الأحد، 3 سبتمبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2295 du 03.09.2006

 archives : www.tunisnews.net


الجزيرة نت: حقوقيون تونسيون يساندون رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان

محمد الفاضل: حين تغادر بلقيس القصيدة 

حبيب الرباعي: حركة النهضة والقيادة في الضباب

مجلة الزيتونة: السلفية في تونس

مجلة الزيتونة: الجهل بالعلم الشرعي في بلد الزيتونة

العربي مفضال : المرأة التونسية وجرأة القيادة ودينامية المجتمع

جمال الدين أحمد الفرحاوي: وضوح

الصباح :وزير التربيــة والتكويـن في لقـــاء اعلامـي بمناسبــــة العــــودة المدرسيــة

الصباح :عملية النقل في الثانوي تمت في نطاق الشفافية.. ونحن في استعداد مبدئي ودائم للحــوار

الصباح :علـى منبـر الذاكرة الوطنيـة بمؤسسـة التميمـي للبحـث العلمـي:عودة إلى التيـــار القومــي العروبــي بتونـــــس

الصباح التونسية:أخبار الأحزاب :مجلس وطني في «الوحدوي»

صحيفة الشروق التونسية:«الشروق» حملت السؤال إلى «حزب الله»: ماذا ستفعلون بكل هذا الركام؟

مرسل الكسيبي: بعيدا عن الحرب قريبا من عقلنة السلم

د. حسان القصار: إلى سماحة الشيخ حسن نصر الله حفظه الله

المجتمع: عبدالحميد الحمدي – أزمة الرسوم قرَّبت الدانماركيين من الإسلام

المدينة: مصطفى المصمودي « أدعو الى اطلاق قمر صناعي اسلامي لخدمة المعرفة »

صالح بشير: إذ يُنظر الى صراعات العالم بوصفها صراعات أفكار

محمد الحداد: ماذا يبقى من حجّة «سيادة الدولة»؟

المفكر طارق البشري : المقاومة وحدت التيار الإسلامي مع التيار القومي

عمرو حمزاوي : الظلال الإقليمية لحرب لبنان:تجذر مرعب للشمولية والشعبوية في الحياة السياسية العربية

رضوان زيادة: لماذا فشل الكواكبي في تطوير نظرية عن الاستبداد؟

إسلام أون لاين. نت : دعوة لمساواة العداء للأديان بالعداء للسامية

الحياة : صعود في شعبية الإسلاميين الأكراد العراقيين في مواجهة استئثار العلمانيين بالسلطة

الحياة : مقاربة بين أخلاق العرب والمسلمين في «القتال» ومواد اتفاقات «جنيف»


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


 لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين »  

حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:

 


 

السادة والسيدات القراء المحترمين

ننشر مجددا النداء الذي اختار القاضي مختار اليحياوي أن يوجهه يوم 1 سبتمبر 2006 من خلال « تونس نيوز » إلى كل المواقع والهيئات والأفراد المشتركين في قائمتنا والمتصفحين لموقعنا على الشبكة. ونحن إذ نشكر السيد مختار اليحياوي على ثقته ونشد على يديه، نعلن عن تأييدنا الكامل لدعوته جميع التونسيين إلى الوقوف خلال شهر رمضان الذي بدأنا نتنسم نفحاته الطيبة وقفة عز وشهامة في نصرة المظلومين و المضطهدين من أبناء وطننا الذين طالت معاناتهم بدون أي مبرر. نسأل الله العزيز الكريم أن يُوفق جميع التونسيين – داخل الوطن وخارجه – لما فيه الخير والصلاح وأن يـمُـنّ على جميع المساجين وأفراد عائلاتهم وأقاربهم والمسرحين الفاقدين لحقوقهم والمنفيين والمظلومين جميعا بالفرج القريب إنه سميع مجيب.   هيئة تحرير « تونس نيوز »

نـداء إلى كل التونسيين

 
يستعد التونسيون لاستقبال شهر رمضان المبارك شأنهم شأن المسلمين في مختلف البلدان الإسلامية وفي مختلف أرجاء المعمورة. و يحل رمضان هذا العام و قد مر على مئات من أبناء وطننا خمسة عشر عاما في غياهب السجون لا لذنب اقترفوه سوى أنهم جاهروا برفضهم و اختلافهم مع الاختيارات التي أسست عليها السلطة الحاكمة استبدادها و تفردها بالحكم على حساب حق كل مواطن في أن يكون له رأي في تحديد سياسات بلاده و محاسبة القائمين عليها. ورغم إجماع كل المنظمات الحقوقية الوطنية و الدولية وكل المنصفين في العالم على أن ما تعرض له هؤلاء المواطنون يعد من قبيل محاكمات الرأي و أنهم لم تتوفر لهم فيها شروط المحاكمة العادلة الكافلة لحقوقهم و رغم كل المطالبات الوطنية و الدولية المتكررة لإطلاق سراحهم باعتبارهم مضطهدين سياسيين على مدى الخمسة عشر سنة المنقضية لم يحصل إي تجاوب من طرف السلطة أو توجه جدي لديها لإنهاء مأساتهم.   و في الوقت الذي تتواصل فيه هذه المأساة، اشتدت المحنة على الشعب التونسي بأسره بإصدار قانون يشرع الاضطهاد السياسي و يجيز التجاوزات على حقوق المضطهدين بعنوان مقاومة الإرهاب. وهو القانون الذي يجرم النوايا و الذي يختطف بموجبه المئات من الشباب التونسي من مختلف جهات الجمهورية منذ صدوره و يحتجزون في المعتقلات حيث يتم تعذيبهم بتهم واهية و غير مستندة لأفعال محددة سلفا وذلك أمام حيرة عائلاتهم و رعب أقرانهم و رفاقهم و في غياب أي مرجع للاطمئنان عليهم بعد اختفائهم.   و تفاقمت حصيلة الإضطهاد و الترويع المسلط على مواطنينا بممارسات الاستثناء من الحقوق الدستورية المدنية و الاقتصادية و الاجتماعية التي طالت عشرات الآلاف من التونسيين بالنفي والإبعاد و المراقبة الإدارية المهينة و تضييق الحركة و منع السفر و التي تجاوزتهم لتشمل أفراد عائلاتهم وكل من له علاقة بهم. و لم ينتهي الأمر عند هذا الحد بل طال الاضطهاد مختلف مكونات المجتمع المدني من جمعيات و أحزاب و نقابات و التي عبرت عن اختلافها مع هذه السياسة القمعية و طالبت بمراجعتها وذّلك دون تمييز بين التنظيمات العريقة المتجذرة في مجتمعنا أو تلك الصاعدة حديثا والطامحة إلى المساهمة في خدمة وطنها والاضطلاع بدور في صياغة مستقبله و لا بين تلك التي اختارت القطيعة مع النظام و تلك التي حاولت التواصل معه. كما لم تستثن المكائد و المؤامرات أي تنظيم من مناورات الاختراق والانقلابات لتنصيب هيئات وهمية عليها تشل عملها وتختزل دورها في التعبير عن ولائها للمتجبرين والطغاة.   إن الشعب التونسي بأسره يرفض هكذا سياسة لم تعد عليه سوى بالظلم الاجتماعي و الحيف الاقتصادي و القضاء على مستقبل شبابه و تهديد المكاسب التي تحققت بفضل تضحياته على مدى نصف قرن بعد أن تحول صبره على الاعتراف له بكامل حقوقه إلى سياسة تقوم على احتقاره ومحاولة إخضاعه لمن ينهبون خيرات بلاده و يمارسون السطو على ثرواتها و التعالي على مواطنيها دون أن يطالهم القانون أو يسمح للقضاء بالقيام بدوره تجاههم و إعلاء كلمة القانون بينما يضطهد ويسجن و يحرم من أبسط الحقوق كل من يتجرأ على المطالبة بوضع حد لظلمهم.   لقد آن الأوان لندرك جميعا أن نظام الاستبداد لا يستهدف شخصا أو تنظيما بعينه و إنما يستهدف الشعب التونسي بأسره و أنه لا خلاص و لا كرامة و لا رفاه دون صد الإهانة و رفع الوصاية. لذلك نتوجه إلى كل مواطن تونسي، إلى شبابنا و كهولنا، إلى نسائنا ورجالنا،  إلى الأفراد و العائلات و إلى كل التنظيمات للانخراط في هذا النداء بإمضائه و ترويجه وجمع الإمضاءات عليه و إيصالها للهيئات المكلفة بتلقيها كامل شهر رمضان و ندعو كل تونسي للوقوف خلال هذا الشهر الفضيل وقفة عز وشهامة في نصرة المظلومين و المضطهدين و التدافع على نصرة الحق و التسابق على الانخراط في هذا النداء دعاة و مبادرين باعتباره صادرا عن كل فرد منهم حتى لا نكون على الظلم من الساكتين.   المختار  اليحياوي – تونس في 1 سبتمبر 2006


حقوقيون تونسيون يساندون رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان

لطفي حجي-تونس أعلنت شخصيات حقوقية تونسية عن تأسيس اللجنة الوطنية لمساندة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تعاني من أزمة منذ سنة ولم تتمكن من عقد مؤتمرها السادس. وأكد أصحاب المبادرة في بيانهم التأسيسي التزامهم بالدفاع عن استقلالية الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وصيانتها. وطالبوا بوضع حد لكل العراقيل التي تحول دون السير العادي للرابطة وهيئتها المديرة وفروعها. واعتبر المؤسسون أن الحوار بين السلطات العمومية والرابطة شرط ضروري لتمكين الرابطة من أداء مهمتها بشكل طبيعي. ودعوا منظمات المجتمع المدني وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل وجميع نشطاء حقوق الإنسان إلى المساهمة في حل الأزمة بما يضمن سلامة الرابطة و دوامها. وتقول القيادة الحالية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إن السلطات التونسية منعتها في شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي من عقد مؤتمرها السادس.

تدخلات السلطة

ومنذ ذلك التاريخ تحاصر قوات الأمن جميع مقرات الرابطة وتمنعها من القيام بأي نشاط في محاولة منها للإجهاز عليها بسبب ما تقوم به من دور في كشف انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات.

غير أن السلطات التونسية ترفض ما تروجه الرابطة وتقول إن الأزمة التي تعيشها الرابطة هي أزمة داخلية وهي من أنظار القضاء بعد أن تقدم مجموعة من المنخرطين بشكوى ضد الهيئة المديرة الحالية يتهمونها فيها بمخالفة القانون الداخلي للرابطة. وتتكون اللجنة من رؤساء سابقين للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومسؤولين سابقين في الهيئة المديرة للرابطة ورؤساء سابقين لمنظمات غير حكومية.

ومن المنتظر أن تعرض المبادرة على توقيع النشطاء الحقوقيين والمثقفين التونسيين من مختلف القطاعات. يذكر أن الأشهر الأخيرة شهدت عدة مبادرات ومساع لإيجاد حل لأزمة الرابطة إلا أنها باءت بالفشل لأن السلطة لم تستمع إلى المقترحات حسب ما تقول قيادة الرابطة. _______________ مراسل الجزيرة نت  

(المصدر: موقع الجزيرة نت 3 سبتمبر  2006 )


ريــاح   اعتماد الرياح لانتاج الطاقة مبرمج في بلادنا… ولئن لم ننتفع به الآن كثيرا فسينتفع به أولادنا. فطاقة الرياح لا تكلّف الاقتصاد شيئا تقريبا… لذلك تؤكّد الجهات المعنية أنّ الإنجازات ستتكاثر قريبا. ونتمنّى أن تكون قد أعطتنا الوعد الصحيح… وأن لا يذهب مشروع طاقة الرياح في مهبّ الريح.   محمد قلبي   (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 3 سبتمبر 2006)

 

صحيفتا « لابريس » و « الشروق » تهنئان زين العابدين بن علي بعيد ميلاده السبعين…

 
كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد ميلاد قائد التحول ورئيس كل التونسيين * الرئيس زين العابدين بن علي *ترفع أسرة «دار الأنوار» الموسّعة بصحفها الأربع: «الشروق» و «لوكوتيديان» و «الأنوار» و «المصور» أسمى عبارات التهاني والتقدير إلى سيادة رئيس الجمهورية وترجو من الله عزّ وجلّ أن يعيد عليه وعلى عائلته هذه الذكرى بمزيد الصحة والهناء والسعادة ولتونس مزيدا من النماء والرفاه. وكل عام وصانع تونس الحديثة بألف خير.   (المصدر: موقع صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 3 سبتمبر 2006)

 


حين تغادر بلقيس القصيدة [*]

 
بقلم: محمد الفاضل   لََيْتَ بٍِلْقٍيسُ يَشْدُو بٍهَا نِزَارُ ** لَيْتَ أَحْلاَمَهَا تَنْظُُمُهَا القَصٍيدَة ليت معلقات العُرْب تسمعها ** وليت الذي بين قوافيها حقيقة وَيْكَأنَ نزاراً أسكتَ شِعرَه ** وجاءت غيبته بأقاصيص جديدة وَيْكَأنَ أحلام الورى أضغاثٌ ** مُذْ غادرت بلقيس بيت القصيدة منذ السنة الثانية من عمرها وإلى السنة التاسعة منه، أي بين سنتي[1991-1998] ، لم تكن بلقيس تعرف أي مشاعر يمكن أن تلفها عبارة  » أبي » ، فكل ما استطاعت أن تدركه ، هو أن رجلاً ما ينادى بـ »أبي » كان يجب أن يكون برفقتها و صحبة والدتها وأنّه، أسوة بالأطفال الصغار من أترابها ، كان عليه أن يلازمها إلى مداخل روضة الأطفال و إلى بوابة المدرسة وأن يتجوّل بها في حديقة الحيوان، فيذكر لها أسماء طيورها وأسماكها ، زواحفها ودوابها ، ويميز لها لاحمها عن عاشبها عن كالشها وتأخذ معه صوراً تذكارية إن شاءت عند حضيرة الفيلة وأخرى عند حضيرة الدببة وثالثة عند قفص القرود ويصطحبها إلى مدينة الأطفال كلما طلبت منه، فيتنقل بها بين الألعاب بأنواعها و الأرجوحات بأشكالها. غير أن » أبي » هذا ، لم يكن يعني في نفس بلقيس أكثر من ذلك « الشيء » الضروري الذي لم تفقه كنهه بعد، وهي أيضاً تدرك بعض أطيافه من رسائل َسَلمتْهَا إياها والدتُها ، و كان يقال لها دوماً أنها وصلت في التو والساعة من وراء البحار : فهذه رسائل » أبيـــــ »ــكِ بعث بها إليك من بلاد هجرته ، تأملي حروفها ، تخيلي صورها ،تنشّقي عبق رائحتها فستجدين « أبا »ك واقفاً خلف حروفها ، شاخصاً إليكِ من بين صورها ، باسطاً إليكِ يداه يعانقكِ برائحتها ، لكن حذاري.. فإن كنتِ تطلبين له السلامة، فلا تشيعي حروفها و لا تفشي صورَها و لا تُذْرٍي ما تجدين من ريحها..

كان على بلقيس أن تأخذ بتوصيات أمّها و تغالب نفسها في وجه الإستفهام ، بل كان عليها أيضاً أن تتعهد بوأد السؤال تلو السؤال عن هذا الـ » أبي » كلما إشتدت عليها أسئلتها الحائرة: من… ؟ أين… ؟ ما… ؟ كيف… ؟ لماذا…؟ فقد كان هذا الذي يقال له « أبي » مُحرّم على السؤال، مُحرّم على الكلام، مُحرّم على الخيال…مُحرّم على الأحلام .فعلى بلقيس أن تكون أكثر انضباطا كلما تعلق الأمر بهذا « الشيء » وإلا أُلقى القادمون من وجوه الليل عليه القبض في غفلة الاستفهام ، أو هم اختطفوه من زلة اللسان ، وقد يقعدوا له، ومن يدري ،عند مجاري الخيال أو يعتقلوه من الجفون في المنام . كانت توصيات والدتها أن تغلق بلقيس كل المنافذ على السؤال وإلا أوقعت هذا الـ » أبي » في كمين قد ينصبه له القادمون عند الليل ، فيداهمون المنزل ويداهمون الغرفة بعد الغرفة ويداهمون الثلاجة ويداهمون صندوق الصاغة، ومحفظة النقود ويداهمون خوالج النفس وما تخفي الصدور. كانت بلقيس تدرك أن شيئاً عزيزاً يسمى « أبي » يجب أن لا يقع بين يدي وجوه الليل ولا بين فكي كلابهم ، ومن أجل سلامته ،عليها أن تخفي هذا « العزيز » بعيداً عن الكلام ، وأن تقصيه بمنأى عن الهُيام ، وأن تَلزَمَ الحيطة في الأحلام .

أدركت بلقيس يوماً بعد يوم ،أن هذا » الشيء » الضروري الذي يقال له « أبي » هو شبيه بأولائك الـ »أبي » الذين لم تُفلِتْهم أبداً بلقيس بنظراتها ولم يكن يوماً ليشغلها شيء عن مراقبتهم وهم يرافقون أترابها من الأطفال إلى بوابات المدارس .

وحين بلغت بلقيس سنتها التاسعة أخذت عليها والدتها موثقاً أن لا تفشي سراً إن همست به إليها ، ثم ما لبثت أن أدخلتها غرفة مهجورة في حديقة المنزل لتجد بلقيس نفسها أمام رجل قيل لها : أنه  » أبي » الذي كان يكتب إليكِ الرسائل ويرسلها إليكِ من وراء الجدران من مسافة بضع أمتار فقط ، وأنه ما كان قبل اليوم ولسبع سنين مضت ،وراء البحار، ولا غادر مذ دخل الغرفة تلك الجدران ، وهو يحتمي بضيقها وحالك عتمتها ممن إن أظلمت الدنيا جاؤوا إلى أمّها يطلبون جلده وعظمه .

..إذاً كان ذاك « أبي… » وذاك مهجره… كان هذا إذن هو « أبي….وذاك مخبأه… أبي….أبي…هذا…أبي..تسعُ سنين تجمدت فيها أسئلة بلقيس..وتجمّد معها الشوق والإحساس ،.. فأبي..هي عبارة تعلمتها بلقيس لتطلقها على رجل جاء بها إلى هذا الوجود …. وهو الذي إن غاب إحتاجه كل طفل كلما وقف وحده عند مداخل رياض الأطفال أو عند بوابات المدارس ، وهو الذي لا يستغني عنه الأطفال إن هم استدعتهم أحلامهم إلى التجوّل في حديقة الحيوان أو التنقل بين أرجوحات مدينة الألعاب. وأبي هوذاك الذي أخفته بلقيس عن نفسها حتى لا ينطق به اللسان ولا تصل إليه مخابرات الأحلام .. وإن سمعت أصداء نداءاته من قاع وجدانها سكتت عنه و إن أضرم فيها الشوق أحياناً نيرانه أخمدت ألسنته ،وإن إنبعث منه، في نفسها، معناً للعيش بدد خوفها مُعْجَمَه .

صارت بلقيس تجتمع إلى أبيها في مخبئه…والتحق من بعدها أخوها الصغير شُعَيبُ بعد أن درّبتْه أمّه على الكتمان..وبدأت الفتاة الصغيرة بمعية أخيها يكتشفان أغواراً جديدة في نفس أبيهما، فقد كان الرجل يعين زوجته على خياطة الجلود المعدة للأحذية وكان الأجر الذي يتوفران عليه من ورشات صناعة الأحذية مقابل تلك الخدمة، إن لم يلبي الحاجة فسيكتفيان به لسد الرمق . وفيما عدا أعماله تلك لمساعدة الزوجة كان والد بلقيس يقضي في مخبئه أغلب أيامه صائماً وأكثر لياليه قائماً ، ومعظم وقته متدبّراً للقرآن، مطالعاً لكُتــُبُ العلم والعرفان. واغتنمت بلقيس ما يمكنها أن تغتنم من الوقت لتستعين بأبيها لتتدارك ما تهاونت عليه من قبلُ من دروس ، حتى أدركتها ، وصار المخبأ يستهويها فزالت لها جدرانه وترامت في نظرها أطرافه وامتدت في خيالها مساحته وانقلب ضيقه ،وهي تلازم فيه أباها، روضاً من رياض الجنة ،وأصبح وهي تستمع فيه إلى أبيها يروي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسير من كان قبله من أولي العزم ،داراً للأرقم ابن أبي الأرقم …كانت أيام المخبأ ،مع الخوف ،أجمل أيامها ومع الحيطة والحذر، أحلى خلواتها …ومثلما ملأ أبوها الغرفة بأنفاس الأنبياء وسير الأصحاب والصالحين فقد علمت بلقيس أن لأبيها رفاقاً يقول أنهم إخواناً له مسهم بأس شديد،و لا يزالون في قبضة وجوه الليل ، يسومونهم سوء العذاب ، يقبعون في أقفاص كتلك التي تُحْجَزُ فيها الهوام والدواب في حديقة الحيوان و يشتكي أبناءهم وأزواجهم قلة حيلتهم وهوانهم على الناس..ويعانون من قريب يتجهمهم ومن عدو تملك أمرهم .

وبعد أن تعرف الطفلان خلال تلك السنوات الثلاث إلي أبيهما، قرر الأب في سنة2001 أن يغادر مخبأه، ويفارق ملجأه، إذ لم تعد تحتمل نفسُه العزلة ولم يعد قلبه حريص على السلامة، واستوى عنده في طلب الحرية، الحبسُ والندامة ، بعد أن أنفق السنين الثلاثة كلها يهوّن على أهله البليّة و يوطّن في نفوس أطفاله النهج ويؤصل فيهم القضية. ويوم خروجه ،كانت بلقيس وأخيها شعيب يقفزان ،يرتعدان، ينتحبان وهما يراقبان أباهما يفتح الباب ويتأهب للمغادرة ، لم تكن بلقيس مع ذلك حزينة ، فقد اختلطت عليها مشاعرها ، بعضها خوف وبعضها فرح وبعضها الآخر ظلت معانيها مبهمة لديها .. ركض الطفلان إلى الباب يراقبان من بعيد خطى والدهما…..إنه يمشي في الطريق تماماً كما يمشي الآخرون.!!!….كان أمراً عجباً، فلأول مرة ترى بلقيس أباها يعبر شارعاً ، ويمدُ خطاه ويلتهم الفسحة تلو الفسحة ، لأول مرة ترى بلقيس أباها يغمره ضوء الشمس وتحرسه جميع الألوان القزحية ،لأول مرة ترى أباها ينساب في جموع الناس طيفُه وينغمس بين ظهرانيهم ظلّه ،كانت لحظة تكشّفت لبلقيس فيها زاوية نظر جديدة لأب تلازمت صورته في ذاكرتها مع الضيق والعتمة والعزلة والحذر من الناس واليوم تتملكها دهشة مشوبة بخوف، مخلوطة بأمل، مسكونة بفرح وهي ترى أباها يخطو حراً، خُطاً طليقة في المدى .

خلال العشر سنوات التي قضاها والد بلقيس في مخبئه ، كانت تقاسيم جديدة قد نبتت في وجهه ، لتختفي وراءها تلك الملامح التي كان وجوه الليل يتعقّبونها ، ومع قليل من الإجتهاد في تغيير الهيئة ، توارت بالكلية صورة الرجل المطلوب جِلده وعظمه، وحين عاد بعد شهر إلى أهله في هيأته الجديدة قال أنه أصبح  » سي نجيب » وأنه منذ اليوم شريك « أم بلقيس » في ورشة صناعة الحلويات، وأنه سيأتي كل يوم يأخذ كميات من الحلويات ليبيعها لحرفائه الكثر…كانت الحرية مطلبه وتوفير القوت حجته والقرب إلى الأهل والأطفال قرة عينه .. .وحين تحسنت المداخيل قليلاً غادرت العائلة بيت الأجداد لتتسوّغ في منطقة أخرى منزلاً يمكن أن تجتمع فيه تحت سقف واحد ،وكان « سي نجيب » كثيراً ما يجدد السقف ويرتحل من منزل إلى غيره كلما أحس أنه لم يعد يقدر على وقف سيل معارفه الجدد، فهو اجتماعي بالسليقة ، خدوم بالفطرة ، طيّب المعشر بالطبيعة و حسن الخلق إلى ما بعد الطبيعة .إلا أن بلقيس لم يكن يتسنى لها ، وبخاصة إن هي خرجت من تحت تلك السقوف ،أن تهنأ بأبيها « سي نجيب » فقد كان عليها مجدداً أن تُخَبٍِِّأ أباها في سراديب ذاكرتها و تتظاهر أمام الناس بمشاعر باردة تجاه رجل ما كان لها به من علاقة لولا الشراكة في الحلويات ،لكن إن جازف أبوها بالخروج بأفراد عائلته جميعهم للنزهة فسيستولي الهلع على نفوسهم ،كلما صادفهم صديق أو قريب أو استوقفت طريقهم دورية حرس المرور وطلبت أوراق السيارة أو هوياتهم الشخصية ،كانت النزهة عندها دوساً على الأعصاب والجلوس بالمحلات العامة قطعاً للأنفاس ،كان الحذر يرافقها مثل الصاحب والجليس والخوف يلازمها مثل الصديق والقرين ، فلو كشف أحد ملامح أبيها الغائرة فربما بلغ وجوه الليل الخبر فحلت بها وبوالدتها الطامة ، فيُعَاقـبَ الجميع لفرح اختلسوه من غير إذن السلطات ، وسيُدَانُ الصغار والكبار على ما أخفتْ صدورهم وتحدثت به أنفسهم وهمست به شفاههم وأومأت به أطرافهم ….

وإلى سنة 2005 كان قد مضى خمسة عشر عاماً على محاكمة والد بلقيس غيابياً ،تلك التي فيها سلط القضاء عليه عقوبة بالسجن لإثني عشر عاماً، وربما كانت بعض أحلام والدها قد ذهبت به إلى أن عفوا عاماً، يُطبخ بليل أو أن رأفة أو تسامحاً قد يفيض بهما قلب الحاكم إن سلّم » سي نجيب » نفسه لوجوه الليل وأنهى مسلسل المطاردة …كان حالماً زادُه الخيال والقضية… ، وكان وجوه الليل ، وقد تحصنوا بولاء القضاء والتشريع لاستئصال  » الظلامية » ، يتربصون به الدوائر ، فَـنُصِبَتْ المحكمة وَوَضَعَ القُضَاةُ الميزان ورفعوا به « العدل والإحسان ».. ستة سنوات أخر عليه أن يقضيها في السجن….لكن بلقيس لم تفوّت مناسبة قمة مجتمع المعلومات التي انعقدت في تونس في نوفمبر2005 لتخبر العالم كله أن لها أباً مثل الآخرين غير أنه سُرق منها منذ خمسة عشر عاماً وحُرمَت منه لحظة اكتشفت فيه ذاتها واستردت منه النسبة والهوية وهي اليوم عليها أن تنتظر ستة سنوات أخر لتراه مجدداً يعبر شارعاً ويلتهم فسحة بعد فسحة ولأنها تظن أنها المستهدفة بالعقاب قبل أبيها ولأنها سُلِبَتْ أعزّ »أشيائها » أضربت بلقيس ووالدتها عن الطعام إثنى عشر يوماً احتجاجا على « عَدْلِ » وجوه الليل وتنديداً بـ »إحسانهم » وأسمعت وفود العالم إلى بلادها ظلمَ  » ذوي القربى » ، وأشْهَدَتْهُم على المُنَكرٍِ والبَغْي الذي كانت آلة القمع قد أتت به على عشرات الآلاف من الأبرياء [1] ممن سمعت أباها يوماً يصفهم بإخوانه…

في أول زيارة لأبيها بالسجن ، كاد صوت السجان يخطف سمعها وهو ينادي: حاتم زروق بصوت جهوري ، ففي السجن فقط سمعت بلقيس لأول مرة إسم أبيها، لم تصدق أن هذا يحدث ، فقد حرّموا عليها نطقه وحرموا عليها سماعه و خط حروفه. لم تصدق أنها الآن يمكن أن تنادي أباها باسمه، وأن أحدٌ لم يعد بعد اليوم مضطراً إلى أن يهمس به ،ومع رقة الإسم ولطفه فقد ثقُل على لسان بلقيس ،أول الأمر، نطقه، ثم بدأت تروق لها حروفه وتجد بين مقاطعه لحناً ألفتْه منذ الطفولة روحُها ، فقد نقشت السنون رَجْعُ أصداءه المكتومة في القلب والكبد..وانقضت المقابلة الأولى دون أن تُحَدّثَ أباها في شيء ،غير أنها أمضت الحصة كلها تلهج باسم أبيها ، حـــاتم ..كيف حالك يا حــاتم..أنت حـــاتم زروق ..حقيقة، أنت حــاتم زروق..هذا أبي… حـاتم، أنت أبي…حـــاتم..وحين عادت إلى بيت جدها ملأت الدنيا أحاديثاً عن أبيها وجمعت حولها كل الصغار تروي لهم عن أبيها القصص ، وراحت تذكّر الأقرباء والجيران والصديقات باسمه وتعيد بدل المرة ، ألف مرة : إن لم تسمعوا ، فاسمعوا وإن لم تعوا ، فعوا : أن أبي استوطن أخيراً اسمه ومَبْنَاه و انحازت التسمية إلى مسماه وزاوج اللفظُ معناه ، فحاتم زروق هو الرجل الذي « شَيَئَتْهُ » المحنة في عقل أبنائه ،وطمس ملامحه عَقدُ الجَمْرٍ ونصفه، وجعل منه عنواناً فارغاً ، ووشيجة بدون كبد ، ومواطن بدون وطن ، وقصة بدون بطل ، ومظلوم ليس له غير الظلمة في منتهى النفق. ففي عقد الجمر ونصفه سَكَنَتْ الفواجع قلوب الأهل والعشيرة و ضيّقت عليهم سبل المناسك والشعيرة ومُنعت عليهم طواحين الخبز والرغيف.وحين كانت بلقيس تلهج باسم أبيها وتليّن على لسانها تـقـطّّّيعَ صواتمه ، كانت تتلهى بالبحث له في ذاكرتها عن موقع تنحت له فيها حروفه ، وترسّخ له فيها موطئ قدمه وتشحن صور أبيها بإيقاع تلك الحروف وأنغام مقاطعه …

كانت الزيارة الأولى والزيارات التي تليها قد مكّنت بلقيس من أن تتعرّف إلى إخوان أبيها ،كانت تسمع عنهم الكثير وتَعُـدُهُم أبطال المحنة و الشُمُ مِنَ المستضعفين في الأرض ، كانت تسمع عن الشيخ منصف الورغي [2] وبراعته الرياضية في فنون القتال حتى إلتقته بالسجن يوم زيارتها لأبيها وراء القضبان وكانت المنة أن تعرفت أيضاً إلى الهاشمي المكي [3]الذي لا تفارق الحمد لله لسانه ،فقد كانا كلاهما شريكان لأبيها في غرفة السجن، وهي تذكر ما كان يهمس به أباها إلى أمّها: أن أخبري زوجته، فالهاشمي يعاني من مرض عضال و لا أحد بإدارة السجن يهتم بأمره.. وجميعهم منذ وقت يتهمونه بالتمارض .

حين اُطلق سراح الشيخ الورغي في فيفري2006، لازمت بلقيس مع بناته بيته واستوطنت بين عائلته منزله: كان « عم منصف » خفيف الظل، طيب المعشر، مهاباً بين أهله وصحبه ،لا تفارق الابتسامة وجهه. وهي أيضاً ، حين نُقل الهاشمي المكي إلى المستشفى بأريانة، لم تتخلف بلقيس يوماً عن زيارته، تحدثه عن أبنائه ويحدثها عن أبيها ، تشد أزره بالدعاء له بالشفاء والعافية ويواسيها ناصحاً بالصبر والتجلد قال لها : من مزايا السجن عليه أن عرّفه بأبيها حاتم زروق…أدركتْ بلقيس أن لأبيها إخواناً لم يكن يعرفهم قبل السجن وإنما الإنتماء للقضية والإبتلاء بالمحنة آخ بينهم. وهي لن تنسى إن نسيت كيف يتمدد الهاشمي بالمستشفى مغلولة رجله إلى السرير ولن تنسى إن نسيت قوله يوم داعبته ابنته بدغدغة رجله فلم يحرّكها، فسألت ضحى أباها: ألا تشعرُ بشيء ؟ فأجابها قائلاً: (..قتلوا الإحساس فينا ** غيّبوا فينا الهوية.. ) [4]

تدرك بلقيس جيداً اليوم، أيُّ غُبن كان يَحفرُ قلبَ « عم الهاشمي » وهو الذي إثر تلك الكلمات الحزينة التي أجاب بها ابنته، لم يزد بعدها غير أربعة أشهر، ليتحرر من قيده، ومن كل قيد بعد أن قتلوا فيه الجسد حساً بعد حس. وأيُّ حد يمكن أن يبلغه مظلوم بعد أن تُرك « عم الهاشمي » للمرض العضال ينهش لحمه وعظمه وأي نسف للذات والهوية أَمَرّ من أن يَبْلُغَ بتعذيب المرء حداً يُفقده الذاكرة و يُنسيه اسمه ويُمحوا من ذاكرته فلذة الكبد [5]. بلقيس تفهم ، مع الفارق، أن ما أصاب « عم الهاشمي » هو تماماً الوجه الأخر لما كان قد أصابها ، حين شيّؤوا الـ » أبي » في نفسها ومنعوها من أن تنسب نفسها إلى والدها مثل كل الأنام، ونصبوا لها الكمائن في الأحلام ، وزرعوا لها الألغام في الكلام ..

لم تنته القصة بعد ، فبلقيس تعتقد اليوم أن من مزايا المحنة عليها، مع مرارتها، أََنْ عَدّدَ السجن لِلْْقِصَةِ أَبْطَالَهَا وَدَفَعَ إلى الرُشدِ المُبَكر صِغارَهَا وجعل شرفَ المِحنة عُنوانَها و مَدَدَ للوَشائِجَ أوصالها من الأصُولِ إلى الفروع إلى الفصول إلى المستضعفين والأحرار إلى كل أهل الأرض و المدائن وانكشفتْ حقيقة وجوه الليل وطغيانها .ولأنها أدركت اليوم أن محنة الكبار كانت لقطع نباتهم ووأد أنسالهم، وقلع عروقهم ، ونسخ عروشهم وبتر أنسابهم ..فقد وعت بلقيس والصغار من أهل المحنة ، أنهم إن تخطوا الألم ساعة فستصبح المحنة وَعْيَ و قضيةَ كل ساعة . فالبراعم التي حُشرت مع الكبار في المحنة، صارت اليوم شهود المظلمة و شموع أخر النفق .

[*] هذه الأسطر ليست شعراً ولا تنتمي لأي بحر من بحور الشعر، وقد جاءت أول الكلام من غير ترتيب، فآثرنا أن تتصدّر المقال على نحو ما جاء بها الكلام عفواً، وبلقيس التي نروي حكايتها ليست تلك التي أذاعت القصيدة صيتها يوم كان نزار القباني يتغنى بها ، وإنما القصة التي نحن بصدد رواية فصولها ، تذهب في مداها بعيداً عن غنائيات نزار ، فمأساة الطفولة التي نعرضها لم يعد يسعها عمود الشعر ولا تفعيلاته. لذلك نتحدث عن بلقيس وقد غادرت القصيدة النزارية بكل إيقاعات أنغامها وانتشاء أفراحها ونبض الحياة التي تسكنها و حين تغادر بلقيس القصيدة فلأن المحنة لم تسرق منها أباها فقط ولم ترسّخ في نفسها معاني الخوف والهلع والإعتداء على المحارم وحسب ولم تحاصر فيها المشاعر الإنسانية التي أنبتتها الأمومة و وشائج الأبوة أخيراً ،وإنما أيضاً عمقت فيها مشاعر الإستضعاف والقهر والغبن وهي التي كانت مع أطفال جيلها من أهل المحنة شهود على الموت البطيء لرجال سمعت وأبصرت وتذوقت وأحست وعقلت محنتهم وخبرت خلقهم وإنسانيتهم.

***************************** [1] الآية التي شكلت الأساس الذي أقام عمر بن عبد العزيز عليها حكمه منذ أول يوم تولى فيها الخلافة « إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون « ، الآية 14 من سورة النحل. [2] الشيخ منصف الورغي سجين سياسي سابق،( maître)  معلم فنون القتال ،انتشرت شهرته في الأفاق لكفاءته العالية في هذا المجال ،جرى اعتقاله خلال حملة التسعينات ولم يطلق سراحه إلا في فيفري 2006. [3] الهاشمي المكي جرى اعتقاله في تسعينات القرن الماضي، أطلق سراحه بعد أن تأكدت حكومتنا الطيبة من أن سلامة البلاد لن تتضرر بخروجه لأن الداء الخبيث الذي سكن جسد سيقضي عليه ولن يسعفه طويلاً . وافته المنية في جويلية 2006 أي بعد أربعة أشهر من إطلاق سراحه . [4] من القصيد الغنائي الذي كانت فرقة عشاق الوطن التونسية تؤديه في الاحتفالات التي كان ينظمها الطلبة بالجامعة التونسية في ثمانينات القرن الماضي. [5] نتيجة لما تعرض له خلال التحقيق فقد الهاشمي المكي الذاكرة ولم يعد يستطيع التعرف على زوجته وأبنائه وظل على تلك الحالة لسنتين عرض على خلالها على القضاء في تلك الحالة ليقضي في حقه بـ 36 سنة سجن.

(المصدر: موقع نـواة بتاريخ 30 أوت 2006) الرابط: http://www.nawaat.org/portail/article.php3?id_article=1081  


حركة النهضة والقيادة في الضباب

بقلم: حبيب الرباعي يستطيع الإنسان أن يسيطر على خياله مرات ولكل لا يستطيع تحقيق ذلك كل مرة، فشوق المهجّر إلى بلده يفرض عليه خيالا وصور لا تعرف السكون. ومقالي لا يخرج عن صور أو  » سيناريوهات  » للواقع السياسي والإجتماعي في تونس ، تسيطر على ذهني وتأتي الأخبار من هنا وهناك لتضع لهذه الصور خطوطها العريضة. ويحسن بي في البداية أن أقول أن حال قيادة حركة النهضة أثناء تواجدها في تونس قبل المحنة، كحال سائق يقود سيارته نهارا، سالكا طريقا وعرا ومليئا بالحفر، يسير بثقة مصحوبة بحذر. فقد أمده طول العهد بالسير فيه قدرة على التحكم في قيادة سيارته، بطريقة سرعة تارة وبطأ تارة أخرى، بانتباه عادي في مواطن معينة، وانتباه مركز في مواطن أخرى. وقد كانت المحنة بمثابة إقصاء لهذا السائق ومن معه عن مواصلة سيرهم في ذلك الطريق. إقصاء كان مصحوبا بإبعاد حقيقي عن الواقع (الهجرة القسرية) وإبعاد حكمي (السجن). قام النظام أثناءها بأشغال كثيرة في مسلك العمل السياسي، الذي يعرف ـ يقينا ـ بأن طالبي المرور منه لا يقبلون عنه بديلا، في الوقت الذي أرد هو فيه أن يستأثر بالمقام في نهايته مدى الحياة. لقد كانت سياسة إقصاء المعارضة عن مواصلة السير والنضال من أجل إصلاح سياسي حقيقي في البلاد، مشفوعة بحركة لم تهدأ (من قبل النظام) في وضع ألغام هنا وهناك في طريق كل راغب في عمل سياسي نظيف في البلاد، حتى إذا تعقدت السبل وأنهك أصحاب العزائم من رجال السياسة المعارضين للحكم، قام النظام بحركة بسيطة أثبت فيها جدارته في إدارة البلاد، كما فعل بورقيبة في أعقاب أحداث الخبز سنة 84 وكما فعل غيره من الطواغيت، اقتداء بفرعون الذي خرج على قومه بعد المحن والإبتلاءات التي أصابت بلده بخطاب المنتصر المسيطر على الوضع كاملا، وهو الذي طلب مساعدة موسى عليه السلام له للخروج من ذلك الضيق. لم يعد يشغل المرء حول الواقع السياسي في البلاد، سوى تلك الألغام التي بثها النظام هنا وهناك خلال الفترة التي قطع فيها الطريق أمام المعارضة، ومنعها من التقدم ولو خطوة واحدة في طريق الحرية، ويهدف من وضعه لهذه الألغام، تحويل كل من يقترب من حرمه إلى أشلاء متناثرة دون أن يصاب بأي أذى. بل نرى النظام قد زاد من خطورة هذه العقبات، يبثه لغبار كثيف على حافتي طريق الحرية لتنعدم الرؤية أو تضعف أمام سالكيه فيصابوا بما يكرهوا. لا غرابة في ذلك، فمن عاش في غبار الضلال حينا من الدهر، تجده أكثر الناس حرص على أن يعيش كل العالم جحيم ذلك الغبار النكد، ولا تستغرب حين تسمع القرآن يصف وجوه هذا الصنف من الناس يوم القيامة بقوله (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ) (غبرة: أي غبار، ترهقها قترة: تغشاها ذلة وظلمة)، فذاك جزاء من جنس ما نرى ونسمع من أعمال الطغاة. إن عالم السياسة عالم حركة وفعل، وأي سكون في هذه الساحة يعرض صاحبه لخطر التشتت أو الإندثار، شأنه في ذلك شأن الأجرام التي لا تتوقف عن الحركة إلى ما شاء الله، ولو سكن جزء منها لضاع وأضاع. ومن المؤشرات الدالة على أن هذا القيادي السياسي أو ذاك في حراك سياسي طبيعي: أي دائم، أنك تلاحظ حركة وتفاعلا في مشاعره منسجما مع ما يواجهه من تقلبات في صراعه السياسي. فالحزن على الذين يتسابقون في الضلال وإليه من أجل نيل أكبر حظ منه في حياتهم الدنيا، هو شعور سبقنا إليه الأنبياء الكرام قادة دعوة الحق، )يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)(المائدة: من الآية 41) وضيق الصدر بسبب ما يبيّت أعداء الإسلام من تخطيطات سرية للإجهاز على دعوة الحق من العلامات الدالة على اليقظة أثناء السير: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُون)َ [النمل : 70] كذا بالنسبة لتصريحاتهم المضللة والخطيرة : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) [الحجر : 97] الحذر والحيطة من أكبر علامات يقظة السائر في طريق العمل السياسي: ) وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)(المائدة: من الآية49). الفرح بنصر الله: تفاعل إيجابي يتناسب مع حركة الأحداث : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)(الروم: من الآية4) الخوف : من عدم تحقيق النتائج المطلوبة، دليل على الحرص الكبير في تحقيق أكبر قدر من النجاح (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) (القصص:34) أو الخوف الطبيعي من جهالة الظالمين والطغاة (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) (الشعراء:14) هذه المشاعر وغيرها من الحالات النفسية والإنفعالية، دالة على حيوية سالك طريق العمل السياسي، في مواجهة أفعال وانفعال الطرف المقابل الذي لا تخلو حركته هو الآخر من تفاعلات نفسية بيّنة : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ )(النساء: من الآية104) أما مجرد رصد حركة صانعي الأحداث على الساحة السياسية (نظاما ومعارضة علمانية)، وقراءة الأحداث التي يصنعها هؤلاء من منظور قوانين اجتماعية يظن البعض بأنها ثابتة، وقد أثبت القرآن والتاريخ والواقع أنها مرنة، ثم استنباط ُتصورات للمآلات التي يمكن أن تنتهي إليها حركة هذا الطرف أو ذاك) رَجْماً بِالْغَيْبِ).. فهذا شأن عامة الناس من غير المهتمين بالقضية السياسية، ممن لا تتحرك نفوسهم انقباضا أولينا حول مصير رسالة الإسلام في بلد الزيتونة المعمور. ولكن من أخذ على عاتقه مهمة القيادة والريادة في مجال الدعوة في البلاد، فإنه بحاجة إلى الحركة وإن كانت تمر عليه حالات من التقلبات النفسية المرهقة مثل الحزن والضيق والخوف… وفي كل الحالات فإن السرعة في الفعل الإيجابي أو الفتور في السير لابد أن يحكمهما الإنضباط إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم في رؤيته للأهداف وللواقع فقد قال عليه السلام: « إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَةً (نشاط ورغبة) وَلِكُلِّ شِرَةٍ فَتْرَةً (فتور) فَمَنْ كَانَتْ شِرَتُهُ إِلَى سُنَّتِى فَقَدْ أَفْلَحَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ ». (رواه أحمد) وسواء أكنا في حالة شرة أو حالة فترة أو أن بعضنا كان على هذا الحال وبعضنا الآخر على الحال الثاني، فإن الإقتداء بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في مجال الحراك السياسي تلزمنا وجوبا حتى لا نهلك. ومن سنته عليه السلام أنه كان يتخذ الأسباب ويقرأ لأعدائه ألف حساب، وهو الذي لا نظير له ولا يتساوى مع غيره من البشر في ثقته بالله تعالى وتوكله عليه. لقد أرشد رب العالمين نبيه صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة أن يكون سيره في طريق تبليغ رسالات الله تعالى قويا وثابتا وحذرا (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ )(المائدة: من الآية49) فإثارة الطغاة للفتن والتخطيط لها والحرص على تنفيذها ومتابعة نتائجها والتأكد من أثرها في الواقع الذي يبثون فيه تلك الفتن لتطوير أدائهم فيه، شأن قديم جدا عني القرآن الكريم بالإشارة إليه (لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُون)َ [التوبة : 48] وقد نبه القرآن الكريم إلى كثير من هذه الفتن الخفية وكشف عنها، واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الإجراءات اللازمة تجاه المخططين لها وفاعليها. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: بث أعداء الإسلام لحالة من الشك والريبة في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال الدخول في الإسلام والخروج منه، ليرجع (بحسب تخطيطهم) أصحاب النفوس الضعيف والعقول القاصرة عن رسالة الإسلام: (وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون)َ [آل عمران : 72] ومن قبل ذلك كان أسلوب الجدال والمحاجة بالباطل للتغلب على كلمة الحق (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً) [الكهف : 56] وسلاح الجدال بالباطل للتشويش على كلمة الحق أو بنية التغلب عليها برزت منذ العهود الأولى لظهور العنصر البشري: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَاب)ِ [غافر : 5] وقد يكون أخطر أسلوب وأقوى سلاح يعتمده الطغاة وأهل الباطل بشكل متوارث بين أجيالهم منذ عشرات القرون، في مواجهة قوى الحق المحاصرة لهم، هو إلباس الحق البين الواضح الذي يسهل اتباعه والإلتزام به، بالباطل الذي يصعب على عامة الناس كشفه والجزم ببطلانه. وقد ندد القرآن الكريم بالذين يمارسون هذا الصنيع تحذيرا لفاعليه، وتنبيها للمسلمين من الوقوع في هذه الفتنة (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون) َ [البقرة : 42] ولو كتب الله تعالى لأمة من الأمم أو جماعة من الجماعات النجاة من هذا النوع الخطير والفتاك من الفتن، لكانت أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأولهم صحابته الكرام، ولكن التاريخ أثبت أن الذين صنعوا الفتنة الكبرى التي شقت صف المسلمين منذ عهد الصحابة الكرام كان سلاحهم إلباس الحق بالباطل لدى شريحة واسعة من العامة الذين يحد تفكيرهم سقف الكلام الذي يسمعون والحراك الذي يرون، ونسوا في لحظة اندفاع قول المولى عز وجل )وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) (ابراهيم:46) فالمكر: تدبير خفي يفضي بالممكور به إلى ما لم يكن يحتسب، وغلب استعماله في التدبير السيء. و بتعبير آخر، هو وضع خطة محكمة للقضاء على الخصوم. فالمكر والكيد والتبييت مفردات قرآنية، كشف من خلالها القرآن الكريم للمسلمين المواطن التي يمكن أن يطعنوا فيها غدرا من قبل أعدائهم، فتضعف شوكتهم وتنهار قواهم. والتقوى والصلاح ونقاء السريرة والنية الحسنة وحسن الظن في الله تعالى وكل الأخلاق الإجتماعية الفاضلة، شروط ضرورية وكافية لإدارة حياة إجتماعية مستقرة في مجتمع مسلم. وهي شروط ضرورية غير كافية في إدارة صراع مع من لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة ويتربص بالمؤمنين الدوائر. إذا على أساس الحذر والحيطة والمتابعة الدائمة لما يعده أعداء الإسلام في تونس، وتوقع المكر والتبييت والكيد من قبل القائمين على ملفات حماية النظام من أي تهديده أو يضر به كائنا من كان، يمكن أن نقرأ الحركة الخطيرة الحاصلة في المجتمع والتي تغطيها بعض الأحداث السياسي من هنا أو هناك كغبار يحجب رؤية جبال وعرة وصماء. حركة النهضة والملفات الساخنة: لو تجاوزنا الملف السياسي (المطالبة بإطلاق سراح إخواننا مع استرداد حقوقهم، وتمكين الحركة من حقها في العمل القانوني….) على فرض أن النظام تنازل عن موقفه بعد ضغوط دولية، ومكن الحركة من كل حقوقها. فما هي الملفات التي ستباشرها الحركة (في إطار هذه الفرضية) وقد أغلق ملف المطالبة بالحريات الذي استغرق ربع قرن؟. أين سيتمركز أغلب عناصرها؟ هل في المساجد، في الإطار الطبيعي الذي نشؤوا فيه؟ من يحتل مواقع التأثير في المساجد الآن؟ وإن كان بطريقة غير رسمية. ما هو تأثير الآلاف من الإخوة المسرحين في المساجد الآن؟ هل ستعيد الحركة للمساجد دورها في توعية عامة الناس وغرس روح التدين الصحيح فيهم؟ أم أنها ستجدها قد أصبحت ساحة كبيرة للصراع بين سلفيين وشيعة ودعوة وتبليغ وأحباش وحزب تحرير وإسلاميين تقدميين وصوفية …؟ من يمكن أن يجزم أن هذه الجماعات قليلة وضعيفة ومحدودة الإنتشار؟! ومن ينكر أن قناة المنار بمثابة الصدى الذي يجعل كلمة المتشيعين في البلاد مسموعة في كل بيت في البلاد؟ ومن ينكر أن المشائخ والأساتذة والدكاترة السلفيين الذين يظهرون في بعض الفضائيات أكبر دعم للتيار السلفي المنتشر في البلاد؟ هل تمتلك الحركة طاقما من العلماء والدعاة الذين يمكنهم بسهولة أن يواجهوا بعض الأفكار المتتشددة للسلفيين المتمركزين في المساجد؟ علما أن البعض منهم يحفظ كتبا ومقالات مطولة ترهق من يحاورهم. ولم يعد خافيا على أحد أن من ضمن عشرات الآلاف الذين جندهم النظام لحربه على الحركة الإسلامية، أعدادا لا بأس بها مندسة في صفوف هذه التيارات الإسلامية، مهيئون للعب دور أنصار عبد الله بن سبأ الذين لا يقبلوا مطلقا بصلح بين الفرقاء والمختلفين في الرأي، ولا هم لهم سوى إذكاء نار الفتنة بين المسلمين. هل ستنسحب الحركة من القيام بدورها المعهود في المساجد لتنتشر في النقابات العمالية؟ هل سيكون خطابها مطلبيا صرفا، وتتجنب الخطاب الإسلامي؟ وهل بقي لمؤسسة الإتحاد العام التونسي للشغل إشعاعه الذي كان عليه في السبعينات؟ وأين هو ذلك الجيل الذي يحتفظ بالصورة الحقيقية ذلك الحصن، حصن العمال والمستضعفين؟ هل يمكن أن تتخفف الحركة من صفتها الإسلامية لصالح البعد السياسي؟ هروبا من الفتن المذهبية في المساجد التي لن تبرز حقيقة إلا بظهورها هناك. أم أن النوادي الثقافية ونوادي الفكر هي الأولوية في محاولة لصياغة جيل ونخبة تحمل ثقافة إسلامية عميقة؟ ومن ناحية أخرى، هل تملك الحركة في المجال الإقتصادي أكثر من متابعة الإنخرام الحاصل فيه ، ومراقبة سياسة النهش في ثروة البلاد بدل توزيعها توزيعا عادلا؟ ماذا ستفعل في النظام التعليمي والإعلامي وغيرها من الملفات التي لم يعد خافيا على كل ذي بصر وبصيرة أن النظام أراد أن يجعل منها كوابيس لكل من يقترب منها. ماذا لو أن النظام عرض على كل الأطراف السياسية الإمضاء على ميثاق وطني جديد يتقدم خطوة أخرى في أطار (الحريات العامة) ليفسح المجال بموجبه أمام كل « الديانات » حتى عبدة الشيطان بالظهور العلني اعترافا بحق الجميع في حرية الإعتقاد؟ إن أعداء الإسلام بالخارج ووكلائهم بالداخل يرفضون رفضا قاطعا، أن تتحول الحرية إلى سلم يرتقي الإسلاميون على درجاته إلى سدة الحكم ، وقد حققوا (وهم أصحاب المنهج الوسطي) إنجازات عظيمة في تنقية تراثهم مما علق به من خرافات ومبالغات وقضايا اندثرت مع مرور الزمن وقضايا جزئية ضخمت وأخرى معتبرة أهملت… وقد استغرق هذا الجهد المبارك عشرات السنين من البحث والتدقيق وكتابة كتب ومراجع بل ومصادر في بعض الأحيان من قبل كبار علماء الأمة. وقد ساهم هذا الجهد المعتبر في تحويل شريحة كبيرة من النخبة في أمتنا إلى دائرة المشروع الإسلامي في كثير من البلاد العربية والإسلامية، وهذا يعني أن النظريات الشرقية والغربية التي كان يشغل بها المستعمر النخب المثقفة في العالم الإسلامي لم يعد لها تأثير فيهم. وحتى لا تفتك الحرية في البلدان العربية والإسلامية افتكاكا مفاجئا من قبل الإسلاميين، عمد الطواغيت إلى نشر العراقيل أمام المشروع الإسلامي حتى يكون الرافض لهذا المشروع من داخل المجتمع لا من السلطة. مما يضع احتمالا أكبر في إبقاء الوضع السياسي الراهن على ما هو عليه. ملاحظة: لم أقصد بقولي « القيادة » في العنوان عددا محدودا من الأفراد اختيروا لإدارة شؤون الحركة، وإنما قصدت به كل الذين حمّلوا المشروع الإسلامي وحملوه بإيمانهم وبعزيمتهم وهمتهم وتضحيتهم ومالهم ووقتهم ولم يبدلوا أو يغيروا. لقد قلت منذ البداية أنها خيالات حالم بالعودة إلى بلاده في يوم يعز فيه الإسلام، هي أشبه بمن يحدث نفسه ولكن بطريقة جهرية. تحية طيبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 3 سبتمبر 2006)

 

السلفية في تونس

 
الكاتب: ياسين بن علي    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه   كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ظهور تيار السلفية في تونس وانتشاره. والمتتبّع لما يكتب عن هذا التيار في وسائل الإعلام التونسية، سواء منها التي بالداخل أو الخارج، يجد تحاملا شديدا عليه، ونقدا لاذعا له، وتسفيها لأرائه ورجاله. وأكاد أجزم، أن وسائل الإعلام التونسية، رغم تعدد مشاربها وخلفياتها وغاياتها، تكاد تجمع على خطورة هذا التيار بعامة، والتيار الجهادي منه بخاصة؛ فنراها ناقدة له، محذرة منه، وواصفة إياه بالتشدّد، والتطرف، والتكفير، والإرهاب، وغير ذلك من الأوصاف ذات الدلالات السلبية.   ونظرا لنمو هذه الظاهرة، أي ظاهرة الحديث عن السلفية في تونس، وازدهار سوقها الإعلامي، أردت في هذا المقال الإدلاء بدلوي وإعطاء رأيي فيما يتعلّق بالسلفية، راجيا من الله تعالى أن تجد كلماتي هذه بعض الآذان الصاغية فتستمع لها، وبعض النفوس الطيبة فتنقاد إليها، عملا بقوله سبحانه وتعالى (في سورة الزمر): {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (18)}.   اعلم، أنّ الحكم على الأفراد والجماعات الإسلامية يجب أن يخضع للمقياس الشرعي، ولا يحوز أن يخضع للهوى أو الانتماء الحزبي أو الخلافات الشخصية أو غير ذلك من عصبية بغيضة حرّمها الإسلام. قال الله سبحانه:{… وَمَنْ أَضَلّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (القصص50). وعن زياد بن علاقة عن عمه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الدعوات: « اللهم جنبني منكرات الأخلاق، والأهواء، والأدواء » (أخرجه ابن أبي عاصم في السنة). لذلك وإن كنت أخالف تيار السلفية في أرائه ومنهجه وتصوراته، ولا أقول ببعض قوله في بعض القضايا، إلا أنني سأسعى هنا لتحكيم المقياس الشرعي في الحكم على هذا التيار، عملا بقوله تعالى (في سورة المائدة): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)}.   المقياس الشرعي      إذا أردنا أن نقوّم ما يسمى بتيار السلفية، فهناك منطلقات علينا أن ننطلق منها، ومعايير علينا أن نأخذ بها ونحكمها. وفيما يلي بيان بعضها:   1. الأساس في الحكم على هذا التيار أو غيره، هو النظر في انتمائه العقدي أولا، أي تحديد عقيدة هذا التيار وانتمائه الديني، هل يكفر بعقيدة الإسلام أم يؤمن بها؟   ولا خلاف أن تيار السلفية تيار إسلامي يقوم على العقيدة الإسلامية إيمانا بها، وعملا بما تفرع عنها، ودعوة إليها.   2. إذا أثبتنا إسلام هذا التيار وإيمانه بالعقيدة الإسلامية، فقد أثبتنا ضمنا جملة من الأحكام التي تتعلق به وبأتباعه قوامها قوله سبحانه وتعالى (في سورة آل عمران): {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)}، وقوله سبحانه (في سورة الحجرات): {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)}.   والأخوة الإسلامية تفرض جملة من الأحكام المقرّرة قوامها قاعدة الولاء والبراء، عملا بقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ…} (التوبة71)، ومن هذه الأحكام:   ·الذلة على المؤمنين: قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتج29)، وقال سبحانه: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)} (الحجر).   ·عدم الظلم والخذلان: أخرج مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « … وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم. لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره ». وأخرج مسلم عن سالم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته. ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة. ومن ستر مسلما، ستره الله يوم القيامة ».   ·النصرة في السرّ والعلن: أخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « المؤمن مرآة أخيه، والمؤمن أخو المؤمن؛ يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه ».   ·النصيحة: أخرج مسلم عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الدّينُ النّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامّتِهِمْ ».   العمل بالمقياس الشرعي   لا يعنينا إن كان دعاة السلفية يستمدّون أفكارهم وآراءهم من بلاد الحجاز أو غير ذلك، ولا يهمّنا كثيرا من يقف وراء هذا التيار السلفي في تونس ومن هم رجاله ومن أين هم، وكل ما يعنينا ويهمّنا كمسلمين نريد الحكم على هذا التيار وتقويم أفكاره وأقواله وأفعاله، هو النظر في واقع ما يدعو إليه حملة الفكر السلفي –إن جاز التعبير- وما يعتمدون عليه من أدلة ومصادر في الاستدلال.   أمّا من يتهم دعاة السلفية بالارتباط بجهات خارجية، أو يتهم أفكارهم بالمستوردة أو الغريبة عن تونس، فلا يلتفت إلى قولهم ولا يعبأ به؛ لأنّ اتهامهم يقوم على نزعة وطنية مذمومة شرعا، وعلى عصبية منتنة يحرّمها الإسلام ويرفضها. أخرج أبو داود في سننه عن جبير بن مطعم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: « ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منّا من قاتل على عصبية، وليس منّا من مات على عصبية ».   وأمّا من ينعت هذا التيار بالتطرف والراديكالية، ويقدّم نفسه كمعتدل، ويسعى للإيقاع بهذا التيار بحجة تطرفه، فقد أساء فهم معنى التطرف وأخطأ في وصف التيار والوقوف ضدّه لهذه التعلة. ذلك أنّ الاعتدال من وجهة نظر شرعية، هو الإلتزام بالأحكام الشرعية، والاستقامة عليها، والإتيان بها على الوجه الذي شرعه الشارع. وأمّا التطرف فليس له دلالة شرعية، ولم يرد كمفهوم شرعي؛ لأنه لم يرد في نصوص الكتاب والسنّة، ولم يستعمله فقهاء الملّة من قبل، ولم يصطلحوا عليه للدلالة على مفهوم معيّن، لذا فقد وجب النظر في الدلالة اللغوية للكلمة فحسب. وبالرجوع إلى اللغة نجد أنّ الكلمة تفيد معنى مجاوزة حدّ الإعتدال، فيصبح المعنى مجاوزة الحدود التي وضعها الشرع، وتكون كلمة التطرف شبيهة بكلمة الغلو، ويكون معناها مخالفة أحكام الاسلام المقرّرة.    وعليه، فالذي يزيد في عدد ركعات الصلوات المفروضة، أو يطوف بالبيت عشرا، أو يحرّم زرع العنب حتى لا تصنع منه الخمر،  أو يوجب على نفسه صيام الدهر تقربا الى الله، أو يفصل الدين عن الدولة، أو يمتنع عن الزواج ويترهب، كل هؤلاء يعتبرون متطرفين ومتنطعين لأنهم جاوزوا حدود الأحكام الشرعية المشروعة.   وليس من التطرف تمسك الشّخص أو الجماعة برأي شرعي ما، أو مدافعتها عن موقف سياسي ما، أو دعوتها إلى رؤية شرعية ما، أو حملها للسلاح من أجل الدفاع عن الدين والأرض والعرض، أو وقوفها في وجه الطواغيت لإزاحتهم من الحكم وتطبيق الشريعة، فما دام الحكم أو الرأي أو الفكر الذي قال به الشخص أو الجماعة مأخوذا باجتهاد صحيح، فلا يعتبر من باب التطرف وإن خالف رأينا.       وإذا أنعمنا النظر في الأفكار والآراء التي يدعو إليها أتباع التيار السلفي، نجد أنها أفكار وآراء إسلامية تقوم على الكتاب والسنّة. فلا يتكلم دعاة السلفية إلا بقال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يدعون إلا إلى تحكيم شرع الله، ولا يقولون بالعلمانية، ولا يتبنون مشروع الديمقراطية الغربي، ولا ينكرون المعلوم من الدين بالضرورة، ولا يجحدون المجمع عليه بين الأمّة، ولا يخلطون عقائدهم بفلسفة اليونان والهند والغرب، ولا يلتزمون في أعمالهم إلا بالحكم الشرعي وفق فهمهم. فكيف يحقّ لمسلم يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويعلم حكم الشرع في وجوب التآخي في الله، والحبّ في الله، والبغض في الله، أن يخذل هؤلاء النّاس، أو يسلمهم للطاغوت، أو يقدح في عرضهم وإيمانهم، أو ينصر دعاة العلمانية والشيوعية عليهم أو يتبرأ منهم؟   إنّ الواجب الشرعي يحتّم علينا أن نواليهم في الله، وأن ننصرهم، وأن لا نخذلهم أو نسلمهم. ولا يعني هذا أن لا نقوّم اعوجاجهم، أو ننقد أفكارهم، أو نناقش منهجهم وأعمالهم، فهذا من النصيحة التي هي الدين، إنما المراد أن نميّز بين العدو الحقيقي وبين الأخ الذي يربطنا به ميثاق غليظ هو ميثاق العقيدة والأخوة في الله، فليس المسلم كالعلماني أو الشيوعي.   إنّ العدو الحقيقي في تونس، هو الذي يريد إخراج الناس من النور إلى الظلمات، ويريد تحريف عقائد الناس بحملهم على العلمانية، وأما الذي يدعو إلى تحكيم شرع الله، والمحافظة على عقائد الناس وإيمانهم، فليس بعدو وإن خالفناه في بعض القضايا الأصولية أو الفرعية؛ لأنّه في نهاية المطاف لا يدعو إلا للإسلام.   قد يدعو بعض دعاة السلفية إلى أن تنتقب المرأة المسلمة، وهو رأي لا أقول به وأخالفه، ولكنّه في واقعه من الآراء الإسلامية، وقد قال به جمع من أهل العلم منذ القديم، فهل يقارن هذا الرأي الإسلامي بالرأي غير الإسلامي، كرأي يدعو إلى العري والسفور، ويعتبر الجلباب والخمار من علامات التخلف واضطهاد المرأة؟   وقد يدعو بعض دعاة السلفية إلى الالتزام بفهم بعض مسائل العقيدة وفق منهج معيّن، ووفق رأي السلف حسب رأيهم، وقد نخالفهم في بعضه، ولكنّ رأيهم هذا من الآراء الإسلامية، وقد قال به جملة من أهل العلم، فهل يقارن هذا الرأي الإسلامي، المبني على أدلة شرعية وفق فهم أصحابه، بالرأي غير الإسلامي، كرأي من يدعونا إلى العلمانية وفصل الدين عن الحياة؟   وبعبارة أخرى، هل يقارن من يدعو إلى الإسلام وإن خالفنا بمن يدعو إلى الكفر والإلحاد؟ قال تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} (هود24). وقال سبحانه: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُون} (السجدة18).    إنني أدعو كل مسلم إلى فهم معنى الأخوة الإسلامية بحقّ، وإلى الالتزام بواجباتها، وأدعو كلّ مخلص أن يجنّب نفسه عار نصرة أعداء الدين ودعاة العلمانية والشيوعية على إخوانهم الذين يقولون ربنا الله ويدعون إلى الإسلام وإلى الكتاب والسنّة.   إنّ الذلّة تكون على المؤمنين، وأما العزّة فتكون على الكافرين أعداء المشروع الإسلامي، وأعداء عودة الإسلام إلى بلد الزيتونة. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} (النساء139).   (المصدر: « مجلة الزيتونة » الالكترونية، تمت زيارة الموقع يوم 3 سبتمبر 2006) عنوان الموقع: http://www.azeytouna.net/


الجهل بالعلم الشرعي في بلد الزيتونة

 
الكاتب: ياسين بن علي    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه   نشرت مجلة (حقائق) مقالا للأستاذ الدكتور توفيق بن عامر عنوانه: « جدل حول ما سمّي خطأ بالحجاب »(1)، ناقش فيه الأستاذ الدكتور جملة من المسائل تتعلّق باللباس الشرعي للمرأة المسلمة، فبحث مسألة الحجاب والخمار والزينة. وقد وردت في هذا المقال مغالطات شرعية خطيرة تستحقّ منا الردّ عليها ببيان بطلانها وكشف أوجه الخلل فيها. وقد اخترنا من مقاله فقرة نراها كافية لإثبات مدى الجهل بالعلم الشرعي الذي عمّ بلد الزيتونة.   واعلم، أن الغرض من هذا المقال ليس مناقشة بعض الأحكام الواردة فيه، فهي لا تحتاج إلى نقاش لظهورها ووضوحها عند علماء الملة المشهود لهم بالعلم والعدالة، وإنما الغرض بيان فساد المنهج الذي اعتمده الأستاذ الدكتور في تناول مسألة شرعية، وإذا كان المرء جاهلا بأسس البحث الشرعي وبما قرّره العلماء فيه، فكيف يؤخذ بقوله أو ينظر فيه؟      قال الأٍستاذ الدكتور:  » وهنا نأتي إلى الأمر الثاني المطلوب من المرأة المسلمة وإلى القضية الثانية التي تثيرها هذه الآية: إنها قضية الزينة التي تصنف فيها إلى نوعين: زينة ظاهرة يمكن للمرأة إبداؤها للعموم وزينة خفية ليس لها أن تبديها إلا لزوجها ومحارمها لكن الآية ليس فيها تفصيل لهذين النوعين ولا ضبط للحدود الفاصلة بينهما. مما يفتح الباب للاجتهاد على مصراعيه لأن الدلالة هنا غير قطعية أيضا. وهو ما دفع بالعلماء إلى الاستناد إلى نصوص أخرى لتجاوز ظنية تلك الدلالة. فاعتمدوا الحديث النبوي المروي عن عائشة عن النبيّ أنه قال: «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى هاهنا» في إشارة إلى نصف الذراع وكذلك الخبر الذي رواه أبو داود عن عائشة من أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله عليه السلام فقال لها: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى فيها إلا هذا» مشيرا إلى وجهه وكفّيه لكن هذين الحديثين ليسا من الأحاديث الموثوق بها إذ لا تجدهما في الصحاح وقد انفرد بروايتهما أبو داود في سننه ولم يكن أبو داود من المتشددين في قبول الأحاديث. بالإضافة إلى كونهما من أحاديث الآحاد أي ليسا من المتواتر ولا المشهور. ومن المتفق عليه بين العلماء أن أحاديث الآحاد لا تعتبر أصولا في سن الأحكام. وهكذا نجد أنفسنا مع الحديث أيضا إزاء نصوص غير قطعية فلا مستندَ قطعيا إذن في الكتاب والسنة لوجوب التزام المرأة بنوع خاص من اللباس أو بوضع غطاء على الرأس يعرف بالخمار ».    أولا: قال الأستاذ الدكتور:  » لكن هذين الحديثين ليسا من الأحاديث الموثوق بها إذ لا تجدهما في الصحاح ».   أقول: قوله « ليسا من الأحاديث الموثوق بها إذ لا تجدهما في الصحاح » فيه طعن في كتب الأحاديث غير الصحاح، وهو أمر لم يقل به العلماء. قال ابن كثير رحمه الله في (الباعث الحثيث):  » ثُمَّ إِنَّ اَلْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا لَمْ يَلْتَزِمَا بِإِخْرَاجِ جَمِيعِ مَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ مِنَ اَلْأَحَادِيثِ, فَإِنَّهُمَا قَدْ صَحَّحَا أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابَيْهِمَا, كَمَا يَنْقُلُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ اَلْبُخَارِيِّ تَصْحِيحَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ عِنْدَهُ, بَلْ فِي اَلسُّنَنِ وَغَيْرِهَا ». وقال: « وَكَذَلِكَ يُوجَدُ فِي مُسْنَدِ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنَ اَلْأَسَانِيدِ وَالْمُتُونِ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِمَّا يُوَازِي كَثِيرًا مِنْ أَحَادِيثِ مُسْلِمٍ, بَلْ وَالْبُخَارِيِّ أَيْضًا, وَلَيْسَتْ عِنْدَهُمَا, وَلَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا, بَلْ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ اَلْكُتُبِ اَلْأَرْبَعَةِ, وَهُمْ أَبُو دَاوُدَ, وَاَلتِّرْمِذِيُّ, وَالنَّسَائِيُّ, وَابْنُ مَاجَهْ. وَكَذَلِكَ يُوجَدُ فِي مُعْجَمَيْ اَلطَّبَرَانِيِّ اَلْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ, وَمَسْنَدَيْ أَبِي يَعْلَى وَالْبَزَّارِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اَلْمَسَانِيدِ وَالْمَعَاجِمِ وَالْفَوَائِدِ وَالْأَجْزَاءِ مَا يَتَمَكَّنُ اَلْمُتَبَحِّرُ فِي هَذَا اَلشَّأْنِ مِنَ اَلْحُكْمِ بِصِحَّةِ كَثِيرٍ مِنْهُ… ».    إذن فالطعن في الأحاديث وردّها لعلة عدم وجودها في الصحاح لم يقل به أحد من علماء الأمة، بل إن الأمة مجمعة على أنّ في غير الصحاح جملة كبيرة من الأحاديث الصحيحة.   هذا أمر، والأمر الآخر أن الأستاذ الدكتور لا يعلم أن الاحتجاج بالحديث لا يقتصر على الصحيح بل يشمل الحسن أيضا، وقد قال العلماء إنّ الحسن بقسميه، أي الحسن لذاته والحسن لغيره، صالح للاحتجاج. قال الأستاذ توفيق عمر سيّدي في (منهج الدراية وميزان الرواية): « الحسن [لذاته]: هو الحديث الذي يتصل سنده بنقل عدل خفّ ضبطه، من غير شذوذ ولا علّة. حكمه: وجوب العمل به بإجماع أهل الحديث، فهو حجة من حجج الشرع ».   وللعلم فإنّ كتاب السنن لأبي دواد الذي طعن فيه الأستاذ الدكتور من مظانّ الحسن كما نصّ عليه أهل العلم. وللعلم أيضا، فإن حديث أسماء بخاصة استدلّ به العلماء واستعمله الفقهاء، وقد حسّنه جمع من المحدثين، وعلى رأسهم الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في بحث قيّم له حول (جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة).      ثانيا: قال الأستاذ الدكتور: « وقد انفرد بروايتهما أبو داود في سننه ».   أقول: إن أبا داود علم من أعلام الحديث ثقة ورواية، وانفراده بحديث ما لا يضرّ، ولم يشترط العلماء في قبول الحديث عدم الانفراد. قال ابن كثير رحمه الله في (الباعث الحثيث): « اَلَّذِي قَالَهُ اَلشَّافِعِيُّ أَوَّلًا هُوَ اَلصَّوَابُ أَنَّهُ إِذَا رَوَى اَلثِّقَةُ شَيْئًا قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ اَلنَّاسُ فَهُوَ اَلشَّاذُّ, يَعْنِي اَلْمَرْدُودَ, وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرْوِيَ اَلثِّقَةُ مَا لَمْ يَرْوِ غَيْرُهُ, بَلْ هُوَ مَقْبُولٌ إِذَا كَانَ عَدْلًا ضَابِطًا حَافِظًا. فَإِنَّ هَذَا لَوْ رُدَّ لَرُدَّتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ هَذَا اَلنَّمَطِ, وَتَعَطَّلَتْ كَثِيرٌ مِنَ اَلْمَسَائِلِ عَنْ اَلدَّلَائِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ».    ثالثا: قال الأستاذ الدكتور: « ولم يكن أبو داود من المتشددين في قبول الأحاديث ».   أقول: القول الفصل فيما يتعلق بحجية كتاب السنن لأبي داود ما قاله علماء الملة الجهابذة، لا ما يقوله الرويبضة:   قال الحافظ أبو سليمان الخطابي في (معالم السنن): « اعلموا رحمكم الله أن كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافة الناس على اختلاف مذاهبهم، فكل منه ورد ومنه شرب، وعليه معول أهل العراق ومصر وبلاد المغرب، وكثير من مدن أقطار الأرض ».   وقال الإمام الغزالي: « إنها تكفي المجتهد في العلم بأحاديث الأحكام ».   وقال ابن الأعرابي: « لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كلام الله تعالى ثم كتاب أبي داود لم يحتج معهما إلى شيء من العلم البتة ».   وقال الإمام النووي: « ينبغي للمشتغل بالفقه وغيره الاعتبار بسنن أبي داود بمعرفته التامة، فان معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه مع سهولة تناوله، وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفه، واعتنائه بتهذيبه ».   وقال ابن قيم الجوزية: « صار كتابه حكما بين أهل الإسلام، وفصلا في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المصنفون، وبحكمه يرضى المحققون، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب ونظمها أحسن نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، واطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء ».(2)    رابعا: قال الأستاذ الدكتور: « ومن المتفق عليه بين العلماء أن أحاديث الآحاد لا تعتبر أصولا في سن الأحكام ».   أقول: نعم، فهذا من المتفق عليه بين أهل البدع، وأما بين أهل السنّة فالمتفق عليه خلاف ذلك.   قال ابن عبد البر في (التمهيد): « وأجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار، فيما علمت، على قبول خبر الواحد العدل وإيجاب العمل به إذا ثبت ولم ينسخه غيره من أثر أو إجماع، على هذا جميع الفقهاء في كل عصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع، شرذمة لا تعد خلافا ».(3)   وقال ابن القاصّ: « لا خلاف بين أهل الفقه في قبول خبر الآحاد ».(4)   وقال الشافعي في (الرسالة): « ووجدنا عطاء وطاوس ومجاهد وابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد وعبيد الله بن أبي يزيد وعبد الله بن باباه وابن أبي عمار ومحدثي المكيين ووجدنا وهب بن منبه هكذا ومكحول بالشام وعبد الرحمن بن غنم والحسن وابن سيرين بالبصرة والأسود وعلقمة والشعبي بالكوفة ومحدثي الناس وأعلامهم بالأمصار، كلهم يحفظ عنه تثبيت خبر الواحد عن رسول الله والانتهاء إليه والإفتاء به، ويقبله كل واحد منهم عن من فوقه وقبله عنه من تحته.   ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديما وحديثا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه، بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته، جاز لي.   ولكن أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد بما وصفت من أن ذلك موجودا على كلهم ».(5)    خامسا: قال الأستاذ الدكتور: « ومن المتفق عليه بين العلماء أن أحاديث الآحاد لا تعتبر أصولا في سن الأحكام ». ثمّ أحالنا في الهامش (رقم 26) على مرجعه فقال: « انظر حول حجيّة حديث الآحاد: أحمد محمد شاكر الباعث الحثيث في شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير ط.3 ص 20 وما بعدها ».   أقول: لم يقل أحمد محمد شاكر في (الباعث الحثيث): « ومن المتفق عليه بين العلماء أن أحاديث الآحاد لا تعتبر أصولا في سن الأحكام ». فهذا كذب. وأما البحث الذي بحثه أحمد محمد شاكر فيتعلّق بإفادة الحديث الصحيح اليقين أو الظنّ. وقدّ رجح وفقا لابن حزم الأندلسي أنه يفيد العلم والعمل معا. قال: « والحقّ الذي ترجحه الأدلة الصحيحة ما ذهب إليه ابن حزم ومن قال بقوله، من أن الحديث الصحيح يفيد العلم القطعي… ».(6) هذا هو رأي أحمد محمد شاكر، وإن كنت أخالفه فيه أي أخالفه في إفادة الآحاد اليقين، إلا أنني ذكرته لأنّه يدلّ على أمرين: أولهما، بطلان قول الأستاذ الدكتور: « ومن المتفق عليه بين العلماء أن أحاديث الآحاد لا تعتبر أصولا في سن الأحكام ». ثانيهما، تلبيس الأستاذ الدكتور على الناس، إذ افترى في القول وأحال على مرجع لا يقول بقوله بل بنقيضه.   واعلم، أن قضية إفادة خبر الآحاد اليقين أو الظنّ قضية مختلف فيها بين العلماء، ورغم ذلك فلا تعلق لها بالعمل والأحكام، لأنّه كما سبق ذكره فقد أجمع العلماء على قبول خبر الآحاد في الأحكام والعمل به؛ لأن الشرع تعبدنا بغالب الظنّ ولم يتعبدنا باليقين.(7)       وفي هذا القدر كفاية. جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «سمعت رسول الله يقول إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».   (1) نشر المقال بمجلة (حقائق)، بتاريخ 01/06/2006م.   (2) ينظر: (أعلام المحدثين ومناهجهم في القرن الثاني والثالث الهجري)، للدكتورة رجاء مصطفى حزين، ص143-144   (3) ينظر (التمهيد)، ج1 ص2   (4) ينظر: (شرح الكوكب المنير) لابن النجار، ج2 ص361   (5) ينظر: (الرسالة)، للشافعي، ص457-458   (6) ينظر: (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث)، لأحمد محمد شاكر، ص34، دار الكتب العلمية، لبنان.   (7) ينظر في حجية خبر الآحاد: (السنة ومكانتها في التشريع)، لمصطفى السباعي، دار الوراق/المكتب الإسلامي، 2000م. وينظر أيضا: (الرسالة)، للشافعي، المكتبة العلمية، بيروت، بتحقيق وشرح أحمد محمد شاكر.     (المصدر: « مجلة الزيتونة » الالكترونية، تمت زيارة الموقع يوم 3 سبتمبر 2006) عنوان الموقع: http://www.azeytouna.net/
 

 

المرأة التونسية وجرأة القيادة ودينامية المجتمع

العربي مفضال (*) في الثالث عشر من أغسطس/آب المنصرم، أحيت تونس الذكرى الخمسين لصدور “مجلة الأحوال الشخصية”، وهي مجموعة النصوص القانونية التي أحدثت هزة حقيقية في المجتمع التونسي، وترددت أصداؤها في معظم البلاد العربية والإسلامية. ولقد تجرأ الراحل الحبيب بورقيبة، وهو بعد رئيس للحكومة، ونظام البايات الملكي مازال قائما، والبلاد لم يمض على استقلالها إلا نحو خمسة أشهر، على اقتحام مجال ظل الكثير من القادة العرب والمسلمين يتهيبون الاقتراب منه، ويخشون الخوض فيه، ألا وهو مجال التغيير الجذري للوضع القانوني الذي كانت تعيشه المرأة العربية المسلمة، وحقق، في هذا المجال، ثورة شاملة أقرت المساواة بين المواطنات والمواطنين أمام القانون، ومنعت تعدد الزوجات، وحددت السن الأدنى لزواج الإناث بخمسة عشر، ثم بسبعة عشر عاماً، وحددت نفس السن بالنسبة للذكور بثمانية عشر ثم عشرين عاماً، وشرطت الزواج بموافقة ورضى طرفيه معا، وقيدت الطلاق ووضعته بيد القضاء بعد أن كان مجرد إجراء روتيني يمارسه الرجل بكل خفة وتحترق بناره المرأة وأطفالها. وحرص بورقيبة في تكوين لجنة إعداد وصياغة قانون الأحوال الشخصية، على ضمان المشاركة الفعالة لعلماء الدين. ومثل هؤلاء في اللجنة المذكورة عميد جامعة الزيتونة، يومئذ، الشيخ عبدالعزيز جعيط بالإضافة إلى الشيخ الطاهري بن عاشور. وأصرّ بورقيبة في العديد من خطاباته ومجادلاته التي دافع من خلالها عن “مجلة الأحوال الشخصية”، وسعى عبرها إلى إقناع المشككين والمعارضين، أصر على الانطلاق من القرآن أولاً، وتأويل ما جاء في الكتاب الكريم لمصلحة المجتمع ثانياً. وفي هذا الصدد استند إلى استحالة العدل بين الزوجات من قبل الزوج لتقرير منع تعدد الزوجات. وهناك سؤالان كبيران يفرضان نفسيهما في سياق الحديث عن الريادة التونسية المستمرة في مجال تحسين الوضعية القانونية للمرأة. يتعلق السؤال الأول بالأسباب والعوامل التي مكنت الرئيس التونسي الراحل، ومكنت القطر التونسي، من تحقيق سبق تاريخي في مجال التغيير الجذري للوضعية القانونية التي كانت تعيشها المرأة. ومساهمة في الجواب عن هذا السؤال يبدو من المهم استحضار أربعة عناصر رئيسية: يتمثل العنصر الرئيسي الأول في التقدم النسبي الذي حققه المجتمع التونسي في اتجاه النهضة والحداثة. ويبرز هذا العنصر بقوة عند مقارنة هذا المجتمع بنظرائه في شمال إفريقيا في القرن 19 والنصف الأول من القرن 20. وتتعدد مؤشرات التقدم النسبي المذكور وتبرز على الخصوص في: تماسك وحدة البلاد، ورجحان العالم الحضري فيها على العالم القروي والبدوي، والانفتاح المبكر على أوروبا، ونمو نسبة الملتحقين بالتعليم الحديث والمتخرجين منه، وتميز الإنتاج الفكري والثقافي. وعلى الرغم من أن التقدم المذكور لم يكن يؤهل أغلبية المجتمع التونسي في منتصف القرن الماضي للمطالبة بأهم الإصلاحات القانونية التي جاء بها قانون الأحوال الشخصية، ولم يكن يدفع هذه الأغلبية إلى التمسك القوي بتلك الإصلاحات القادمة من فوق، على الرغم من ذلك، فإن التقدم الذي كان التونسيون قد راكموه، ساهم في تقبل تلك الإصلاحات، وساهم في عزل الرافضين لها. ويتمثل العنصر الثاني في طبيعة مرحلة التطور التي كانت تعيشها تونس غداة صدور “مجلة الأحوال الشخصية”، وهي مرحلة كان يحركها التوق إلى الحداثة، والتطلع إلى اللحاق بالغرب عبر اعتماد ما اعتمده هذا الغرب من تعليم وتكوين وتحرير للمرأة وإقامة للمؤسسات الحديثة وبناء للاقتصاد الوطني. ويتمثل العنصر الثالث في المكانة الأساسية التي تبوأها الإسلام في توجه وكفاح الحركة الوطنية التونسية ضد الاستعمار، مثلها في ذلك مثل شقيقاتها المغاربيات. لقد استند الوطنيون المغاربيون ضمن أهم ما استندوا إليه، إلى دينهم الإسلامي المعبئ والموحد في مواجهة استعمار يعلن مسيحيته. ولم يجد هؤلاء الوطنيون أنفسهم مثل عدد من أشقائهم المشارقة، يواجهون العثمانيين المسلمين، أو يراعون وضعية إخوانهم المسيحيين ويهمشون دور الإسلام في التعبئة الوطنية والقومية. ولذلك صعب أمر الذين ناهضوا الراحل بورقيبة بدعوى خروجه عن الإسلام. أما العنصر الرابع فيتمثل أولا في القدرة القيادية العالية التي كان يمتلكها بورقيبة وهي قدرة مكنته من استثمار التقدم النسبي للمجتمع التونسي، ومن التدخل الإرادي القوي من أجل دفع هذا المجتمع إلى مزيد من التقدم. ويتمثل هذا العنصر ثانياً في “الشرعية الشعبية” التي اكتسبها الرئيس التونسي السابق من خلال دوره البارز في تحقيق استقلال بلاده. ومن دون هذه الشرعية لم يكن متصوراً أن يصدر قانون الأحوال الشخصية، ويصمد، ويتطور ويغتني، ومن دون هذه الشرعية كذلك لم يكن متصورا أن تتراجع حركة الاعتراض والرفض. ويتعلق السؤال الثاني بدور النصوص القانونية التي تأتي بقرارات فوقية وقبل توافر شروطها الواقعية. ومعلوم أن صدور مثل هذه النصوص ظاهرة عامة في البلدان التي تحررت من الاستعمار، وتضمنت ترسانتها القانونية تشريعات متقدمة مثل حق المرأة في الانتخاب من دون أن تكون مؤهلة كفاية لذلك، وتضمنت أيضا حقوقا للعمال يصعب احترامها. وعلى الرغم من أن تلك النصوص ظلت في بعض الأحيان حبراً على ورق، أو أسيء استخدامها، ولم يبال بها المعنيون المباشرون بأمرها، فإن ذلك لا يقلل من أهميتها باعتبارها استفادة مشروعة مما راكمته الإنسانية، وباعتبارها إطارا يحفز على العمل من أجل ملئه. أما بخصوص موضوع “مجلة الأحوال الشخصية” في تونس، فإن ما حققته المرأة التونسية بفضل التفاعل بين دينامية المجتمع ومضامين هذه المجلة يشهد للراحل بورقيبة بريادة قل نظيرها. ويكفي في هذا الصدد أن نشير إلى النسب المتميزة لتمثيل المرأة التونسية التي تشغل 15% من المناصب الحكومية، و23% من المقاعد النيابية، و23% من المقاعد البلدية، و27% من هيئة القضاة، و24% من المناصب الدبلوماسية، و 31% من هيئة المحامين، و35% من هيئة الصحافة، و40% من أساتذة الجامعات. بالإضافة إلى وجود عشرة آلاف مقاولة خاصة في الخدمات والصناعة والتجارة تترأسها نساء. (*) كاتب مغربي (المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية الصادرة يوم 3 سبتمبر 2006)


 

وضوح   تعلّم………… تكلّم………… بكلّ وضوح تجاوز بحرفك كلّ الصروح تعلّم………… تقحّم عليهم قصورالخنوع وأثخن……… جراحهم……..!؟ في الضلوع وقل ..لعن اللٌهُ ولاة الأمورْ مع الذّل تبقى رحاهم تدور   ِنداءْ   لكلٍّ الطغاة …………..  بلا إستثناء إجمعوا ذلّكم والهزيمه وكل جرائمكم القديمه وكلّ الدّموع وكلّ الدٍّماء وإلى الجحيم  لبوا النٍّداءْ     َنصيَحهْ لكل ِّ الشّعوب الجريحهْ أعلني الرّفض توّا………. وكوني  صريحهْ وقولي…………. لكل الطغاة تنحوا بعيدا فقد أمسى تواجدكم فينا …………. فضيحه جمال الدين أحمد الفرحاوي تطوان في/01/أوت/2006  


 
وزير التربيــة والتكويـن في لقـــاء اعلامـي بمناسبــــة العــــودة المدرسيــة:

عدد تلاميذ هذه السنة سيبلغ 2,200 مليون تلميذ رغم نقص في عددهم يصل الى 72 الف

 

تونس ـ الصباح   عقد السيد الصادق القربي وزير التربية والتكوين صباح امس بالوكالة التونسية للاتصال الخارجي ندوة صحفية سلط فيها الاضواء على الاستعدادات الجارية للعودة المدرسية خلال السنة الدراسية القادمة 2007/2006. واستهل الحديث في هذه الندوة التي حضرها عدد هام من الاعلاميين الممثلين للاعلام التونسي والعربي بالاشارة الى القرارات الرئاسية التي تم اتخاذها خلال الاحتفال بيوم العلم، ثم بجملة القرارات المتخذة خلال المجلس الوزاري المنعقد يوم 13 اوت الفارط الذي خصص لقطاع التربية والتعليم.   وفي حديثه عن هذه الاستعدادات الجارية بخصوص العودة المدرسية اكد الوزير ان مجمل القرارات والاجراءات التي تم اتخاذها بشأن القطاع التربوي تصب في هدف الجودة والنجاعة وتكافئ الفرص باعتبار ان المدرسة هي الاساس لكل بناء مجتمعي. فماذا عن الاستعدادات الجارية للعودة المدرسية وما هي مجمل الانجازات التي تم اتخاذها في هذا الشأن؟ وماذا في رد الوزير عن مشاغل المربين ونقابتهم التي طفت خلال الايام الاخيرة عن الساحة؟   ارقام ودلالات   حديث السيد الصادق القربي خلال هذه الندوة الصحفية انطلق من الموقع الذي يحتله القطاع التربوي في البلاد وسياستها، ومن الحجم الذي يحتله في ميزانية الدولة. حيث بين انه يتم تخصيص 7,5% من الناتج الاجمالي الخام للقطاع التربوي، كما ان 33% من ميزانية الدولة تخصص ايضا للقطاع. وهذا اهتمام لا يمكن الاستهانة به باعتبار ان قطاع التربية يأتي في المرتبة الثانية دوليا بعد الدانمارك.   وبخصوص عدد التلاميذ افاد السيد الصادق القربي ان عددهم سيصل خلال السنة الدراسية القادمة 2,200 مليون تلميذ منهم 1,050 مليون في الابتدائي والبقية في الثانوي والاعدادي. كما اشار الوزير الى انه حصل تقلص في عدد التلاميذ يقدر بـ72 الف تلميذ، غير انه اكد ايضا ان السنوات القادمة ستشهد تزايدا في عدد تلاميذ الثانوي والاعدادي حيث سيبلغ عددهم 1,120 مليون تلميذ.   وبخصوص عدد الاطفال في الاقسام التحضيرية افاد الوزير ان عددهم سيكون قرابة 30 الفا مقابل 24 الفا في السنة الفارطة. وفي مرحلة لاحصاء التلاميذ والعاملين في الحقل التربوي اشار الوزير الى ان ربع سكان البلاد سيكون في الفضاءات التربوية يوم 15 سبتمبر القادم ولاحظ ايضا في هذا الجانب انه وعلى الرغم من تقلص عدد التلاميذ فان عدد المعلمين سيبقى في استقرار، وسوف يرتفع الى 60 الف معلم في الابتدائي و67 الفا في الثانوي والاعدادي، واشار ايضا الى ان عملية الانتداب متواصلة في كل سنة حيث تم خلال هذه السنة انتداب 3000 استاذ في مرحلة اولى ثم 2300 في دورة ثانية وانتظار دورة جديدة لانتداب 3,500 استاذ.   وبخصوص الاقسام اشار الوزير الى انه يتوفر الان 82 الف فصل منها 47 الفا في الابتدائي و36 في الاعدادي والثانوي. اما بخصوص الكثافة داخل الاقسام فقد افاد ان تكون في حدود 23 تلميذا داخل القسم الواحد. في المرحلة الابتدائية و30,7 في الاعدادي والثانوي. كما اكد ايضا على الرفع من عدد المدرسين افاد ان هناك اهداف مرسمومة تسعى الى ان يكون التأطير في مستوى معلم لكل 18 تلميذا مع السعي الى ان يصل هذا العدد الى 17 تلميذا لكل معلم فقط.   الاحداثات الجديدة في الحقل التربوي   في هذا الجانب افاد السيد الصادق القربي الى انه تم خلال هذه السنة احداث 30 مدرسة اعدادية ومعاهد ثانوية وينتظر ان ينطلق نشاط هذه المؤسسات في سبتمبر القادم. واشار الى ان تكاليف هذه المؤسسات بلغت 65 مليون دينار. اما بخصوص عدد الاقسام التحضيرية فقد اشار الى انها بلغت 365 قسما، اما عدد المعاقين في المدارس الدامجة فانه في حدود 182 مدرسة يؤمها 800 تلميذ مع ان عدد التلاميذ المعاقين من المتوقع ان يصل الى 5 الاف.   وبخصوص التجهيزات فقد اشار الوزير الى ان الاقتناءات في هذا المجال قد بلغت 45 مليون دينار للمعدات العلمية و12 الف دنيار لاقتناء حواسيب، اما التجهيزات الاساسية فقد بلغت قيمتها 12 مليون دينار مع اشغال اخرى للتوسعة بلغت 19 مليون دينار، وصيانة تقدر بـ20 مليون دينار، الى جانب تطبيق قرار سيادة الرئيس بتسيج المدارس الابتدائية وعددها 856 مدرسة بكلفة تناهز 15 مليون دينار.   حول المستجدات البيداغوجية   وافاد الوزير ان الكتب المدرسية التي سيتم اعتمادها خلال السنة الدراسية القادمة ستكون 192 عنوانا من بينها 82 عنوانا خاصا بالمدرسين و56 عنوانا جديدا يخص بالاساس السنة الثالثة ثانوي. وقدرت تكاليف هذه الكتب بـ16 مليون دينار وقد تم سحب اكثر من 15 مليون منها. كما اشار الى انه ولاول مرة سيتم اعتماد الاقراص الليزيرية ضمن الادوات المدرسية، وسوف تكون جاهزة قبل يوم 4 سبتمبر القادم. كما اتخذ قرار بتدريس الاعلامية للسنوات السابعة والتاسعة من التعليم الاساسي، وتدريس الفلسفة انطلاقا من السنة الثالثة ثانوي وهو توجه لحث الناشئة عن التكوين في هذه المجالات ليكون لهم عقل مستنير. كما سينطلق العمل بالافواج خاصة في شعبة الاقتصاد. وباعتبار ان اللغة العربية تبقى في مقدمة الاهتمامات فانها ستكون اجبارية في كل الشعب انطلاقا من سنة 2008.   الدعم الاجتماعي في القطاع التربوي   وافاد السيد الصادق القربي انه من المتوقع ان ينتفع 90 الف تلميذ بالاعانات، وسوف يقع توزيع ما قيمته 500 الف دينار مع 200 الف دينار لتلاميذ المناطق ذات الاحتياجات الخاصة. كما سينتفع 230 الف تلميذ بخدمات المطاعم المدرسية والعمل على تحسين ظروف الاقامة في المبيتات المدرسية. وفي نفس الاطار سيتم تطوير برامج تدريس العربية لابناء التونسيين بالخارج مع تجديد في المناهج والكتب واعتماد الة (DVD) وهذه القرارات ستشمل 14 الف طفل وبتكالف تقدر بـ6 مليون دينار.   ومن ناحية اخرى سيتم تركيز مجالس الاقسام والمؤسسات والمجالس البيداغوجية عبر انتخابات لتعويد التلاميذ على الديموقراطية، كما ستصبح الرحلات اجبارية داخل كل مدرسة، علاوة على اتخاذ قرار باجراء حفلات كل ثلاثية، وبعث نوادي للنشاط في شتى المجالات داخل كل مؤسسة. وقد تم الشروع في بعث فضاءات لملء الزمن الخارجي، وكانت البداية فضاء سيدي حسين السيجومي.   علي الزايدي   (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 3 سبتمبر 2006)


 

عملية النقل في الثانوي تمت في نطاق الشفافية.. ونحن في استعداد مبدئي ودائم للحــوار

 

تونس ـ الصباح   اعتبارا لما راج من حديث حول حركة النقل، وما اصدرته النقابة العامة للتعليم الثانوي من بيانات في هذا الخصوص، افاد السيد وزير التربية ان هذه الحركة قد تمت يوم 10 اوت الفارط، وقد قدمت مطالب الترشح للنقل الى الادارات، وتمت دراسة هذه المطالب جهويا ومركزيا ورتبت حسب المقاييس المعهودة. وقبل التصريح بالنتائج عقدت جلسة يوم 10 اوت حضرها ممثلو الوزارة واعضاء اللجنة الادارية المتناصفة و9 افراد من اعضاء النقابة العامة للتعليم الثانوي وذلك عوضا عن اثنين حسب الاتفاقيات، وامضى جميعهم عن ورقة حضور هذه الجلسة. وفي آخر الجلسة طلبت النقابة بمدها بجدول الشغورات كتابيا حسب المادة والجهة، لكن من المعروف ان القائمة في تلك المرحلة ليست مستقرة وهي قابلة للتغيير لاعتبارات مثل الحاق بعض الاساتذة بالتعاون الفني او اساتذة تطلبهم وزارة التعليم العالي او قيام البعض الآخر بعمل اداري او الحاق البعض من الاساتذة بالعمل في الادارات، كما لا يمكن في تلك المرحلة من عملية الحركة تحديد القائمة النهائية للمتقاعدين او الذين لا يلتحقون بمراكز عملهم لاسباب شخصية او تعيين المنتدبين الجدد ممن نجحوا في مناظرة «الكاباس». ان كل هذه المعطيات تجعل منطقيا وعمليا ان قائمة الشغورات لا يمكن ضبطها بصفة تقريبية وجدية الا بعد ايام من العودة المدرسية اي مع بداية شهر اكتوبر.   وواصل الوزير ليقول: «بالرغم من هذا وفي اطار الحرص على الحوار الجدي فان مصالح الوزارة قدمت في بداية جلسة حركة النقل يوم 10 اوت الفارط لممثلي النقابة شفويا الشغورات المتوفرة لحد ذلك التاريخ، كما تم تقديمها للكاتب العام للنقابة بشكل شفوي، الا ان النقابة رفضت هذا التمشي المعمول به منذ سنوات، واعتبرت ذلك تقصيرا من الوزارة والتفافا عليها.   وبخصوص حركة النقل الداخلية للجهات افاد الوزير ان هذه الحركة قد تمت كالمعتاد ودعيت اليها كل الاطراف بما في ذلك النقابات الجهوية لكن هذه الاخيرة امتنعت عن الحضور معللة بضرورة مدها بالقائمة الكتابية للشغورات. وهذا امر مذهل لان الجميع يعرف ان النقل الداخلية للجهات لا علاقة لها بتاتا بالقائمة الوطنية للشغورات. وامام هذا الواقع، وتفاديا لالحاق الضرر بالمربين وحفاظا على مصالحهم فقد تمت حركة النقل بالرغم من رفض مشاركة النقابة حركة النقل الداخلية للجهات.   واذا كانت بعض الاطراف تؤكد ان الوزارة قد حجبت الشغورات للتلاعب بالنقل والتصرف فيها اعتباطيا وفق الولاء فانه وللتوضيع تقول في خصوص هذه النقطة فانه منذ 2002 تتم معالجة المعطيات المتعلقة بالنقل واستغلالها بصورة آلية بواسطة منظومة اعلامية لادخل بتاتا للعنصر البشري فيها. ورغم كل هذا فاننا نؤكد على اننا نقبل بحل اي اشكال او خطإ يظهر وترحب بكل الاقتراحات.   وختم الوزير كلمته بالقول ان ابواب الوزارة مفتوحة امام النقابة وان الدعوة الى الحوار في كل المواضيع التي تهم المربين مفتوحة ومقبولة، واننا نسعى دوما الى اعتماد منطق الحوار والتشاور كسبيل لمعالجة المسائل وايجاد الحلول المناسبة. وفي كلمة فان الوزارة لا تدخر جهدا لتذليل الصعوبات وتخطي العقبات مهما استعصت طالبا التزام الجميع بوضع مصلحة التلميذ فوق كل اعتبار.   علي الزايدي   (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 3 سبتمبر 2006)


علـى منبـر الذاكرة الوطنيـة بمؤسسـة التميمـي للبحـث العلمـي

عودة إلى التيـــار القومــي العروبــي بتونـــــس

 

 تونس – الصباح: بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات التي يديرها الدكتور عبد الجليل التميمي انتظم صباح أمس منتدى الذاكرة الوطنية وتم خلاله التطرق لموضوع بدايات وتفاعلات التيار القومي العروبي بالبلاد التونسية. وعلى هذا المنبر تحدث الأستاذ الصادق العبيدي وهو على حد قول الدكتور التميمي «إحدى الشخصيات الفاعلة في التيار العروبي الوحدوي» والأستاذان مسعود الشابي ومحمد البصيري العكرمي.   وقال الأستاذ العبيدي: «يمكن تقسيم التيار العروبي الى ثلاث مراحل، فهناك التيار العروبي التقليدي التي تختلط فيه المفاهيم الدينية والقومية وهو ا لذي كان سائدا في الخمسينات وبداية الستينات… ثم نجد التيار القومي الذي يغلب عليه الانتماء العرقي وهو ما مثلته بعض التيارات القومية في العراق والشام.   أما التيارالثالث فهو التيار التقدمي الجديد ويمثل  البعث العربي وكان أهم شعار حمله البعث هو «أمة واحدة ذات رسالة خالدة»… والرسالة الخالدة هي الرسالة الاسلامية.. لكن البعث تهرب من التركيز على الجانب الديني لأن المنطقة فيها ديانات متنوعة.   وقال ان الشعور الديني كان ضعيفا جدا.. وفي هذا الوضع كان على الحركة التقدمية البعثية أن تقدم قراءة جديدة.   وعن التيار العروبي في تونس بين أن هذا التيار كان له أنصار وأعداء… فعلى سبيل الذكر عندما رجع خريجو  الجامعات من الشرق قيل لهم انكم حاصلون على شهادة «الباكالوريوس» معتقدين أنها مماثلة لشهادة الباكالوريا وكان التيارالبعثي يعتبر أن العروبة هي أصل هذا الشعب التونسي وكان مفهوم العروبة في تلك المرحلة مرتبطا بالاسلام ولا يمكن الفصل بينهما.   وقال: «ان المرحلة التي شاركت فيها، وكانت بين 1955 و1956، أعتبرت مرحلة تنظيرية ترمي الى ايجاد أدبيات لهذا التيار البعثي العروبي.. وتعرفت وقتها على عدد من الرفاق وأثناء النقاش معهم صدمت لأن خريجي الجامعات الأوروبية كانوا يعتقدون أن خريجي جامعات الشرق ليست لهم شهادات جامعية و«تخصصات كالتي يدرسونها هم في أوروبا».   وأضاف «كنا نجلس في أحد المقاهي مع مجموعة تمثل التقدميين واليساريين.. وتبينا أنه كانت لهم أفكار مشوشة وغير صادقة عن التيار القومي العربي، ونظرا لأنني صديق أغلبهم فقد تناقشت معهم ودفعتهم للمطالعة والبحث والتقصي عن هذا التيار ومنهم الحبيب العمري وحمادي الساحلي».   وأشار إلى أن الجماعة كانت تعتقد أن اليسار هو حامل لواء المعركة في حين أن التيار العروبي كان مهمشا.   وأضاف: «أذكر أن فريد غازي حضر مرة احدى الجلسات وتناقش مع محمد الطالبي كثيرا.. وكان النقاش ثريا ومعمقا حول التيار العروبي».   وبين أنه في سنة الاستقلال كانت هناك عديد الجمعيات التلمذية ولم تكن الرقابة آن ذاك مكثفة.. وكانت تلك الجمعيات نشيطة وهي عبارة عن خلية نحل لا تهدأ».   وقدم الأستاذ العبيدي عديد المحاضرات في ملتقيات نظمتها هذه الجمعيات وبالإضافة الى ذلك فقد كان يدرس طلبة في مرحلة التحصيل، واستغل محور «الثورة الفرنسية» ليمرر أفكاره حول القومية للطلبة وقد اكتشف مدير المعهد الخلدوني وهو محمد العربي العنابي الأمر فاستفسره عن سبب ما فعله.   وقال «لقد قمت بتحريك مشاعر الطلبة وأثرت عليهم ودفعتهم لمواصلة تعليمهم».   وذكر أنه كان ينشط مع عدد من الرفاق على غرار أحمد الشرفي ومصطفى البحري والطاهر عبد اللّّه وعمر السحيمي ومحمد مسعود الشابي والميداني بن صالح.   وقال: «ألقى علي القبض في 2 فيفري 1957 ووضعت في زنزانة انفرادية طولها 3 «خطوات» وعرضها «خطوتان».   وأضاف: «وجدت في السجن الأستاذ محمد صالح مزالي وكان كثير الاطلاع والجمع بين المعلومات التقليدية والمعلومات الحديثة بكيفية موسوعية، وكان يوجه النقاش ويدعونا لمطالعة بعض الكتب.. وفي البداية لم نكن نطمئن اليه لأنه حوكم بتهمة أنه عميل للمستعمر وبعد أن عرفناه أدركنا أنه مثقف».   وقال: تعاطفت مع الطاهر الأخضر والصادق الجزيري ومحمد صالح مزالي لأنه كان لهم دور في الحركة الوطنية».   ماذا قال الأستاذ مسعود الشابي؟   وفي كلمته التي قدمها على منبر الذاكرة الوطنية بين الاستاذ مسعود الشابي أن «نظام بورقيبة كانت فيه انحرافات لم يكن من الممكن السكوت عنها وهي تتعلق بالعروبة والاسلام… فعندما طلب بورقيبة من الطلبة الدارسين بالمشرق العودة الى تونس كان نتيجة لرغبته في عدم تكوين طلبة يميلون الى العروبة.. وبالاضافة الى ذلك فقد اعتبرت أن نظامه ديكتاتوريا..»   وأضاف «حاولت آدخال حزب البعث الى البلاد التونسية.. وفكرت كثيرا وقمت ببرنامج لتكوين حركة سياسية سرية في تونس هدفها هو ازاحة نظام بوقريبة.. وبدأت في ذلك الحين أجمع حولي من يتماشى مع هذه الفكرة.. وهي الفكرة التي لاتتماشى مع النظام الناصري ومن هنا لم أكن معاديا للناصرية وإنما كنت غير نصاري.. فمن خلال تفكيري وتحليلي وثقافتي تيقنت أنه لا يمكن توحيد الأمة العربية إلا بامتداد عربي».   وأضاف «لم أتبن هذا التيار إلا بعد أن قرأت الكثير من الكتب وقمت ببحوث ونقاشات وأتملات عدة ولما تخرجت من القاهرة قصدت باريس نظرا لأن جل الطلبة التونسيين كانوا يدرسون هناك وكانت رغبتي هي تأسيس نواة بعثية في باريس، ولم أجد صعوبة في هذا المجال لأنني درست الفكر العربي والفكر الماركسي والغربي بصفة معمقة وهو ما أتاح لي الفرصة لفتح الحوار مع الجميع.. وبالفعل كونت خلية بعثية ورأيت أنه يجب توسيعها وللغرض دخلنا صلب النشاط الطلابي.. وسعيت لتأسيس رابطة تجمع الطلاب العرب وسحبت هذه الرابطة الجمهور الطالبي من الاتحادات القطرية الماركسية وصارت تتمتع بنفوذ ملحوظ».   وأضاف الشابي «تقبلت دعوة من حزب البعث الذي كان يتفق في الاهداف مع الناصرية ويختلف في الوسائل معها.. وخلال ذلك المؤتمر تم اقرار بقائي في سوريا لدعم حزب البعث»..   وقال «كنت أرى أن الحزب والعسكر لا يلتقيان، وكنت متعاطفا دائما مع ا لشق المدني الذي يمثله ميشال عفلق والقيت عدة محاضرات في سوريا في هذا الاتجاه… والقيت المحاضرات حتى في اوساط الجيش السوري.. وبعدها توترت العلاقات بين القيادة والجيش.. وكتبت مقالات في جريدة البعث وضحت فيها الاختلاف بين القومية والقطرية واتخذت موقفا نبهت فيه الى خطورة العسكري.. وحصل الانقلاب سنة 1966 وتقرر القاء القبض كلي لكنهم لم يتمكنوا من ذلك.. وباسم القيادة القومية كتبنا مقالات ضد الانقلاب… فالانقلاب الذي قام به صلاح الجديد  وحافظ الأسد وغيره كنا نرى أنه ما كان ينبغي أن يحصل..»   وأضاف «قمنا بانشطة سرية وكانت لنا روافد في ثلاث محافظات مهمة وبدأنا نشتغل ضد من قاموا بالانقلاب وكنا مختفين في أحد المنازل الى أن تم اكتشافنا والقي علينا القبض والتقيت المرحوم كمال ناصر وحبران مجدلاني ومنصور الأطرش.. وبعد الانقلاب بدأ الانقسام يظهر في صفوف الجيش وخاصة بين حافظ الاسد ورئيس الاركان السابق أحمد السوداني… وأصبحا يزوراننا… وكان من معي بالسجن من الرفاق ميالين لايجاد طريقة للتفاهم وهو امر كنت ارفضه فتم نقلي الى مكان آخر.   ونظرا لأن البقاء في المعتقل لم يرقني، بحثت عن امكانية للهروب.. فقمت باضراب جوع ومرضت ونقلوني الى المستشفى ومن هناك هربت الى الحدود اللبنانية حيث وجدت بعثيين ينتظرونني ونقلوني الى بيروت.   «كانت هناك في بيروت جريدة البعث اسمها جريدة «الأحرار» وتكون مكتب الاتصال القومي الذي حل محل القيادة القومية  للتنبيه ضد الانقلاب واصبحت من بين اهم المحررين في الجريدة».   وأوضح أنه هرب من سوريا الي لبنان سنة 1966، وفي ذلك الوقت لم يكن له  ارتباط بتونس ولم يكن هناك حزب بعث فيها وهو يرى ان الحركة لا يمكن ان تستقطب الناس الا اذا دخلت النظام ولا يمكن للنشاط السري ان يوسع الحركة وفي تونس وجد اشخاص قوميون ولكنهم لم يستطيعوا اقلمة حزب البعث في تونس.. ولم يكن هناك الا الطاهر عبد الله وعلي شلفوح اللذان قاما ببادرة ومحاولة.   وقاطعه صادق العبيدي قائلا: «انا اول تونسي تلقيت رسالة من ميشال عفلق لانشاء حزب البعث في تونس وقد اتاني بها الميداني بن صالح وأخفيتها في منزلي وتخلصت منها بعد ثلاثة أشهر نظرا لأن الشرطة كانت تفتشه من حين الى آخر.. وأذكر أن هناك نخبة كانت تنشط لنشر فكرة البعث على غرار الطاهر عبد الله وعلي شلفوح ومحمد صالح شقير ومصطفى البحري وأحمد الشرفي ومحمد صالح ا لحراث ومحمد صالح الجابري».   علاقة طيبة بميشال عفلق   واصل الأستاذ الشابي حديثه وقال: «لم تكن لي علاقة حميمية مع صلاح بيطار في حين كانت لي علاقة جيدة مع ميشال عفلق.. وكنت أرى أن  أي تصفيات في الموتمر القادم ستنهي الحزب.. وقد كنت ضد استخدام العلاقات الشخصية وشرحت وجهة نظري وهي أنه كان من الضروري إلا تحصل انقسامات داخل الحزب بل من الافضل وجود تيارات داخل الحزب نفسه ويتم خلال المؤتمر طرح تلك الأفكار.. ولما شعرت أن فكرتي لم تلق قبول الجماعة قررت عدم حضور مؤتمر حزب البعث.   وعن حرب 1967 قال «كنت أرى أن نظام عبد الناصر لا يملك الادوات الكفيلة بتحقيق الهدف المنشود في الوطن العربي.. وكنت أدرك أنه سيخسر الحرب وهو ما حدث».   البعث في تونس   وماذا عن البعث في تونس؟..   عن هذا السؤال أجاب الأستاذ الشابي أنه عاد الى تونس عام 1967.. ونشط في الجامعة وألقي عليه القبض وحكم عليه بخمس سنوات سجنا وقال: «خلال المحاكمة أردت أن أفهم الناس أنناقادرون ونفهم في السياسة أكثر من بورقيبة فكلمتي أثنا ءالمحاكمة كانت رسالة موجهة لهدف سياسي» واضاف «بعد خروجنا من السجن تم الاحتفاء بنا ونقلنا في سيارات فاخرة الى بلدية تونس لاقامة حفل استقبال أشرف عليه السيد فؤاد المبزع..»   وأضاف: «قمنا بنشاطات في الجامعة وأثرنا على الطلبة والمدارس الثانوية وحدثت الكثير من المظاهرات التي قام بها  تلاميذ صغار سنة 1973».   وذكر أنه لما أراد الهروب الى فرنسا عبر الجزائر وجد في جندوبة مظاهرة كبيرة رفعت فيها شعارات تتعلق بالقضية الفلسطينية والوحدة العربية»..   وقال «أذكر أنه خلال السبعينات كان  عشرات الطلبة والتلايمذ يعبرون عن رغبتهم في الانخراط في حزب البعث.. كما كان الكثير من أهالي صفاقس ينخرطون معنا وأذكر على سبيل المثال عبد الحفيظ الشماوي ومحمد عباس وغيرهم».   وأضاف متحدثا عن مرحلة بغداد أن وجهة نظره تختلف عن وجهة نظر صدام حسين  «فقد كنت أنا أؤكد على أهمية الحزب في حين كان هو يؤكد على أهمية، الدولة واتضح أن هناك خلافا جوهريا مسكوتا عنه يمكن أن يتسبب لنا في مشاكل.. ورأيت أنه لا يمكن أن أبقى  في بغداد وطلبت اللجوء الى ألمانيا الشرقية لأنها بلد ديكتاتوري ومن يذهب  اليها يظل آمنا..   وفي تلك الأثناء حدثت مشاكل بين الطلبة التونسيين الذين كانوا يدرسون في بغداد من القوميين وغير القوميين.. ونظرا لأن البعثيين كانوا يحصلون على امتيازات رأيت أنه ليس من الجدوى منحهم تلك الامتيازات.. اضافة الى ذلك كانت هناك مجموعة بعثية منصبة على رأس الاتحاد الوطني لطلبة تونس وفي تلك الاثناء تم الاتفاق بين تونس والعراق لاقامة سفارة في بغداد ورأيت أنه يجب غلق الباب امام تدخل السفارة في شؤون الطلبة لذلك رأينا أنه يجب تسمية الاتحاد الوطني لطلبة تونس باتحاد الطلبة حتى يبدو كما لو أنه امتداد لاتحاد الطلبة الذي كان ينشط في تونس وذلك لافهام السفارة أن الاتحاد لا يساير السلطة.   وأضاف «لما كنت في بغداد قاطعت اجتماعات القيادة القومية وتحدث معي صدام حسين وأراد ارضائي ولكنني قررت الخروج.. وكان طارق عزيز صديقي وصديق صدام وكان دائما يرغب في البحث عن وسيلة لجمعنا.. وذات مرة استدعانا صدام حسين وكان نائب رئيس لتناول الغداء في منزله وجسلت أنا وهو فقط وكان طارق عزيز في الصالون.. فقد كنت أنا أرغب في أن تكون علاقتي بصدام لا يعرفها غيري وكان هو كذلك ايضا وحاول اقناعي بالبقاء والسفر بين الحين والآخر لباريس فرفضت وقلت له لا يمكن أن أتخلى عن البعثيين الذين يقبعون في تونس في السجن… وفي باريس أسست سنة 1973 و1974 و1975 جريدة «طريق الحرية» وكنا نهربها لتونس خفية وأقمنا اذاعة ومنظمة الديموقراطيين وقضينا على تأثير جماعة برسبكتيف.   ذكر السيد محمدالبصيري العكرمي أن سنة 1965 تعتبر مرحلة هامة جدا في حياته لانه انتمى الى حركة القوميين العرب وعاش معركة سنة 1967… وبعدها سافر الى اوروبا.   واضاف: «في عام 1965 تمت دعوتنا للانسحاب او حرماننا من جوازاتنا فأصر الاغلبية على البقاء في العراق.. واسست اللجنة الطلابية في العراق وفي عام 1967 زار المنجي سليم العراق وتحدثنا اليه عن المشاكل التي تعرضنا اليها والمتعلقة بجوازات السفر وتقرر تجديد جوازات سفرنا مدة سنة..»   وفي خريف 1968 عاد العكرمي الى تونس وتم تعينه استاذا في باجة ويقول «هناك كونت بعض التلاميذ.. نقلت الى قفصة حيث كان نشاطي ابرز.. وكونت نادي الثقافة في المهعد الذي أدرس فيه وكان الهدف منه سياسيا ليس فقط ثقافيا فشعرت السلطة بخطر النادي فعملت على مراقبته.. وفي أحدى المحاضرات التي قدمها تحدث عن القومية والصهيونية، فتقرر منع النادي من النشاط واتهامي بتحريض التلاميذ.»   وذكر انه تم فصله عن التعليم اثر تربص أقيم في العاصمة وقال «عبرت خلال التربص عن موقفي من الترجمة وواجهت معارضة من زملائي فقال لي مدير التعليم انك ضد البيداغوجيا التونسية فقلت له لا توجد بيداغوجيا تونسية.. وعند التحقيق  معي قيل لي انك متهم بنشر الافكار الهدامة».   وبين انه يعيب على الماركسيين ما كانوا يروجونه من افكار حول البعث على غرار حفناوي عمايرية والهاشمي بن فرج..   وبين ان الجيد في البعثيين التونسيين ان الخلاف الناصري البعثي لم يحدث انشقاقات بينهم.   التعذيب في السجن   اثر تقديم الشهادات التاريخية فتح المجال للأسئلة.. وذكر الدكتور التميمي أنه يرغب في أن يتحدث الشابي عن التعذيب الذي تعرض له، وتساءل الاستاذ علية العلاني لماذا بقي الشابي في فرنسا الى غاية التغيير فهل انه كان يخشى بورقيبة.. وسأله عن أسباب حدوث الرجة في التيار القومي.. وتساءل سمير ساسي عن لقاء العبيدي بجماعة الحكومة السابقة (محمد صالح مزالي) وكان ينظر اليهم في البداية على اساس انهم عملاء ثم غيروا وجهة نظرهم.   وقال محسن النوري ان كل المداخلات لم توضح ما يميز الحركة القومية في تونس.. وما موقفهم من طبيعة الخط اليوسفي؟   وبين الدكتور التميمي ان محمد صالح مزالي هو أول شخص أعد الدكتوراه في الاقتصاد وذكر أن حسن حسني عبد الوهاب اتخذ مواقف سيئة من القوميين.. وقال ان علالة بالهوان كان يرى الزيتونة مجالا للعقم.. وبين المؤرخ خالد عبيد ان ميشال عفلق كلف العبيدي ببعث حزب البعث في تونس فهل طبق التعليمات أم لا..؟   وتساءل عن علاقة العبيدي بالرموز البعثية التي كانت توجد في الجامعة العراقية… وهل اصبح يوسف الرويسي بعثيا أم لا وهل تخلى عن بعثيته أم لا؟   وقال عمر الماجري ان الحركة القومية شهدت تطورات عديدة خاصة في السبعينات وتساءل كيف يمكن تناول مختلف الحقبات التاريخية بنوع من النقد الذاتي واستفسر عن تأثير الفكر البعثي في الحياة السياسية في تونس وتساءل عن ملابسات اغتيال عمر السحيمي، واجابة عن هذه الأسئلة قال الاستاذ الصادق العبيدي انه اتهم بالعمل ضد الدولة وتم سجنه في مكان ضيق ولا يخرج الا مدة عشر دقائق الامر الذي جعله يفقد حباله الصوتية.. وبيت ان محمد صالح مزالي له معلومات كثيرة حول عديد المسائل كذلك شأن سعد الله الذي كانت له معلومات مدققة عن الوضع العقاري في تونس وقد توفي في السجن.. ووجهت له تهمة المشاركة في وزارة عميلة وقال «حينما كنا في السجن كنا نؤلف روايات.. كأن نمثل مسرحية تتعلق بمحاكمات.. وبقينا مرة حتى الصباح لان النقاشات كانت في مستوى عال وتعمقت في الجوانب القانونية».   واضاف «ان اطلاع محمد صالح مزالي على الثقافة العربية الاسلامية قل نظيره».   واوضح انه لم يتعرض للتعذيب الجسدي.   وعن موقف البعثيين من اليوسفية بين انه خلال مؤتمر باندونغ ثم توجيه برقية الى صالح بن يوسف لتأييده فيها.. لكن بعد ذلك لم تكن هناك علاقة بينهما لانه لم يكن يوسفيا.   وعن سؤال يتعلق بمرحلة العراق قال انه في مرحلة من المراحل كانت له علاقة مع طارق عزيز وعلي صالح السعدي وغيرهما.. فقد اثروا عليه وجلبوه لادبيات البعث.. وبين انه عرف ميشال عفلق في سوريا وقد قدمه له يوسف الرويسي وبين انه لم ينبهر به كثيرا لانه كان يتكلم بصوت خافت.   وأضاف «حينما ذهبت للعراق تبنيت فكرة البعث وقمنا بجلسات نقاش.. وحينما  عدت الى تونس اهتممت بالتبشير بالافكار الهدامة وحينما تقبلت رسالة هشام عفلق عن طريق الميداني بن صالح عام 1957 كنت قد شرعت بعد في اقناع الناس بهذا التيار وبين ان يوسف الرويسي كان بعثيا وبعد الانفصال تغير وأصبح ناصريا وعن وملابسات اغتيال عمر السحيمي قال انه لا يعرف شيئا عن هذه المسألة.   وحول هذه المسألة قال الأستاذ مسعود الشابي اعنه يعرف جيدا عمر السحيمي وهو المسؤول عن الاعمال التي كان يقوم بها هذا الرجل الذي لعب دورا… فقد كان يظهر على اساس انه دستوري في حين ان انتماءه الحقيقي كان للبعث.   وذكر انه علم بحادثة اغتياله في لبنان عن طريق احد عناصر جماعة برسبكتيف (آفـاق، التحرير) وكان الشابي وقتها يشتغل في متجره الكائن بالعاصمة فسارع بارسال برقية تعزية لعائلة الفقيد… وعلم بعد ايام ان برقيته عثرت عليها الشرطة اللبنانية ووزعت منها نسخا وهو ما يمثل خطرا عليه فقرر الرحيل عن تونس ولم يعد الا بعد التغيير وعن سبب العودة قال «كان في السابق لنا خصم في السلة.. ولما سقط.. أتيت للاحتفال بهذا الحدث».   وأوضح الشابي أنه لم يكن أول بعثي في تونس.. لكنه هو الذي قرر بعث تنظيم بعثي يناضل من اجل اسقاط النظام البورقيبي وللاشارة فقد اثيرت خلال منتدى الذاكرة الوطنية، عديد التفاصيل الاخرى ويمكن الاطلاع على كامل ما ورد في الشهادات في النشريات التي ينشرها المؤرخ عبد الجليل  التميمي ويضعها علي ذمة المهتمين بتاريخ الحركة الوطنية.   تغطية: سعيدة بوهلال   (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 3 سبتمبر 2006)

 

سؤال من « تونس نيوز »:   بعد الشيوعيين والدساترة واليوسفيين واليساريين بشتى تلويناتهم والنقابيين بمختلف توجهاتهم والقوميين وغيرهم من المناضلين الحقوقيين والتربويين وعديد الشاهدين على أطوار مهمة وأساسية من التاريخ الحديث لتونس، متى سيتكرم السيد عبد الجليل التميمي بالتفكير في دعوة رموز التيار الإسلامي للإدلاء بشهاداتهم الحية والموثقة من فوق منبر الذاكرة الوطنية في مركزه العتيد؟ أم أن التيار الإسلامي ليس جزءا من الذاكرة « الوطنية » يا سي عبد الجليل؟ نرجو أن يتكرم الدكتور التميمي بالجواب على هذا السؤال المتداول بكثرة في صفوف مواطني الجمهورية التونسية من الإسلاميين بمختلف تياراتهم. 


أخبار الأحزاب مجلس وطني في «الوحدوي»

 

تجري الاستعدادات في الاتحاد الديموقراطي الوحدوي لعقد أول اجتماع لمجلسه الوطني وذلك بعد المؤتمر الذي عقده الحزب خلال الربيع الماضي وأفرز انتخاب السيد أحمد الاينوبلي أمينا عاما بالاجماع رفقة مكتب سياسي جديد.. ومن المنتظر أن يستأثر المجلس الوطني المقرر تنظيمه خلال النصف الأول من شهر سبتمبر الحالي باهتمامات مختلف الوحدويين وذلك بالنظر الى أهمية المسائل التي سيتم التطرق اليها وستعمل على تحديد ملامح المسيرة المستقبلية للوحدوي في المرحلة القادمة.   غموض في »التحرري »   أصبح المشهد الهيكلي الجديد الذي يخيم على الحزب الاجتماعي التحرري يتميز بشيء من الغموض بشأن ما سيؤول اليه الوضع الداخلي في المستقبل خصوصا مع تواصل المسائل الخلافية والمواقف المتباينة بين مختلف التحرريين.. فمن ناحية يستعد السيد منذر ثابت ـ ومن معه في التركيبة الجديدة للقيادة المنبثقة في منتصف جويلية ـ لتدشين مقر جديد للحزب كائن بشارع الهادي شاكر بالعاصمة وتمسك بعدم الحوار المباشر مع بقية اطارات التحرري ومناضليه الذين لم يشاركوا في مؤتمر منتصف جويلية، حيث أكد ثابت مؤخرا لـ«الصباح» أنه لا مجال لعودة أي واحد منهم للمكتب السياسي معتبرا اياهم «غير مؤهلين لذلك ولا يستجيبون للشروط المطلوبة خصوصا أنهم متمسكون بالحديث عن عدم شرعية مؤتمر منتصف جويلية» مثلما قال ثابت..   وفي الناحية المقابلة واصلت مجموعة من اطارات الحزب ومناضليه الذين سبقت لهم عضوية المكتب السياسي ردود فعلها تجاه ما يحدث للتحرري منادين بضرورة الاصلاح الفعلي له والمصالحة بين كافة التحررين بعيدا عن منطق الاقصاء والتهميش ـ مثلما قالوا ـ ويبدو أن النية متجهة نحو العمل الجماعي وعدم الاكتفاء بالمواقف ذات الشكل الأحادي التي برز بها في الفترة الاخيرة على وجه الخصوص كل من السادة حسني لحمر، الهادي بن عافية، سامي القيطوني ومحسن الخالدي وغيرهم.. وظل الأمر بالتالي هكذا دون أن يتوضح مآل المصالحة.   استعدادات في « الوحدة »   بعد اجتماع المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية برئاسة السيد محمد بوشيحة في القصرين، اتجهت الاستعدادات نحو عقد المكتب السياسي الموسع المزمع تنظيمه خلال هذا الشهر في جرحيس، وكذلك لإعداد روزنامة أولية لمؤتمرات جامعات الحزب في كل من القصرين، تونس، سوسة، صفاقس ومدنين ووضع الخطوط الاولية للندوات السياسية التي سينظمها الحزب خلال الاشهر القادمة والتي تهتم بملفات الاعلام والتشغيل وبآفاق التحول الديموقراطي في المغرب العربي.   لوائح في « التقدمي »   اجتمعت مؤخرا لجان الشؤون التربوية والاقتصاد والاجتماع والمرأة التابعة للحزب الديموقراطي التقدمي وذلك قصد اعداد مختلف التوجهات المتعلقة بعدة قطاعات والتي تتعلق بالمؤتمر القادم لهذا الحزب الذي من المنتظر عقده مع موفى السنة الحالية.. وينتظر أن تتم مناقشة هذه اللوائح صلب هياكل الحزب خلال الفترة القريبة المقبلة وذلك قصد الصياغة النهائية لمقرراتها النهائية.   اعداد: لطفي بن صالح   (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 3 سبتمبر 2006)


«الشروق» حملت السؤال إلى «حزب الله»:

ماذا ستفعلون بكل هذا الركام؟

 

 * بيروت ـ الشروق / من مبعوثنا الخاص كمال الشارني:   كان لابد أن أعود إلى الضاحية الجنوبية في بيروت حيث تعمل آلات الحضائر ليلا نهارا لرفع أنقاض عشرات العمارات المهدمة، حاملا معي هذا السؤال الذي فاجأ حتى السيد غسان درويش مسؤول الإعلام في حزب الله: «ماذا ستفعلون بكل هذا الركام؟»   السيد درويش كان قبل ذلك في حديث خاص بـ «الشروق» قدر حجم الدمار في بيروت الجنوبية وحدها بـ 198 بناية مهدمة تماما و192 أخرى مهدمة جزئيا و8500 شقة مهدمة كليا و12 ألف شقة مهدمة جزئيا وهو ما يساوي في حد ذاته محو وتدمير حي سكني من 120 ألف ساكن على الأقل. وعند جولتي في الضاحية حاولت التقاط أكثر ما أمكن من صور الدمار وأكداس الركام التي تحولت إلى «جبال» حقيقية يبلغ علوها أحيانا عدة أمتار ويتطلب الأمر «تسلقها»   نشأ السؤال في ذهني لما عرفت أرض لبنان عن كثب، بلد صغير الحجم لا تتجاوز مساحته مساحة الوطن القبلي حيث يصبح كل متر مربع من الأرض خصوصا في الشمال ثروة. لذلك بنى اللبنانيون بيوتهم معلقة في المرتفعات والجبال بعد أن ضاقت بهم السهول وأماكن البناء العادية. لذلك بدا لي أن عملية التخلص من كل ذلك الركام لن تكون سهلة، إذ لا يوجد مكان شاغر لكل ذلك في لبنان خصوصا وأن حجمه يبدو في حجم مدينة صغيرة.   ابتسم السيد غسان درويش لما طرحت عليه هذا السؤال ثم قال: «بالفعل، فقد طرحنا هذا الموضوع في الحزب على عدة مستويات. لدينا مهندسون يدرسون كل احتمالات التصرف في هذا الحجم الكبير من الركام، وتم طرح ثلاثة حلول منها ردم الحفر الكبيرة في الجبال ومقاطع الحجر والرخام التي تشوه البيئة. لكن الفكرة الأكثر إثارة للاهتمام هي نقل الركام إلى البحر سواء لتوسيع البر أو لتكوين جزيرة صناعية قبالة بيروت».   بعد ذلك تحدثت الشروق مع أحد مسؤولي حضيرة رفع الركام في المقر السابق لقناة المنار فقال: ما تجمع من ركام الضاحية الجنوبية يكفي فعلا لتكوين ما لا يقل عن كيلومتر مربع في البحر، هذا يمثل ثروة عقارية في بلد يباع فيه المتر المربع من أراضي البناء بما لا يقل عن 750 ألف ليرة (حوالي 500 دولار)، تخيل ثمن ذلك في السوق».   ويعتقد محدثنا انطلاقا من خبرته في البناء في بيروت والتي تتجاوز ثلاثين عاما أن إنجاز مثل هذه الجزيرة سهل من الناحية التطبيقية خصوصا وأن بيروت وعدة مدن شاطئية معروفة قد عرفت مثل هذه الأشغال، مثل المدينة الصناعية التي صنعت في الخليج العربي، وبذلك فإن الخبرة الفنية متوفرة.   كما أن شركة سوليدير الشهيرة التي أنجزت مشاريع إعادة الإعمار في بيروت بعد الحرب الأهلية قد أنجزت عدة توسيعات في البحر، لم تكن كبيرة الحجم لكنها كانت تمثل سابقة جيدة، كما أن مهندسي سوليدير كانوا يواجهون مشكلة توفير الحجارة والرمل الكافيين لتوسيع بيروت، أما في حالة الضاحية الجنوبية فكل شيء متوفر وغير بعيد.   بعد ذلك يقول السيد غسان درويش: «نحن نحترم حتى ملكية الركام، حاليا نحن منشغلون برفع الأنقاض حتى يجد الناس مسلكا للوصول إلى بيوتهم وممتلكاتهم، بعد ذلك سنبحث مسألة توظيف الركام فيما يصلح، وإذا ما تم الاتفاق على اقتراح جزيرة صناعية قبالة بيروت سوف يكون ريعها لعائلات الشهداء والمشردين والمتضررين من العدوان الصهيوني في كل مستوياته سواء المادية أو المعنوية. خلال شهرين سنكون قد فصلنا هذا الأمر»   (المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 3 سبتمبر 2006)

 


 
مصطفى المصمودي:

« أدعو الى اطلاق قمر صناعي اسلامي لخدمة المعرفة »

حاوره – نوري جعفر علي معالي الدكتور مصطفى المصمودي وزير الإعلام التونسي السابق ورئيس الجمعية التونسية للاتصال كان لجريدة المدينة الحوار التالي معه خلال تواجده برابطة العالم الإسلامي مؤخراً. • كيف ترون أساليب تفعيل الإعلام الإسلامي لمواجهة التحديات المعاصرة؟ – أنني لست متضلعاً في علوم الدين وسيكون جوابي مستنداً أساساً إلى ما تتبعه المنهجيات الحديثة للإعلام والاتصال من فرص للتأثير في الرأي العام وتعميق الوعي ببعض الأمور وتغيير السلوك. لقد نجحت التجارب العلمية في مجالات الإعلام الاجتماعي والعلاقات العامة نجاحاً باهراً في تحسين الصورة الخارجية للعديد من الدول والمجموعات وليس هناك حاجز لاستعمال هذه المنهجية من أجل تحسين صورة المسلمين في الغرب. • كيف ترون الخطاب الإعلامي في مواجهة تداعيات 11 سبتمبر؟ – لقد كانت حقاً تداعيات 11 سبتمبر بمثابة الكارثة على صورة المسلمين ولا يمكن فسخ تأثيرها إلا بحدث جليل يمحو مخلفات ذلك الاجرام واقتراحي هو ان تدعو رابطة العالم الإسلامي إلى الابتكار والمبادرة وان تشجع على ذلك من خلال المناظرات والجوائز والحلول كثيرة. وتحضرني منها الآن فكرة تبني حاسوب اسلامي يوضع على ذمة المعوزين بثمن زهيد ويمدوا الميادين الفاضلة التي ما انفس يدعو اليها الاسلام. ومن ذلك ايضاً اطلاق قمر اصطناعي اسلامي لخدمة العلوم والمعرفة والبحوث ويمكن كذلك التفكير في مشروع عالمي فريد يبث ملامح الحضارة الانسانية التي اثراها الاسلام منذ زمن بعيد. • ما المسؤولية الملقاة على عاتق العلماء لتنبيه الأمة من الاخطار المحدقة بها؟ – انني لست كما ذكرت في وضع يسمح لي بالتدخل في هذا الموضوع الا انه من واجب من امتلك درجة من المعرفة في مجال من المجالات ان يضع مالديه في خدمة المجتمع والانسانية جمعاء كما انه من الواجب ان يتحلى كل عالم في اختصاصه بالمواصفات المطلوبة والمبنية على العمل العقلاني والموضوعية. – وكذلك السعي إلى انتهاج المناهج العلمية لنقل ما امتلكه من معرفة إلى اذهان الدارس بكل أمانة وصدق وبدون مغالات. (المصدر: صحيفة « المدينة » السعودية الصادرة يوم 3 سبتمبر 2006)

 

أزمة الرسوم قرَّبت الدانماركيين من الإسلام نائب رئيس مجلس شورى المجلس الإسلامي الدانماركي

 
حوار: رضا عبدالودود
تتواصل جهود الجالية الإسلامية بالدانمارك البالغ تعدادها نحو 200 ألف مسلم، لبناء أول مسجد جامع في العاصمة كوبنهاجن، بعد الانتشار الواسع للمؤسسات الإسلامية من مساجد ومراكز وجمعيات واتحادات ومدارس، إضافة إلى انتشار المظاهر الإسلامية كالحجاب والمحلات التجارية الإسلامية وغيرها. ولعل أجواء التقارب بين المجتمع الدانماركي والمسلمين بعد أحداث الرسوم المسيئة للرسول {، وإعلان أكثر من 2500 دانماركي إسلامهم بعد اطلاعهم على سيرة الرسول {، والتعرف عن قرب عن الإسلام من خلال الأنشطة الإسلامية التي شهدتها الدانمارك في الفترة الأخيرة، شجعت الحكومة الدانماركية على منح المسلمين رخصة بناء أول مسجد جامع بالعاصمة كوبنهاجن.. وحول أنشطة المؤسسات الإسلامية وتنامي الإقبال الدانماركي على الإسلام.. التقت المجتمع مع عبدالحميد الحمدي نائب رئيس مجلس الشورى بالمجلس الإسلامي الدانماركي، فإلى الحوار…
 نود التعرف على واقع الدعوة الإسلامية بالدانمارك ومستقبلها في ضوء أزمة الرسوم المسيئة للرسول {؟
بداية لابد من التأكيد على عدة حقائق تحكم واقع ومستقبل الإسلام بصورة عامة في الدانمارك كدولة إسكندنافية، وهو أن الأوضاع الاجتماعية والدينية والسياسية، تؤكد تنامي الإقبال على الإسلام، فبالبرغم من المستوى المعيشي المرتفع للسكان، والضمانات الصحية والاجتماعية الكبيرة، إلا أن حوادث الانتحار وجرائم القتل في تزايد بسبب بعدهم عن القيم الدينية، فلا يذهب إلى الكنيسة بصورة منتظمة سوى واحد في الألف ، ويدين نحو 10% بالنصرانية، وبقية السكان لا دينيين، دينهم الشهوات والملذات، لذا يوصون بحرق أجسادهم بعد وفاتهم.
وعلى الرغم من تنامي الوجود الإسلامي بالدانمارك الذي يعد الدين الثاني بعد البروتستانت، إلا أن الاعتراف بالإسلام كدين رسمي في البلاد مازال بعيد المنال، بسبب الإعلام الفاسد الذي يقف وراءه اليمين المتطرف الذي ينادي بطرد الأجانب وخاصة الأقلية المسلمة، بل ويصفون كل مسلم بأنه مشروع قتل. ولكن الأزمة الأخيرة أحدثت تحولاً مهماً في مسار الدعوة الإسلامية ف »رب ضارة نافعة »، حيث بدأت الأوساط الدانماركية تتجه نحو التعرف على الإسلام عن قرب، وبدأ المجلس الإسلامي الدانماركي يقود حملات تعريفية بالإسلام، ورحلات دعوية في كافة المناطق، ونشطت حركة الترجمة باللغات الدانماركية والإنجليزية للمصحف الشريف وعدد من الكتب التعريفية عن الإسلام.
 ما دور المجلس الإسلامي في توحيد مسلمي الدانمارك؟ وما هي أبرز أنشطته؟
المجلس الإسلامي الدانماركي مؤسسة دانماركية إسلامية وقفية عامة النفع وعضو مؤسس لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، تأسس في 22-12-2002م، يرأسه د.جهاد عبدالعليم الفرا. ويتبنى هدف استراتيجياً هو: استقرار الوجود الإسلامي أفراداً ومؤسسات ليصبح واقعاً مقبولاً في المجتمع الدانماركي ومؤثراً في جوانب الحياة المختلفة، مع تفعيل التواصل مع الدول العربية والإسلامية.
وينسق المجلس الإسلامي مع أكثر من 30 مؤسسة إسلامية تمثل مختلف المذاهب الإسلامية. ويقوم المركز بإنشاء الوقفيات الإسلامية المختلفة، كما قام بشراء مقبرة خاصة بالمسلمين، وينشط في المجالات الشبابية التثقيفية، وإقامة صلوات الأعياد المجمعة، وفي الجانب الحقوقي يقوم برفع قضايا الدفاع عن المسلمين وحقوقهم. وتحول المجلس الإسلامي إلى مقر لاستقبال المهتدين الجدد الذين يصل عددهم إلى 2 3 كل أسبوع.
 وما أهم التحديات التي تواجه المجلس الإسلامي الدانماركي؟
يعتبر الدعم المالي من أهم العوائق أمام تفعيل دور المجلس، خاصة في الفترة الأخيرة التي تشهد إقبالاً دانماركياً على الإسلام، حيث نقوم بترجمة كثير من الكتب والرسائل الدعوية باللغات الدانماركية والإنجليزية، ومن أهم تلك الكتب: « تعريف عام بدين الإسلام » للشيخ علي الطنطاوي « الطريق إلى القلوب »، « ماذا يعني انتمائي للإسلام » « افتحوا الكتب » للكاتب الدانماركي شاكر تونينغ… وغيرها من الكتب، وعدد من مواقع الإنترنت. بالإضافة للمحاضرات والدورات التدريبية، إضافة للإشراف على عدد من المدارس الإسلامية.
 وماذا عن التعليم والمناهج التي تدرّس في تلك المدارس؟
لكل المراكز الإسلامية والمساجد مدارس أسبوعية « الويك إند »، يدرسون فيها اللغة العربية ومبادئ الدين الإسلامي، كما توجد مدارس إسلامية تدعمها الحكومة بنسبة 80%، تدرس بجانب المناهج الحكومية الدانماركية، المناهج الإسلامية، التي تأتي غالباً من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، ومن بعض الدول الإسلامية، كلبنان ومصر والكويت والسعودية.
 وماذا عن مشكلات الجالية الإسلامية على مستواها الداخلي؟
على الصعيد الداخلي، تتقاسم الجالية مذاهب فقهية عدة، تؤثر سلباً على وحدة المسلمين، ومن ثمَّ اندماجهم في المجتمع الدانماركي، وتكثر الصراعات الفقهية داخل التجمعات السنية، وكذا الشيعية، بالإضافة إلى أن لكل قومية مكاناً خاصاً للصلاة: الأتراك الباكستان العرب…
يُضاف إلى ذلك تراجع المستوى الاقتصادي والمهني للمسلمين، فمعظمهم يعملون في مهن متواضعة، ولا تجد أستاذاً جامعياً، أو طبيباً، أو مهندساً في وسطهم إلا ما ندر.
 تقودون حملة دولية لجمع تبرعات لبناء مسجد كوبنهاجن الجامع.. فما فكرة المشروع ومستقبله؟
منذ 30 عاماً ونحن نطالب الحكومة بالسماح لنا ببناء مسجد جامع في العاصمة يكون منارة للمسلمين، فهي العاصمة الأوروبية الوحيدة بلا مسجد جامع، ونأمل أن يقوم هذا المسجد كواجهة يعرف من خلالها الجميع الصورة الحقيقية للإسلام، وخاصة الدانماركيين، ويكون ملتقى فكرياً للجالية الإسلامية، كما أن المجلس الإسلامي في حاجة إلى مركز إسلامي حضاري يزاول من خلاله أنشطته بصورة كبيرة، ويكون بمثابة مدرسة جامعة للعلوم الإسلامية، حيث تقتصر المدارس الإسلامية الموجودة على مراحل التعليم المتوسط والثانوي، خاصة أن ربع مسلمي الدانمارك يسكنون كوبنهاجن « نحو 50 ألف مسلم ».
أما مستقبل المشروع، فمازلنا في مرحلة التفاوض على شراء قطعة الأرض الخاصة به، حيث تم التصريح بذلك منذ مارس 2006م، كما نقوم بجولة في عدد من البلدان الإسلامية لجمع التبرعات التي تنقصنا، حيث تعتمد الحكومة الدانماركية دعم المؤسسات والمدارس المقامة بالفعل، ولا تقدم دعماً لمشروع غير قائم.. لذا أطالب مسلمي العالم بتقديم يد العون لنا من أجل إقامة رمز للإسلام في الدانمارك، ولافتة تجمع 200 ألف مسلم.
 
(المصدر: مجلة المجتمع بتاريخ 26 أوت 2006)

 

بعيدا عن الحرب قريبا من عقلنة السلم

 

مرسل الكسيبي*-الوسط التونسية: http://www.tunisalwasat.com

وضعت الحرب السادسة بين لبنان المقاوم واسرائيل أوزارها القتالية ,لتفتح الباب على مصراعيه كما هو متوقع أمام حرب ديبلوماسية وسياسية لاتقل خطورة وألغاما عن الحرب الحقيقية. اللافت للنظر حقا أن الدولة العبرية لم تتوان برغم اعلانات الانتصار الصادرة عن كل طرف والدمار الهائل الذي لحق بلبنان وشعبه وكائناته الحية وبيئته الجميلة عن الاعتراف بوجود أخطاء عسكرية كبيرة تخللت حرب الأسابيع الخمسة ,وهو مادعى القادة السياسيين والعسكريين فيها الى تشكيل لجان تقصي حقائق تحدد المسؤولية عن كثير من الاخفاقات والخسائر التي لحقت بقوات النخبة والجيش الذي لايقهر ,ومن ثمة تقديم علاجات ووقايات لها في الجولات القادمة من الحروب التي تنتظر المنطقة. العقل العلمي والتقويمي لم يكن بعيدا عن معالجة مخلفات الحرب على الاستراتيجيات العسكرية والسياسية وربما التكنولوجية في أي حرب قادمة,وليس يعني هذا اطلاقا التغافل عن لاأخلاقية مثل هذه الحروب ومن وقف وراءها من أجل تمرير مشاريع تمس أمن واستقرار العالم كما تمس في مقتل شعارات الحرية والدمقرطة في منطقة طالما تعطشت شعوبها لقطار الاصلاح السياسي الحقيقي وعرس الانتخابات التمثيلية بعيدا عن ارادة المخادعة والتزييف والتمطيط في عمر أنظمة شمولية. بلا شك خسرت الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات الأساسية بهذه الحرب خسارة لايمكن وصفها بعد أن تأمل الشرق من الادارة الأمريكية تحقيقا وتمكينا لشعارات الاصلاح والدمقرطة في اطار ماسمي بمشروع الشرق الأوسط الكبير. لقد انهار الشرق الأوسط الكبير هذه المرة لفائدة الشرق الأوسط الجديد في ظرف زمني لم يتعد الثلاث سنوات تحديدا,لنصبح هذه الأيام أمام حديث عجيب وغريب عن ارادة سياسية لاعادة تقسيم المنطقة ومن ثمة العالم… الشرق الأوسط الجديد تعطلت معالمه الأولية بانكسار الطموحات العسكرية الاسرائيلية بعد محصلات أولى للمواجهة على أرض لبنان,غير أن ماتعمل اليوم على اتمامه أو تمريره الالة الديبلوماسية لايقل خطورة أو شأوا عما يراد بكثير من بلدان الطوق أو المواجهة كما يصطلح عليها البعض… وضعت المواجهة العسكرية وزرها ليضع القرار 1701 المنطقة والعرب وربما العالم بأسره أمام سلم هش وذلك في ضوء مايحمله هذا القرار من املاءات واكراهات على الطرف اللبناني كما الأطراف الحليفة التي تصنف تحت مسمى قوى الممانعة-سوريا وايران-. غير أن طبيعة هذا الصراع العربي الاسرائيلي والذي يشكل بؤرة أكبر مواجهات وصراعات العالم منذ بدايات القرن الماضي,تقتضي منا الابتعاد عن حديث من الخاسر ومن المنتصر كما هو جار منذ مدة على ألسنة أبرز الكتاب والاعلاميين والمفكرين,لننتقل الى طور عقلاني جديد يحتم علينا النظر الى الأمور بمنطق واتزان وحكمة بالغين لايقلان خطورة وأهمية عن اعتراف نصر الله نفسه عن حجم مالحق بلبنان من خراب ودمار بعد عملية اختطاف الجنديين… نحن حينئذ أمام تحدي خطير يمكن تسميته بضرورات عقلنة السلم وذلك من أجل تجنب مخاطر وكوارث اي حرب تتهدد المنطقة والعالم ,ومن ثمة فانه يتحتم على العرب جميعا تشكيل لجان تقصي الحقائق وكذلك مراكز البحوث الاستراتيجية من أجل اعادة تشكيل العقل السياسي العربي بما يجنب البلاد العربية والاسلامية وبالتالي القرية الكونية حروبا قد تبدو في ظاهرها انتصارات عسكرية ولكن قد تحمل معها بدايات رياح سموم قد تهدد سيادات أكثر من بلد عربي واسلامي نطمح الى أن نراه يشق طريقا أعظم وأثبت على دروب التمكن والانتصار العلمي والرقي التقني والثبات المؤسسي والاصلاح السياسي الشامل من أجل خوض غمار التحديات القادمة بروح انتصارية حقيقية تؤهلنا الى دخول العالم من أبواب التوازن العام وليس الانهيار الشامل. أكبر الدروس التي يمكن أن نتعلمها من هذه الحرب أن تجريد المجتمعات المدنية من قوتها وفعاليتها يعد خطوة أولى على طريق الهزيمة الحضارية ومن ثمة كل أنواع الهزائم بما في ذلك الهزيمة العسكرية,حيث ان انهيار انظمة أفغانستان والعراق حدث في ظل أنظمة شمولية في حين أن صمود لبنان وشعبه و »انتصاراتهم » الجزئية تحققت في ظل أكبر ديمقراطية عربية في ظل أقل الكثافات الديمغرافية العربية والاسلامية . انسحبت مصر من دائرة الصراع بعد اتفاقية كام ديفيد بهزيمة نفسية شعبية في ظل أكبر كثافة سكانية عربية في جو غياب حقيقي لنظام سياسي يمثل ارادة شعبية جماهيرية تعكس موقع مصر وعراقتها التاريخية الحضارية,ومن ثمة فقد حن لمبارك أن يطلق من التصريحات أثناء الحرب السادسة ما جعل النخبة المصرية تطرح نقاط استفهام على دواعيها الوطنية ان وجدت. انكفأت السعودية وهي التي غدت تعاني بشكل واضح من اثار تقزم ادوارها الاقليمية في ظل الزحف الايراني والفرملة الأمريكية,وذلك في ظل توظيف دولي واضح لغياب مؤسسات المجتمع المدني عن لعب دور فاعل في عقلنة السياسات الخارجية لفائدة مصالح المنطقة وانتمائاتها الشرقية وعراقتها الحضارية. أما الأردن فقد تقلصت لديه قدرات الصمود والمواجهة في ظل بدايات تفكيك تجربته الديمقراطية والتربص الواضح بأكبر القوى السياسية المشكلة لعمقه الجماهيري,حيث غدت تجربة جبهة العمل والنقابات والمشاركة البرلمانية الواسعة والفاعلة تشهد تهديدا واضحا من قبل القوى المحافظة في مواقع القرار الداخلي وربما الدولي . نحن حينئذ أمام ضعف حقيقي يعتري المجتمعات المدنية كلما تقدمت ارادة المواجهة والاحتلال الترابي والتقويض السيادي أكثر في مساحات المنطقة,وبالتالي فان مراهنة المستقبل في أي مواجهة جديدة لابد أن ترتكز على اعادة الروح للفضاء السياسي العادل في اطار توسيع دائرة المشاركة والقرار ضمن دائرة دولة القانون والمؤسسات والحكم الرشيد. الحكم الرشيد هو جوهر وبيت القصيد وهو سر عجز أنظمة المنطقة العربية,حيث أن تفشي الفساد والاستبداد ساهم في فسح الطريق واسعا أمام طموحات الالتهام والتوسع والاحتلال المباشر وغير المباشر,واذا أردنا اليوم حقا عقلنة السلم الظاهر تجنبا لأي هزيمة عسكرية أو طموحات توسعية جديدة فان الدواء والوقاية يكمنان بلاشك في اعادة الروح الى الابداع الشعبي على مختلف الواجهات وذلك عبر رفع وصاية الدولة على هوامش حركة المجتمع الأهلي ومساحات فعله اليومي ,مما يمهد الطريق واسعا أمام روح فاعلة تعيد الاعتبار الى روح المقاومة المدنية على مختلف الواجات السياسية والعلمية والتقنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية … تبقى ملاحظة أخيرة هامة موجهة الى حركات الاسلام الاصلاحي الشامل ,وهي أن اعادة النظر في أولويات المواجهة وطبيعة الصراع مع الأنظمة لابد أن تخضع للمماحكة والتحقيق من أجل توسيع مجالات التقارب والانفتاح على الرسميين وذلك من أجل تكتيل قوى الداخل في مواجهة قوى الخارج المتربصة بالجميع أمام ماتسيله ثروات وقدرات المنطقة بوجه عام من لعاب سياسي كبير لايمكن الحد من سيلانه في ظل الحجم الضخم للانقسامات السياسية والايديولوجية التي تشق النخب العربية الرسمية وغير الرسمية. ومن باب أولى وأحرى في الوضوح الموجه الى هذه الحركات الاصلاحية الاسلامية,أن تجسير الهوة بين العلماني والاسلامي في اطار الصالح العام المشترك والاستراتيجي يمكن أن يكون جسرا قويا من أجل وضع حد لحالة الصراع المفتوح بين الحكومات وهذه الحركات,هذا الصراع الذي ذهبت من ورائه أوطان وضاعت من جرائه أجيال وأوقات وأهدرت في ظله مصالح أمة باتت لا تحتمل مزيدا من التمزق والانقسام. *كاتب واعلامي تونسي : reporteur2005@yahoo.de 10 شعبان 1427 ه-3 سبتمبر 2006  


إلى سماحة الشيخ حسن نصر الله حفظه الله

 

 
تحية عربية صادقة
 
لقد عرفت الأمة طوال تاريخها المجيد محطات منيرة وأخرى مظلمة, لقد عرفت تحديات كبيرة استهدفت كيانها كما استهدفت أجودها, ورغم الخيانات ورغم التخلف ورغم الخنوع فقد كانت الامة تعرف في كل مرة كيف تنهض من تحت الرماد وتقف شامخة في وجه أعداء الداخل والخارج.
في كل مرة تبرز تجربة صادقة مناضلة إلا وتكالب عليها الأعداء واجتمعوا لوأدها في المهد. تحالفوا ضد عبد الناصر وحاربوه وتآمروا عليه, تآمروا ضد القائد صدام حسين فك الله أسره وحاربوه وحاصروا شعبه وحرقوا الأرض والعباد, تآمروا على الثورة الجزائرية وأغرقوها في الفساد…… لكن لهذه الأمة رب يحميها ورجال ونساء وأطفال وشيوخ عاهدوا الله والوطن على أن يظلوا شرفاء.
 
سماحة الشيخ,
لقد كانت البطولة التي واجهتم بها العدوالصهيوني وحلفاءه بطولة سيسطرها التاريخ بأحرف من ذهب. لقد دافعتم عن الأرض في زمن باعها الخونة ببخس الأثمان, لقد دافعتم عن العرض والشرف في زمن لم يعد لبعض الحكام لا عرضا ولا شرف, لقد دافعتم عن قيم الأمة في زمن لم يعد للبعض أي قيم يدافعون عنها. لهذا فلقد وجدت الشرفاء من أبناء هذه الأمة والعالم يدعمونك ويساندونك انتصارا لمبادئ الشرف والعفة والمقاومة التي رفعتموها.
لقد وقفنا إلى جانبك لعدة أسباب
– إن الدفاع على كل حبة رمل في أي قطر عربي لا تقدر بثمن, ومن واجب أي عربي وأي شريف أن يدافع عنها.
– إن كل جهة أوطرف يواجه أعداء الأمة له علينا حق المساندة والدعم.
– إن كل طلقة توجه للعدومهما كان مصدرها هي طلقتنا. لقد ساندناك وساندنا كل الصادقين من أبناء لبنان الحبيب دون النظر للعمامة ودون النظر للآخرين الذين يستفيدون من تضحياتكم, ساندناك من منطلق المبادئ التي نؤمن بها ويؤمن بها كل من يرى أن لهذه الأمة رسالة خالدة.
 
سماحة الشيخ,
لقد ساندناك رغم بعض المواقف السابقة التي أسندت إليكم أو لبعض المقربين منكم فيما يتعلق بقطر عزيز على قلوبنا ألا وهو العراق. وقلنا ستنقشع الغمامة وسيظهر الحق من الباطل وسيعود كل شخص مبدئي مهما تداخلت عليه الأمور إلى رشده. ورغم ذلك ففي كل مرة يطلع علينا أحدهم من المحسوبين على حزب الله ويشتمنا ويتطاول على رموزنا وآخرها ما صدر عن النائب محمد رعد باتهامه الرئيس الأسير بالدكتاتور. إن هذه المواقف ليس لها هدف إلا إبعاد المقاومة في لبنان عن الأمة وهي ليست إلا حلقة جديدة من حلقات الحقد والخيانة التي ما تزال قائمة في فكر البعض.
لقد ساندناكم بدون حسابات ولا تفكير انتهازي من اول يوم مواجهة مع العدو وذلك  انطلاقا من المبادئ نفسها التي قاتل ويقاتل باسمها صدام حسين ورفاقه. أعلم يا سماحة الشيخ, أن أغلب من ساندك وأنشأ هيئات المساندة والدعم في الأقطار العربية وأخص بالذكر القطر التونسي والعديد من بلدان المهجر هم نفسهم من ساند عراق صدام حسين وما زالوا إلى الآن يرونا في صدام حسين وصحبه ورفاقه صفوة أبناء الأمة ونفسها الزكية. إن حجم  ما تعرض له العراق وما يتعرض له إلى الآن لا يمكن ان يقارن بأي معركة خاضها أي طرف مع الأعداء. إن تضحيات رفاق صدام حسين تفوق كل تصور ومن العار أن يتفوه شخص تجاه هرم ورمز الأمة بهذه الألفاظ.
 
سماحة الشيخ ,
إن المعركة ما تزال طويلة وان ما يحاك الآن من ترتيبات ليست بكل تأكيد خافية عنكم, تنبئ بمواجهة تتطلب من أبناء الأمة الصادقين الذين ترفعوا عن القطرية والطائفية أن يستعدوا لها وان يتكاتفوا وان لا تفرقهم طائفة أوانتماء أوموقف سابق. ولهذا فإنكم بدون شك تعلمون بأن مواجهات المرحلة القادمة ستكون مواجهة مفتوحة تلعب فيها المقاومة العراقية الوطنية دورها من اجل التحرير وذلك انطلاقا من المبادئ التي آمنت بها والتي لا تتأثر بمواقف أقزام مثل محمد رعد أوعبد العزيز الحكيم أو تاجر الدجاج ابنه أوغيرهم من من باعوا الأمة من أجل الطائفة.
إن عراقا وطنيا تقدميا كان في زمن صدام حسين سيفا موجها للأعداء لكن الآن في زمن بريمر والحكيم وبرزاني والسيستاني والطلباني وكل خائن لئيم لا يمكن إلا ان يكون إلا سيفا مسلطا على رقاب أبناء الأمة من الشرفاء. نسأل الله أن لا تندلع المعركة القادمة في لبنان إلا والعراق محررا من الرجس حتى توجه طاقته للوقوف في وجه أعداء الأمة مهما كانت ساحة المواجهة. لن نقول وأطلب من الرفاق أن لا يذكر أبدا من اننا سنندم على وقوفنا إلى جانبكم. كيف نندم على دعم أنفسنا إننا
في نفس الخندق مهما تداخلت على البعض المسائل أومن أخذته العزة بالإثم.
وتذكر يا سماحة الشيخ أن أسرا كاملة من عراقيين وعرب من كل الأقطار يعدمون يوميا على يد بعض الطائفيين في العراق الحبيب. تذكر يا سماحة الشيخ أن البعض من من يحسبون عليك ويرفعون صورك يقتلون في يوم واحد ويشردون أكثر مما شرد العدو في جنوب لبنان. لا تنسى يا سماحة
الشيخ أن إخوان لك من فلسطين ينامون في الصحراء تحت الخيام على الحدود بين العراق والأردن بعد ان شردتهم عصابات الحكيم والصدر. نحن نعلم أنك من الحكمة أن لا تكون مع هؤلاء الظلمة. نسأل الله الغفران وسداد الرأي
وفي الختام نشد على أيديكم ونتمنى عليكم أن تلجمواالأقزام.
 
د. حسان القصار عضومؤسس للجنة الوطنية التونسية لنصرة لبنان

 
(المصدر: موقع شبكة البصرة بتاريخ 3 سبتمبر 2006)

 

 

إذ يُنظر الى صراعات العالم بوصفها صراعات أفكار

صالح بشير (*) عندما سقطت القسطنطينية في أيدي الأتراك العثمانيين، في منتصف القرن الخامس عشر، سارع بابا الفاتيكان في ذلك الزمان، بيوس الثاني، إلى مراسلة الغازي أو الفاتح العثماني محمد الثاني، يغريه بـ»التعميد» (أي اعتناق المسيحية)، ويعده، إن فعل، بأنه سيكون الأمير الذي «لن يضاهيه أمير، مجدا وقوة». ويضيف بيوس الثاني «سننّصبكم إمبراطورا على اليونانيين وعلى سائر الشرق، فإذا ما انتزعتم بواسطة القوة والشر، يصبح في حوزتكم عن وجه حق» و»ستحبكم كنيسة روما مثل أي ملك مسيحي آخر، خصوصا وأن منزلكتم ستكون الأرفع». لافتة هذه الرسالة من حيث «سذاجتها»، تكاد تستوي في مضمارها مثالا. فهي تغيّب ميزان القوة تغييا كاملا، وتفترض أن الصراعات صراعات عقائد ولا شيء غير ذلك، وأنها جارية بين «الحقيقة» و»الخطأ» من منظورهما الإيماني الصرف، وأن التمييز ذاك جابٌّ كل ما عداه من عناصر القوة ومن معاييرها المادية والموضوعية، يضع مالك «الحقيقة» (وهذه بطبيعة الحال ذاتية المرجعية لا تحتكم إلى غير نفسها) في موقع الترغيب أو الإملاء حيال إمبراطور في أوج سطوته، يقف على رأس قوة جارفة انتصرت لتوّها انتصارا «تاريخيا» أو «استراتيجيا» كما قد يُقال بلغة أيامنا هذه. بل أن البابا المذكور اعتقد ربما، أقلّه حتى لحظة كتابة رسالته وإرسالها، بأن القوة الإمبراطورية تلك، إنما جندتها المعجزة أو العناية الإلهية لصالحه ولصالح كنيسته، لتذليل مشكلة أخفق هو وأسلافه في تذليلها قرونا مديدة، هي تلك المتمثلة في توحيد العالم المسيحي وإنهاء انشقاقه بين غرب لاتيني وشرق أورثوذكسي ينضوي في كنيسة آبقة على السلطة الدينية للفاتيكان. ولكن أكثر ما يلفت في تلك «السذاجة» أنها معاصرة، بين ظهرانينا ولدى قطاعات من «نخبنا»، كأنما البشرية (أو بعضها المتخلف والمهزوم، كل حسب زمانه) عديمة الخيال لا تنفك ترتاد، تباعا أو تناوبا، «مألوفا» درجت عليه. فقد كان أحد الدعاة الإسلاميين في إيطاليا قد بعث برسالة، قبل سنوات قليلة، إلى البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، يدعوه فيها إلى اعتناق الإسلام، ويُنذره أنْ «أسلم تسلم»، وكان أحد زعيمي القاعدة، أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري، قد وجه إلى الرئيس الأميركي جورج بوش دعوة مماثلة، أو لنقل «أمراً» مماثلا. أما صحافيا قناة «فوكس نيوز» فقد اعتنقا الإسلام، على أيدي المجموعة التي اخطفتهما في العراق، تحت التهديد بالتصفية، ثم ما لبثا أن «ارتدّا» ما أن أُفرج عنهما. وشأن هذه الدعوات، بالحسنى أو ابتزازا، كشأن رسالة البابا بيوس الثاني إلى السلطان العثماني فاتح القسطنطينية، تقترح حلولا طوبوية وغير واقعية لعداء أرضي، دنيوي وزمني، عناصره ومكوّناته تاريخية أو مادية في المقام الأول، وهو (العداء) إن اكتسب أبعادا حضارية أو ثقافية، فهذه لا تُذلل، كما هو بديهي، بمجرد التقاء المتناحرين حول الأخذ بعقيدة واحدة، بدليل كثرة النزاعات واستشرائها وبلوغها مبلغ الإعضال بين أبناء العقائد الواحدة في كل زمان ومكان، وفي زماننا ومكاننا الشرق أوسطييْن الراهنين على وجه التحديد. ولعل أكثر ما يثير في مثل هذه الدعوات أنها، في أكثر تجلياتها نفورا (ورسالة البابا بيوس الثاني في عدادها) عادة ما تصدر عن الطرف الأضعف، الذي يسند إلى ما يعتبره تفوقه على الصعيد الإيماني، ربما على سبيل التعويض، سطوة هائلة، فيترجم كل ميزان القوة، أي كل أبعاده الكثيرة والحاسمة، إلى ذلك التفوق ويستهين بكل ما لدى الخصم أو العدوّ من أسباب الغلبة، وهو لذلك، وضمنا أو من حيث لا يدري، يقر بتلك الغلبة ويسلّم بعنادها، فيوكل أمر تلافيها إلى معجزة الاعتناق، تتولى ضم الآخر العدو، يتوحد مع الأنا توحّدا يُحسم ويتحقق على صعيد الغيب والماوراء ويجري في كنفهما، فيلغي التاريخ والواقع وإحراجاتهما الكثيرة والأليمة ويخلص المرء من عناء مكابدتها. ثم أن في الأمر ذاك ضربا من الاتكال الكسول المسرف في الكسل، إذ أن فيه تعويلا، لا عقلانيا بطبيعة الحال، على وراثة الأرض وما عليها دون جهد يُبذل، غير بعض أعمال إرهاب (لمن توخى العنف وكان في عجلة من أمره) وغير الركون إلى الدعوة (لمن مال إلى التبشير)… يكفي أن تتحقق معجزة الاعتناق حتى تنتقل تكنولوجيا المعلومات وصناعة غزو الفضاء، وكل الاختراعات والاكتشافات المذهلة التي يزخر بها هذا العصر من دين إلى دين، ونصبح شركاء فيها، ناجزي الأحقية، باسم الأخوة الإيمانية المستجدّة، بل في وارد القدرة على تسخيرها وعلى تسخير أصحابها باسم أسبقيتنا وفضلنا في الإيمان الذي سيؤول إليه الغرب والبشرية، واضطلاعنا في ذلك الصدد بدور الهادي والمرشد… مبالغة كاريكاتورية كل ذلك تُسرف في التعميم انطلاقا من أمثلة شاذة ومن وقائع هامشية؟ كان يمكن لمثل هذا الاعتراض أن يكون وجيها مصيبا لو لم يكن بعض أصحاب تلك الدعوات ممن يجد «جهادهم» و»خطابهم» هوى من الجموع، غزيرةً كثيفةً على امتداد المنطقة، ولو لم يتمثل برنامجهم في محاربة «اليهود والصليبيين» على امتداد المعمورة، وذلك قبل أن يتفوه قائد القوة العظمى الغاشمة بعبارة «الحرب الصليبية» في معرض وصفه لـ»حملته الكونية ضد الإرهاب»، ولو لم يكن مثل ذلك الحلم، حلم أسلمة العالم، على النحو المذكور أعلاه، مراودا للكثرة على ما تدل مظاهر الإحتفاء بظواهر مثل يوسف إسلام ومحمد علي كلاي أو روجيه (رجاء) غارودي. بطبيعة الحال، ليس معيبا ولا مستهجنا من أتباع ديانة من الديانات، خصوصا ما كان منها ذا منحى كوني شأن الإسلام، السعي إلى نشر عقيدتهم والتبشير بها، ولكن المشكلة أن الأمر كثيرا ما يجري عندنا على نحو ينفّر أكثر مما يرغّب، وغالبا ما يقدم على أنه حل تبسيطي لمشاكلنا مع العالم ولعجزنا عن الانخراط فيه، فيفاقمها ويفاقم قصورنا، أو يداوره دون أن ينهيه. (*) كاتب وصحافي تونسي مقيم بإيطاليا (المصدر: ملحق « تيارات » بصحيفة الحياة الصادرة يوم 3 سبتمبر 2006)  


ماذا يبقى من حجّة «سيادة الدولة»؟
محمد الحداد (*) إلى أيّ مدى يمكن الاستناد، في الحالة اللبنانيّة الراهنة، إلى حجّة «سيادة الدولة»؟ ثمّة أكثر من معطى يدفع إلى إدخال جرعة كبيرة من النسبيّة عند استعمال هذه الحجّة بالنظر إلى السياق العام الذي يحيط بالقضيّة المطروحة: أوّلا، إنّ الإدارة الأميركية التي توزّع الدروس ولا تنفكّ تذكّر الآخرين باحترام سيادة الدول وحدودها وأمنها الداخلي هي أكثر حكومة في العالم تخرق كلّ السيادات والحدود بعد أن منحت نفسها ولم يمنحها أحد مهمّة تجديد العالم عموما والشرق الأوسط تخصيصا، ولا يمكن لها أن تقوم بهذا العمل الذي كلّفت به نفسها وأجهدتها دون خرق مبدأ سيادة الدول، ومن هذا المنطلق سمحت لنفسها بالتدخّل المنفرد في العراق دون تفويض من الأمم المتحدة ثم أصبحت تطلب من جيران العراق التاريخيّين الامتناع عن التدخّل، وتطلب الأمر نفسه بالنسبة إلى لبنان وقد سمحت لحليفتها إسرائيل أن تنتهك السيادة اللبنانيّة كما شاءت وستسمح لها بذلك كلّما كان الأمر مناسبا لمصالحها ورؤاها. ثانيا، إنّ دولة إسرائيل تنفرد بفلسفة سياسيّة دستوريّة تتعارض مع مبدأ السيادة بمعناه المعروف، من حيث هي دولة يهود العالم جميعا وليست دولة مجموعة بشريّة محدّدة جغرافيّا، فلذاك يصبح كلّ يهودي مواطنا إسرائيليّا بمجرّد الهجرة فيما لا يصبح مواطنا تامّ الحقوق من كان إسرائيليّا بالجغرافيا وحدها. فالسيادة التي تمارسها دولة إسرائيل في هذه الحالة هي سيادة لا تتقيّد بالحدود والجغرافيا. ثالثا، إنّ النظام الدولي الجديد هو الذي ابتدع للفلسطينيّين شكلا غير معهود في مجال ممارسة السيادة، وذلك من خلال مفهوم «السلطة الفلسطينيّة» الذي لا يرقى بالوجود الفلسطيني إلى مستوى الدولة ولا ينزل بالفلسطينيّين إلى نفي صفتهم كشعب، فـ»السلطة الفلسطينيّة» هي دولة بلا سيادة لشعب بلا دولة. وطالما كان هذا الوضع غير مسبوق فلا يصدم الرأي العام العالمي أن تطلق إسرائيل حربا شعواء بسبب اختطاف جنديين منها فيما تطلق يد جيشها ومخابراتها لخطف رئيس المجلس التشريعي ونوّاب ومسؤولين حكوميّين يدخلون في دائرة ما سمّي بالسلطة الفلسطينيّة (وعلى العكس يبدو منطقيّا من وجهة نظر هؤلاء أن يحظوا بحصانة «سلطة» لم يعترفوا قطّ بشرعيتها وشرعيّة المعاهدة التي أنتجتها). رابعا، إنّ كلّ ما قيل حول العولمة منذ عقد من الزمان كان يبشّر بانتهاء عصر الدول وضعف سياداتها يسبب وزن المؤسسات متعدّدة الجنسيّة والمجتمع المدني العالمي والمؤسسات الدوليّة والمعاهدات والمواثيق التي أصبحت تطال كلّ الميادين، فضلا عن عولمة الإعلام والثقافة وقد كانتا ركيزة السيادة الرمزيّة للدولة بالشكل الكلاسيكي. ماذا يبقى حينئذ من حجة سيادة الدولة؟ سيبقى منها على الأرجح سلاح متواضع يستعمله المهدّدون (بالفتح) كي يحموا أنفسهم من المهدّدين (بالكسر) ويضمنوا لأنفسهم حدّا أدنى من الوجود الآمن في عالم يتقاسمه الذئاب، ولبنان هو نموذج من هذه الحالة، حيث يتبارى الجميع للتضحية به عنوانا للشرق الأوسط الجديد أو القديم والجهاد أو الديموقراطيّة ودعاوى أخرى كثيرة ليس أقلّها المقاومة والتضحية والرجولة والاستبسال وغيرها من الصفات التي يراها البعض صحوة إن قوميّة أو دينيّة أو ديموقراطيّة ويراها آخرون حسابات مصالح إن لم تكن حنينا إلى فروسيّة دنكشوتيّة تصارع طواحين الهواء. وقد تسنح اليوم الفرصة لحسم نقاش دائر منذ قيام الثورة الإيرانيّة فيتضح هل أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران ستنجح في تحدّ حقيقي للغرب أم أنّها ستنكفئ في اللحظات الأخيرة إلى المفاوضة السريّة وإلى المواقف الواقعيّة تاركة لوكلائها من المثقفين العرب مهمّة التهييج والاندفاع والخطابة الحماسيّة، أم أنّها ستواجه مصير النظام العراقي السابق عندما تجرّأ على تجاوز الدور الإقليمي الذي حدّد له؟ وبما أنّ المعركة الكبرى هي بين طهران وواشنطن فنحن نتمنّى أن لا يكون لبنان ضحيتها في أي حال من الأحوال ولا نعبأ ونحن ندافع عن سيادة الدولة اللبنانيّة أن نعاين خرق السيادة في كلّ مكان لأنّ المهمّ ليس إثبات تجانس المفاهيم القانونيّة الدوليّة بل حماية لبنان في عصر انهيار هذه المفاهيم، ولبنان عندنا هو ما نعرفه من البشر والأرض والحياة النابضة والتراث الحضاري العريق، وليذهب إلى الجحيم الآخرون الذين ينشدون البطولة وليبحثوا لهم عن مكان آخر لتصدير أيديولوجياتهم المريبة، من ديموقراطية المحافظين الجدد التي تنضح برائحة النفط والمضاربات إلى الثورة الإسلاميّة ذات الخلفيّة الطائفيّة، فلبنان لم يعد ساحة للتجارب من أي نوع كانت. (*) كاتب وجامعي تونسي (المصدر: ملحق « تيارات » بصحيفة الحياة الصادرة يوم 3 سبتمبر 2006)  


المفكر طارق البشري :

المقاومة وحدت التيار الإسلامي مع التيار القومي

القاهرة – عاصم السيد     علق المفكر والمستشار المصري طارق البشري آماله على التيار الإسلامي والتيار القومي في تشكيل تيار سياسي عام قادر على دمج الهدف الوطني بالهدف الديمقراطي، مؤكداً أن التقارب ينمو باستمرار بين التيار الإسلامي والقومي، مشيراً إلى المقاومة اللبنانية ساهمت بشكل كبير في تسريع وتيرة التقارب. وقال المؤرخ البشري إن عجز الحكومات العربية لابد أن يملأه تحرك شعبي يعي بأننا نعيش مرحلة استعمار واحتلال، مؤكداً أن الحكومات العربية اغتصبت قرار الجماعة، وصادرت حق الأمة.
ويرى البشري أن أزمة حرية التعبير تنشأ من اختلاف المرجعيات، لكنه أكد على أن حقوق البشر وحرياتهم ينبغي أن تقف عند حدود المطلق من ثوابت الدين. ويرى البشري أن المعركة الأساسية التي يخوضها القضاء المصري طوال تاريخه هي محاولته تحقيق « الاستقلال » عن السلطة التنفيذية ، ومحاولته أيضًا الإفلات من محاولات « الاحتواء » الكثيرة التي تمارسها عليه الدولة . فإلى تفاصيل الحوار.. ** يعتقد كثير من المثقفين أن الحكومات العربية فقدت القدرة على مواجهة أعدائنا، وأنها باتت ضعيفة بدرجة تهدد مستقبلنا كأمة، ما هو الحل في نظركم للخروج من هذه الأزمة ؟ الوطن العربي في خطر يأتي من الوجود العسكري المسلح نوويًا من الصهاينة ، وخطر آخر يأتي من هذا الاندماج الذي تحدثه السياسة الأمريكية بينها وبين إسرائيل في المنطقة العربية ، حتى صار الهدف الصهيوني هدفًا موحدًا يتجه ضد الشعوب العربية عامة من العراق إلى مصر ، ويبغي السيطرة الكاملة علي هذه المنطقة . من هنا فنحن نحتاج للوعي الكامل لهذا الأمر واعتباره الأولوية للنشاط السياسي الرسمي والشعبي والمعيار الأساسي الذي نحدد به السلبيات والايجابيات في مواقفنا وسلوكنا السياسي ونشاطنا الفكري وحركتنا الشعبية وسياستنا الرسمية . من هذا المنطلق فالخطوة الأولى تجاه الحل تبدأ من تبلور حركة شعبية قوية قادرة علي الحفاظ علي هذا الموقف ودعم المناعة الوطنية في بلادنا ، وخلال نضالنا السياسي ضد الاستعمار الأوروبي كان هناك قدر من الاندماج بين الحركة الوطنية التي تقصد تحرير البلاد من الوجود العسكري الأجنبي ، أو تحريرها من الضغوط الأجنبية والاستعمارية التي تقيد إرادتها الوطنية وتمنعها من تقرير ما تراه محققًا للصالح الوطني العام ، أو الدفاع عن الأمن القومي للبلاد واتخاذ السياسات التي تمكن من صد المخاطر الخارجية وتقوية البنية السياسية الداخلية لمقاومة مخاطر الغزو الأجنبي أو الضغوط الأجنبية على الإرادة السياسية الوطنية . وحتى نهاية القرن العشرين كان مضمون الحركة الوطنية هو ذلك الأمر ، إما إخراج الغزاة المحتلين ، أو كف مخاطر العدوان الخارجي أو إزاحة الضغوط المفروضة على الإرادة الوطنية ، ونحن على مدي قرن وربع القرن ندور في هذا الإطار . ** أيهما أولى برأيك .. مواجهة العدوان الخارجي على المنطقة، أم إصلاح الأوضاع الداخلية في الدول العربية؟ إننا نحيا في مرحلة من مراحل غزو واحتلال استعماري بمثل ما عرفناه في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين . فلسطين محتلة ، والعراق محتل ، والسودان يراد له أن يتفكك ، ولبنان يراد له نفس الشيء ، وسوريا يخططون ليفعلوا بها مثلما فعلوا بالعراق ، والإرادة الوطنية لغير هذه البلاد إما مسيطر عليها أو مضغوط عليها بما يشل فاعليتها ، أو مهددة بذلك ومضيق عليها ومحاصرة ، بالتهديد العسكري المباشر أو بالضغوط الاقتصادية الفعالة ، أو بتغلغل المصالح الأجنبية في الإرادة السياسية المحلية ذاتها . والأخطار هنا تتعلق بالأمن العربي القومي بعامة وبالأمن المحلي القُطْري لكل بلد من بلادنا ، وبأمن الجماعة والشعب في حياته ومصادر عيشه ، وهي أخطار ليست مظنونة ، ولكنها مؤكدة ، وليست وشيكة ولكنها حالة ومتحققة .
ومن خصائص هذه الحالة الحاضرة ، ما نلحظه من عجز الحكومات والنظم السياسية عن مواجهة هذه المخاطر ، وهو عجز يتراوح بين العجز الكلي بالنسبة لبعضها وبين العجز الجزئي ، كما أنه يتراوح بين عدم القدرة المادية على المواجهة ، وبين وهن الإرادة السياسية أو انسياقها في سياق التبعية . وعلى كل حال ، وأيًا كانت أسباب العجز والوهن ، وأيًا كانت درجات المراوحة ، فلم تَعُد النظم السياسية قادرة على مواجهة الأخطار الحالة والمحدقة بالأمة كلها ، وتجارب التاريخ تؤكد أنه عندما لا تستطيع النظم الحاكمة أن تقوم بواجبها الرئيسي في حراسة أمن الجماعة ، فيلزم أن تتولى الحركات الشعبية هذا الواجب ، وهو يتعلق بحفظ أمنها هي ووجودها ، ويلزم أن تتعدل صياغة النظم بما يمكّن من الإفساح لهذه الحركات ، ويمنح النظم مددًا يأتيها من جماعاتها السياسية .
والمطلوب هو دمج الهدف الوطني بالهدف الديمقراطي ، وتاريخنا الحديث كله يكشف عن أن هذين الهدفين كانا دائمًا مندمجين ؛ لأن تحقق الإرادة الشعبية هو ما يكفل تحقق السيادة الوطنية ، وهما سبيكة واحدة ، وأن نظم الحكم لا تقوم جدارتها في الوجود الشرعي إلا بقدر قدرتها على حفظ الأمن القومي لبلدها ، فإن هي عجزت عن ذلك آذنت بزوال ، وأن حركات التحرير في كل بلادنا المحتلة قامت على اتساع الجماعات الشعبية لتحل محل حكوماتها التي عجزت عن القيام بهذه المهمة . ** ما هي الخطوة الأولى التي ينبغي أن نبدأ بها لإصلاح نظمنا السياسية ؟ أول أسس الإصلاح السياسي بالنسبة للدولة أن تقوم هيئاتها على أسس من الصفة التمثيلية لمن يشغلها، فكل من يمارس سلطة عامة إنما يستمد شرعية ممارسته لها من تفويض له واختيار له من الجماعة السياسية ، وحق الجماعة لا يرتد إلى أحد من الخلق أبدًا ، وهو في الفقه الإسلامي مردود إلى حق الله تبارك وتعالى ؛ لأن حق الجماعة هو حق الله سبحانه ، وفي الفقه الوضعي هو مردود إلى مبدأ سيادة الأمة بحسبانها مصدر السلطات ، والجماعة لا تتجلى في هيئة واحدة ، إنما تتجلى في إرادتها العامة من خلال الهيئات المتعددة التي يوازن كل منها الآخر ويقيده ويكمله .
وما من ذي سلطة في الشأن العام ويكون أصيلاً عن نفسه في ممارستها ، وحتى ملوك أوروبا المستبدون في القرون الوسطى كانوا يستندون إلى فكرة « التفويض الإلهي » ، والوضعيون المحدثون يتكلمون عن النيابة عن الشعب حتى إن كانوا نازيين أو فاشيين ، والفقه الإسلامي يصدر عن البيعة من الأمة والنيابة عنها في إطار الشريعة الإسلامية وبشرط حراسة الدين والدنيا .
ومبدأ التمثيل بأي من هذه الأصول الفلسفية التي ينحدر منها لا بد أن يكون ذا تحقق فعلي وواقعي ، من انتخاب نزيه أو نيابة صحيحة أو بيعة تطوعية أو اختيار حر ، وهو يفقد شرعيته إذا كان مزيفًا أو كان صادرًا عن إكراه ، وقديمًا قيل : « ليس لمكره بيعة » قياسًا على « ليس لمكره طلاق » ، كما أن هذا المبدأ يفقد شرعيته إن تجاوزت الممارسة شروط الولاية أو النيابة ؛ لأنه ما من نيابة إلا وهي محدودة لا تقبل التجاوز ، ومقيدة لا تقبل الإطلاق ، ومشروطة لا تقبل الانفلات من شرطها .
وإذا لم تتحقق إرادة التمثيل أو النيابة ينكسر وعاء الشرعية في ممارسة السلطة العامة ، وتغدو الممارسة عدوانًا بحتًا من فرد أو أفراد أو جماعة محددة بعينها .
ويتفرع على ذلك وجوب أن تمارَس السلطة لا من هيئة واحدة حتى لا تحتكرها أي هيئة بمفردها ، فانفراد جهاز واحد بالممارسة خليق بأن يهيمن عليها ، إنما يكون من الضروري أن يختص كل جهاز أو هيئة بجانب من جوانب الممارسة لا يتجاوزه ، ولا يتم صدور القرار وممارسة السلطة إلا عبر هيئات ومؤسسات يشارك بعضها ويراقب بعضها ويكمل بعضها بعضًا ، ومن هنا يظهر قدر التوازن المطلوب ، وألا تملك هيئة على هيئة أخرى مكنة السيطرة عليها في وجودها أو في استمرارها فيما تتخذه من قرارات ؛ لأن الاستقلالية النسبية هي ما بها يتحقق التوازن المطلوب .
ويتفرع على ذلك أيضًا مبدأ جماعية القرار ، فلا يصدر أي قرار من فرد واحد ، أو أفراد محدودين ؛ إنما يصدر من جماعة يتوازن أفرادها بعضهم عن بعض بغير هيمنة فردية لأحدهم أو لبعضهم على الآخرين ، وذلك حذر الهيمنة الفردية من داخل أية مؤسسة تشارك في العمل العام . وجماعية القرار تتشكل وفقًا لأنماط متعددة ، منها نظام التصويت في المجالس ، ومنها اتخاذ ما يسمى القرارات المركبة ؛ إذ تتوافق إرادات عديدة من جهات عديدة على إصدار القرار الواحد .
ويتفرع على ذلك أيضًا مبدأ توقيت تولي الوظائف والمناصب العامة ، وتداول هذه الوظائف من أفراد ومجموعات متعددة ومتوالية .. والتأقيت والتداول عنصران أساسيان لكي يستقل أو يتميز العمل العام عن القائم به ، ولكي لا يتشخصن العمل العام ويفقد موضوعيته وعموميته . ** هل يمكن أن نتحدث عن إمكانية بلورة أسس لتيار سياسي عام يضم التمايزات السياسية والفكرية داخل المجتمع الواحد على أساس برنامج وطني يتفق عليه الجميع ويسعون لتحقيقه ؟ إذا تابعنا حركاتنا السياسية في نصف القرن الأخير نلحظ أن ثمة أربعة مجالات للعمل والنشاط الشعبي تتعلق بالشأن العقيدي والثقافي ، والشأن الوطني السياسي ، والشأن الديمقراطي النظامي ، وشأن التنمية والعدالة الاجتماعية ، هذه الشئون اضطربت العلاقات بين بعضها البعض ، وتوزعت الجهود وتباينت الأولويات ، وبلغت في بعض الأوقات حد التضارب ، وكان هذا مما فت في العضد وأوهن من العزيمة ، وأضعف الحصيلة ، والأخطر من ذلك كله أن الخلافات أهدرت إمكانية التراكم التاريخي لمكتسباتنا ولو كان تراكمًا بطيئًا ، وعانينا من النهايات المبتسرة للكثير والعزيز من وجوه نشاطنا وجهادنا في عقود القرن العشرين ، وانتكست نهضاتنا وانفكت حشودنا . إننا لابد أن نهتم بمراعاة الشأن العام المشترك لقوانا السياسية وتياراتنا الفكرية ، بما يمكن تسميته ببلورة أسس وأطر التيار السياسي الأساسي ، فهو ليس نافعًا فقط في المرحلة الجزئية المعيشة الآن ، لكنه صار شرطًا مسبقًا لتراكم جهودنا وحفظ مكتسباتنا الماضية وأن نصير ذوي منعة ؛ لأن الوطن ليس فقط حدودًا جغرافية وليس فقط جماعة سياسية متبلورة ، لكنه أيضًا إطار فكري يستخلص من تبين وجوه الصالح العام بعيد المدى للجماعة السياسية والمقومات الرئيسية لتكوينها الثقافي والسياسي والاجتماعي . دون نفي لوجوه التعدد والتباين وإمكانات الخلاف بشأنها .
وفي هذا الصدد لا يكفي أن تجتمع أحزاب السياسات الوطنية على أهداف سياسية معينة ، في إطار تكتيكات العمل السياسي اليومي ، وفي إطار برامج السياسات قصيرة المدى ؛ لأن وضع المسائل بهذا التأقيت وفي حدود البحث عن العاجل دون الآجل من الأهداف بعيدة المدى ، وضع المسائل هكذا من شأنه أن تنمو به نُذُر الفرقة الآجلة ؛ لاختلاف كل حزب في نظره لضوابط العاجل والآجل من الأهداف ، ولأن قضايا المستقبل الأبعد لا بد أنها ستنعكس على نظرة كل فريق بالنسبة لرؤية الحاضر ومشاكله ؛ ولأن موضوع « القيادة » السياسية سيثير نوازع التنافس بين حلفاء الفترة ذاتها ، ومن ثَم تنمو الذاتية العازلة لكل فريق عن أخيه ، وتنمو الريبة وسوء الظن وتحل آليات التفكير الفردي محل آليات التفكير الجماعي . وأنا أرى أنه لا يكفي الاجتماع على برامج الحد الأدنى أو برامج الحاضر الراهن أو المستقبل قصير المدى ، إنما يتعين في ظني ، لا أقول الاندماج ولا التوحد السياسي فهو غير مطلوب وقد يكون ضارًّا ، ولكني أقول بوجوب قيام درجة من التآخي الفكري أو التقبل والاحتمال ، بالنسبة لكل تيار فكري إزاء التيارات الأخرى ، ووجود قدر من التهيؤ للتعايش الفكري بين أهل كل فريق ، وذلك في إطار المشترك الثقافي الوطني والتاريخي ، ولا أظن أن اطمئنانًا سياسيًا يعول عليه في عمل مشترك يمكن أن يقوم مع تدابر وتنافر فكري وإحساس لدى كل جانب بأن الآخر ينفيه ، وأن ثمة خصامًا لا بد أن ينشأ وينمو في آجل الأيام الحاضرة ، وبعد انتهاء ما نسميه « العدو المشترك » ، احتلالاً أجنبيًا كان أو استبدادًا داخليًا . ** من الذي سيشكل الأساس للتيار السياسي العام ؟
التيار الإسلامي والتيار القومي يمكن أن يشكلا هذا الأساس ، وهناك وجوه للتقارب بينهما تنمو الآن ، وبوجه الخصوص مع انتصار المقاومة اللبنانية على إسرائيل ، ومع ما أفرزته الانتفاضة الفلسطينية من أوضاع جديدة على الأرض بدءًا من انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 وحتى الآن ، ومع العدوان الأمريكي على أفغانستان ثم على العراق ، ومع المقاومة العراقية الباسلة وغير ذلك .
والحقيقة أن جوانب التقارب الثقافي والفكري بين التيارين الإسلامي والقومي كثيرة وفسيحة ، ولا أريد أن أستطرد في هذا الأمر المشتهر والمعروف في كثير من كتابات العقد الماضي من مفكرين إسلاميين وقوميين ، وأن التاريخ المشترك المستند إليه واحد أو متداخل ، والجامعة السياسية الإسلامية والعربية لا يختلفان إلا اختلاف عموم وخصوص ، والتراث المشترك واحد ، والخلاف لا يتعلق بالقومية بذاتها ولا بالإسلام بذاته ، لكنه يتعلق بالنظر العلماني الذي حملته بعض تيارات الفكر القومي وكل ذلك ميسور المعالجة . ** كثيرًا ما تثار في بلادنا العربية أزمات سببها علاقة حرية التعبير بالثوابت الدينية ، كيف يمكن أن نضع حدًا لهذه الأزمات التي تستهلك الكثير من وقتنا وجهدنا ؟
المشكلة التي تثار دائمًا بين الحق في التعبير والثوابت الدينية تكتسب حدتها وصعوبة حلها من أن كلاً من العبارتين تنحدر لدى المتمسكين بها من مرجعية فكرية مناقضة للأخرى ، فالمشكلة لا تقوم بين حق التعبير وثوابت الدين بمعنييهما المتبادر ، ولكنها تقوم بين مرجعيتين فكريتين : المرجعية المتحصنة في ثوابت الدين ، والمرجعية الوضعية التي تستخدم « حرية التعبير » بوصفها مقدسًا أوجده البشر في تاريخهم الحديث ليحل محل المرجعية الدينية ، فالحرية في التعبير هنا إنما تستخدم لا للإفساح السياسي ولا لنقد الحكام ، ولكن لإزاحة ثوابت الدين أو المساس بها .
ونحن عندما نتكلم عن ثوابت الدين إنما نصدر عن المرجعية الدينية وأصولها ، والمرجعية الدينية تلزم المتدين ، واختياره لتدينه يلزمه إراديًا بحراسة ثوابت ما يتدين به ، ولا تقوم لديه مشكلة في احتكامه إلى ثوابت ما يريد أن يحفظه ، كما لا تقوم مشكلة لدى من يتحاور معه من المتدينين ؛ وذلك لاستقرار توافقهما على الاحتكام إلى ما يتوافقون على حفظه من ثوابت وأصول ومرجعيات .
إنما تقوم المشكلة عندما لا يكون الطرف الآخر في الحوار متدينًا ، ويكون صادرًا عن مرجعية وضعية يريد لها السيادة ، هنا يدور الجدال ، كما دار دائمًا في السنين الأخيرة ، على محورين متوازيين لا يلتقيان ، ولا يستطيع المتدين أن يلزم غير المتدين بموجبات التدين ، ولا يستطيع أن يلزمه بحاكمية لا يقبلها غير المتدينين ولا يقبلون حكمها ، ولعل البعض منهم يجتهد في سعيه إلى تنحيتها . ويمكن أن نتحدث في هذا الإطار عن ثلاثة ضوابط للمجادلة :
الأول : استخدام المرء للحرية يتعين ألا يخل بحقوق الآخرين ، فحريتي تقف عند أعتاب حق غيري ، ومن هنا يظهر الضابط الواجب الالتزام به في ممارسة حرية التعبير وهو ألا يسيء إلى ذوي الأديان والعقائد .
الثاني : إن الحريات أمر مكفول للشخص أو للفرد ، والمقرر المعترف به أنه إذا تعارض حق الفرد مع حق الجماعة ، وجب بذل الجهود للتوفيق بينهما ، فإن لم يكن التوفيق ، وفيما لم يمكن فيه التوفيق، يجب تقديم حق الجماعة ، ويصير حق الجماعة أولى بالمراعاة من حقوق الفرد ، وهذا المعيار ثابت في الفقه الإسلامي الذي يجعل حق الجماعة من حقوق الله سبحانه .
الثالث : حرية التعبير تتعلق بأمر بشري ، وأمور البشر نسبية ، وهي دائمًا محدودة بقيود تتعلق بحقوق الغير وحرياتهم ، والأمور البشرية تحتمل الزيادة والنقصان وترد عليها احتمالات التجزؤ . أما الثوابت الدينية فهي مطلقة سواء في الإسلام أو في المسيحية أو في غيرها ، والمطلق لا يحتمل النقص ولا الزيادة ، ولا ترد عليه تجزئة ولا تبعيض ، وهو لو انجرح لا يبقى منه شيء ؛ لذلك نهينا عن أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعضه ، ولا يمكن أن يوجد معيار يمكن به استبعاد بعض آيات القرآن واستبقاء الباقي منها ؛ ولذلك فإن حقوق البشر وحرياتهم ـ وهي نسبية ـ ينبغي أن تقف عند حدود المطلق من ثوابت الدين ، والنسبي إذا نقص يستمر الباقي موجودًا ، بينما المطلق لو نقص لا يبقي منه باق . ** بعد أن قضيت عمرك المهني قاضيًا ، ما هو الخطر الحقيقي الذي تراه يهدد استقلال القضاء في بلادنا ؟
المعركة الأساسية التي أرى أن القضاء المصري الذي أمضيت فيه عمري المهني على سبيل المثال يخوضها طوال تاريخه هي محاولته تحقيق « الاستقلال » عن السلطة التنفيذية ، ومحاولته أيضًا الإفلات من محاولات « الاحتواء » الكثيرة التي تمارسها عليه الدولة .
وهكذا فإن الكلمتان تلخيص لكل المسألة المثارة منذ نحو ست عشرة سنة في شأن العلاقة بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية ..
وهي مسألة تدور حول هذين القطبين وهما : الاستقلال والاحتواء . فالاستقلال هو الذي يضمن للوطن قضاء حرًا غير تابع لأحد ، والوطن الذي لا يقوم فيه هذا القضاء الحر غير التابع ، لا يكون بأي حال وطنًا حرًا كامل الحرية ، والوطن الذي لا يقوم فيه هذا القضاء الحر غير التابع لا يضْمن فيه حق ، ولا تُحفظ فيه حرمة ، ولا تُصان فيه كرامة ، لأن يد القوة الغاشمة تنطلق بلا رقيب ولا حسيب لتصنع ما تشاء ، آمنة من أن تخضع لسلطان القانون ، ما دام الذين بيدهم تطبيقه عليهم لا يملكون إرادتهم الكاملة ، ولا يستطيعون لأنفسهم حماية مما يراد بهم أو يكاد لهم .
والاحتواء يعني دخول السلطة القضائية تحت سيطرة إحدى السلطتين الأخرتين في الدولة ، السلطة التنفيذية وهو ما يحدث غالبًا ، أو السلطة التشريعية ، وهو نادر الحدوث ، إلا أنه يقع أحيانًا . ووقوع هذا الاحتواء يذهب بسلطة القضاء إلي حيث لا تجد لعملها أثرًا ، ولا يجد الناس لها في أنفسهم ما تستحقه ـ عندما تكون مستقلة حقًا ـ من توقير وهيبة ومكانة . (المصدر: موقع « الإسلام اليوم » نقلا عن البشير للأخبار بتاريخ 31 أوت 2006) الرابط: http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&catid=77&artid=7848  


الظلال الإقليمية لحرب لبنان:

تجذر مرعب للشمولية والشعبوية في الحياة السياسية العربية

بقلم عمرو حمزاوي (*) ستغير حرب لبنان 2006 ولفترة طويلة، خريطة اهتمامات النخب والمواطنين في المجتمعات العربية. فبعد أن تميزت السنوات الثلاث الماضية بحراك سياسي غير مسبوق، وبنقاشات موسعة حول فرص وإمكانات التحول الديمقراطي عربياً، يعود اليوم الصراع مع إسرائيل إلى الواجهة ويدفع بمأساوية لحظته الراهنة الرأي العام العربي في اتجاهات بعيدة كل البعد عن حديث الديمقراطية. تحليل عمرو حمزاوي بالقطع لم تقتصر أحداث السنوات الماضية على صناديق الانتخابات والمظاهرات السلمية المطالبة بالحريات المدنية وحقوق الإنسان، بل التأم في ثنايا مشاهدها من التفجيرات الإرهابية والعنف الطائفي والممارسات القمعية من جانب النظم السلطوية الشيء الكثير. كذلك لم يغب الصراع العربي الإسرائيلي تماماً عن الأنظار، فدوامات العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة استمرت وتسارعت حركتها في لحظات عديدة عن معدلات البداية مع اندلاع الانتفاضة الثانية. إلا أن الواقع ينبئنا أن أحداث فلسطين كانت قد أضحت جزءاً من روتين الحياة اليومية للمواطنين العرب بكل ما يعنيه ذلك من هامشية الأثر ومحدودية التفاعل، في حين بدأت أغلبية واضحة تدرك أن المخرج الوحيد من وباء الإرهاب وشبح الطائفية وجموح السلطوية يتمثل في إنجاز تحول ديمقراطي فعلي يضمن تداول السلطة ومسؤولية الحاكم والمشاركة الشعبية في تسيير الشأن العام. التركيز على الداخل بدا مجمل القوى السياسية في العالم العربي، نخبا حاكمة وحركات معارضة، كالراغبة في التخفف من عبء القضايا والصراعات الإقليمية، الذي أثقل كاهلها وأعاق تقدمها عقوداً طويلة والتركيز على التحديات الداخلية علها تصيب بعض النجاح. تراجعت، إذا ما استثنينا شرائط بن لادن والظواهري والزرقاوي، شعارات الجهاد والمقاومة والتحرير ذات الطابع الأيديولوجي شديد الحدية لتحل محلها وعود وبرامج الإصلاح الدستوري والسياسي الحكومية ومطالبة المعارضات بالشروع الفوري في تطبيقها. بالتأكيد لم تتحول المجتمعات العربية إزاء تحايل الحكام وضعف المعارضة والعنف المتواصل هنا وهناك إلى واحة للديمقراطية، إلا أن الأخيرة أصبحت مناط النظر والمعيار الأساسي للحكم على الأمور. الآن وعلى وقع الضربات التدميرية للآلة العسكرية الإسرائيلية في لبنان وأشلاء المدنيين المتناثرة في قانا والقاع وغيرهما من قرى الجنوب والبقاع، ومع تواطؤ القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة واستمرار عذابات الفلسطينيين يطل الوجه القبيح للصراعات الإقليمية ويصيغ وجدان وإدراك المواطن العربي مجدداً حول ثنائية المقاومة والاستسلام، إما مقاومة مشروع الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط أو الاستسلام والتنازل عن حق الأمة العربية الإسلامية في الوجود وحماية مصالحها المشروعة. قضايا التحول الديموقراطي تتبدل خطوط الاصطفاف السياسي في المجتمعات العربية، في المقام الأول في المشرق القريب جغرافياً من لبنان، من تباينات تستند إلى الموقف من قضايا التحول الديمقراطي إلى انقسام حدي بين نخب حاكمة تنأى بنفسها عن الصراع الدائر رافعة شعار العقلانية ومعارضات إسلامية وعروبية تتهمها بالتخاذل وتدعو إلى فتح باب الجهاد والمقاومة، بعد أن وجدت في حزب الله ونصر الله الأبطال المنتظرين. وعلى الرغم من أن البعض في صفوف حركات المعارضة، خاصة الإسلامية منها، يسعى إلى الربط بين مواقف الحكومات وغياب الديمقراطية داخلياً ويدلف منه إلى المطالبة بإصلاح جذري، إلا أن الأمر المؤكد أن عودة الصراع مع إسرائيل إلى قلب النقاش العام والحياة السياسية في العالم العربي، تضعف عملاً من أهمية قضايا التحول الديمقراطي، وتقلل بحكم حدية الانقسام بين النخب الحاكمة والمعارضة من إمكانات إنجاز خطوات إصلاحية على الأرض تقتضي قدراً أدنى من التوافق والمرونة وقبول التدرجية من القوى السياسية الرئيسية. الأخطر من ذلك، هو أن مضامين مواقف جل حركات المعارضة العربية المطالبة بالديمقراطية من حرب لبنان، إنما تدلل على شمولية وشعبوية تثير العديد من الشكوك حول المعنى الفعلي لالتزامها الديمقراطي المعلن. فالبون شاسع بين اعتماد خطاب عقلاني يروم محقاً فضح الآلة العسكرية الإسرائيلية والكشف عن جرائمها ضد المدنيين وانتقاد القبول الأمريكي والانتصار لحق اللبنانيين في المقاومة وبين استخدام مفردات عنصرية، إن ذات خلفية دينية أو عروبية، من شاكلة حرب اليهود القتلة وجرائم بني صهيون وتحالف الصليبيين والصهاينة أو التهليل اللاأخلاقي لسقوط ضحايا مدنيين في إسرائيل من جراء قصف حزب الله بعد أن نزعت صفة الإنسانية عن مواطني مجتمع اختزل وجوده في عبارة الكيان الغاصب. وليت الأمر مجرد حس شعبوي تتسم به حركات المعارضة الإسلامية والعروبية ويدفعها للتجاوب ببرجماتية مع عواطف قواعدها الجماهيرية واستغلالها لأغراض الحشد والتعبئة، بل هو تعبير عن قناعات ثابتة في قلب رؤى وبرامج هذه الحركات حالت دوماً دون اضطلاعها بواحدة من أهم وظائف القوى السياسية الساعية للإصلاح ألا وهي عقلنة مشاعر الجماهير وترشيدها ديمقراطياً عوضاً عن التلاعب النفعي بها. ادعاء الديموقراطية تلك الحركات مدعية الديمقراطية لا تدرك الجوهر اللاديمقراطي لفعل حزب الله، حركة المقاومة والجماعة السياسية، المصادر على حق حكومة لبنانية منتخبة هو أحد أطرافها في احتكار القرارات السيادية المتعلقة بالحرب والسلم والاستخدام المشروع للقوة المسلحة على أراضي الدولة أو انطلاقاً منها. نعم توحشت إسرائيل واستهدفت عموم المجتمع اللبناني بعدوانها وصارت المقاومة حقاً مشروعاً، إلا أن حزب الله تصرف كدولة داخل الدولة مستغلاً ضعف مؤسسات الحكم ومتعدياً على مبدأي المشاركة والتوافق، وهما عماد التوازن الديمقراطي الهش في لبنان. عندما تبدو نظم سلطوية حاكمة تتحايل على الديمقراطية أكثر اتزانا وعقلانية، بل وإنسانية من حركات معارضة تطالب بها، عندما تسفر قطاعات جماهيرية واسعة عن وجهها الشعبوي القبيح أو يزج بها في هذا الاتجاه لغياب القوى القادرة على ترشيد عاطفتها، يتراجع بعنف الأمل في مستقبل قريب يشهد تحولاً ديمقراطياً حقيقياً على أرض العرب. أما الدفع هنا باستثنائية لحظات الصراع الإقليمي وبإرثها الديماغوجي المتراكم في جنبات مجتمعاتنا فلا يخرج عن كونه تجاهلاً اعتذارياً لحقيقة التجذر المرعب للشمولية والشعبوية في الحياة السياسية العربية. لن تتوارى الظلال والرتوش القاتمة لحرب لبنان سريعاً، بل ستبقي معنا، نخب وجماهير، لفترة طويلة قادمة مذكرةً بأن الخاسر الإقليمي الأكبر في صيف 2006 ربما كان فرص التحول الديمقراطي في العالم العربي. (*) باحث مصري بمؤسسة كارنيغي للسلام العالمي بواشنطن (المصدر: موقع « قنطرة » الألماني بتاريخ 31 أوت 2006 نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط) الرابط: http://www.qantara.de/webcom/show_article.php/_c-492/_nr-432/i.html  


لماذا فشل الكواكبي في تطوير نظرية عن الاستبداد؟
رضوان زيادة (*)      إن التفكير في الاستبداد ملازمٌ للتأمل في نمط إدارة الدولة، أي أن البحث في أسباب طرق السيطرة والعسف في استخدام السلطة يقود بالضرورة إلى بلورة نظرية عن الاستبداد كشكلٍ من أشكال السلطة التسلطية (الأتوتارية) أو الشمولية (التوتاليتارية). إذا عدنا إلى جذور التفكير في الاستبداد كنظرية قائمة على استثمار موارد الدولة لمصالح خاصة تحتكر السلطة وتعيد إنتاج الدولة ذاتها كأحد تعبيرات السلطة أو مفرزاتها، لوجدنا أن ماكيافيلي كان أول من اعتبر أن السلطة السياسية قوة يتم امتلاكها لأجل إقامة الدولة، بل إنه قد فكّر في الدولة كقوة تقوم على الضرورة والتدخل في الواقع لأجل التحكم فيه، إذ ليست الدولة وسيلة لتحقيق السعادة أو الفضيلة أو الحكمة كما رأى أفلاطون وأرسطو، بل هي قوة فعّالة غايتها التسلط والإكراه. بيد أننا إذا عدنا إلى جيرار ميري الذي يعد من أبرز دارسي ماكيافيلي لوجدناه يؤكد أن أصالة ميكافيلي تكمن في كونه أعاد التفكير في السياسي إلى بنية العالم التاريخي، وهو بذلك هيّأ للحداثة السياسية الطريق لبناء الدولة التاريخية على أسس إنسانية، أي على توازن القانون والقوة. فلم تعد السياسة مجالاً يحكمه الإلهي، ولا هي تحقيق لتخطيط أو غائية تفرض ذاتها على حياة البشر من الخارج على حد تعبير منصف عبدالحق في بحثه الجيد عن جذور فكرة الاستبداد في العقل السياسي الحديث. لكن المبدأ الذي حكم السياسة وفقاً لأمير ماكيافيلي كان قائماً على السيكيولوجيا الخاصة بالطبيعة البشرية، إذ على الأمير ألا يبني سلطته على الأخلاق ومبدأ الفضيلة، بل على فساد الطبيعة البشرية وتناقضاتها الداخلية، لذلك، ينصح ماكيافيلي الأمير بضرورة إقامة سياسته على القوة والترهيب أكثر من الرأفة واللين. فالحق الوحيد الذي تقوم عليه سلطة الأمير هو حق القوة، وسيادة الأمير تقوم على خوف الرعايا «فلا يتردد الناس في الإساءة إلى ذلك الذي يجعل نفسه محبوباً بقدر ترددهم في الإساءة إلى من يخافونه، إذ إن الحب يرتبط بسلسلة من الالتزام التي قد تتحطم بالنظر إلى أنانية الناس عندما يخدم تحطيمها مصالحهم، بينما يرتكز الخوف على الخشية من العقاب، وهي خشية قلما تمنى بالفشل»، وعلى ضوء ذلك، يمكن اعتبار كتاب عبدالرحمن الكواكبي «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» كمرآة معاكسة ونقيضة لما كتبه ماكيافيلي، ذلك أن الكواكبي كان همه لدى كتابة الكتاب تحذير الناس من أن «أصل الداء هو الاستبداد السياسي ودواؤه دفعه بالشورى الدستورية». لكن – الرحالة ك – وهو الرمز الذي أطلقه على نفسه عند نشره الكتاب أراد دراسة الآثار التي يخلفها الاستبداد على أحوال الناس ومعاشهم أكثر من رغبته في دراسة أصول نشوء الاستبداد أو حتى تطوير نظرية خاصة به لأن ذلك كما ذكرنا في البداية يتطلب تطوير رؤية خاصة سابقة عن الدولة وآليات تشكيلها، والكواكبي أراد قراءة تضاعيف الاستبداد على نمط الدولة العربية – الإسلامية الموجودة في زمانه. إن الجو الفكري الخانق في سورية في تلك الفترة جعل الكواكبي وجميع رفاقه من أهل القلم الذين رغبوا في التعبير عن أفكارهم أكثر من رغبتهم في التملق للسلطان يهاجرون إلى مصر التي قدمت حرية أوسع للتعبير، وقد ظهرت القاهرة باعتبارها المركز الفكري للشرق العربي، ومرتعاً لولادة المثقفين الجدد، ذلك أنها قامت جزئياً بوظيفة الملاذ والمأوى للشخصيات السياسية والفكرية المخالفة في الرأي في الامبراطورية العثمانية. فعبدالحميد الزهراوي هرب عام 1902 إلى مصر، أما طاهر الجزائري فقد هاجر إليها عام 1907 واستقر كل من رشيد رضا والكواكبي فيها. فالكاتب كان مطارداً ومنفياً، وتجربته في إصدار الصحف كالشهباء والاعتدال دليلٌ آخر على ذلك، مما جعل كتابه يمتزج بالكثير من التجربة الشخصية وانفعالات الموقف المباشر (وهو ما منعه) – على رغم رياديته – من العودة الى التفكير في أصل الاستبداد التاريخي أو القانوني على ما وجدنا عند هوبز مثلاً. فالاستبداد بالنسبة إليه هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف، كما أن صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين. وأشكال هذه الحكومة المستبدة تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق الذي تولّى الحكم بالغلبة أو الوراثة، وتشمل أيضاً الحاكم الفرد المنتخب متى كان غير مسؤول، وتشمل حكومة الجمع ولو منتخباً، لأن الاشتراك في الرأي لا يدفع الاستبداد. بيد أن أشد مراتب الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز سلطة دينية. ولنا أن نقول: كلّما قلّ وصفٌ من هذه الأوصاف خفّ الاستبداد. فالكواكبي يعيد الاستبداد إلى محض تفرد بالقرار وبالأمر والنهي، إنه نمطٌ من مماهاة ماكيافيلي ولكن بطريقٍ معاكس، فإذا كان الأخير يوجه نصائحه إلى الحاكم أو الأمير ليضمن له سيطرته المطلقة، فإن الكواكبي يحاول توصيف الاستبداد على أساس السيطرة المطلقة نفسها. إن السلطة السياسية تستوجب قوة السلطة لتضمن احترام البشر للقوانين، فالسيادة هي الأساس الذي يجعل هذه السلطة مطلقة ودائمة داخل الدولة، أو هي الأساس الذي تقوم عليه هذه السلطة والذي بموجبه تسمى «سلطة السيادة»، فبالنسبة الى جان بودان تُعتبر السيطرة المطلقة نمطاً من أنماط تضخم السيادة لدى السلطة، لكنها لا بد تنزع تدريجاً باتجاه إعادة دور المجتمع ضمن الدولة ذاتها، وعلى ذلك تكون السلطة المطلقة مرحلة تاريخية لا تلبث الدولة ذاتها أن تراجع نفسها لإعادة تحديد وتعريف دورها. هنا الأمر مختلف كلياً لدى الكواكبي الذي ينظر إلى الاستبداد كداءٍ لا بد من التخلص منه بأي ثمن ومهما كان الثمن، من دون أن يحاول النظر في العلاقة بين الإرث التاريخي للاستبداد وبين مأسسة هذا الاستبداد عبر تقعيد أطر بناء الدولة الحديثة. ذلك أن احتكار ممارسة السلطة عبر سيادة الدولة حوّل الوظائف السياسية للدولة إلى نمط من ممارسة سلطة الحكم التي اختُزلت في الحاكم الذي اعتبر صلاحياته المطلقة مرتبطة بالالتزام بفكرة السيادة. في الواقع، فإن الإطار التاريخي لبناء الدولة في الفكر الغربي قيّد هذه السيادة وقصرها على ما يسمى سلطة القانون، فالحاكم لا يكون مطلق الصلاحية والسيادة إلا بمدى التزامه بفكرة القانون، وعلى رغم أن فكرة القانون تُعد أقدم من فكرة السيادة ذاتها، إلا أنها غابت تماماً عن تفكير الكواكبي لدى تفكيره في الاستبداد. وبرأيي، فإن أكبر تحدٍ منع الكواكبي من تجاوز فكرة طبائع الاستبداد إلى آليات تدميرها في الثقافة العربية والإسلامية يعود إلى عدم قدرته على إنجاز القطيعة في المزاوجة بين فكرة القانون الوضعي والقانون الإلهي. إذ يعرف الكواكبي الاستبداد على أنه «يد الله القوية الخفيّة يصفع بها رقاب الآبقين من جنة عبوديته إلى جهنم عبودية المستبدين الذين يشاركون الله في عظمته ويعاندونه جهاراً» كما أن الاستبداد هو «نار غضب الله في الدنيا» ومرة أخرى يزيد في تعريفه بأنه «أعظم بلاء، يتعجل الله به الانتقام من عباده الخاملين، ولا يرفعه عنهم حتى يتوبوا توبة الأنفة». وعلى رغم أن الكواكبي يقر «أن الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني، إذ هما أخوان؛ أبوهما التغلب وأمهما الرياسة، أو هما صنوان قويان، بينهما رابطة الحاجة إلى التعاون لتذليل الإنسان»، إلا أنه ما استطاع فك الارتباط في أن تحالف الاستبدادين إنما يعود إلى غلبة السياسي نفسه على هيمنة كل حقول الحياة بما فيها الديني نفسه على اعتبار أنه الأفعل والأكثر تأثيراً في المجتمعات العربية والمسلمة. قد يقال ان الكثيرين ممن طوّروا فكرة القانون ذاتها بدءاً من جون لوك ومونتسكيو وجان جاك روسو قد حاولوا تأسيسها في محاكاةٍ لفكرة القانون الإلهي ذاتها، فمثلاً ربط جان بودان قوانين الدولة التي هي قوانين طبيعية في رأيه – بالقوانين الإلهية التي تشمل الفضائل والقيم والتي قد تعصم الحاكم من السقوط في شراك الطغيان السياسي، لكن كما هو واضح – فإن نظرية الإلهي داخل نظرية الدولة عند بودان تعد تدخلاً للاأخلاقي (لا الثيولوجي). فالأخلاق ظاهرة بشرية، وبودان يعد حريصاً على أن تكون هذه الأخلاق والفضائل جزءاً من الغايات التي تختارها الدولة بدل أن تكون قيماً تفرض على السياسي من خارج دائرته الخاصة، وهكذا أسس بودان فكرته في بناء الدولة أو لنقل بعبارة أدق هيكلة الاستبداد السياسي على فكرة القانون محاكياً إياها من فكرة القانون الإلهي المقدس في السلطة والسيادة، لكن، مع هوبز سيغيب قانون الله لتبقى قوانين الطبيعة وحدها، وسيحسم العقل السياسي الحديث بالتالي تردد بودان وهو يفكر في الدولة بين قوانين الله وقوانين الطبيعة. وسيتقدم خطوة باتجاه فكرة القانون وسيعود خطوات باتجاه مأسسة فكرة السيادة على أسس وضعية، أي أنه سينقل عباءة الاستبداد من الديني إلى السياسي بحجة بناء الدولة صاحبة الحق الوحيد في احتكار شرعية استخدام العنف. لأجل ذلك، يبرر هوبز الإكراه كحق طبيعي لأن (المنتصر له حق إكراه المهزوم، كما أن للأقوى حق إخضاع الأضعف) ولذلك يضع هوبز كل الحقوق بيد الدولة وأولها بالتأكيد حق الإكراه مؤسساً إياه على قانون الطبيعة ذاته، تلك الطبيعة التي تسمح لكل فرد بأن يكره غيره بالخضوع له طالما أنه أقوى منه فيزيائياً. إذاً على رغم التعرجات التاريخية التي مر بها التفكير في نظرية الاستبداد، فإن ذلك اعتمد وأسس على فكرتين محوريتين هما فكرتا الحق والقانون، وهما للأسف لا تغيبان عن تفكير الكواكبي في إزالة مخالب الاستبداد. دعونا ننتقل إلى الفصل الذي خصصه الكواكبي للحديث عن التخلص من الاستبداد، والذي ربما فيه نجد بعض أنوية التفكير في فكرتي الحق والقانون لديه. إذ يقرر الكواكبي أن «شكل الحكومة هو أعظم وأقدم مشكلة في البشر، وهو المعترك الأكبر لأفكار الباحثين» ثم ينتقل إلى ما يعتبر جوهر فكرة بناء الدولة وهي العلاقة بين الحاكم والمحكومين، إذ يعرف الاستبداد على أنه هو «الحكومة التي لا يوجد بينها وبين الأمة رابطة معينة معلومة مصونة بقانون نافذ الحكم» ثم يعدد المباحث المتعلقة بذلك، ويبدأ بتعدادها وشرحها على شكل أسئلة استفهامية واستنكارية من دون الوصول إلى نقطة أبعد من ذلك. والمباحث التي يعددها تتمحور حول الأمة أو الشعب، وما هي الروابط التي تجمع بين مكونات هذه الأمة؟ هل هي روابط دين أو جنس أو لغة ووطن وحقوق مشتركة وجامعة سياسية اختيارية. ثم يعرف الحكومة متسائلاً هل هي سلطة امتلاك فرد لجمع، أم هي وكالة تقام بإرادة الأمة لأجل إدارة شؤونها المشتركة العمومية، ثم ما هي هذه الحقوق العمومية؟ وهل هي حقوق آحاد الملوك، أم – بالعكس – حقوق جمع الأمم؟ وما معنى التساوي في الحقوق ومنها الحقوق الشخصية. وما هي نوعية الحكومة ووظائفها؟ ثم يذكر عدداً من هذه الوظائف كحفظ الأمن العام وحفظ السلطة في القانون، وتأمين العدالة القضائية، وحفظ الدين والآداب، وتعيين الأعمال بقوانين. ثم يفرد مبحثاً للحديث عن تعريف القانون وقوته، وضرورة التفريق بين السلطات السياسية والدينية والتعليم. قد يبدو ذلك مناقضاً في ظاهره لما أوردناه آنفاً من غياب فكرتي الحق والقانون عن رؤية الكواكبي في الاستبداد، لكن الأمر معاكس لذلك تماماً، إذ ان فكرتي الحق والقانون لدى الكواكبي بعديتان وليستا قبليتين بحسب تعبير كانط. ذلك أنهما تاليتان لتأسيس الحكومة وليستا سابقتين عليهم. وهو جوهر التفكير الحقوقي والقانوني، فالحق جزءٌ من الطبيعة البشرية وجملة حقوقه في الحياة والمسكن والمشرب والمأكل هي جزءٌ من ذاته الإنسانية لا يحق لأحد حرمانه منها ولا حتى الإشعار بالتكرم لدى منحها. إنها جزء من وجود الإنسان. وعندها يكون تأسيس فكرة الحق بصفتها إعادة تعريف وتوسيع للحقوق حتى يتم ضمان كفالتها للجميع تأسيساً على حق المساواة ذاته، وهنا تتأسس فكرة القانون كصنو لفكرة الحق وكنظير لها. بيد أن الكواكبي فكّر في الحكومة بصفتها إطاراً لا بد منه، لكن عليها أن تعي أن لمواطنيها حقوقاً عليهم الالتزام بها وتطبيقها، وهو ما يفقد فكرة الحق قوتها وألقها ويجعلها أشبه بشكل من أشكال السياسة الطبيعية التي تختلف في صلاحها أو عدم صلاحها، وهي مسألة تخضع لوجهات النظر. وبذلك تكفّ عندها فكرة الحق ذاتها عن الإشعاع بصفتها الأصل وتصبح مجرد رأي للنقاش وهي ما استطاع الفكر الدستوري الغربي التخلص منه عبر بلورة مفهوم التعاقد الاجتماعي وإعادة بناء أسس الشرعية الدستورية. بيد أنه وعلى رغم ذلك كله، لِمَ لم تستكمل محاولة تأسيس الكواكبي على محدوديتها لدى فكر النهضة في ما بعد، أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال تطول، ذلك أن الإجابة هنا تتعدى الفكري لتدخل في السياسي – الاجتماعي وهو ما لا بد من مراجعته حتى نستطيع اليوم نزع قلاع الاستبداد المتكاثرة في بلادنا العربية. (*) كاتب سوري (المصدر: ملحق « تـراث » بصحيفة الحياة الصادرة يوم 2 سبتمبر 2006)  


حزبان إسلاميان مقابل حزبين قوميين …

صعود في شعبية الإسلاميين الأكراد العراقيين في مواجهة استئثار العلمانيين بالسلطة

أربيل (شمال العراق) – نزار آغري      قبل نحو أسبوعين حذر مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، من ظهور حركة «على شاكلة حركة حماس الفلسطينية» في كردستان، مالم يتصرف الحزبان الكرديان الرئيسان بحكمة وحذر. والحزبان اللذان يقصدهما بارزاني هما الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يرأسه هو شخصياً والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يرأسه جلال الطالباني رئيس الجمهورية العراقية الحالي. وجاء هذا التحذير في أعقاب مطالبة الأحزاب الإسلامية الكردية بضرورة «تطبيق الشريعة الإسلامية» في المجتمع الكردي الذي يعيش حالاً شبه مستقلة عن بقية أنحاء العراق. يعكس هذا الأمر إلى حد ما الشعبية المتنامية للأحزاب الإسلامية مثل الاتحاد الكردستاني الإسلامي والجماعة الإسلامية الكردستانية التي يترأسها الشيخ علي بابير الذي اعتقلته القوات الأميركية ووضعته في سجن كوبر في مطار بغداد مع قادة حزب البعث العلماني لمدة 22 شهراً. وتمكن 15 نائباً من ممثلي التيار الإسلامي من الوصول الى البرلمان الكردستاني، من بينهم ستة يمثلون جماعة علي بابير إضافة الى 9 نواب يمثلون الاتحاد الإسلامي. وينشط الإسلاميون في شكل علني في كردستان العراق، غير ان الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديموقراطي الكردستاني يراقبانهم عن كثب. ويتحرك النواب الإسلاميون في البرلمان ويتصدون للكثير من القضايا التي يعتبرونها مخالفة للإسلام، مثل مسودة الدستور لأنها لم تذكر اسم الله ولم تتطرق إلى الإسلام والشريعة. وهم وجهوا كتاباً الى رئيس البرلمان لإيقاف العمل بالدستور وشددوا على ضرورة إدراج فقرة تشدد على أن الدين الرسمي للإقليم الكردي هو الإسلام. ويشير جوست هيلترمان، مدير مشروع الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من بروكسيل مقراً لها إلى أن «من الممكن أن يتحول الحزب الكردستاني الإسلامي مع مرور الوقت إلى منظمة تفرخ الراديكاليين، لا سيما إذا انضم إليه العديد من الأفراد واكتشفوا لاحقاً أن سقف الحزب محدود فحينها سيتوجهون رأساً إلى الجماعات الأكثر تشدداً». غير أن سارا كلير، المتخصصة في القضايا الكردية في جامعة كينت في بريطانيا تستبعد مثل هذا التوجه وتؤكد أن «من غير المرجع أن يتجاوب الأكراد مع دعوات الأصوليين كتلك التي يطلقها الإخوان المسلمون». إلا أن المتتبعين للحالة الكردية يلفتون الانتباه إلى أن الأحزاب الإسلامية الكردية تستقطب أعداداً متزايدة من المتعاطفين. ولا يعود ذلك في كثير من الحالات إلى إيمان هؤلاء بإيديولوجية هذه الأحزاب بل إلى الاستياء من الأحزاب العلمانية الكردية التي تسيطر على المشهد السياسي الكردي منذ عقود طويلة. ويتفق مع هذا الطرح المحللون السياسيون الذين رصدوا فعلاً وجود خيبة أمل متنامية لدى الأكراد تجاه الحزبين العلمانيين المسيطرين، الديموقراطي والاتحاد الوطني، ما يدفع العديد منهم إلى منح أصواتهم لمصلحة الأحزاب الأخرى. ولا تنكر الأحزاب الكردية العلمانية هذه الظاهرة وهي تربطها باستشراء الفساد الذي بات ينخر المجتمع الكردي، لكنها تؤكد في الوقت نفسه أن حزب «الاتحاد الكردستاني الإسلامي» نفسه لن يستطيع حل المشاكل المستعصية، بخاصة تلك المرتبطة بمعدلات البطالة المرتفعة، أو جذب الاستثمارات الأجنبية التي لن تعالج مادام العنف مستشرياً في عموم العراق. وتشكو الأحزاب الإسلامية من تعرضها للإقصاء على يد الأحزاب الكردية العلمانية التي تدير شؤون الإقليم الكردي. يقول الشيخ بابير، أمير «الجماعة الإسلامية»، إن «العلمانيين الاكراد انفردوا بكل شيء من جهة الأمن والمال والنفوذ والسلطان والاعلام، ولم يبق للإسلاميين سوى إسلامهم وقرآنهم فقط». غير أن هذا القول يجانب الحقيقة إلى حد كبير. والحال أن الجماعات الإسلامية تتمتع بالحرية في ممارسة نشاطها ولا تتعرض لها الحكومة بأي تضييق طالما التزمت العمل السلمي بعيداً من العنف. وتتلقى جماعة علي بابير نفسها نحو 50 الف دولار من حكومة كردستان. وهي تدير 20 مقرًا حزبياً في بغداد وكركوك ومعظم المدن الكردية إضافة الى محطات تلفزيونية محلية وعدد من المحطات الإذاعية تتحدث باسم «الجماعة الإسلامية الكردستانية». وعلي بابير نفسه يقيم في حي الفيلات الراقي في مدينة أربيل الذي يطلق عليه الناس تندراً اسم « حي الدولارات». وأمام فيلا أمير الجماعة الإسلامية الكردستانية ثمة وجود أمني مكثف ولكنه ليس من عناصر البيشمركة بل من من أنصار جماعة الأمير نفسه. وأما الفيلا المقابلة لمسكن الأمير فإنها مقر سكني للأمن الخاص به. وتراهن الأحزاب الإسلامية الكردية على الجانب الديني والأخلاقي للتسرب إلى قلوب الأجيال الشابة وعقولها. ويشير برنامج الحركة الإسلامية في كردستان العراق إلى ضرورة إبداء المواعظ وتبني مسألة الجهاد لإنقاذ البلد من قوى الكفر والإتيان بحكم القرآن والاعتماد على القرآن والسنّة النبوية. وفي الجانب السياسي تؤمن الحركة بالأممية الإسلامية وبكون الشعب الكردي المسلم جزءاً من الأمة الإسلامية، وتمحض الحركة دعمها للحركات الجهادية الإسلامية في أفغانستان وفلسطين والبوسنة والجزائر وغيرها. ويحتل الحديث عن القدس وكشمير والشيشان مساحة أكبر من الحديث عن كركوك التي يجمع الأكراد على ضرورة إرجاعها إلى إقليم كردستان بعد أن كانت حكومة صدام حسين سلختها ونفذت بحقها سياسة تعريب واسعة. أما «الاتحاد الإسلامي» فقد تشكل في كردستان العراق في حزيران (يونيو)1994. ويعتبر الاتحاد نفسه امتداداً لحركة الإخوان المسلمين التي تشكلت في العراق في الخمسينات. وعلى رغم أن الاتحاد أحدث نسبياً من الحركة الإسلامية، إلا أنه أكثر شعبية وبالأخص في المدن. وعلى عكس الحركة التي تتبنى الجهاد يشير «الاتحاد الإسلامي» في المادة الأولى من منهاجه إلى كون الاتحاد (حزب سياسي إصلاحي يجاهد لحل كل القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية من منظور إسلامي). ولـ «الاتحاد الإسلامي» في كردستان العراق صلات وثيقة بحزب «الرفاه الإسلامي» في تركيا وحركة «الإخوان المسلمين» في مصر. وإضافة إلى هذين التيارين الرئيسين، فإن هناك فصائل إسلامية تظهر بين آونة وأخرى ولديها نشاطات محدودة منها حركة النهضة الإسلامية التي انشقت عن الاتحاد الإسلامي وانضمت في أواخر عام 1999 إلى الحركة الإسلامية. وكذلك «حزب الله الثوري الكردي» وهو حزب صغير يترأسه أدهم البارزاني ابن أخ الشيخ محمد خالد البارزاني الشخصية الدينية العشائرية الأبرز لدى البارزانيين. وتتبنى هذه الأحزاب خطاباً لا يختلف كثيراً عن الخطاب الذي تتبناه الأحزاب والحركات الإسلامية الأخرى في منطقة الشرق وهي تتشابه إلى حد التطابق لجهة الموقف من المقولات الشائعة كالديموقراطية والعلاقة بين الشرق والغرب والجهاد والموقف من المرأة وما شابه. وفي كتاب منشور باللغة الكردية يعيد علي بابير أمير «الجماعة الإسلامية» تأكيد ما سبق وشدد عليه منظرو الإسلام السياسي حول تحريم الديموقراطية على أساس أنها «تعني عدم الإيمان بالخالق» وأنها « بديل للدين وقرارات البرلمان المنتخب ديموقراطياً لها صفة الإلزام وتكون بديلة عن الشرع الإسلامي». ولكن على رغم العداء الكبير الذي تبديه الحركة الإسلامية للديموقراطية، فإنها شاركت في الانتخابات البرلمانية في كردستان. ويبرر علي بابير مشاركة الحركة في الانتخابات البرلمانية كما يلي: بالقول إن مشاركة المسلمين في البرلمان حرام، وبالأخص في حالة الإيمان بشرعية البرلمان. ولكن على رغم هذا التحريم، من الجائز أحياناً المشاركة على أساس القاعدة الفقهية الضرورات تبيح المحظورات. ويتعامل «الاتحاد الإسلامي» بصورة أكثر مرونة مع صيغة الديموقراطية على رغم عدم الإيمان بها في الجوهر. وهو يشير في منهاجه إلى حق الشعب في اتخاذ السلطة السياسية بطريقة ديموقراطية من دون الإشارة إلى السلطة التشريعية. ويشير الاتحاد إلى حرية الاعتقاد في الإسلام التي تقتضي التعددية السياسية والفكرية ويورد الاتحاد شرطاً على ذلك وهو «إطار القيم العليا». وفي منهاج الاتحاد وخطابه السياسي يتم اللجوء إلى مصطلح الديموقراطية في شكل حذر ونادر للغاية في حين أن الحركة الإسلامية لا تستخدم هذا المصطلح أساساً. ولكن الاتحاد ومن جانب آخر لديه فهمه الخاص للديموقراطية، فمنهاجه يشير إلى «أن الشورى تحقق العدل في الحكم وتضمن الحريات العامة».أما حول الاشتراك في الحكومات التي لا تقاد من الإسلاميين، فإن الحركة تجيز ذلك وتسمح به استناداً إلى سورة يوسف «قال اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظ عليم»، أي أن يوسف طلب أن يكون مسؤولاً للاقتصاد والمالية على رغم كون الحكم للفراعنة. لكل هذا فإن ثمة ما يبرر حقاً خشية الأحزاب العلمانية الكردية من تنامي نفوذ الإسلام السياسي في المجتمع الكردي لمسعود البارزاني الحق في التحذير من ظهور «حماس كردية» قد تقلب الطاولة على الجميع. (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 2 سبتمبر 2006)  


كتيب يغوص في أخبار «التراث» ويتجاهل تفريعات الفقهاء والمتكلمين …

مقاربة بين أخلاق العرب والمسلمين في «القتال» ومواد اتفاقات «جنيف»

الرياض – مصطفى الأنصاري     أخرجت اللجنة الدولية للصليب الأحمر كتاباً أشبه بالمطوي في حجمه، غير أنه حكى بلغة الرسم والصورة مقاربة فريدة بين موروث «الحضارة الإسلامية» ونصوص اتفاقيات حقوق الإنسان العالمية والبرتوكولات الملحقة بها. ومع أن الكتاب الذي عثرت عليه «الحياة» في رف قصي في معرض للهلال الأحمر السعودي، غاب عنه التنظير الفقهي والديني إلا أنه بالإشارة إلى المرويات الموثقة من التاريخ العربي والإسلامي، استطاع أن يبرز توافقاً كاد يكون حرفياً بين تلك الأخبار والمادة القانونية التي أضحت قانوناً عالمياً، من خلال نشره الخبر والمادة التي تقابله في الصفحة نفسها! فبينما نقل عن الفخر الرازي في تفسيره «مفاتيح الغيب» قوله: «النفس الإنسانية أشرف النفوس في هذا العالم والبدن الإنساني أشرف في هذا العالم»، أثبت في الجانب المقابل نص المادة الثالثة في اتقافيات جنيف الأربعة لعام 1949 على أنه يحظر على أطراف النزاعات المسلحة غير الدولية: أعمال العنف ضد الحياة والشخص. (كما) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص التحقير والمعاملة المزرية. وفي موضوع تالٍ أورد من كتاب «الحضارة العربية في القرن الرابع الهجري» لآدم ميتز، أن «الخليفة العباسي المعتصم بالله أخذ أحد حصون أرمينية عنوة بعد معركة دموية، فأمر أن لا يفرق بين أعضاء العائلات التي وقعت في الأسر»، ويقابله نص المادة 82 من اتفاقية جنيف الرابعة 49 في شأن حماية المدنيين وقت الحرب، على أن «يقيم أفراد العائلة الواحدة، وعلى الأخص الوالدان والأطفال طوال مدة الاعتقال في معتقل واحد». ولم ينس إيراد توجيهات الخلفاء الراشدين مثل أبي بكر وعمر وعلي لجيوشهم أيام الفتح الإسلامي وإن لم يجد مثيلاً تاماً لها في القانون الدولي، ما يرجح الكفة لصالح الإسلامي، فعندما أورد وصية علي رضي الله عنه الشهيرة في قوله «إذا هزمتموهم، فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل، ولا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً إلا بإذن، ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً، ولا تعذبوا النساء بأذى وإن شتمنكم وشتمن أمراءكم، واذكروا الله لعلكم ترحمون»، لم يجد المنتقي أفضل من نص المادة 76 من البروتوكول الأول لعام 77 على أنه «يجب أن تكون النساء موضع احترام خاص، وأن يتمتعن بالحماية، ولا سيما ضد الاغتصاب والإكراه على الدعارة». ولا يسع المتصفح للكتاب أن يتجاهل براعة المنتقي في اختيار نماذج مشرقة، غير قابلة للتأويل، منذ بداية العهد الراشدي حتى آخر مغازي صلاح الدين، الذي كانت أخباره الأكثر وروداً في المطوي، كما لم يتجاهل أياً من عهود الدولة الإسلامية الماضية، الراشدي والأموي والعباسي والفاطمي. والمبدع للفكرة كما أشار الكتاب وهو محيي الدين اللباد، بذل جهداً إضافياً في محاكاة الأخبار التاريخية برسم بديع، يعود أيضاً للحضارة الإسلامية، وبدا أثناء إشارته للمصادر أن الرسوم وحدها احتاجت وقتاً، فهناك رسم أخذ من مخطوطة «مقامات الحريري» المحفوظة في دار الكتب الوطنية بباريس، وآخر من مخطوطة «دعوة الأطبا» المحفوظة لدى مكتبة الأمبروزيانا بميلانو، وهكذا كان الحال في بقية المخطوطات النفيسة، والراقدة في عواصم فرنسا وإيطاليا وبريطانية والفاتيكان وغيرها. وفضلاً عن كشف المطبوع سبق الإسلام في تقنين «حفظ حقوق الإنسان في الحروب»، فإن مخرجيه أنفسهم يقرون بأن ذلك السبق لم يستدرك بعد، إذ لا يزال « الفقهاء المعاصرون يطالبون بمزيد من الحماية لضحايا النزاعات المسلحة (…) إضافة إلى ما تزخر به كتب الفقهاء (الأقدمين) الكثيرة من الكتابات تحت مصنف السير أو المغازي، حيث أضافوا التفريعات تكملة للأصول وواصلوا الأحكام». ويختمون بما يمكن أن يعتبر غاية المطوي الكبرى وهو أن العرض يوضح للعربي والمسلم أن «قواعد القانون الدولي الإنساني لا تخرج عن عباءة الإسلام بأي حال، بل إن الكثير من قواعده تجد مصادرها في هذا الدين الحنيف وعلى ذلك فإنه من السهل على الإنسان إذا ما عرف أن قواعد القانون الوضعي تفرض عليه احترام قواعد معاملة ضحايا النزاعات المسلحة، وأن الأمر فوق كونه قاعدة وضعية فهو قاعدة إنسانية استقرت وترسخت في الوجدان الإنساني تخاطب فيه إنسانيته فيحرص على احترامها وصون أحكامها». لكن المعضل الأزلي يبقى في تطبيق «المثل» أياً كان مصدرها، إذ عند التطبيق وحده يكون السقوط، ولهذا يشير رئيس هيئة حقوق الإنسان في السعودية خالد السديري إلى أنه «بعد قراءة مستفيضة لما كتب عن حقوق الإنسان وقوانينها، وجدت أن معظمها يتفق مع ما في الشريعة الإسلامية إن لم يكن أخذه منها، لذلك ما يهمنا هو التطبيق» في إشارة إلى أهمية تجاوز الحساسية من مصطلح «حقوق الإنسان» الذي ظل جرسه غربياً. بيد أن «العيب» أن يكون رغم ذلك «الخطاب الإسلامي» لا يزال نصيب حقوق الإنسان منه ضيئلاً، كما عالج رجل الدين السعودي الشهير حسن الصفار في كتاب حمل عنوان العيب نفسه «حقوق الإنسان في الخطاب الإسلامي»! (المصدر: ملحق « تـراث » بصحيفة الحياة الصادرة يوم 2 سبتمبر 2006)


تغريم مدير جوازات مكة 500 ريال

مكة المكرمة / في خطوة تستهدف الحد من التجاوزات والمحسوبية فاجأ مدير جوازات العاصمة المقدسة العقيد عائض اللقماني عددا من ضباط وافراد ادارته بشعبة الاقامات بتغريم نفسه«500ريال»لتأخره عن تجديد اقامة خادمته الآسيوية. وبين العقيد اللقماني لكافة الادارة ان الانظمة والقوانين لا يمكن ان تطبق بحق اخرين دون غيرهم مؤكدا انه متى ما وجد العدل داخل الادارات فسيكون النجاح الحليف الدائم لها. (المصدر: موقع نسيج الاخبارية 2 سبتمبر  2006 )

 

Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

6 décembre 2006

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 7 ème année, N° 2389 du 06.12.2006  archives : www.tunisnews.net Monia Ibrahim: Appel Urgent FIDH-OMCT:

En savoir plus +

18 mars 2005

Accueil TUNISNEWS 5 ème année, N° 1763 du 18.03.2005  archives : www.tunisnews.net المجلس الوطني للحريات بتونس: سلسلة من الانتهاكات

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.