثل النعامة، كلما أحدق بها الخطر بالغت في دس رأسها في الرمل ظنا منها أن في ذلك نجاتها، أما الطاغية فيزداد هربا إلى الأمام رغم تواتر التحذيرات وتوالي النصائح وتصاعد النداءات بضرورة إجراء إصلاحات جوهرية وحقيقية، وأن الطريق المسدودة التي يصر على السير فيها لن تغني عنهم شيئا، يوم يهب ضحاياهم تصحيحا للمسار وتقويما وتفاعلا مع التاريخ…
“إن الإنسان ليطغى” أرأيت هذا الكون الفسيح بمجراته ونجومه وكواكبه، بل أرأيت هذا الكون الفسيح بدقيق كائناته وجليلها، وكل لها مسار معلوم لا تحيد عنه ولا تنفصل، بل أرأيت تلك النسب المئوية الدقيقة في عناصر الكون المختلفة، وتلك المسافات الدقيقة بين مكوناته التي تستحيل الحياة التي نعرف، مع تغيرها ولو بمقدار بسيط… فما تلك الروعة التي تبهر الألباب إلا من ذلك التناسق البديع بين كل تلك المكونات ما أدركنا منها وما لم ندرك إلى حد الآن…لكن الكائن الوحيد الذي أوتي من القدرة ما لم تؤت تلك الكائنات على عظمتها، هو الإنسان الذي قد ينخرط في مسار بقية الكائنات فيزداد هذا الكون تناسقا وجلالا، وقد ينحرف عنه فيكون الانخرام على قدر انحرافه… إنه الكائن الوحيد الذي أوتي من القدرة على الاختيار بين جملة من المتقابلات التي عبرت عنها الأنساق الفكرية، كما عبرت عنها- في مستوى آخر- الشرائع السماوية… و قد أوردها القرآن الكريم بصيغ متنوعة، فتراه يقول: “إنا هديناه السبيل…إما شاكرا… و إما كفورا”، “قد أفلح من زكاها… وقد خاب من دساها”. قد يُمتع الإنسان بشيء من القوة، قوة العلم، قوة العمل، قوة الجسم، قوة المال، قوة الجاه، قوة الوظيفة، قوة العشيرة و العصبية أو الحزب، قوة الدهاء والمكر، قوة الخديعة أو النفاق….وقد لا يُمتع الإنسان بشيء من هذه القوة أو تلك، إنما يمتع بضعف معارضيه وتشرذم كلمتهم و تنازعهم و سوء تقديرهم، فيذهبن به الظن بعيدا، لا وتسول له نفسه التأله في الأرض، فيعتبر نفسه قد أوتي من العلم كثيرا، أو من المال وفيرا… أو من غير دلك من مظاهر القوة… والقاصمة الأدهى، أنه لا يقف عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى اعتبار نفسه الأعلم والأقدر والأقوى والأذكى والأدهى والأولى إلى غير ذلك من صيغ التفضيل… وبما أنه ظن نفسه كذلك، يصبح من البديهي أن يسمح لنفسه باغتصاب حقوق كثيرة، اقتضت الحكمة الأزلية أن يتمتع كل آدمي بها بقطع النظر عن عرقه، ولونه، ولغته، و دينه، وموطنه سعيا إلى استقامة ميزان العدل… فيصبح -وهو من هو- صاحب الرأي السديد والحكم الفصل والقرار الذي لا اعتراض عليه… بل يصبح كل امرئ يحدث نفسه بالتأخر عن التسبيح بحمد الطاغية أو يتوانى عن تقديم آيات الولاء إليه يصبح خارجا عن الملة، مارقا عن الإجماع، شاذا يستوجب من العقاب أشده، متهما في وطنيته… ويبلغ الطاغية المبلغ الذي لا يدرك: استكبارا وتجبرا وزهوا وخيلاء، فيتدحرج دركة دركة حتى يبلغ الحضيض، حيث استقرت صورة “الفرعون” و لا يكتفي بذلك بل يريد أن يبلغ درجة نأى فرعون موسى بنفسه عنها…مثل الإعراض عن الاحتكام للشعب في مرحلة أولى…لكن تراه ينعق صبح مساء..”لا أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”، أو “أنا ربكم الأعلى”، أو “إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد”… فهو “المنقذ من الضلال” و”المنقذ من الفتنة”، وهو “الفدائي الذي قدم نفسه رخيصة من أجل البلاد”، و”المؤتمن على المكاسب”، وهو “حامي حمى الدين والوطن”، ثم سرعان ما يصبح هو الوطن بل الوطن هو، كما يصبح هو الحضارة وهو العلم وهو التقدم وهو الرخاء وهو الحكمة وهو الأمن وهو الأمان وهو الامتياز وهو…. بحيث يصبح كل اعتراض عليه وعلى “بلاويه” اعتراضا على الوطن وعلى العلم وعلى التقدم وعلى الأمن وعلى…. ولن يعدم الطاغية حاشية تزين له المظالم التي يقترف، وتسوغ له الأعراض التي ينتهك، وتحسن له القبائح التي يرتكب، وتحلل له الأموال التي يبدد، وقد أسبغت عليه من صفات الكمال ما لا يليق إلا بمن “خلق فسوى”، وقد تختلف الدواعي التي تدفع تلك البطانة إلى فعل ذلك، فمن صغر النفوس ودناءتها إلى الرغبة الجامحة في المال الزائل والجاه العريض… ثم إلى الذين سوغت لهم أنفسهم الدفع إلى مزيد من المظالم والاحتقان، لكونه مندرجا ضمن مسار إنضاج ثمرة (التربع على عرش السلطة) يبادرون هم إلى قطفها عندما يحين الأوان… ومن طبيعة الطاغية، أنه لا يستمع إلى صوت العقل والاستفادة من تجارب غيره، ولسان حاله لسان الأحمق الذي لا يتعظ إلا بنفسه، أما الاتعاظ بغيره فلا سبيل إليه، لأنه كما أشرنا سابقا يعتبر نفسه الأقوى والأدهى والأقدر… فيسلك سبيل أمثاله من الذين سبقوه من الطغاة شبرا شبرا وخطوة خطوة، إلى أن يحيق المكر السيئ بأهله… قد يطغى الإنسان في مجالات من الحياة كثيرة، لكم همنا الآن ينكب على المجال السياسي، وعنه يقتصر حديثنا فلنتتبع شأن الطاغية تدرجا: 1- الاستحواذ على السلطة بطريقة لا تمت إلى الشرعية الشعبية والاختيار الحر بصلة، مثل الانقلابات على اختلاف أنواعها من عسكرية أو صحية… ولا يخفى أن هذه المرحلة تستدعي ضرورة أن يتصف هذا الطاغية، قبل تحقيق مآربه، بقدرة عالية على إخفاء حقيقة أمره لا تضاهيها إلا قدرته على التزلف والطاعة العمياء وانعدام الشخصية بتلونها مثل “أبي قلمون” في المقامات، فهو الخادم المطيع الذي لا يتورع عن إعطاء الذلة من نفسه بتخليه أو تنازله عن الدرجة التي تميزه عن بقية الكائنات.. 2- العمل على التخلص من كل من يعرف حقيقة الطاغية (بدءا من الحاشية) ونزواته ونقائصه… انتهاء بالمنافسين والخصوم… 3- سن جملة من القوانين التي لا علاقة لها بالمصلحة العامة في شيء…قوانين تكرس تفرد الطاغية بكل شيء من جهة، وتحرم الشعب من أبرز حقوقه الأساسية بطريقة أو بأخرى من جهة ثانية.. 4- تضخيم الأجهزة الأمنية بصورة لافتة وتعددها وإيلائها أهمية بالغة، بحيث تكون لها اليد الطولى في الحياة العامة والخاصة للمواطنين، مع غض النظر عن تجاوزاتها القانونية والمهنية وتمكينها بنوع من الحصانة تمكنها من الإفلات من المثول أمام القضاء، وبالتالي الإفلات من العقاب.. 5- العمل على ترويض بعض القطاعات –وخاصة زعمائها- بالجزرة حينا وبالعصا أحيانا… مثل المن ببعض المسؤوليات على من لا يستحق… وفي القطاعات الحساسة يقع التخلص ممن لا يثبت ولاؤه المطلق للطاغية بتكليفهم بمهام متنوعة، بعيدا عن المحيط الذي تأهلوا له…فهذا عقيد مختص في المدفعية يعين مشرفا على مؤسسة تأثيث منزلي، وهذا عقيد آخر يعين على رأس شركة عقارية وآخر يعين ملحقا عسكريا في دولة لا تربطنا بها أي علاقة عسكرية، سواء كانت تصنيعا أو تزودا أو تزويدا…أما أصحاب الرتب الدنيا فيغض عنهم الطرف كي يستغلوا وظائفهم (وأزياءهم الرسمية) للقيام بأعمال أخرى يحجرها القانون عليهم (سياقة تاكسي، نقل المسافرين في وسائل نقل غير معدة للغرض، تهريب سلع، عدم تسديد فواتير مستحقة لخزينة الدولة) 6- التنكيل بالمعارضين وتسليط أفظع العقوبات عليهم وعلى ذويهم: محاكمات صورية، تجويع، طرد، حرمان من العلاج، حرمان من السفر… في الوقت الذي يغدق فيه عل الأتباع بوافر الأعطيات و سخي المنح… وقد يبلغ الأمر درجة من الافتضاح تجعل الطاغية يعرض عن القضاء كجهاز منفذ لسياساته في التخلص من معارضيه ( إعداما وسجنا ونفيا)، كما كان يفعل في أول عهده… فيلجأ مثل غيره من الذين سبقوه إلى فرق الموت(على اختلاف في التسمية) فتبدأ بتعطيل مكابح السيارات، وما شابه ذلك من الأعطال التي تلحق بوسائل النقل التي يستعملها من أدرجت أسماؤهم على القائمة السوداء… قصد الترهيب والتهديد ثم قصد إلحاق الموت بهم بطرق ملتوية ورخيصة… وتتطور الأشكال شيئا فشيئا إلى أن تصل إلى تلغيم السيارات… ثم الاغتيالات في وضح النهار… هكذا فعل “عظماء” الطغاة و”أقزامهم”: ستالين، شاه إيران، بينوشي، حبري (والقائمة طويلة)، وكثير من أصحاب الرتب العسكرية المختلفة، بدءا بالعرفاء مرورا بالعقداء وانتهاء بالجنرالات ذوي البزات الأنيقة التي لم تلامسها ذرة واحدة من غبار ساحات الوغى… والطاغية مثل النعامة، كلما أحدق بها الخطر بالغت في دس رأسها في الرمل ظنا منها أن في ذلك نجاتها، أما الطاغية فيزداد هربا إلى الأمام رغم تواتر التحذيرات وتوالي النصائح وتصاعد النداءات بضرورة إجراء إصلاحات جوهرية وحقيقية، وأن الطريق المسدودة التي يصر على السير فيها لن تغني عنهم شيئا، يوم يهب ضحاياهم تصحيحا للمسار وتقويما وتفاعلا مع التاريخ…فيمضي هؤلاء الذين طالما تجرعوا كؤوس القهر والظلم إلى نور الشمس وأضواء الحق والخير والعدل، أما الطاغية فيتدحرج دون أسف أو تحسر إلى أشد دركات المهانة.
(المصدر: مجلة العصر بتاريخ25 مارس 2006 )

 


 

سقوط دولة الاستبداد مشروط بالتخطيط المُحكم

حسونه….de TuNezine

 

لاشك في أن ما آلت اليه الأمور في تونس لا يبشر بالخير على المدى المنظور, خاصة والسلطة قد ذهبت بعيدا في نهجها الأمني الصرف و قضت على ما تبقى من هوامش الحرية, و أضحت امكانات التفاهم مع القوى الحية في المجتمع مساوية للصفر, فالسلطة المتنفذة في تونس اليوم لا صوت لها غير سوط الجلاد و يبدو ان المأثرين في اتخاذ القرار داخل قصر قرطاج قد أجمعوا رأيهم و اختاروا الحل الامني للاشكالات القائمة على الساحة الداخلية خير دليل على هذا الاستنتاج ما وقع السبت الفائت (2 فيفري 2002، التحرير) في قصر العدالة من اطلاق العنان للبوليس السياسي ليسير الامور على طريقته الخاصة متجاوزا كل الاعراف و الأخلاقيات المتعارف عليها حتى في جمهوريات الموز فضلا عن البلدان التي تحترم نفسها.

 

الواضح أن استراتيجية النظام التي دبرت بليل هي التصعيد و سياسة الأرض المحروقة واطلاق النار على اول من يتحرك, و من المعلوم لكل ذي بصيرة أن دولة تعتمد على هكذا سياسة هي دولة دخلت منعرج الانهيار الشامل, فلا أظن أن من أشار على حاكم تونس بتبني هذا النهج كان له ناصحا بقدر ما كان يكيد له و يدس له السم في الدسم, لأن المتعارف عليه عند كل من له حد ادنى من القدرة على التخطيط أنك لا يمكن أن تخوض معركة دون قراءة موازين القوى و امكانيات النصر من عدمه ناهيك عن طبيعة المرحلة داخليا و خارجيا, يبدو ان الذكاء قد خان ساكن قرطاج هذه المرة و ككل مرة فهو بدوسه على مؤسسة القضاء بهذا الشكل السافر بعد ان طهره من كل العناصر المشهود بنزاهتها يكون قد أطلق رصاصة الرحمة على مستقبله السياسي و الشخصي فالقضاء و استقلاليته ضمانة للجميع في تونس حاكم و محكوم و ضمانة له هو شخصيا في حالة انهيار حكمه و تقديمه الى العدالة لمحاسبته, هذه مأساة كل من لا يقرأ التاريخ السياسي للعالم حسبنا تذكيره بما حدث لتشاوشسكو حاكم رومانيا السابق يوم أطلق شكيمة البوليس السري Securitat ليعتقل و يعذب و يقتل المعارضين خارج طائلة القانون و المحاكم, كان مصيره معروف في اليوم الذي تلى ذلك الاجتماع الحاشد في بوخاريست حيث جيء بالجماهير لتهتف باسمه و ينتفخ هو غرورا أمامها جميعنا يعلم ما حدث في اليوم التالي حين اقتحمت الجموع عليه قصره لتعتقله و تحاكمه محاكمة شكلية لم تتجاوز نصف ساعة وأطلقت عليه الرصاص بعد ذلك ليجني ما زرعت يداه.

 

المطلوب اليوم من كل اطراف المعارضة في تونس و الجهات التي يعنيها مستقبل البلاد أن تقف وقفة جدية و مسؤولة للاتفاق على حد أدنى لمشروع يكون بديلا لما تطرحه السلطة خاصة و قد طال أذاها الجميع و هي الآن متذبذبة و يغلب عليها الارتجالية بعد ان استنفذت ما في جعبتها من بدائل. لن يتسنى ذلك من دون تخطيط محكم يعطي لكل مرحلة أولوياتها عبر تنويع النشاطات المضادة و المبتكرة للرد على الدعاية الرسمية و فضحها و اعطاء البديل الممكن لها .فما الذي يمنع المعارضة مثلا و فيها من الحقوقيين و رجال القانون من صياغة دستور أو تكوين جمعية تأسيسية تكون الرد على دستور 2004 الذي يعكف على صياغته النظام. تليه خطوة أخرى مثل اعلان حكومة مؤقتة و لو في المنفى و الترويج لها اعلاميا بأقصى ما يمكن من جهد ولا يخفى عليكم ما للاعلام من تأثير على الرأي العام في الداخل و الخارج ولما لا الاتصال بحلفاء النظام في العالم حتى لو كان ردهم رافض لهذه الحكومة فأولى شروط النصر هي اجبار الخصم على خوض المعركة على الطريقة التي تناسبك و تناسب امكانياتك و دفعه الى تغيير استراتجيته مع ما يعنيه ذلك من بلبلة لمخططاته و فقدانه للمبادرة و خسارته لنقاط قوته و لعل قرار حمة الهمامي و رفاقه الخروج من السرية الى العلن قد أربك النظام و دفعه الى التعامل باندفاع الهواة مع هذه القضية بحيث أعطى لخصومه نصرا اعلاميا كبيرا كشف زيف ادعاءات النظام حول دولة القانون و المؤسسات.

 

كما يجدر التنبيه الى خطورة تركيز النضال في تونس العاصمة فقط وترك المدن الأخرى ولنتذكر جيدا أن بورقيبة ربح معركته ضد الشهيد صالح بن يوسف من صفاقس التي عقد فيها مؤتمر اتحاد الشغل الذي أعلن تحالفه مع بورقيبة آنذاك و اخرجه من عزلته داخل الحزب الدستوري لا يخفى علينا ان نقطة قوة النظام اليوم و جهازه البوليسي هي العاصمة, وما أمكن للسيد المنصف المرزوقي أن يخاطب الجماهير علنا في تونس العاصمة في حين أمكن له ذلك في دوز بالجنوب التونسي الذي يمثل الى جانب بقية المدن الداخلية الحاضنة الطبيعية لكل مشروع تغيير ينطلق منها ليصل مده الى العاصمة السياسية فيما يشبه لعبة “الدمينو” كما يجب الأخذ في الاعتبار الاوضاع الدولية و الفوضى الأمنية التي تعرفها أقوى بلدان العالم بعد احداث سبتمبر و الجدل الكبير الدائر في العواصم الغربية عن جدوى دعم الانظمة الحاكمة في بلادنا وما قد ينتج عنه من قرارات لعل أخطرها مشروع امريكا للاطاحة بالحكم في العراق و الذي سيكون له انعكاس مباشر على الوضع الداخلي في تونس خاصة و ان النظام في تونس لا يمكن له اللعب على الحس العروبي مرة اخرى لأن السيد الأمريكي لن يتسامح معه هذه المرة كما لن تتسامح معه الجماهير في الداخل أيضا اذا ما وقف في المعسكر المعادي للعراق.

 

الصورة ليست قاتمة تماما على الرغم من تسارع الأحداث السلبية المهم أن نحسن قراءة الموقف و نعرف نقاط القوة ونقاط الضعف و شبكة التحالفات التي يعتمد عليها النظام و العمل على خلخلتها مع ما يتطلبه ذلك من طول نفس و قدرة على المناورة و التضحية و الأهم من ذلك تاجيل كل المعارك الجانبية و المصالح الحزبية الضيقة الى اليوم الذي يعقب سقوط الدولة البوليسية الى غير رجعة عندها لكل حادث حديث.

 

حسونه

7 – 2 – 2002

 

(المصدر: قائمة مراسلات 18 أكتوبر بتاريخ 24 أفريل 2006)

وصلة القائمة: http://fr.groups.yahoo.com/group/Mouvement18Okt/

 


يوم غيّر حياتي…

حسين العفريت: وقوفي على قبر الرسول (ص) ووفاة نجيب الخطاب في البال

 

* تونس ـ الشروق:

 

حياتنا مراحل ومحطات متعددة تحمل لنا مفاجآت سارة وأخرى ليست كذلك فنتفاعل معها ويتغير مسارنا وهو أمر طبيعي ويمكن لأي كان أن تتغير حياته عديد المرات وهو ما حدث مع الفنان حسين العفريت الذي كان على موعد مع عديد الأحداث التي أثرت في حياته وغيرتها من حالة الى أخرى لكنه يقر أن وفاة المرحوم نجيب الخطاب ووقوفه على قبر الرسول ص من أهم الأحداث التي غيرت حياته.

ويقول حسين العفريت ان حياته عرفت تغيرات عديدة وان سنوات عمره يمكن تلخيصها في أيام معلومة لم يكن مرورها بحياته عاديا بل ذات تأثير كبير سواء على قناعاته وطريقة تفكيره أو كيفية تعامله مع ما أتى بعد هذه الأيام.

 

فاجعة واصرار النجاح

 

ويضيف: حدث مؤلم أثر في نفسيتي وجعلني أعيد حساباتي والنظر الى الحياة من زاوية مختلفة انه ذلك اليوم من سنة 1998 يوم ودّعت الساحة الاعلامية المرحوم نجيب الخطاب يومها تألمت وتأملت مسيرة هذا الصديق العزيز على قلبي التي كانت مليئة بالنجاحات والعمل والعطاء وفي غمرة الحزن على فقدانه وجدت نفسي مسكونا برغبة كبيرة في النجاح وفي فرض وجودي وفعلا حصل منعرج حقيقي في حياتي.

 

منعرج جديد

 

ويواصل الفنان حسين سرد تفاصيل يوم آخر غير حياته وقلبت عديد القناعات التي آمن بها طويلا ويقول: مازلت أذكر تفاصيل يوم المولد النبوي الشريف من سنة 2004 يوم وقفت على قبر الرسول الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما أنبعث بداخلي شعور لا استطيع وصفه هو بمثابة نور أضاء عتمة نفسي وفتح عيني على حقائق كانت غائبة عني فشعرت أن الحياة ما هي الا محطة عبور نحو عالم الخلود وشعرت كم كنت مقصرا مع نفسي التي حرمتها التمتع بهذا الاحساس الروحاني الجميل فمنذ رأيت الكعبة الشريفة أمام عيني وطفت بمختلف الأماكن المقدسة أحسست وكأنني ولدت من جديد وتأكدت أن اللهفة على الدنيا والركض وراء الماديات وتحقيق الشهرة التي كانت من أعز أحلامي أشياء تافهة لا تساوي شيئا أمام رغبتي الجديدة في التقرب الى الله سبحانه وتعالى والنهل من معين الايمان واتباع الصالحين.

 

فهذا اليوم حوّلني الى متسامح ولين في التعامل مع المحيطين بي، وانعكس ذلك على حياتي الفنية حيث صارت لدي رغبة كبيرة في التوجه نحو اللون الموسيقي الصوفي والتعمق فيه وبالفعل فقد بدأت بتنفيذ هذا المشروع الموسيقي حاليا وما أتمناه هو أن يكون في مستوى الآمال التي علقتها عليه.

 

وخلاصة القول هو أن أدائي للعمرة ووقوفي على قبر الرسول الأكرم غير حياتي نحو الأفضل على جميع المستويات وجعلني أبدو انسانا آخر غير الذي كان من قبل وانا أحمد الله على هذا النور الذي بعثه بداخلي.

 

* ناجية المالكي

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 25 أفريل 2006)

 

 
 

وزارة الداخلية المصرية ترتكب جريمة جديدة

القاهرة- 24 أبريل 2006 أقدمت وزارة الداخلية على ارتكاب جريمة جديدة في حق المواطنين والقضاة المصريين، حيث قامت فجر اليوم قوات غفيرة يتجاوز عددها أكثر من 2000 (حسب روايات الشهود) بالاعتداء على المعتصمين (تضامنا مع القضاة في مطالبهم بصدور قانون يؤكد استقلال القضاء في مصر) بجوار نادي القضاة ، بعد أن رفضوا منحهم مهلة لفض الاعتصام. وقد قامت قوات الأمن باختطاف القاضي (محمود حمزة) أثناء محاولته التقاط صورا لما حدث من أمام باب نادي القضاة، والاعتداء عليه بشكل وحشي لمدة ساعة ونصف، وإلقاؤه في الشارع. كما تم القبض على 13 مواطن، من بينهم اثنين من أساتذة الجامعة، أللذان أطلق سراحهما بعد الاعتداء عليهما. ومازال الآخرون محتجزون. وعلى الرغم من أن بعضهم مريض، ترفض قوات الأمن إسعافهم بالأدوية اللازمة. ويروي بعض الشهود أن الاعتداء على المواطنين جرى أثناء فض الاعتصام وكذلك أثناء اختطافهم في سيارات الشرطة، وكذلك يروي أحد المواطنين أن الاعتداء عليهم تم في وسط القاهرة. وقال جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن هذه الجريمة تأتي تعبيرا صريحا عن توحش أجهزة الأمن في التعامل مع حرية التعبير، وكحلقة في سلسلة الانتهاكات المستمرة التي لم تقتصر على المواطنين والنشطاء فحسب، بل امتدت لتطال القضاة كذلك. وتطالب الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بإقالة وزير الداخلية المصري فورا، ومحاسبته ليس فقط على هذه الجريمة، ولكن على جرائمه العديدة التي طالت أغلب فئات الشعب المصري. كما تناشد الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان المجتمع المدني المصري والدولي للضغط على الحكومة المصرية لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة المسئولين عنها أسماء المواطنين الذين تم الاعتداء عليهم واحتجازهم

أحمد ماهر عماد فريد حمادة فيصل عادل فوزي ياسر أحمد هيثم عبد السلام محمود عبداللطيف محمد الشرقاوي أحمد عبداللطيف محمد مكي محمد رمزي أحمد ياسر الدروبي باسم حسين

 

(المصدر: موقع الشبكة العربية لحقوق الإنسان (مصر) بتاريخ 24 أفريل 2006)

وصلة البيان: http://hrinfo.net/press/2006/pr0424.shtml

 


الشرطة تتدخل لفض اعتصام «كفاية» وتعتقل 12 من ناشطيها …

الخلاف بين الحكومة المصرية والقضاة وصل مرحلة الصدام

القاهرة – محمد صلاح    

تفجر الوضع بين الحكومة المصرية، من جهة، والقضاة و «الحركة المصرية من أجل التغيير» («كفاية»)، من جهة أخرى، ووقع صدام بين الطرفين حينما حاولت قوات الأمن فض اعتصام لناشطي الحركة فجر أمس في شارع عبدالخالق ثروت وسط القاهرة في مواجهة مقر نادي القضاة.

 

وكان عشرات من نشطاء «كفاية» فوجئوا بقوات الأمن تهدم خيمتين نصبتا على رصيف الشارع، ووقعت مواجهات بين الطرفين. وسعى عدد من رموز القضاة الى التدخل، لكن الوضع انفجر بصورة اكبر. وقالت «كفاية» إن قوات الأمن اعتدت على القضاة وأنصار الحركة واصابتهم بجروح. وتوجه عشرات من المثقفين والسياسيين ونواب مجلس الشعب الى نادي القضاة للتعبير عن تضامنهم مع القضاة، فيما ألقت أجهزة الأمن القبض على 12 من ناشطي «كفاية».

 

وقالت مصادر القضاة إن محافظ القليوبية المستشار عدلي حسين – وهو قاض سابق- توجه الى مقر النادي موفداً من الرئيس حسني مبارك في محاولة منه لتهدئة غضب القضاة الذين طالبوا بتقديم اعتذار رسمي ومعاقبة من أصدر أوامر الاعتداء على النادي.

 

وقالت مصادر رسمية إن مسؤولي المرافق كانوا بصدد تنفيذ قرار محافظ القاهرة بإزالة خيمتين نصبتا أمام مقر نادي القضاة، لكن ناشطي «كفاية» تعرضوا لهم فتدخلت قوات الأمن لتنفيذ القرار الإداري. وفي المقابل، وصفت «كفاية» ما جرى بأنه «جريمة فاقت كل التوقعات»، وقالت إن الشرطة اقتحمت في الثانية والنصف بعد منتصف ليل الإثنين حرم نادي القضاة واعتدت على الموجودين في مدخله، ومنهم عدد من القضاة، واعتقلت القاضي محمود محمد عبداللطيف حمزة (رئيس محكمة) «بعد عدوان وحشي عليه وتهديده بمسدس في وجهه عندما أبرز ما يثبت وظيفته، وجُرّ وهو ينزف إلى الاعتقال.. ومعه شقيقه (وكيل نيابة) عندما حاول الدفاع عنه». لكن مصادر الشرطة قالت إن حمزة رفع مسدسه المرخص في وجه رجال الأمن الذين صادروه منه وسلّموه الى النيابة.

 

وكان نادي قضاة مصر أصدر بياناً في أعقاب جلسة عاصفة الثلثاء الماضي دعا فيه القضاة إلى «إضراب مفتوح» احتجاجاً على قرار مجلس القضاء الأعلى بإحالة نائبي رئيس محكمة النقض – والعضوين في لجنة تقصي الحقائق التي شكلها المجلس للتحقيق في الشكاوى والتجاوزات التي جرت خلال الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة – المستشارين هشام البسطويسي ومحمود مكي على لجنة الصلاحية التأديبية.

 

وكان لافتاً أن صحيفة «الجمهورية» نشرت أمس تصريحات للرئيس مبارك ينفي فيها وجود أي دور للحكومة في أزمة القضاة، قائلاً إن ما يجري «يمثل خلافاً بين القضاة بعضهم بعضاً». (تعليق تونس نيوز: مبارك على خطى بن علي؟؟؟)

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 25 أفريل 2006)


الأمم المتحدة: سوريا تستضيف 181 لاجئا فلسطينيا محتجزا على حدود الأردن

 

جنيف (رويترز) – قالت الامم المتحدة يوم الثلاثاء ان سوريا وافقت على استضافة 181 لاجئا فلسطينيا تقطعت بهم السبل على الحدود الاردنية العراقية منذ أكثر من شهر بعد فرارهم من حالة انعدام الامن في بغداد.

 

وقال وليام سبيندلر المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة “نحن ممتنون لعرض الحكومة السورية حلا للمجموعة التي تقيم في مخيم عند معبر طريبل الحدودي داخل العراق مباشرة منذ 19 مارس.”

 

وأضاف في مؤتمر صحفي انه لم يتضح بعد متى سيتم نقلهم الى سوريا مشيرا الى أن المفوضية تأمل في انتقال سلس.

 

وقال سبيندلر ان المجموعة الاصلية من اللاجئين الفلسطينيين البالغ عدد أفرادها 89 فلسطينيا نصفهم تقريبا من الاطفال انضم اليها نحو 100 لاجيء اخرين خلال الاسابيع الماضية.

 

واضاف أن 50 اخرين وصلوا أوائل الاسبوع الجاري الى الحدود العراقية الاردنية من بغداد غير أنه تم ايقافهم على الجانب العراقي ومنعوا من الانضمام الى المجموعة المكونة من 181 لاجئا.

 

وأغلقت السلطات الاردنية الحدود مع العراق خشية حدوث تدفق كبير للاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في العراق ويقدر عددهم بنحو 34 ألفا وذلك بعد استقبال اول حافلة تقل 89 فلسطينيا. وقالت استريد فين جيندرين ستورت المتحدثة باسم المفوضية ان الحدود لا تزال مغلقة امام اللاجئين الفلسطينيين.

 

وكانت المفوضية اعربت عن قلقها بشان مصير اللاجئين الذين يعيشون في المناخ الصحراوي القاسي وسط ظروف “مؤلمة للغاية”.

 

وقالت ستورت ان المفوضية تقف على اهبة الاستعداد لمساعدة المجموعة التي ستصبح بمجرد انتقالها الى سوريا مسؤولية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للامم المتحدة (أونروا).

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 25 أفريل 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

 


غضب عارم بمصر لإهانة القضاة

 القاهرة- رويترز

 

تسود حالة من الغضب العارم أوساط القضاة المصريين الإصلاحيين بنادي القضاة إثر تعرض قاض لاعتداء مبرح من جانب الشرطة خلال فضها لاعتصام تضامني مع مطالب هؤلاء القضاة فجر الإثنين 24-4-2006.

 

ووصفت صحف وأوساط سياسية قضائية مصرية الواقعة بأنها “اعتداء خطير وغير مسبوق على القضاء”، فيما لا يزال يتوافد حتى صباح اليوم الثلاثاء 25-4-2006 العشرات من المثقفين والسياسيين ونواب مجلس الشعب إلى نادي القضاة للتعبير عن تضامنهم مع أعضائه ضد الاعتداء.

 

وطالب المستشار محمود الخضيري رئيس نادي القضاة بالإسكندرية الرئاسة المصرية بتقديم اعتذار رسمي عن الاعتداء على المستشار محمود عبد اللطيف حمزة رئيس محكمة شمال القاهرة الابتدائية، ومعاقبة من أصدر أوامر الاعتداء الإجرامي على النادي.

 

وجاء ذلك ردا على محاولة قام بها المستشار عدلي حسين، الذي يشغل منصب محافظ القليوبية، للتوفيق بين القضاة والسلطات.

 

وقال المستشار أحمد مكي نائب رئيس محمكة النقض عضو نادي القضاة في تصريحات خاصة لشبكة “إسلام أون لاين.نت” الثلاثاء: إن المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية “حاول بذل جهود بصفة شخصية للإصلاح بين القضاة والحكومة”. وأكد مكي تصمصم القضاة على المطالبة بالإصلاح واستقلال القضاء رغم الاعتداء الذي وقع.

 

دلائل الاعتداء

 

وقال المستشار ناجي دربالة وكيل نادي القضاة في تصريحات لصحيفة “المصري اليوم” الثلاثاء: إن “ما حدث هو سابقة في تاريخ نادي القضاة منذ تأسيسه عام 1939، ولم يحدث ذلك حتى في مذبحة القضاة” أواخر ستينيات القرن الماضي في عهد الرئيس جمال عبد الناصر حين قرر إيقاف العمل بقانون القضاء وفصل قضاة من مناصبهم.

 

وتساءل دربالة مستنكرا: “هل هذا هو دور الأمن الجديد؟”. كما شدد على أن “النادي سيكون له موقف حازم مع ما حدث وستظل مواجهته مع النظام قائمة وسيواصل الاعتصام حتى يعود للقضاة استقلالهم”.

 

من جهته وجه الصحفي محمود بكري نائب رئيس تحرير جريدة “الأسبوع” المستقلة مجموعة تساؤلات عن دلالة هذا الاعتداء في مقال نشرته الثلاثاء “المصري اليوم”.

 

وقال: “كيف يحدث ذلك في بلد يخطو نحو مسيرة مزعومة للإصلاح السياسي؟، أين عقل النظام؟ وأين بوصلته التي تاهت؟، ولمصلحة من يتم الاعتداء على قاض ورئيس محكمة في واقعة هي الأولى من نوعها في تاريخ القضاء؟، وإلى متى تظل الحكومة تتردى من أخطاء جسيمة إلى أخطاء أكثر جسامة؟، وهل يجوز ونحن في هذا العالم المتدافع نحو الديمقراطية أن نعود إلى عصور الذل والهوان؟”.

 

وخلص بكري إلى أنها “مأساة بكل المقاييس تلك التي تدفع مجتمعا نحو الهاوية بفعل سياسات وممارسات تسير عكس كل الاتجاهات”.

 

“تخفيف وطأة الجريمة”

 

أما حركة “كفاية” الإصلاحية، التي ألقت الشرطة القبض على 12 من نشطائها خلال فض الاعتصام التضامني، فاعتبرت في بيان لها قرار السلطات بإحالة ضابطي الشرطة المعتدين على المستشار حمزة “محاولة لتخفيف وطأة جريمته ضد القضاة أمام الرأي العام الدولي، خاصة بعد الاهتمام الإعلامي بها، وبث لقاءات مصورة مع القاضي المُعتدى عليه”.

 

وكانت الشرطة المصرية ضربت بالعصي واعتقلت محتجين نظموا اعتصاما الإثنين 24-4-2006، تضامنا مع اثنين من القضاة أحيلا للجنة تأديبية، كما اعتدوا على المستشار حمزة.

 

وروى رئيس محكمة شمال القاهرة الابتدائية تفاصيل الاعتداء عليه لوسائل الإعلام قائلاً: “سمعت صرخات وأناسا يستنجدون فخرجت لأفاجأ بعشرات من جنود الأمن المركزي يهاجمون المعتصمين ويعتدون عليهم بصورة وحشية لم أشاهدها من قبل”.

 

وتابع: “لم يكن في يدي شيء سوى تصوير ما يحدث بكاميرا التليفون المحمول، ولم ألاحظ توجه ضابط شرطة نحوي إلا من محاولة قاضي زميل منعه من ضربي، لكن الضابط ضرب يدي ليلقي التليفون منها ثم انضم إليه ضابط آخر وكتفني وألقاني إلى أربعة آخرين -أمناء أو مخبرين..لا أدري- انهالوا علي بضرب مبرح”.

 

وأضاف المستشار حمزة: “جردوني من معظم ملابسي واستمروا في ضربي بوحشية.. رغم أنني قلت لهم أنا رئيس محكمة وأخرجت لهم ما يثبت ذلك فكان ردهم علي: اخرس يا كلب”.

 

وبثت فضائيات عربية لقطات للقاضي وهو يرقد في أحد المستشفيات وعلى ملابسه آثار دماء ويده اليمنى في جبيرة، وآثار الكدمات تملأ وجهه.

 

دعوة للاعتصام

 

من جانبه دعا نادي القضاة إلى اعتصام ليلة الأربعاء وحتى صباح الخميس 27-4-2006، الذي تبت فيه لجنة الصلاحية التأديبية في مدى أهلية تولي القضاء لكل من المستشارين البسطويسي ومكي نائبي رئيس محكمة النقض والعضوين بلجنة تقصي الحقائق التي شكلها المجلس للتحقيق في الشكاوى والتجاوزات التي جرت خلال الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة.

 

وأيد الدعوة عدد من الأحزاب والحركات الشعبية المصرية، التي قالت في بيان لها: “تلبية لنداء نادي قضاة مصر، وامتثالا لدعوة شيوخه الأجلاء، المتمسكين باستقلال سلطتهم.. ورفضاً لجريمة انتهاك حرمة مقر النادي والاعتداء بوحشية على أعضائه… نناشد مختلف القوى السياسية والنقابية وجماهير الشعب المصري، بكافة طوائفه الاحتشاد من التاسعة ليلة الأربعاء القادم أمام نادي القضاة، ومن الثامنة صباح الخميس القادم في دار القضاء العالي”.

 

(المصدر: موقع إسلام أون لاين.نت بتاريخ 25 أفريل 2006)

 

 

عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الإسلامية المعاصرة

د. عبدالوهاب الافندي (*)

 

بمحض المصادفة توافقت الضجة التي أثارها الشيخ الدكتور حسن الترابي بآرائه الأخيرة في قضايا خلافية في الفكر الإسلامي مع صدور كتاب عن الفكر الإسلامي الحديث كنت أحد المساهمين فيه بفصل عنوانه حسن الترابي ومحدودية الحركة الإسلامية الإصلاحية الحديثة . محرر الكتاب المذكور (والذي يصدر هذا الشهر عن دار بلاكويل في أكسفورد) هو الدكتور إبراهيم أبوربيعة، المحاضر في معهد هيرتفورد بالولايات المتحدة وعنوانه:

The Blackwell Companion to Contemporary Islamic Thought

 

ويتناول الكتاب الذي ساهم في إعداده لفيف من الأكاديميين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم جوانب متعددة من الفكر الإسلامي المعاصر، ومساهمات أبرز الشخصيات المعاصرة فيه. وفي الفصل الذي قمت بإعداده تناولت بالتحديد الإنتقادات والجدل الذي أثارته اجتهادات الشيخ الترابي بدءاً من حكاية حديث الذبابة، وتشكيكه في صدقية بعض الصحابة وفي عصمة الأنبياء وموثوقية صحيح البخاري، وآرائه حول المرأة والردة وزواج المسلمة من الكتابي وغير ذلك. ومن الصعب بالطبع تلخيص كل ما ورد في ذلك النقاش الأكاديمي المفصل والمتعمق لمساهمات الشيخ الترابي وردود الفعل حولها في هذه العجالة، خاصة وأنها تعتبر تكملة لكتابين تناولت فيهما بشيء من التفصيل مساهمات الشيخ، هما ثورة الترابي (1991)، وكتاب الثورة والإصلاح السياسي في السودان (1995). ولكن يمكن هنا إعطاء بعض الإشارات التي تعين علي فهم بعض الجدل الدائر حالياً حول اجتهادات الشيخ، وهو جدل قديم جديد تنبع أهمتيه من أنه لا يعبر عن الإشكاليات التي تطرحها آراء فرد، بغير ما هو انعكاس لأزمة تواجه كل محاولات إحياء الاجتهاد في العصر الحديث.

 

فالضجة التي ثارت حول رفض الترابي لحديث الذبابة تجسد في جوانبها المختلفة أزمة أي محاولة لتحديث الفكر الإسلامي في وجه النظرة التقليدية السائدة. ذلك أن حديث الذبابة يمثل حالة نادرة من تعارض نصوص إسلامية معتمدة (في هذه الحالة حديث ورد في صحيح البخاري) مع اكتشافات قطعية خرج بها العلم الحديث. فهناك إجماع بين العلماء علي أن الذبابة تنقل الأمراض فوق ما عرف بأنها تنقل القاذورات. وبالتالي فإن اتباع نصيحة الحديث المنسوب إلي الرسول صلي الله عليه وسلم بغمس الذبابة في الشراب الذي تقع فيه بدلاً من إخراجها تتناقض في ظاهرها مع صريح العلم، رغم أن الحديث المزعوم يقدم ما يشبه نظرية المضادات الحيوية بالقول بأن جسد الذبابة يحمل معه ما يشفي مما تحمله من أمراض. ولا بد من أن نذكر هنا أن الصراع بين الدين المسيحي كما كانت تعبر عنه المؤسسات الكنسية والعلم الحديث كان من أهم أسباب تراجع سلطة الدين في الغرب وهيمنة العلمانية علي الحياة.

 

الحركة الإسلامية الحديثة سعت إلي تجنب مصير مماثل للإسلام بمحاولة إحياء الإجتهاد والتخلص من المقولات التي تتعارض مع العلم الحديث أو المفاهيم السياسية والاجتماعية الحديثة (الحريات، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، إلخ…)، إما بالتشكيك في صحة نسبة هذه المقولات إلي مصادر إسلامية موثوقة، أو بإعادة تفسيرها وتأويلها. وتميز موقف الترابي بأنه اتخذ موقفاً جذرياً، بدأ برفض سلطة حديث الذبابة جملة وتفصيلاً، وتدرج إلي ذلك بعد أن بدأ بالمنهج التقليدي، وهو التشكيك في صحة الحديث، وبالتالي التشكيك في اعتقاد سائد بين المسلمين السنة بصحة كل ماورد في صحيحي البخاري ومسلم (وهو موقف لا يشاركهم إياه الشيعة). وحجة الترابي هي أن البخاري بشر غير معصوم، ولا بد أنه أخطأ في إسناد بعض ما أورده. ولكن حتي لو كان البخاري علي حق في روايته، فإن من المحتمل أن يكون الصحابي الذي نسب إليه الحديث قد أخطأ فيما نقل أو لم يفهمه كما يجب. والصحابة أيضاً ليسوا بمعصومين، بل إن بعضهم قد سجل عليه كذب وتزوير. وحتي لو تجاوزنا عن هذا وأثبتنا أن السند صحيح وأن الصحابي المذكور قد نقل عن النبي صلي الله عليه وسلم بدقة وموثوقية، فإنه يحق لنا أن نرفض المقولة النبوية إذا كانت تتعلق بشأن دنيوي. فعصمة الرسول صلي الله عليه وسلم تتعلق بالتبليغ في أمر الدين، وهو القائل أنتم أعلم بشؤون دنياكم كما ورد في الحديث الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل، وهي نصيحة اتضح أنها لم تكن صائبة.

 

من الواضح أن الدافع الأساسي للإصلاحيين الإسلاميين المحدثين هو التعامل مع مطالب الحداثة، ومواجهة الانتقادات الصادرة من الغرب والعلمانيين من أبناء الإسلام، وهي انتقادات يستبطنها الإصلاحيون في أحيان كثيرة استبطانهم مبادئ مثل الإيمان بالديمقراطية أو حقوق الإنسان. ولهذا فإنهم يكونون في صراع مستمر مع أنصار النظرة التقليدية التي تري أن الإسلام يجب أن يؤخذ كما هو. ومن السهل علي الإسلاميين انتقاد ما يصفونه بأنه جمود تقليدي أو تفسير خاطئ للنصوص، أو غلبة موروثات غير إسلامية علي فهم الدين. ولكن الإشكال يأتي حين يواجهون نصوصاً صريحة تتعارض مع ما يقبلون به من أفكار حديثة، مثل الحرية الدينية مقابل حد الردة، أو مساواة المرأة مع الرجل مقابل النصوص حول وضعها وشهادتها وحقها في الميراث، إلخ.

 

الحلول التي لجأ إليها معظم الإصلاحيين تمثلت في محاولة التركيز علي نصوص معينة دون أخري، وادعاء أولويتها. ولعل الحل الجذري الأبرز هو ذلك الذي لجأ إليه المفكر الراحل محمود محمد طه وحركته الجمهورية حين قرر نسخ كل النصوص القرآنية المدنية ومعها السنة وما تفرع عنها من موروث إسلامي والبدء من جديد في استحداث تشريع إسلامي من نقطة الصفر. ولكن الحل الجمهوري واجه إشكالين رئيسيين: الأول هو أنه حين كنس التشريع الإسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم، أحل محله رؤية تتطابق مئة بالمئة مع المنظور الغربي الحديث في الحريات وحقوق الإنسان، وهو تطابق حري بأن يجعل أي دعوي من هذا النوع مشبوهة. والثاني أن مثل هذا الحل الجذري يحتاج إلي دعوي بسند سماوي جديد، وتصريح إلهي مباشر من إلهام أو نحوه. أي بمعني آخر إن الأمر يحتاج إلي وحي جديد ودين جديد، وهو تحديداً ما تضمنته الدعوي الجمهورية، وهو أمر يجعلها مشبوهة أكثر، خاصة عند أهل الحداثة الذين تستهويهم دعواها الأولي ولكن يصعب عليه تقبل محتواها الصوفي ـ الميتافيزيقي.

 

الشيخ الترابي اتهم من قبل خصومه بأنه يقارب في دعاواه الإصلاحية الشطحات الجمهورية، ولكن الترابي لم يدع وحياً جديداً وإنما استصحب دعوي الحداثة الأكبر (ودعوي قدامي فلاسفة المسلمين حتي ابن رشد) من أن العقل الإنساني هو في حد ذاته مصدر سلطة قد تعلو أحياناً علي أي سلطة أخري دون سلطة الوحي، ويمكنها كذلك أن تعيد تفسير الوحي بما ينسجم مع متطلبات الحياة البشرية. من هذا المنطلق استخدم الترابي الأدوات الفقهية التقليدية، مثل التعمق في البحوث اللغوية والتاريخية، ونقد النصوص ومحاولة قراءتها قراءة جديدة ترفض القراءات التقليدية التي تلبست كما يري بمواريث تقليدية غير إسلامية، ترجع إلي حياة المجتمعات الإسلامية وقيمها السابقة علي الإسلام. علي سبيل المثال انتقد الترابي بشدة النزعة الأبوية في المجتمعات الإسلامية التقليدية وتغولها علي حقوق المرأة، بحيث أصبحت شــــؤون المرأة تكاد تكون الجانب الوحيد من الفقة الإسلامـــي الذي يرفض فيه التقليديون (علي غير ديدنهم) صريح النصوص التي تؤكد علي حقوق المرأة بدعوي أن ما كان يصلح للمجتمع النبوي ومجتمع صدر الإسلام لم يعد يصلح للمجتمعات اللاحقة التي لا يمكن أن تضاهي في صفائها الأخلاقي تلك المجتمعــات الطاهرة.

 

الإشكال في منهج الترابي هو أنه واجه رفضاً من التقليديين دون أن يجد القبول عند الحداثيين والعلمانيين. فالحداثيون لا يقبلون بما هو دون الحل الجمهوري من تخلص بالجملة من الموروث الإسلامي الفقهي، أو علي الأقل يدعون لما يسميه الدكتور محمد أركون بـ نقد العقل الإسلامي ، أي عملية تفكيك تحلل الموروث الإسلامي من الخارج وتحكم عليه بأنه كان أسير واقع تاريخي معين لا بقاء له خارجه. وبالمقابل فإن التقليديين يرفضون اجتهادات الترابي جملة وتفصيلاً كما يرفضون منهجه. وقد كان الترابي يميل حتي وقت قريب إلي مداراة التقليديين، ولا يحفل كثيراً بنقد الحداثيين، وإن كان يتوجه بكثير من خطابه إليهم وإلي الغرب. فقد اضطر مثلاً إلي التراجع عن معظم أقواله حول زواج المرأة من كتابي وحد الردة والتشكيك في البخاري والعصمة النبوية أمام انتقادات التقليديين العنيفة. وقبل ذلك كان قد نشر كتيبه عن المرأة في مطلع السبعينات باسم مستعار في أول الأمر.

 

وقد أدي هذا بدوره إلي ازدواجية في الخطاب. فقد كانت للشيخ الترابي حلقة داخلية صغيرة من الأنصار يخاطبها بصريح آرائه الفقهية، بينما كان يدخر خطاباً آخر لـ عوام الخلق . وقد نتجت عن هذا الوضع عدة نتائج، أولها بروز عقلية صفوية بين أعضاء هذه الحلقة الداخلية تشبه إلي حد كبير ما انتقد الإمام أبوحامد الغزالي عن فلاسفة عصره الذين كانوا يعتقدون التميز عن الأقران بفهم خاص للأمور يرتفع كثيراً عن فهم العامة. وأخذ يسود وسط هذه الصفوة المدعاة استخفاف كبير ببقية المسلمين وفهمهم للدين، بل وبكثير من تعاليم الدين. وهذا بدوره سلب الحركة الإسلامية سلاحها الأمضي في وجه خصومها من العلمانيين، والمتمثل في قدرتها علي تعبئة الجماهير وراء مواقفها بتوسل الشرعية الدينية. ولكن إذا كانت الحركة الإسلامية ترفض الموروث الديني كما هو فإنها تواجه نفس إشكال العلمانيين، بل إشكالاً أكبر، لأن العلمانيين علي الأقل لا يتدخلون في أمور الديــن ولا يسعـــــون إلي تغيير عقائد الناس بل يكتفون بتجاهل الدين ومقولاته أو التظاهر نفاقاً بالقبول بها. وهناك شواهد كثيرة علي أن العلماء التقليديين والجماهير الإسلامية تتقبل الإعراض عن الدين أكثر من تقبلها لما تري أنه تحريف للدين أو تغيير له. ولهذا واجهت الحركة الإسلامية بقيادة الترابي عزلة مزدوجة لأنها كانت تحارب العلمانيين والتقليديين في نفــس الوقت.

 

التوجه الجديد للصفوة المحيطة بالترابي كانت له انعكاسات عملية، منها التنكر لتقبل الحركة الإسلامية التقليدية للديمقراطية، لأن الاحتقار للجماهير، بما في ذلك الجماهير المتدينة، يستتبع بالضرورة رفض الديمقراطية كمنهج. وقد ولدت هذه النظرة كذلك استخفافاً بكثير من القيم المتمثلة في الصدق مع الناس أو احترام حقوق العباد، ولعلها كانت مسؤولة إلي حد كبير لما وقع من انتهاكات وتجاوزات ميزت عهد ثورة الإنقاذ تحت رعاية الترابي. وهي بلا شك مسؤولة عما وقع للترابي علي يد تلاميذه الذين تعلموا منه الاستخفاف بالناس وبالقيم دون أن يكون لديهم ما كان له من العلم، فلم يجدوا بأساً في الإيقاع به وإنكار سابقته، لأنهم أصبحوا يرون أنفسهم فوق كل شريعة وعرف. ولا نزال نسمع من بعضهم تصريحات يستخفون بها بالعباد أفراداً وأحزاباً وأمة، إضافة إلي ما نعلمه مما يتداولونه في مجالسهم ويتناجون به من آراء خلاصتها أنهم قادرون علي حكم الشعب بالحديد والنار والكذب والنفاق وشراء الذمم، وأن الأمة بكل من فيها من شمال وجنوب وشرق وغرب ليس فيها فرد أو جماعة تستطيع تحديهم، وهو غرور أورد الترابي ما هو فيه، وسيكتشف تلاميذه قريباً أن شيخهم كان محظوظاً، لأن مصيرهم سيكون أسوأ بكثير.

 

آراء الترابي الأخيرة وما ولدته من ردود أفعال لا يجب إذن أن ينظر إليها علي أنها إشكالية فرد أو جماعة، وإنما هي ورطة أمة لم تعد تجد في تراثها ما يكفي لمواجهة الحداثة، ولكنها تتمسك بهذا التراث علي علاته، وتقبل أن يزول هذا التراث جملة من أن يتعرض لتعديلات تضمن بقاءه. وهي أيضاً أزمة نخبة حديثة إما أنها أعرضت عن الإسلام إعراضاً أو أنها فشلت أخلاقياً وفكرياً في قيادة الأمة باتجاه إحياء الفكر الديني، فهي تتأرجح بين قيود التراث ومتاهات الخواء الأخلاقي الحداثي.

 

(*) كاتب وأكاديمي سوداني، بريطانيا

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 25 أفريل 2006)


فتاوى الترابي

بقلم: برهان بسيس

 

أطلق الدكتور الترابي من مقامه السوداني سلسلة من الفتاوى المبهرة تاركا وراءه سيلا من التعليق والنقد والآراء المتلاطمة بين ضفّتي الإشادة والتكفير.

 

حسن الترابي كما هو معلوم يمثل احدى أبرز المرجعيات لحركات الإسلام السياسي وأساسا لتيار الإسلام السياسي السُنّي الذي يتقدم إلى الساحة بعناوين تجديدية معتدلة تهيئه في مناخ التحوّلات الراهنة ليكسب صفة ما يسمى بـ«الإسلام الديموقراطي» المشكل لفصائل الحركات الأصولية السنية التي اختارت التموقع ضمن خط ليبرالي أمريكي لتنأى بنفسها عن التقاطع أو الاقتراب من دائرة الأصولية الجهادية في صيغتها القاعدية العنيفة.

 

خرج الترابي شيخ السبعين منهكا من ثقل تجربة تحالف مأساوي جمعه بالعسكر السوداني الذي أطاح بحكومة الصادق المهدي ليحكم السودان باسم الانقاذ بسلطة يتدلى من أعلى هرمها رأسان تحابا ثم افترقا حين فرض قانون الواقع أن يكون الأمر ملكا لرأس واحد فذهب الترابي وبقي البشير.

 

مهندس نظرية الاختراق والالتفاف العمودي على مؤسسات الدولة والمجتمع كأسلوب لنجاح مشروع التغيير الأصولي خان نظريته في التدرج وانضاج الثمرة وكبح التسرع حين تحالف مع مشروع الانقلاب ومارسه لكنه دفع ثمن مغامرته سجنا يشتهي الشيخ تسميته كفّارة له في خطأ اجتهاده!!

 

يجلس الترابي اليوم في منزله متقمصا رداء المتأمل المنشغل بتجديد الفقه وأصوله، الغائص في قضايا الفكر الإسلامي واشكالاته دون أن ينجح في كبت شهية السياسة والغاء هوسها من عقله الذي لم ينل السجن والاعتقال من حيويته ومكره.

 

أفتى الترابي بجواز زواج المسلمة من الكتابي يهوديا كان أم نصرانيا وحق النساء في الإمامة وجواز الاختلاط حتى في المساجد عند الصلاة وبطلان التفريق بين المرأة والرجل في الشهادة قائلا بالمساواة بينهما في هذا المجال ثم عرّج على قضية الحجاب ليقول فيها كلاما مبهما يشبه فتوى تدرجت من نقاش المصطلح اللغوي وتاريخية آيات الأمر في المجال والفروق بين ما كان منها من أحكام خاصة لنساء الرسول عن غيرهن من النساء وللرسول نفسه من دون بقية الرجال الى حدود القول بوجوبية الخمار سترا للصدور لا غير.

 

وكما يبدو الأمر فإن هذه الفتاوي التجديدية تمثل فعلا صدمة للوعي الإسلامي السائد الذي تسيطر عليه نزعات المحافظة والجمود لولا أن الشك الذي يحيط بغايات وأهداف صاحبها تجعل الأمر أقرب إلى المناورة السياسية التي تندرج في سياق خطاب المغالطة والتقية التي يمثل الترابي وتياره وأصدقاءه ومريديه ضمن تيارات الإسلام السياسي مرجعا وعنوانا له.

 

لكي يصفّي الترابي حساباته مع نظام البشير لا بد أن يتصيّد له الوقيعة بمختلف الوسائل سواء عبر الموقف السياسي المباشر أو الرسائل الفقهية  المشفّرة لأعداء النظام من الغربيين المتربصين به. وهو يدرك بذكاءه الحاد أن ورطة خصمه في دارفور المتوسّعة خارج الحدود لتصبح مأزقا افريقيا ودوليا أحكم وضع السودان في الدائرة المركزة للاستهداف تمنح له الفرصة ليتقدم كبديل ذا مصداقية للمجتمع الدولي حاملا الدواء السحري لكل معضلات البلد ومآزقه ليكون هذا الدواء منسجما بالصدفة مع كل المطالب الغربية والأمريكية من قضية دارفور التي يردد الترابي أنه قادر على حلها في جلسة واحدة تمنح أهله حكما ذاتيا جزئيا إلى إيقاف تدخل  السودان في شؤون دول الجوار وصولا إلى اللعب على حساسية الغرب تجاه قضايا المرأة والثقافة الاجتماعية والاصلاح الديني.

 

كان يمكن للترابي أن يبدو فعلا رمزا لتيار تجديدي تقدّمي داخل الفكر الإسلامي لولا أن رصيد تجربته السياسية يحفل بكل أنواع المخاتلة والانقلاب والتلوّن منذ أن كان مهندسا للخيمة الأصولية العالمية الكبرى التي حوّلت الخرطوم إلى عش للأممية الملتحية محتضنة كل ألوان الطيف الأصولي أين بدت مزرعة بن لادن المحاطة بالأسوار والأسرار رمزا لحقبة غامضة من تاريخ «السطوة الترابية».

 

يبدو الترابي هذه الأيام مكافحا من أجل غرق رفاق الانقاذ السابقين مستعدا لكل أنواع القول والفتاوي ما دامت صالحة لمعركة تصفية الحساب، لا يهم حدودها ولا يعنيه كثيرا سقفها ولا تحرجه ردود الفعل نحوها بالتنديد والتكفير لأنها بمنطق عقله الاستثماري تخدمه ولا تقلقه حين يقدم نفسه لسادة العالم أنه رمز لإسلام ليبرالي مضطهد من طرف استبداد مبهم لا هوية له غير التسلط والطغيان.

 

كنا دوما ننظر الى أن أخطر أنواع ومدارس التحيل الأصولي ، تلك التي تتزين بالتجديد والاعتدال فتسطع دوما بالقول الإيجابي المعتدل حتى إذا تمكنت انقلبت على خطابها وانكشف فعلها المعتدل الذي يحمل مع ذكريات سيرة الترابي المتقلبة في التحالف والسقوط نموذجا مثاليا لمعنى  الازدواجية والتسامح المبلل بدماء علي محمود طه المشنوق فوق منصة الاعدام التي وظبهنا تحالف الترابي والنميري لشخص اختلف مع فقه التحالف السائد.

 

لعل أصداء تجارب هذه المدرسة لا تزال يتردد أمام العيون وفي الآذان غير بعيد عن السودان، في حلقات تلاميذ الترابي والمعجبين بخطه والمتطلعين لنسخ تجربته ووراثة نهجه، هناك في صفوف أتباع الشيخ اللندني الذين تأخر موقفهم من فتاوي مرجعهم السوداني وقد عودونا على تفاعل أكبر مع أقل من هذه المراجعات جرأة واندفاعا، لكن الأمر في هذا السياق مختلف حين يكون نهج الجماعة استنساخا أصوليا للمقولة الميكيافيلية في تبرير مختلف الوسائل المستعملة لبلوغ الغايات حتى أكثرها تناقضا مع القناعات والعقائد الخاصة، ألم يذهب الشيخ اللندني نفسه في حديث ظريف حول تحالف أكتوبر الى اعتبار حليفه الجديد القادم من أقصى اليسار الشيوعي الأحمر رمزا من رموز الصحوة المباركة!!! اللّهم أنعمت فزد….

 

(المصدر: ركن “البعد الآخر” بجريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 25 أفريل 2006)

 


الإصلاحيون الوسطيون في موريتانيا.. وآفاق العمل السياسي

بقلم: احمد أبو المعالي (*)

 

بدأت تطفو على السطح في الآونة الأخيرة بعض التصريحات السياسية وإن باستحياء ، وبعض التحليلات بأقلام متعددة في إطار ما سماه الأخ أحمد ولد وديعة “موضة النيل من الإسلاميين” وكانت التقليعة هذه المرة بث الشائعات حول نشاط الإصلاحيين الوسطيين يمنة ويسرة ، ونشر أخبارا مؤداها أن المجلس العسكري والحكومة الانتقالية قلقون من نشاط الإصلاحيين الوسطيين ويحسون بانزعاج شديد من تحركاتهم ، ومستاءون من أنصارهم الذين يذهب هؤلاء إلى أنهم يهددون التركيبة السليمة للوضع السياسي في البلد،إذ يخطط الإصلاحيون –حسب هذا التصور- لاكتساح الساحة السياسية في الانتخابات المقبلة ، ويلهثون لاختطا فها ضحى على مرأى ومسمع

 

من مختلف الأطياف السياسية ..ناهيك عن احتاركهم لتمثيل الإسلام، ومن أجل ذلك فربما تضع السلطات المعنية حدا لحركة الإصلاحيين الوسطيين ، بل وأكثر من ذلك قد يتطلب الأمر حل اللجنة التي شكلها الإصلاحيون الوسطيون للتنسيق مع الفاعلين السياسيين وهيئات المجتمع المدني ..وعدم السماح لها بتمثيل في الداخل ، وقد بدا من الضروري -من وجهة نظري- توضيح الصورة للرأي العام خاصة في هذه الفترة الانتقالية التي يعتمد على أدائها ونجاحها مستقبل البلد السياسي و “ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة” وحتى لا تضيع الحقيقة في غضون تصريحات وكتابات وتأويلات من مردوا على الإرجاف في المدينة والإغراء بالإصلاحيين الوسطيين .

 

ولا تخلو هذه الشائعات –منطقيا- من أحد تصورين لا ثالث لهما :

 

التصور الأول :أن تلك المعلومات دقيقة وصحيحة وليست من الرجم بالغيب ،وتطبيقها إنما هو مسألة وقت وفي حالة ثبوت هذا التصور-الذي لا يبدو في الأفق ما يبرهن عليه حتى الآن – يتعين العودة للوراء قليلا للإطلالة على ما يقتضي الحال التنبيه إليه والتذكير به

 

فالمجلس العسكري للعدالة والديمقراطية قد رفع شعارا مثاليا يحلم به الجميع ويشكل محور الحياة المدنية المعاصرة ،ويمكن كل المواطنين من ممارسة أنشطتهم ومزاولة مهامهم .وخدمة وطنهم وهي أمور تقتضي الحرية الفردية والجماعية للكل، وعدم الحجر السياسي على البعض دون مبرر،أو وضع البعض الآخر في”الحجز الأمني” دون دلائل أو براهين، ودون مسوغات مقنعة

 

وقد ذكرت في زاوية فارطة من هذه اليومية أن أعضاء المجلس العسكري بحكم فهمهم للصرامة العسكرية، والأوامر والنواهي النهاية المناقضة للديمقراطية والحرية- آثروا حمل “العدالة”و”الديمقراطية”شعارا ، وتلفعوا بها دثارا ليلقوا القبول مدنيا، لأنهم يعرفون-كما يعرفون أبناءهم- خطر الوقوع في فخ الانقلابات العسكرية المفتوحة التي تكون الغلبة فيها للأقوى أو وفق النكتة العربية اللاذعة من يستيقظ من الضباط أولا..

 

وقد هدأ هذا الشعار المتمثل في “العدالة والديمقراطية” من قلقل المدنيين وخوفهم من” القبعة العسكرية الحاكمة “…وبالتأكيد فإن رئيس وأعضاء المجلس العسكري يدركون أكثر من غيرهم ما لهذا الشعار البراق من دلالة كبرى ، وما ينطوي عليه من قيم عليا ومبادئ سامية ، وحينما اشرأبت أعناق الموريتانيين خارج الوطن وداخله نحو المذيعة السمراء على الشاشة الوطنية أربعاء الثالث من أغسطس وهي تتلو البيان رقم 1 المعلن انتهاء مرحلة أو حكم اعتبره البيان”بائدا” ومؤذنا بمرحلة جديدة مغايرة كانت الطمأنينة تعلو الفكر راسمة البسمات على الشفاه الوطنية ، وامتزج فرح المواطنين بالشعار السامي بفرحهم البريء بانتهاء نظام وقع في أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية لم يعد معها الوطن يركب الفلك الآمن .ولم يعد معها الحصان يسير أمام العربة .وضاعف من ذلك الخوف من حمى محاولات الانقلاب العسكرية المتكررة التي أعلنت تذمر آخر معقل للنظام السابق والمتمثل في المؤسسة العسكرية، مما يعني أن النظام أصبح في عزلة تامة داخلية لاتلبث أن تنفجر يوما … و بطريقة ما …

 

وأوضحت الفقرة الأولى من البيان الذي وضع حدا للجدل حول نجاح القائمين على الانقلاب وأنهى ساعات من”القيل والقال وكثرة السؤال” أن “القوات المسلحة و قوات الأمن قد قررت وضع حد للممارسات الاستبدادية للحكم البائد التي عانى شعبنا منها خلال السنوات الأخيرة” وشكلت هذه الفقرة اعترافا صريحا من رحم النظام السابق بأخطائه وانزلاقاته في مجال كظم الحريات ومصادرة الآراء والحكم الفردي المؤسس على النزوة والهواية والمزاج ،ورسما للبديل الذي سيضعه المجلس العسكري قرر البيان” أن المجلس العسكري يلتزم أمام الشعب الموريتاني بخلق الظروف المواتية لديمقراطية نزيهة وشفافة”

 

ولا شك ن المجلس العسكري يدرك مدى وجوب الالتزام بالتعهدات خاصة إذا كانت دون ضغط أو إكراه، وكانت أمام شعب عظيم يفترض من أعضاء المجلس العسكري احترامه وتقديره وعدم الزج به في أتون تلاعب مصلحي أو مواعيد عرقوب لا أول لها ولا آخر.

 

ولم يقف البيان رقم 1 عند هذا الحد بل تعهد بأنه “سيمكن المجتمع المدني وجميع الفاعلين السياسيين أن يشاركوا بكل حرية”والملاحظ أن التمكين هنا لا يختص بفئة معينة ولا طبقة ولا حزب وبالتالي فلا استثناء لأي فاعل سياسي مهما كان توجهه أو فكره إن لم يصدم دستور البلد وقوانينه وبالعودة إلى الساحة الوطنية يترآى أن الإصلاحيين الوسطيين من أهم الفاعلين السياسيين سواء تعلق الأمر بنضجهم السياسي المشهود به،أو تاريخهم النضالي المتجلي للجميع من خلال وقوفهم في وجه الممارسات الاستبدادية للنظام السابق ورفضهم للمباركة أو المشاركة في أخطاء ه وانحرافاته ،أو من خلال شعبيتهم التي مافتئت تؤكد تشبثها بهم وحرصها على أن يكون لها تمثيل سياسي رسمي شأنها في ذلك شأن كافة الأطياف السياسية الموجودة في البلد …

 

وقد أظهرت الرؤية السياسية للإصلاحيين الوسطيين التي رأت النور مؤخرا مدى جدية ونضح أفكار هم ومدى فهمهم واستيعابهم للقضايا الوطنية بمختلف تلوناتها وإدراكهم كيفة التعاطي معها بشكل إيجابي ومتزن،في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، وقد لاقت تلك الرؤية السياسية ترحيبا من لدن الأوساط السياسية الوطنية بمختلف أطيافها …

 

ومن هنا فإن أي إقصاء أو تهميش للإصلاحيين الوسطين يعد ثلمة في هذا التعهد العظيم وتراجعا عن أول بيان يرى النور بعد تغيير الثالث من أغسطس ، كما أنه يشكل تقييدا لما ورد في الميثاق الدستوري المحدد لتنظيم وسير عمل السلطات العمومية من خلال المرحلة الانتقالية من أن “القوات المسلحة و قوات الأمن قد قطعت على نفسها أمام الشعب الموريتاني يوم 3 أغسطس 2005م التزاما بخلق الظروف المواتية لديمقراطية نزيهة وشفافة “ومن نافلة القول أن الديمقراطية وخاصة إذا كانت نزيهة وشفافة تتطلب احترام آراء الجميع والسماح بالمشاركة السياسية لكل المواطنين دون استثناء خاصة لمن أثبتوا ولاءهم وإخلاصهم لوطنهم، ووقفوا في وجه وعتو نظام اعترف له المجلس العسكري بالفساد والظلم والدكتاتورية، ولم يتركوا مناسبة إلا أثبتوا فيها وطنيتهم واستعدادهم لأداء واجبهم الوطني، وكما يطالبون بأن تتاح لهم الفرصة لأداء واجبهم الوطني يحرصون على نيل حقوقهم التي يكفله لهم دستور البلاد وقوانينه علما أن الميثاق المذكور نص في ديباجته على الاحتفاظ بأحكام دستور العشرين يوليو 1991 م بما فيها “الأحكام المتعلقة بالإسلام والحريات الفردية والجماعية ” ولا يخلو احترام فكر وآراء الإصلاحيين الوسطيين ونشاطاتهم الواضحة وغير المناقضة لأي مادة قانونية من الدخول في إطار احترام الحريات الفردية والجماعية باعتبارهم جماعة تتشكل من أفراد، ولذلك تصبح مصادرة آرائهم انحرافا عن دستور أقره المواطنون في استفتاء عام ،والتواء على الميثاق السالف الذكر الذي أعلن بدوره الالتزام “بخلق الظروف المواتية لديمقراطية نزيهة وشفافة “

 

تلك أهم التعهدات و الالتزمات التي قطعها المجلس العسكري على نفسه أمام المواطنين في أول بيان يخاطبهم فيه في لحظة كان فيها الجميع يحبس أنفاسه انتظارا لأي رشح رسمي حول الانقلاب …وبالتأكيد فإن المواطنين استمعوا إليها بآذان صاغية وقلوب واعية مركزين على مضمونها جملة جملة.. وكلمة كلمة .وحرفا حرفا …خاصة متعاطي الشأن السياسي وهو ما يعطيها بعدا خاصا واهتماما متميزا .

 

وفوق ذلك كله أدلى العقيد محمد ولد عبد العزيز أحد أبرز قادة الانقلاب وعضو المجلس العسكري بتصريح لإذاعة صوت أمريكا بعد الانقلاب بيسير قلب فيه الطاولة السابقة فيما يتعلق بملف الإسلاميين الوسطيين مؤكدا سلميتهم وتعاطيهم المدني بعيدا عن التطرف والإرهاب الذي كان “وردا مبتدعا ” يلهج به من لا يريد مصلحة الوطن ولا استقراره ،ولا يرغب في مشاركة سياسية لأطراف بعينها لاتوافق هواه ولا تروق لمزاجه الخاص وتتناقض مع طرحه وهو في ذلك متمترس بالغطرسة السياسية والإعلامية التي تطبع منهج النظام السابق .

 

انطلاقا مما سبق فإن المجلس العسكري لا يمكن وفق المعطيات السابقة أن يتبنى وجهة نظر مناقضة لما تعهد به أمام الشعب طواعية في البيان رقم واحد ومغايرة لما “التزم” به في ميثاقه الأول الذي أخذه على نفسه، ولا يمكن أن يضرب عرض الحائط بمواد الدستور التي جاء لحمايتها والدفاع عنها والسعي في تطبيقها .- والعهدة عليه

ناهيك عن التعهدات الإصلاحية السياسية الكثيرة التي تعهد بها المجلس العسكري و أو كل تنفيذها للحكومة الانتقالية والتي عقدت لمناقشتها وبلورتها أياما تشاورية وندوات ولقاءات متعددة مع المعنيين والفاعلين السياسيين وهيئات المجتمع المدني …فضلا عما يزخر به الإعلام الرسمي من فتح الباب أمام كافة المواطنين للمشاركة في معركة البناء الوطني النبيلة

 

وقد تحقق ما يبشر بذلك إذ فتح الإعلام الرسمي أبوابه أمام الإصلاحيين الوسطيين ، فكان للشيخ محمد الحسن ولد الددو حضوره العلمي والدعوي الحر في الإذا عة والتلفزة الرسميتين واستضافت الإذاعة الأستاذ محمد جميل والأستاذ وديعة في برامج حوارية ..وهي أمور تدعو للتفاءل والنظر للمستقبل وللوضع السياسي والحرية في البلد بكثير من الطمأنينة والراحة ..

 

وهنا أذكر المجلس العسكري –من باب لازم فائدة الخبر – بتلك الالتزامات والتعهدات التي لم يجف حبرها بعد ..وكم أتمنى أن تكون تلك الشائعات مجرد تمن أعوج ومنكرا من القول وزورا لمن ضاقوا ذرعا بالحرية السياسية والجو الديمقراطي الذي لا يقصي أيا كان .

 

ويزيد الأمر غرابة أن الإصلاحيين الوسطيين منذ التغيير وحتى الآن يمارسون واجبهم الوطني في اعتدال وانضباط،, لم تسجل عليهم أي مخالفة أو عمل استفزازي ،وآثروا عدم تعكير صفو المرحلة الانتقالية رغم منعهم-دون غيرهم- من تشكيل حزب سياسي خاص بهم أو بالتنسيق مع بعض القوى السياسية في البلد ،علما أن الدستور يكفل لهم ذلك،وشعبيتهم تستحق أن تجد لها مرجعية مركزية سياسية شرعية ، وليس من المنطقي مصادرة اختيارها في جو يسمح بحرية الاختيار

 

وليس انطلاقهم من الأصول الإسلامية منهجا وفكرا بمقتض لاحتكار الإسلام الذي يمنعه قانون الأحزاب ،فهم يدرون –أن الشعب الموريتاني- بحمد الله- مسلم بالكامل وليس لطرف دون آخر أن يختزل الإسلام في منهجه وفكره وسلوكه وفهمه الخاص ،لكن ذلك لا يمنعهم من الإصرار على التشبت بالإسلام منهجا ومرجعا .

 

والمتأمل في حالة الدول المجاورة يلحظ وجود أحزاب تتبنى المرجعية الإسلامية فيها رغم أن منها ما يخضع للحكم العسكري ومنها ما يدار بواسطة الملكية ،ومنها ما يحكمه نظام مدني ديمقراطي ،ورغم انتماء حكام وشعوب هذه الدول للإسلام إلا أن ذلك لم يمنع المشرعين فيها من السماح للإسلاميين بالدخول الشرعي للمعترك السياسي ،دون أن يكون في ذلك خوف على احتكار هؤلاء الإسلاميين للإسلام، والمفارقة أن من حكام هذه الدول من يستخدم لنفسه لقب “أمير المؤمنين”وهو لقب يقتضي أنه يمثل الحامي والراعي الأهم والأوحد سياسيا للإسلام ،ومع ذلك سمح للأحزاب الإسلامية من ممارسة أنشطتها السياسية!!

 

أما قضية اكتساح الساحة السياسية في الانتخابات المقبلة فقد أطلع الإصلاحيون الوسطيون الجميع على حقيقة الموضوع مرارا وتكرارا من خلال التصريحات والمقالات التي أوضحوا فيها أنه ليس بمقدورهم ذلك ،وحتى لو كان باستطاعتهم لما سعوا إليه ،فهدفهم هو المشاركة وليس السيطرة …ويصبح الهمز والغمز في هذا النطاق نوعا من عرقلة مسيرة الإصلاحيين وتنغيصا لجو المرحلة الانتقالية وزرعا للقلق في نفوس الشركاء والفاعلين السياسيين الآخرين …….

 

-التصور الثاني: أن تكون تلك الألسن وتلك الأقلام تتحدث عن ما يجيش في أفئدتها ويختلج في نفوسها بعيدا عن أرضية الواقع ..في محاولة للنيل من الإصلاحيين الوسطيين من خلال بلبلة الوضع السياسي وزعزعته بترديد تلك الشائعات المغرضة عل وعسى أن يتراجع بعض أنصارهم أو يركن إلى التحفظ.

 

فهناك من يهدف لأن تخلو الساحة من الإصلاحيين الوسطيين لأنه لا يريد لطرحهم المعتدل والمتوازي والمنطلق من دين و قيم وتراث الشعب أن يصارع طرحه الغريب على المجتمع والذي يريد فرضه بشتى الوسائل، ويعتبر معركته الأهم مع من يقف حجر عثرة في وجه فكره واتجاهه، وهناك من يريد أن تخلو الساحة السياسية من هذا التيار عل وعسى أن يحظى بنصيب من الأصوات يرى أن الإصلاحيين الوسطيين يسيطرون عليه من خلال خطابهم المعين ..هذا فضلا عن من يحتفظ في ذاكرته بقاموس الأمس حيث هؤلاء الإصلاحيون الوسطيون “بغاة “وخوارج “وإرهابيون”يتلقون الأوامر والمدد من وراء الحدود ..وطالما هتف ملء شدقيه بذلك حقدا وحسدا وتزلفا للنظام السابق وحرصا على إلقاء التهم جزافا ،ولا يتورع في أن يجعل من نفسه خصما وحكما ،ويود لو كان بإمكانه امتلاك سلطة التنفيذ ليتصرف كما يحلو له، شعاره في ذلك كما صرح أحد المسؤوليين السياسيين إبان الفورة الظالمة ضد الإسلاميين الوسطيين أن هذه الفئة”ستكون كفيلة بنسف كافة المنجزات التي يحسد عليها بلدنا في الداخل والخارج والتي تحققت بفضل رؤية واعية ومستنيرة وتصميم وطني لايلين من قبل قائد مسيرة الإصلاح والنماء السيد……..والبقية معروفة..ولا حسد إلا في اثنتين !!

 

هذ الخطاب التحريضي الذي شغل وسائل الإعلام الرسمية وتولت وكالة الأنباء ومن حذا حذوها كبره من المرتزقة الذين يحترفون الكتابة وسيلة لبيع الضمائر والأخلاق والوطنية ..وشاطرهم تلك الهفوة بعض مرتزقة السياسية الذين آثروا السير في درب النظام وتقبيح ما يراه قبيحا وتحسين ما يراه حسنا مهما كانت النتائج فتناثرت بيانات التنديد والتأييد حسب الطلب كل حسب جهده ، ورشح كل لإناء بالذي فيه .

 

وهنا نتذكر أحد البيانات التي أصدرها أحد الأحزاب السياسية في تلك الفترة-وما أكثرها- والذي استبشر فيه باعتقال الإسلاميين الوسطيين وبرر اعتقالهم بأنه كان “بسبب أعمالهم الرامية إلى زعزعة أسس الديمقراطية ودولة القانون”..

ولذلك لاغرابة أن وجدنا أحد أقطاب حزب سياسي بارز يثمن في ندوة في عاصمتنا الاقتصادية ووطننا يعيش أزماته الخانقة ما اعتبرها إصلاحات “تدخل في إطار التحسينات المستمرة التي دأب عليها رئيس الجمهورية منذ بداية المسلسل الديمقراطية”

 

إنها لغة البحث عن رضا الحاكم بأية وسيلة والحصول على مكاسب آنية عالية بأي ثمن أو مناصب سامية بأي طريقة

ولا يكاد يمر يوم دون أن ينعق أحدهم بما سولت له نفسه من النفاق وإظهار الأمور على خلاف حقيقتها وملإ الدنيا بأن تلك الإصلاحات”دليل واضح على الإدارة الصادقة لرئيس الجمهورية في التحسين المستمر لديمقراطيتنا ،وحرصه على مشاركة الجميع الفاعلين في عملية التحسين”

 

والمجلس العسكري يدرك جيدا حقيقة تلك الإصلاحات والتحسينات التي كان يقوم بها “الحكم البائد”-على حد تعبير البيان رقم 1-ويدرك أن مشاركة الفاعلين السياسيين كانت مجرد فرية فما أكثر السياسيين الذين ذاقوا وبال السجون وحظرت أنشطتهم وأحزابهم وسورهم ..ولو أردت الاستشهاد بما تحبره جريدة الشعب آنذك و ما تقدمه الإذاعة والتلفزة ومن آزرهم في دعاواهم لكنت كمن يبحث عن دليل على النهار

 

إنه على المجلس العسكري أن لا ينصاع وراء تلك الدعوات مهما كان القائمون وراءها ومهما أبدوا من إخلاص لوطنهم وتفان في خدمته فهؤلاء هم الذين كانوا يتحدثون في الهزيع الأخير من ليل النظام السابق عن “التحسينات المستمرة التي دأب عليها رئيس الجمهورية منذ بداية المسلسل الديمقراطي “وهم الذين كانوا يؤلبون النظام السابق على الأطياف المعارضة لمجرد أنها خالفتهم شطرا من التصور أو آزرت شخصا أو جماعة مغايرة لهم في الطرح فإذا ببيان طازج يقول إن “مسؤولي الأحزاب المعارضة قد رضوا لأنفسهم بأن يوقعوا عريضة مع أشخاص معروفين بعدائهم للديمقراطية “والنتيجة الجلية هي عداء هؤلاء المعارضين للديمقراطية ،وبالعودة إلى الحدث يتضح أن هؤلاء المعارضين الذين ينبزهم البيان بالألقاب ليسوا إلا زعماء وأقطاب المعارضة للنظام السابق “..

 

وفجأة ودون سابق إنذار وجد هؤلاء أنفسهم في مهب الريح وفي ذاكرة التاريخ …وهاهي حليمة تعود إلى عادتها القديمة..فأنى لهم أن يستسيغوا مشاهدة من كانوا بالأمس في زمرة الإرهابيين والخوارج المارقين من الدين كما يمرق السهم من الرمية ،والثائرين على مذهب الإمام مالك رحمه الله وسلوك الإمام الجنيد رضي الله، والرافضين مبدأ الديمقراطية –وهم فاعلون سياسيون يحسب لهم حسابهم وتحترم آراؤهم وينعمون بعلاقات طيبة مع الأطياف و الفرقاء ،ولا ينظر إليهم النظام الحاكم نظرة الشك والريبة ،ويشاركون في أداء الواجب الوطني

 

ولو أن هؤلاء المرجفين كانوا صادقين أمس في توجسهم من الإسلاميين الوسطيين ومحقين في رميهم مختلف الأطياف المعارضة وأوتادها بشرر كالقصر، وصادقين في الثناء على النظام السابق وإطرائه، لكان الانقلاب خيانة عظمى ، ونكسة كبرى ، وتعطيلا لأحلى وأجمل أيام الجمهورية الإسلامية الموريتانية ،و لكانت بيانات المجلس العسكري مجانبة للحقيقة وقراراته بالإعفاء عن السجناء والمنفيين بعيدة كل البعد عن الصواب. وما أحاديث هؤلاء المرجفين اليوم عن الإصلاحيين الوسطيين وتحريضهم عليه إلا تكريرا لتلك الاسطوانة التي فندها المجلس العسكري نفسه قولا وفعلا .

 

أما والمجلس العسكري والحكومة الانتقالية هم أول الرافضين لهذا التصور والمدركين بطلانه تصريحا وتلميحا ،فعليهم فهم مغازي هذه الدعوات المغرضة وإدراك مراميها حتى لا يقعوا في الأخطاء التي انبروا صباح الثالث من أغسطس لتصحيحها، ورفعوا أرواحهم على أكفهم لتخليص البلاد منها .

 

فكما زور هؤلاء بالأمس وحرفوا الكلم عن مواضعه هاهم الآن يمارسون نفس الهواية مع نفس الأطراف ….

وأخيرا فمهما صدح هؤلاء وأرغوا وأزبدوا فسيظل الإصلاحيون الوسطيون بمنأى عن الغلو وتجاف عن التساهل مع اعتدال في الرؤية وتوازن في الطريقة وتوسط في الممارسة

 

(*) كاتب وشاعر موريتاني مقيم بالإمارات

Ahmad_aboualmaaly@hotmail.com

 

(المصدر: موقع “منبر الإصلاح” الموريتاني بتاريخ 22 أفريل 2006)

وصلة الموضوع: http://www.isslah.net/modules/news/article.php?storyid=3073

 

 

رسالة مفتوحة إلى أصحاب الفكر الاستراتيجي فلسطينيين وعرباً ومسلمين (1 من 2)

 

** علاج القضية الفلسطينية دينيا ليس من صالح العرب والمسلمين وخطة مقاومة أيديولوجية لا تكون مفيدة

** علي الفلسطينيين ان لا يطالبوا بإزالة المستعمرات بل بإبقائها وأهمية إسرائيل مرتبطة بحاجة الاستعمار لها

 

أبو يعرب المرزوقي (*)

 

كيف نحدد الصيغة الأقل كلفة لتحرير شعب نام لا يزال بصدد صنع هويته الوطنية، تحريره من استعمار شعب مسيطر علي أسباب القوة الحديثة في محيط جغرافي وتاريخي يتجاذبه البعد القطري والبعد القومي العربي والبعد الديني الإسلامي فلسطينيا والبعد ـ الغربي الأوروبي والبعد الغربي الأمريكي إسرائيليا؟ أو كيف نخلص سعيه إلي الحرية من هذا التجاذب الذي قد يحول دونه وتحقيق هدف التحرير لفرط الترابط بين مصير الصراع المحلي ومصير الصراع الدولي ببعديهما البنيوي والظرفي المحددين لآفاق عالم بدأ يتكون بعد الحرب الباردة؟ تلك هي المسألة بصيغتيها الواضحتين، المسألة التي أريد أن أعرض علي قيادة الشعب الفلسطيني ذات الشرعيتين شرعية المقاومة النظيفة وشرعية القيادة المنتخبة ديموقراطيا تصوري لعلاج هذه المعادلة ذات الحل شبه المستحيل بمنطق استراتيجيات المقاومة الجامعة بين لغة القوة ولغة الحجة.

 

والمعلوم أنه يحق لي أن أشارك في مثل هذا العلاج لأنه يمكن لكل إنسان أن يسهم من أحد الآفاق ـ التي تنتج عن محددات المعادلة كما صغناها. لذلك فأفق كلامي في مسألة تحرر الشعب الفلسطيني هو الأفق العربي الإسلامي غير المتنافي مع الأخوة البشرية بمن في ذلك من يعتبر من الأعداء. ذلك أن المسلم توجب عليه عقيدته بكونيتها التخلص من منظور الجاهلية والتفكير في مصير البشرية مهما حل بأمته من ظلم من زاعمي الكلام باسم الإنسانية. وسيكون الجواب عن هذا السؤال مقتصرا علي ما يمكن تجليته من منطلق فلسفة التاريخ سعيا إلي فهم الفعل المؤثر في الترابط بين الصراعين الفلسطيني الإسرائيلي المحلي والعربي الإسلامي الغربي المسيحي الكوني علنا بذلك نتمكن من فصل المسارين مسار تحرير الشعب الفلسطيني عن مسار الصراع العالمي حول تحديد آفاق العصر المقبل قدر المستطاع لئلا يبقي الشعب الفلسطيني رهينة الاستراتيجيات الدولية في المنطقة وفي العالم.

 

ذلك هو المشكل الذي أريد أن أعالج بعض جوانبه فأطرح السؤال الذي يبدو أكثر الأسئلة إلحاحا من منظور الفاعلية التحريرية: ما محددات الفعل التي يمكن أن تساعد المقاوم ـ المفاوض الفلسطيني بحسب محددات تحرر الشعوب البنيوية دون إهمال محدداته الظرفية؟ فالمعلوم أنه منذ حصول حادثة الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) بات من اليسير علي إسرائيل أن تستعيد المبادرة في الحرب الرمزية التي خسرتها قبلها.

 

لذلك فإني مباشرة بعد الحادثة دعوت الإخوة الفلسطينيين إلي المبادرة بفصل قضيتهم عن الصراع الدولي قدر المستطاع بتحويل الانتفاضة التي اتخذت منحي مسلحا إلي انتفاضة غاندية علهم بذلك يحافظون علي النصر الرمزي المتقدم علي حادثة الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) وتفويت الفرصة علي إسرائيل حتي لا تنجح في إقناع الرأي العام الغربي كله بأن المقاومة الفلسطينية تنتسب إلي الإرهاب. دعوتهم إلي تغليب الوجه التفاوضي دون إهمال الوجه المقاوم علي الأقل مؤقتا لان المقاومة متعددة الطرائق بل إن تناوبها وتلازمها مع المفاوضة والمهادنة من مقومات حروب التحرير الشعبية.

 

ولم يكن تغليبي هذا الوجه التفاوضي من التحكم الشخصي بل إن للأمر علة موضوعية بنيوية غير التي ذكرت عند الكلام عن الظرف الذي حددته حادثة الحادي عشر من ايلول (سبتمبر).

 

ولأحاول بيان هذه العلة البنيوية أعني العلة التي تنتج ضرورة عن مقومات معادلة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فالمقاومة الفلسطينية بات بوسعها أن تناور للحفاظ علي الرصيد الرمزي لكفاحها السابق ما دامت قد حققت أهم أغراض فعل المقاومة بمنطق حروب التحرير الشعبية كما يمكن استقراؤها من تاريخ هذه الحروب الحديثة:

 

1ـ فهي قد فرضت الاعتراف العام بالمشكل.

2ـ وفرضت الاعتراف بالمقاومة وبممثليها الشرعيين.

3ـ وفرضت القناعة بامتناع الحسم العسكري ثالثا.

4ـ وفرضت الشروع في التفاوض بشروط لا يستهان به.

5ـ ومن ثم فهي قد فرضت تغليب البعد التفاوضي علي البعد العسكري من المقاومة مع المحافظة عليه مفتوحا، بل

ومع تحسين شروطه لأنها انتقلت من مقاومة مهاجرة وعلي تخوم الوطن في الحالات النادرة التي تجد سانحة إلي مقاومة مقيمة علي الأرض وقادرة علي الاندماج في الشعب وتحريكه بصور متعددة من المقاومة السلبية إلي المقاومة المسلحة.

 

ولنأت الآن إلي المعادلة التي نريد علاجها. فيمكن أن نصوغ هذه المعادلة المتحكمة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بنموذج مبسط له قلب مؤلف من الثنائي المزدوج فلسطين ـ إسرائيل علي أرض فلسطين وفي العالم يحيط بكلا حديه المزدوجين دائرتان مباشرة وغير مباشرة. فإسرائيل ببعديها الداخلي والخارجي تحتضنها دائرتان مباشرة هي أوروبا وغير مباشرة هي أمريكا. وفلسطين ببعدها الداخلي والخارجي تحتضنها دائرتان مباشرة هي الوطن العربي وغير مباشرة هي العالم الإسلامي. لذلك فإن هذا الصراع قد أصبح بؤرة صراع أوسع هو صراع الدائرتين المحيطتين بالحد الفلسطيني مع الدائرتين المحيطتين بالحد الإسرائيلي. فتطابق الصراعان وبات علاجهما من أعسر معضلات الفكر الاستراتيجي لاجتماع محددات فلسفة التاريخ (رمزا إليها بمنزلة العالم الإسلامي في الجغرافيا الاستراتيجية وبمركز الطاقة المادية أو العراق) في لحظته الراهنة بفلسفة الدين (رمزا إليها بفلسطين عامة وبمركز الطاقة الروحية أو القدس ) في جوهرها الثابت: الصراع علي إرث الأرض ببعديها المعين (المشاعر الدينية) والشامل (الكون كله و المشعر الرئيسي في فلسفة الدين الإسلامي)، بعديها اللذين يدور الصراع عليهما بين طرفين أحدهما يزعم تمثيل بدايتها المؤسسة للتمييز العنصري علي نظرية الشعب المختار (فلسفة الدين اليهودية) والثاني يزعم تمثيل غايتها المؤسسة لتحرير البشرية من التمييز العنصري ودحض نظرية الشعب المختار (فلسفة الدين الإسلامية).

 

لكن تعدد مستويات المعادلة هذا ـ لحسن الحظ ـ يعقد الأمور فيفرض علي جميع الاطراف المنضوية فيها الكثير من الحذر والتؤدة وخاصة علي المحيطين المضاعفين العرب والمسلمين بالنسبة إلي الفلسطينيين والأوروبيين والأمريكيين بالنسبة إلي إسرائيل مما يساعد علي الروية والفعل العقلاني الذي أحاول هنا بيان أهمية التخطيط الذكي لتحقيق شروطه ومن ثم لربح المعركة بأقل التكاليف، وتلك هي العلامة الصادقة علي إجرائية الخطة ونجاعتها. فكثرة الأطراف وتشابك المصالح يجعل الجميع ساعيا إلي تحقيق ما يكون مناسبا لمصالح الجميع دون تطرف قد يفسد الأمور، فيؤلب عليه تحالف الأطراف الأخري.

 

فالتقابل بين الرأي العام الداخلي والرأي العام الخارجي بالنسبة إلي طرفي النزاع (إسرائيل وفلسطين) يعدل موقفيهما. فيحول دون الإفراط والتفريط في حالتي الفلسطينيين والإسرائيليين. ذلك أن المنتسبين إلي الرأي العام الداخلي من الشعبين يعيشون كوارث الصراع ويرونها رؤية العين لأن آثارها في لحمهم الحي والمنتسبون منهما إلي الرأي العام الخارجي لا يعيشونها ولا يرونها إلا بصورة مجردة. ورغم أن الرؤية المباشرة قد تؤدي إلي الإفراط في العواطف المباشرة مثل الحقد وحب الانتقام وإلي التفريط في العواطف غير المباشرة مثل الغايات البعيدة والآمال الممكنة مما يفقد المنغمسين في المعترك كل قدرة علي التحليل ذي المدي البعيد سلبا وإيجابا. فإن ذلك يساعد في الغاية علي الوصول إلي الحل لكون البشر بفطرتهم لا يحبون الحروب الدائمة ويميلون إلي العيش بسلام. ورغم أن الرؤية غير المباشرة قد تؤدي إلي الإفراط في الكلام باسم العواطف غير المباشرة وإلي التفريط في العواطف المباشرة مما قد يفقد البعيدين من اللهيب الشعور بالأزوف فيكثر من المزايدات اللامبالية بالنتائج الوخيمة علي الجميع فإن ذلك يساعد بتقابله مع الموقف السابق علي تحقيق الحل: لذلك فالحصيلة الجملية تكون في الغالب البحث عن توزان بين الرأيين والرؤيتين مما يحقق الحل الممكن دون إفراط ولا تفريط.

 

ونفس الأمر يمكن أن نقوله بالنسبة إلي التقابل بين المحيطين عند كلا الخصمين. فنسبة العرب والمسلمين إلي القضية من منظور المصلحة الفلسطينية تقبل القياس بنسبة الرأي العام الداخلي ( رأي من بقي من الفلسطينيين في فلسطين ) والرأي الخارجي ( رأي اللاجئين ) الفلسطينيين منها. ونسبة الأوروبيين والأمريكيين إلي القضية من منظور المصلحة الإسرائيلية تقبل القياس بنسبة الرأي العام الداخلي (رأي مستعمري فلسطين ) والخارجي الإسرائيليين ( رأي يهود العالم ) إليها. فيكون التقابل بين الدائرتين بالحد الفلسطيني والحد الإسرائيلي موصلا إلي نفس العلاقة التي حددنا بين الرأيين العامين الداخلي والخارجي عند كلا الشعبين مما ييسر تحديد العلاقة بين توازنين مضاعفين: التوازن الإسرائيلي والتوازن الفلسطيني أعني التوازن في الحدين المباشرين من المعادلة وتوزان محيطي إسرائيل ( أوروبا وأمريكا ) وتوازن محيطي فلسطين (العرب والمسلمين) أعني التوازن بين الحدين غير المباشرين من المعادلة ومن ثم قابلية المزاوجة بين المعركتين معركة التحرير الجزئي من الاستعمار المحلي بحل شبيه بحل جنوب افريقيا والتحرير الكلي من علل الاستعمار الكوني أو أسباب التخلف بحل يشبه العقد الحضاري بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي لئلا يفقدا المبادرة التاريخية فيكون كلا الحلين مساعدا علي تيسير الحل الثاني.

 

وبذلك نصل إلي التوازن الأصلي بين التوازنات الأربعة أعني التوازن الخامس الذي هو الأول لكونه أصل التوازنات كلها وهو التوازن الذي بات الآن جوهر المعادلة الدولية الحالية أعني منزلة الحضارتين الإسلامية والغربية في عالم عادت فيه الحضارات الشرقية القديمة (الهند والصين خاصة) إلي الفاعلية المؤثرة في التاريخ الكوني عودة ستضع حدود معادلات جديدة ليس للمسلمين ولا للغربيين قبل بها إذا هم واصلوا الاقتتال ولم يستعدوا للتوازن الكوني بين كل الحضارات لتحديد مصير الكون وليس الأرض وحدها.

 

تلك هي المعادلة التي علينا مساعدة المقاوم ـ المفاوض الفلسطيني علي الانخراط فيها بتحديدها التحديد الأصح حتي يعلم أن الظرف الكوني قد وضعه في منزلة يحسد عليها رمزيا وبنيويا حتي وإن كان لا يحسد عليها ماديا وظرفيا: فهو قد صار الناطق الرسمي مثله مثل إسرائيل باسم أم قضايا عصرنا أعني كيفية تحقيق الصلح التاريخي بين الحضارتين اللتين أنتجتا العالم الحديث أعني الحضارة العربية الإسلامية والحضارة اليونانية المسيحية وعليه أن يضع المقاومة المسلحة والحوار التفاوضي في هذا المستوي إذا كان يريد أن يؤثر حقا في هذه المعادلة ببعديها المحلي والكوني.

وهذا المقترح نستمده من التحليل المنطقي الخالص لمقومات المعادلة كما تتضح من خلال هذه العلاقات التي لم تعــــد خفية عن أي عين فاحصة ذات بصيرة:

 

1ـ التوازن بين بعدي الرأي العام الإسرائيلي

 

لا بد أن نفهم القانون الرابط بين حاجة الرأي العام الداخلي (الأمن الشخصي وبقاء إسرائيل) وحاجة الرأي العام الخارجي (أمن المصالح الدولية) حتي نستطيع تحديد سقوف المقاومة والتفاوض. ولما كانت كلتا الحاجتين لها ممثلون في داخل إسرائيل نفسها وفي خارجها فإن التعامل يصبح يسيرا لمن يعلم كيف يجمع بين استراتيجية المقاومة والمفاوضة. فالوجه الغالب علي الرأي العام الإسرائيلي حاليا هو إذن البحث عن معادلة تحقق السلم لتحقيق الأمنين المشار إليهما من خلال الأسلحة غير المباشرة أعني سلاح الهيمنة الاقتصادية والثقافية علي الشرق الأوسط مع الحفاظ علي وجود إسرائيل. والمطلوب إذن من الاستراتيجية العربية الإسلامية بصورة غير مباشرة والفلسطينية بصورة مباشرة هو العمل علي هذا التناقض. علينا أن نعمل علي تغليب مطلب الرأي العام الخارجي علي مطلب الرأي العام الداخلي بتحييده من خلال المزايدة (الفلسطينية لا العربية والفرق واضح) علي التطبيع والسلم والتعايش مع يهود إسرائيل.

 

وهنا سأقترح أمرا قد لا يعجب الكثير بل هو سيغضب الأغلبية. ومع ذلك فهو ضروري لمن يريد أن يجعل التفاوض الملازم لكل مقاومة ذات أهداف مخططة استراتيجيا أن يجعله فاعلا لا منفعلا ومؤثرا لا متأثرا، علما بأنه لن يقبل من الإسرائيليين خاصة من المقيمين في المستعمرات لكنه سيكون فعالا في محيطيها الأوروبي والأمريكي: علي الفلسطينيين ألا يطالبوا بإزالة المستعمرات بل عليهم أن يطالبوا بالإبقاء عليها تحت السيادة الفلسطينية دون طرد المستعمرين منها. فلذلك غايتان بعيدتا الغور. فنحن بذلك نحتفظ بهم شبه رهائن عند عدم تحقيق الحل النهائي ونحقق الخطوة الأولي نحو الدولة الواحدة ذات القوميتين إذ يكون بعض مواطني الدولة الفلسطينية من اصل يهودي (حوالي ربع مليون) مثلما إن بعض مواطني إسرائيل من اصل فلسطيني. فتلك هي البداية الحقيقية للدولة الواحدة ذات القوميتين مع أغلبية عربية في أجل منظور، خاصة إذا ربطنا هذا المقترح مع المقترح المتعلق بحل مسألة اللاجئين. ثم إن هذا المقترح يساعد علي حل قضية القدس التي نعلم أنها أعصي القضايا علي الحل. فالمستعمرات المحيطة يعلم الجميع أنها لا يمكن أن تنفض إلا إذا انتظرنا انقلاب التوازن الدولي إلي غير غاية معلومة. لكنها بهذا الحل يمكن أن يبقي سكانها اليهود مع الخضوع للسيادة الفلسطينية مؤقتا إلي حين تكوين الفدرالية الفلسطينية الإسرائيلية مرحلة نحو الدولة الواحدة ذات القوميتين.

 

2ـ التوازن بين بعدي محيط إسرائيل

 

وينبغي أن نفهم القانون الرابط بين حاجة الرأي العام الأوروبي وحاجة الرأي العام الأمريكي. فهي تخضع لنفس العلاقة بين الداخل والخارج الإسرائيليين. أوروبا تهتم بالأمن بمعناه الشخصي وبوجود إسرائيل اعني أمن الأشخاص والدولة اليهودية بسبب العقدة التي نتجت عما فعلوا في يهود أوروبا منذ حروب الاسترداد إلي الحرب العالمية الثانية. وأمريكا يهمها أمن مصالحها في الشرق الأوسط الموسع بالأساس. لذلك فانه يمكن لنفس المعادلة السابقة أن تكون أكثر الأوراق الرابحة في الدعاية الفلسطينية. فالأوروبيون أكثر الناس اقتناعا بوجوب الاندماج الإسرائيلي في الشرق العربي ليرتاحوا من هذه المشكلة التي يعلمون علاقتها المباشرة بأمنهم المادي والروحي وبأزمات ضميرهم الذي يتحرك خاصة إذا كان إرضاؤه يقع علي حساب غيرهم. والأمريكان لا يهمهم من ذلك إلا بقاء إسرائيل أداة استراتيجية فعالة للسيطرة علي الوطن العربي خاصة. ومن ثم فإسرائيل مثلها مثل كل الأدوات ليس لها من قيمة إلا ما ظلت الحاجة إليها موجودة : الاستعداد لعمالقة القرن الحالي بالسيطرة علي موارد الطاقة والمراكز الاستراتيجية المتوسطة بينهم (بين الهند والصين شرقا و أوروبا وروسيا غربا).

 

3 ـ التوازن بين بعدي الرأي العام الفلسطيني

 

من المعلوم أن الداخل الفلسطيني يريد حلا يمكنه من العيش الكريم قبل أي مطلب آخر رغم ما قد يبدو من الحقد والكراهية التي تغذيها غباوات المتطرفين الإسرائيليين الذين لا يقلون تعصبا عن مؤسسي إسرائيل الأوائل. لذلك فأهل الداخل من الفلسطينيين أكثر واقعية واقل أحلاما من أهل الخارج. وهذه المعادلة تساعد كثيرا علي لعب الورقة الضرورية في إيجاد قيادات فلسطينية واقعية تستطيع التعامل بحنكة مع المعادلتين اللتين أشرنا إليهما وتمكينهم من الاستناد إلي التوازن الأول لكونها تمد القيادة المقدامة بشرعية قد لا يمنحها إياها اللاجئون الذين لا يصطلون بما يصطلي بــه أهل الداخل فيبالغ قياداتهم في المزايدات التي تضفي عليهم هالة ولا تكلفهم شيئا.

 

4ـ التوازن بين بعدي محيط الفلسطينيين

 

ونفس العلاقة تقريبا توجد بين محيطي فلسطين العربي والاسلامي. فنسبة العرب إلي فلسطين من جنس نسبة الأوروبيين إلي إسرائيل: كلاهما يريد حسم الأمر للقضاء علي المشكل الذي هو مشكل حقيقي عندهما مادي وروحي وليس مجرد ورقة لغايات اقتصادية أو إمبريالية. أما بالنسبة إلي من يهتم بالقضية من المسلمين فإن النسبة من جنس النسبة الأمريكية إلي إسرائيل: قضية فلسطين أداة لغايات من جنس ما من أجله توظف أمريكا إسرائيل. لكن مجال التوظيف وأداته مختلفان بحكم اختلاف مجال الفعل: أمريكا تفعل بالقوة المادية والمسلمون الذين يوظفون قضية فلسطين يفعلون بالقوة الإيديولوجية.

 

لذلك فالمعادلة التي صحت في محيطي إسرائيل لا تصح لسوء الحظ في محيطي فلسطين بسبب اختلاف أداة الفعل في المحيطين. والعلة هي أن العرب تخلو عما أخذه منهم المحيط الإسلامي المؤثر في قضية فلسطين أعني أن الحركات القومية العلمانية تخلت عن دور الإسلام فحصل هذا العكس في طبيعة التوظيف الأمريكي لقضية إسرائيل والإسلامي لقضية فلسطين. وحتي نتمكن من حل المعضلة يكفي أن يتخلص الإسلام التقليدي في الخليج والإسلام الثوري في حركات الصحوة من وهم التأثير في التاريخ الكوني بمجرد العقيدة والمجازفة بمعاداة الغرب كله أعني الوقوع في أهم أفخاخ الاستراتيجية الإسرائلية من أجل هدف يمكن تحقيقه بكلفة أقل بكثير، خاصة ومعركة الحصول علي أدوات التأثير الفعلية في التاريخ الكوني لا يمكن أن تكون في متناولنا إذا واصلنا في معاداة الغرب. فالتعلم من الغرب في كل المجالات الحيوية للأمم الحديثة هو السبيل الوحيدة للتمكن من منجزات الحضارة الغربية ومن التخلص من هيمنتها وربما تجاوز الحضارة الغربية إلي ما هو أكثر عدالة وشمولا للبشر. إن علاج القضية الفلسطينية دينيا ليس من صالح العرب والمسلمين حتي وإن كنا لا ننكر أن للقضية أصلا دينيا وأن للدين دورا أساسيا في تحفيز الفعل الجماهيري. لذلك فإني أعتبر خطة المقاومة المستندة إلي إيديولوجيا دينية لا تكون مفيدة إلا إذا بقيت هامشية وجزءا من خطة اشمل لا يكون فيها العامل الديني إلا أحد العوامل الثانوية.

 

5ـ توازن المعادلة الشاملة وعلاج المعادلة الصعبة

 

تبقي معادلة القضية الفلسطينية التي وصفنا أبعادها الدولية والوجودية (لصلتها بطبيعة الصراع الكوني الحاصل بين الحضارتين: وذلك هو المستوي الميتافيزيقي من الصراع الذي يجعلني أدلي بدلوي إذ لا يهمني من الظرفي إلا ما فيه من كوني) إذن أصعب عناصر الخطة الفلسطينية. كيف يجد المفاوض الفلسطيني لغة توفق بين حاجتين تبدوان متقابلتين إلي حد التناقض: حاجة العرب والمسلمين إلي حسم القضية للفراغ إلي ما هو أهم أعني تحقيق شروط البقاء في راهن التاريخ الكوني الذي نكاد نخرج منه أعني الثورة العلمية والتقنية والاقتصادية والحضارية والاجتماعية والسياسية؟

فنحن لا نزال في هذه الميادين جميعا نشكو من تخلف يقاس بالقرون. وحاجة النهضة والصحوة الإسلاميتين إلي محرك ثوري تاريخي حقيقي يجعل المسلمين في بؤرة التاريخ الكوني من خلال الصراع مع ذروتيه الحقيقيتين أعني أمريكا ماديا (ذروة قوة الغرب المادية بلا منازع) وإسرائيل روحيا (الغرب يعتبرها ذروة حضارته الروحية علي الأقل حسب معتقد النخبة الغربية). فإذا استطعنا أن نفهم المعبرين منا عن هاتين الحاجتين أن نفهمهم أمرين أساسيين استطعنا أن نجد المخرج:

 

– الأول هو أن هذه الحاجة الثانية أبعد غورا من الحاجة الأولي.

– والثاني هو أن الحاجة الثانية ذات مدي أطول يجعلها هدفا أسمي يكون فيه هدف الحاجة الأولي مجرد أداة.

 

ومعني ذلك أن تحقيق النصر علي ذروتي القوتين الغربيتين المادية والروحية لا يمكن من دون تحقيق الثورات التي أشرنا إليها: العلمية والفنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بترتيب يذهب من آخرتها إلي أولاها أعني أننا من دون تكوين القطب العربي حدا أدني والإسلامي حدا أقصي لن نستطيع تحقيق أي واحدة من هذه الثورات علما بأن كل واحدة متقدمة منها مشروطة بالتي تليها جميعا في ترتيبنا هذا.

 

وإذا كانت الغاية الاستراتيجية ترفض الصلح التاريخي فإن الغاية التكتيكية تقتضي المهادنة الظرفية: لا نستطيع تقديم البديل عن الحضارة الغربية برفضها بل لا بد من استيعابها وتحويلها إلي مجرد لحظة من حضارة اشمل منها هي الكونية الإسلامية البديل عن العولمة الغربية. ولا يمكن للكونية الإسلامية أن تنبني علي السلب بل هي تجد منهاجها في ما دعا إليه القرآن الكريم خلال نقده التحريف عليها أن تصدق ما بين يديها إذا كان صادقا وأن تهيمن عليه بإصلاح ما فيه من انحراف: فالمسلم يقبل السوي ويهيمن عليه لتجاوزه من خلال تخليصه مما ليس سويا وتجديد آمال الإنسانية في مستقبل اسعد واكثر حرية وحفاظا علي القيم العليا.

 

(*) كاتب ومفكر تونسي، ماليزيا

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 24 أفريل 2006)

 


رسالة مفتوحة إلى أصحاب الفكر الاستراتيجي فلسطينيين وعرباً ومسلمين (2 من 2)

أبو يعرب المرزوقي (*)

 

** الفلسطينيون وهم يستعجلون الحل النهائي ويفرحون بشبه الدولة المكبلة يحررون العدو من استحقاقات الحل العادل

** هناك حاجة لمقاومة مسلحة متحضرة تتلازم مع سياسة تفاوضية ذكية تجرد العدو من سلاحيه الرئيسيين: الحجة والقوة

 

محدد حروب المطاولة الأول محدد بنيوي

 

ولنأت الآن إلي تحليل محددات المعادلة المتحكمة في الصراع. فمن المعلوم أن الأقوي ماديا في كل حرب يريدها حرب مناجزة للحسم السريع. لكن الأضعف ماديا يريدها حرب مطاولة لمنع الحسم السريع ولأنه أقوي روحيا بحكم تمثيله للحق. لذلك فالمنطق ينبغي أن يكون بصورة عامة منطق التدرج البطيء ولامتناهي الصغر في الفعل والتأثير.ومن المعلوم كذلك أن القانون النفسي الجمعي والفردي في حروب المناجزة قانون مضاعف فهو يجعل الآخذ لا يرضي بالقليل والمعطي لا يرضي بالكثير ويغلب تأثير الحاضر الغالب بحضوره الفعلي والمباشر علي الماضي والمستقبل المغلوبين بحضورهما الإمكاني واللامباشر. فيكون الآخذ الذكي من يجعل المعطي يعطي الكثير بأقل ألم ممكن (بتدريج الأخذ وإطالة المدة وبالأعراض الوهمية) ويكون المعطي الذكي من يجعل الآخذ يقبل القليل بأقل ألم ممكن (بإطالة مدة الحرمان حصرا للعطاء في العرضيات والإنجازات الوهمية). ويبدو أن العدو قد أجاد هذه الفنيات عندما كان في وضع الآخذ وكذلك منذ أن صار في وضع المعطي: فهو طبق المرحلية في تحقيق إسرائيل الحالية بالأخذ المتدرج وهو يطبق المرحلية نفسها في تســـليم الضفة بالإعطاء المتدرج.

 

وبدلا من تطبيق نفس السياسة ترانا نكتفي بقول لا برعونة تلامس رعونة الصبيان لكأن الحق وحده كاف لإقناع العالم به خاصة وأسباب تحقيقه منعدمة. وبدلا من أن نيسر الأمر عليه فندرج الاستعادة نريد كل شيء في الحين لكأننا ننكر أن ذلك مستحيل حتي لو وجد من كان مقتنعا به من بين الإسرائيليين ونجهل خصائص حرب المطاولة. وأعجب ما أعجب له هو أن الفلسطينيين يستعجلون الحل النهائي ويفرحون بشبه الدولة التي كبلهم بها العدو ليتناحروا علي فضلات المعونة الدولية دون أن يعلموا أنهم بهذا المسخ يحررونه من أعباء الاحتلال ومن ثم فهم يلغون دوافع تعجيله بطلب الحل العادل. فخوفه الأساسي هو أن يؤول الاحتلال إلي عكس ما يرغب فيه: فاحتلال الضفة وغزة لو دام طويلا سيجعل حل الدولة الواحدة بقوميتين الحل الوحيد الممكن ومن ثم فهو سيلغي إسرائيل اليهودية من الجغرافيا العالمية في أقل من نصف قرن. لذلك فالحكمة تقتضي أن نفضل بقاء أعباء الاحتلال علي المحتل وأن نواصل المقاومة والتفاوض من أجل تحقيق القسمة الأولي رغم ما تتسم به من ظلم أو تحقيق الدولة الواحدة ذات القوميتين متساويتي الحقوق.

 

وإذن فالمفروض أن يكون التدرج الطويل في السعي إلي الحل وبقاء الدمل داميا كلاهما لصالح الفلسطينيين. ذلك أن ما نطلبه من العدو دون أن يكون بوسعنا فرضه بالقوة ينبغي أن يقسم إلي أجزاء فييسر المتقدم منه التالي بمقتضي كونه لا يمكن أن يتحقق معا أبدا و إلا لما لجأنا لحرب المطاولة. فهب الفلسطينيين الآن أخذوا جزءا من الأرض دون أن يمضوا صلحا نهائيا ليبقوا القضايا العالقة وأهمها قضية القدس مطلب المقاومة وتحت التفاوض أفلا يكون وضع المقاوم المفاوض الفلسطيني عندئذ أفضل من وضعه الحالي وأفضل خاصة من وضع المحتل المفاوض الإسرائيلي خاصة عندما تترابط المصالح بين الشعبين فتصبح المقاومة (بكل طرق المقاومة وأهمها العصيان المدني) التي ينبغي ألا تتوقف إلا بعد الاتفاق النهائي أكثر إيلاما وأقرب إلي إقناع رأيي طرفي الصراع العامين المحليين والدوليين بوجوب الوصول إلي الحل العادل؟ وهب الفلسطينيين يقدمون علي الاقتراح الموجب بدل الاقتصار علي مجرد الردود السالبة علي مقترحات الغير، أفلا يكون ذلك أكثر فاعلية؟

 

وسأفترض ما قد يبدو كفرانا عند قصيري النظر سأفترض أن المقاوم المفاوض الفلسطيني، بدلا من اشتراط عودة كل اللاجئين مع علمه باستحالة ذلك في الوضع الراهن، يطالب بأمر نعلم جميعا أنه غير عادل لكنه ممكن لكونه أكثر إقناعا وجدوي دعائية فضلا عن فوائده البعيدة إذا تحقق (إذ هو سيعطي الفلسطينيين أمرا لم يحققه اليهود إلا بجهود دامت قرونا للانغراس في الغرب وتكوين جاليات مؤثرة) تحديد مسؤولية مشكلة اللاجئين كما حدثت فعلا وعدم التشبث بشكليات الحقوق الصورية التي فقدت معناها عدا دور الشعار في الصراع بين الفلسطينيين. فهذه المسؤولية تتوزع علي إسرائيل (التي احتلت الأرض وشردت أهلها بالعنف والإرهاب) وأوروبا (انكلترا التي وعدت اليهود بفلسطين وفرنسا التي أعطتهم الحصانة النووية وقبل ذلك ألمانيا التي اضطهدتهم) وأمريكا (التي تحمي عدوان إسرائيل وتساعدها علي التوسع) والعرب والمسلمون (لوعودهم الكاذبة ولتقاعسهم عن حماية فلسطين) فطلبوا تقسيم عبء المشكلة عليهم جميعا بالتساوي مطالبة بإعطاء الفلسطينيين حق المواطنة الكامل بحسب النسب التالية (فهم تقريبا أربعة ملايين) ربعهم أي فلسطينيي الشتات يعودون إلي ما احتلته إسرائيل من أرض فلسطين وربعهم يعود إلي أوروبا وخاصة ألمانيا وانكلترا وفرنسا (ثلث مليون لكل واحدة) وربعهم إلي أمريكا والربع الأخير يقسم مناصفة بين البلاد العربية والبلاد الإسلامية (لفقرهم ولعدم امكان إقبال الفلسطينيين الممكن عليها). وأكتفي بمليون يعودون إلي إسرائيل لعلتين: واحدة من منطلق رغبة اللاجئين أنفسهم إذ أن الكثير منهم لا يريد العودة خاصة من استقرت به الحال في الغرب والثانية من منطلق الشكل التكتيكي والهدف الاستراتيجي للحل. فهذه النسبة تبدو معقولة عند العدو وحماته وهي كافيـــة للغرض منها أعني تحقيق الأغلبية الفلسطينية في إسرائيل في المدي المنظور.

 

وهذا التوزيع ينبغي أن يكون بالخيار لا (بالفرض) مع معاملة القوميتين بالتساوي أمام حق العودة لأن الشرعية الدولية رغم ظلمها تقتضي علي الأقل إعطاء نفس الحقوق للقوميتين في أرض فلسطين. لكن كيف يمكن للمقاوم المفاوض الفلسطيني أن يقدم علي الاقتراح الفاعل إذا بقيت شعوبنا خاضعة إلي المزايدات الديماغوجية التي تتناهشها من كل صوب وحدب؟ وطبعا فهذا المقترح لا يعني تجاهل الحقوق الفلسطينية الثابتة ومن ثم فلا فائدة في التذكير بها أو الزعم بأن صاحب المقترح يتنكر لها. إنما هو يسعي إلي أفضل الشروط لتحقيقها بأقرب السبل رغم أن المقترح يبدو بانتهاج الطريق غير المباشرة في منطق الخدع الحربية وكأنه يتنكر لها: فالدجاجة وحدها تموت جوعا في صدامها مع الحواجز الحائلة دون الوصول إلي الغذاء أمامها بدلا من استعمال المخرج الخلفي المفتوح.

 

محدد حروب المطاولة الثاني محدد ظرفي

 

إن المنطق الذي يمكن أن يساعد المقاوم المفاوض الفلسطيني يحدده عاملان هما عين خاصية القوتين المتصارعتين في المسألة الفلسطينية بما هي جوهر الأزمة الكونية التي بؤرتها فلسطين بين القوميتين (العربية واليهودية) والعالم بين الحضارتين (العربية والإسلامية واليهودية المسيحية) وكلا العاملين مخمس الدرجات:

 

1ـ الرأي العام الفلسطيني الذي هو حصيلة عامة مخمسة الأبعاد لكونها مؤلفة من الرأي العام الفلسطيني في الداخل (الذي أصبح بحمد الله موجودا بفضل خطة التفاوض الأولي ثمرة للانتفاضة الأولي) والرأي العام الفلسطيني في الخارج (اللاجئين) ومن الرأي العام في محيطه العربي والرأي العام في محيطه الإسلامي (الذي صار موجودا بحمد الله بفضل الانتفاضة الحالية) في صلتها جميعا بالموقف من إسرائيل بوصفها مغتصب الأرض الذي وقع الاعتراف به في الواقع ولا يزال مرفوضا في الواجب.

 

2ـ الرأي العام الإسرائيلي الذي هو حصيلة مخمسة الأبعاد مؤلفة من الرأي العام اليهودي في الداخل (إسرائيل) والرأي العام اليهودي في الخارج (الشتات) والرأي العام في محيطه الأوروبي والرأي العام في محيطه الأمريكي في صلتها جميعا بالموقف من فلسطين بوصف شعبها المقاوم قد وقع الاعتراف به في الواجب ولا يزال مرفوضا في الواقع.

 

والمعلوم أن العلة في تعاكس طبيعة الاعتراف المتبادل بين إسرائيل وفلسطين من رأييهما العامين ومن رأيي محيطيهما العامين ليس بالأمر الاتفاقي، فلا يمكن للطرف الإسرائيلي ومن معه أن ينكروا الوجود الفلسطيني في الواجب من دون نكران الأساس الحديث لوجود إسرائيل : إذ يتعذر مواصلة استنكار المحرقة مع القيام بمثلها دون نفي شرعية عدم الاعتراف بالوجود الفلسطيني في الواقع علي الأقل في مستوي المبدأ. لكن ذلك لن يتم إلا بتحقيق ثمرة هذا الاعتراف: التسليم بالشعب الفلسطيني في الواقع أعني حقه في الدولة وهو ما بدأ يتحقق منذ مدريد.

 

كما أن الفلسطينيين ومن معهم لا يمكنهم أن ينفوا الوجود الإسرائيلي في الواقع من دون نكران الأساس الحديث لوجود فلسطين المقبل : إذ يتعذر مواصلة استنكار التهجير الفلسطيني مع السعي إلي القيام بمثله في المستقبل (طرد اليهود من فلسطين وخاصة من الأجيال المولودة في فلسطين) من دون نفي شرعية عدم الاعتراف بالوجود الإسرائيلي في الواجب علي الأقل في مستوي المبدأ.

 

لكن هذين الاعترافين المتناظرين بالعكس لن تتحقق ثمرتهما إلا بتحقيق ثمرة هذا الاعتراف في الواقع وفي الواجب من الناحيتين: تسليم الطرف الفلسطيني ومن معه بالشعب الإسرائيلي في الواجب أعني حقه في التعايش مع الشعب الفلسطيني علي نفس الأرض علي الأقل في الخطاب الرسمي الذي يمكن أن يكون مسموعا في العالم وتسليم الطرف الإسرائيلي ومن معه بالشعب الفلسطيني في الواقع أعني وجوده مع الشعب الإسرائيلي والتساوي في الحقوق المدنية إلي أن تتحقق الدولة الواحدة ذات القومتين المتآخيتين. وبذلك يتبين أن الدولة الواحدة ذات القوميتين المتآخيتين في فلسطين آتية لا ريب فيها. فكلا الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي باتت مقومات هويته مناظرة لمقومات هوية الآخر رغم التزاحم الوجودي بينهما في التاريخ الفعلي (وجود أحدهما بات عنده مشروطا بنفي وجود الآخر) للتلازم الوجودي بينهما في الواجب الخلقي (كلاهما يعيش نفي الآخر في نفي ذاته من الآخر فيحاول فهم ضرورة التخلص من عقدة التنافي الوجودي في التاريخ الفعلي) ما يجعلهما ممثلي هذين الوجهين في شكل وجود برزخي ناتج عن العلاقة بين الحضارتين الغربية والإسلامية والغربية المسيحية العلاقة التي تتصف بصدام التنافي الوجودي في الواقع التاريخي وبحوار الوعي الخلقي بضرورة الوجود المتحرر من السلب المتبادل سعيا إلي تبادل الاعتراف والتكامل في الواجب: لكأن العلاقة بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي ممثلين بالحضارة العربية الإسلامية وبالحضارة الغربية المسيحية قد تعينت في كيان جغرافي تاريخي ماثل للعيان هو فلسطين عامة والقدس خاصة منذ الحروب الصليبية إلي اليوم. تلك هي رمزية القدس التي نقصد والتي علينا أن نفهم محدداتها.

 

القدس هي الرمز الأمثل لهذه العلاقة المتناظرة. لذلك فالحل لن يتأتي إلا من فهم الرمز والعمل علي جعله أداة توحيد بدل أن يبقي أداة حرب لا تتوقف منذ الحروب الصليبية. ذلك هو أساس الخطة التي نحاول صوغها والتي يمكن أن تجعل الفلسطينيين والإسرائيليين ينتصرون في حل معادلة العلاقة بينهما من المعادلة بين الشرق العربي الإسلامي والغرب الأوروبي المسيحي حلاً في مدي ليس بالبعيد. فالصراع بينهما مباشرة وبين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي صراع دولي وكوني بالطبع وهو صراع ينبغي أن يتغير بمقتضي المعادلات المقبلة للمعمورة بمجرد أن يفهم الجميع ضرورة التحرر من معادلات الماضي، ناهيك عن أن الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية ثمرة من ثمرات النظام الدولي الفائت في مستوي النصوص لم يتحقق منها إلا النصف في الواقع أعني الدولة الإسرائيلية وبقي النصف الثاني حبرا علي ورق. لا بد إذن من تحقيق النصف الثاني وذلك هو ما ينبغي أن يبدأ به تحديد النظام الدولي الموالي للنظام الدولي الجديد استكمالا لتحقيق النصف الأول من قبل النظام الدولي السابق.

 

تلك هي أفضل طريقة للمساعدة علي تحقيق هذه الغاية المرحلية وفي نفس الوقت المساعدة علي استئناف المسلمين دورهم في التاريخ الكوني مما يحاولون توريطها فيه بوضع حكومة فلسطين الجديدة أمام خيارين أحلاهما مر بوضعها بين خليتين: إما التنكر لعلة وجودها أو ضمها إلي ما يسمونه بالإرهاب. فأفضل طريقة هي وضع القضية في شكلها القانوني الأصلي مهما كان ظالما لأن كل إصلاح ينطلق من الوضعية في شكلها القانوني ليحققها أولا ثم يعدلها لاحقا: لا بد من تحقيق الحل الشرعي الأول ومطالبة من حصل علي النصف أن يسمح للطرف الثاني بالحصول علي نصفه ثم يقع تبادل الاعتراف بين من أعطاهم القانون الدولي هذين النصفين وإعلان الاعتراف الدولي بالدولتين معا في الحدود التي ضبطها قرار التقسيم وإلغاء كل ما هو أمر واقع يعارض هذا.

 

ويمكن أن نقول إن جميع الكيانات القطرية في العالم أجمع العالم الحالي نتج شكلها الحالي عن حركة الاستعمار الحديث، ومن ثم فهي متضايفة مع القوي الاستعمارية لأنها تدين لها بالوجود: كل الدول الحديثة في العالم الثالث من الصنائع بمعنيي الكلمة أعني أنها مصنوعة وصنيعة لمستعمر الأمس ما لم تتحرك لتحقيق شروط قيامها المستقل فتصبح ذات كلمة مسموعة في تنظيم العالم علي أسس أكثر عدالة. وبذلك نفهم الترابط الوثيق بين الظاهرتين الاستعمارية وخارطـــــة العالم الحديث في كل المستويات: في الثقافة والاقتصاد بل و في طبيعة الوعي التاريخي والوجودي والفلسفي.

 

ولولا هذه العلاقة لتعذر أن نفهم الكثير من ظاهرات التاريخ الدولي الحديث. فكيف يمكن أن نفهم أن تكون الهند قد أصبحت لغتها الرسمية إنكليزية ونظامها ديموقراطيا من دون أثر الاستعمار الإنكليزي؟ وكيف يمكن أن نفهم الفكر الفرنسي من دون آثار المسألة الجزائرية وبالعكس من يمكن أن يفهم أحداث الجزائر حتي بعد الاستقلال بل خاصة بعده من دون الصلة بفرنسا. وكيف يمكن أن نقرأ الوعي الأمريكي من دون هزيمة أمريكا في فيتنام ماضيا وفي العراق مستقبلا؟ هوية فلسطين القطرية وهوية إسرائيل كلتاهما ظاهرة حديثة وكلتاهما نتجت عن الاستعمار الإنكليزي الذي استحوذ علي بقايا الخلافة في بعض أجزاء الشام ولا يمكن تصور الواحدة منهما من دون الأخري إلا إذا أردنا أن نواصل نكران الواقع، فتخلينا عن كل تدخل فاعل ومؤثر فيه تأثيراً يمكن أن يغيره بشرط البدء بالاعتراف به وفهم قوانينه. وطبعا فالقصد هو الوعي الوطني المحدود بالقطر الفلسطيني (ومثله الوعي الوطني التونسي أو الجزائري الخ. )… ولست أقصد الوجود المادي للشعب الفلسطيني فهو متقدم الوجود علي إسرائيل وعلي الاستعمار البريطاني..

 

الخاتمة

 

مقاومة مسلحة متحضرة تتلازم مع سياسة تفاوضية ذكية تجرد العدو من سلاحيه الرئيسيين لكونها ترقي إلي مستوي الصراع الوجودي بأبعاده الميتافيزيقية: الحجة والقوة. وهذا لعمري من أيسر الأمور في حالتنا هذه لكون الصراع هنا بخلاف ما كان عليه بين المضطهدين من العالم الثالث والمستعمرين من العالم الغرب. ذلك أن إسرائيل حتي وإن كانت قيادتها الأولي غربية فإنها مع ذلك ـ ولو من باب التوظيف الاستعماري ـ تعاني من نفس الإشكالية التي نعاني منها: الحاجة إلي الوصل بين الأصل القديم ذي التعليل الوجودي المستمد من بعد الوجود الأخروي والوضع الراهن الساعي إلي التعليل الوجودي المستمد من بعده الدنيوي.

 

والفرق الوحيد بيننا هو أن شروط البعد الدنيوي تغلب علي إسرائيل لكون البعد الأخروي يكاد يقتصر عندها علي مجرد التوظيف العقدي: البعد الدنيوي هو الأمر المتحقق والغالب علي وجودها الفعلي. أما عندنا فالأمر هو بالعكس تماما: البعد الدنيوي ليس إلا أماني لم يتحقق منها شيء والبعد الأخروي أعاده الجهل العام إلي مستوي خرافي بخلاف ما تدعو إليه الرسالة التي تجعل إرث الأرض بأسبابه الحقيقية جوهر تحقيق الأمانة الإنسانية. لذلك كان فعل إسرائيل مؤثرا بفرعيه القولي والعملي وكان فعل العرب غير مؤثر ببعديه القولي والعملي.

 

فالفعل الإسرائيلي يعتبر البعد الأخروي غير فاعل بحق إلا بمضمونه الدنيوي (أدوات الاستخلاف أو شروط إرث الأرض). والفعل العربي يخلو من حقيقة البعدين لذلك فهو لا يزال غير مؤثر ونحن نريد له التأثير: ولست أدري من الرسول الكريم عندما وصف أهل الكتاب بكونهم أهل الذكر الذين يمكن أن نتعلم منهم إذا كان هذا التعلم محققا لمصالحنا ومساعدا علي تحريرنا وتحريرهم من التحريف الذي غلب عليهم فجعل فسادهم في الأرض يطغي عليهم وعلي العالم. وما لم نتخلص من القول والفعل العاطلين فإننا سنبقي من أنصاف الشعراء: نقول مالا نفعل ونهيم في كل حانة ونعرض العاملين بالمزايدات والمبالغات تأسيا بقول نقادنا في الشعر وقياسا عليه فنعتبر أجمل الفعل أكذبه.

 

(*) كاتب ومفكر تونسي، ماليزيا

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 25 أفريل 2006)


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

24 janvier 2010

Home – Accueil TUNISNEWS 9 ème année, N° 3533 du 24.01.2010  archives :www.tunisnews.net  LTDH Bizerte: Communiqué  à l’opinion publique C.I.L.A.E:

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.