(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
أسماء السادة المساجين السياسيين من حركة النهضة الذين تتواصل معاناتهم ومآسي عائلاتهم وأقربهم منذ ما يقارب العشرين عاما بدون انقطاع. نسأل الله لهم وللصحفي سليم بوخذير وللمئات من الشبان الذين تتواصل حملات إيقافهم منذ أكثر العامين الماضيين فرجا قريبا عاجلا- آمين
21- الصادق العكاري 22- هشام بنور 23- منير غيث 24- بشير رمضان 25 – فتحي العلج |
16- وحيد السرايري 17- بوراوي مخلوف 18- وصفي الزغلامي 19- عبدالباسط الصليعي 20- لطفي الداسي |
11- كمال الغضبان 12- منير الحناشي 13- بشير اللواتي 14- محمد نجيب اللواتي 15- الشاذلي النقاش |
6- منذر البجاوي 7- الياس بن رمضان 8- عبد النبي بن رابح 9- الهادي الغالي 10- حسين الغضبان |
1- الصادق شورو 2- ابراهيم الدريدي 3- رضا البوكادي 4-نورالدين العرباوي 5- الكريم بعلوش |
أخبار الحريات في تونس
1) الاعتداء على ناشطين حقوقيين و مناضلين سياسيين بالعنف:
تعرض صبيحة يوم الجمعة 27 جوان 2008 حوالي الساعة العاشرة و النصف الناشطون الحقوقيون السادة وائل بوزيان عضو جامعة قفصة للحزب الديمقراطي التقدمي و رؤوف مزيود و فتحي تيتاي عضوا فرع قفصة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و عمار عمروسية و الجماعي الزيدي للاعتداء بالعنف من قبل أعوان البوليس السياسي الذين منعوهم من البقاء في المقهى المحاذي لقصر العدالة بقفصة. كما قام عونان تابعان لفرقة التفتيشات بقفصة بالاعتداء بالعنف اللفظي و المادي على السيد عمر قويدر عضو فرع توزر نفطة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و هدداه بالمزيد من الهرسلة و سوء العاقبة إن هو تمادى في نشاطاته و تنقلاته مذكرين إياه بالمقالات التي يكتبها في جريدة الطريق الجديد.
2) صدور أحكام ضد مجموعة من شباب الرديف:
أصدرت المحكمة الابتدائية بقفصة مساء يوم الخميس 26 جوان 2008 أحكاما بالسجن في القضية المعروفة بقضية شباب الرديف ضد كل من جهاد ملكي ( 10 أشهر ) و عادل الخلايفي ( 6 أشهر ) و محمد بويحي و سامي الطبابي ( خمسة أشهر نافذة ) و شكري غلاب ( 5 أشهر ) مع تأجيل التنفيذ و قضت بعدم سماع الدعوى في حق عبد السلام جراد و بطلان إجراءات التتبع في حق بلال الشرايطي.
تواصل الإضراب المفتوح عن الطعام
عاجل اعتقال عبد الكريم الهاروني
عاجل و خطير عن عبد الكريم الهاروني
حملة إنقاذ حياة « مساجين العشريتين » : من أجل وضع حد لسياسة الموت البطيء..!
( اليوم السادس )
5 – الدكتور الصادق شورو:
أحكام بالسجن .. لا تصدرها المحاكم ..!
بلاغ اثر عدم تجديد جواز سفر الدكتور خليل الزاوية
« الندوة الديمقراطية من أجل انتخابات حرة في 2009 «
وذلك يوم السبت 05 جويلية 2008 على الساعة العاشرة و النصف صباحا بمقرّه المركزي 10 نهج ايف نوهال تونس
لجنة مساندة نقابية جهوية لأهلنا في الحوض المنجمي في بن عروس
أخبار الجامعة عدد خاص بباكالوريا 2008
المعهد النموذجي بصفاقس : نموذجي حقا ….
يعتبر المعهد النموذجي بصفاقس أهم معهد على المستوى الوطني من حيث النتائج و تميز تلامذته و لم يشذ عن القاعدة خلال دورة باكالوريا 2008 حيث بلغ عدد التلاميذ المتحصلين على ملاحظة حسن جدا ( أي بمعدل يفوق 16 على 20 ) 156 تلميذا موزعين على النحو التالي : – الرياضيات : 75 أي بنسبة 100 في المائة – العلوم التجريبية : 81 أي بنسبة 95,3 في المائة ( أربعة فقط تحصلوا على ملاحظة حسن )
المعهد النموذجي بالمنستير : أول دفعة في تاريخه بتميز …..
حقق المعهد النموذجي بالمنستير – في أول دفعة له – نتائج باهرة ، فإضافة إلى نسبة النجاح التي بلغت 100 في المائة تحصل عديد التلاميذ على معدل يفوق 18 على 20 و كان الإمتياز للتلميذة أحلام عبد الرحمان – أصيلة قصيبة المديوني – التي تحصلت على أعلى معدل على المستوى الوطني في شعبة علوم التقنية- 19,32 على 20 – كما تحصل التلميذان بشير العيسي من شعبة الرياضيات على معدل 19,35 و هالة الصكلي من شعبة العلوم التجريبية على معدل 19,14
باكالوريا 2008 : 700 2 مترشح للأقسام التحضيرية بالمرسى و فرنسا و ألمانيا ….
سيتم قبول 220 تلميذ من المتفوقين في باكالوريا 2008 لمواصلة الدراسة في الأقسام التحضيرية حيث سيلتحق 160 منهم بالمعهد التحضيري للدراسات العلمية و التقنية بالمرسى و 30 بالأقسام التحضيرية الفرنسية و كذلك 30 آخرين بالأقسام التحضيرية الألمانية و يشمل هذا الأمر عادة التلاميذ الذين تحصلوا على معدلات تفوق 18 على 20 في مناظرة الباكالوريا و تمهيدا لذلك سيتم تنظيم لقاء بالمترشحين يومي الإثنين 7 و الثلاثاء 8 جويلية 2008 بالمعهد التحضيري للدراسات العلمية و التقنية بالمرسى بحضور مديري الأقسام التحضيرية الفرنسية و الألمانية لتقديم كل التفاصيل عن الدراسة بمؤسساتهم و الإجابة عن استفسارات المترشحين و أوليائهم حتى يكون اختيارهم عن بينة و اقتناع …. و من المهم تنبيه من يتم قبولهم إلى أنه في صورة التراجع عن الإختيار و الرغبة في مواصلة الدراسة في شعبة أخرى بضرورة تقديم مطلب في إعادة التوجيه في أجل لا يتجاوز 15 أوت 2008 مع التأكيد على أن الحصول على شعبة الطب لا يتم بصورة آلية و لذلك لا بد من التركيز و التثبت عند اتخاذ القرار النهائي الذي يعتبر مصيري بالنسبة للمستقبل الدراسي
باكالوريا 2008 : تلاميذ يجرون الإمتحانات في السجن …
تمكن أحد السجناء في سجن » حربوب » القريب من مدينة مدنين بالجنوب التونسي من اجتياز الإمتحان بنجاح في الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا دورة جوان 2008 في اختصاص شعبة الآداب كما تأجل ثلاثة مساجين آخرين في اختصاص التقنية و الآداب إلى دورة المراقبة التي انطلقت يوم الثلاثاء 24 جوان 2008 و تتواصل أربعة أيام في حين رسب سبعة آخرون و يكون بذلك عدد المساجين الذين تقدموا للإمتحان إحدى عشر صفاقس : تلميذ يجتاز امتحان الرياضيات في دورة المراقبة عوضا عن زميله …. ربما لم يدرك التلميذ خطورة ما أقدم عليه إلا بعد ما افتضح أمره و إلا فما الذي دفعه إلى ارتكاب ذلك الخطأ الفادح خاصة بعد أن حقق النجاح في الدورة الرئيسية للباكالوريا …. قد يرجع الأمر إلى ضعف التحضير النفسي و قلة الإحاطة الذين يتسببان في العديد من المصائب الغير متوقعة إذن دخل التلميذ المذكور قاعة الإختبار صباح الثلاثاء 24 جوان 2008 لاجتياز امتحان الرياضيات ( ضارب 4 ) الخاص بشعبة الرياضيات عوضا عن زميله الذي تربطه به علاقة صداقة قوية جدا و تأثر كثيرا لفشله في الدورة الرئيسية فأقدم على القيام بتلك المجازفة الغير مأمونة العواقب رغبة منه في مساعدة صديقه و توفير فرصة النجاح له …. و يبدو أن قلة خبرته في التدليس كانت سببا في ارتباكه و بالتالي لفت انتباه أحد الأساتذة المراقبين الذي بادر إلى القيام بالتثبت من هوية التلميذ الجالس أمامه من خلال بطاقتي التعريف الوطنية و المدرسية فاتضح له عدم التطابق بينهما رغم التشابه الخلقي الكبير بين التلميذين فسارع إلى إعلام رئيس مركز الإمتحان الذي اتصل بدوره بالمندوبية الجهوية للتعليم بصفاقس التي حررت تقريرا في الموضوع رفعته إلى الوزارة ….. و تجدر الإشارة إلى أنه كان بالإمكان معالجة الموضوع من البداية أي قبل توزيع أوراق الإمتحان من خلال التثبت من هوية كل الممتحنين خاصة و أنهم ملزمون بالتواجد في القاعات نصف ساعة قبل الشروع في الإختبار و بالتالي يمكن تجنب مثل هذه المواقف خاصة بالنسة لتلميذ ارتكب تلك الهفوة بشكل غير محسوب …. نرجو أن تتم معالجة الموضوع بحكمة و أن لا يكون ذلك الخطأ سببا في التأثير على مستقبله الدراسي و أن يكون ما حصل له درسا له و لغيره من التلاميذ …..
القيروان : طعنات غادرة تزهق روح تلميذ مؤجل في مناظرة الباكالوريا ….
حرص التلميذ بلال الغول – أصيل القيروان ( حي البرجي ) – على اغتنام الفترة الفاصلة بين الإنتهاء من امتحان الباكالوريا و إعلان النتائج للعمل بأحد المطاعم السياحية بمدينة سوسة حيث كان يقيم في منزل شقيقته و في حدود الساعة الثالثة من فجر يوم السبت 21 جوان 2008 و أثناء عودته من الشغل و مباشرة بعد نزوله من سيارة الأجرة » التاكسي » اعترض سبيله ثلاثة شبان عبروا بدون تردد عن رغبتهم في الحصول على ما لديه من مال إضافة إلى هاتفه الجوال و لما لم يذعن لهم بادره أحدهم بطعنة قاتلة في الجانب الأيمن من قفصه الصدري …. و شاءت الأقدار أن يرجع سائق » التاكسي » من نفس الطريق الذي سلكه الفقيد و بالتحديد في مكان الجريمة فتعرف على حريفه السابق و اتصل بالنجدة و تم حمل الجثة إلى المستشفى الجهوي للمعاينة و عرضها على الطبيب الشرعي و قد تجمعت عدة معطيات و ظروف أمكن من خلالها إلقاء القبض على المتهمين الثلاثة الذين أقروا بفعلتهم معترفين بأنهم كانوا يراقبون الفقيد منذ عدة أيام برصد توقيت و طريق عودته للقيام بسلبه … يذكر أن الفقيد بلال – رحمه الله – من مواليد ديسمبر 2008 و كان يدرس بأحد المعاهد الخاصة بمدينة القيروان و كان يمني النفس بالحصول على شهادة الباكالوريا و قد علم بنتيجة التأجيل ساعتين فقط قبل مقتله فاتصل بوالدته ليطمئنها بأن النجاح في متناوله خلال دورة المراقبة و كأنه بذلك الحديث مع والدته يودعها الوداع الأخير وهو لا يعلم أنه لم يعد يفصله عن أجله سوى ساعات قليلة … » و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأي أرض تموت » صدق الله العظيم و إنا لله و إنا إليه راجعون و في الختام : يقول الحق تبارك و تعالى : – ( و قل رب زدني علما ) – سورة طه – الآية 114 – ( قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون ) سورة الزمر – الآية 9 – ( يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات ) سورة المجادلة – الآية 11 – ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) سورة فاطر – الآية 28 و يقول الرسول صلى الله عليه و سلم : – » و من سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة » – رواه مسلم – – » من خرج في طلب العلم ، فهو في سبيل الله حتى يرجع » – رواه الترمذي – – » إن الله و ملائكته و أهل السماوات و الأرض حتى النملة في جحرها و حتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير » – رواه الترمذي –
حقوقيون يطالبون بإطلاق «السجناء السياسيين» في تونس
بعد زيارة وفود من منظّمات أميركية هل ستغيّر تونس سياساتها تُجاه منظّمات حقوق الإنسان الدولية؟
تونس تسجن شبانا بسبب احتجاجات شهدها جنوب البلاد
تونس.. سجن 12 شابا شاركوا باحتجاجات « الرديف »
تونس: اليوتوب إعلام مضاد في خدمة الاحتجاجات الشعبية وتحدّ للإعلام المتواطئ
قرب سواحل جزيرة زمبرة: إيقاف 10 أشخاص مـن أجـل محاولة «الحرقان» نحو إيطاليا
قلق تونسي بشأن فتوى حول الطلاق
فتوى تونسية حول الطلاق تعيد الصواب لعقول الكثيرين
بن علي يشدد على إنجاح إختيار مدينة القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية
الرئيس التونسي يؤكد أهمية انجاح احتفال (القيروان عاصمة للثقافة الاسلامية 2009)
تونس تخصص يوما مجانيا لزيارة المتاحف
تعيين سفير بريطاني جديد لدى تونس
حركية كبرى في الأسواق الموازية
تشهد الاسواق الموازية من «زرقون» والمنصف باي ونهج الكوميسيون ونهج الملاحة نشاطا مكثفا وحركية كبرى خلال هذه الأيام، وذلك بفعل ما تقدمه من معروضات خاصة بفصل الصيف مثل أنواع الالبسة الحاملة للعلامات العالمية الكبرى، والنظارات الشمسية المتنوعة، ووسائل التبريد، ومواد التوقي من الشمس. ولعل المتابع لهذه الاسواق يلاحظ الاقبال المفرط عليها من طرف المواطنين والتسوق منها خاصة خلال فترات بعد الظهر. وهذه الظاهرة ما انفكت تتطور وتتسع دائرتها واتجاه المواطن اليها، خاصة وأن أسعار المعروضات التي تقدم هناك ونوعيتها غير متوفرة بالمحلات التي تخضع للتجارة الرسمية غير أن هذا لا يعني ضرورة تكثيف المراقبة الصحية والاقتصادية داخل هذه الاسواق التي كثيرا ما تمرر داخلها مواد وسلع غير صحية.
استهتار شبابي في قيادة السيارات والدراجات النارية
مع ارتفاع درجات الحارة ودخول الصيف والاعلان عن نتائج الامتحانات الوطنية وغمرة الأفراح بها، بدأ جمع من الشباب في جولات هستيرية داخل عديد الأحياء وعلى الطرقات الوطنية في جولات ونزهات لا تخلو من التجاوزات. ففي حي النصر والغزالة وبعض الطرقات مثل طريق المرسى ـ تونس يطالعك هؤلاء الشبان بقيادة دراجاتهم النارية أو سياراتهم بجنون وعدم احترام كامل لراحة الناس او سيرهم على الطريق. هذه المظاهر التي تطل علينا من هنا وهناك لا بد من محاصرتها، خاصة وهي لا تخلو من مخاطر بالجملة .
الحفلات الخاصة وضوضاؤها في الاحياء
مع إطلالة الصيف، والاعلان عن نتائج بعض الامتحانات الوطنية انطلقت مظاهر الاحتفالات بها في كل مكان، وارتسمت خاصة على سطوح المنازل باثة انواع الاغاني والموسيقة الوترية والشعبية عبر مضخمات أصوات يصل صداها الى بعض الكيلومترات. المشكل الذي يحير سكان العديد من الاحياء ليس في ظهور هذه السهرات، بل في ما تبعثه من ضجيج يقض مضاجع الناس، ويتواصل الى ساعات متأخرة جدا من الليل. فهل يقع تطويق هذه الظاهرة وتطبيق القانون بشأن المدة الزمنية المسموح بها لهذ السهرات؟ (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 28 جوان 2008)
مسؤولو مكافحة الإرهاب العرب يدعون إلى تعريف دولي محدد للإرهاب
تونس بعد 27 سنة « نهضة » و21 سنة « بن علي »
إلى الأخ العزيز شكري الحمروني، شكرا… ولكن من عاد مات!
د. خــالد الطــراولي
قرأت مقالك [1] وأشكرك على إهدائه لي شخصيا، وعلى عواطفك النبيلة، وهذا من لطفك وحسن خلقك، والشيء من مأتاه لا يستغرب، وأنا أحترم آرائك ومواقفك، وتعلم أن الكثير يجمعنا، وما يفرقنا إلا القليل، وإن كان في بعض المنازل يصبح جوهريا وأساسيا. ومن بين نقاط الاختلاف هذه تأخذ مسألة العودة مكانها العالي، وذلك لارتباطها العضوي بمفهوم التغيير ومنهجيته إجمالا. فلتسمح أخي العزيز بالتعرض لهذه المسائل الحساسة ببعض من الاقتضاب والتذكير لأن أغلبها ذكرته تباعا في بعض المقالات التي حبرتها منذ أكثر من خمس سنوات وهي على التوالي :
وثيقــة تــاريخية : حول المصالحة بين المشروع الإسلامي والسلطة التونسية
رسالة اللقاء رقم (3) : المنفيــون والمشردون : جنــان معلقــة أم مأســاة منسيــة ؟
رسالة اللقاء رقم (2) : فـي علاقــة المهجــر بالأوطــان
رسالة اللقاء رقم (6) : المصـالحة الوطنيــة والنجــاة الفرديـة، خطــان لا يلتقيان
رسالة اللقاء رقم (11) : ومـن المصــالحة مـا قتــل !
رسالة اللقـاء رقم (22) : الخـلاص الفـردي والسـؤال المغيَّب : مشــوار أم استقرار؟
الخــلاص الفــردي ومشــاريــع العــودة [1/3] الجزء الأول
الخــلاص الفــردي ومشــاريــع العــودة [2/3] الجزء الثــاني
الخــلاص الفــردي ومشــاريــع العــودة [3/3] الجزء الثالث
ابتســم إنـــا عــائدون / قصيدة شعرية
ويمكن الرجوع إليها مفصلة على موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي.
ما أردت الإشارة إليه في هذه العجالة بعد رد التحية بأحسن منها، النقاط الخمس التالية :
1 / العودة ليست موقفا شخصيا ولكنه موقف تلتقي فيه ثلاثية هامة، الشخص والجماعة والمشروع، ولا يمكن التغاضي عنها إلا إذا اعتبرنا أننا مهاجرون غادرنا أوطاننا اختيارا بحثا عن موطن رزق أوفر، أو تعليما أرفع، أو سياحة في أرض الله الواسعة. ونحن غير ذلك فنحن أصحاب مشروع، خرج بعضنا من أجله وبعضهم أدركته حرارته في المهجر، خرجنا يا أخي العزيز من أجل مشروع حرية وتعدد، من أجل مشهد سياسي متعدد، من أجل كرامة مواطن غير مغشوشة، من أجل جقوق وواجبات منصفة وشاملة. لم نخرج فرادي، خرجنا مع فكرة وبعضنا مع جماعة، فكيف يكون الموقف شخصيا وأنا أحمل مشروعا؟ عودتي تصبح فردية وقرارها شخصي حين أتخلى عن هذا المشروع، وهذا ما وقع فيه بعض إخوتي الأفاضل اختيارا أو اضطرارا، مساومة أو مرابحة… ونعتبره اجتهادا خاطئا في حق أنفسهم وفي حق من يبحث عن أشواق الحرية عبر ثباتهم.
2 / عودتنا كريمة، والعودة الكريمة أخي العزيز، ليست نزولا في المطار بابتسامة صفراء أو تكشير أنياب تلاقيك، ليست نظرة رضا من عون القمارق أو عون الأمن الذي يتفرس في وجهك لحظة، ولحظة على جهازه، ليست عودة تلاصق فيها الحائط، وتنطلق في الشواطئ وتملأ رئتيك من نسمات بلادي، ليست عودة تمتطي فيها سيارة رباعية الدفع وتقضي بعض أيامك في النزل، ليست فقط لقاء مع الأحبة والأصدقاء وجولان في أزقة وأحياء تنعش ذاكرتك وتعيد لك أيام الصبا والشباب الخالية… العودة الكريمة كما أفهمها وبكل تواضع وببساطة، إحساس جامع بأني مواطن من الدرجة الأولى، ولا درجة قبلها ولا بعدها للجميع، إحساس بأني أملك حريتي كاملة في يدي..، العودة الكريمة هي أمن وأمان يطالني وأسرتي ووطني. هي الكرامة في معناها المقدس الذي لن يماثله معنى آخر، حيث تصبح فطرة وهبة ربانية تلاصق معنى الآدمية وتميزه عمن سواه [ولقد كرمنا بني آدم]
3 / عودتنا عودة مسئولة، فالعادية أخي الفاضل ليست من شيمنا ولا من اهتمامنا ولا من همومنا، فلو كنا نريد العادية في حياتنا لوجدناها سهلة مرنة في العديد من أركان البيت الذي غادرناه مكرهين، ولكن خيّرنا وبكل تواضع صعود الشواهق من أجل تحرير وطن « ومن لم يرد صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر »!
إن هذه المسؤولية تجاه الوطن الحبيب تملي واجبات تمثلها تعبيرات ومواقف وأفعال من أجل إسعاد الوطن والمساهمة في إعلاء شأنه، بعيدا عن الإقصاء والتفرد والاستخفاف. المسؤولية كلمة وفعل، وحين تلامس مفهوم المواطنة يعظم إطارها ولا تستطيع التخفي وراء أي مبرر يمنعها من التجلي والبروز من أجل مواطنة غير مغشوشة للجميع.
العودة إذا بقاء في مربع الفعل والتفاعل وليس بقاء على الأعراف أو مغادرة الإطار، فمن يضمن من خلال هذا الفهم البسيط أخي العزيز لي شخصيا أن أقيم حزبي هناك وأن تكون للقاء الإصلاحي الديمقراطي عنوانا ويافطة ومشاركة؟ من يضمن لي أن أهمس لجاري بأن البطاطا أصبحت مشطة، أو الحليب أصبح مفقودا دون أن يعتبر ذلك موقفا سياسيا؟؟؟ من يضمن لي أن أتحرك دون رقيب أو محاسب؟… العودة حياة ولا موميا متحركة، وليست موتا عاجلا أو سريريا على فترات.
4 / ختاما أرجو أن لا يدخل علينا أحدهم شاهرا علينا سيف نقده من باب أن هذا الحديث مثالي طوباوي غير واقعي يعيش على الآمال والأحلام، وقد نسي أو تناسى أننا أولا أصحاب حق وما ضاع حق وراءه طالبه ولو بعد حين، خاصة إذا فقهنا معنى الصبر في السياسة وأن التغيير ليس لحظة عابرة ولكنه بناء سنين وحتى أجيال. وثانيا أن الشواهق توصلك إليها المصاعد ذات الغرف الصغيرة، ومن الأودية تتكون البحار، وثالثا أن أكثر البناءات النظرية والمدارس الفكرية والحضارات والإمبراطوريات بدأت بالمثالي والطوباوي وحتى الأحلام في تعبيرتها الأولى قبل الطوفان.
5 / إننا من موقعنا المهجري الاضطراري نبني الأمل ونربّي المشروع، لا نريد مواجهة ولا عنفا ولا إقصاء، لا نريد تنحية النظام قسريا ولاستنقاص الوطنية من جزء من أفراده، فأنا أومن أن الضفة المقابلة لا تحمل كل السواد وأن فيها الكثير من الأفراد وممن أعرف شخصيا من لهم باع في الوطنية والكرامة والحب لهذا الدين. ومن هؤلاء ومع هؤلاء ومع غيرهم من الصادقين الوطنيين أطمح يوما إلى كتابة تاريخ آخر لتونس العزيزة وإن كانت بدايته من فوق أرض غير أرضه…
لما نفى الحاكم البريطاني أحمد شوقي سنة 1917 إلى خارج مصر، أرسل من بلاد الأندلس هذه الأبيات يحكي فيها حنينه للوطن :
يا ساكني مصر أنا لا نزال على / عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا
هلا بعثتم لنا من ماء نهركم / شيئا نبل به أحشاء صادينا
كل المناهل بعد النيل آسنة / ما أبعد النيل إلا عن أمانينا
ونحن نقولها عن وادي مجردة في تونس وكل واد سقى أرض الأجداد والأحفاد ولا يزال صامدا يسيل…
كلمات ود وأخوة صادقة إلى أخي شكري وشكرا مجددا على الإهداء، وأملي أن من عاد يوما إلى وطنه، وإنا بإذن الله عائدون معزّزين مكرّمين، لا يُكتب في ركن « البقاء لله »[2] ولكن في ركن « البقاء للأصلح » في صحيفة الحياة…
هــوامش :
[1] Le retour et ses misères
[2] ركن « البقاء لله » موجود في الكثير من الصحف وهو يُعنَى بنعي الأموات.
27 جوان 2008
ملاحظـة : يصدر قريبا للدكتور خالد الطراولي كتاب جديد بعنوان « حــدّث مواطن قــال.. » يمكن الحجز بمراسلة هذا العنوان:
بعض المقترحات لتجاوز مشاكل الحوض ألمنجمي
محمد العيادي*
بداية أجدد التعبير عن مساندتي المبدئية والثابتة لكل نقابيي الحوض ألمنجمي الموقوفين وفي مقدمتهم المناضل عدنان ألحاجي , كما أجدد طلبي إلى الهياكل العليا في اتحاد الشغل وخاصة الأمين العام المساعد المسؤول عن النظام الداخلي رفع مظلمة التجميد عن هذا المناضل النزيه الذي كان عيبه الوحيد انه انحاز إلى نضالات أهله ودافع عنها بكل ما يملك من عزيمة وإصرار, كما نطلب من الهياكل العليا في اتحاد الشغل التدخل العاجل لدى السلط العليا في البلاد لإطلاق سراح كل النقابيين الموقوفين لان النقابي الحقيقي لا يملك إلا أن يكون إلى جانب إخوانه ورفاقه النقابيين سواء كانوا على صواب آو خطا .
ومساهمة مني في النقاشات الدائرة بين مختلف قوى المجتمع المدني المستقلة والهادفة إلى إيجاد حلول لمشاكل الحوض ألمنجمي أقدم بعض الاقتراحات :
* ضرورة المعالجة الهادئة المبنية على الحوار لمشاكل الحوض ألمنجمي والابتعاد عن الحلول الأمنية والقضائية لان هذه الحلول لن تزيد الأوضاع إلا تعقيدا.
*ضرورة إنشاء صندوق مالي استعجالي مهمته تعويض عائلات الشهداء والتكفل بمصاريف الجرحى وتعويض كل من تضررت أملاكه جراء الأحداث الأخيرة وذلك للتخفيف من مصاب هذه العائلات ولملمة جراحها ثم توسيع مهمة هذا الصندوق لاحقا لتشمل مساعدة العائلات المعوزة والفقيرة وفاقدي السند ويمكن جمع مداخيل هذا الصندوق عن طريق إجراءات بسيطة وسريعة وشاملة لكل أطياف المجتمع مثلا العمال يتبرعون بيوم عمل , الشركات العمومية والخاصة تخصص جزءا ضئيلا من مرابيحها (0.5‰) لفائدة هذا الصندوق ,كما يمكن إحياء حفلات تخصص مداخليها لهذا الصندوق أو حتى تخصيص إرساليات قصيرة يكون ثمنها 1 أو 2 دينار تكون على ذمة من يريد التبرع لأهلنا في الخوض ألمنجمي أما الإشراف على هذا الصندوق فيجب أن يكون من طرف هيئة موسعة تضم مواطنين ونقابيين وحقوقيين وشخصيات مستقلة مشهود لها بالكفاءة والنزاهة أي هيئة مجتمع مدني حقيقية . مع العلم أن هذا الصندوق ليس بديلا عن تدخلات الدولة بل هو مساند فقط لهذه التدخلات وهو ما يخفف العبء على الدولة ويزيد في نجاعة تدخلاتها .
*على الدولة أن تزيد في التشجيعات والامتيازات الممنوحة لرجال الأعمال حتى يقبلوا على الانتصاب بمنطقة الحوض ألمنجمي أي أن تضاف إلى مجلة الاستثمارات نقطة جديدة تسمى الامتيازات الإضافية للحوض ألمنجمي وبجب أن يكون القطاع العمومي هو المبادر في هذه العملية .
* التفكير في إمكانية ربط منطقة فقصة بمياه الشمال لإنعاش القطاع ألفلاحي في هذه المنطقة خاصة وان القطاع ألفلاحي هو القادر على امتصاص فائض البطالة وعلى تحسين مدا خيل الأهالي عن طريق المشاريع الفلاحية العائلية الصغيرة .
إن منطقة الحوض ألمنجمي هي جزء من هذا الوطن وعلينا جميعا أن نتحمل مسؤولية إيجاد حلول لمشاكل هذه المنطقة , والمساهمة في إنجاح هذه الحلول كل حسب موقعه وإمكانياته .
* نقابي مستقل ومنسق المرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية
http://nakabi.maktoobblog.com
شباب -الهانة والغلبة –
السبيل أون لاين نت
بسم الله الرحمان الرحيم
المنهج القرآني في النقد والتقويم وفي التوبة والتصحيح – الحلقة الثالثة
قراءة وتقويم القرآن لابتلاء غزوة أحد
كان الاعتراض الرئيسي عما نشرته في الفترة الأخيرة أنه كان علنيا، في موضوعات الأصل فيها – حسب رأي إخواني المعترضين – أنها خاصة بحركة النهضة وأبنائها. وكان ردي دائما أن حركة النهضة تَحمّلت أمانة إحياء المشروع الإسلامي ، وهذه قضية عامة وليست خاصة ولا حزبية ، وتحويلها إلى قضية حزبية أو خاصة بفئة ، هو انحراف خطير على المشروع الإسلامي ، يتحول به من كونه هو غاية وجود الحركة ، وكون الحركة وسيلة لخدمته ، إلى كونه وسيلة لخدمة الحركة . وهذا ما انزلقت إليه حركة النهضة ، الأمر الذي أصبح يقتضي التوبة والتصحيح كما بينته في الحلقة الثامنة من حلقات « حتى لا يشوش على واجبي الشرعي » .
إنه لم يعد لنا مناص بعد كل التطورات والمنزلقات الحاصلة إلا الرجوع إلى هذا الأصل (العمل في العلن ومع الجمهور المسلم التونسي). ورغم أن هذا هو في أصله بديهي ، ومن طبيعة الدعوة ورسالة الله إلى عباده ، فإن ما اعتراه من تلبيس خطير جعل الاعتراض على ما كتبته على الملأ شديدا من العديد من إخواننا، الأمر الذي أصبح يفرض بيان هذه البديهية وتأصيلها من خلال قرآننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم . وسيكون ذلك في سلسلة من الحلقات – إن شاء الله – تحت عنوان « المنهج القرآني في النقد والتقويم وفي التوبة والتصحيح ».
وقد تقدمت الحلقة الأولى التمهيدية من هذه السلسلة في ركائز هذا المنهج ، والحلقة الثانية منها في غزوة بدر. وعقب نشرها ، اتصل بي أخ حبيب معترضا ، ليس على الكتابة على الملإ، ولكن على تقديري ما عليه حركة النهضة الآن من تدين ومدى تضييعها لسمتها وطبيعتها . لقد كان حوارا مفيدا رغم أنه لم يغير من قناعتي في خصوص تقديري هذا ، إلا أنه أقنعني بضرورة توضيح بعض النقاط – وليس هنا مجاله – ، وأكتفي هنا بلفت الانتباه إلى أن التقويم الذي قدمتُه ولازلتُ لا يتعلق بالأفراد ولكن بحركة النهضة ككيان جماعي يُعرف من خلال خططه وبرامجه وسياساته ومواقفه وأعماله وبياناته وتصريحاته..
وفيما يلي الحلقة الثالثة ، وسنخصصها بإذن الله تعالى إلى قراءة وتقويم القرآن لابتلاء غزوة أحد ، ذات الدلالات الكبيرة على ما حدث وما مر بنا ، من خلال وقفات مستعجلة عندها – التي استقينا منها ومن أمثالها منهجنا المتحدث عنه في هذه السلسلة – وذلك وفق الفقرات التالية:
1. نزل القرآن مسرّياً عن المسلمين من مصاب أحد ، مركزاً على فقه الأحداث أسباباً ودروساً وعبراً
2. قدرالله وتدبيره وحكمته هو من وراء الأسباب والأحداث والأشخاص والحركات
3. الأحداث ومداولة الأيام بين الناس تكشف المخبوء
4. الابتلاء يخلّص القُلُوبِ من شوائبها
5. العفو عن جميع المخطئين رغم حجم الأخطاء
6. التثبيت الواضح للحقوق الحركية والسياسية رغم الأخطاء الخطيرة
7. التوكل على الله يصل الأمر بقدر الله ويدعه لمشيئته تصوغ العواقب كما تشاء
8. تحققُ الصحابة بحقيقة التوكل على الله وحده فتحقّق وعده للمتوكلين عليه
نزل القرآن مسرّياً عن المسلمين من مصاب أحد مركزاً على فقه الأحداث أسباباً ودروساً وعبراً
قال تعالى:(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران: 153 ـ 154].
إن مصاب أحد الجلل هو من عند أنفس الصحابة (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 165]، والعجيب أنه رغم هذا نزل القرآن مهوناً منه ، مسرياً عن المسلمين ، مركزاً على فقه الأحداث أسباباً ودروساً وعبراً… وكأنه هذا هو المهم من الحدث. وكأنه يقول ليس المهم في الأحداث والحياة نتائجها في الدنيا وهي من قبيل (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) [الصف: 13]. ولكن المهم فقه تلك الأحداث والحياة الذي يتقدم بكم الى مقام بيع النفس لله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ..) [الصف: 10]، والذي من ثمراته الفوز في الدنيا أيضاً (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ…).
قدرالله وتدبيره وحكمته هو من وراء الأسباب والأحداث والأشخاص والحركات
«حقيقة الإيمان لا يتم تمامها في قلب حتى يتعرض لمجاهدة الناس في أمر هذا الإيمان. لأنه يجاهد نفسه أولاً في أثناء مجاهدته للناس؛ وتتفتح له في الإيمان آفاق لم تكن لتتفتح له أبداً، وهو قاعد آمن سالم؛ وتتبين له حقائق في الناس، وفي الحياة، لم تكن لتتبين له أبداً بغير هذه الوسيلة؛ ويبلغ هو بنفسه وبمشاعره وتصوراته. وبعاداته وطباعه، وبانفعالاته واستجاباته، ما لم يكن ليبلغه أبداً، بدون هذه التجربة الشاقة المريرة.
حقيقة الإيمان لا يتم تمامها في جماعة، حتى تتعرض للتجربة والامتحان والابتلاء، وحتى يتعرف كل فرد فيها على حقيقة طاقته، وعلى حقيقة غايته؛ ثم تتعرف هي على حقيقة اللبنات التي تتألف منها. مدى احتمال كل لبنة، ثم مدى تماسك هذه اللبنات في ساعة الصدام.
وهذا ما أراد الله سبحانه أن يعلمه للجماعة المسلمة، وهو يربيها بالأحداث في أُحد وبالتعقيب على هذه الأحداث في هذه السورة. وهو يقول لها، بعد بيان السبب الظاهر في ما أصابها: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا) [آل عمران: 166، 167].. وهو يقول: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران: 179]. ثم… وهو يردهم الى قدر الله وحكمته من وراء الأسباب والوقائع جميعاً؛ فيردهم الى حقيقة الإيمان الكبرى التي لا يتم إلا باستقرارها في النفس المؤمنة: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 140، 141]..
وإذن فهو ـ في النهاية ـ قدر الله وتدبيره وحكمته، من وراء الأسباب والأحداث والأشخاص والحركات… وهو التصور الإسلامي الشامل الكامل، يستقر في النفس من وراء الأحداث، والتعقيب المنير على الأحداث». (في ظلال القرآن)
الأحداث ومداولة الأيام بين الناس تكشف المخبوء
قال تعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 140 ـ 142]..
«إن الشدة بعد الرخاء، والرخاء بعد الشدة، هما اللذان يكشفان عن معادن النفوس، وطبائع القلوب، ودرجة الغبش فيها والصفاء، ودرجة الهلع فيها والصبر، ودرجة الثقة فيها بالله أو القنوط، ودرجة الاستسلام فيها لقدر الله أو البرح به والجموح!
عندئذ يتميز الصف ويتكشف عن: مؤمنين ومنافقين، ويظهر هؤلاء وهؤلاء على حقيقتهم، وتتكشف في دنيا الناس دخائل نفوسهم. ويزول عن الصف ذلك الدخل وتلك الخلخلة التي تنشأ من قلة التناسق بين أعضائه وأفراده، وهم مختلطون مبهمون!
والله سبحانه يعلم المؤمنين والمنافقين. والله سبحانه يعلم ما تنطوي عليه الصدور. ولكن الأحداث ومداولة الأيام بين الناس تكشف المخبوء، وتجعله واقعاً في حياة الناس، وتحول الإيمان الى عمل ظاهر، وتحول النفاق كذلك الى تصرف ظاهر، ومن ثم يتعلق به الحساب والجزاء. فالله سبحانه لا يحاسب الناس على ما يعلمه من أمرهم ولكن يحاسبهم على وقوعه منهم.
ومداولة الأيام، وتعاقب الشدة والرخاء، محك لا يخطئ، وميزان لا يظلم. والرخاء في هذا كالشدة. وكم من نفوس تصبر للشدة وتتماسك، ولكنها تتراخى بالرخاء وتنحل. والنفس المؤمنة هي التي تصبر للضراء ولا تستخفها السراء، وتتجه الى الله في الحالين، وتوقن أن ما أصابها من الخير والشر فبإذن الله.
وقد كان الله يربي هذه الجماعة ـ وهي في مطالع خطواتها لقيادة البشرية ـ فرباها بهذا الابتلاء بالشدة بعد الابتلاء بالرخاء، والابتلاء بالهزيمة المريرة بعد الابتلاء بالنصر العجيب». (في ضلال القرآن)
الابتلاء يخلص القُلُوبِ من شوائبها
قال تعالى: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) [آل عمران: 154].
وقال تعالى:(وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا) [آل عمران: 141].
مَحَّصَ الشّيْءَ: خلَّصه من شوائبِه . والتمحيص درجة بعد الفرز والتمييز وهي عملية تتم في داخل النفس. وكثيراً ما يجهل الإنسان نفسه وحقيقة ضعفها وقوتها وحقيقة ما استكن فيها من رواسب لا تظهر إلا بمثير. وبالابتلاء الذي يتولاه الله يعلم المؤمنون من أنفسهم ما لم يكونوا يعلمونه. فقد يظن المرء في نفسه القدرة والشجاعة والتجرد والخلاص من الشح والحرص ثم إذا هو يكتشف بالابتلاء مثل ذلك فيها.
«فليس كالمحنة محك يكشف ما في الصدور، ويصهر ما في القلوب، فينفي عنها الزيف والرياء، ويكشفها على حقيقتها بلا طلاء… فهو الابتلاء والاختبار لما في الصدور، ليظهر على حقيقته، وهو التطهير والتصفية للقلوب، فلا يبقى فيها دخل ولا زيف. وهو التصحيح والتجلية للتصور؛ فلا يبقى فيه غبش ولا خلل: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران: 154].
وذات الصدور هي الأسرار الخفية الملازمة للصدور، المختبئة فيها، المصاحبة لها، التي لا تبارحها ولا تتكشف في النور! والله عليم بذات الصدور هذه. ولكنه ـ سبحانه ـ يريد أن يكشفها للناس، ويكشفها لأصحابها أنفسهم، فقد لا يعلمونها من أنفسهم، حتى تنفضها الأحداث وتكشفها لهم!
ولقد علم الله دخيلة الذين هزموا وفروا يوم التقى الجمعان في الغزوة. إنهم ضعفوا وتولوا بسبب معصية ارتكبوها؛ فظلت نفوسهم مزعزعة بسببها، فدخل عليهم الشيطان من ذلك المنفذ، واستزلهم فزلوا وسقطوا: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [أل عمران: 154].
وقد تكون الإشارة في هذه الآية خاصة بالرماة الذين جال في نفوسهم الطمع في الغنيمة كما جال فيها أن رسول الله سيحرمهم أنصبتهم. فكان هذا هو الذي كسبوه، وهو الذي استزلهم الشيطان به..
ولكنها في عمومها تصوير لحالة النفس البشرية حين ترتكب الخطيئة، فتفقد ثقتها في قوتها، ويضعف بالله ارتباطها، ويختل توازنها وتماسكها، وتصبح عرضة للوسواس والهواجس، بسبب تخلخل صلتها بالله وثقتها من رضاه! وعندئذ يجد الشيطان طريقه الى هذه النفس، فيقودها الى الزلة بعد الزلة، وهي بعيدة عن الحمى الآمن، والركن الركين..». (في ضلال القرآن)
العفو عن جميع المخطئين رغم حجم الأخطاء
قال تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)} (آل عمران)
عفا عما وقع منكم من ضعف ومن نزاع ومن عصيان ; وعفا كذلك عما وقع منكم من فرار وانقلاب وارتداد . . عفا عنكم فضلا منه ومنة , وتجاوزا عن ضعفكم البشري الذي لم تصاحبه نية سيئة ولا إصرار على الخطيئة . . عفا عنكم لأنكم تخطئون وتضعفون في دائرة الإيمان بالله , والاستسلام له , وتسليم قيادكم لمشيئته.
ومن فضله عليهم أن يعفو عنهم , ما داموا سائرين على منهجه , مقرين بعبوديتهم له ; لا يدعون من خصائص الألوهية شيئا لأنفسهم , ولا يتلقون نهجهم ولا شريعتهم ولا قيمهم , ولا موازينهم إلا منه . . فإذا وقعت منهم الخطيئة وقعت عن ضعف وعجز أو عن طيش ودفعة . . فيتلقاهم عفو الله بعد الابتلاء والتمحيص والخلاص . .
وهذا العفو شمل الذين تولوا أيضا:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)} (آل عمران)
والآية تصور حالة النفس البشرية حين ترتكب الخطيئة , فتفقد ثقتها في قوتها , ويضعف بالله ارتباطها , ويختل توازنها وتماسكها , وتصبح عرضة للوساوس والهواجس , بسبب تخلخل صلتها بالله وثقتها من رضاه ! وعندئذ يجد الشيطان طريقه إلى هذه النفس , فيقودها إلى الزلة بعد الزلة , وهي بعيدة عن الحمى الآمن , والركن الركين .
ومن هنا كان الاستغفار من الذنب هو أول ما توجه به الربيون الذين قاتلوا مع النبيين في مواجهة الأعداء . الاستغفار الذي يردهم إلى الله , ويقوي صلتهم به , ويعفي قلوبهم من الأرجحة , ويطرد عنهم الوساوس , ويسد الثغرة التي يدخل منها الشيطان , ثغرة الانقطاع عن الله , والبعد عن حماه . هذه الثغرة التي يدخل منها فيزل أقدامهم مرة ومرة , حتى ينقطع بهم في التيه , بعيدا بعيدا عن الحمى الذي لا ينالهم فيه !
إن النفس البشرية ليست كاملة ـ في واقعها ـ ولكنها في الوقت ذاته قابلة للنمو والارتقاء، حتى تبلغ أقصى الكمال المقدر لها في هذه الأرض.
وها نحن أولاء مع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم المثل الكامل للنفس البشرية على الإطلاق… فماذا نرى؟ نرى مجموعة من البشر، فيهم الضعف وفيهم النقص، وفيهم من يبلغ أن يقول الله عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ). ومن يبلغ أن يقول الله عنهم: (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ)… وفيهم من يقول الله عنهم: (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).. وفيهم من ينهزم وينكشف، وتبلغ منهم الهزيمة ما وصفه الله سبحانه بقوله: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ)..
وكل هؤلاء مؤمنون مسلمون؛ ولكنهم كانوا في أوائل الطريق . كانوا في دور التربية والتكوين ولكنهم كانوا جادين في أخذ هذا الأمر، مسلمين أمرهم الله، مرتضين قيادته، ومستسلمين لمنهجه. ومن ثم لم يطردهم الله من كنفه، بل رحمهم وعفا عنهم؛ وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنهم، ويستغفر لهم، وأمره أن يشاورهم في الأمر، بعد كل ما وقع منهم، وبعد كل ما وقع من جراء المشورة!».
التثبيت الواضح للحقوق الحركية والسياسية رغم الأخطاء الخطيرة
قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ (159)} (آل عمران)
والتوجيه القرآني لم يتوقف عند حدود العفو بل تجاوزه – كما في آخر هذه الآية – إلى التثبيت الواضح للحقوق الحركية والسياسية رغم كل الأخطاء الخطيرة. وهذا أمر مهم لأنه يخالف المنظور الغربي السائد.
إن السياق يتجه هنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي نفسه شيء من القوم ; تحمسوا للخروج , ثم اضطربت صفوفهم , فرجع ثلث الجيش قبل المعركة ; وخالفوا – بعد ذلك – عن أمره , وضعفوا أمام إغراء الغنيمة , ووهنوا أمام إشاعة مقتله , وانقلبوا على أعقابهم مهزومين , وأفردوه في النفر القليل , وتركوه يثخن بالجراح وهو صامد يدعوهم في أخراهم , وهم لا يلوون على أحد .
رغم هذا كله يدعو المولى سبحانه نبيه أن يعفو عنهم , ويستغفر الله لهم . . وأن يشاورهم في الأمر كما كان يشاورهم ; غير متأثر بنتائج الموقف لإبطال هذا المبدأ الأساسي في الحياة الإسلامية .
إن الناس في حاجة إلى كنف رحيم , وإلى رعاية فائقة , وإلى بشاشة سمحة , وإلى ود يسعهم , وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم . . في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء ; ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه ; ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء . .
(فاعف عنهم , واستغفر لهم , وشاورهم في الأمر). .
لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة ! فقد كان من جرائها ظاهريا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم ! اختلفت الآراء . فرأت مجموعة أن يبقى المسلمون في المدينة محتمين بها , حتى إذا هاجمهم العدو قاتلوه على أفواه الأزقة . وتحمست مجموعة أخرى فرأت الخروج للقاء المشركين . وكان من جراء هذا الاختلاف ذلك الخلل في وحدة الصف . إذ عاد عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش , والعدو على الأبواب – وهو حدث ضخم وخلل مخيف -. كذلك بدا أن الخطة التي نفذت لم تكن – في ظاهرها – أسلم الخطط من الناحية العسكرية . إذ أنها كانت مخالفة « للسوابق » في الدفاع عن المدينة – كما قال عبد الله ابن أبي – وقد اتبع المسلمون عكسها في غزوة الأحزاب التالية , فبقوا فعلا في المدينة , وأقاموا الخندق , ولم يخرجوا للقاء العدو . منتفعين بالدرس الذي تلقوه في أحد !
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم من جراء الخروج . فقد كان لديه الإرهاص من رؤياه الصادقة , التي رآها , والتي يعرف مدى صدقها . وقد تأولها قتيلا من أهل بيته , وقتلى من صحابته , وتأول المدينة درعا حصينة . . وكان يمكنه أن يلغي ما استقر عليه الأمر نتيجة للشورى . . ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها من الآلام والخسائر والتضحيات . لأن إقرار المبدأ , وتعليم الجماعة , وتربية الأمة , أكبر من الخسائر الوقتية .
كان الإسلام ينشىء أمة ويربيها , ويعدها للقيادة الراشدة . فلم يكن بد أن يحقق لهذه الأمة رشدها , ويرفع عنها الوصاية في حركات حياتها العملية الواقعية , كي تدرب عليها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبإشرافه ، مهما تكن النتائج , ومهما تكن الخسائر , ومهما يكن انقسام الصف , ومهما تكن التضحيات المريرة , ومهما تكن الأخطار المحيطة .
التوكل على الله يصل الأمر بقدر الله ويدعه لمشيئته تصوغ العواقب كما تشاء :
قال تعالى: {فإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)} (آل عمران)
إن مهمة الشورى هي تقليب أوجه الرأي , واختيار اتجاه من الاتجاهات المعروضة , فإذا انتهى الأمر إلى هذا الحد , انتهى دور الشورى وجاء دور التنفيذ . . التنفيذ في عزم وحسم , وفي توكل على الله , يصل الأمر بقدر الله , ويدعه لمشيئته تصوغ العواقب كما تشاء .
وكما ألقى النبي صلى الله عليه وسلم درسه النبوي الرباني , وهو يعلم الأمة الشورى , ويعلمها إبداء الرأي , واحتمال تبعته بتنفيذه , في أخطر الشؤون وأكبرها . . كذلك ألقى عليها درسه الثاني في المضاء بعد الشورى , وفي التوكل على الله , وإسلام النفس لقدره – على علم بمجراه واتجاهه – فأمضى الأمر في الخروج ,ودخل بيته فلبس درعه ولأمته – وهو يعلم إلى أين هو ماض , وما الذي ينتظره وينتظر الصحابة معه من آلام وتضحيات . . وحتى حين أتيحت فرصة أخرى بتردد المتحمسين , وخوفهم من أن يكونوا استكرهوه صلى الله عليه وسلم على ما لا يريد , وتركهم الأمر له ليخرج أو يبقى . . حتى حين أتيحت هذه الفرصة لم ينتهزها ليرجع . لأنه أراد أن يعلمهم الدرس كله . درس الشورى . ثم العزم والمضي . مع التوكل على الله والاستسلام لقدره . وأن يعلمهم أن للشورى وقتها , ولا مجال بعدها للتردد والتأرجح ومعاودة تقليب الرأي من جديد . فهذا مآلة الشلل والسلبية والتأرجح الذي لا ينتهي . . إنما هو رأي وشورى . وعزم ومضاء . وتوكل على الله , يحبه الله: (إن الله يحب المتوكلين). .
والتوكل على الله , ورد الأمر إليه في النهاية , هو خط التوازن الأخير في التصور الإسلامي وفي الحياة الإسلامية . وهو التعامل مع الحقيقة الكبيرة:حقيقة أن مرد الأمر كله لله , وأن الله فعال لما يريد . .
لقد كان هذا درسا من دروس « أحد » الكبار . هو رصيد الأمة المسلمة في أجيالها كلها , وليس رصيد جيل بعينه في زمن من الأزمان . .
ولتقرير حقيقة التوكل على الله , وإقامتها على أصولها الثابتة , يمضي السياق فيقرر أن القوة الفاعلة في النصر والخذلان هي قوة الله , فعندها يلتمس النصر , ومنها تتقى الهزيمة , وإليها يكون التوجه , وعليها يكون التوكل , بعد اتخاذ العدة , ونفض الأيدي من العواقب , وتعليقها بقدر الله.
وبذلك يخلص تصور المسلم من التماس شيء من عند غير الله ; ويتصل قلبه مباشرة بالقوة الفاعلة في هذا الوجود ; فينفض يده من كل الأشباح الزائفة والأسباب الباطلة للنصرة والحماية والالتجاء ; ويتوكل على الله وحده .
تحققُ الصحابة بحقيقة التوكل على الله وحده فتحقّق وعده للمتوكلين عليه :
قال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه . فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175)} (آل عمران)
إنهم أولئك الذين دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الخروج معه كرة أخرى غداة المعركة المريرة . وهم مثخنون بالجراح . وهم ناجون بشق الأنفس من الموت أمس في المعركة . وهم لم ينسوا بعد هول الدعكة , ومرارة الهزيمة , وشدة الكرب . وقد فقدوا من أعزائهم من فقدوا , فقل عددهم , فوق ما هم مثخنون بالجراح !
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاهم، ودعاهم وحدهم . ولم يأذن لأحد تخلف عن الغزوة أن يخرج معهم فاستجابوا . .
لقد دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم وحدهم .
ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شاء أن يشعر المسلمين , وأن يشعر الدنيا كلها من ورائهم , بقيام هذه الحقيقة الجديدة التي وجدت في هذه الأرض . . حقيقة أن هناك عقيدة هي كل شيء في نفوس أصحابها . ليس لهم من أرب في الدنيا غيرها , وليس لهم من غاية في حياتهم سواها . عقيدة يعيشون لها وحدها , فلا يبقى لهم في أنفسهم شيء بعدها , ولا يستبقون هم لأنفسهم بقية في أنفسهم لا يبذلونها لها , ولا يقدمونها فداها . .
لقد كان هذا أمرا جديدا في هذه الأرض في ذلك الحين . ولم يكن بد أن تشعر الأرض كلها – بعد أن يشعر المؤمنين – بقيام هذا الأمر الجديد , وبوجود هذه الحقيقة الكبيرة .
ولم يكن أقوى في التعبير عن ميلاد هذه الحقيقة من خروج هؤلاء الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح . ومن خروجهم بهذه الصورة الناصعة الرائعة الهائلة: صورة التوكل على الله وحده وعدم المبالاة بمقالة الناس وتخويفهم لهم من جمع قريش لهم .
ثم تكون العاقبة كما هو المنتظر من وعد الله للمتوكلين عليه , المكتفي به , المتجردين له:
(فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله).
فأصابوا النجاة – لم يمسسهم سوء – ونالوا رضوان الله . وعادوا بالنجاة والرضى .
وينظر الإنسان في هذه الصورة وفي هذا الموقف , فيحس كأن كيان الجماعة كله قد تبدل ما بين يوم وليلة . نضجت . وتناسقت . واطمأنت إلى الأرض التي تقف عليها . وانجلى الغبش عن تصورها . وأخذت الأمر جدا كله. وخلصت من تلك الأرجحة والقلقلة , التي حدثت بالأمس فقط في التصورات والصفوف . فما كانت سوى ليلة واحدة هي التي تفرق بين موقف الجماعة اليوم وموقفها بالأمس . . والفارق هائل والمسافة بعيدة . . لقد فعلت التجربة المريرة فعلها في النفوس ; وقد هزتها الحادثة هزا عنيفا . أطار الغبش , وأيقظ القلوب , وثبت الأقدام , وملأ النفوس بالعزم والتصميم . . لقد كان فضل الله عظيما في الابتلاء المرير . .
(المصدر « في ظلال القرآن » بتصرف)
خاتمة :
وفي خاتمة هذه الوقفات عند غزوة أحد نكاد ننسى أن أحدا كانت مصيبة وهزيمة، بل جملة معاني الإسلام وقيمه ومعانيه قد غمرت الحدث كله حتى أنه لم نعد نرى غير دروس وتربية وترقية وتصفية، فأين المصيبة وأين الهزيمة في كل هذا ؟ بل عندما نرى استيعاب الدرس من الصحابة، وتحقق التربية والترقي والتصفية لهم، لا نشعر إلا بتحقق حقيقة النصر التي سرعان ما أصبحت حقيقة ماثلة للعيان كما أعلمنا ربنا سبحانه : « فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ». إن التغيير والنصر أصله تغيير ونصر في النفوس الذي لا يلبث أن يصبح حقيقة ماثلة في الواقع الموضوعي. إن ما تعيشه حركة النهضة في الواقع التونسي بعيد كل البعد عن هذه الحقيقة. وبقدر استمرار هذا البعد بقدر ما ستستمرمعاناة وتآكل التونسيين حتى يرجعوا إلى ربهم.
محمد شمام
للاتصال بي في موضوع هذه الحلقات أوغيرها :
العنوان البريدي : mohacham@gawab.com
الهاتف النقال : 0046736309986
وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله وهو الهادي إلى سواء السبيل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم اللّه الرحمان الرحيم
مداخلة
السيّد منجي الخماسي
الأمين العام لحزب الخضر للتقدّم
في
أعمال منتدى التواصل الشهري مع الشباب
حول موضوع:
« الأمن الغذائيّ في ظلّ ثلاثيّة ارتفاع أسعار المحروقات وآثار التغيّرات المناخيّة وندرة الموارد المائيّة »
المقر المركزي لحزب الخضر للتقدّم – 27 جوان 2008
الحضور الكريم، بسم الله الرحمان الرحيم،
إنّ مسألة الأمن الغذائي، أصبحت اليوم من القضايا الشائكة والملحّة والمعقّدة التي تواجه كلّ الأقطار وليس الدول الفقيرة فقط بل إنّ الدول المتقدّمة أضحت هي الأخرى مهدّدة بأزمات غذائيّة وتموينيّة نتيجة التغيّرات الحاصلة في الاقتصاد العالمي من قبيل ارتفاع أسعار المحروقات وجلّ المواد الأوليّة وتنامي ظواهر المضاربات والسمسرة والاحتكار، وهي الظواهر الخطيرة الّتي دفعت إلى بروز حقيقي لشبح ندرة العديد من المواد الغذائيّة الأساسيّة في العديد من أقطار العالم.
ولأهميّة الموضوع الّذي أصبح محلّ متابعة من كلّ السياسيّين ومختلف فعاليات المجتمع المدني والسياسي محليّا وإقليميّا ودوليّا اخترنا في حزب الخضر للتقدّم أن نخصّص حلقة هذا الشهر من منتدى التواصل مع الشباب ، الّذي انطلق منذ بداية 2008 مساهمة في سنة الحوار الشامل مع الشباب ، للاستماع إلى مقاربات ثلّة من الخبراء والمختصّين في المجال الزراعي والفلاحي لنستفيد ويستفيد شباب حزبنا لأنّنا نؤمن بأنّ تحقيق الأمن الغذائي لا يُمكنه أن يكون دون مساهمة فاعلة من الفئة الشبابيّة الّتي هي بانية المستقبل بما فيه من رهانات وتحدّيات جسيمة وضامنة استدامة نجاحات البلاد.
إنّنا ننظر للشباب على أنّه الطرف القادر على ضمان مستقبل مشرق لبلادنا على جميع الأصعدة وفي صدارتها تأمين مصادر الغذاء ومعاضدة المجهودات التنمويّة الجارية حاليّا لمزيد النهوض بالقطاع الفلاحي والزراعي وسائر القطاعات الإنتاجيّة في البلاد .
ونُعيد بمناسبة هذه الندوة تثميننا للمبادرة الرئاسيّة بتخصيص كامل سنة 2008 للاستماع للشباب والتواصل معه فهما لتطلّعاته واستشرافا لنظرته لتونس الغد كيف يُريدها؟ ، ومن جهتنا فإنّنا نُعوّل على أن يتمّ استثمار هذا الحوار الشبابي لمزيد غرس الوعي الوطني وبثّ الالتزام بالمشاغل الوطنيّة الكبرى في اهتمامات الشباب وفتح السبل أمامه لتحمّل المسؤوليّة تحفيزا له على العمل والبذل والعطاء وإفادة البلاد بالقدر اللازم ناهيك وأنّ الديموغرافيّة الحاليّة لتونس تؤكّد أنّها تعرف عصرها الذهبي من حيث النسبة الشبابيّة المرتفعة من عموم السكان والفئة النشيطة.
السّادة الحضور،
إنّ حساسيّة المسألة الغذائيّة ومصيريتها في مسارات التنمية المختلفة تدفع اليوم إلى البحث عن السبل والآليات المساعدة على تحقيق لا الاكتفاء الذاتي فقط بل كذلك الأمن الغذائي ، إلى فترة قريبة ماضية كان بالإمكان الالتجاء إلى الأسواق العالميّة لتوريد المنتوجات وتحقيق الإكتفاء من كلّ المواد وخاصّة منها الغذائيّة والأساسيّة ، غير أنّ العالم اليوم يشهد تغيّرات وتبدّلات متسارعة فرضت عودة مصطلح « الأمن الغذائي » على السّطح على اعتبار أنّ الأسواق العالميّة لم يعُد بإمكانها القيام بأدوارها السابقة في توفير العرض اللازم لتلبية كلّ الطلبات المتزايدة هي الأخرى بسبب ارتفاع عدد السكان في العالم وتحسّن المقدرة الشرائيّة للعديد من الدول الآهلة كالهند والصّين.
إنّ تهاوي مقولة « الاكتفاء الذاتي » بسبب ما أصبحت تُواجهه من صعوبات جمّة يفترض بالتأكيد إعادة النظر في الخيارات التنمويّة الكبرى فهما لتغيّرات المشهد الاقتصادي الدولي وعملا على تحقيق « الأمن الغذائي » وهذا التحدّي مفروض اليوم ليس على بلادنا فقط بل على كلّ الدول وعلى جميع الشعوب، إنّ المسألة اليوم في نظرنا في غاية الخطورة والحساسيّة ممّا يقتضي تشريح الوضع بصفة موضوعيّة وعلميّة تمهيدا لوضع خطط عمليّة واستشرافيّة للفترة المقبلة تكمّل الخطط الاسترتيجيّة الّتي تمّ وضعها في السابق.
السادة الحضور
إنّنا نتفهّم في حزب الخضر للتقدّم حقيقة هذه المخاطر وحجم هذه الرهانات والتحديات ، ولا يسعُنا بهذه المناسبة إلاّ أن نبارك القرارات والإجراءات الرئاسيّة المتّجهة للإحاطة بمشاغل القطاع الفلاحي والزراعي الوطني وهي سنّة حميدة دأب عليها سيادة رئيس الدولة منذ سنة 1987 وما نأمله هو أن تتضافر كلّ الجهود الوطنيّة لحسن تنفيذ الرؤية الموجودة اليوم في تونس لإعادة توطيد أركان المنظومة الفلاحيّة الوطنيّة حتّى تكون قادرة في أسرع الأوقات على تحقيق أمننا الغذائيّ الوطني دون انتظار المزيد من المفاجئات والاهتزازات على صعيد المبادلات التجاريّة والاقتصاديّة في الأسواق والبورصات الدوليّة وكذلك للتوقّي من التأثيرات المتزايدة المباشرة والغير مباشرة الناجمة عن تقلّبات المناخ وندرة الموارد المائيّة ومخاطر التصحّر وتدهور الأراضي الزراعية وتملّح التربة.
ونحن على إيمان بالصعوبات الّتي تُواجه القطاع الفلاحي بسبب كلّ المتغيّرات المتسارعة وأنّ التحديات بالغة الأهميّة في الفترة المقبلة ، ولكن علّمتنا التجربة أنّ المستحيل ليس تونسيّا وأنّه بالإمكان فعل الكثير وتحقيق الجزء الأكبر من الطموحات والآمال.
إنّ الفلاحة تتضرّر اليوم من ارتفاع أسعار المحروقات على اعتبار انعكاس ذلك الارتفاع على القدرة الماليّة والاستثماريّة للمزارعين والفلاحيّن الّذي هم في غالبيّتهم من محدودي الإمكانيات من جهة وعلى كلفة الإنتاج والّتي توجد ضغطا على القدرة الشرائيّة للمواطنين من ناحية وتُعسّر اكتساح المنتوجات التونسيّة للأسواق العالميّة حيث ستصبح المنافسة أشدّ وقعا وأكثر حدّة من ناحية ثانية .
يُضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار مستلزمات الفلاحة من مكننة وبذور وأسمدة وغيرها.
كما تتضرّر الفلاحة بعوامل التغيّرات المناخيّة والّتي تُوجد اليوم مخاوف حقيقيّة حول استدامة الأراضي الزراعيّة وقُدرتها على الاستجابة إلى الاحتياجات الوطنيّة وخاصّة من الحبوب.
إنّ تحقيق الأمن الغذائي لن يكون سهلا بالمرّة ، ونحن ندعو هنا كافّة الهياكل الفلاحيّة الإداريّة منها والمهنيّة والبنوك والمؤسّسات المالية المقرضة إلى العمل صفّا واحدا لمجابهة هذه التحديات والاستفادة من مقاربات وأبحاث مختلف الخبراء والمختصّين واستشراف آفاق أرحب للزراعة والاستثمار الناجع في مختلف القطاعات الفلاحيّة ونخصّ بالذكر منها الزراعات الكبرى لما لها أهميّة في تأمين الغذاء لكلّ التونسيّين دون ارتهان لعوامل خارجيّة تشهد من يوم إلى آخر التغيّر والتبدّل ولم تعُد تعرف أبدا الاستقرار.
ولنا في تونس اليوم وبفضل أزيد من 1200 قرار وإجراء رئاسي منذ 7 نوفمبر 1987 منظومة متكاملة للتشجيع على العمل الفلاحي والارتقاء بمردوديّته وإنتاجيته ، وندعو إلى مزيد التعريف والتحسيس والتوعية بقيمة هذه المنظومة وما تتضمّنه من حوافز وتشجيعات للاستثمار في القطاع الفلاحي ، وما أحوجنا إلى ذلك ، إذ أنّ السعي إلى تحقيق « الأمن الغذائي » كفيل بالتخفيف من أعباء بطالة أصحاب الشهائد وكفيل أيضا بتوفير الآلاف من مواطن الشغل وموارد الرزق للوافدين الجدد على سوق الشغل.
السادة الأفاضل
إنّ المسألة دقيقة ، إذ أطلقت مؤخّرا العديد من الهياكل الأمميّة والدوليّة كمنظمة التغذية والزراعة وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي والبنك الإفريقي للتنمية صيحة فزع من حصول « مجاعة » تؤدّي إلى اضطرابات اجتماعيّة وتُهدّد بصفة فعليّة الأمن والاستقرار في العديد من الدول، ووفقا لبرنامج الأغذية العالمي، يموت حول العالم يوميّا أكثر من 25 ألف شخص بسبب الجوع أو الأمراض المرتبطة به منهم طفل واحد كلّ خمس ثوان. كما تُفيد العديد من التقارير الصادرة عن منظّمة الأغذية والزراعة أنّ الأمن الغذائيّ تهدّد بشكل خاصّ المناطق الهشّة أصلا على غرار منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا ومناطق من الشرق الأوسط. كما تشير نفس التقارير بأنّ التغيّرات في أنماط تساقط الأمطار قد تؤثّر على المحاصيل وخصوص الأرز في العديد من بلدان ، وأقرّت العديد من هذه الهياكل الدوليّة برامج لتدعيم القدرة الإنتاجية للأراضي الفلاحيّة والتحفيز على تحقيق الأمن الغذائي للدول وهي برامج مساعدة وتمويل يُمكن الاستفادة منها محليّا لمزيد تحسين أداء القطاع الفلاحي الوطني والارتقاء به إلى تطلّعات الأمن الغذائي الوطني.
ولا يفوتنا التذكير هنا أنّه وبسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائيّة وندرتها أصبح العالم اليوم يتحدّث عن ما يسمّى بـ »الجياع الجدد » وهم بالتحديد ليسوا الفقراء بل الأشخاص الذين يملكون المال ولكن لا يستطيعون الحصول على الغذاء.
الإخوة الحضور،
أصبح من الملحّ اليوم وضع المزيد من الإستراتيجيّات المتلائمة مع التغيّرات الحاصلة في الأسعار وفي المناخ وفي الوارد المائيّة والكفيلة بالمحافظة على الموارد الطبيعيّة للأجيال القادمة عبر الترشيد في استهلاكها والسعي الدؤوب لتحقيق نموّ اقتصاديّ فلاحي في إطار معايير ومفاهيم التنمية المستديمة الّتي اندمجت بلادنا ومنذ فترة في استيعابها إيمانا منها بأنّها السبيل الوحيد لتعزيز مناعة البلاد وضمان مراكمة المزيد من النجاحات في المستقبل
ولا يفوتنا، أيّها الحضور الكريم، التنويه بالدعوة التي توجه بها رئيس الجمهوريّة إلى سائر الدول التي تنعم بالثروة النفطية للمشاركة في مجهود التضامن العالمي لدرء ما يتهدد عديد الشعوب من مخاطر الحروب والمجاعة والتهميش ، وذلك باقتطاع دولار واحد عن كل برميل نفط تساهم به هذه الدول في دعم الصندوق العالمي للتضامن الذي تم إنشاؤه بمبادرة من الرئيس بن علي خلال الاجتماع 57 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
السادة الحضور،
هذا مدخل لندوتنا اليوم ونحن ننتظر من السادة المحاضرين مزيد توضيح الصورة بخصوص سبل وآليات تحقيق الأمن الغذائي الوطني، كما ندعو الحاضرين من المناضلين وشباب الحزب والضيوف إثراء الندوة بالمداخلات وطرح ما يرونه من أسئلة واستفسارات وتصوّرات وقترحات حتّى تِؤتي هذه الندوة حصادها المرجوّ.
والسلام
على هامش برنامج «الرابعة» حول «التعصب والجهويات في الرياضة» على قناة «حنبعل» ماذا يقول القانون؟
بسبب وجود «القاعدة» أو بذريعتها … أميركا تعتمد صيغة مرنة لتوسيع نفوذها العسكري في المغرب العربي
أهم مائة مثقف في العالم
الاتحاد من أجل المتوسط يقسّم العرب
جرأة بالإعلام الليبي والتنظيمات الجامعية علي مناقشة نظم الحكم