الأحد، 2 أغسطس 2009

 

في كل يوم، نساهم بجهدنا في تقديم إعلام أفضل وأرقى عن بلدنا، تونس  

Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre pays, la Tunisie. Everyday, we contribute to a better information about our country, Tunisia

TUNISNEWS

9 ème année, N 3258 du 02.08 .2009

 archives : www.tunisnews.net


حــرية و إنـصاف:خبر عاجل رفع المحاصرة الأمنية عن منزل الصحافي عبد الله الزواري ووقف المتابعة والمراقبة اللصيقة لتنقلاته

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان – فرع القيروان:إعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام

قدس برس:إعلامي تونسي: مرصد الانتخابات الحكومي ضربة لمطلب المعارضة

رشيد خشانة:الإدارة الأميركية الجديدة مهتمة بمسألة الحريات في تونس

الصّباح:في منتدى الذاكرة الوطنية:جدل ساخن حول حسن العيادي في تصفية اليوسفيين

الصباح:الطبقة الوسطى في تونس: رفاه اجتماعي وعيش كريم.. لكن ماذا عن التداين؟

الشروق:غذاء التونسي والأمراض المزمنة: الأكلات السريعـــــــــة في قفص الاتهام والحل في طعام الأجـــــــداد

الصباح:في الشارع، داخل العائلة وفي المدرسة: العنف اللفظي يصـــمّ الآذان… والقانــون صامت

الصباح:تحيّل.. أموال طائلة.. ووعود بـ«الحرقة الشرعية»

د رفيق عبد السلام:رؤية في علاقة الديني بالسياسي والحل العلماني

العرب:أميركا: يتعين على حماس الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود

العرب:مشعل: نتعاون مع واشنطن إذا جمدت الاستيطان وأنهت الحصار

البشير للأخبار:حمدان: الإفراج عن معتقلي حماس بالضفة يُنهي أزمة سفر كوادر فتح من غزة

منير شفيق:استحقاقات أمام مؤتمر فتح السادس

بلال الحسن:السلطة الفلسطينية وتجاربها الثلاث الفاشلة

محمد جمال عرفة :شبح حرب المياه يقترب من دول حوض النيل الأصابع الصهيونية والأمريكية في لعبة مياه النيل!

القدس العربي ـ انتقد مستشار عسكري امريكي اداء الحكومة وقوات الأمن العراقيتين، ودعا الى انسحاب امريكي سريع من العراق.


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)


التقارير الشهرية لمنظمة « حرية وإنصاف » حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس  

               
    جانفي 2009  https://www.tunisnews.net/17fevrier09a.htm        
فيفري 2009    
    مارس 2009     https://www.tunisnews.net/08avril09a.htm           أفريل 2009      https://www.tunisnews.net/15Mai09a.htm 
    ماي  2009     https://www.tunisnews.net/15Juin09a.htm         
جوان2009

 
 
 
 

أطلقوا سراح جميع المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 10 شعبان 1430 الموافق ل 02 أوت 2009 خبر عاجل

رفع المحاصرة الأمنية عن منزل الصحافي عبد الله الزواري ووقف المتابعة والمراقبة اللصيقة لتنقلاته


تم اليوم الأحد 02 أوت 2009 رفع المحاصرة الأمنية لمنزل الصحفي المنفي في وطنه السيد عبد الله الزواري ووقف المتابعة والمراقبة اللصيقة لكل تنقلاته، حيث قام السيد الزواري بعديد الزيارات إلى الأهل والأصدقاء بمدينة جرجيس دون أدنى تواجد لأي عون من أعوان البوليس السياسي. وحرية وإنصاف تهنئ السيد عبد الله الزواري بهذا التطور الايجابي في ملفه وتدعو السلطة إلى تمكينه من الالتحاق بأسرته المقيمة في تونس وطي صفحة الماضي وذلك بالإفراج عن جميع المساجين السياسيين ومساجين الرأي وتمتيع المسرحين منهم بحقوقهم السياسية والمدنية. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري  

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان – فرع القيروان القيروان في 2 أوت 2009  إعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام  

قضية السيد الطيب هلال:    أعلمنا السيد الهادي بن محمد هلال ، معلم، أصيل معتمدية نصرالله ، ولاية القيروان أن أخاه الطيب هلال، مسجون بالجماهيرية الليبية منذ 18 سنة ولا تعرف عائلته شيئا عن تاريخ سراحه . حسب عائلته، غادر السيد الطيب هلال سنة 1991 متوجها إلى العراق للمشاركة في مقاومة الاحتلال، لكنه أوقف بالأردن. ولما كانت آخر تأشيرة بجواز سفره مختومة في ليبيا فقد وقع إرجاعه، موقوفا، إلى هناك، أين حوكم ب10 سنوات بتهمة الإعداد لعمليات إرهابية.  لسنوات عديدة، لم تعرف عائلته أخباره و مكان وجوده إلا حين غادر احد التونسيين السجون الليبية واعلمها بسجنه ومدة حكمه، بعد ذلك تأكدت العائلة بطريقتها الخاصة من دقة المعلومات. لكن هذه المدة انتهت سنة 2001 ولم يغادر السجن إلى الآن. زوجته العراقية الأصل رجعت إلى العراق بعد يأسها من خروجه وتحاول من هناك التقاط أخبار زوجها وابنها.  ابنه، الذي تركه ولم يتجاوز 3 سنوات أصبح شابا يبلغ من العمر 21 سنة ولا يعرف مصير والده. أبوه وأمه العجوزان يخشيان أن يتوفيا قبل أن يتمكنا من رؤية ابنهما. لا احد منهم يعلم تاريخ سراحه، أو حتى إن كان سيطلق سراحه أصلا. راسل فرعنا وزارة الخارجية التونسية طالبا التدخل وإعلام العائلة بوضع ابنها، وراسلنا بعد ذلك حتى بعض المنظمات الخيرية الليبية، دون جدوى. نعتقد انه من حق العائلة أن تعرف مكان ومصير ابنها، كما أن القوانين والمواثيق الدولية تقتضي إعلام أهله بسبب إيقافه والتهم الموجهة إليه حتى تتمكن من تكليف محامين للدفاع عنه، كما تستوجب تمكينها من زيارته وإعلامها بتاريخ انتهاء مدة سجنه. إلى ذلك  نوجه دعوة أخرى للسلطات التونسية للتحقيق في الموضوع وإعلام العائلة بكل مستجدات وضع ابنها.     ايقاف: أوقف يوم الأربعاء 22 جويلية 2009 كل من : ·سيف الدين الرايس ، صاحب محل بالمنصورة ، القيروان ·محمد النهاري ، طالب بالقيروان ·حلمي القداح ، صاحب محل بالمنصورة وكلهم كانوا قد حوكموا سابقا بقضايا مرتبطة  بقانون الإرهاب. وقد أطلق سراح كلا من سيف الدين الرايس وحلمي القداح يوم السبت 25 جويلية على الساعة التاسعة والنصف صباحا من مقر وزارة الداخلية بتونس بينما بقي محمد النهاري رهن الاعتقال. الموقوفان اللذان أطلق سراحهما أكدا إنهما يجهلان إلى الآن سبب الإيقاف. يجدد فرعنا دعوته السلطات الأمنية من اجل احترام القوانين والمعاهدات، وذلك بإعلام الموقوف وأهله بسبب ومكان إيقافه.   جواز سفر : استلم السيد احمد السميعي ، عضو فرعنا واحد الأعضاء المؤسسين لمجلس الحريات، جواز سفره أول أمس من مركز الأمن بالمنصورة ،وذلك بعد أكثر من شهرين من تقديم طلبه . فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يعبر عن شكره و تقديره لكل من عبر في الأسابيع الماضية عن مساندته وتضامنه مع السيد السميعي  من اجل حقه في جواز سفره.   عن هيئة فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالقيروان مسعود الرمضاني  

إعلامي تونسي: مرصد الانتخابات الحكومي ضربة لمطلب المعارضة


شكّك إعلامي تونسي بارز في حيادية المرصد الوطني للانتخابات الذي أعلن عن تشكيله يوم الخميس 30 يوليو (تموز) المنقضي بقرار من رئيس الدولة، واعتبره « مجرّد هيئة تابعة لرئيس الحزب المحاكم مهمّتها تبرير نتائج الانتخابات التي ستفضي إلى فوزه ». وكان رئيس المرصد عبد الوهاب الباهي قد أعلن في تصريحات صحفية أنّ المرصد « سيعمل على رصد الواقع الانتخابي والسهر على أن تجرى الانتخابات في إطار الشفافية وسيادة القانون وحياد الإدارة »، مضيفاً أنه ليس من مهمته حسم النزاعات بين المرشحين والمتنافسين وليس من مشمولاته تأكيد صحة الانتخابات أو إفشالها، على حد تعبيره. كما أوضح رئيس المرصد أنه سيقوم بمتابعة الانتخابات وتدوين ملاحظات واستنتاجات والتجاوزات التي يمكن أن تطرأ في تقرير يرفع إلى رئيس الجمهورية. لكن الإعلامي رشيد خشانة اعتبر في تصريحات خاصة لوكالة « قدس برس » أنّ هذا المرصد هو « محاولة للالتفاف على هيئة رقابية حقيقية ترصد التجاوزات في الانتخابات المقررة يوم 25 أكتوبر المقبل ». وأوضح أنه في كل انتخابات تكون هناك منافسة بين أطراف سياسية مختلفة فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتولى طرف من المتنافسين تعيين المرصد الذي سيراقب المسار الانتخابي. فرئيس التجمع الدستوري الديمقراطي (الذي هو في الوقت نفسه مرشح هذا الحزب للانتخابات الرئاسية) هو الذي عين رئيس المرصد، وسمى هذا الأخير بقية الأعضاء، ممّا يجعله عملاً منافياً لقواعد المنافسة ويؤكد أن المرصد هو هيئة حزبية تابعة لطرف معيّن على رغم تطعيمه ببعض الشخصيات المستقلة، وسيكون عمله نسخة من تقريره في الانتخابات السابقة أي تبريرا مطلقا للتجاوزات التي يرتكبها الحزب الحاكم ضد منافسيه، على حد تعبيره. وبخصوص طريقة عمل مرصد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قال خشانة: « هذا المرصد ينطوي على مغالطة كبيرة لأنّ وظيفته ليست الرصد الموضوعي والميداني للانتخابات من أجل إطلاع الرأي العام على ما لاحظه وسجله أعضاؤه، بل هو موظف لدى رئيس الحزب الحاكم دوره أن يرفع إليه تقريرا بمعزل عن وسائل الإعلام وعن الأحزاب المعنية بالانتخابات ». وتابع: « هذا نموذج فريد وجديد من المراصد، لأنّ جميع التجارب الانتخابية التي نسمع عنها في العالم لا تكتمل مصداقيتها إلاّ بوجود هيئات مراقبة محلّية وأجنبية تتمتع بالحياد والكفاءة وتطلع الرأي العام الداخلي والخارجي على نتيجة أعمالها فور انتهاء الاقتراع ». واعتبر الإعلامي التونسي أن الهدف من صيغة المرصد التابع لطرف بعينه هو « ضرب لمطلب المعارضة بإيجاد هيئات رقابية داخلية على غرار المرصد الذي أنشأته رابطة حقوق الإنسان في انتخابات 2004، أو إفساح المجال لهيئات الرقابة الدولية المختصّة في هذا المجال على غرار ما حدث خلال الانتخابات المغربية والفلسطينية واللبنانية واليمنية والموريتانية ». وخلص المتحدث إلى أن الإصرار على رفض المراصد المحايدة وخاصة المرصد الذي طلبت رابطة حقوق الإنسان إنشاءه يشير إلى أن لدى الحزب الحاكم ما يخفيه خلال الانتخابات ويسعى بكلّ الوسائل إلى إسدال ستار كثيف من التعتيم عليه، حسب قوله. وانتقد رشيد خشانة مسار الانتخابات نفسها وقال: « مرة أخرى الانتخابات التونسية فريدة في العالم بعد أن اتجهت جميع الأنظمة السياسية إلى التعددية والانتخابات الحرة، لأنّ الطرف الذي ينظم الانتخابات عندنا هو الذي يتولى مراقبتها وهو الذي يفوز فوزاً معلوماً مسبقاً من الجميع، وهذا يعني أنّ الحزب الحاكم سيكون الخصم والحكم لمعارضيه ومنافسيه. ولا أدلّ على ذلك من أنّ قيادة التجمع الدستوري الحاكم تجتمع لإعداد مشاركتها الميدانية في العملية الانتخابية في مقرّ السيادة الأوّل أي قصر الجمهورية وبإشراف رئيس الدولة الذي يفترض أن يكون على مسافة مساوية لكلّ الفرقاء .. بل أكثر من ذلك فإنّ وزير الداخلية الذي سيسيّر العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها هو الذي يرأس لجنة الإعداد المادي للانتخابات في الحزب الحاكم وهو الذي يعلن عن النتائج بعد الاقتراع، وبالتالي فلا يمكن أن يكون هو أيضا خصما وحكما بل سيدافع عن قائمة حزبه لضمان فوزها الساحق ». وانتهى إلى القول « إنّ العملية الانتخابية برمتها مغشوشة وأبعد ما يكون عن المعايير الدولية المتعارف عليها للانتخابات الحرّة والشفافة »، حسب رأيه. (المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال (بريطانيا) بتاريخ 02 أوت  2009)  

الإدارة الأميركية الجديدة مهتمة بمسألة الحريات في تونس


رشيد خشانة تونس – القدس من رشيد خشانة – في خطوتين متزامنتين أكد السفير الأميركي المنتهية مهامه روبرت غوداك أن تونس أصبحت ناضجة لإصلاحات سياسية وخاصة في مجالي الحريات والإعلام، فيما اعتبر زميله السفير المعين غوردان غراي أن « الانتخابات القادمة تشكل فرصة هامة للولايات المتحدة لتشجيع الحكومة التونسية على تحقيق الشفافية »، وهما موقفان يُؤشران إلى أن واشنطن تعتبر الحريات تحديا رئيسيا في تونس في المرحلة المقبلة. كان السفير غوداك يتحدث في لقاء توديعي مع عدد محدود من الإعلاميين، واستمع خلاله باهتمام وبقلب مفتوح لكل الأسئلة بما فيها المساءلات المحرجة عن سياسة الإدارة السابقة في العراق وفلسطين، فضلا عن التساؤل عن ميقات تطبيق وعود الرئيس أوباما بتصحيح السياسات الأميركية إزاء العالمين العربي والإسلامي. وقال السفير غوداك الذي احتك عن قرب طيلة ثلاث سنوات بالعناصر الفاعلة في الدولة والمعارضة والمجتمع المدني إنه يشعر من خلال جولاته في مختلف المناطق ومجالسته للتونسيين، مسؤولين ومواطنين، أن البلاد مؤهلة لأن تحقق قفزات على طريق الإصلاحات الديموقراطية، مع اغتباطه بتطور التعاون الإقتصادي الثنائي خلال السنوات الأخيرة، وتنويهه خاصة بتعاون السلطات التونسية في مكافحة الإرهاب، من دون إعطاء تفصيلات أخرى، عدا الإشارة إلى المساعدة في تدريب 4600 ضابط تونسي. وكان لافتا تشديد السفير غوداك على أنه بالرغم من وجود نسبة من الفقر في تونس فهو مُعجب بحجم التقدم الذي تحقق في مجال التعليم والصحة والبنية الأساسية وحقوق المرأة، ما يجعل البلد مؤهلا حسب رأيه للتقدم أيضا في المجال السياسي. وتمنى أن تكون الإنتخابات المقبلة « فرصة لتكريس المبادئ المشتركة بيننا (يقصد الحريات والديموقراطية) وتحقيق ما ينتظره التونسيون وما يريدوه ». ودافع زميله المعين غوردن غراي خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي يوم 7 تموز (يوليو) الجاري على أفكار مماثلة. كانت الجلسة مخصصة طبقا للتقاليد الأميركية لدراسة ترشيح غراي لمنصب سفير في تونس، وصرح خلالها السفير المُعين في معرض رده على الأسئلة والاستفسارات بأن « حقوق الإنسان لا تقف عند يوم الانتخابات بل تتواصل بعدها لتشمل الحق في تكوين الجمعيات وحرية التعبير وحرية التجمع ». ودل هذا التركيز على موضوع الإصلاحات على الأهمية التي توليها الإدارة الأميركية لمسألة الديموقراطية في تونس في هذه المرحلة، بغض الطرف عن الدوافع والمبررات. وما يؤكد أنها تولي اهتماما خاصا لهذه المسألة ما جاء في كلمة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور جون كيري أثناء الإستماع إلى دفاع السفير غراي عن مهمته الجديدة في تونس، إذ قال « إن تونس تحتل مرتبة متأخرة جدا في مجال حقوق الإنسان، حتى بالقياس إلى بعض جيرانها ». والسيناتور الديموقراطي كيري ليس شخصية سياسية عادية في الولايات المتحدة فهو المرشح السابق للرئاسة في وجه جورج والكر بوش. ماذا قال كيري عن تونس في مداخلته خلال جلسة تعيين السفير؟ قال الكثير عن ضرورة توسيع حرية الصحافة وصيانة الحريات وحقوق الإنسان، ويمكن تلخيص مجمل ما قاله في هذه الجملة القصيرة « إن التقدم في الميدان السياسي ضروري لكي تؤمّن تونس على مستقبلها ». بهذا المعنى يمكن القول إن الموقف الرسمي الأميركي من تونس يتسم بسمتين رئيسيتين: أولاهما أن الإدارة الأميركية تتطرق علنا إلى مسألة الحريات والديموقراطية ولا تناقشها في المكاتب المغلقة، على عكس الأوروبيين، وخاصة الفرنسيين، الذين أكدوا في مناسبات عدة أنهم لا يطرحون هذه المسائل في العلن، تفاديا لإحراج السلطات التونسية. وثانيتهما أن إعطاء الحكومة التونسية الحجم الأكبر للتعاون الإستخباراتي والعسكري في العلاقات الثنائية مع واشنطن، في إطار حرب الرئيس السابق بوش على الإرهاب، فقد كثيرا من مبرراته في ضوء الرؤية المغايرة التي عبر عنها بوضوح خلفه أوباما. وهذا يُرشح ربما موضوع الإصلاحات لتبوإ مكانة أكبر في الفترة القادمة. مع ذلك يُقر المسؤولون الأميركيون بأن تحقيق الديموقراطية هي رسالة موكولة لأصحاب البلد وأن أي مسار في هذا الإتجاه لا يكون نابعا من نسيج المجتمع ومن صُنع نخبه، سيكون مآله الإضمحلال. (المصدر: الموقع الالكتروني لجريدة القدس ( فلسطين ) بتاريخ 27 جويلية 2009 )  


في منتدى الذاكرة الوطنية: جدل ساخن حول حسن العيادي في تصفية اليوسفيين


تونس – الصّباح: نقاش ساخن حول شخصية الشيخ حسن العيادي الذي ارتبط اسمه بـ«صباط الظلام» وتصفيات اليوسفيين دار أمس خلال لقاء الذاكرة الوطنية المنتظم بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات التي يديرها المؤرخ عبد الجليل التميمي.  ففي الوقت الذي أصر فيه نجله فوزي العيادي الذي جاء وفي جرابه وثائق نادرة، على أن والده أدى أدوارا بطولية في جبل برقو خلال فترة المقاومة.. وأنه بعد المقاومة كان رجل ثقة الزعيم بورقيبة وأن كل الأعمال التي نفذها كانت بتعليمات من الرئيس.. نفى المقاوم مختار بن سعد أن يكون بورقيبة قد أعطى أوامر بقتل أحد.. بل ذهب الى أبعد من ذلك قائلا إن نشأة «صباط الظلام» كانت بهدف تصفية اليوسفيين لكن اتضح بعد التحريات أن الشيخ العيادي كان في الظاهر يقبض على ضحاياه بتهمة الخيانة واليوسفية ولكنهم لم يكونوا كذلك.. فلقد اختطف عبد الستار الهاني لأنه من عائلة ميسورة واختطف محمد الزراع وهو تاجر غني من جربة واختطف حفناوي عطية وهو فلاح ثري..» أي أنه كان يفعل ذلك بهدف ابتزاز عائلاتهم وذويهم.. وهو نفس ما أكده المناضل عبد الستار الهاني الذي قضى أياما في «صباط الظلام» وتبين أن الهدف من اختطافه كان ابتزازه. وأضاف بن سعد «يقول حسن العيادي انه أراد تصفية عناصر اليوسفية.. ولكن الحقيقة غير ذلك.. إذ يوجد قرب اليوسفية مثل سعد عزوز.. كما كنا نشاهد عشرات اليوسفيين قرب مقر الأمانة العامة بباب الجزيرة وكانوا يروحون ويجيؤون طيلة النهار ويتجولون في عديد الأحياء بالعاصمة ولكنه لم يقبض عليهم لسبب بسيط وهو أنه ليس لهم المال الذي يبحث عنه.. وردا على التهمة الموجهة لحسن العيادي بكونه كان يسطو على أموال أثرياء البلاد بتعلة تموين عناصر المقاومة رغم أن المقاومة وقتها انتهت والمقاومون سلموا سلاحهم.. قدم نجل الشيخ العيادي للحاضرين في منتدى الذاكرة الوطنية وثيقة بنكية تثبت أن والده وقبل أن ينفذ فيه حكم الاعدام لم يكن يملك من المال شيئا.. وقدم وثيقة أخرى كتبت عليها «هدية من المجاهد الأكبر الى القائد حسن العيادي اعترافا باخلاصه وصدقه وكفاءته في خدمة القضية الوطنية وكانت هذه الوثيقة بتاريخ 19/10/1955 وفيها امضاء الزعيم بورقيبة.. وقدم جواز سفر والده وعليه تأشيرات عدة بلدان كان قد كلفه بورقيبة بزيارتها وهو ما يدل على حد تعبيره على أن والده كان ينفذ تعليمات الزعيم ليس إلا. مذكرات الشيخ العيادي ألقى فوزي العيادي باللائمة على كل من حاول طمس الحقائق.. وتساءل وقد بدا عليه حزن قال انه يحمله في أعماقه منذ خمسين سنة: من رأى الشيخ العيادي وهو بصدد قتل أي أحد؟ ومن قتل في «صباط الظلام» فأجاب بن سعد أن قرارات القتل تتخذ في «صباط الظلام» ولكنها تنفذ خارجه.. وأكد أنه «يعرف أن الشيخ العيادي كان يدخل مكتبه في «صباط الظلام» وينظم مجلس ثورة مع أفراد مجموعته منهم الطاهر بوطارة واليعقوبي ودواود ويقررون قتل فلان أو فلان».. وذكر بن سعد أن العيادي قتل مختار عطية وحسن بن عمار الحامي وآخرين. وفي هذا الصدد قال فوزي العيادي ان والده قبل أن يعدم كتب مذكراته التي تولى المؤرخ عبد الجليل التميمي نشرها وبين فيها أن الزعيم بورقيبة هو الذي كان يأمره بتصفية معارضيه عن طريق سعيدة ساسي ووسيلة بن عمار.. وقال العيادي في مذكراته أيضا أن «حسن بن عمار الحامي دفن في الجبل الأحمر بعد تصفيته» وأن «سعيدة ساسي هي التي تولت عملية دفنه.» وتساءل فوزي العيادي عن قبر والده.. وقال انه «إلى غاية اليوم لا يعرف مكان دفنه.. فأجابه المختار بن سعد الحامي أنه لا يعرف وأن  من أعدموا بتهمة خيانة النظام ظلت قبورهم مجهولة المكان. وتحدث بن سعد في شهادته التاريخية عن دور لجان الرعاية «التي أتهمت أيضا بمقاومة اليوسفية».. والكلام للمؤرخ محمد ضيف اللّه.. فنفى بن سعد ذلك وبين أن لجان الرعاية حينما بعثت لم تكن بهدف تصفية اليوسفيين وإنما كانت ترمي لمقاومة الفوضى. وكان بن سعد مسؤولا على لجنة الرعاية بالعاصمة.. وبين أن لجان الرعاية تكونت من مناضلين وشباب دستوري من جميع أنحاء البلاد وركزت في كامل البلاد للسهر على أمن المواطنين من العنف والابتزاز والسرقة وللتصدي لتهريب الذهب والمال والآثار عن جبهة التحرير.. ويأتي نشاط هذه اللجان في غياب أمن وطني يسهر على أمن الناس. وبين بن سعد أنه ألف كتابا جديدا حول اليد الحمراء وسيقدم زبدته السبت القادم على منبر الذاكرة الوطنية. سعيدة بوهلال (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 02 أوت 2009)  

الطبقة الوسطى في تونس: رفاه اجتماعي وعيش كريم.. لكن ماذا عن التداين؟

 


توزر ـ الصباح: تواصلت أمس في مدينة توزر أشغال الجامعة الصيفية الوطنية الثامنة عشرة للتجمع الدستوري الديمقراطي التي تناولت موضوع » الطبقة الوسطى في مشروع التغيير ».  وناقش ما يزيد عن الـ300 مشارك من كوادر ومسؤولي التجمع مفهوم الطبقة الوسطى ودورها في المجتمع وفي سياسات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.. واجمعت النقاشات والتدخلات على أن المجتمع التونسي يتميز بتركيبة اجتماعية منسجمة تحتل ضمنها شريحة الطبقة الوسطى المكانة الاساسية عددا( تفوق نسبة المنتمين إلى هذه الشريحة 81% من مجموع السكّان) ونشاطا وبناءا ودورا في وضع الخطط والبرامج. وتم كذلك الاجماع على ان هذه الفئة من المجتمع تعدّ صمّام الامان والضامن الرئيسي لتماسك البناء المجتمعي ولقوّة النسيج الاجتماعي وللاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للبلاد وهي الضامن للاستقرار الامني والاجتماعي والتطوّر الاقتصادي والتنموي. وأجمعت الورشات الثلاث التي ناقشت موضوع الطبقة الوسطى في تونس والتي انقسم بينها المشاركون في الجامعة على ان سياسة التنمية في تونس اعتمدت خاصة على تلازم البعدين الاقتصادي والاجتماعي ودعم مقوّمات الارتقاء الاجتماعي لكافة شرائح المجتمع والعمل على حماية الفئات الضعيفة وإدماجها اجتماعيا واقتصاديا والسعي لالحاقها اقصى ما يمكن من الطبقة الوسطى بغرض القضاء نهائيا على نسبة الفقر التي لا تتجاوز 3%. والسعي الى تحقيق جملة من الاهداف المرسومة منها خاصة النهوض بالتشغيل ومواصلة العمل بسياسة توزيع الدخل في إطار تلازم البعدين الاقتصادي والارتقاء بإطار عيش المواطن وتحسين ظروفه.والعناية بالفئات ذات الاحتياجات الخصوصية والارتقاء بها من طور المساعدة إلى طور الادماج. الطبقة الوسطى في تونس ويذكر أن الطبقة الوسطى في تونس شهدت حسب مصادر المعهد الوطني للاحصاء توسّعا واضحا حيث أصبحت تتجاوز تقريبا 81% من مجموع السكان منذ سنة 2005 مقابل 77,6% سنة 2000 و70,6% سنة 1995. ويعتمد في احتساب نسبة الطبقة الوسطى على نتائج المسح الوطني حول إنفاق واستهلاك الاسر والذي يتمّ إنجازه كلّ خمسة سنوات،حيث يعتبر المنتمون للطبقة الوسطى السكّان الذين لهم حجم إنفاق سنوي للفرد في حدود الـ 5000 دينار. ومن جهة أخرى عرفت نسبة الفقر تراجعا ملحوظا حسب نتائج مسح سنة 2005 إذ لم تتعد 3,8% سنة 2005 في حين تجاوزت 4% سنة 2000 وبلغت 6,2% سنة 1995 من مجموع السكّان. ومن أبرز ما ساهم في بروز واتساع قاعدة الطبقة الوسطى في المجتمع التونسي هو إتباع الحكومة التونسية لسياسة سكانية مميزة،ارتكزت على التحكم في النموّ الديمغرافي وتنفيذ سياسات تربوية وتعليمية متجددة ومتطوّرة حققت التعليم للجميع وساهمت في إرساء مجتمع المعرفة بالاضافة إلى تمكين المرأة من كافة حقوقها في الاسرة والمجتمع ومن فرص حضور أوسع في مواقع القرار وفي الحياة الاقتصادية والاجتماعية. كما كان لسياسة الاجور والمداخيل والتحويلات الاجتماعية واتساع مظلة التغطية الاجتماعية لجميع الفئات النشيطة في البلاد، الاثر الواسع في دعم الطبقة الوسطى والمحافظة على مكتسباتها واتساع نسبتها. وتعكس عديد المؤشرات التحسّن المطرد للرفاه الاجتماعي ولظروف العيش والذي يعتبر من العوامل التي ساهمت بشكل متميز في اتساع قاعدة الطبقة الوسطى في المجتمع التونسي.من هذه المؤشرات يمكن ذكر بلوغ الدخل الفردي السنوي للمواطن في تونس في نهاية سنة 2007، 4389 دينارا مقابل 2788 دينارا سنة 2000. ووضع البرنامج الرئاسي لتونس الغد 2004-2009 هدفا يتمثل في مزيد الترفيع في الدخل السنوي للمواطن ليتجاوز 5000 دينار سنة 2009 كما حدّد منوال التنمية للعشرية 2007- 2016 هدف مضاعفة الدخل الفردي للمواطن ليصل إلى حدود 8000 دينار سنة 2016. الى جانب ذلك وحرصا على حماية الطاقة الشرائية للاجراء تتمّ بصفة دورية (كل ثلاث سنوات) مراجعة الاجور في القطاعين العام والخاص وذلك منذ سنة 1990، وقد مكنت هذه الزيادات المتواصلة في الاجور من تحسين القدرة الشرائية للاجراء بقرابة نقطتين سنويا، ممّا ساهم بصفة ملحوظة في تحسين ظروف العيش وتدعيم مكانة ومكتسبات الطبقة الوسطى في المجتمع. وباعتبار الدور الهام للتحويلات الاجتماعية في تجسيم التضامن الوطني وتحقيق أهداف التنمية خاصّة في أبعادها الاجتماعية، تطورت هذه التحويلات لتبلغ حوالي 20% من الناتج المحلّي الاجمالي بعد أن كانت لا تتجاوز 11% خلال السبعينات و17% في بداية الثمانينات. وهو ما ساهم بشكل كبير في تحقيق جلّ الاهداف المرسومة في المجال الاجتماعي، بالرغم من صعوبات الظرف الاقتصادي الوطني والدولي وتقلباته. وكان لهذا الشأن الانعكاس الايجابي على المحافظة على النسبة العالية من الفئة المتوسطة في تركيبة المجتمع التونسي، باعتبار أنّ التحويلات الاجتماعية تضاهي دخلا إضافيا غير مباشر للاسرة. ومن المظاهر الاخرى الدالة على اتساع قاعدة الطبقة الوسطى هو تحسّن كلّ مؤشرات الرفاه وظروف العيش والسكن، والتي تؤكّدها نتائج التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2004 والتقارير المختصة والتقييمات التي تنجزها هيئات وطنية أو دولية تعمل في المجالات التنموية والاجتماعية والاقتصادية. اشكالية التداين لكن ومع تطور الطبقة الوسطى ورقي مستواها المعيشي والاجتماعي،ظهرت صلب هذه الشريحة الاجتماعية مشكلة التداين الاسري، حيث تشير ارقام البنك المركزي التونسي ان نسبة التداين الاسري ارتفعت الى 7.3 مليار دينار سنة 2008 بعدما كانت في حدود 3 مليار دينار سنة 2003 تمثل منها نسبة القروض الشخصية الخاصة بالعطل والدارسة ولوازم البيت 28%. وتشير أرقام سجلّ قروض الاشخاص الطبيعيين الذي يديره البنك المركزي التونسي إلى أنّ قروض الخواصّ الممنوحة من قبَل الجهاز المصرفي تبلغ 7.455 ملايين دينار في موفى مارس 2009، منها 5.217 ملايين دينار أسندت لتمويل السكن، أي أنّ قروض الاستهلاك لا تتعدّى 2.238 مليون دينار ولا تمثل سوى 5.6% من حجم القروض الممنوحة للاقتصاد. وجاء في نتائج استبيان أجرته مجلة « المستهلك التونسي » استهدف عينة تضم 700 شخص أن 85,3%  من المستجوبين سبق لهم أن تداينوا وأن 39,4% اقترضوا على الاقل 3 مرات وأن البنك يبقى المصدر الاساسي للاقتراض بنسبة 77,7% مقابل 32.3%  اقترضوا من صديق أو قريب. ويمثل شراء مسكن السبب الاساسي للاقتراض بنسبة 49,1%. وفي ضوء ما تقدّم بات من الضروري توفير الوسائل التي من شأنها الوقاية من المخاطر المرتبطة بالتداين المفرط ومراقبة تطوّره والحدّ من انتشاره حتى لا ينعكس سلبا على الاقتصاد والمجتمع، لذلك تمّ بمقتضى القانون عدد37 لسنة 2000 تنقيح القانون عدد 90 لسنة 1958 المتعلق بإنشاء وتنظيم البنك المركزي التونسي في اتجاه تكليفه بمسك سجلّ وإدارته يتولى تجميع القروض غير المهنيّة الممنوحة للاشخاص الطبيعيين من قبَل مؤسّسات القرض والتجار الذين يتعاطون البيوعات بالتقسيط ويمكّن هذه المؤسّسات من الاطلاع على حجم تداين حرفائها والمبالغ المتخلدة بذمّتهم قصد مساعدتها على تقييم قدراتهم على تسديد ديونهم واتخاذ القرار المناسب عند دراسة المطالب المتعلقة بمنحهم قروضا جديدة. وتبقى الطبقة الوسطى في تونس قريبة من الطبقة الغنية من حيث الرفاه وطيب العيش رغم مشكل التداين والاقتراض وهو وسيلة لا مفر منها بل أنها تساعد على التطور والنمو والاقتراض ليس حكرا على الاشخاص الطبيعيين بل ان الاشخاص المعنويين كذلك كالدول والمؤسسات العمومية والشركات الخاصة تلجا له لتصريف امورها ولتحقيق النمو والتطور. وقد صدرت أمس عن الورشات الثلاث التي تمخضت عن الجامعة الصيفية للتجمع تقارير ستجمع في تقرير واحد يقدم قراءة واقتراحات حول واقع الطبقة الوسطى وسبل تنميتها اكثر.ويقدم التقريرللمكتب السياسي للتجمع ليكون ورقة عمل المرحلة القادمة. سفيان رجب (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 02 أوت 2009)  

غذاء التونسي والأمراض المزمنة: الأكلات السريعـــــــــة في قفص الاتهام والحل في طعام الأجـــــــداد


* تونس ـ «الشروق»: تكاثرت خلال السنوات الأخيرة الاصابات بعديد الأمراض المزمنة بنسب مثيرة للقلق. ولعلّ المثير في الموضوع أن هذه النسب تتفاوت من منطقة إلى أخرى، مما يطرح عديد الأسئلة حول هذه الأمراض ومدى ارتباطها بالنظام الغذائي واختلاف العادات في هذا الشأن إذ أن وجود أنواع من المنتجات الغذائية بكميات وافرة في أماكن دون غيرها ساهم في احداث تقاليد غذائية مرتبطة بها وهو ما يمكن أن يكون له دور في التقليص أو في الزيادة في نسب بعض الأمراض وفي خطورتها أيضا. «الشروق» قامت بالبحث في هذا الموضوع عبر عدد من مكاتبها الجهوية ومراسليها فكان التحقيق التالي. * في الشمال الغربي: الإفراط في تناول لحم الخروف والحلويات يسبب السمنة وضغط الدم والسكري * الشروق- مكتب الكاف ما تزال أفراح الشمال الغربي ترتبط بأكلة «الكسكسي باللحم»، وفي بعض الجهات ما تزال قيمة الفرح وسمعة أهله ترتبط بعدد رؤوس الأغنام التي تنحر فيه، فيما يقول لنا أحدهم مازحا:»قطعة اللحم والشحم أيضا، يجب أن أمسكها بكلتا يدي من كبرها». وهكذا يصبح لحم الخروف مرتبطا بكل المناسبات وأحيانا مناسبة إذا كان الموسم الفلاحي جيدا، يلي ذلك كأس شاي أحمر قوي خاثر للهضم… تلك بعض العادات الغذائية المرتبطة بالشمال الغربي والتي تفتح الباب على عدة أمراض مزمنة كانت موضوع حديث شيق مع الدكتور عبد اللطيف الرحالي رئيس المصلحة الجهوية لرعاية الصحة الأساسية في ولاية الكاف قبل ذلك قال الدكتور الرحالي:»إن ما يؤلم قلبي هو رؤية سكان الريف حيث سهول القمح ومنتوجات الطبيعة وهم يحملون معهم خبز السوق والدجاج الأبيض، ليس لي مشكل مع الدجاج الأبيض ولكني أستغرب كيف يفرط هؤلاء في المنتوجات الطبيعية التي يوفرها لهم محيط عيشهم». ظروف الإعداد والخزن نعود بالحديث إلى العادات الغذائية بالشمال الغربي، يقول الدكتور الرحالي إن المشكل هنا هو في الميل لتناول لحوم الخرفان على حساب اللحوم الأخرى والحال أن الدراسات الغذائية تشير إلى الاقتصار على لحم الخروف مرة واحدة في الشهر بسبب كثرة الشحم فيه، ووجوب تعويض ذلك باللحوم البيضاء والسمك الأزرق». نسأله عن تأثير أكلات الأفراح فيقول: «قبل أن نصل إلى نوعية الأطباق، ثمة مشكل آخر في الأفراح وهو ظروف إعداد وحفظ الأغذية التي تتلف نتيجة الحرارة، مما يسبب حالات التسمم الغذائي الجماعي إلى حد اليوم لم نلاحظ بعد مثل هذه الحالات لكن ظروفها متوفرة للأسف». يستمر الدكتور الرحالي في الحديث عن أكلات الصيف بصفة عامة وخصوصا مشكل الأكلات المقلية التي تكون مشبعة بالزيوت الرديئة فتساهم في السمنة وارتفاع ضغط الدم، يضيف» «كذلك يفرط الناس في تناول الأطباق الحلوة أو الإفراط في السكر في كل شيء حتى الشاي وكل ذلك يساهم في السمنة وأمراضها مثل السكري وارتفاع ضغط الدم». أما الشاي الأحمر الحلو الذي تشتهر به الجهة، فتلك قصة أخرى. أين خبز القمح؟ ويصبح نقص الحديد في الجسم موضوعا آخر متعلقا بالعادات الغذائية في الشمال الغربي، الذي يقول عنه الدكتور إن سكانه كثيرا ما عانوا من نقص الحديد واليود قبل أن تتم إضافة هذه المادة آليا لملح الطعام ويضيف :»ثمة عادة أخرى سيئة هنا وهي تقديم الشاي الأحمر القوي بعد الأكل، لا يعرف الناس أن الشاي يساهم في نقص الحديد، تلك المعضلة التي مازلنا نقاومها هنا لقد عانى سكان الشمال الغربي طويلا من ذلك حتى أن المستشفيات أصبحت تقدم آليا للحوامل أقراصا طبية تحتوي على الحديد». نعم، يحدث ذلك في وسط يفرط أحيانا في تناول اللحوم الحمراء والمشكل هو في وجوب التوازن الغذائي وليس الإفراط يقول الدكتور الرحالي: «المشكل أيضا في العادات الغذائية التي تغيرت نحو الأسوا، لقد فقد الناس هنا عادة أكل خبز القمح الكامل التي ورثوها منذ قرون والتي تضمن تغذية متوازنة، كما فقدوا عادة الإفطار صباحا وأصبح الكثير منهم يكتفي بقهوة سوداء قوية». * كمال الشارني * قـــــــــــابس: «اللاقمي» خطير والفلفل القابسي مدمّر * «الشروق» ـ (مكتب قابس): ظهرت خلال العقدين الأخيرين في ولاية قابس عدة أمراض تفاقمت بشكل يبعث على القلق والانزعاج كأنواع السرطان والأمراض المزمنة (سكري ـ ارتفاع ضغط الدم ـ القرحة) وتخثر الدم (كوليسترول) وتصلب الشرايين والسكتة الدماغية والقلبية وغيرها من الأمراض التي كانت قليلة إلى حدّ السبعينات من القرن الماضي وكان جلّ المواطنين يجهلون بعض الأمراض وأسبابها وخطورتها ومدى علاقة هذه الأمراض بالمنظومة الغذائية المتبعة لدى أبناء الجهة؟ وللوقوف على حقيقة الوضعية تحدثت «الشروق» مع عدة أشخاص فأوضحوا بأن جميع الأكلات المستهلكة حاليا بما فيها العجين (كسكسي، خبز، مثلوث..) أصبحت تمر عبر المصانع والمواد الكيميائية والتي تسبب بعض الأمراض التي كنّا نجهلها بحكم استهلاكنا لمواد بيولوجية طبيعية خالية من أية مواد مضرة بالصحة. وأكد عدد من الطلبة أن بعض الأمراض كالكلى والمجاري البولية والمرارة سببها نوعية الماء في حين ان المعدة سببها الاستهلاك المفرط للحار (الفلفل القابسي) في جميع الأطعمة. كما ان تركيز جل العائلات القابسية على الكسكسي والخبز من الأسباب الهامة للإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم. وعرج بعضهم على مادة «اللاقمي» المعروفة بحساسيتها للنظافة والتي تتطلب سرعة الاستهلاك حتى لا تنقلب فوائدها الغذائية إلى نواغص باطنية واسهال. وأرجع بعض المستجوبين خاصة أسباب الاصابة ببعض الأمراض كهشاشة العظام وضيق التنفس إلى التلوث الهوائي المتأتي من وحدات الصناعات الكيميائية الذي لم يقع القضاء عليه نهائيا رغم المجهودات المبذولة منذ سنوات للتقليص من حدته. الأطباء الذين تحادثنا معهم نفوا وجود علاقة بين المنظومة الغذائية بالجهة وبعض الأمراض المتفشية نظرا لغياب تحاليل ودراسات علمية تؤكد ذلك. وحول هذا الموضوع وافتنا الادارة الجهوية للصحة العمومية بقائمة في الأمراض المتأتية من الأغذية وأسبابها كأنواع التسممات الغذائية والاسهال والحمى والأنيميا والتهاب الكبد الفيروسي وسل الغدد اللمفاوية وارتفاع ضغط الدم والسكري وغيرها مؤكدة أن جميع هذه الأمراض ليست خاصة بولاية قابس وليس لها أي علاقة بالنظام الغذائي بالجهة وهي موجودة في جميع أنحاء العالم كلما توفرت الأسباب المؤدية إليها. * الطاهر الأسود * بنزرت: الداء في الاكلات الخفيفة * (الشروق) ـ «مكتب بنزرت»: كثيرا ما نجد أنفسنا عرضة لعديد الامراض  المزمنة في سن مبكرة جدا والغريب أن الاسباب المؤدية لهذا الوضع الصحي المتدهور تبقى مجهولة عند أغلب المصابين  رغم أن منطلقها عادات غذائية تتوارثها وفي معظم الاحيان تكتسبها عبر فضاءات العمل والشارع… «الشروق» حاولت البحث عن دور بعض العادات الغذائية البنزرتية في إفراز عديد الامراض المزمنة مع أخصائية التغذية بالادارة الجهوية للصحة السيدة: «سميرة التومي» التي أوضحت أن حوالي 60 من النساء بتونس تعانين من أمراض السمنة الخطيرة… وقد أرجعت هذا الامر الى تنامي تعويل العائلات التونسية على ما أضحى متعارفا عليه بالاكلة الخفيفة التي عادة ما توفرها نقاط بيع بالشارع وبعض المطاعم… وشددت هذه الاخصائية على أنه يوجد ببنزرت عادات غذائية سلبية لاسيما في التعامل مع هذا النوع من الوجبات السريعة وهي حسب وصفها «أكلة ثقيلة» غنية بالسكريات ومشبعة بالزيوت التي تسهل بدورها ارتفاع نسب الاصابة بأمراض «الشحم في الدم» و»السمنة» و»القلب والشرايين». كما أضافت في ذات السياق أن «اللبلابي» يعوض وجبة كاملة مشددة على احترام موعد كل وجبة غذائية ومبرزة أن على المستهلك ببنزرت الوعي بسلبيات الانتصاب الفوضوي لبائعي الوجبات الغذائية السريعة حيث تغيب النظافة لدى الكثيرين… أكلة متوسطية… وحذرت الاخصائية من ضرورة الانتباه الى معدلات استهلاك «الخبز المبسس»  الذي عادة ما يتوفر على طول السنة بالمخابز المنتصبة بقلب مدينة بنزرت والذي يحتوي على قيمة مضافة من الملح. ويبقى الحل بالنسبة للسيدة «سميرة التومي» في العودة لعاداتنا الغذائية الزاخرة بعديد «الاكلات المتوسطية» الصحية والغنية بالتوازي بالبروتينات والفيتامينات… على غرار: «الكسكسي التونسي»… * إعداد: إيمان عبد الستار * قبلي: حسرة على اندثار عادات الأجداد * قبلي ـ «الشروق»: تعرف مناطق ولاية قبلي تاريخيا ببساطة أنظمتها الغذائية وبفاعليتها في نفس الوقت. فقد كان غذاء أبناء الجهة يقوم بصفة رئيسية على منتوجات الواحة من تمور وغيرها وكذلك على منتوجات قطاع الرعي من حليب ولحوم الماعز والابل وربما لهذا السبب عرف الانسان الصحراوي عموما والانسان بمنطقة نفزاوة أيضا بصلابة بنيته الجسدية وسلامة صحته وخلوّه من الأمراض. ولكن خلال السنوات الأخيرة بدأ هذا الواقع يتغير بشكل سريع وهذه المقولات تحتاج المراجعة فالقطاع الصحي بالجهة ما فتئ يسجل حالات أمراض تتشابه في طبيعتها وفي استمراريتها مما جعل الحديث عن انتشار ظاهرة الأمراض المزمنة بقبلي يتحول إلى أحد المشاغل العامة فما هي هذه الأمراض المزمنة وما علاقتها الثابتة أو المحتملة مع ما يحدث من تحولات على النظام الغذائي لأبناء المنطقة. هذه الأسئلة حملناها لنلقيها على أهل الذكر في الميدان بالجهة فكان اللقاء الأول بالسيد المدير الجهوي للصحة بقبلي الذي عبر لنا عن الأهمية المتزايدة التي توليها مصالح الصحة بقبلي للتوعية بأهمية التوازن الغذائي ولمعالجة الأمراض المزمنة التي تنتج عن الانحرافات الغذائية وقد ركز السيد المدير الجهوي في حديثه معنا على أهمية تجنيد كل الأعوان والأطباء بالجهة للمساهمة في مجهود التوعية الغذائية كما أفادنا بأن إدارته تستعين بزيارة أساتذة جامعيين من معهد التغذية يزورون الجهة مرات عديدة في السنة للقيام بعمليات المعالجة والتوعية. ودعا السيد المدير الجهوي في آخر حديثنا معه أبناء الجهة إلى مزيد العناية بالجانب الغذائي من حياتهم لتجنب بعض الأمراض المزمنة واقترح أن يكون لكل عائلة آلة وزن ليراقب بها تطور نموّ أفرادها وأطفالها خاصة. أما السيدة يمّونة معالي الأخصائية في مجال التغذية بالادارة الجهوية للصحة بقبلي والتي تقوم بعيادات صحية في المجال بـ16 مستوصفا بالجهة كل شهر زيادة على ما تنظمه من حملات توعوية في المجال فقد أفادتنا ببعض المؤشرات التي تشير إلى انتشار بعض الأمراض المزمنة مثل السمنة والسكري وضغط الدم ببعض المناطق بالجهة وترد السيدة يمونة انتشار هذه الأمراض إلى بعض المستجدات عن الأنظمة الغذائية بالجهة. فأبناء الجهة اليوم يعتمدون حسب بحوثها الميدانية بنسب مرتفعة جدا في غذائهم على العجين دون غيره ففطور الصباح خبز والغذاء والعشاء كسكسي. وهكذا تكون الدورة الغذائية بالجهة دورة من العجين. كما أشارت إلى الغياب الكبير للخضر والغلال عن تركيبة النسق الغذائي لأبناء الجهة. أما بالنسبة للتمور فتقول السيدة يمّونة انها لا تكاد تدخل في النظام الغذائي بالجهة بشكل منظم يمكن الاستفادة منه أما عن أهم الفئات المتضررة من عدم التوازن الغذائي فإنهم الأطفال الميالون أكثر فأكثر نحو استهلاك المواد المقليّة والحلويات وكذلك النساء اللاتي تقل حركتهن عموما مما يؤدي غالبا إلى السمنة ثم الأمراض المزمنة. أما الطرف الثالث الذي سألناه في هذا الموضوع فهو السيد المدير الجهوي للتجارة الذي أفادنا ان غياب انتاج الخضر والغلال بالجهة يجعل الاستهلاك الغذائي بالجهة يقوم بدرجة أساسية على ما توفره مصالح التجارة من دقيق أو حلويات أو مصبرات وكلها مواد تساهم في تحقيق نمو بدني غير متوازن تنتج عنه أمراض منها المزمن. واللافت للنظر أن كل الذين استجوبناهم كانوا آسفين على اندثار بعض العادات الغذائية الصحية بالجهة كاستهلاك زيت الزيتون والخضراوات وجميعهم دعوا إلى مزيد العناية بالجانب التوعوي في مجال التغذية وإلى مساهمة كل الأطراف في هذا المجهود من مصالح الوزارات المختلفة ومن هياكل مدنية ومن مواطنين. * محمد المغزاوي * الوطن القبلي: انتصار الشهوات وراء البليّة * الوطن القبلي ـ (الشروق): ولاية نابل كغيرها من الجهات الاخرى تعاني من انتشار عدة أمراض مزمنة ذات العلاقة بالنظام الغذائي كالسمنة والسكري وضغط الدم والسرطانيات ويطلق عليها مصطلح أمراض العصر. وفي هذا السياق أوضحت السيدة لمياء المبروك أخصائية في التغذية أنه وللحد من هذه الامراض والوقاية منها وجب اتباع نظام غذائي متوازن يعتمد على أطعمة قليلة  الدهون  وغنية بالالياف مثل الأرز البني وخبز القمح أو  النخالة أو الشعير أو الذرة وتناول الخضروات والاسماك وتجنب اللحوم الحمراء. وباقي أنواع العجين الغذائي كالمقرونة والكسكسي. وقد نقلنا هذه النصائح الى عدد من المواطنين الذين التقتهم «الشروق» في شوارع وأنهج وساحات مدن نابل والحمامات وبوعرقوب فكانت إجابات «محمد س» من نابل و»فاطمة ب» من بوعرقوب و»منير ج» من الحمامات متشابهة تقريبا من حيث عدم قدرتهم على كبح شهواتهم أمام الاطباق الشهية التي يتم إعدادها في المنزل مهما كان نوعها ومهما كانت تركيبتها الغذائية. أما الاختلاف بينهم فيتمثل في كون السيدة فاطمة والسيد محمد مصابان بمرضي السكري وضغط الدم في حين أن منير مازال في ريعان الشباب ويستهويه الاكل خارج المنزل وخاصة أكلات «البيتزا» و»اللبلابي» و»صحن تونسي» على عكس السيدة فاطمة والسيد محمد. الدكتور لسعد الحداد أخصائي في الطب الباطني بيّن أن الاطعمة النباتية تحمي من الاصابة بالامراض القلبية المزمنة والسرطان والبدانة والسكري وتساهم في خفض الكوليسترول في الدم وأكد أن الاكثار من الملح في الاطعمة من شأنه أن يؤدي الى ارتفاع ضغط الدم لدى بعض الاشخاص الامر الذي يترتب عنه القصور الكلوي. وينصح الدكتور الحداد بتجنب الاكلات التي تطهى عن طريق القلي وخاصة في فصل الصيف وتجنب الاكلات السريعة والاغذية المعلبة لأن الاكثار من استهلاكها بصفة مسترسلة يؤدي الى الاصابة بالامراض السرطانية. وكشفت دراسة علمية أن التونسي كغيره من الاشخاص في كامل أنحاء العالم يعاني من أمراض العصر (سرطان ـ ضغط دم ـ سكري ـ قصور كلوي…) وذلك نتيجة لتغير الانماط الغذائية والتطور السريع لنسق الحياة. إذ أنه وحسب الدراسة نفسها تحتل أمراض القلب والشرايين المرتبة الاولى من بين الامراض المتسببة في وفاة التونسيين بنسبة تقارب 30 من جملة الوفايات المسجلة في بلادنا سنويا وتليها أمراض السرطان بنسبة 15 ثم أمراض السكري والاجهزة التنفسية بنسبة تقارب 12. * عماد خريبيش (المصدر: النشرة الإلكترونية لجريدة الشروق التونسية يوم  الاربعاء 01 أوت 2009)  


في الشارع، داخل العائلة وفي المدرسة: العنف اللفظي يصـــمّ الآذان… والقانــون صامت


 تونس ـ الصباح: تغلغل العنف اللفظي في مجتمعنا الى درجة تبعث على الانشغال ودق ناقوس الخطر كما يبين المختصون في علم الاجتماع وكما اثبتته دراسات سوسيولوجية سابقة. ولا يحتاج التصدي الى هذه الظاهرة ـ التي لم تعد استثناء بل تحولت الى قاعدة ـ الى الادانة وتحميل مسؤولية لطرف دون اخر او الى سن قوانين جزرية ثبت عدم جدواها ـ يل يتطلب اعادة الاعتبار للتربية داخل العائلة على أساس الضوابط القيمية والأخلاقية ويحتاج الى دور أكبر للمجتمع المدني في التأطير وتمرير  مضامين تربوية داخل الفضاءات الشبابية.. الى  جانب تنظيم حملات دورية لامناسبتية للفرق المختصة في الحفاظ على الاخلاق الحميدة. تستمع اينما حللت  الى صنوف غريبة وعجيبة ومبتكرة من الألفاظ الهجينة والكلام البذيئ تصدر من مختلف الشرائح والاعمار الى درجة تحول فيها التعدي على الاخلاق الحميدة والذوق العام الى قاعدة في التعامل والحوار تخترق البيت والمؤسسة التربوية والشارع والفضاءات الترفيهية ووسائل النقل العمومي والملاعب.. وتحول فيها العنف اللفطي او كما يصلطح على تسميته بلهجتنا المتداولة «الكلام الزايد وكلام القباحة» الى بضاعة رائجة يقبل عليها الاناث قبل الذكور ـ احيانا ـ.. وقد لا يجتاج الاستدلال او الوقوف على مدى انتشار وتغلغل العنف اللفظي في المجتمع التونسي الى الكثير من البحث او الجهد فيكفي التوجه هذه الايام الى الشواطئ أو للفضاءات الترفيهية او يكفي ركوب حافلة  و«مترو» او السير بضعة امتار على قدميك في اي مكان مهما تكن درجة رقيه او «قداسته» ويكفي ان تتوقف بضع دقائق في طابور سيارات في زحمة المرور عندما تنشب مشادات كلامية بين اصحاب السيارات مهما تكن مكانتهم الاجتماعية، «لتطرب» اذنك في كل هذه الوضعيات والأماكن التي أتينا على ذكرها «بما لا لذّ وطاب» من صنوف المصطلحات البذيئة والسوقية. زد على ذلك ما يأتيه جمهور التظاهرات الرياضية في طريقهم الى الفضاءات الرياضية وداخل الملاعب.. من صنوف  مختلفة من العنف اللفظي. كما ينتشر العنف اللفظي في صفوف تلاميذ المدارس وبين افراد العائلة وايضا في مضامين المسلسلات المحلية التي تبث على القنوات الوطنية!! احصائيــــات تناولت العديد من الدراسات بالدرس ظاهرة انتشار العنف اللفظي لدى الشباب وفي الوسط المدرسي وافرزت نتائج لا تدع مجالا للشك في استفحال ظاهرة العنف اللفظي في المجتمع التونسي. وتوصلت دراسة سوسيوثقافية حول ظاهرة العنف اللفظي لدى الشباب التونسي انجزها المرصد الوطني للشباب الى أن حوالي 90% من العينة المستجوبة تقر باستعمال «الكلام الزايد» وتشمل استعمالات الكلام البذيئ بدرجة أولى سب الجنس وسب الدين وسب العائلة ويستعمل العنف اللفظي لدى الشباب بين الاصدقاء والزملاء لكن ايضا مع العائلة حيث بلغت نسبة الاقرار باستخدام العنف اللفظي في العائلة بحوالي 63% ويأتي الآباء في المرتبة الثانية كما حلت المؤسسة التربوية في المرتبة الثانية في تصنيف الفضاءات الاساسية لانتشار العنف اللفظي. ويسـتعمل الشباب العنف اللفظي اساسا لاثبات الذات ما لا يكترث الشباب ولا ينزعة من العنف اللفظي.. من جهة أخرى نورد ما تضمنته  احصائيات مقدمة مؤخرا حول العنف في الملاعب ولا تهم هذه الاحصائيات  العنف اللفظي في صفوف الجماهير بل تشمل العنف اللفظي بين اللاعبين  والمسيرين والحكتم!! حيث سجل خلال الموسم الرياضي الفازط 68 حالة اعتداء على الحكام بالعنف اللفظي من طرف اللاعبين و61 حالة اعتداء بالعنف اللفظي من المسيرين على الحكام. ثقافة العنف يقول في هذا السياق السيد طارق بن الحاج محمد مختص في علم الاجتماع التربوي ان العنف تحول في المجتمع التونسي الى «ثقافة» والاقرار بتحول العنف اللفظي كفعل مستهجن الى «ثقافة» تعني عادة معنى ايجابيا، يعود الى خروج العنف اللفظي في التصور الجماعي من مفهوم «العيب» ليصبح ممارسة مشتركة اقتحمت سلوك الاسرة والمدرسة وسلوك المسؤولين على التربية وعلى التأطير الرياضي.. ويضيف محدثنا ان العنف اللفظي تحول في المجتمع التونسي الى طريقة حياة ووسيلة تعبير واصبح قيمة ثقافية اجتماعية أكثر منه سلوك معزول». ويقول «نحن اصبحنا نعبر عن انفسنا بشكل عنيف في كل المواضيع والمجالات حتى تلك  التي تتطلب عادة اللطف واللين..» ويستدل السيد طارق بن الحاج محمد علي على ذلك بالاشارة  الى ان التعبير على العلاقة مع المرأة والتغزل بجمالها كان في السابق يتم باللجوء الى مفردات على غرار «قمرة ليلة 14 ووردة وغزالة».. وتغيرت مفردات هذا التعبير اليوم الى «قنبلة وطيارة وتقتل وسخطة..» حيث تستحضر كل مفردات ودلالات «العنف» لوصف «الجمال».. يشير كذلك محدثنا الى أننا وصلنا الى مرحلة خطيرة تستوجب التعمق في معرفة اصل الظاهرة التي ربطها بعدم المصالحة في المجتمع التونسي مع لهجته العامية ولا مع لغته العربية والى ارتباط المتطور في ذهن التونسي مع القطع مع كل ما هو موروث.. وتحدث ايضا عن دور الاعلام ومضامين المسلسلات المحلية في الترويج لبعض المصطلحات والتعبيرات العنيفة.. تحديد المسؤوليات يرجع محدثنا الظاهرة ايضا الى ما عرفته القيم الاجتماعية داخل العائلة والمجتمع من انحرافات ويقول بهذا الصدد ان اللغة والألفاظ والتعابير المستعملة كانت في السابق تحدد حسب المكان بوضع ضوابط وفروق بين لغة المنزل ولغة الشارع وتحدد حسب الجنس بالتمييز بين لغة ومفردات النساء والأخرى الخاصة بالرجال وتحدد كذلك حسب السن بالتفرقة بين حديث الكبار وحديث الصغار مع ما يحمله ذلك من احترام وتقدير للأكبر سنا ولضوابط الحوار معه.. لكن اليوم اختلطت وانتفت جميع هذه الضوابط للغة وللحوار وللتواصل. ويبين السيد طارق بن الحاج محمد انه لا يجب تحميل المسؤولية في انتفاء هذه الضوابط للجيل الجديد بل الى العائلة والى المجتمع ككل الذي ساهم في انتفاء هذه المحددات القيمية تحت غطاء التحرر وفتح باب الحوار دون الاشارة الى ان الحوار لا يعني رفع الكلفة وان الانفتاح لا يعني غياب الضوابط. عجز القانون بمفرده يعتبر العنف اللفظي وكل ملفوظ جنسي او شتيمة من وجهة نظر قانونية جريمة يعاقب عليها القانون التونسي استنادا الى ما تضمنته فصول المجلة الجنائية ومجلة الصحافة وتصنف الجرائم المرتكبة في هذا الاطار تحت عنوان الاعتداءات على الأخلاق الحميدة وتصل العقوبات في هذا النوع من الجرائم الى السجن مع خطايا مالية.. غير أن القانون بمفرده لم يأت أكله ولم يحد من ظاهرة العنف اللفظي ويرجع البعض ذلك الى صعوبة الاجراءات عند الرغبة في التقاضي من أجل الضرر من العنف اللفظي لان اغلب النصوص تشترط ان يقوم المتضرر نفسه برفع قضية عند حصول جريمة قولية.. لكن ما نلاحظه ان عدد الجرائم بعنوان الاعتداء على الأخلاق والآداب المعروضة على انظار القضاء «تعد ضعيفة فلم تتجاوز 8،4% من مجموع القضايا المنشورة خلال السنة القضائية الفارطة وهي نسبة محدودة مقارنة بحجم ظاهرة العنف اللفظي والسب العلني للجنس وللجلالة..الخ المنتشرة في المجتمع ثم كيف يمكن أن يقدم الاشخاص على رفع قضايا جراء العنف اللفظي في الوقت الذي لم يعد استئناسا في المجتمع بل اصبح قاعدة تعامل غير مستهجنة في الكثير من الأحيان؟؟؟ يدعو مختصون في القانون الى ان اكساب النجاعة لهذا القانون يمر عبر تحمل الجهات المعنية بمراقبة الاخلاق الحميدة على غرار الفرق المختصة مسؤولية القيام بحملات دورية «لا مناسبتية» في الفضاءات العمومية في اطار البحث عن آليات الوقاية والردع المناسبة. دور العائلة بالتوازي مع ذلك يدعو من جهة أخرى الأستاذ جعفر حسين باحث في علم الاجتماع  الى تدعيم مختلف المؤسسات المهنية والعلمية والبحثية بمختصين في علم الاجتماع ومختصين في العلوم الانسانية للقيام بالبحث والتنقيب والاصغاء والحوار المرتبط بالواقع الضروري والجماعي كمجموعة من الادوات المساعدة على فهم بعض السلوكيات الاجتماعية ودوافعها ومبرراتها. ويدعو كذلك الى ان الحد من الظاهرة لا بد ان يمر عبر تحمل مختلف الاطراف الاجتماعية مسؤوليتها ليس بمنطق الوصابة او الوعظ او القوالب المنمطة بل ضمن تدريب مختلف الفاعلين والمؤسسات الاجتماعية على تمثل ادوارهم بالشكل المطلوب.. دعا من جهته السيد طارق بن الحاج محمد الى ان يتحمل الأولياء والمربون والكهول والاعلام مسؤولياتهم في التصدي لظاهرة العنف اللفظي ليكونوا قوة ومثالا يحتذى والى العمل على التربية بالاعتماد على القيم والاخلاق مثل التهذيب والحياء والخجل والاحترام فهي ليست قيم رجعية كما يراها البعض بل هي قيم كونية لا يمكن التربية من خارجها. ودعا ايضا الى عدم الاكتفاء بالادانة واعتبار الظاهرة تهم جيلا جديدا بل اعتبارها قضية مجتمع وقضية الاسرة والعائلة وكذلك قضية المجتمع المدني والجمعيات المدعوة الى اختراق النوادي وفضاءات التربية وفضاءات الشباب والوقت الحر للمساهمة في التأطير وتمرير مضامين توعوية وتربوية حول العنف اللفظي. منى اليحياوي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 02 أوت 2009)  

تحيّل.. أموال طائلة.. ووعود بـ«الحرقة الشرعية»


«مطلوب للعمل فورا بدولة اجنبية من لهم المستوى الثقافي ولا خبرة، الرجاء الاتصال على الرقم التالي (…)» فرصة من ذهب لكل فتاة تحلم بالعمل في (…) بلد عربي شقيق.. شركة للخدمات تعتزم انتداب بائعين وبائعات في الفضاءات الكبرى بدول الخليج..  هذا نموذج من الاعلانات اليومية التي غطت صفحات الجرائد لشركات واشخاص يقدمون جميع التسهيلات وتفتح جميع الابواب امام العاطلين عن العمل شابا كان او فتاة ولكل شخص اراد تحسين وضعه والعمل بالخارج. وقد اثار هذا التكاثر لهذا النوع من المؤسسات عدة تساؤلات اهمها هل تقوم فعلا بتوفير العقود للعمل بالخارج في ظروف قانونية ام انها تكتف بتقديم  وعود واهية وتتحيل على الاف الطامعين في السفر؟ مؤسسات عناوينها مؤقتة ونشاطها قد يكون التحايل على اشخاص بسطاء يأملون في حياة افضل لا يتم تحقيقها الا خارج الوطن. وذلك دون مطالب كثيرة ومعقدة. او التحايل على القانون تحت غطاء مؤسسات خدماتية عملها الاساسي تقديم الاستشارات والخدمات. مكاتب ضيقة اتخذتها هذه الشركات وسط العاصمة لتكتظ بالشباب والشبات حاملين ملفاتهم التي تضمنت نسخة من جواز السفر ونسخة من الشهادة المدرسية، وسيرة ذاتية وصورتين، وكذلك مبلغ قدره 30 دينارا معلوم الترسيم..!!! اما بالنسبة للمدة التي سينتظرها صاحب الملف فهي اسبوعان بعدها اما يتم قبول المطلب او رفضه وفي الحالة الاولى (قبول المطلب) يتم استدعاءطالب الشغل ويقع ابرام عقد ثلاثي الاطراف (المؤسسة الوسيطة والحريف والمؤسسة المشغلة) ويخول للوسيط اقتطاع ارباحه من الاجر الشهري او السنوي. واما في الحالة الثانية (وهي رفض المطلب) فيتم طمأنة صاحب الملف بوعود اخرى واهية وهكذا تتواصل عملية الاحتيال..  لا قانون يمنع ولا رقابة تردع.. تتكاثر مكاتب وسطاء التشغيل بالخارج بصفة ملحوظة ووقتية في اغلب شوارع العاصمة صفتها توفير العقود لذوي المستوى التعليمي المتدني والعاطلين عن العمل. وقد انتهج اصحاب هذه المؤسسات اسلوب الترغيب والترحيب والتسهيل وازالة كل العراقيل. فيتخذ مكتبا صغيرا. ذي تجهيزات محدودة وسكريتيرة تستقبل الحالمين وتقبض اموالهم التي تتفاوت من شخص لاخر حسب نوعية عقد العمل فمثلا عقد عمل بائعة او حلاقة ليس كعقد عمل لمعينة منزلية.. والغريب ان هذه المؤسسات منذ نشأتها الى يومنا هذا لا تتبع اي هيكل من الهياكل العمومية (باستثناء بعض المؤسسات القانونية) ولا تخضع لاي مراقبة ولا يمكن معرفتها الا عن طريق جرد ارقام هواتف دون هوية او كشف اصحابها عن طريق شكايات يتقدم بها المتضررون. والسؤال المطروح في هذا الخصوص، لماذا لا يتم إما تقنين هذه المؤسسات وتنظيمها حسب الشروط القانونية الواضحة أو يتم تتبعها وردعها؟ تستنزف بعض هذه المكاتب كل يوم أموال المئات من الشباب الحالم بالهجرة والذي يعتبر هو الآخر سببًا من أسباب تفاقم هذه الظاهرة. لكن لا يمكن أن لا نقر بقدرة البعض من هذه المؤسسات على توفير بعض العقود (الحلاقة، الباعة، مختصّين في التمسيد) خاصة في دول الخليج. ويقوم صاحب هذه المؤسسة بدور الكفيل وهو الذي يتكفل بالمجموعة التي سافرت إلى البلاد المعنية ويضمن وجودهم هناك، إما أنه يقبض أجورهم عوضًا عنهم ويتم الاستحواذ على جوازات سفرهم بحجة عدم الفرار في البلد المستقبل. والعديد ممن سافروا بهذه الطريقة اكتشفوا واقعًا مريرًا بعيدًا كل البعد عمّا كانوا يحلمون به فيقدّم العديد منهم اضطراريًا لا اختياريًا تنازلات عدّة تسلبهم حقوقهم وحرياتهم وإنسانيتهم في بعض الأحيان. هجرة منظمة لقطاعات البناء والكهرباء وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدد من فرص العمل والهجرة المتاحة للعديد من الحالمين بالهجرة في إطار اتفاقيات أبرمت بين تونس ودول أوروبية أبرزها فرنسا وإيطاليا حول الهجرة المنظمة التي تمكن تونس من حصة سنوية يستمتع بها خاصة خريجي مراكز التكوين المهني في اختصاصات عديدة تضم خاصة قطاعات البناء والكهرباء والصناعات الميكانيكية والمهن السياحية والإعلامية والاتصالات إضافة إلى اختصاص التجارة والتصرف والمطاعم والمطبخ والنقل. وقد ضبط الاتفاق شروط الهجرة إلى فرنسا وأساليبها ومدة العمل المرخص فيها وظروف الإقامة والعمل والحيطة الاجتماعية كما يضبط إجراءات دراسة المطالب وإعلام المعنيين وتوجيههم وتسليم تأشيرات الدخول والإقامة وتتم هذه الإجراءات في إطار قانوني منظم يحمي حقوق المهاجرين ويتم الإعلان عن هذه الانتدابات في الإدارات والهياكل الرسمية المختصة. فاطمة سحيم (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 02 أوت 2009)  

رؤية في علاقة الديني بالسياسي والحل العلماني


د رفيق عبد السلام   غالبا ما يطرح الإشكال السياسي في المنطقة العربية الإسلامية، وفي مقدمة ذلك غياب الحريات وتعثر الديمقراطية أو انتفائها أصلا إلى سيطرة الدين ورجاله على شؤون السياسة والحكم، وضمن هذا السياق يكتسي الحل العلماني أهميته وراهنيته بالنسبة للكثير من النخب العربية والإسلامية، وإن لا تتم المجاهرة بذلك إلا لمما، تجنبا لمصادمة الحس الإسلامي العام المتوجس من مقولة العلمانية،  بيد أن ثمة جملة من المعطيات  يتوجب الانتباه إليها عند تناول علاقة الديني بالسياسي عامة وصلة الدولة بالدين خاصة، في الرقعة العربية الإسلامية، ولذا من المناسب التوقف عند بعض المعطيات التشخيصية قبل الخوض في تفاصيل الحل أو الحلول المقترحة، وهي معطيات  يمكن إجمالها على النحو التالي:  أولا إن أغلب الدول العربية سواء تلك التي نحت منحى تحديثيا جذريا كما هو الأمر بالنسبة لتونس وسوريا والعراق البعثيتين، أو تلك التي أسست شرعيتها على أسس تقليدية دينية كما هو شأن السعودية ودول الخليج العربي، أو تلك التي نهجت منهجا توليفيا أو توفيقيا كما هو شأن المغرب ولبنان  ومصر واليمن والجزائر وغيرها تتسم بنزعة تحكمية تطال سائر مناحي الاجتماع بما في ذلك الدين ومؤسساته.  وهكذا يتبين  عند التحقيق الدقيق أن جوهر المشكل في رهن الدين ومؤسساته من طرف الدولة توازيا مع سيطرتها على المقدرات المادية والرمزية للمجتمع، أكثر مما يكمن في سيطرة الدين على مؤسسات الحكم أو وجود جهاز ديني ماسك برقاب الحكم، بما يجعل من المطلب الأقرب إلى الواقع العربي والإسلامي هنا، هو تحرير الدين من سيطرة الدولة وسطوتها، منه إلى تحرير الدولة والسلطة من الدين، التي هي أصلا متحررة من كل شيء عدا حساباتها ومصالحها الخاصة التي تريد إملاءها على الجميع.  جوهر المشكل يكمن في وجود دولة تحكمية كابحة لحركة المجتمع ومتسلطة على مصادر تعبيره الرمزي ومجمل مؤسساته ومناشطه العامة، وليس في وجود كنيسة أو جهاز ديني حصري يخنق أنفاسها. فأغلب الدول العربية ولإسلامية، بما في ذلك ذات الإدعاءات الحداثية،تتسم بطابع تأميمي واستحواذي على المجتمع والدين وتميل إلى استخدام المقدسات و »المدنسات » من أجل تسويغ هيمنها وتسلطها، وهي إلى جانب ذلك قد حولت الدين إلى مجرد أقسام في جهازها التنفيذي والبيروقراطي، وجعلت رجالاته أشبه ما يكون بالبيروقراط والموظفين لا يزيد دورهم على شرعنة الأمر الواقع وإكسائه بالغطاء الديني وليس أكثر. ومن المفارقات العجيبة أن أكثر الدول العربية جذرية وادعاءات حداثية و »علمانية » لا تقبل بأن يستقل الحقل الديني ومؤسساته ووظائفه العامة عن وظائف الدولة وبيروقراطها. ثانيا: يعاني الاجتماع السياسي الإسلامي حالة مزمنة ومتفاقمة من الاضطراب والفوضى إن على صعيد بناه الرمزية الثقافية أو على صعيد مؤسساته الناظمة ووظائفه الحيوية نتيجة تجارب تحديثية مشوهة زادتها دولة ما بعد الاستقلال تفاقما واتساعا، وليست حالة الفوران الديني والاستقطاب الاجتماعي والثقافي التي تشق المجتمعات الإسلامية إلا تعبيرا مكثفا عن هذه الأزمة الضاربة التي مازالت تعصف ببنيان المجتمعات الإسلامية وتهز وعيها العام بما يشبه الحركة الفوضوية التي لا معلم ولا وجهة لها. فقد خلف تراجع المؤسسة التعليمية الدينية وبموازاة ذلك ضمور دور عالم الدين أو الفقيه إلى ما يشبه الغياب فراغا هائلا لم يقدر المثقف الحديث أو ما يسمى الانتلجنسا على ملئه، خاصة مع غياب المؤسسات الفاعلة والمستقلة التي يمكن أن تسند دور المثقف الحديث بشقيه الإسلامي و »العلماني ». وفعلا تسم أغلب البلاد العربية الإسلامية بملمحين رئيسيين مترابطين، هما في الحقيقة ووجهين لمعضلة واحدة، أولهما الفراغ المؤسسي المريع نتيجة تفكك بنيات الاجتماع التقليدي وعجز أو تمنع دولة « الاستقلال » عن بناء مؤسسات حديثة محلها مقابل اتساع النواة المركزية للدولة واستحواذها على المجتمع الأهلي  وكل فضاءات التعبير الحر والمستقل، بما في ذلك الدين ومؤسساته الناظمة، فلا هي حافظت على المؤسسات التقليدية وطورتها ولا هي استبدلتها فعلا بمؤسسات حديثة وفاعلة، وثانيهما تداخل الوظائف الاجتماعية وتضاربها بشكل معيق لانتظام سير الاجتماع العام ولاستقراره وتوازنه، وهكذا أضحى أمرا  بديهيا أن تتدخل الدولة في الكبيرة والصغيرة  وأن يحل رجل الحكم والسياسة حكما في مجالات الدين والثقافة والفن وفي كل شيء، ولعل أكثر الوجوه تعبيرا عن هذه الأزمة الخانقة غياب التخصص الوظيفي وتداخل المجالات الوظيفية بصورة عشوائية وفوضوية. ثالثا:  يجب أن ننتبه إلى أن التسلط السياسي يأخذ أشكالا وصيغا متنوعة ومختلفة، وليس ذاك المدعوم أو المسنود ديننا إلا صنفا من أصنافه ووجها من وجوهه، ولذلك لا يجب الاطمئنان إلى مقولة أن « علمنة » أو دهرنة السياسي  ستجلب معها الديمقراطية والحريات ضرورة. فهناك وجوه استبدادية أخرى في عصرنا الراهن، وخصوصا في منطقتنا العربية والإسلامية قد تكون أشد فتكا وأكثر ضراوة من « الاستبداد الديني »  ولكنها لسوء الحظ  لم تنل قدرا كافيا من التشخيص والبحث. هذا الصنف كنت أسميته في مواضع سابقة بالاستبداد الحداثي، وهو نمط من الاستبداد يقوم على الاستخدام الذرائعي  للقاموس السياسي الحداثي بهدف شرعنة السيطرة وكسب الولاء الخارجي من قبيل الديمقراطية والتقدم والتنوير والتحديث وما شابه ذلك. وفعلا ينبهنا عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر إلى حقيقة مهمة كثيرا ما تغيب عن أذهان القسط الأكبر من المثقفين العرب، وهي أن الانتقال من الاجتماع التقليدي إلى الحديث لا يعني ضرورة فتح أبواب جنة موعودة، بقدر ما يقترن ذلك أحيانا كثيرة  بظهور وجوه وأشكال تسلطية جديدة وغير مسبوقة، بموازاة اتساع أدوات الضبط والرقابة التي تتيحها البيروقراطية وتتطور التقنيات والعلوم الحديثة، التي يتم توظيفها إلى أقصى الحدود الممكنة من طرف الدولة الحديثة، فمن يقول مثلا أن الفاشية والنازية والستالينية والأتاتوركية والبورقيبية كانت تقليدية أو دينية. ربما تبدو هذه المشكلة (أي الاستبداد الحداثي)  أكثر تفاقما وامتدادا في العالم العربي نتيجة رجحان التحديث الأداتي الذي يتكثف في النواة المركزية  للدولة مقابل غيابه أو تضاؤله في المجتمع. فأكثر التقنيات تطورا قد أخذت سبيلها إلى الدولة وخصوصا جهازها الأمني والاستخباري مقابل حجبها عن الوظائف الحيوية للمجتمع، حتى لكأن  عصر الحداثة (وحتى ما بعد الحداثة) العربي إن جاز القول  يتموضع في أفنية وزارات الداخلية والأمن ولما يلامس بعد  الوظائف الحيوية للمجتمع من الاقتصاد إلى الصحة ومن التعليم إلى الإدارة وغيرها.   ما أردت قوله هنا أنه لا يوجد تساوق حتمي بين التحديث والديمقراطية كما لا يوجد اقتران حتمي بين الدين والاستبداد، ومن ثم علينا أن نخرج من تلك المعادلة البسيطة التي تعادل بين حداثة أو تحديث وديمقراطية وبين الدين والاستبداد، وأن نكون فعلا أكثر حذرا من الاستبداد الحداثي قدر احترازنا  وحذرنا من الاستبداد الديني.   مبدأ الحياد والتجربة التاريخية   ذكرت هذه المقدمات العامة أعلاه بهدف تقديم تشخيص دقيق وعيني للحالة العربية الإسلامية بدل الانسياق وراء مقولات نظرية عامة، أو وراء معالجة خاطئة أو متخيلة ولا تصمد أمام الواقع وتعقيداته الراهنة، ومع ذلك أقول في هذا الصدد، وبعيدا عن الدخول في السجالية العقيمة حول  الدولة الإسلامية أو الدولة  العلمانية ، بأن هنالك حاجة فعلا إلى إقامة نوع من التمايز الوظيفي بين الدين والدولة، وقد غدا هذا الأمر أكثر إلحاحا في ظل تعقد الاجتماع الحديث وتضخم الدولة الحديثة وحدة أنيابها ومخالبها.  فشؤون الدين العامة ومؤسساته ووظائفه يجب أن تكون جزء مكينا من حركة المجتمع الأهلي وقواه الفاعلة بدل  أن تكون  جزء من أجهزة الدولة ومشاغلها، فالدولة وأيا كان شكلها ونوعية الشرعية التي تتأسس عليها إسلامية كانت أم  علمانية، حداثية أم  تقليدية تميل بطبعها إلى الاستيلاء على أسس الشرعية الرمزية والمعنوية بقدر حرصها على الاستحواذ على الثروات والمصالح المادية، وإذا كان الملك يميل إلى الانفراد وطلب المجد كما يحدثنا العلامة ابن خلدون فأنى  له أن يكون  حارسا أمينا للدين أو أي من القيم الأخرى. وفعلا إن أهمية الفكر السياسي الواقعي بدءا بابن خلدون ومرورا بمكيافيلي وهوبس ومونتسكيو وإلى حد ما هيجل وبغض النظر عما تلبس بطرحهم من بعض السلبيات، تكمن في الانتباه إلى حقيقة سياسية مهمة وهي أن السياسي ليس مجالا لتجسد الفضائل الأخلاقية والروحية بقدر ما هو قرين الصراع على المصالح والتدافع من أجل الاستئثار والاستحواذ، بما يدعو إلى التوجس من السلطة وحتى الدولة بدل الثقة العمياء فيها، ولا غرو أن فتح هؤلاء المجال بشكل أو بآخر أمام امكانيات العلاج السياسي على نحو أو آخر، أي ابتداع الوسائل والإجراءات المناسبة للحد من هذه الشرور وتقليصها ما أمكن، ومن هنا ولدت فكرة فصل السلطات واستقلالية المجتمع المدني عن السلطة السياسية وفكرة توازن المؤسسات وجعل  بعضها رقيبا على البعض، وهنا تكمن أهمية ما أسميناه  بالمعالجة الإجرائية الديمقراطية. ·درج  الفكر السياسي الإسلامي التقليدي في إطار ما سمي بالآداب السلطانية أو السياسة الشرعية على  إضفاء نوع من الهالة القدسية على دور « الخليفة »، إلى جانب اعتبار السلطان حارسا للدين والملة، إلا انه عند تأمل التجربة التاريخية الحية يتبين أن الدولة السلطانية كانت تحتمي بالدين أكثر مما كانت تحميه وكانت تطلب حراسته أكثر مما تحرسه، ولعل هذا ما يفسر دعوة العلماء منذ وقت مبكر ومنذ استيلاء بني أميه على الحكم، ثم بصورة أوضح في الحقبة العباسية وخصوصا مع تجربة المأمون لاحقا الذي عمل  على فرض الاعتزال بقوة الدولة على المجتمع، دعوتهم إلى كف يد الحكام عن التدخل في مجال الدين أو تحويله إلى ما يشبه الايديلوجيا الرسمية للدولة، فقد دعوها إلى الالتزام بالحدود العامة للشريعة مع ضمان حيادها في مسائل الاجتهاد الديني والاعتقادي وترك ذلك للعلماء دون غيرهم، وكان من نتائج ذلك ظهور ما أسماه المؤرخ الأمريكي القدير أيرا لابيدوس بالتمايز والانفصال بين فضاءات القصور والأمراء وفضاءات المجتمع الأهلي، فقد كانت القصور الملكية والأميرية حقلا لتجسيد الأبهة السلطانية والمواريث الساسانية والرومانية القديمة التي تم إحياؤها في قالب من الشرعية الإسلامية، في حين  كان المجتمع الأهلي عامرا بالمؤسسات العلمية والدينية والاجتماعية، ولعل هذا ما يفسر المفارقة العجيبة التي طبعت التاريخ السياسي الإسلامي بين دولة شديدة التقلب والصعود والأفول ومجتمع شديد الانتظام  والاستقرار.  فعلا لقد حصل مثل هذا  التمايز في التاريخ الإسلامي بين الدين والسلطان أو بصورة أكثر دقة بين حقول الفقه والدين  والحكم والسلطان أو بين أهل السيف وأهل القلم، ولست معنيا كثيرا إن كان ذلك يسمى  علمانية أو لا، المهم أن ذلك قد حصل فعلا. ·ومع ذلك هناك فكرة مهمة في الفكر السياسي السني يمكن الاستفادة منها والمراكمة عليها تقوم على  الإقرار الضمني والصريح بأن السياسة هي مجال تقديري اجتهادي وليست مجالا للتقييد والإلزام، وبهذا المعنى يمكن القول أن السلطة هي شأن بشري نسبي ، اللهم من جهة موجهاتها الأخلاقية والروحية العامة. فلا توجد كنيسة حصرية في الإسلام تحدد ما هو مشروع وغير مشروع، كما لا يوجد ولي فقيه مفوض من السماء يحوم فوق رؤوس الناس وإرادتهم أو يتموضع فوق المؤسسات العامة المنتخبة، بل إن الشأن السياسي مجاله التحسين والتقبيح وميزان المصالح والمفاسد الذي يحدده الاجتهاد العقلي واختيار الناس الحر.     الحل العلماني والحل الإسلامي ومبدأ حياد الدولة   ·تستنزف الساحة الثقافية والسياسية العربية ضرب من السجالية العقيمة تحولت بعامل الوقت إلى استقطاب انشطاري حاد بين معسكر الحل العلماني من جهة  والحل الإسلامي من جهة أخرى، وهو انشطار تشكل في حقيقة الأمر في الأجواء الصاخبة التي صاحبت تفكك السلطنة العثمانية سنة 1924، وصعود الأتاتوركية.  فمنذ أن كتب رشيد رضا سلسلة  مقالاته الشهيرة في مجلة المنار سنة 1922 ثم عاد وجمعها في كتاب المعروف الذي أسماه  « الخلافة أو الإمامة العظمى »، ثم جاء من بعده علي عبد الرازق فنشر كتابه الشهير « الإسلام وأصول الحكم » سنة 1925، أخذت الساحة الفكرية العربية في الاصطفاف بين من ينادي بأسلمة الدولة وتطبيق الشريعة من جهة، ومن ينادي بعلمنتها وفك ارتباطها بالدين من جهة أخرى، وبين من ينادي باستعادة الخلافة والشريعة ومن يقول بعدم إلزاميتها دينا وعقلا. ورغم أن علي عبد الرازق الشيخ الأزهري لم يخرج في الحقيقة عن سياقات الطرح الفقهي والكلامي التقليدي للمسألة السياسية إلا أن السياقات التاريخية التي عبر فيها عن مواقفه السياسية (تفكيك نظام السلطنة في تركيا وسعي مصر فاروق على امتلاك شرعية سياسية ودينية للحلول محلها) قد  دفع الأمور باتجاه هذا المنحى الاصطفافي بين تلاميذه من جهة وتلاميذ الشيخ رشيد رضا وأتباعه من جهة أخرى. وربما صار بمقدورنا اليوم أخذ بعض المسافة من هذه الثنائية القاطعة وهذه السجالية الحادة بما يتيح لنا تقليب النظر في شأن السياسة والدين، وعلاقة الدين بالدولة بشكل أكثر هدوءا واتزانا،  ولعله من المناسب هنا إبعاد شبهة العلمانية عن دائرة السجال العام لما يكتنفها من غموض وطابع استقطابي، والتشديد بدلا من ذلك على مفاهيم منضبطة ومحددة من قبيل الديمقراطية، حياد الدولة، الحريات وما شابه ذلك.   ·هناك حاجة فعلية اليوم إلى التشديد على حيادية الدولة إزاء شؤون الثقافة والدين والمجتمع من دون تردد، إذ ليس من مهام الدولة ولا من حقها فرض أنماط ثقافية أو فكرية أو سلوكية معينة سواء باسم اللائكية أو الإسلامية، بل إن دورها يجب أن يقتصر على حماية السلم المدني وخدمة الصالح العام وليس أكثر. ورغم أن مسألة الحياد تظل نسبية لأنه لا توجد دولة في نهاية المطاف ليس لها خياراث ثقافية وقيمية معينة، إلا أنه من المؤكد هنا أن ثمة فروقا واضحة بين دولة تتيح حرية الاختيار أمام الأفراد والمجتمعات وبين أخرى لا تتيح هذا الهامش أصلا وتتدخل في اختيارات الناس وأفكارهم وأذواقهم. وهنا أقول إنه يتوجب على العلمانيين الجذريين وكذلك الإسلاميين الجذريين التخفيف من غلوائهم وتوطين أنفسهم على انتفاء الدور « الرسالي » والعقائدي للدولة، وأنه ليس من مسؤوليات الدولة ولا من حقها أن تفرض على الناس أنماطا في الاعتقاد أوفي الملبس والمأكل أو في الذوق الخاص والعام سواء باسم الدين والشريعة أو باسم العلمانية أو اللائكية. إذا تجاوزنا الجانب النظري من المسألة وركزنا بدلا من ذلك على معاينة الواقع العيني السياسي فإنه يمكن القول بأن النموذج التدخلي بضربيه العلماني والإسلامي مضر بحرية الناس وبتوازن مجتمعاتنا واستقرارها، على نحو ما تبرز ذلك التجربة العلمانية الجذرية التركية والإيرانية الشيعية على السواء. ·رغم أن النماذج المجتمعية عامة ليست موضع استجلاب أو استنساخ إلا أنه يمكن على سبيل الجملة الاستفادة من النموذج الأنجلوسكسوني مع تجنب النموذج الفرنسي ما أمكن لما خالطه من نزوعات جذرية وتدخلية تحت عنوان اللائكية والجمهورية، فإذا كان الفرنسيون بحكم ملابسات التجربة الفرنسية، الخاصة جدا حتى بالمقاييس الأوروبية، قد رأوا في الفضاء العام مجالا يتوجب تطهيره من الأديان والعقائد وإحلال الثقافة الدهرية اللائكية محله بقوة الدولة وسلطان المدرسة والثقافة العامة، فإن أقرانهم الانجليز وبصورة أوضح الأمريكان فيما بعد، رؤوا الفضاء العام مجالا مفتوحا أمام مختلف العقائد والأديان والطوائف، وأن مهمة الدولة تقتصر على حسن تنظيمها حتى لا يغلو بعضها على بعض، وإذا كان الفرنسيون يضيقون ذرعا من وجود تعبيرات ومظاهر دينية خاصة باعتبارها مناقضة لمبدأ اللائكية أو الجمهورية فإن أقرانهم الانجليز والأمريكان اعتبروا ذلك يدخل ضمن حرية الاختيار الخاص للفرد أو الجماعات (علما وأن مقولة الجماعات مرفوضة مطلقا بحسب الفكرة الجمهورية الفرنسية) وهنا أقول إن النموذج الأمريكي والبريطاني أقرب إلى الواقع العربي والإسلامي وأفيد من قرينه الفرنسي، شريطة أن نتخلص من فكرة الاستنساخ أو النموذج الجاهز أيا كان شكله أو لونه.   ·أخلص من كل ذلك إلى القول بأننا في حاجة في المرحلة الراهنة إلى إبعاد الدولة ما أمكن عن مساحات كثيرة ظلت تعتبرها حقا حصريا لها، ومن ثم ترك الحراك الاجتماعي والسياسي يجري على سجيته ووتيرته الطبيعية مع تغليب روح المساومات والتسويات الفكرية والسياسية على أمل أن يتشكل النموذج المجتمعي على هيئة محددة ومقبولة من الجميع. المشاريع المجتمعية لا تولد مكتملة ولا هي منتج مجموعات ايديلوجية محددة بل هي حصيلة مسار تراكمي طويل ومعقد من التجاذبات والمساومات بين سائر القوى الفكرية والاجتماعية والسياسية وبين مختلف النخب الفكرية والسياسية. كما أنه يتوجب التنبيه هنا إلى أن المشاريع المجتمعية ليست نماذج مطلقة ومجردة بل لها لحمها وعظمها، أي هي تتخلق في رحم المجتمع بنجاحاته وإخفاقاته، وكذلك تستجيب لمطالبه وحاجاته العامة. ومن هنا يجب أن نتخلص من فكرة النموذج العلماني الطهوري الجاهزة، وكذا فكرة النموذج الإسلامي الكاملة والمستجلبة من الماضي والتاريخ، فلا فكرة الدولة اللائكية على طريقة يعاقبة الثورة الفرنسية ولا نموذج الدولة السلطانية التقليدية صالحة لوضعنا الراهن، فنحن إزاء وضع جديد لا يسعف فيه القديم الغارب ولا  « الجديد » الوافد. الحل العلماني أو العلاج العلماني مثلا الذي ظهر في القارة الأوروبية لم يولد لأن هنالك جماعة من الفلاسفة والمفكرين قد استهوتهم العلمانية بل لأنها أصبحت حاجة عملية فرضتها أجواء الحروب الدينية في القرنين السادس عشر والسابع عشر بعدما أصبح الدين قرين الانقسام والمنازعة، وكذلك بعدما أصبح من غير الممكن تأسيس الاجتماع السياسي على الدين والكنيسة، ولست متيقنا بأن العلمانية قد أصبحت مطلبا عاما في مجتمعاتنا أو أن لها قوى اجتماعية وسياسية تتحرك بها على الأرض، أو هي قادرة أن تشكل إجماع سياسي جديد على أنقاض الإجماع التاريخي المتفسخ، ولكنني مع ذلك مطمئن إلى مطلب حيادية الدولة يمكن أن يساعد الجميع على النضوج الفكري والسياسي.   ·إن الحلول ممكنات تلوح في الأفق قد نمتلك بعض إشاراتها ومعالمها وليست شيئا مكتملا  يقع خلف ظهورنا أو نمسك به  بين أيدينا. وإذا كانت الحداثة تعني في بعد من أبعادها الأساسية إعمال الاجتهاد وقدح زناد الفكر بعيدا عما قاله القدامى وما دونه المحدثون فيجب ألا نتهيب من فتح دروب جديدة وحتى غير مسبوقة إن على صعيد الفكر أو الاجتماع السياسي. لقد تفكك الإجماع التقليدي مع موجة الاجتياح الاستعماري الغربي وتجربة التحديث، ولكن لم تتبلور بعد معالم إجماع جديد يحل محله، وهو أمر يحتاج إلى جهد جماعي وحوار عام ومفتوح بين الإسلاميين والعلمانيين وسائر القوى الاجتماعية والسياسية إلى أن نصل إل هذا الإجماع المطلوب، وقد يستغرق هذا الأمر أجيالا كاملة إلى أن تتشكل صورته النهائية. مع التنبيه هنا إلى أن سؤال الهوية العامة للنظام السياسي والاجتماعي لا يمكن حسمه بفعل سلطوي وسريع من هذه الجهة أو تلك.   حاجات راهنة نحن في أمس الحاجة للخروج من هذه السجالية الضيقة والخانقة التي كانت ومازالت تحكم الساحة الفكرية والسياسية العربية وتكبح حركة التطور والنضج الفكري والسياسي، والتأكيد مقابل ذلك على ثلاثة أفكار أولية بسيطة رئيسية: أولا حيادية الدولة والتخفيف من وطأتها ما أمكن مقابل إعطاء الأولوية للمجتمع المدني وتحريك طاقاته الدفينة والمكبوتة التي تغذي الاضطراب والعنف الذي بات يتهدد الجميع. لقد أقرت أغلب الدول العربية بأن لغتها الرسمية هي العربية وأن الإسلام مصدر للتشريع. هذان البعدان كفيلان بتنظيم حياة سياسية مستقرة وهادئة ولا حاجة لمزيد أدلجة المسألة سواء برفع مطلب علمانية الدولة أو إسلاميتها. ثانيا: الاعتراف بمختلف القوى المكونة للمجتمع من دون تمييز على أساس  الدين أو العرق أو اللون أو الجنس وفق مبدأ المواطنة العامة مع التشديد على علوية القوانين، وفسح مجال المشاركة والعمل أمام جميع التيارات السياسية والفكرية من غير إلزامات مسبقة عدا تجنب استخدام العنف أو تعريض الاستقرار الأهلي للتهديد والانتهاك. أما هوية النظام السياسي والاجتماعي العام أو ما يعبر عنه بالمشروع المجتمعي فيجب أن يظل مفتوحا وموضعا للتداول العام من الجميع. ثالثا تفعيل آليات الحوار والتداول العام وتغليب روح المساومات والتسويات على الصلابة الإيديلوجية والعقائدية بهدف بلوغ الحلول الوفاقية بين القوى المتنافسة، فالواقع يظل أقوى وأصلب من  الأفكار والإيديلوجيات، والتجربة كفيلة بتعديل الأفكار وتطويرها، وفي بيان مواطن الصحة من الخطأ. باختصار نحن في أمس الحاجة إلى تفعيل ما أسماه الفيلسوف الألماني هابرماس  بالفعل التواصلي في مجتمعاتنا أي مد جسور التداول والحوار العام بين النخب فيما بينها، وبين مختلف القوى الاجتماعية والسياسية، حتى تصل مجتمعاتنا فعلا إلى ضرب من  الوفاق العام حول موقع الدين ودور الدولة ووظائف المجتمع المدني وغيره، ليس عندي حلول سحرية ولا تصورات واضحة ومكتملة حول مشروع مجتمعي « إسلامي » أو « علماني »، ولكنني مقتنع بفكرة بسيطة وواضحة هي أن الحوار والحرية كفيلان بإنضاج الرؤى وتطور الجميع، وهما مدخل العلاج لمشكلاتنا المستعصية.   والله أعلم ورقة قدمت في ندوة الحوار بين قوى فكرية وسياسية مختلفة بالرباط يوم 7 جويلية 2009  


أميركا: يتعين على حماس الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود


واشنطن – DPA  قالت الولايات المتحدة إنه ينبغي على خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس أن يقدم مزيدا من التنازلات لكي يتمكن الجانبان من عقد محادثات. يأتي هذا التصريح بعد أن أعلن مشعل عن شروطه أمس الأول الجمعة من أجل أن تمد الحركة المسلحة يد المساعدة للولايات المتحدة في تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي. وقال مشعل في مقابلة أجريت من مقر حركة حماس في دمشق ونشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» إن حماس قد تقبل دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، إذا قبلت إسرائيل بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وإقامة عاصمة الدولة الفلسطينية في القدس الشرقية. وقال مشعل للصحيفة: «لقد اتفقنا مع الفصائل الفلسطينية الأخرى بالإجماع على قبول إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967» وأكد أن هذا هو البرنامج الوطني وأن الحركة تلتزم به وتحترمه. وأعرب عن استعداد حماس للتعاون مع الولايات المتحدة إذا نجح البيت الأبيض في إقناع إسرائيل بتجميد بناء المستوطنات ورفع حصارها الذي تفرضه على قطاع غزة. كما عرض إجراء تبادل للأسرى مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط. وأكد مشعل أن حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية على استعداد للتعاون مع أي جهد أميركي أو دولي أو إقليمي لإيجاد حل عادل للصراع العربي-الإسرائيلي وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ومنح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره. واعتبرت الولايات المتحدة هذا العرض غير كافي. وقال فيليب كرولي المتحدث باسم وزارة الخارجية إنه يتعين على حماس الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ونبذ العنف. وأضاف كرولي: «إن شروطه أقل بكثير من المبادئ التي تم تحديدها على نطاق واسع وبشكل متكرر من قبل اللجنة الرباعية». في إشارة إلى اللجنة الرباعية للشرق الأوسط التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة. (المصدر: صحيفة « العرب » (يومية – قطر) الصادرة يوم 02 أوت  2009)

مشعل: نتعاون مع واشنطن إذا جمدت الاستيطان وأنهت الحصار


 واشنطن – UPI  أعلن زعيم حركة «حماس» خالد مشعل أن الحركة مستعدة للتعاون مع واشنطن في الترويج لحل سلمي للصراع العربي- الإسرائيلي في حال تمكن البيت الأبيض من تجميد الاستيطان ورفع الحصار الاقتصادي والعسكري عن قطاع غزة. وقال رئيس المكتب السياسي لحماس خلال مقابلة في مقر الحركة في العاصمة السورية دمشق مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية نُشرت أمس الأول الجمعة إن الجناحين السياسي والعسكري للحركة مستعدان للالتزام بوقف إطلاق نار متبادل مع إسرائيل، وبعملية تبادل للأسرى يتم خلالها تسليم مقاتلي «حماس» في مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. وذكر مشعل أن منظمته مستعدة لقبول واحترام قيام دولة فلسطينية على أساس حدود العام 1967، وذلك في إطار اتفاق سلام أوسع مع إسرائيل، شرط أن يوافق المفاوضون الإسرائيليون على حق عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين وتحديد عاصمة الدولة الفلسطينية في شرق القدس. واعتبرت الصحيفة أن هذه التصريحات لا تصل إلى حد الاعتراف بإسرائيل، وهي خطوة مطلوب من حماس القيام بها كي تشارك في محادثات السلام ولكن العديد من الدبلوماسيين الشرق أوسطيين قالوا إنها قد تعتبر «خطوة مهمة نحو هذا الهدف». وقال مشعل للصحيفة إن «حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى مستعدة للتعاون مع أي جهد أميركي أو دولي أو إقليمي للتوصل إلى حل عادل للنزاع العربي- الإسرائيلي وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير مصيره». ونقلت الصحيفة عن أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما رفضت الرد على تعليقات مشعل، مع العلم أن أوباما سبق أن أعلن أن الولايات المتحدة لن تجري أية محادثات مباشرة مع حماس ما لم تتخلَّ رسمياً عن الإرهاب والعنف وتعترف بدولة إسرائيل، فيما يقول مسؤولون أميركيون إن التواصل مباشرة مع مشعل سيقوض السلطة الفلسطينية. كما نقلت عن مارك ريغيف المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه تصريحات مشعل، قائلاً «إن كل من كان يتابع تصريحات خالد مشعل خلال الأشهر القليلة الماضية يرى بوضوح أنه رغم بعض المحاولات لاستخدام لغة تجميلية تؤشر إلى سياسة اعتدال محتملة، إلا أنه يبقى متمسكاً بأيديولوجيا متطرفة تعارض أساساً السلام والمصالحة». وقال مشعل في المقابلة: إن حماس تنتظر أن يقدم الرئيس أوباما ومبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشيل مخططاً شاملاً لإجراء محادثات السلام في الشرق الأوسط. وأضاف: «ماذا سيحدث ما لم توافق إسرائيل على وقف بناء المستوطنات؟ وقف المستوطنات خطوة ضرورية ولكنها ليست الحل بحد ذاتها». ولفتت الصحيفة إلى أن مشعل عرض المصالحة مع الولايات المتحدة والغرب، لكنه عبَّر عن عدائه لإسرائيل وقيادتها قائلا: «لا أهتم لأمر إسرائيل، فهي عدونا وتحتل أراضينا وترتكب الجرائم ضد شعبنا، لا تسألوني عن إسرائيل، فإسرائيل تتحدث عن نفسها». وشدد مشعل على أن حماس لن تكون عقبة أمام السلام، وقال «وافقنا مع الفصائل الفلسطينية الأخرى بالإجماع على دولة فلسطينية وفق حدود 1967، هذا برنامج وطني، هذا برنامجنا، وهذا موقف نلتزم به ونحترمه». (المصدر: صحيفة « العرب » (يومية – قطر) الصادرة يوم 02 أوت  2009)  

حمدان: الإفراج عن معتقلي حماس بالضفة يُنهي أزمة سفر كوادر فتح من غزة


ربط الدكتور أسامة حمدان ـ ممثل حركة المقاومة الإسلامية « حماس » في لبنان ـ يوم الأحد السماح لكوادر فتح بالمشاركة في مؤتمر الحركة السادس، بالإفراج عن معتقلي حماس في سجون السلطة الموالية للإحتلال. وقال حمدان ـ في مؤتمر صحفي ـ إنّه « على رغم تسارع وتيرة الاعتقالات من قبل حركة « فتح » للعديد من عناصر « حماس » في الضفة وتعذيبهم وموت بعضهم تحت التعذيب، واستجابةً للجهد المصري، قبلت حركة حماس بالحوار الذي كان يهدف إلى دفع جهود المصالحة إلى الأمام، وجرت جولات حوارية حول المعتقلين والوضع الأمني في الضفة وغزة، لكن للأسف استمرت الاعتقالات، وبلغ عدد المعتقلين ما يزيد عن الألف لدى حركة فتح ». وأضاف حمدان: « على الرغم من الجهد المصري لإطلاق المعتقلين، كان وفد فتح يقول للمصريين إن هناك التزامات عليه لدى المجتمع الدولي وإسرائيل، ونحن لم نعد نتحمل هذا الوضع المزري، إذ أن المعتقلين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب »، مضيفاً « شعبنا يُجلد بطلب من إسرائيل وبحماية أمريكية عبر أيدٍ فلسطينية، ثم يأتي أبو مازن ليطلب من حماس أن تسمح للبعض من كوادر فتح أن يذهبوا إلى حضور مؤتمرها السادس ». وتابع: « هذا الطلب في ظل الأزمة المفتوحة ورغم احترامنا للوسطاء لا يمكن قبوله هكذا، وقد منعنا كوادر فتح من السفر وذلك نتيجةً لتعنّت أبو مازن وضربه للجهود المصرية للحل، علمًا أننا في حماس نُكنّ كل الاحترام لحركة فتح ولا نتدّخل في شؤونها الداخلية »، مؤكداً أن « الإفراج عن معتقلي حماس في الضفة يُنهي أزمة سفر كوادر فتح من غزة، وحتى الآن يرفض أبو مازن وحركة فتح إطلاق المعتقلين »، مناشدًا « إطلاق سراحهم ما يسمح بعودة الأمور إلى سابق عهدها ». (المصدر:موقع البشير للأخبار الإلكتروني بتاريخ 2 أوت 2009 )
 

استحقاقات أمام مؤتمر فتح السادس


منير شفيق صحيح أن عقد مؤتمر فتح تحت الاحتلال وتحت هيمنة أجهزة الأمن التي بناها الجنرال كيث دايتون يفقد المؤتمر شرعيته. فهو مؤتمر مسلوب الإرادة. وقد تمّ تعيين مكانه بعد قرار محمود عباس عضو اللجنة المركزية حلّ اللجنة التحضيرية وما تبع ذلك من تداعيات أدّت إلى مساومات وتدافعات فرضته فرضاً. وهو ما أخرج فاروق القدومي أمين سر اللجنة المركزية عن طوره وأجبره على إعلان الوثيقة الشهيرة التي أودعها لديه الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات قبل استشهاده، وذلك لكي يعلن براءته من قرار عقد المؤتمر في بيت لحم والذي اعتبره غير شرعي. ومع ذلك فإن غالبية كبيرة من قيادات فتح وكوادرها سيشاركون في المؤتمر ما دام سينعقد في كل الأحوال، ما جعلهم يرون الحضور أفضل من المقاطعة مع أن الكثيرين منهم كانت لهم مواقف متشدّدة ضد عقده في بيت لحم. وبهذا تكون مشاركتهم بسبب الاضطرار، في محاولة للتحرّك داخل المؤتمر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو قُل من أجل عدم ترك الميدان لأبي حميدان، فوجودهم سيكشف عن كل تهديد أو ابتزاز أو تزوير. وهنالك من سوّغوا الحضور لإسقاط محمد دحلان وفريق محمود عباس، مع تحييد محمود عباس نفسه، إلى جانب السعي لإدخال معارضين في اللجنة المركزية والمجلس الثوري لإسقاط الخط السياسي الذي انتهجه محمود عباس، رغم تحييده (لأسباب تاريخية). لا شك في أن عدداً من الحضور سينشغل بموضوع انتخابات اللجنة المركزية والمجلس الثوري أكثر مما سينشغل بالقضايا الأكثر أهمية. وذلك تحت الأمل، أو التوهّم، بأن وصول أعضاء فتحاويين مخلصين لفتح وتاريخها إلى تلك المواقع سيكون مقرِّراً لمستقبلها ومستقبل القضية، وهو رأي له وجاهته إذا أمكن استبعاد محمود عباس من موقع قيادة اللجنة المركزية، ومن ثم قيادة فتح. ولكن إذا تمكن محمود عباس من أن يفرض قراراً على المؤتمر يسمّيه «رئيساً للحركة» أو «أميناً عاماً لها» أو حتى «قائداً عاماً» (ولو بلا قوات مسلحة يقودها)، فعندئذ لن يكون هنالك من قيمة لأي بيان سياسي يصدر عن المؤتمر، وسوف يُصادَر دور اللجنة المركزية والمجلس الثوري من خلال الهيمنة على قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئاسة السلطة، كما هو حاصل الآن، وكما دلت تجربة رئاسة السلطة واللجنة التنفيذية خلال السنوات الخمس الماضية. فإذا حلّ اللجنة التحضيرية المعيّنة من اللجنة المركزية ثم فرض عليهما ما يريده وهو مجرد عضو في اللجنة المركزية فكيف إذا مُنِحَ صلاحية الرئيس أو الأمين العام أو القائد العام من المؤتمر؟ فعندئذ على فتح السلام، لأن مصير أي عضو معارض لن يختلف عن مصير فاروق القدومي رغم أسبقيته وأولويته في اللجنة المركزية على محمود عباس. على أن المؤتمر سيكون مواجهاً بعدد من الاستحقاقات تقرر مدى هزاله أو جدّيته ناهيك عن عقده غير الشرعي في بيت لحم. أولاً: هنالك استحقاق أمام المؤتمر يوجب على محمود عباس أن يجيب عن الأسئلة التالية: كيف قرّر أو تقرّر تحويل 7 آلاف ضابط من فتح إلى التقاعد لتطلق يد الجنرال دايتون لإعادة بناء الأجهزة الأمنية بما أفقد فتح سيطرتها على تلك الأجهزة، وجعل ولاءها الفعلي لدايتون وسلام فياض رغم شكلية الولاء للرئيس؟ هنا وجهت ضربة قاتلة لفتح. وقد وعد سلام فياض أن يفعل الشيء نفسه في المؤسسات الأخرى التابعة للسلطة. إنها سياسة تحويل غالبية أبناء فتح إلى متقاعدين يكبّلهم استمرار الراتب. ثانياً: كيف يفسّر الرئيس محمود عباس سياسته بعد مؤتمر أنابوليس بالانخراط في مفاوضات سريّة ثنائية مع استمرار الاستيطان في القدس وخارجها واستمرار الحفريات بل تصعيد الاستيطان بوتائر عالية جداً. فإذا كان شرطه الآن للتفاوض وقف الاستيطان فما تفسير عدم وجود مثل هذا الشرط طيلة مرحلة المفاوضات الثنائية التي دامت أكثر من سنة ونصف السنة؟ فهنالك الكثير من الأراضي الفلسطينية طارت مع الجدار ومع المستوطنات تحت غطاء المفاوضات الثنائية. أفلا يوجب هذا أن يحاسب محمود عباس إلى حد مطالبته بالتنحي عن قيادة السلطة وعدم التجرؤ بفرض قيادته مجدداً على فتح؟ والأهم: كيف يدّعي أنه يريد إقامة دولة على أراضي ما قبل يونيو 1967 فيما سلم بمبدأ تبادل الأراضي الذي سيكرّس المستوطنات الكبرى في الضفة والقدس. وقبِلَ سلفاً أن تكون القدس الغربية عاصمة ل »إسرائيل »؟ ثالثاً: كيف يفسّر الرئيس محمود عباس صراعه مع ياسر عرفات إلى حد وصل إلى القطيعة وإلى استخدام الضربات تحت الحزام والرئيس عرفات تحت الحصار؟ فقد انضم إلى جوقة نزع صلاحيات ياسر عرفات، وإلى ضرب قيادته الفعلية لحركة فتح وتحويله إلى «رمز» لا دور فعلياً له غير التوقيع وتغطية التنازلات. والسؤال: أوَلمْ يؤدِّ ذلك إلى رفع الغطاء الفتحاوي- الفلسطيني عن ياسر عرفات ومن ثَمَّ شجع أو سوّغ رفع الغطاء العربي عنه، فالدولي، ما سمح، عن وعي أو من دون وعي (سيّان) لشارون بالتجرؤ على اغتياله؟ رابعاً: كيف يفسّر موضوع لفلفة التحقيق في اغتيال الرئيس الشهيد ياسر عرفات بل معاملة ما جرى كأنه موت طبيعي وليس اغتيالاً واستشهاداً؟ ثم كيف يمكن للمؤتمر السادس أن ينعقد تحت راية ذكرى ولادة ياسر عرفات ولا يفتح ملف الذين اعتبروه فاقد القدرة على القيادة أو «منتهي الصلاحية» وطالبوا بتجريده من كل صلاحياته واستخدموا العنف الجسدي والكلامي ضد الذين وقفوا إلى جانبه وبقوا مخلصين له؟ وعلى ذلك شهود كثر بين أعضاء المؤتمر. وبالمناسبة يمكن العودة بسهولة إلى وسائط الإعلام المختلفة التي رافقت تلك المرحلة التي كان فيها ياسر عرفات تحت الحصار حتى استشهاده وما أعلن من مواقف ضده. فالمسألة هنا ليست تقارير سريّة ولا محاضر وإنما وقائع ومواقف أسود على أبيض وبالصوت والصورة كذلك. خامساً: ألا تستحق السياسة التي أدّت إلى ارتهان الميزانية الفلسطينية للدول المانحة وعملياً للقرار الأميركي- الإسرائيلي أن تُدان من المؤتمر. فمحمود عباس لم يثر هذه القضيّة حتى في مؤتمر القمة العربية الأخير وهو ارتهان يهدّد القضيّة الفلسطينية برمتها. أما الاستحقاق السادس بالغ الأهميّة فيوجب نقد الخط السياسي الذي تبنّاه، وبإصرار، محمود عباس، من اتفاق أوسلو مروراً برئاسته مجلس الوزراء وانتهاء برئاسته للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بما في ذلك الموقف من العدوان على قطاع غزة، ومن تسليم أمور السلطة في الضفة الغربية لسلام فياض، والأمنية لدايتون، وانتهاء بالمواقف السياسية التي عبّر عنها في مؤتمر أنابوليس والمفاوضات الثنائية إلى جانب المسؤولية التي أسهمت في الوصول إلى الانقسام والقطيعة داخل الصف الفلسطيني. وأخيراً وليس آخراً إذا كان المؤتمر، وبشبه إجماع، يرثي للحالة التي وصلت إليها فتح ودورها في الساحة الفلسطينية. أفلا يعود جزء أساس في تحمّل مسؤوليته للخط السياسي الذي تبنى «استراتيجية المفاوضات والمفاوضات فقط» وقد أقذع في الهجوم على المقاومة وكل أشكال الممانعة الشعبية؟ وهو ما مورس عملياً ولم يمارَس عداه حتى في أدنى مستوياته. فقد استبعدت تماماً كل مقاومة وكل ممانعة شعبية نضالية. طبعاً ثمة استحقاقات أخرى تحتاج من المؤتمر أن يقف عندها وهي المتعلقة بالوحدة الوطنية الفلسطينية وبإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وإنقاذها من حالة اللاشرعية التي تتسّم بها لجنتها التنفيذية ومجلسها المركزي ومجلسها الوطني. وذلك، وقبله، استراتيجية المقاومة والانتفاضة في مواجهة الاحتلال والجدار والاستيطان وتهويد القدس ومعارضة مشروع حلّ الدولتين التصفوي الذي يتضمن إلغاء حق العودة لتُحل مشكلة اللاجئين بالتعويض والتوطين والوطن والبديل والاعتراف بيهودية دولة الكيان والتسليم بتجزئة الضفة الغربية على ضوء ما حدث من استيطان وما ابتلعه الجدار من أراضٍ، ومن استيلاء على الأغوار والشواطئ الغربية لنهر الأردن والبحر الميت مع السيطرة على الحدود والأجواء والسياسات الأمنية والتسليحية.  المصدر: م. ف. إ. عن العرب القطرية (المصدر: صحيفة « العرب » (يومية – قطر) الصادرة يوم 2 أوت 2009)  

السلطة الفلسطينية وتجاربها الثلاث الفاشلة


بلال الحسن يجتمع مؤتمر حركة فتح السادس بعد يومين في مدينة بيت لحم حسب ما هو مقرر، وتحيط بأجواء المؤتمر خصومات وخلافات وعمليات منع، أبرزها: منع تمارسه « إسرائيل » ضد مناضلين فلسطينيين، بسبب قيامهم في مراحل سابقة بتنظيم عمليات فدائية ضد « إسرائيل »، ومنهم ثلاثة مناضلين ومسؤولين في لبنان. منع ثان تمارسه حركة حماس المسيطرة في غزة، إذ قامت علناً بالإعلان عن أنها لن تسمح لأعضاء مؤتمر فتح في غزة بالانتقال إلى الضفة الغربية، إلا إذا قامت السلطة في رام الله بالإفراج عن أعضاء حماس المعتقلين هناك، ويبلغ عددهم حوالي ألف معتقل. وهناك منع ثالث شبه اختياري، يمارسه أعضاء مؤتمر فتح في البلاد العربية والأجنبية، الذين يرفضون مبدأ عقد المؤتمر في ظل الاحتلال، كما يرفضون الدخول إلى الضفة الغربية بإذن إسرائيلي. وبعمليات المنع الثلاث هذه، يكون مؤتمر فتح السادس، قد تعرض إلى عملية شرخ حادة، وهناك من يستنتج أن مؤتمراً بهذا الوضع، وبغض النظر عن الخلاف السياسي المحيط به، هو مؤتمر مجزوء، لا يعبر إلا عن أعضاء فتح في الضفة الغربية، لا بل عن أعضاء فتح في الضفة الغربية المؤيدين لخط سياسي واحد، هو خط الرئاسة الفلسطينية. وفي النتيجة.. فإنه من الصعب القول إن المؤتمر حين ينعقد، سيكون مؤتمراً يعبر عن حركة فتح. أولاً من حيث الشكل، وثانياً وثالثاً ورابعاً من حيث المضمون السياسي والنضالي. وليس من المستبعد إذا ما تواصلت عمليات المنع الثلاث هذه أن يتم تأجيل عقد المؤتمر، مع الخشية من أن تلجأ سلطة رام الله إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد سلطة حركة حماس في غزة، من نوع وقف دفع بعض الميزانيات التي يتم دفعها الآن، أو تعطيل شمول غزة بأرقام الهاتف الدولية، أو بشبكة التلفونات المحمولة، أو تعطيل تعاون بنوك المنطقتين. تطرح هذه الصورة إذا حصلت، أجواء قاتمة حول سلطة الرئيس محمود عباس، فقد واجهت هذه السلطة منذ أن وجدت مشكلات صعبة ومعقدة، ترافقت مع فشل في الحصول على أي إنجاز إيجابي. ويمكن أن نسجل هنا ثلاثة أنواع أساسية من الفشل: أولا الفشل في التفاوض مع « إسرائيل ». ومن المعروف هنا أن الرئيس محمود عباس هو صاحب نظرية تقول بضرورة وقف الانتفاضة الفلسطينية، ووقف العمليات الفدائية ضد « إسرائيل »، والتركيز على المفاوضات والمفاوضات فقط. وهو فاوض الجنرال آرييل شارون، وفاوض رئيس الوزراء إيهود أولمرت، وهو مدعو الآن لمفاوضة رئيس الوزراء الجديد بنيامين نتنياهو. والصفة الجامعة بين هؤلاء المفاوضين الإسرائيليين، أنهم كلهم يرفضون مناقشة قضية القدس، ويرفضون أي تنازل في موضوع الاستيطان، ويرفضون حق العودة من حيث المبدأ، ويجعلون المفاوضات بالتالي قضية عبثية، تماماً على غرار الوصف الذي يطلقه الرئيس عباس على عمليات إطلاق الصواريخ، حيث يكرر أنها عمليات عبثية. وحين تكرر فشل المفاوضات بين الرئيس عباس والمسؤولين الإسرائيليين، برزت حتى داخل صفوف مؤيديه، دعوة إلى ضرورة وقف هذه المفاوضات، ولكن الرئيس عباس أصر على المتابعة، وكان يردد دائماً القول بأنه إذا فشلت المفاوضات، فسيواصل المفاوضات، وإذا فشلت أيضاً، فسيواصل المفاوضات. وكان يبرر موقفه هذا بالقول: إن العالم بأكمله يراقب هذه المفاوضات، ويراقب استمرار الفلسطينيين بالمفاوضات رغم فشلها، وهذا هو بالذات ما سيدفع دول العالم للضغط على « إسرائيل ». وكان يقول أيضاً هذه هي وسيلتنا الوحيدة للضغط على « إسرائيل ». إلى أن وصلت الأمور إلى إنتاج حكومة إسرائيلية لا تريد حلاً، ولا تريد المفاوضات، إلا من أجل تحقيق أهداف إسرائيلية فقط، من نوع «يهودية» دولة « إسرائيل ». الفشل الثاني الذي عايشه الرئيس عباس، تمثل في تطورات الوضع الداخلي الفلسطيني. في هذا الإطار حقق الرئيس محمود عباس (ومن خلال وحدة حركة فتح) إنجازاً ملحوظاً في انتخابات الرئاسة، إذ نال فيها ما يزيد على 60% من الأصوات، ولكن ما هي إلا أشهر قليلة، حتى جرت انتخابات المجلس التشريعي، وبرزت أثناءها خلافات حادة داخل حركة فتح حول من يترشح ومن لا يترشح للمجلس التشريعي. وبرزت أيضاً ظاهرة التمرد على أوامر القيادة، حيث رفض البعض تنفيذ أوامر الانسحاب من الانتخابات التي دخلوها بصورة فردية، وكانت النتيجة أن حركة حماس حققت فوزاً ملحوظاً في تلك الانتخابات، وأصبحت تملك الأغلبية داخل المجلس. وهكذا.. ابتعدت حركة فتح عن موقع القيادة في الوضع الفلسطيني، لأول مرة منذ أربعين عاماً. أحدث هذا التطور هزة عميقة داخل حركة فتح، ودفعها إلى ردود فعل غير متزنة. ولم تستطع الحركة لا على مستوى القيادة، ولا على مستوى الأعضاء، ولا على مستوى نوابها الجدد في المجلس التشريعي، أن تتقبل فكرة أنها لم تعد الحركة القائدة، وأن حركة حماس تقدمت لاحتلال هذا الموقع. وهي عبرت عن عدم تقبلها هذا بأشكال عدة. رفضت أولاً التعاون مع حركة حماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية. ودخلت ثانياً في عمليات مواجهة أمنية مع حكومة إسماعيل هنية الأولى، بعد أن رفضت التسليم لها بالسيطرة القيادية اليومية على أجهزة وزارة الداخلية الأمنية. وتطورت المواجهات الأمنية بين الطرفين إلى حد التدخل العربي ممثلاً بالسعودية، التي استطاعت إقناع الطرفين بتوقيع «اتفاق مكة»، والذي أسفر عن إنشاء حكومة وحدة وطنية. ولكن مرة ثانية، تطورت المواجهات الأمنية، وشهدت المواجهات عاملاً جديداً تمثل بدور أمني مارسه الجنرال كيث دايتون الذي تولى إعداد قوات أمنية جديدة تابعة للسلطة وللرئاسة، وكان يشرف على هذه القوات محمد دحلان. وعندما وقعت مواجهة حاسمة بين قوات السلطة وحركة حماس، استطاعت حركة حماس السيطرة على الوضع في غزة، وشكل ذلك فشلاً ثانياً للرئيس محمود عباس، الذي أصبح في تلك اللحظة فاقداً للمجلس التشريعي، وللحكومة، ولقطاع غزة. الفشل الثالث الذي واجهه محمود عباس ولا يزال يواجهه الآن، هو فشله في السيطرة على حركة فتح (حركة فتح في أراضي الحكم الذاتي، وفي البلاد العربية، وفي البلدان الأوروبية والأميركية)، وهو اختار في النهاية أن يحاول السيطرة فقط، على حركة فتح داخل الضفة الغربية. ومهما كانت درجة النجاح الذي سيحققه محمود عباس في أعمال مؤتمر بيت لحم، فسيكون من الصعب عليه القول إن هذا المؤتمر هو مؤتمر حركة فتح السادس. إنه مؤتمر الآلام قريباً من كنيسة السيد المسيح، إنه مؤتمر بيت لحم، وما سيصدر عنه يمثل المؤتمرين وتوجههم. وستكون نتائجه في أفضل الظروف، انبثاق تنظيم سياسي جديد، يعمل كحزب سياسي للسلطة الفلسطينية، ويكون محاطا بإطار من المعارضين له، خلافاً لتاريخ طويل سابق، كانت فيه قيادة حركة فتح تحيط نفسها دائماً بتأييد تنظيمي شبه جماعي. إن هذا الوضع بمظاهر فشله الثلاثة التي أشرنا إليها، ربما يستدعي من الرئيس عباس أن يعيد النظر بأسلوب معالجته للمشكلات التي يواجهها. فهو كثيراً ما يلجأ للاستعانة بمراكز القوى الخارجية للسيطرة على أوضاعه الداخلية، وهو نهج لا يحظى بالرضا، حتى لو مورس بنجاح، فكيف يكون الوضع حين تفشل النتائج؟ لقد لجأت السلطة الفلسطينية إلى الاستقواء باللجنة الدولية الرباعية لمواجهة مشكلات المواجهة بينها وبين حركة حماس. ولجأت قيادة السلطة الفلسطينية إلى الاستقواء بتحالفاتها العربية لمواجهة مشكلاتها مع تنظيم حركة فتح. وقد آن الأوان للتفكير بضرورة الحوار، والتوافق، على خطة وطنية شاملة، تكون هي الأداة الجامعة، بديلاً عن ضغوط تمارسها أطراف من الخارج. (المصدر: صحيفة « الشرق الأوسط » (يومية – لندن) الصادرة يوم 2 أوت 2009)

شبح حرب المياه يقترب من دول حوض النيل الأصابع الصهيونية والأمريكية في لعبة مياه النيل!


محمد جمال عرفة بفشل اجتماعات وزراء دول حوض النيل العشر في الإسكندرية، يقترب شبح حرب المياه من منطقة النيل، ويوشك أن يظلل سماء المنطقة بالسواد، لأن مواقف دول منابع النيل ودول المصب لا تتزعزع خطوة واحدة، والمهلة التي أعطيت لمدة ستة أشهر للتوصل لاتفاق تعد مجرد محاولة لتفادي هذه الحرب القادمة. وبعد ستة أشهر بالضبط، وتحديدا في يناير 2010، عندما تنتهي مهلة الـ 6 أشهر للتوصل لاتفاق إطاري لكل دول النيل، قد نشهد طبول حرب خطيرة غير عادية في منطقة النيل تهدد الحياة، لأن مصر لن تقبل بأي حال من الأحوال أن يمس أمنها المائي الذي هو الخط الأول في منظومة الأمن القومي المصري. اجتماعات الإسكندرية الأخيرة التي انتهت الثلاثاء الماضي لم تتطرق لتفاصيل الخلاف بين دول منابع النيل ودول المصب، واقتصرت على مناقشة المشروعات المشتركة وجس النبض بشأن احتمالات تنازل أي من الفريقين عن مطالبه وجاءت المحصلة محبطة، لتؤكد تشدد كل طرف في موقفه خصوصا القاهرة التي تعتبر الأمر مسألة حياة أو موت؛ مما يتطلب تدخلا على أعلى مستوى وربما لقاء قمة بين قادة دول حوض النيل لنزع فتيل الانفجار. قصة الأزمة وقد تصاعدت أزمة المياه الحادة هذه منذ بداية شهر مايو الماضي بين دول حوض النيل الإفريقية الـ 10 بسبب مطالب قديمة لدول منابع النيل السبع بإعادة توزيع أنصبة مياه النيل المقسمة في اتفاقية عام 1929، والتي تعطي لمصر بموجبها 55.5 مليار متر مكعب من المياه، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت حروب المياه قد بدأت مبكرا في المنطقة، فضلا عن سر تحريك هذه المطالب الآن، ومن يقف وراء إثارتها. فخلال لقاء وزراء المياه في كينشاسا بالكونغو، 21 مايو 2009، كان مقررا وضع الترتيبات النهائية لاتفاقية إطارية بين دول حوض النيل بدلا من الاتفاقيات الثنائية الحالية، لكن مصر فوجئت أن الاتفاقية خلت من النص على حقوقها المائية السابقة، وأعطت دول المصب الحق في بناء ما تشاء من سدود ومشاريع قد تحجب المياه عن مصر، ولذلك رفضت توقيع هذا « الإطار القانونى والمؤسسي لمياه النيل »، وبدأت القاهرة تغير من لهجتها من اللين إلى الشدة، وانعكس هذا على التغيير الوزاري المفاجئ لوزير الموارد المائية. ولم ينص الإطار القانوني والمؤسسي الذي طرحته دول المنبع على حصة مصر من المياه أو حقها في الفيتو لو أقامت أية دولة منشآت على النيل تعوق وصول المياه، ولذلك طالبت مصر أن تتضمن الاتفاقية في البند رقم (14 ب) الخاص بالأمن المائي نصاً صريحاً يتضمن عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل وحقوقها التاريخية في مياه النيل وأن ينص على الإبلاغ المسبق عن أي مشروعات تقوم بها دول أعالي النيل. واشترطت مصر أيضا للتوقيع على هذا الاتفاق ضرورة تعديل البند رقم 34 أ و34 ب بحيث تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل أي من بنود الاتفاقية أو الملاحق بالإجماع وليس بالأغلبية، وفي حالة التمسك بالأغلبية؛ فيجب أن تشمل الأغلبية دولتي المصب (مصر والسودان) لتجنب عدم انقسام دول الحوض ما بين دول المنابع التي تمثل الأغلبية ودولتي المصب اللتان تمثلان الأقلية. وحلاً للمشكلة اقترحت دول المنابع السبع أن يتم وضع البند الخاص بالأمن المائي رقم 14 ب في ملحق للاتفاقية وإعادة صياغته بما يضمن توافق دول الحوض حوله خلال ستة أشهر من تاريخ توقيع الاتفاقية وإنشاء هيئة حوض النيل المقترحة في اتفاقية، ولكن مصر رفضت هذا المقترح وطرحت بدلا منه صيغة توافقية، وفشل الاجتماع لتمسك كل طرف بموقفه، وتكرر هذا الفشل في اجتماع الإسكندرية في 28 يوليو 2009؛ فتقرر إعطاء مهلة ستة أشهر للتوافق. وكي لا يتيه القارئ في تفاصيل غامضة، نشير لأن القصة كلها ترجع إلى اتفاقية 1929 التي أبرمتها بريطانيا باسم مستعمراتها في شرق إفريقيا مع مصر، وهي حددت نصيب مصر من مياه النيل بـ 55.5 مليار متر مكعب، وألزمت دول منابع النيل وبحيرة فيكتوريا بعدم القيام بأي مشاريع مياه بدون موافقة مصر، وتمنح هذه الاتفاقية مصر حق النقض « الفيتو » على أي مشروع بشأن مياه نهر النيل من شأنه التأثير على منسوب مياه النيل التي تصل إلى مصر، باعتبارها دولة المصب. والجديد هو أن دول المنبع الإفريقية –التي تنبع مياه النيل من أراضيها وتصب في مصر والسودان– بدأت تطالب منذ عام 2004 بحقها في إقامة مشاريع سدود وجسور على مسار النيل بحجة توليد الكهرباء والزراعة الدائمة بدل الزراعة الموسمية، وتطالب بتوقيع اتفاق جديد بخلاف اتفاق 1929 بدعوى أن من وقع الاتفاق هو بريطانيا التي كانت تحتل أوغندا وإثيوبيا وبقية دول منابع النيل، وظهر أن وراء هذه التحركات الإفريقية أصابع أمريكية وصهيونية للضغط على كل من مصر والسودان. وقد وصل الأمر لحد قول وزير الثروة المائية التنزاني « إن بلاده ستمد أنابيب بحوالى 170 كيلو مترا من بحيرة فيكتوريا لتوصيلها إلى حوالي 24 قرية وأجزاء واسعة في الشمال الغربي لبلاده تتعرض لأزمة المياه والجفاف »، وأنها (تنزانيا) لا تعترف باتفاقية مياه النيل التي تعطي الحق لمصر على أن توافق أو لا توافق على أي مشروع يقترحه أي طرف من أطراف دول حوض النيل للاستفادة من المياه قائلا أنه اتفاق « لا يلزم بلاده، وأنها لن تلتزم بهذا الاتفاق وستمضي قدما في إنشاء مشاريعها دون استشارة مصر ». ومع أن الهدف من اجتماع الإسكندرية الأخير كان التغلب على الخلافات التي ظهرت في اجتماع كينشاسا بالكونغو في مايو الماضي الذي رفضت فيه مصر توقيع الاتفاقية؛ فقد فشل هذا الاجتماع أيضا في التقريب بين وجهتي نظر الطرفين. ثلاثة خطوط حمراء ووفقا لمصادر حكومية مصرية، فقد سعت دول منابع النيل -في الاتفاقية الإطارية التي رفضتها مصر– لتغيير ثلاثة خطوط حمراء ترفض مصر بشدة تغييرها هي: 1 ـ تغيير عبارة « موافقة بقية الدول » التي تعني ضرورة موافقة باقي دول النيل على أي مشاريع على النيل (خصوصا موافقة مصر) بعبارة « إخطار عند إقامة أي مشروعات جديدة في إحدى دول الحوض » التي تعني مجرد إخطار مصر بأي مشاريع سدود دون أن يكون لها حق الفيتو وفق الاتفاقيات القديمة. 2 ـ تغيير كلمة « الأغلبية » التي تعني ضرورة موافقة دولتي المصب (مصر والسودان) بكلمة « الإجماع التي تعني موافقة 7 دول هي دول المنبع على أي مشاريع وتجاهل موافقة دولتي المصب فقط!. 3 ـ تغيير عبارة « إنشاء سدود لتوليد الكهرباء »، التي تعني السماح فقط لهذه الدول ببناء سدود لتوليد الكهرباء تمر منها المياه لمصر، إلى عبارة أخرى صريحة تقول: « إنشاء سدود لصرف أو حجز مياه »!. وقد اعترضت القاهرة على هذه التعديلات واعتبرتها « لاءات ثلاثة » لا يجوز التنازل عنها. أصابع صهيونية وأمريكية! والحقيقة أن هناك أصابع صهيونية وأمريكية تشجع دول منابع النيل على المضي في خططها التي ستضر مصر، من خلال عروض قدمتها شركات صهيونية وأمريكية لتمويل مشاريع المياه الإفريقية التي تعارضها مصر لأنها ستنقص من حصتها المائية، وأثبت هذا وزير الموارد المائية المصري السابق الدكتور محمود أبو زيد في تصريح له يوم 11 مارس الماضي عندما حذر في بيان له حول أزمة المياه في الوطن العربي ألقاه أمام لجنة الشئون العربية من تزايد النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في منطقة حوض النيل من خلال « السيطرة على اقتصاديات دول الحوض وتقديم مساعدات فنية ومالية ضخمة »، بحسب تعبيره!. والجديد في هذا التدخل الصهيوني الأمريكي هو طرح فكرة « تدويل المياه » أو تدويل مياه الأنهار من خلال هيئة مشتركة من مختلف الدول المتشاطئة في نهر ما، والهدف من ذلك هو الوقيعة بين مصر ودول حوض النيل. وقد ألمح وزير الموارد المائية المصري السابق الدكتور أبو زيد في فبراير 2009 إلى وجود مخطط إسرائيلي – أمريكي للضغط على مصر لإمداد تل أبيب بالمياه بالحديث عن قضية « تدويل الأنهار »، وأكد أن إسرائيل لن تحصل على قطرة واحدة من مياه النيل. إسرائيل.. الدولة رقم 11 في النيل! وتكمن خطورة الخلاف الحالي بين دول منابع النيل ودول المصب في تصاعد التدخل الصهيوني في الأزمة عبر إغراء دول المصب بمشاريع وجسور وسدود بتسهيلات غير عادية تشارك فيها شركات أمريكية، بحيث تبدو الدولة الصهيونية وكأنها إحدى دول حوض النيل المتحكمة فيه أو بمعنى آخر هي الدولة « رقم 11 » في منظومة حوض النيل. والهدف بالطبع هو إضعاف مصر التي لن تكفيها أصلا كمية المياه الحالية مستقبلا بسبب تزايد السكان، والضغط على مصر عبر فكرة مد تل أبيب بمياه النيل عبر أنابيب، وهو المشروع الذي رفضته مصر عدة مرات ولا يمكنها عمليا تنفيذه حتى لو أردت لأنها تعاني من قلة نصيب الفرد المصري من المياه، كما أن خطوة كهذه تتطلب أخذ إذن دول المنبع!.   فالدولة الصهيونية تطمح في أن يكون لها بصورة غير مباشرة اليد الطولى في التأثيــر على حصة مياه النيل الواردة لمصر، وبدرجة أقل السودان؛ وذلك كورقة ضغط على مصر للتسليم في النهاية بما تطلبه إسرائيل. وهناك عشرات الوثائق الصهيونية التي ترصد هذا الدور الإسرائيلي في السعي لحصار مصر إفريقياً ومائياً والتحرك مع دول منابع النيل، وهو دور أفلحت فيه تل أبيب ليس لمهارتها وإنما لغياب الدور المصري عن إفريقيا بعكس ما كان عليه في الستينات والسبعينات من القرن الماضي! (المصدر: موقع إسلام أون لاين بتاريخ 02 أوت 2009)  

انتقد مستشار عسكري امريكي يعمل

في العراق اداء الحكومة وقوات الأمن العراقيتين، ودعا الى انسحاب امريكي سريع من العراق.


وقال المستشار الكولونيل تيموثي ريس في مذكرته التي نشرتها صحيفة « نيويورك تايمز »، إن السلطات العراقية « مبتلاة بالفساد وغير فعالة »، مضيفا بأنه ليس من المرتجى ان تتمكن القوات الامريكية من تحسين أداء الحكومة العراقية بإطالة بقائها في البلاد. ويخلص الكولونيل ريس في مذكرته الى ان القوات العراقية تعاني من نقاط ضعف متأصلة، ولكنها مع ذلك تتمكن الآن من حماية الحكومة العراقية ولذا فإن الوقت قد حان لكي « تعلن الولايات المتحدة النصر وتغادر العراق ». وتشير المذكرة التي أعدها ريس، وهو مستشار يعمل لدى قيادة قوات بغداد التابعة للجيش العراقي الى مكامن الضعف في القوات العراقية بعبارات مثل « الفساد وسوء الادارة والخضوع للضغوط السياسية التي تمارسها عليها الاحزاب الشيعية ». ويجادل ريس قي مذكرته بأن إطالة امد بقاء القوات الامريكية في العراق لما بعد شهر آب (أغسطس) 2010 لن يحسن من أداء القوات العراقية بينما سيزيد من الغضب الذي يشعر به العراقيون ازاء الامريكيين. وقال ريس في مذكرته: « كما يقول المثل القديم، فإن الضيوف تماما كالسمك، تبدأ رائحتهم الكريهة بالانبعاث بعد ثلاثة ايام. ومنذ سريان الاتفاقية الأمنية هذه السنة اصبحنا ضيوفا ثقلاء. فبعد قضائنا ست سنوات هنا، أصبحت رائحتنا تزكم انوف العراقيين ». الا ان الاستنتاجات التي خلص اليها ريس لا تتفق مع آراء الجنرال ريموند اوديرنو القائد الامريكي الاعلى في العراق، كما يتعارض الجدول الزمني الذي يقترحه لانسحاب القوات الامريكية مع البرنامج الذي صادق عليه الرئيس اوباما. وقالت ناطقة باسم الجنرال اوديرنو إن ما جاء في المذكرة لا يعكس الموقف الرسمي للجيش الامريكي، ولم يكن مخصصا للنشر اصلا، وان بعض المشاكل التي تطرقت اليها قد تمت معالجتها. وتورد المذكرة عددا من المشاكل التي ظهرت عقب الانسحاب الامريكي من المدن العراقية في الثلاثين من الشهر الماضي. وتشمل هذه المشاكل، « البرود المفاجئ » الذي بدأ العراقيون يعاملون به الجنود والمستشارين الامريكيين و »استيلاء العراقيين بالقوة » على نقطة تفتيش تقع في المنطقة الخضراء ببغداد. ويضيف كاتب المذكرة بأن « الوحدات العراقية أصبحت أكثر ترددا في المشاركة في واجبات مشتركة مع القوات الامريكية، واصبحت لا ترغب في مهاجمة اهداف تعتبرها القوات الامريكية ذات قيمة كبيرة ». وجاء في المذكرة ايضا ان قيادة الجيش العراقي قد فرضت « قيودا من جانب واحد » على العمليات العسكرية المسموح للجيش الامريكي تنفيذها « تنتهك ابسط مبادئ الاتفاقية الأمنية » التي وقعها الجانبان اواخر العام الماضي. ويقول ريس في مذكرته « إن القضاء العراقي في جانب الرصافة من بغداد على سبيل المثال دأب مؤخرا على اخلاء سبيل الاشخاص الذين اعتقلتهم القوات الامريكية لقيامهم بمهاجمة جنودها ». (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم  02 أوت 2009)  

 

 

 

Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

13 février 2009

Home – Accueil TUNISNEWS 8 ème année, N° 3188 du 13.02.2009  archives :www.tunisnews.net   Mémoires d’un détenu d’Ennahdha Abou Oussama (3éme

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.