في كل يوم، نساهم بجهدنا في تقديم إعلام أفضل وأرقى عن بلدنا، تونس Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre pays, la Tunisie. Everyday, we contribute to a better information about our country, Tunisia |
TUNISNEWS
8 ème année,N° 2569 du 05.06.2007
archives : www.tunisnews.net
عبداللهالزواري: ملخص حول الرقابة الإدارية حركة النهضة: فعلتها السلطة مرة أخرى: تجديد النفي للصحفي عبد الله الزواري حزب الخضر للتقدّم: اليوم العالمي للبيئة د.خالدالطراولي: مأســـاة السجن الكبيــر الحوار.نت: ملف موجز عن حركة النهضة التونسية الفاضلالبلدي: في ذكرى تأسيس الحركة عكاشة بن عكاشة : اسـتـقـالـة نورالدينختروشي: الخلاص الفردي : عندما يتعب المناضل يستفيق الوهم د. محمد الهاشمي الحامدي: ضحية أخرى لثقافةالحقد والكراهية ود الريّس:العابثون في منفى السراب منذر عمار : سجّلوا أسماءكم وانتشروا… افتتاحية »الموقف » :ما أحوجنا لمثل هذا التقرير… د. أحمد بوعـزّي: حل أزمة الطاقة يمر أيضا عبرالحكم الصالح سمير ساسي :احترام الوقت حدّث وتحرّج…حتى يكفّ مسؤول عن تأخير برنامج بسبب مشاغله الخاصّة محسن المزليني: جدل ساخن حول أسباب فشلالليبرالية فاروقالنجار: وزارة التربية تقرر غلق مؤسسة خاصة وتتكتم على الأسباب الصباح: في حادثة اقتحام مسلحين لمحكمةالناحية بمنزل بوزلفة:المتهم الرئيسي يصر على تبرئة بقية المتهمين د. عبدالسلام المسدّي : الإرهاب وخطاب الإدانة أ.محمد بن رجب : الإبداع المسرحي والسينمائيالتونسي في مواجهة التطرف والإرهاب الحياة :«بوليساريو»: مفاوضات مباشرة مع المغرب في 18 الشهر الجاري سويس إنفو: مسؤولون: محادثات بشأن الصحراءالغربية تعقد في 18 و19 يونيو سويسإنفو:محامية : اسلاميون موريتانيون مشتبه بهم تعرضوا لتعذيب سويس إنفو:تلفزيون: حكومة جديدة في الجزائروبقاء رئيس الوزراء ووزير الطاقة الحياة :الجزائر – «القاعدة» تعاني خلافات بين أمرائها… وجماعة «حماة الدعوة» لا تُقاتلولا تنزل من الجبل …
(Pourafficher les caractères arabes suivre la démarche suivante: Affichage / Codage / Arabe Windows(
(Toread arabic text click on the View then Encoding thenArabic Windows (
بسم الله الرحمان الرحيم
04-06-2007
و بعد:
فإني المواطن: عبدالله بنالطاهر بن عبدالله الزواري، صحفي بجريدة « الفجر »، حكم علي فيالقضية عدد: 76110 بالمحكمة العسكرية ب11 سنة سجنا و 5 سنوات مراقبة إدارية، و غادرتالسجن يوم 6 جوان 2002 بموجب انتهاء مدة العقاب، و صرحت يومها لمختلف الفرقالأمنية بمقر إقامتي الذي تقيم به زوجتي و أبنائي، و باشرت تراتيب المراقبة بمركز5 ديسمبر بالكرم الغربي، و تواصل الأمر كذلك إلى حدود 2 أوت 2002 حيث وقع إعلاميمن قبل رئيس المركز المذكور بأن وزير الداخلية قرر بأن تتم المراقبة الإدارية فيأقصى الجنوب التونسي.ثم وقع اختطافي يوم 19 أوت 2002 من أمام مكتب محاميّ و حملتقسرا إلى جرجيس حيث مثلت أمام محكمة ناحية المكان.
و حيث أن لا صلة لي بهذه المنطقة أكثر من كونها مسقط رأسزوجتي.
و حيث أن لا شغل لي و لا مسكن بالمنطقة الريفية التيعينها الوزير مقرا للإقامة الإدارية.
و حيث أن عائلتي تقيم بالعاصمة و هناك أيضا يواصل أطفاليدراستهم الثانوية و الجامعية.
فإني اعتبرت قرار الوزير جائرا و رفضت الانصياع له لمافيه من تضييع لمختلف مصالحي العائلية و المهنية و لخرقه لأبسط حقوق الإنسان الواردة في مختلف العهود و المواثيقالدولية، و تقدمت بالطعن فيه لدى المحكمة الإدارية يوم 29 أوت 2002 تحت عدد 11141، و حوكمت في مناسبتين بتهمة مخالفة تراتيب المراقبة الإدارية( 8 أشهر– 9أشهر)، و مع ذلك و بعد انقضاء خمس سنوات من تقديم القضية لم يقع النظرفيها، بحيث ساهمت المحكمة الإدارية فيحرماني التظلم لديها و من مقاضاة من تعسف في استعمال « الحق »، و لا تزالعائلتي تقيم في العاصمة و حرمت من كل اتصال بها كل هذه المدة. و لذلك وجدت نفسيمضطرا إلى الدخول في إضراب عن الطعام يوم 23 جانفي 2005 احتجاجا على كل التجاوزاتالمسلطة عليّ و على عائلتي و مطالبا بكل حقوق المواطنة المضمونة دستوريا و دوليا…
و بعد انقضاء المدة و في حين كان كل العائلة تنتظرانتهاء مأساتها و استعادة حياة طبيعية قدر الإمكان إذا برئيس مركز الأمن الوطنيبحاسي الجربي حيث أجبرت على الإقامة طيلة هذه السنوات الخمس يعلمني شفويا بأنالمراقبة الإدارية لا تزال سارية المفعول و المطلوب احترام تراتيبها و أن 26 شهراكاملة علي قضاءها خاضعا لهذه المراقبة، و عند مطالبتي إياه تسليمي هذا القرار رفضذلك مصرحا بأنه يطبق التعليمات الصادرة إليه من رؤسائه…
عبدالله الزواري
الإعلان العالميلحقوق الإنسان:
المادة 7: كل الناس سواسية امام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعاالحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان و ضد أي تحريض على تمييزكهذا.
المادة 8: لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أعمال فيهااعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون.
المادة 9: لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا.
المادة 10: لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة في أن تنظر قضيته أمام محكمةمستقلة نزيهة نظرا عادلا علنيا للفصل في حقوقه و التزاماته و أية تهمة جنائية توجهإليه.
المادة 12: لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أومسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه و سمعته. و لكل شخص الحق في حماية القانونمن مثل هذا التدخل أو تلك الحملات.
المادة 13: أ- لكل فرد حرية التنقل و اختيار مقر إقامته داخل كلدولة.
CONSTITUTION TUNISIENNE
Article 10. — Tout citoyen a le droit decirculer librement à l’intérieur du territoire, d’en sortir et de fixer son domicile dans les limites prévues par la loi
Article 32. — Les traités n’ont force deloi qu’après leur ratification. Les traités dûmentratifiés ont une autorité supérieure à celle des lois.
بسم الله الرحمن الرحيم
فعلتهاالسلطة مرة أخرى: تجديد النفي للصحفي عبد الله الزواري
غداالثلاثاء 5 جوان 2007 هو اليوم الذي تنتهي فيه العقوبة التكميلية بخمس سنواتإقامة إدارية للأخ عبدالله الزواري الصحفي بجريدة الفجر الموقوفة والقيادي بحركة النهضة وفي اليوم الذي كان الجميعينتظر ويأمل رفع هذه المظلمة عنه تم اليوم 4 جوان إعلامه من طرف رئيس مركزالأمن الوطني بحاسي الجربي، ( إحدى ضواحي جرجيس ) بتواصل هذا الإجراء الظالم لمدة26 شهرا أخرى,
وللتذكيرفإن الأخ عبدالله الزواري كان قد قضى 11 سنة سجنا من أجل انتمائهلحركة النهضة و مسؤوليته في جريدة الفجر الناطقة بإسمها و في شهر جوان 2002و بمجرد خروجه من السجن و قع اختطافه من طرف البوليس السياسي بتونس العاصمةو نقل قريبا من مدينة جرجيس بالجنوب الشرقي التونسي حيث قرر وزير الداخليةنفيه مع تشديد الحراسة اللصيقة الدائمة عليه تحت ستار المراقبة الإدارية.كما إعتقلمرتين سجن في عقب كل منهما.اوت 2002 و اوت 2003.
وقد عبرتعديد الأطراف عن خشيتها من أن تواصل السلطة إجراء النفي المسلط عليه وهذا ما حصلفعلا( أنظر بيان الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ) , وإننا في حركة النهضة إذ نندد بكل قوة بهذه الممارسات المسلطة على أبناء حركتناوقيادييها لما يتعرضون له من مضايقات وإجراءات تعسفية لا أساس لها من قانونندعو كل الجمعيات والهيئات السياسية والحقوقية وكل الشرفاء إلى التنديد بهذاالإجراء الظالم وبذل كل الجهود في التشهير به والضغط على السلطات التونسية لأجلالتراجع عنه وتمكين الأخ عبدالله الزواري من كل حقوقه التي يضمنها له دستور البلادوقوانينها.
عن حركةالنهضة الشيخ راشد الغنوشي 4 جوان 2007
(المصدر:موقع « نهضة.نت » بتاريخ 5 جوان 2007)
حزب الخضر للتقدّم
تونس في 5 جوان 2007
بيان
اليومالعالمي للبيئة
تحتفل المجموعةالدوليّة في مثل هذا اليوم 5 جوان من كلّ سنة باليوم العالمي للبيئة، و يعبّر حزبالخضر للتقدّم عن عميق إنشغاله بالمخاطر المتزايدة التّي تهدّد الوضع البيئي فيالعالم نتيجة التقلّبات المناخيّة و إستفحال مظاهر الإستغلال المجحف للمواردالطبيعيّة و هي مناسبة تلزم كلّ شعوب العالم بحماية البيئة و المحيط.
و يرى الحزب أنّ وضعالإحتفال هذه السنة تحت شعار: « ذوبان الجليد: مسألة ساخنة » معبّرة عنحقيقة المخاوف التّي أكّدها الخبراء و المختصّون حول التداعيات المرتقبة من مسألةالإحتباس الحراري.
و سبق لحزبنا، حزبالخضر للتقدّم أن تفاعل مع تلك المخاوف و عقد للغرض ندوة بحثت المسألة من كلّجوانبها إعتمادا على مقاربات علميّة وموضوعيّة.
إنّ التغيّراتالمناخيّة المرتقبة والتّي ستؤثّر سلبا على درجات الحرارة في العالم ستؤدّي إلىجانب تداخل الفصول وتقلّبها في إرتفاع درجات الحرارة بصفة تدريجيّة ممّا سيتسبّبفي ذوبان كميّات هائلة من الجليد في القطبين ستحدث حالة من طوفان من مياه المحيطاتو البحار ممّا يهدّد التواجد الإنساني على العديد من السواحل في مختلف مناطقالعالم.
إنّ المخاطر لم تعداليوم من باب التخمينات بل أصبحت حقيقة مفزعة يحياها العالم و هو الوضع الذّييتطلّب تظافر جهود كلّ الحكومات و المنظّمات الدوليّة و الإقليميّة و فعاليّاتالمجتمع المدني من أجل التحرّك العاجل لوقف تدهور الأوضاع و إيجاد خطط عمليّة ومدروسة لكلّ ما يتهدّد سلامة العيش البشري و بما يضمن إستدامة الظروف الملائمةلحياة الأجيال القادمة في بيئة ومناخ خاليين من كلّ خطر أو تهديد. و لئن ينوّه حزب الخضر للتقدّم بالمجهودات القائمة حاليّا للتحسيس بمخاطر الإحتباسالحراري فإنّه يرى أنّ قتامة الصورة المستقبليّة تدفع إلى ضرورة العمل بأكثر سرعةو فاعليّة. و بالمناسبة، و في إطار إرساء دعائم التعاون و إنجاح الإتّفاقيّاتالدوليّة يضمّ حزبنا صوته إلى كلّ المنادين في العالم بتركيز منظّمة عالميّةللبيئة على غرار المنظّمة العالميّة للتجارة أو الصحّة نظرا لكونيّة الملفّاتالبيئيّة و المناخيّة و ضرورة معالجتها في أقرب الآجال.
و لا يفوّت حزب الخضرللتقدّم هذه الفرصة دون الإشادة بالحرص الذّي تبديه تونس بقيادة الرئيس زينالعابدين بن علي لإنجاح الجهود الدوليّة في مقاومة مظاهر الإختلال البيئي و الحدّمن مخاطر ظاهرة الإحتباس الحراري إلى جانب المجهود المحلّي القائم في البلاد منذعقدين في سبيل تحقيق شروط البيئة السليمة والحدّ من مظاهر التلوّث و الإنبعاثاتالغازيّة و الإلتزام بما تضمنته المواثيق والمعاهدات الدوليّة و في هذا الجانبكرّس قانون الهواء النقيّ الذي جاء من مبادرة رئاسيّة رائدة خير دليل على توجّهتونس الصادق في دعم مرتكزات البيئة السليمة.
كما يتعهّد حزب الخضرللتقدّم بمواصلة الإلتزام و السعي إلى زيادة إذكاء وعي المواطنين و التحسيس والعمل جاهدا للتواصل مع الجهات الرسميّة والحكوميّة و غير الحكوميّة المحليّة والدوليّة و دعم و تشجيع صنّاع القرار على دمج إعتبارات السلامة البيئيّة في عمليّةمكافحة كلّ المظاهر السلبيّة و حماية الطبيعة لضمان مستقبل أكثر إستدامة للأجيالالمقبلة.
حزب الخضرللتقدّم الأمين العام منجي الخماسي
مأســـاةالسجن الكبيــر
د.خالدالطراولي ktraouli@yahoo.fr
توطئـــــة
كتبت هذه المقالة منذسنوات، وإنما أعيد نشرها اليوم بعد تنقيحات، وكأن الزمن لم يتغير، تعبيرا مني عنمساندة مطلقة لأخينا الفاضل عبد الله الزواري ومساهمة رمزية في هذه الحملة لرفعهذه المظلمة وإنهاء مأساة، وهي همسة إلى نفسي قبل غيري أن مقاومة الاستبداد لمتنته، حتى لا نخطئ المعركة ونُجَرَ إلى اللعب في الوقت الضائع ونعيش على الهامش والأسطرمن حولنا تكتب باللون الأحمر!!!
عندما ترجني الأحداث فيبعض مفاصلها وتبلغ من الفداحة ما تقشعر لها الأبدان وتشيب لها الولدان… تتدافعالأسئلة المحيرة تبحث عن مغيث… ولا يملك القلم إلا أن يخط كلمات من جمر…!
كثيرا ما أتساءل هلأننا لا نعيش على نفس الأرض ولا نلتحف نفس السماء ولم يحملنا نفس الوطن! لماذا لانحمل نفس المشاعر، نفس الرحمة، نفس الضمائر مع أبناء الوطن الواحد؟ لماذا لا يكونالإنسان إنسانا وكفى، أو حتى نصفه أو ربعه ونحن قابلون على مضض؟ هل تحجرت القلوبحتى أصبحت تتلذذ بعذاب الآخرين؟، أم أنها لا تريد أن تسمع آهات الأمهات وهن لايجدن ما يسد رمق الأبناء الحيارى، ولا تريد الأعين أن ترى هؤلاء الآباء وهم يفرونمن نظرات الأبناء التي تتبعهم وتحاصرهم، هؤلاء الصغار الذين كبروا ولم يلمسواوجودهم، ثم لما عادوا إليهم لم يجدوا ما يعطونهم سوى مزيدا من العذاب والدموعوالألم والجراحات!
سجـون بلاأصــوار
لقد سمعنا وقرأناالعجائب والغرائب حول هؤلاء الخارجين من غيابات السجون، قصص ومآسي يندى لها الجبينوتنفجر لها القلوب، ولا يهنأ لها بال! أتحدى كل من سمع عمن أراد بيع أبنائه، أووقع تطليق زوجته، أو حُرم توديع والديه إلى مثواهم الأخير، أن يدّعي أنه عندمايختلي بنفسه، أو يكون بين أطفاله أو مع أهله، أو مع ملعقته ورغيفه، أن لا تجفّحنجرته وتنحبس أنفاسه وتفقد الدنيا معناها ويظلمّ المكان!,,, كيف يبقى للحياةبياض، والسواد يلفها من كل جانب؟ كيف يمكن أن يتمتع المرء بقرب أطفاله، وأطفالالآخرين لا مسعف لحالهم ولا بواكي لهم؟ كيف يهنأ البال وآخرون، من بني جلدتناويسكنون حارتنا، يعيشون في الظلام… ظلمة المكان وظلام الجيران وقسوة ابن الوطن؟
لقد تحدث الكثير عن »أبو غريب »، عن غوانتناموا، عن سجون فلسطين، عن سجون الأرض، عن أزيزأبوابها، عن علو بنيانها، عن ظلمة دهاليزها…لكن هل يمكن أن يكون بلد بأجمعه،بتضاريسه وهضابه، بيومه وليله، بجغرافيته وتاريخه، سجنا لبعض أبناءه، بدون قضبانمرئية، بدون جلاد مباشر، بدون عصي وأغلال ملموسة؟
لقد انتهت المعركة وخرجأحد الأطراف من الحلبة ورمى المنديل منذ زمان، وبقي « المنتصر » وحيدا منذعقدين يفعل ما يشاء كيف يشاء أينما شاء! فلماذا هذا التشفي وهذه المعاناةالمتواصلة أناء الليل وأطراف النهار؟، هل هو خوف من هذا الميت الحي الذي خرج منكهفه إلى كهف أظلم منه، وهو لا يريد لا عملا سياسيا ولا اهتماما بشؤون العامة؟ كلما يريده أن يعيش ما تبقى له من حياة، مع أبناءه، مع أهله، عله يرد لهم بعضا منهذا الحنان الذي فقدوه منذ عقد أو أكثر. كل ما يريده هؤلاء الكرام أن يعيشوامواطنة منقوصة وقد قبلوا بها، مواطنة تنحسر في الرحمة! في الإنسانية!، مواطنةتقتصر على إطعام ذويهم ومواساتهم والسهر على أمنهم واستقرار حالهم! لم يطلبوا لاحزبا سياسيا ولا جمعية خيرية، لم ينادوا بمحاسبة الظالم ولا بمراجعة التاريخ، لميكتبوا آلام الأيام الخوالي ولا عذابات الحاضر، بل منهم من تعالى وسما عنالمطالبة، وتحدث عن عفو قلبي…! ومع ذلك يتواصل مسلسل الإذلال والتعذيب النفسيوالألم الجسدي والجميع شهود.
ومحاولة منهم إلى كسرهذه الأغلال المتواصلة خارج القضبان وتجاوز هذا الظلم الأعمى الذي لا يرعى إلا ولاذمة ولا يرتجف ويهنز أمام صياح طفل أو بكاء أرملة أو آهات شيخ عجوز، يدخل العديدمن هؤلاء الأفاضل في إضراب جوع يهدد حياتهم، ولن يخالفني الأطباء أن هذه الإضراباتالمتكررة والصادقة والمؤلمة تحمل مخلفات ومضاعفات عميقة ولو بعد حين، زيادة على أنهؤلاء الإخوة المضربين خرجوا للتوّ من سنين من الحبس والأغلال والتعسف، أرهقتالأجساد وأعقبت الأمراض المزمنة والآلام المبرحة، وتعذبت فيها النفوس والجوارح!يدخل هؤلاء إضرابات جوع وهم يحملون هذه المخلفات التي يندى لها الجبين، وإن كانتشارات ترضي الأجداد ويفتخر لها الأحفاد فهي قلادات الوقوف والاستبسال!
كثيرا ما تدفعني نفسيإلى تساءل تلف في ظاهره السذاجة، لماذا تغيب الرحمة عن قلوب البعض؟ هل أصبحتكالحجارة أم أشد قسوة؟ « وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لمايشقق فيخرج منه الماء، وإن منها لما يهبط من خشية الله » هل يمكن أن يصلالإنسان من أجل الكرسي أو أي سلطة مهما تفه مقامها أن يرمي بمنافسه في غياباتالجور ويناله وعائلته لعنة دائمة تضرب الأهل، من زوجة وأطفال وأجداد وجدات، و لاتقف عند باب الجار والعم والخال والصاحب والصديق.
الظلمةوأعوان الظلمة حذار اللون لا يختلف
كم هم هؤلاء الذينيرافقون الظالم في ظلمه ويكونون يده التي يبطش بها، وعينه التي يشمت بها، وأذنهالتي يتجسس بها؟، كم هم هؤلاء الأعوان الذين كانوا جلادين داخل السجون وجلادينخارجه، جعلوا أيام ضحاياهم ظلمات متواصلة، لم يعبئوا بصراخ الأطفال، فأطفالهم لاتصرخ، لم يعبئوا بتذلل الأم والزوجة، فأمهاتهم وزوجاتهم لا يتذللن ولا يقفن فيالطوابير و الأسواق، لم يعبئوا ببكاء شيوخ وشيخات مات بعضهم دون أن يرى فلذةالأكباد والبعض الآخر ميت وهو حي..، كل ذلك من أجل إرضاء سيده، من أجل رغيف ذليل،حتى ينال من أخيه وابن وطنه وينكّل به وبأهله، ويسعد لأن يرى أبناءه يعيشونالخصاصة و يتلوون جوعا وأمهم تتذلل وتقاسي الأمرين من أجلهم، وأب عاجز ينظر إلىفلذات الأكباد ويشكو إلى السماء ظلم العباد؟ كم هم هؤلاء الأعوان والمنفذين الذينعبثوا بأجساد وحرمات رجال ونساء، كم هم هؤلاء الذين توارت وجوههم أمام دموع أطفالصغار وشيوخ عجز، وأطفالهم ينتظرونهم في ديارهم ولم يعبئوا لآهات وأنين الآخرين؟الظلم ظلمات ولن يعجز أحدهم عدل السماء إذا عجز العادلون في الأرض! يروى أن الفقيهالعالم سعيد بن جبير لما كان في سجن الحجاج بن يوسف قبل أن يقتله، سأله سجانه ذاتيوم مشفقا : هل تراني من أعوان الظلمة؟ فأجاب الفقيه كلا إن أعوان الظلمة هم منيغسل ثيابك ويطبخ طعامك ويقوم بحاجتك. فتسائل السجان مستغربا ومن أكون أنا إذا؟فأجاب سعيد أنت من الظلمة أنفسهم.
رسالة عبدالله الزواري وكل مظلوم
عبد الله الزواري ليسنكرة حتى نعرفه، وليس حالة شاذة حتى نعبرها دون حساب وإنما الرجل أمة والرجل ظاهرةوالرجل وطن…
عبد الله الزواري أمةوهو يقف منذ عقدين بابتسامته اللطيفة التي تريح الصديق وتزعج العدو، صمود داخلالسجن الصغير وصمود داخل السجن الكبير، نفي وترويع وفصل عن الأهل ومنع من رؤيةالأعزاء! عبد الله الزواري ظاهرة تتمثل في هؤلاء المعذبين في الأرض الخارجين منالسراديب والكهوف بأجساد مرهقة وعزائم من حديد وإرادات لم تقهرها عصا الجلاد…وعبد الله الزواري وطن… يظل واقفا مبتسما ينظر إلى المستقبل بتفاؤل وكأن الماضيلم يخط تضاريسه القاتلة على لون كتاباته…
رسالة عبد الله الزواريوإخوانه وكل مظلوم تحمل عنوانا بارزا لا شبهة فيه ولا تأويل أن الاستبداد لم ينته،وأن مقاومته السلمية لا يجب أن تنتكس حتى لا نخطئ المعركة ونسقط في صراعات هامشيةواللعب في الوقت الضائع ومراهنة على السراب.
المصدر:موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net
ملف موجز عن حركةالنهضة التونسية بمناسبةالذكرى السادسة والعشرين للإعلان عن تأسيسها. ( 6.6.1981 ــ 6.6.2007 ).
ملف من إعداد الحوار.نت. محتوياتالملف : 1 ــ أهممكونات بطاقة هويتها : ـــ البيان التأسيسي. ـــ الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي. ـــ إستراتيجيتها في الإصلاح والتغيير. 2 ــ بعض من رجالها ممن قضى شهيدا أو ينتظر مرابطا : ـــ بعض شهدائها و بعض مساجينها. ـــ بعض مؤسسيها و رؤساؤها ورؤساء مجالسالشورى فيها. 3 ــ مؤسساتها ومؤتمراتها . 4 ــ جوانبأخرى متفرقة من تجربة الحركة. ………………………………. أهم مكونات بطاقة هوية حركة النهضة التونسيةالإسلامية : أولا : البيان التأسيسي الأول بمناسبة الأعلان عنالحركة في الندوة الصحفية بتاريخ السادس من حزيران يونيو 1981 في إثر إنعقادالهيئة التأسيسية والمؤتمر الإستثنائي الأول ـ ربيع 81 ــ. نص البيان التأسيسي : توطئة : يشهد العالم الإسلامي ـوبلادنا جزء منه ـ أبشع أنواع الإستلاب والغربة عن ذاته ومصالحه فمنذ التاريخالوسيط وأسباب الإنحطاط تفعل فعلها في كيان أمتنا وتدفع بها إلى التخلي عن مهمةالريادة والإشعاع طورا لفائدة غرب مستعمر وآخر لصالح أقليات داخلية متحكمة إنفصلتعن أصولها وصادمت مطامح شعوبها. وكان المستهدف الأول طوال هذه الأطوار كلها هو الإسلام محور شخصيتنا الحضارية وعصبضميرنا الجمعي فقد عزل بصورة تدريجية بطيئة وأحيانا بشكل جريء سافر عن مواقعالتوجيه والتسيير الفعلي لواقعنا . فهو رغم بروزه عاملا محددا في صنع الجوانبالمشرقة من حضارتنا وفي جهاد بلادنا لطرد المستعمر قد بات اليوم أو يكاد مجرد رمزتحدق به المخاطر ثقافيا وأخلاقيا وسياسيا نتيجة ما تعرض له في المرحلة المعاصرة والأخيرةخاصة من إهمال وإعتداء على قيمه وعلى مؤسساته ورجاله. وإضافة إلى هذه المعطيات الحضارية التي تشترك فيها بلادنا مع سائر بلاد العالمالإسلامي عرفت تونس في أواخر الخمسينات وطيلة عشريتي الستينات والسبعينات ـ رغمحصولها على وثيقة الإستقلال ـ أوضاعا خصوصية إتسمت بالتأزم وإحتداد الصراعالإجتماعي وتعطل سبل النمو الشامل . وقد تكرس هذا الوضع نتيجة أحادية الإتجاهالسياسي المتحكم ( الحزب الدستوري) وتدرجه المتصاعد نحو الهيمنة على السلطوالمؤسسات والمنظمات الجماهيرية من ناحية ونتيجة إرتجالية الإختيارات الإقتصادية والإجتماعيةوتقلبها وإرتباطها بمصالح دولية تتعارض مع مصالح شعبنا الوطنية من ناحية أخرى. وفي هذا المناخ ظهر الإتجاه الإسلامي بتونس في بداية السبعينات بعد أن توفرت له كلأسباب الوجود وتأكدت ضرورته وقد ساهم هذا الإتجاه من مواقعه في إعادة الإعتبارللإسلام فكرا وثقافة وسلوكا وإعادة الإعتبار للمسجد كما ساهم في تنشيط الحياةالثقافية والسياسية فأدخل عليها لأول مرة نفسا جديدا في إتجاه تأصيل الهوية والوعيبالمصلحة وتأكيد التعددية بتجسيمه واقعيا. وقد عبر الإتجاه الإسلامي من خلال نشاطه ومواقفه العديدة عن إلتحامه بذات أمتهوتجسيده آمال شعبه وتطلعاته فألتفت حوله قطاعات عريضة من المحرومين والشبابوالمثقفين وكان نموه السريع مجلبة لإهتمام الملاحظين وترصد القوى والأنظمةالسياسية في الداخل والخارج . ورغم سعيه الرصين المتعقل لتلمس إنجع سبل التطوروالتغيير فقد تعرض هذا الإتجاه إلى سلسلة من التهم الباطلة والحملات الدعائيةالمغرضة نظمتها ضده السلطة الحاكمة ووسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية بلغت هذهالحملات حد الأعتداء تعسفا على وسائل إعلامه قصد منعه من إبلاغ صوته وتطورت بعدذلك إلى أشكال أشد قهرا فقدمت عناصره إلى المحاكمات وتكثفت ضد أفراده التتبعاتوالتحقيقات وفتحت أمام شبابه السجون والمعتقلات حيث الضرب والتعذيب والإهانة. إن إستمرار أسباب تخلف الوضع السياسي والإقتصادي والثقافي في مجتمعنا يرسخ لدىالإسلاميين شعورهم المشروع بمسؤوليتهم الربانية والوطنية والإنسانية في ضرورةمواصلة مساعيهم وتطويرها من أجل تحرر البلاد الفعلي وتقدمها على أسس الإسلامالعادلة وفي ظل نهجه القويم. وقد يذهب البعض إلى أن هذا العمل هو من باب إقحام الدين في دنيا السياسة وأنه مدخلإلى إحتكار الصفة الإسلامية ونفيها بالتالي عن الآخرين. إن هذا الفهم فضلا عن كونهيعبر عن تصور كنسي دخيل على ثقافتنا الأصلية يكرس إستمرارية » حديثة « لواقع الضياع التاريخي الذي عاشته أمتنا. على أن » حركة الإتجاه الإسلامي » لا تقدم نفسها ناطقا رسميا بإسمالإسلام في تونس ولا تطمع يوما في أن ينسب هذا اللقب إليها فهي مع إقرارها حق جميعالتونسيين في التعامل الصادق المسؤول مع الدين ترى من حقها تبني تصور للإسلام يكونمن الشمول بحيث يشكل الأرضية العقائدية التي منها تنبثق مختلف الرؤى الفكريةوالإختيارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تحدد هوية هذه الحركة وتضبطتوجهاتها الإستراتيجية ومواقفها الظرفية وبهذا المعنى تكون حركة الإتجاه الإسلاميواضحة الحدود محددة المسؤولية غير ملزمة بكل صنوف التحركات والمواقف التي قد تبرزمن هنا وهناك ـ إلا ما ويقع تبنيه منها بصورة رسمية ـ مهما أضفى أصحاب هذهالتحركات على أنفسهم من براقع التدين ورفعوا رايات الإسلام. وتأكيدا لهذا الوضع من ناحية وتكافؤا مع جسامة المهمة ومقتضيات المرحلة من ناحيةأخرى فإنه يتعين على الإسلاميين دخول طور جديد من العمل والتنظيم يسمح لهم بتجميعالطاقات وتوعيتها وتربيتها وتوظيفها في خدمة قضايا شعبنا وأمتنا ولا بد لهذا العملأن يكون ضمن حركة مبلورة الأهداف مضبوطة الوسائل ذات هياكل واضحة وقيادات ممثلة. إن حركة الإتجاه الإسلامي التي حالت بينها وبين جماهيرها المسلمة العريضة ظروفالقهر والإرهاب لتأمل أن تكون مساهمة جماهيريا أعمق وأشمل في مستقبل الأيام. المهام : تعمل هذه الحركة علىتحقيق المهام التالية : 1 ــ بعث الشخصية الإسلامية لتونس حتى تستعيدمهمتها كقاعدة كبرى للحضارة الإسلامية بأفريقيا ووضع حد لحالة التبعية والإغترابوالضلال. 2 ــ تجديد الفكر الإسلامي على ضوء أصولالإسلام الثابتة ومقتضيات الحياة المتطورة وتنقيته من رواسب عصور الإنحطاط وآثارالتغريب. 3 ــ أن تستعيد الجماهير حقها المشروع فيتقرير مصيرها بعيدا عن كل وصاية داخلية أو هيمنة خارجية. 4 ــ إعادة بناء الحياة الإقتصادية على أسسإنسانية وتوزيع الثروة الوطنية بالبلاد توزيعا عادلا على ضوء المبدإ الإسلامي » الرجل وبلاؤه ـ الرجل وحاجته » أي » من حق كل فرد أن يتمتع بثمارجهده في حدود مصلحة الجماعة وأن يحصل على حاجته في كل الأحوال » حتى تتمكنالجماهير من حقها الشرعي المسلوب في العيش الكريم بعيدا عن كل ضروب الإستغلالوالدوران في فلك القوى الإقتصادية الدولية. 5 ــ المساهمة في بعث الكيان السياسيوالحضاري للإسلام على المستوى المحلي والمغربي والعربي والعالمي حتى يتم إنقاذشعوبنا والبشرية جمعاء مما تردت فيه من ضياع نفسي وحيف إجتماعي وتسلط دولي. الوسائل : لتحقق هذه المهام تعتمدالحركة الوسائل التالية : 1 ــ إعادة الحياة إلى المساجد كمركز للتعبدوالتعبئة الجماهيرية الشاملة أسوة بالمسجد في العهد النبوي وإمتدادا لما كان يقومبه الجامع الأعظم جامع الزيتونة من صيانة للشخصية الإسلامية ودعما لمكانة بلادناكمركز عالمي للإشعاع الحضاري. 2 ــ تنشيط الحركة الفكرية والثقافية ومنذلك : إقامة الندوات وتشجيع حركة التأليف والنشر وتجذير وبلورة المفاهيم والقيمالإسلامية في مجالات الأدب والثقافة عامة وتشجيع البحث العلمي ودعم الإعلامالملتزم حتى يكون بديلا عن إعلام الميوعة والنفاق. 3 ــ دعم التعريب في مجال التعليم والإدارةمع التفتح على اللغات الأجنية . 4 ــ رفض العنف كأداة للتغيير وتركيزالصراع على أسس شورية تكون هي أسلوب الحسم ي مجالات الفكر والثقافة والسياسة. 5 ــ رفض مبدأ الإنفراد بالسلطة « الأحادية » لما يتضمنه من إعدام لإرادة الإنسان وتعطيل لطاقات الشعب ودفعالبلاد في طريق العنف وفي المقابل إقرار حق كل القوى الشعبية في ممارسة حريةالتعبير والتجميع وسائر الحقوق الشرعية والتعاون في ذلك مع كل القوى الوطنية. 6 ــ بلورة مفاهيم الإسلام الإجتماعية فيصيغ معاصرة وتحليل الواقع الإقتصادي التونسي حتى يتم تحديد مظاهر الحيف وأسبابهوالوصول إلى بلورة الحلول البديلة. 7 ــ الإنحياز إلى صفوف المستضعفين منالعمال والفلاحين وسائر المحرومين في صراعهم مع المستكبرين والمترفين. 8 ــ دعم العمل النقابي بما يضمن إستقلالهوقدرته على تحقيق التحرر الوطني بجميع أبعاده الإجتماعية والسياسية والثقافية. 9 ــ إعتماد التصور الشمولي للإسلاموإلتزام العمل السياسي بعيدا عن اللائكية والإنتهازية. 10 ــ تحرير الضمير المسلم من الإنهزامالحضاري إزاء الغرب. 11 ــ بلورة وتجسيم الصورة المعاصرة لنظامالحكم الإسلامي بما يضمن طرح القضايا الوطنية في إطارها التاريخي والعقائديوالموضوعي مغربيا وعربيا وإسلامي وضمن عالم المستضعفين عامة. 12 ــ توثيق علاقات الأخوة والتعاون مع المسلمين كافة في تونس وعلى صعيدالمغرب والعالم الإسلامي كله. 13 ــ دعم ومناصرة حركات التحرر في العالم. ــ تونس في 6 جوان 1981 ــ ثانيا : الرؤية الفكرية والمنهجالأصولي لحركة الإتجاه الإسلامي وهي الوثيقة التي أنتجها مشروع الأولويات ضمنمشروع التقويم الذي بدأ بشكل مؤسسي جماعي منظم عام 82 وهي ثالث وثيقة صادق عليهاالمؤتمر الرابع للحركة ( 25 ديسمبر 86 ) بعد وثيقتي : إستراتيجية الإصلاح والتغييروالسياسة التنظيمية للحركة. نظرا لطول الوثيقة ( الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي ) نقتطف منها هنا جرد مختصراسريعا ولمن أراد الإطلاع عليها كاملة يجدها في موقع النهضة.نت وفي كتب أخرى كثيرةمنها » من تجربة الحركة الإسلامية في تونس » من إصدار المركز المغاربيللبحوث والترجمة ـ الطبعة الأولى 2001 ـ ترقيم : 2001 ـ 9 ـ 2400 ـ 007 . مقتطفات من المقدمة : ــ » … إن حركة الإتجاه الإسلامي بتونستتخذ لها منطلقا العقيدة الإسلامية المباركة : القاعدة المركزية في التفكيرالإسلامي … لا نؤسس عبر هذه الأسس عقيدة جديدة ولا تصورا مقطوع الجذور و إنما هورصد لمنهج إلتقى عليه أبناء هذه الحركة ينطلق من كتاب الله العزيز ويسترشد بالفكرالإسلامي عبر مساره الطويل … « . المحور العقائدي : ــ » … وأركان العقيدة ستة هي : الإيمانبالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر … وعلى هذا الأساس منالتوحيد فنحن لا نفرق بين التوجه لله بالشعائر والتلقي منه في الشرائع لا نفرقبينهما … ويقوم التوحيد في فهمنا على دفع الإنسان إلى منطقة الفعالية والتأثيروإقتحام الكون ثقة وإطمئنانا لمنع أي ضرب من ضروب الظلم والإستغلال والتفكك المعيقلدور الإنسان في الخلافة والعمارة … ». المحور الأصولي : ــ » .. غير أن الإنسان في وحدته مع عناصرالكون يمتاز عنها بالرفعة في مظهرين هما : التكريم والتسخير … وقد زود الله هذاالإنسان بالعقل وجعله أساسا للتكليف بالخلافة … » ــ » حقائق الوحي مطلقة لإنها صادرةعن علم إلهي مطلق … ولا تنافي حقائق العلم ومبادئه وإنما هي جارية على مقتضاه… إذا كان الوحي في مجال العقيدة والعبادة فإنه يحدد مبادئ وأحكاما تفصيليةنهائية لا مجال لتغييرها عملا بالقاعدة الأصولية » لا يعبد الله إلا بما شرع ».وإذا كان الوحي في مجال التشريع الإجتماعي والسياسي أو ما يسمى فقه المعاملات فإنهعدا بعض الإستثناءات المحددة يكتفي بوضع أصول كلية ورسم قواعد عامة تفتح أمامالعقل البشري مجالا متسعا يمكنه من الإجتهاد في إستنباط ما لا نهاية له منالتطبيقات العملية … » ــ » العقل وسيلة إنسانية للإدراكوالتمييز والحكم .. إذا إلتزمت بالموضوع والمنهج .. والحقيقة العلمية الثابتة لاتصطدم بحقيقة شرعية ثابتة ويؤول الظني منهما ليتفق مع القطعي فإن كانا ظنيينفالنظر الشرعي أولى بالإتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار… ». ــ » منهج التعامل مع الوحي فهما وتطبيقا : يقوم منهج الفهم علىالأسس التالية : 1 ــ الأساس اللغوي. 2 ــ الأساس المقاصدي. 3 ــ الأساس الظرفي. 4 ــ الأساس التكاملي. 5 ــ الأساس العقلي. ــ » أما على مستوى الإستدلال فإنالأدلة نوعان : أ ــ أدلة أصلية هي : القرآن والسنة. ب ــ أدلة ثابتة وهي : أهمهاالإجماع والقياس وزاد أصوليون أنواعا أخرى مختلف فيها بين الأئمة كالإستحسانوالمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف والإستصحاب … ». كما يقوم منهج التطبيق على الأسس التالية : 1 ــ العلم بعلل الأحكام. 2 ــ العلم بالواقع. ». ثالثا : إستراتيجية الحركة فيالتغيير والإصلاح. وهي التي أقرها المؤتمر الرابع إنطلاقا من خلاصات التقويموحصائل مشروع الأولويات. تتضمن الإستراتيجية بعد المقدمة : ــ شروط التغيير. ــ مباحث التغيير. ــ مراحل التغيير. شروط التغيير الستة : 1 ــ بعث جيل إسلامي مؤمن بالفكرة الإسلامية. 2 ــ بعث حركة وتنظيم إسلامي يكون وسيلة لدفعالإصلاح. 3 ــ توفير قوة مالية كافية. 4 ــ تنضيج فكر إسلامي جدير بقيادة وتوجيهعملية التغيير. 5 ــ تنضيج بدائل إسلامية مناسبة للواقع المرادإصلاحه. 6 ــ المساهمة في بعث مناخ داخلي وخارجي مناسبلصنع التغيير. مناهج التغيير ومباحثه : 1 ــ الأسلوب الثوري الشعبي. 2 ــ الأسلوب الإنقلابي العسكري. 3 ــ الأسلوب الديمقراطي. ( إنحازت الحركة بعدحوارات داخلية إلى إعتماد الأسلوب الديمقراطي ). مراحل التغيير : 1 ــ مرحلة الإنتشار والإنبثاث. 2 ــ مرحلة التأهل السياسي والفكري. 3 ــ مرحلة التمكين. كما أوصى المؤتمر الرابع بضرورة مواصلة الحوار لإستكمال الإستراتيجية سيما فيمايتعلق بالقضية الإقتصادية وما في حكمها مما يخدم قضية التغيير الشامل والإصلاحالمتدرج. بعض من رجال الحركة ممن قضى شهيدا أو ينتظر مرابطافي ثغر من الثغور الحامية : 1 ــ بعض منشهدائها : ــ ( الهادي المحضاوي ـ عثمان بن محمود ـ الطيبالخماسي ـ محرز بودقة ـ بولبابة دخيل ـ الرائد المنصوري ـ عبد العزيز المحواشي ـرشيد الشماخي ـ إسماعيل خميرة ـ سحنون الجوهري ـ المبروك الزرن ـ القائمة أماميتحوي أكثر من خمسين شهيدا بدءا من أحداث الإنتفاضة التلمذية في خريف 1981 حتى شهورقليلة خلت ـ أغلب الشهداء ماتوا بسبب سياسة الموت البطيء التي تفرضها السلطة علىالمساجين السياسيين سيما الإسلاميين منهم .). 2 ــ بعض المساجين الذين يقبعون في السجن منذ 1991: ــ ( الدكتور الصادق شورو ـ علي شنيتر ـ دانيالزروق ـ كريم الهاروني ـ العجمي الوريمي ــ بوراوي مخلوف ــ محمد القلوي ــ الشيخلطفي السنوسي ــ الشيخ الصحبي عتيق ـ … القائمة تضم 53 سجينا سياسيا من حركةالنهضة ( أنظر النهضة.نت ). 3 ــ بعض مؤسسي الحركة : ــ ( المستشار صالح بن عبد الله البوغانمي ـإحميده النيفر ـ الشيخ عبد الفتاح موروـ بن عيسى الدمني ـ علي نوير ـ الحبيبالمكني ـ محمد شمام ـ عبد الله الزواري ـ الشيخ محمد الصالح النيفرـ الشيخ عبدالقادر سلامة ـ الشيخ عبد الوهاب الكافي ـ الشيخ الهادي بلحاج إبراهيم ـ ضو صويد ـعبد العزيز الوكيل ـ جليلة الكسراوي ـ الدكتورة سميرة شيخ روحه ـ سوسن الصدفي ـهناء الرمة ـ الخ …). 4 ــ رؤساء الحركة ورؤساء مجلس الشورى فيها : ــ ( الشيخ راشد الغنوشي ـ الفاضل البلدي ـحمادي الجبالي ـ الدكتور الصادق شورو ـ الشيخ الحبيب اللوزـ جمال لعوي ـ وليدالبناني ـ محمد بن سالم ـ الشيخ محمد العكروت ـ الدكتور صالح كركر ـ علي لعريض ـقاسم الفرشيشي ـ رضا إدريس ـ الدكتور عبد الرؤوف بولعابي ـ ). مؤسسات الحركة ومؤتمراتها : ــ للحركة قانون أساسي منشور في كثير من الكتب.( أنظر النهضة.نت ). ــ أهم مؤسسات الحركة : 1 ــ المؤتمر العام : أعلى سلطة ( ينتخب رئيسالحركة وثلثي أعضاء مجلس الشورى). 2 ــ مجلس الشورى : أعلى سلطة بين مؤتمرين ( لمجلسالشورى مكتب إداري مضيق ). 3 ــ المكتب التنفيذي الذي يرأسه رئيس الحركة أونائبه. 4 ــ المكاتب التنفيذية والإستشارية والنظريةالأخرى في الفروع والقطاعات وحسب الحاجة من مثل المكتب السياسي وغير ذلك. ــ مؤتمرات الحركة : 1 ــ المؤتمر التأسيسي الأول ـ صائفة 1979 بتونس. 2 ــ المؤتمر الإستثنائي الأول ـ ربيع 1981. 3 ــ المؤتمر الثالث : صائفة 1984. 4 ــ المؤتمر الرابع : ديسمبر 1986 ( أكبر مؤتمرمضموني للحركة في تاريخها). 5 ــ المؤتمر الخامس : ربيع 1988. 6 ــ المؤتمر السادس : ربيع 1995 بالمهجر. 7 ــ المؤتمر السابع : شتاء 2001 بالمهجر. 8 ــ المؤتمر الثامن : صرح رئيس الحركة الشيخ راشدالغنوشي قبل أسبوع بأنه سيعلن عليه في الوقت المناسب كما صرح من قبله رئيس المكتبالسياسي عامر لعريض بأن الحركة بصدد الإعداد للمؤتمر الثامن. جوانب أخرى متفرقة من تجربة الحركة : 1 ــ تعرضتالحركة إلى عدد كبير من محاولات الإستئصال الشاملة كان أبرزها : ـــ عام 1981 : إعتقل مئات من قياداتهاوفعالياتها وحكم على تسعين منهم بالسجن. ـــ عام 1983 : إعتقل أعضاء المكتب التنفيذيومشرفي الوحدات الطلابية وسجنوا. ـــ عام 1984 : إعتقالات في صفوف الإسلاميينبالمئات لمواجهة آثار ثورة الخبز. ـــ عام 1987 : إعتقال عشرات الآلاف ومحاكماتواسعة وإعدامات. ـــ عام 1990 : إعتقالات بالجملة تطبيقا لخطةتجفيف منابع التدين ثم تواصلت دون توقف. 2 ــ قامت الحركة بمراجعات وتقويمات دورية كثيرةسجلتها في بعض كتبها المنشورة. 3 ــ تقابلتقيادة الحركة مع الوزير الأول الأسبق محمد مزالي ورفضت منحها جمعية ثقافية مقابل التخلي عنالصفة السياسية ( 1984 ). ومع الرئيس الحالي بن علي ثم مع مستشاريه ضمن التفاوضحول تسوية أوضاع الحركة قانونيا وعمليا.( 1988). ثم مع السفير التونسي بتكليف منرئيس الدولة ( سويسرا 2003 ). كما قامت بمباردات صلحية كثيرة مع الرئيس الحالي عنطريق قادة دول وزعماء كبار على مدى العقدين المنصرمين ( بمعدل موفد واحد عن كل عام) ولكن ظل باب الصلح من لدن السلطة موصدا. 4 ــ عبرت الحركة في مرات كثيرة عن ثوابتها التي لاتقبل التنازل : الصفة الإسلامية وفق المنهج الوسطي المتوازن المعتدلفكرا وسلوكا والصفة السياسية وفق التعامل السلمي الديمقراطي وفي مقابل ذلك تنازلتالحركة مرات كثيرة بقصد التأقلم مع الواقع المفروض من السلطة من مثل : الإسم الذيتغير من الجماعة الإسلامية إلى حركة الإتجاه الإسلامي ثم إلى حركة النهضة. ومن ذلكأيضا : تحييد المساجد وهو الأمر الذي لم تلتزم به السلطة الخ… 5 ــ أصدرت الحركة عددا من وسائل الإعلام منها :المعرفة ـ المجتمع ـ الحبيب ـ الفجرـ ثم فضائية الزيتونة ( كلها سطت عليها السلطةفي العهدين البورقيبي وعهد خلفه ). كما قدمت الحركة مرات كثيرة مطالب تأشيرةقانونية لدى وزارة الداخلية لإعتمادها حركة سياسية ولكن ووجهت بالقمع والإرهابوالقتل والتعذيب والتشريد والتشويه. 6 ــ تأثرت الحركة بواقعها المحلي والدولي ومن ذلك :تأثرها بحيوية المسألة النقابية خاصة والإجتماعية عامة في أثناء الأحداث النقابيةبما عرف بالخميس الأسود ( 26 جانفي 78) وتأثرها ببعض جوانب الخطاب اليساري في تونس( القضية الإجتماعية ) وتأثرها بالحركة الحقوقية في تونس وخارجها وببعض جوانب خطابالثورة الإسلامية في إيران ( دور المستضعفين في تحويل التغيير إلى قلب المعادلةالإجتماعية والسياسية محليا ودوليا ) وتأثرها ببعض جوانب الخطاب القومي العروبيالتوحيدي ( دور العربية في حماية الإسلام ) وببعض جوانب التجربة السودانية إصلاحاإسلاميا ( دور المرأة في التغيير والإصلاح ) الخ … مما يؤكد إنفتاح الحركة علىالتجارب إلتقاطا لما يناسبها أصلا وعصرا ولفظا لما يمسخ هويتها. 7 ــ نشأت الحركة ثم ترعرعت على مبدإ الوفاق بين كلمكوناتها الفكرية : تيار تدين تقليدي تونسي وتيار تدين إخواني مشرقيوتيار تدين سلفي يضيق الإجتهاد وتيار عقلاني يوسع الإجتهاد وتيار ثوري وآخر إصلاحيوبذا لم تكن حركة الخروج منها شديدة من ناحية ولا كان خروجا عليها من ناحية أخرىكما حدث مع الإسلاميين التقدميين أو غيرهم. ظلت حركة بالخلاصة لا حزبا محدودا فضلاعن فئة أو طائفة بسبب الجمع بين ضرورتي الحفاظ على الأصل الثابت وعلى حق الإقتباسوحرية التفكير. 8 ــ ساهمت الحركة في دفع العملية الديمقراطية بكلالطرق ومن ذلك : تحشيد أعضائها والشعب بأسره إلى التصويت لصالح قوائمحركة الديمقراطيين الإشتراكيين بزعامة أحمد المستيري وهي القوائم التي فازتبإنتخابات عام 1981 لولا تزييف بورقيبه وأزلامه لها ومن ذلك دعمها للقوائمالمستقلة في إنتخابات 2 أبريل 1989 التي فازت هي الأخرى لولا عمليات التزويرالشنيعة التي أقدم عليها بن علي ومن معه ومن ذلك أيضا الإمضاء على الميثاق الوطنيفي السنة ذاتها من خلال الأستاذ المحامي نور الدين البحيري. 9 ــ كما ساهمت الحركة في ترسيخ أقدام المنظماتالأهلية من مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وذلك من خلالالمشاركة برجالين من رجالها هما: الأستاذ بن عيسى الدمني ثم خلفه الشهيد سحنونالجوهري ومن ذلك تعزيز الجناح العاشوري ( نسبة إلى المرحوم الحبيب عاشور أحد مؤسسيوزعماء الإتحاد العام التونسي للشغل ) والإصطفاف وراء الأيادي النقابية الشهمة منبعده ومن ذلك ترشيح المناضل النقابي والسجين السياسي السابق الأستاذ أحمد لعماريللمكتب التنفيذي في مؤتمر سوسة 1989 ومن ذلك أيضا مساهمة الطلبة الإسلاميينبالجامعة في تأسيس الإتحاد العام التونسي للطلبة التي إعترف به قانونيا قبل حلهوتشريد أعضائه وسجن قياداته. وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نتوجه بالتهنئة بهذه المناسبة إلى الحركة قيادةومساجين ومشردين ومسرحين وشهداء رجالا ونساءا وشبابا وإلى أصدقائها سائلين المولىالكريم ولي النعمة سبحانه أن يمن على تونس العزيزة بغد خير من يومها ملؤه التراحموالتكافل والعض بالنواجذ على الهوية العربية الإسلامية في حرية وأمان وعدل.
(المصدر: موقع »الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 5 جوان 2007)
—————————–
فيذكرى تأسيس الحركة
الأستاذ: الفاضل البلدي بسم الله الرحمن الرحيم مضت اليوم ستّة و عشرون سنة على ذكرى الإعلان عن حركة الإتجاه الإسلامي في جوان1981 – و هي سلف حركة النهضة – و يجدر و الإسلاميون يحتفون بهذه الذكرى أن نتوقّفعند مسيرة الحركة الإسلاميّة خلال هذين العقدين و النصف بشيء من السرد و التقويم و الإعتبار بغرض التعريف بهذه التجربة ليعرف المناضلون و الأنصار ذلكالتاريخ بما فيه من حلو و مرّ فيؤسّسوا لمستقبل جديد قائم على الرشد و البصيرة. لقد جاء الإعلان عن ميلاد حركة الإتجاه الإسلامي في جوان 1981 بعد حوالي خمسة عشرسنة من العمل السرّي أو شبه السرّي تحت عنوان الجماعة الإسلاميّة و كانت مجالاتهالمساجد و الجامعة و المعاهد الثانويّة و دور الثقافة و شيء من الإعلام ممثّلا فيمجلّة المعرفة ثمّ جريدة الحبيب و صحيفة المجتمع. و إذا كان العمل في أوائل السبعينات عملا دعويا بحتا يهدف إلى بناء جيل متشبّعبالفكرة الإسلاميّة فقد بدأ يتطوّر شيئا فشيئا في اتجاه معافسة قضايا الشأن العامفي التعليم و الثقافة و النقابة .و لعلّ الحضور المطّرد و المتصاعد في الجامعة والثانويات و الصراع الفكري و العنيف أحيانا مع مناضلي اليسار الذين كانوا يهيمنونعلى قطاع التعليم لعلّ ذلك الحضور قد ساهم بقوّة في تطوّر الإسلاميين و حضورهمالعام كما أنّ الأحداث التي شهدتها البلاد خاصّة صراع النقابة مع النظام في سنة1977 ثمّ 1987 و أحداث قفصة سنة 1980 و الأحداث التلمذيّة و الطلابيّة في سنة 1981. إنّ هذه الأحداث جميعا دفعت الإسلاميين بقوّة إلى الحضور العام و أخرجتهم إلىالمشاركة السياسيّة من خلال المواقف في الدروس المسجديّة العامّة و التعبير منخلال جرائدها: المعرفة- الحبيب – المجتمع. كما تجدر الإشارة بقدر من التركيز إلى الأحداث العالميّة خاصّة أحداث مكّةالمكرّمة ، و نجاح الثورة الإسلاميّة في ايران التي كان لها تأثير واضح على شباب الحركةالإسلاميّة و بعض من قياداتها من حيث الأطروحات الفكريّة و السياسيّة و على مستوىالمناهج و الوسائل و لعلّ احتجاز عميد كليّة العلوم في الأحداث التلمذيّة والطلابيّة يمثّل حدثا بارزا في حياة الحركة الإسلاميّة و مظهرا من مظاهر ذلكالتأثير و يمكن أن نقول إنّ هذا التطوّر السريع قد أدّى إلى نوع من الحوار الداخليالمستعجل بين مجموعة من الأفكار المتقابلة :السريّة و العلنيّة – الديمقراطية والثوريّة – الدعوة و الثقافة من ناحية و السياسة من ناحية ثانية و قد انتهى هذاالحوار إلى تنظيم المؤتمر الثاني للحركة في ماي 1981 الذي جاء تحت ضغط الواقعالسياسي من ناحية و تحت ضغط الوضع الداخلي من ناحية أخرى . فمن جهة الواقع السياسيكانت هناك دعوة ملحّة لضرورة التأقلم مع الواقع السياسي الجديد القاضي بالتعدديّة.
و من جهة التطوّرالسريع للحركة من حيث التوسّع الأفقي و الحضور المطّرد في الحياة العامّة كانتهناك دعوة لضرورة الخروج للعلنيّة و استغلال دعوة التعدديّة للإعلان عن ميلاد حركةسياسيّة تستوعب الواقع الجديد و تستثمر ما يراكم من نتائج عبر المراحل الماضية .
و فعلا أصدر المؤتمرقرار هامّا و تاريخيّا يقضي بتقديم مطلب تأشيرة لتأسيس حركة الإتجاه الإسلامي وتنظيم ندوة صحفيّة يعلن خلالها عن الهيئة التأسيسيّّة و المكتب السياسي و برنامجالحركة . و لكن كان واضحا انّ المؤتمرين لم يكونوا على نفس الدرجة من الوعي والحماس بهذه الإختيارات الجديدة لذلك استمرّ الحوار بعد ذلك حول هذا الإختيار وبقي جزء من كبير من أبناء الحركة مشدودا إلى الماضي.و تكرّست بعد ذلك ازدواجيّةضارّة بين قيادة سريّة و أخرى علنيّة و كان للمحنة الأولى أي إيقاف القيادة وسجنها في أواخر سنة 1981 أثر كبير في النكوص عن التطوّر الطبيعي الذي تقتضيه سنن التاريخحيث أوقفت جلّ القيادات المتحمّسة لذلك الإختيار و تحوّل جزء آخر إلى الخارج .ورغم أنّ الحركة أعلنت عن مكتب سياسي ثان تكريسا لأختيارها للعلنيّة و العمل الرسميإلاّ أنّها عمليّا انكفأت على نفسها و انشغلت بالتضميد و الترميم و ابتليت بماتبتلي بها الحركات الإسلاميّة من تشتّت و ملاحقة و متابعة حرمتها من فرص الحوار والبناء و استثمار المكاسب و النتائج و رغم أنّ المحنة لم تطل كثيرا و خرجتالقيادات سنة 1984 و أمامها فرص جديدة للتقدّم و تأكيد شرعيّة الحركة في الواقعالسياسي حيث كان رئيس الوزراء السيّد محمد مزالي مستعدّا للتعامل بشكل من الأشكالمع حركة الإتجاه الإسلامي بعد أن لعب دورا هامّا في إنهاء محنتها .كان امام الحركةأن تدعّم خيارها في الإتجاه نحو العلنيّة و تجنّب كلّ أشكال التشابك مع السلطة واستثمار توجّه السلطة في تثبيت التعدديّة و مراعاة التوازنات السياسيّة حتى لاتستعدي على نفسها كلّ الفرقاء السياسيين و في مقدّمتهم الحزب الحاكم .و لكن الغرورو طبيعة الإستعجال و المزاجيّة و الإعجاب بالكثرة و عدم الإلتزام بالإستراتجيّة والخطط جعلت الحركة الإسلاميّة تقع في أخطاء عمليّة استفزّت النظام فقرّر مواجهتهامن جديد. و هكذا لم تتمكّن الحركة من اغتنام الوقت الكافي لبناء نفسها بناء متينا دعوة وسياسة و ثقافة و اقتصادا و فكرا و لو تواضعنا و تجرأنا على أنفسنا لقرّرنا انّالإسلاميين يتحملّون مسؤوليّة كبيرة في استعداء النظام و ذلك دون أن نبرّئ الآخرأو نقلّل من مسؤوليّته في ما جرى سنة 1987. ثمّ إذا تقدّمنا في الزمن قليلا و تجاوزنا محنة 1987 و كيف أنّ الحركة الإسلاميّةخرجت منها بمكاسب جمّة : انتشار واسع – صيت ذائع – شرعيّة عمليّة كبيرة – كمّ هائلمن القيادات الجماهيريّة و هو ما دعا النظام الجديد لفتح حوار معها و القبول بهاكيانا واضحا موجودا مغضوضا عنه الطرف و هو ما أدّى إلى تشريكها في الميثاق الوطنيو تمكينها من جريدة تنطق باسمها. و مرّة أخرى يغيب الرشد و تغيب الحكمة و يقع النكوص عن التطوّر الطبيعي الذي تقضيبه السنن. و تحضر من جديد الخصائص القديمة (الغرور- الإستعجال- المزاجيّة- الإعجاببالكثرة-…) فتقع الحركة في أخطاء قاتلة قوامها عدم فهم طبيعة النظام الجديد وعدم الإدراك الواعي لطبيعة التوازنات و سوء التقدير لطبيعة التوازنات الإقليميّة والدوليّة و انتهت إلى تشابك جديد و لكنّه هذه المرّة أشدّ شراسة و لا يعيبني أنّ أقولبصوت عال و مسؤول إنّ الحركة الإسلاميّة أي حركة النهضة تحديدا تتحمّل قدرا كبيرامن المسؤوليّة في ما جرى دون أن ننزّه النظام أو نقلّل من مسؤوليّته في ما وقع. و أنا عندما أعترف بمسؤوليّة الحركة و أشدّد على ذلك إنّما أقصد إلى إرساء منهاججديد يقوم على المصارحة و المكاشفة إيقافا لمسلسل الأخطاء و رغبة في تجريء أنفسناعلى أنفسنا حتى نؤسّس لمستقبل جديد و نهضة جديدة تقوم على حسن الفهم و حسن التقديرو حسن التخطيط و حسن التنزيل. و هي معان يجدر بنا أن نشدّد و نؤكّد عليها و نحن نحتفي بذكرى تأسيس حركة الإتجاهالإسلامي سلف الجميع. الفاضل البلدي ــ تونس. 2007/6/5 (المصدر:موقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 5 جوان 2007)
بسم اللهالرحمان الرحيم اسـتــــــــقــــــــالــــــة
إني الممضيأسفله عكاشة بنعكاشة كنت قدتوقفت عن كل نشاط سياسي منذ استقراري بفرنسا كلاجئ سياسي سنة 1992 وبعد خروجأغلبية مساجين حركة النهضة من السجن فإنني:
· أعلناستقالتي من حركة النهضة · اعتذر اعتذارا شديدا إلى كل من قد أكون ساهمت في إيذائه أو الإساءة إليه من قريبأو من بعيد. · اعتبر أن كل ما يصدر من قرارات وبيانات لا تلزمني ولست معنيا بها. · أعتبر أن لكل فرد الحق في تسوية وضعيته القانونية بما فيها حق الحصول على جوازسفر والعودة إلى أرض الوطن واسترداد حقوقه كمواطن تونسي.
باريس، 5جوان2007 الإمضاء
عكاشة بنعكاشة
الخلاصالفردي : عندما يتعب المناضل يستفيق الوهم
1– فيالمعنى والدلالة
دخلت مقولة الخلاص الفردي حقلالتداول السجالي في الساحة الوطنية منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي، وتحديدا منذ أن طرح السيد الحامديمبادرته الاولى لما سماه بحل ملف الاسلاميين بعد مقابلته لرئيس الدولة يومها .
ولأن منهج الطرح الذي أنطلق منهالسيد الحامدي(1) كان مغموزا اخلاقيا، فقد حملت تلك المقولة شحنة سلبية داخل أوساطالمناضلين الاسلاميين وقدرا من الاستهجان خارجهم . وهيتحيل في معناها المباشر على التخلي عن القضية والمقايضة بالتاريخ من أجلالامن على النفس .
الخلاص الفردي في الحالة التونسية،يعني بالضبط سعي المناضل عبر الوسائط المؤسساتية للدولة بالخارج ،للحصول على عهدأمان على نفسه في حالة عودته، مقابل إنسحاب كامل من الدائرة النضالية. و غالبا مايرفق ذلك السعي بتوقيع وثيقة ،يطلب فيها عفوا أو يلتزم من خلالها بعدم ممارسةالسياسة .
فمطلب العفو في ذاته شطبارادي للماضي النضالي، واستعداد ذاتي لدفنه والتبرأ منه على أنه مسار جريمة تستوجبالاقرار بها والندم عليها والتوبة عنها واستجداء العفو لأنها تستوجب العقاب.
العقد في الحالة في غاية المعقوليةمن حيث الشكل والمضمون، فالسلطة تمتص الصفة السياسية « للمناضل »باستقباله كحالة انسانية وملف قضائي تعالجه إداريا، وفي نفس الوقت تستعمله وتستغلهو تستفيد منه سياسيا، سواءا من جهة تثبيت شرعية سياستها، أو منناحية بث روح اليأس والاحباط والفرقة في صفوف رفاقه.
فالمناضل السياسي يسعى الى خصمه فيالحالة بعد أن يخلع رداءه النضالي وكل ما يرمز اليه من قيم تاريخية أطرت وجودهالفردي ضمن تاريخ عام وقضية وطنية
ومن السابق نستنتج أن الخلاصالفردي، هو بالأساس تأمين للذاتعلى حساب أمن القضية فهو حل لمشكلة شخصية بالتنصل من قضية عامة،حل يحضر فيه جلاد متسامح وضحية خاضعة وقضية هي الثالث المرفوع والغائب الموؤود .
والسؤالالمطروح من هم أصحاب الحل الفردي
1 هم مجموعة أبناء شعبنا التيشاركت في حمل همومه، وناضلت من أجل تطلعاته ودفعت ثمن اختياراتها .
2 هم جلهم او كلهم ممن مارسواالعمل العام من خلال تنظيم حركة النهضة، عايشوا تجربتها، وتربوا داخل مؤسساتها علىقيم الانخراط في الشأن العام على انه واجب شرعي وديني أساسا.
3 هؤلاء كلهم خرجوا من النهضةأوخرجوا عليها، إما استقالة، أو تجميدا، أو طردا، وقلة منهم كتب حول تجربته معالنهضة ودواعي الخروج منها أو عليها وأغلبيتهم أنسحبوا بصمت وأختاروا انهاءمشوارهم النضالي والحركي بدون ضجيج .
4- أغلب من خرج لم يطرح على الساحةرؤى أو مشاريع جديدة يمكن أن تحيل على تجاوز تاريخي لمشروع وخط حركة النهضة، فأسباب الخروج لم تكن عموما حول برنامج بديل بقدر ما اتصلت بمشاكل ذات صبغةعلائقية وتنظيمية بحتة، منها ما كان موجودا قبل تعرض تلك الحركة لمحنة 91، ووجدت في ملابسات التقييم لتلك المحنة فرصة للتعبير عن إختلافاتها ومبررالأنسحابها أو ردتها أصلا عن المشروع وأهله.
5- هؤلاء منظورا إليهم بتاريخنضالنا السياسي الحديث هم أبطال الحرية ،فقد دفعوا ثمن انخراطهم في الشأنالعام غاليا من النفس والنفيس
6 – لا أحد يملك حقالوصاية على القيم العامة ولا أحد يملك ان ينزع عن هؤلاء صفة النضالية، فمن حقالمناضل أن يتعب، ومن حقه أن يتقاعد، ومن حقه أن ينهي مشواره بالصيغة التيتريحه ضميرا وجسدا، فإستقلاليته تفترض منطقا حقه في تقرير مصيره وإن كان مصيرهعودة تخلع عن سنين معاناته رمزيتها النبيلة. ومن المؤسفأن نقرر أن هؤلاء السادة قد دخلوا تاريخ النضال الوطني من بوابة الشرف وخرجوا منهعبر شباك صغير يفتح على إسطبل قطيع .
والحال مع هؤلاء المناضلين، هو حالمن توكل في ورشة بناء تطوعي وطلب الانخراط فيها، ا فمن أعطى من حياته ساعة واحدة –فضلا عن سنين عددا – لتلك الورشة، فالشكر له موصول ساعة يقررأن يترك الورشة ومن فيها. ولكن المشكلة إذا أبتعد عنها أمتارا ثم رماها بحجر منسجيل عندها، وعندها فقط من حق القائمين الدفاع عن الورشة ومن فيها وأن يذبّواعليهابما أستطاعوا لأن إعتداء ذوي القربى أشد إيلاما من عدو بعيد ومن كان عاملا في تلكالورشة يعلم أنها ليست زاوية درويش مفتوحة للمساكين في نأي عن ضجيج المدينةوتهارجها بل و تحاربها أحيانا، فهل ينسى هؤلاء أن البناء أقيم في سوقالمدينة، وأن تاريخ المدينة هو نفسه تاريخ السياسة، نادرا ماكتب بحبروحتى الاستثناءات التي غلبت فيها روح المسيح عند بناء المدينة وكتب تاريخها بحبرنُقّطت الحروف بالدماء.
لعل اسجابة بعض المناضلينالاسلاميين لدعوى تسوية وضعياتهم فرديا، يعود اساسا الى أن جزءا كبيرا منهؤلاء لم ينخرط في العمل العام على قاعدة السياسة، وانما على أرضية دينيةدعوية، ومن الطبيعي أن يخبط بعضهم خبط عشواء وهو يحاجج على أرضية السياسةمجال الحيلة والمناورة والمكر النبيل، وهؤلاء نسأل الله أن يجازيهم عن الأمةوالوطن خير الجزاء ونتمنى لهم حقيقة تقاعدا مريحا وعودة ميمونة وتوبة خالصة من فعلساس وأخواته وبنات عمه. فمصاهرة تلك العائلة نادرا ماكانت مريحة، تماما كمصاهرة قابيل لأبيه ضرورة دفعت الى قتل الشقبق، أو هكذا تحدث السطر الأولفي كتاب الاستخلاف.
ويحضرني هنا سؤال مركب حد التعقيدأطرحه على الساحة للتداول والنقاش وهو كيف نفسر نجاح المستقلين من تنظيماتاليسار التونسي – وهي لم تكن في حجم النهضة جدية وامتدادا وتأثيرا – في إعادة إنتاج فرديتهم على مربع الابداع والإشعاع الوطني والدولي وفي مواقعالتـأثير الاعلامي والسياسي والمدني. هذا في حين يبدو الخارجون من تنظيمالنهضة ارقاما كمية قليل مكتوبهم يلتحف لحاف التشويش على أخوة الدرب الجميل أكثرمما يرتدي زينة الاظافة والابداع
فهل يعود الامر الى استفادة اليسارالتونسي من الاممية الشيوعية التي كانت تقتسم العالم مع القطب الليبرالي في مقابلالرفض المبدئي الذي لقاه الاسلامي من الشرق والغرب وهو الذي تبنى مبكرا شعار لاشرقية ولا غربية ؟
وهل الامر يتصل فقط بالواقعالموضوعي أم بالمرجعية الايديولوجية للاسلامي والتي لم تحسم موقفها الفكري والشرعيمن العديد من أدوات التعبير الفني كالنحت والفنون التشكيلية والسينما والمسرح وهيمجالات ابداع سجل فيها اليساريون التونسيون حضورا متميزا في الساحة الوطنيةوالدولية؟؟؟؟
سنعود لمحاولة التطارح علىأرضية ذلك السؤال الاشكالي في مقاربة مستقلة خاصة وأنه يتجاوز في مفاصله الأساسيةالساحة التونسية ويشملل تجربة المدارس الايديولوجية الكبرى في عالمنا العربي والاسلامي
ولكن يحضرنا فيما يتصل بموضوعنا سببا مباشرا وراء عقمالحاسة التفكيرية والسياسية لأغلب المستقلين الاسلاميين، وهو ما يتصل بما نسميهبعقدة المرآة العاكسة فحالهمحال من يقود سيارة وبصره مثبت على المرآة العاكسة مما يمنعه من رؤية المستقبل إلامن خلال زاوية الرؤية الضيقة التي
تعكسه تلك المرآة، فالرؤيةالضيقة والمعكوسة وان كانت لاتسمح بأستشراف القادم فانها أقصر السبل الى المأساة
ضباب المحن قد يغشي عن رؤية تفاصيلالطريق ولكن لا يمنع رؤية علاماته بشرط الصبر، والتأني في السير، والحفاظعلى الوجهة . أما العلاقة بالماضي الحزبي فقدتتحول الى عائق منهجي في قراءة الواقع ورؤية المستقبل اذا لم تأخذ موقعها الطبيعيمن الذاكرة كمخزون عبرة لاكدليل عمل وأفق تفكير.
بعض الخارجين على « حركة النهضة » سعوا ما أستطاعوا إليه سبيلا لإستفزازها لأن مربع التنابز معالإسلامية الحركية جلاب مصالح في ظل سلطة أستئصلية في الداخل، وعالم مستنفرضدها في الخارج.
ينسى هؤلاء وبعض أعضاء النهضةالذين تشنجوا في ردودهم على الخارجين عليهم أن النهضة من مؤسسة والمؤسسةبدون قلب فهي ببساطة لا تحقد
ربما يفسر فائض البرودة لدى جهازالنهضة أزمة التواصل التي حكمت علاقتها بأغلب المنسحبين منها ، وهي تتحمل جزءا قديكبر أو يصغر بحسب الحالات في ضياع العديد من كوادرها بل ودفع بعضهم إلى أخاديدردة الفعل المرضية على تلك الحركة .
التراث النضالي لحركة النهضةملك الذاكرة الوطنية وهو من الاكتناز والثراء والطرافة بما يرشحه للإستمرار في بثالمعنى لأجيال قادمة، وأما إرثها الحركي والسياسي فهو ملك للنهضة وحدهاتتحمل مسؤليته بجرد الماضي، وبحساب الحاضر، ورصيد المستقبل
2- الخلاصالجماعي يومه كألف سنة مما تعدون
يبقى أن الخلاص الفردي لايمكنتحليل مضامينه وأبعاده إلا من خلال علاقته المباشرة برديفه الخلاص الجماعي
فماذانقصد بالخلاص الجماعي
1- الخلاص الجماعي هو الخروج منأرضية أزمة عامة مشتركة نحو حلها أو أفق حلها.
2- الخروج من تلك الازمة التي قد تتخمر فتتحول إلى مأزق أو ورطة – يفترض إتفاقا في الحد الاقصى أو توافقافي الحد الادنى على حل جامع للقضية المشتركة.
3- الحل الجامع يفترض مشروعامشتركا بما هو أرضية متفقا على مرجعيتها ومنهج مجمعا على مشروعيته وأداةمسلّما بنجاعتها وفاعليتها
4- الحل الجامع أو الخلاص الجماعيلا يكون كذلك إلا في إطار تنظيم ملزم لأعضاءه بخطه وخططه، أو في إطار جبهة عملمشتركة تكون نتاجا لحوار متكافئ بين أطراف متعددة حول الجامع المشترك بينها
المحاججة الطبيعية التي ستواجه هذاالطرح هي التأكيد على غياب ذلك الحل الجماعي أصلا، فضلا عن غياب الأتفاقحوله، وهو ماينفي شرعية محاكمة من أختار التسوية الفردية لوضعه القضائي معالسلطة
ما يفوت أصحاب هذا الاعتراضالوجيه، هو أن، مقياس الحكم على السلوك ذي العلاقة بالشأن العام يقرأ منزاوية القضية ذاتها لا من مسار تنزيلها أو تطورها .
القضية هي الثابت والمشتركوالمرجعي بين الجميع، أما المسار فهو كسب بكدح متحول بين مد وجزر وصعودونزول ونصر وهزيمة
الثابت والمشترك في قضيتنا الوطنيةله كل الشرعية في أن يطرح على من أختار الخلاص الفردي سؤاله المقلق حد الألم
ماذاربحتالقضية فيما كسبت؟
ألهذا حملتبنت الصديق نطاقيها واصّاعدت الجبل؟
القضية لها كل الشرعية فيأن تذكّر المناضل »أنت الذي لا تحب الصبر ستنهار ولن يصمدالثابت فيك مني طويلا »
الخلاص الجماعي ضمن أفقه الوطني ،ليس لحظة عودة من منفى، ولا لحظة خروج من سجن ، ولاحتى لحظة مصالحة وطنيةشاملة، فكل ذلك من شروط ذلك الخلاص ومقدماته ولوازمه .
أما الخلاص الجماعي في ذاته، فهو مسار تاريخي طويل ومعقد ومتشابك ، تبدو فيه الدائرة السياسية أكثر بروزا، واشدالحاحا ،على تركيز الجهد عليها . فهي بؤرة الشحن والتحميل لبقية الأبعاد لذلك يبدوإستشكالها حد الاستعصاء من طبعها . ولذلك بالضبط قد يراهن السياسي على ديناميكياتاخرى كالثقافة والاقتصاد لحلحلة موازين القوى. بل قد تحتاج السياسة ألى المراهنةعلى فن الانتظار، وهي بالأساس حاجة المعارضة التونسية اليوم. ففي ظلإختلال ميزان القوى وإنتفاء ممكن الحركة الميدانية حتى على هوامش الفضاء العام.
مطلوب من المعارضة الوطنيةممارسة المصابرة بمعناها القرآني، بما هي إنتظارية مستثمرة في الزمنالاجتماعي ، ومراهنة على تحولاته، ومتحفزة لصب المعنى التاريخي على مجاريه . أو ذلك ما تأولناه من قوله تعالى في الآية الاخيرة من سورة آل عمران » ياأيها الذين آمنوا أصبروا وصابروا ورابطوا ,اتقوا الله لعلكم تفلحون »
قد يختلف المعنيون بشؤون البيتالداخلي للمعارضة التونسية على العديد من النقاط ولكنهم متفقون على ان الموجود دونالطموح ،وعلى ان امامهم ورشات تفكير وعمل متعددة الواجهات للخروج من حالة المراوحةوالكآبة التي تسمم واقعها . وهم مجمعون ومهمابلغ بهم التشاؤم وجلد الذات، على ان تونس يمكن ان تكون أحسن في ظلنظام بديل، وأن العمل على تحقيق ذلك بالمتاح والشرعي من الوسائل هو واجب وطني,إخلاقي، لايختلف فيه ولا يتخلف عنه إلا مستفيد من القائم ، أو خائف منه ، أوطمّاع فيه.
ذلك بالضبط هو الأدنى من الثابتالمرجعي الذي يرسم دائرة الانتماء للمعارضة الوطنية، ويرسم الخط الفاصل بينمن يتحدث عن قضايا المعارضة من داخلها، ومن يتحدث عنها من خارجها. فمنأطمأن الى خيارات النظام القائم، ورأى فيها صالح البلاد والعباد، فقد إنسحبإلى الضفة الأخرى وخرج إراديا من الدائرة النضالية، وأشدد على هذهالملاحظة لا إقصاءا أو إحتكارا للمعارضة، بل لحرصنا على أن يكون الحوار بينأطراف وشخوص واضحة مع نفسها أولا ومع غيرها ثانيا، لأنه بدون الوضوح تختلط الأسماءوالمعاني في فوضى قد تبدأ بريئة ولكنها حتما تنتهي إلى خبث .
فمن أختار السلطة ورأى فيسياستها حكمة وتوفيقا ومايجب أو ما يمكن أن يكون، فذلك إختياره وشانه ،ويمكن أن نتحاور معه في حدود ما يسعه الحوار بين الخصوم في الشأن العام، أما هموموقضايا البيت المعارض فهو من شأن اهل البيت، أي من مازال يؤمن بأن المعارضةالتونسية وإن فشلت في إفتكاك حقوقها، فمازالت تطالب بها وتسعى إليها بالممكنوالمتاح إلى أن تمسك بالأفضل والأقوم، وتلك المعارضة وإن إفترضنا فيها غباءا، فلن يصل بها حد الدروشة، والتي من علاماتها أن تتحاور مع خصمها في كيفية مغالبتهأو المناورة عليه أو إدارة الصراع معه.
ربما تحتاج المعارضة الوطنية إلىرشاقة المشي على الحبال لتناور على خصم تمكن ومن تأميم الفضاء العام بقوة العنفالرسمي. وهي في يوميات كسبها بين مد وجزر، قد تصيب خصمها في موجع ويصيبها بمثله عشرا، ولكن من يقف على أرضيتها يعلم علم اليقين بانمؤشر التحول في المستقبل المنضور يتجه نحو الاصعب بالنسبة للنظام ونحو الاحسنبحساب طموحنا الى نظام سياسي أقل إنغلاقا، وأكثر إنفتاحا من الرث الموجود.
لم يبقلدى خصوم الانفتاح السياسي ببلادنا إلا أدوات العنف الرسمي للأستمرار. وهي أدواتتستلبهم تاريخيا باكثر مما تضر المعارضة جسديا، فورطةالاستبداد هي ورطة المستبد قبل أن تكون ورطة ضحاياه
الخلاص الفردي خلاص جميعأبناء الوطن من ورطة المغامرة الرسمية في الرهان على جدل الخوف والطاعة كبطانةإيديولوجية لإستمرار السلطة في إحتكار الحياة العامة، وتوسلهاللعنف كأداة وحيدة لحماية ذلك الجدل البائس والسخيف والمخجل بمنظار تطور العالموالاقليم من حولنا.
منالعلامات الصغرى في إنجاز ذلك الخلاص تونسيا، هو دفننا وللأبد ثقافة عبادةالزعيم/الأب .
ومنعلاماته الكبرى عندنا أن يستحي جيل من أن يدعونا للعودة الى التسبيح باسمطاغية كان بالأمس القريب يقاومه معنا وكأنه لم يكن يقاومه معنا إلاعبثا.
معركة الحرية من المعارك الوجوديةالكبرى التي لاتعرف تاريخيا الهزيمة وقد تذوق مررارة الخسارة، فمنطقها أما أنتنتصر بحساب الملموس أو أن تنتصر بحساب التاريخ .
الارض كل الارض بأوطانها ومنافيهاجعلت للحر مسجدا، والبلد الطيب والشوق إليه نهر تجمد في مقلة حرّ، وإنإنسابت منه قطرة فوزّانها الورد والمعنى
أما كيفومتى نعود؟
ما زلت أدعوكم إلى عودة لانستـأذن فيها صاحب بيت لأننا أصحاب البيت فماذا لو دخلنا عليهم بابنا من بوابةتفتح على إعتزاز بماض لاتخجلنا منه دقيقة وعلى حاضر نتعطر فيه بغبار معركة نبيلة.
…أشتقتورب الخضراء إلى نزهة في حديقة لا يؤمها أبناء يسفه ابن بطاح
نورالدين ختروشي
باريس في5/06/2007
********************************
(1) تعمدنا عدمالاشارة لما سمي بمشروع المصالحة الذي أقترحه السيد الحامدي في الايام الاخيرةوطلب فيه توقيع مائة جثة سياسية على مطلب تكفينهم. فالسيد الحامدي يبدو أنهفي ورطة شخصية أراد المناورة على حدة الاحساس بها بتصديرها، وتعميمها بفحشتبريرها، فالرجل يبدو في مايطرح كصاحب حاجةوليس بصاحب فكرة وقد أخطأ في تقديري كل من رد عليه بفكرة، حتى من باب وضعالنقاط على الحروف .
(المصدر: صحيفة « الحقائقالدولية » جوان 2007)
بسم اللهالرحمن الرحيم ضحية أخرىلثقافة الحقد والكراهية
د. محمدالهاشمي الحامدي
كاتب آخر،من ضحايا ثقافة الحقد والكراهية، دخل حلبة النقاش اليوم بخطاب « النفخة »والإستهتار والبغض. وعلى ما أذكر، فإنه منقطع عن الكتابة في المواقع التونسية منذسنوات، ولم يتدخل في مناقشات هذه المواقع إلا اليوم، ومرة سابقة قبل عامين لنفسالغرض، أي للرد على كاتب هذه السطور، وللتنفيس عن بعض ما في نفسه من كره وحقد.
يا إخوتيأبناء تونس من كل التيارات السياسية والفكرية: لاحظوا كيف يعمي الكره والحقدوالحسد بصيرة هؤلاء الأفراد.
ناس لا فيالعير ولا في النفير. لم يناضلوا بالمعنى الحقيقي للكلمة قديما أو حديثا. بلالنضال عندهم نهش في أعراض المناضلين. فقط. لا شيء غير ذلك. يا قراء هذه المقالة: انظروا في كل ساحات النضال الحقيقة، هل ترون لهم أثرا؟ هلتحسون منهم من أحد أو تسمعون لهم ركزا؟
هل تجدونمنهم أحدا في ساحة من ساحات العطاء الفكري؟ هل تجدون واحدا منهم في جمعية حقوقية نشطة؟ هل تجدون واحدا منهم واعظا أو فقيها أو داعية؟ هل تجدونهم يسعون في قضاء حاجات التونسيين أو غيرهم؟ هل هم كتاب مداومون في الصحف؟
يتهمونالمناضلين الحقيقيين بالتقاعد، وهم ليسوا متقاعدين فقط، بل خارج الدائرة أصلا. لافي العير ولا في النفير. وظيفتهم الوحيدة: الإساءة لمخالفيهم في الرأي بقلة أدب غير مسبوقة في التراثالتونسي.
لو كانواأحرارا من ثقافة الحقد والبغض والكراهية، لقالوا: إخوة لنا في الدين أو الوطن دعوالمشروع سياسي معين، أو وقّعُوا على بيان مشترك، واجتهدوا اجتهادات لا نراها ولانقبلها، وعندنا بديل خير منها.
ولكان منذلك تعددية محمودة تحتاج إليها بلادنا، ويستفيد منها قراء هذه المقالات منالتونسيين وغيرهم. لكن الكره يضيّع العقل ويفسد طوية الإنسان. والحقد كذلك. والحسد كذلك.
يظن هذاالمسكون بالحقد والحسد والكراهية أن مخالفيه في الرأي مناضلون استقالوا وتقاعدواطلبا للخلاص الفردي، ليضع نفسه في موقع المناضل الشريف الذي يعطي الدروس الأخلاقيةللباحثين عن الخلاص الفردي. إنما أبحثُ عن خلاصك يا مسكين، وخلاص الذين جرهم منطقك إلى نكبة من بعد نكبة، مندون ضوء في نهاية النفق.
إنما أبحثعن خلاصك وخلاص الذين جعلهم خطابك المشبع حقدا وكرها، بعيدين عن الوطن، بعيدين عنالحرية، وبعيدين عن تعاليم الدين الذي نذروا أنفسهم له.
داعيةالصلح والوفاق والحرية لم يطلب خلاصا فرديا في أية لحظة. كل ما قام به شفّافومعلوم للناس جميعا، كتب عنه في صحيفة المستقلة، وتحدث عنه في قناة الجزيرةوالعديد من وسائل الإعلام، وشرح تفاصيله الكاملة في المنابر الإعلامية التونسية.ومازال يدافع عن نفس الموقف: تسوية شاملة لملف الحركة الإسلامية ووفاق وطني يخدمالمشروع الديمقراطي في البلاد.
الكراهيةتقود للتزييف والتدليس. الحقد والحسد يعميان البصيرة. ولولا الخشية من أن يتحولالأمر لمفاخرة أو مزايدة لا أحبها، لشرحت لك أن ما يفعله داعية الصلح والوفاق يعدلأضعاف أضعاف ما تقوم به هيئات وأحزاب ودول.
هل جربتيوما أن تقف وراء برنامج مثل « المغرب الكبير »؟
هل شاركتفي إنتاج البرنامج التلفزيوني الذي أعطى الأستاذ علي العريض تسعين دقيقة لعرضآرائه على الناس بعد شهرين من خروجه من السجن، على الهواء مباشرة وبعيدا عن مقصالرقابة؟
هل شاركتفي إنتاج برنامج واحد من البرامج التلفزيونية التي تكرم الكفاءات التونسية وتعرفبنشاطها وعطائها في كل أنحاء العالم؟
هل جربتيوما أن تتعاون مع أفضل علماء العصر لشرح رسالة القرآن الكريم الخالدة، رسالةالتوحيد والعدل والتسامح والحرية ومكارم الأخلاق، لملايين الناس في كل أرجاءالعالم؟
هل جربتالتضحية من أجل تأسيس منابر إعلامية تروج للديمقراطية وحقوق الإنسان والحوار بينالثقافات والحضارات، يشارك فيها أشهر وجوه النخبة العربية والإسلامية والعالمية؟
هل جربتمواجهة ثقافة إفساد الذوق الفني الهابط في العالم العربي بإعلاء راية الإبداعالشعري الأصيل وتكريم المواهب الشعرية الأصيلة التي تجاهلتها الفضائيات المعاديةللثقافة المبدعة والذوق الجميل؟
هل جربتنجدة محتاج في أي وقت من الأوقات؟
هل جربتيوما أن تقف وحدك، بشجاعة وثقة، في مواجهة فتاوى الكراهية والخرافة والتعصب، تسلطعليها أضواء النقد العلمي، وتكشف فسادها أمام ملايين الناس، صابرا على أذى الهيئاتالضخمة الأخطبوطية التي تنفق مليارات الدولارات من أجل أن يبقى العقل العربي حبيسفتاوي الحقد والكراهية، ومن أجل بث الفرقة والفتنة والتطرف في المجتمعات العربيةوالإسلامية؟ (1)
وبعد هذاكله، لك قلم، تفتري به على مخالفيك في الرأي، وتتهمهم بالتقاعد والبحث عن الخلاصالفردي؟
عجباوالله. ولكن: إذا لم تستح، فقل ما شئت.
يا بنيوطني. يا إخوتي. الحقد والحسد والكراهية أمراض تعمي القلب والبصيرة. الرجل الذيصمت دهرا ونطق منذ يومين، يستهزئ من مشروع تسوية يتم بمقتضاه إطلاق سراح كافةالمعتقلين الإسلاميين، ورفع أحكام الرقابة الإدارية عن كل المعتقلين السابقين،وإدماج الجميع في الحياة الإجتماعية، وتطبيع وضع هذا التيار عبر منحه جمعيةثقافية، وإتاحة الفرصة له للتحالف مع الحزب الحاكم أو أحزاب قانوية أخرى، وإلغاءالمنشور 108، وإزالة كل ما يمكن أن يعيق ممارسة الحريات الدينية للناس. الصامت دهرا، عاد فقط ليستهزئ من مثل هذه التسوية، ويشهّر بأصحابها، ويدعي بعد ذلكأن قلبه على المعتقلين الإسلاميين.
وهذا الملتحقبه اليوم أكثر بؤسا منه. يزايد على أناس يعملون بالليل والنهار من أجل إصلاح ماأفسده منطقه الفاسد العقيم، الذي نبت وترعرع ومازال حبيسا في مراتع البغضاءوالكراهية والحسد.
أيهاالإسلاميون: لا تسمحوا لهؤلاء الذين لم يعد للنضال من معنى عندهم إلا التشهير بالمناضلين،لا تسمحوا لهم بأن يفعلوا بكم ما فعلوه من قبل. سلكوا بكم الطرق المسدودة. ضيعواعليكم فرص الوفاق والتواصل مع إخوانكم في الوطن. وكلما قام في البلاد ناصح أمينيسعى لرأب الصدع وجمع الصف تصدوا له بالمزايدة والإساءة وقلة الأدب.
القاعدونهمُ، فاحذروهم ولا تنخدعوا لهم مرة أخرى.
ــــــــــ (1) اللهم اغفر لي بكرمك وعفوك ما وجدت نفسي مضطرا لذكره من آلاء فضلك ونعمك علىعبدك الفقير المحتاج إليك في كل طرفة عين. لك الحمد ملء السماوات والأرض ومابينهما إلى يوم الدين. أنت أكرم الأكرمين، وكل ما بي من نعمة فمن فضلك وعطائك.أسألك برحمتك الستر والعفو والمزيد من فضلك يا من بيده خزائن السماوات والأرضويرزق من يشاء بغير حساب. أشهد أن لا إلاه إلا أنت، وأن محمدا صلى الله عليه وسلمعبدك ورسولك. أحمدك وأثني عليك، واستغفرك من كل ذنبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.اللهم أصلح بيني وبين إخوتي منذر عمار ونور الدين الختروشي وعبد الحميد العداسيومرسل الكسيبي وصابر التونسي وعبد الباقي خليفة، واغفر لي ولهم، وأرنا الحق حقاوارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. واستخدمنا بفضلك يا كريم فيالدعوة إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة، وألف بين قلوبنا، ونقها من نزغاتالشيطان، واكتب لنا أعواما سعيدة مديدة في بلادنا الحبيبة تونس، تجعلنا فيها بفضلكمن الذاكرين الشاكرين، الهداة المهديين، الأحرار الآمنين. اللهم وفق رئيس بلادناوولي أمرنا لما تحبه وترضاه، وألهمه أن يبادر لعفو شامل يمسح آثار المواجهات بينالسلطة وسائر معارضيها، واشرح صدره لأمر وفاق شامل لا يستثني أحدا، وزده عزا بخدمةدينك وتعظيم شعائرك وبسط العدل والحرية لكل التونسيين. آمين. وصلى الله على سيدنامحمد وآله وصحبه وسلم.
العابثون في منفى السراب
باريس،
يا باريس،
أتدرين ياباريس أنّ لندن التي تحالفت مع ديجول من أجل التحرير، تتحالف اليوم معكِ من أجلالتسليم.
أتدرين ياباريس، أن الذين يقتلُون ويعذِّبون في بلادي هم خريجوا جامعاتك، وعرابوا الحداثة،
أتدرين أنالذين يريدون أن أعتذر للويس الرابع عشر يتجولون في شوارعك، ويلتقطون الصور التذكاريةفي ساحات الثورة،
يسكنون مدنالنور ويلعنون أحرارها من جاليلي إلى مونتيسكيو، وروسو.
يريدون أنأعتذر لديمقراطية التسعات الأربع،
يريدون أن أعتذر للإستبداد.
وفيالحقيقة:
يريدون منيأن أعتذر عن عبد الله بن الزبير، رضي الله عنه، لأنه أراد أن يرجعها شورى بينالمسلمين،
يريدون منيأن أعتذر عن سعيد بن جبير، لأنه رفض الحجاج،
يريدون منيأن أعتذر عن الإمام مالك لأنّه أفتى ببطلان طلاق المكره، أفتى ضد الإستبداد،
يريدون منيأن أعتذر عن الإمام أحمد بن حنبل لأنه رفض أن يذعن لتأويل الإستبداد،
يريدون منيأن أعتذر حتى عن ماندلا، لأنه لم يحرر طلب عفو،
يريدون منيأن أعتذر عن شاعر الربيع والحياة لأنه أنشد ألا أيها الظالم المستبد حبيب الظلامعدوّ الحياة.
أتدرين ياباريس، أن الذين يريدون أن أللم بقايا جذاذات ورقتي الإنتخابية،
لأكملالمائة بالمائة، ليستقر الإستبداد،
هم بينأحجارك.
آه من أحجارك التي لا تنفجر.
يا أيهاالعقلاء،
يا أيهاالعقلاء، إنهم يرفضون حقي في أن أرفض أن أمنح شهادة براءة لمن يقتل شعبي كل يوم،
وسيبقى هذا حقي حتى بعد أن يخرج كل مساجين النهضة من سجنهم.فأنا لم أقرر بعد بيع شعب بـ200 سجين ولن أقول ليس عليّ في الأميين سبيل.
يا أيهاالعقلاء،
يا أيها العقلاء، إنهم يرفضون حق إبن آدم المقتول أن يقولللقاتل » إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك » وينعتونه بأنه حاقد أعمى.
أما ذلكالذي يشرح لنا السيرة، فيتهجم عليّ لأني مارست حقي في الإختيار الذي لم يتعالىعليه النبي المعصوم عليه أفضل الصلوات والتسليم. إنهم يرفضون مني ما قبله الرسولعليه الصلاة والسلام يوم الخندق من الأنصار حين ردوا، وهم محاصرون، والله لانعطيهم إلا السيف. نعم إنني ضعيف، ليس لي عدد، لكنني لن أمنح شهادة البراءة إلابحقها. وحقها حريّة شعبي.
عوض أن يناقش أصحاب المبادرة الجديدة ما جاء في حوار عبدالباقي خليفة مع الشيخ راشد الغنوشي، حفضه الله ووفقه، من تصريحات ومن قبلها مقالالهادي بريك الذي ردّ على مبادرتهم قبل الأخيرة (2006) بالحجج في حوار رصين وهادئ،راحوا يردّون على أصحاب الأسماء المستعارة؟ كم هم أصحاب الأسماء المستعارة: خمسة،عشرة. هل نجاح المبادرات يتوقف على ردود عشرة أشخاص؟ نكرة كما يقولون.
عفوا، أيهاالسادة، أتدرون أن تاريخ فرنس،ا الثورة والحرية، فيه بقعة سوداء إسمها نظام فيشي.
أتدرون أنكل الذين حكموا تونس بعد الإستقلال هم نظام فيشي. ومن يريدون أن أعتذر لنظام فيشي،هم خدام فيشي. يريدون مّني بأن أقنع بديمقراطية شيراك، ديمقراطية الأنعام: كلواشرب وداوي.
هل الذيناقترحوا عليّ الإعتذرا يعيشون في فرنسا الثورة أم فرنسا فيشي.
عزائي أن الذين خدموا فيشي بقوا أقلية يصفهم تاريخ فرنسا بأنهمعملاء وقوادة.
برغم ضعفي،
برغم أننيلا أملك إلا كلمات الشجب،
لن أعتذرولن أمنح شهادة العذرية لمومس،
لن أمنحشهادة براءة لنظام مستبد.
من جديدأكتب تحت إسم مستعار،
فأنا رجلبسيط ليس لي داء قبل إسمي تروّج لي في المنتديات.
معذرة،فأنا رجل من أقصى المدينة جئت أشهد،
ضد الذينيتحدثون عن الحقد الأعمى وهم الذين استعموا فلم يروا معاناة شعبهم،
الكل يئن:المعلمون، الأساتذة، الدكاترة الجامعيون، الباحثون الجامعيون،
المحجباتيئنََّ، فهل للذي يقترح عليّ إقامة منتدى الإمام مالك ينبؤني بماذا سأردّ على التيستسألني عن حكم دولة مسلمة تمنع الحجاب؟ وكيف سأردّ على من طلقها عنوة نظامالإستبداد؟
يئن روادالإنترنت، ورواد المساجد وحتى رواد حفلات ستار أكادمي، ويموتون تحت التعذيب أوبالعفس.
حتىالأحزاب المرخص لها والذي يريدني صاحب اللوحات الإشهارية العارية أن أنتمي إليهاتئن (الديمقراطي التقدمي مثلا، الرابطة…)
موظفواقطاع الصحة، عامالات النسيج في الساحل، بحارة صفاقص،
أصحابالشهائد العاطلون يئنّون.
لم تعدالشهادة مسمار في حيط، أصبحت كردونة تحت حيط، أوللبيع تحت تمثال بن خلدون.
يئن الشعبالتونسي الذي يدفع ثلاث مرات ما يدفعه الشعب الفرنسي على أمنه،
150000 رجلأمن في تونس يدفع مرتباتهم الشعب التونسي،
هل رأيتمربيعا يحرس بـ 150000 رجل أمن،
هل رأيتمربيعا يهرب منه أبناؤه إلى قوارب الموت.
وإليكم يارافضي الأسماء المستعارة علَم من أعلام بلادي،
علَم لايحتاج إلى جوائزكم لأنه يسفّه أحلامكم،
علَم لنيظيف أبدا اسمه إلى عرائضكم.
ألا أيها الظالم المستبد
|
ألا أيهـا الظَّـالـمُ المستـبـدُ *** حَبيبُ الظَّـلامِ، عَـدوُّ الحيـاهْ |
سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْـبٍ ضَعيـفٍ *** وكفُّكَ مخضوبـة ُ مـن دِمـاهُ |
وَسِرْتَ تُشَـوِّه سِحْـرَ الوجـودِ *** وتبذرُ شوكَ الأسى فـي رُبـاهُ |
رُوَيـدَكَ! لا يخدعنْـك الربيـعُ *** وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ |
ففي الأفُق الرحب هولُ الظـلام *** وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ |
حذارِ! فتحت الرّمـادِ اللهيـبُ *** ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجـراحْ |
تأملْ! هنالِـكَ.. أنّـى حَصَـدْتَ *** رؤوسَ الورى ، وزهورَ الأمَلْ |
ورَوَيَّت بالـدَّم قَلْـبَ التُّـرابِ *** وأشْربتَه الدَّمـعَ، حتَّـى ثَمِـلْ |
سيجرفُكَ السيلُ، سيـلُ الدمـاء *** ويأكلُـك العاصـفُ المشتـعِـلْ سيجرفُكَ السيلُ، سيـلُ الدمـاء *** ويأكلُـك العاصـفُ المشتـعِـلْ سيجرفُكَ السيلُ، سيـلُ الدمـاء *** ويأكلُـك العاصـفُ المشتـعِـلْ |
ــــــــــــــ ود الريّس
سجّلوا أسماءكم وانتشروا…
بقلم: منذر عمار
لنأردّ على إتهامات المدّعي العام الذي لم يتعوّد فيما يبدو إلاعلى طرح الأسئلة وكيلالإتّهامات ولا رغبة لديه في الحديث عن حقوق الإنسان واستهداف المحجّبات وعنالمتطلبات الحقيقية للمصالحة الشاملة … لم يردّ على أسئلتي وأعاد عرضه »الكريم » الذي ألخّصه لكم أيّها الأحبّة…
المطروحليس حوارا ولا نقاشا … المطروح أن نوافق ونعلن البيعة ونتفرّق بعد ذلك فرادى … المطلوب منّا أن نسجّلأسماءنا على قوائم الطاعة وننتشر (مثلما يقول عادل إمام…)
انتشرواأيها الأحبة … البعض في إتّجاه التجمّع والبعض في إتجاه جمعية ثقافية… وأغلبكمسيلزم بيته لأنّ البلاد لن تحتمل أكثر من جمعيّة واحدة يشكّل مجلس إدارتها بقراررئاسي وتفوّض وزارة الدّاخلية لإنتداب أعضائها وتاهيلهم …وشروط القبول بالتجمّعالدستوري لن تتوفّرفي أحد منكم ولوخرجتم من جلودكم … ولا تفكروا في أحزاب أخرىفلن يستقبلكم أحد… ولو كان ذلك بقرار رئاسي…
انتشرواأيها الأحبة ولا تلتفتوا وراءكم فلن يبقى من ذاكرتكم شيء …لن يبقى من حنينكم شيء…لن يبقى من مشاكساتكم وخصوماتكم شيء…لن يبقى من قياداتكم التي يحمّلها البعضمسؤولية كلّ المآسي شيء…لن يبقى من أسماء شهدائكم شيء…لن يبقى من هجراتكمشيء…لن يبقى لا من متطرّفيكم ولا من معتدليكم شيء… فتاريخكم كان خطيئة…ونهضتكم كانت خطيئة…حبّكم وشوقكم…فجركم وليلكم…حتّىآلامكم وجراحكم تحت التّعذيب…كانت خطيئة…ولكم الآن أن تتوبوا إن أردتم…
سجّلواأسماءكم وانتشروا… انتشروا أيها الأحبة ولا تلتفتوا وراءكم… غيّروا ملامحكم قبل أن تنتشروا وتعلّموا لكنة المهزومين فالهزيمة أبشع من السجنوالمنفى… بدّلوا أسماءكم وأسماء ابنائكم قبل أن تنتشروا…فالأسلم أن لا تراودكمالذكريات… تخلّصوا من كتبكم قبل أن تنتشروا فكل العناوين التي تقرؤونها هي من ضمن الثمانيةآلاف كتاب التي أفتت بحرمتها السلطات… راجعوا قواميسكم قبل أن تنتشروا و امسحوا كلّ المصطلحات الدّخيلة أوالتي تسبّب غضبالسلطات… تعلّموا كيف تضرب الطبلة وتقرأ آيات الولاء…
تصدّقوابكلّ أجهزة الكومبيوتر ولا تتركوا آثار النهضة والحوار وتونس نيوز…وتخلّصوا منكل الصور والرّسائل الإلكترونية… انتشروا أيها الأحبة ولا تلتفتوا وراءكم …لا وقت للوداع ولا وقت للدموع…المدّعي العام سيستقبلكم في المطار ومعه بعض الماء والحلوى وهويّات جديدةوتصاريح للتسوّق وخرائط ملوّنة للأماكن التي لا تمنع زيارتها…
انتشرواأيها الأحبة ولا تلتفتوا وراءكم… سيرثكم المجهول أو حريق يأتي على الأخضر واليابس … سيرثكم الخراب أو مافيات جديدة الملامح… لكن ذلك لا يهم… المهم أن تنتشروا… ليس المطلوب أن تفكروا بل المطوب أن تنتشروا…
أينالحقد والكراهية فيما كتبت وأكتب …أنا أكتب لهيثم وعبد الكريم وعبد الحميدالجلاصي وقد تعلّمت منهم ومعهم رسالة الكلمة …وأكتب لسي منصف بن سالم وسيعبدالله الزواري أطال الله عمرهما…وكيف للمرء أن يزايد عليهما…أكتب للذين همفي السجن الصغير والذين هم في السجن الكبير…
أكتبلمئات الآلاف من الأمهات والأخوات اللواتي دفعن الضريبة مضاعفة…حتّى الذينارهقهم الشوق وعادوا الى البلد فرادى مازال لهم في هذه الذاكرة ظلّ ومأوى … أكتب لكل الذين يريدون مصالحة حقيقية شاملة وبلدا آمنا لا يدفع فيه الإنسان ثمنللمواطنة… لا ثمن من حريته ولا ثمن من عرضه ولا ثمن من خبزه أو خبز عياله…. كلامي لا حقد فيه …وقلمي لم أرفعه في وجه بلادي ولا في وجه إخواني… التجربة دامية…وبين الجرح والجرح لا مكان لجراح جديدة…ونحن الآن في آخر ساعاتاللّيل …المهمّ أن لا نعقد صفقات في الظلمة وأن لا نسلّم أمرنا إلى كفيل أووصيّ…
ألمتنتشروا بعد؟
افتتاحية « الموقف » ما أحوجنا لمثل هذا التقرير…
بعدمااشترى بنك مغربي بنكا تجاريا تونسيا اكتشف الموظفون والمديرون التونسيون الفجوةالتي باتت تفصلنا عن الأشقاء المغاربة الذين تقدموا أشواطا كبيرة في السيطرة علىالتقنيات المصرفية، والهندسة المالية عموما. غير أن الفجوة ليست خاصة بهذا القطاعفحسب وإنما هي تشمل أيضا المجال السياسي من خلال الإصلاحات التي وُضعت موضعالتنفيذ طيلة السنوات السبع الأخيرة وشملت خاصة ضمان شفافية الإنتخابات ومصداقيةنتائجها.
منأهم المبادرات التي تستحق التوقف عندها في التجربة المغربية التقرير التأليفيالهام الذي كلف الملك محمد السادس مستشاره عبد العزيز مزيان بلفقيه بالإشراف علىإعداده صحبة نخبة من المثقفين من جميع الإتجاهات لتقويم حصاد خمسين سنة من التنميةالبشرية. وتم إعداد التقرير الذي غطى العقود الخمسة التي مضت منذ الإستقلال وقداتسم بالجرأة والموضوعية، وانتهى إلى خلاصات مهمة أبرزها أن البلاد أمام مفترقطرق، فإما أن تعيد انتهاج الأسلوب السابق في الحكم فتتقهقر أو تمضي قُدما في نهجالإصلاحات الدستورية والسياسية.
وعلىالرغم من المكاسب التي تحققت في تونس على صعيد التنمية البشرية والتي جعلت بلادنامتقدمة على محيطها في هذا المجال بالذات، فإننا أحوج ما نكون إلى مثل هذا التقريرمع اقتراب الذكرى الخمسين لإعلان الجمهورية. فما دامت الدولة تكتفي بتقاريرنتائجها مٌقررة سلفا وصادرة عن مراكز لا استقلالية ولا مصداقية لها، سيبقى تسييردفة الإقتصاد والتنمية عموما قائما على الترقيع وترقيع الترقيع إلى ما لا نهايةله.
وهذاما يُبرر الحاجة إلى تقويم لنصف القرن الذي مضى واستشراف السنوات العشرين المقبلةعلى الأقل، طالما أن تطور التقنيات الإحصائية يتيح التنبؤ والتخطيط لكل شيء. ومهمةالدولة ههُنا تقتصر على تأمين الشروط اللازمة لمثل ذلك التقويم وفي مقدمتها الحريةومناخ الحوار السليم.
فهذاالمناخ هو الذي يتيح تشكيل هيئة تعددية وعابرة للتخصصات من المفكرين ذوي الباع فيقطاعاتهم تتولى استخلاص الخطوط البيانية الرئيسية لمسار التنمية في العقود الماضيةمنذ الإستقلال، واضعة الإصبع على الثغرات والنقائص (إلى جانب نقاط القوة طبعا)ومُقترحة الأسلوب الأنجع لرسم خارطة طريق للمستقبل.
الموقف (المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد408 بتاريخ 31 ماي 2007)
وزارة التربية تقرر غلق مؤسسة خاصة وتتكتم على الأسباب
بقلم : فاروق النجار
جاءناعدد من أولياء تلاميذ مرسمين في المعهد الثانوي الخاص « لويس باستور »بالعاصمة ليُطلعونا على مراسلة تلقوها من إدارة المعهد تُشعرهم بتوقيف التسجيلللسنة الدراسية المقبلة بناء على قرار من وزارة التربية. وأفهمنا الأولياء والحيرةبادية على وجوههم أن هذا القرار يعني تجميد المعهد (التابع لـ »مؤسسةبوعبدلي ») ووضع مصائر أبنائهم في مهب الريح بعدما درسوا عامين في المعهدالمذكور.
وباتصالنابإدارة المعهد لاستجلاء الأمر أكدت لنا أنها فوجئت بقرار وزارة التربية والتكوينالمؤرخ بيوم 10 ماي الجاري والذي طالبها بوقف نشر الإعلانات في الصحف لحث الأولياءعلى تسجيل أبنائهم من المستوى السادس إعدادي إلى الباكالوريا. ويؤدي هذا الإمتناععمليا إلى إغلاق المعهد الذي تلقى موافقة رسمية من الوزارة منذ سبتمبر 2005 للعملطبقا لنظام البعثة الثقافية الفرنسية بتونس.
وأطلعتناالإدارة على قرار الوزارة المؤرخ في 25 ماي 2005 والذي جاء فيه أن الأخيرة »لا ترى مانعا مبدئيا في الترخيص بإحداث أقسام ثانوية تُطبق البرامجالتعليمية الفرنسية ». وربطت ذلك أساسا بحصول اتفاق بين المؤسسة والسلطالفرنسية المؤهلة في الغرض، وكذلك إدراج تدريس اللغة العربية وتاريخ تونسوجغرافيتها في كل مراحل التعليم. وأمدتنا الإدارة أيضا بما يفيد الإستجابة لجميعالشروط التي طلبتها الوزارة مستدلَة على ذلك بالسماح لها بالعمل في إطار القانونوانطلاق الدراسة في المعهد طيلة سنتين دراسيتين متتاليتين بعلم من الوزارةوموافقتها.
وهكذازرع القرار الوزاري الجديد الذي لم يُكشف عن دوافعه الحيرة في أوساط الأولياءالذين كانوا يتقاطرون على الإدارة لمعرفة أسبابه والإطمئنان على إمكانية إيجاد حليُنقذ مستقبل أبنائهم بعدما ساروا وفقا لنظام تربوي معين طيلة سنتين. وحدثنا بعضهمعن ضغوط يمارسها بعض الخواص المتنفذين لفتح معهد مماثل في الضاحية الشماليةللعاصمة، لكن هذا الأمر سيكون بالغ الخطورة لو تأكد لأن الدولة ينبغي أن تكون فوقالجميع وتسهر على تطبيق القانون وعلى شفافية المعاملات.
ومعلومأن هذه المؤسسة الخاصة سبق أن سُلط عليها قرار في سنة 2004 بسحب الترخيص الذيمنحته لها وزارة التربية واستند السحب إلى أسباب واهية لا تمت للشؤون التعليميةبصلة، ثم تراجعت الوزارة عن قرارها وسمحت لها باستئناف العمل في ظروف عادية.وتندرج هذه الممارسات في إطار غياب الشفافية واستعمال الإدارة لغير الأغراض التيأعدت لها مما أضعف مصداقية تونس لدى المؤسسات الدولية.
والمُلاحظفي هذا الصدد أن التقارير الدولية أصبحت تؤكد أكثر من أي وقت مضى على غيابالشفافية والحكم الصالح في بلادنا، وهذا أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الإستثمارالداخلي منه والخارجي. وإذا أرادت الحكومة أن تشجع فعلا على الإستثمار ينبغي إرساءالإدارة الرشيدة والشفافية والعدل في المعاملات، ويبدأ ذلك اولا بتطبيق هذا النمطمن التعامل مع التونسيين كي يكون نموذجا لتعاطي الإدارة مع الفاعلين الإقتصاديينمهما كانت هويتهم.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد408 بتاريخ 31 ماي 2007)
جدل ساخن حول أسباب فشل الليبرالية
محسن المزليني
هلبإمكان الفكر الليبرالي أن ينجح راهنا بعد فشله الذريع طوال عقود في اختراق الأنظمةالفكرية والسياسية العربية، وما هي أهمّ التحديات التي تطرحها هذه المنظومة علىواقعنا الموجود والمنشود وعلاقة كلّ ذلك بالسياسات الأمريكية؟ كانت هذه الأسئلةالحارقة وغيرها التي لا تقلّ إثارة مدار نقاش وجدل لم تنقص من حدّتها الساعاتالثلاث التي استغرقتها ندوة منتدى الجاحظ حول « الفكر العربي والتحدّيالليبرالي » والتي قدّم ورقتها الأساسية الباحث الجامعي منير الكشو وعقّبعليها السفير السابق أحمد ونيّس ، وذلك يوم السبت 26 ماي الجاري. ويُعتبر الكشو منالأكاديميين القلائل الذين ركّزوا أبحاثهم على منظري الفلسفة السياسية الليبراليةفي أمريكا وخاصّة راولس وآياك.
مطلوبة…ومذمومة
لاحظالباحث أنّ الفكر الليبرالي يُواجه ممانعة قويّة في أصقاع كثيرة من العالمالمعاصر. فمقاومته ليست خاصية عربية، إذ تسيطر هذه النزعة المضادة على النخبةالفكرية في بلدان ديمقراطية عريقة. ويلاحظ المتابعون للساحة السياسية الفرنسية،خلال العقود الأخيرة، أنّه لم يحدث أن جاهر مترشّح للرئاسيات باعتناقه لليبراليةما عدا آلان مادلان وزير المالية الذي شارك في انتخابات واحدة جنى فيها علقما.ورغم أنّ ساركوزي تقدّم إلى الانتخابات الأخيرة ببرنامج يعتمد روحا ليبرالية واضحةتقوم على وضع حدّ لسياسات « دولة الرعاية » التي سيطرت على الفضاء السياسيالأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية، إلاّ أنّه لم يفته أن يُغطّي هذه النواياالليبرالية بغطاء خطابي سميك من « الينبغيات » بعدم ترك المجال لاقتصادالسوق أن يتحكّم في كلّ شيء. ونقل الباحث عن عالم الاجتماع الفرنسي ريمون بودونتفسيره لهذه الظاهرة في كتابه « لماذا يكره المثقفون الفرنسيونالليبرالية »، واعتبر فيه أنّ هذه النّزعة مستحكمة في النخبة الثقافيةالفرنسية نظرا إلى انتماء غالبية أقطابها فعلا أو تأثّرا إلى حركة ماي1968الطلابية. وبذلك فإنّ المنظومة الليبرالية تمثّل تحديّا ليس فقط للثقافات المهمّشةوإنّما للديمقراطيات العريقة أيضا.
الليبراليةالمفترى عليها
واعتبرالكشو أنّ مفارقات عديدة تسم تعامل المثقفين و الفاعليين السياسيين مع الفكرالليبرالي في البلدان العربية. ففي حين تُصرّ النخبة على ربط هذا التوجّهبالرأسمالية المتوحّشة و الأمركة، إلاّ أنّهم لا يتورّعون في تأكيد انتمائهم لهذهالمنظومة في مقابل الانتماء إلى التيارات القومية أو الإسلامية. كما أنّ الليبراليبات مرادفا في العراق مثلا و لبنان لمناهضة الطائفيّة والنزعات العصبية.فالليبرالية برأي الباحث هي الولاء للقطر. أمّا عن سبب رفض هذه الرؤية في تونسفيعيدها إلى النّظرة التجزيئية التي تعاملت بها النخبة الفكرية والسياسية خاصّة معهذه الظاهرة. ففي حين طبقت الدولة التونسية إجراءات اقتصادية كثيرا ما وُصفتبأنّها ليبرالية وخاصّة بعد تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي سنة 1986الذي فرضتهالهيئات المالية العالمية وأيضا بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية واتفاقيةالتبادل الحرّ مع أوروبا، إلاّ أنّ هذه التحرريّة النسبية لم تتعدّ إلى الفضاءالسياسي الذي لم يتغيّر ماؤه منذ عقود. وقد أثّر ذلك على البعد الاقتصادي ذاته، إذرغم تحقيقها لبعض الاختراقات إلاّ أنّها وبفقدان المرتكز الثاني وهو الحريةالسياسية لم تسهم في تأسيس اقتصاد حديث يستوجب محاسبة وشفافية. كما أرجع الباحثالصورة السيّئة التي تتسم بها الليبرالية إلى ضبابية فكرة الليبرالية نظريا، إذغالبا ما تُنسب إليها الشرور الناتجة عن غيابها أصلا. لذلك حاول تقديم « فصلالخطاب » حول هذه النظرية راسما خطوط الإلتقاء بين نسخها المتعدّدة. الليبرالية الأمريكية وأخواتها
بحثاعن الخيط الرفيع، اعتبر المحاضر أنّ الليبرالي في الفكر السياسي الأمريكي يعادل فيرؤيته الاشتراكي الديمقراطي في أوروبا، إذ أنّ مطالبهم ترتكز على فكرة الحريةالفردية ومقتضياتها. وبناء على هذه الفكرة دافع الفلاسفة الليبراليون على الحقوقالاجتماعية وخاصّة راولس في مؤلفه الشهير « نظريّة العدالة »، غير أنّ ذلكلا يتمّ عندهم بدولنة الاقتصاد أو تشجيع الدولة الراعية وإنّما بتأكيد الوظيفةالتوزيعية للدولة من خلال الآداءات. وترتكز الليبرالية وفق هذه النظرة على رؤيةمفادها ضرورة أن يتحمّل المجتمع مسؤولية تحديد وسائل ممارسة الحرية وإدارتها عوضالاقتصار على تدوين الحقوق في الدساتير. ولذلك دخل هذا الفكر في صراع مع الجناحالمشطّ الذي يرفض هذه الوظيفة التوزيعيّة للدّولة. وفي إطار هذا النزاع دعافرديريك آياك إلى استعادة الليبرالية كما نظّر لها المؤسّسون وخاصّة جون لوك للحدّمن الصلاحيات التي منحتها نظريات كينز وآخرون للدّولة التي، وإن مكنت الأنظمةالأوروبية من الصمود أمام المدّ الشيوعي، إلاّ أنّها خلّفت تضخّما لجهاز الدولةاعتبره آياك خطرا على المجتمع. وهذا اختلاف كبير، حسب الكشو، بين هذه النظريّةوبين النيوليبراليّة التي تنظّر للدّولة الأدنى أي تحديد وظيفتها في مجرّدالحماية. وفي هذا الاتجاه تأتي دراسات ميلتن فريدمان في تقليص دور الدولة والتيبدأت الإدارة الأمريكيّة بتطبيقها سنة 1982 ثمّ استنسختها تاتشر فيبريطانيا.الاقتصاد بديلا عن السياسة أمّا السفير أحمد ونيّس فركّز في تعقيبه علىأنّ الليبرالية تمثّل تحديّا حقيقيا للسلطات القائمة ولمجمل البنية الثقافيةوالعربية. أمّا عن التجربة التونسية، فأكّد أنّ النموذج التي اعتمدته دولةالاستقلال قام على مركزية الدولة وأولويتها على المجتمع ممّا أنتج نموذجا تسلطيّاحتّى لو كانت الأهداف تقدميّة: الخروج من التخلّف، محاربة الجهل… وقد ركّزت الإصلاحاتالتي أعقبت مرحلة التعاضد على تحرير المبادرة الاقتصادية وما عنته من استعادةملكيّة الأراضي والاعتراف بالحقّ النقابي إلاّ أنّها استماتت في الدّفاع عن احتكارالقلّة للفضاء السياسي، وبذلك بقيت الإصلاحات عرجاء. وأرجع هذا الارتباك والتناقضفي تطبيق الفكرة الليبرالية إلى التناقض الأساسي أي فهم مسألة »الحريّة ».
الليبراليّةالمسلّحة
كانتمجمل الرؤى التي طرحها المحاضران مدار نقاش حامي الوطيس،لأنّ الكثير ممن حضر رأىفي حماسة الباحث منير الكشو تناغما مع الليبرالية بنسختها الأمريكيّة وما يستدعيذلك، لدى الحسّ المشترك، من صور الدمار الشامل الذي تزرعه الدبابات في العراق تحتيافطة نشر الديمقراطيّة وقاموس والمفاهيم المرتبطة بها: العولمة واقتصاد السوقوالحرية …وبعبارة موجزة الجنّة المسلّم مفتاحها باليد. كما تساءل العديد منالباحثين عن ماهية المعوّقات معتبرين أنّ الليبرالية التي تنطلق من أولوية الوطنيتصطدم عكسيا بظاهرة العولمة العابرة للحدود والقوميات. لذلك فإنّه من الصعوبةبمكان، حسب بعض المتدخّلين، الفصل بين صورة نقيّة لليبراليّة يتمّ التبشير بهاوبين غايات الإدارة الأمريكية في الهيمنة. (المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 408بتاريخ 31 ماي 2007)
حل أزمة الطاقة يمر أيضا عبر الحكم الصالح
د. أحمد بوعـزّي
ستكونالسيطرة على الطاقة وعلى الماء الشروب من أهم أسباب التوتر والأزمات في العالم فيهذا القرن الحادي والعشرين، وإن كانت اكتشافات حقول نفط جديدة تؤخر موعد بدايةنقصان الإنتاج إلى ما بعد 2015 فإن كمية الطاقات الأحفورية (المحصورة داخل الطبقاتالأرضية) محدودة، وهي منتهية لا محالة.
وتبدوالطاقة النووية كطاقة نظيفة قادرة على تعويض النفط لكن التخلص من نفاياتها صعبومكلف، ثم ان اليورانيوم محدود بدوره ولا تكفي الكمية المكتشفة حاليا لتغطية إنتاجالطاقة لأكثر من خمسين سنة، هذا زيادة على تفنّن الدول القوية في استخدام الحيلالمختلفة لمنع الدول الصغرى من السيطرة على هذه التكنولوجيا. فلا يمكن السماحلبلدان مثل بلادنا باستعمالها إلا إذا كان كل شيء من تكنولوجيا ووقود تحت السيطرةالمباشرة والدائمة لتلك الدول القوية.
وإذاكانت الحكومة التونسية تقول أنها تدفع دعما للمحروقات من الخزينة العمومية يفوقالمليار دينار لامتصاص ارتفاع أسعار النفط عالميا، فإن الزيادات المطّردة في أسعارالمحروقات المحلية لا تكفي وحدها، بل يجب اتخاذ إجراءات إرادية واستنباط حلولمستدامة.
أولما يتبادر للذهن هو تشجيع الاقتصاد في الطاقة سواء في النقل أو في استعمالالكهرباء، ففي النقل يمكن تشجيع اقتناء السيارات المقتصدة للطاقة وذلك بالرفع منالضرائب على السيارات المبالغة في حرق البنزين وإنتاج غازات الاحتباس الحراري مثلالسيارات رباعية الدفع التي لا تصلح إلا لإظهار الثراء للعموم، وكذلك التخفيض منضرائب السيارات المقتصدة للبنزين. غير أن الإشهار الذي نراه اليوم على الجرائدلإحدى الشركات اليابانية يعرض ثلاثة موديلات من السيارات رباعية الدفع ولا يعرضالسيارة الهجينة (بنزين/كهرباء) التي تستهلك أقل من أربع لترات من البنزين فيالمائة كلم، وحتى لمّا اتصلنا بالشركة قيل لنا أنها لا تستورد هذا الموديل منالسيارات إلى تونس. هناك انفصام بين وزارات تنتمي لنفس الحكومة، فوزارة الطاقة من جهةتحثّ على الاقتصاد في استهلاك الطاقة و وزارتا النقل والتجارة تبدوان غير معنيتينبذلك، ربما لأن المبادرات في تونس لا تصدر إلا من فرد واحد والوزراء لا يطبقون إلاالأوامر والتعليمات ولا يحق لهم المبادرة في بلاد تغيب فيها المؤسسات، وهي حالةنجدها في كل الميادين تقريبا.
كذلكنلاحظ أن استعمال الحرارة الشمسية للتسخين يتقدم في تونس ولكن ببطء، فعلى الحكومةأن تحمل بواسطة الضرائب (ترفيعها أو تخفيضها) المؤسسات التي تستعمل الحرارةالمتوسطة على استعمال الطاقة الشمسية مثل الحمامات العمومية والمسابح السياحيةوغيرها، كما يمكن تخفيض الضرائب المحلية للذين يثبتون سخانا شمسيا فوق سطوحهم.
كماأن استعمال الخلايا الشمسية رغم ارتفاع كلفتها يمثل أنظف طريقة لإنتاج الطاقة، إذإن الخلايا التي تتكون من مادة تسمّى أشباه الموصّلات تستطيع، بعد معالجتهابالتطعيم بمواد أخرى، إنتاج كهرباء عندما تكون تحت أشعة الشمس وكأنها بطاريةمشحونة. وهذه الكهرباء التي يمكن استعمالها مباشرة أو تحويلها إلى كهرباء متناوبةبقوة 220 فولت من دون أن يصاحبها ضجيج أو دخان أو رماد أو غيره. وقد قمنا فيالمدرسة الوطنية للمهندسين بتونس بدراسة مشتركة مع جامعة كولورادو واستعملنانموذجا خاصّا بتونس أظهر لنا أن إنتاج الكيلواط ساعة بواسطة التكنولوجيا الحاليةللخلايا الشمسية المربوطة بشبكة « الستاغ » لا يكلف أكثر من 470 مليما. واستنبطت ألمانيا طريقة لتعويض الفرق بين كلفة الكهرباء الشمسية وكلفة الكهرباءالأحفورية من دون أن تمس من الضرائب وذلك بإجبار شركة الكهرباء على اشتراءالكهرباء الشمسية من المنتج بثمن مرتفع وبيعها بالثمن العادي للمستهلك مخلوطة معالمصادر الأخرى لإنتاج الطاقة، وهو ما يكلف المستهلكين ارتفاعا في فاتورة الكهرباءلا يفوق الواحد بالمائة. ويهدف هذا الإجراء إلى التحكم في هذه التكنولوجيا العاليةوتوجيه الاستثمار وتعويد الناس على إدماج الطاقات المتجددة بين مصادر الطاقةالأخرى. ومهما كانت النوايا حسنة فإن مثل هذه البرامج المفيدة لا يمكن أن تنجح أوحتى ترى النور إلا بشروط الحكم الصالح، ونسوق من تلك الشروط أهمها:
1-وجود حزب « خضر » قوي ومشاكس يدفع الحكومة إلى مزيد من الإجراءات للاقتصادفي الطاقة وللتنقيص من بث غازات الاحتباس الحراري 2- إعلام مستقل ومسؤول قادر على تثقيف عشرة ملايين مستهلك للطاقة، 3- التعويل في هذا المجال على الطاقات البشرية الوطنية مهما كانت انتماءاتها الحزبيةلأن استبعاد ذوي الاختصاص المعترف بهم عالميا يعطّل البرامج البناءة ولا يهديالحكومة للطريق القويم المؤدي إلى التطور الاقتصادي والاجتماعي.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد408 بتاريخ 31 ماي 2007)
احترام الوقت حدّث وتحرّج… حتى يكفّ مسؤول عن تأخير برنامج بسبب مشاغله الخاصّة
سميرساسي
هلنحن شعب يسمع الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب؟هل يدخل مفهوم الزمن عندنا في تكوينالفكرة والنشاط؟إلى أي حدّ نستغل الوقت المتاح وننضبط له أو نحترمه؟أم أن الوقتينتهي عندنا إلى عدم؟ جملة من الأسئلة يطرحها موضوع التعامل مع الوقت في المجتمعسواء في الإدارة أوفي الشأن الخاص ص أو في الشأن العام ما تعلق منه بالسلطة أوالمجتمع المدني.
لعلأكثر المجالات إثارة لمسألة الوقت في المجتمع التونسي هو مجال الإدارة فلا نكادنعثر علي شخص لا يتذمر من عدم انضباط الموظفين للوقت حتى الموظفون أنفسهم الذينيشتكي بعضهم بعضا حين يكونون في موضع اتهام وهم دائما كذلك بالنسبة للمواطنين فهملا يأتون في الوقت الإداري المحدد وان أتوا فلا يباشرون النظر في مطالب المواطنينإلا بعد فترة يقضونها في تبادل الأحاديث الثنائية وشرب القهوة وقد يثيرون مشاكللمن يطالبهم بالانضباط..مشاكل يومية يقول احمد ويضيف لا تكاد تخلو إدارة من مثلهذه المشاكل والسبب حسب رأيه عقلية الموظف الذي برى نفسه صاحب سلطة لا يحق لأحد أنيحاسبه فهو يعمل حسب » كيفه »كما يقول وليس للمواطن إلا الانتظار حتىيتفضل عليه الموظف ويقضى له شانه.عقدة السلطة إذن وتفسير أول لإضاعة الوقت فيمجتمعنا يرفضه آخرون ويعيدون صياغته بشكل آخر تبقي معه مسالة السلطة قائمة ولكنهابالمعنى السياسي هنا فمحمد (موظف) يرى الأمر يتعلق بالأجر « نحن نعمل بحسبالأجرة المخصصة لنا ولا يمكن مطالبتنا بأكثر من ذلك فالثماني ساعات لا يعادلهاالأجر الأدنى المضمون ».
لكنالمشكلة في رأي عادل (باحث جامعي) أعمق من ذلك واشد تعقيدا وهي تمس جوهر المنظومةالتربوية التي نشا عليها المجتمع والثقافة التي رسّخت جملة من السلوكيات تعبر عنمضمونها فتأخر الحافلات عن وقتها المحدد بنصف ساعة أو ساعة اواكثر من ذلك دون مبررولا اعتبار للحريف الذي قد يظل ينتظر تحت الشمس الحارقة أو المطر العاطل أو البردالشديد ليس مشكلا تقنيا ومتعلقا بضعف الامكانات بقدر ما هو نتاج عقلية تربت منذالبدء على عدم احترام الوقت أو المحاسبة على التهاون به وليس هناك تعبيرا أكثردلالة على هذه العقلية من المثل الشعبي السائد في مجتمعنا بلغة فرنسية معناه »موعد عرب ».وحقيقة الأمر إن استفحال هذه المشكلة في أوساط أخرى منالمفروض أن تكون أكثر وعيا بقيمة الزمن يؤكد ما ذهب إليه هذا البحث الجامعي فنادراما نسجل انضباطا للوقت المحدد في اجتماعات مجالس الإدارات مثلا وهي مجالس تتكونغالبا من مثقفين متعلمين يعون أهمية الوقت بالنسبة للتطور وتحقيق النمو غير أنالواقع خلاف ذلك فلا يذكر الطاهر (حاجب بإحدى المؤسسات) أن المدير المسؤول حضريوما في الوقت المخصص للاجتماع الدوري الذي ينفض أحيانا بسبب اعتذار هذا الأخيربعد انتظار قد يطول.
ولئنكاد الأمر يتحول العادة معتادة وطبع غير مستنكر في أوساط عامة الشعب وإداراتالدولة فإنما يستدعي الوقوف عنده ويطرح حوله السؤال هو تعامل النخبة السياسيةومنظمات المجتمع المدني مع الوقت في نشاطاتهم الحزبية والثقافية وغيرها فنادرا ماينطلق تجمع سياسي لحزب أو لأحزاب في اللحظة المعينة وأما المهرجانات التثقيفيةوالندوات التحسيسية فعادتها التأخر عن وقتها و حتى اللقاءات الثنائية بين وجوهالنخبة قد لا يحترم فيها الوقت أيضا …وبصرف النظر عن الأسباب التي قد تكون خارجةعن نطاق المنظمين أو المتواعدين فان أمام هؤلاء مسؤولية جسيمة قد لا يقبل لهم فيهاعذر باعتبارهم رموز يقتدي بهم و »الرائد لا يكذب أهله ».
أمامسؤولية السلطة فهي هنا أعظم واشد خطرا ذلك إن بيدها مناهج التربية ترسمها كيفتشاء طوعا أو كرها وهنا » يكون الفائض من جنس المفيض منه »كما يقولالفلاسفة وكما يدل عليه واقعنا التربوي والاجتماعي والثقافي فلا مدارسنا الإعداديةولا معاهدنا الثانوية ولا جامعاتنا تدرس معنى احترام الوقت والزمن ,وكذلك الشأن فيمؤسستي الإذاعة والتلفزةاللتان توجهان الرأي العام وذوقه واتجاه نمط التفكير عندهغير أن المتابع لبرامج هاتين المؤسستين لا يستطيع أن يضبط وقت ساعته على موعد نشرةأخبار الثامنة مثلا التي تأتي في الثامنة وربع أو في السابعة وخمس وخمسين دقيقةكما لا يستطيع حتى الاعتماد على مواقيت الأذان التي تبثها التلفزة برغم ما يبدو منقدسية هذه المواعيد فليست المرة الأولى التي يؤذن فيها مغرب التلفزة قبل مغربالمدينة وعامة المصّلين يعرفون ذلك جيّدا .أما المواعيد التي تتغير دون سابق إعلامللمشاهد أو المستمع فحدث وتحرّج لان من شان إهمال الوقت وعدم الاهتمام به أوالتربية على احترامه أن تسبب حرجا لكل من يعي أن » الوقت كالسيف إن لم تقطعهقطعك « كما يبقى الحرج قائما حتى يكفّ مسؤول ما عن تأخير برنامج ما عن وقتهبسبب مشاغله الخاصة التي لا تهم المواطن في شيء
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد408 بتاريخ 31 ماي 2007)
في حادثة اقتحام مسلحين لمحكمة الناحية بمنزل بوزلفة: المتهم الرئيسي يصر على تبرئة بقية المتهمين
متابعةلحادثة اقتحام مسلحين لمحكمة الناحية بمنزل بوزلفة التي اوردناها سابقا تمت يومالسبت الماضي احالة المتهم الرئيسي على قلم التحقيق بقرمبالية من اجل تهم هضم جانبموظف من النظام العدلي الواقع بالجلسة بالقول والتهديد بما يوجب عقابا جنائياوالاعتداء على الاخلاق الحميدة بالقول ومسك سلاح ابيض بدون رخصة والتهديد بسلاحوالتي تم فيها ايقاف خمسة متهمين بينهم امرأة وموظف. وقد تواصلت عملية استنطاقالمتهم الرئيسي اكثر من ساعتين وانكر المتهم وجود تخطيط مسبق للعملية بمعية المتهمالثاني مؤكدا انها كانت من وحي اللحظة وافاد انه بتاريخ الواقعة الموافق لـ25 ماي2007 اعترضه احد معارفه واعلمه ان زوجته قد رفعت ضده قضية نفقة ستنظر فيها محكمةالناحية بمنزل بوزلفة ونظرا لحالة السكر التي كان عليها اغتاظ المتهم سيما وانشقيقه متهم في قضية اخرى وصدرت ضدهما عديد الاحكام من ذات المحكمة فتسلح بسكينواقتحم الجلسة وانكر المتهم تحوزه على قارورة غاز مشل للحركة كما نفى شتمه للقاضيوالحكام الجالسين معه ونفى اظهاره للسكين داخل الجلسة وتهديده للحاضرين واضافالمتهم خلال استنطاقه انه تسلح بالسكين امام المحكمة عندما سمع والدته تصرخ فطلبمنها الكف عن الصراخ وهددها بالاعتداء على نفسه بواسطة السكين او الاعتداء عليها.
برأ بقية المتهمين
وبمواصلةاستنطاقه نفى المتهم ان يكون صديقه الموظف قد تولى اخفاءه واوضح انه توجه الى ضيعةوالد هذا الاخير واعلمه بأنه تشاجر مع عائلته فسمح له بالبقاء عنده ونفى اخفاءالموظف له او مبيته في وضيعة والد هذا الاخير وانكر المتهم علم صديقه الذي نقلهللمحكمة بالعملية. ونفى تخطيطه لها بمعية المتهم الثاني كما انكر شتمه لاعوان الامن اثناء محاولاتهمالقاء القبض عليه. ومازالت الابحاث متواصلة في هذه القضية في انتظار اجراء المكافحة بين جملة منالمتهمين.
فاطمةالجلاصي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس)الصادرة يوم 5 جوان 2007)
الإرهاب وخطاب الإدانة
د. عبد السلام المسدّي أستاذ اللسانيات بالجامعة التونسية-تونس.
عندمايُطلب إليك أن تتحدث عن الإرهاب، في مؤتمر أو ندوة أو في ملف، مشافهة أو كتابة، فأنتفي أحد الموضعين : إما الاعتذارُ وعندئذ لن يَسلَم موقفك من ظلال الرّيبة، وإماالقبولُ فإذا بك تنخرط في مقولة أنت غير راض لا عنها ولا عن نفسك إذ تقبلها،والسبب أنك على يقين مطلق بأنها ماكرة، مخاتلة، ظالمة، تقحمك في مغامرة لا هي آمنةولا هي مأمونة. فالإرهاب لفظ موضوع في اللغة ولكن الذين استخدموه ثمّ روّجوه حتىعمّموه وفرضوه لم يعد – على أيديهم – دالا على معناه مثلما تدل سائر الألفاظ فيسائر اللغات على معانيها، لقد تم استلال اللفظ الدال من حوض مدلوله، وبعد ذلك تمإكساءه جملة من الإيحاءات متباينة بحكم السياق مع وضعه الأصليّ، فضاعت هويتهالأولى. إن مصطلح الإرهاب – من حيث هو أصوات مؤلفة – لم يعد يحيل مباشرة على معنىمّا، وإنما هو يحيل بدءا على نفسه – كدالّ على دالّ – ثمّ يتحوّلان معا ليدلاّ علىمدلول. إننا هنا مع حالة استثنائية من تلك الحالات التي تجسم لنا معنى المعنى طبقالآليات التواصل.
ولكندعْنا الآن من هذا المضيق، سنتجاوزه مؤقتا ثم نعرّج عليه تاليا، دعنا الآن نصطنعْضربا من القبول المنهجيّ فنأخذَ « الإرهاب » على علاته – لفظا ودلالة -كما هو متداوَل في السياق السياسي الراهن، وكما لو أننا ننخرط في هذا الإجماعاللغوي بمحض إرادتنا. إن الإرهاب – في هذه الدائرة الدلالية التي يتواطأ الخطابالكونيّ المعوْلم على قصره عليها ونتواطأ الآن معه – يتجلى في مظهرين بحسب ساحةالقتال التي يتشكل فيها، الأول مظهر الإنجاز العسكري والثاني مظهر الإنجازالسياسي. فأما الأول فأمره واضح في ذاته، وواضح طبقا لكل القوانين والأعراف التي تدور بهاالحروب، ولكنه يستنفر خطابا ماكرا ومخاتلا من لدن القوى الدولية التي تحرص علىالاستفراد بسن الأعراف الجديدة. وأما الثاني، ذو المقصد السياسي، فهو الذي يتمإنجازه بغية إبلاغ رسالة سياسية، أو بغية زعزعة الاستقرار في أركان الدولة التييتخذها ساحة للمواجهة : سواءٌ أكانت دولة عربية، أم دولة إسلامية غير عربية، أمدولة غير عربية وغير إسلامية. إن هذه هي صورة الظاهرة وهي تتخذ الساحة المدنيّةمجالا لإنجازاتها : في لندن (7 جويلية 2005) أو في مدريد (10 مارس 2004) أو في شرمالشيخ (23 جويلية 2005) أو في الدار البيضاء (10 ماي 2003) أو في مدينة باليالأسترالية (12 أكتوبر 2002).
إنهذا الفعل – مهما يكن مدبّروه وفاعلوه، ومهما تكن بواعثه وغاياته – هو جريمة جنسهاواحد، ولا تتفاوت فظاعة الجرم باختلاف المكان، ولا باختلاف هُويّة الأمواتوالمجاريح. ولكن حكمنا هذا قد يبدو بديهيا لأنه من تحصيل الحاصل، ومع ذلك فتأكيدالبديهيات الذي يستنكف منه العقل الخالص هو فعل واجب في مجال السياسة، بل ضروريجدا، ولا نجازف إن قلنا إنه – على كل مثقف – فرض عين وليس فرض كفاية. إن تحويل ميدان المعركة من الساحة العسكريّة إلى الساحة المدنيّة جريمة بمنطقالمواثيق الإنسانية، وبمنطق الأعراف العسكرية، وهو جريمة بمعايير الأخلاق المطلقة،ولكن الأهم والأدلّ والذي يغيب عن الخطاب السائد هو أنه فعل إجرامي بمنطق الشرائعالسماوية جميعها.
ولكنماذا يعني فعل الإدانة هذا، ومتى يكون ضربا من تأدية الواجب فقط ؟ وكيف نستطيعتحويله إلى « موقف » قد يؤثر في مجريات الأحداث تأثيرا مّا ؟
لنتأمّلْفعلَ الإدانة هذا من زاوية قائليه، مرتبين إياهم بحسب ما تجري به العادة السائدةفي أيامنا هذه : ينبري – عند كل حدث مماثل – من يعتبرون أنفسَهم أصحابَ الشأنالدوليّ ليعلنوا إدانتهم، ويتسابق إلى المبادرة السريعة منهم مَن يداه ملطختان بدمالأبرياء أكثر من غيره، وواضح جليّ أن مبادرتهم تلك – مع ما يلف خطابهم فيها منمخاتلات لغوية مفضوحة التضمين – تلقي بظلال غائمة على فعل الإدانة، فتمتصّ شيئاغيرَ يسير من نبله، وتنفث ضبابًا يحجب على الجميع الرؤية الصافية.
ويتبعهؤلاء، أو يصاقبهم في الزمن، ذوو الشأن المحلّيّ القائمون على أمر السياسة فيأوطاننا وفي الأوطان المماثلة لأوطاننا على الساحة الدولية، فيدينون، ويشدّدون فيألفاظ الإدانة. ولئن كان في صنيعهم ذاك رسالة تأدية الواجب، ورسالة التعاطفوالمؤازرة، فإن فيها ضربا من الاحتماء الذاتي، وضربا من الحيطة المستقبلية، وفي كلالأحوال فنحن معها في نسق من ردود الأفعال الدفاعيّة. وهذا كله طبيعي، سليم،منشود، ولكنه يظل خارج دائرة التأثير الإجرائي المأمول.
وقدتتجند – في درجة ثالثة – أصوات تنبعث باسم المؤسسات القائمة على شؤون الدين : منديار الإفتاء، والمجالس الإسلامية العليا، والجامعات الحاملة للانتساب الدينيوريثة المؤسسات التاريخية المجيدة. ويأتي فعل الإدانة على لسان الناطقين باسمالمؤسسة فصيحا، جزلا، متفقها، يغمره الحماس في اللفظ ؛ غير أنه في جل الحالات يجيءمفتقرا للحد الأدنى من العقلانية القادرة على النفاذ إلى نفوس المتلقين. ورغممشروعية فعل الإدانة ووجاهته على لسان هؤلاء فإن فاعليّته في أوطاننا تظل محدودةجدا.
ويأتيضرب رابع من ضروب إنتاج خطاب الإدانة، وهو الذي تصوغه فئة المثقفين، وهم في هذهالحال الدقيقة ثلاثة أصناف : مثقفون محسوبون على الولاء المطلق للإرادة السياسيةالقائمة، وهم يحترفون التزكية المطلقة للاختيارات الرسمية سواء طلب منهم ذلك أو لميطلب، فصوت هؤلاء وهم يدينون الفعل الإجرامي لا يزن كثيرا من موازين التأثيرالفعلي لمجرى الوقائع وتوالج الأحداث، بل إنهم – بعد التأمل الهادئ الرصين وعندالسبر العميق وراء الظواهر العارضة – يتحوّلون إلى حِمل ثقيل على هذه القضيةالشائكة إذ تخونهم المصداقية بين تلافيف مكوّناتها المتناقضة.
والصنفالثاني من شريحة المثقفين هم أولئك الذين لا يتقيدون بالالتزام السياسي الضيقلأنهم – في المنطلق – لا يَدينون بشيء للأنظمة السياسية القائمة، ولكنهم منخرطونبكليّتهم في ميثاق اللائيكية دون أن يجاهروا علنا بذلك، وإنما تراهم يطوفونبالمسألة من أطرافها، ومركز الدوران عندهم هو الاستجابة الطوعية للربط الآلي بينالجريمة والدين، وهذا في وعيهم – أو في المغمور وراءَ وعيهم – هو البديل المكافئللثنائية المزدوجة : ربط السياسة بالدين وربط الدين بالسياسة. ولتسويق هذا الفهمالخاص للقضية تراهم يختبئون وراء قيم هلامية مطلقة دون أدنى سعي إلى فك متعاضلاتها: كالمجتمع المدني، وكالدولة العصرية، وكحقوق الإنسان. ولكن أكثرهم مهارة وأبعدهمبراعة هم الذين ينتجون خطابا يستدعون مضامينه من التاريخ، ويؤثثون بلاغته بمفرداتالروّاد السابقين، فيصنعون من « التنوير » مظلة يستظلون تحتها، وهكذاتراهم يستلهمون فكر فولتير ومونتاسكيو وجان جاك روسو دون أن يحيلوا على أحد منهم،وإنما هم يحيلون على رواد النهضة وزعماء الإصلاح من رفاعة طهطاوي وعلى عبد الرزاقوطه حسين.
إنما يأتي به هؤلاء هو صنيعٌ جليل في حوافزه وفي مقاصده رغم التوظيب الخاص جدا فياستراتيجية خطابهم، وأهم سماته أن فعل الجريمة يتحول عندهم – كالمنعكس الشرطيّالبافلوفي – إلى قادح لاجترار الخطاب الذي يتسع فيمتد فضاؤه متجاوزا حدود المقصودمن إدانة الجريمة، بل يكاد الراصد المتمهل جدا أن يقرأ على ملامح خطابهم نفحةرقيقة من الانتشاء بحصول ما يحصل، لأنه يُهديهم فرصة أخرى لاجترار الخطاب، وكأنهمبفعل التكرار المتنزل مع حدث الجريمة يَجرون لاهثين وراء صكوك الاعتراف.
إنهذا الضرب من خطاب الإدانة كما تنسجه هذه الفئة الثانية من النخبة المثقفة يظلمرتهنا بالسقف الذي يتحدد تحته، فهويته سياسية، وسياقه التداولي جماهيري لأنهباعتماده مبدأ الاختزال وتوسله بآليات القفز على الدقائق يحكم بنفسه على نفسهبالمقروئية المحدودة. إنه خطاب ينساب بيسر بين كل الذين يتقاسمون مصادرته الأولىوهي الميثاق اللائيكي جملة لا تفصيلا. أما مردوده على غير المسلّمين بتلك المصادرةفمحدود جدا جدا، ذلك أنه – من حيث آليات التقبل – معرّض، هو وأصحابه، إلى وصمةالاستلاب الحضاري من جهة، ومعرّض من جهة ثانية إلى ظلال التحالف التكتيكي معالخيارات الدولية السائدة. وقولنا هذا لا يتضمن حكما بأن أصحابه هم فعلا مستلَبون،أو هم فعلا حلفاء تكتيكيون للسياسة العابرة، ولكن الواقع يشهد بأن آليات التلقيعند الجموع غيرِ اللائيكية قد جعلته هكذا.
ونأتيالآن إلى الفئة الثالثة : إنها فئة المثقفين الذين – مثل الفئة السابقة – لاتقيّدهم بالسياسة القائمة قيود الالتزام الضيق الوثيق، إنهم يَصدرون عن تصوّرنقدّي لوظيفة المثقف، وحتى حين يلتزمون سياسيا، أو يتحزبون، فمن موقع أنهم مساهمونفي بلورة الاختيارات السياسية، أو في إنضاج المرجعيات المذهبية في نضالهم الحزبي.ولكنهم – على خلاف الفئة السابقة – منغرسون في هويّتهم الحضارية، بحيث يعتبرون أنالمقوّم الروحي هو ركن أساسي في التراكم الثقافي الذي عليه يبنون انتماءهم إلىالتاريخ ماضيا فحاضرا فمستقبلا، ومع ذلك فلا أحد يستطيع أن يحشرهم تحت المظلةالتصنيفية الآسرة : قد تقول عنهم « مسلمون » ولكن لن يقول عنهم أحد »إسلاميون ». وقد تقول عنهم متأصلون في ثقاتهم ولكن لن تقول عنهم »أصوليون ». ولك أن تقول إنهم من ذوي الثقافة الدينية ولكن ليس بوسعك أنتقول إنهم « سلفيون »، ويكفيك دليلا أنهم – في العلم وفي المعارف وفيأساليب البحث – حداثيون، بل طلائعيون.
إنهاشريحة من النخبة العربية تفضل الصّمت في أغلب الأحيان، وليس ذلك منها جلوسا علىالربى ولا إيثارا للسلامة، وإنما سببُ صمتها محاذيرُ التلبيس في المواقف إلى حدالمغالاة، والمخاتلة الماكرة التي تمعن فيها سلطة الإعلام العاتية داخل الأوطانوخارجها. إنها هي الفئة التي ما ضاعت مصداقيتها، بينما أخفقت الفئات الأخرى فيصيانة خطابها من سوء التأويل رغم وجاهة كثير من مقولاتها، بل رغم نبل مقاصدأفرادها في جل الأحوال.
إنهذه الفئة الصامتة مدعوّة اليوم إلى الخروج عن صمتها، وهي مدعوّة إلى الإصداحبموقفها – اليومَ بالذات وأكثرَ من أيّ وقت مضى – لسببين اثنين، الأول الفشلُالذريع الذي آلَ إليه الخطاب « الإدانيّ » السائد، والثاني استفحالُ ظاهرةتحويل الساحة المدنية إلى ساحة عسكرية مما يفضي إلى الإجهاز على الأرواح فقطلمجرّد إبلاغ رسالة سياسية، وهذه الفئة لا عليها في أنها تتكلم الآن بعد طولصمتها، لأن صمتها هو الذي يؤدي وظيفة الفصل بين إدانة مجانية لا أثر لها علىالأحداث وإدانة نابعة من القناعات الحميمة الراسخة، إنها تدين الظاهرة من موقعالإيمان بأنها ليست فقط جريمة في نظر القانون الوضعي وإنما هي جريمة طبقا لمعيارالتشريع السماوي.
ولكنهل يكفي أن نعيد لخطاب الإدانة مصداقيته كي تكف الظاهرة عن الوقوع ؟ ثمّ ما هيالآفاق التي نستشرفها ؟ وهل من احتمال راجح لإيقاف نزيفها ؟
سيكونمن السذاجة أن ننتظر وصفة جاهزة تصنع صنيع السحر، ولو تكتلت كل قوى العالم علىاستئصال ظواهر العنف بمختلف تشكلاته لما نجحت والوضع على ما هو عليه، فالإرهاب -بالمعنى الذي توطأنا على قبوله مؤقتا – عدوّ ليس له عنوان في المكان، وليس لأفعالهرزنامة في الزمان، وليس له منطق مكشوف يمكّن من الحدس برابطة السبب بالنتيجةوالعلة بمعلولها. وفي ضوء ما أسلفنا نفهم لمَ شاعت في أدبيّات الرصد الاستشرافيالتقديرات التي تقول إن ظاهرة الإرهاب ستشكل معضلة القرن الواحد والعشرين، وليسذلك على مقاس رؤية سوداوية للأحداث بقدر ما هو حصافة تحتكم إلى الخط التصاعدي كمّاونوعا على مدى السنوات الماضية.
بناءًعلى ما سبق، وخارجَ دائرة الوعظ الرخيص أو الإرشاد الغبيّ، بوسع الراصد للأحداثوالمتزن بين الأطراف المتجاذبة أن يرسم ملامح المشهد الاستراتيجي البعيد كما لوأنه يضبط علاجا بعيد المدى بحكم تعذر استئصال الورم بالجراحة الناجعة.
أولُبنود هذه الخطة أن تتحرك تلك الفئة الصامتة – في أي موضع كانت وإلى أي ثقافة انتمت- لتقول جهارا إن الخروج بأي معركة – حتى ولو كانت مشروعة – من ساحتها العسكريةإلى الساحة المدنية هو خطيئة، وإن قتل الأبرياء باسم جريرة غير الأبرياء – ولوكانوا من بني جلدتهم – هو أمر مناقض للدين في جوهره، بل إن اختيار الموت قصداوالذي هو استشهاد في الساحة العسكرية يتحول انتحارا، في الساحة المدنية، والمنتحرُ- في شريعة الدين – حكمُه كحكم من قتل نفسا متعمّدا، مخلّدٌ في النار. إن تأكيدهذه المرجعيات سيسوّغ للفئة الصامتة أن تقول إن الخطيئة السياسية – بعد الخطيئةالميدانية – تتمثل في التسليم الطوعي بأن هذه الأفعال منسوبة إلى الدين، ومن أكبرالأخطاء الاستراجية في السياسة الدولية التذاذ الإعلام بالإصرار على ربط هذهالجرائم بالدين حتى ولو ادّعى فاعلوها ذلك، فالدين بَراءٌ منهم ومن أفعالهم، وإنماهم متلبّسون باسم الدين يتخذونه غطاء لفعل سياسيّ بحت ذي تصورات شططيّة ناسفة،والتاريخ الإنساني – قديمُه وحديثه – مشحون بهذه النماذج من الحركات.
الوجهالآخر من حظوظ المعالجة أن يعاد تأسيس المفاهيم بغسل الألفاظ من دلالات إيحائيةظالمة، وتطهير المعاني من مصطلحات تلبيسية ماكرة، فالذين بادروا باختيار لفظالإرهاب ليترجموا به لفظ « تارّوريزم » الإنجليزي الفرنسي لم يقدّرواأبعاد صنيعهم إذ لم يكلفوا أنفسهم عناء التنقيب عن جذور الدلالات تاريخيا، فهذهالمادة اللغوية تراثية وردت في النص الكريم في سياق الحث على الإشادة بالقوةكقانون من قوانين الصراع المطلق، ولكنها اكتسبت على يد الإعلام المغرض إيحاءات حفتبها، وحتى الذين خشوا من التلبيس، واستعملوا بدائل أخرى كالتشدد والعنف والتطرف،لم يفلحوا في غسل الأذهان من أدران الاستخدام المجحف. ليس لهذا الوضع من حلول إلاحلا واحدا يمكن للفرد أن يتدارك به الوضعَ دون أمل منه في أن يقتفيَ الآخرون خطاه،وهو اللجوء إلى « الدخيل اللغوي » فلا يتحدث عن الظاهرة عندئذ إلا بقوله »تاروريزم »…
سيظلالأملُ مُرجأ في وصفة العلاج إلى حين يحسم المتحكمون في الشأن الدولي والماسكونبتلابيب العمل الأممي أمرَهم، فيسمحوا بإعداد ميثاق دوليّ تضبط بنـــودُه – بكاملالتفاصيل ودون مراوغات بالألفاظ وتضميناتها – مشروعية المقاومة وحق كل شعب تعرضللغزو أو للاحتلال في أن يجاهد في سبيل استرداد حريته. وكيف لا نذكر هنا أن كلالدول الاستعمارية كانت تنعت المقاومين أيام معارك التحرير الوطنية بالإرهابيينقبل أن تجلس إلى موائد التفاوض وتصافح زعماءَهم، فعلت ذلك كل الدول المستعمِرة وفيمقدمتها فرنسا ناسية أن الأمر كان يجري كما لو أن شارل دي غول كان »إرهابيا » حين كان يقود حركة المقاومة من العاصمة البريطانية.
ويظلالأملُ مرجأ أيضا إلى حين تقلع القوى الدولية المتنفذة عن ازدواج المكاييل، وأبسطمظاهر الإنصاف أن تعْدل في توزيع الأسماء على مسمياتها، بل حتى قبل أن تقومبالتمييز العادل بين المقاومة المشروعة والإرهاب الإجرامي البغيض لا أقلّ من أنتتأثث تسمية الأحداث بقاموس واحد. فعندما أقدم باروخ غولدشتاين – وهو طبيب ذو شهرةسليمة في كل قواه النفسية ومداركه العقلية – على ما سمي بمجزرة الحرم الإبراهيمييوم 25 فيفري 1994، لم نسمع أحدا أطلق عليه صفة الإرهاب، والحال أنه قد دخل المسجدوالناس يصلون فجرا، فأرسل من وراء ظهورهم وابلَ رشاشته فأرداهم قتلى، واكتفىالرئيس بيل كلينتون يومئذ بالمجاز البلاغي قائلا : « إنه مجنون وعلى منظمةالتحرير أن تستأنف مفاوضاتها مع إسرائيل ».
والأمرهو الأمر في إرهاب الأفراد كما في إرهاب الدول، فمجزرة قانا الأولى في 19 أفريل1996 لم يسمّها أحد إرهابا، وحين بذل الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة بطرس بطرسغالي جهده كي يستصدر قرارا من مجلس الأمن يشير بكياسة دولية مألوفة إلى مسؤوليةإسرائيل غضبت عليه الولايات المتحدة واعترضت بعد أشهر على تجديد ولايته، وتجددمشهد المكاييل المزدوجة مع ما سمي بمجزرة قانا الثانية في 30 جويلية 2006، وإذ رأتكونديلا رايس أن تأتي بنفسها إلى بيروت لامتصاص الغضب رفض فؤاد السنيورة مجيئهامصرحا: « ليس الوقت للكلام وإنما الوقت للإيقاف الفوري وغير المشروط لإطلاقالنار » ثمّ ذكّر بمجزرة قانا الأولى وقال: « فعلوها ضمن العملية التيأسموها عناقيد الغضب وكان الأولى أن تسمّى عناقيد الكراهية ».
لننتطلع إلى الإنصاف السياسي إلا حين يتأسس الإنصاف اللغوي، ولعل الرئيس عبد العزيزبوتفليقة قد استشعر مكرا في الخطاب للتلبيس بين مفهوم الإرهاب ومبدإ المقاومةالمشروعة، كان ضيفا في نيويورك لحضور احتفالات هيئة الأمم المتحدة بمطلع القرنالواحد والعشرين، وعقد يوم 10 سبتمبر 2000 ندوة صحفية، فسأله أحدهم سؤالا مفخخاطالبا رأيه في الإرهاب، ومعرضا من طرف خفيّ بما يجري على أرض الجزائر من جهة والأرضالفلسطينية من جهة مقابلة، فرد بالقول : « الإرهاب كالكولستيرول، بعضه سيءوبعضه حميد ».
وقدتظل الوصفة منقوصة ما لم نتمّمها، أو نتوّجها، بملمح جوهريّ يخص كيفية التعامل معالظاهرة داخل أوطاننا قبل كل شيء، فمن المتعيّن على أصحاب الأمر في بلدانناالعربية الإسلامية أن يعرفوا كما يعرف كل الساسة في أرجاء المعمورة بأن عصرنا يشهدعودة قويّة للمقدّس، وأن هذه العودة تنشد التوازن حيال شطط المنزع المادي الذي غمرالإنسان المعاصَر مالا وسلوكا وقيما، حتى فتح للفرد آفاقا من التحرر المطلق لميَعد يُجدي أن نسميه إباحيّة ولا أن ننعته باللاأخلاقيّ، فكل المرجعيات القيميةتمرّ بانقلابات جذرية، ناهيك أن كثيرا من الفلاسفة وهم يصوغون رؤاهم الاستشرافيةيقولون بأن هذا القرن الجديد سيكون قرن « المقدّس ». هذا يعني أن الأنظمة السياسية القائمة مدعوّة إلى استيعاب المعادلة الدقيقة ببصيرةنافذة وبحنكة براجماتية بالغة : ألا تخلط ظاهرة التديّن بظاهرة الإرهاب، وهذاالمبدأ في ظاهره بديهي خالص ولكن تطبيقه بالامتثال إلى مجاذباته عصيّ حَرون.
إنالنظام السياسي – أيا كان – مسؤول عن رعاية أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم، ولامناص له من استراتيجية أمنية مكينة تتيح له صيانة ما هو مؤتمَن عليه، ولكنالمسؤولية الأمنية رسالة نبيلة يمكن عند أبسط الأخطاء أن تنحرف فتولد نقيض غايتها.
إنالسياسة الحكيمة في أوطاننا هي القادرة على أن تحوّل وازع التديّن إلى فائضيخدمها، والناس حساسون لهذا، والجمع الغالب الأعم من المتدينين هم أعداءُ الإرهابلأنهم ينشدون السكينة واطمئنان النفس. والسياسي الماهر هو الذي يجعل المتدين حليفاله، نصيرا عند العسرة. أفتلزمنا خطابة أو بلاغة حتى نقنع السياسي بأن المتدين إذاألقينا عليه ريبة الإرهاب نقم نقمة تحوّله إلى كائن مقهور لأن الجرح يصيبه عندئذفي جوهر كيانه الروحي ؟ ليس هناك مؤمن متدين تسوّل له نفسه أن يرفع يده حتى ليقذفحجرا.
ربمايكون العلمانيون حلفاءَ تكتيكيين للسياسة، ولكن حلفاءها الاستراتجيين – الأقدرَتأثيرا والأبقى دواما – إنما هم الذين يؤمنون بأن الفتنة أشد من القتل فيقدّروننعمة السلم حق قدرها.
(المصدر: مجلة « أفكار أونلاين » (فكرية أليكترونية – تونس)، العدد 24 لشهري ماي وجوان 2007) الرابط: http://www.afkaronline.org/arabic/articles/mseddi.html
الإبداع المسرحي والسينمائي التونسي في مواجهة التطرف والإرهاب
أ.محمد بن رجب إعلامي – ناقد – تونس
نالالمخرج النوري بوزيد « التانيت الذهبي » من مهرجان أيام قرطاج السينمائيةفي دورته الأخيرة في شهر أكتوبر 2006، عن شريطه « آخر فيلم » أو »مايكينغ أوف » الذي طرح فيه مسألة الإرهاب من وجهة نظرة الخاصّة من خلالقصّة كتبها بنفسه مستوحيّا خيوطها وأحداثها من بنات خياله الذي لم يكن بعيدا عنواقع اجتماعي تونسي غير منفصل عن الواقع العالمي الذي تبلور فيه الإرهاب الذي أيقظالمضاجع وأزعج الفكر، وأحدث خلخلة في العقل الإنساني ممّا دعا الجميع إلى مقاومتهوشنّ الحرب عليه بكل الطرق والوسائل المتاحة.
لانريد هنا تحليل مسألة الإرهاب والبحث في أسبابه وجذوره ومظاهره، ولا نريد أن نبحثفي المفاهيم الصحيحة والخاطئة المنتشرة حاليا في العالم ولا نريد أيضا دراسةالأسباب التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الغرب كلّه تتعمّد الخلطبين الإرهاب والمقاومة. كما أننا لا نهدف بهذا الحديث إلى التأكيد على أنالسّياسات الخاطئة والظالمة التي مارستها الإدارة الأمريكية في السنوات الأخيرةتسببت بشكل مباشر في تنامي الإرهاب في كل أنحاء العالم فذلك أصبح معروفا. فمايعنينا هنا هو التأكيد على المخاطر التي تتهدّد الحداثة والحرّيات والديمقراطيّةوحقوق الإنسان من خلال ما صاغه المبدعون التونسيون في أعمالهم السينمائيةوالمسرحيّة ضدّ الإرهاب والتطرّف الديني استنادا إلى خلفيّة فكريّة وأدبيّةوسياسيّة تفطنت مبكرا إلى أن الإرهاب يستهدف التحديث في كل المجالات. ويخطط بعقلمتطرف مريض إلى تعطيل الفكر المجدّد، وإحداث شرخ في العقل المبدع بما هو قادر علىفعله عبر نشر الموت وإشاعة الفوضى، والتسبّب في الدمار، وبثّ الرعب في النفوس، وهوما يدعو إلى مقاومته والتصدي إلى الإرهابيين ومواجهة كل الأسباب المحرّكة له علىالمستوى الفكري والذهني.
طرحسينمائي جريء
المخرجالنوري بوزيد يتصدّى إذن بفيلمه الفائز في أيام قرطاج السينمائية بالجائزةالذهبيّة للإرهاب والإرهابيين لأنه يعرف، وهو الخبير في ذلك، أن السينما أداةفاعلة في إحداث التأثير الإيجابي باعتبار أن الصورة مازالت ذات سحر واسع، بل إنهذا السّحر يتوسّع من يوم إلى آخر وكادت تتحوّل إلى الوسيلة الاتصالية الأقوى فيالتأثير على العقول وفي النفوس إلى درجة أن هذا العصر قد تبنّى على صواب صفة »عصر الصورة »، هذه الصورة التي لا تنفك تشهد التطورات التي تزيد منإشعاعها وانغراسها في العين وفي الذهن بشكل أسرع وبأسلوب متقن فنّيا بفضل الثورةالجارية في الوسائل التكنولوجية والأليكترونيّة والرقميّة. المخرج النوري بوزيد يحكي قصّة شابّ عاطل عن العمل يحلم بالهجرة إلى الخارج، لكنكيف له ذلك ومنافذ الهجرة منسدّة في وجهه؟ ولذا أقرّ العزم على أن يسافر سرّا إلىإيطاليا، وهي طريقة أصبحت منتشرة في شمال إفريقيا وراجت باسم « الحرقان »محفوفة بالمخاطر التي تكتب عنها الصحف بشكل متواتر. كان على هذا الشاب العاطل عن العمل أن يجمع المال ليغطي نفقات الهجرة /الحرقانسرّا، فكيف له ذلك وهو فقير؟
لقدأجبرته وضعيته الاجتماعية والعائلية على ممارسة السرقة والتحيّل…وفي الأثناء »يختطفه » رجل كان يريد في الظاهر إنقاذه بإسناده عملا يدرّ عليه بعضالمال. ونكتشف أن هذا الرجل متطرّف ديني يستعمل معه كل وسائل التأثير ليجعلهمنخرطا في حركة دينيّة سرّية متطرّفة تؤمن بالجهاد ضدّ المحتلين في فلسطين وفيالعراق فيعيش هذا الشاب تمزّقا روحيّا يؤدّي به في النهاية إلى الانتحار تقريبا منالعذاب النفسي الذي انزلق فيه شيئا فشيئا. لقد نجح النوري بوزيد في إظهار فظاعة الإرهاب ولا شك أن الجمهور الواسع من الشبابإذا ما شاهد هذا الشريط سيقف على حقيقة الإرهاب ويتحول إلى أداة مقاومة له!
نقولذلك دون أن ننسى أن في الشريط أخطاء منهجيّة بدت لنا في تدخّل المخرج في مسائلفقهيّة ودينيّة ما كان له أن يتدخل فيها لأنه رجل غير مختصّ وليست له علاقةبالثقافة الدينيّة كما أن النوري بوزيد كاد ينزلق في الرؤية الغربيّة التي لا تفرقبين المقاومة والإرهاب. مهما يكن من أمر فإن الفيلم يندرج في نطاق التصدّي لمخاطر الإرهاب.
لميكن فيلم النوري بوزيد هو الوحيد الذي تصدّى للإرهاب في مواجهة فكرية واضحة بل إنالسينما التونسيّة خلال السنتين الأخيرتين أنتجت عددا من الأفلام التي تندرج فيهذا النطاق وفي مقدمتها فيلم « كلمة رجال » للمخرج معزّ كمون الذي اقتبسقصّته من رواية « برومسبور » للكاتب حسن بن عثمان. هذا الفيلم يقدم نموذجا من التطرف الديني الذي يجعل بعض الناس يتصرّفون من خلالرؤية ضيّقة لا تصلح لهذا الواقع الاجتماعي الذي يعيشه فيتسببون في كوارث عائليّةواجتماعية لابدّ من الحذر منها حتى لا تأكل الأخضر واليابس خاصّة وأن البعض منالمتطرفين يستندون إلى وسائل مؤثرة في ضعاف النفوس باعتماد قصص « السلفالصالح » وهي لا تمت إلى الصلاح بأية صلة من المنظور الحديث للفعل المنتج.
أمّاالمخرج علي العبيدي فإنه يبدأ شريطه « اللمبارة » بمحاولة إرهابيّة مفضوحةيقوم بها إرهابي صحبة بعض « أصدقائه » ضدّ مسرح صغير لتأديب شقيقته التياختارت الفنّ المسرحي مهنة لها وهي تؤمن بالدور الفعال الذي يلعبه الفنّ الرابع فيتهذيب النفوس والرفع من المستوى الثقافي للشعوب. ورغم أن علي العبيدي لا يتوقف طويلا عند الوسائل التي يستعملها الإرهابيون لمحاربةالفنون والإبداعات الأدبيّة والفكريّة فإنه أوضح أن جانبا من المجتمع التونسيمتضرّر من ظاهرة الإرهاب…وهو مرعوب منه ويبحث عن الطرق الكفيلة بالتخلص منهومقاومته.
فيلم »اللمبارة » للمخرج علي العبيدي لم يكن قويّ التأثير ضدّ الإرهاب لأنهركّز فيلمه على « الحرقان » فالفتاة التي تعرّضت للتعنيف عقابا لها لحبّهاللمسرح وممارستها له عوض أن تقاوم العنف والفكر الإرهابي بما يوفره لها المجتمعالتونسي على جميع الأصعدة من حماية وتشجيع فإنّها اختارت الهروب إلى الخارج عبرالبحر سرّا لأنها لا تملك المبرّرات للهجرة الشرعيّة.
الحقيقةأن المجتمع التونسي تتوفر على كل الإمكانيات التي تحمي الفنّ وأهله، ولم نسمع بأنفنانا تونسيا هرب إلى الخارج لأنّ الإرهابيين يلاحقونه… وبما أن للخيارالسينمائي أحكامه فإنّنا نعتبر الفيلم مهمّا وهو يقدم للمتفرجين رؤية المتطرّفينالدينيين الذين لا يرفضون وجود المرأة في المسرح فقط بل هم يرفضون المسرح ومنورائه كل الفنون، ذلك أنهم يعتقدون أن الفنّ من ضيعة « الشيطان » ويسعونإلى محاربته بدعوى أن الفنّ الوحيد المقبول هو الذي يخدم توجّهاتهم المتطرفة فيخدمة الإسلام في حين أنّ الإسلام برئ منهم بما هو دين الوسطيّة والاعتدالوالتسامح.
ولميكن المخرج المنصف ذويب هو الأخر بعيدا عن جبهة مواجهة التطرّف الديني في فيلم »التلفزة جاية » الذي ظهر هو الأخر خلال سنة 2006. كان يمكن لهذا الشريط أن يحقق الإجماع حوله على أساس انه من أفضل ما أنتجت السينماالتونسيّة من أفلام ذات روح شعبيّة تشدّ إليها الجهور الواسع إلاّ أن المنصف ذويبأراد مغازلة الغرب بتصوير مشاهد طويلة يرفع فيها الصليب عاليا. لا شك أن المنصف ذويب يريد أن يؤكد بأن التاريخ التونسي الطويل الذي عرف قبلالإسلام حضارة الرومان المسيحيّة جعل من المجتمع التونسي مجتمعا متسامحا منفتحاعلى جميع الثقافات ومحترما جميع الأديان.
هذهالنظرة هي التي نريدها… وهي التي نريد أن يعرفها عنّا الغرب بمفكريه ومبدعيهوبالأناس العاديين فيه. لكن بدون أن نرفع الصليب عاليا بل بالتركيز على النواحيالإيجابية في المجتمع التونسي، وبتوضيح الرؤية الوسطية والمعتدلة للإسلام،وبالتأكيد على أن تونس تتوفر على كلّ العناصر التي أهلت المجتمع ليكون قابلاللحداثة والعقلانيّة.
تلكبعض الأفلام التونسيّة الجديدة التي تحدثت بأشكال مختلفة عن التطرف الديني، وعنالإرهاب والحقيقة أن هذه الأفلام لم تأت لمسايرة هذه المسألة التي يركز عليهاالإعلام العالمي وتحرّكها القوى العظمى بحقّ وبغير حقّ، إنما جاءت في نطاق مسيرةطويلة انتهجتها السينما التونسيّة التي كانت دوما إلى جانب الحداثة والتحديث والتيكانت وسيلة من وسائل التأكيد على أن المثقفين التونسيين لم يهادنوا التطرف. صحيح أن السينما التونسية التي لا تنتج الكثير من الأفلام، ابتعدت عن الجمهورالواسع بتركيزها على مواضيع تشغل بال المخرجين وقد لا تشغل بال المواطنين الباحثينمن خلال السينما عن المتعة والفرجة والترفيه لكنّها سجلت حضورها على أساس أنّهاكانت دوما حداثيّة تقف إلى جانب الحريات وتساند الفكر النيّر، وتحارب كل أسبابالتخلف.
مسرحينتصر للحداثة
المسرحيةالجديدة التي كتبتها الفنانة جليلة بكار وأخرجها رفيق دربها الفاضل الجعايدي تحملاسم « خمسون » عرضت لأول مرّة في فرنسا ونالت استحسانا كبيرا لدى النقاد،لكن أيضا لدى الجمهور الكبير الذي شاهدها في مسرح « أوديون » الشهير، وهيمسرحيّة ولئن كانت تبحث في مسألة الحريات فإنها في واقع الأمر تندّد بالإرهابوترفض التطرّف الديني.
« خمسون »اصطدمت بلجنة التوجيه المسرحي في البداية لأنها في رأي هذه اللجنة دخلت مناطقمحرّمة، لكن وزير الثقافة والمحافظة على التراث منحها تأشيرة العبور إلى الجمهورالتونسي الواسع إيمانا منه بحريّة التعبير وتأكيدا على أن الدولة ترعى المبدعينوتشجعهم على الإبداع بكل الوسائل.
هذهالمسرحيّة التي تنطلق من حادث مروّع تمثل في قيام أستاذة بتفجير نفسها في ساحةمعهد ثانوية لتستعرض عن طريق التداعي الفني المسرحي مسألة الإرهاب والتفجيرالانتحاري، لم تستند على الواقع التونسي الذي في حقيقة الأمر لم يعرف هذا النوع منالإرهاب ولم يتمّ تسجيل أي حادث من هذا النوع. لكن المسرحيّة تبقى مهمّة لأنهاتبرز فظاعة الإرهاب وتنتقد طريقة معالجته في تونس. وهي نفس الطريقة التي كانتالسلطة تعالج به التطرّف الفكري اليساري في الستينات والسبعينات. نقول بأن المسرحيّة مهمّة ولكننا مع ذلك نرى أنها لم تكن واقعيّة ولا هي موضوعيّةذلك أنها ركزت على جانب معيّن من مواجهة التطرّف ولم تتناول الجوانب الفكريّة فيهذه المواجهة التي يمارسها المجتمع التونسي على جميع المستويات.
ولمتكن مسرحيّة « خمسون » الجديدة وحدها على الساحة الفنيّة في معالجتهالمسألة التطرف والإرهاب بل إن مسرحيات أخرى مثل « أوتيلو » لمحمد إدريس فيإنتاج للمسرح الوطني تستبطن فكرا نيّرا يتصدّى للتطرف في جميع أشكاله كما أن جماعة »التياترو » بإدارة توفيق الجبالي ناضلت بأعمالها المسرحيّة المختلفة ضدّظاهرة التطرّف من وجوه مختلفة.
وإنالمتبع للأعمال المسرحيّة التونسيّة الجديدة التي ينتجها فنانون من الشباب سيلاحظبأنها في أغلبها تساند الحداثة وتدافع عن الفكر الناهض ضدّ التطرف والإرهاب نذكرمنها مسرحيّة « رهائن » لعزالدين قنّون عن نصّ للفنانة « ليلى طوبال ».
و »رهائن » تستعرض قصة مجموعة من المسافرين لا شيء يوحد بينهم سوى السفرنحو المجهول. نحو البحث عن مستقبل آخر، عن فضاء آخر، عن هويّة، عن حرّية، كانواينتظرون موعد انطلاق الباخرة لمّا فاجأهم عدد من الإرهابيين دون تحديد هوّيتهم،(هم إرهابيون وكفى) واختطفوهم ورموْا بهم في غياهب فضاء مغلق من كل جانب، فيحدثاللقاء بينهم رغم الظلام ويتحدثون عن مصائرهم و أحلامهم عن آمالهم، وعنطموحاتهم… وعن آلامهم أيضا. وعاش المختطفون لحظات طويلة مملّة.. قاسية..لا ييستطيعون على تحمّلها لولاالكلام…إنهم هربوا من الخوف والرعب إلى الكلام..فتحدّثوا وتحدثوا.. وكيف تحوّلالخوف إلى قوّة داخلية للمواجهة…مواجهة الإرهاب، ومواجهة التطرف وفهموا فيالنهاية أنّ الهرب إلى المجهول هو الذي يشجع الإرهابيين على المضيّ قدما نحو تحقيقأهدافهم المعطّلة للعقل والحداثة ولذا عليهم أن لا يسافروا… وأن يواجهوامستقبلهم بثقة جديدة في أنفسهم تدفعهم إلى تنقيّة المجتمع من الإرهابيين ولكن أيضابمقاومة الأسباب التي جعلت الإرهاب يعشش في النفوس ويعطل الإبداع وينتصر للتخلف.
فكرإصلاحي، ومشروع تحديثي
إنناركّزنا في هذا المقال على الأعمال الإبداعيّة التونسيّة الجديدة التي تمّ إنتاجهاخلال سنة 2006 و التي تناولت مسألة « الإرهاب » من وجوه فنيّة مختلفةوأشكال تعبيرية متنوعة إلاّ أن ما يجب التأكيد عليه أن المبدعين التونسيين فيالمجالات الفنيّة كانوا في أغلب الأحيان دعاة حقيقيين للحداثة والتحديث وللعقلوالعقلانيّة. ولو تذكرنا مسرحيات المنصف السويسي في كتابات لعزالدين المدني (الحلاج، ثورةالزنج، ثورة صاحب الحمار) وفي كتابات سمير العيادي (عطشان يا صبايا)، ولو تذكرنامسرحيات لمحمد إدريس والفاضل الجعايبي والفاضل الجزيري (الورثة، لام، العرس،عرب).. ولو تذكرنا مسرحيات توفيق الجبالي وجماعته، والمنصف الصايم ورفيقة دربهرجاء بن عمار، ولو تذكرنا مسرحيات حمادي المزي وعزالدين قنون لو تذكرنا ذلك كلّهفي قراءة سريعة أو في دراسة متأنية لاكتشفنا أنها بشكل من الأشكال تحارب التخلّفوالرجعيّة وتدعو إلى الحداثة والتطوّر. وتبحث في النواحي النيّرة في التاريخالتونسي وفي التراث العربي الإسلامي بعيدا عن تبني الماضي وبعيدا عن الإسقاطاتالفكرية.
لايعني ذلك أن كلّ المسرحيات خلال السنوات الثلاثين الأخيرة كانت كلها متميّزة فيناوفكريا. ولكنها كانت كلها في مواجهة التخلف.. وداعية إلى التحديث. وهكذا الأمر بالنسبة للسينما التونسيّة التي يمكن أن ننقدها بلين أو بشدة في مسألةتركيزها على ما يطلب الغربيون من المخرجين التونسيين كتصوير المرأة في الحماموتصوير العلاقات الجنسيّة على الفراش.. مع التركيز على عنصر اضطهاد المرأة فيالمجتمع إلاّ أننا مع ذلك لا يمكن أن نمنع أنفسنا من الإشارة بها كنافذة حقيقيّةتدخل منها نسمات الحرّية…وتخرج منها مفاسد الرجعيّة والتطرف والتخلف.
ولميحدث كل ذلك بالصدفة…بل هو ناتج عن فكر تونسي ناهض منذ خير الدين باشا مرورابحركة الشباب التونسي، وبشعر أبو القاسم الشابي وبفكر الطاهر الحداد وبتأسيس الحزبالحرّ الدستوري، وببعث الحزب الحرّ الدستوري الجديد، وبالحركة الوطنيّة وبناء دولةالاستقلال، وصولا إلى حركة التحوّل السياسي الذي جاء بمشروع إصلاحي تحديثي جديديتواصل مع ما حققته البلاد من مكاسب ليدعمها بمكاسب أخرى كثيرة على المستوى الفكريوالسياسي تهدف إلى نموّ المجتمع على أسس صلبه وفكر نيّر قادر على التطوّر الدائممناهض للتخلف ورافض للتطرف الديني.
وماكانت لتلك المسرحيات والأفلام التي ذكرناها أن ترى النور لو لم يجد أصحابها مناخافكريا وسياسيا عاما مساعدا على العمليّة الإبداعيّة في شتى مظاهرها. نقول ذلك دون أن ننسى أن السينمائيين لا يمكنهم أن ينتجوا الأفلام لارتفاع كلفتهاولعدم قدرتهم على توفير الأموال اللاّزمة لها إلاّ لأنهم يجدون الدعم على الإنتاج.يكفي أن نذكر أن الأفلام العشرة التي ظهرت في السوق التونسيّة خلال 2006 وبداية 2007أنفقت عليها الدولة أكثر من 6مليون دينار بعنوان الدعم على الإنتاج أي أن المخرجينوالمنتجين يحصلون على هذه المبالغ المرتفعة وهم غير مطالبين بشيء إلاّ الإبداع.فلا هم ينفذون أفلاما ترغب فيها الدولة للدعاية لها.. ولاهم يعيدون المال الذيحصلوا عليه إلى الخزينة العامة.
(المصدر: مجلة « أفكار أونلاين » (فكرية أليكترونية – تونس)، العدد 24 لشهري ماي وجوان 2007) الرابط: http://www.afkaronline.org/arabic/articles/benrjab.html
مسؤولون:محادثات بشأن الصحراء الغربية تعقد في 18 و19 يونيو
الاممالمتحدة (رويترز) – قال مسؤولون بالامم المتحدة يوم الاثنين ان محادثات لمحاولةانهاء مأزق مضى عليه ثلاثة عقود بشأن مستقبل اقليم الصحراء الغربية ستعقد في 18و19 يونيو حزيران في لونج ايلاند قرب مدينة نيويورك. وستجمع المحادثات مسؤولين من المغرب التي ضمت المستعمرة الاسبانية السابقة بعد انانسحبت منها اسبانيا في عام 1975 وحركة بوليساريو التي تسعى لاستقلال الاقليموالجزائر التي يوجد بها مقر بوليساريو وموريتانيا المجاورة للصحراء الغربية. وقالت ماري اوكابي المتحدثة باسم الامم المتحدة ان الدبلوماسي الهولندي بيتر فانوالسوم مبعوث الامم المتحدة الخاص الي الاقليم الغني بالفوسفات في شمال غربافريقيا « سيجري محادثات مباشرة أو عن كثب كخطوة اولى في عمليةالمفاوضات. » وتأتي المحادثات في اعقاب موافقة المغرب وبوليساريو في ابريل نيسان على التفاوض. واثار ضم المغرب للصحراء الغربية استنادا الي ما تقول الرباط انها حقوق ترجع اليقرون حرب عصابات مع بوليساريو. ووعد اتفاق لوقف اطلاق النار للامم المتحدة تمالتوصل اليه في عام 1991 باستفتاء لتحديد مصير الاقليم لكنه لم يجر قط. وما زالت بوليساريو تطالب باستفتاء يطرح فيه الاستقلال كخيار لكن الرباط تقول الانان ذلك متعذر لان ابناء الصحراء الغربية مبعثرون في الجزائر ومالي وموريتانياوالمغرب وان الحكم الذاتي هو اقصى ما ستعرضه.
ونزاعالصحراء الغربية هو السبب الرئيسي للاحتكاك بين المغرب والجزائر التي اغلقت الحدودالبرية بينهما في عام 1994 وسط توترات امنية وما زالت مغلقة. وسبق ان عقدت لقاءات بين المغرب وبوليساريو لكن دبلوماسيين بالامم المتحدة يقولونان المحادثات التي ستجرى هذا الشهر تقدم أفضل امل حتى الان لتسوية. وقال محمد عبد العزيز زعيم بوليساريو في مقابلة مع رويترز الاسبوع الماضي انه اذافشلت المحادثات في انهاء المأزق فان ذلك قد يزعزع الاستقرار في شمال افريقيا ويدفعحركته الي استئناف الكفاح المسلح.
(المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) نقلا عن وكالة رويترز للأنباءبتاريخ 5 جوان 2007)
«بوليساريو»: مفاوضات مباشرة مع المغرب في 18 الشهر الجاري
الجزائر- الحياة أكدت جبهة «بوليساريو»، أمس، قبولها دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مونلبدء مفاوضات مباشرة مع المغرب برعاية المنظمة الدولية في 18 حزيران (يونيو)الجاري. وأعربت «الأمانة الوطنية» (أعلى هيئة سياسية لـ «بوليساريو») التي اجتمعت الأحدبرئاسة رئيس «الجمهورية الصحراوية» (التي تعترف بها الجزائر) محمد عبدالعزيز عن«أملها في أن يستجيب المغرب إيجابياً وبجدية لهذه الدعوة». كما أعربت في بيانأوردته وكالة الأنباء الصحراوية عن «الأمل في أن لا يلجأ المغرب، كما في السابق،إلى ممارسة المماطلات ووضع العراقيل (…) التي حالت دون تطبيق قرارات مجلس الأمنالمتعلقة بمختلف مخططات السلم»، ذاكرة خصوصاً خطة «تقرير مصير الشعب الصحراوي» وخطجيمس بيكر. ولم تحدد الجبهة مكان انعقاد المفاوضات المباشرة مع المغرب. وكان مجلس الأمن دعا في 30 نيسان (ابريل) المغرب و «بوليساريو» إلى التفاوض من دونشروط مسبقة للتوصل إلى حل سياسي يسمح للشعب الصحراوي بممارسة حقه في تقرير مصيره. وضم المغرب الصحراء الغربية، وهي مستعمرة اسبانية سابقة، عام 1975. لكن جبهة«بوليساريو» تطالب باستقلال هذه المنطقة مدعومة من الجزائر.
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 5جوان 2007)
محامية : اسلاميون موريتانيون مشتبه بهم تعرضوا لتعذيب
نواكشوط(رويترز) – قال محامون يمثلون أكثر من 20 شخصا يشتبه في انهم متشددون اسلاميونتجري محاكمتهم في موريتانيا ان الشرطة عذبت موكليهم للحصول على أقوال وقالوا انهمسيوجهون اتهامات ضد المسؤولين عن ذلك. والمجموعة التي تضم سبعة شبان صغار وأكثر من 12 من مدرسي الدين الاسلامي متهمونبتلقي تدريب من جناح القاعدة في شمال افريقيا ومحاولة انشاء فرع لاشاعة عدمالاستقرار داخل وخارج موريتانيا. وقالت المحامية فاتماتا مباي قي محكمة مكتظة بالحضور في الجلسة التي عقدت امسالاثنين في ظل اجراءات امنية مشددة ووسط هتافات » الله أكبر » من جانبقريبات المتهمين ان « المتهمين تعرضوا للاعتداء والتعذيب على يد الشرطة. » وقال محامي الدفاع عبد الله ولد داح ان الاقوال التي ادلى بها المتهمون انتزعتبالتعذيب. وقالت مباي ان فريق الدفاع سيقدم شكوى قانونية ضد المسؤولين عن تعذيب موكليها. وقالت « منذ سبتمبر 2001 المجتمعات المسلمة تتعرض للملاحقة وتعتبر مسؤولة عنتدمير ابراج مركز التجارة العالمي. » ونفت السلطات الموريتانية المزاعم السابقة بالتعذيب. وجلس المتهمون الذين أطلقوا لحاهم في هدوء خلال الجلسة باستثناء عندما عندما تحدثبعضهم الى المحكمة ليعلنوا انهم ابرياء وبينهم من قال « اننا نواجه نفس المحنوالمعاناة التي عرفها النبي محمد. » ووسط مشاهد صاخبة طردت سيدة من مؤيدي المتهمين الذين جلسوا في الجانب الاخر منقاعة المحكمة المقابل للرجال الحاضرين في القاعة. والمشتبه بهم متهمون بتلقي تدريب مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائروبعضهم متهم بالتورط في هجوم في يونيو حزيران عام 2005 قتل فيه 15 جنديا في موقععسكري ناء.
وأعلنتالجماعة السلفية للدعوة والقتال التي غيرت اسمها في الآونة الاخيرة الى تنظيمالقاعدة ببلاد المغرب الاسلامي المسؤولية عن ثلاثة تفجيرات انتحارية في الجزائرالشهرالماضي ومسجلة في قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الارهابية. وتأجلت المحاكمة حتى يوم الثلاثاء. وهي الاولى من نوعها في موريتانيا منذ انتخابرئيس مدني في ابريل نيسان حل محل الحكومة العسكرية التي أطاحت بالرئيس معاوية ولدسيد احمد طايع في عام 2005 . وبعض المتهمين القي القبض عليهم في ابريل نيسان عام 2005 قبل اشهر من قيام ضباط فيالجيش بالاطاحة بطايع في انقلاب سلمي.
(المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) نقلا عن وكالة رويترز للأنباءبتاريخ 5 جوان 2007)
تلفزيون: حكومة جديدة في الجزائر وبقاء رئيس الوزراء ووزير الطاقة
الجزائر(رويترز) – قال التلفزيون الجزائري الرسمي ان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عينحكومة جديدة يوم الاثنين احتفظ فيها رئيس الوزراء عبد العزيز بلخادم ووزير الطاقةشكيب خليل بمنصبيهما. والتغيير الابرز في تشكيلة حكومية لم تحفل بمفاجآت تذكر هو تعيين وزير الماليةالسابق مراد مدلسي وزيرا للشؤون الخارجية وتعيين كريم جودي وهو مسؤول مصرفي بالبنكالمركزي من التكنوقراط الشبان نسبيا بدلا منه في وزارة المالية. وأكثر الحقائب الوزارية الجزائرية التي تحظى بالاهتمام في الخارج هي وزارة الطاقةوالمناجم وذلك في ضوء زيادة أهمية الجزائر كمورد للنفط والغاز الي اوروبا والاسواقاخرى في العالم.
وخليلالبالغ من العمر 67 عاما هو مسؤول سابق بالبنك الدولي ومتحدث مفوه باسم الجزائرداخل منظمة اوبك وصوت مؤثر في ادارة شركة سوناطراك الحكومية العملاقة للطاقة وهيأكبر شركة في افريقيا من حيث الايرادات. ومن المعتاد تعيين حكومة جديدة بعد اجراء انتخابات برلمانية. وفاز الائتلاف الحاكمفي الجزائر بقيادة جبهة التحرير الوطني التي ينتمي اليها بلخادم في الانتخاباتالتي جرت في 17 مايو أيار. ومع ذلك حصل الائتلاف على مقاعد أقل من التي كان يشغلهاقبل الانتخابات التي شهدت اقبالا ضعيفا من الناخبين. وكانت تلك ثالث انتخابات برلمانية منذ اندلاع تمرد اسلامي بعد الغاء انتخابات فيعام 1992 كان حزب أصولي اسلامي محظور حاليا في طريقه للفوز بها. وقتل ما يصل الى200 ألف شخص في العنف منذ ذلك الحين. وتراجعت حدة القتال بشدة في السنوات القليلة الماضية لكنه يشتعل بين الحين والاخر. وكانت ثلاثة تفجيرات أعلنت القاعدة المسؤولية عنها قد تسببت في مقتل 33 شخصا فيالجزائر في 11 أبريل نيسان. وقتل شرطي عندما انفجرت قنبلتان صغيرتان في مدينةقسنطينة الشرقية يوم الاربعاء.
ورئيسالدولة هو أقوى منصب في البلاد فيما يقوم رئيس الوزراء بدور المنسق بين السلطتينالتنفيذية والتشريعية. ويعتبر كثيرون في الجزائر البرلمان مؤسسة ضعيفة. وبلخادم البالغ من العمر 61 عاما سياسي موال لبوتفليقة واسلامي معتدل ويقول انالاستقرار الاجتماعي أهم من النمو الاقتصادي وان أهم أولوياته تعديل الدستوروزيادة الاجور. واقترح بلخادم تمديد ولاية الرئيس من خمس سنوات الى سبع والغاء تقييد الرئاسةبولايتين فقط. وأعلن أن الدستور مترهل ولا يلائم حاجات مجتمع خارج لتوه من تمرداسلامي مسلح.
(المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) نقلا عن وكالة رويترز للأنباءبتاريخ 5 جوان 2007)
الجزائر – «القاعدة»تعاني خلافات بين أمرائها… وجماعة «حماة الدعوة» لا تُقاتل ولا تنزل من الجبل…
«السلفيون» يغزون الجزائر مستغلين انشغالأجهزة الأمن بالقتال على «جبهة الجهاديين»
الجزائر- كميل الطويل بعد مرور 15 سنة على إلغاء السلطات الجزائرية نتائج الانتخابات التي كانالإسلاميون على وشك تحقيق فوز ساحق فيها، يعود هؤلاء اليوم إلى الساحة مجدداً،متسلّحين بمجال واسع من حرية النشاط الديني تتيحه لهم السلطات العازمة على فتحصفحة جديدة مع من يتخلّى منهم عن العنف.
ويُلاحظزوّار العاصمة الجزائرية انتشاراً لافتاً للإسلاميين بمختلف مشاربهم، وإن كانأكثرهم جذباً للانتباه هم «السلفيون»، بلحاهم الطويلة وجلابيبهم القصيرة، في منظرلم يكن مألوفاً قبل بضع سنوات من الآن، عندما كانت البلاد ما زالت لم تخرج بعد منحرب ضد الجماعات المسلحة حصدت ما لا يقل عن 150 ألف قتيل. ولا يقتصر انتشار هؤلاء على منطقة بعينها في العاصمة الجزائرية، إذ انهم يظهرون فيكثير من أحيائها، يتجمعون حول مساجدها، ويجرّون في أيديهم أبناءهم الصغار – الذينيرتدون كآبائهم جلابيب «سلفية» – لأداء الصلاة. تراهم في سيارات التاكسي التي يبثمذياعها من دون توقف آيات من الذكر الحكيم، وفي الأسواق الشعبية يبيعون الخضارواللحوم.
لكنهذه «الطفرة السلفية» لم تترجم نفسها، في المشهد الانتخابي الذي شهدته الجزائر قبلأيام، فالأحزاب الإسلامية المشاركة في الاقتراع لم تُسجّل «اختراقاً» مهماً علىحساب غيرها من التيارات السياسية في المجلس الشعبي الوطني الجديد (الغرفة الأولىفي البرلمان). وحركة «مجتمع السلم» كانت الوحيدة التي سجّلت بعض التقدم، وإن كانذلك يُعزى في شكل كبير منه إلى ضعف غيرها من الأحزاب الإسلامية (كحركة الإصلاحوحركة النهضة)، وليس إلى استفادتها من أصوات «السلفيين» الذين لا يصوّتون فيالعادة لمصلحة حزب «إخواني» التوجه.
وبغضالنظر عن الانتخابات ونتائجها، هناك من يربط هذه الطفرة «السلفية» في الجزائربالتساهل الذي تبديه السلطات إزاءهم في إطار سعيها إلى تشجيع قيام «بديل» إسلاميقادر على التصدي لـ «الجهاديين» وأفكارهم، إذ ان هؤلاء الأخيرين هم الخزان البشريالأساسي الذي تعتمد عليه الجماعات المسلحة المصرّة على مواصلة القتال ضد الحكم.
وكانتالسلطات الجزائرية اكتشفت مدى أهمية «السلفيين» في نهاية التسعينات ومطلع الألفيةالجديدة عندما أدلى عدد من علماء الخليج بمواقف صريحة تؤكد أن ما تقوم به الجماعاتالمسلحة في الجزائر «ليس جهاداً». ويقول مسؤول بارز معني بهذا الملف، في لقاء مع«الحياة»، أن فتاوى العلماء السلفيين نقلها آنذاك موفدون خاصون إلى «امراء»الجماعات المسلحة في الجبال، وكان لها أثر كبير في أوساط هؤلاء الذين «بدوا كمناكتشف فجأة أن الحق الذي اعتقدوا أنهم عليه ليس بحق، وأن ما قاموا به على مدىسنوات من عمليات قتل لا يجيزه الشرع، كما كانوا يظنون». وأضاف المسؤول أن تلكالفتاوى التي قدّمت تأصيلاً شرعياً ينفي صحة «الجهاد» في الجزائر، أسهمت خلال فترةقصيرة جداً في إقناع عدد من «أمراء» الجماعات بالنزول من الجبل وتسليم أنفسهم بهدفالاستفادة من قانون الوئام المدني الذي كان مطروحاً آنذاك، بين 1999 و 2000، فيبداية عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ولاحقاً من قانون المصالحة الوطنية والسلم.
وقالإن «أمير» إحدى الجماعات نزل من الجبل مع عناصر كتيبته كافة وأبلغ أجهزة الأمن أنهاطلع على فتاوى العلماء السلفيين وأقتنع بأنه كان فعلاً على خطأ ومستعد لتحملتبعات تصرفاته، مؤكداً أنه لم ينزل من الجبل لمجرد رغبته في الاستفادة من العفو.ولم يكشف المسؤول اسم هذا «الأمير» ولا اسم جماعته.
وقالالمسؤول الكبير إن الجماعات المسلحة التي لا تزال في الجبل تنقسم إلى قسمينأساسيين. الأول يتبع تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» بقيادة «أبي مصعبعبدالودود» (عبدالمالك دوردكال)، والثاني يتبع جماعة «حماة الدعوة السلفية» بقيادة«سليم الأفغاني». وكلتا الجماعتين خرجتا من رحم «الجماعة الإسلامية المسلحة» إثرتفككها في النصف الثاني من التسعينات نتيجة الغلو الذي انتهجته قيادتها في ظل«الأمير» جمال زيتوني (من 1994 – 1996) وبعده عنتر زوابري (1996 – 2002) حيث وصلالأمر بها في عهد الأخير إلى حد تكفير الشعب الجزائري («عموم الردة»). وفي حينتنشط جماعة «القاعدة» («الجماعة السلفية للدعوة والقتال» سابقاً) في الولاياتالمحاذية للعاصمة شرقاً وامتداداً حتى شرق البلاد وبعض مناطق الصحراء، فإن «حماةالدعوة السلفية» كانت تتخذ من ولايات غرب الجزائر قاعدة لنشاطها، قبل أن تضطرأخيراً إلى «النزوح» شرقاً عبر سلسلة جبال الونشريس في اتجاه الولايات القريبة منالعاصمة غرباً.
وأكدالمسؤول أن جماعة عبدالودود – التي لا يُعرف العدد الدقيق لعناصرها وإن كان الرقميُقدّر ببضع مئات – تعاني مشاكل داخلية شديدة نتيجة السياسة التي ينتهجها منذتحويله «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة المغاربية» في كانون الثاني (يناير)الماضي. وقال إن «تائبين» من هذه الجماعة أكدوا أخيراً لأجهزة الأمن أن الخلافاتتعصف بقادتها، مقدّمين وصفاً دقيقاً لتحفظات أبداها بعض الأمراء إزاء سياسات«الأمير الوطني» عبدالودود. ومعلوم أن «القاعدة المغاربية» أصدرت أخيراً بياناًنفت فيه معلومات جزائرية عن خلافات تعصف بصفوفها، لكن المسؤول الجزائري أكد لـ«الحياة» أن أجهزة الأمن لديها معلومات تؤكد صحة الخلافات داخلها. وأشار المسؤول إلى أن السلطات ما زالت تمد يدها إلى أي مسلح في الجبل، سواء كان منجماعة عبدالودود أو غيرها من الجماعات، وتدعوه إلى إلقاء السلاح للاستفادة منإجراءات قانون المصالحة والسلم (على رغم انقضاء آجال الاستفادة منه العام الماضي).
ولميتناول المسؤول بالتفصيل وضع الأمير السابق لـ «الجماعة السلفية» حسان حطاب الذييرفض النزول من الجبل على رغم اختلافه مع قادتها الحاليين («القاعدة» بحسب اسمها الجديد).لكنه أشاد بتخليه عن العمل المسلح، مرجّحاً أن تكون فتاوى مشايخ السلفية في الخليجالنافية لصحة «الجهاد» في الجزائر جعلته يراجع الأفكار التي كان يتبناها، علماًأنه كان من أوائل الذين انشقوا عن «الجماعة المسلحة» بقيادة عنتر زوابري وتبرّأوامن المذابح التي تبنتها.
ويعيشحطاب حالياً في مكـــان منعـــزل فــي منطقة جبلية نائيـــة، لكنـــه يرفـــضتسليـــم نفسه للاستفادة من إجراءات المصالحة. وأجرت أجهزة الأمن اتصالات معهفـــي السنوات القليــلة الماضية، لكنها لم تتوصل إلى اتفاق يقنعه بالنزول منالجبل. ويُعتقد أن أجهزة الأمن تشعر ببعض الخيبة من فشله في إقناع عدد كبير منعناصر «الجماعة السلفية» بالتخلي عن العمل المسلح والنزول من معاقلهم للاستفادة منإجراءات قانون المصالحة، في حين أن حطاب نفسه حذِر بطبيعته ويخشى أن تكونالاستخبارات «تمكرُ به» وبالتالي لا يريد أن يضع «كل بيضه في سلّة الأمن»، الأمرالذي «سيشوه سمعته في أعين بعض الإسلاميين». وأقر المسؤول ذاته بصعوبة القضاء تماماً على معاقل «القاعدة» في شرق العاصمة، لكنهقال إن الجيش يعرف أن عناصر هذا التنظيم يتخذون من أعالي ولايتي بجاية وتيزي وزومقرات أساسية لهم، لكن هذه المقرات «ليست ثابتة» إذ انهم يضطرون إلى نقلها من مكانإلى آخر بفعل مطاردة قوات الأمن لهم. وأوضح أن اضطرارهم إلى التحرك الدائم يعرقلقدرتهم على التحضير لعمليات كبيرة، كالتي قاموا بها في العاصمة الجزائرية في نيسان(ابريل) الماضي عندما أرسلوا سيارات يقودها «انتحاريون» فجّروا أنفسهم في قصرالحكومة ومركز أمني في باب الزوار.
وشددالمسؤول على أن الوضع الحالي لا يمكن مقارنته بأي حال بالوضع في فترة التسعينات،إذ «ليس هناك اليوم ما يمكن أن يُسمى «مناطق محررة» يتعذر على الجيش دخولها، كماكان الحال أيام «الجماعة الإسلامية المسلحة» التي كانت تسيطر على مناطق بالغةالتحصين». أما بالنسبة إلى «حماة الدعوة السلفية»، وهي المجموعة الثانية المنشقة عن «الجماعةالمسلحة»، فقال مصدر مطلع على ملفها ان فتاوى العلماء السلفيين في الخليج نُقلتأيضاً إلى أميرها «سليم الأفغاني» لكنه اكتفى بالقول انه اطلع عليها، من دون أنيعطي رأياً معها أو ضدها. والظاهر أن هذه الجماعة قررت وقف عملياتها المسلحة مندون الإعلان رسمياً عن ذلك، في خطوة شبيهة بخطوة زعيم «جماعة الجهاد» المصريةالدكتور أيمن الظواهري الذي أوقف سراً عملياته في مصر منذ 1995/1996 لـ «عدمالقدرة»، إذ ان أجهزة الأمن فككت معظم بنيان تنظيمه في داخل البلاد.
ويوضحالمصدر الجزائري ذاته لـ «الحياة» ان الجيش يعرف أن عناصر «حماة الدعوة» يتجنبونالدخول في مواجهة معه، ويلجأون إلى مغادرة مواقعهم في منطقة معينة إذا لاحظوا أنالجيش يتقدم صوبها. وتعمل هذه الجماعة، منذ وقف عملياتها قبل سنوات، على إعداد جيلجديد من أبناء عناصرها وأبناء المناطق التي تنتشر فيها على التعاليم السلفية. وتلقت وسائل إعلام جزائرية، قبل أيام، رسالة موقعة من هذه الجماعة تضمنت تأصيلاًشرعياً يدحض تبرير عمليات التفجير التي قام بها تنظيم «القاعدة» في العاصمة ضد قصرالحكومة والمركز الأمني في باب الزوار.
وليسواضحاً اليوم هل ان تجنّب «حماة الدعوة» المواجهة العسكرية مع قوات الأمن هو قرارمرحلي تكتيكي أم أنه استراتيجية بعيدة المدى. لكن يُعتقد أن هناك منتقدين داخلالمؤسسة العسكرية الجزائرية لأي تساهل مع هذه الجماعة، إذ يقولون أنها تستغلالتهدئة العسكرية لبناء خلاياها وقدراتها، وأن المواجهة معها حتمية، إن لم يكناليوم فغداً. لكن آخرين سيردون على ذلك الانتقاد بأن التهدئة مع «السلفيين» تمنحأجهزة الأمن وقتاً للتركيز على جبهة «الجهاديين» بدل القتال على جبهتين.
(غداًحلقة ثانية) (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن)الصادرة يوم 5 جوان 2007)