(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
الاتحاد العام لطلبة تونس
بلاغ إعلامي
تونس في 22/05/2007
تم يوم الخميس 17/05/2007 الحكم على الرفيق علي بوزوزية المنخرط صلب الاتحاد العام لطلبة تونس و المرسم بكلية العلوم ببنزرت ستة أشهر سجنا نافذا ويأتي ذلك ضمن الحملة القمعية المستمرة التي تنتهجها السلطة التونسية في محاصرة العمل النقابي و السياسي و استهداف طرف بعينه النقابيون الراديكاليون الذي عانى طيلة سنوات من عديد المحاكمات سواء داخل الجامعة عن طريق مجالس التأديب الصورية أو عبر القضاء ونذكر منهم الشاذلي الكر يمي-حسين بن عون-لسعد الكيلاني-عمار العطافي-نزار بوجلال-نجيب الدزيري-عفيف الهاد في-ربيع الو رغي… و ذلك لثنيهم عن الدفاع عن الجامعة وتمسكهم بالاتحاد العام لطلبة تونس و القطع الجذري مع الممارسات الانتهازية و المصالح الضيقة لبعض الأطراف.
ونهيب بكافة الأطراف و المنظمات الوطنية التقدمية للوقوف إلى جانب مناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس في هذا الظرف الذي يتميز بحراك نقابي و سياسي يعنى بمستقبل المنظمة الطلابية و لا يفوتنا أن نتوجه بالشكر إلى السادة المحامين الذين ساندونا بكل من جهة صفاقس وتونس و بنزرت كما نتوجه كذلك إلى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لتحمل مسؤوليتها تجاه رفاقنا المساجين و الملاحقين قضائيا و المطرودين تعسفا من الجامعة.
ونعلن الآتي
1- وقوفنا إلى جانب كل الرفاق واستعدادنا للدفاع عن مناضلينا بكل الوسائل المشروعة.
2- تمسكنا بحرية العمل النقابي و السياسي داخل الجامعة.
من أجل إيقاف التتبعات القضائية وعودة المطرودين
عاش الاتحاد العام لطلبة تونس حرا مناضلا و مستقلا و موحدا
المكتب الفيدرالي كلية العلوم بتونس
حكومة بن علي تسمح لأوّل مرّة بنشر رسالة لمحمد عبّو من سجنه إلى إبنته على أعمدة صحيفة “الشروق”
نتمنّى أن يُرفع الحصار قريبا على المناضل الكبير محمد عبو و يعود إلى إبنته و زوجته و ذويه و إلينا . . * مراسلة خاصّة من تونس
عهد الإعلام الأحادي قد ولّى
أراهن على الحوار مع السلطة… وأرفض «التوظيف السياسي للمهنة»
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
ورشة عمل حول
“تقييم حركات التغيير الديمقراطي في العالم العربي”
تقييم حركة18 أكتوبر بتونس
القاهرة يومي19و20مايو2007
18 أكتوبر
نجح الإضراب وتعثرت الحركة
محمد القوماني*
مقدمة
شكّل إضراب الجوع الذي شنّته مجموعة من قادة الأحزاب والجمعيات والشخصيات بتونس نهاية سنة 2005 محطة فارقة وخطوة نوعية على طريق نضال التونسيين من أجل الديمقراطية وصراع المعارضة مع نظام الرئيس بن علي. وأسس لما بات يعرف بحركة18 أكتوبر. لقي الإضراب تعاطفا واسعا في الداخل والخارج وأربك السلطة التي كانت تنظم القمة العالمية لمجتمع المعلومات. كما فتح الإضراب آفاقا لعمل المعارضة التونسية وأعطاها المبادرة في إحدى الحالات الاستثنائية. لكن هل استطاعت هيئة 18 أكتوبر التي تشكّلت عقب إنهاء الإضراب أن تضطلع بالمهام التي أنيطت بها ؟ و هل مازلت حركة 18 أكتوبر تمسك بزمام المبادرة السياسية بتونس اليوم؟ وكيف نقيّم حصاد هذه الحركة بعد عام ونصف من انطلاقها؟ و إلى أيّ مدى تبدو المعارضة التونسية قريبة من هدفها في تحقيق الانتقال الديمقراطي؟ تلك أهم الأسئلة التي نحاول التطرّق إليها في هذه الورقة.
1- إضراب 18 أكتوبر: دوافع موضوعية مُجمٌّعة
منذ الإضراب الشهير عن الطعام الذي خاضه الصحفي توفيق بن بريك سنة 1999من اجل تمكينه من جواز سفر ورفع المضايقات المسلطة عليه، وهو الإضراب الذي لقي صدى ومساندة واسعتين في الداخل والخارج وحقق هدفه المعلن، منذ ذلك الحدث تكاد تصبح تونس عاصمة للإضرابات عن الطعام،اعتبارا لتعدد الحالات واستمرارها وتوسعها في صفوف النشطاء السياسيين والحقوقيين خاصة. لكن يبدو أن عوامل موضوعية عديدة تجمعت لتجعل من إضراب 18 أكتوبر 2005حدثا نوعيا في هذا السياق.
خلافا للتوقعات المتفائلة بإمكانية حصول انفتاح سياسي وتحسين لأوضاع الحريات، مع اقتراب موعد انعقاد الجزء الثاني من القمة العالمية لمجتمع المعلومات الذي احتضنته تونس أيام17.16و18نوفمبر2005 ، حصل العكس، حيث صعّدت السلطة التونسية من إجراءاتها التي تستهدف جمعيات المجتمع المدني المستقلة و تضيّق على حرية التنظّم والتعبير والاجتماع وممارسة الحق النقابي.فتمّ منع انعقاد المؤتمر التأسيسي لنقابة الصحافيين، ومنع عقد المؤِتمر السادس للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وأخرجت جمعية القضاة من مقرها الرسمي بقصر العدالة تمهيدا لحلها. ولم يتم إطلاق سراح المساجين السياسيين بعد 15سنة من الحكم عليهم.
الإجراءات المتخذة بحق نقابة الصحافيين و جمعية القضاة و رابطة حقوق الإنسان بعد هرسلة امتدت خلال السنوات و الأشهر الماضية ، سبقها الاعتقال التعسفي للمحامي محمد عبو في غرة مارس2005 و الزج به في السجن بمقتضى عقوبة سلطت عليه اثر محاكمة رأي أجمع مئات من زملائه الذين ترافعوا عنه وتضامنوا معه فيها وكل المراقبين لها أنها لم تتوفر على شروط المحاكمة العادلة. ومن قبل ذلك أسقطت السلطة جميع قائمات التحالف الديمقراطي في الانتخابات البلدية لماي 2005، إضافة إلى الخروقات الفادحة للقانون بحق الحزب الديمقراطي التقدمي خلال مشاركته في الانتخابات التشريعية لأكتوبر 4 200 ، بدءا بالتلاعب بقائماته من قبل الإدارة و انتهاء بمنع بيانه الانتخابي. و الأهم من ذلك كله إدخال تعديلات واسعة على الدستورفي2002 في الاتجاه المعاكس لمطالب المعارضة، بما زاد في اختلال التوازن بين السلط وألغى تحديد الولايات الرئاسية وأفقد الدستور وظيفته الأساسية في تقييد سلطة الحاكم والغى أي احتمالات للتداول السلمي على الحكم وعمّق الأزمة الدستورية في البلاد.فكانت الإنتخبات الرئاسية والتشريعية لسنة 2004 نسخة أردأ من سابقاتها في إعادة إنتاج نفس السلطة و نفس المشهد السياسي. حصل كل ذلك ومرت جميع المحطات السياسية دون عفو عام على المساجين السياسيين الذين مضى على سجن بعضهم 15 عاما، وهو المطلب الذي أجمعت عليه المعارضة وكثفت نداءاتها من أجل تحقيقه منذ انتخابات 1999.
هكذا إذن تجمعت المؤشرات على أن السلطة ماضية في نهجها الانغلاقي وان جميع أبواب المشاركة السياسية مقفلة أمام الجميع، مما عمق الاحتقان والشعور بالإحباط وعجل بالتقاء المتضررين على اختلافاتهم.وسط تأثر ايجابي غير خاف بحركة كفاية بمصر، وبتصاعد الدعوات للإصلاح والديمقراطية في العالم. فجاء إضراب 18 أكتوبر مدفوعا بعوامل موضوعية، تقدّم فيه العمل على النظر وأعطيت فيه الأولوية للاحتجاج على الموجود على حساب التفكير في المنشود.
أعلن المضربون في بيانهم للرأي العام الذي وزعوه يوم 18 أكتوبر وخلال تدخلاتهم المختلفة في وسائل الإعلام بعد ذلك، أن حالة الانغلاق السياسي و سدّ جميع أبواب النشاط المدني المستقل وتعطل الحياة العامة هي التي دفعتهم الى ما أقدموا عليه . وبالتالي فهم يعبّرون من خلال الإضراب المفتوح عن الطعام و تعريض صحتهم، بل حياتهم إلى الخطر الحقيقي ، عن يأسهم من إدارة الحكم للشأن العام، و يحمّلون السلطة المسؤولية الكاملة عن حالة الاحتقان في صفوف النخب و الجماهير الواسعة. فالإضراب كان تعبيرًا عن اليأس وناقوس خطر و رسالة بليغة في التحذير ممّا تخبّئه المرحلة القادمة.
جاء في النداء الأول للمضربين الذي نشر يوم 18 أكتوبر ” أن هذا التوجه الأمني المنهجي الذي يواجه به النظام مكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لم يترك للنخب السياسية والاجتماعية من خيار سوى الإذعان للقوة الغاشمة أو مواجهته بالطرق السلمية .و إزاء هذا الوضع قررنا نحن ممثلي الأحزاب السياسية و الهيئات المدنية الممضين أسفله[1] الدخول في إضراب جوع مفتوح بداية من يوم الثلاثاء18 أكتوبر 2005 ” وذلك من أجل حرية العمل الحزبي والجمعياتي، وحرية الإعلام والصحافة، وإنهاء معاناة المساجين السياسيين.
فالإضراب، بقدر ما يعبّر عن حالة اليأس من الحكم يعبّر من جهة ثانية عن تصميم التونسيّين وفي مقدّمتهم قادة الأحزاب و الجمعيّات على التمسّك بحقوقهم المشروعة و الذهاب بعيدًا في انتهاج جميع الأشكال السلميّة للدفاع عنها وحمل السلطات على الاعتراف بها.
ولعلّ الطابع الجماعي لهذا الإضراب وما رفعه من مطالب تتصّل بالحياة العامّة و بما ضمّ من عناصر ترمز إلى التعدّد المهني، من محامين و قضاة و صحفيّين، و التنوّع الفكري و السياسي للمضربين، من الإسلاميين إلى الشيوعيين، و توحّد الأحزاب والجمعيّات،كل ذلك أعطى التحرك بعدا نوعيا.
كما أنّ التضامن الذي عبّرت عنه الأحزاب و الجمعيّات و الشخصيّات الوطنيّة وبعض القطاعات المهنيّة، والمساندة التي لقيتها المبادرة في الجهات الداخليّة للبلاد، عناصر أعطت لهذا التحرّك طابعه الوطني و زخمه الميداني، وهما هدفان لا يخفيان في إطلاق المضربين لهذا التحرّك من أجل خلق حالة نهوض سياسي حقيقي و ضاغط في وجه هجمة السلطة و تصعيد مضايقاتها للنشاط السياسي والحقوقي في الفترة الأخيرة السابقة للإضراب.
2– الإضراب حقق أهدافه المباشرة.
لا نكشف سرا إذا قلنا أنّ قادة الأحزاب و الجمعيات الذين دخلوا في إضراب مفتوح عن الطعام يوم 18 أكتوبر 2005، قد خطّطوا لتحرّكهم و اختاروا التوقيت المناسب في علاقة غير خافية بموعد استضافة تونس للجزء الثاني من القمة العالمية لمجتمع المعلومات .
و لا ضير أن تستعدّ المعارضة للاستفادة من ذلك الحدث الذي جعل تونس محطّ أنظار العالم في موضوع وثيق الصلة بمطالب المجتمع التونسي و الحركة السياسية و الحقوقية . فالطرف الرّسمي التونسيّ عمل جاهدا منذ مدة بعيدة على استثمار هذه الاستضافة للدعاية السياسية وإظهار مدى رضى المجتمع الدولي على الأداء التونسي و مكافأته على ذلك . وهو لا ينفكّ يفاخر عبر وسائل الإعلام المختلفة بانجازاته في مجال تطوير الإعلام والاتصال وتيسير وصول المعلومات بأنواعها وبأحدث التكنولوجيات للمواطن الكريم . وكان على المعارضة أن تتحرّك من جانبها وبإمكانياتها المحدودة جدا -مقارنة بإمكانيات الدولة – لتكشف الحقيقة و تسلّط الأضواء على واقع الحرّيات بتونس وخاصّة حرية الإعلام والاتّصال . وتستفيد من حدث القمة لافتكاك مكاسب في هذا المجال و تحسين وضع حقوق الإنسان .
كانت استعدادات السلطة منصبّة على الإعداد المادي والاتجاه بالقمّة إلى الطابع الاحتفالي. و كانت اهتمامات المجتمع المدني مركّزة على مضمون القمة وأهدافها ، و كان موقفها موحّد ا منذ البداية على أنّ إطلاق الحريات الفردية والعامة وتوسيع مجال الإعلام والاتصال وإقرار حرية التنظم الحزبي والجمعياتي وإنهاء المحاكمات السياسيّة وإطلاق سراح جميع مساجين الرأي ، وهي البراهين الوحيدة لإثبات جدارة تونس باحتضان هذه التظاهرة العالمية .
جاء إضراب 18 أكتوبر تكملة لكل الجهود التي بذلتها جمعيات المجتمع المدني خلال الاجتماعات التحضيرية المختلفة لهذه القمة. واستطاع هذا التحرك الرمزي، البسيط في ظاهره العميق في دلالته، أن يخلق الحدث وأن يجلب الاهتمام وأن يخرج الإعلاميين من تحت قبة قصر المعارض بالكرم ومن الخيام التي أعدتها لهم السلطات ، ليزوروا المضربين بالمكتب الصغير للمحامي العياشي الهمامي، ليغطّوا تحركهم ولينقلوا إلى العالم مطالبهم الثلاثة في تحرير الإعلام و إقرار حرية التنظم وإنهاء معاناة المساجين السياسيين و سن قانون العفو التشريعي العام . و لا نبالغ إذا قلنا أن الإضراب قد حقق هدفه في علاقته بالقمة، خاصة بعد استحالة عقد قمة المواطنة ، التي دعا إليها عدد من الجمعيات غير الحكومية في تونس والخارج ، ورفضت السلطات منح فضاء لهذه التظاهرة أو السماح بها في أي فضاء خاصّ .
كان موعد القمة و ما يتيحه من مناسبة نادرة من التغطية الإعلامية هدفا مباشرا للمضربين، لكنه لم يكن الهدف الرئيسي على ما يبدو. فحركة 18 أكتوبر في جوهرها حركة سياسية من أجل تجاوز حالة الإحباط التي أصابت المجتمع المدني بتصعيد السلطة لإجراءاتها ضدّه ، ومن أجل تجاوز حالة التشتت التي عليها المعارضة وجمعها على حد أدنى مشترك في وحدة ميدانية لا مجال فيها للإقصاء ، ومن أجل خلق حالة نهوض سياسي حقيقي وضاغط للتأثير في ميزان القوى السياسي والضغط على السلطة.
و هنا أيضا يمكن القول بأن الإضراب، وإن لم يحقق مطالبه الثلاثة، فإنه حقق نجاحا ربّما فاق المأمول، قياسا بالظروف الصعبة التي تعمل فيها المعارضة . فقد استطاعت أعمال المساندة في العاصمة والجهات وبالخارج وفي مختلف القطاعات ومن طرف أهم الأحزاب والجمعيات الفاعلة ،ونخص بالذكر الوفود التي كانت تزور المضربين يوميا، استطاعت أن تجعل من الإضراب حدثا نوعيا وتخلق حوله زخما ميدانيا و فكريا و سياسيا و عاطفيا بالغ الدلالة ، بما رشح حركة 18 أكتوبر لتكون منعرجا في تاريخ المعارضة التونسية وكفاحها من أجل الحرية و الكرامة.
3- من الإضراب إلى هيئة 18 أكتوبر: بداية الصعوبات
أعلن المضربون يوم 18 نوفمبر في ندوة صحفية كانت محط أنظار وسائل الإعلام الأجنبية الـتي أنهت تغطية أشغال قمة المعلومات، إيقاف الإضراب استجابة لدعوات صادرة عن لجنة المساندة وعن شخصيات سياسية وحقوقية وطنية ودولية وفي مقدمتها المحامية الإيرانية شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام والسيد سيديكي كابا رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان الأسبق، اللذان أديا زيارة إلى المضربين يوم 17 نوفمبر .
تعهد المضربون بمواصلة النضال من أجل تحقيق المطالب الثلاثة التي رفعوها، كما أعلنوا اتجاههم إلى تشكيل هيئة وطنية يعهد إليها متابعة العمل. وحدد بيان إنهاء الإضراب يوم 18 نوفمبر 2005 مهمتين أساسيتين للهيئة : “ـ الحفاظ على وحدة العمل لتحقيق المطالب الثلاثة التي تجمّع حولها المضربون و كافة القوى التي عبرت عن مساندتها لهم.
ـ فتح حوار وطني حول القضايا الأساسية التي تقتضيها بلورة مشروع بديل ديمقراطي يكفل لجميع التونسيين التعايش فيما بينهم آمنين على حقوقهم و حريّاتهم الأساسية” [2]
تم يوم 4 ديسمبر 2005 الإعلان عن حل اللجنة الوطنية لمساندة الإضراب التي تشكلت للغرض وتأسيس هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات. وجاء في البيان الصحفي الأول الذي أمضاه أعضاء الهيئة[3] أنها تسعى الى :
“أولا : مواصلة العمل الموحّد بنفس الروح التي طبعت تحرك 18 أكتوبر و المتسمة بالجرأة والميدانية.
ثانيا: انشاء ” منتدى 18 أكتوبر” كفضاء للحوار بين مختلف الحساسيات الفكرية و السياسية التونسية حول القضايا الأساسية التي يقتضيها الانتقال إلى الديمقراطية في بلادنا(….)
ثالثا: مواصلة الحوار مع مختلف الحساسيات الفكرية و السياسية و الهيئات المدنية المعنية بالنضال من أجل الحرية ومن أجل إقامة دولة ديمقراطية ومجتمع مدني قوي و فاعل قصد توسيع تركيبة الهيئة و تأمين مشاركة هذه الأطراف في أعمالها على قدم المساواة و على نفس الأسس و الأهداف التي قامت عليها.”
إن النجاح الذي حققه الإضراب والآمال التي علقت بحركة 18 أكتوبر، عوامل جعلت السلطة تضاعف من جهودها و تعدد أساليبها في مواجهة هذه الحركة، خاصة بعد الإخفاق الإعلامي الرسمي الواضح خلال قمة مجتمع المعلومات .
هذا ما يفسر استهداف بعض رموز حركة 18 أكتوبر و في مقدمتهم الأستاذ أحمد نجيب الشابي ـ الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي آنذاك ـ اعتبارا لخصوصية موقعه ، بحملات إعلامية مغرضة بلغت حد الإسفاف،من ذلك نشر أخبار متطابقة بصحف عربية وتونسية معلومة، عن انضمامه إلى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وتأدية البيعة لمرشدها العام السيد مهدي عاكف. بما يعنيه ذلك من تعبير عن غضب السلطة من التقارب بين إسلاميين وعلمانيين، وعن الارتباك المواجهة السياسية التي فرضتها حركة 18 أكتوبر. كما كان الاستهداف عبر اتهام الحركة بالارتهان للخارج و الاستقواء بالسفارات الأجنبية .أو عبر التخويف من عواقب التحالف مع الإسلاميين و استعادة القاموس الممجوج في و صف هذا التيار و التشهير به . أو عبر التشجيع في وقت لاحق على تشكيل تحالفات مضادة لحركة 18 أكتوبر لا تستمد برنامجها فيما يبدو من بواعث ذاتية و مطالب و مقترحات في مواجهة سياسات الحكم المختلفة ، بقدر ما تستمد بواعث تأسيسها من مواجهة طرف آخر في المعارضة . أو عبر تسخير بعض الأقلام للترويج لمثل هذه التحالفات و الدعاية لها مقابل الافتراء و الدسّ و المغالطة و التشويه لحركة 18 أكتوبر ومكوناتها، في صيغ مشحونة وحملات مسعورة تذكر بأجواء الحقبة المظلمة من تسعينات القرن الماضي . ويبقى الأسلوب الأنجع والأفضل لدى السلطة هو فرض رقابة أمنية دائمة على أعضاء هيئة 18 أكتوبر ومنعهم من الاجتماع أو الاتصال بالجهات. وهو الأسلوب الذي لا ي تخفي آثاره في محاصرة الحركة وشلّ أنشطتها.
و إذا كانت كل هذه المؤشرات دلائل إضافية على صحة توجّه حركة 18 أكتوبر وجديتها و تدشينها لمرحلة نوعية في تاريخ المعارضة التونسية ، فإنها لا تكفي وحدها لاستنتاج أن هذه الحركة قد حققت المنعرج المطلوب في علاقة المعارضة بالسلطة.
قامت الهيئة بجولة ناجحة في الخارج، وكان عليها أن تتواصل مع اللجان الجهوية التي تشكّلت داخل البلاد لمساندة الإضراب،وتلك مهمة تأخرت كثيرا،ثم صارت بالغة الصعوبة مع تشديد السلطة لإجراءات المحاصرة و المنع، ولعل عدم إنجازها في النهاية كانت له آثار سيئة على مستقبل جماهيرية حركة 18أكتوبروحيويتها الميدانية. فمع مرور الأسابيع تلاشت تلك اللجان وعادت أجواء المعارضة إلى الانقسام و الاستقطاب.
كما أن هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات باعتبارها إطارا جامعا وآلية للتنسيق بين ممثلي الأحزاب و التيارات السياسية و فعاليات المجتمع المدني والمستقلين ، الذين شاركوا في الهيئة كان عليها مسؤولية و ضع برنامج تفصيلي و روزنامة محددة لتعميق الحوار بين مختلف الأطراف حول القضايا الأساسية و الشروط التي يقتضيها الانتقال الديمقراطي بتونس، سواء فيما يتعلق بعلاقة أطراف المعارضة يبعضها، آنيا و مستقبلا، أو فيما يتصل بعلاقة المعارضة بالسلطة.
فالمطالب الثلاثة المرفوعة لئن أكدت النهج الإصلاحي لحركة 18 أكتوبر، و بدت مقنعة و معبئة و حازت على دعم واسع من النخب من مختلف الاتجاهات و القطاعات، فإنها كانت أقرب إلى الأرضية الحقوقية التي تحتاج في المرحلة اللاحقة إلى أن تتوسع إلى برنامج يختزل المطالب الأساسية للإصلاح السياسي العاجل الذي تحتاجه البلاد ، برنامجا يراعي الأولويات و يقدّر الإمكانيات الحقيقية للمعارضة و يستجيب لتطلعات أوسع للنخب و يعبئ الطاقات المختلفة في المجتمع من أجل حمل السلطة على الاعتراف بحقوق التونسيين التي تبدو المرحلة مناسبة لها أكثر من أي وقت مضى و يبدو المناخ الإقليمي و الدولي مساعدا عليها كما لم يتوفر من قبل. فلا يخفى على المتابع أن بين مكونات حركة 18 أكتوبر من يتمسك بالمطالب الثلاثة فقط أرضية للعمل المشترك ضمن مسار إصلاحي لا يستبعد التفاوض مع السلطة و التصالح معها من أجل تحقيق انفراج فى الحياة السياسية ومن يتطلع إلى تشكيل تحالف سياسي أو جبهة لمعارضة السلطة ضمن القطيعة معها و إقامة نظام ديمقراطي بديل يقطع مع الاستبداد.
ولعل عدم توفق الهيئة إلى إنجاز هذه المهمة لم يساعد على دعم رصيد الثقة بين الأطراف المكونة لها وربما تسبب في انسحاب بعض أعضائها والإبقاء على حالة من الغموض أو الإستراتيجيات المتباينة والمسكوت عنها داخل هيئة18 أكتوبر للحقوق والحريات.
من جهة أخرى فان ” منتدى 18 أكتوبر “ المُعلن في البيان التأسيسي للهيئة “كفضاء للحوار بين مختلف الحساسيات الفكرية و السياسية التونسية حول القضايا الأساسية التي يقتضيها الانتقال إلى الديمقراطية في بلادنا ” والذي ستعهد إليه مهّمة صياغة عهد ديمقراطي يحدد الضوابط المرجعية و السياسية و الأخلاقية التي تؤمّن الحقوق والحريات في كل الظروف وتوضح أركان المجتمع الديمقراطي و النظام السياسي الذي يكفله و تبين الاستتباعات الداخلية و الخارجية لهوية تونس العربية الإسلامية، هذا المنتدى لم ير النور بعد مضي أكثر من سنة عن إعلانه. واضطرت الهيئة لإصدار أول وثيقة ذات طابع فكري بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في 8 مارس2007 قبل تشكيل المنتدى ودون أن يجري حوار عميق في المسائل المثارة بين الأطراف السياسية المكونة لحركة 18 أكتوبر وفي صفوف قواعدها بصفة خاصة.فضلا عن بقية الأطراف السياسية و هيئات المجتمع كما أعلن في البداية . الأمر الذي جعل الوثيقة الصادرة على أهميتها لا تلقى التجاوب المطلوب ولا تقرّب من الأهداف المرجوّة. فهي أشبه بالبيان السياسي من الوثيقة الفكرية لمرجعية .
وجدير بالملاحظة هنا أن فكرة المنتدى جاءت استجابة للضغوطات التي مارستها الأطراف السياسية التي ساند قسم منها الإضراب لكنها كانت تعترض مبدئيا على العمل المشترك مع الإسلاميين فضلا عن التحالف معهم .و كان مؤملا أن يكون المنتدى جسرا للتواصل بين مكونات المعارضة و إطارا تمارس فيه الضغوط اللازمة على الطرف الإسلامي للإفصاح عن مواقف واضحة و مطمئنة في القضايا الخلافية و لإثبات التطورات التي يقال أنها تحققت في صفوفه لما يرشحه للدخول في المنتدى الديمقراطي و مربع العمل المشترك .و هذا ما يبدو واضحا من خلال المبادئ التي حددتها الوثيقة المسماة “مشروع أرضية منتدى 18 أكتوبر ” و منها : ” تنظيم حوار علني و شفاف في الداخل وفي المهجر حول القضايا التي شقت صفوف الحركة السياسية و المدنية(…)و التحضير من خلال ذلك الحوار لصياغة عهد ديمقراطي يتضمن مبادئ و أسس النظام الجمهوري التي يتقيد بها جميع الفر قاء و تشكل مدونة سلوك للمواطنة(…) و الارتقاء بالعلاقة بين قوى المعارضة إلى مستوى من الوحدة (…) و السعي إلى تشريك كل القوى السياسية و هيئات المجتمع المدني في هذا الحوار تحقيقا للوفاق المنشود الذي يجب أن يشمل كافة قوى التغيير في البلاد.”[4]
إضافة إلى كل ذلك فإن الهيئة لم تعين إلى حد الآن منسقا لها ولا متحدثا باسمها،على غرار حركة كفاية بمصر. وتقلصت الهيئة بانسحاب بعض أعضائها أو عدم مواكبة بعضهم لاجتماعاتها وأنشطتها، بدل أن تتوسع دائرتها، و تقترب أكثر من أن تصبح عنوان المعارضة التونسية.
4- حصاد حركة 18 أكتوبر : بحثا في أسباب التعثّر.
4ـ1ـ تحركات 18 أكتوبر تقابل بالمنع و القمع: الإرادية تصطدم بموازين القوى المختلة.
انطلقت هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات من الأرضية التي حدّدتها في البند الأول من إعلان تأسيسها وهو ” مواصلة العمل الموحد بنفس الروح التي طبعت تحرك 18 أكتوبر و المتسمة بالجرأة و الميدانية ” فحاولت فرض معادلة جديدة في الساحة بالظهور كهيئة مستقلة تستمد شرعيتها من إرادتها السياسية و رفض حالة الأمر الواقع الذي تفرضه السلطة متجاهلة مسألة قانونيتها .
فأصدرت بيانات ودعت إلى اجتماعات باسمها، بمقرات الحزبين القانونيين المشاركين بها . لكن تلك الإرادة اصطدمت بالمنع الصارم لهذه الاجتماعات من قبل السلطة ، وهذا ما أقرته الهيئة في بلاغها الصحفي المؤرخ في 21 فيفري 2006.
” أصبح الاجتماع بمقرات الحزب الديمقراطي التقدمي و التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات و هما حزبان قانونيان يخضع ، سواء في العاصمة أو في الجهات ، لإرادة الأمن السياسي الذي يقرر أي اجتماع يعقد ، و أي اجتماع يمنع ، و أي مواطن يدخل مقر الحزب ، و أي مواطن يمنع عليه الدخول . ففي الأسابيع الأخيرة فقط منع الأمن السياسي ما لا يقل عن عشرة اجتماعات بمقرات الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات بالعاصمة وبالجهات ( سوسة ، صفاقس ، قابس )
و تتعرض هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات منذ إعلان تأسيسها في مطلع شهر ديسمبر الماضي ، إلى المحاصرة و الحرمان من عقد اجتماعات . كما يتعرض أعضاؤها إلى الملاحقة والتعنيف وحملات التشويه عبر عدد من الصحف المأجورة.” .( الموقف عدد 348 )
كما منعت السلطة المؤتمر الصحفي للهيئة الذي دعت إليه يوم 21 فيفري 2006 بمقر الحزب الديمقراطي التقدمي و لم يسمح إلا بحضور قيادة الحزبين القانونيين، و لم يحضر المؤتمر سوى ممثلين عن الصحافة الأجنبية.[5]
حاولت الهيئة تصعيد الضغط على السلطة فدعت إلى تجمع عام حول الحق في الاجتماع بمقر التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات يوم 24 فيفري2006 جابهته السلطة بتعزيزات كبيرة من الأمن “ومنعت بالقوة أعضاء هيئة 18 أكتوبر و سائر القيادات من الوصول إلى مكان التجمع و أعتدت بالعنف الشديد على العديد من المشاركين (….) و حجزت بمداخل العاصمة عددا من المشاركين القادمين من الجهات الداخلية ” [6]
و في نفس السياق منعت قوات الأمن يوم الجمعة 17 مارس 2006 تجمعا سلميا من أجل المطالبة بالحريات السياسية في الذكرى الخمسين لاستقلال تونس دعت إليه هيئة 18 أكتوبر للحقوق
والحريات. و أشار البيان الذي أدان المنع إلى تعرض عدد من أعضاء الهيئة الى التعنيف على أيدي قوات الأمن . و هذا نوع من الإعلام ربما يزيد في تغذية الخوف و الإحباط أكثر مما يشهّر بالسلطة ويدفع الى مزيد التعبئة.
أدت الهر سلة الأمنية و المحاصرة الشديدة لأنشطة هيئة 18 أكتوبر الى انكفاء الحركة في ظل موازين قوى بالغة الاختلال و أصبحت الهيئة تعمل في أجواء أشبه بأوضاع الحركة السرية بعد ما كان الخروج الى العلن من أهم مكاسب المعارضة. لم تستطع الهيئة المحافظة على التعبئة والتعاطف في المستوى المطلوب وكاد ينحصر عملها في إصدار بيانات مناسباتية و بقيت الحركة تقاوم من أجل البقاء أكثر مما تقاوم من أجل البناء .
لم يكن التقارب بين جناحي المعارضة العلماني والإسلامي أهم إضافات حركة18 أكتوبر، بل أيضا الالتقاء بين المعارضة القانونية المستقلة والمعارضة اللاقانونية المحظورة. إضافة إلى التقاء
الأحزاب والجمعيات في إطار مشترك. وهذا مكسب نوعي على الأطراف المكونة لحركة 18 أكتوبر أن تحافظ عليه.
لقد نجح الحزب الديمقراطي التقدمي في إعادة المصداقية للمعارضة القانونية، وتعزز موقعه بالتكتل من أجل العمل والحريات. ومع إصرار السلطة على منع أنشطة حركة 18 أكتوبر على خلفية عدم قانونيتها، وإبداء مرونة محسوبة مع التقدمي والتكتل، فإن التحدي يكمن في ابتكار الصيغ التي تدمج اللاقانوني في فضاء القانونية، وتوسع هذا الفضاء بقدر ما تحافظ عليه، بدل تعريضه للضياع، في لحظة قد يغلب فيها الاندفاع أو تسيطر فيها أنماط التفكير والممارسة القديمة وثقافة النضال السري. وتخطئ حركة 18 أكتوبر بجميع مكوناتها إذا استهانت بمكسب القانونية. كما تخطئ حين لا تحافظ على التمايز بين الفضاء ين الحزبي والجمعياتي.
هذا التراجع في حركة 18 أكتوبر سمح للسلطة باستعادة المبادرة مجددا و الخروج من حالة الارتباك و الإنهاك التي سببها الضغط الإعلامي الهائل الذي سلط على تردي الوضع السياسي والحريات عقب قمة المعلومات . فشدّدت قبضتها مجددا على المجتمع المدني و حاولت تحويل الأنظار والاهتمام من مسألة الحريات والإصلاح السياسي التي فرضها إضراب 18 أكتوبر، الى موضوع الاستقطاب الذي تحبذه و تروّج له و تعمل عليه محليا و خارجيا منذ مطلع التسعينات . اعني الخيار بين نظام سياسي حداثي و مجتمع مدني بلا إسلاميين تمثله السلطة و من يقف معها، مقابل مشروع سياسي رجعي و متطرف و مغذي للإرهاب يمثله الإسلاميون ومن يتحالف معهم .
و في هذا السياق تفهم الحملات الصحفية ضدّ حركة 18 أكتوبر و انخراط بعض الأطراف السياسية فيها على غرار” الشيوعيون الديمقراطيون ” أو ” الحزب الاشتراكي اليساري” لا حقا و ” حزب العمل الوطني الديمقراطي ” اللذان ركزا على نقد التحالف مع حركة النهضة و أدانا أي عمل مشترك معها و ذهبا الى حدّ اتهام 18 أكتوبر بمحاولة فرض اختيارات من الخارج .
جاء في بيان أمضاه 26 عضوا من الحزب الاشتراكي اليساري مؤرخا في 12 ديسمبر 2006 ما يلي ” لقد وضح البيان الصحفي بما لا يدع مجالا للشك أن الإضراب تم الإعداد و التخطيط له بالاتفاق التام بين الحركة الديمقراطية و اليسارية و حركة ” النهضة ” على عكس ما كنا سمعناه من تصريحات و أن ” هيئة 18 أكتوبر ” ليست إلا إعلانا عن هذا التحالف الصريح بين جميع هذه الأطراف .
و على هذا الأساس نؤكد أن هذا التحالف الجديد لا يقدم بالحريات الديمقراطية بل يمثل خطرا جديدا عليها لأنه يبث الوهم حول ديمقراطية ” حركة النهضة ” و يلعب دور الوسيط من أجل إشراكها في الحياة السياسية و في السلطة كما يروج له “مشروع الإصلاح الأمريكي ـ الأوروبي”.
4 ـ 2 ـ خطاب سوداوي يقوم على التنافي.
يمكن اتخاذ بيان هيئة 18 أكتوبر المؤرخ في 17 مارس 2006 بمناسبة مرور 50 سنة على استقلال تونس نموذجا للخطاب السوداوي ذي النبرة العالية جدا، الذي نعدّه أحد سلبيات هذه الحركة . استعمل البيان عبارة ” الاستقلال السياسي لتونس ” دون عبارة الاستقلال في نزعة يسراوية غير خافية و في قطيعة مع الخطاب السائد حول استقلال تونس الذي يفخر به التونسيون رغم نواقصه . لم يشر البيان الى أية مكاسب تحققت خلال خمسين سنة من الاستقلال، و اكتفى بتضخيم الإخفاقات، بما يرسم صورة قاتمة عن الوضع لا تبعث على أي تفاؤل. ” إن خمسين عاما من حكم النظام القائم أكدت عجزه عن تحقيق تنمية و طنية شاملة تستجيب لمقتضيات النهوض بالبلاد و تضمن مقوّمات العيش الكريم للشعب ، فتفاقمت التبعية و هدرت الثروات العمومية و تفشى الفساد و الإثراء غير المشروع و تعمقّت الإختلالات الاجتماعية بين الفئات و الجهات ، و انتشرت البطالة بما في ذلك في أوساط أصحاب الشهادات العليا و تدهور مستوى العيش ، و تلاشت تدريجيا المكاسب المحققة في مجانية التعليم و الصحّة و تفاقمت الجريمة و حلّت بالمجتمع أزمة قيميّة غير مسبوقة و شهدت البلاد تصحّرا ثقافيا خطيرا بفعل القيود المضروبة على حرية الإبداع و النشر .
كما أكدت تنكر الحزب الحاكم لتضحيات الشعب التونسي و طموحات الحركة الوطنية و ذلك بإرساء نظام استبدادي قائم على الحكم الفردي المطلق ، و إلغاء دور المؤسسات و طغيان جهاز الأمن و المخابرات على الحياة العامة و فق أسلوب استثنائي قائم على ” التعليمات ” عوضا عن القانون رغم علاّته . وقد أقامت السلطة المنبثقة عن هذا النظام علاقتها بالمجتمع على أساس الإخضاع و فرض الوصاية على كل تعبيراته المدنية و السياسية و ألغت جميع الحريّات و جرّمت ممارستها ، وأحالت الآلاف من المواطنات و المواطنين من مختلف التيارات السياسية و الفكرية و من النقابيين و الحقوقيين على المحاكم و زجت بهم في السجون و واجهت بالقمع الوحشي الحركات الاجتماعية الكبرى التي عرفتها البلاد (جانفي 1978 ، جانفي 1984…)
كما زيفت على مدى نصف قرن الإرادة الشعبية و منعت حصول أي تداول على السلطة وجعلت من الرئاسة مدى الحياة قاعدة للحكم . و بقدر تفاقم أزمة شرعية نظام الحكم نتيجة ذلك ، ازداد ارتهانه بالخارج و الاستقواء به على الشعب و قواه الديمقراطية المطالبة بالتغيير و مضى في استفزاز المشاعر الوطنية للشعب التونسي بإقدامه على التطبيع السافر مع إسرائيل و التخلي عن واجب التضامن مع القضايا القومية العادلة في العراق و فلسطين .. .)[7]
وفي تناقض واضح مع هذا البيان، أصدرت هيئة18 أكتوبر في 8 مارس 2007 وثيقة حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين[8] عددت فيها المكاسب النوعية التي تحققت للمرأة التونسية على مستوى التشريعات في مجلة الأحوال الشخصية فيما يتصل بالأسرة وبالتربية والتعليم وفي ميدان الشغل وفي مجال الحقوق المدنية والسياسية، وأكدت الهيئة تمسكها بهذه المكاسب وعزمها الراسخ على المحافظة عليها والدفاع عنها في وجه كل تهديد.
إن مقارنة بين الوثيقتين تبرز أن الجامع بينهما هو منطق التنافي الذي لا يثبت الأنا إلا بنفي الآخر. فوثيقة الهيئة حول المرأة تعمدت عدم الإشادة أو حتى الإشارة إلى دور السلطة في العهدين البورقيبي أو النوفمبري في تحقيق تلك المكاسب، ونسبتها فقط إلى جهود المصلحين من المفكرين و إلى ” النضال الدؤوب الذي خاضته حركات نسائية من مختلف المشارب الفكرية ” . هكذا إذن تنسب المعارضة لنفسها ما تنفيه عن السلطة و توظف المعطيات بحسب السياق و المصلحة ، دون توازن أو موضوعية في الخطاب . فإذا كان الأمر متعلقا بتقييم أداء السلطة جاء الحصاد سوداويا . و إذا تعلق الأمر بالتهديدات المزعومة من التيار الإسلامي بمكتسبات الحداثة ارتفع سقف تلك المكاسب و بدت الصورة وردية.
4ـ3ـ الانزياح عن البرنامج السياسي إلى الخيار المجتمعي و عن العمل المشترك إلى الجبهة .
التقى المشاركون في إضراب 18 أكتوبر من تيارات فكرية و أحزاب سياسيـــــــــــة و جمعيات مختلفة على ثلاثة مطالب جعلوها أرضية للعمل المشترك، و كان لإلتقائهم و توحدهم على هذه الأرضية الدنيا أفضل الأثر في الأوساط التي ساندتهم بالداخل و الخارج. هذا الالتقاء على ما بات يعرف ” بالحد الأدنى الديمقراطي ” كان يمكن أن يشكل أرضية صلبة للنضال الميداني المشترك باتجاه مزيد من دعم رصيد الثقة بين الأطراف و توسيع دائرة المنخرطين فيه . ناهيك أن المطالب الثلاثة في تحرير الإعلام وحق التنظّم وسن قانون للعفو العام على المساجين يحتاج تحقيقها إلى فترة زمنية ليست بالقصيرة.
لكن لأسباب و ضغوطات و حسابات متعددة ، كانت الرغبة شديدة في عدم التقيّد بالحد الأدنى والتطلع الى ما هو أوسع و أشمل و ربما أهم . و بسرعة تم الانزياح على البرنامج السياسي إلى الخيار المجتمعي و من العمل المشترك إلى الجبهة السياسية . و في هذا السياق جاء الإعلان عن أرضية ” منتدى 18 أكتوبر ” والتي ورد فيها ” أن مكونات المعارضة تدرك أيضا أن هذا الحد من الحريات الأساسية لا يمثل على أهميته ، سوى مدخل لما تقتضيه المرحلة التاريخية الراهنة من تغيير يقطع مع الاستبداد و يؤسس لحياة سياسية حرة . ولا يمكن لقوى المعارضة أن تحقق هذا التغير مجتمعة إلا إذا اتفقت على أسس النظام الديمقراطي البديل.
وهكذا وضعت هيئة 18 أكتوبر نفسها ضمن مسار صعب في محاولة لطمأنة أطراف خارجة عنها ربما أكثر من ضمان الثقة بين مكوناتها.
لا شك أن التقاء العلمانيين و الإسلاميين في إطار مشترك ووحدة نضالهم و محاولة تجسير الخلافات بينهم بضغط بعضهم على البعض الآخر ، انجازات هامة تحسب لحركة 18 أكتوبر وتحتاج الى مزيد من الدعم و التطوير في تونس و في غيرها، وربما يكون التقدم على هذا المسار من أهم عوامل نجاح حركات التغيير الديمقراطي في العالم الإسلامي. لكن الخشية تظلّ قائمة على أن تصطدم إرادة الوحدة بحقيقة الاختلاف. وأن تسود إرادة في فرض نمط واحد من التفكير في تناقض صارخ مع شعرات التعددية و الاختلاف و العمل المشترك. فقد يكون الصراع الديمقراطي بين التوجهات التحررية والتوجهات المحافظة، أقرب للواقع وأفضل لتطور المجتمعات من محاولة طمس الاختلافات.
و لما كانت المسائل الخلافية المعلنة كقضايا للحوار ذات صبغة دينية غير خافية ، وتتصل بالرؤية الاجتماعية أكثر من البرنامج السياسي ، و تحيل على الطرف الإسلامي ، فإن الخشية تتجه إلى ” انتقال الإسلاميين من الملاحقة الأمنية إلى الملاحقة الفكرية ” كما علّق أحد المتابعين للحوار الدائر داخل هيئة 18 أكتوبر في مقالة متميزة .(9) أو نزوعهم إلى المناورة الفكرية التي لا تعكس حقيقة قناعاتهم.
ولعل من المهم في هذا السياق التنبيه إلى التعارض أو التوافق بين صيغ العمل المقترحة ومضامين الحوار الفكري المعلنة. فهل يستلزم العمل المشترك على تحقيق مطالب محدودة الاتفاق على برنامج سياسي بديل للحكم ؟ و هل تملك الأطراف المكونة لحركة 18 أكتوبر برامج سياسية واضحة و معلنة حتى تبحث في مدى التوافق بين تلك البرامج ؟ و إذا كان التوافق مطلوبا بين برامج الأحزاب السياسية فما موقع الجمعيات و الشخصيات في هذا التوافق ؟ و هل يكفي الاتفاق على أسس النظام الديمقراطي لتتوحد الأحزاب في جبهة سياسية و تقدم نفسها بديلا عن الحكم القائم؟ وإذا كان المطلوب توافقا كاملا فلم تعدد الأحزاب والأطراف إذن؟
هذه الأسئلة و غيرها مما يمكن أن تستتبعها، تحيل على أزمة جوهرية في حركة 18 أكتوبر تتعلق بتحديد هوية الحركة، وذلك بضبط دقيق لمطلقاتها وأهدافها وبرامج عملها وأجندتها الزمنية ووسائل بلوغ مراميها .ولعل فكرة وحدة المعارضة كما هي مطروحة الآن داخل الحركة، بحاجة إلى إعادة نظر جذرية.
4 ـ 4 ـ أهداف مختلفة غير معلنة واستراتيجيات متباينة.
منذ التخطيط لإضراب 18 أكتوبر وتنفيذه ظهرت خلافات حول الشخصيات المشاركة و رمزية تمثيلها وهل كان بعض المضربين يمثلون الهيئات التي ينتسبون إليها أم يصدرون عن مواقف شخصية تلزمهم وحدهم . وتجددت الخلافات بمناسبة تشكيل اللجنة الوطنية لمساندة الإضراب وتحديد أعضائها و مقاييس ضبط التوازنات داخلها . كما تشكلت هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات عقب إنهاء الإضراب وسط أجواء خلافية . واستمرت هذه الخلافات تعتمل داخل الهيئة بما لم يساعد على وحدتها و دعم رصيد الثقة بين مكوناتها .
فليس من السهل أن تلتقي أهداف الأحزاب أو القيادات الحزبية مع أهداف قيادات الجمعيات أو الشخصيات المكونة للهيئة. وربما كان ذلك وراء انسحاب بعض الأعضاء أو هامشية دور آخرين أو ضمور حماسهم و مشاركتهم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(9) نور الدين ختروش، مجلة كلمة(الكترونية شهرية)،العدد52،أفريل 2007
كان المؤمل من تنويع رمزية الأعضاء و توسيع الهيئة الى 24 عضوا خلق القوة و حشد التأييد لحركة 18 أكتوبر . لكن الأمور لم تكن كذلك في الواقع . فالهيئات الممثلة لا تتوفر على قاعدة جماهيرية دنيا يمكن أن تخلق الزخم الميداني المطلوب مما أضعف شعبية الحركة. وبعض الرموز أو القيادات لم يحصلوا على تفويض ديمقراطي معلن في قرارهم بالمشاركة باسم الهيئات التي ينتسبون إليها مما عسّر دورهم في حشد التأييد . و بعض الأطراف أو الشخصيات اكتفت بتسجيل حضورها لأجندة شخصية أو للتغطية عن ضعفها دون قناعة بالمسار أو قدرة على التأثير فيه. كما أن ظروف العمل السري للهيئة أربكت أداءها و أضعفت اجتماعاتها و لم تتح لها التواصل الأدنى مع القاعدة الجماهيرية التي يفترض أن تمنحها دعمها.
و هكذا تجمعت الأسباب التي حالت عمليا دون تحول الهيئة إلى حركة ، و بدت المواقف الصادرة عن الهيئة لا تلزم إلا من يشاركون في اتخاذها . بل ربما أصبح الحديث عن هيئة من عدة أشخاص أدق من الحديث عن حركة18أكتوبر.
و إذا استحضرنا قائمة التجارب العديدة الفاشلة في العمل المشترك و في التحالفات التي لم تعمر طويلا ( الثلاثي ، الرباعي ، الخماسيى…) التي عرفتها المعارضة التونسية خلال العقدين الأخيرين خاصة ، تزداد المخاوف عن مصير حركة 18 أكتوبر.
و تظل مسألة غموض هوية الحركة المشار إليها فيما سبق ، إضافة إلى أزمة الثقة و أزمة الزعامة و مسألتي العلاقة بالسلطة و العلاقة بالخارج من أهم المسائل التي يرتهن إليها مستقل الحركة.
فعلى سبيل المثال لا يخفى على المتابع للمواقف المعلنة و الجدل الدائر في صفوف الإسلاميين من حركة النهضة بالداخل و الخارج ، نزوع تيار غالب إلى تحقيق مصالحة مع النظام القائم و طي صفحة الماضي ـ مع اختلافات جزئية في طبيعة الحل ـ ونحسب أن المشاركين في هيئة 18 أكتوبر من القيادات السابقة لحركة النهضة ، يدعمون خيار المصالحة و يدفعون باتجاهه وربما لم تتوفر لهم الظروف إلى حد الآن للتعبير عن أنفسهم داخل الهيئة. وهذا توجه لا يتوافق مع نزوع بعض الأعضاء الآخرين إلى توتير العلاقة بالسلطة و العمل في أفق القطيعة معها.
كما لا تخفى الخلافات غير المعلنة داخل هيئة 18 أكتوبر ذات الصلة بهذين التمشيين، حول طبيعة المهمة السياسية التي تطرحها المرحلة الحالية بين من يستهدفون تحقيق انفراج سياسي من خلال تكثيف الضغط على السلطة في موضوع الحريات و بين من يسعون إلى تأهيل الحركة إلى خوض معركة تغيير الحكم و تقديم البديل عن النظام القائم .
ويبدو موضوع زعامة الحركة غير محسوم بل مستبعد الحسم في علاقة بهذا الخلاف.
4 ـ 5 ـ ضعف في الخيال السياسي و في قوة الاقتراح.
تبدو أساليب عمل هيئة 18 أكتوبر ودرجة تواصلها مع القوى الحية في المجتمع التونسي والأوليات التي تشتغل عليها، و علاقاتها بجيران تونس، مستويات للنظر و التقييم، لا تبعث على الارتياح لأداء حركة 18 أكتوبر.
فهي حركة منقطعة تماما عن الشباب رغم تبنيها الظاهر لقضاياهم. لا أثر لهذه الحركة في أوساط الطلاب بالمؤسسات الجامعية و لا في تحركات المعطّلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا و لا في التعبيرات الثقافية التي التي ينتجها الشباب كالأغاني النقدية . و لا تمثيل للشباب في هيئة 18 أكتوبر و لا أدبيات للهيئة تعمق البحث في مشكلات الشباب و لا حلول مقترحة تفتح الجسور معهم.
و من جهة أخرى إن أولوية الحريات و الصراع اليومي مع السلطة على هذا الصعيد لم يتح لحركة 18 أكتوبر النفاذ إلى القضايا الاجتماعية و المعاناة اليومية لعموم المواطنين و للأوساط الشعبية منهم خاصة . و لم تفلح الحركة و المعارضة عموما في إقناع المواطنين و تعبئتهم فعليا على أولوية مطلب الديمقراطية . ولا تبدو حركة 18 أكتوبر مرشحة لاختراق ما على هذا المستوى رغم توسع التذمر بين المواطنين من سياسات السلطة.
هذا و إن الأساليب التقليدية في الاعتماد على إصدار البيانات محدودة الانتشار أو عقد اجتماعات خطابية على ندرتها داخل قاعات مغلقة و صغيرة و في وسط جمهور متكرر و مألوف، إضافة إلى محاصرة السلطة الشديدة للأنشطة، من العوامل التي لا تساعد على مثل الاختراق المشار إليه في الأوساط الشبابية أو الشعبية و هنا تبرز قضية التواصل كإحدى الهنات غير المبررة في حركة 18 أكتوبر. فهذه الحركة بعد عام ونصف من انطلاقها ليس لها موقع الكتروني بشبكة الإنترنت و ليس لها مدونون و لم تصدر عنها أية مبادرة أو اقتراح لكسر الحصار الإعلامي إضافة إلى ضعف استعمالها التقنيات الحديثة في التواصل مع التونسيين.
كما لم تفتح هيئة 18 أكتوبر أية جسور مع أطراف سياسية فاعلة بالبلدان المجاورة لتونس ، سواء على الصعيد الرسمي أو مع المعارضة، بما يجعلها حركة محلية لم تستوعب بعد أهمية الوضع الإقليمي أو الدولي في تحديد مستقبل الحكم في أي دولة. بما لا ينم على نضج سياسي يرتقي بالحركة الى مستوى تطلعاتها.
تلك مؤشرات نسوقها للتأكيد على أن حركة 18 أكتوبر التي تبدو في عجلة من أمرها في إعلان هدفها في القطع مع الاستبداد و إرساء النظام الديمقراطي البديل، لا تأخذ بالأسباب الدنيا و لا بالوسائل الضرورية لبلوغ هدفها. و تحجب عنها الإرادوية الوعي الموضوعي بمعطيات الواقع المعقدة وميزان القوى.
5- توازن الضعف بين السلطة والمعارضة لا يفتح أفقا للإصلاح السياسي.
التقييم السابق لحركة18 أكتوبر، اعتمدنا فيه أساسا على أدبيات هذه الحركة ومدى تقدمها في إنجاز ما رسمته لنفسها من أهداف، وبحثنا في أسباب تعثرها من خلال مكوناتها واختياراتها، أو صعوبة الظروف التي واجهتها. هذا التقييم لا نراه يكتمل إلاّ بالتعرض للمستقبل الذي نراه لهذه الحركة في ضوء قراءتنا للمشهد السياسي التونسي من خلال واقع العلاقة بين السلطة والمعارضة واحتمالات تطورها.
الفريق الحاكم اليوم في تونس فقد بريقه و دخل مرحلة من الترهل بعد 19 عاما على رأس السلطة . تقلصت النخبة التي يعتمد عليها في تنفيذ برامجه وقلت مبادراته الى حد العجز عن الاقتراح وتعدد خصومه و تكاثروا و توسعت دائرة التذمر من تداعيات سياساته المختلفة و بدت بعض خياراته الاقتصادية و التعليمية و الثقافية تعطي نتائجها العكسية . صحيح أن أجهزة السلطة ما زالت متماسكة و تتحكم بنبض الحراك الاجتماعي و السياسي و تمسك بالأمور بقبضة حديدية. لكن صحيح أيضا أن كابوس الخوف الذي خيّم على المجتمع طيلة التسعينات آخذ في التراجع و أن سقف الخطاب السياسي المعارض ارتفع و أن قطاعات عديدة باتت تعبر عن عدم الرضى.
فظاهرة التدين في تونس اليوم أكثر انتشارا ومخاطر التطرف أكثر بروزا والتحدي أكثر إلحاحا وإن تأخر وجهه السياسي. وليست المواجهات المسلحة بين قوات من الأمن والجيش وعناصر من الشباب المنتسبين للسلفية الجهادية نهاية عام2006ومطلع العام الحالي سوى دليلا على ذلك وناقوس خطر ثان بعد إضراب 18 أكتوبر2005.
وإذا كان النهج الأمني الذي اعتمدته السلطة، وراهنت عليه، لم يجد في استئصال الظاهرة الاسلامية، فإنه أعجز على استئصال المعارضة برمّتها. كما أن حالة التعطّّّل السياسي و انسداد الأفق وعدم المبادرة بانجاز الإصلاح المطلوب أو العجز عن ذلك ، عوامل تضعف السلطة ولا تقويها.
لقد جربت السلطة سياسة التخويف و تكميم الأفواه ومقايضة الصمت بالغذاء وسجن المعارضين والتضييق عليهم وتهديدهم في أملاكهم وحرياتهم، لكن تلك السياسة لئن أضعفت المعارضة فإنها لم تستطع شطبها و لم تنجح في استئصالها . و ربما توافق ” تمرّد ” عدد من النشطاء الحقوقيين و السياسيين على الوضع و تجاسرهم على الصدع بآرائهم الجريئة و تحملهم لمسؤولياتهم و إصرارهم على ممارسة مواطنتهم ، توافق ذلك مع مناخ دولي وإقليمي جديد كان من أهم سماته الثورة العارمة في ميدان الاتصال التي شملت العالم العربي و كسرت توق التعتيم الإعلامي الذي طالما استفادت منه الأنظمة الاستبدادية . و تبلور تيار عالمي يدعو إلى الديمقراطية و حقوق الإنسان و المشاركة الشعبية في الحكم و اعتماد الشفافية في المعاملات وتحرير الإعلام، وهو ما تكرس في السنوات الأخيرة عبر أجندة دولية تضع الإصلاح السياسي و الحكم الراشد على سلم الأولويات خاصة في علاقة الدول الغربية بالدول العربية و الإسلامية . و قد بادرت بعض الأنظمة التي وعت الدرس و أدركت حيوية الاستحقاقات الجديدة بتغيير بعض سياساتها رغبة في التأقلم مع المرحلة، فظهرت مبادرات للانفراج في أكثر من عاصمة عربية .
و في ظل هذا المناخ الجديد أصبحت درجة الانغلاق التي ينتهجها النظام التونسي حالة استثنائية و صارت سياساته عبئا عليه في الداخل و الخارج . فبسبب ممانعته أ و تردده أو عجزه عن الإصلاح السياسي، يزيد ملف الحريات و حقوق الإنسان بتونس ثقلا على النظام بما يؤجج حالة الاحتقان الداخلي و يضر بسمعته بالخارج و ينعكس سلبيا على مسار الاستثمار و التنمية محليا وعلى الموقع التفاوضي لتونس خارجيا . و إذا كان ذلك مؤشرا على ضعف الحكم وعلى الصعوبات التي تواجهه، فانه ليس دلالة بالضرورة على قوة المعارضة أو رجحان كفة الميزان لصالحها ، و الأهم من ذلك ليس مؤشرا على قرب الانفراج أو فتح أفق واعد للتونسيين .
المفارقة المفزعة التي أروم التوقف عندها في هذا السياق هي أن الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي ترشح المعارضة افتراضيا لتكون بديلا عن الحكم ، يقابلها في الواقع ضعف ميداني لهذه المعارضة و ترهل لأساليب عملها و دعايتها وخواء في خطابها وضمور في قدرتها على الاقتراح وعجزها عن الاستقطاب وعن محورة مختلف مظاهر الاحتجاج في القطاعات والشرائح المتعددة، حول المطلب الرئيسي الجامع الذي ترفعه وهو الإصلاح السياسي، والاستفادة من العوامل الخارجية في دفع هذا المطلب والتعبير عنه في شعارات محددة وواضحة و معبئة ، و بخطاب عصري يستلهم روح اللحظة التاريخية و يفهمه الجميع .
على المعارضة أن تبدأ بإصلاح نفسها فتقر بحق الاختلاف وتتبادل الاعتراف بين جميع مكوناتها وتبني الثقة بينها في إطار تنافسي. فالمعارضة ـ كل المعارضة ـ للأسف تعاني من عدم الاعتراف بشرعية خصومها، مما يؤجل توحّدها على أرضية مشتركة وظهورها كقوة ضاغطة على السلطة .
ويكفي أن نستحضر ما يقوله في السر وأحيانا في العلن فريق من المعارضة على فريق آخر، بأن استمرار الوضع الحالي أفضل من أن يمكّن هذا الفريق أو ذاك من السلطة. و رغم أن هذا التمكن محض افتراض بحسب معطيات الواقع بالطبع، فانه يعكس عدم ثقة المعارضة يبعضها ، و يوجه الصراع إلى داخل هذه المعارضة أكثر مما يدفعه باتجاه السلطة، التي تتقن جيدا إدارة هذه اللعبة ،وتحرك خيوطها المختلفة لتغذي الخلافات الداخلية ، وتكون المستفيد الأكبر من سياسة فرق تسدّ المعروفة جدّا .
على المعارضة أن تراجع تعليل ضعفها بحالة القمع، و أن تدرك أن الخوف وحده لا يفسر حالة العزوف على الانخراط في الأحزاب و الجمعيات و الاهتمام بالشأن العام لدى النخب خاصة والجمهور الواسع عامة، ولعل استقطاب السلفية الجهادية لمئات الشبان،كما يظهر من خلال الإيقافات والمحاكمات، أكبر تحد للمعارضة الديمقراطية على هذا الصعيد. إن الشعور بالإحباط وعدم جدوى صيغ العمل المقترحة للتغيير وأزمة الثقة بالمعارضة نفسها و بقدرتها و مصداقيتها، عوامل لا تقل أهمية عن الخوف في تعليل هذا العزوف و انحسار المد الجماهيري للمعارضة. فالقوة الميدانية وحدها تؤهل المعارضة للضغط الحقيقي على الحكم و حمله على القبول بالمطالب المشروعة في الإصلاح . ويجعل هذه المعارضة قوة تغيير فعلي .
إننا إذ لا نغفل الظروف الصعبة التي تعمل فيها المعارضة و أهمها القيود المفروضة على حرية التنظم و الاجتماع و الحصار المالي و التعتيم الإعلامي و الحرمان من الفضاءات العمومية و المحاصرة الأمنية لمقراتها و تحركات مناضليها، بما يضاعف من مشاكلها ويضعف قدراتها و يفرض عليها نوعا من العزلة و يحرمها من الاستفادة من الكفاءات الوطنية في مختلف المجالات التي تبقى حكرا على الفريق الحا كم آو في حالة عطالة ، فإن استحضارنا لهذه العوامل الموضوعية لا يجب أن يكون الشجرة التي تخفي الغابة . فلا شيء يبرر على سبيل المثال الفقر الفادح في إنتاج المعارضة من أحزاب و جمعيات مستقلة لتقارير ودراسات معمقة حول المواضيع التي تشتغل عليها كأوضاع التعليم و لصحة والخدمات الاجتماعية أو مشاكل الشباب وتحديات التشغيل أو بطالة أصحاب الشهادات أو سياسة التطبيع أو ممارسة التعذيب أو أوضاع السجون أو إدارة ألأموال العمومية أو التصرف في الثروة الوطنية أو حالة الاستثمار أو معدلات التنمية أو تطوير الإدارة أو تغيير المنظومة القانونية أو تعديل نظام الجباية أو التأمين … أو غير ذلك من المواضيع العديدة التي تلامس مشاغل مختلف القطاعات و الشرائح و تكشف عن الهنات و تبرز الضرر اللاحق بالمواطنين وبالمصلحة العامة و تقترح حلولا ممكنة لم ترتئيها الحكومة أو تبدو عاجزة عن إقرارها بسبب معطياتها المزيفة عن الواقع أو تقاعس من المسؤولين أو تعارضها من اختيارات كبرى ومصالح حيوية للفريق الحاكم . فبقوة الإقتراح تكسب المعارضة الإحترام، وتكسب الأنصار، وتحرج الفريق الحاكم.
إن برهنة المعارضة على مسكها الجيد للملفات الكبرى و قدرتها على التحليل و الاقتراح وتوظيفها الجيد لإطاراتها وطاقاتها شروط لا بد منها للانتقال من حالة الاحتجاج إلى الظهور كقوة تغيير، و نقلة العمل السياسي من دائرة الضغط النخبوي المحدود إلى الفعل الجماهيري المؤثر . و إن تغيير المعارضة لأساليب عملها و تعاملها مع القضايا التي يطرحها المجتمع ، وتجاوزها الحضور ألمناسباتي إلي الفعل الدؤوب ، جسر عبور إلى وضع سياسي أفضل . وبمختصر العبارة نقول إن حمل السلطة على الإصلاح يمر عبر مباشرة المعارضة لإصلاح ذاتي.
إن ما يمكن أن نصفه بحالة توازن الضعف بين الحكم و المعارضة لا يفتح افقأ سياسيا و لا يساعد على حلحلة الوضع ودفعه نحو الأفضل . و إن استمرار حالة التعطل السياسي و انسداد الأفق من شأنه أن يبعث على الخوف و يفتح على المجهول و يشل طاقات المجتمع. لذلك يبدو انه لا أفق لتجاوز هذا المأزق السياسي إلا عبر إعادة صياغة العلاقة بين الفاعلين السياسيين في السلطة و في المعارضة، على أساس التعاقد على إقرار حق الاختلاف وحرية التنظم والاعتراف بشرعية الخصوم السياسيين. والقبول بالمنافسة بدل التنافي.
فهل تُقبل حركة 18 أكتوبر على مراجعة مسارها و تتدارك أسباب تعثرها في ضوء التقييم الذي تقدّم بسطه، والمشهد السياسي الذي تم عرضه؟ إن كان هذا الأمر يرجع إلى القائمين عليها وإلى المكونات السياسية التي تتشكل منها، فإن التقييم الذي نحن بصدده، والبحث في سبل تحسين أداء حركات التغيير الديمقراطي ونجاحها، يقتضيان بسط مسار معدّل لحركة 18 أكتوبر من خلال ما تقدم .
6- حركة 18 أكتوبر بين خيار الإصلاح المرحلي وخيار القطيعة والمواجهة.
يشق المعارضة التونسية خياران رئيسيان. خيار الولاء الذي تمثله الأحزاب الممثلة بالبرلمان، وخيار القطيعة الذي تنخرط فيه حركة 18أكتوبر أو هكذا تتجه. وكلا الخيارين يبدوان في مأزق. السلطة لم تقبل إلا بمعارضة تأتمر بأمرها و تقبل أن تتخلى كليا عن استقلالية قرارها، أي عمليا إلغاء وظيفتها الرئيسية، مما أدى إلى فقدان أحزاب الموالاة لكل مصداقية وجعلها طيعة تحركها الحكومة كيف ما تشاء، وهي أسوأ صورة يمكن أن نتصورها للإصلاح السياسي. وليس من المنطق ولا من الحكمة مستقبلا تكرار الانخراط في علاقات من هذا النوع مع السلطة.
من جهة ثانية، لم تلتف الجماهير حول مطالب المعارضة المستقلة، و لم تستطع هذه الأخيرة فرض التغيير على النظام. لم تستطع المعارضة أن تبني القوة الميدانية و أن تبرز كبديل محتمل و مقنع عن السلطة القائمة. ولم يساعد توازن الضعف بين السلطة و المعارضة على فتح أفق سياسي للمجتمع. وصار التساؤل مشروعا عن إمكانية أن تفضي القطيعة بين السلطة و المعارضة و حوار الصم بينهما إلى حلحلة الوضع السياسي.
إن غياب أي علاقة بين المعارضة المستقلة و السلطة أمر مرفوض وغير عادي، وهو مؤشر على الانغلاق والعلاقات المتشنجة. لأنّ السلطة لا ترى العلاقة إلاّ تبعية مطلقة ومفرغة من أي بعد سياسي أو تنافسي. و لا تؤمن إلا بالحلول الأمنية لإدارة الصراع مع معارضيها. والدعوة إلى القطيعة مع السلطة تكريس للأمر الواقع وتشجيع عليه. و ربما حان الوقت لإعادة صياغة طبيعة هذه العلاقة.
المعارضة لست في صراع وجود مع السلطة بل في صراع أفكار، تتأثر وتؤثر. منطق التنافي، والعمل على “استئصال المنافس” ليسا من قاموس التنافس السياسي السلمي. والضغط العالي والعجلة في الأمر لا يعملان بالضرورة لصالح هدف الإصلاح السياسي، و قد يعملان على تنمية تيارات استئصاليه داخل السلطة أو خارجها. إدارة الصراع السياسي تستوجب الاعتراف بالآخر و احترام آرائه.
حين نقيّم الأداء السياسي لحركة 18 أكتوبر و نبحث عن أسباب عدم توفقها إلى حلول عملية تخرجها من حالة التهميش والإقصاء التي هي عليها, نجد أن أهم تلك الأسباب عدم التناسب بين ضعفها وسقف مطالبها الذي يبدو أعلى من حجمها. فإذا رامت السير نحو الهدف السياسي بنسق أفضل وبفاعلية، يترتب عليها الأخذ بمبدأ الواقعية السياسية, الذي يملي عليها تمشيا مرحليا في الإصلاح.
مرحلية الإصلاح تمليها القراءة السليمة لموازين القوى والواقع السياسي. وهذا يتطلب الاستعداد والقبول بالتحرك في إطار ما يتيحه الواقع و في بيئة صعبة و في واقع مكبل و معيق.وهذا ما يتطلب تعاملا واقعيا وذكيا مع مسألة القانونية. صحيح أن التقيُد بالقانون يعطي إحساسا بالضيق و التكبيل و لكن النجاح من خلاله أصلب و أمتن .
مرحلية الإصلاح تتطلّب إدارة الصراع مع السلطة بشكل مختلف, كالبحث عن المشترك للبناء عليه, والقبول بحلول ناقصة في نطاق التفاوض. هذه المرحلية تتطلب أيضا إدراكا سياسيا للزّمن، لا يتحدد فقط بشرعية المطالب بل من خلال أخذ الواقع و تعقيداته بعين الاعتبار ووضع خطة سياسية تعمل على تحقيق التغيير المطلوب في أفق زمني واقعي. إنّ مثل هذا الخيار يعطي للتغيير السياسي بعده الواقعي ويخرجه من دائرة الرغبات والأحلام.
إن تبني حركة 18أكتوبر لخيار المرحلية في الإصلاح، قد يساعد على تجاوز كثير من معوقاتها ويقربها من أهدافها، في ظل صعوبات الواقع سالفة الذكر.
إن استمرار الانغلاق و الجمود في الحياة السياسية يشكل أكبر تحدّ للسلطة وللمعارضة على السواء. و عليه فإن الانفراج يشكل مدخلا رئيسيا لدفع مسار الإصلاح السياسي. فالانفراج مطلب عام يحظى بإجماع وطني في الداخل و يجمع عليه المراقبون و أصدقاء النظام في الخارج، بديلا عن حالة الانغلاق. الانفراج لا يأتي بطريقة عفوية وليس هبة من السلطة، بل ثمرة للنضال والتدافع.
تحقيق الانفراج ليس صفقة مطلوبة مع السلطة، و لا هدنة ولا مقايضة محتملة. إنه تمشّ سياسي تمليه التحديات الداخلية والخارجية المطروحة على البلاد كما تمليه تراكمات الماضي النضالية والتجارب السابقة ويبرره مشروع الإصلاح السياسي. فقد أثبتت الحلول الأمنية محدوديتها وفشلها وحجم مضاعفاتها السّلبية على كل جوانب الحياة. كما برزت للعيان محدودية المواجهة الشعاراتية وعدم فاعليتها في دفع مسار الإصلاح.
ومع أن مغانم الانفراج متواضعة على المستوى السياسي إلا أنها استراتيجيا تعتبر مكسبا وطنيا لأنها تؤسس لمرحلة جديدة تفتح أفقا أوسع للحريات والمشاركة والانتقال الديمقراطي السلمي والهادئ والحضاري. من هذا المنطلق فإن الانفراج يشكل مخرجا طبيعيا للجميع من علاقة متوترة ومتشنجة دامت سنين وكان الخاسر الأكبر فيها البلد وتطلعات شعبنا وتوقه للحرية.
أن نراهن على الانفراج يعني أننا نراهن على نضج المعارضة وعلى مسؤولية السلطة ووعيها بضرورة التعجيل بخطوات انفراجية. أنه اختبار سياسي لن يتسنى تحقيقه إلا بقناعة وبمسؤولية جميع الأطراف.
إن الدرس الذي يستنتجه التونسيون من دول الجوار، في التكلفة الباهظة لسياسات المواجهة والفشل الذر يع لخطط الاستئصال، وإن ما انتهت إليه المبادرات الوطنية الأخيرة من محاولات للمصالحة وطيّ صفحة الماضي رغم حدة الخلافات وعمق الجراح، إن كل ذلك يجعلنا نعجب لإصرار السلطة في بلادنا على إنكار الأزمة السياسية ورفض أي انفتاح على الخصوم وصمّ الآذان عن أي دعوات لمراجعة المسار ولتحقيق انفراج في الحياة السياسية.
إن من بيدهم السلطة يتحملون المسؤولية الكبرى في انزواء المعارضة إلى مربع الاحتجاج ودفعها إلى الإحباط والتشاؤم وربما التشدد، وعليهم يقع عبء المرحلة، وبإمكانهم قبل غيرهم، اتخاذ المبادرات قبل فوات الأوان، باتجاه تنفيس الاحتقان وفتح أبواب الأمل وإحلال التفاؤل بدل التشاؤم. فما هو مطلوب من السلطة للاستجابة لمطالب المعارضة والتفاهم معها، أيسر عليها بكثير وأقل تكلفة مما هو مطلوب منها إذا استمرت في محاصرة المعارضة وقمعها وتأجيل التغيير السياسي المستحق.
الانفراج مرحلة انتقالية هامّة، قد تطول أو تقصر حسب أداء المعارضة وفعاليتها وقدرتها على الاستفادة منها والعمل من خلالها لدفع مسار الإصلاح نحو الديمقراطية المكتملة. وهذا يتطلب من المعارضة ضبط أولويّاتها في ضوء هذا الهدف، والتحلّي بالصبر وعدم الانزلاق وراء مزايدات أو استفزازات وامتلاك قدره تفاوضية عالية ومسؤولية تنم عن نضج سياسي وبعد نظر في تناول ملفات هامّة. ولعل في برنامج حركة 18/10 المتمثل في المطالبة بإطلاق سراح المساجين السياسيين وتحرير الإعلام وضمان حرية التنظّم، أرضية جيدة للتفاوض في مطالب الانفراج.
هذا الخيار الذي نقترحه يتطلع إلى التغيير الديمقراطي في أجواء من الانفراج والقبول بمبدأ التدرج مع الإبقاء على عنصر الضغط السياسي. مثل هذا الضغط ساهمت فيه عديد مكونات المجتمع المدني خلال الفترة الماضية (الرابطة, المحامون, القضاة, الجامعيون, النساء و الطلبة…) ويمكن أن يشارك فيه رجال الأعمال و هياكلهم مستقبلا، و إن بدوا اليوم كحلفاء للسلطة. و يمكن أن تمارسه أيضا منظّمة الشغّالين. هذا الخيار يستفيد من تضافر القوى و مراكمة الجهود، ويعزز الفعل السياسي للتأثير في الأحداث وكسب الفاعلية و تنشيط العملية السياسية.
خاتمة
إن حركة 18 أكتوبر على نواقصها المشار إليها فيما تقدم، تظلّ مكسبا للمعارضة وإضافة نوعية للمجتمع وربما سابقة قد تؤسس لمبادرات مماثلة تحتاجها سائر البلدان العربية و الإسلامية. إن المتشائمين بمستقبل هذه الحركة بناء على ما يرونه من تناقض في الجوهر بين المكونات الفكرية واستحالة اللقاء بين العلمانيين والإسلاميين ، قد يخيب ظنهم .
فمثل هذا اللقاء استراتيجي و تاريخي، وهو ثمرة لمراجعات فكرية عميقة في الفكر العربي والإسلامي على مدى العقود الثلاثة الأخيرة خاصة. . فعلى سبيل المثال سبق للمفكر المغربي المعروف محمد عابد الجابري أن تحدث في الثمانينات من القرن الماضي عما أسماه ” الكتلة التاريخية ” وهي تحالف وطني جديد يضم جميع القوى الفاعلة في المجتمع والتي من مصلحتها التغيير في اتجاه تحقيق الأهداف الوطنية في التحرر والديمقراطية وتحقيق تنمية مستقلة، لا يستثنى منها أي طرف من الأطراف إلا ذلك الذي يضع نفسه خارجها و ضدّها. ولم يستبعد في تحديده للقوى المرشحة لهذه الكتلة في بلد مثل المغرب، العناصر التي تعمل داخل الهيئة الحاكمة و المقتنعة بضرورة التغيير في اتجاه تحقيق الأهداف التاريخية المذكورة .و أحسب أن مثل هذا التصوّر يستوعب مشروع حركة 18 أكتوبر و يفتح لها أفقا ضمن مسار الإصلاح المتدرج والانفراج الذي فصلنا فيه القول فيما سبق.
إن التوافق على هوية سياسية واضحة لحركة 18 أكتوبر، ودعم رصيد الثقة بين مكوناتها، وتدارك أسباب تعثرها، برسم أهداف قابلة للتحقيق وتعديل الخطاب، وتطوير القدرة على الاقتراح، عوامل كفيلة بفتح آفاق لتوسّع هذه الحركة، واقترابها من تحقيق أهدافها.
* ناشط حقوقي وسياسي ـ تونس
[1] ـ أحمد نجيب الشابي : الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي
ـ حمة الهمامي : الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي
ـ عبد الرؤوف العيادى: نائب رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية
ـ العياشي الهمامي : رئيس لجنة الدفاع عن محمد عبو
ـ لطفي حجي : رئيس نقابة الصحفيين التونسيين
ـ محمد النوري : رئيس الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين
ـ المختار اليحياوي : رئيس مركز تونس لاستقلال القضاء والمحاماة
ـ سمير ديلو : ناشط حقوقي و سجين سياسي سابق
[2] انظر النص الكامل للبيان بجريدة الموقف عدد 344 بتاريخ 27/جانفي/2006
· أحمد نجيب الشابي ـ المنجي اللوز (الحزب الديمقراطي التقدمي )
· حمة الهمامي (حزب العمال الشيوعي التونسي)
· عبد الرؤوف العيادي ـ فتحي الجربي ( حزب المؤتمر من أجل الجمهورية)
· البشير الصيد ( التيلر القومي)
· أحمد الخصخوصي ( حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ـ الهياكل الشرعية )
· زياد الدولالي (إسلامي) ـ سمير ديلو ( إسلامي)
· لطفي حجي (صحافي)
· محمد النوري (الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين)
· مختار اليحياوي ( مركز تونس لاستقلالية القضاء و المحاماة)
· راضية النصراوي ( الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب)
· جلول عزونة ( رابطة الكتاب الأحرار)
· فتحي الشامخ( راد /أتاك تونس)
· عبد القادر بن خميس( المجلس الوطني للحريات)
· علي بن سالم (ودا دية قدماء المقاومين)
· خميس الشماري (مستقل)ـ العياشي الهملمي( مستقل) ـ أنور القوصري ( مستقل)
· الحبيب مرسيط ( مستقل) ـ مالك كفيف( مستقل)
[4] مقتطفات من نص:منتدى18 أكتوبر.مشروع أرضية
[5] الموقف عدد 348 بتاريخ 24 فيفري 2006
[6] كما يشير إلى ذلك بيان الهيئة بتاريخ 24 فيفري 2006
[7] انظر نص البيان، الموقف عدد 352 بتاريخ 24 مارس 2006
[8] الموقف عدد 396 بتاريخ 9 مارس2007
الرقابة على الكتب لا تصنع عقولا محصنة ضد التطرف
ردا على الاخ الهاشمي الحامدي
تعقيب على إعترافات الأخّ الهاشمي في مشروع المصالحة
لم يسقط السّقف يا سماحة مفتي تونس
مــاتت أميــرة *
حاتم بن عثمان والجالية التونسية بقطر
عجزت حقيقة عن وصف هذه القلوب
و خجلت أمام غيرنا من الشعوب
فأخرجت المقال
بدون عنوان
كتبه : عبدالحميد العدّاسي.
الذي يحكي هو عبدالله الزواري ذلك الذي انتدبته السلطات التونسية للمرابطة بضواحي مدينة جرجيس غير بعيد من جزيرة جربة التي شهدت هذه الأيّام توافدا من ” الأصدقاء ” الإسرائيليين لم يسبق له مثيل حسبما بيّنت وسائل الإعلام . و عنوان المقال محشوّ بالإغراء فهو يتحدّث عن رحلة تربط بين منطقة رجيم معتوق الصحراية و منطقة القيروان ( الهوارب ) ، قد ينتظر منها القارئ تأليفا بين ما أشيع من قصص عن ذياب الهلالي و بين ما صحّ من سير عن عقبة بن نافع و قد يرجى منها مقارنة بين كرم أهل الرجيم و أهل نفزاوة جميعا خاصّة و قد صادفت الرحلة في بعض مراحلها موسم جني التمور الممتازة هناك و بين كرم و فروسية أهلنا في القيروان فهم حرّاس البوابة الأولى للإسلام العظيم الذي جاء به خير الأنام محمّد صلّى الله عليه و سلّم .
جلست إذن أمام الشاشة و بدأت أعيش فصول الرحلة ، غير أنّ نفسي بدأت تنقبض ، فالطريق كثير الوحشة ، و عبدالله و آله الذين سبقوه أو التحقوا به في مختلف الأماكن التي نزلوا بها ضيوفا لم يفلحوا في ” اختيار ” القوم لصحبتهم ، فلم يكن منهم مَن يحكي سيـرة عقبة و أحفاده و لم يبرز فيهم من يذكّر بفروسية أو مروءة أو رجولة أو كرم أو شهامة أو طهر أو حياء أو غيرة أو منعة.
أكبرت في عبدالله شجاعته و جرأته و استعظمتهما عند آله ، فعبدالله ما فتئ ينبّه إلى أنّ ما صادفه في الطريق ذليل أمام الذي صادف أهله من الرجال الصادقين . انتبهت إلى أنّ الرحلة لم تحمل شيئا ممّا ارتجيته في المقدّمة فعدّت لأدقّق من جديد في العنوان الذي كتب تحته عبدالله فوجدته : ” مِن رَجِيمٍ مَعتوق إلى الهوارب ” ففهمته ترميزا إلى إرسالية من شيطان رجيم أعتقه إبليس إلى مكان تهرب منه الرحمة و الإنسانية و القوانين و الديانات و الأعراف لتترك وراءها القسوة و الوحشية و الكفر و الفوضى المطلقة. فهمت أنّ عبدالله و آله قد تناولتهم أيادي شيطانيّة اشتدّ عودها في غياب أحفاد عقبة رضي الله عنه ….
كنت أقرأ و أعايش عبدالله و اخوته في كلّ شيء ، فأتألّم لصفعته و أحسّ بقيده في يديّ و يقرصني البرد الإسمنتي المتسرّب إلى جسمه و أشمّ رائحة عرقه الزكيّة ( هي عند الله كذلك بإذن الله فهي و خلوف الصائم في سبيل الله ) ، محاولا الصمود و المواصلة غير أنّ شيئا قد كشف خوري و انهياري فقد انفلتت مياه العين مالحة ميمّمة لحيتي تروي شيبتها دون إذن منّي … فعبدالله لا يكتفي بالحديث عن شأنه و شأن إخوانك الجبال الرّجال معه فحسب بل يتطرّق إلى الحديث عن أمّنا أمّه ، و كيف قست قلوب القوم و هم يعاملونها و ابنها الذي يروي ” …طلبوا منا الابتعاد عن السجن…فقضينا الليلة الماضية في العراء أمام دكان… و أنت تعلم كيف كان الطقس البارحة…لم ننم إلا قليلا ، ومنذ الثامنة صباحا ونحن أمام السجن في انتظار الزيارة…“ و صدق الله العظيم : “ ثمّ قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة ، و إنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار ، و إنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء ، و إنّ منها لما يهبط من خشية الله …” فهؤلاء يحبسون الماء المتفجّر و يقطعون الماء المتدفّق ثمّ لا يتأثّرون لذلك و لا ينحنون لله و لا يخشونه … أبكاني كذلك ما نال اللواء قلاّل ليس لانحياز منّي إليه على حساب بقية اخوة عبدالله و لكن لأنّي أعلم أنّ عبدالله و لطفي و غيره من الأسود قد تحوّطوا لما ينتظرهم عند هؤلاء الساقطين من أوّل يوم عزموا فيه على رفع راية الدفاع عن الحريّات ، غير أنّي لا أحسب أنّ اللواء القلاّل – وهو في عرينه – قد خطر بباله أنّ بعضا من جِرَاءِ ( جمع جرو ) الكلاب الذين تعوّدوا التردّد على فضلات مائدته قد يفكّرون في النباح على ظلّه ، فقد عُرف الرجل بتفانيه و انضباطه و إخلاصه الشديد إلى المؤسّسة و نظافته و حسن سمته ، و لعلّ ذلك ما جعل العاجزين يرتقون هامته بعد الحبس …أبكاني كذلك موقف سكّان ” بيت الصغار ” من الصغار الكبار الذين تحدّوا تعليمات السجن و السجّان فباتوا يتنافسون الخير في عبدالله . بكيت و أنا أرى فيهم تحقيق وعد ربّي : ” و من يتّق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب و من يتوكّل على الله فهو حسبه..” بكيت و أنا أرى بعضهم وقودا لجهل الجاهلين ، فمجموعة من جرحيس و أخرى من أريانة و ثالثة من قفصة و رابعة من دوار التليلي و ثلّة من الجامعات التونسية جميعها كلّهم يستنزفون من قبل مغتصبي الحريّة ….
أخي عبد الله لولا حاجة التاريخ لتوثيقاتك لطلبت منك الكفّ عن سردها…. فقد أدمت هذه الحلقة القلوب ، و فجّرت بالدموع العيون و زهّدت في وجود محاور يقبل منّا الكلمة الطيّبة النفوس ، إذ كيف يكون ذلك و اللواء لا يسمع و لا يرحم حتّى من كان على شاكلته لواء!… فوفّقك الله ، و معذرة لتونس ممّا يفعله بها مَن ليس من نسلها بعد أن ” مات ” كلّ من كان مِن جندها دفاعا عن مقدّساتها !…
TUNISNEWS
6 ème année, N° 1846 du 09.06.2005
archives : www.tunisnews.net
بسم الله الرحمان الرحيم تونس في 22/05/2007
و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين
الرسالة رقم 236
على موقع تونس نيوز
بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري .رئيس
شعبة الصحافة الحزبية سابقا
رسالة للتاريخ
حول الأمانة و تقدير المسؤولية و تكريس
المصداقية على أرض الواقع
تعرضت في الرسالة التي وجهتها إلى عناية السيد الوزير الأول الأستاذ محمد الغنوشي . إلى موضوع التشغيل و ما أدراك ما التشغيل و أطنبت في الحديث على بعض مظاهر التبذير في مادة البنزين الذي ارتفع في الاعوام الأخيرة بدرجة مهولة عالميا و إقليميا و محليا.
و تحدثت على بعض العينات في مظاهر التبذير منها توزيع كميات هامة شهريا تصل إلى ألف لتر في الشهر أي ما يعادل ألف و مائة و خمسون دينارا في الشهر الواحد و المعدل قرابة 400 لتر لكل مسؤول سامي . و هناك مظاهر أخرى للتبذير أشرت إليها في الرسالة المفتوحة عبر موقع الأنترنات تونس نيوز للتاريخ.
يقول البعض لماذا الحديث عن هذا الموضوع بلغة الصراحة و الصدق و الوضوح و الجرأة و لماذا لم يصمت الإنسان و دبر روسهم كما يقولون. حتى إن أحدهم قال لي أش يهمك خليهم يفعلوا و الباقي في الدار يدفع الكراء . و قال لي أحد الأوفياء و الزملاء القدامى و هو أيضا صاحب قلم يا أخي الهاني أنت تكتب بجوارحك و بصدق و إخلاص و حبا للوطن وبرا بالشعب . و بعضهم يعتبر كلامك هذا مقلق لهم و باللغة الدارجة . يقولون أش يهموا…، و بعضهم يقولون هذا يشوش علينا . هذه نصيحة صديقي ضحكت من كلامه و قلت له يا أخي الوفي إذا كل واحد منا يقول أش يهمني و لي باقي في الدار يدفع الكراء و اغرم زمانك . و اصمت و لا تكتب إذا من هو صاحب الدار و من هوالوطني و من هو المواطن الصالح . و من هو صاحب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و من هو المناضل الوطني الذي يحب وطنه و يغير عليه و على مكاسبه و انجازاته…، و قال لي صاحبي كلامك مقنع للغاية و وجيه و لكن أنت تعرف الظروف و الأمور أصبحت على هذا الشكل و اللي يقول الحق يجد صعوبة و إحباط…
ابتسمت لرفيقي و قلت له الدنيا مازال فيه الخير و لا تنسى حديت سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم الذي قال الخير في و في أمتي إلى يوم القيامة صدق رسول الله.
اقتنع صاحبي الوفي و قال لي أشد على يديك و أدعوا الله القدير أن يكلل مساعيكم بالنجاح و التوفيق و السؤدد هذه قصة من الواقع نعيشها صباحا و مساء .
و مصدرها كما أسلفت الخوف و ثقافة الخوف و نعود إلى موضوع الأمانة و المصداقية .
فنشير إلى أن أعظم ميزة يتصف بها الإنسان هي ميزة الأمانة و الصدق فإذا كان الإنسان يتصف بأخلاق الأمانة و مضمونها و مفهومها و متمسكا بالصدق و العهد و الوعد فأشهد بأن هذا الرجل من أهل اليقين و من أهل السعادة و من المؤمنين الصادقين يكتب عند الله من الصديقين لأن الصدق و الأمانة خصلتان عظيمتان هما الأصل و المضمون و الجوهرة في كل شيء و أذا فقد الإنسان الخصلتان فلا حول و لا قوة إلا بالله .
نرجوا أن يتصف المسؤول بالمصداقية و الأمانة – حتى إذا وعد أنجز وإذا نطق صدق و إذا قال فعل و كيف تفسرون مسؤولا وعد و التزم و لم يوفي بوعده و عهده و هذا ما حصل يوم 2 أفريل 2007 مع مسؤول بعد إن ابتسم و انشرح و كان كلامه جميل و حديثه رقيق و ابتسامته عريضة لكن مع الأسف وعده ضعيف و عهده تبخر مع الشهر الرابع لو كانت المقابلة يوم غرة أفريل لقلت لعل تكون …، و ربما كان يوم غرة أفريل يوم الأحد فأجل الكلمة إلى اليوم الموالي…، تذكرت في هذه اللحظة و أنا أكتب هذه الخواطر أن الرئيس قال عام 1988 لمواطن تونسي صرخ و هتف بحياة بن علي رد عليه الرئيس بعد التغيير قل تحيا تونس و قال مرة أخرى في إشارة لمعاناة المواطن من الإدارة و كلمة أرجع غدا أكد أن قاموس هذه الكلمة يجب أن تلغى من قاموسنا الإداري .
كلام جميل لكن هل كان له صداه و تأثيره في القلوب و في السلوك اليومي و في العمل و الأمانة أم كلام لم تستوعبه بعض الأشخاص اللذين يتشبثون بعقلية الأنانية نرجوا فهم مضمون هذه الرسالة و مغزاها.
و ختاما أسأل المسؤول الذي وعدني يوم 2 أفريل 2007 لو كان وعده لإبن ولايته أو قريب المسؤول الأول هل يتصرف كما تصرف معي و بدون تعليق قال الله تعالى كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون
صدق الله العظيم
محمد العروسي الهاني
معالجات نقدية لتجارب مختلفة في القصة والرواية في تونس وليبيا
وفاة المناضل المغربي ادريس بن زكري احد اشهر المدافعين عن حقوق الانسان
قوات الأمن الجزائرية ترصد انقساما في صفوف المتشددين الإسلاميين