TUNISNEWS
6 ème année, N° 2021 du 03.12.2005
|
خبر عاجل:
علمنا بأن الحالة الصحية للأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي في تحسن ملحوظ ونتيجة لفحوص معمقة أجريت له ( فحوص بالأشعة) تبين أن المرارة ومجاريها تخلصت من المادة التي كانت عالقة بها.
ذا يرى الأطباء أنه لا داعي لإجراء عملية جراحية الآن ويرجئون الأمر إلى ما بعد عشرة أيام، حيث سيخضع إلى فحوص أخرى للتأكد من تحسن حالته الصحية.
المسئول على موقع الحزب الديمقراطي التقدمي
(المصدر: موقع pdpinfo.org بتاريخ 3 ديسمبر 2005 )
TUNISIE – U.E : IT’S BUSINESS AS USUAL !!
!!!
وكــأن شـيـئــا لــم يــكُــن في تـونـسوكــأن شـيـئــا لــم يـحـدث فـيـها !!!
البنك الأوروبي للاستثمار يُـقـرض تونس 180 مليون يورو
تونس ـ يو بي أي: بحث رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي الجمعة تعزيز علاقات بلاده مع البنك الاوروبي للاستثمار خلال لقائه فيليب دي فونتان فيف نائب رئيس البنك والذي يزور تونس حاليا.
وتم خلال هذا الاجتماع، الذي عقد في مدينة سوسة علي هامش اعمال الدورة العشرين لاعمال مؤسسة المنتدي الاورو ـ متوسطي، بحث تعزيز العلاقات بين تونس والبنك الاوروبي للاستثمار.
وقال المسؤول الاوروبي عقب الاجتماع انه استعرض مع الغنوشي التعاون بين تونس والبنك الاوروبي للاستثمار الذي بلغت قيمة استثمارته في تونس خلال العام الجاري 260 مليون يورو تم توجيه 72 بالمئة منها نحو المؤسسات التونسية عبر البنوك وهياكل التمويل الاخري.
واشار الي انه اتفق مع رئيس الوزراء التونسي علي مواصلة التعاون مع تركيز الجهود علي بعث المؤسسات الصغري والمساعدة علي تنفيذ المشاريع التونسية الكبري في مجالات الطاقة .
وكان البنك الاوروبي للاستثمار قد منح الخميس الحكومة التونسية قرضين بقيمة 180 مليون يورو لتمويل استثمارات المؤسسات الصغري والمتوسطة التونسية العاملة في قطاعات الصناعة والخدمات والسياحة والصحة.
وقالت الاذاعة الرسمية التونسية الجمعة ان محمد النوري الجويني وزير التنمية والتعاون الدولي التونسي وفيليب دوفنتان فيفو نائب رئيس البنك الاوروبي للاستثمار وقعا علي اتفاقيتي القرضين خلال حفل اقيم مساء الخميس بتونس.
واشارت الي ان القرض الاول تبلغ قيمته 60 مليون يورو، وتنص اتفاقيته علي ان يسدد خلال 12 عاما منها فترة امهال باربع سنوات، بينما تنص اتفاقية القرض الثاني الذي تبلغ قيمته 120 مليون يورو، علي ان يسدد خلال 10 سنوات منها اربع سنوات فترة امهال.
واوضحت ان القرض الاول سيخصص لتقديم تمويلات قصيرة وبعيدة المدي لدفع الاستثمارات في القطاعات ذات الاولية وذات القيمة المضافة العالية، وخاصة منها تلك الناشطة في مجال الطاقة المتجددة والمياه والبيئة والبيوتكنولوجيا والمواد الصيدلانية والميكانيك والكهرباء والاعلامية والاتصالات والنسيج.
اما القرض الثاني، فسيخصص لتوفير موارد بعيدة المدي لصالح المؤسسات الخاصة الناشطة في مجالات الصناعة والخدمات مثل الصحة والسياحة والتربية.
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 3 ديسمبر 2005)
عفو رئاسي على عدد من المحكوم عليهم في قضايا شيك بدون رصيد
في إطار تنفيذ الإجراءات التي أذن بها سيادة رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة الذكرى 18 للتحول والقاضية بإسقاط العقوبة الجزائية عن المحكوم عليهم وعن الذين ارتكبوا جرائم تتعلق بإصدار شيك بدون رصيد قبل 7 نوفمبر 2005 شريطة دفع اصل الشيك للمستفيدين والمصاريف المترتبة عنه، علمنا انه تم مؤخرا إصدار عفو رئاسي على من أدلو بما يثبت توفر الشروط القانونية فيهم.
ويجري حاليا في وزارة العدل وحقوق الإنسان دراسة الملفات الأخرى المتعلقة بهذه الأحكام والنظر في مدى توفر الشروط القانونية في أصحابها.
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم
3 ديسمبر 2005)
تحت المجهر
افتتح الوزير الاول محمد الغنوشي المنتدى الاورومتوسطي لدورة ايام المؤسسة العشرون بحضور العديد من الشخصيات السياسية الدولية والوطنية بالتوازي مع ذلك بين الوزير الاول ان اهمية هذا المنتدى تكمن في مناقشة الوضع الحالي والآفاق المستقبلية التي تنتظر مؤسسات الفضاء المتوسطي.
مشاركة
حضر خلال هذا المنتدى الاورومتوسطي اكثر من 800 مشارك من رجال الاعمال ورؤساء المؤسسات بالاضافة الى ضيوف شرف من شخصيات سياسية واساتذة جامعيين بجامعات اوروبية للشخصيات الحاضرة ومن كل الدول المنتمية الى حوض البحـــر الابيض المتوسط تقريبا.
معارض
بمناسبة ايام المؤسسة قامت عدة مؤسسات خاصة في المجال البنكي بتوزيع مطويات للتعريف بالامتيازات المالية التي يمكن ان تستفيد منها المؤسسات الخاصة عن طريق الشراكة او القروض (قصيرة او طويلة المدى).
الغاء
كان من المنتظر ان يقوم «باسكال لامي».. PASCAL LAMY المدير العام للمنظمة الدولية للتجارة بمحاضرة عن بُعد لكن وقع الغاؤها.
اسناد قرض
اشار نائب رئيس البنك الاوروبي للاستثمار (BET) دوفونتان فيف «De Fontaine viva» اثر مداخلته انه قام بالتوقيع على قرض لفائدة البنوك التونسية يهدف الى تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة (pme) بقيمة 180 مليون أورو.
فشل قمة برشلونة
اجمعت كل الشخصيات السياسية التي قامت بالمداخلة على اسفها الشديـد لفشل قمة برشلونة II وعدم التوصل الى حلـول لارساء منطقة التبـادل الحر في الحوض المتوسطي والتفكيك الجمركي بداية من 2010.
احترام ضوابط «ماستريتش»
بين الوزير الاول انه يتوقع ان يبلغ العجز الجاري لميزان المدفوعات سنة 2006 نحو 2% من الاقتصاد الوطني وبالتالي يقع حصر التضخم في 2% ايضا وبالاضافة الى ذلك سيقع الضغط على النفقات حتى يبلغ عجز ميزان الدولة 3% وبهذه الطريقة تكون تونس قد احترمت قانون «ماستريتش» الذي يفرض على اتحاد الدول الاوروبية هذا المستوى من المؤشرات.
البطالة: 9،13% سنة 2005
اشار الوزير الاول بان نسبة البطالة لا تزال مرتفعة رغم تقلصها من 7،16% سنة 1999 الى 9،13% سنة 2005 من اجمالي الفئة النشيطة.
محمد عمار
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم
3 ديسمبر 2005)
كتابي..الانتخابات التشريعية المصرية..الإخوان المسلمون..النظام..المعارضة
حسين المحمدي – تونس
أولا كتابي
مع صدور تقديم التقديم والتقديم والجزء الأول وبداية الجزء الثاني تحركت الجهات المكلفة بالصنصرة من جديد لمنع وصول النسخة العربية التي ترسلها تونس نيوزوالى القارئ عبر العالم.وهي عملية تضاف أصلا الى عدم إمكانية فتح عنوان الموقع من أصله.كل هذا وكان منذ عشرة أيام تجمعا دوليا حول الانترنات؟ إذلال لا مثيل له للفكر البشري والتطور التكنولوجي وضحك من مفلسين على رجال العالم.وصدق رئيس الكنفدرالية السويسرية عندما دعا الحضور وذكّرهم بأنه من غير المقبول أن يكون بينهم نظاما يقهر ويبطش ويمسخ الانترنات والإعلام وكل وسيلة اتصال وتواصل حديثة وهو لا يزال عضوا بالأمم المتحدة.
.رئيس الكنفدراليةالسويسرية قال لكوفي عنان ولأحرارالعالم بضرورة أن تكون هناك أمما متحدة لا تصنعهاالحكومات الدكتاتوريةالفاسدةالتي تكذب على العالم وأمامه محاولة جرّه الى الفوضى.الامم المتحدة بشكلهاالحالي مصيبةعلى العالم وليست وسيلة محاسبة وخدمة من أعضائها للسلم والسلام الدوليين.(هنا قادم الأيام ستكشف الجديد)
.حسنا فعل ويفعل بوش عندما تركها جانبا.وتصرّف بما يحفظ ما بقي للعالم من حياء
ومن تفويت على الدكتاتوريات ما أمكن لحد الآن من فرص الضحك على العالم..
كتابي يدخل في هذا الإطار.واقلق الحاكم الخائف من فضائحه المنشورة لكن التي لم يعرها المواطن العادي اهتماما.الكتاب صار حديث الكثير من العائلات بداية من المتضررين الى الحالمين الى الكاذبين على زوجة الرئيس والخائفين من افتضاح أمرهم وهو خطير جدا.فريق كان يعتقد انه أبعدني وحاصرني كما لم يفعل ذلك شارون مع الفلسطينيين.
.في أواخر سبتمبر ولغاية28اكتوبر1982كنت صحبة صديقة لبنانية مسيحية في بيروت زمن حدوث مجزرة صبرا وشاتيلا.وسمعت عن قرب عن غيرها من الأحداث والوقائع.
ولم اسمع قط ان يهوديا قطع الرزق عن أخيه لأنه لا ينتمي الى جهته او مكان ولادته او توجهاته الفكرية.في تونس النظام الحالي من يخالف فكر الفريق الحاكم تلصق به من حيث لا يدري مئات القضايا ومن كل الأنواع.يقطع عنه الرزق والاتصالات.وإذا تحرّك القانون بالمرصاد؟صناعة الحقد والكره والتجارة فيها وبها لاحقا ويتواصل هذا المسلسل منذ سنوات.والغريب أن العالم المتقدم ينظر الى هذه المجزرة الرهيبة في جزئياتها دون حراك دولي فاعل ودون أن يسمح لنا بان ندلي بشهادتنا على هكذا ذهنيات دمّرت وتدمّر العالم.
.الكتاب صار حديثا كل عائلة وبيت وتفكير معه في البحث عن وسيلة في فرنسا تحديدا
توقف نشره وداخليا محاصرة الأماكن التي وصلها بشراء هذا وزجر ذاك وتسريب هذه الإشاعة وتلك وإسداء تعليمات في الداخل وفي الخارج لعدم ذكر اسم صاحبه مع معرفة الفئات الشعبية في أوروبا التي تركز وتتابع القراءة.إلى جانب صدور نفس التعليمات من المعارضة الدائرة في فلك النظام عضويا أو نتيجة اثر التحالفات التي نسجت وتنسج منذ اكتوبر2004’؟.
.الكتاب حقق أغراضه الدولية والمحلية والعربية على كل المستويات وهو كما قلت ليس إلا مفتحات لما أهم واشمل.وتونس نيوز هي أول موقع إعلامي يقدم كتابا لا يقوم على فضائح ولا يتوجه لشخص أو نظام بعينه فقط.بل قدّمت شيئا يهم البعد الدولي وشخّص الذهنية العربية الحاكمة حكما ومعارضة.وتنبأ بسلوكيات الإسلام السياسي قبل أن نرى ذلك في مصر وبسلوك الحاكم العربي مع أمريكا في العراق قبل انطلاقته…كتاب عرى حكما وقدم بدائل..
ثانيا الانتخابات المصرية
.كتبنا يوم13نوفمبر عن الإطار العام الذي كان يعتقد مبارك انه وضعه لها.خطة جهنمية من راسين
أوله
.إبراز الإخوان والحزب الحاكم كطرفين سياسيين لهما حضورا شعبيا ونيابيا.ومعهما إقصاء الأحزاب الليبرالية الأخرى وخاصة ايمن نور.وهي خطة بدأت منذ رئاسية اكتوبرالماضي.
ثانيها
فرض على أمريكا تحديدا ثانئية الإخوان والنظام من هنا إلى 2001؟حتى يكون الأمر سهلا لجمال مبارك؟وهو تقريبا ما حدث خلال انتخابات فرنسا2002.خروج الرجل النظيف جوسبان ودخول لوبان مع شيراك.فرض على الفرنسي والفرنسية انتخاب شيراك.يعني غياب التقييم الفكري والاختيار الحر والتصويت للأصلح والأنفع.
بل تحوّل التصويت من هو المصيبة؟ومن هو الأقل خطرا؟يعني تصويت دول العالم الثالث.وهو عار على فرنسا الثورة والحرية والنور.وهو عينه ما يجري حاليا وسط فرنسا..
.هذا الفرض يدلّل على ذهنية الحاكم العربي وخبثه.ولكن مثلما قلنا نجحت الخارجية الأمريكية بامتياز في الاختبار وتلقت البالونة وجعلتها تنزل بردا وسلاما حتى على من أراد أن تنفجر هنا وهناك.لم تطلب إيقاف العملية الانتخابية رغم السيوف؟والضغط
ورغم ما اعطي في البداية من اصوات للإخوان بحثا عن الفزع والهلع وصراخ الجانب الأمريكي.
.الخاراجية ذهبت ابعد من هذا بان أصدرت أو ساهمت أو ساعدت في إصدار كتاب حول الإسلام والديمقراطية في عزتخويف هذاوذاك من الإخوان.إشارة لا تحتاج الى قراءات.والفهيم يفهم.وينسى انه كان أذكى من الآخرين.
سقطت في الماء خطة مبارك وانكشف الإخوان
.ما يحدث في مصر تنقله الأنظمة العربية.وفشل مبارك في التخويف من الإخوان دوليا عرى الأطراف الثلاث.الأنظمة العربية الحاكمة والإخوان الذين شاركوا في كل اللّعب
ومن حيث لا يشعرون أعطوا لمكاتب الدراسات والعالم فكرة عن إسلامهم وفهمه للدين وقدرتهم على النزول به الى السياسة وكيفية تصريفه ومع من يكون ذلك؟رجال دين لا رجال سياسة نعم؟والمعارضة صنيعة الحاكم العربي فاقدة السند منذ المولد واللاعبة دور الكومبارس منذ سنوات والمصرة على ذلك.
يعني وضع أمريكا وكل من يريد الإصلاح وسط هذا الثالوث المرعب.ولكن مثلما قلنا سابقا الأيام ولاّدة والأزمات كشّافة.الكل فضح نفسه وصار عاريا.ومن هنا سيبدأ التغيير
التغيير
الحاكم العربي طالما لجا إلى الإخوان وهو الذي إلى الحكم لتخليصنا وتخليص العالم من شرورهم؟عاد إليهم بعد قرون؟يعني بضاعته ردّت إليه؟وهي لعبة باهتة ولئيمة؟
الإخوان بدورهم باسم تضحياتهم وسجنهم وعذابهم وتعذيبهم(وهو صحيح لكن فيه حديث كبير)يرون أنفسهم أصحاب الوليمة والتركة؟أمس منعوا التغيير عبر التخويف بهم واليوم منع التغير عدم تصعيدهم وفسح الباب أمامهم لان الغرب لا يراهم حكاما على حد قول الحاكم الحالي؟مشاركة من هنا وهناك لئيمة؟وعبر عنها منذ يومين نائب مرشد الإخوان في مصر وبالمثل عصام العريان عند قولهما بما معناه عبر فضائيات ما…نحن يوم سجنا لا احد بكانا؟ونحن رفضنا الترشح مع الوزراء؟غريب هذاعفوا لا زلاّت لسانية زمن الشعور بالانتصار؟
هذه الكلمات البسيطة تدلّل على ما وضع من شروط واتفاقيات واتفاقات ونتائج لانتخابات مصر قبل بدايتها وقبل الرئاسية.وسقط نور في اللعبة.الإخوان نفخوا فيه لتخويف مبارك فيصنعون ما به يفرضون ما أمكن من عوامل الحوار والأوراق.وكان لهم ما أرادوا.ولكن افتضحوا للعالم.الخلاصة هناك سياسة ولا وجود لإسلام عماده الأخلاق والبساطة والود والبر والوفاء والعهد ورفض الفساد المستبد والتزوير والقتل والقمع والترهيب….كل هذا ضاع وسط الزحام.سنعود الى هذا لاحقا..
ومن هنا لاحت الخارطة العربية لرجال الحرية عبر الداخل والخارج..لا وجود لإسلام سياسي.بل دكتاتوريات من افسد ما يكون مقابلها بضاعة وشاحها ديني ووجها الخارجي لحية وعمامة وجلباب و..وقلبها عنصرية لا مثيل لها وكره للفكر الليبرالي والغرب
والحرية.في كلمة استعداد بطيء لحرب دينية لوّح بها بن لادن.وتوقفت الى حد ما وهو مل لم تدركه أوروبا العجوز؟وهو ما نلتقي فيه كليا مع بوش ورايس وكل إنسان درس ويدرس جيدا سلوكيات الإسلام السياسي وتحالفاته.وخطاب الفساد وبحالفاته.
.التغيير انطلق من هنا.عبر نهج جديد لا يتوه وسط هذا الزحام وله من عوامل النجاح الكثير.وبدايته دولية أو لا تكون.الكتاب حدّدها وسيراها الإنسان الفرد.وستكون محل جدل دولي ونقاش..لنرى ذلك
ثالثا: النظام في تونس مثل غيره
يقول اليوم النظام تحالف مع الإخوان ولم يسقط الحزب الوطني.يعني بامكاني عدم الإقدام على أي تغيير حقيقي.طالما تدخلات أمريكا كانت في حدود.بامكاني إعادة تجربة مصر سنة2009؟وانطلق العمل لهذا منذ الصائفة الماضية بتمهيد مع احد العناصر الاسلامية؟وببداية تحالفات من أشنع ما يكون.الكتاب يفصّلها.ونحن فضحنا الجميع.وسيكون البناء الجديد.وهذا التفكير يلمسه جيدا كل مطّلع اليوم على ما يجري منذ بداية الصيف في مؤتمرات شعب الحزب الحاكم.تصفية لا مثيل لها لكل من له تفكيرا حرا ومن يمكن أن يشتم منه وفيه وعليه الاستقلالية؟تمهيدا ل2008و2009؟آلة رهيبة تدمّر حيثما مرّت.
الحزب الحاكم يجري تنظيفه ولا يمكن إجراء مؤتمر واحد لشعبة إلا بعد استشارات أمنية محددة مسبقا وفق إطار عام؟ليتوجه كل إنسان ويطلع على قائمات الشعبة والمنخرطين والانتخابات والترشحات ويقارنها مع انتخابات1986؟التي سبقت 7نوفمبرباشهر؟مذبحة لا مثيل لها لمناضلين في حزب في الحكم؟ليطلع كل عاقل على قائمات20مارس1988
واليوم بعد18سنة؟(سنتعرض لهذا بالتفاصيل خلال مناسبات لاحقة).إدارة كلية للظهر لطلبات المجتمع الدولي.وتحدي صارخ.ومن يفتح فمه القانون المستنجب من عناصر الفساد والتزويربالمرصاد.
هنا ما العمل؟في غياب المجتمع الدولي ستكون الفوضى وهي شعار الدكتاتوريات وخير مثال العراق.وسنرى هذا في سوريا؟وما يلوّح به وحزب الله وأمل؟شارون تغير.وتغير مع الفلسطينيين وليس مع أبناء عمومته وإخوته؟ونحن رجالنا ومصّاصي الدّماء يرفضون ورفضوا قبولنا؟لنحكم معهم وننتخب؟ذهن عربي فظيع ويجالس بوش وبلير ورايس وباول وكلنتن وشيراك و…لو كنت سفيرا لدولة غربية واطّلعت على هذه الماسي لرفضت العمل حيث هكذا ذهنيات ولقاومت بعقلي وفكري وعلاقاتي تواصل حاكم واحد يزرع الإرهاب ويحصده ويصدره ويبيعه و…والعالم ينظر له.
.اعتقد انننا فوّتنا على الحاكم العربي التلذّذ بانتصاره على المجتمع الدولي وعلينا.كيف نترجم ذلك عربيا؟
رابعا المعارضة
.لمعارضات العربية لها من العمر ستون سنة.ولم تتقدّم قيد أنملة.بل هي الوقود الضروري للحاكم.أتمنى أن تلتقي وتخرج مرة واحدة بتصميم على نهج وتيارات تلتقي فعلا مرجعيات وتحاول أن تكمل عملا آخر لا أن تعرقله وتصدّه أو تمنعه باسم شتى التفاهات.أن تكون من هنا الى2009يتغير النظام وان تضع ذلك في جدول زمني.
وان تبتعد كلية عن الحاكم وماسيه ومبادراته وخططه .وان تطلب من الحركات الاسلامية موقفا مبدئيا لا تكتيك فيه مع الحاكم حتى وان أطلق سراح مساجين أو أعطى النظام لها كلية.
خلق جبهة عريضة ترفض التنفيسات والتسهيلات وتكسير هذا الملتقى عبر الآخر.وهذا ممكن.لان النظام يوما بعد آخر يصاب بالعجز والاضطراب وما جعله لا يقدم على نازلات جوهرية معرفته بختلة وتخاتل هذا لذاك.ولعبه على مساجين و…ما حدث مؤخرا لا مثيل له في العالم ولكنه مرّ هكذا
القاضي يشتكي القاضي
لم تحدث هذه المهزلة في أية دولة دكتاتورية.ذهبت إلى كل انواع الأرشيف(إلى غاية1921)ولم أجد عبر أية دولة في العالم شيوعية ومخابراتية ودكتاتورية وزئبقية
أن قاضيا اشتكى قاضيا من اجل الشرعية.أن قاضيا توسّل وتذلل لزميل له طالبا منه الحكم بما درس معه على نفس الطاولة؟ترجّاه الحكم للشرعية وليس للانقلاب؟لم تكن هناك قضية من قاضي بسبب قطعة ارض أو حادث مرور أو اعتداء أو….بل من اجل إرجاع الشرعية إلى أهلها والقاضي الحاكم من يوو نطقه الحكم لصالح الانقلاب خلق سابقة خطيرة على من أملى الحكم؟غداهناك من سينقلب عليه وهناك السبق؟ والدبلوماسي والمواطن والزائر الى تونس من سيحميه؟والصناعي؟والمستثمر؟إذا كان القاضي انقسم في بلدي الى شرعي وغير شرعي؟إذا كان القاضي يستغيث من سينجد المظلوم والمقهور؟عندما يخطئ أيا كان فان القاضي يرجع الحق وإذا صار القاضي يبحث عن الحق؟فوضى عارمة.وعلى فكرة الحاكم يريد الطوفان بعده ولكن المجتمع الدولي هنا
وهذا شخصيا وبكل وعي ما اعشق في بوش.لولا الخوف منه لفعلت الدكتاتوريات اللئيمة العجب.يلومنا ملايين من دتلف مليس.
ببساطة شديدة يقظة قضاة مصر أدخلت الفزع.الحاكم في تونس خير أن يتواجد في هكذا وضعية ومهما يكن التقلد الدولي هو أهون من قاضي مستقل يحاكم الفساد ويرفض الهاتف وفلان والجهة الفلانية وترقيد القضايا وصناعة قضايا واحاكام ومن أتعس ما يكون سنرى قريبا هذا من 1988والى غاية2004.وهي فضيعة فضاعة افعال اصحابها وليحكم العالم على القاضي المنحاز للنظام وما يفعله هذا الوزير وذاك وحقائق ما يجري
في تونس وبعض الغربيين لا يزالون يراهنون على هذا النظام.وسنركز على تونس العاصمة فقط.
حسين المحمدي
تونس 3ديسمبر2005
هدية الى القضاة الذين قتلوا الشرعية في تونس.غدا أي مواطن يقف أمام قاضيا يطرح عليه السؤال التالي..سيدي الرئيس إذا كنت من أصحاب الشرعية..أنا أمامك وكلي ثقة بك وفيك..وإذا كنت من جماعة 4 ديسمبر 2005فانا انسحب لأنني من أهل الشرعية.
حول الديون المتخلدة بذمة أولياء الطلبة
فبعد أن كان الطالب التونسي صاحب حق في المنحة الجامعية آليا بمجرد مطلب مع جملة الوثائق المكونة لملف المشاركة في امتحانات نيل شهادة ختم الدراسة بمرحلة التعليم الثانوي ، وبمجرد اجتياز التلميذ امتحان نيل شهادة الباكالوريا بنجاح. وبعد أن كان يتمتع بحقه في الشغل اثر تخرجه كذلك مباشرة، ها هو اليوم يعيش وضعا آخر مختلفا أكثر سوءا.
فقد أصبح ذلك كذلك منذ أن اختل التوازن ـ لأسباب كثيرة مختلفة ـ بين تطور الأوضاع الإقتصادية والأوضاع الإجتماعية بالبلاد. وهو البلد الذي عرف ظاهرة استشراء الفساد المالي واستغلال النفوذ منذ وقت مبكر من تاريخه بسبب الإستبداد والركود السياسي، ورفض الحل الديمقراطي لصالح الحكم الفردي، وهيمنة الحزب الواحد، وتراكم الدين الخارجي، الذي وضع البلاد بين يدي وتحت سيطرة ونفوذ المؤسسات المالية العالمية الدائنة. مما اضطر نفس هذه الجهات المتنفذة صاحبة هذه السياسة في النهاية الى إعادة جدولة ديون البلاد المتزايدة. ولم يبق للسلطة نفسها دور كبير في ادارة الشأن المالي و الإقتصادي. وقد تزامن كل ذلك مع اختلال التوازن الدولي لصالح الهيمنة الأمريكية، والعودة بالعالم الى الوضع الدولي والعالمي الذي انتهى في مرحلتين من مراحله الى إشعال حربين عالميتين في مدة ثلاثة عقود من الزمن.
في هذه الأوضاع السياسية والإقتصادية الداخلية،جاءت الأوضاع الدولية الخارجية ملزمة بإصلاحات اقتصادية وسياسية وثقافية، ومن ثمة اجتماعية، تفضي ضرورة الى رفع يد الدولة عن تسيير المؤسسات الإقتصادية، وإنهاء القطاع العام، وتأكيد دور الخواص في الحياة الإقتصادية للشعوب، بإحالة المؤسسات الإقتصادية بالقطاع العام الى الرأسمال الخاص، أي الى القطاع الخاص، وذلك ما زاد في سوء الأوضاع الإقتصادية وأثر بسلبية كبيرة في المقدرة الشرائية للفرد، وأحال الطبقة الوسطى الى التآكل، ليكون المال دولة بين الأغنياء فقط، ولتزداد الفئات الإجتماعية المهمشة والأشد فقرا كثرة واتساعا. فكان ينبغي أن تقع العناية أكثر في هذه الأوضاع بدعم المجهود الإقتصادي للأسرة أكثر من أي وقت مضى .
ولكن بتخلي الدولة عن مسؤولياتها الإقتصادية والإجتماعية ازدادت الأوضاع سوءا. في هذا الوقت الذي تقلصت فيه حظوظ أصحاب الحق في الشغل الى أدنى حد لها، وفي الوقت الذي أصبح فيه التقاعد المبكر ظاهرة اجتماعية، وأصبحت عائلة ما قبل الإنتهاء الى نتائج ضبط الحد الأقصى للإنجاب ـ برفع الكثير من الحقوق عما زاد من الأبناء عن ثلاثة ـ والمعروفة بكثرة أفرادها عادة، والتي يصل فيها العدد الكثير من أفرادها من بين خريجين وغيرهم سن الشغل، وكلهم يعولون في القوت وفي النفقات المختلفة على جراية أو مرتب شهري لولي متقاعد. جاءت المقاييس الجديدة لتحرم الكثير من الطلبة من حق التمتع بالمنحة و رفع على نسبة عالية منهم فيه ذلك الحق وحق الإقامة بالمبيتات الجامعية التابعة لديوان المبيتات الجامعية للطلبة منذ وقت مبكر. مما اضطر الكثير الى الإنقطاع عن مواصلة الدراسة. ومما جعل الكثير من الأولياء في حالة عجز عن الإنفاق عن أبنائهم لمواصلة دراستهم، خاصة بالنسبة لمن يلتحق له أكثر من واحد بالتعليم العالي.
وعوض أن تبحث لهم الدولة عن حلول مريحة لمعاناتهم المادية، أخضعتهم رهائن لجهات مالية، ظلت رقابهم مرتهنة لها بالديون التي أصبحت متخلدة بذمتهم، ضمان منهم لأبنائهم في اقتناء قرض أعطت وزارة الإشراف الحق فيه لطالبه، بعد انقضاء المدة المخول له فيها التمتع بالمنحة الجامعية وبالمبيت الجامعي، والذي يجب عليه سداده في المواعيد المناسبة المتفق عليها، سواء حصل قبل حلولها على شغل أو لم يحصل. وهي الحالة التي ألزم الولي نفسه فيها بالتسديد، وهو الذي يكون أحيانا من الذين يكونوا غير قادرين على تغطية مصاريف ونفقات عياله، بالنظر الى مرتبه أو جرايته أو دخله الضعيف أصلا، ثم للغلاء المفرط للمعيشة والإرتفاع المستمر للأسعار.
ولعل الحل الأفضل ـ إذا كان لابد من قارض ومقترض ومن دائن ومدين ـ والأقرب الى العدل، يتطلب من الدولة أن تتدخل، وأن تبحث لهؤلاء عن حلول أكثر صحة وأكثر إنصاف.وأن لا يكون أدناها أقل من أن لا يطالب الولي بتسديد الدين، وأن لا يلزم بذلك، بل وأن لا يكون ضامنا ولا طرفا في القضية أصلا. وإذا كان لابد من قرض ومن دائن، ومن تسديد للدين لمن اختار من موقع الإضطرار طبعا، سواء بالنسبة للطالب أو للولي أن يكون مدانا، فليكن الطالب نفسه، بعد أن نكون بذلك، وليس في الحقيقة بذلك وحده، قد انتهينا من الحديث عن مجانية التعليم، الذي كان مجانيا. ولا بأس بأن يظل هذا الدين متخلدا بذمته حتى يتخرج، أو يخرج، أو يخرج، ويجد طريقه الى حقه في الشغل، ويسدد بنفسه ذلك الدين. وهي الحالة التي يجب أن يعدل فيها الإجراء القانوني المنظم لهذه العملية باتجاه تحويل هذا الحق عليه وإعفاء الولي منه.
قصر قفصة: في: 24 /11 / 2005
علي محمد شرطاني
ذكرىاغيال حشاد:عبرة ومحاسبة النفس أم …
بقلم محمد شقرون
تحيي الحركة النقابية التونسية الذكرى الثالثة والخمسين لاغتيال الشهيد فرحات حشاد، أبرز مؤسسي الاتحاد العام التونسي للشغل، وهي مناسبة للإشادة بالدور النضالي الذي بفضله تمكن حشاد والحركة النقابية بكاملها من تركيز القيم النقابية النبيلة والمتمثلة في التطوع والتضحية من أجل الوطن بجميع فيئاته وخاصة منها الطبقة الشغيلة.
وهذا يعني أن الاحتفاء بهذه المناسبة يتجاوز شخص دور الشهيد الرائد لتشمل جميع مناضلي الوطن بمن فيهم الشغالين قبل فرحات وبعده.
فالاتحاد العام التونسي للشغل لم ينشأ من عدم بل سبقته تجارب نقابية رائدة قام بها ، بصدق وتفان ، مناضلون مثل محمد علي الحامي ، وهو من مؤسسي الحركة النقابية الوطنية ببلادنا، والطاهر الحداد وبلقاسم القناوي وغيرهم ممن تحملوا أعباء جامعة عموم العملة التونسيين الأولى والثانية.
وبافضافة إلى الدور المتميز الذي قام به حشاد مع رفاقه في دعم الحركة الوطنية وتعميقها، قد كان له الفضل في تكوين جيل من النقابيين المخلصين رغم قصر المدة التي قضاها على رأس الإتحاد .
فلا غرابة أن تتواصل المسيرة النقابية بعد اغتيال حشاد بفضل إصرار كوكبة من المناضلين الصادقين ـ نذكر منهم كلا من محمود المسعدي وأحمد بن صالح والحبيب عاشور وأحمد التليلي ومحمد كريم وغيرهم، على مواصلة النضال إلى أن تحقق استقلال البلاد.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الاتحاد قد عاش ـ بعيد الاستقلال ـ تجربة جديدة ميزت علاقته بالدولة الوطنية الناشئة حديثا كما ميزت نوعية تعامل الدولة معه، وهي تجربة يمكن الحكم لها و عليها .
وذك لأن البلاد قد عرفت في العقود التالية تحولات عديدة وهزات كثيرة أثرت أيما تأثير على مسيرة الحركة النقابية رغم صمود الاتحاد إزاء المظالم والدسائس والمناورات بفضل نخبة من مناضليه المخلصين لمبادئه.
وفي السبعينات من القرن المنقضي تميزت الحركة النقابية بنفس جديد تمثل في احتضانه لقوى جديدة شابة قدمت أفكارا واعدة ودعمت روح التضحية والنضال أدت إلى تحقيق عديد الإنجازات لفائدة البلاد وجعلت من الاتحاد عنصرا مهما في توازن القوى المتواجدة رغم ما تخلل تلك المسيرة من ثغرات وهنات كان للسياسة السياسوية من خارج الإتحاد وداخله القصط الأوفر من المسؤولية.
وقد تجلت نتائج هذا التجديد والثراء في صمود النقابيين إثر أزمة 26 جانفي 1978 وفي جهود نشر الديمقراطية وتشبيب الإتحاد في بداية الثمانينات وخاصة بمناسبة تجديد جميع هياكل الإتحاد على أسس ديموقراطية.
إلا أن السلطة عملت على إجهاض هذه الجهود مستغلة هفوات بعض المسؤولين النقابيين منهم من غازل السلطة ومنهم من دخل في منطق الإقصاءات والتصفيات التي أضعفت الإتحاد وأدخلته في متاهات وأزمات جديدة أثرت على مسيرته تأثيرا عميقا متواصلا.
وظهر ذلك جليا في الطريقة التي نظم بها مؤتمر سوسة 1989 وفي نوعية القيادة التي أفرزها والتي لا يمكن لها أن ترفع بعد عقد من الزمن شعار التصحيح.
وإننا نرى أنه ينبغي أن يكون الإحتفاء بذكرى إغتيال حشاد مناسبة لمحاسبة النفس عما قدمته لخدمة الإتحاد وعما لم تقدمه وأيضا عما يمكن أن يقدمه النقابيون الخلص داخل هياكل الإتحاد وخارجها، كما ينبغي أن تكون فرصة للعمل على أن يسترجع الإتحاد مكانته في الداخل وإشعاعه في الخارج بإعتباره مكسبا وطنيا لا مجال للتفريط فيه أو لتركه ألعوبة في أيدي من يتحملون مسؤولية الإساءة إليه.
أخيرا وفي السياق ذاته، نذكر بالمبادئ النقابية التي ضحى من أجلها النقابيون – بمن فيهم رواد الحركة النقابية من أمثال حشاد- وهي التطوع والتضامن والتضحية والصدق و الإخلاص بعيدا عن الإرتزاق والغدر والنفاق.
تونس في 3. 12 . 2005
محمد شقرون: الكاتب العام الأسبق للاتحاد الجهوي للشغل بتونس وأريانة وبنعروس.
النظام التونسي يتحدى مشاعر التونسيين ويستهين بإرادتهم بتوطيد علاقاته مع الكيان الصهيوني
ح- عزيزي (تونس)
مثلت قمّة المعلومات التي انعقدت في تونس أيام 16-18 نوفمبر 2005 فرصة لفضح النظام التونسي وكشف العلاقة التي تربطه بالكيان الصهيوني. لم تكن هذه العلاقة وليدة اللحظة فهي تعود لمطلع عهد السابع من نوفمبر فالمعطيات تذكر بروز هذه العلاقة مع مطلع التسعينات وتطورها لتأخذ شكلا دبلوماسيا سنة 1994 ( فتح مكاتب لرعاية المصالح) وهي علاقة متواصلة إلى يومنا هذا بالرغم من تجميدها من قبل تونس في سبتمبر 2001 مع اندلاع الانتفاضة الثانية. لكن المفارقة العجيبة أن هذا النظام الذي ما انفك يردد دون هوادة أنه ضمير الشعب والمعبر عن إرادته كان يوطد هذه العلاقة بسرية غير مكترث بمشاعر الملايين من التونسيين وإرادتهم.
· مظاهر التطبيع مع الكيان الصهيوني
بدأ التطبيع مع الكيان الصهيوني في مطلع التسعينات وتواصلت هذه السياسة إلى اليوم وهذا ما تؤكده الأحداث التالية:
– زيارة الحاخام الأكبر ليهود فرنسا « جوزيف ستريك » سنة 1992 بدعوة رسمية من الرئيس بن علي بحجّة أن هذا الحاخام تونسي الأصل ومن حقه العودة لزيارة موطنه الأصلي الذي غادره في أكتوبر 1958 لما هاجرت عائلته إلى فرنسا. تجدر الإشارة إلى أن « جوزيف ستريك » صهيوني للنخاع فهو من كبار المساندين لإسرائيل ولسياسة الليكود ولشارون بالذات. وقد تعددت زيارات الحاخام الصهيوني « ستريك » لاحقا فقد زار البلاد ثلاث مرات بشكل رسمي استقبله خلالها بن علي شخصيا، كان آخر هذه الزيارات يوم 7-12-2004 حينما كان الحاخام « ستريك » مصحوبا بستين شخصية يهودية أوربية على أعلى مستوى يتقدمهم « بيير بنسيونو » نائب رئيس المؤتمر اليهودي الأوربي.
– زيارة وفد من الخارجية الإسرائيلية لتونس يترأسه « شلومو جور » في 20-8-1993 مباشرة بعد توقيع اتفاقيات أوسلو الإسرائيلية الفلسطينية. وقد لحقه وفد ترأسه وزير الخارجية حينها يوسي بيلين في 12-9-1993. وأفضت هذه الزيارات إلى جملة من الاتفاقيات تنص على فتح مكاتب اتصالات في كل من تل أبيب وتونس وكذلك فتح خط مباشر للمكالمات الهاتفية. إضافة إلى السماح للإسرائيليين بالدخول إلى تونس وخاصة إلى جربة حيث تقطن أقلية يهودية وحيث الاحتفال السنوي اليهودي المعروف « باحتفال الغريبة ».
– قيام علاقات اقتصادية بين تونس وإسرائيل على صعيد التبادل التجاري، حتى أن الإحصاءات الرسمية التونسية ذكرت في سنة 1992، انه تمت عملية استيراد من إسرائيل بمقدار 46 مليون دولار( المصدر: د.فضل النقيب/ مؤسسة الدراسات الفلسطينية).
– اجتماع الوزير بن يحيى مع نظيره الإسرائيلي » ايهود باراك » سنة 1995 في برشلونة ووقعا اتفاقاً لإقامة علاقات ديبلوماسية وافتتاح مكتبين تمثيليين في تونس وتل أبيب وقد كان ذلك مع خروج القيادة الفلسطينية من تونس في أعقاب التوقيع على اتفاقات أوسلو.
– تبادل المكاتب التجارية بين تونس و تل أبيب وتبادل الزيارات الرسمية الفنية والإعلامية والاقتصادية والسياحية. (وذلك منذ منتصف التسعينات).
– اجتماع وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي شالوم مع وزير الخارجية السابق مرتين خلال سنة 2004.وللتوضيح ينحدر الرجلان من مدينة قابس بالجنوب التونسي وتربط الرجلين علاقات قوية نسجاها لما كان » الحبيب بن يحيى » سفيرا لتونس في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
– الزيارات السنوية لآلاف اليهود الإسرائيليين إلى كنيس « الغريبة » في جزيرة جربة. وهي زيارة يحضرها عادة رجال دين إسرائيليون ونواب في الكنيست ووزراء سابقون ووفود إعلامية ويرعاها من الجانب التونسي وزير السياحة.
– زيارة وفد تونسي إلى إسرائيل في يناير 2005 ترأسه وزير السياحة « عبد الرحيم الزواري » لحضور حفل للطائفة اليهودية من أصل تونسي. (كانت هذه الزيارة شبه سرية نظرا لأجواء الانتفاضة)
– أخيرا قيام » سيلفان شالوم » وزير خارجية الكيان الصهيوني بزيارة رسمية إلى تونس في ندوة المعلومات.(نوفمبر 2005) علما بأن شالوم يعد من الصهاينة المتطرفين وهو أكثر تطرفا حتى مقارنة مع شارون. فهو مثلا يعارض خطة الفصل (الخروج من غزّة) ويشارك في معظم المؤامرات ضد تطبيقها وحاول قيادة المعركة من أجل طرحها على الاستفتاء الشعبي العام بهدف تأجيل تطبيق الخطة لوأدها في مهدها. وقد بدت هذه الزيارة مرحلة مهمة في مسار سياسة التطبيع المعطلة ظاهريا وهو ما تعكسه لنا المظاهر التي رافقت زيارة الوفد الصهيوني للبلاد فقد حطت الطائرة التي تقل شالوم يعلوها العلمان التونسي والإسرائيلي كما استقبل شالوم بحفاوة لم يلقاها بقية الوافدون إلى الندوة فتم تكريمه بزيارة سياحية هو والوفد الكبير المرافق له إلى قابس وجربة، كما تم اتخاذ إجراءات أمنية مشددة لم تعرفها البلاد من قبل حتى لا يعبر الشعب التونسي عن عدم رغبته في استقبالهم بالبلاد.
· نظام لا يعبّر عن إرادة شعبه وينفذ أجندة أمريكية:
لا يبقى مجال للشك من خلال هذه الوقائع والأحداث الدالة على علاقة التطبيع التي انتهجها النظام التونسي منذ مطلع عهد السابع من نوفمبر للقول بأن القضية الفلسطينية لا تحتل مكانة مركزية في سياسة الدولة منذ مطلع التسعينات وبأن النظام التونسي قد وصل إلى قناعة بضرورة قبول هذا الجسم الغريب المزروع في وطننا العربي الإسلامي والمغتصب للمقدسات الإسلامية. والنظام التونسي يعكس بذلك عدم اكتراثه بخيارات شعبه القومية والإسلامية. فقد كان الشعب التونسي مثله مثل بقية الشعوب العربية والمسلمة من الرافضين للكيان الصهيوني ومن المساندين للشعب الفلسطيني في نضاله لاسترجاع أرضه المغتصبة من قبل الصهاينة منذ 1948. وقد عبّر التونسيون عن مساندتهم للقضية الفلسطينية في عديد المحطات بل إنها كانت قضية مركزية لدى الإسلاميين والقوميين واليساريين والنقابيين وعند كل قطاعات المجتمع من عمال وتلاميذ وطلبة واليوم مازالت هذه القضية تسيطر على الوجدان لدى كل التونسيين. ولعل التحركات الشعبية الأخيرة الرافضة لدعوة الوفد الإسرائيلي لحضور قمة المعلومات في تونس أكبر دليل على هذا الرفض الشعبي للتطبيع مع الصهاينة وبأن القضية الفلسطينية تحتل مكانة مركزية في حياة الناس بالرغم من الأزمات العديدة التي يعيشونها والمرتبطة بغلاء المعيشة والبطالة. وما تعطيل الدروس في المؤسسات التعليمية في أنحاء البلاد المختلفة وإعطاء عطلة إدارية وعسكرة البلاد في فترة القمّة إلا أكبر دليل على مخاوف النظام التونسي من تحركات شعبية قد تكشف التعارض الصارخ بين توجهاته التطبيعية مع إسرائيل وبين رغبة الشعب وإرادته الرافضة للمحتل. وهذا ما يجعلنا نتساءل حقا عن مدى تمثيلية هذا النظام لإرادة شعبه وكذلك عن الأهداف الكامنة وراء توطيد العلاقات مع الصهاينة وعن المستفيدين من ذلك. هل هم الأقلية اليهودية المحدودة العدد؟ أم هي الفئة الحاكمة الراغبة في استرضاء الغرب وكسب دعمه في وقت أصبح يواجه فيه رفضا شعبيا تحول دون بروزه سياسة دكتاتورية ناعمة تسهر عليها وزارة الداخلية بأجهزتها القمعية المختلفة؟.
أخيرا تجدر الإشارة إلى أن سياسة التطبيع التي توخاها نظام بن علي منذ بداية عهده مع الكيان الصهيوني واستمرت على امتداد سنوات حكمه قد تزامنت مع حملة ظالمة شعواء تجاه التيار الإسلامي استهدفت أيضا مظاهر التدين في البلاد طيلة فترة التسعينات ومازالت آثارها إلى اليوم مستمرة.
هذا التزامن بين التودد للصهاينة والحرب على الإسلاميين يثير شبهة حقيقية حول ظروف وصول بن علي للحكم وعن الأهداف التي جاء من أجلها. هل كان الأمر مجرد وعي بضعف حالة الزعيم السابق الحبيب بورقيبة وإنقاذ للبلاد من مخاطر تتهددها من قبل الإسلاميين ؟ أم كان الأمر استجابة لسياسات أجنبية أمريكية تحديدا أعطت إشارة « الانقلاب الأبيض » وباركته ووفرت له الدعم مقابل تنفيذ أجندة محددة أبرز عناوينها التطبيع مع الكيان الصهيوني والتسويق لذلك، هذا إلى جانب تحرير الاقتصاد وفتح البلاد للسلع والأموال الأجنبية استجابة لعولمة الاقتصاد التي أخذت الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على فرضها إثر انهيار المعسكر الاشتراكي مع نهاية التسعينات، ومن عناوين هذه الأجندة أيضا محاربة أبرز قوة سياسية في البلاد ممثلة في الحركة الإسلامية (النهضة) حتى يتم تمرير هذه السياسات بسلاسة وتعدى دور النظام التونسي في محاربة الظاهرة الإسلامية حدود القطر التونسي فكان رائدا في تقديم المشورة لبقية الأنظمة العربية وتقديم خبراته لاستئصال التدين بالحث على اعتماد سياسة تجفيف المنابع والتشجيع على تنسيق السياسات الأمنية لمواجهة الإسلاميين بل وتحريض المجتمع الدولي ضدهم بتقديم مشاريع قوانين لمحاربة الإرهاب على المستوى العربي والإفريقي والدولي.
ونظام بن علي كان في الواقع بهذه السياسة يساهم في تمهيد الطريق لسياسات الغزو الغربي والأمريكي للمنطقة وذلك بالتحريض على أبرز القوى السياسية المؤثرة في الشارع العربي والإسلامي والتي تقدم نموذجا مجتمعيا مغايرا للنموذج الغربي الذي انفرد بالهيمنة بعد انهيار المعسكر الإشتراكي.
ونستدل على الخلفية الحقيقية لدور بن علي من خلال ما حصل في تونس فبإزاحة الإسلاميين والزج بهم في السجون خلت الساحة السياسية والنقابية والطلابية من أية قوة مؤثرة تتصدى لسياسة النظام التطبيعية مع الكيان الصهيوني ولسياسته الاقتصادية الليبرالية التي أفرزت أوضاعا اجتماعية كارثية (البطالة/ تدني كبير للمقدرة الشرائية) بل إنها رهنت البلاد للأجنبي وجعلتها في وضع شبيه بحالة تونس قبل انتصاب الحماية الفرنسية سنة 1881. كذلك غابت القوة التي تتصدى لسياسة بن علي التعليمية والثقافية التي ألحقت أضرارا فادحة بالقطاع التربوي وبالهوية العربية الإسلامية للبلاد وجعلت البلاد مفتوحة بشكل تام على رياح الغرب.
ح- عزيزي (تونس)
1 ديسمبر 2005
نحن و الفيروس
كتبه: عبدالحميد العدّاسي
ما مِن تونسي حرّ، يتمنّى للبلاد حفظا و للنّاس فيها رفعة، إلاّ ويشهد بأنّ تونس تمرّ بأسوإ فترة في تاريخيها الحديث. فالجريمة في نموّ و تنوّع والأمن والأمان في انسحاب من الحياة، و الرذيلة في تبرّج ومجاهرة، و الفضيلة في احتشام وانزواء، و الظلم في استئساد و سطوة، و البذاءة في انتشار يصنع الشنار، و التافهون يتناسلون و يتكاثرون و يحدّثون النفس بإتباعها هواها والوصول بها إلى مبتغاها في قاع الحفير. إلى الحدّ الذي يحتّم علينا دقّ ناقوس الخطر، فالبلد بلدنا ولن يتحمّل أيّ من هؤلاء الوضيعين إعادة بناء ما هُدّم بسبب كذبهم و تملّقهم و نفاقهم. ولعلّ الاخوة الذين دعوا من قبل إلى العودة السريعة إلى البلاد يظلون صائبين من حيث المبدإ، ذلك أنّ هذا التناسل اللقيط لم يتكاثر إلاّ في غياب الرّجال عن الساحة، و لعلّ حياة لن تدبّ في جسم تونس المنهك إلاّ بكسر القيد وإخراج كلّ المساجين ولمّ الشمل و رجوع كلّ المهجّرين، تماما مثلما طالب بذلك بعض التونسيين من الأحرار.
أقول هذا الكلام بعدما قرأت لواحد من فريق التلميع في تونس، وقد أصيب في بصره فعمى و في قلبه فغلّف، موضوعا اختار له عنوان » انفلونزا البشر » نشر بالقسم العربي من مجلّة حقائق و على صفحات تونس نيوز بتاريخ 1 ديسمبر 2005.
و أنا بهذا الصدد سوف لن أتوقّف مع الجزء الأوّل من المقال و إنّما أذهب رأسا إلى ما كتب الملّولي من أجله، فما الديباجة عنده و ما حشا فيها من حديث عن الدعوة الوزارية الكريمة وعن الكفاءات التونسية المقتدرة، و عن الإجراءات الوقائية التي مكّنت من وضع حدّ لوباء سلمت منه بلادنا ولكنّه استشرى في بلدان آسيوية عديدة، و عن الخطّة الوطنية واضحة المعالم، و عن الغذاء الغنيّ بلحوم الدواجن والطيور، إلاّ توطئة منه للانقضاض على ما أسماهم ببعض الأفراد ممّن ينتسبون بالصدفة إلى تونس على الإساءة لها و محاولة المسّ بمصالحها الحيوية، واختار من هذا الصنف إمرأة وصفها بأنّها يسارية الأنبوب، و متطرّفين دينيين منادين بقيام الدولة الدينية.
لم ينس عنصر فريق التلميع هذا، الحديث عن القانون و عن جرأته وصرامته في معاقبة هؤلاء، دون مراعاة منه حتّى لانتسابهم الذي كان محض صدفة. ذلك أنّ تونس مثلما منعت تسرّب الطيور المصابة بالفيروس، بل مثلما منعت تسرّب الفيروس نفسه من التسرّب، لهي قادرة على منع البشر الحاملين لجميع أنواع الفيروسات من الدخول إليها، وخاصّة منهم من كان يحمل هذا الفيروس الذي أسماه » فيروس أنفلونزا البشر » و قدّم بعض الخاصيات أو السمات المساعدة على التعرّف عليه، فهو كما قال: يصيب العقول و يتربّى في العفونة و يقتات من عائد بيع الضمير و يتقوّى بمعاني التطرّف. وسبحان الله كيف شخّص هذا المنافق كلّ هذه الأعراض حتّى دلّنا بها بيسرعلى ذاته. فوالله ما رأيت أقلّ حياء و لا أكثر سفاهة و لا أكذب حديثا و لا أقذع لفظا ولا أدنى همّة و لا أبخس قيمة ولا أقلّ شأنا من هذا العنصر و أمثاله ممّن كان حسرة على والديه لمّا أنكر أصله وعارا على بلده لمّا تنكّر لمرجعيته وقذارة على الدرب تمنع المتطهّرين من الاقتراب.
عندما يتحدّث العنصر عن يسارية الأنبوب و ما صرّحت به إلى الصحافة، يتساءل: هل بإمكاننا أن ندرج مثل هذه التصريحات في دائرة الرأي المخالف؟ أم هي محاولة يائسة لاستفزاز السلطة؟!
لِمَنْ لم يقرأ المقال، فإنّ هذه السيّدة قالت كلاما عبّرت فيه عن خشيتها من اللجوء إلى المناداة بمقاطعة السياحة التونسية إذا ما استمرّت الأوضاع و تواصل التعسّف، رغم قناعتها بأنّ ذلك سيؤثّر على الأوضاع المعيشة للتونسيين. و المرأة هنا لم تقل ما يتضارب مع مصلحة التونسيين، فهذا النظام الفاسد الظالم يستعمل التلميع لحجب صنائعه السود، وقد اختار السياحة كأبرز وسيلة لهذا الفعل، ولقد حزنت مرّات و مرّات لمّا رأيت و أرى الأعلانات عبر الانترنت و هي تجلب إلى البلاد من هبّ ودبّ بأسعار زهيدة قد لا تعوّض تكلفة غسل الأثاث و الأواني المستعملة بالنزل، و ذلك مقابل شهادة زور قد يدلي بها هذا السائح أو ذاك عند عودته إلى بلده الأصلي فيساعد بذلك من حيث لا يدري على تشجيع حكّامنا على المضي في نهج الفساد و الإفساد، فتعظُمَ بذلك مصائب التونسيين من غير العاملين في النزل. و أمّا العاملون فيها فمصائبهم أعظم إذ قد يحصلون على بعض الفيروسات غير الخاضعة للمراقبة، من طرف العنصر و أزواجه ( الزوج هنا يعني الشبيه، كي لا يتّهمني بأنّني دعوته إلى تعدّد الزوجات بلا ضابط ) كفيروس فقدان المناعة الذاتية ( يبلغ المعدل السنوي للإصابات بالإيدز وفيروس
HIV، وفقا لتقارير وزارة الصحة التونسية، حوالي 70 حالة. وإجمالي عدد الحالات منذ عام 1985 إلى 2002 نحو 697 حالة ). ولكنّ هذا الكلام لا يمكن أن يدرج في إطار الرأي المخالف، فإنّ من خالف اتّفق حسب فلسفة النّفاق في تونس. كما أنّه لا يمكن أن يؤثّر على السلطة فيستفزّها، فقد فقدت كلّ إحساس و تحصّنت ضدّ كلّ نصيحة. على أنّ في تعليق العنصر ما يؤكّد اعتماد الاقتصاد التونسي على قطاع رخو قد يُهدم كلّه أو جلُّه بمجرّد الحديث عن فيروس أو إرهابي يشكّ في وجوده هنا أو هناك. وهو ما ينبغي التوقّف عنده بالدراسة المستفيضة معتمدين في ذلك على كلّ الكفاءات الصادقة و المعطيات الصحيحة دون أن نتلف من الذاكرة أنّ تونس كانت ذات يوم مطمورة روما!وللعنصر تاريخ مع السيدة اليسارية، رغم أنّها سليلة أنبوب كما بيّن، و السيدة اليسارية تونسية واعية فقد استشرفت و صدق استشرافها لمّا قالت بالحرف الواحد: » على مناضل حقوق الانسان في هذه البلاد أن يتهيّأ لكل شيء: حرق ممتلكاته، خطف زوجته، ضرب أولاده الخ « . نعم لقد كانت واقعية جدّا، ونظرة بسيطة فاحصة لما يحدث للحقوقيين و القضاة و المحامين و الشرفاء من التونسيين تغني عن التثبّت في دقّة ما قالت. وأمّا صاحبنا المراهق فقد خال نفسه يومها بصدد مشاهدة فيلم وثائقي عن أمريكا اللاتينية!! ( ولا أدري هل نبلغ في تونس، يوما، ما بلغه بعض دول أمريكا اللاتينية من إشاعة الحريّة واحترام المبادئ الانسانية؟!)، لم يمنعه من التساؤل: هل بإمكان هذه النماذج البشرية أن تقدم بديلا ثقافيا وسياسيا واقتصاديا يساهم في تنمية البلاد ويثري الحوار الوطني في مختلف تجلياته؟!!.
يختم العنصر مقاله بالحديث عن المتطرّفين فيعرّفهم بأنّهم نهضويون اشتركوا مع بنات الأنابيب في حيازة الرؤى العدمية، و يستغرب – بلغة سوقية متخلّفة قدرة – زعيم النهضويين على الخوض فيما يتعلّق بالمعلوماتية و ما يتّصل بقمّتها التي انعقدت في تونس أخيرا و كيف يعدّد الرّابح فيها والخاسر، مستغربا اتّهام تونس من طرف الشيخ راشد ( امتنع هو عن ذكر اسم الشيخ ) بمحاربة استخدام التقنية، كما استكثر على الشيخ استغرابه رغبة المنظّمين في اختيار تونس. الملفت أنّ هذا العنصر يكتب على صفحات جريدة كانت ذات يوم تحظى ببعض الاحترام خاصّة أيّام ترأّس تحرير قسمها العربي الأستاذ صلاح الدين الجورشي. والمحزن أنّ بعض التونسيين قد يقرؤون له و لأمثاله من المنافقين و لا يقرؤون لأمثال الشيخ أو غيره ممّن لم يجد المجال إلاّ عبر صفحات الانترنت الممنوعة في تونس، بحكم حسن استخدام التقنية هناك من طرف التقنيين خدّام الظلم و الظلام ( هل انتبهت إلى تقنية تؤسّس لنشر الظلام ).
ولأنّه يتدحرج في حفير ليس له قاع، و لأنّ الأخلاق و الأمانة و الصدق مفردات لا تجد مدلولاتها في قاموس فريق الملمّعين، و لأنّ الملّولي قد تغذّى بالنفاق حتّى التخمة، فقد اتّهم الشيخ بالقصور و النظر إلى الأمور من خلال عصابة متعصّبة تدلّس عليه كلّ شيء، ليتّهمه بعد ذلك بأنّه كفّر النّاس ذات يوم لفرط تعصّبه.
ولأنّ البصيرة عمياء، كما بدأت به الكلام، فقد ذهب هذا المنافق إلى الحديث عن القمّة كفكرة ومسعى وإنجاز ليؤكّد من ناحية أنّ الصهاينة إنّما هاجوا و ماجوا في البلاد برغبة من أزواجهم ( أشباههم ) في تونس وليس بدعوة من الأمم المتّحدة كما سوّقوا لذلك، و ليصرف النظر عن الفكرة الأصلية للشيخ، فهو لم يناقش الدعوة و إنّما ناقش الاستجابة لها من طرف بعضهم رغم علمهم بما يجري في البلاد من مخازي كشف عن بعضها الرجل السويسري.
ثمّ ينهي مقاله الذي سيحمله على كتفه يوم تخفّ الجبال و تثقل الكلمات، بسؤال لا يخلو من الفائدة:
ما هي طبيعة العلاقة التي تجمع بين الشيخ والانترنات؟ ولأنّه من الساهرين في تونس على ضمان فرحة الحياة، فقد ضمن لقرّائه الإجابة حيث أردف بعد السؤال مباشرة: الى حد علمي ما زال الشيخ مؤمنا بوجود جاهلية أولى وباحثا عن حكم راشديّ ورافضا للحداثة برمتها التي من عناوينها الشبكة العنكبوتية، ربما كان باحثا عن العنكبوت داخل الشبكة ليذكره بأقبية التاريخ وكهوف الظلام، من يدري!!؟ … الكلام مبتذل ورخيص جدّا، يغيب فيه احترام العالم و توقير الكبير، ولكنّه يظلّ ترجمان القلب: فهذا الملّولي يتحدّث عن شيخ لا يعرفه إلاّ من خلال وزارة الداخلية، فيتّهمه بعدم المعرفة ويستكثر عليه أشياء بسيطة عظُمَت لدى بعض التونسيين من خلال منع حكّامهم الجهلة لهم متابعتها، و إلاّ فالكمبيوتر والعلوم المتعلّقة بها قد صار وصارت ضرورة يتعاطاها كلّ كبير و صغير ببلاد الغرب حيث الشيخ و حيث المتعصّبون من أتباعه. و هذا الملّولي ينفر من الحديث عن الأصل و عن المرجع و عن الدين و الغيرة و الرجولة ولذلك فهو ينفّر منها أو يحاول بتصوير أنّ التمسّك بها هو مجرّدُ حديثٍ شاذّ موغلٍ في القدم. و هذا الملّولي يرفض الرّشد و يتمسّك بالحداثة التي أحدثت فيه وفي فريقه الكثير من الانستنساخ. و هذا الملّولي يكره التاريخ و يأبى الرّجوع إلى صفحاته، ولو فعل لأيقن أنّه مجرّد ساكب ماء على أيادي قذرة لا تطهر إلاّ بالإقلاع عن استخدام أمثاله!…ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة
: ما جاء باللون الأزرق مأخوذ من نصّ الملّولي.
النهضة و حركة 18 أكتوبر
افتتاحية
الموقفلا بديل للسلطة عن الاعتراف بحقنا في الحرية
محمد القوماني
ربما تفاءل البعض ببوادر انفراج سياسي ببلادنا وظنوا أن السلطة وعت الدرس و أدركت درجة الاحتقان بالمجتمع ، بعد الصدى الذي لقيته حركة 18 أكتوبر و بعد الضغط الإعلامي العالمي الذي تسلّط على درجة التضييق على الحريات بتونس، بمناسبة انعقاد الجزء الثاني من القمة العالمية لمجتمع المعلومات . و ربما وجد المتفائلون سندا في الإعلان عن تكليف رئيس الدولة للسيد زكرياء بن مصطفى رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان و الحريات بالاستماع لمن يرغب من الأحزاب و الجمعيات و غيرهم و إعداد تقرير في الغرض
لكن يبدو أن الأمور تسير في غير ما ينتظره المتفائلون. إذ لم ترفق السلطة قرار تكليف السيد زكرياء بن مصطفى بأيّة إيضاحات أو إجراءات مشجّعة على تأكيد استعدادها لحوارحقيقي مع أطراف المجتمع المدني . كما أبدت مختلف الأطراف المعنية بصورة مباشرة أو غير مباشرة بهذه الخطوة برودة و ترقّبا تغذّيا من تجارب الماضي المريرة . لكن بعيدا عن التفاؤل أو التشاؤم القائمين على التقدير النسبي للاحتمالات و القراءات المختلفة للدّلالات الرمزية للأمور ، يحسن بنا التوقّف عند الوقائع المؤكدة و الأدلّة الدامغة
فقد عمدت السلطات مساء السبت 26 نوفمبر إلى اعتقال السيد الحبيب بوعجيلة عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي متذرّعة بحادث مرور غريب الملابسات مع سيارة تابعة للأمن . و أصرّت على التنكيل به و إبقائه رهن الاعتقال ، في انتظار محاكمته في جلسة مقررة ليوم الأربعاء 30 نوفمبر(موعد غلق هذا العدد من الجريدة) بتهم لا يخفي الطابع الكيدي في كل تفاصيلها
و كان السيد بو عجيلة قد تعرض للاعتداء بالعنف الشديد في مناسبتين خلال الفترة الأخيرة ، على يد أعوان من الأمن بالزّي المدني و الذين هدّدوه و توعّدوه . و قد صدرت في ذلك بيانات سياسية و نقابية في ابّانها. و يعلم المتابعون عامة و بجهة صفا قس خاصة أن الضغوط تكثّفت و المضايقات تعدّدت على السيد بوعجيلة بسبب أنشطته السياسية والنقابية و الإعلامية ، بالتزامن مع إضراب الشخصيات الثمانية من قادة الأحزاب و الجمعيات عن الطعام بالعاصمة . و لا يخفى على المتابع النزيه أن استهداف عضو بالمكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي في هذه الفترة بالذات، يأتي في تعارض صارخ مع ما تدّعيه السلطة من هامش كبير من الحرية لهذا الحزب القانوني ، الذي شارك أمينه العام الأستاذ أحمد نجيب الشابي في الإضراب عن الطعام المذكور
وكان الطالب غسّان بن خليفة ـ الناطق باسم الشباب الديمقراطي التقدمي ـ قد تعرّض لهجوم و حشيّ و عنف شديد على أيدي جهات أمنية مجهولة بسبب نشاطه في دعم الإضراب . كما تتعرّض جريدة » الموقف » الى السحب الآلي من بعض الأكشاك بتونس الكبرى خاصة خلال الفترة الأخيرة بسبب تغطيتها لحركة 18 أكتوبر
و لا يقتصر هذا الاستهداف و هذه المعالجات الأمنية التي تأكد فشلها و مردودها العكسي، باعتراف سابق لرموز السلطة نفسها،لا يقتصر على الحزب الديمقراطي التقدمي ، الذي استدعت المحاجّة تعديد الأمثلة منه،بل يمتدّ هذا الاستهداف إلى مختلف القيادات و المناضلين من تيارات فكرية و سياسية عديدة
ففي مسا ء الخميس 24 نوفمبر ، و بجهة صفاقس أيضا ، اعتدت عناصر مجهولة على السجين السياسي السابق والعضو بالجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين السيد الهادي التركي بالعنف الشديد و هو في طريق عودته إلى منزله ليلا . وتسبّبت له ضربة مفاجئة بقضيب حديدي على الرأس في أضرار بالغة . و يبدو هذا الاعتداء أيضا و وثيق الصلة بنشاط السيد التريكي و عضويته بتجمع جهة صفاقس لإسناد حركة 18 أكتوبربمعيّة السيد بو عجيلة وشخصيات أخرى وازنة بالجهة
كما تعرّض عدد آخر غير قليل من المناضلين إلى التعنيف على خلفية انخراطهم في مساندة مطالب المضربين و التضامن معهم ، نورد على سبيل الذكر لا الحصر الاعتداء الذي تعرّض له الأستاذ الجامعي و الشاعر المعروف الأستاذ منصف الوهايبي قرب منزله بالقيروان ، و الاعتداءات التي طالت مناضلين بجهة المنستيرمن حركة التجديد وغيرها مساء إنهاء الإضراب بالعاصمة يوم الجمعة 18 أكتوبر
و اذا كانت الجهات التي تقف وراء هذه الاعتداءات تستهدف تخويف المناضلين و ثنيهم عن نضالهم، فان تجارب الماضي القريب تؤكد فشل مثل هذا الاختيار .و لذلك تبدو رسائل السلطة خلال الفترة الاخيرة قد أخطأت عناوينها. فأغلب الذين تم الاعتداء عليهم في السابق ـ إن لم اقل كلهم ـ صاروا مناضلين أشاوس و أعلاما في معركة الحرية في بلادنا . تماما كما أن سياسة تلفيق القضايا ضدّ المناضلين و توظيف الجهاز القضائي للتخلّص منهم، قد باءت بالفشل و انكشف أمرها و لم تزد سوى في ثقل ملفات انتهاك حقوق الإنسان ببلادنا و تشويه سمعة النظام .ونحن لا نستغرب اتهام السيد الحبيب بوعجيلة » بالسياقة تحت تأثير الكحول » و » التسبب في حادث مرور » و » الاضرار بالغير » أو غيرها من التهم، إذا استحضرنا عديد الملفات في هذا الصدد ،على غرار اتهام السيد خميس قسيلة بالتحرّش الجنسي « واتهام السيدة أم زياد » بتهريب العملة » و اتهام المحامي محمد عبو » بالاعتداء على زميلته ، و القائمة طويلة . بل إن الملفات القضائية التي تتحجّج بها السلطة في وجه خصومها السياسيين ، تبدو فاقدة للمصداقية ، بعد كل الخروقات للإجراءات التي كشف عنها السادة المحامون في مختلف القضايا ، و بعد أن ثبت بالدليل القاطع عدم حياد الإدارة وتورّطها في تسويغ القرار السياسي و الأمني المسبق على غرار ما يتذكره المراقبون في إسقاط القائمات الانتخابية للمعارضة في الانتخابات التشريعية و البلدية الأخيرتين
غاية ما نروم تأكيده من خلال عرض الوقائع سالفة الذكر هو أن السلطة على ما يبدو ماضية في نهجها الانغلاقي و المؤشرات لا تبعث على التفاؤل. مع أنّ كل المعطيات الموضوعية لا تبقى لها من بديل آخر سوى الاعتراف بحق المجتمع في الحرية والقبول بالإصلاح السياسي العاجل
وإذا ربطنا النهايات بالمقدمات تبدو السلطة في أحسن الحالات متردّدة بخصوص الاستجابة للمطالب المشروعة للمجتمع و التعاطي السياسي مع ما يطرحه قادة الأحزاب و الجمعيات و ما تتطلع إليه النخب من مختلف الأجيال و القطاعات والألوان الفكرية و السياسية . و إذا كان قرار السلطة يعود إليها و حدها في تقدير اتجاهات الأمور . فان الذي يهمنا التأكيد عليه من جهتنا ، و ممّا قد يساعد السلطة على الخروج من تردّدها ، هو مسؤولية المعارضة و كل القوى المعنية بالإصلاح السياسي و تأمين حياة ديمقراطية في بلادنا ، في الردّ السياسي العملي و الايجابي على إجراءات السلطة الأخيرة . و ذلك بالاستفادة من الزخم النضالي و الإعلامي الذي خلّفته حركة 18 أكتوبر بالداخل و الخارج ، و التوفّق إلى ابتكار أفضل الوسائل النضالية و انجح الصيغ التنظيمية و أوضح البرامج العملية ، لتكثيف الضغط و تكتيل القوى ضدّ الانغلاق و الاستبداد ،و جعل المطالب الثلاثة لحركة 18 أكتوبر في تحرير الإعلام و إقرار حرية التنظّم و إطلاق سراح المساجين السياسيين ، برنامجا نضاليّا أدنى و قضية جامعة للتونسيين و أرضية للكفاح الميداني المشترك ، حتى حمل السلطة على الاستجابة لها كشرط لأيّ انفراج سياسي . و على أمل أن تكون أرضية حركة 18 أكتوبر منطلقا لمسار جديد في تاريخ المعارضة التونسية
فسفينة الحرية ببلادنا قد أقلعت ، و لن تؤثر فيها الرّياح المعاكسة ، مهما كانت عاتية . و الجميع مسؤولون على تأمين طريقها و بلوغ مرساها . و إن بقيت مسؤولية الربّان اكبر. فقد و لّى في تونس زمن الخوف ، و لم يبق للوقوف على الربوة من مبرّر . و يد الله مع الجماعة
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 337 بتاريخ 2 ديسمبر 2005 )
ملاحظات من قلب قمّة التطبيع
شوقي عريف
أثناء ظهورهم هنا وهناك للتبرير والتزلّف إلى أسيادهم، طلع علينا فلان بصفته « إعلامي وكاتب من تونس » وعندما سأله المذيع عن مغزى خروج علم « الصّهاينة » وعلم تونس من نافذة الطّائرة التي كانت تقلّ الوفد الصّهيوني، أجاب هذا الكاتب التّونسي بأنّ ذلك لم يحدث وعندما أعاد المذيع سؤاله مؤكّدا بأنّ وسائل الإعلام تناقلت هذه الصّورة، أعاد « الإعلامي والكاتب التّونسي » بأنّ ذلك لم يحدث…
** ملاحظة : نودّ لفت إنتباه « الكاتب والإعلامي التونسي » بأنّنا لم نصدّق الصّورة التي تناقلتها وسائل الإعلام ليقيننا بأنّ الكاميرا التي قامت بنقل ذلك مأجورة وتريد بنا سوءا.
عند سؤال نفس هذا « الإعلامي والكاتب التونسي »، مرّة أخرى عن رأيه حول دراسة علميّة قام بها معهد « مبادرة الإنترنت المفتوحة »، خلصت إلى أنّ 14% من أصل 2000 موقع تونسي، شملتهم الدّراسة، مغلقة وذلك لأنّها تعود إلى المعارضة السّياسيّة ومنظمات المجتمع المدني، ردّ هذا « الإعلامي والكاتب التونسي » (الفذّ) « ..كلام عامّ…كلام فضفاض ».
** ملاحظة : هل عندما نتحدّث عن العلم نتحدّث عن الحياد ودقّة النتائج أم أنّ للعلم إنتماءات سياسيّة، فقد يكون مع حكومة وقد يكون ضدّ أخرى. يا لك من علم يا علم…
في ردّه على سؤال عن حقيقة الإعتداء الذي تعرّض له الصّحفي الفرنسي كريستوف بولتنسكي مراسل صحيفة لبيراسيون الفرنسيّة كانت توجّهت به الإعلاميّة في قناة العربيّة، منتهى الرّمحي، إلى مسؤول حكومي تونسي، ردّ هذا الأخير « …ولكأنّ الدّنيا قامت ولم تقعد من أجل الإعتداء على هذا الصّحفي… »
** ملاحظة : حتّى يصبح الأمر جدّيا، يرجى أن يكون عدد الصّحفيّين الذين يعتدى عليهم إثنان فأكثر. الرّجاء عدم الإزعاج وشكرا.
في جولة أخبار الجزيرة « حصاد اليوم » يسأل مقدّم الأخبار، الإعلامي حسن جمّول، أحد البهلوانيّين عن رأيه في تصريح لكوفي عنان عن أنّه تحدّث إلى الرّئيس التّونسي عن واقع الحرّيات والإعلام في تونس، فنفى هذا البهلوان أن يكون أمين عام الأمم المتّحدة قد صرّح بهكذا تصريح. المفارقة أنّ لحظة ظهور البهلوان على شاشة الجزيرة كان شريط الأخبار يظهر تصريح كوفي عنان.
ملاحظة : بدون تعليق.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 337 بتاريخ 2 ديسمبر 2005 )
حـوار الـعـصـا
رشيد خشانة
تكاثرت في الفترة الأخيرة ظواهر الإعتداء على نشطاء سياسيين وحقوقيين في مناطق مختلفة من البلاد من بينهم قياديون في الحزب الديمقراطي التقدمي ورابطة حقوق الإنسان. ونتجت معظم تلك الإعتداءات عن ممارسة حقوق طبيعية مثل الإستعداد لحضور اجتماع تضامني أو السير في الشارع باتجاه أحد السجون للتجمع سلميا في إطار حملة المطالبة بالإفراج عن المساجين السياسيين التي قررتها في الشهر الماضي لجان دعم إضراب 18 أكتوبر، أو عقابا للمعتدى عليه على « أعماله الكاملة » أسوة بالمكافأة التي يلقاها الكتاب والشعراء في البلدان المتقدمة. وجاء استفحال هذه الظاهرة متزامنا مع إصرار السلطة على إغلاق أبواب الحوار مع المعارضة المستقلة والمجتمع المدني، إذ أصبحت ساحة « التعامل » الأساسية معهما هي المحاكم ومخافر الشرطة، كما حصل للرابطة أو للأستاذ العياشي الهمامي ردا على استضافته المضربين عن الطعام في مكتبه أو مع قياديين في « التقدمي » وخاصة الأخ الحبيب بوعجيلة الذي يمثل اليوم أمام المحكمة في صفاقس بتهم واهية يصعب الفصل بينها وبين نشاطه في لجنة دعم الإضراب بالجهة.
ويدل هذا المنزلق على أن صدر الحكومة ضاق عن الحوار بل حتى عن « تحمَل » الإحتجاجات السلمية للنخب السياسية والجمعوية، بشكل جعل العصا هي وسيلة الحوار الأساسية معها. ولعل من الضروري هنا التذكير بواجبات أي نظام سياسي فمن أولى مهمات أي سلطة أن تنصت إلى مجتمعها ونخبها وأن تُعدَ الأطر الملائمة لذلك، لا أن تُعرض عنها وتوليها ظهرها. وفي هذا السياق تبدو دعوة رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية لفتح حوار مع الأحزاب ومكونات المجتمع المدني الأخرى إشارة مقطوعة عن سيرورة العلاقات المتعطلة والمتوترة بين الحكومة والمجتمع المدني، مما يؤكد التعاليق التي اعتبرتها مجرد عملية دعائية لإظهار الحكم في مظهر الحريص على الحوار.
وينبغي التوضيح هنا أن المعارضة المستقلة ومؤسسات المجتمع الأهلي في بلادنا كانت دوما طالبة حوار ولم تُغلق الأبواب يوما في وجه أحد لثقتها في وجاهة مطالبها ونقاوة أهدافها التي تصب كلها في المصلحة الوطنية وليس بينها أهداف خاصة أو مرامي فئوية. وهي حريصة على ترديد تلك الأهداف أمام الملأ لأنها تهم كل التونسيات والتونسيين، خاصة بعدما لخصتها بشكل مكثف وبليغ مطالب المضربين عن الطعام أو ما بات يُعرف ب »حركة 18 أكتوبر ». وعليه فإن الإستمرار في انتهاج طريق الضرب لغة وحيدة للحوار والتعامل مع المخالفين في الرأي خيار تتحمل الحكومة وحدها مسؤوليته أمام الرأي العام وأمام التاريخ، وهو يتقهقر بتونس خطوات كبيرة إلى الوراء في الوقت الذي ينهض فيه العالم من حولنا بالإستناد إلى طريق واحد هو الإصلاح ثم الإصلاح والمزيد من الإصلاح.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 337 بتاريخ 2 ديسمبر 2005 )
اوروبا خذلت العرب في قمة برشلونة
برشلونة – رشيد خشانة
خذلت القمة الأوروبية المتوسطية الأولى آمال العرب بانحياز أوروبا للدولة العبرية في رفض تثبيت حق الشعوب في مقاومة الإحتلال مما أدى إلى سحب مشروع البيان الختامي. واختتمت القمة أعمالها ظهر الإثنين الماضي في قصر المؤتمرات في برشلونة بحضور وفود البلدان الخمسة والعشرين أعضاء الإتحاد الأوروبي و ثمانية بلدان عربية إضافة لتركيا والدولة العبرية، إلى جانب كرواتيا ورومانيا وبلغاريا المرشحة لعضوية الإتحاد وليبيا وموريتانيا اللتين حضرتا بصفتهما مراقبين. ولوحظ غياب شبه كامل للرؤساء والملوك العرب عدا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في مقابل حضور أبرز الزعماء الغربيين وبخاصة المستشارة الألمانية الجديدة مركيل والرئيس شيراك ورؤساء الحكومات الإسبانية والبريطانية والإيطالية زاباتيرو وبلير وبرلوسكوني. وسيطر موضوع ما يسمى ب »مكافحة الإرهاب » على أعمال القمة على نحو انعكس تراجعا في الموقف الأوروبي من القضايا المشتركة، قياسا على المبادىء التي انطلقت منها الشراكة قبل عشرة اعوام.
ومع أن الهدف الأساسي من عقد القمة كان إعطاء دفعة جديدة لمسار برشلونة الذي تعطل بسبب تداعيات الصراع العربي – الإسرائيلي بعد سنوات قليلة من انطلاقه في 28 نوفمبر 1995 ، جاءت نتائج القمة مخالفة للمبادئ المؤسسة للشراكة. ويمكن اعتبار هذا الإخفاق انتصارا للولايات المتحدة التي لم تخف انزعاجها من مسار برشلونة الأورومتوسطي واقترحت أطرا إقليمية بديلة من بينها مبادرة أيزنستات ومشروع الشرق الأوسط الكبير ومنتدى المستقبل. ولعل من المؤشرات البارزة على المناكفة الإسبانية – الأمريكية أن مدريد استقبلت قبيل القمة الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز الذي لا تطيقه واشنطن ووقعت معه على اتفاق لبيع طائرات حربية وتجهيزات دفاعية أخرى.
واقتصرت نتائج القمة الأوروبية المتوسطية على بيان تلاه رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير باسم الرئاسة الأوروبية في أعقاب الجلسة الختامية إنقاذا للقمة من الفشل بعد التشدد الذي أبداه الوفد الإسرائيلي في مسألتي مكافحة الإرهاب واستئناف مسيرة التسوية على المسار الفلسطيني والسوري واللبناني. وقال بلير في شأن القضية الفلسطينية « إن بلدان مسيرة برشلونة تدعو للتنفيذ الكامل والسريع لخارطة الطريق وتشجع الأطراف على متابعة الحوار والتفاوض المباشر في إطار تطبيق رؤية الدولتين: اسرائيل الآمنة ودولة فلسطين المستقلة وذات السيادة والقابلة للحياة، تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام ». لكنه تحاشى الإشارة مباشرة إلى أوضاع القدس المحتلة وتوسيع الإستيطان، وشدد على ضرورة « حل القضايا النهائية في إطار المفاوضات ».
وكشفت القمة تراجعا كبيرا في المواقف الأوروبية من القضايا العربية إذ أصرت الرئاستان البريطانية والإسبانية على أخذ رأي إيهود أولمرت رئيس الوفد الإسرائيلي (بعد مغادرة وزيره سيلفان شالوم) في الأوراق المطروحة على النقاش وتبنتا كل أنواع الفيتو التي وضعها على الفقرات التي تعترض عليها الدولة العبرية، غير عابئتين بالعرب.
لكن يمكن القول إن أهم خبر إيجابي للعرب في تلك القمة جاء من التطور السريع في العلاقات اللبنانية – السورية وقد تمثل في اجتماع بين رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة (الذي هاجمه الرئيس السوري بشار الأسد في خطاب ألقاه مؤخرا) ووزير الخارجية فاروق الشرع على هامش القمة، مما أوحى بالإستعداد لحل القضايا الخلافية بين البلدين وفي مقدمتها مسألة ترسيم الحدود. وأفاد السنيورة الصحفيين بعد اللقاء أن هذا الملف سيعرض على الأمم المتحدة بعد وصول البلدين إلى اتفاق بشأنه، فيما بادر الشرع بالتأكيد على لبنانية مزارع شبعا المحتلة في الخطاب الذي ألقاه أمام رؤساء الدول في القمة.
ومن جهة أخرى حقق المجتمع المدني كسبا مهما بإعطاء الكلمة في القمة لممثل عنه وهو السيد مراد علال (تونسي) الذي خاطب رؤساء الوفود مشددا على الدور الأساسي للشعوب والمجتمعات المدنية المستقلة في بناء شراكة متوازنة بين ضفتي المتوسط. ولقي هذا الموقف صداه لدى الوفد الفرنسي الذي أعلن على لسان الرئيس شيراك عن استضافة أول اجتماع لمؤسسات المجتمع المدني في ضفتي المتوسط في فرنسا في فترة ستحدد لاحقا.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 337 بتاريخ 2 ديسمبر 2005 )
عالحاجز .. مسرحية راقصة تقفز علي معاناة فلسطينية يومية
تونس ـ رويترز: انتزعت مسرحية عالحاجز للمخرج الفلسطيني خالد عليان والتي عرضت الليلة قبل الماضية في ايام قرطاج المسرحية اعجاب النقاد والجمهور لاهمية القضية التي عالجتها بطريقة ساخرة وغير مألوفة.
واجتذبت المسرحية التي يشارك فيها 25 ممثلا وراقصا جمهورا كبيرا في المسرح البلدي بالعاصمة تونس خلال فعاليات الدورة الثانية عشرة لايام قرطاج المسرحية التي تستمر حتي الثالث من هذا الشهر. ونال هذا العرض الفني الذي طغت عليه اللوحات الراقصة اعجاب المتفرجين الذين شدتهم جرأة التناول وطرح قضية الجدار العازل بسخرية واستهزاء نادرين واصرار اكبر علي عبوره. وتروي المسرحية يوميات فلسطينيين من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية يتحملون معاناة متكررة علي الحاجز غير ان اصرارهم يبقي مستمرا امام صد الاسرائيليين وصد هذا الجدار الذي يشهد علي ألوان مختلفة من العذاب يعيشها هؤلاء الفلسطينيون.
واسهمت الازياء والديكور في اضفاء اجواء من الواقعية حتي انه بعد العرض بقي الممثلون خلف الحاجز وذلك لتعميق الايهام الواقعي بأنهم محتلون ومأسورون من الاخر. وتبرز خلال العرض عدة حكايات وقصص مؤثرة يعيشها هؤلاء الاشخاص الذي يرابطون طيلة اليوم علي الحاجز. لكن اكثر اللوحات تأثيرا ووقعا علي المشاهد كانت تلك التي تجسدت فيها قصة امرأة فلسطينية اضطرت للولادة امام الحاجز وهي حالة حقيقية تناقلتها وسائل الاعلام العربية. وقالت نور نسيبة وهي الممثلة التي ادت دور المرأة الحامل التي وضعت مولودها امام الحاجز لرويترز من خلال هذا العرض المسرحي الممتزج بالرقص الحديث نحاول ان نبين مدي الاذي اليومي الذي نعانيه علي هذا الحاجز بمختلف شرائحنا نساء او رجالا دون تفريق .
اما اللوحة الاخري المؤثرة فعبرت عن اصرار وتحد اكبر في مواجهة قهر مستمر حينما نجح عريس فلسطيني في اجتياز الجدار الي الضفة الاخري للقاء عروسه واقامة احتفال في نفس المكان تعبيرا عن الاحتفاظ بالامل حتي في احلك المواقف. واختلط هذا الاحتفال البسيط الذي حضرت فيه الاغاني الفلكلورية الفلسطينية باحتفال اكبر عند المتفرجين الذين انتشوا وعبروا عن رغبة في اقتسام مشاعر الفرح مع الفلسطينيين حينما قطعوا العرض وسط عاصفة من التصفيق الهبت حماس الممثلين. واضافت نسيبة لرويترز ان هذه الرقصات الحديثة هي اسلوب نعبر من خلاله عن معــــاناتنا وننقل بها رسالتــنا لكل العالم ولكن نعطي ايضا قوة دفع للناس التي تخاف الحاجز حتي يستطيعوا العبور .
ولم يغادر اي ممثل المسرح طيلة مدة العرض في نقل لصورة يومية متكررة علي الحاجز تبدأ من ساعات الصباح الاولي وتستمر حتي المساء. ووصفت الممثلة الفلسطينية هذا العرض بانه قفز علي كل الالام اليومية وتحرر من جميع القيود ، معتبرة ان عرضا فنيا بهذا الشكل افضل من لقاءات ومحاضرات سياسية بلا معني.
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 3 ديسمبر 2005)
نساء «أيام قرطاج المسرحيّة» من لبنان وسوريّة والمغرب:
ظلّ الرجل الغائب يخيّم على عالم من العزلة والقسوة
تونس – بيار أبي صعب
«أيّام قرطاج المسرحيّة» رفعت لواء الانفتاح والمرأة. الشعار الأوّل بقي أسير النيات الحسنة في أفضل الأحوال، بل أثار عدداً من الاشكاليات والنقاشات الحامية كما شهدت عليه إحدى جلسات العمل خلال المهرجان التونسي الذي ينتهي اليوم.
المسرحي الفلسطيني جورج ابراهيم، توقّف عند المعاني المشبوهة التي يحملها «الانفتاح» في القاموس السياسي العربي الراهن، مذكّراً بأن المجتمعات العربية تتخبّط – أكثر من أي وقت مضى – في «العزلة والانغلاق». وغصّ المسرحي العراقي عزيز خيّون وهو يستعرض أوضاع الفنانين في بلاده، قبل أن يجهش بالبكاء. ولفتت هدى وصفي، مديرة المسرح القومي المصري (ومسرح الهناجر)، الى أن الانفتاح المطلوب «ليس مع الغرب، فنحن مسرفون في الانفتاح عليه، بل بيننا نحن العرب». والكاتب والمثقف التونسي يوسف الصديق الذي شارك بدوره في لقاء «شبكات التوزيع والتبادل»، قال إن الموضوع «ليس الانفتاح، بل أن يكون المبدع قادراً على استيعاب واقع الجاهليّة والظلام الذي نعيشه منذ عهد بعيد، محاولين أن نستجدي ومضة من الزمن، ونحن نعرف سلفاً أنّها سرعان ما ستنطبق مجدداً على الظلام». خلال تلك المداخلات، كان مهندس الدورة ومديرها يستمع باهتمام، ويدوّن ملاحظاته، متقوقعاً خلف باقة من الزهور تتوسّط الطاولة.
لكن إدريس، مدير المسرح الوطني التونسي، بوسعه أن يكون راضياً عن رهانه الثاني: المرأة حضرت بقوّة في الدورة الثانية عشرة للـ «أيام..»، من خلال مجموعة أعمال نسائيّة الملامح والهويّة والتوجّه (موضوعاً وتعبيراً ولغة وتمثيلاً وتصوّراًً…). فكأننا بـ «المرأة» نجمة الدورة بامتياز، بدءاً بـ «الذئبة الجريح»، آنا مانياني المسرح التونسي، رجاء بن عمّار (في «هوى وطني» راجع «الحياة، عدد أوّل كانون الاول (ديسمبر)، وانتهاء بالفنانة اللبنانيّة عايدة صبرا التي أسبغت ملامح نسائيّة على متسكّعَيْ صموئيل بيكيت الشهيرين، في انتظارهما غير المتناهي – وغير المجدي – لـ «غودو» الموعود.
لعبة الضحيّة والجلاد
في مسرحيّة «خدلك كدشة» (تعال اقضم)، وهو عمل ثنائي نسائي قدّمته بالاشتراك مع يمنى بعلبكي، تنطلق صبرا في مغامرة عبثيّة، «بيكيتية» الايحاءات، لتصوغ عالماً مفككاً، يبدو فيه التواصل أمراً مستحيلاً، وتختل عنده قوانين الجاذبيّة، وقواعد المنظور، والتسلسل المنطقي للحركة… ويُختزل الاحتجاج إلى مجموعة اشارات لفظيّة وحركيّة، تنتظم في ايقاع دائري، قائم على التكرار، إنّها إشارات يائسة، عاجزة، ساهية، مستقيلة، ترسلها اجساد معزولة في غربتها المتعددة الاشكال والجذور.
يكثّف العمل نصوصاً معروفة في سياق درامي خاص، ومختلف. غرف الثنائي صبرا / بعلبكي (وقعتا معاً أيضاً الرؤيا السينوغرافيّة والإخراج) من مسرحيّة بيكيت «في انتظار غودو»، ومن مسرحيّة لأوغست سترندبرغ («الأقوى»)، ومن نصوص شعريّة لتيد هيوز («رسائل عيد الميلاد»). شخصيتان تائهتان، تجرّان عبئاً مشتركاً، حكاية وربّما سرّاً، يجمعهما ماض ثقيل على الأرجح. تلتقيان في مكان ما ليلة الميلاد وإذا بأرضيّة اللقاء تستحيل حلبة مواجهة مع الذات، والآخر الغائب، والزمن المفقود، واللحظة التي تبطئ الخطى، ومع الشخصية الأخرى التي تحتل موقع المرآة، وتلعب بالتواتر دور الضحيّة أو الجلاد.
لكن الشخصيتين اللتين تؤديهما عايدة صبرا ويمنى بعلبكي هنا، ما عادتا تنتظران شيئاً أو أحداً. كأن مستقبلهما هو الماضي. ماض مشوش الملامح، والوجهة المقبلة غير واضحة وغير أكيدة. لا تنتظران أحداً، لأن رجلهما المشترك مات (زوج الأولى عشيق الثانية على الأرجح)، وجاء وقت تصفية الحسابات. وحدهما هنا، تلك الليلة؟ من دون موعد، في الأرض اليباب، المكسوّة بالثلج الاصطناعي، المنثورة بالتفاح الأحمر تتراشقان به في دوامة العنف المتصاعد والهاذي. (تفّاح الشهوة الممنوعة، الخطيئة الأصليّة؟ إحالة إلى الأسطورة المؤسِّسة، أي الطرد من الفردوس؟). هكذا يخيّم ظلّ الرجل الغائب على عالم بلا شفقة ولا رحمة، ينغلق على شخصيات نسائيّة محاصرة معزولة… عاجزة عن التمرّد. هكذا تجترّ نزيلات مسرحيّة «فوضى» السوريّة قهراً دفيناً، وتتناهش بنات «برناردا ألبا» المغربيّة في سجن التقاليد والممنوعات، نزاعاً على وهم الرجل المستحيل.
في «خدلك كدشة» الزمن يعود نفسه، اليوم البارحة، قبلها، عيد الميلاد يعود نفسه، تلك الليلة الكئيبة التي تستفيق فيها كلّ الهواجس. تشعر بالبرد، ثم بالحر. تضجر، تضجر كثيراً. تستعيد فصولاً ولحظات ماضية، تفرّغ حقدها، مشاعر الغيرة من قرينتها. والثانية صامتة، بفستانها الزاهي، تتكلّم بجسدها: يتقوقع ثم ينفرج كما الضحيّة المرهقة في غرفة تعذيب. يتحرّك جسد منى بعلبكي تبعاً لايقاع الكلمات التي تخرج من فم شريكتها في هذه اللعبة السادو – مازوشية. تخرج من علبتها شريط الفيديو، فنستعيد صوراً هاربة من حياتهما الماضية. لن تنطق منى بكلمة واحدة، حتّى نهاية العرض، إذ تقترب من أحد المشاهدين في الصفوف الأولى، ترمقه بنظرة غريبة في الظلمة… تمدّ إليها تفاحة حمراء، وتقول كما حوّاء لآدم: «خدلك كدشة!»
ولا يستقيم احتفال صبرا وبعلبكي، من دون ذلك الفضاء الذي يؤطر الطقس المسرحي. فضاء مربّع، أبيض (بياض المستشفيات؟ بياض العدم؟). مسرح العلبة، هو المكان الأمثل لإعادة الاعتبار إلى مسرح طليعي، ينحسر عربياً، ولو من تقديم بلا اضافات فعليّة إليه… في الوسط تتدلّى «الشجرة» مقلوبة. مرشوشة بالأبيض كما شجرة الميلاد. شجرة بيكيت التي ينتظر تحتها فلاديمير واستراغون، ليست إلا خدعة ميتافيزيقية إضافيّة من خدع «خدلك كدشة»، تحتها أو فوقها تتناهش امرأتان طالعتان من هواجس وتهويمات وجوديّة بلا قرار. إنّه مسرح القسوة، إذ يلتقي بمسرح اللامعقول.
عالم مقفل
وتيمة المرأة في مواجهة العالم، بجسدها ووجدانها وجروحها، وقعنا عليها خلال «أيام قرطاج المسرحيّة» في عرضين متوازيين، الأوّل من سوريّة (المسرح القومي) والثاني من المغرب (فرقة «الكعب العالي»)، بينهما نقاط تقارب وتشابه عدّة، علماً انّهما ينتميان الى مدرستين مسرحيتين على طرفي نقيض: العرض السوري «فوضى» (نصّ واخراج عبد النعم العمايري) يريد نفسه في خانة تجريبية وطليعيّة، والعرض المغربي «بنات للا منّانة» (عمل جماعي، نصّ نورا السقلي، إخراج ساميا إفريو، سينوغرافيا رفيقة بن ميمون)، لا يجد أي حرج في الانتماء إلى المسرح الواقعي المسرف في استعمال «الفولكلور»، والقريب من الكوميديا الشعبية التي ترك عليها التلفزيون بصماته الواضحة. لكن نقاط التطابق مفاجئة بين العرضين: ست نساء معظمهنّ في ريعان الشباب، في كلا الحالتين، يعشن حالة اعتقال في فضاء مقفل معزول عن العالم الخارجي، بحواجز وقيود اجتماعية. كل امرأة ضحيّة يسكنها حلم الانعتاق، ضحيّة منسيّة على الهامش، في ظلّ عالم ذكوري ضاغط، نلمس قمعه وعنفه كلّ لحظة، وفي كلّ مشهد.
في منزل دمشقي قديم، تعيش ست نساء (أمل عمران، نسرين فندي، زينة رؤوف، سلافة معمار، نهال الخطيب، نسرين جنابي). مالكة المنزل المسنّة المقعدة، تستعيد ذكرياتها المريرة، وتسبغ النصائح على نزيلاتها الخمس الهاربات من المجتمع الخارجي، إلى فضاء مغلق لا يتسع سوى لمضغ الاحلام المجهضة. النصّ سلسلة حكايات قهر وكبت وأحلام مهدورة، تستعيدها، وتعيشها أمامنا، قامات مسحوقة، تتراءى لنا من خلف المشربيات، أو تتسلل في الظلمة الى حوش الدار. تعلك قصص الكبت والاغتصاب والاستغلال والفشل والخيبة، في لعبة مؤسلبة، موقّعة، إنّما تفتقر إلى محرّك درامي واضح. أما زال هناك من مجال للانفلات؟ أما زال الهواء قادراً على النفاذ الى هذا المكان؟ نحن أمام أجساد منهكة مجروحة مغتصبة ومريضة، تتشكّل أمامنا لوحات تعبيريّة، وصرخات، وجوهاً محاصرة في بقع ضوء ضيقة، بما يكفي لتسريب الوجع ونقل عدواه الى الجمهور.
ولعلّ نقطة القوّة في تجربة العمايري – إضافة إلى اداء الممثلات – هي الشغل على الحركة، والمؤثرات المشهديّة والبصريّة التي تأخذ العمل إلى مناحا تجريبيّة… لكنّ تلك الكتابة المشهديّة البصريّة، تبدو كأنّها تريد أن تهرب من محكّ التماسك الدرامي تحت غطاء النزعة الاختباريّة… وكان من شأن ذلك التماسك، لو وجد، أن يرتقي بالمسرحيّة ويضاعف قوّتها. العمل في النهاية، كناية عن لوحات تعبيريّة متتالية، تتقاطع فيها المونولوغات وتتواجه، من دون أن تستقيم في سياق روائي، أو بنية دراميّة تصاعديّة.
نحن أمام احتفال طقوسي يقوم على قوّة الاداء، ولا يخاف الابهار، بل تلعب الابتكارات المشهديّة والمؤثرات البصريّة دوراً في تكوين هويّته. خرج الجمهور التونسي من مسرحية «فوضى» منبهراً، كما خرج قبله مشاهدو «مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي» من «بيت الهراوي» (فاز العمل بالجائزة الكبرى هناك في ايلول (سبتمبر) الماضي). الجميع سيتذكّر طويلاً اللوحة الأخيرة، إذ تقف الممثلات الست على الكراسي في خط متناسق على طول المسرح، بملابسهنّ الخفيفة، وقد انهال عليهنّ المطر يغسل الاجساد من آثامها، وتلعب مجدداً على الرغبة والممنوع وآفاق التمرّد.
لوركا في قرية مغربية
ومن الكتابة المشهديّة المؤسلبة التي تدعي خطاباً جمالياً، مشغولاً ومركّباً، مع «الاحتفال الطقوسي» في العرض السوري، ننتقل مع العرض المغربي إلى تصوّر اخراجي أكثر بساطة ومباشرة وأقلّ ادعاء. «بنات للا منّانة» عمل واقعي، قائم على بنية سردية تقليدية، ويجاهر بهويّته العفويّة. والتجربة تحديداً عمرها عشر سنوات، سبق أن شاهدنا نسخة أولى منها – نسخة صفر – في «مهرجان القاهرة التجريبي قبل سنوات عدة… حينها حملت مجموعة من طالبات المعهد العالي للتمثيل في الرباط نص فدريكو غارسيا لوركا المعروف «بيت برناردا ألبا»، مشروعاً جنينياً لاعلان هويتهن الفنية. لكنّ أحداً لم يكن يتصورّ أن صيرورة العمل ستمتدّ على عقد كامل، قبل أن تنضج وتحمل معها الى دائرة الضوء جيلاً جديداً في المسرح المغربي.
شارك تمثيلاً في الصيغة التونسية للعرض كل من نورا السقلي، ساميا إفريو، سعدية لديب، هند سعديدي، سعدية عزقون، نادية العلمي (علماً أن ممثلات أخريات مثل خلود البطيوي وفاطمة بوجو وغيرهما، حملن المشروع وشاركن في بلورته وتقديمه). عملت الفرقة جماعيّاً على نصّ لوركا، وطوّرته، وكيفته، في العامية المغربيّة، وطبّقته على الواقع المحلّي بمهارة أكيدة. فإذا نصّ الشاعر الاسباني الكبير يشرّش في التربة المغربيّة، إذ تدور أحداث العرض في قرية من الشمال المغربي اليوم، وسط مناخات ليست بعيدة البتة عن العالم الذي صوّره لوركا بشعريّة ورهافة: بيئة ريفيّة صعبة، ومجتمع زراعي بطريركي قائم على القسوة، قسوة المشاعر وقسوة التقاليد، وقسوة الأفق المسدود…
عائلة محافظة، عالم مغلق. أم وبناتها الخمس وظل الرجل الغائب دائماً. الأب الميت الذي امتدّ الحداد عليه عمراً، والزائر الغريب الذي يحوم في الجوار، يؤجج الرغبات والاوهام قبل أن يتركها تتبعثر مع الريح. برناردا ألبا المغربيّة اسمها «للا منّانة»، تقود بيتها بصرامة وحزم، تسهر على احترام العادات و»الحفاظ على سمعة بناتها» في عالم ذكوري لا يرحم. ست نساء في صراع يتزايد عنفاً. وحدهنّ مع مشاعر الكبت والغيرة، ورغبة الاستمتاع بالحياة، وتجاوز الحواجز في منزل أشبه بالسجن.
وفي هذا الحصار، تنصرف الفتيات الى ثرثراتهنّ ومشاغلهنّ الانثويّة وهوسهنّ بالرجال… يحلمن بالحريّة البعيدة التي يحملها مع الريح غناء الحصادين الآتين من جبال الأطلس. ينتظرن فارس الاحلام. وعندما يصل الشاب الاسباني يحمل معه أوهام السعادة والخلاص، ويحرّك مشاعر الغيرة والحقد. لقد وقع خياره على أكبر الأخوات، وهي ليست الأكثر جمالاً وذكاءً، لكنّ جميع نزيلات بيت للا منانة يغرمن به، ويرصدن زياراته الليلية، حتّى ان احداهنّ تسرق صورته من الحبيبة الموعودة. وإذا بالأخت الصغرى تغوي الزائر الغريب، رغم احتياطات الأم ، وتمنحه نفسها…
اختارت ساميا إفريو ونورا السقلي وزميلاتهما لغة الكوميديا الخفيفة المطعّمة بالاستعراض والفلامنكو، بحثاً عن مفردات فرجة شعبيّة يمكن أن تستقطب جمهوراً عادياً، بعيداً عن متطلبات المسرح الطليع.. لكن النبرة الواقعيّة التي تطبع العرض، تنقصها أحياناً القدرة على الاقناع، والاحكام في ضبط الايقاع، وشيء من القوة الداخليّة في تركيب المشاهد وتحريك الشخصيات. وقد غابت النهاية المأسويّة (انتحار الاخت الصغرى شنقاً) التي تصنع قوّة نصّ «برناردا ألبا» وتراجيديّته التصاعديّة، بعد احتدام الأزمة، وتمرّدها على القوانين الجائرة وعالمها المغلق. فضلت المجموعة تقديم نهاية سعيدة، «متفائلة»، تضعف العمل: الأم تبرّر سبب قسوتها وتسلّطها، وترمي لبناتها مفاتيح البيت، مفاتيح الحريّة.
لكن ما سبق لا يلغي أبداً أهميّة التجربة التي ترفع أكثر من تحدّ، وتحاول الوفاء لروح لوركا منخرطة بشكل ما في معارك اجتماعيّة ملحّة في المغرب، من أجل حصول المرأة على حقوقها ومكانتها ودورها، وتجاوز عبء التقاليد وتحطيم القيود بمختلف أشكالها. والتجربة بحدّ ذاتها غنيّة وواعدة، خصوصاً انّنا أمام عمل أوّل، انتج بجهود فرديّة ضدّ الجميع، ليؤكّد تبلور ملامح جيل جديد في المسرح المغربي… بعد ولادة مؤجلة تأخّرت عقداً كاملاً!
نوال إسكندراني… هل هناك حياة بعد المجزرة؟
قدمت الراقصة والكوريغراف التونسيّة نوال إسكندراني في قرطاج، «الشهب تموت في صمت» الذي يمضي في اختبار لغة استعراضيّة خاصة توظّف التقنيات الجديدة (صورة، فيديو) كجزء عضوي من الرؤيا الكوريغرافيّة.
في بداية العرض جسد الراقصة مغيّب، مطمور تحت رقعة مستطيلة في وسط الخشبة. وانتباه المشاهد يذهب إلى شاشة فيديو في العمق، تتكوّن فوقها صور وألوان وأشكال بطيئة الحركة على وقع موسيقى تأملية. نحن في منطقة غائرة في اللاوعي… وربّما في الذاكرة المثقلة بالصور والكوارث والجروح. الجسد يبرز ببطء، شيئاً فشيئاً، عضواً فآخر يخرج من التراب، على موسيقى سيغور روس وأنور براهم… حركة بعد أخرى يأخذ مكانه في الفضاء. حركات متكسّرة، متواترة، كأنّما التغلّب على الجمود يتطلّب جهداً خارقاً.
كيف في وسع الانسان أن يعيش بعد الكارثة؟ كيف يمكن للضمير أن يشهد على كل المجازر والكوارث الطبيعيّة والحروب؟ كأننا فجر اليوم الأوّل بعد المجزرة (أي مجزرة!). الجسد هارب من جحيم عدمي… إلى اللحظة الراهنة. يعيد تركيب نفسه، فيما تتعاقب الصور على الشاشة… تمطر النجوم والنيازك، وتنهمر عشرات الأجساد التي تملأ المشهد. إنّه الجسد نفسه، وقد تكرر الى ما لا نهاية (فيديو وسينوغرافيا سيرجيو غازّو).
أسلوب نوال اسكندراني المقتصد في الحركة، ورقصها الانطوائي والداخلي فوق رقعة صغيرة من المسرح، يحيلان إلى مدرسة الـ»بوتو» الياباني، وعمقه الميتافيزيقي، وعلاقته الخاصة بالحياة والموت، وحركة الزمن. بين ظلمة وضوء، تقوى الموسيقى وتخبو وسط حالة انعدام الجاذبيّة. وفجأة تتخذ الراقصة وضعيّة أحد ضحايا التعذيب في سجن أبو غريب، فيما تعطي القوّة البصريّة للصوّر المركّبة على الشاشة قدرة تأثيرية اضافيّة للمشهد. كأنّه الرقص على القبور. تمطر الورود على الشاشة، يرافقها صوت كمان جارح. ثم تهطل رمال من أعلى الخشبة. وحين تحيّي الراقصة جمهورها عند نهاية العرض، ينهمر عليها خيط رفيع متواصل من الرمل. إنّه الشعر، وقد اختزل إلى أبسط مكوّناته، وأفلت من عجز الكلمات عن ايصال هول الكارثة. وتجدر الاشارة إلى أن «أيام قرطاج» في انفتاحها على شتّى أشكال التعبير، أفسحت حيزاً للرقص المعاصر، فقدّمت اسمين بارزين هما عماد جمعة («دار الليل») وسندس بلحسن («منتصف الليل إلا دقيقة»).
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 3 ديسمبر 2005)
عبد الله رواشد لـ «الشروق»:
محمد ادريس أفرغ المسرح الوطني من مضمونه
* تونس ـ الشروق :
عبد الله رواشد من التجارب المسرحية التونسية المهمة اذ أدار ثلاث فرق جهوية للمسرح في القيروان والمهدية والكاف قبل ان يهاجر الى هولاندا ويواصل تقديم اعماله المسرحية اذ في رصيده عدد كبير من المسرحيات كاتبا وممثلا ومخرجا ومديرا اخرها مسرحية «مطلوب».
عن غيابه في ايام قرطاج المسرحية وقضايا اخرى للمسرح التونسي كان لنا هذا الحوار معه.
* لماذا لم تقدّم مسرحيتك «مطلوب» في ايام قرطاج المسرحية؟
ـ في الواقع ليس لي جواب عن هذا السؤال بل يجب ان يسأل ادريس. أنا لم اترشح لاني اعرف مسبقا سياسته رغم اننا كنا نعلّق عليه آمالا كبيرة عندما تولّى ادارة المسرح الوطني بعد ان كان مناضلا مع نخبة من المسرحيين التونسيين في نطاق اتحاد المسرحيين بما فيهم فاضل الجزيري وفاضل الجعايبي ومنصف الصايم وتوفيق الجبالي وعبد الله رواشد.
كنا نناهض بعث المسرح الوطني تلبية للنزوات ولكبرياء بعض الاشخاص لأننا كنا نعتقد أن الاولوية هي في توضيح الرؤية وتأسيس هياكل قانونية للفرق المسرحية القارة التي كانت النواة الاولى للمسرح التونسي المعاصر.
هذه النواة كانت تعتبر رائدة في العالم العربي ويرجع اليها الفضل في تكوين حركة مسرحية وتكوين شباب واعي جريء… لكن محمد ادريس عندما تولى ادارة المسرح الوطني اصبح لا ينظر الا لمصلحته الذاتية فالمسرح الوطني كان على هناته يعجّ بالنشاط وبالحركة وبالمبدعين فأفرغه محمد ادريس من كل هذه الظواهر الحيوية.
كيف يعقل ألا يضمّ المسرح الوطني بالرغم من امكانياته المرتفعة الا ممثلين او ثلاثة بصفة قارة؟ أليس احد شروط الخلق والابداع هو ان تتكون نخبة بين مجموعة من المبدعين لنفكر في منهجية ابداعية في فضاء معيّن لممارسة عملية الخلق والابداع إني مستاء بصفة عامة على الوضع الذي آل إليه المسرح التونسي حيث ان اغلب الشركات وحتى المؤسسات العمومية اصبحت تتعامل مع الممثلين بصفة ظرفية الشيء الذي آل بالممثل أن يصبح كالمرتزق الذي يجب عليه ان يلهث ويجري في كل الاتجاهات لكي يضمن لقمة العيش!
ألم يصبح المسرح هو آخر ما يفكّر فيه هذا الممثل بعد السينما والتلفزة؟ كل هذه الاوضاع يُساهم فيها المبدعون أنفسهم بدرجة أولى ووزارة الثقافة والمحافظة على التراث بدرجة ثانية.
لا يشك أحد في أن المكاسب المادية التي توفّرها الوزارة مشكورة لهذا القطاع كبيرة ولكنّها حسب نظري غير كافية.
* يعني أنت تحمّل ادريس ما آلت اليه ظروف المسرح التونسي؟
ـ لا أقول هذا. لكن محمد ادريس هو امتداد لاخطاء سابقة. هو توغّل في الخطأ لأن وجود المسرح الوطني خطأ كبير في نظري.
إدارة المسرح والفنون الركحية مشكورة تتعامل معنا حاليا حسب قوانين وأعراف آن الأوان أن يعاد فيها النظر. أنا لا أتصوّر بأن معاملة الشركات حسب الاسقاف هي في حد ذاتها عملية مجدية بودّي أن تأخذ هذه الادارة البادرة لكي تستمع الى أهل الذكر. لا أنسى أن سببا من أسباب تدهور الوضع المسرحي حاليا هو عدم وجود هيكل قانوني يمثّل اهل المهنة فهذا الاتحاد ـ اتحاد المسرحيين ـ لم يتجدّد منذ سنوات ووزارة الثقافة والمحافظة على التراث ترمي بالكرة الى المبدعين أنفسهم ولكنّها في الوقت نفسه تواصل الاعتراف بهذا الهيكل الهزيل غير المجدي.
* أنت كنت مديرا لفرق المهدية والقيروان والكاف كيف تقيّم تجربة الفرق القارة التي عوضتها مراكز الفنون الدرامية؟
ـ أعتقد أن التجربة الحالية لمراكز الفنون الدرامية والركحية التي تقتصر على 3 أو 4 ممثلين وتتعامل معهم حسب الانتاج هي تجارب فاشلة مهما يكون مستوى او ثقافة المشرفين عليها.
هناك أسس اساسية يجب اعتبارها لدعم الحركة المسرحية في البلاد اولا نخبة من المبدعين القارين تلتف حول مبدع رئيسي ثانيا الفضاء الضروري لممارسة الابداع المسرحي ولتقبّل الجماهير وثالثا هي الاعتمادات المتوفّرة حاليا والحمد لله.
المسرح التونسي خسر اسبوع المسرح التونسي كان مناسبة كبيرة للالتقاء في العاصمة ولابد من عودة هذا الاسبوع لأن ايام قرطاج المسرحية ومهما كانت اختيارات مديرها لا تستطيع أن تستوعب كل التجارب التونسية.
ثم لابد من الوقوف عند مشكلة الفضاء فهل يعقل ان يسوّغ المسرح الوطني قاعة للفن الرابع بـ 700 دينار عن العرض الواحد مع مصاريف التمارين والتقنيين والاقامة والنقل؟!
لو تسخّر ميزانية ايام قرطاج المسرحية والمهرجانات المسرحية لبعث فضاءات مسرحية سيكون افضل لأنه علينا ان نصارح انفسنا بحقيقة المسرح التونسي قبل ان نفكّر في الشرق او الغرب.
حوار نورالدين بالطيب
(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 3 ديسمبر 2005)
أيام قرطاج المسرحية تثير استياء المسرحيين التونسيين
تونس – العرب اونلاين – يو بى أي
بدأت أمس الثلاثاء (29 نوفمبر 2005، التحرير) فى تونس اعمال الندوة الفكرية الدولية حول »حوارات الانفتاح المسرحي » التى تنظم على هامش فعاليات الدورة الثانية عشرة ل »ايام قرطاج المسرحية » التى ثار حولها الكثير من الجدل والانتقادت. ويتضمن برنامج الندوة ،التى ستتواصل اعمالها على مدى يومين، بحث العديد من المسائل التى قسمت الى عدة محاور منها « الانفتاح كتجذر فى محيط خصوصي »، و »انفتاح المسرح على تربته »، و »الانفتاح على مقتضيات الحرية والوعي »، و »الانفتاح على التسامح والجماليات المخالفة ».
وعلى الرغم من اهمية محاور هذه الندوة، فإن ذلك لم يحد من الجدل الذى رافق اعمال الدورة الجديدة من « ايام قرطاج المسرحية » التى بدأت الاثنين الماضي، حول طبيعة برامجها، وهويتها، وتحول هذا الجدل الىى استياء ملحوظ عبر عنه اكثر من مسرحى تونسي. وفى هذا السياق ، تساءلت احدى الصحف التونسية المستقلة فى عددها الصادر أمس عما إذا اصبحت »ايام قرطاج المسرحية تظاهرة تونسية اوروبية؟ »، واشارت الى ان الدورة الحالية لهذه التظاهرة المسرحية، طغى عليها الحضور البارز للاعمال المسرحية الاوروبية على حساب المسرح العربى والافريقي. واعتبرت ان المدير الحالى لهذه الدورة محمد ادريس « قام بعملية تحويل لوجهة ايام قرطاج المسرحية من تظاهرة مسرحية عربية افريقية الى تظاهرة تونسية اوروبية ». ومن جهته، لم يتردد المسرحى التونسى الهاشمى الاكحل أمس فى اتهام ادريس بتعمد « تغييب الانتاجات المسرحية التونسية، وتهميش المسرح العربى والافريقي ».
وسبق وان شن المسرحى التونسى المنصف السويسى حملة عنيفة على ادريس، متهماً بتحويل الحدث إلى تظاهرة « فرنكفونية ». ولم يتردد السويسى فى القول فى تصريحات اذاعية « ان امرا مثل هذا كان يفترض مناقشته فى البرلمان لانه لا يجوز ولا يحق لاى كان تغيير ثوابت هذه التظاهرة المسرحية التى هى بالاصل تظاهرة عربية افريقية ».
وترافقت هذه الانتقادات الشديدة مع استياء كبير على تعمد ادريس ادخال جملة من التغيرات على هذه التظاهرة المسرحية، منها الغاء المسابقات الرسمية، والجوائز، بالاضافة الى تجاهله العديد من الاعمال المسرحية العربية والافريقية.
وكان ادريس عزا غياب المشاركة الافريقية التى دابت على حضور فعاليات هذه التظاهرة، بالقول »ان الاعمال الافريقية مشوهة ولا تمثل التجربة الافريقية الحقيقية وبالتالى لا تهمنا ». واضاف خلال مؤتمر صحافي »لا مجال لمسرح افريقى بغطاء اجنبي »، وبالتالى لا بد من الحفاظ على خصوصيات المسرح حتى لا يخسر موقعه هو الاخر مثلما خسرنا السينما ».
وبرر الغاء المسابقة الرسمية من هذه الدورة بالقول »ان المسرح ليس سباق خيول فيه رهان على من يصل الاول وانما هو ابداع وتجارب مختلفة لكل منها خصوصياتهـا ».وكانت فعاليات الدورة الحالية لايام قرطاج المسرحية قد بدأت الاثنين الماضى تحت شعار « انفتاح المسرح على التعابير الفنية الاخرى »، لتتواصل لغاية الثالث من ديسمبر/ كانون الاول، بمشاركة 43 فرقة مسرحية من 61 دولة بينها تسعة بلدان عربية فقط، هى لبنان والمغرب والجزائر وتونس وسوريا ومصر والاردن والعراق وفلسطين.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن موقع العرب اونلاين بتاريخ 1 ديسمبر 2005)
الترابي يعلن اعتزامه ترك منصبه والتفرغ للعمل الفكري
الخرطوم ـ القدس العربي ـ من كمال حسن بخيت:
اعلن الدكتور حسن عبد الله الترابي الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض انه سيغادر منصبه التنظيمي والالتفات اكثر الي التفسير والفكر ودراسة التاريخ الاسلامي، واعتبر الترابي ان اعادة انتخابه في مجلس الشوري امينا عاما فترة انتقالية حتي انعقاد المؤتمر العام وأشار الي نيته تهيئة مناصريه لقبول القرار قبل ان يصدر عن المؤتمر العام ما يمكن ان يعوق الخطوة.
وكان حزب المؤتمر الشعبي قد عقد مؤتمره العام خلال الاسبوع المنصرم وشهد مداولات ساخنة واعادة انتخاب الترابي امينا عاما وأتي مؤتمر الحزب متزامناً مع مؤتمر حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
واشار الي ان وقته القادم سيكرس اكثر للجانب الفكري مقارنة بالتنظيم، غير ان الترابي رفض اعتبار قراره ابتعادا كاملا عن السياسة، بقوله هذا لا يعني ان اعتزل السياسة، ولكن سيتوافر لي وقت اكبر لاداء الادوار الاخري التي تنعكس علي مناحي الحياة العالمية والمحلية التي تعني الحزب والجماعة .
وقال الترابي ان تواجده في المعتقل اتاح امامه ابتدار دراسة مسودات وكتب لتاريخ حركة الاسلام والتفسير بما يستلزم اكمالها، سيما وان المؤتمر الشعبي لا يعد حزبا سياسيا يتولي السلطة او يقف بالمعارضة ليعود الي الحكم، ولكنه يعمل وفق ابعاد فكرية واجتماعية وعالمية.
وبشأن قرار مجلس الشوري اعادة انتخابه بالاجماع امينا عاما، قال الترابي ان القرار تحدث عن فترة انتقالية لحين انعقاد المؤتمر العام الذي يعني البقاء لاربع سنوات، وهي كثيرة عليّ حسب تعبيره واضاف: كلها شهور، ولذا لا بد ان تنتشر الفكرة بين الناس .
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 3 ديسمبر 2005)
الجمهورية العربية.. رعب وفساد وتوريث
د. خالد شوكات (*)
إن أي بحث عن خصائص مشتركة بين الجمهوريات العديدة المتناثرة في مشرق العالم العربي ومغربه، سيحيل لا محالة إلى ثلاثة عناوين رئيسية: دول أمنية قمعية، وبلدان غارقة في الفساد إلى أذنيها، وحكم جمهوري مضحك يورثه الأب للإبن أو من تختاره العائلة « المالكة » من المقربين، ممن يحفظ الإرث السلطوي ويمنع الأذى عن مصالح الأسرة، وليس ثمة في السيرة الجمهورية العربية ما يشجع على إيجاد صلة لها بالجمهور، ولعل من مفارقات العرب الكثيرة أن تكون الملكيات عندهم أقرب إلى تمثل القيم الديمقراطية من الجمهوريات الهجينة.
رؤساء الجمهوريات العربية، عسكريون أو شرطيون أو هما معا في غالب الأمر، يصلون إلى الحكم عبر عمليات انتقال مشبوهة للسلطة، يرفعون خلالها شعارات إصلاحية وديمقراطية مخادعة تمكنهم من نيل بعض الشرعية الشعبية الضرورية والكافية لتأمين تسلم دفة الحكم وتسييره لسنوات قليلة قادمة، حتى تحين ساعة إظهار الأسلحة الخفية وتصبح الآليات الأمنية سيدة في التعامل مع القوى السياسية والتعاطي مع المعارضين الصادقين الذين لم ترهبهم العصا ولم تغرهم الجزرة.
ورؤساء الجمهوريات العربية، عادة ما يكونون منحدرين من صلب عائلات فقيرة ومحتاجة وجائعة إلى المال والنفوذ والسلطة، ومع استبداد الإبن البار بالأمر يبدأ التمكين للأبناء والأعمام والأخوال وسائر أعضاء الأهل والعشيرة الأقربين، الذين لا يترددون في الانتشار في طول البلاد وعرضها، يقضمون بشراهة اقتصادها وثرواتها، ويزيدون على ذلك مع الوقت بإقامة الاقتصاديات الموازية، ناشرين سبل النهب المنظم وتهريب السلع والبضائع والتهرب الضريبي والرشوة ومشاركة المواطنين مشاريعهم الرابحة بالقوة ونقل الأموال خارج البلاد خفية وجهرة وتهميش القوانين والتشريعات واقتسام الخرائط الوطنية مناطق نفوذ وهيمنة شخصية.
وبالقدر الذي تكبر فيه مصالح العائلة وأموالها غير المشروعة، بالقدر الذي تكبر فيه الحاجة إلى العمل على إبقاء السلطة في أيدي الأسرة الحاكمة، فإذا ما توفر الإبن الراشد القادر على الوفاء بأمر الخلافة، فإن مسألة انتقال السلطة ستكون هينة، أما إذا لم يتوفر الوريث فإن سيناريوهات أخرى تظهر في الأفق، عادة ما تقودها سيدة البلاد الأولى، التي لا تختلف في اهتماماتها المتعددة وطموحاتها التي لا تعد ولا تحصى وأصولها العائلية الوضيعة عن السيد الأول كثيرا.
ورؤساء الجمهوريات العربية يحكمون جميعا حتى الموت، إذا ما كان الأمر برغبتهم طبعا، ويكاد جميعهم قد انتقل من الوضع الدستوري الذي ينصبه رئيسا على البلاد مدى الحياة، إلى وضع يضطره إلى إجراء انتخابات شكلية كل خمس أو ست أو سبع سنوات، ومن حالة يكون فيها وحيدا في المنافسة الانتخابية الشكلية، إلى حالة يخوض فيها الأمر مدعوما بمجموعة من « الكومبارسات »، الذين يبدو منتهى طموحهم أن تكتب في سيرتهم الذاتية أنهم كانوا مرشحين سابقين للرئاسة، بل إن بعضهم قد يدعو في حملاته الانتخابية إلى التصويت للسيد الرئيس الذي مكنه من شرف المنافسة.
ورؤساء الجمهوريات العربية يأبون إلا أن تناشدهم شعوبهم البقاء على سدة الحكم، لأن هذه الشعوب لا تملك الحياة بدونهم، حيث يعمد هؤلاء الرؤساء إلى إبداء عدم رغبتهم في الترشح للرئاسة، أو يكتفون بمجرد عدم الرد على الأسئلة الصحفية المتعلقة بذلك، فتسارع آلاف المنظمات والهيئات الوطنية، التي أصبحت تعد بالآلاف في ظل العهود السعيدة، إلى توقيع ملايين البرقيات والرسائل والدعوات، التي تناشد السيد الرئيس التفضل والتكرم والعطف على مواطنيه العاشقين، بالترشح للرئاسة وقبول تجديد البيعة مرغما عليها كارها لها.
ولرؤساء الجمهوريات العربية جميعا، أبناء مولعون ب »الانترنت » و »الإصلاح » و »السياسة »، ونساء مولعات بالمطالعة وقضايا المرأة والعمل الخيري ومشاركة الزوج أعباء مسؤوليات الحكم الثقيلة، وسيكون من الطبيعي أن يمثل الإبن البار تطلعات وأشواق الشعوب للحرية والديمقراطية، كما سيكون مصدر احتفاء تصدي السيدة الأولى لمهام التعيينات الوزارية والإدارية، بديلا عن البرلمان وسائر المؤسسات السياسية المنتخبة.
ولرؤساء الجمهوريات العربية أحزاب حاكمة صورية وأحزاب معارضة صورية وبرلمانات صورية وهيئات قضائية صورية ووسائل إعلام وطنية صورية وفيالق من المطبلين والمزمرين يعتبرونهم باستمرار رجال كل المراحل والأماكن والأزمنة. والأمر الوحيد الذي يجب أن لا يكون صوريا في حياة الجمهوريات العربية، وزارات الداخلية و الهيئات المخابراتية والمؤسسات الأمنية والمعتقلات والسجون والتعذيب وتلفيق التهم للمنظمات الحقوقية والضرب بيد من حديد على أيدي المعارضات السياسية.
وقد كان رؤساء الجمهوريات العربية يصلون إلى درجة الكمال الانتخابية، حيث يحرزون من الأصوات بين المائة في المائة والتسع وتسعين، لتصل شعوبهم بذلك إلى درجة الصفر، غير أنهم قد قرروا بشكل شبه جماعي أن يتنازلوا عن نسب قليلة من المائة الكاملة، تترواح بين الخمس والخمسة عشرة في المائة حسب المزاج والحالة وحجم الضغوط الخارجية، وتؤكد المصادر أنهم لن يكونوا أبدا على استعداد للتنازل أكثر من ذلك إلى يوم القيامة، لأن النسب العالمية لا تتفق مع الطبيعة العربية الحارة في الولاء والخيانة، وأن سنن التدرج ومراعاة الواقع تقتضي أن يصبر العرب على جمهورياتهم حتى القرن الثاني والعشرين، حتى يكون بالمقدور رؤية رئيس عربي يفوز بنسبة واحد وخمسين في المائة، ويطرده الناخبون بعد ولاية رئاسية واحدة أو اثنتين على الدرجة القصوى.
وعهود رؤساء الجمهوريات العربية، هي عهود متجددة لا تقدم ولا تفقد بريقها أبدا، فهي أعصى من لؤم الزمن ومؤامراته، كما هم –أي الرؤساء- أطول عمرا في السلطة والحياة من الملوك والقياصرة، وهم لا يحبذون الزيارات الخارجية كثيرا، اللهم إلا إذا كان رؤساء القطاعات الأمنية وقادة الجيوش والحرس الرئاسية من العائلة والعشيرة.
ورجال رؤساء الجمهوريات العربية لا يتغيرون في معظم الأحيان إلا نادرا، وإذا ما اقتضى الأمر التغيير، فإن هؤلاء الرجال يدورون المناصب الوزارية والحكومية والحزبية فيما بينهم، حتى أن ثمانين بالمائة من وزراء أحد الرؤساء العرب استمروا في ممارسة الوظيف الوزاري، طيلة نفس المدة التي ظل الرئيس يمارس فيها السلطة.
ورؤساء الجمهوريات العربية هم غالبا، ووفقا للدساتير المنظمة لشؤون الدولة، لا يحاسبون من قبل الهيئات البرلمانية، ولا يمكن أن يقفوا أمام عدالة المؤسسات القضائية، أو حتى تطال وسائل الإعلام سيرتهم الذاتية والسلطوية، وهم بحسب جل النصوص الدستورية الراهنة، فوق سائر السلطات على الرغم من أنهم رؤساء للسلطة التنفيذية فحسب.
وميزانيات وزارات الداخلية والمؤسسات الأمنية هي الأكبر من نوعها والأولى بالرعاية حسب تعليمات رؤساء الجمهوريات العربية، بدلا من أن تكون وزارات التربية والتعليم والصحة والتشغيل والإسكان هي صاحبة الحصة الأكبر من موارد الدولة، فالمواطنون أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، هم قوة الرؤساء وقوتهم، فهم جنود الجيوش التي لا تحارب وأعوان الأمن والشرطة والمخابرات الذين يحمون السيد بدل آبائهم وأقربائهم، والأموال التي تبذر وتنهب وتسرق وتهرب إلى الخارج، مصدرها ثرواتهم وموارد الضرائب التي ترهق كاهلهم.
وأخيرا، فإن رؤساء الجمهوريات العربية لا يرون فيما تثبته الوقائع والأحداث المتواترة، ما يستدعي العمل على التغيير والإصلاح والمراجعة، وليس في أفقهم ما ينبئ بأن لديهم أي رغبة في التراجع عن مشاريع احتكار السلطة إلى الأبد، المعدة من قبل بطانات السوء المحيطة بهم، وأن رهانهم منصب على أن تقتنع القوى الدولية بأن ما تكرس من حقائق على أرض الواقع لا يمكن تجاوزه، وأن شعوبهم بلهاء غبية يمكن أن تمرر عليها سائر الخطط الخبيثة.
وإن المتأمل في المقترحات الإصلاحية التي تتقدم بها أنظمة الجمهوريات العربية، سيقف بالضرورة على عدم جدية أي من هذه الأنظمة في الدخول في حالات حوار ذات مصداقية مع القوى الوطنية المنادية بالديمقراطية، وأن رهانها منصب على نيل « نعم » خارجية في مقابل تقديم المزيد من التنازلات المهينة، ومواصلة التعامل مع المكونات الوطنية الداخلية من خلال سياسات الترغيب والترهيب و »فرق تسد » والعصا الغليظة، باعتبار أنه لا مجال لثورات برتقالية.
(*) مدير مركز دعم الديمقراطية في العالم العربي – لاهاي.
(المصدر: موقع إيلاف بتاريخ 2 ديسمبر 2005)
عن حادثة بن بركة وطبائع الاجرام
د. عبدالوهاب الافندي (*)
(1)
الخطوات التي تتخذ هذه الايام لفتح تحقيق في حادثة اختفاء السياسي المغربي الراحل المهدي بن بركة، بالتزامن مع احياء الذكري الاربعين لاختفائه في تشرين الاول (اكتوبر) عام 1965، تذكر من جهة بالتقاعس الذي طال عن اي مجهود جدي لكشف الحقيقة في هذه الجريمة، وهو تقاعس يعكس حجم التواطؤ واتساع المشاركين فيها، ولكنه من جهة اخري يذكر بعدالة السماء والحساب الاتي لا محالة لكل مجرم مهما بدا له انه نجا من العقاب.
(2)
ولكن حادثة بن بركة، وهي ليست فريدة من نوعها للاسف في عالمنا الحديث، تكشف حقيقة اخري اساسية حول طبيعة الاجرام، الذين استدرجوا بن بركة ثم اختطفوه وعذبوه وقتلوه كانوا اول من حكموا علي انفسهم ببشاعة ما ارتكبوا، وذلك حين لجأوا الي مختلف الحيل والجرائم الاضافية لاخفاء هويتهم وابعاد التهمة عن انفسهم، وكانت قمة الاجرام ما تردد حول تذويب جثة المغدور في الحامض لاخفاء كل اثر للجريمة.
(3)
مثل هذه الاساليب الاجرامية في تغييب المفكرين والسياسيين المعارضين اتبعت للاسف في حالات اخري كثيرة تتشابه في ان مرتكبي الجرم كانت لهم صفة رسمية او شبه رسمية، وانهم ارتكبوا جرمهم في جنح الليل، ثم سعوا الي اخفاء اثره، مع الاجتهاد في ابعاد الشبهة عن الجاني الحقيقي المجهول المعروف، وقد شهدنا ذلك في احداث اغتيال باتريس لوممبا في الكونغو، وستيف بيكو في جنوب افريقيا، واختفاء منصور الكيخيا في مصر، وموسي الصدر في ليبيا، وناصر السعيد في بيروت واغتيال علي شريعتي في لندن.
(4)
حين يكون المسؤول عن مثل هذه الاعمال دولة أو جهة رسمية لها اجهزة شرطة وقضاء وسجون ومعتقلات، ولكنها ترتعد من صوت فرد واحد يمثل مجرد وجوده وقدرته علي الحديث ادانة لها، فان الجريمة تصبح مركبة، الدولة التي تمتلك الجيوش والخزائن ولكنها تخاف من سمع كلمة الحق هي اول من يحكم علي نفسها بعدم الشرعية، فهي لا تخاف من الشخص المستهدف بقدر ما يخاف من صورتها في المرآة، وصوت ضميرها. هذه الدولة، مثل ماكبث في مسرحية شكسبير الشهيرة، تخاف من الصوت الاتي من الداخل في الاحلام والكوابيس. ومن الايدي الملوثة بالدماء البريئة التي لا تكفي بحار العالم لغسلها.
(5)
نفس طبائع الاجرام القديمة الجديدة نشاهدها هذه الايام في مناورات الحكومة الامريكية واجهزة مخابراتها المتمثلة في اتخاذ سجون الاشباح وفرض الاختفاء القسري علي المشتبه بهم، ونقلهم الي بلاد (للاسف هي بلادنا وبلاد قومنا الذين نبرأ الي الله تعالي من جرائمهم) يمارس فيها مقاولون يسمون مجازا بالحكومات التعذيب لقاء اجر، واحيانا لوجه الله تعالي، هذه المناورات ليست هي فقط محاولة للالتفاف حول القوانين الامريكية والاوروبية والدولية، بل هي محاولة ايضا للهروب من الذات، والاختفاء من الضمير، هي شهادة المجرم علي نفسه.
(6)
هناك حديث نبوي قصير هو آية في البلاغة والاعجاز لانه يلخص في جملتين اسس النظام الاخلاقي الانساني ويجيب علي الاسئلة التي حيرت الفلاسفة لقرون حول مصدر الالزام الخلقي، يقول الحديث الشريف: الاثم ما حاك في الصدر وخشيت ان يطلع عليه الناس.. والبر ما اطمأنت اليه النفس . وهناك حديث اخر يلخص هذا المبدأ الانساني الشامل في جملة اقصر: استفت قلبك، وان افتاك الناس وان افتوك .
(7)
هذا الحديث يلقي الضوء علي ما نعرفه جميعا من طبيعة الاجرام والمجرمين، وهي ان المجرم هو اول من يعرف نفسه، لان قلبه لا يطمأن الي ما ارتكب من اثم، ولهذا فان المجرم الذي يصبح في مركز قوة او ـ والعياذ بالله ـ في موقع الحاكم، لا يحتاج الا محاكم ولجان تحقيق دولية لمعاقبته، فهو يعاقب نفسه باستمرار عبر هواجسه ووساوسه التي لا تفارقه، وتجعله في حالة تشبه الجنون، هذه الحالة تدفعه الي ارتكاب المزيد من الجرائم والآثام، والي التخبط الاعمي الذي يؤدي لا محالة الي هلاكه.
(8)
لجان التحقيق والمحاكم في حالة انعقاد مستمر، وليس فقط في السماء وفي محكمة التاريخ التي لا يذكر فيها مجرم بخير، انظر مثلا الي هؤلاء الحكام ذوي السلطان الذين ينفقون الملايين علي اعلام النفاق، أليسوا هم اول المقتنعين بالا يذكرهم أحد بخير وهو صادق؟
(*) كاتب وأكاديمي سوداني مقيم في بريطانيا
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 3 ديسمبر 2005)
موريتانيا: حصيلة شهور أربعة من التغيير
احتفلت موريتانيا هذا الأسبوع بذكرى عيد استقلالها الخامس والأربعين (28 نوفمبر) في ظروف طبعتها روح التغيير الذي حدث يوم 3 أغسطس (آب) الماضي. ومن المشاهد المثيرة التي اكتشفها الجيل الجديد، الذي لم يعش حقبة الاستقلال الأولى، صورة رئيس موريتانيا الأول المختار ولد داداه الذي غادر الحكم في 20 يوليو 1978، ولم يعد له ذكر بعدها في الاعلام الرسمي.
فلقد أعاد التلفزيون الحكومي مشهد رفع ولد داداه للعلم عام 1960، معلنا استقلال البلد من أعلى الرمل الأبيض المطل على ضفة المحيط الاطلسي التي ستصبح بعدها العاصمة انواكشوط اثر الانتقال من مدينة سان لويس السنغالية التي كانت طيلة نصف قرن عاصمة للمستعمرة الموريتانية.
لم تكن صورة ولد داداه هي المشهد المثير الأوحد في المناسبة، بل ظهرت على الشاشة ذاتها وجوه كانت إلى عهد قريب ممنوعة ومقاطعة من الجهات الرسمية ومقصية من الشأن العام، سواء تعلق الأمر بزعيمي المعارضة السابقين أحمد ولد داداه ومسعود ولد بلخير، أو بزعامات التيار الاسلامي الخارج لتوه من سجون ولد الطايع مثل جميل منصور. وقد لا يصدق المرء أن كل هذه التحولات الجذرية قد حدثت في موريتانيا في أقل من أربعة اشهر هي الفترة التي مضت على الإطاحة بالحكم السابق. وليس من همنا تقويم أو استشراف آفاق هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ موريتانيا، ولكن يمكننا القول دون شك انها تمثل لحظة تحول جسيمة في المسار السياسي لهذا البلد، الذي اتسم خلال ربع القرن الأخير بكثير من العواصف الهوجاء.
ولقد ورث النظام العسكري الحالي تركة ثقيلة وأزمات حادة عصية على الحل، تمحورت حول إشكالين رئيسين يتعلق أحدهما بطبيعة إدارة المسلك الديمقراطي المتعطل، ويتعلق ثانيهما بالأزمة الاقتصادية الخانقة التي أوصلت البلاد لأفق اجتماعي مسدود.
فبخصوص الإشكال الأول، نكتفي بالتذكير أن المسار الديمقراطي الذي انطلق في مطلع التسعينات في ظرفية وصلت فيها العلاقة بين نظام الحكم السابق والقوى السياسية اقصى درجات التردي، كما عانى فيها النظام قسوة الحصار الخارجي، شكل أفقا واعدا لامتصاص الأزمة السياسية القائمة، وطريقا ناجعا لفك العزلة الخارجية.
بيد أن سنوات الأمل انحسرت سريعا، وعادت الأزمة السياسية إلى نقطة الاحتقان الشديد، خصوصا بعد انتخابات اكتوبر2001 التي أضاع فيها الرئيس السابق ولد الطايع فرصة تجديد قواعد اللعبة السياسية بالانفتاح على معارضته إلى أن أصبحت أكثر نجاعة وفاعلية بانضمام واجهات سياسية وعسكرية هامة إليها.
وهكذا ورث النظام الجديد برلمانا بلون واحد، وقيودا دستورية وقانونية وقضائية تفرغ الحقوق السياسية من مضمونها، ومعارضة مشتتة ومقموعة تراوح رموزها بين المعتقلات والمحاكم.
ولا شك أن الإنجاز الأكبر للمجلس العسكري الحالي هو النجاح في تجديد قواعد الرهان السياسي بإجماع القوى السياسية وتشكيلات المجتمع المدني، بالاتفاق معها على مراجعة القوانين والنظم المعيقة، وتشكيل لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات في شتى مراحلها برئاسة ضابط ووزير سابق يحظى باحترام كافة الفاعلين السياسيين (هو الشيخ سيد أحمد ولد باب مين الذي تقاعد مؤخرا من وظيفته كسفير في ابوظبي). وفي حين تكاثرت هذه الأيام الصحف اليومية المستقلة دون أدنى مصادرة أو تدخل من السلطات العمومية، تحولت وسائل الإعلام السمعية البصرية الرسمية إلى واجهة حية للحوار الحر بين القوى السياسية بما فيها أكثرها راديكالية وتطرفا، في مشهد غريب لا يزال يبهر الموريتاني العادي الذي تعود على اللغة الخشبية والدعاية التمجيدية المألوفة.
أما الأزمة الاقتصادية المجتمعية الخانقة، فلا تزال الملف العصي الذي يواجه حكومة ولد بوبكر، الاقتصادي المرموق ذا الخبرة الإدارية الطويلة الذي اختاره العسكريون وزيرا أول في حكومتهم الانتقالية. وقد عكست الأرقام المخيفة التي أعلنها ولد بوبكر عن حجم هذه الأزمة، على الرغم من وعود النفط الذي سيبدأ تصديره إلى الخارج في مطلع السنة الجديدة. وقد وضعت الحكومة عدة اصلاحات وتبنت اجراءات عاجلة لتخفيف المأزق الاجتماعي.
صحيح ان بعض الملفات الحساسة لا تزال عالقة، وليس من السهل على الحكومة الانتقالية معالجتها، كما هو حال جرائم حقوق الانسان المسجلة في عهد ولد الطايع على الأخص التي لا تزال تشكل بؤرة توتر مزمنة، بيد أن مما لا شك فيه ان القوى السياسية في مجموعها تنظر بإيجابية واضحة لحصيلة جهود حكام نواكشوط الجدد، كما ان النظام الحالي استطاع بكثير من الحصافة اختراق العزلة الدبلوماسية التي فرضت عليه أيام التغيير الأولى، فحصل على تقبل بل حماس الأطراف الفرانكفونية والأفريقية والاوربية التي أدانت الانقلاب العسكري في البداية، كما لقي تجاوبا واسعا في منطقة الجوار المغاربية والافريقية، كما ظهر خلال زيارات اعل ولد محمد فال لدول المنطقة مؤخرا، التي تتلوها زيارات مرتقبة للمشرق العربي تبدأ من السعودية.
(المصدر: صحيفةالشرق الأوسط الصادرة يوم 1 ديسمبر 2005)