الأربعاء، 21 ديسمبر 2005

 Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2039 du 21.12.2005

 archives : www.tunisnews.net


يو بي أي: صندوق النقد يدعو تونس لمواصلة الإصلاحات الاقتصادية بشفافية

الحياة: تونس مستاءة من التدخل الأوروبي في شؤونها

سويس إنفو: تونس ترشح بن يحيى للأمانة العامة للإتحاد المغاربي الصباح: في تقريـر حديث لـ«البنـك العالمي» حـول تونس: مساهمــة الاستثمار الخاص لاتزال ضعيفــة

رويترز: فلكي تونسي: العالم سيكون على كف عفريت!

البديـل عاجل: بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر:كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها

مرسل الكسيبي: ما المطلوب من النهضة؟ (جزء ثاني): مزيد من الديمقراطية داخل الحزب

الشـاذلي ّ العيـّادي:  شــكر واعتراف بالجميل

طارق الشامخي: مقالة حول دمعي الذي لا ينضب..

محمد عبد الرحمن: العبث بدين الله …أو الحج على الطريقة التونسية

م. البكوش: الحماريات : « في ذكرى التحيـل وفجر التغور »

د. احمد القديدي: رحلة منظمة التجارة العالمية من الاقتصاد الى إلسياسة

محمد كريشان: عودة بيبي

محمد الرميحي: إخوان مصر … سودانيون، جزائريون أم أتـراك

د. برهان غليون: موارد التسلطية العربية


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

 
باريس في 21 ديسمبر إعـــلام   جلسة عامة تشاورية ثانية في باريس الجمعة 23 ديسمبر 2005 السادسة مساء القاعة الخضراء 21 نهج فولتير 75011 باريس 20 terre rue Voltaire 750011 Paris
 
 على إثر اجتماع باريس التشاوري حول سبل تفعيل زخم حركة 18 أكتوبر لمواصلة النضال المشترك على قاعدة مطالب الحرية الثلاثة، والذي اعقد يوم 30 نوفمبر 2005، بدعوة جمعيات وأحزاب وشخصيات ناشطة في المهجر، قرر المجتمعون الالتقاء من جديد في جلسة عامة مفتوحة،وذلك يوم 23 ديسمبر لمواصلة النقاش ومتابعة التطورات في تونس وللنظر في الآليات المناسبة لمتابعة النضال المشترك في المهجر من أجل المساهمة في تحقيق مطالب: 1-   حرية التعبير والإعلام 2-   حرية التنظيم للأحزاب والجمعيات 3-   إطلاق سراح المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام لفائدة كل ضحايا القمع في تونس.
 

 

صندوق النقد يدعو تونس لمواصلة الإصلاحات الاقتصادية بشفافية

 

تونس ـ يو بي أي: دعا رئيس وفد صندوق النقد الدولي الي تونس دومينيكو فانيزا السلطات التونسية الي ضرورة مواصلة الاصلاحات الاقتصادية والضرائبية، والي اقرار قواعد عمل شفافة وغير معقدة.

وقال فانيزا خلال مؤتمر صحافي مشترك مع محافظ البنك المركزي التونسي توفيق بكار عقد مساء امس الاول عقب انتهاء زيارة استغرقت ثلاثة ايام ان السلطات التونسية مدعوة ايضا الي العمل من اجل خفض نسبة البطالة.

 

وبحسب فانيزا فان مناخ الاعمال في تونس يتطلب قواعد عمل شفافة وغير معقدة لاستقطاب المزيد من المستثمرين. وطالب السلطات التونسية باضفاء مرونة اكبر في الحوار مع الشركاء الاجتماعيين، والاهتمام بتطوير القطاعين البنكي والمالي، ولا سيما معالجة مسألة الديون السيئة للبنوك.

ولكنه استدرك قائلا ان السياسات الاقتصادية التي انتهجتها تونس مكنتها من الحفاظ علي توازنات اقتصادها الكلي وتحقيق معدل نمو يقدر بـ5.5 بالمئة، بالاضافة الي مواصلة تحكمها في التضخم .

 

وقال انه علي الرغم من ارتفاع اسعار النفط وتراجع الطلب الاوروبي فان النمو الاقتصادي لتونس تواصل خلال العام الجاري بصفة ايجابية، مما ادي الي تراجع نسبة البطالة التي واصلت نسقها المنخفض .

 

من جهته اوضح محافظ البنك المركزي التونسي توفيق بكار ان الاصلاحات التي اقرتها بلاده علي جميع المستويات تهدف اساسا الي تحسين الدخل الفردي حيث تسعي تونس الي بلوغ معدل نمو جيد وقادر علي استيعاب اكبر عدد من الكفاءات وبالتالي امتصاص حالات البطالة من بين اصحاب الشهادات العليا .

 

وكان وفد صندوق النقد الدولي قد اجري خلال زيارته لتونس سلسلة محادثات ومشاورات مع مختلف الاطراف الاقتصادية، وذلك لاعداد دراسة حول الاقتصاد التونسي لعرضها علي مجلس ادارة الصندوق خلال شهر اذار (مارس) من العام المقبل.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 21 ديسمبر 2005)

 

 

تونس مستاءة من التدخل الأوروبي في شؤونها

تونس – رشيد خشانة    

 

أفاد مصدر مطلع أن تونس مستاءة من تركيز الاتحاد الأوروبي على أوضاعها الداخلية، وأن الغضب زاد مع إصدار البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ في جلسة عقدها الخميس الماضي (15 ديسمبر، التحرير) لائحة تعرضت بالنقد لأوضاع الحريات وحقوق الإنسان.

وكان جرى احتكاك بين الجانبين بعدما اتهمت مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد، النمساوية بنيتا فريرو فالدنر «عناصر من الأمن التونسي يرتدون الزي المدني» بالاعتداء على الصحافي الفرنسي كريستوف بولتنسكي قبيل قمة المعلومات التي استضافتها تونس الشهر الماضي. وكانت فالدنر تتحدث في ندوة للإعلاميين أقيمت عشية القمة الأورومتوسطية أواخر الشهر الماضي في برشلونة.

لكن ما زاد العلاقات توتراً، وفق معلومات المصدر، إقدام رئيسة اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان النائبة الأوروبية هيلين فلوتر (فرنسية عن حزب الخضر) على تقديم تقرير سلبي عن الأوضاع في تونس إلى البرلمان أخيراً.

وأيدت وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة كاترين تروتمان (اشتراكية) موقف زميلتها عندما اشتكت في تقرير قدمته لرئيس البرلمان الأوروبي من مضايقات زعمت أنها تعرضت لها «من صحافيين قريبين من الحكم» أثناء مشاركتها في قمة المعلومات. غير أن الخارجية التونسية نفت تلك المعلومات في اتصال مع الاتحاد وعابت عليه الاعتماد على مصادر متأثرة بـ «المتطرفين والمناوئين».

وكان الرئيس بن علي انتقد في خطاب ألقاه في وقت سابق من الشهر الجاري ما اعتبره محاولات خارجية للتدخل في الشأن التونسي من دون تسمية جهة محددة.

وأشارت اللائحة إلى أن تونس حققت نجاحات في المجالات الاجتماعية والاقتصادية لكنها حضت على أن «تترافق (تلك الخطوات) مع تعزيز الديموقراطية وحرية التعبير ودولة القانون واستقلال القضاء وحقوق الإنسان». وطلبت من الحكومة السماح للرابطة التونسية لحقوق الإنسان ونقابة الصحافيين بعقد مؤتمريهما اللذين منعا من عقدهما في أيلول (سبتمبر) الماضي.

وكان لافتاً أن اللائحة طلبت من المجلس الأوروبي والمفوضية «تذكير تونس بوجود لجنة فرعية لحقوق الإنسان في إطار اتفاق الشراكة» الذي يعود التوقيع عليه إلى السنة 1995. وكانت تونس أول بلد متوسطي توصل إلى اتفاق شراكة مع الاتحاد.

ولم يصدر حتى أمس (20 ديسمبر، التحرير) رد رسمي من تونس على اللائحة، لكن أوساطاً قريبة من مركز القرار أكدت أن التونسيين يعكفون على إعداد رد كتابي على موقف البرلمان.

وجديد اللائحة الأخيرة أن أصوات البلدان المؤيدة لتونس تقليدياً، خصوصاً فرنسا وايطاليا، وهما الشريكان الاقتصاديان الرئيسيان للتونسيين، لم تكن مسموعة بعدما كانت تلك البلدان تدافع عن توخي الحوار مع تونس بدل إصدار لوائح تؤدي إلى توتير العلاقات. ولوحظ أن النائبة تروتمان علقت على اللائحة مبدية ارتياحها «لكون النواب تكلموا بصوت واحد هذه المرة»، في إشارة إلى الخلافات السابقة بين الاشتراكيين والشيوعيين والخضر المنتقدين لتونس والأحزاب اليمينية المدافعة عنها.

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 21 ديسمبر 2005)

 


 

تونس ترشح بن يحيى للأمانة العامة للإتحاد المغاربي

محمود معروف – الرباط   تقترح تونس الوزير الحبيب بن يحيى أمينا عاما لاتحاد المغرب العربي خلفا لمواطنه الحبيب بولعراس الذي تنتهي مهمته في فبراير 2006. وقد جال مبعوثوها في عواصم دول الاتحاد للحصول على موافقتهم قبل عرض المقترح رسميا على القمة المغاربية القادمة. تسعى تونس من خلال دعوتها إلى إجراء تغييرات في هياكل اتحاد المغرب العربي الذي تأسس 1989 من كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، إلى إعادة الروح الى اتحاد شكل نهاية ثمانينات القرن الماضي أملا لشعوب المنطقة بالانتقال ليس فقط من حالة التشتت اللامبرر الى التكامل ومن التخاصم الى الوئام تمهيدا للتعاون لخروج دول المنطقة، منفردة او مجموعة، من مآزقها الاجتماعية والاقتصادية والذهاب نحو تنمية متكاملة مستدامة. تونس، اوفدت خلال الاسبوع الجاري مبعوثين رسميين الى مختلف عواصم الدول المغاربية حاملين رسائل من الرئيس زين العابدين بن علي الى قادتها تتضمن اقتراحا باختيار الحبيب بن يحيى الوزير المستشار حاليا لدى رئاسة الجمهورية، أمينا عاما للاتحاد خلفا للحبيب بولعراس الذي يتولى الامانة العامة منذ عام 2002 وتنتهي ولايته في فبراير القادم. محاولات الإنعاش الحبيب بولعراس من الاسماء البارزة في تونس وتحظى بإحترام على الصعيد المغاربي لمكانته الثقافية والاعلامية، لكن الظروف المغاربية التي رافقت تعيينه حالت دون ادائه للدور الذي كان يحلم به ويصل بالاتحاد الى ما يؤمن به. وتولى بولعراس مهمة الامين العام بعد أكثر من ثلاث سنوات من جمود الإتحاد وسبع سنوات من التجميد الرسمي لمؤسساته، وإن عرفت هذه السنوات محاولات لانعاشه وتحريك عجلاته بعد أن وقف مطولا على سكته دون حراك. وقد منحه الترحيب الذي لقيه تعيينه ثقة بالنفس بإمكانية تجاوز دول الاتحاد لمواقفها المسبقة من قضايا هي محل خلافات ثنائية، لذلك سعى خلال الشهور الاولى من تقلده لمهمته إلى إقناع الجميع بضرورة وضع هذه الخلافات جانبا، على أمل التعاطي معها في اجواء ثنائية وجماعية اكثر انفتاحا ووئاما. وكان يمكن له النجاح لولا أن « الطبع غلب التطبع » وغلب كل طرف رؤيته وموقفه على الرؤية الجماعية المغاربية، فدب الاحباط وهيمن اليأس ووجد الرجل أن الاعفاء من المهمة وبالاتحاد روح تدب خير من أن يذكر التاريخ دفن الاتحاد والحبيب بولعراس أمين عام له، لكن الامل تجدد قبيل القمة المغاربية التي كان من المقرر عقدها في ليبيا في مايو الماضي لذلك وافق على تمديد مهمته لمدة عام. القمة المغاربية الموعودة لم تعقد بسبب اندلاع الخلافات العلنية بين المغرب والجزائر، وعادت اوضاع الاتحاد الى وضعها المتجمد إن لم يكن الى وضع اسوأ في ظل حملات إعلامية عاصفة بين البلدين. مبررات للتفاؤل يعتبر الحبيب بن يحيى من الشخصيات التونسية التي تولت مسؤوليات بارزة في تونس منذ وصول الرئيس بن علي إلى سدة الحكم في 7 نوفمبر 1987، وقد تولى منذ ذلك الحين، اما حقيبة الخارجية أو حقيبة الدفاع، وهو ما اهله لعلاقات شخصية مباشرة مع المسؤولين في الدول الشريكة في الاتحاد المغاربي. وحسب المصادر الدبلوماسية المغاربية بالرباط فإن قادة الدول المغاربية أبدوا ترحيبهم بالاقتراح التونسي الذي من المقرر ان تتم المصادقة عليه في أول قمة مغاربية. وتجد هذه الاوساط في هذا الترحيب اشارة تدفع نحو التفاؤل بعودة دول الاتحاد الى التفكير في العمل المغاربي المشترك وان كان الاتحاد كفكرة او كمؤسسة لم يعد يشغل كثيرا الرأي العام في الدول الخمس، المنغمس في قضاياه اليومية من بطالة وأزمات اقتصادية واجتماعية، والمعبأ (بأشكال متفاوتة) في كل دولة ضد دولة مغاربية اخرى. ويشير مراقبون إلى أن مصدر التفاؤل يأتي من أن الموافقة المبدئية على ترشيح بن يحيى تعني الموافقة المبدئية على عقد القمة المغاربية المؤجلة منذ 1994، وهي قمة يضع المعنيون بالمغرب العربي عليها الامال لتبديد الاجواء غير الطبيعية القائمة بين دوله، بحكم طبيعة أنظمة الحكم السائدة ودور رئيس الدولة في اتخاذ القرار. لا يسيرة ولا ميسرة الا ان التفاؤل ليس محل اجماع، اذ يرى آخرون ان صانعي الرأي العام في الدول الخمس نجحوا خلال السنوات الماضية في محورة اهتمام المواطن حول قضاياه اليومية من لقمة عيش او تعليم او صحة، بعد ان انعكست الأزمات الإقليمية والدولية على حياته اليومية. وفي السياق نفسه، تبددت نظريات الاقتصاديين بأن حل أزمات دول المنطقة الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية لا يكون إلا من خلال العمل المغاربي المشترك وفي اطار الاتحاد الذي كان بالنسبة لهم اطارا طبيعيا وضروريا لضمان استقرار دوله. كما وجد الاوروبيون انفسهم عاجزين عن فهم المنطقة وصناع القرار فيها، بعد ان أشعروهم في اكثر من مناسبة ان التعاون معهم كمجوعة يحقق للتعاون تقدما لصالحهم ولصالح دول اوروبا. وقد تقدمت فرنسا واسبانيا تحديدا بأكثر من فكرة وأكثر من مقترح لحلحلة الأوضاع لكنها جميعا كان مآلها الفشل أو التجاهل ومن ثم النسيان، ليمحور الأوروبيون علاقتهم المغاربية ثنائيا وانتظار جديد قد يأتي للعلاقات معهم كمجموعتين. إن مهمة الحبيب بن يحيى ليست بيسيرة ولا بميسرة، فدول المنطقة المغاربية لازالت تؤجل الاستحقاق المغاربي والتعاطي الجدي معه من تصفية الخلافات الثنائية المزمنة او الطارئة وتجاوز الحساسيات التي ولدها توتر عقود والبحث عن تعاون جماعي يضمن لها استقرارا وأمانا مشتركا. إذ لا زالت دول المنطقة تعيش مخاض تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية بعضها مرتبط بتطورات داخلية تفرض هذه التحولات، وبعضها الآخر مرتبط باستحقاقات دولية، تكون العواقب الوخيمة بانتظار من يتهرب منها. (المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 21 ديسمبر 2005)

في تقريـــر حديث لـ«البنـــك العالمــــــي» حـــول تونـــس:

مساهمــة الاستثمار الخاص لاتزال ضعيفــة

تونس – الصباح رغم النسق الملحوظ في مجال التنمية، تعاني بعض المجالات الاقتصادية في تونس من إخلالات في تطويرها في ظل تنامي المناخ التنافسي بين الدول مما قد يعرض الاقتصاد التونسي مستقبلا إلى عديد المخاطر التي تهدد نتائج التنمية التي توصلت إليها. وتعتبر نسبة الاستثمار الخاص من جملة الاستثمارات المحدثة في البلاد ضعيفة وتفتقر للجدوى مما يحتم على تونس إحداث اصلاحات اقتصادية كبرى للحفاظ على النمو الاقتصادي وذلك حسب أحدث تقرير صادر عن البنك العالمي والبنك الاسلامي للتنمية في نوفمبر 2005 بعنوان «تونس: فهم أسباب التنمية الاجتماعية والاقتصادية الناجحة» وتتمثل هذه الإخلالات في تواضع النهوض بالقطاع الخاص والذي بقى دون المستوى المنتظر من قبل البنك الدولي وذلك نظرا لأهمية الدور الذي تلعبه الحكومة في النشاط الاقتصادي للبلاد عموما وهيمنة البنوك العمومية على القطاع المالي نظرا لأهمية الموارد المالية التي تتصرف فيها هذا إلى جانب القروض المصنفة أو الحديثة التي تثقل كاهل القطاع المالي في تونــــــس وتخل باستقرار القطاع. من جانب آخر، تبقى المعاليم الجمركية مرتفعة مقارنة بالدول المنافسة لتونس على مستوى التبادل التجاري مع الخارج بالاضافة إلى ضرورة اتخاذ اجراءات من قبل الدولة التونسية لعدم التمييز بين التعامل مع الاتحاد الاوروبي والبلدان الخارجة عن الاتحاد. على الصعيد الجهوي وبخصوص التنمية الريفية وحسب ذات التقرير تبقى عديد المسائل المتعلقة بالنفاذ إلى الملكية العقارية والتنمية الجهوية دون اعتبار القطاع الفلاحي بحاجة إلى حلول من منطلق عدم نجاح البنك العالمي في توفير المساعدة اللازمة في هذا المجال. في المقابل وبعد تمكنها من تفادي أزمة في ميزان الدفوعات في أواخر الثمانينات بفضل الدعم المالي للبنك العالمي وعديد الممولين سجلت تونس تطورا ايجابيا على مستوى الاستقرار الاقتصادي والنمو الاقتصادي والاجتماعي. حيث أصبحت لتونس مؤشرات اجتماعية ايجابية وأعلى من بقية الدول العربية والمرتبة الاولى عربيا من حيث تساوي الفرص بين الرجل والمرأة. وتواجه تونس حسب الهيئة المالية العالمية عديد التحديات تتعلق بتحقيق نمو اقتصادي بنسبة أكبر ومتواصل وإندماج أحسن مع الاتحاد الاوروبي وجدوى أكبر للخدمات الاجتماعية إزاء ضعف الاقتصاد التونسي أمام متغيرات الظرف الاقتصادي العالمي ومستوى المديونية للبلاد ومواجهة المنافسة الخارجية التي هي في طور النمو وذلك حسب ذات التقرير. تاريخيا، استطاعت البلاد التونسية التحكم في متغيرات السياسة الاقليمية والاقتصادية عبر الحفاظ على استقرار اقتصادي واجتماعي وبفضل تنويع المنتوجات المصدرة وإقامة علاقات مميزة مع الاتحاد الاوروبي وعلى هذه الخلفية يتوقع البنك الدولي استمرار التطور الاقتصادي والاجتماعي لتونس مستقبلا.

ويقترح البنك العالمي عبر هذا التقرير مواصلة دعمه للبلاد التونسية بهدف مواصلة تحسين ظروف تطوير القطاع الخاص وتنمية قدراته التنافسية وإندماج أكبر للبلاد في الاقتصاد العالمي في مناخ تتطور فيه المنافسة وذلك عبر مرافقة البلاد التونسية نحو انفتاح أكبر على المبادلات التجارية مع السوق الاوروبية والعالمية ومساعدة تونس لتحسين مناخ الأعمال والنهوض بخوصصة القطاع المؤسساتي والمالي. نبيل الغربي (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 21 ديسمبر 2005)

الرئيس زين العابدين بن علي يجتمع بوزير الدفاع الوطني

متابعة برامج التعاون المشترك على صعيد بلدان مجموعة 5 زائد5

 

اجتمع الرئيس زين العابدين بن علي صباح اليوم بالسيد كمال مرجان وزير الدفاع الوطني.

 

واهتم رئيس الدولة في هذا اللقاء الذي يتزامن مع ذكرى إحداث أول مؤسسة عسكرية تونسية للتعليم العالي (الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد) بسير التعليم العسكري وما شهده من تجديد و تعصير على مستوى البرامج مواكبة للتطور العلمي والتكنولوجي في مختلف الاختصاصات

.

كما كانت مناسبة اطلع خلالها رئيس الدولة على سير مشاريع الجيش الوطني في مجالات التدريب والتكوين والمساهمة في المجهود التنموي للبلاد .

وكانت مشاركة تونس في اجتماع وزراء الدفاع لبلدان مجموعة 5 زائد5 الذي انعقد مؤخرا بالجزائر محل اهتمام رئيس الجمهورية الذي أوصى بمتابعة برامج التعاون المشترك على صعيد هذا الفضاء المتوسطي .

 

(المصدر: موقع « أخبار تونس » الرسمي بتاريخ 21 ديسمبر 2005)


الكاتب عز الدين المدني يحصل على جائزة سلطان العويس

علمنا ان جائزة سلطان العويس للابداع الادبي في المسرح في دورتها التاسعة قد اسندت للكاتب التونسي الكبير عز الدين المدني عن مجمل اعماله المسرحية وهي اول مرة تسند فيها الجائزة لكاتب تونسي.  وافادنا الاستاذ عز الدين المدني ان هيئة الجائزة قد اتصلت به مساء امس الاول لتعلمه بفوزه بالجائزة التي قال عنها «انها شرف يتجاوز شخصي لتشمل الثقافة التونسية بأسرها وانا سعيد بهذا التقرير الذي هو تقدير للفكر التونسي وللكتاب المسرحيين المبدعين في تونس ». ومن جهة اخرى سيتحول الكاتب عز الدين المدني الى الامارات العربية المتحدة ليتسلم الجائزة في حفل كبير يقام بالمناسبة. علما بان هذه الجائزة سبق ان فاز بها كبار الشعراء  والكتاب في المشرق العربي مثل حنامينا وعبد الوهاب البياتي وادونيس. (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 21 ديسمبر 2005)


فلكي تونسي: العالم سيكون على كف عفريت!

 

تونس ـ رويترز

: توقع فلكي تونسي شهير ان يكون عام 2006 عاما مليئا بالهزات علي الساحة الدولية وبأحداث جسام منها اغتيال الرئيس الامريكي جورج بوش وانسحاب القوات الامريكية من العراق ووفاة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.

 

وقال الفلكي التونسي حسن الشارني ان عام 2006 قد ينتهي ايضا باغتيال الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي.

 

وأضاف في مقابلة مع رويترز العالم سيكون خلال السنة الجديدة علي كف عفريت .

 

وتنبأ الشارني وهو نائب رئيس الاتحاد العالمي للفلكيين بحدوث عملية ضخمة للمقاومة العراقية ستحصد ارواح عشرات او ربما مئات من الجنود الامريكيين وستعجل برحيل القوات الامريكية من العراق خلال العام المقبل .

 

واضاف الفلكي التونسي (الذي تنبأ العام الماضي بوفاة العاهل السعودي الملك فهد والبابا يوحنا بولس الثاني مثلما توقع سابقا وفاة الاميرة ديانا في حادث مرور) ان حدثا اخر يراه قريبا هو رحيل بوتفليقة في اوائل العام المقبل بسبب اصابته بالسرطان علي حد تعبيره.

 

ومضي يقول تشير الدلائل الفلكية لبوتفليقة وجود قران وتقارب بين زحل والشمس في مكان يدل علي الخطورة القصوي واقترابه من الموت بعد صراع مرير مع المرض . وكان بوتفليقة غادر يوم السبت الماضي مستشفي فرنسيا اجري فيه عملية جراحية لعلاج قرح في المعدة.

 

وقال الشارني الذي اكتسب شهرة عالمية بعد تنبؤه خصوصا بوفاة ديانا في حادث مروع ان العام المقبل سيشهد خمسة عوامل فلكية ستؤثر علي مجري الاحداث يتمثل اولها في تواجد كوكب المشتري ببرج العقرب وهو ما قد يمثل طالع خير في بداية العام. لكنه اعتبر علامات الشؤم والاضطرابات ستطغي علي الساحة الدولية مع بروز العامل الفلكي الثاني المتمثل في تواجد زحل ببرج الاسد.

 

وذكر الشارني الحاصل علي دكتوراة في الفلك الفيزيائي ان ابرز الاضطرابات في العالم قد يتجلي في محاولات للانقلاب العسكري في سورية ونهاية مسيرة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون السياسية وسقوط حكومة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير .

 

وقال ان تنبؤاته تكون انطلاقا من الوضع العالمي السائد ومن التحركات الفلكية التي تحدث لأبرز الشخصيات العالمية، لذلك يبدو ان السنة القادمة ستكون مليئة بالاحداث الساخنة والمتقلبة عبر العالم.

 

وعلي المستوي الامني في العالم توقع الشارني ان تتواصل سلسلة التفجيرات في اوروبا والولايات المتحدة.

 

وقال امور اري وقوعها قريبة الحدوث.. هي عمل ارهابي ضخم بباريس يودي بأرواح العديد من الابرياء وحريق هائل في احدي المدن الفرنسية وتفجيرات ارهابية جديدة في احدي المدن الساحلية بأمريكا .

 

وكان الشارني قد توقع في مقابلة مع رويترز العام الماضي بحدوث تفجيرات ضخمة بلندن. وقتل واصيب العشرات في تفجيرات في لندن هذا العام في اعنف هجمات تشهدها بريطانيا في وقت السلم.

 

وللشارني كتب ومقالات عديدة في المجال الفلكي وهو ايضا مستشار لدي عدد من الشخصيات العالمية. ويري هذا الفلكي ان الولايات المتحدة ستضطر خلال العام المقبل الي اعلان مرض الرئيس العراقي السابق صدام حسين ثم اعلان وفاته في مرحلة ثانية وقطع محاكمته التي وصفها بالمهزلة .

 

كما توقع ان تشهد مصر اشتعالا طائفيا العام المقبل في ظل فوز نواب من حركة الاخوان الاسلامية المحظورة بعدد من المقاعد في البرلمان وتصاعد تصريحاتهم النارية التي ستلقي تأييدا من ايران .

 

وعن تنبؤاته في المجال الفني رأي الفلكي التونسي ان العام المقبل سيسجل رحيل مغني الروك الفرنسي الشهير جون هالييدي.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 21 ديسمبر 2005)

 

تعليق « تونس نيوز »:

 

أولا كذب المنجمون ولو صدقوا. أما ثانيا فالعجيب الغريب أن قدرات حسن الشارني، « 

نائب رئيس الاتحاد العالمي للفلكيين » (!) و » الحاصل علي دكتوراه في الفلك الفيزيائي » (!)، الذي أرسل إلى القبر في عام 2006 كلا من عبد العزيز بوتفليقة وأياد علاوي ومحمود عباس وجورج بوش وصدام حسين وجوني هاليداي، قد توقفت تماما عن الشؤون التونسية حيث لم يتمكن المسكين من التكهن بأي شيء يتعلق بالأوضاع في بلاده من قبيل الوضع الصحي لرئيسه والأوضاع السياسية والكوارث الطبيعية وما إلى ذلك من مسائل تثير النكد وتؤدي إلى المهالك…

 

حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين وشعوبنا العربية والإسلامية والناس أجمعين من كل مكروه وسوء .. ومرة أخرى، كذب المنجمون ولو صدقوا.

 


 

مبادرة مثيرة للإهتمام من سجين فلسطيني

 

التقرير الإحصائي حول الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي

 

عبد الناصــر عوني فروانــة

الموقع الشخصي – فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org

 

يختص بشؤون الحركة الوطنية الأسيرة

 في السجون والمعتقلات الإسرائيلية

تليفاكس: 2847468 جوال 0599361110

غـــزة – فلســطين

 

www.freeasra.net

الحملة الدولية للتضامن مع الأسرى


بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر:

كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها

 

أنهى يوم الجمعة 18 نوفمبر 2005، قادة الأحزاب والجمعيات الثمانية، إضراب الجوع الذي كانوا بدأوه قبل شهر. وقد بات من الواضح اليوم أن هذا الإضراب خلق ديناميكية سياسية جديدة بالبلاد، بل يمكن القول، دون مبالغة، إنه وفّر مستلزمات الانتقال بالحركة السياسية من مرحلة تتميّز بالانكماش والتّشتّت وحتى الحيرة والارتباك أمام الهجوم الأخير الذي شنته الدكتاتورية النوفمبرية على قوى المجتمع المدني، إلى مرحلة تتميز باستعادة هذه القوى للمبادرة سياسيا وميدانيا وحصر الدكتاتورية في زاوية ضيّقة وطنيّا ودوليا.
1 – عوامل النجاح
ومن المؤكّد أن هذا المكسب ما كان ليتحقق لولا جملة من العناصر التي ميّزت ذلك الإضراب عن الطعام. فبالإضافة إلى كونه جاء في الوقت المناسب مستجيبا لانتظارات العديد من المناضلات والمناضلين، بل كذلك لانتظارات فئات واسعة من المجتمع التونسي ما انفكّت تشعر باحتقان شديد جرّاء تفاقم القمع والمظالم الاجتماعية والفساد وهدر الكرامة الوطنية، فإن هذا التحرّك تميّز أيضا بتجاوز إشكالات عدة كانت إلى حدّ الآن سببا في تعطيل تطور المعارضة السياسية وتنامي تأثيرها في مجرى الأحداث. ويمكن حصر تلك الإشكالات في النقاط التالية:
أولا: تجاوز الحاجز الذي كان قائما بين الأحزاب والجمعيات. فالمضربون عن الطعام ينتمون إلى أحزاب وجمعيات مختلفة وهم يلتقون لأول مرة على مطالب دنيا مما يؤكّد الوعي بأن المطالب السياسية التي تضمنتها الأرضيّة لا تهم الأحزاب فحسب بل كذلك الجمعيات والمنظمات وبأن كلا الطرفين يوجد في نفس الخندق ومعنيّ بنفس الدرجة بتحقيق تلك المطالب.
ثانيا: تجاوز الحاجز القائم تقليديا بين مختلف النزعات الفكرية والسياسية. فالمضربون عن الطعام ينتمون إلى نزعات مختلفة ولكنهم اتفقوا لأول مرة على مطالب دنيا، هامة وحيوية بالنسبة إلى الجميع، دون أن يعني ذلك طمس خلافاتهم العقائدية والسياسية التي تتطلب مسارا آخر من الصراع والحوار مع العلم أن المشاورات التي سبقت الإضراب شملت معظم الأحزاب والتيارات السياسية والجمعيات والمنظمات المستقلة بدون استثناء [1]، وقد شاركت في الإضراب الأطراف التي وافقت عليه وتبنّتْ مطالبه، بينما رفضته بقية الأطراف سواء لتحفظها عن الإضراب كشكل نضالي أو عن توقيته (ضعف التعبئة في شهر رمضان) أو عن تركيبة القوى المشاركة فيه (الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين المحسوبة على « حركة النهضة »، علما وأنها تنتمي إلى « التشبيك الجمعياتي » وساهمت من قبل في العديد من أنشطته).
ثالثا: تجاوز الصراعات التي كانت تقوم في كل مرة يطرح فيها عمل مشترك حول سقف هذا العمل وما يصحب ذلك من مزايدات لا طائل من ورائها سوى التوترات ومزيد تشتيت الصّفوف. فقد اتّفق المضربون عن الطعام حول ثلاثة مطالب فحسب مثـّلت بالنسبة إليهم الحدّ الأدنى من الحريّات (أو « سميق الحريات » كما أسماه البعض) وهذه المطالب هي: حرية التنظّم الحزبي والجمعياتي وحرية التعبير والصحافة وإطلاق سراح المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام. ويتميّز هذا الحد الأدنى بطابعه المجمّع والموحّد الذي لا لبس فيه، إذ في ما عدا الحزب الحاكم وأذنابه من أحزاب وجمعيات الديكور التي يرتبط وجودها بوجوده، فإن البقية الباقية، وهم الأغلبية السّاحقة، المعبّرة عن طموحات أوسع الطبقات والفئات الشعبية، لها مصلحة متأكدة في إقرار ذلك الحد الأدنى من الحريات.
إن هذه العناصر الإيجابية الثلاثة التي ميزت هذا التحرّك قد ساهمت، إلى جانب توقيته المناسب بل وتزامنه مع القمة العالمية حول مجتمع المعلومات، في إعطاءه الحجم الذي عرفه والذي تجاوز ما كان يتوقّعه المضربون عن الطعام أنفسهم، وهي ميزة من ميزات كل التحرّكات التي تستجيب في لحظة ما لمتطلبات الواقع وتطلعات الناس المتعطشين لتغييره. فخلافا لتوقعات المضربين الذين كانوا يعتقدون أنه ينبغي انتظار انقضاء أسبوعين أو ثلاثة أسابيع لتتحرك « الساحة » وتأتيهم المساندة، فقد انطلقت التعبيرات المساندة منذ اليوم الأول وكانت تتزايد من يوم إلى آخر لتشمل كل القوى السياسية المعارضة والجمعيات والمنظمات المستقلة وفئات واسعة من المواطنات والمواطنين.
2 – مكاسب هامة
لقد غذى الإضراب الذي كان الشكل النضالي المناسب الذي تمليه موازين القوى، الآمال وحرّك طاقات عديدة في مختلف الجهات والقطاعات وميادين النشاط وأخرجها من انكماشها وسلبيّتها فلم تكتف ببيانات المساندة بل بادرت بتكوين لجان وطنية وجهوية وقطاعية تبنّت مطالب المضربين وعملت على تفعيلها ميدانيا فنظمت التجمعات وإضرابات الجوع ودعت إلى الإضراب عن الدراسة وأدرجت بعض القطاعات المهنية (الأساتذة والمعلمون) مطالب المضربين في تحرّكاتها تنديدا بزيارة الوفد الصهيوني لتونس بمناسبة قمة المعلومات. وفي كلمة فقد تقبّل المتتبعون للشأن العام إضراب الجوع بارتياح كبير ورأوا فيه تضحية من المضربين دفاعا عن كرامة التونسيات والتونسيين المهدورة.
ولعلّ من أهم المكاسب المسجلة في خضم هذه الحركة بداية ردم الهوّة التي كانت قائمة، بفعل ضغوط الدكتاتورية وخيانات البيروقراطية النقابية المتتالية، بين الحركة النقابية من جهة والأحزاب والجمعيات والمنظمات المستقلة من جهة أخرى. فقد هبّ النقابيّون منذ الأيام الأولى للإضراب، بأعداد كبيرة، للتّعبير عن مساندتهم للمضربين وللمطالب المشروعة التي رفعوها. ولا ينتمي هؤلاء النقابيون إلى هياكل قاعدية فحسب بل كذلك إلى هياكل قيادية وطنية وجهوية (نقابات وجامعات عامة، اتحادات جهوية…).
ومن المكاسب المسجّلة أيضا تحرّك الجهات واتخاذها العديد من المبادرات التي تتميز بنوع من الاستقلالية حتى وإن كانت تندرج في النطاق العام لحركة الإضراب من حيث دوافعه وأهدافه. وقد أعطت المبادرات المستقلة في الجهات دفعا للحركة بشكل عامّ.
وإلى ذلك فقد استعادت الحركة الشبابية والطلابية منها بالخصوص حيويتها إذ تحركت معظم الكليات والمؤسسات الجامعية الكبرى في مختلف أنحاء البلاد رافعة شعار الحرية السياسية.
كما سجّل المثقفون والجامعيون والمبدعون من كتّاب وشعراء ومسرحيين وفنانين حضورا هاما في الحركة المساندة للمضربين.
وأخيرا وليس آخرا فقد وثّق الإضراب علاقة الهجرة التونسية في أوروبا وأمريكا الشمالية بالبلاد وقضاياها، إذ تحرّك المهاجرون التونسيون في باريس وليون ولندن وبرلين ومونريال وجينيف وأمستردام وروما لا ليساندوا المضربين فحسب بل ليطالبوا كتونسيين بحق شعبهم في الحرية ويذكّروا أنهم طرف فاعل في النضال من أجل تحقيق هذه الحرية.
وقد كسب الإضراب مساندة قوى ديمقراطية وتقدمية في العديد من البلدان العربية والإفريقية والأمريكية اللاتينية والآسوية والأمريكية الشمالية إضافة إلى مساندة كل المنظمات الدولية الكبيرة التي تعنى بحقوق الإنسان وعديد البرلمانيين والشخصيات الديمقراطية في بلدان عديدة (فرنسا، بلجيكا، سويسرا، إيطاليا، ألمانيا…).
وقد أحرج هذا الإضراب وحركة المساندة التي التفّتْ حوله أصدقاء نظام بن علي في واشنطن وباريس والعديد من العواصم الأوروبية الأخرى فلم يجدوا بدّا، تحت ضغط المنظمات الدولية الحقوقية ووسائل الإعلام والرّأي العام ببلدانهم من مطالبة ديبلوماسييهم المعتمدين في تونس بزيارة المضربين ومن توجيه انتقادات لـ »حليفهم » بن علي ودعوته إلى « احترام الحريات وحقوق الإنسان ». وقد زاد بن علي أصدقاءه إحراجا بما ارتكبه من حماقات عشية القمة وأثناءها كالاعتداء على الصحافيين الأجانب والنشطاء الحقوقيين التونسيين ومنع انعقاد قمة موازية لمنظمات المجتمع المدني وصنصرة الخطب التي انتقد أصحابها بشكل مباشر أو غير مباشر أوضاع الحريّات في تونس (خطاب رئيس الكنفدرالية السويسرية، خطاب شيرين عبادي المناضلة الحقوقية الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل …) ومنع بعض المشاركين في القمة من دخول تونس (روبار مينار، رئيس جمعية « صحافيون بلا حدود ») وقطع خطوط الهاتف والفاكس والمراسلات الإلكترونية لكل النشطاء الحقوقيين التونسيين وغلق عديد مواقع الأنترنيت التابعة لمنظمات حقوقية أو أحزاب أو وسائل إعلام تتعرّض بالنقد للنظام التونسي.
وفي كلمة وجد نظام بن علي نفسه في عزلة دولية متزايدة. وخلافا لما كان يخطط له، فإن القمة التي أرادها فرصة لتلميع صورته في الخارج شكّلت مناسبة لا تعوّض لفضح طبيعته البوليسية الغاشمة. فقد نجح المضربون عن الطعام وحركة المساندة في الداخل والخارج في طرح « القضية التونسية »، قضية الحرية والديمقراطية، بشكل غير مسبوق. ومن الملاحظ أن معظم رؤساء العالم، وخاصة الأوروبيين منهم، لم يحضروا القمة ولم يرسلوا إليها رؤساء حكوماتهم ولا حتى وزراءهم للخارجية بل أرسلوا وفودا ذات تمثيل أدنى حتى لا يظهروا بمظهر المزكّي لما يمارسه نظام بن علي من قمع سياسي.
3 – الإضراب يحقق هدفه
إن الإضراب عن الطعام، منظورا إليه من هذه الزاوية السياسية حقق أهدافه بالكامل. ولم يكن لدى المضربين عن الطعام منذ البداية أي وهم حول إمكانية استجابة السلطة لمطالبهم الثلاثة بصورة مباشرة بحكم طبيعتها الدكتاتورية المتغطرسة. الهدف الذي رسموه منذ البداية، لتحرّكهم هو إخراج الحركة السياسية من انكماشها وارتباكها وفتح آفاق جديدة لها تمكنها من مراكمة القوى الضّرورية لخلق ميزان قوى يمكّن من فرض تنازلات جوهرية على الدكتاتورية إن لم يمكّن من هزمها.
لقد حقق المضربون هدفهم هذا، بل يمكن القول إن تحركهم وما خلقه من تعبئة داخلية وخارجية وما سببه لنظام بن علي من عزلة يمثل أحرج مواجهة يواجهها هذا النظام خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة تقابلها ألمع صورة تتجلى بها حركة المجتمع المدني خلال نفس الفترة. لقد كان الاستقطاب واضحا، فمن جهة حركة سياسية ومدنية تطالب بالحريـّات وتلقى تعاطفا واسعا داخل المجتمع ومن جهة أخرى نظام متغطرس يرفض الاستجابة لأبسط حقوق المواطنين والمواطنات.
إن إضراب الجوع لم يكن مجرّد إضراب انتهى مفعوله بمجرّد الإعلان عن توقيفه، بل إنه تحوّل منذ الأيام الأولى إلى حركة لها أرضيتها السياسية الواضحة، وهي المطالب الثلاثة التي رفعها المضربون عن الطعام ولها امتداداتها في كل الجهات والقطاعات تقريبا وفي أوساط الهجرة علاوة على استقطابها اهتمام وسائل الإعلام العالمية واكتسابها بعدا ديبلوماسيا باعتبار أن عديد الدول حليفة نظام بن علي اضطرّت إلى انتقاد وضع الحريات وحقوق الإنسان في تونس والاعتراف بشرعية مطالب المضربين وضرورة « الإصلاح السياسي » في تونس.
4 – كيف ننظر إلى المستقبل؟
ومن الضروري اليوم بعد أن حقق الإضراب الهدف المرسوم له، التفكير في المستقبل بكل جدية. وفي هذا الإطار نعتبر أن مسؤولية كل الفعاليات أو الأطراف التي ساهمت في إنجاح هذا الإضراب بدء بالمضربين عن الطعام أنفسهم ووصولا إلى الأحزاب والجمعيات والمنظمات والشخصيات وكافة المناضلات والمناضلين الذين ساندوهم وتبنوا مطالبهم، التي هي مطالب وطنية، وعملوا على تفعيلها ميدانيا وخلقوا كل تلك الحركة التي نشهدها اليوم، إن المسؤولية تقتضي منهم مواجهة مستقبل الحركة بنفس الروح وبنفس النظرة التي انطلقت على أساسها.
وما ينبغي اجتنابه هو النوازع الفئوية التي قد تطفو على السّطح مجددا وتسعى إلى ترك الحركة حبيسة الحسابات الضيقة لهذا الطرف أو ذاك وبالتالي إجهاضها وتخييب طموح كل الذين علقوا عليها آمالا عريضة على اختلاف نزعاتهم الفكرية والسياسية وميادين نشاطهم، وبالتالي فإن ما ينبغي أن يقود في التعاطي مع مرحلة ما بعد اّلإضراب هو التحلي بأكبر قدر من المسؤولية من أجل دفع الحركة التي نشأت حوله وتطويرها.
إن هذه الحركة التي بينا جوانبها الإيجابية لها حدودها التي من الضروري أن تُؤخذ بعين الاعتبار حتى نعرف كيف نتعاطى معها بصورة موضوعية ونمسك الحلقة التي من شأنها أن تمكننا من الارتقاء بها. وفي هذا الصّدد فإن ما نودّ تأكيده هو أن هذه الحركة لا تزال في بدايتها وأن عودها لا يزال طريّا، وقد جمعت في معمعان النشاط قوى متعددة ومتنوعة انخرطت فيه وهي تحمل معها خلافاتها وتحفظات بعضها عن بعض إن لم نقل شكوك بعضها ببعض، بل إنه لئن يوجد من شارك في هذه الحركة وهو يعي أبعادها فإنه يوجد أيضا من التحق بها التحاقا أو انجر وراءها انجرارا لأنها فرضت نفسها عليه أو شارك فيها دون اقتناع وهو ينتظر نهاية الإضراب ليلتف عليها وعلى ما حققته من مكاسب ويحاول العودة بالحركة السياسية إلى وضع ما قبل 18 أكتوبر.
بعبارة أخرى فإن ما حصل هو من قبيل « وحدة العمل » حول مطالب محددة، أملاها، إن شئنا، تقاطع مصالح ظرفي باعتبار مصلحة الجميع بقطع النظر عن الخلفيات الإيديولوجية والسياسية، في تحقيق تلك المطالب، وليس هو من قبيل التحالف أو الجبهة السياسية التي تتأسس، مضمونا وإطارا، عبر مسار من الحوار والصّراع وهذا معناه أن وحدة العمل هذه يمكن أن تنفصم وتتلاشى بسهولة إذا لم نعرف كيف نحافظ عليها ونطورها بروح مبدئية ولكن بمرونة كبيرة أيضا، ديدننا العمل على توفير كافة الشروط اللازمة لإضعاف الدكتاتورية والقضاء عليها.
ومن هذا المنطلق فإنه من واجب كل الفعاليات المعنية اجتناب السقوط في أحد انحرافين من شأنهما أن يعرّضا التجربة للانتكاس. وهذان الانحرافان هما: أولا: التعامل مع الإضراب كلحظة فاتت وانتهت أو كقوس فتح وأغلق وبالتالي التفريط في المكاسب التي حققها، وهي مكاسب تنضاف إلى ما سبقها من تراكمات نضالية تحققت خلال الـ15 سنة الأخيرة. ثانيا: القفز على كل الخلافات والتحفظات والمطالبة مباشرة ودون مقدمات بعقد « مؤتمر وطني » أو « ندوة وطنية » لـ »القوى الديمقراطية »ّ أو لـ »المعارضة الوطنية » بعنوان « تجميع كافة الفرقاء في جبهة واحدة ضدّ الاستبداد ».
إن من شأن هذا التمشي أن يجهض الحركة و »يفرقعها » من الداخل ويعطي ذريعة لكل من شارك في الحركة دون اقتناع كي ينسحب ويتهم الأطراف الأخرى بالمغالطة ومحاولة جرّ الغير إلى تحالفات أو جبهات سياسية (خاصة مع « النهضويين » باعتبارهم مدار تحفظات أكثر من طرف) لا يقبلها أو هو غير مستعد لها قبل إجراء نقاش عميق وعلني حول القضايا الخلافية الأساسية التي تندرج ضمن ما يعتبر حدّا أدنى لأيّ تحالف أو جبهة سياسية.
فكيف يمكن اجتناب هذين الانحرافين للحفاظ على الحركة وتطويرها؟
5 – التقدم بثبات
إن الشرط الأول لتجنيب الحركة التلاشي من جهة والإجهاض والفرقعة من جهة ثانية هو الحفاظ في الوقت الراهن وبشكل لا لبس فيه على ما حققه الإضراب فعليا من مكتسبات وأهمها وحدة العمل حول الحد الأدنى من الحريات المتكوّن من المطالب الثلاثة المُجَمّعة والموحدة التي رفعها المضربون والتي لم تعد تثير جدلا في كافة أوساط المعارضة إذا استثنينا أحزاب الديكور وقلة قليلة من الناس الذين أصبحت مواقفهم، خصوصا من مطلب إطلاق سراح المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام مهمّشة إلى أقصى حدّ.
كما ينبغي الحفاظ على الصيغ التنظيمية التي كرست هذه الوحدة الميدانية (لجان المساندة…) مع إدخال التعديلات الضرورية عليها توافقا مع المرحلة الجديدة. ولكن مهما كانت هذه التعديلات فمن الضّروري أن تحافظ أية هيكلة جديدة على الروح التي طبعت الحركة منذ بدايتها أي التنوع والتعدد والمرونة. وفي رأينا فإن أفضل طريقة لنجاح هذه الهيكلة في المرحلة الراهنة هي أن تتخذ إلى حدّ كبير شكلا أفقيا، قاعديا مع ضمان حد أدنى من المركزة والتنسيق ضمانا للفاعلية على الصعيدين الوطني والجهوي. ومن البديهي أن السبب الأول الذي يدعونا للحفاظ على وحدة العمل هذه وفي الأطر المذكورة هو أن مطلب الحريات لم يتحقق وأن الإضراب عن الطعام لم يكن سوى لحظة أو محطة في النضال من أجل تحقيق هذا المطلب من الضروري أن تتبعه محطات أخرى.
6 – اعتراضات في غير محلها
ولكن علينا أن ندرك من الآن أن هذه المهمة لن تكون يسيرة، فنحن سنسمع، بل إننا بدأنا نسمع بعض الاعتراضات على مواصلة وحدة العمل حول الحريات، ويتمثل السبب الأساسي لهذه الاعتراضات في مشاركة عناصر إسلامية – نهضوية فيه، لا يرى البعض ضرورة لها، مثيرا مواقف « النهضويين » و »الإسلاميين » عامة التقليدية من قضية الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة ومعبّرا عن تخوفه من مناوراتهم ومحاولة استعمالهم لـ »الحركة الديمقراطية » مطية للعودة إلى الساحة ثم الانقلاب عليها لاحقا لما يستعيدون « قوّتهم ».
ولا يسعنا هنا إلا أن نؤكّد أن طرح المسألة بهذه الطريقة هو طرح مغلوط لا لأنه يضع محل سؤال الأسس التي انطلق عليها الإضراب وحركة المساندة التي التفت حوله وهي أسس قائمة على الوحدة حول الحريات، ولا يوجد اليوم ما يدعو إلى مراجعتها بعد أن ثبتت عمليا نتائجها الإيجابية، بل لأنه مغلوط من الناحية النظرية والسياسية أيضا. فالطرح الصحيح للمسألة، والذي بينته التجربة الملموسة هو التالي:
أولا: هل أن وحدة العمل المذكورة يقتضيها الظرف السياسي وبالتالي مصلحة الغالبية العظمى من المجتمع التونسي أم لا؟ لا نعتقد أنه يوجد ديمقراطي واحد اليوم حقيق بهذه الصفة يمكنه أن يجيب عن هذا السؤال بالسلب لأن حاجة الشعب التونسي إلى الحرية السياسية حاجة ملحة لا جدال فيها خاصة في هذا الظرف الذي يشتد فيه نهب خيرات البلاد وثرواتها من قبل أقلية فاسدة وتتفاقم فيه البطالة والتهميش وتدهور المقدرة الشرائية دون أن يكون للشعب الحق في مواجهة هذه الأوضاع والحرية في الدفاع عن مصالحه ومصالح بلاده.
ثانيا: هل أن المطالب الثلاثة التي التقى حولها المضربون عن الطعام يمكن أن تكون سببا للتفرقة لأن هذا الطرف أو ذاك سيستفيد منها وتحديدا لأن « النهضويين » سيستفيدون منها؟ كلاّ ! !
إن مطلب العفو التشريعي العام مطلب مشروع ولا يمكن لأي ديمقراطي حقيقي أن يقوم ضده بدعوى أن هذا الطرف أو ذاك سيستفيد ولا يرى ما في أساس المطلب من رفض للقمع السياسي، والمحاكمات الجائرة، والتعذيب الوحشي، الذي لم يطل « الإسلاميين » وحدهم ولكنه طال الجميع، وكان لكل طرف في كل مرحلة تاريخية نصيبه الأوفر، وفقا لحجمه وللمخاطر التي يمثلها على الدكتاتورية. وإن من يرفض المطلب يجد نفسه حليفا للدكتاتورية، عن وعي أو عن غير وعي.
كما أن حرية التنظم دون قيد أو شرط فيها مصلحة للجميع لأن الجميع متضرر من غيابها. ولا يمكن لعاقل أن يرفضها لأن الإسلاميين سيستفيدون منها لأنه وقتها لن يحرم منها الإسلاميون فحسب بل بقية القوى أيضا لأن الدكتاتورية لا تفرّق في قمعها لحرية التنظم بين طرف وآخر، بل هي تقمع كل تنظيم سياسي أو جمعياتي لا يصطف وراءها مهما كانت توجهاته الفكرية والسياسية وهي لا تفرق في ذلك بين تنظيم معترف به أو غير معترف به، ولا بين تنظيم يساري أو إسلامي أو قومي أو ليبيرالي إلخ.. بل إن هدفها واحد.
وما قلناه عن حرية التنظم ينطبق على حرية التعبير. فالدكتاتورية تكمم الأفواه لتمنع كل تعبيرة حرة ومستقلة عنها مهما كانت طبيعتها الفكرية والسياسية والنقابية والثقافية.
وفي كلمة فإن ما نريد تأكيده هو أنه لا يوجد طرف ليست له مصلحة في المطالب الثلاثة المذكورة سواء في الحركة السياسية أو الجمعياتية أو في صفوف الشعب. وما دام الأمر يتعلق بـ »النهضويين » خاصة و »الإسلاميين » عامة فهم ذاتهم من ضحايا استبداد السلطة ولهم مصلحة في تلك المطالب وذلك بقطع النظر عن الموقف من خلفيتهم الإيديولوجية ونواياهم السياسية.
ولكن يمكن لبعض الأطراف أن تجيب أنه وإن كانت لكل القوى بما فيها « النهضويون » مصلحة في هذه المطالب فإن ذلك لا يعني بالضرورة وجوب النضال من أجلها بصورة مشتركة، وبعبارة أخرى فإن هذه الأطراف ترى في انخراط « الإسلاميين » في المطالبة بالحرية السياسية سببا مشروعا لتقسيم الحركة السياسية وهي تنسى أو تتناسى حقيقة تكتيكية لا تتعلق فقط بالطابع المجمّع والموحّد لمطلب الحرية السياسية من خلال المطالب الثلاثة والذي يقتضي موضوعيا تجميع كافة القوى المنبثقة عن تلك الأرضية، كما تنسى أو تتناسى أنّ تبني « الإسلاميين » لتلك المطالب الديمقراطية يمثل كسبا للحركة الديمقراطية التي رفعت تلك المطالب منذ عقود وليس العكس، بل تنسى أو تتناسى أيضا أن قدرات الحركة السياسية والجمعياتية في تونس ضعيفة حتى وهي مجتمعة فما بالك وهي مشتتة، فما بالك واليساري يناضل وحده من أجل الحرية السياسية والقومي وحده، والليبيرالي وحده، فإذا كان العمل الجماعي سيأتي بنتائج أفضل للشعب التونسي وللحركة الديمقراطية والتقدمية بالذات فلماذا نرفضه؟ إن ضيق الأفق وحده بل عقلية الدكاكين وحدها هي التي ترفضه لأنها لا تفكر في النتائج العامة الإيجابية منظورا إليها من زاوية مصلحة الشعب التونسي بأسره ولا تهمها سوى المصلحة الفئوية.
لقد بين حزب العمال منذ أكثر من عشر سنوات في رده على الذين كانوا ينتقدون مبادرته بمعية قوى وشخصيات سياسية وحقوقية أخرى بالمطالبة بإطلاق سراح المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام إلى جانب دفاعه عن الحريات السياسية، وخاصة حرية التنظم للجميع دون قيد أوشرط، بين أن وضعا تتوفر فيه الحريات السياسية، هو، حتى وإن انتفعت منه « حركة النهضة » أو أي تنظيم سياسي آخر رجعي، أفضل بكثير للشعب التونسي من الوضع الحالي، المتسم بقمع منهجي وبتكبيل تام لطاقات المجتمع والشعب التونسي، تحت غطاء التصدي لـ » التطرف والإرهاب » « الإسلامي » أو « اليساري » لأنه في الحالة الأولى توجد فرصة للصراع الفكري والسياسي ضد البرامج والمقترحات التي لا تخدم تلك المصالح والطموحات، أما في الحالة الثانية فإن التلجيم تام ولا توجد إمكانية لا للشعب ولا للقوى السياسية والجمعيات والمنظمات للتعبير عن مواقفها وممارسة أنشطتها بأي شكل من الأشكال [2].
وفي هذا الصدد فإن ما لا يدركه المعترضون اليوم على وحدة العمل من أجل الحريات وهم يبدون خوفهم من انتشار الفكر الغيبي (الشعوذة، الخرافة، التطرف الديني …) في المجتمع ومخاطر انعكاساته السياسية لما يمثله من احتياطي موضوعي لـ »الإسلام السياسي » عامة و »حركة « النهضة خاصة » هو أن غياب الحريات وسيادة القمع الفاشستي في بلادنا اليوم هو أحد أهم العوامل التي ساعدت وتساعد على انتشار ذلك الفكر الغيبي الظلامي بسبب انعدام إمكانية مصارعته بمختلف الوسائل والأساليب الفكرية والفنية والثقافية عامة. إن الفكر الغيبي والظلامي ليس في حاجة إلى الحرية كي ينتشر بل إلى غيابها لأن النور يحاصره ويدكه دكّا. وليس أدل على ذلك من أن أكثر فترة انتشر فيها هذا الفكر هي الـ15 سنة الأخيرة من حكم بن علي التي شهدت فيها تونس تصحرا ثقافيا غير مسبوق، دون أن ننكر بالطبع المناخ الدولي الذي ساعد على ذلك.
ومن هنا تأتي ضرورة تكتيل كافة القوى في وحدة عمل من أجل الحريات السياسية لما في ذلك من مصلحة وللحركة الديمقراطية والتقدمية ولتونس عامة.
7 – في مصلحة الحركة والشعب
قد يبدو للبعض، أن حزب العمال تحول إلى لسان دفاع عن « النهضويين » وهذا محض هراء. فنحن حين دافعنا وندافع إلى اليوم عن وحدة العمل التي حققها الإضراب حول مطلب الحريات ليس منطلقنا كما ليس هدفنا أن نكون لسان دفاع عن « النهضويين » أو غيرهم من أطراف « الإسلام السياسي » بل إن ما نضعه نصب أعيننا هو مصلحة الشعب التونسي بعماله وفلاحيه، وموظفيه الصغار وحرفييه، ومثقفيه وطلابه، بنسائه ورجاله الذين تمثل الحريات السياسية المفتاح الذي سيخرجه من السجن المظلم الذي تحبسه فيه الدكتاتورية. وما دام تحقيق هذا الهدف يقتضي الآن وهنا وللأسباب التي ذكرنا تجميع جميع القوى التي لها مصلحة فيه، بقطع النظر عن خلفياتها الإيديولوجية، ونواياها السياسية وتكتيلها في وحدة عمل، فنحن لم نتردد في القيام بأعمال مشتركة معها دون استثناء، ولم نتذرع بإمضاء « نهضويين » على عريضة حتى نرفض الإمضاء أو مشاركتهم في ندوة أو في اعتصام أو في إضراب حتى نعارضها أو نقاطعها بل حضرنا طالما أن الأرضية ديمقراطية، طالما أن المطلب أو المطالب ديمقراطية وعملنا بل حرصنا على أن يكون هذا الطابع الديمقراطي بارزا وغير قابل للتشويه والتوظيف الحزبي الضيق حتى يكون لبنة في نشر الوعي الديمقراطي في صفوف القطاع المعني أو الشعب التونسي عامة.وذلك إيمانا منا بأن قيادة النضال الديمقراطي يقع إحرازها ميدانيا، لا برفع الشعارات الجوفاء داخل مكتب أو صالون أو مقهى، وأن الاستفادة من نتائج المعارك التي تدور حول الحريات السياسية تكون على قدر الانخراط الجدي فيها وعلى قدر التضحيات التي يقدمها كل طرف والجهد الذي يبذله لنشر الوعي الديمقراطي في صفوف الشعب.
8 – التناقض الرئيسي مع الدكتاتورية
إن ما تنساه أو تتناساه بعض الأطراف المناوئة لمواصلة وحدة العمل حول مطلب الحريات هو أن التناقض الرئيسي اليوم في تونس هو بين غالبية المجتمع التونسي من جهة وبين الدكتاتورية البوليسية الغاشمة والأقلية التي تسندها وتنتفع من وجودها من جهة ثانية وليس بين  » العلمانيين » و »الإسلاميين » [3].
إن هذا التناقض هو الذي يحدد أولا وقبل كل شيء موقع أي طرف في الحقل السياسي في تونس، ثم تأتي بعد ذلك بقية المسائل التي تخضع لهذا التناقض أو تعالج في إطاره. فنحن مثلا وهذا نقوله دون لبس، لا يجمعنا أي جامع بأي علماني مزعوم يتواطأ مع الدكتاتورية أو يهادنها ويقدم لها الخدمات بصورة مباشرة أو مقنعة ويبدي في نفس الوقت « معارضة راديكالية » لـ »الإسلاميين » ويزايد بها في الساحة، فهذه المعارضة إن دلت على شيء فهي أن صاحبها يعارض « الإسلاميين » من موقع الدكتاتورية الحاكمة وهو في أية حال رجعي، استئصالي، وليس بأية حال من الأحوال ديمقراطيا. إن العلمانية لا معنى لها من وجهة نظر سياسية إن لم تكن رديفا للحرية والديمقراطية مما يعني أن العلماني الحقيقي لا يمكن إلا أن يكون في قطيعة مع الدكتاتورية لا متواطئا معها أو مهادنا لها.
ومن هذه الزاوية فإن التناقض مع « النهضويين » وغيرهم من « الإسلاميين » ينبغي أن يخضع للتناقض الرئيسي مع الدكتاتورية، وليس لاعتبارات أخرى إيديولوجية إنعزالية. وفي هذا الصدد نذكّر بذلك الموقف الذي ما انفك حزب العمال يردده منذ منتصف التسعينات، ومفاده أن من يريد حقا التصدي لقيام دكتاتورية متغلفة بالدين محل الدكتاتورية الحالية عليه أن يكون أولا وقبل كل شيء في مقدمة النضال ضد هذه الأخيرة وأن يعطي المثال في مقاومتها. وعليه ثانيا: أن يخوض صراع أفكار وبرامج ومقترحات، صراع قيادة، داخل المجتمع عامة وفي صفوف الشعب خاصة ضد أفكار « حركة النهضة » وبرامجها ومقترحاتها حتى تنتصر الأفكار والبرامج والمقترحات الديمقراطية ولا يكون مصير تونس كمصير بعض البلدان الأخرى التي عوضت فيها دكتاتورية متغلفة بالدين دكتاتورية بوليسية أو عسكرية ذات لبوس عصراني [4].
أما أن يتواطأ المرء أو يهادن الدكتاتورية القائمة فعلا، والتي تنيخ بكلكلها على المجتمع وتدمّر طاقاته ومستقبله، وذلك بدعوى التصدي لدكتاتورية محتملة، لدكتاتورية قد تقوم أو لا تقوم فتلك هي عين الانتهازية السياسية، بل هي الاستقالة بعينها من النضال الديمقراطي، وخلافا لما يزعمه أصحاب هذا السلوك، فإنهم بموقفهم هذا يُقوّون ولا يُضعفون التيار الذي يزعمون مقاومته، ويتركون له المجال كي يظهر بمظهر « المقاوم الوحيد للدكتاتورية » ويُضعفون ولا يـُقوّون موقفهم هم، لأنهم يظهرون، وهم كذلك، في موقف المهادن إن لم نقل الخادم للدكتاتورية، المتخلي عن النضال الديمقراطي وعن قيادته.
لقد ظهر في التسعينات خصوصا، موقف لا زلنا نسمع أصداءه إلى الآن رغم ضموره، يتحفظ على كل تحرك ميداني ضد الدكتاتورية إن لم نقل يندد به بدعوى أن « النهضويين » خاصة و »الإسلاميين » عامة سيستفيدون منه. إما لأنهم « الأقوى » أو يمثلون أحد طرفي « الاستقطاب » (سلطة/إسلاميين) وتارة أخرى « لأن الظرف الدولي موات لهم » (وجود « دولية » أصولية في خدمتهم). وبعبارة أخرى فإن المطلوب فعلا هو عدم « إزعاج » بن علي في حربه على « النهضويين » لأن أصحاب ذلك الموقف يعتبرون ضمنيا أن نظام بن علي « أقل خطرا عليهم » من « النهضة » وهو ما يبرر تحالفهم معه أو مهادنتهم له.
9 – التجربة شاهدة على صحة مواقف حزب العمال
لقد بينت التجربة الملموسة خور هذا الموقف بل إنها بينت أنه لا يخدم إلا الدكتاتورية. كما أنها بينت سداد موقف حزب العمال وباقي القوى الديمقراطية التي استمرت في مواجهة الدكتاتورية حول محور الحريات. إن الذي استفاد من المكتسبات النسبية المحققة هو أولا وقبل كل شيء الشعب التونسي وكذلك الحركة الديمقراطية التي بدأت تخلق استقطابا حقيقيا وفعليا بينها وبين الدكتاتورية بدل الاستقطاب المزعوم سلطة/أصولية التي حاولت السلطة الترويج له داخليا وخاصة خارجيا لتبرير القمع الذي تسلطه على المجتمع وتأمين بقائها كـ »سد منيع ضد التطرف الأصولي ».
إن حزب العمال الشيوعي التونسي حين ندد في مطلع التسعينات بالمحاكمات الجائرة التي استهدفت أتباع « حركة النهضة » وغيرها من التنظيمات « الإسلامية » وطالب بإيقافها وبإطلاق سراح كافة ضحاياها، لم يفعل ذلك لسواد عيني « النهضة » أو خدمة لها ولم يأخذ بعين الاعتبار إن كانت « حركة النهضة » ستعترف له بذلك أو تكف عن صراعها الإيديولوجي مع اليساريين ورميهم بـ »الكفر والإلحاد » و »العلمانية الفاسدة » بل فعل ذلك انطلاقا من قناعاته الديمقراطية الثابتة التي ترفض العسف الذي تمارسه الدكتاتورية مهما كانت الضحية، لأن في هذا الموقف دفاعا عن الشعب والمجتمع وتحصينا لهما وتأسيسا لثقافة سياسية جديدة هي الثقافة الديمقراطية المؤسسة على احترام الحريات الفردية والعامة التي ما أن تتجذر في وعي الشعب حتى تصبح هي السد المنيع ضد أي نزعة دكتاتورية مهما كان الغلاف الذي تتغلف به، أرضيا أو سماويا، ليبيراليا أو قوميا، إسلاميا أو اشتراكيا.
ومن الملاحظ أن حزب العمال الذي اتخذ في مطلع التسعينات هذا الموقف، هو ذاك الذي كان في صراع فكري وسياسي وميداني لا هوادة فيه مع « حركة النهضة » في أواخر الثمانينات، عندما كان يوجد هامش من حرية التعبير ومقارعة الرّؤى والمشاريع المجتمعية والمواقف وكانت « حركة النهضة » و »حزب العمال » مسموحا لهما بشيء من التحرك بحكم ظروف سلطة بن علي الجديدة التي كانت تبحث عن تثبيت نفسها، وكان الصراع قائما بشكل مباشر على قيادة هذا القطاع أو ذاك، ولكن عندما انقلب الوضع، وقضي على هامش الحرية الذي كان موجودا وأصبح الجميع، بقطع النظر عن انتمائه الفكري والسياسي، يواجه نفس الخطر والمصير، فمن الطبيعي أن يغير حزب العمال سلوكه السياسي، ويرد على كل الذين كانوا ينتقدونه على تنديده بقمع « النهضويين » بأن انتظروا سيأتي دوركم لأنكم لا تدركون أن بن علي لا يقمع « الإسلاميين » دفاعا عن الحرية والديمقراطية بل حماية لنفسه من أية معارضة جدية مهما كان لونها.
10 – وحدة العمل لا تطمس الخلافات ولا تنفي العمل المستقل
ومن الطبيعي أنه يحق لأي ديمقراطي أن يحتاط وهو ينخرط في أي عمل مشترك ضد الدكتاتورية من محاولات الاحتواء والتوظيف ولكن ينبغي أن لا يتحول ذلك إلى ذريعة لرفض العمل الجماعي. فالالتقاءات حول مطالب أو مهام معينة في ظرف من الظروف ليست مسألة نابعة من الرغبات الذاتية ولكن الواقع الموضوعي هو الذي يفرضها على كل الأطراف. وعلينا أن ندرك أنه ما من طرف ينخرط في عمل مشترك إلا وله حساباته التكتيكية والاستراتيجية. وهذا هو جوهر العمل السياسي. ولكنّ المهمّ بالنسبة إلى أي ديمقراطي متماسك هو أن يحرص على أن تكون أرضية سليمة ديمقراطية وأن يكون الالتزام بها شرطا أساسيا للانخراط في ذلك العمل. فلا يمكن مثلا الالتزام بالدفاع عن الحريات السياسية في إطار العمل الجماعي والقيام بما ينافي ذلك في العمل الخاص حزبيا كان أو جمعياتيا أو شخصيا، مثل مهادنة السلطة أو محاولة عقد صفقات انفرادية معها على حساب الاتفاقات المشتركة أو التهجّم على هذه الحرية أو تلك مثل حرية التعبير وذلك بتكفير من يمارسها بدعوى أنه مسّ ما يعتبره هذا أو ذاك من باب « المحرّمات » . لذلك ومن أجل ضمان نجاعة أكبر لوحدة العمل حول الحريات لا بد من تعميق النقاش حولها وحول محتوياتها وآليات الالتزام بها.
وإلى ذلك فإن الالتقاء حول أهداف معينة لايعنيطمس الخلافات القائمة بين الأطراف المعنية ولا تجاهلها أو وقف الجدال حولها كما يتوهم البعض. فالخلافات بين حزب العمال وحركة النهضة لا تزال قائمة ولن يزيلها عمل مشترك حول الحريات. وهو ما نقوله أيضا عن خلافات حزب العمال مع الأطراف الليبيرالية والإصلاحية المساهمة في هذا العمل. ولكن هذه الخلافات لا تنفي وحدة العمل المحققة حول الحد الأدنى والتي فيها مصلحة للجميع. وبعبارة أخرى فإن وحدة العمل هذه لا تعني تفريط كل طرف في ذاتيته واستقلاليته ولكن المطلوب أن لا يضر ذلك أرضية العمل المشترك.
كما أن العمل المشترك على واجهة الحريات لا ينفي حق الأطراف القريب بعضها من بعض في عقد تحالفات أوسع لأن الواقع لا يتطلب تدخلا في مجال الحريات فحسب بل كذلك في المجالات الاجتماعية والثقافية والقومية والدولية.
إن اليسار الديمقراطي التقدمي مثلا من حقه أن يتكتّل على أرضية خاصة. ولكنّ ذلك لا يمنعه، بل يوجب عليه الانخراط في جبهة العمل من أجل الحريات والعمل على أن يكون فاعلا فيها، طليعيا بصحة مواقفه وسلامة مقترحاته وتطابق أقواله مع ممارساته. إن القيادة في العمل الديمقراطي المشترك لا تهدى ولا تفتكّ بل يقع إحرازها عن جدارة بالنضال الميداني. وخلاصة القول إن من لا يدرك اليوم أهمية الحفاظ على وحدة العمل المحققة في إضراب جوع 18 أكتوبر 2005 حول الحريات ويحاول عرقلتها لهذا السبب أو ذاك فإنه يضيع في حقيقة الأمر فرصة على الحركة السياسية كي تطور فاعليتها في مواجهة الدكتاتورية كما يضيع فرصة على الشعب التونسي كي يتقدم خطوة على درب تحرره من كابوس هذه الدكتاتورية الغاشمة ويضيع فرصة على الحركة الديمقراطية والتقدمية ذاتها كي تطبع ذلك التحرّر بطابعها.
11 – فتح نقاش عام وعلني للارتقاء بوحدة العمل
وإذا كانت المهمة الأولى والأساسية المطروحة اليوم على كل القوى السياسية والجمعياتية هي كما قلنا ضمان مواصلة النضال أو « وحدة العمل » من أجل تحقيق الحريات فبالإمكان بل من الضروري أن يرفق ذلك بحوار عامّ وعلني، جدي وعميق يتناول مستلزمات المرور من « الحد الأدنى الحريّاتي » الذي يوحد العمل حاليا إلى « الحد الأدنى الديمقراطي » أو إن شئنا « السميق الديمقراطي » الذي من شأنه أن يشكل أرضية لبعث تحالف أو جبهة سياسية ضد الاستبداد والدكتاتورية.
إن هذه المهمة تمليها حقيقة غير قابلة للجدال وهي أن الحركة الحالية ستبقى محدودة التأثير إن لم يضبط لها أفق عام وواضح. فمن المؤكد أن النضال من أجل الحريات الأساسية من شأنه أن يخلق فلولا في جسم الدكتاتورية. ولكن علينا أن لا ننسى أن ما تحتاجه تونس ليس مجرد « إصلاحات » في النظام الدكتاتوري الحالي بل نظام جديد ديمقراطيا مما يعني ضرورة الاتفاق على أرضية ديمقراطية دنيا تكفل تحقيق هذا الهدف. وعلى كل طرف يعي مسؤوليته أن يستثمر المناخ الإيجابي الذي وفره إضراب 18 أكتوبر 2005 لإجراء النقاش المطلوب حول هذه الأرضية. فلأول مرة تتوفر فرصة جادة لإجراء صراع داخل الحركة السياسية من أجل تحديد الملامح العامة أو الدنيا للمشروع الديمقراطي في تونس التي يمكن أن يتم على أساسها فرزٌ بين قطبي الديمقراطية والدكتاتورية. وهو أمر يمكن أن تحتضنه « ندوة وطنية » أو « مؤتمر وطني » يتوّج النقاش المشار إليه.
وليس خافيا أن هذا النقاش سيتمحور خاصة حول العلاقة بين الحركة الديمقراطية من جهة وبين « حركة النهضة » والحركة « الإسلامية » عامة من جهة أخرى. ولكن هذه العلاقة لن تكون المحور الوحيد للنقاش والجدال. فالخلافات الأساسية تشق أيضا الأطراف الأخرى سواء في ما يتعلق بالموقف من الدكتاتورية وبالموقف من المشاريع الامبريالية الهيمنية.
إن الإطار السياسي العام والطبيعي للحوار الواجب فتحه، له في رأينا ثلاثة أبعاد كبرى:
أولا: الموقف من السلطة الحاكمة حاليا. ثانيا: الموقف من المشاريع الامبريالية التي تعرض حاليا بعنوان « الإصلاح الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط الكبير ». ثالثا: الموقف من القواعد الدنيا التي يمكن أن يقوم عليها أي مشروع ديمقراطي بديل لنظام الحكم الدكتاتوري الحالي.
وسنحاول في ما يلي تقديم موقفنا العام من هذه النقاط إثراء للنقاش.
12 – القطيعة مع الدكتاتورية شرط لوحدة النضال الديمقراطي
فبالنسبة إلى النقطة الأولى فإن المسألة واضحة وهي تطرح كما يلي: هل أن الديمقراطية ستتحقق في تونس بواسطة النظام الحالي أو عن طريق التعاون معه أم مهادنته أو بالقطيعة معه والنضال ضده وعلى أنقاضه. فقد آن الأوان بالنسبة لكل طرف يزعم أنه يريد فعلا التغيير الديمقراطي في تونس أن يجيب عن هذا السؤال مستخلصا الدّرس من تجربة نصف قرن من حكم حزب الدّستور والنظام الدكتاتوري البوليسي الذي أقامه على القهر ودوس إرادة الشعب. ولا تقتضي الإجابة عن هذا السؤال أن يكون المجيب راديكاليا ثوريا، بل تقتضي منه أن يكون ديمقراطيا فحسب يرفض الحكم الفردي المطلق في شكل رئاسة مدى الحياة مقنّعة أو غير مقنّعة كما يرفض المؤسسات النيابيّة القائمة على التزوير المنهجي والتلاعب بالانتخابات ويتمسك بمبدأ السيادة الشعبية التي تعبّر عن نفسها في مناخ من الحرية السياسية التي تمكّن كل مواطن/مواطنة من إبداء رأيه في قضايا وطنه ومجتمعه واختيار من يحكمه ومراقبته ومحاسبته.
ومن البديهي أننا حين نطرح هذا السؤال فليس ذلك من باب التّرف الفكري، بل لأن الجواب عنه يحدد الموقع الحقيقي لكل طرف في النضال الديمقراطي: معه بتماسك أو بغير تماسك أو ضدّه فـ »الديمقراطي » ليس إعلانا أو صفة يطلقها المرء على نفسه بل موقف وممارسة في مجتمع محدد وظرف محدد، وبعبارة أخرى موقف من الدكتاتورية التي تحكمنا وممارسة مؤسسة على ذلك الموقف. ومن النافل أنه رغم كل الخيبات التي مُني بها الواهمون بإمكانية مقرطة النظام القائم فإننا لا نزال نسمع من يدعو إلى التّصالح معه » أو مهادنته أو الانخراط في المؤسسات الصّوريّة التي يقيمها والتي يُعيّنُ أعضاءها في قصر قرطاج وفي مصالح الأمن بوزارة الداخلية أو يدافع عن التحالف معه في أحلك فترات القمع التسعيني إلخ.. وفي كلمة فإنه لا حديث عن حركة ديمقراطية جادة وبديلة دون أن يكون لها موقف واضح من الدكتاتورية القائمة. بل دون أن يكون المستهدف من نضالها هذه الدكتاتورية ذاتها، باعتبار أن الديمقراطية تقتضي دستورا جديدا ونظام حكم جديدا ومؤسسات تمثيلية جديدة. مما يعني أن الديمقراطية ستنشأ من القطيعة مع نظام الحكم الحالي وليس من رحمه. وبالطبع فإن ما يبقى من قضايا تكتيكية أخرى يسهل أمره إذا تمّ الاتّفاق على المسألة الجوهرية سابقة الذّكر ونقصد بالقضايا التكتيكية الأخرى كل ما تمليه موازين القوى الملموسة من سلوك سياسي سواء في علاقة بنظام الحكم أو بجماهير الشعب.
13 – في علاقة المسألة الديمقراطية بالمسألة الوطنية
أما بالنسبة إلى النقطة الثانية فهي تهم تحديدا الموقف من المشاريع التي تطبخ في واشنطن وفي بعض العواصم الأوروبية حول « الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي والإسلامي » في نطاق ما يسمّى بـ »مشروع الشرق الأوسط الكبير » أو ما يسمى بـ »سياسة الجوار الأوروبي »، وهي تثير مباشرة علاقة النضال الديمقراطي بالمسألة الوطنية. إن الأسئلة التي تفرض نفسها في هذا الصدد هي التالية: هل أن للولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأوروبية مصلحة في إقامة أنظمة ديمقراطية في المنطقة المذكورة؟ وبعبارة أخرى هل هما يطرحان مسألة الديمقراطية من زاوية مصالح الشعوب أم أن الأمر لا يعدو كونهما يبحثان عن إعادة ترتيب أوضاع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بما يخدم مصالحهما الامبريالية الاستراتيجية ويدمج الكيان الصهيوني في المنظومة الشرق أوسطية ويجهض تطلعات الشعوب العربية وغيرها من شعوب المنطقة إلى تحقيق تحررها من الاستبداد والهيمنة الأجنبية في الآن ذاته؟
إننا نعتقد تمام الاعتقاد أنه لا يمكن تحقيق الحرية والديمقراطية بمعزل عن حرية الوطن واستقلاله، لأن الحرية والديمقراطية مطلب مشروع يحققه شعب بذاته ولذاته. فحرية الفرد وكرامته من حرية الوطن كما أن حرية الوطن واستقلاله من حرية مواطنيه. ومن باب أولى وأحرى فإن الحرية والديمقراطية لا يمكن أن يهديا من قوى امبريالية استعمارية ترتكب الجريمة تلو الأخرى في مختلف أنحاء العالم وخاصة في الوطن العربي وتسند الدكتاتوريات التي تحكم شعوبها ولا تثير قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان إلا في علاقة بمصالحها مما يعني أنها لا تريد في أفضل الحالات سوى قيام أنظمة ليبرالية على مقاسها لتحمي مصالحها وتشرع هيمنتها وتمرر سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني ولكنها ترفض الديمقراطية كلما كانت وسيلة للتعبير عن إرادة الشعوب في مسك مصيرها بيدها وصيانة استقلالها والتحكم في ثرواتها وخيراتها.
ولكن هل يمكن باسم « الوطنية » التواطؤ مع الدكتاتورية أو مهادنتها كلما تعرضت لضغوط دولية سواء من حماتها أو من مؤسسات أممية للحد من انتهاك الحريات وحقوق الإنسان؟ بالطبع لا، لأن العكس يعني التذيل للدكتاتورية التي تبيع الوطن في كل لحظة وتقدم شتى الخدمات والتنازلات على المستويين الداخلي والخارجي، للامبريالية عامة وللامبريالية الأمريكية خاصة، كي تضمن بقاءها. وهي لا ترفع عقيرتها بالصياح ضد « التدخل الأجنبي »، وتحاول استغلال الشعور الوطني للفئات المتخلفة سياسيا من الشعب، إلا عندما تُثار لها هذه الانتهاكات وتُطَالَب بمعاملة شعوبها بوسائل أقل بشاعة وفظاعة.
لذلك فإن الديمقراطي الحقيقي هو ذاك الذي يربط النضال الديمقراطي بحرية الوطن واستقلاله، ويحسن هذا الربط حتى لا يتحول إلى لعبة بيد الأجنبي تحت شعارات ديمقراطية كاذبة ولا إلى لعبة بيد الدكتاتورية باسم وطنية زائفة. وإذا ما أحسن هذا الربط فإن استغلاله لكل الظروف الدولية والإقليمية التي تخدم قضيته وقضية بلاده يصبح ممكنا بل ضروريا. ونحن إذ نثير هذه المسألة فبسبب ما يوجد في بلادنا من انحرافات في كلا الاتجاهين إذ نرى البعض يعبّر عن يأسه من « الإصلاح من الداخل » ويغترّ بالشعارات الأمريكية البراقة حول الحرية والديمقراطية كما نرى البعض الآخر يهادن الدكتاتورية بدعوى عدم الاستقواء بالأجنبي على تونس والحال أن هذه الدكتاتورية العميلة هي التي تستقوي فعلا بواشنطن وباريس على الشعب التونسي حتى لا يتمتع بالحرية والديمقراطية. وهي التي تمثل عرّاب المشاريع الامبريالية الأمريكية في المنطقة على غرار ما حدث في قمة الجامعة العربية في ربيع 2004، وقتها لم نسمع بعض معارضي مشروع الشرق الأوسط الكبير يرفعون صوتهم ضد نظام بن علي الذي فرض تأجيل القمة بطلب من واشنطن لتهيئة الظروف لتمرير مشروعها المذكور، كما أننا لم نسمع صوتهم حين ربط بن علي تونس باتفاقية شراكة استعمارية جديدة مع الاتحاد الأوروبي في منتصف التسعينات، بل إن هؤلاء زكّوا هذه الاتفاقية من خلال المواقع النقابية التي كانوا يحتلونها في الهياكل القيادية الوطنية والجهوية للاتحاد العام التونسي للشغل.
14 – من الشروط الدنيا لأي اتفاق ديمقراطي
أما بالنسبة إلى النقطة الثالثة المتعلقة بالقواعد الدنيا التي يمكن أن يقوم عليها المشروع الديمقراطي فهي تقابل أساسا بين الديمقراطيين من جهة و »حركة النهضة » و »الإسلاميين » عامة من جهة ثانية. وقبل الخوض في هذه النقطة نرى لزوما التذكير ببعض المبادئ والقواعد التي قادتنا في تعاملنا إلى حد الآن مع « حركة النهضة » رفعا لكل التباس. فإن نحن لم نعقد أي تحالف أو جبهة سياسية مع حركة النهضة فليس ذلك راجعا إلى أسباب إيديولوجية مجردة بل إلى أسباب سياسية تتمثل في أننا لا نعتبر أن الحد الأدنى الديمقراطي الذي ينبغي أن ينبني عليه مثل ذلك التحالف أو الجبهة السياسية متوفر. كما أنه راجع إلى أننا لم نلمس في مواقفها تطورا حقيقيا وجديا يقطع مع أطروحاتها التقليدية الأساسية المعادية للديمقراطية. وعلى هذا الأساس ميزنا في علاقتنا بها بين مستويين، الأول حقوقي يندرج في نطاق مواقفنا العامة والمبدئية المتعلقة بالدفاع عن الحريات ورفض انتهاكها مهما كانت الضحية وهو ما قادنا في رفض القمع الذي تعرّض له أتباع تلك الحركة والمطالبة بإطلاق سراحهم دون قيد أو شرط وتمتيعهم مثلهم مثل غيرهم بحقوقهم السياسية. والثاني سياسي يهم التحالفات وهو مرتبط طبعا بمدى توفر الأرضية المناسبة لذلك، وطالما أن هذه الأرضية لم تتوفر فإننا لم نعقد تحالفا مع « حركة النهضة ». ولكن هذا لم يجعلنا نقاطع أي عمل جماعي يهم الحريات يشارك فيه « إسلاميون » إيمانا منا بأنه من الخطأ أن نرفض هذا العمل الذي يمكن أن يعود بالفائدة على الشعب التونسي بسبب تلك المشاركة.
وبما أن مسألة الاتفاق حول حد أدنى ديمقراطي تُثار من جديد وفي مناخ أفضل من قبل فإنه، وكما سبق أن أوضحنا في وثيقة « الأدنى الديمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا » [5]، توجد مسائل أساسية تتعلق بحقوق وحريات دنيا غير قابلة للتصرّف ينبغي أن تشكل المضمون الأولي للنقاش الذي ذكرنا باعتبارها ستكون محددة في ما إذا كان من الممكن إقامة تحالف أو جبهة سياسية حول حد أدنى ديمقراطي. وهذه المسائل هي في رأينا التالية:
أولا: مسألة الحريات الفردية وخصوصا حرية التفكير والمعتقد وعلاقتها بالحريات العامة (بما فيها حرية التعبير والتنظيم والاجتماع والتظاهر والانتخاب والترشح …) فنحن نعتقد أن لا حريات عامة دون حريات فردية وبشكل خاص لا حرية سياسية دون حرية فكرية وعقديّة. ولا يمكن الحديث عن احترام للحريات الفردية والعامة دون القطع التام مع منطق التكفير.
ثانيا: مسألة المساواة بشكل عام والمساواة بين الجنسين بشكل خاص باعتبار أنه لا يمكن بأي وجه من الوجوه الحديث عن الحرية في المجتمع التونسي دون أن يكون للنساء الحق في التمتع بثمارها على قدم المساواة مع الرجال ولا يمكن الحديث عن ديمقراطية دون أن يكون النساء طرفا فعالا في بنائها وفي التمتع بثمراتها على قدم المساواة مع الرجال. وإن كان لا بد من وفاق حول هذه المسألة فليس ثمة أقل من الوفاق حول ما اكتسبه النساء في تونس من حقوق في العائلة والمجتمع الواردة في قانون الأحوال الشخصية وغيره من القوانين (إلغاء تعدد الزوجات، حق اختيار الزوج، تحديد سن أدنى للزواج، الحق في الطلاق، الحق في إدارة شؤون العائلة على قدم المساواة مع الرجل، التبني، الحق في الشغل والتعليم وفي تولي كافة المناصب العمومية، الحق في الانتخاب والترشح، حرية اللباس …). وإن كنا في حزب العمال لا نقف في حدود هذه المكاسب فنحن نناضل من أجل المساواة التامة بين النساء والرجال، قانونا وممارسة، باعتبار ذلك من شروط ديمقراطية حقيقية ومتماسكة.
ثالثا: قضية احترام حقوق الإنسان وفي إطارها احترام الحرمة الجسدية للبشر وفقا لما ورد في المواثيق الدولية وهو ما يثير الموقف المبدئي من العقوبات الجسدية وإطارها التشريعي وخاصة مسألة الحدود.
رابعا: مفهوم الديمقراطية، هل هي نظام سياسي له قواعده الثابتة غير القابلة للتصرف بقطع النظر عن الخلافات المذهبية والسياسية أم هي مجرّد آلية انتخابية ظرفية للوصول إلى الحكم وتطبيق مشاريع يمكن أن تكون منافية لتلك القواعد بدعوى أن « أغلبية الشعب » ترفض تلك القواعد (احترام الحريات الأساسية، اعتبار الشعب مصدرا للتشريع دون أي وصاية عليه، احترام الأغلبية لحقوق الأقلية، إلخ.).
خامسا: مسألة العلاقة بين الفضاء السياسي والفضاء الديني وحدود كل منهما في علاقة بالآخر، حتى لا يقمع السياسي الدين والمتدينين ولا يتسلط الديني على السياسي وبالتالي على المواطنين بدعوى تمثيله لسلطة ربّانيّة فوق الأرض.
إن الموقف من هذه القضايا الخمس على الأقل هو الذي سيحسم ما إذا كان من الممكن التوافق على الحد الأدنى الديمقراطي أم لا باعتباره يشمل قواعد غير قابلة للتصرّف في قيام أي تحالف أو بناء ديمقراطي.
ومن البديهي أن النقاش يمكن أن يشمل قضايا أخرى. ومن بين هذه القضايا مسألة الهوية التي ينبغي التوافق بشأنها على رؤية تحول دون استخدامها ذريعة لضرب حقوق التونسيين وحرياتهم وخصوصا حقوق النساء وحريتهنّ وعدم الالتزام بالطابع الإنساني/الكوني لتلك الحقوق والحريات.
ومن البديهي أيضا أن أي توافق يحصل لا يمس من استقلالية أي طرف كما لا ينفي الصراع حول القضايا الأخرى الخلافية المتعلقة بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى السياسية التي تتباين فيها الرؤى والبرامج والمقترحات.
تونس في ديسمبر 2005
[1] في لقاء غير رسمي جمع يوم 11 سبتمبر 2005 مجموعة من المناضلات والمناضلين الحقوقيين والسياسيين طرح أحد المناضلين الحقوقيين المعروفين فكرة إضراب الجوع للرد على الهجوم الذي تشنه السلطة على الرابطة وعلى قوى المجتمع المدني عامة. وقد أيّد هذه الفكرة بعض المناضلين في ما انتقدها البعض الآخر. وبالنظر إلى طبيعة الاجتماع لم يستقر الرأي على أيّ قرار أو مقترح. ولكن فكرة الإضراب تبناها حزبان (حزب العمال الشيوعي التونسي والحزب الديمقراطي التقدمي) وناقشاها مع بقية الأطراف السياسية (التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، المؤتمر من أجل الجمهورية، حركة التجديد، حزب العمل الوطني والديمقراطي، الشيوعيون الديمقراطيون، الوحدويون الناصريون، المستقلون) والجمعيات والمنظمات المستقلة (الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، رابطة الكتاب الأحرار، المجلس الوطني للحريات في شخص كاتبه العام، الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب، الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين، مركز تونس لاستقلال القضاء والمحاماة، نقابة الصحفيين التونسيين، الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات). وقد قبل البعض المقترح وانخرط في الدفاع عنه فيما تحفّظ عليه البعض الآخر للأسباب المذكورة في النصّ. [2] انظر حول هذه المسألة كراس « مرّة أخرى، حزب العمال وحقوق الإنسان (ملاحظات حول تقرير) »، وهو عبارة عن مجموعة مقالات من صوت الشعب ومقتطفات من كراريس صدرت بين 1987 و2001 [3] كما أن التناقض الرئيسي ليس بين « المؤمنين » و »الملحدين » كما يطرح في بعض أدبيات حركة النهضة، لأنّ المسألة هنا سياسية وليست دينية. (انظر رسالة راشد الغنوشي بمناسبة عيد الفطر) [4] انظر كراس « مرّة أخرى، حزب العمال وحقوق الإنسان (ملاحظات حول تقرير) » وكراس « حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987 » [5] « الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا (في الردّ على بيان مواعدة/ الغنّوشي) »، أفريل – ماي 2001 (المصدر:  » البديـل عاجل »، بتاريخ 20 ديسمبر 2005 عبر قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي)

 

ما المطلوب من النهضة؟ (جزء ثاني)

مزيد من الديمقراطية داخل الحزب

كتبه مرسل الكسيبي

 

ابتداء أدعو قبل التوغل أشواطا أخرى في طرح ما هو مطلوب من التيار الإسلامي الوسطي في المقبل من المراحل إلى شيء من الإنصاف عند تناول الأفكار وذلك بنسبة الآراء إلى أصحابها وعدم التحرج في ذكر أسماء أصحاب الرأي المخالف.

 

أما بعد،

 

فكما هو معلوم أن النهضة التونسية توصلت الى خلاصات كثيرة والى قناعات راسخة الى أهمية الحوار الداخلي والتقويم ,بل انني أعتقد أن مسألة المراجعة واعادة النظر فيما ثبت عجزه من السياسات أصبحت تقليدا راسخا لدى هذا الحزب منذ أمد طويل.

 

لكن المشكلة تكمن في أن ما يتوصل اليه من خلاصات وقناعات داخل المؤسسات,يتحول مع الوقت الى واحة جميلة من التنظير الذي يعجز التيار عن تنزيله عمليا في أرض الواقع.

 

وخذ على ذلك مثالا مااتفق عليه من محدودية المشاركة السياسية في انتخابات 89 ,لينقلب الأمر بعد ذلك الى مشاركة واسعة أدخلت حالة من الهلع على السلطة وبقية اطياف المعارضة.

 

والمثال الثاني يتعلق بالتوافق منذ أواسط التسعينات على صحية التعدد الحزبي في الحقل الاسلامي ,لينقلب الأمر بعد ذلك الى خوف وتوجس من كل خلاف في الرأي قد ينشأ عنه التأسيس لمبادرة سياسية جديدة.

 

وقس على ذلك مسائل تتعلق بالتدرج  في التغيير وعدم التعجل في طلب المشاركة السياسية,ولكن ما كانت تؤول اليه الأمور غالبا هو النزول الى الميدان بكل الثقل السياسي.

 

الإشكال في نظري المتواضع يطرح سؤال عمق الالتزام بالمقررات واللوائح التي تنبثق عن المؤتمرات أوما يتوصل اليه داخل المؤسسات الأخرى كالتنفيذي والشورى من مقررات.

 

وفي تقديري البسيط فان الأمر يعكس خللا فادحا في الديمقراطية الداخلية,حيث أن صوت الجسم الواسع لأبناء الحركة يبقى في كثير من الأحيان قابلا للتصرف من قبل هيئات مثل المكتب السياسي أو هياكل أخرى كمؤسسة رئاسة الحركة أو غيرها من المؤسسات.

 

وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان الى غياب معاني الديمقراطية الداخلية بما يعنيه ذلك من تنفيذ أمين لما يطلبه الجمهور العريض لهذا التيار وهو ما لا يحصل في الممارسة.

 

يمكن القول حينئذ أن من جملة ما هو مطلوب من الحركة الاسلامية في تونس هو التقيد بصوت الجماهير في الحزب وفي أوساط المحبين وعدم التعالي عليها في التنفيذ وذلكم على خلفية الزامية الشورى وعدم اخباريتها في فقه النهضة على ما أنا متأكد منه من خلال أدبيات هذا الحزب.

 

النهضة اليوم مطالبة بمراجعة سلوكها بشكل عام تجاه أبنائها الذين دفعوا الضريبة الغالية سجنا وتشردا في المنافي وحرمانا من أبسط الحقوق البشرية, واظن أنه لاعاصم لها مما هي فيه سوى رب العالمين والأخذ باسباب الاصلاح الداخلي وعلى رأسها تجسيد الديمقراطية الداخلية والتي أقصد بها عدم التحرج من الراي المخالف وعدم المجاملة مع القيادة والالتزام الأمين برأي الجمهور.

 

الديمقراطية التي عنيتها أيضا تقتضي أيضا تصحيح العلاقة مع مسألة الولاء

 

فليس من ينقد رئيس الحركة او رئيس المكتب السياسي على سبيل المثال ,يصبح التعامل معه شيئا فشيئا مبنيا على قاعدة التشكيك في ولائه للجسم.

 

ان قواعد التربية الديمقراطية تقتضي محاسبة المسؤولين ,وبناء عليه من حق المنخرطين في الحزب أن يحاسبوا مسؤوليهم عن الاخفاق والفشل وهو ما لا يحصل عمليا عبر التجريد من التجديد للمسؤولية,بل انه تاريخيا يقع التجديد وبشكل مستمر للصف المؤسس بمجرد استعادة مساحة من مساحات حرية العمل.

 

ان الأحزاب الديمقراطية تحاسب على السياسات الفاشلة ,كما أنها تحاسب المسؤولين عن هذه السياسات الفاشلة ,فهل يحصل الجزء الثاني من عملية المحاسبة داخل الحركة الاسلامية عموما؟

 

الاخوة الكرام ,ثمة نهج تربوي خاطئ  يسود عموم التيار الاسلامي المعتدل,وهو أن القادة ينظر اليهم في كثير من الأحيان على أنهم مشائخ ومربون ودعاة وربما علماء يستحقون الاتباع في السراء والضراء وكأنهم كيانات مقدسة ينبغي الانقياد وراءهم دون بصيرة أو عمق نظر,فان فازوا ونجوا فزنا من ورائهم ونجونا جميعا وان وقعوا في مهلكة هلكنا من ورائهم جميعا.

 

لقد بات على النهضة كتيار وقع في كثير من الاخفاقات أن يراجع مسألة الديمقراطية الداخلية من خلال اعادة الاعتبار للفرد المناضل وعدم اتخاذه مجرد اداة اعتصام أو تجمهر أو تظاهر أو توزيع مناشير وانما كيان محترم له رأيه وتصوره وكل الحظوظ في أن يراجع من يقوده ويضع حدا لكل التجاوزات التي من شأنها الضرر بالفضاء العام والوطن وليس مجرد الجسم الحزبي الذي ينتمي اليه.

 

وختاما أقول مستعينا في ذلك بالله :

 

لقد اخترت في هذا المقال أو الحوار أسلوبا صريحا لا يعرف المجاملة وذلك حرصا مني على أمانة الكلمة وصدقها ووفاء مني لمن سقط في ساحات الشهداء أو دفع ضريبة الحرية سجنا أو منفى أو حرمانا من أبسط حقوق الإنسان كالشغل والعمل والعلاج والتنقل الحر.

 

فالى كل أولئك أهدي هذه الكلمات وأرجو بعدها وقبلها من الله سبحانه أن يصلح أحوال البلاد والعباد وعلى رأس كل هؤلاء دعاة الاصلاح.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخوكم مرسل الكسيبي في 20-12-2005


بســــم الله الرحمن الرحيم

   شــكر واعتراف بالجميل       

 ‏20‏‏/‏12‏‏/‏2005‏ 06:52:49 م               

أشكر في  الأصل  ومن  صميم النفس  والوجدان المؤرخ  الدكتور منذر صفر، أعزّ وأنبل أصدقائي على دوره الرئيسي و طول نفسه في تحقيق حصول شخصي الفقير لله ولخدمة للوطن على القرار النهائي لحمايتي من طرف المفوضيّة الساميّة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

كما أشكر بطالع ما في  شرائع الأنبياء و نفسياتهم الأشراف و الأحبّة الآتي  أسمائهم  بفائض  معاني  الإنسانيّة وأروع ما  في  الاعتراف بالجميل من محبّة وإكبار وصفاء ومراحة نفس لا  يندثروا  ولا ينقطعوا حتَّى َيلجَ الجَمَلُ في  سَِمّ الِخيَاطِ والى يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا :

 

أخي الأكبر الدكتور أحمد منّاعي ـ المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة ـ.

المحامي  والحقوقي السيّد مختار الطريفي ـ الرابطة التونسيّة للدفاع  عن  حقوق الإنسان ـ .

الكاتب والحقوقي السيّد صلاح الدين الجورشي ـ الرابطة التونسيّة للدفاع  عن حقوق الإنسان ـ .

المحامي و الحقوقي السيّد عبد الرؤوف العيّادي ـ حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة ـ .
المحامي و الحقوقي السيّد سمير بن عمرـ حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة ـ .

الحقوقي السيّد

عبد العزيز اليعقوبي ـ رابطة حقوق  الإنسان  بمدينة ليون الفرنسيّة ـ .

الناشطة الحقوقية السيّدة المحترمة Ginette Hess Skandrani  . S.O.S. TUNISIE –

كما لا يفوتني أن اشكر كل من ساهم من أنقياء المجتمع الأمني التونسي في تسهيل خروجي من ارض  الوطن في  نهاية اليوم السادس من الشهر الثاني للسنة الجارية رغم إلغاء تاشيرة الخروج بشطبها من على جواز سفري و إعتقالي  بمقر أمن مطار تونس قرطاج دولي لمدة سويعات .

كما أعاتب بكل محبّة و إنسانيّة الصحفيّة السيدة سهام بن سدرين والدكتور السيّد منصف المرزوقي  من بني  وطني على عدم تواضعهما و تنكرهما لي للمرّة الثانيّة وعدم إستجابتهما لمساندتي معنويا. سامحهما الله مالك العزّ و الذلّة و رزقهما بكليل الإنسانيّة و بفضيله التواضع و العرفان بالجميل.

كما أذكرهما و سواهم بأنّ طالع الوجاهة في المجتمع في الخاصة و الزعامة ضمن المجتمع المدني في العامة لا يأتيان إلا بصفاء النفس تجاه الآخر و محبة الأشرار و الصالحين و الأبرار و الضالين.

كما أذكرهما و غيرهم من الضالين عن المسار الصحيح لمبادئ الإنسانيّة أن محبة الغير واحترام آدميّة الآخر ركن أساسي من أركان الزعامة.  وفي التواضع أصل المسؤوليّة، و في الإحساس بالغير صدر الإنسانية، و في الإنسانيّة وقاية فعالة لجهاز مناعة المجتمع المدني من جهة ورئة تنفس لدوام المحبة في السواد الأعظم من أي شعب او كائن حيّ على وجه البسيطة من جهة رئيسيّة أخرى (ما بالطبع لا يتغيّر و طبيعة الفرد تغلب تطبعه  في الحضارة و طرق محاكاته الحياة).

الشـــاذلـي ّ العيـــّادي


 

مقالة حول دمعي الذي لا ينضب..

وعزم أخي الماجري الذي لا يُكسر..

 وشعب « الأبورجينز » الذي لا ينقرض!

طارق الشامخي  

لطالما تغمر عيني الدموع في هذه الأيام لمناسبات قد تكون ساذجة لا تتحمل عبء انهمار الدمع لرجل يشارف سن الكهولة بعدما ترك وطنه في مستهل شبابة ولم يعد إلى وكره.. حتى الساعة.

تعاتب نفسي نفسي وتحاججُ نفسي نفسَها مراراً.. حول الدمع والدموع وأسرارها المكنونة ونيرانها المدفونة.. الرجال لا تعرف الدموع يا طارق.. أين الصبر والثبات؟؟ أين رباطة الجأش وعزم الرجال؟؟ ثم أين انت ممّا قاسى أسود السجون وحتى ممّا قاساه غيرك في مجاهل الغربة وموائد اللئام في هذي الحياة؟؟… لا!! بل البكاء سرُ العزم والحزم والثبات على الدرب.. إنه تنفيس النفوس المشحونة والقلوب المكلومة والمشاعر الغاصّة بالشوق والحنين حتى النخاع.. لقد بكى حبيبك المصطفى –عليه السلام- مراراً من خشية الله ومن شفقته على المسلمين ومن ظلم كفّار مكّة له، وبكى صحابته  وترجّى صاحبه المبجّل: « دع القلوبَ تقرُّ يا بلال! » لما جاشت بسيدنا الحبشي لجج الشوق والحنين الى أم القرى.. وكان إبراهيم عليه السلام أوّاها حليما.. ثم أليس البكاء خوفاً على المسلمين وشفقة على المستضعفين وعجزاً عن نصرة المظلومين هو فرع من خشية الله والتقرب إليه زلفى ؟؟ أظن أن بلى!.

القرار: سمحت نفسي لنفسي بالبكاءِ ما دام فيه تنفيس للكربِ وتخفيف من الهمِّ وجلاء للحزن، ولو للحظات خاطفات آناءَ ليلٍ أو أطرافَ نهارٍ.. ولا التفات الى لوم اللائمين وتنغيص المنغّصين .. وما دمنا ثابتين –باذنه تعالى- على القول الحق ونصرة الدين. وإليكم سادتني بعض مما يحضرني من مواقف مبكية وأحداث مبتسرة عساكم صادفتم بعضها أو اشباهها ونظائرها، فتضرب الاشباهُ بالنظائرِ وعليها تقاس..فشاركتموني بذلك حزني وأذهبتم بعضاً من غمي..و :

أقول وقد لاحت بقربي حمامة  ** ايا جارتا هل تشعرين بحالي

ايا جارتا لقد فرّق الدهر بيننا  ** تعالي اقاسمك الهموم تعالي

الموقف الاول:

وصول أهلي في مطار تونس سالمين من استخبار المخبرين وازعاج المزعجين.. وقد ذرفت دموعي حالما وطئوا أرض الخضراء لأول مرة في حياهم سائحين مستكشفين.. بعدما اعتلج صدري ساعات طوال كانت كالدهر قلقا عليهم وخوفاً من ليل الظلم وسواد الاستضعاف وقهر الرجال وما هم برجال.. فللّه الحمد والمنّة.. ولقد كان بكاء الفرح لا محالة والتحسر اني لم اكن معهم وان عيالي ينوبوني بشكل او بآخر في معانقة تربة بلدي الذي لا ينسى!

الموقف الثاني:

وكما كنت قد أرسلت زوجتي وأولادي لوكر عائلهم وحشاشة قلبه وإلى حضن أمه ومسقط رأسه ومرتع شبابه المبكّر – وقد ولدوا في مساقط رأس غير مسقط راسي وبلاد غير بلادي.. عسى ان يخفف ذلك من لوعة امي و يضمد بعض جراح فؤادها الذي امسى خاويا من سنين خلت.. ولكن -ويا للاسف- ان ذلك لم يزد الام الرؤوم غير مزيد من توقد جذوة الشوق وتحرك مواجع القلب الدفينة..

وكنت قد ارسلت بالبريد الالكتروني اخبر صديقا قديما لي في غربة عاصمة من عواصم الغربة والضياع، واعلل الخطوة التي اقدمت عليها بالتخفيف على أمي، مغامراً  بما قد للعيال من بطشة العسكر والمخفر- فجاء رده مقتضباً بعد ايام كالتالي:

« باسم الله قاهر الجبارين والصلاة والسلام على خير خلقه والسلام عليكم أخي طارق نحن في غاية الشوق إليكم ولقد سررت كثيراً عندما أخبرتني بنبإ زوجتك وذهابها إلى تونس وهي أمنية ..لكنك أيقظتَ في دمعة حرّةً تدفقت دون شعور عندما ذكرت ذلك الكائن الملائكي المدعو أم.. إنها الملاذ الذي أسرّ إليه ألم السنين وياله من ألم .. لماذا توقظني من سباتي ياصديقي؟  لماذا تنتشلني من غفلتي؟؟  لقد أغرقت نفسي في التأليف والمقالات والأبحاث..  ربّما هذا هروب حقيقي (من الواقع) كما هرب الكثيرون  لكني استيقظت منذ اللحظة الأولى وإن شئت الكلمة الأولى من رسالتك..

 أيها الرجل  لم أعد أقدر.. سلم على من تراه  قادراً على حمل أمّه في سجلّ الذكريات المُرّة والسلام .. سامحني.. ».

وما أظنه الا استرسل في بكاء طفوليّ مرير.. وفعلت ذلك عينه لما قرأت ما كتبه أعلاه، بكاءًا على حاله وحالي وحال أمه وأمي وكل الامهات المكلومات فرج الله عليهن عاجلا غير آجل.

وكاتبته بالتالي:

(بعد السلام) « ما كتبته مقتضباً اصاب مني الصميم لا محالة..

لا تثريب علينا أخي فنحن نكون ابطال التغيير وضحايا المحرقة وأمل جياع المستقبل لا محالة .. ولكل فجر لا بد من دم.. ولكل غد مشرق لا بد من عزم وحزم..

والساعة..لندعِ الدموع جانبا  ولنكن واقعيين وانصحك بارسال اولادك وزوجك لتونس حالما تتمكنوا ماديا من ذلك فالوضع نسبيا تحسن في هذا المضمار ..لن يصابهم مكروه باذن الله .

 وعسى ذلك ان يخفف من شوق امك كما املت ان يخفف من شوق امي. كن حازما اخي الفاضل. والسلام ».

ولم امتلك الجراة لان اخبره بان ذلك فعل عكس المطلوب وأوقد نيران الشوق -بعد رؤية اولاد الابن الغائب من عقد ونصف- تقديراً مني ان ارسالهم يبقى احسن واقرب للرجاء وحل عقدة المنفى وكسر حصار النسيان بين الأطراف الممزقة للعائلة الواحدة.

الموقف الثالث:

الهجوم المنظم الذي تعرض له اخينا الفاضل خميس الماجري على اثر نشره لرأي فقهي حول اضرابات الجوع، وقد قرأته من يوم نشره وما وجدت فيه شذوذاً يذكر بقدر ما فيه من حماسة للراي وذوداً عن الشريعة وغيرة على الحقيقة من مخالب التسيس والتشوه والضياع؛ وذلك بحسب ما يذهب اليه ظانٌ في الفقه- هو الماجري- وقد تُعبدنا بغلبة الظن.

 ولهذا فوجئت بالأخ الفاضل – الهادي بريك- الذي نُجلُ ونُعزُ لغيرته هو الآخر على دينه وإسهامه المتواصل في العلم والحجاج والصدع بالحق، وأحسبه احسن من العبد الضعيف في هذا المضمار- مضمار المشاركة بالقلم- ولا نزكّي على الله احداً.. وما أظن الموضوع إلا كبوة جواد وتسييس مقيت يكتسح الإخوة هذه الايام ذوداً عن الحركة الإسلامية في زمن تكالب فيه عليها أعداؤها وعزّ نصيرها.. واتفهم كل هذا، والله المستعان اولا واخيراً.

بيد ان رد الاخ الماجري، بعدما كنت هممت لأيام بالرد مناصرة لمظلوميته ولكني لم افعل..، اثار دمعي من جديد وتمنيت له ان لا يحزن وتمنيت لو كنت مكانه ذلك أن ظلم الاخوة قد اصابني في الصميم مراراً وتكراراً فأصبت من جرائه بشبه مناعة ولم يعد يبكيني على الاقل..ثمة تذكرت قول الشاعر الجاهلي:

وظلم ذوي القرابة اشد مضاضةً    **   على المرء من وقع الحسام المهنّدِ

وتذكرت رسالة قد كتبها الأخ الماجري المغترب في سبيل الله المحارَب بسبب كلمة قالها من مغتربين في سبيل الله.. كتبها من محبس غربته لابنته هدية زفافها وتذكرت ولا بد انه سيتذكر معي:

رباب ربة البيت ** تصبُ الخل في الزيت..

وتذكرتُ.. في تونس الاعتدال والتسامح والزيتونة والأرض المبسوطة كانبساط وجوه أهلها.. (ربما كان ذلك ابّان البايات والحفصيين والحسينيين وليس في عهدنا..) كم من رباب شبّت بعيداً عن أبيها -المنفي أو المسجون- وتدرّجت في مدارج الحياة واستقبلت مؤسّسة الزواج ولم يحنوا عليها والد رحيم قط او يدغدغ آمالها تحفيز قويم وتوجيه سليم.. كم وكم؟؟ بكيت لذلك، واختلط كل ذلك.. ومنه:

موقف فقهي:

تسييس الفقه عند شبابنا من أثر المحنة.. واذا سُيس الفقه فعلى الحكمة السلام. ومن باب تمرسي باصول الفقه ومقاصد الشريعة يرجَحُ لدي كراهة اضرابات الجوع لمخالفتها لمقاصد الشرع في الحفاظ على النفس والعقل ولغلاء ذينك عند المساجين او المضربين وعند المتدينين منهم خاصة، ولكن عند الضرورة القصوى التي تقدر بقدرها –كما اسلف وشدّد بعض العلماء الثقات، والكل ثقات عندي!- لاباس بذلك بشرط ان يوقف المضرب الاضراب فوراً عند الاعتلال المفضي الى الهلاك او بوادر الهلاك ولا التفات الى قول من يقول باندراج ذلك في العمل الجهادي او الاستشهادي فهو من باب اختلاف المناط واختلاف العلل والمشارب بين من يقتلع من بيته او ينتهك حقه سلما دون حرب..، ومن يذهب لساحة الوغى عازماً على العودة الى بيته بأجر ونصر.. او في جنازة تليق بمقامه الى أعلى عليين. شتان بين المناطين اخوتي ولا داعي لتسييس الفقه والمواقف الفقهية بسبب نصرة الحركة الاسلامية أو غيرها، والله اعلم. ولكم في دعاء القنوت اثر كل صلاة مندوحة عن هذا وهو من فعل حبيبكم المصطفى حتى يجيء النصر أو يذهب الكرب وتنجلي الغمة.

 وهذا رايي ولست في حاجة، كما الاخ الماجري بيّن في مسالته، الى ان أبين لكم الراي المخالف -الذي تعلمون بعضه-؛ وهذا مذهب من مذاهب أهل العلم في تبيان القول الفقهي ولا مشاحة في ذلك. ومن اراد الاختلاف في الفروع فليذهب الى مظانّه فان لكل مقام مقال، ومن اراد ان يتعلم اكثر من واحد في وقت واحد فلا يمكنه ان يتعلم ولا واحد منهما كما قال ابن رشيد الحفيد، رحمه الله.

واعتذاري لكل من يتفهم ادب الحوار ويقدّر كم هو مؤلم جرح نفس مسلمة طيبة تجاهد في غربتها من اجل ربها..ومؤلم اتهام النوايا بتعلّة نصرة الحزب او الفِرقة او المذهب.. وان كان صاحبه لا يعلم انه يفعل ذلك.

الموقف الرابع:

حدثتني اخت استرالية اسلمت قبل شهور قليلة اساعدها في سبر أغوار دينها وتجاوز عقبة اللغة العربية وفهم القرآن.. حدثتني عن بعض مما تصادفه في عملها كطبيبة تتجوّل على تجمّعات « الأبورجينز »: السكان الاصليين الملوّنين في استراليا (الذين قدموا اليها على الارجح منذ ما يناهز الاربعين الف سنة عبر قوارب من اندونيسيا، والذين اكتسحهم الانجليزي الابيض الذي قدم للبلاد قبل حوال المائتي سنة ونيف.. مبيداً جماعات منهم كثيرة ومصادراً لأراضيهم ومقدّساتهم وسارقاً لابنائهم وزانياً بنسائهم؛ بدعوي خلط انسابهم بالنسب الابيض لتحسين نسلهم ..او لتربية ابنائهم على الثقافة الغربية الاسترالية للمستوطنين البيض .. ) ولطالما تعاطفت معهم في سري وبعض جهري وشعرت مراراً بالذنب وتأنيب الضمير اذ أني فعلياً مستوطن جديد أبيض او شبه ابيض أو تابع للبيض ومستقدم بإذنهم يسكن ارضهم ربما غصباً من دون رضاهم، وتاليا قد تنجر مشاكل فقهية مثل مدىقبول صلاتي في ارض مغصوبة.. وفي العموم انا ناكر بجميع جوارحي للاحتلال اينما كان ومعتبر انه لا يتقادم بتقادم الزمن ولا تسقط الحقوق لدى اصحاب الارض في الارض، سواء اكان الامر في فلسطين او امريكا بشطريها الجنوبي والشمالي او استراليا.

حدثتني كيف يقطعوا في بعض الاحيان مسافة خمسمائة كيلومتر بسيارات الدفع الرباعي  (4WD)بين الأدغال الكثيفة والمسالك الوعرة للوصول الى معاقلهم الحصينة.. وحدثتني عن عيشهم في الغابات والادغال يتقوّتون –نعم الآن!، انتبهوا وفي بلد متقدم مثل استراليا- من حشاش الأرض الرطبة الرؤوم ومن بعض حيونات الغابة التي يتصيدون؛ وهم لا يعرفون اساليب الزراعة الحديثة بعد ولا الخبز ولا القمح ولا الشعير.. وكيف انهم يدركونهم عن طريق الوفد الطبي الذي فيه الأخت التي ولدت من جديد بعد اسلامها وتنور قلبها اكثر بالايمان، وقد شارفوا على الموت لمن يشارف منهم الموت، ولا يسألون البيض الحافا ولا كفافاً حتى الطبابة في لحظات الموت، وان كانت السلطات الفدرالية الآن لا تدّخر جهداً في الاعتناء بهم من ناحية الاسعاف الطبي..كما حدثتني عن بيوتهم المبنية من اغصان واوراق شجر الادغال ونومهم على الارض الدافئة الرؤوم.. وكيف انهم في العموم اصحاء بسطاء جدُ سعداء.. من دون اوحال مدنية الغرب وآثامها. وكانت الاخت تعبر لي بين الفينة والاخرى عن عشقها لعملها وعشقها لهؤلاء الناس الطيبين الذين مازالوا يخافون من الانسان الابيض، ولربما اعتبروه في ادغالهم لمّا يزورهم –وإن كان طبيبا وملاكا للرحمة- شيطاناً وشراً عميماً يهدد وجودهم وينغّص أمنهم ويدنّس عذرة غابتهم..

وبكيت لكل ذلك بكاءاً شديداً.. ولا زال قلبي يبكيهم وسأناصرهم وامثال قضاياهم ما حييت؛ وما دام فيّ عزم.

عذرا اخواني إن اشركتكم في احزاني وبدّدت بعضاً من سعادتكم بأرض غربتكم رفقة ذراريكم؛ جعلكم الله سعداء في الدارين.. آمين. ولحديث الغربة والدموع والحنين بقية لامحالة. واعذروني مجدّدا ان ام استطع ان اكتم في نفسي لنفسي دمعي، ذلك ان الحنين استبد بي الى تونسكم: المسمّاة خضراء. والسلام على كل الكرام.

 

العبث بدين الله …أو الحج على الطريقة التونسية

بقلم: محمد عبد الرحمن

 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الإسلام أصبح غريبا بل أصبح مطاردا في بلاده . و أوضح مثال على ذلك ما يقع في تونس و حتى يستبين الأمر أنقل لكم مثالا على ما يحدث في بلاد الزيتونة : موطن سحنون وابن أبي زيد وابن خلدون و ابن عاشور و ابن الفرات … ففي هذه الأيام التي يتم فيها الاستعداد لأداء مناسك الحج تم توزيع كتيب من إصدار وزارة الشؤون الدينية التونسية على قاصدي بيت الله الحرام . و منذ الصفحة الأولى يبرز لك الاستهزاء بالدين و ذلك بالحديث عن التيسير و التسامح في دين الإسلام الحنيف و يذكرون بالقاعدة ( المشقة تجلب التيسير) و بالحديث (لا ضرر و لا ضرار ) و بأن النبي  نهى عن التزمت و التشدد . فخرجوا بطبخة تونسية لما يسمى (دليل الحاج ). إذ هم يقفزون من مذهب إلى آخر و مبدأهم في كل ذلك الـُرخص و الأقوال الشاذة حتى يبدو للناظر أن الحج رحلة سياحية ليس إلا . و اسمحوا لي أن أنقل لكم فقرات مما كتب في هذا الدليل و أرجو أن تكملوا قراءتها كلها . و قد أرفقت أسفله بالدليل كاملا لمن أراد المزيد من المضحكات المبكيات و لا حول و لا قوة إلا بالله . ص 3 إنّ هذا الدليل الذي تضعه وزارة الشؤون الدينية بين أيدي الحجيج الميامين هو خلاصة عمل ثُلّة من العلماء المتخصّصين والفقهاء المحقّقين، في تقصّي العلل وتمحيص الأدلّة وتخيّر الآراء والأقوال بناء على القاعدة الشرعية : المشقّة تجلب التيسير، كي يكون رفيقًا لضيوف الرحمان، قاصدي بيت الله الحرام في رحلتهم المقدّسة لأداء فريضتهم الخامسة تلبية لنداء سيدنا ابراهيم عليه السلام الذي حكاه القرآن الكريم في الآية 25 من سورة الحجّ بقوله : « وأذّنْ في النّاسِ بالحجِّ، يأتُوكَ رِجالاً وعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فجٍّ عَمِيق ». فالدّين الإسلاميّ الحنيف مبنيّ على التيسير ورفع الحرج وليس فيه تشديد أو تكليف بما فوق طاقة المخَاطَبين : »يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ». لذلك نهى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم عن المغالاة في العبادة أو التعسير على المكلّفين في أمور الدّنيا والدّين حيث قال : « هلك المتنطّعون » أي المتشدّدون والمتزمتون. …………………. ص 7  

الإفْرَادُ

: أن ينوي الحاجّ الحجّ وحده فإذا أتمّ أعمال الحجّ ينوي العمرة. وهو الأفضل عند المالكيّة إذ به حجّ النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم وهو الأيسر لأنّه لا هَدْيَ فيه... هكذا ؟ …… ص 9

ب* واجبات الإحرام : 1* التجرّد : وهو أن يتجرّد الحاجّ من كلّ محيط ومخيط وأن لا يلبس إلا إزارًا ورداءًا ونعليْن وهذا بالنسبة للرجل فقط، أمّا بالنسبة للمرأة فتلبس لباسًا عاديًّا ساترًا لبدنها دون وجهها وكفّيها. حتى لا يقولوا الحجاب أو الخمار ……… ص 10 :  

ج

* ميقات الإحرام : للإحرام ميقات زماني وميقات مكاني : 1* الميقـــات الزمانــي : وهو في ثلاثة أشهر معينّة : هي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، قال الله تعالى : » الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ » البقرة 196. ويمتد إلى قبيل فجر اليوم العاشر من ذي الحجّة. 2* الميقات المكاني : وهو بالنسبة للحجيج المسافرين من البلاد التونسيّة قسمان : أ قسم يخصّ الحجيج الذين يقصدون المدينة المنوّرة أولاًّ وهؤلاء يكون إحرامهم من آبار علي في طريقهم من المدينة المنوّرة إلى مكّة المكرّمة. ب قسم يخصّ الحجيج الذين يقصدون مكّة المكرمة مباشرة إثر وصولهم من تونس إلى مطار جدّة، فهؤلاء يكون إحرامهم من مطار الحجيج بجدّة دون أن يكون عليهم هدي ولا فدية حيث يقومون هناك بكلّ متعلّقات الإحرام. وتكون النيّة عند ركوبهم الحافلة في اتجاه مكّة المكرّمة عملا بما قاله الإمام ابن عرفة فيمن كانوا يسافرون بحرًا فإنهم يحرمون من أوّل مكان بالبرّ ولا يترّتب عليهم شيء وعملا أيضا بما قاله الإمام سند من المالكية وبما أفتى به سماحة الشيخ الإمام محمّد الطاهر ابن عاشور رحمهم الله جميعًا ………………… ص17 شروط الطواف : 1- أن يكون الطائف على طهارةٍ من الحَدَثيْن (الأصغر والأكبر)، وذلك شرط في بدايته وفي استمراره فمن حصل له ناقض أثناء طوافه وجب عليه التطهّر. ومن تيسيرات الحجّ العمل بما قاله الشافعيّة من أنّه يجوز البناء في الطّواف على ما تمّ القيام به من أشواط دون إعادته من البداية. …………………… ص 22: وبمجرّد الوصول تُنْجَزُ إجراءات السّكن مع التحلّي بالهدوء والصّبر وسعة الصّدر والالتزام بالنظام وحسن الفعل والقول متذكّرًا قول الله تعالى : « الحجّ أشهر معلوماتٌ فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ » (البقرة 197). وبعد أخذ نصيب من الرّاحة يتطهّر الحاجّ كما يتطهّر للصّلاة استعدادًا للطواف الذي تشترط فيه الطّهارة، …… ص 24: فيستقبل هذا الرّكن ويكبّر ويرفع يديْه كما يرفعهما للصّلاة وعليه أنْ يتجنّب هنا محاولة تقبيل الحجر إذا رأى أن ذلك قد يعرّضه لخطر التدافع والزّحام فيضرّ بنفسه أو بغيره.مع الدّعاء في كلّ شوطٍ (يمكن اعتماد الأدعية المأثورة وهي التي جمعناها في قسم الأدعية من هذا الكتاب، كما يمكن للحاج الدّعاء بما يشاء مع حضور القلب والأمل في الإجابة من الله عزّ وجلّ). ………………. ص 27 : وله أن يرتاح قليلا (خمس أو عشر دقائق)، ثم يتوجّه إلى المسعى ليقوم بالركن الثاني من أركان الحجّ وهو السّعي بيْن الصفا والمروة فيبدأ بالصّفا ويستقبل القبلة ويدعو الله بما يشاء متّجهًا إلى المروة ……… ص 28 : وفي اليوم الثامن من ذي الحجّة يستعدّ الحاجّ ليوم عرفة، يوم الحجّ الأكبر، أي أنهم سيرغمون الناس على ترك المبيت بمنى في ذلك اليوم . ترى لماذا سن الرسول  سننه ؟ هل لتترك ؟ ألم يقل  » خذوا عني مناسككم «  ؟ …………………. ص 29 : ويقضي الحاجّ يومه في الدّعاء والذّكر وتلاوة القرآن، والمشاركة في الأختام القرآنيّة التي تنظّمها وزارة الشّؤون الدّينيّة في الخيام، والأدعية التي تؤدّى جماعة قبل الغروب ومغادرة عرفة. وهنا يجدر التنبيه إلى تجنّب الخروج من المخيّم خشية الضياع أو التعرّض لضربة الشمس. ……… ص 34: فإذا أتمّ الحاجّ رمي جمرة العقبة يحلق أو يقصر شعره ويكون بذلك قد تحلّل التحلل الأصغر، والحاجّ هنا مخيّر بين أمرين : فإمّا أن يواصل طريقه إلى مكّة ويكون هنا التنقل على حسابه الخاصّ ليقوم بطواف الإفاضة ثم يعود إلى منى وإما أن يبقى في المخيم التونسي في منى ويمضي فيها الأيام الثلاثة. ………………. ص 3739 : ثمّ يعود إلى منى فيقيم بها لأجل الرمي ليلتيْن والمستحسن أن يتمّ الرمي في الوقت الذي يقلّ فيه الزحام والتدافع عملا بالقاعدة « لا ضرر ولا ضرار » ويكون الرمي بالترتيب بين الجمرات : سبع حصيات للجمرة الصغرى سبع حصيات للجمرة الوسطى سبع حصيات للجمرة الكبرى (جمرة العقبة) وينبغي عند الرمي تجنب إيذاء الناس فقد روى سليمان بن الأحوص الأزدي عن أمّه قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بطن الوادي يقول : »يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضًا إذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف » رواه أبو داود. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هات ألْقِطْ لي فلقطت له حصيات هي حصى الخذف فلما وضعتهن في يده قال : بأمثال هؤلاء وإياكم والغلوّ في الدّين فإنّما أهلك الذين من قبلكم الغلوُّ في الدّين » رواه أحمد والنسائي. و لأجل ذلك ينبغي على الحاجّ الإنصات إلى المرشدين والمرشدات الموفدين من قبل وزارة الشؤون الدينيّة واتّباع نصائحهم عند اختيار وقت رمي الجمرات أيام التشريق الذي يجوز في كلّ الأوقات بالليل والنّهار دون التقيّد بوقت معين ، وهو ما أفتى به مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرّمة بحيث يتجنّب الحاج الزحام الشديد حول الجمرات ويتخيّر الوقت المناسب للرمي عملا بقوله تعالى: »لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَ وُسْعَهَا« . ……………………………. ص 45 : وللمــــرأة الحائـــــض والنّافـــــس الإنابة عنها في طواف الإفاضة إذا تعذّر عليها تأخيره حتّى تطهّر لارتباطها بموعد سفر محدّد، وهنا يجب على من ينوبها نيّة ذلك وأن يطوف عنها بعد طوافه عن نفسه مؤدّيًا لهذا الطواف كلّ شروطه. ………………………. ص49: ولا يترتّب على ترك المبيت بمنى هدي (لأنه سنّة عند أبي حنيفة). …… ص 52: إنّ زيارة المدينة المنورة والصلاة في المسجد النبويّ وزيارة قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم، سُنّة وقربى. ورد في الحديث الشّريف: « من زارني بعد مماتي، فكأنّما زارني في حياتي » …….. ص 66: 10- هل يجوز الإحرام بالنية في الطائرة ؟ بالنسبة إلى الحجيج التونسيين يكون الإحرام من أرض جدة و بعد إتمام إجراءات الدخول إلى الأراضي السعودية طبقا لفتوى الإمام العلامة المبرور محمد الطاهر بن عاشور و غيره من العلماء , لذلك فالإحرام من الطائرة و لو بالنية مكروه لأنه إحرام قبل الميقات . وهو غير ممكن عمليا لأن مرور الطائرة بالميقات يكون سريعا و لا يسمح يذلك . ………………  

ص

68 : 14- هل على المحرم من مطار جدة هدي ؟ الميقات المكاني للقادمين جوا من أي مكان في الدنيا و القاصدين مكة المكرمة أولا إنما هي جدة حسب ما أفتى به العلامة المبرور محمد الطاهر بن عاشور و غيره من المفتين و العلماء المحققين و بالتالي فإنه لا هدي عليه . ……………… ص 70 : 1- من انتقض عنه الوضوء أثناء الطواف ماذا يجب عليه أن يفعل؟ من انتقض عنه الوضوء أثناء الطواف يقطع طوافه و يتوضأ ثم يتم طوافه و يبني على ما فعل أي يواصل طوافه كأنه لم يقطعه . و عند الحنفية لا تشترط الطهارة في الطواف . لذلك جوزوا مواصلة الطواف عند انتقاض الوضوء مثله مثل السعي ( انظر فتح الباري لابن حجر عند شرحه الحديث رقم 1652 ) . الرجاء النظر في هذا المرجع إذ ليس فيه أي حديث عن الطواف بدون وضوء ……  

ص

79 :

4-

من دخل بالتمتع و قام بعمرة لغيره هل عليه هدي ؟ حسب فتوى الإمام ابن الحاجب و التي نقلها الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير للدردير لا هدي عليه .…….. ص 80 ما حكم الشرع في الأربعين صلاة بالمدينة المنورة ؟ هناك بعض الأحاديث الضعيفة التي تدعو إلى أداء أربعين صلاة بالمسجد النبوي بالمدينة المنورة وبالتالي فهذه الصلوات على أقصى تقدير هي مستحبة . و من لم يتيسر له ذلك فلا شيء عليه و لا يقال في حقه أنه قصر . و لم تنص هذه الأحاديث الضعيفة على ضرورة أن تكون هذه الصلوات مفروضة بل يمكن احتساب صلوات النوافل ضمن الأربعين . ………….. ص 133:

 

من

دعاء عرفة : ونسألك اللّهم بأسمائك الحسنى أن تزيد سيـادة الرّئيـس زيـن العابديـن بـن علـي تسديدا وتوفيقا لما فيه خير الوطن والدّين. اللهم حقق لنا على يديه المزيد من الخيرات واكلأه ربنا بحق هذا اليوم المبارك بعين حفظك و رعايتك يا أرحم الراحمين يا رب العالمين . الكتيب على نسق ب د ف :

دليل الحاج تونس.zip (55.7 كيلو بايت,

 

 

(المصدر: المنتدى الشرعي العام في « ملتقى أهل الحديث » بتاريخ 1 ديسمبر 2005)

وصلة الموضوع:

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=41919&highlight=%C7%E1%DA%C8%CB

 


 

الحماريات : « في ذكرى التحيـل وفجر التغور« 

م. البكوش

 

عندما يولد احدهم اضحوكة فانه يبقى كذلك و  » يمشي هكاكه » و  » يتبيلك هكاكه » الى النهاية. ولن ينفعه شيء في الخروج من ورطته

 

منذ ايام تذكرت جدتي. فجأة تذكرتها، رأيتها اخر مرة طبعا في تونس، في بيتها ممددة على  » بنكها » متغطية بـ » بطانيتها » تحدق في تلفزتها. في تلك الايام كانت تلفزة جدتي تعرض ما تعرض من برامج موغـلة في القبح و البلادة. لا اذكر اما ان تكون ذكرى « التحيل » قريبة او ان تكون قد مرت منذ فترة وجيزة (شهر او شهران). احد المتمعشين وجد في « الخلاء الخالي » ما سماه بـ »برامج تنمية ». تنمية « متاع فرد المرة »! تنمية  » للصباح »! بدأت افكر في مغادرة بيت جدتي و في مغادرة البلاد مرة اخرى… قد تكون اخيرة… برنامج تنمية  » يـبـصص »! كل ما في الامر بعض أحواض المعدنوس. المتمعش و فريق التصوير (في مجتمع محترم المفروض ان يكونوا كلهم  » بطالة ») تحملوا مشقة التنقل و اهدروا اموالا طائلة (اموال التونسي و التونسية) حتى يصوروا احواض معدنوس! عصارة الذكاء والابداع! تصرفات « جرابع » قضت حياتها تحت تجارب مخبرية مريبة.

 

ما حرك الروح النقدية في جدتي هي التعليقات التي صاحبت « المادة الاعلامية » التي كانت كلها من نوع و « بحرص من سيادته و بفضل سيادته ورؤية مستقبلية من سيادته و بـ » صباط » سيادته و بـ »قصرية » سيادته و بخزعبلات سيادته » و « هات ما كاللاوي »! استقامت جدتي نسبيا في جلستها وامعنت النظر في الشاشة. صدرت منها محاولة تهميش الكاراكوز بان سألتني عن أحوالي و عن زوجتي الغائبة. طمأنتها كالعادة كما اطمئن الجميع، يعني كذبتها… الكذب على من تحب جائز اذا كان الهدف ان لا تزعجه او تسبب ارقه… فشلت محاولة جدتي في تهميش المهزلة. صبرت دقائق ثم نطقت. اليوم وانا اذكرها افهم انه آخر ما قالت لي، اذ لم اسمع منها مقالا آخر بعد ذلك.

 

 » ياخي قلي، المعدنوس ما كانش قبل ينبت، لازم باذن سيادتو؟ » –

 

   » كان ينبت ديما، اما هذا معدنوس اخر… متاع تنمية، معدنوس هـبال! »

 

  « يراهم خُسرة، قعدوا كاراكوز بين الدول، هذه ما عادش تلفزة، هذه وَلات قزدرية زبلة. »

 

   » ما تتفرجشي فيهم. عندهم عيد التحول. »

 

   » تحول؟ يحول عينيهم! قعدوا عارة!/

 

سكتت جدتي قليلا تكون قد استغفرت في سرها و هي دائما تستغفر كلما شتمت بعضهم، ثم بررت تفرجها على  » قزدرية الزبلة »ö

 

/ يا ولد الدنيا، نستنى فالنشرة الجوية، غدوة فم شتا و الا لا. »

 

  « حتى النشرة الجوية يكذبوا عليك فيها، الخمسة و اربعين سخانة يعملوها اقل والشتاء التي تهز الدنيا وما فيها يسكتوا عليها. »

 

سكتت جدتي بعد ذلك وهي تتحاشى معي مثل هذه الاحاديث اذ انها تعرف عن مشاكلي منذ سنين طويلة وهي الشخص الوحيد الذي كان يحرضني دائما على الرحيل.

 

بعد اشهر من هذا الحادث سالت عني جدتي فقالوا لها انني سافرت. مرت سنوات / » مشات ناس وجات ناس و كالتلفزة شادة الصحيح… »/ سالت عنها فقالوا لي انها ماتت. اقصد جدتي. كدت القي سؤالا غبيا على شقيقتي التي اخبرتني: بماذا ماتت؟ سؤال غبي لان جدتي تجاوزت التسعـيـن. ثم كدت القي عليها سؤالا غبيا ثانيا: هل تالمت؟ بعد التسعين لا يتالم المحتضر. كان لا بد ان اسأل شيئا، قلت هل كانت وحدها ساعة القضاء؟ ردت شقيقتي بالنفي، و طمأنتني بأنهم كانوا حولها في ساعتها الاخيرة.

 

تعقيب: لو كنت مكان « سيادته » لـ » فـشخت » من قال ان المعدنوس ينبت بحرص مني و بفضلي، تصور لو قالوا انه « بحرص من سيادته تم اليوم في حدود العاشرة صباحا القضاء على ثلاثة  » ذبانات » كانت تحوم حول » الكستيليات في حانوت عم فرج الززار » ! ثم ان هذا الامر يفضح الافلاس السياسي و الاديولوجي و الاداري لعدد كبير من رؤساء العالم الذين / رغم جهودهم الجبارة/ عجزوا عن إنبات المعدنوس في بلدانهم. يا لخيبتهم! فيما اعتدادهم بانفسهم و فيما ابهتهم الفارغة و العنجهية الاستعمارية التي تبقى في نهاية الامر فترينة تحجب اخفاقاتهم المريعة.

 

اليوم تذكرت جدتي. كم سمعت المسكينة من سيول النفاق و التلحيس وهي ممددة فوق  » بنكها « . اعرف انه اول ما ساقوم به يوم ارجع الى البلد / ان كان لا يزال في العمر بقية /هو ان ارفض في المستقبل دفع معلوم الإذاعة و التلفزة! لن امول بعد الان حملة دعائية لاحدهم! من يريد ان يتلذذ بصورته ليلا نهارا فليدفع من جيبه او يختلس من الخزينة. فليدفع من يريد ذلك. فليدفع المتطوعون. اما انا، فلا! ليقصد صندوق النقد الدولي، لن يرده خائبا. و التونسيون في حل من كل الديون/ و هذا ملف اخر على حدة/ التي يثقل بها « صانع التغور » كاهل الاجيال القادمة. لا يمكن تسديد ديون تراكمت في غياب الحد الادنى (0،2 في المائة) من الشفافية. ثم ان « صانع التحـيـل » يملك عدة صناديق « للتضامن » فليدخل يده « حتى الظبوط » الى احداها و يغرف كما يغرف للامور الاخرى و « للمصاريف الاستثنائية » و يمول الكاراكوز المتواصل منذ جيلين. سارفض ان ادفع! و ان قطعوا عني الكهرباء ساقدم قضية بالشركة اذ انني ساواصل تسديد مصاريف الكهرباء، الكهرباء فقط! قد يكون لذاك وقع واثر خصوصا اذا ما تجاوز عدد هذه القضايا الالف او الالفين و من التونسيين « المطروشين » والتونسيات  » المطروشات » سيوجد اكثر من هذا العدد.

 

هذا طبعا في مرحلة اولى ثم ستجيء المرحلة الثانية حيث ساطالبهم بتعويض عشرات السنين التي دفع خلالها التونسيون و التونسيات بحارا و جبالا من اموال لتمويل « مركاتينغ » متخلف لاشخاص مشبوهين. اشخاص مشبوهون حقا: اذا ما وقعت يوما و صافحت احدهم فلا باس في ان تعد اصابع يدك بعد ذلك، لن يكون عدد اصابعك بالضرورة خمسة بعد المصافحة، لذلك عدها، احتياط! و اذا ما طالب الف او الفان من التوانسة  » المقربعين و المقربعات  » مثلي فان المسالة يمكن ان تاتي بنتيجة ايجابية. اما عن التعويض المعنوي/ والمسالة تستحق التعويض المعنوي/ فانني سافكر في ذلك فيما بعد. مع انه يكفي ان اتذكر جدتي المسكينة مرة اخرى حتى اقرر المطالبة بكل التعويضات.

 

عن التعويض المعنوي: اعرف مواطنا من اترابي، او هو يصغرني بسنة او بعضها، يدخن علبة سجائر في الاسبوع و انا ادخن علبة كل يوم و هو لا يسكر اكثر من مرة في الشهر و انا لا اسكر عادة اكثر من مرة في اليوم و مع ذلك يبدو المواطن المسكين و كانه يكبرني بعشرين سنة. السبب الوحيد هو ادمانه/بسبب شغله/ على التلفزة التونسية. المفروض ان يدفعوا له منحة الخطر مع  » باكو » حليب يوميا. و لا يقوم كاراكوز الا حيث يقوم جيش « اللحاسين » العرمرم من الخدم الذين « بـيـل على قدرهم » الف مرة، فلذلك الجمهور حديث اخر. ملفهم اقبح من اعمالهم، وجودهم في ذاته عار بالمفهوم الاخلاقي الشامل، و لهم في « التحيل و التغور » مصيدة سـ  » تتطرشق  » ان عاجلا ام آجلا على احدهم او على بعضهم.

 

كل المسالة كما قالت جدتي : » غدوة فما شتا و الا لا! » فالقحط لا يدوم في النصوص القديمة أكثر من السبع العجاف تمطر بعدها السماء في السنة الثامنة.

 

(المصدر: موقع تونيزين بتاريخ 21 ديسمبر 2005)

 

رحلة منظمة التجارة العالمية من الاقتصاد الى إلسياسة

د. احمد القديدي (*)

alqadidi@hotmail.com

 

بسكال لامي مدير عام المنظمة العالمية للتجارة في كلمته لرؤساء وفود 148 دولة اجتمعوا في مؤتمر هنغ كنغ كان واضحا حين قال اننا منذ لقائنا بالدوحة 2001 الى لقائنا بهنغ كونغ 2005 قطعنا الطريق الفاصلة ما بين الاقتصاد والسياسة بل اصبحنا مطالبين من شعوبنا بتقديم حلول سياسية لمعضلاتنا الاقتصادية. وهذا الخطاب من قبل مدير المنظمة يوحي بأن الارادة السياسية هي الاصل لتغيير نوع العلاقات الراهنة بين مجموعات من الدول تتناقض مصالحها وتتضارب خططها وتتناحر شركاتها وتتعادى شعوبها بما لا يخدم السلام العالمي. فهو لاول مرة منذ توليه مسؤولية ادارة المنظمة يستعمل عبارة الشجاعة السياسية ويدعو اليها لانه واع بالخلافات الجوهرية بين مجموعات الدول المتقابلة في شبه مواجهة وهذه المجموعات هي كالتالي:

 

1- الولايات المتحدة تتزعم فريقا من الدول مثل كندا واستراليا وعدة دول اوروبية اهمها بريطانيا تنادي برفع كل القيود المفروضة على المبادلات التجارية وتحرير الاقتصاد لتعزيز الليبرالية، وهذا الطريق حسب عقيدة هذه الدول هو الكفيل بزيادة النمو ومضاعفة الانتاج وخلق ديناميكية التنمية وتوزيع خيرات وثمار التنمية على كل شعوب العالم.

 

وبالطبع فان هذه المنهجية ليست مبتكرة لانها وليدة المفكرين الاقتصاديين الاوائل امثال آدم سميث (1723 – 1790) وجون ماينار كاينز (1883 – 1946)، لكن المحافظين الجدد في الادارة الامريكية يوظفون هذه النظريات لخدمة مشروع سيادة اقتصاد السوق واعطاء الاولوية لإنتاج تلك البلدان المشاركة في هذه العقيدة الليبرالية المتشددة تحت غطاء شرعية المنظمة العالمية للتجارة.

 

2- فرنسا تتزعم فريقا من الدول الاوروبية مثل المانيا وبلجيكا واللكسمبورج والنمسا تطالب بتفكيك العولمة الاقتصادية الى حلقات تراعي خصوصيات البلدان وعدم تدويل الملفات الاقتصادية وتدافع مثلا عن مبدأ مساعدة القطاع الزراعي في بلدانها، بينما ترى المجموعة الاولى بأن مساعدة الدول للمزارعين تعيق عملية التنافس الحر وتناهض مبدأ التجارة الحرة.

 

3- القوى الكبرى الجديدة كما اصبحت تسمى وهي الصين والهند والبرازيل تشكل فرادى او مجتمعة قوة ضغط وتأثير تقرأ لها المنظمة ألف حساب، وهي دول كانت تعد بالأمس القريب من بين الدول النامية وضمن نادي العالم الثالث وقفزت الى الطليعة بفضل انتاجها الصناعي الذي استقل عن الارتباط بالخارج، وبفضل انخراطها السريع في الثورة الرقمية ومجتمع المعلومات بل تحولت الى مصدرة لجميع اصناف المنتجات النسيجية والتكنولوجية والغذائية والالكترونية لكل انحاء الدنيا، مما طرح قضايا جديدة وطارئة لم يكن يعرفها الاقتصاد العالمي من قبل مثل قضية غزو النسيج الصيني او غزو الحواسيب الهندية او السيارات البرازيلية لاسواق امريكا واوروبا في ظرف زمني غير مسبوق.

 

وهذه القوى القادمة لها شروط تحاول فرضها على منظمة التجارة في هنغ كنغ واهمها شرط الشراكة الكاملة مع المجموعات المهيمنة وتحديدا الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي لا مجرد التنسيق والتعاون بعقلية السيد والعبد كما قال وزير التجارة الدولية البرازيلي. فالصين مثلا وقعت عقدا لشراء 100 طائرة ايرباص من اوروبا ولكن بشرط انجاز عمليات نقل التكنولوجيا الاوروبية لتصنيع الطائرات، حتى تقف الصناعة الصينية في مجال الطيران المدني على ساقيها وتبز المنافسين، كما ان الهند لا توقع العقود مع الاطراف الامريكية والاوروبية واليابانية الا مرفقة بشرط تدريب الكوادر الهندية على احدث وادق التقنيات الغربية (والله لو اقتدينا نحن العرب بهذه الامثلة لكنا اليوم على الطريق السليم اقتصاديا ولبدأنا نهج التقدم الحقيقي اي نهج المناعة والاستقلال!) واخيرا رأينا كيف كسبت البرازيل قضية دولية ضد الولايات المتحدة واجبرتها على قطع المساعدات المقدمة في امريكا لمزارعي القطن حتى لا يتضرر المزارعون لنفس القطن لا في البرازيل فقط بل في عديد البلدان الآسيوية والافريقية مثل البينين ومالي وكولمبيا!

 

4- مجموعة البلدان الهزيلة والمتقبلة للمساعدات الدولية (واحرى بنا ان نقول الصدقات) وهي البلدان التي كانت مستعمرات اوروبية ثم عندما استقلت ظلت مراتع للاستعمار ومختبرات للتجارب من جميع الاصناف، بما فيها التجارب النووية الى عهد قريب (مثل التجارب النووية الفرنسية في مورو روا في بلاد ما وراء البحار التابعة لفرنسا، وما يثار احيانا من عمليات دفن النفايات النووية الامريكية والاوروبية في بعض البلاد المتخلفة) وهذه البلدان التي اصبحت تصدر المهاجرين لدول الشمال المرفهة بل وتصدر الاوبئة، اصبحت محل اهتمام من الغرب لهذه الاسباب اي الخوف من تحولها الى بؤر التهجير ونقل الايدز وقض مضاجع السادة النائمين المطمئنين الى منظومة برايتون وودس النقدية العالمية الجائرة، والى نواميس صندوق النقد الدولي التي خربت بيوت شعوب مستضعفة وزادت من حفر خنادق الظلم بين البلدان ووسعت من دائرة الحرمان وبررت الحروب الاهلية والمجازر في عدة اقاليم من العالم. وقبل انعقاد مؤتمر هنغ كنغ بأيام عرض الرئيس شيراك على المنظمة العالمية للتجارة اقرار مبدأ توظيف ضريبة دولية عن تذاكر الطائرات توهب لهذه الشعوب كاعانة، اتقاء لما عساه يصدر عنها من مصائب للغرب.

 

وهكذا تدريجيا وكما توقعنا منذ مؤتمر سياتل، تنزلق المنظمة من التجارة الى الاقتصاد ومن الاقتصاد الى السياسة وتعوض شيئاً فشيئاً منظمة الامم المتحدة لتصبح هي في الواقع منظمة الامم المتناحرة !

 

(المصدر: صحيفة الشرق القطرية الصادرة يوم 21 ديسمبر 2005)

 


عودة بيبي

محمد كريشان (*)

 

للمرة الثالثة يعود بنيامين نتنياهو إلي رئاسة حزب الليكود لكنه هذه المرة يعتقد جازما أنه محمل برسالة مزدوجة تتمثل في حماية كل من الحزب من الاضمحلال والبلاد من التفريط إذا ما استقرت الأمور في يد حزب كاديما لأرييل في انتخابات آذار/مارس المقبل، فحتي قبل فوزه بزعامة الحزب الذي فقد الكثير من وزنه، قال نتنياهو محذرا من احتمال فوز منافسه سيلفان شالوم الذي أيد الانسحاب من غزة في سبتمبر/أيلول الماضي إنه سيقود إلي حزب ليكود كبير مقابل حزب ليكود صغير يشكل فرعا لحزب كاديما ولا يستطيع مقاومة تقسيم القدس أو إعادة الحدود الي مشارف كفار سابا والخضيرة متجاهلا بذلك ما تظهره استطلاعات الرأي من أن الليكود لن يحصل في الانتخابات التشريعية إلا علي 12 مقعدا في مقابل 38 في انتخابات عام 2003 بزعامة شارون مقابل حصول حزب كاديما علي ما بين 30 و40 مقعدا وحزب العمل علي زهاء العشرين مقعدا.

 

لم يبق أمام نتنياهو الذي استند في فوزه بزعامة الليكود علي دعم ما يسمي مجموعات عقائدية ومجلس المستوطنات في الضفة الغربية سوي الجنوح الدائم والمتصاعد نحو اليمين المتطرف العنصري مما يخالف حتي سياساته التي انتهجها هو شخصيا عندما كان رئيسا للوزراء ووقع مع الرئيس الراحل ياسر عرفات في تشرين الأول/اكتوبر 1998 مذكرة واي ريفر التي تحدد توزيع المناطق والصلاحيات الإدارية والأمنية الانتقالية بين الفلسطينيين والإسرائيليين مما كلفه وقتها اتهامات بالخيانة للجمهور الذي انتخبه متوهما أنه لن يصافح عرفات أو يعقد معه أي اتفاقات. ومع ذلك فنتنياهو حتي وإن فاز برئاسة الوزراء مرة أخري، وهو احتمال مستبعد تماما حسب التقديرات الحالية، لن يكون قادرا علي التمرد علي التصور الذي يعمل علي إحلاله، أو فرضه، الرئيس الأمريكي جورج بوش في المنطقة والذي يحظي بدعم أو عدم ممانعة دوليين لا سيما من خلال اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط والمتكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة.

 

فوز نتنياهو بزعامة الليكود تظهر اليوم بوضوح أكثر أنه لم يعد في إسرائيل من تيار غالب سوي تلوينات متعددة من اليمين تبدأ اليوم، من مفارقات السياسة، من شارون وصولا إلي غلاة المستوطنين ودعاة الترحيل الجماعي القسري للعرب مقابل يسار يحاول شمعون بيريس جاهدا جمع ما تبقي منه من أشلاء في حزب العمل الذي شهد بدوره في السنوات الماضية ضياعا تدريجيا لهويته بانحداره المتواصل نحو اليمين. وإذا ما عرفنا أن المعطيات الحالية تستبعد كثيرا وصول زعامة العمل إلي دفة رئاسة الوزراء فإن شارون سيكون الكاسب الرئيسي من وراء فوز نتنياهو لأنه سيثبت من خلاله أنه لم ينشأ حزبا جديدا إلا مكرها لأن الليكود لم يعد ذلك الليكود القادر علي التعاطي بواقعية مع مشاريع التسوية المعروضة وأنه بات رهينة تصور متطرف وغير عملي لم يستوعب التطورات الدولية الأخيرة .

 

الشيء الوحيد الذي قد يعيد نتنياهو إلي الواجهة هو القدر فإذا ما تطورت الحالة الصحية لشارون بشكل يبعده عن التنافس الانتخابي فقد لا يجد جمهور الناخبين، وهو يري حزب كاديما يتهاوي مع صاحبه، اللهم إذا أنقذه شخص آخر بمعجزة، من بدائل مأمونة سوي نتنياهو بكل عيوبه لأنه يجسد الخوف الإسرائيلي التقليدي من مواجهة استحقاقات أية تسوية عادلة فيما البديل الذي يطرحه بيريس قد يتراءي لهم مجازفا وخطيرا، وهم علي كل ليسوا مهيئين له بعد أو ناضجين.

 

(*) كاتب وصحافي تونسي

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 21 ديسمبر 2005)

 

إخوان مصر … سودانيون، جزائريون أم أتـراك

محمد الرميحي (*)      

 

حتى لو كنت تعرف مصر معرفة معقولة عليك أن تعود إليها لترى وتسمع وتتحدث مع أصدقاء قدامى وجدد، موالين ومعارضين، أكاديميين وممارسين، في الموضوع المطروح بشدة وعنوانه: انعكاس نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة على الوضع السياسي المصري، كمنطلق لتلمس تأثيرات هذا الحدث المهم في الحركة السياسية العربية. فالحدث هو وصول عصبة قوية من جماعة «الإخوان المسلمين» إلى منطقة التشريع وبعدد يقارب ثلث المجلس التشريعي المصري المنتخب.

 

وجدت أن أهل مصر ومثقفيها قد دخلوا في مناقشة واسعة، فالصحف تعج بالتحليلات، والأصدقاء كلما اتصلت بأحدهم لتحديد موعد، كان في ندوة!

 

لعل بعض الحقائق يظهر على السطح جلياً ويساعد في تحديد توجهات التحليل.

 

الإخوان المسلمون في مصر هم من الجماعات السياسية الإسلامية العربية القليلة التي لم توضع على لائحة الإرهاب العالمي، كما أن الذين فازوا منهم في الانتخابات الضروس، اذا اصح التعبير، هم «أفراد» بصفتهم و»مستقلون» حسب تصنيفهم السياسي. اذ أن المعضلة التي تواجه المشرع المصري والحركة السياسية، هي ثنائية السؤال كيف يمكن أن تكون جماعة محظورة ومنفية من العمل السياسي، ويسمح بترشح أعضاء منتمين اليها للانتخابات العامة؟ كما أن الناجحين من «الإخوان» معظمهم تقريبا ليسوا من القيادات صاحبة الرؤية السياسية في الحركة، فالاخيرون لم يصلوا إلى مقاعد البرلمان لأنهم ووجهوا بمعركة انتخابية شرسة، وفاز من «الجماعة» مقدمو الخدمات.

 

إذا أخذنا بكل الحقائق السابقة يريد المراقب أن يفهم أسباب وصول كل هذا العدد من الإخوان إلى البرلمان المصري، وهم في العدد الشعبي، كما يدعي منافسوهم (قلة ناشطة). وما هي برامجهم السياسية المستقبلية. أخذت ابحث خلال أسبوع في القاهرة عن بعض تلك الإجابات.

 

والإجابات كثيرة. تأتيك الإجابة قاطعة من البعض ونصف قاطعة من بعض آخر. يقول لك البعض أن قطاعات من الشعب المصري صوتت «ضد» ولم تصوت «مع»، أي أن كثيرا من الأصوات غير راضية على مسيرة الحزب الحاكم وممارساته، ولم تجد أمامها قوة سياسية شبه منظمة وتثق بها غير الإخوان! هذا تحليل، لكن عندما تسأل محدثك لماذا فقط ربع من يحق لهم التصويت في الانتخابات ذهبوا إلى صناديق الاقتراع بالفعل، ومنهم هؤلاء، يجيبك أن معظم من صوتوت هم «الهامشيون» الفقراء في المدن، وأبناء الريف المعدمون، ولم تصوت الطبقة الوسطى بسبب فقدان العملية الديموقراطية لصدقيتها، ثم يضيف ان الأقباط صوتوا لمرشحي الحزب الحاكم خوفاً من «الإخوان»! لكن السؤال أليس «الإخوان» شريحة من الطبقة الوسطى المصرية؟!

 

كما أن هذا التحليل (تصويت المهمشين والفقراء) لا يستقيم مع التحليل الآخر، وهو أن الناس صوتت «ضد»، فهؤلاء كما تصفهم التحليلات المتسرعة، لا يستطيعون أن يتبينوا الفكرة العميقة من هدف التصويت «ضد» للثأر من جهة أخرى! إذا اضفنا إلى ذلك أن نسبة التغيير في البرلمان المصري الجديد وصلت إلى الثلثين، وهو أمر نوعي لا شكلي، فذلك يعني ذلك ضمن ما يعنيه، أن من صوت كان واعياً وراغباً في التغيير، وذلك لا يأتي من المهمشين والجهلاء.

 

ثم يأتيك التحليل المتناقض الآخر، وهو أن الكثيرين يتمظهرون بمظهر الدين لأن الشارع يثق بهؤلاء الملتحين، ويعتقد أنهم مثال للطهارة، في الوقت الذي يستخدم كثير منهم المظهر لأغراض سياسية أو تجارية، يعني أن «الطهارة» و»الثقة» لن تدوما كثيراً، اذ انهما ستفقدان الدافع الرئيسي لدوامهما وهو تحقيق أهداف يطمح إليها المواطن، فإن لم يتحقق سيفقد هؤلاء زخم الشارع. ثم يردف محدثك قائلاً عليك أن تعلم أن الشارع المصري متدين! هنا أيضا يسقط التحليل في تناقض.

 

تحليل آخر يقدمه لك البعض، أن «الإخوان» يقفون على مال وفير وكثير، استخدم في الانتخابات بكثافة، كما استخدمت التقنية الحديثة في الاتصال، مما اكسبهم قناعات الكثير من المواطنين فصوتوا لهم.

 

كل هذا الطرح وغيره وجد في الشارع المصري الثقافي و الإعلامي من يتحدث عنه، بل يزيد البعض في توجه لا يخلو من نظرية المؤامرة التي اعتدنا عليها، أن الحكومة المصرية تعمدت إنجاح هذا العدد الكبير نسبياً من الإخوان حتى «تخيف» جهات خارجية تدعو إلى الديمقراطية، وتخيف الأقباط المصريين أيضاً في الداخل والفئات الليبرالية، فيعضدوا مشروعات الحكومة ويساعدوها حتى على سوءاتها.

 

تلك مجموعة من التبريرات الكثيرة المطروحة في الساحة المصرية، تفسيراً وتحليلاً لما حدث في الانتخابات الأخيرة التي أدت إلى وصول عدد من الإخوان إلى البرلمان.

 

إلا أن الأسئلة لا تزال معلقة من دون جواب شاف.

 

فمصر المركز العربي الكبير يمكن أن يؤثر في الجوار، يكفي أن نعرف أن فكرة الانقلابات انطلقت من مصر لتعمّ عالمها العربي إلا من رحم ربي، وان فكرة «الإخوان» انطلقت من مصر لتتلون كثيراً وطويلاً في بعض البلاد العربية بألوان مختلفة لكنها بقيت الأم الحاضنة لكل الدعوات التي ترى أن مرجعيتها هي «الإسلام)». يكفي أن نعرف أن ثورة السيد الخميني في سبعينات القرن الماضي استمدت أفكارها النظرية الأولى من أفكار «الإخوان المسلمين» في مصر.

 

«الإخوان» في مصر ليسوا جدداً على الساحة السياسية، وليسوا بعيدين عن اكبر التضحيات التي قدمت من تنظيم سياسي، فقد دخلوا السجون ونكل بهم، وعلقوا على المشانق، وعرفوا المنافي والشتات، كما أنهم دخلوا في تسويات سياسية في أكثر من بلد عربي، فهم مثل غيرهم بينهم فروع واختلاف اجتهادات.

 

لذا فان «الإخوان»، ولا سيما المصريين لهم تجربة طويلة مرة في الغالب، مع السياسة. غيّروا من بعض أفكارهم وتبنوا أفكاراً جديدة، لكنهم لا يزالون سائرين في صلب قضية «الإسلام هو الحل».

 

أجابوا عن بعض المسائل الشائكة، ولم يجيبوا على بعض الآخر بعد، قالوا بالتبادل السلمي للسلطة، لكنهم لم يقرروا ما إذا كانوا حزباً سياسياً، أم أنهم مجرد تيار ديني، وما إذا كانوا تيارا وطنيا أم جماعة أممية (التنظيم الدولي للإخوان). قالوا بقبول المواطن مختلف العقيدة والدين، لكنهم لم يقرروا بعد ما إذا كانت المساواة بين الرجل والمرأة مساواة تامة وقاطعة، في الوقت الذي اعتمدوا بكثافة على صوت المرأة في الانتخابات الماضية. تحدثوا عن التشريع بصفته نابعاً من الشعب، لكنهم حيارى في موضوع «العقوبات البدنية». وهناك كثير من القضايا التي لا تزال موضع تساؤل أن لم تكن موضع جدال في النقاشات الأكثر جدية التي تدور متخطية السياسي إلى الموضوعي، والعاطفي إلى العقلي.

 

حقيقة الأمر أن تجربة «الإخوان» المقبلة في البرلمان المصري على وجه التحديد ستضعها قوى كثيرة داخلية وخارجية تحت المجهر المكبر، وستحدد إلى حد بعيد ما إذا كانوا «سودانيين، أم جزائريين طالبانيين أم اترك» بالمعنى الرمزي للتعبير،. وهي ستحدد أيضاً ما إذا كان إخوان مصر تعلموا الدرس القاسي في الفشل الذي حاق بطيف «الإسلام السياسي» من السودان حتى أفغانستان ومن الجزائر حتى إيران، ولو أنهم في بعض مفاصل تلك التجارب كانوا من المؤيدين والداعمين.

 

تجربة طالبان والسودان مبسوطة أمامنا، وكذلك تجربة الجزائر، وتركيا هي الاستثناء حتى الساعة. كل هذه التجارب تضع أو وضعت شعار «الإسلام هو الحل»، لكن فشل كثير منها في تقديم حلول عصرية لمشكلات المجتمع في الدولة الحديثة. ثم ان رفع شعار «الإسلام هو الحل» قليلاً ما صاحبه طرح سؤال أهم وهو: ولكن ما هي المشكلة؟ أي هو حل لأية مشاكل؟

 

هل المشاكل الكبرى مما يعانيها الشعب المصري ومن ثم العربي، هي الفقر وندرة الفرص الجديدة للعمل، وتضييق الحريات، وتهميش المعرفة، وتسطيح التعليم، وتجاهل البحث العلمي، وتقييد المشاركة السياسية، وانتشار الفساد والمفسدين، ووأد القوانين، وانتشار تعسف السلطة؟ أي باختصار غياب العدل وغياب الحرية في الفضاء العربي، مما أروث كل الأمراض التي نعاني منها؟

 

أو أن المشاكل الكبرى التي تواجه مجتمعاتنا هي وجه المرأة وشكل وملابسها والمناظر الفاضحة في الأشرطة السينمائية والكتب الروائية، التفرغ لإحلال الفتيا بدلا من القوانين. وذلك شيء وتلك أشياء آخر.

 

ثم إذا كان هناك تحديداً للمشاكل فالسؤال المنطقي الأخر هو كيف يمكن حلها، هل يعتمد ذلك الحل على النيات والدعوات وتوسل الأضرحة وحلقات الذكر والنظر في كتب الأقدمين للبحث عن حلول لمشكلات المعاصرين؟ أم لهم رؤية ومنهج وأولويات لم يفصحوا عنها بعد؟

 

الحمل كبير، ومن يسارع باتهام الإخوان بناء على ماضيهم هو على الأقل متسرع، فقد ارتضوا الديموقراطية ويريدون أن يتعايشوا معها، فإن أحسنوا عادوا بشكل أوسع واكبر، وان قرروا أن يطعموا الجماهير شعارات فمصيرهم في أحسن الأحوال دكتاتورية ثيوقراطية لم تعد مناسبة للعصر بل متصادمة معه.، تحمل الكثير من الوعود خارج الحياة الدنيا والقليل من الوفاء في الدنيا.

 

المشهد المصري يستحق التأمل كما يستحق بعضاً من الانتظار، إنما نجاح التجربة قد يفاجئ القارئ هي بمدى إخلاص تطبيق الإصلاحات الموعودة من الحزب الحاكم، الذي ينشطر حزماً كما اثبت نتائج الانتخابات. فالمجتمع المصري شعب متدين بما يمكن أن يسمى التدين الشعبي، قد يتحول إلى تدين سياسي، أن استمرت الحال الصعب كما هي عليه. وتبقى تجربة مصر قابلة للمناقشة الأوسع والأعمق.

 

(*) كاتب كويتي.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 21 ديسمبر 2005)

 

 

موارد التسلطية العربية
د. برهان غليون (*)  عشية انتهاء الحرب العربية- الإسرائيلية عام 1973 كتبت في مجلة  »مواقف » مقالا بعنوان  »عصر الحرب الأهلية »، قلت فيه إن نهاية الحرب ضد إسرائيل ستكون فاتحة نزاعات عديدة بين الدول العربية وداخل كل دولة عربية على حد سواء·  فقد كان يبدو لي أن النظم التي ولدت في حجر الفكرة القومية والوطنية قد تخلت عن كل التزاماتها في ما يتعلق بالبرنامج الوطني الداخلي حتى لم يبق هناك عامل آخر تستند إليه، أو يمكن أن تستند إليه الوحدة الضعيفة والشكلية للشعوب العربية، سوى التفاهم النسبي ضد إسرائيل· وكان يبدو لي أنه، مع تلاشي فعالية هذا العامل، بإعلان انتهاء حالة الحرب وتبني العرب، وعلى رأسهم الرئيس أنور السادات في ذلك الوقت، السلام كاستراتيجية نهائية، لم يبق هناك ما يمكن أن يوقف عملية فرط عقد الأمة العربية إذا لم تبادر النخب العربية إلى إعادة بناء الرابطة الوطنية والقومية على أسس أخرى، إيجابية، أي لا تنبع من التفاهم ضد آخر، وإنما من التعاون بين أبناء الوطن الواحد لتحقيق مشروع أكبر وأعظم من الحرب، أي من أجل إعادة بناء العلاقات الوطنية نفسها على أسس جديدة تضمن الاحترام والعدالة والمساواة بين جميع المواطنين وللجميع أيضا· من هنا جاءت فكرة كتاب  »بيان من أجل الديمقراطية » الذي صدر بعد سنتين من ذلك التاريخ ليشير، في إطار تفسير أزمة الحركة الوطنية/ القومية في البلاد العربية، إلى حجم القطيعة التي نشأت بين النخب المحلية وبين الشعوب، وضرورة الخروج من الإيديولوجيات الشمولية وتصحيح العلاقة مع المجتمع· هكذا بدت الديمقراطية لي كمخرج من أزمة الوطنية العربية واستباقاً لحقبة الحرب الأهلية· وكان وراء هذا التحول نحو بناء الداخل الوطني اعتقادي بأن التفاهم ضد إسرائيل قد كسر ولن يمكن إعادة إحيائه، لأن اهتمامات النخب العربية الحاكمة قد تبدلت ومصالحها ترسخت· بل سيتحول الموقف من إسرائيل إلى منبع خلافات وتوترات ونزاعات عربية عربية، كما حصل بالضبط مع توقيع أنور السادات لاتفاقيات كامب ديفيد وانقسام العالم العربي النهائي وفرط التحالف العربي نهائياً بعد سنة من صدور  »البيان »· ماذا نشاهد اليوم؟ لا تزال الحرب الأهلية مستمرة بأشكال مختلفة، ولا تزال المجتمعات العربية تفتقر لمقومات رابطة وطنية حقيقية، أي لا تزال أزمتها الداخلية مستفحلة، وهي التي تدفع أطرافا متعددة فيها إلى البحث عن حلول لهذه الأزمة في العودة إلى النماذج الدينية أو الانكفاء على الأطر التقليدية الطائفية والعشائرية بسبب غياب أفق البديل المواطني الحديث· ولا يزال هناك من يستخدم المقاومة الخارجية والصراع ضد إسرائيل والإمبريالية في سبيل تخليد علاقة الاستعمار الداخلي وإضفاء المشروعية على نمط السلطة الداخلية ذات الطبيعة الاستعمارية حتى لو كانت محلية، أي السلطة التي تدافع عن امتيازات ومصالح استثنائية لا قانونية، عن طريق السيطرة على الدولة وأجهزتها والتحكم بها وتحطيم إرادة المجتمعات وكسرها بالقوة في سبيل فرض الوصاية عليها وحرمانها من حقوقها الطبيعية في التعبير عن نفسها وإدارة شؤونها والمشاركة في صنع مصيرها بيدها· لا يزال هناك من يزين الاستبداد بين المثقفين العرب أنفسهم، ويدافع عن استمراره باسم الوقوف في وجه السيطرة الأجنبية، ولا يزال هناك سياسيون يمارسون الرقابة على الصحف والكتب والإذاعات والتلفزات وعلى ضمير الكتاب والمفكرين باسم النقاء الثقافي والوحدة الوطنية، ويعتبرون وجودهم في السلطة ضمانة لحماية الشعب من مخاطر الحريات الفكرية والمنافسات السياسية· لكن، ليس للاستبداد المستمر في العالم العربي الآن ومنذ عقود، سبب واحد وحيد، وإنما أسباب ثلاثة متضافرة· الأول هو من دون شك المشكلة الإسرائيلية لما سببته من زعزعة لأسس التفكير السياسي والوطني وما أحدثته من ابتكار في استخدام العنف المنهجي المنظم للقضاء على المقاومات الوطنية وما لقنته للنخب العربية الحاكمة من دروس في كيفية كسر الإرادة الشعبية· فالقهر الإسرائيلي للعرب شعوباً ودولاً معاً هو الأساس العميق لنظام العنف الشامل الذي سيطر على العلاقات الاجتماعية العربية داخل البلدان منفردة وبين البلدان في ما بينها· ويشكل اليوم ضمان أمن إسرائيل وحماية مشروعها التوسعي سببا للإبقاء على النظم الاستبدادية المأزومة، بقدر ما يشكل ضعفها قاعدة لشل إرادة الشعوب العربية وتحييدها· والثاني هو الدعم اللامشروط الذي قدمته الدول الكبرى ذات المصالح الحيوية في المنطقة العربية لنظم العنف الجديدة المتكونة على منوال نظام العنف الإسرائيلي ومثاله· فكما قدم المجتمع الدولي، الذي صاغت شريعته هذه الدول نفسها، الدعم الكامل لإسرائيل في مشروعها لفرض نفسها بالقوة والعنف على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة جميعا، خلال أكثر من نصف قرن، قدم هذا المجتمع نفسه دعما لا يقل عنه شمولا لتلك النظم العربية التي استجابت لمصالحه وقبلت بالعمل ضمن استراتيجيته· وقد شكل هذا الدعم المزدوج وغير المشروط قاعدة موضوعية متينة للتفاهم العملي والتناغم الموضوعي بين العنف الإسرائيلي الموجه للشعوب العربية عموما والعنف الرسمي الموجه داخل بعض المجتمعات العربية من قبل النخب الحاكمة إلى شعوبها· وخلق هذا العنف المضاعف وضعا استثنائيا في المنطقة أي وضعا خارجا عن القانون أو معادياً للقانون وللقيم الإنسانية· فأصبح العنف، بما يعنيه من قتل وسحل وتطهير عرقي وتمثيل واغتيال وإرهاب، من الأمور الطبيعية والعادية· ولم يعد هناك ما يردع أي طرف من الأطراف القادرة على ممارسة العنف، وفي مقدمها النخب الحاكمة التي تحول بعضها إلى مافيات فعلية، عن استخدام القتل والإرهاب كأداة لممارسة الحكم وإلغاء السياسة لضمان استمرارها بصورة تلقائية· لكن، وهذا هو السبب الثالث، ما كان من الممكن للاستبداد أن يصل إلى ما وصل إليه من قوة ونفوذ ومقدرة على التخريب والدمار من دون ثقافة الأنانية والاستقالة الأخلاقية والسياسية، والاستهتار بالمبادئ والقيم الإنسانية، والتعلق بالمصالح الشخصية والعائلية، وغياب الرؤية الجماعية والتاريخية التي سيطرت على المجتمعات العربية الخارجة لتوها من تحت السيطرة الاستعمارية، بعد قرون طويلة من التعقيم الاستبدادي العثماني، فهو ابن الثقافة العربية الضعيفة الراهنة المنقطعة عن منابعها الروحية والفكرية العميقة والمفتقرة في الوقت نفسه للمصادر العقلية النقدية، بمثل ما هو ابن نظام السيطرة شبه الاستعمارية، وربيب التفاهم مع المشاريع الصهيونية والتسهيل لقيام الدولة الإسرائيلية على أرض غريبة وبوسائل إرهابية· فكلاهما، الاستعمار والاستبداد يقتاتان من المرعى نفسه ويستخدمان الوسائل ذاتها: القتل والعنف المنفلت في حالة من غياب القانون والاستقالة الأدبية الداخلية والعالمية· وما دام نظام الاستعمار والاستيطان معمولاً به ومشرعاً له عالمياً في المنطقة العربية، لن يجد الاستبداد صعوبة تذكر في البحث عن حلفاء له فيها ومن خارجها· وسيجد في ثقافة الموت، بما تعنيه من استسهال للعنف من جهة واستبطان لقيم الإذعان والمسايرة والاستذلال والخوف وغياب لأسس الحياة الأخلاقية والقانونية من جهة ثانية، أسباباً كافية للاستمرار والازدهار· (*) كاتب ومفكر سوري (المصدر: صحيفة « الاتحاد » الإماراتية الصادرة يوم 21 ديسمبر 2005)  


Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.