في كل يوم، نساهم بجهدنا في تقديم إعلام أفضل وأرقى عن بلدنا، تونس
Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre pays, la Tunisie. Everyday, we contribute to a better information about our country, Tunisia
|
TUNISNEWS
9 ème année, N 3413 du 26.09 .2009
archives : www.tunisnews.net
حــرية و إنـصاف:أخبار الحريات في تونس
السبيل أونلاين:إعتقال اسلاميين بعد مداهمات بمنطقة سيدي حسين بالعاصمة تونس
حــرية و إنـصاف:علي رمزي بالطيبي يواصل إضرابه عن الطعام
لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس:مع بداية العام الدراسي الحملات تستعر على المحجبات في تونس
حركة النهضة:من أجل إنقاذ حياة البروفسور منصف بن سالم
المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدّمي: بــــــــلاغ
حزب تونس الخضراء بيان حول الفيضانات الأخيرة
اسماعيل بولحية للـ الصبـاح: لهذه الأسباب لم أترشح للرئاسية
محمد رضا سويسي:من أجل انتخابات بلا تجاوزات
عبد الفتاح الكحولي:المعارضة التونسية وضرورة ولوج مرحلة الوضوح والاستقرار
محمد البوصيري بوعبدلي:يوم أدركت أن تونس لم تعد بلد حرية( الجزء الاول)
السبيل أونلاين:معلومات اضافية عن كتاب صديقنا الجنرال بن علي
شهود عيان وناجون من الطوفان لـ (الشروق): منازل سوّيت بالأرض وأخرى تحوّلت الـى جــزر عائمــــــة
الشروق:بعد الفيضانات: من يتحمّل المسؤولية القانونية، وهــل يحق للمتضرّرين المطالبة بتعويضات؟
الصباح:خسائر متفـاوتة في القطاع الفلاحي وأضرار كبيرة في صابة التّمور
القدس العربي:إرتفاع حصيلة ضحايا فيضانات جنوب تونس إلى 21 قتيلا وأكثر من 100 مفقود
الصباح:لتوفيـر حاجيات تونس من الطاقة الكهربائية: قريبا مولـدات نوويـة وهوائيـة وشمسيـة
عبد السلام بوعائشة :إنهم يتحسّبون لمصر
الوطن:مخطط استراتيجي أمريكي لإشعال الحروب الأهلية وتمزيق العالم..
إعلان الدار البيضاء:الصحافة المغاربية تحت الضغط المالي، و السياسي، والأمني
ممثلي الهيئات الحقوقية والمنظمات المهنيّة وصحفيين بدول المنطقة المغاربية: رسالة تضامن
إسلام أون لاين .نت :فاروق حسني: سأفعل كل شيء يجعل إسرائيل « قزمة »
دنيا الوطن:المرأة المغربية التي هزت عاطفة المجتمع الهولندي بنشرها قصة حياتها كزوجة
صالح النعامي:سيلجاندر والقرآن………….شهادة من العيار الثقيل
عمر العزي :الإخوان السوريون.. ثلاثون عاما بحثا عن مدخل!
القدس العربي:اوباما يستعد لمواجهة مع ايران
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivan : Affichage / Codage / Arabe Windows)To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
جويلية 2009
الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 07 شوال 1430 الموافق ل 26 سبتمبر 2009
أخبار الحريات في تونس
1) حتى لا يبقى سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وراء القضبان: لا يزال سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وراء قضبان سجن الناظور يتعرض لأطول مظلمة في تاريخ تونس، في ظل صمت رهيب من كل الجمعيات والمنظمات الحقوقية، ولا تزال كل الأصوات الحرة التي أطلقت صيحة فزع مطالبة بالإفراج عنه تنتظر صدى صوتها، لكن واقع السجن ينبئ بغير ما يتمنى كل الأحرار، إذ تتواصل معاناة سجين العشريتين في ظل التردي الكبير لوضعه الصحي والمعاملة السيئة التي يلقاها من قبل إدارة السجن المذكور. 2) مضايقة المحجبات بالسوق الأسبوعي بنابل: يواصل أعوان البوليس السياسي مضايقهن للمحجبات بالسوق الأسبوعي بنابل وذلك بإيقافهن واستجوابهن واقتيادهن لمراكز شرطة المدينة المذكورة وإجبارهن على إمضاء التزامات تقضي بعدم ارتدائهن لهذا اللباس المصنف من قبل السلطة في تونس بـ »اللباس الطائفي ». عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري
إعتقال اسلاميين بعد مداهمات بمنطقة سيدي حسين بالعاصمة تونس
السبيل أونلاين – تونس – خاص أكدت مصادر موثوقة للسبيل أونلاين ، أن مداهمات وقعت منذ أكثر من أسبوع ، في حيّ 20 مارس بمنطقة سيدي حسين بغرب العاصمة تونس ، على خلفيّة وجود إسلاميين سلفيين بالحي المذكور . ويشهد حيّ 20 مارس الشعبي ، ظاهرة انتقال الشباب من الانحراف إلى التديّن ، كما يعرف الحي حركة نشيطة من حلقات تحفيظ القرآن ، ومختلف المناشط المسجدية. وأعتقل أثناء المداهمات مدرّب رياضي و صاحب قاعة رياضيّة مرخّصة تنشط منذ سنوات هو أيمن شوشان، بمعية كل من عماد الأخضر و سليمان التّواتي و صفوان العسكري و محمّد الحمروني . كما أعتقل أستاذ رياضة آخر أيضا وهو المنجي . وأكدت مصادرنا أنه لم يعثر في الحيّ علي أيّ محجوزات أو أدلّة على وجود « نشاط سلفي » ، وعلى ما يبدو فإنّ المطلوب هو ممارسة الضّغوط علي بعض المتدينيين من أجل التعاون مع جهاز الأمن ، كما حاولت عناصر البوليس مع مواطنين آخرين من نفس الحيّ لتحقيق نفس الهدف. وأكدت عائلات المعتقلين أنها تجهل مصير أبنائها منذ إعتقالهم . ولم تستبعد مصادرنا أن يكون الهدف من وراء الحملة « تنظيف الحيّ استعدادا للانتخابات ». (المصدر : السبيل أونلاين ، بتاريخ 26 سبتمبر 2009)
الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 07 شوال 1430 الموافق ل 26 سبتمبر 2009
علي رمزي بالطيبي يواصل إضرابه عن الطعام
يواصل سجين الرأي السابق السيد علي رمزي بالطيبي إضرابه المفتوح عن الطعام لليوم الخامس على التوالي للاحتجاج على المضايقات التي يتعرض لها من قبل لاعب كرة القدم السابق عادل السليمي الذي يدعي أنه مسنود من جهات عليا وانه فوق القانون وأن كل محاولات التقاضي التي اضطر إليها السيد بالطيبي لدفعه على تسديد معينات كراء المقهى لم تجد نفعا. وقد دخل البوليس السياسي على الخط بالاتصال بالسيد علي رمزي بالطيبي ودعوته للحضور بمنطقة الشرطة بقرطاج دون تسليمه استدعاء رسميا يتضمن سبب وتاريخ الدعوة مثلما ينص عليه القانون ، وهو نفس ما طالب به السيد بالطيبي. يذكر أن لاعب كرة القدم السابق عادل السليمي تسوّغ منه محلا تجاريا استغله كمقهى يقع بشارع الحبيب بورقيبة عدد 157 بالكرم، ولم يكتف المتسوّغ (الكاري) المذكور بعدم دفع معيّنات الكراء (مبلغ الكراء) في إبانها وهو ما أدى لرفع عدة قضايا استعجالية ضده، فقد عمد أخيرا إلى مضايقة مالك العقار (السيد بالطيبي) بأن نصب عدة طاولات وكراسي أمام منزله مستغلا فضاء إضافيا ليس في تسوّغه، وقد أدى ذلك إلى إحراج زائريه وأفراد عائلته الذين لم يعد بإمكانهم الدخول بسهولة إلى المنزل، بالإضافة إلى أن البعض من رواد المقهى الذين أتى بهم السليمي خصيصا لمضايقة السيد بالطيبي يعتدون باستمرار على الأخلاق الحميدة ويتجاهرون بما ينافي الحياء. وقد اشتكى السيد رمزي بالطيبي إلى رئيس بلدية الكرم السيدة فضلون لمنع هذا التجاوز إلا أن السلطات البلدية غضت الطرف عن مثل هذه التجاوزات، وبتشجيع من جهات متنفذة، تبجح مستغل المقهى السيد السليمي بكونه فوق القانون وأن الشكاوى التي يتقدم بها السيد رمزي بالطيبي لن تأتي بأية نتيجة، وما عليه إلا أن يبيع له منزله ويرحل من المنطقة. ويبدو أن السيد عادل السليمي تمكن أخيرا من امتلاك وهدم معلم أثري بالكرم يتمثل في قصر الوزير مصطفى الآغا الذي رفضت بلدية الكرم الترخيص في هدمه لجميع المالكين السابقين، وقد سبق لهذه البلدية أن صنفت هذا القصر باعتباره أول بناية أقيمت بالكرم وباعتباره القصر الذي كان يقطنه الشاعر المشهور مصطفى الآغا الثاني الذي آل إليه بموجب الميراث ضمن قائمة المعالم الأثرية، كما كان هذا القصر منتدى لأفراد من جماعة تحت السور. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري
بسم الله الرحمان الرحيم لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس تونس في 25.09.2009
مع بداية العام الدراسي الحملات تستعر على المحجبات في تونس
خلال الأيام الأخيرة ومع بداية العام الدراسي استعرت الحملات على الطالبات والتلميذات المحجبات في الجامعات والمعاهد الثانوية في كامل تراب الجمهورية التونسية ، حيث تعرضت الفتيات المحجبات إلى محاولات محمومة لمنعهن من مزاولة دراستهن ، وقد وقفت لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس على ما حدث بكل من معهد نهج باش حامبة ببنزرت ، أين منعت يوم الجمعة 25.09.2009 ، التلميذة المحجبة رانية الورتاني في حدود الساعة الثامنة صباحا من دخول القسم ، وذلك من طرف المديرة المسماة هدى شقير ، وهو ما حصل كذلك للفتيات المحجبات بمعهد الحبيب ثامر ببنزرت ، وهي مواقف متكررة لما يحدث يوما على إمتداد البلاد التونسية . وفي سياق الحملة على المحجبات في الجامعات التونسية ، تلقت لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس ، رسالة من أحد الطلبة ، أكدت إقدام إدارة المدرسة الوطنيّة لعلوم الإعلاميّة خلال اليومين الأخيرين ، على عرقلة ومنع الطالبات المحجبات من دخول الجامعة والإلتحاق بالدروس ، وتركزت المضايقات بالخصوص على الفتيات الاتي يرتدين « الجلباب الواسع » . ووجهت للطالب الذي أبدى مساندته لزميلاته المحجبات عند محاولة دخولهن حرم الجامعة ، الكلام السوقي وسب الجلالة ، كما تلقى تهديدات بالإعتداء عليه بالعنف من طرف عون الحراسة المسمى أنور وكذلك زميله ، والتلويح بإستقدام أعوان البوليس . وأكد الطالب الذي يزاول تعليمه بالمدرسة الوطنيّة لعلوم الإعلاميّة أنه تمكن رفقة زميلاته المحجبات من دخول الجامعة بعد جهود مضنية ، ودعا جميع الطلبة إلى مساندة زميلاتهم وزملائهم في المدرسة الوطنيّة لعلوم الإعلاميّة ونصرتهم أمام ما يتعرضن له من تعسف وظلم من قبل إدارة الكلية . ولجنة الدفاع عن المحجبات بتونس تجدد التأكيد على أن الحملات المحمومة على المحجبات في تونس لم تتوقف ، وهي تشتد خاصة مع بداية التسجيل وإنطلاق الموسم الدراسي ، وخلال فترات الإمتحانات ، كما تشهد الكثير من المناطق التونسية حملات متكررة في الأسواق والطرقات والأماكن العامة ، تستهدف المحجبات . تؤكد اللجنة أن السلطة التونسية تستنزف سمعة تونس وشعبها بممارسات تتعارض مع قيم المجتمع التونسي المحافظ ، وهي لا ترغب في تغيير سياساتها الثابتة في إستهداف الحجاب والمحجبات رغم كل التحذيرات الموجهة إليها بضرورة الكف عن إستهداف المواطنات التونسيات المحجبات . وتدعوها إلى وقف هذه الحرب وتحملها كافة النتائج الغير محمودة المترتبة عن المضي في هذا الطريق المسدود ، و إهدار الحقوق الأساسية للمحجبات التونسيات . تطالب علماء الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها إلى إدانة ممارسات السلطة التونسية بحق مواطناتها المحجبات ، وننبههم إلى خطورة قبول بعض الدعاة دعوات رسمية لزيارة تونس هدفها التغطية على تجاوزات السلطات ، وندعو كل المدافعين عن حقوق الإنسان إلى الرفض العلني لممارسات السلطة القمعية بحق المحجبات . عن لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس البريد :protecthijeb
بسم الله الرحمان الرحيم
من أجل إنقاذ حياة البروفسور منصف بن سالم
أدخل البروفسور المنصف بن سالم المستشفى بسبب تدهور صحي خطير، إذ فقدَ نور البصر بإحدى عينيه بصورة مفاجئة صبيحة يوم 09 جويلية 2009، مضافا إلى إصابته بمرض في القلب وارتفاع السكري. وقد أصيب البروفسور بكل هذه الأمراض بسبب الإهمال الصحي وما تعرض له من تعذيب حينما كان في السجن ، شأنه شأن المئات من مساجين حركة النهضة. وبعد مغادرته السجن تعرض وعائلته – شان الآلاف من أمثاله- لمظالم كثيرة حيث منع على امتداد عقدين من العودة الى عمله الجامعي ومن السفر وفرضت عليه الإقامة الجبرية لأكثر من عقدين من الزمن وحُرم أبسط الحقوق الطبيعية كجواز السفر وخدمة الهاتف والمراسلات وغيرها، فتفاقم وضعه الصحي، إلا أن ظروفه المادية القاسية منعته طيلة عشرة أيام من تفاقم الازمة من مراجعة الطبيب مما زاد في تدهور حالته الصحية وللتذكير فأن البروفسور التونسي المنصف بن سالم، حاصل على دبلوم مهندس أول في الصناعات الآلية من باريس ودكتوراة الفيزياء النظرية (1976 ) ودكتوراة في الرياضيات من باريس ( 1980 )، وقد كان قبل اعتقاله: مؤسسا ومديرا لقسم الرياضيات بجامعة صفاقس، وعضوا بالمجلس العلمي بالجامعة ذاتها، ومؤسسا ورئيسا لنقابة التعليم العالي بصفاقس، وعضوا بلجنة الانتداب بالوزارة ومقررا بمركزية الرياضيات ببرلين الغربية سابقا، ومقررا بمركزية ميتشيجن بالولايات المتحدة الأمريكية، وعضوا بالمركز الدولي للفيزياء النظرية بايطاليا التابع لليونسكو، وعضوا بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعضوا باتحاد الفيزياء والرياضيات العرب… ان حركة النهضة وهي تتابع بانشغال التطورات الصحية للبروفسور بن سالم، تدعو السلطات التونسية إلى -رفع كل إشكال الملاحقة والتضييق المسلطة عليه وعلى عائلته -تمكينه من جواز سفر ومن حقه في السفر من اجل العلاج -تدعو المنظمات الإنسانية والحقوقية لمزيد العمل من اجل إنقاذ حياته
لندن 25 سبتمبر 2009 الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة
المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدّمي
بــــــــلاغ
على إثر إسقاط ثمانية عشر قائمة انتخابية من بين القائمات الثلاثة والعشرين التي قُدّمت في اليومين الأوّلين من تقديم الترشّحات، عقد المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدّمي اجتماعا طارئا مساء الجمعة 25 سبتمبر 2009 في المقر المركزي برئاسة الأمينة العامة ميّة الجريبي خصّصه للنظر في تعمّد السلطة إسقاط قائماته الانتخابية، وتوقّف عند الانعكاسات الخطرة لهذا القرار على الحياة السياسية بالبلاد، وبعد التداول انتهى إلى ما يلي: إن المكتب السياسي يدين إسقاط قائماته الذي تمّ على خلفية سياسية عارية ودون أي مسوّغ قانوني، مردّه رفض الحكم وجود فريق معارض يتقدّم للشعب بمقترحاته وبدائله من أجل الإصلاح السياسي، يحيّي كل مناضليه للجهود التي بذلوها من أجل خوض هذه المعركة من موقع الجدارة ويدعوهم إلى عقد اجتماعات في الجهات لمجابهة هذا الإقصاء، يقرّر الطعن في قرارات الإسقاط لدى المجلس الدستوري والقيام بحملة إعلامية وسياسية للتشهير بمحاولة إقصاء الحزب الذي يحتل مكانة بارزة من المشهد السياسي، يقرّر دعوة اللجنة المركزية للحزب للانعقاد في دورة استثنائية يوم السبت 10 أكتوبر 2009 لاتخاذ الإجراءات المناسبة لمجابهة الموقف. عن المكتب السياسي د. أحمد بوعزّي
تونس في : 24/09/2009
حزب تونس الخضراء بيان حول الفيضانات الأخيرة
أدت التقلبات الجوية الأخيرة والأمطار الغزيرة ليلة 22 و 23 سبتمبر 2009 إلى فيضانات مدمرة ممتدة من الجنوب إلى الوسط . كل المواطنين الذين وقع الاتصال بهم بالجهات المتضررة أكدوا أن عمليات التدخلات الأولية جاءت بعد 12 ساعة من بدء الفيضانات ولقد كنا قد أعلنا عن طريق الإرساليات السريعة » Vert info » في الثامنة صباحا من يوم 23 سبتمبر 2009 عن هذه الفيضانات وتابعناها … غير أن إرسالاتنا لم ترق لبعض المسؤولين الذين اتصلوا بنا مستنكرين « انتقاداتنا » . لقد تسببت هذه التقلبات الجوية وما رافقها من فيضانات في تدمير كل البنية التحتية التي مرت بها وخلفت أكثر من 28 قتيل وعشرات المفقودين، كما كشفت للمواطنين عجز الإدارة المحلية والجهوية والرسمية عن أداء واجبها في حمايتهم . لقد كانت كل هذه المصالح مشلولة تماما كعادتها (فيضانات رمضان 2007 تركت أكثر من 18 ضحية) أما في مدينة الرديف الفقيرة والصامدة فإن هذه الفيضانات قد أتت على كل التركيبة التحتية وهدمت عشرات المنازل وتركت 23 ضحية وعشرات المفقودين ، ومن مآسي الصدف أن التقلبات الأخيرة جاءت لتؤكد مطالب أهالي الحوض المنجمي الذين يعانون من الفقر والتهميش، والذين أكدوا أيضا عن صمودهم أمام جبروت البوليس طيلة أحداث 2008 … ومازال أبناؤهم ونشطاءهم، عدنان الحاجي و بشير العبيدي وعشرات الشبان يقبعون في السجون وينكل بهم بعد محاكمات غير عادلة انتقامية ، فهل حان الوقت لكي يطلق سراحهم ! إن الدولة التي لا تستطيع حماية أبنائها وتمكينهم من العيش الكريم المحترم يجب أن تطرح العديد من الأسئلة حول مستقبلها . المنسق العام حزب « تونس الخضراء » عبد القادر الزيتوني عضو الحزب الخضر الأوروبي عضو الفيدرالية الإفريقية للخضر عضو « Global Greens » الهاتف الجــــوال : 00216 98 510 596 البريد الالكتروني : Tunisie.verte@gmail.com هاتــــف/فاكــــس : 00216 71 750 907
اسماعيل بولحية للـ الصبـاح: لهذه الأسباب لم أترشح للرئاسية
تونس الصباح أورد السيد اسماعيل بولحية الامين العام لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين في حديث للصباح أن حزبه يتمسك بموقعه ضمن قوى المعارضة ويدعو الى عدة اصلاحات من بينها تطوير الاعلام ومراجعة القوانين المنظمة للصحافة والانتخابات والجباية.. لكنه يتمسك بموقفه المساند لترشح الرئيس بن علي رئيس حزب التجمع الدستوري الديمقراطي للرئاسة.. لأسباب عديدة من بينها رهان بن علي على الشباب وتركيزه على معالجة مشاكله والتفاعل مع مشاغله ومن بينها التشغيل والاصلاح السياسي والانفتاح الاعلامي.. حول هذه المسائل وغيرها كان الحوار التالي مع السيد اسماعيل بولحية : أستاذ اسماعيل بولحية، تقدم رسميا إلى المجلس الدستوري 4 مرشحين للرئاسة من أحزاب المعارضة كيف تفسرون موقف حزبكم الذي لم يقدم أبدا مرشحا لهذه الانتخابات منذ تقنين بدء تجربة تعدد المرشحين للرئاسة في انتخابات 1999؟ + كنا أول حزب خارج السلطة يساند ترشيح الرئيس زين العابدين بن علي للانتخابات الرئاسية.. وتحديدا منذ مؤتمرنا الثامن المنعقد في أوت 2008 الذي جددنا فيه ما كنا عبرنا عنه بأن الرئيس بن علي يملك اليوم القدرة والأهلية ليتقدم أشواطا جديدة بالمشروع الديمقراطي التعددي في بلادنا.. ونعتقد أن بن علي في أوج العطاء لاستيعاب تحولات العصر بنفس جديد ودم جديد.. نحن نساند بن علي لانه راهن على الشباب.. ولاننا نؤمن مثله بضرورة ادماج الشباب في الحياة السياسية والاقتصادية.. ونحن ندعو في هذا الصدد إلى عقد اجتماعي جديد ضمن أغلبية رئاسية لمرحلة 2009ـ 2014 لتحيين القيم التي بني عيلها بيان 7 نوفمبر1987.. تناقض.. وسلوك غريب؟ لكن بعض زعماء الأحزاب المعارضة ومراقبين مستقلين يتساءلون كيف يمكن تفسير موقف حزب معارض من خارج السلطة ـ وليس طرفا في حكومة ائتلاف مثلا ـ يساند ترشيح رئيس حزب آخر؟ أليس في ذلك تناقض وخلط في الأدوار؟ نحن عبرنا بصراحة ووضوح عن موقفنا الداعم لبن علي.. وهو موقف نابع من استقراء مقتضيات المرحلة واستشراف المستقبل.. ومن خلال هذه الوقفة مع بن علي نجدد إيماننا بخيار » ثقة الشعب في القيادة وثقة القيادة في الشعب ».. لأننا نعتقد أن ثقة الرئيس بن علي في الشعب التونسي عنصر أساسي لإرساء دعائم جمهورية الغد « جمهورية الطموح، طموح كل التونسيين والتونسيات.. جمهورية السيادة للشعب والرفعة للوطن قوية بالمؤسسات المشاركة فيها للجميع لكل من يخدم تونس بصدق وإخلاص ولكل من يعمل من أجلها ويضحي في سبيل عزتها دون إقصاء ولا تمييز » كما حددها سيادة الرئيس بن علي . وإنطلاقا من هذا التصور واعتمادا على ثوابتنا الوطنية ومبادئ حركتنا اقترحنا عقدا اجتماعيا جديدا ضمن أغلبية رئاسية تتلاءم مع التمشي والأسلوب التونسي استعدادا لسنة 2012 التي سنحتفل فيها مع الرئيس بن علي بمرور ربع قرن على التحول.. أي باليوبيل الفضي للتحول. لاول مرة 5 مرشحين للرئاسة ما هو تمشيكم المركزي في هذه الانتخابات الرئاسية التعددية.. التي تقدم لها لأول مرة 5 مرشحين؟ شعار حركة الديمقراطيين الاشتراكيين للإسهام بفاعلية في خوض الحملة الانتخابية الرئاسية هو « مع بن علي تونس تنشد الحياة وتبني في كنف التلازم بين التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية� هذا التمشي الوفاقي لتيسير التحول الديمقراطي كان ولا يزال أسلوب حركة الديمقراطيين الاشتراكيين على مر السنين منذ انبعاثها في السبعينات.. أين الشباب والنساء؟ وهل تتوقعون أن يتفاعل الشباب والنساء مع خطابكم هـذا؟ شخصيا أعتز لتفاعل الشباب والنساء معنا.. وبمراهنة الرئيس بن علي على الشباب وقراره بجعل التشغيل وخاصة تشغيل أصحاب الشهائد في أولى أولوياته ومشاغله اليومية.. كما أقدر إصغاءه لنبض المجتمع وتفاعله مع التحولات التي تعيشها تونس في بداية القرن الواحد والعشرين.. وأسجل كذلك مع العناية بالشباب العناية المتواصلة بالعنصر النسائي نصف المجتمع لإدماجه في الدورة الاقتصادية والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية . ونتوجه بتحية إكبار وتقدير لسيدة تونس الأولى السيدة ليلى بن علي لما تقوم به من معاضدة مجهود الرئيس بن علي في الداخل وإشعاع تونس في الخارج من خلال سعيها الدؤوب على رأس المنظمة النسائية العربية لتحديث مجتمعاتنا والنهوض بالأسرة العربية في شراكة بين المرأة والرجل. البرنامج الانتخابي وما ذا عن برنامجكم كحركة معارضة في الانتخابات التشريعية؟ الانتخابات التشريعية ليست عملية ظرفية بل تتويجا لنشاط وحراك سياسي لهياكل حزبنا الذي اختار منذ انتخابات 1981 أن نشارك في جميع الاستحقاقات للاتصال بالشعب ونشر الثقافة الديمقراطية التعددية والإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية في نحت مصير تونس عن طريق صناديق الاقتراع.. وقد اخترنا للانتخابات التشريعية التي ستجري يوم 25 أكتوبر القادم « الولاء الكامل والدائم لتونس ».. وسنسعى إلى تجديد خطابنا انطلاقا من ثوابتنا وتجاوبا مع تطلعات شعبنا في مختلف أنحاء البلاد بعد أو وضعنا سنة 2009 �سنة النهوض بالجهات �.. وقد نظمنا حملة توزيع مطويات لاقناع الشباب بجدوى ممارسة حقه في الانتخاب والإقبال على التسجيل في القائمات الانتخابية والمشاركة في إعداد البرامج الانتخابية والتعبير عن مشاغله وطموحاته والتفاعل مع مجتمعه والاندماج فيه وسوف يكون بياننا الانتخابي نابعا من مساهمات الجهات وما تراكم لحركتنا من مواقف ومبادرات وطنيا وجهويا.. القائمات الخضراء من المعروف أن أغلب نواب المعارضة منذ 1994 ينتمون إلى حركتكم صاحبة اللون الاخضر.. وهو ما قد يكرس مجددا هذا العام.. فكيف اخترتم رؤساء قائماتكم؟ وما صحة ما يقال عن وجود تنافس خلافات حول بعضها داخل قيادتكـــم؟ أعددنا قائماتنا حسب منشور أعدته قيادة الحركة وضعت فيه المقاييس والضوابط التي اعتمدتها هياكلنا.. الحركة وقدمت القائمات على ضوئها.. وتتميز قائماتنا بنسبة تجديد تحوم حوالي 50 بالمائة ومعدل أعمار أعضاء جميع القائمات بمختلف الدوائر الانتخابية 38 سنة ورؤساء القائمات 49 عاما.. مع تواجد 21 امرأة من بين 161 مرشحا.. وقد أعددنا كل الوثائق القانونية وقائمات الملاحظين لنكون في الموعد ونساهم بفاعلية في إنجاح المحطة الانتخابية 2009 لضمان مناعة تونس وازدهارها وتحسين تموقعها وإشعاعها بين الأمم. ما بعد الانتخابات أخيرا ما هي أهم أولوياتكم بعد الانتخابات؟ من أبرز أولوياتنا بعد الانتخابات دعم البرنامج السياسي للرئيس بن علي وطنيا وعربيا ودوليا.. لا سيما فيما يتعلق بتفعيل دوره ودور تونس في مجال تحريك القطار المغاربي.. كما اعتقد أن من بين أبرز اولويات تونس بعد الانتخابات ايجاد الية ـ هيكل ـ لضمان لقاءات سياسية تشاورية دورية بين قادة كل الاحزاب السياسية حول الملفات الوطنية الكبرى ,.كما ينبغي تطويرالقوانين الاساسية لتواكب مابلغه المجتمع التونسي من نضج ووعي عبر تحرير الاعلام وتعديل قوانين الصحافة والانتخابات والجباية.. ومراجعة المنظومة التربوية.. مع معالجة ملفات التشغيل والبطالة.. وتنظيم حوارات جريئة تضمن التواصل مع الشباب وتحقق التنمية في كل جهات البلاد وتكرس التضامن بين كل مكونات المجتمع.. حاوره كمال بن يونس (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 26 سبتمبر 2009)
من أجل انتخابات بلا تجاوزات
بقلم: محمد رضا سويسي تكون كلّ القوائم المترشّحة قد وقع إيداعها في مختلف الولايات عندما تكون جريدتنا في عددها هذا تحت الطّبع ممّا يعني أنّ مرحلة مهمّة من مراحل الاستعداد للانتخابات قد تمّ انجازها من مختلف الأحزاب والقوى المشاركة في هذه المحطّة السّياسية الهامّة في مسيرة البلاد. ونهاية هذه المرحلة هي بداهة ايذان بانطلاق مراحل أخرى تبدأ بعد مباشرة بعد تسلّم الوصولات النهائيّة للقوائم حيث تأخذ مرحلة الإعداد للحملات الانتخابيّة الرّئاسيّة والتّشريعيّة نسقا أكثر سرعة وجدّية. ومواكبة لذلك بل ومساهمة في كلّ ذلك نلاحظ حركيّة استثنائيّة في صلب الأحزاب السّياسيّة والمنظّمات الوطنيّة والمهنيّة المعنيّة وكذلك في صلب الإدارة الّتي يقع على عاتقها الجانب التّقني والتّنفيذي للعمليّة الانتخابيّة في كل مراحلها وكذلك في وسائل الإعلام المختلفة مرئيّة ومسموعة وخاصّة المكتوبة الّتي تبدو أكثر استعدادا وقدرة على استيعاب النّفس التّعدّدي رغم ما لم تستطع العديد من هذه الوسائل إخفاءه من انحياز لطرف دون الآخرين. وإذا كان لا بدّ من التّنويه بما لقيته مختلف القائمات الانتخابيّة من حسن استقبال في مختلف الولايات ونحن نقيس في ذلك عمّا كان مع قوائم حزب الاتّحاد الدّيمقراطي الوحدوي، فإنّنا في نفس الوقت نلفت الانتباه إلى ما يصحب مثل هذه المناسبات الهامّة من تداعيات وسلوك قد يؤثّر سلبا على السّير العادي لمختلف مراحل ومفاصل العمليّة الانتخابيّة. فممّا تمّت ملاحظته مثلا سعي بعض وسائل الإعلام المكتوبة في إطار تغطيتها اليوميّة لعمليّة إعداد القائمات وتقديمها إلى تضخيم ما يجري في أحزاب المعارضة من منافسة أو اختلافات حول كيفيّة إعداد القوائم الانتخابيّة وتحديد رؤسائها بحيث تقدم نفس الجريدة على إعادة نفس الخبر أكثر من مرّة وبأكثر من صياغة وسياق كلّما تعلّق الأمر بإشكال قائم في حزب معارض بينما تصوّر ما يجري في صلب الحزب الحاكم على أنّ ما يجري فيه هو حالة مثاليّة من التّفاعل الدّيمقراطي والانضباط والوئام الحزبيّين. إنّ هذا الأداء الإعلامي الّذي تعجز أحيانا صحف المعارضة على تطويقه والحدّ من تأثيره على مختلف أبناء الشّعب بحكم محدوديّة انتشارها لعدّة أسباب خارجة عن نطاقها ممّا ليس هذا مجال الخوض فيه لا يمكن أن يخدم بشكل إيجابيّ عمليّة التّأسيس لتحوّل ديمقراطيّ متين الأسس والأركان بحيث غير قابل للتّراجع أو الارتداد فمثل هذا الإعلام من حيث يعي أصحابه أم لا يصبح عنصر إحباط ودافع للاّمبالاة والاستقالة والعزوف لدى عموم أبناء الشّعب خاصّة منهم النّاشدين لهذا التّحوّل والعاملين من أجله. أمّا إذا عالجنا الأمر من حيث الأصل فإنّ ما يجري في أحزاب المعارضة من تفاعلات هو في الحقيقة أمر صحّي في بعض جوانبه إذ أنّ عمر هذه الأحزاب يعتبر صغيرا مقارنة بالحزب الحاكم وبالتّالي فإنّها لا تزال تعيش حالة التّأسيس وهو أمر يصحّ أكثر إذا أخذنا بعين الاعتبار الصّعوبات والعراقيل الّتي تعترض هذه الأحزاب وذلك سواء في مستوى الإمكانيات المادّية أو في مستوى الرّصيد البشري الّذي بقي محدودا وغير مؤطّر بالشّكل المطلوب وهو ما يتسبّب أحيانا في تجاوزات يمكن حملها على أنّ هذه العناصر مازالت تعيش مرحلة التّدرّب على العمل الحزبي بما يعنيه ذلك من انضباط حزبي وما يقتضيه من تجاوز للذّات الفرديّة أمام المصلحة الحزبيّة مع التّفريق دائما بين العمل السّياسي الّذي عاشه عدد كبير من الشّباب في مراحل معيّنة من تاريخ البلاد في إطار تيّارات سياسيّة، بل فكريّة، مختلفة تكون فيها إمكانيات الحركة والمناورة أكثر مرونة لاقتصارها على الالتزام الفكري والأخلاقي دون الالتزام القانوني والهيكلي كما أنّ ما يحصل في هذه الأحزاب هو أوّلا وأخيرا جزء من التّأسيس للدّيمقراطيّة بداخلها كما أنّه يأتي في إطار اختبار معدن المناضلين والفرز على قاعدة الأكثر وعيا وانضباطا فالمخاض ليس سهلا أو عمليّة ميكانيكيّة وإنّما هي سلوك بشري تحفّ به عدّة عناصر وعوائق موضوعيّة وذاتيّة. إنّ ما نروم تبليغه من كلّ هذا هو أنّ جميع الأطراف المتدخّلة في هذا المسار الانتخابي تأمل في انجاز هذه المحطّة دون تجاوزات تذكر بما يساعد على تحقيق أهدافها في عمليّة تركيم حقيقيّ في اتّجاه التّحوّل الديمقراطي المنشود وفي اتّجاه أخذ جميع الأطراف دورهم كاملا في عمليّة التّنمية الشّاملة في البلاد على قاعدة المشاركة المسؤولة والايجابيّة وهو أمل لا يمكن أن يتحوّل إلى حقيقة ملموسة إلا إذا تجنّبت الهياكل الفاعلة في الإشراف والتّسيير مثل الإدارة بعض المحاذير مثل الانحياز لطرف دون آخر أو العمل على عرقلة حركة هذا لفائدة ذاك وكذلك الأمر بالنّسبة لبعض وسائل الإعلام الّتي يتعيّن عليها التّحرّي والالتزام بالأهداف الوطنيّة بعيدا عن انحياز مجاني ليس مطلوبا منها بل إنّ مضارّه أكثر من منافعه. أمّا الحزب الحاكم بمختلف هياكله فهو في غنى كامل عن إثارة أيّ غبار حول هذه المحطّة الانتخابيّة ممّا من شأنه أن يعكّر سيرها حتّى يكون سلوكه منسجما مع خطابه المعلن ومع أقدميّته في الزّمن وفي الخبرة ومع رصيده البشري وإمكانياته المادّية. (المصدر: صحيفة » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 103 بتاريخ 18 سبتمبر2009)
المعارضة التونسية وضرورة ولوج مرحلة الوضوح والاستقرار
بقلم: عبد الفتاح الكحولي بمناسبة كل موعد انتخابي تتجدّد الدعوة إلى أن يكون هذا الموعد محطّة لتدشين مرحلة سياسية أكثر تطوّرا ولئن كانت هذه الدعوة مشروعة تترجم عن حرص أصحابها على بلوغ الأفضل فإنها لا تمثل بالنظر إلى السياق السياسي الراهن سوى جزء من المطلوب إنجازه لأن مثل هذه الدعوة تعبّر في الكثير من حالاتها عن مجرّد رغبة أو مطالبة للسلطة بإنجاز حزمة من الإصلاحات دون تكليف الذات عناء التأمّل في واقع المعارضة وما هو مطلوب منها في ضوء المرحلة التي أدركتها في مسار تطوّرها. إن التأمل في واقع المعارضة التونسية مهمّة متأكّدة لأن تجربة « التحول الديمقراطي » تقوم على وفاء كل الأطراف بواجباتها والتزامها بتعهّداتها من أجل الانخراط الجماعي في تنفيذ بنود « الميثاق المشترك » وتحقيق حالة من التطبيع مع قيم الديمقراطية تسمح بترسيخ نظام ديمقراطي مستقرّ يحفظ الحقوق الديمقراطية ويكرّس الواجبات الوطنية في الآن نفسه. إن مرحلة التحوّل الديمقراطي تستوجب بلوغ حالة من النضج السياسي وروح المسؤولية العالية حتى تكون قادرة على بلوغ أهدافها المرجوّة في أقصر الآجال. فهل بلغت المعارضة التونسية مرحلة النضج المطلوبة؟ نعتقد من منظور عقلانى بعيد عن السطحية والتضليل أنّ « الحركة الديمقراطية » بما هي « مبادرة جماعية » تهدف إلى تغيير وضع ما من أجل تكريس وضع أفضل تنخرط في مسار من التطور يتوّج ببلوغها مرحلة « الوضوح والاستقرار » لكنها تعرف في مسار تطوّرها حالة من الغموض والتردّد الفكري والسياسي تستحيل معها قاعدتها الإيديولوجية مزيجا من أفكار غير متجانسة تجمع بين « التقليدي » والملتبس بـ « الوعي المباشر » غير العقلاني و »المجدّد » المرتبط بتوطين قيم الديمقراطي في الفكر. إنّ هذا التردّد يحضر بشدّة في النموذج التونسي إذ أن كثيرا من الأفكار والمفاهيم المتداولة في خطاب بعض القوى المنتسبة إلى الحركة الديمقراطية تعبّر عن حالة من الانشداد لأفكار مثلت موطن الجاذبية الأساسي في الموروث الإيديولوجي فليس من اليسير التخلص منها أو حتى « التخفف من أعبائها » خشية « انفراط عقد الأنصار » والوقوع في محنة « ضعف التعبئة » إن التشبث بالموروث الإيديولوجي تحت وطأة تلك المحاذير والمخاوف يجعل بعض مكوّنات « الحركة الديمقراطية » متردّدة بين أفكار تبني بها جدار الثقة مع أنصارها الحقيقيين أو الافتراضيين وأفكار يفرضها رغم انتمائها إلى « النادي الديمقراطي » وإذا كانت مرحلة التردّد والغموض مصاحبة لمسار تطوّر أيّة حركة ديمقراطية بما يجعلها من نفس المنظور العقلاني مرحلة طبيعية فإنه من غير الطبيعي أن تستمرّ كثيرا في الزمن إذ تتحوّل عندها إلى عائق بنيوي مربك للحياة السياسية معطّل لمسار تطوّرها وتحديثها. أمام هذا الوضع الذي يخشى فيه أن تتحوّل مكوّنات الحركة الديمقراطية أو بعضها إلى عائق أمام التحديث السياسي وتكريس النظام الديمقراطي في الوقت الذي تزعم فيه انتسابها إلى قوى التقدم والديمقراطية تبدو المهمة العاجلة بالنسبة إلى الحركة الديمقراطية تسريع وتائر الخروج من مرحلة التردّد والغموض وولوج مرحلة الاستقرار والوضوح لأن بلوغ هذه المرحلة هو الشرط الضروري لتسريع وتيرة الإصلاح السياسي على قاعدة روح المسؤولية المشتركة بين كل الفاعلين السياسيين. كما أن ولوج مرحلة الاستقرار والوضوح سيمكن مختلف الفاعلين من الانخراط في سيرورة غرس القيم الديمقراطية في الفضاء العام انخراطا فاعلا ومنتجا لأن الديمقراطية ليست مجرّد انتخابات بقدر ما هي حراك لا يتوقّف من قبل الفاعليين السياسيين غايته توطين القيم الديمقراطية في الوعي الجماعي من أجل سدّ الطريق أمام قوى التخلف والغلوّ وقوى التيئيس وكل المشككين في أفضلية النهج الديمقراطي ومن أجل بلوغ المجتمع حالة من الاستقرار الراسخ المتمكن من الوعي العامّ. وإذا كانت الضبابية والتردد حالة متأكدة الحضور في القاعدة الإيديولوجية الفكرية فإن غياب التجانس في السلوك السياسي هو السمة البارزة في مستوى الممارسة العملية فالنضال من أجل الديمقراطية يتّخذ أشكالا عديدة بالنسبة إلى التجربة التونسية وقد يكون نقد الواقع نقدا علميا منتجا مولّدا للأمل في بلوغ الأفضل وقد يكون عاطفيا عفويا مباشرا سطحيا يهدف إلى التّيئيس وقد يؤثر الواقع بما ينتجه من سلوكات هنا أو هناك في إنتاج فعل سياسي أقرب إلى ردّ الفعل منه إلى الفعل المعقلن. وإذ تميل بعض أنماط السلوك السياسي إلى العشوائية فإنها تنتج كل أشكال التضليل للشعب عندما تتعالى على واقعه ودرجة وعيه ولهفته على المطلب الديمقراطي انخفاضا وارتفاعا لتعبّر عن مطالب ومهمّات لا ترتقي بحكم الواقع إلى مرتبة « العاجل » و »المتأكد » وهذه الأشكال لا تؤدي إلا إلى طريق مسدود وإلى حال من الإحباط لأن الحلم إذا التبس في الأذهان بالواقع والممكن تحوّل إلى كابوس. إن المعيار الحقيقي – في نظرنا – هو التجربة والمراكمة العملية هي الطريق إلى إنجاح الحركة الديمقراطية وبلوغها مرحلة الاستقرار لأن هذه المراكمة ستبرز مدى نجاعة أساليب في العمل السياسي ومدى فشل أخرى وهذه المراكمة هي التي ستفرز وحدة في مستوى الخيارات الكبرى وتبني المعايير المشتركة للتحديث السياسي وتنتج قوى إيجابية مبدعة تؤسس لميلاد حركة ديمقراطية عقلانية مرتبطة بمفهوم المصلحة الوطنية. كما أن التجربة الميدانية هي وحدها الكفيلة بأن تحول مكوّنات الحركة الديمقراطية من خيار النضال » من فوق » إلى خيار النضال « من تحت » بما يعنيه ذلك من ترك أولوية « بلوغ السلطة » إلى أولوية تعميم السلوك الديمقراطي والحسّ المدني والوعي بأهمية المكاسب المشتركة (acquis communautaires). إن هذا التحول هو الذي سيمكن مكونات الحركة الديمقراطية من ولوج مرحلة النضج والوضوح والاستقرار الفكري والسياسي كمرحلة ضرورية لبناء الثقة والوقوف على أرضية صلبة ومشتركة بين كل الفاعلين السياسيين لإنجاح مرحلة التحول الديمقراطي ودون بلوغ هذه المرحلة ستسود بين بعض مكوّنات الحركة الديمقراطية نزعة عدمية انعزالية تميل إلى المزايدة الخطابية والهجومية والتعالي والشخصانية وكل ما يمكن أن يساهم في تعطيل نشر وعي عقلاني نراه ضروريا في عملية التحديث السياسي. إنّ الدعوة إلى تطوير التجربة السياسية لا بدّ أن يمرّ من طور الرغبة والمطالبة إلى طور الفعل المنتج ولا يتأتّى ذلك إلا بتأمّل مكونات الحركة الديمقراطية أو المعارضة لوضعها ونقد ممارستها وخطابها من أجل بلوغ مرحلة الوضوح والاستقرار ومن ثمّ الفعل المسؤول والانخراط الواعي في سيرورة التحديث السياسي. (المصدر: صحيفة » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 103 بتاريخ 18 سبتمبر2009)
محمد البوصيري بوعبدلي
يوم أدركت أن تونس لم تعد بلد حرية
تمهيد لباتريك بودوان محام – رئيس شرفي للفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان أهدي هذا الكتاب لأولئك التونسيين الكثيرين الذين عملوا، منذ سنين طويلة وقبلي أنا بكثير، من أجل أن تصبح تونس بلدا حرا وديمقراطي ا.كما أشكر كل الذين ساعدوني.
تمهيد
الآمال المستهان بها
الأكيد أن الرئيس بن علي ليس رئيس الدولة الوحيد الذي يتحررمن الوعود الانتخابية والالتزامات التي يتخذها قبل الوصول إ لى السلطة .ولكنه يتميز بأنه فعل تقريبا عكس كل ما كان أكد للتونسيين أنه سوف يقوم به في بيان أعلن عنه يوم 7 نوفمبر 1987 عندما تم عزل الرئيس بورقيبة .والمزية الأولى لكتاب محمد البوصيري بوعبدلي أن ه بين بشكل واضح جدا ومن خلال تحليل موضوعي وعقلاني الفرق الكامل بين بيان غني بالأمنيات الديمقراطية وبين واقع مستهين بكل مبادئ الديمقراطية الفعلية .بعد مرور عشرين عام من تولي الرئيس بن علي السلطة فان حصيلة تونس في مجال احترام الحريات تبدو هزيلة، كما أن الا ندفاعة الواعدة بالإصلاحات قد توقفت وعوض أن يتحسن الوضع فانه يزداد تردي ا. فالإساءة لحرية تكوين الجمعيات وحرية الاجتماع وحرية التعبير وحرية الصحافة في تفاقم مستمر، والسلطات التونسية لم تلتزم في هذا الشأن بالتوصيات التي عبر عنها المقرر الخاص للأمم المتحدة في مجال.حرية التعبير وحرية الرأي على اثر الزيارة التي قام بها سنة 1999وسيطرة السلطة التنفيذية كاملة على جهاز قضاء لا يعترف باستقلال القضا ة. أما النظام الانتخابي فقد أرسى واجهة تعددية تسمح لرئيس الدولة بالحصول على إعادة انتخابه بنسبة تقارب 100 % من الأصوات، وهي نسبة تكفي لسحب الثقة من انتخابات جديرة بأكثر الأنظمة دكتاتورية . صحيح أن تونس تتباهى ببعض النجاحات في الميدان الاقتصادي وتتحدث عن وضع أفضل من أغلبية بلدان الجنوب في مجالات الصحة والتربية، وأنها تبدو أكثر تقدمية في مسألة المرأة من بلدان عربية كثيرة، وأنها تقدم عن نفسها صورة أكثر أمنا من جيرانه ا.ولكن في هذا إهمال للوجه الآخر من الصورة ونسيان لتصاعد الرشوة،وخاصة في الدائرة المحيطة برئيس الدولة مباشرة، وامتناع عن رؤية أن العسكري والوزير القديم للداخلية، وهو الرئيس بن علي قد تعمد عدم احترام الحقوق المدنية و السياسية ليضع مكان ذلك نظاما يخنق الحريات ويقضي على كل صوت معار ض. وهكذا فهناك تناقض صارخ بين خطاب رسمي متكون من تصريحات براقة وبين وا قع يومي معاش يختص بالقمع المبرم لكل من ينتقد السلطة أو يعبر عن رأي مخالف لرأيها .ولهذا فكل أطراف المجتمع المدني مستهدفو ن: ا لمدافعون عن حقوق الإنسان والصحافيون والمحامون والطلاب المناضلون وكواد الأحزاب السياسية المعارضة … في سياق الرهبة هذا يؤدي التهديد بالتتبعات في الغالب إلى المراقبة الذاتية التي يمارسها عديد المعارضين على أنفسهم . والسلطة لا تتردد في استخدام حزمة كبيرة من ا لإجراءات التي تدعي مقاومة الإرهاب كي تمارس كل أشكال إخماد الأصوات المعارضة .والنتيجة هي وجود عدد كبير من سجناء الرأي في السجون التونسية . وفي حين أن طرق القمع المستخدمة لا تنفك تتطور وتتعقد فان تصريحات لجنة الأمم المتحدة لمقاومة التعذيب ، وقد سبق لها أن عاقبت تونس سنة 1998 ، لا تزال سارية المفعول . فقد سبق لهذه اللجنة أن عبرت عن انشغالها أولا إزاء « الفرق الشاسع الموجود بين القانون وبين الممارسة في شأن حماية حقوق الإنسان » ثم إزاء « ممارسات التعذيب والمعاملات القاسية والمهينة التي قامت بها قوات الأمن والشرطة والتي أدت في بعض الحالات إلى الموت في السج ن » ثم اتهمت السلطات التونسية بمنح « حصانة للقائمين بالتعذيب وتشجيع تواصل مثل هذا النوع من الممارسات الكريهة « . وفي بلد تجتمع فيه كل شروط النضج لكي يتمتع الشعب بحياة ديمقراطية حقا، فان من الضروري دعم الديمقراطيين التونسيين في نضالهم ضد سياسة قمعية لحكومة بوليسية . ومن الضروري كذلك أن لا يقع الاكتفاء باحتواء السلطات التونسية لحقوق الإنسان والتنديد بقوة بواقع الخروق الخطيرة المرتكب ة. وان ذريعة خطر التطرف لا يمكنها أن تكفي بصورة جدية لكي تستخدم لمطاردة المدافعين عن القيم الكوني ة لحقوق الإنسان التي تمثل أضمن الحصون ضد التعصب . ومن العاجل الآ ن وضع حد لتضليل للرأي العام وللسلبية المتواطئة للمجموعة الدولية، وذلك بكسر جدار الصمت وان قلي لا. وان أوروبا بصفة خاصة لا ينبغي أن تستمر في الصمت بل يجب أن تضع في المقام الأول، ضمن إطار الاتفاقي ات الأوروبية المتوسطية، البند المتعلق « بحقوق الإنسان » الذي يسمح بجعل تطور الحريات شرطا لتنمية التعاون . والكتاب الذي ألفه محمد البوصيري بوعبدلي يدعو إلى مثل هذا التضامن مع الشعب التونسي، فهو يتضمن، علاوة على التنديد بانحرافات وتراجعات النظام التونسي، خصلة أخرى جوهرية ونادرة تتمثل في تضمنه عديد المقترحات البناءة تصلح كوصفة لجعل تونس بلدا ديمقراطي ا.فإذا تحقق مثل هذا الهدف فان النتيجة يمكن أن تكون سعادة التونسيين وكرامتهم وكذلك جلب الاحترام والتأثير لها على نطاق دول ي. فعسى أن يسهم هذا الكتاب في مستقبل أفضل . باتريك بودوان محام – رئيس شرفي للفدرالية الدولية لرابطات حقوق الانسان
مقد مة
بلدي بلد الياسمين وليس العشوائية
أنا مواطن تونسي، وهذه الصفة التي لا يمكن لأي سلطة أن تزيلها تفرض علي واجبا ت. هناك فوارق وتجاوزات للقانون وتحويلات للسلطة بقيت دون عقاب، أمام نظر الجميع، وواجبي كمواطن يقتضي أن أصرخ « لا » و أن أنبه الرأي العام وألفت نظرا « المجتمع المدن ي » في ما يخص التجاوزات التي تعرضت لها والتي قد يجد أي مواطن تونسي آخر نفسه معرضا لها مثلي . إن النداء الذي أوجهه يمثل أخذ موقف « سياسي » يمكنني منه الدستور على أنه حق من حقوقي الواضحة والتي لا تقبل النقا ش.هذا الموقف ليس حادثة منعزلة في حياتي، فقد تعودت منذ الصغرعلى العمل السياسي لأنني أنتمي إلى عائلة أصيلة الجنوب التونسي،متواضعة ولكن معروفة بالوطنية والنضال، ولهذا فقد كنت الكاتب العام وانتميت، في بداية العهدللخلية الدستورية « ف رحات حشا د » بباريس البورقيبين إلى الشبيبة الدستورية (الحزب الواحد لبورقيب ة). وبما أني كنت مقتنعا بأن العمال التونسيين الشبان يجب أن يشاركوا في خدمة مصلحة وطنهم وإنمائه فقد كنت السبب في تكوين تعاضدية صناعية في الجنوب التونسي صحبة مجموعة كبيرة من العمال بالمنطقة . كما ناضلت في صفوف « ودادية العمال التونسيي ن » بباريس من أجل تعاون العمال التونسيين في منطقة باري س. والحق أني عندما وقعت لي خيبة أمل بسبب المنعرج الاستبدادي الذي سار فيه نظام بورقيبة، انفصلت عن الحزب الدستوري عام 1973 كي انخرط عام 1978 في الحزب الذي كان يناضل في ذلك الوقت من أجل الديمقراطية وهو « حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ». وقد كانت عودة الوعي السياسي بالنسبة إلي،كماهوالحال في اعتقادي بالنسبة إلى الأغلبية الكبرى من التونسيين نتيجة لخيبة الأمل التي حدثت بسبب التحولالذيوقعللأسففيالنظامالجديدبعدسنواتفقط1، أعني تاريخ عزل الرئيس بورقيبة والذي من تاريخ 7 نوفمبر87 ازدادت خطورته منذ ذلك التاريخ. لقد شجع « بيان 7 نوفمبر » فعلا الشعب التونسي على التسامح مع عزل رجل عظيم أحبه كل الشعب التونسي برغم الخيبات التي حصلت في آخر عه ده، بل إن البيان قد وقع تقبله على أنه رسالة أمل في الازدهار والتقدم والالتزام بالسير في طريق الديمقراطية في العدالة لمصلحة شعب أقر البيان بأنه بلغ درجة من النضج السياسي تخول له في كنف الحرية والأمن أن يمارس حقوقه في المواطنة وبأن يكون طرفا في معادلة مجتمع سياسي حر وعصر ي. وقد زاد التدهور في الوضع السياسي والاقتصادي و الاجتماعي والثقافي استفحالا للأسف ! فتساءلت، كأغلب المواطنين التونسيين:كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد في بلد معروف بتسامحه وتفتحه وبالمكاسب العديدة التي أحرزها منذ الاستقلال؟ كيف تمركزت كل هاته الخيبة في البلد بعد اندفاعة الحماس؟ والارتياح والأمل التي سادت على اثر 7 نوفمبر 1987 لماذا تلتقي كل وسائل الإعلام الأجنبية في جعل تونس تستهتر بأنها بلد فساد ومحسوبية وظلم وقمع ورشوة وهجرة رؤوس أموال بل وحتى تبييض أموال وتدهور مؤسسات من المفروض أنها أكثر المؤسسات احتراما وأولوية للنماء العادل والمستدام للمجتمع كافة؟ هل أن كل هؤلاء الملاحظين الأجانب وكل هذه المنظمات الدولية الحكومية والغير الحكومية التي تلاحظ وتدرس شؤون البلد من الداخل ومن الخارج على خط أ؟ هل هم جميعا مخطؤون؟ وعلى الدوام؟إن اللغة « المتخشبة » التي يتكلمها النظام ووسائل الإعلام التابعة له ،والتي تكرر باستمرار أن كل هذه التهم لا أساس له ا، وأنها مجرد إشاعات تمليها الغيرة فق ط، من قبل أناس في الخارج يحسدوننا على النجاحات التي حققناها وعلى سداد حكامنا، لم تعد كافية لإقناعن ا. وبالنظر إلى الفجوة العميقة التي تفرق بين هذه الخطابات التي لم تعد تنطلي على أحد، من ناحية، والى شهادات عديد الملاحظين المحايدين من المفكرين الأحرار في تونس وخارجها، من ناحية ثانية، فقد نظرنا إلى واقع البلد على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي و الثقافي من أجل أن نكتشف فيه الحقيقة من غير انحياز أو مجاملة ودون تهويل أو عنف زائد على اللزوم . انطلقنا من حقيقة أولية وهي أن تونس جديرة بأن تفاخر بكونها بلدا عصريا ومثقفا وعاملا ومتسامحا ومسالما ومتفتحا على العالم وعلى الثقافات والحضارات الأجنبي ة؛ ومن أنها بلد حقق نجاحات ومكاسب قل أ ن تحققت في الكثير من الب لدان التي تنتمي إلى نفس مجموعتها؛ ومن أنها بلد له مؤسسات دستورية وسياسية عصرية . إن تونس قد كونت نخبة قادرة، عدديا ونوعيا، على تسيير البلد على طريق النماء والتقدم بنسق وبتحقيق نتائج أعلى وأحسن من التي نراها اليوم ودون التقصير من الس لطة والاخلالات السياسية والنقائص والسلبيات التي نشاهدها بوضوح وبدون أي شك في الواقع اليوم ي.في هذا الكتاب قدمنا تحليلاتنا وأفكارنا ومقترحاتنا، وأشرنا إلى مجموعة من الإصلاحات رأينا أنها كفيلة بأن يبلغ بلدنا شاطئ النجا ة. ونحن ندعو أبناء وطننا إلى الانضمام إ ليها والى دع مه ا وتشجيعها. لماذا اليوم؟ ولماذا كل هذا التأخير والحال أن التصرفات المشار إليها في هذا الكتاب هي، في جزء منها، قديمة ومعروفة، الإجابة أنني وزوجتي كنا نشرف على مجموعة من مؤسسات التعليم، ولذلك فقد سخرت كل جهدي لهذه المهمة التربوية .ونجاح مؤسستنا التربوية هو الشاهد الذي لا يكذب على إخلاصنا لمهمة دقيقة منحتنا الكثير من السعادة والرضى على النفس وكان بودنا أن نصرف كل طاقتنا في هذه المهمة وحده ا. كان بودي، وأنا مربي عن اختيار ورغبة، أن أواصل السعي إلى تقديم الأحسن في هذا القطاع الذي أستطيع أن أقول أنني حصلت فيه على خبرة كبيرة جدا وتكونت لي فيه تجربة طويلة نافعة لبلدنا . ولكن منذ 2004 تعرضنا لمضايقات من النظام وأصبحنا، بمرورالأشهر، ضحية لابتزاز فعلي على خلفية من الحرص وسوء الني ة. وفي أحد أيام شهر مايو 2007 غادرت منزلي يصحبني شعور واضح بأنني لم أعد متأكد، في المساء من العودة إلى أهل ي. في ذلك اليوم تأكدت من أن تونس لم تعد دولة حرية .هذا الكتاب هو نتيجة هذا الوعي الأليم . ورغم هذا لا شيء كان يهيئني مبدئيا لأخذ قلمي وأفكر في وضعية البلد السياسية حيث أن التكوين الذي تلقيته هو تكوين مهندس في الإعلامية،وقد تعمق ب فضل تخصص في التصرف بالمعهد الأعلى للعلوم الاقتصادية والإدارية بفرنسا وبتكوين لغوي بجامعة جورج طاون بالولايات المتحدة الأمريكي ة. كنت إذن متوجها إلى مهنة مهندس وشرعت فعلا في العمل ضمن شركات متعددة الجنسيات مختلفة بفرنسا متخصصة في هذا القطا ع. رجعت إلى بلدي ع ام 1972 بنية مواصلة العمل كمهندس فابتدأت حياتي العملية بإنشاء مؤسسة في الصيانة والاستشارات في ميدان الإعلامي ة. وعلمتني هذه التجربة الأولى أن تكوين مؤسسات فنية مثل التي كونتها متعرض لإعاقة جدية تتمثل في نقص التقنيين والكوادر العليا المختصة. فقررت، في هذه الظروف ولهذه الأسباب أن أكون بنفسي التقنيين الذين أحتاجهم ففتحت عام1973 أول معهد عالي خاص للإعلامية في الجمهورية التونسية، وكان ذلك سابقة أولى في الميدان. وفي نفس وهو (INTAC) الظروف تم إنشاء معهد ا لتقنيات الإدارية والمحاسبة اليوم معهد مشهور جدا ويتمتع بسمعة جيدة في عالم المقاولات بفضل امتياز تكوين التقنيين الساميين وكوادر التصرف الذي قدمه ويقدمه منذ ذلك التاريخ . كان هذا منعرجا في حياتي المهنية إذ أنني قررت أن أتوجه كليا لتطوير هذا المعهد الأول الذي تم تكوينه في سياق اجتماعي قليل التجاوب مع المبادرات الخاصة في هذا المجال .انفتح الطريق إذن ولكنه لم يقف هناك، ففي عام 1988 عهدت »جماعة القديس يوسف الدينية للأخوات » إلى زوجتي والي شخصيا بمسؤولية ثقيلة هي مسؤولية مواصلة عملها في تونس بأن طلبت منا تولي 15شؤون مؤسسة التعليم الخاصة « ايميلي دي فيلا ر » المسماة « مدرسة جان دارك » والتي تأسست عام 1936 ، وهي مدرسة لتعليم الأطفال بين 5 و 15سنة ( مرحلة ابتدائية ومرحلة ثانوية ). مع هاتين المؤسستين اللتين كانتا بعد في طور التكوين، كان من الضروري تقديم تضحيات بلغت حد أخذ القرار بالتفرغ التام لهم ا. وهكذا امتنعت عن القيام بأي نشاط آخر و قررت التفرغ الكامل لعملي الجديد كمربي . ولكني لم أكن وحدي في أخذ هذا القرار اذ أن زوجتي مادلين بوعبدلي، وهي فرنسية الجنسية وتونسية بالعاطفة وخبيرة في المحاسبة، قررت هي كذلك أن تنقطع عن عملها لتخصص كل وقتها وجهدها لإدارة « مدرسة جان دارك « . وأنشأنا « مؤسسة بو عبدل ي » من أجل التصرف في هذه المؤسسة التربوية الهام ة. وبفضل تفاني وجدية السيدة مادلين بوعبدلي وبفضل الاحترام الدقيق للقانون ولقواعد الانضباط في العلاقات مع التلاميذ تمكنت « مدرسة جان دار ك » منذ أكثر من ثلاثين سنة من احتلال مرتبة أفضل مدرسة ابتدائية في البلد ك له . كما أن النتائج لم تضعف أبدا منذ أكثر من عشرين سنة من الوجود وكانت دائما من أرفع نتائج اختبارات آخر الحلقة الابتدائية والإعدادية .ومنذ 1992 تم تحويل » المعهد العالي للإعلامية » الذي أنشئ عام 1973 إلى جامعة خاصة سميت « الجامعة الخاصة بتون س » وهي الأولى من صنفها في تونس، وتشمل اليوم كلية للحقوق والتصرف ومعهدا للتقنيات المتعددة ومدرسة للفنون المعمارية، وشهاداتها معترف بها من طرف الدولة ومن طرف عديد البلدان . وتمثلت مبادرتنا الأخيرة في تطوير مهمة « مدرسة جان دارك « ، التي كانت هي المنطلق كما تقدم وجعلها مدرسة للتع ليم الابتدائي والتعليم الثانوي في نفس الوقت، فبادرت مؤسسة بوعبدلي في عام 2005 بإنشاء معهد للتعليم الثانوي سميناه « معهد لويس باستور » وكانت الغاية منه تقديم تعليم يعد التلاميذ لاجتياز الباكلوريا الفرنسية . وكان اتخاذ هذه المبادرة بالتعاون الوثيق مع المعهد الف رنسي للتعاون التابع لسفارة فرنسا بتونس ومع الغرفة التونسية -الفرنسية للتجارة والصناعة . هذا المعهد الذي أردناه أن يكون رمزا للتعاون الثقافي المفيد لتونس وفرنسا وفي الوقت نفسه رمزا للفرانكفون ية والفكر والانفتاح والتقدم،انطلق في العمل بروح متفائلة وفي أفضل ظ روف التسيير البيداغوجي والتكويني فمكن تلاميذه منذ العام الأول من إحراز أفضل النتائج في اختبار « البروف ي » الفرنسي . لقد تو جت الجهود التي بذلتها مؤسسة بوعبدلي في كل هذه المؤسسات بالنجاح بحيث يمكننا أننقو لبتواضع أن اسم »بوعبدلي كان وما يزال »علامة جودة و »علامة امتياز منا لتعليم الابتدائي إلى التعليم العالي مرورا بالتعليم الثانوي وتكوينا لتقنيين السامين في التصرف وفي الحقوق وفي مجال الهندسة،سواءبالمقارنة مع المؤسسات الخاصة أو بالمؤسسات العمومية. فقد انشغلت المؤسسة دوما بروح الامتيازومن أجل ذلك سعت دوما إ لى التجديد والسبق لغيرها من المؤسسات الخاصة والعامة في مجال التجديد البيداغوجي وفي مجال تكوين النخ ب. وهنا نذكر، تمثيلا على اهتمامها بالامتياز في كل مستويات تعليمها بأنها قد سبقت سائرالمؤسسات التربوية إلى إدخال التعليم الإجباري للغات الأجنبي ة: الان جليزية و الألمانية والايطالية والاسبانية وحتى الصينية في تعلماتها من الابتدائي حتى العالي وأن مبدأها في مجال اللغات هو » التثليث اللغو ي ». ثم يجب أن نذكر كذلك بأنها سبقت غيرها من مؤسسات التعليم الخاص والعمومي بكثير إلى جعل تعليم الإعلامية إجباريا في تعلماتها في كل ال مستويات من الابتدائي إلى الجامعي . ونؤكد كذلك على أن مؤسسة بوعبدلي قد سجلت في نطاق مهماتها إرساء علاقات تعاون بين التعليم وعالم الشغل، وهكذا فانه، بالنسبة إلى أغلبية الشه ادات ، يتحصل خريجوالمؤسسات العليا التابعة لمؤسسة بوعبدلي على انتدابهم الأول بسرعة بمجرد تخرجهم بل وحتى قبل إنهاء فترة التدريب الدراس ي!… ونود أن نذكر أيضا بأن أكثر من نصف عدد الطلاب الذين يتابعون تعليمهم بالجامعة اليوم وافدون من بلدان شقيقة وصديقة من أربعة قارات :العالم العربي والإسلامي وإفريقيا وآسيا وحتى من أوروب ا. ثم إن عدد طلابنا الأجانب لم ينقص أبد ا، بل انه على العكس من ذلك يتزايد باستمرار، وهو ما يشهد بوضوح على الثقة الموصولة التي تشعر بها هذه البلدان تجاه المعاهد الجامعية التابعة لمؤسسة بوعبدلي.وكم أن أسفنا واستغرابنا كان كبيرا يوم أن تلقت مؤسستنا من وزارة التربية، بسبب رفض مجلس القسم تسجيل تلميذة بالسنة الأولى من الإعدادية، تطبيقا للنظام الداخلي للمدرسة، لضعف مستواها الدراسي ،إلزاما باتا بتسجيل التلميذة المذكورة وإلا أغلقت الوزارة كامل المؤسس ة. ولما رفضت المدرسة التراجع في قرار التسجيل لأنه كان معللا وقانونيا، عمدت الوزارة بتاريخ 18 سبتمبر 2004 ، أي مع بد اية السنة الدراسية، إلى أخذ قرار متسر ع وغيرمدروس بتشغي لآلتها القمعية بشكل سريع وغريب لاسابقله فيا لممارسات الإدارية أوالقانونية ففي ظرف24 ساعة نشرت المحكمة الابتدائية بتونس أمرا يقضي بعزل مادلين بوعبدلي، مديرة المدرسة، مع سحب رخصة فتح المؤسسة وتجميد الأرصدة البنكية وتعيين مدير متصرف ينتمي إلى التعليم العمومي وتدخل القوة العامة في فضاءات المدرسة، وهو ما يمثل اعتداء على الأملاك الخاصة التي يحميها القانو ن. وسارع المدير الجديد بتسجيل التلميذة المعنية بالأم ر. وبصورة موازية تعرضت ا لمدرسة لحملة انتقادات قامت بها الصحف التابعة للنظام متهمة إياها » بالنخبوي ة »! كما وجهت الحملة ضد مؤسسة بوعبدلي بالكامل، وقد تعرضت لهجمة حقيقية شاركت فيها ستة وزارات على الأقل ومنظمات مختلفة : وزارة التربية، وزارة الداخلية، وزارة العدل، وزارة المالية عن طريق تحقيق جبائي مستمر، وزارة الشؤون الاجتماعية عن طريق مراقبة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا عن طريق التهديد بالانتقام من الجامعة الخاصة بتونس .فحتى « ال تسونامي » لم يكن له أن يتسبب في تيار يفوق ذلك التيار…و في غداة غلق المدرسة، وجدت السلطات نفسها أمام تحرك قوي قام به ال 1400 تلميذ وكامل إطار التدريس الذين رفضوا بقوة القرارالاعتباطي القاضي بعزل المديرة وغلق المدرسة، وتكونت حركة رفض جماعية إضافة إلى إضراب إطار التدريس أدت سريعا إلى تكوين وفد من أولياء التلاميذ طلب مقابلة مع السلطات المعنية فجاءنا الدعم من كامل التراب الوطني وكذلك من الخار ج: من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبلدان الخليج وبلدان غرب إفريقيا …وأمام اتساع حركة التنديد والتضامن مع مؤسستنا التربوية وبسبب غياب دليل جدي وفعلي للقمع الغير الم برر وبالنظر إلى عدم التناسب بين ما تعرضنا إليه وبين المبرر، وجدت وزارة التربية نفسها مجبرة على التراجع في قرارها فأعيد ت مادلين بوعبدلي إلى مكانها في إدارة المدرسة وعادت الدروس إلى سيرها العادي في الأيام التالية، وحتى القرارالقضائي الذي اتخذ ضد المدرسة وقع إلغاؤه. ولكن غضب الإدارة لم يهدأ، وإنما غيرشكله ليتمثل في أعمال تحرش مستمرومتعددالأشكال ضد المدرسة وهكذا، وعلى سبيل المثا ل، فرض علي ها » كراس شرو ط » جديد له مفعول، رجعي بواسطة القرار الوزاري المؤرخ في 22 فيفري 2008 وموضوعه منع أن يقع الجمع في نفس المؤس سة التربوية بين شعبة تعد للشهادات الأجنب ية (هذا يستهدف طبعا معهد لويس باستو ر).ومنعت الوزارة أيضا أن تفتح المدارس فروعا جديد ة خارج جدرانه ا: وهذا يستهدف في الواقع مشروعنا لفتح فرع لمدرستنا بالمرسى(الضاحية الشمالية لتون س). والإجراءات ذاتها قررت أن تغير العد د الأقصى للتلاميذ بالفصل وكذلك المساحة الدنيا لقاعات الدرو س: هذه المساحة وقع تحديدها، بشيء يشبه الصدفة، بأن لا تتجاوز حتما 42 مترمربع والحال أن مساحة قاعاتنا هي 40 متر مربع، وهو ما أجبرنا على هدم جميع القاعات المبنية عام 1936 لإضافة المترين المربعين اللذين فرضتهما الوزارة، وهي – على فكرة – لا تفرض أبدا هذا الشرط على القاعات التابعة لمؤسساتها المدرسية … ولكن الأمور لم تتوقف عند هذ ا.في شهر ماي 2007 فرضت علينا وزارة الإشراف، دون محاكمة ودون شرح قانوني معقول ومبرر وبكل بساطة، أمرا بإغلاق معهد لويس باستور وب أن نتوقف عن تسجيل التلامذة بعنوان السنة المدرسية المقبلة وبأن نوجه المسجلين منهم حاليا نحو مؤسسات أخرى مماثلة . ومما لا شك فيه أن هذا القرار يفهم على أنه مجرد « رغبة أميرية » وأن أسبابه الحقيقية ليست متأتية من اعتبارات المصلحة العام ة. ومن هنا يفهم الإنسان بسهولة ذلك التعاطف الذي أثاره هذا القرار لدى الرأي العام، سوى التونسي أو الدولي، وكون وسائل الإعلام في تونس وفي الخارج، بأوروب ا وغيرها، اهتمت بالموضوع واعتبرته كتعبير عن الارتجال الإداري وكنيل خطير من الحرية الفردية ومن الحقوق المسلم به ا. وقد تساءل كثيرون، ضمن الرأي العام وضمن وسائل الإعلام التونسية ( جريدة أخبار الج مهورية وجريدة الموقف التي ساندتني ) والأجنبية ( جريدة « لومون د » وجريدة « ليبراسيون » ومجلة « ليكسبراس » وجريدة « لوفيغارو » ومجلة « لوبوا ن » وجريدة « سويسر ا » وعديد الجرائد الناطقة بالعربية في الشرق الأدنى )… والقناة الفرنسية الثالثة والقناة السويسرية الأولى وعديد مواقع والقناة التونسية الوحيدة التي ساندتني في Rue الوا ب: بقشيش وموقع 89 قضيتي هي « قناة الحوار التونسي » للسيد الطاهر بن حسين وهي قناة خاصة تبث من روم ا. فالجميع كان يتساءل إذا لم يكن الأمر يهدف – ولو بدون شرعية – إلى محابا ة، مؤسسة تربوية كانت قد أنشأت في ذلك الوق ت. ومهما يكن من أمر، وحتى يومنا هذ ا، فقد بقي معهد لويس باستور مغلق ا. وفي النهاية كان آخر هجوم على مؤسسة تربوية أخرى تابعة لمؤسسة بوعبدلي وهي « الجامعة الخاصة بتونس « . فبالرغم من سن قانون عام 2000 يسمح وينظم الاستثمار الخاص في ميدان التعليم العالي وبالرغم من تصريح السلطة بنيتها في تشريك القطاع الخاص بسقف 30.000 طالب في تأطير العدد المتزايد من الطلاب، فان « الجامعة الخاصة بتون س » قد كانت، منذ تأسيسها عرضة لإجراءات عشوائية من طرف وزارة التعليم العال ي: فسخ اتفاقيات شراكة كانت ممضاة بصورة دورية مع جامعات وطنية واتفاقيات تعاون ممضاة مع جامعات أجنبية، ورفض تمتع جامعتنا بامتيازات مالية وغير مالية منصوص عليها بوضوح في القانون، ورفض عديد مشاريع لتطوير مهمتنا التربوية ( رفض بعث شهادات عديدة وحلقات دراسية متخصصة ورفض إنشاء حلقة دكتوراه…) وتحرش شبه يومي من طرف إدارة ارتجالية تهدف إلى أن تفرض على مؤسستنا الجامعية شروط تسيير ( خاصة في مجال الفضاءات والتجهيزات ونسب التأطير البيداغوجي وغيره ا) وهي شروط تنسى أن تفرضها على مؤسسات القطاع العمومية : الرقابة الإدارية والتقنية والجبائية الدورية والمبالغ فيها …. وآخر تمظهرات هذه العقلية كانت تبني قانون 4 أوت 2008 يبدو من قراءة بنود هذا القانون أن الأمر يتعلق بقانون عادي، ولكن هذا ليس إلا ظاهريا فقط، لأن قانون 4 أوت 2004 قد نص على تبني « كراس شرو ط » جديد يجب أن تخضع له مؤ سسات التعليم العالي الخاص، وله مفعول رجع ي. ونص أيضا على أنه لا يمكن لباعث المشروع أن يشرف على أكثر من مشروع واحد في التعليم العالي . ونص كذلك على أن كل مؤسسة للتعليم العالي الخاص يجب أن يكون لها رأس مال ب :2.000.000 دينار على الأقل ( أي حوالي 1.000.000 أور و) بينما حدد القانون القديم رأس المال المذكور ب : 150.000 دينار ( أي ما يقارب 75.000 أورو ) أي أن الحجم قد تضاعف 13 مرة. ثم إن القانون الجديد قد نص أيضا على أن أمام كل مؤسسات التعليم العالي أجل أقصاه سنتين « للاستجابة لمقتضيات فصول القانو ن » المذكور وفي صورة عدم تحقق ذلك فان سلطة الوزارة تأمر، بكل بساطة، بإغلاق المؤسسات المذكور ة. وأخيرا وليس آخرا، فان هذا القانون يمنع مؤسسات التعليم العالي من أن تتسمى « جامعا ت » ويبيح لها أن تكتفي بتسميات « كلية » – « معه د » – أو « مدرس ة ». وعندما نتثبت عمليا من تطبيق بنود هذا القانون نلاحظ أنها موجهة في الواقع وبصورة مباشرة الى » الجامعة الخاصة بتون س »: فهي ككل المؤسسات الجامعية الخاصة الأخرى بالجمهورية التونسية تحمل اسم « جامع ة » بمقتضى ترخيص الوزارة المعنية ( قرار وزاري مؤرخ في ( 2001 يتضح جليا أن هذا الإجراء يضر، وبمعول رجعي، بحق مكتسب شرعيا وخصوصا باسم تجاري معترف به ومكرس منذ سنوات عديد ة. والتحديد المتعلق بالرأس مال الأدنى له نتائج ثقيلة أيضا، لأنه في حال مؤسستنا – وهي الوحيدة اليوم الواقعة تحت طائلة هذا القانون – والموجودة منذ سنوات عديدة فان مؤسسة بوعبدلي ستكون مضطرة إلى ترفع رأس مال جديد للاستجابة لمتطلبات القانون الجديد، وستكون مجبرة على تقسيم مؤسساتها إلى وحدات عديدة متفرقة وهكذا ترتفع بالنسبة لها أعباءالتصرف لكل وحدة فتصبح عمليا عاجزة عن مواصلة العيش بوسائلها الخاصة، ونفس الشيء بالنسبة لكراس « الشرو ط » الذي يؤاخذ على الأقل على طابع مفعوله الرجعي والذي يتضارب مع مبادئ القانون المتعارفة .كل هذه القرارات البعيدة عن كونها تطبيقا موضوعيا ومحايدا للقانون يهدف إلى خدمة المصلحة العامة تشكل خرقا خطيرا للمبادئ الأساسية لدولة القانون التي تدعي السلطة أنها تحترمها.الفرضية الأول ى: أن هذه الإجر اءات اللاقانونية والمماثلة لانحراف فعلي بالقانون تهم حالة خاصة ومعزول ة: هي « حالة بوعبدلي « . ولكن في هذه الحالة، يجب أن يتم تحليل هذه الإجراءات على أنها أيضا إساءة إلى » دولة القانو ن ». إذا صح هذا الافتراض فنحن مضطرون لتحميل المسؤولية حتما للسلطات الإدارية وال تنفيذية ويحق لنا عند ذلك أن نسأل السلطات الساهرة على تطبيق القانون من طرف الجميع أن توقف كل هذه التصرفات المتضاربة مع متطلبات » دولة القانو ن » وإلا فإنها ستتحول إلى مجرد وهم وادعاء لا مبرر له، وهو ما يفضي للشك في كامل النظام المعياري التونسي من حيث موضوعيته و عموميته ونجاعته .الفرضية الثاني ة: أن هذه الإجراءات اللاقانونية المتكررة والتي تمثل »انحرافا بالقانو ن » هي من الكثرة والتكرر بحيث لا يمكن أن تخفي عن السلطة السياسية في البلد وإنما مسموح بها من طرفه ا. ولكننا في هذه الحالة مضطرون لعدم استبعاد افتراض « أسلوب في الحكم » وهو ما يغيرطبيعة السؤال بالكامل. هذه الحال فنحن مضطرون إلى اعتبار أن الأمر يتعلق هنا بمسألة ذات طابع سياسي بمعنى أنها تتصل بممارسة السلطة في هذا البلد وبموضوع يجب أن يعالج بوسائل سياسية يكلفها القانون والدستور التونسي بشكل واضح .كثيرة هي الأحداث والتساؤلات التي يصعب عيشها والتي أجبرتني وزوجتي على الطرح ثانية للبحث في المجتمع السياسي الذي نعيشه منذ سنين عديدة لتكون استنتاجاتنا واضحة وجلية ولا حياد عنها فزمن مراجعة ميثاقنا الجمهوري قد حان . في سياق منطق ما عبرت عنه تصريحات العهد الجديد الذي انطلق يوم 7 نوفمبر 1987 حاولت أن أفكر في أسس برنامج إصلاحات سياسية نافعة لبلدي في السنوات المقبلة . شكرا لكل الذين أعانوني عبر محادثات عرضية على الوصول إلى جوهر الأمور.
يتبع
معلومات اضافية عن كتاب صديقنا الجنرال بن علي
السبيل أونلاين – تونس – خاص لعل إحدى معضلات علاقات الشعوب العربية مع حكامها في كثير من الأحيان هي عدم توفر أي سير ذاتية موضوعية، لأن غياب كثير من الحريات العامة يجعل من مسألة البحث في الموضوع مغامرة ذات عواقب، غالبا ما تكون وخيمة على الكاتب والناشر. ولكن دول الشمال الأفريقي العربية تحظى بامتياز كون معظمها (خصوصا: موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس) قريبة من المستعمر الفرنسي السابق ومحط اهتمامه الدائم . وإضافة إلى العامل الجغرافي فإن وجود مجموعات كبيرة من مواطني المستعمرات السابقة في الدولة المستعمِرة يفتح المجال أمام أبحاث متحررة في بنية تلك الدول السياسية والثقافية والاجتماعية، وكذلك في سير حكامها. وعلى سبيل المثال صدر في فرنسا العديد من المؤلفات باللغة الفرنسية، يتناول بالبحث سير حكام كل من المغرب والجزائر وتونس. فقد صدر عن ملك المغرب السابق الحسن الثاني « صديقنا الملك » (notre ami le roi)، وعن الملك الحالي محمد السادس « الملك الأخير » (le dernier roi)، وعن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة « بوتفليقة: أكذوبة جزائرية » (une imposture algérienne)، إضافة إلى كتاب « صديقنا الجنرال زين العابدين بن علي » (notre ami ben ali). مؤلفا هذا الكتاب الأخير موضوع العرض هما الصحفيان الفرنسيان نيكولا بو، وجان بيير توكوا اللذان ألفا كتاب « الملك الأخير » المشار إليه أعلاه، ومقدمته كتبها مؤلف كتاب « صديقنا الملك » جيل بيرو. يتناول الكتاب في ثلاثة أقسام تضم عشرة فصول وملاحق سيرة الرئيس التونسي الحالي منذ توفر معلومات عن شخصه، مخالفا بذلك الرواية الرسمية عنه. – الكتاب: صديقنا الجنرال زين العابدين بن علي – المؤلف: نيكولا بو، جان-بيير توكوا – المترجم: زياد منى – عدد الصفحات: 274 – الناشر: قدمس للنشر والتوزيع، دمشق – الطبعة: الأولى/2005 رحلة البداية يحوي الكتاب معلومات كثيرة عن الرئيس زين العابدين بعضها شخصي للغاية، تعكس في رأي الكاتبين نفسية محددة تتجلى أيضا في أسلوب الحكم. ومن ذلك على سبيل المثال حرصه على صبغ شعره « المضمخ بالزيت »، وفي هذا السياق يورد الكتاب أن السلطات التونسية أتلفت عام 1997م ملحق مجلة لونوفيل أفريك آزي الأسبوعية التي حوت صورة رئيس الدولة بشعر وخطه الشيب. ومن الأمور « الشخصية » الأخرى التي يتعرض إليها الكاتبان مسألة تحصيل الرئيس العلمي، حيث ينفيان حصوله على أي مؤهل علمي ويؤكدان أنه لم ينه دراسته، بل ترك مقعد الدراسة في الصف الخامس، أي: قبل تحصيل الباكلوريا بثلاث سنوات مما جعل المجلة الفرنسية الإكسبرس تطلق عليه لقب « بكالوريا ناقص3 ». المؤلفان يذكران هذا في مواجهة ما نقله جان دانييل رئيس تحرير مجلة نوفيل أوبسرفاتور الفرنسية من أنه درس الحقوق بعد استقلال تونس. كما يناقش الكاتبان قول كتيبات الدعاية التونسية الحكومية إن زين العابدين بن علي شارك في الأعمال الوطنية المعادية للاستعمار، ويوردان قول صحفي يعمل في راديو فرنسا الدولي/ RFI أنه لم يعثر على أثر لاسمه في سجلات الشرطة (حيث ترد أسماء الموقوفين في الأعمال المعادية للاستعمار). ويتابع المؤلفان مسيرته حيث يؤكدان أن حماه الجنرال كافي أرسله في دورة في المدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن في بلتيمور بالولايات المتحدة، وأنه تسلم الأمن العسكري التونسي بعد انتهاء الدورة. ويلاحق الكاتبان مسيرة الرئيس التونسي منذ تعيينه ملحقا عسكريا في الرباط، إلى مدير للأمن الوطني عام 1978م، إلى تعيينه سفيرا لتونس في العاصمة البولندية عام 1980م، وحتى عودته إلى تونس عام 1984م رئيسا للإدارة الوطنية للأمن حيث تابع ترقيه إلى منصب وزير دولة، ثم وزيرا مفوضا، ثم وزيرا للداخلية، ثم رئيسا للوزراء عام 1987م. ويلاحظ المؤلفان أن ترقيه في المناصب حصل في مراحل مواجهة دامية في أحيان كثيرة مع المعارضة التونسية القومية العربية والنقابية والإسلامية. الكتاب يحوي كمية كبيرة من المعلومات عن تونس ورجالاتها في المرحلة موضوع البحث، مما يوحي بامتلاك المؤلفين أرشيفا خاصا. وربما اعتمدا في معلوماتهما أيضا على معلومات المعارضة التونسية، وربما على معلومات من داخل المؤسسة الفرنسية الحاكمة. ومن ضمن الأمور التي يشير إليها الكتاب أنه في عشية « انقلاب زين العابدين الشرعي » على الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، أسر الأخير لابنة أخيه نيته إقالة زين العابدين بن علي من رئاسة الوزراء وتعيين محمد الصياح بدلاً منه. ويظن الكاتبان أن هذا ما سرع بعملية الإطاحة بالرئيس التونسي الأسبق يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987م.
ربيع الديمقراطية المحدود
لا يتجاهل الكاتبان « الربيع الديمقراطي » الذي ساد في تونس فور تسلم بن علي الحكم حيث عمل على إطلاق سراح كثير من المعتقلين السياسيين ومن ضمنهم الحبيب عاشور الزعيم التاريخي لنقابة عمال تونس (الاتحاد العام التونسي للشغل)، إضافة إلى التصالح مع قيادات من الحركات التونسية المعارضة منهم على سبيل المثال الهادي البكوش مؤسس حركة الديمقراطيين الاجتماعيين. كما اتخذ الرئيس الجديد سلسلة من الإجراءات التي أشار إليها الكاتبان على أنها أسس دولة القانون، إذ ألغى نظام توقيف الأشخاص فحدده بأربعة أيام فحسب، وألغيت محكمة أمن الدولة التي حاكمت أعضاء الحركات الإسلامية التونسية، وألغي التعذيب « رسميا » وسمح بتأسيس فرع لمنظمة العفو الدولية. هذه الإجراءات المثيرة نقلت تونس حسب بعض المراقبين « من عته حزين إلى هذيان مرح ». هذه وغيرها من الإجراءات ساعدت في انضمام كثير من مثقفي تونس وأكاديمييها إلى مؤيدي الرئيس بن علي، بل نقل عن راشد الغنوشي زعيم الحركة الإسلامية في تونس بعد إطلاق النظام الجديد سراحه، قوله « أثق بالله وببن علي ». وفي فترة قصيرة قام النظام بإطلاق سراح ما يقرب من 2400 سجين سياسي، كان الرئيس الجديد قد اعتقلهم أصلاً عندما كان مسؤولا في النظام الأسبق. غير أن الكاتبين أشارا إلى أن « موجة الليبرالية » التي جاء بها العهد الجديد كانت مرفقة بمجموعة من الأمور التي مرت من دون أي ضجة ومنها على سبيل المثال وفاة أحد قادة التنظيم العسكري الإسلامي بنوبة قلبية في السجن، إضافة إلى تأسيس مجلس الأمن الوطني وتمرير قانون تنظيم النشاط في المساجد. لقد قام الرئيس الجديد بجملة من الإصلاحات السياسية، لكن « الثورة » حسب الكاتبين، كانت من فوق، وزين العابدين كان يضبط إيقاع التغييرات المرغوب فيها وحدودها. وعندما شكك المفكر التونسي المعروف هشام جعيط في مقالة له بصحيفة حقائق في حدود الإصلاحات « البِنعْلِية »، اتهم بتهم شتى ومنعت الصحيفة من الظهور لفترة. لقد أدت حركة زين العابدين بن علي إلى حراك سياسي مهم يبدو أن الرئيس شعر بأنه لن يتمكن من السيطرة عليه فارتعشت يد السلطة الإصلاحية، خصوصا عندما رفضت الأحزاب والحركات المعارضة الخضوع لمطلب السلطة بأن تأخذ غالبية مقاعد البرلمان الجديد. فجرت الانتخابات الجديدة في الثاني من أبريل/نيسان عام 1989م في أجواء تزوير شامل، حصل بموجبه نواب الحكومة على كل مقاعد البرلمان، بينما حصل الرئيس زين العابدين على مقدار 99.20% من أصوات الناخبين، مما يوحي بوجود ما مقداره 0.8% من التونسيين الجاحدين. لقد أظهرت « انتخابات » عام 1989م الاتجاه العام لتطور الحياة السياسية في تونس وما آلت إليه الأوضاع هناك حتى يومنا هذا. ويتناول المؤلفان موقف المعارضة التونسية التي تمكن حاكم تونس القوي من تمزيقها وتشتيتها، فيدينان كثيرا من قيادات المعارضة، ويذكران على نحو خاص قيادة الحزب الشيوعي التونسي التي قبلت بموقع التابع وتخلت عن واجبها في تمثيل أعضائها. الملكية العائلية وينتقل المؤلفان إلى الجانب الاقتصادي في ظل حكم زين العابدين بن علي حيث يشيران إلى سيطرة « عائلة زين العابدين » على أهم المفاصل في ذلك الفرع، ومنها على سبيل المثال شركتا تزويد الإنترنت في تونس. ويشيران إلى ما عرف باسم « عصابة الكسكسي » وفق العدالة الفرنسية، التي اتهم فيها شقيق الرئيس الحبيب بن علي الملقب بالمنصف في قضية مخدرات، وحوكم في فرنسا وصدر عليه حكم بالسجن مدة عشر سنوات. ويتناول الكتاب بعض التفاصيل منها ما يقول إنه نشاط عائلة الطرابلسي (زوج الرئيس بن علي الثانية) التي لها موطئ قدم في الأعمال بتونس، من السياحة إلى الزراعة مرورا بالعقارات وتوزيع المحروقات وكذلك البناء. كما يشير الكتاب إلى مجموعة أخرى من الأحداث ذات المغزى ومنها على سبيل المثال قصة مروان بن زينب، الطالب اللامع المهتم بالمعلوماتية الذي توفي في « حادث سير » بعدما أسر لأقربائه بأنه حين تمكن من اختراق النظام المعلوماتي الإلكتروني لقصر قرطاج « وجد قائمة بعملاء الاستخبارات الإسرائيلية الموساد، المعتمدين رسميا في تونس لمراقبة القيادة الفلسطينية ». التعاون الخفي القسم الأخير من الكتاب مخصص لإدانة الحكومة الفرنسية وحتى الرئيس الفرنسي جاك شيراك بسبب موقفها المؤيد للرئيس التونسي، على الرغم من مخالفته أبسط قواعد احترام الحريات وحقوق الإنسان، حسب المؤلفين. بل إنهما يشددان على وجود أدلة على تعاون خفي بين أجهزة الاستخبارات الفرنسية والتونسية ضد المعارضة. وفي هذا السياق يرى الكاتبان أن حكام تونس يعيشون كما كانوا يفعلون منذ عشر سنين، سواء استداروا نحو باريس أو جاملوا واشنطن، فهم مقتنعون بأن بلادهم ستستمر في التمتع بمعاملة ذات رعاية خاصة لكونها دولة علمانية عالقة بين « ليبيا الغريبة الأطوار » والجزائر الواقعة فريسة الحرب الأهلية (حين تأليف الكتاب الذي أعيد طبعه). قصة الكتاب المؤلف في حد ذاته ليس سيرة ذاتية لحاكم تونس، وإنما استعراض لمحطات رئيسة في تاريخ البلاد وحاكمها منذ توليه السلطة هناك. أثار هذا الكتاب غضب السلطات التونسية عندما ظهر بالفرنسية، واحتجت على صدوره وطالبت بسحبه من السوق وفق مصادر فرنسية، لكن فرنسا أبلغت الحكومة التونسية عدم امتلاكها سلطات منع الكتاب إلا أنه يمكن للدولة التونسية مقاضاة الناشر والكاتبين وفق القوانين الفرنسية التي تحمي حقوق الأفراد، لكنها لم تفعل ذلك حسب المصادر الفرنسية. أما مصير الترجمة العربية فكان مختلفا حيث منع في العديد من الدول العربية ما عدا لبنان، حيث أعلمت الحكومة اللبنانية السلطات التونسية المحتجة بعدم وجود تقاليد أو قوانين تشريعية تمنحها حق مصادرة أي كتاب، وذلك حسب نقابة الناشرين اللبنانيين. أما العقاب الأكبر الذي ناله الكتاب فهو امتناع أي صحفي عربي -خصوصا من الذين يملؤون الدنيا صراخا عن القمع في بلادهم وعن غياب الحريات وحق التعبير- عن الكتابة عنه في أي وسيلة إعلامية حتى الآن. كما يلاحظ أن « منظمات المجتمع المدني » المنتشرة في كثير من الدول العربية، والتي تمولها دول الاتحاد الأوروبي وحكومة الولايات المتحدة الأميركية لم تكترث بمسألة المنع وملاحقة السلطات التونسية للكتاب، بل إنها أكثر من ذلك، لم تورد خبرا ولو صغيرا عنه أو عن المنع. بل إن بعض الصحف العربية « النفطية » المرموقة، ومحطة فضائية عربية « نفطية » رحبت بمصادرة الكتاب. الكتاب ليس تأريخا لتونس المعاصرة وإنما شهادة حزينة على بلد عربي جميل، وعلى عذاب شعب عربي راق انغمس في النضال العربي العام، وهو الذي أهدى العرب عبر شاعره الكبير أبي القاسم الشابي المقولة الخالدة: إذا الشعب يوما أراد الحياة . (المصدر : السبيل أونلاين ، بتاريخ 26 سبتمبر 2009
)
بعد الفيضانات: من يتحمّل المسؤولية القانونية، وهــل يحق للمتضرّرين المطالبة بتعويضات؟
تونس ـ الشروق: أثارت الأمطار الفيضانية التي ضربت عددا من مناطق البلاد، الكثير من التساؤلات حول الاستعداد لمجابهة الكوارث، لكن يبقى السؤال مطروحا، وهو من يتحمّل المسؤولية القانونية عن الأضرار وهل من جهة يلقى على عاتقها التعويض للمتضررين؟ المعطيات الأولى تفيد بأن جلّ المتضررين هم ممن وجدت مساكنهم في مجرى المياه، وحسب خبراء فإن العديد من المباني تركزت في مناطق منخفضة، فضلا عن أن بعض الطرقات والقناطر لم تراع فيها ما يعرف بالمعطيات المائية، أي كميات المياه القصوى التي تمرّ عبرها أو من خلالها وسرعة تدفّقها وقوّة دفعها وحجم تركّزها. وقد كشفت الأمطار الفيضانية التي أتت على العديد من مناطق البلاد آخرها تونس العاصمة، وأقصاها وأقساها بمدينة الرديّف من ولاية قفصة عن العديد من العيوب في بناءاتنا وفي البنية التحتية للكثير من المناطق، الأمر الذي تسبب في أضرار هامة بشرية ومادية اذ بلغ عدد القتلى ممن جرفتهم المياه، في مدينة الرديف فقط 17 قتيلا، حسب المعطيات الرسمية، إضافة الى الاصابات والمفقودين يضاف اليها الضرر الكبير الذي أصاب المنازل والطرقات والمحلاّت والممتلكات وهنا يمكننا أن نطرح سؤالا حول من يمكنه أن يتحمّل المسؤولية القانونية؟ وهل من المباح أن يطلب المتضررون تعويضات؟ ومن يدفع هذه التعويضات؟ وما هي الجهة المختصة قانونيا لتحديد ذلك؟ الاستاذ منير بن صالحة المحامي، سألناه ان كانت هناك مسؤولية تقصيرية في هذا الصدد، فقال انه يمكننا أن نتحدّث عن مسؤولية تقصيرية في حالات عدم التنبه وعدم توفير الحماية. وقال في صورة وجود شخص مقيم في حي غير الحي الذي وقعت به الكارثة وتوجه في زيارة الى مكان الفيضان فتعرض للضرر، فإنه في هذه الحالة يحقّ له التعويض، بمعنى في صورة تعمّد أشخاص البناء في مجرى المياه أو قرب واد، فإنهم يتحمّلون جزءا من المسؤولية، أما من توجّه لزيارتهم وهو من غير متساكني الحي، فإنه بإمكانه المطالبة بالتعويض له عن الضرر الذي لحقه لأنه لا يتحمّل مسؤولية البناء في مكان خطير كما لا يتحمّل مسؤولية من وافق على البناء في مثل تلك الأماكن. وحول الحالة الراهنة لوقوع أضرار بسبب الفيضانات يقول محدّثنا، هناك فرضيتان الاولى بخصوص من بنى في مكان خطير وتحصّل على ترخيص بلدي في البناء فإن البلدية والادارة عموما تتحمّل المسؤولية ولوزارة التجهيز أيضا قسط من المسؤولية لتشييدها منوالا للتهيئة. أمّا في صورة البناء في الأماكن الخطرة دون ترخيص فإن صاحب العقار يعتبر شريكا في المسؤولية وهنا في حالة ضرره لا يمكنه المطالبة بالتعويض، غير أنه يمكننا القول بأنه يمكن مساءلة الادارة، فهنا يعتبر المواطن المعني مرتكبا خطأ قانونيا. ويقول الأستاذ بن صالحة إنّ المتضرر من الفيضانات يمكنه رفع قضية ضد الادارة اذا كانت وضعيته العقارية والقانونية سليمة لأن الادارة سمحت له بالبناء في مكان خطير ومعرض للفيضانات والادارة مطالبة بأن تكون على علم بأن المكان يمثل خطرا لأنها تتمتع بقرينة العلم، اذ يمكننا القول �إن الادارة ممنوعة من الخطإ�. وعن الجهة القضائية المختصة يقول محدثنا انّ القيام يتم أمام المحكمة الادارية، اذ يجب اثبات المسؤولية التقصيرية مع إثبات خطإ الادارة والضرر الحاصل مع اثبات العلاقة السببية بين الضرر والخطإ، وحتى وان لم تخطئ الادارة فإن هناك مسؤولية تقصيرية، وهنا ترفع الدعوى ضدّ الادارة للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية. اذ ينصّ الفصل 83 من مجلة الالتزامات والعقود على أنه: �من تسبب في مضرّة غيره خطإ سواء كانت المضرّة حسية أو معنوية فهو مسؤول بخطئه اذا ثبت أنه هو السبب الموجب للمضرّة مباشرة، وكل شرط يخالف ذلك لا عمل عليه، والخطأ هو ترك ما وجب فعله أو فعل ما وجب تركه بغير قصد الضرر�. كما ينصّ الفصل 84 من نفس المجلة على أن �المسؤولية المقرّرة بالفصلين (82 و83) تنسحب على الدولة ولو من حيث تصرفها كسلطة عمومية وعلى الادارات البلدية وغيرها من الادارات العمومية فيما يتعلق بالفعل أو الخطإ الصادر من نوابها أو مستخدميها حال مباشرتهم لما كلفوا به مع بقاء حق من حصل له الضرر في القيام على من ذكر في خاصة ذاتهم�. ان ما يمكن قوله عموما هو أن اشكالا قانونيا يبقى قائما حول من يتحمّل المسؤولية في حالات الكوارث، اذ حتى في الحالات القصوى فإن البناء في مجاري المياه والأماكن المنخفضة والخطيرة، يحمّل جزءا من المسؤولية للادارة لأنها مطالبة بتطبيق القانون ومنع تشييد البناءات والمساكن والمحلاّت في مثل تلك الأماكن، كما يتحمّل المواطن جزءا من المسؤولية خاصة عند البناء وذلك لعدم الاستئناس برأي المختصين والمهندسين، فالبناء على أسس غير سليمة لن يؤدي الا الى الكوارث. منجي الخضراوي (المصدر: النشرة الإلكترونية لجريدة الشروق التونسية يوم الاربعاء 26 سبتمبر 2009)
خسائر متفـاوتة في القطاع الفلاحي وأضرار كبيرة في صابة التّمور
خلفت الأمطار الأخيرة خسائر في القطاع الفلاحي تمثلت في إلحاق أضرار متفاوتة ببعض الجهات التي اجتاحتها مياه الأمطار بسبب فيضان الأودية والسيلان الجارف للمياه، فضلاً عن إتلاف بعض المحاصيل الزراعية كالتمور وغيرها، فقد جرفت الزراعات واقتلعت الأشجار وألحقت خسائر في مستوى التربة والمساحات المخصصة لهذا القطاع وذلك بنسب متفاوتة. أفادت مصادر الاتحادات الجهوية للفلاحين بكل من توزر ونفطة وقبلي أن الأضرار التي لحقت بصابة التمور جراء الأمطار الأخيرة كانت متفاوتة. وقدرت هذه المصادر نسبة الأضرار ما بين 1 و30 في المائة تقريبا، وذلك لاعتبارين مختلفين الأول يتعلق بالمفعول السلبي للأمطار وكثافتها على بعض الجهات والثاني بتفاوت عملية نضج التمور التي تختلف بين الغابات الجديدة والقديمة، ومدى الرطوبة التي لحقت بها جراء شدة الحرارة في الأسابيع الفارطة وما تبعها من أمطار في الأيام الأخيرة. وحسب رؤساء الإتحادات المحلية ومهندسين عاملين بالقطاع أفادت مصادر من الاتحادين الجهويين بقبلي وتوزر أن الأضرار التي لحقت بالصابة كانت بتمغزة ما بين 15 إلى 30 في المائة، وفي حزوة 1 بالمائة، أما في نفطة فإنها 25 إلى 30 في المائة، ودقاش 30 في المائة وتوزر ما بين 15 إلى 30 في المائة. كما سجلت أضرار بمناطق أخرى بكل من الجريد وقبلي حيث بلغت 18 في المائة بواحات قبلي وسوق الأحد، ونسب أخرى متفاوتة ببقية الجهات، لكنها تبقى عموما في مستوى الأضرار التي لحقت بالجهات المذكورة آنفا. نضج صابة التمور وجنيها وأشارت هذه المصادر من ناحية أخرى إلى حركية في جني الصابة قد إنطلقت في بعض الواحات، وتتصل حاليا ببعض الباكورات من أنواع التمور، على اعتبار أن نضج التمور يكون بنسب متفاوتة وذلك حسب مواقعه وعمر النخلة. وأفادت في هذا الجانب أن عملية نضج الصابة تعتبر في بداياتها وتقدر حاليا بـ 15 إلى 25 في المائة. وحسب التقاليد الفلاحية الجارية في واحات التمور والتي تقوم في مجملها على بيع الصابة على رؤوس أشجارها أي ما يعرف بـ « الخضارة » أو البيع بالعرجون حسب التقاليد، فإن تقديرات الاتحادات الجهوية للفلاحين بهذه الجهات تشير إلى أن ما بين 10 و80 بالمائة من الصابة قد وقع لحد الآن بيعها على رؤوس أشجارها. وبخصوص عمليات الإحاطة العامة بصابة التمور في كافة جهات الجنوب أفادت مصادر الاتحاد الوطني للفلاحين أنه تم إلى غاية شهر أوت الفارط وما سبقه من الأيام عملية تغليف 5،1 مليون عرجون من التمور، وهي نسبة تعتبر محترمة، حيث سجل من خلالها تقدم هام بخصوص الإحاطة بالمحاصيل، وتجنيبها كافة أنواع الأضرار التي تلحق بها سواء بتجنيبها أثار الرطوبة أو تمكّن أنواع دودة التمور الغابية منها. وأفادت هذه المصادر أن الأيام القريبة القادمة ستشهد حضور أنواع الدقلة بالأسواق التجارية. وقد سجلت نسبة في زيادة الصابة قدرت بـ15 في المائة عما كانت عليه في السنة الفارطة. في الجنوب الغربي وقد تسببت غزارة الأمطار التي شهدتها مناطق الجنوب الغربي خاصة منها معتمديات الرديف وأم العرائس والمتلوي في أضرار فادحة في المساحات الفلاحية المنجزة وفي المنشآت المائية.. هذه الأضرار تمثلت بالخصوص في جرف مساحات سقوية بمناطق الصوالحية وتابديت وسقدود كما شملت هذه الأضرار المنشآت المائية على غرار عدد من الآبار الاستكشافية وآبار الاستغلال بمنطقة تابديت بالخصوص. انجراف الأراضي الفلاحية اكتسح عديد المساحات بمنطقة سقدود 2 والبركة بالمتلوي وأم العرائس وأضر بمصدّات الرياح والطوابي الترابية والميكانيكية التي تم تركيزها في إطار مقاومة التصحر ضمن المشروع الثاني للتنمية الفلاحية المندمجة بمناطق الحوض المنجمي الذي ينجز باعتماد جملي يصل إلى 25 مليون دينار كما تسببت المياه والأودية في اقتلاع غراسات النخيل الناشئة. جرف حقول الزراعات السقوية والأشجار المثمرة والكروم وفي المهدية والمناطق التابعة لها نزلت أمطار غزيرة لم تسجّل منذ أربعين سنة خاصة بمعتمديات المهدية وقصور الساف وهبيرة وسيدي علوان، حيث تجاوزت الكميات المعدّل العادي لشهر سبتمبر. وقد تسبّب سيلان الأودية وفيضان بعضها في انقطاع حركة المرور خاصة طريق بومرداس بسبب فيضان وادي المالح ووادي شيبة بهبيرة. كما أنّ بعض التجمّعات السكانية كالشفافرة وعمادة شيبة قد حاصرتها مياه الأمطار وألحقت بها أضرارا. كما تمّ تسجيل أضرار ببعض الزراعات بعد أن جرفتها المياه كالأشجار المثمرة والكروم والزّياتين. علي الزّايدي – علي دخيل – محمد الهادي الهلالي � نزيهة الغضباني (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 26 سبتمبر 2009)
إرتفاع حصيلة ضحايا فيضانات جنوب تونس إلى 21 قتيلا وأكثر من 100 مفقود
تونس- ارتفعت حصيلة ضحايا الفيضانات التي اجتاحت بلدة الرديف بمحافظة قفصة جنوب غرب تونس العاصمة إلى أكثر من 21 قتيلا، بالإضافة إلى 100 مفقود. ونقلت صحيفة الشروق المستقلة عن مصادر رسمية لم تذكرها بالاسم قولها إن عدد ضحايا هذه الفيضانات تجاوز 21 قتيلا، في حين تضاربت التقديرات حول عدد المفقودين، حيث أشار البعض إلى 100 مفقود، بينما أشار البعض الآخر إلى نحو 150 مفقودا. وكانت السلطات التونسية الرسمية قد أعلنت في وقت سابق أن الفيضانات والسيول الكبيرة التي إجتاحت فجر الأربعاء الماضي مدينة الرديف، خلفت 17 قتيلا وثماني جرحى وعدد من المفقودين، إلى جانب خسائر مادية جسيمة. وذكرت وكالة الأنباء التونسية الحكومية أن الرئيس زين العابدين بن على أمر بإرسال طائرة أخرى، هي الثالثة من نوعها، محملة بالمساعدات (مواد غذائية وأغطية) لفائدة ضحايا تلك الفيضانات. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 26 سبتمبر 2009)
لتوفيـر حاجيات تونس من الطاقة الكهربائية: قريبا مولـدات نوويـة وهوائيـة وشمسيـة
تونس – الصباح الشركة التونسية للكهرباء والغاز لا تبيع الكهرباء فقط وإنما تنجز ايضا مشاريع كبرى في مجالات انتاج الكهرباء ونقله وتوزيعه تتماشى وسياسة الدولة في التحكم في الطاقة وترشيد استهلاكها والنهوض بالطاقات المتجددة. في هذا الاطار يتنزل مشروع المخطط الشمسي التونسي الرامي الى تطوير انتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية لتصبح تونس قاعدة انتاج وتصدير صناعي وطاقي في الميدان الشمسي. هذا المشروع هو احد المشاريع الكبرى التي تعمل حاليا الستاغ على انجازها بالتوازي مع التحضير لمولد نووي. وتقدمت الدراسات الأولية لانجازه اشواطا لا بأس بها ووصلت المفاوضات التي تجري بخصوصه بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز والوكالة العالمية للتحكم في الطاقة الى مراحل متقدمة قد تفرز قريبا اعلانا عن الانطلاق في انجازه في احدى مناطق الجمهورية. مبدئيا بينت الدراسات ان الطاقة التي يمكن تركيزها في هذا المولد النووي ستكون 1000 ميغاواط وسينجز على مراحل وسيجهز بالكامل سنة 2023 وهي المدة اللازمة لاعداد البنية التحتية لنقل الكهرباء وتأهيل التجهيزات وتركيز الجديدة منها وتثبيت وسائل الحماية والمراقبة الخاصة بها. واستعدادا للمراحل الأولى لهذا الانجاز الضخم انتدبت الشركة التونسية للكهرباء والغاز اكثر من 10 مهندسين مختصين في الميدان وارسلتهم في بعثات تكوين في الخارج وخاصة في فرنسا ليتم تعهد هذا المولد النووي من قبل كفاءات تونسية. استثمار في الانتاج وقد شرع في إنجاز هذه الدراسات تفعيلا لقرار رئاسي صادر في نوفمبر 2006 لدراسة وانجاز مولد كهربائي نووي. ويتنزل في اطار عمل الشركة على مواكبة التغييرات التقنية التي تمكنها من الرفع من طاقة انتاجها وحماية شبكة نقل وتوزيع الكهرباء. والمولد النووي ليس المشروع الكبير الوحيد الذي تعمل الشركة على انجازه بل لها عدد لا باس به من المشاريع الكبرى في مجالات انتاج ونقل وتوزيع الكهرباء والغاز. فبعد ان حققت نسبة تنوير وصلت الى 99% بالمائة وبلوغ عدد حرفائها ثلاثة ملايين مشترك ونجحت في انجاز العديد من المشاريع في اطار التعاون الفني في دول عربية واجنبية اذ تربطها 23 معاهدة تعاون تم توقيعها مع 23 شركة من بينها 11 شركة عربية.كما تعمل الشركة على انجاز محطات جديدة لانتاج الكهرباء خلال المخطط الحادي عشر : تتكون من: – توربينتين غازيتين بفريانة من ولاية القصرين تدخل حيزّ الإستغلال الاولى جهزت وبدا العمل بها منذ شهر جوان 2009. – والثانية في طينة من ولاية صفاقس وستدخل مرحلة الانتاج في جوان 2010 تبلغ سعة كل منها 120 ميغاواط وفي مجال الانتاج الحراري تعمل الشركة حاليا على انجاز دورة مزدوجة في غنوش من ولاية قابس تدخل طور الاستغلال. سنة 2011 بطاقة مركزة تبلغ 400 ميغاواط. اما المشاريع الكبرى التي تعتزم الستاغ انجازها في المخطط الثاني عشر (2016-2012) فنذكر من بينها محطة جديدة – دورة مزدوجة – بطاقة مركزة 400 ميغاواط ستنجز خلال سنة 2013 بسوسة وقد اعلنت الستاغ عن طلب عروض لمناقصة في خصوصها وهي حاليا تفرز العروض. الانتاج الهوائي اما في ما يخص الانتاج الهوائي المعتمد اساسا على – توربينات هوائية لإنتاج الكهرباء عن طريق طاقة الرياح فتعتزم الشركة التونسية للكهرباء والغاز الرفع من انتاج طاقة الرياح الى 245 ميغاواط خلال سنة 2011 مما يمكن من تخفيض انبعاث ثاني اكسيد الكربون بمعدل 300 الف طن في السنة. واضافة الى محطة سيدي داود القريبة من الهوارية بطاقة جملية 54 ميغاواط اكتملت كل مراحل انجازها منذ جوان 2009 ودخلت طور الاستغلال وتعمل الستاغ على انجاز محطة هوائية بكل من الماتلين والكشاطبة من ولاية بنزرت بطاقة اولية 120 ميغاواط ستتطور وستنضاف لها 70 ميغاواط اخرى وستبدا هذه المحطة في مرحلتها الاولى سنة 2010. اول محطة شمسّية وفي اطار البحث عن الطاقات البديلة والاستفادة منها ورغبة منها في التخفيف من الانتاج الحراري والضغط على التكاليف خاصة وان تونس تخصص 34 بالمائة من حجم ما تنتجه من الطاقة الأولية لتوليد الكهرباء اطار البرنامج الوطني للتحكم في الطاقة تعتزم الستاغ انجاز اول محطة شمسية بطاقة انتاج تعادل 25 ميغاواط وستشيـّد بناية نموذجية مقتصدة للطاقة تعمل بالطاقة الشمسية. وقد حصلت الستاع على موافقة وزارة الصناعة لاعلان مناقصة لطلب العروض لانجاز 3 مغواط عن طريق لواقط شمسية سيبدا في العمل اواخر سنة 2011. هذا المشروع سيمكن العائلات في عدد من مناطق الجمهورية من امكانية الانتاج الذاتي للطاقة الكهربائية وذلك بتركيز لاقطات شمسية فوق اسطح 2000 مسكن في مرحلة اولى على ان تركز لاحقا 10 مغاوط و10 مغواط من الطاقة الشمسية وستتوزع هذه التجربة على كامل ولايات الجمهورية خلال سنتي 2011 ـ 2014 في اطار التوازن الجهوي لمعرفة مدى مردودية هذه اللاقطات الشمسية في مختلف الجهات والمشاكل التي ستطرحها انطلاقا من خصوصيات كل جهة. طاقة غير قابلة للتخزين علما بان هذه اللاقطات الشمسية تطرح اشكالا يتمثل في ضرورة ان يكون للمواطن الراغب في لاقط سطحي ذي مساحة شاسعة اما الاشكال الثاني وهو الاهم فيتمثل في انه لا يمكن تخزين هذه الطاقة ولا انتاج الكهرباء اذا لم تكن هناك الشمس الكافية. ونفس هذا الاشكال يطرح في المولدات الهوائية التي تحتاج الى ريح سرعتها ما بين 10 الى 90 كلم في الساعة واذا زادت السرعة اكثر من ذلك أو نقصت فان تلك المولدات تقف. هذه الاشكالات هي من جملة الأسباب التي تجعل تكاليف الطاقتين الشمسية والهوائية مرتفعة جدا بالمقارنة مع مردوديتهما التي مازالت ضعيفة. الكهرباء وبالتوازي مع مشاريع الانتاج فان لشركة الستاغ مشاريع كبرى لنقل وتوزيع الطاقة ومن بينها حوالي 500 كلم خطوط كهربائية ذات ضغط عال و10 محطات تحويل مجهزة بالكامل وهي ذات ضغط عال. كما ان للشركة مشاريع تركيز مراكز وطنية للتحكم عن بعد ينتظر أن تلعب دورا استراتيجيا في ضبط وتحديد مواقع الاعطاب والتدخل السريع لارجاع الكهرباء المقطوعة وفي مراقبة التوليد ونقل الطاقة ذات الضغط العالي ولدعم ومساندة هذا المركز دخلت سنة 2009 ستة مراكز وطنية للتحكم في التوزيع حيز الاستغلال في كل من تونس وقرمبالية وسوسة وقابس وجرجيس وقفصة وهذه المراكز تعمل وفق مؤشرات متطورة توازي المواصفات الاوروبية فبعد ان كان ارجاع الكهرباء المقطوعة يستغرق من نصف ساعة الى ساعة كاملة أصبح اصلاح العطب وارجاع الكهرباء لمستهلكيه لا يستغرق اكثر من 10 دقائق في كل الحالات نظرا للتقنيات الجديدة والمتطورة التي تعتمد في تشغيلها على الألياف البصرية للاتصالات بينها وبين جميع المراكز لتحديد مكان الانقطاع وارجاعه. محطة توليد خاصة هناك ايضا مشروع انجاز محطة جديدة خاصة ستنتج 400 ميغاوات بولاية بنزرت وستدخل حيز الاستغلال سنة 2014. في الوطن القبلي ومن المشاريع الكبرى التي ستنجزها الستاغ بالاشتراك مع مستثمرين ايطاليين في جهة الوطن القبلي نجد محطة توليد خاصة بطاقة انتاج تصل الى 1200 ميغاواط 400 منها ستكون من نصيب الستاغ و800 للتصدير لايطاليا وذلك عن طريق خط يربط بين الوطن القبلي وجزيرة صقلية وقد تم بعث الشركة التي ستعنى بالاشراف على هذا المشروع الذي سينطلق قريبا. كل هذه المشاريع تحتاج إلى بنية تحتية تتمثل في خطوط نقل الكهرباء هوائية وتحت ارضية ومحطات تحويل هي حاليا في طور الدراسة. علياء بن نحيلة (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية � تونس) الصادرة يوم 26 سبتمبر 2009)
إنهم يتحسّبون لمصر
بقلم : عبد السلام بوعائشة فشل وزير الثقافة المصري السيد فاروق حسني المرشّح لمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم والثقافة في الحصول على ثقة المجلس التنفيذي للمنظمة المجتمع في باريس وخسر رهان الحكومة المصرية عليه رغم الدعم العربي والإفريقي والآسياوي وعاد المنصب إلى المرشحة البلغارية إيرينا بوكوفا بفارق أربعة أصوات(31 صوتا مقابل27 صوتا). « إسرائيل » التي شنت حملة ضد فاروق حسني عبر مؤسّسات الدعاية الصهيونية في العالم رحبت بنتيجة الانتخابات ومصر وجّهت الاتهام إلى « دول كبرى » قالت إنها مارست ضغوطا هائلة على الأعضاء في المجلس التنفيذي لإسقاط مرشحها بدعوى أنه معادي للسامية(والقصد من ذلك معادي « لإسرائيل ») ويضع القيود على حرية التعبير في بلاده ويشدد الرقابة على التطبيع الثقافي مع « إسرائيل » . نفهم جيدا موقف دولة الاغتصاب الصهيوني في فلسطين وموقف الإدارة الأمريكية ومندوبها الدائم في منظمة اليونسكو وموقف الدول الأوروبية الداعمة لمرشّحتها من رفض ترشح مسؤول عربي لرئاسة منظمة دولية في حجم وقوة تأثير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، و لكننا لا نستطيع فهم موقف الحكومة المصرية الذي ما زال يعتقد في إمكانية تحقيق دور فاعل لمصر في العالم أو في إفريقيا أو في الوطن العربي بعيدا عن خندق الممانعة والمقاومة وبالاعتماد على نهج معاهدة كامب دافيد الاستسلامية والحوار مع الصهيونية العالمية التي اغتصبت فلسطين وتوسعت في الأرض العربية وخلقت من خلال تحالفها الاستراتيجي مع المشروع الاستعماري الغربي في الوطن العربي واقعا مذلا ومأساويا لشعوبنا ومستقبل أجيالها وأغرقت مصر في بحر من الديون والتبعية الخانقة. لا نستطيع- بحكم غيرتنا على مصر وتاريخ مصر و مكانة مصر- أن نفهم كيف تعجز الحكومة المصرية عن إدراك الحقيقة الصارخة والتي مفادها أن معاهدة كامب دافيد الموقعة سنة 1979 بين الرئيس أنور السادات و الإرهابي مناحيم بيڤن بوساطة أمريكية هي السبب الحقيقي ليس في فشل مرشحها لإدارة اليونسكو فحسب بل في فشلها في مجمل الأدوار التي أرادت القيام بها بعيدا عن نصوص هذه المعاهدة التي لم تحرر سيناء ولم تنصف مصر بل أدخلتها ضمن منظومة الأمن الاستراتيجي لدولة الكيان الصهيوني في فلسطين وبالتالي حرمتها استراتيجيا من لعب أي دور يمكن أن يعرض أمن وسلامة ومصالح « إسرائيل » للخطر بل و حتى مجرد احتمال وقوع هذا الخطر ولذلك ومنذ توقيع تلك المعاهدة لم يسمح للحكومة المصرية ومن ورائها مصر أن توسع من دائرة مصالحها إلى أبعد مما تحتمله مصالح الصهيونية العالمية ومشروعها في فلسطين وفي المنطقة بل وعلى غير منطق التاريخ وسياسة المصالح الاستراتيجية لمصر أقفلت الحكومة بوّابات التواصل الإيجابي مع القضايا القومية للأمة العربية وقضايا التحرر من الاستعمار في إفريقيا والعالم وأدارت ظهرها لنضال الشعب الفلسطيني فتركت ثورته تذبح في بيروت سنة 1982 وما تزال تذبح إلى اليوم في الضفة والقطاع و وفرت أرضية للعدوان الثلاثيني على العراق واستباحة كل مقدسات الأمة وثرواتها في الخليج العربي وهتك بوابات أسوارها الشرقية و إنهاك كل مشاريع المقاومة والصمود فيها واستباحة تخوم الوطن وأجزائه الرخوة في السودان واليمن ولبنان وموريتانيا مما أدى إلى هتك بنية النظام الرسمي للجامعة العربية وأفقدها الكثير من موجبات قيامها وبقائها وضاعف من تحديات الاستهداف الدولي والإقليمي الذي وإن كانت معالمه تبدو واضحة في مناطق القصف المباشر و في مناطق الهامش إلا أن أهدافه النهائية تطاول المركز الذي هو مصر أو « الجائزة الكبرى » كما سماها أحد مهندسي الاستراتيجية الأمركية. و على الرغم من كل ذلك ورغما عن توسلات الحكومة المصرية لنتنياهو واعتذارات وتراجعات وزير الثقافة فاروق حسني عن تصريحات سبق أن أدلى بها في مجلس الشعب يلتزم فيها بإحراق الكتب « الإسرائيلية » التي تدخل مصر فإنّه من غير المسموح لمصر أن يترأّس أحد مرشحيها منظمة في حجم اليونسكو ليس لكونه معاديا « لإسرائيل » كما يروّج أو معاديا للتطبيع مع ثقافتها ولكن لأن هذا الترشيح إنما هو ترشيح لمصر بقطع النظر عن شخص المرشح ومواقفه ومصر تبقى دائما في نظر الأعادي قوة يتحسب لها ولتاريخها مهما كانت سياسات حكوماتها. لسنا نريد الاسترسال فيما قاله الكثيرون قبلنا عن نتائج معاهدة السلام المصرية « الإسرائيلية » وعما قدمته مصر بموجبها من تنازلات لصالح القوى المعادية ولكن نريد أن نؤكد على أن نهج تحقيق المصالح في الواقع العالمي اليوم لا يقوم على الاعتبارات الأخلاقية أو الإنسانية أو الشرعية ولا على التوسل والمناشدة و الاستجداء الدبلوماسي بل يقوم على امتلاك عناصر القوة والضغط التي تسند المواقف وتفعّل المبادرات فتحولها من مشاريع إلى وقائع ولسنا نرى لمصر قوة ودورا خارج مشروعها القومي المقاوم الذي عاش الرئيس جمال عبد الناصر من أجله فاحتضنته الأمة و بكته في مثل هذه الأيام مساء 28 سبتمبر1970 لأجله وما تزال تنشده في كل محطات مقاومتها وانتكاساتها. رحم الله جمال عبد الناصر في ذكرى وفاته قائدا صلبا مقاوما لمشاريع الهيمنة والاستعمار وحفظ مصر وشعب مصر قلعة للعروبة والتحرر ولتسقط سياسات الاعتماد على المشاريع الغربية ورهانات السلام الزائف. (المصدر: صحيفة » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 103 بتاريخ 18 سبتمبر2009)
مخطط استراتيجي أمريكي لإشعال الحروب الأهلية وتمزيق العالم..
كشف كتاب أمريكي جديدً بعنوان « المائة عام القادمة » لمؤلفه جورج فريدمان، وهو الكاتب المعروف بصلاته الوثيقة « بالمحافظين الجدد »، النقاب عن الاستراتيجية السريّة المقبلة للولايات المتحدة· وجاء في الكتاب أن هذه الاستراتيجية تعتمد إشعال الحروب الأهلية والإقليمية في كل أرجاء العالم لإشغاله عن مواجهة السياسة الأمريكية التي لن تعتمد الحروب المباشرة بعد اليوم، بل الحروب بالوكالة لتمزق أمماً ودولاً ومجتمعات، باعتبار أن تمزيق العالم هو الضمانة لإبقاء الهيمنة الأمريكية وضمان مصالح الاحتكارات الكبرى في أمريكا·· حيث تعتبر هذه الاستراتيجية طبعة منقحة لاستراتيجية « القرن الأمريكي الجديد » التي أطلقها المحافظون الجدد من أصدقاء الليكود « الإسرائيلي »، منذ أواسط عقد التسعينات· وبالتوازي مع صدور هذا الكتاب البالغ الأهمية، تفيد المعلومات الواردة من واشنطن أن بقايا « المحافظين الجدد القدامى » المتحالفة مع اللوبي الصهيوني، وبعض القوى العنصرية في المؤسسة الأمريكية الحاكمة تحاول الاستفادة من الارتباك المحيط بالرئيس الأمريكي أوباما، خصوصاً بعد بروز عجزه عن مواجهة التحديات الداخلية (الأزمة المالية، ومشروع الرعاية الصحية)، والتحديات الخارجية (لاسيّما أفغانستان والعراق)، من أجل إعادة الزخم لمشروعها الاستراتيجي الذي حالت دون تحقيقه عوائق ضخمة واجهت إدارة بوش في سنواتها الأخيرة· وتشير المعلومات أيضا إلى أن هذه الدوائر تسعى إلى الاستفادة من صراعات داخل الإدارة ذاتها، حيث يتردد أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون هي في حال أقرب إلى الاعتكاف احتجاجاً على تجاوز دورها تارة من قبل مبعوثي الرئيس في الساحات الساخنة، أو من خلال جولات جنرالات البنتاغون بمهمات سياسية في عواصم هذه الساحات، في وقت لا يخفي رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مولن انزعاجه الضمني من سياسات بلاده في منطقة الشرق الأوسط، والقائمة على إطلاق الأقوال الجميلة بدلا من القيام بأعمال جادة. فالمسلمون شعب حاذق لا يمكن الضحك عليه ، حسب ما كتب مولن في مقالته الشهيرة في مجلة ناطقة باسم البنتاغون الأمريكي· وتوضح هذه المعلومات أن ملامح هذا المشروع القديم – الجديد قد بدأت تظهر في أمريكا اللاتينية، حيث تم تنفيذ انقلاب يميني في هندوراس، وتنظيم حملات شرسة ضد الرئيس الفنزويلي شافيز، إضافة إلى جولة وزير الخارجية الصهيوني ليبرمان التي استهدفت إثارة عدة تناقضات بين دول أمريكا اللاتينية، بعد أن كانت قد شهدت في السنوات الأخيرة تماسكاً ملحوظاً بوجه السياسات الأمريكية والصهيونية· وتشير هذه المعلومات إلى أن التطورات المتسارعة في أفغانستان وباكستان، هي أوضح دليل على مدى تأثير وفعالية هذه القوى سواء في دفع حكومة باكستان إلى شن حرب شرسة على منطقة القبائل في وادي سوات، أو في تصعيد العمليات العسكرية في أفغانستان المترافق مع الإصرار على إنجاح كرزاي في انتخابات الرئاسة، رغم تأكيد كل الجهات التي راقبت العملية الانتخابية بأنه لم يحصل على غالبية الخمسين بالمائة من الأصوات· أما الصين فتكفي مشاغلتها بتضخيم صراعات أثنية ودينية داخلها، بالإضافة إلى العودة إلى سياسة محاصرة روسيا عبر التركيز على دكتاتورية نظام بيلاروسيا وتشجيع التمرد في منظومة الدول المستقلة المحيطة بموسكو· وما يؤكد صحة هذه المعلومات، حسب المحللين، هو المحاولة المحمومة لاستغلال الأجواء التي رافقت الانتخابات الرئاسية في إيران بهدف ممارسة المزيد من الضغوط عليها لكي تصبح أكثر طواعية بخصوص برامجها النووية، إضافة إلى تسعير العداء العربي-الإيراني لصرف الأنظار عن « إسرائيل »، العدو الحقيقي للعرب والمسلمين· وتقول المعلومات إن « أوامر عمليات » قد صدرت من واشنطن إلى بعض مراكز القوى في الوطن العربي التي تعتبر امتداداً لسياسة بوش والمحافظين الجدد، من أجل استعادة دورها في تعطيل خطوات التقارب العربي-العربي التي ولدت في قمم الكويت والدوحة والرياض إثر العدوان الخطير على غزّة· وفي الإطار ذاته نفهم التصعيد المفاجئ وغير المبرر في العلاقات السورية-العراقية بحجة اتهامات يعرف مطلقوها قبل غيرهم أن لا صحة لها على الإطلاق، بالإضافة إلى ما يشهده اليمن والسودان من محاولات حثيثة لتفتيت وحدتهما· وتتضح أكثر ما تتضح ملامح هذه العودة القوية للسياسات السابقة، حسب المعلومات، في تشجيع نتنياهو وحكومته على الاستهتار الكامل بمبادرات أوباما، وبمهمة مبعوثه جورج ميتشيل، ورفض التنازل عن أي مطالب، ولو شكلية، وتصعيد الضغوط بالمقابل على النظام الرسمي العربي للسير في خطوات تطبيعية مع العدو الصهيوني، ومحاصرة الدول الممانعة عبر سياسة « العصا والجزرة » التي يجيدها أهل الاستعمار القديم-الجديد· وعلى الصعيد الفلسطيني، تتصاعد الضغوط لإبقاء الانقسام الفلسطيني قائماً وتحويله من انقسام فصائلي بين فتح وحماس إلى تقسيم جغرافي بين الضفة وغزة، ومن انقسام سياسي إلى صراع دموي يسهّل عملية تصفية القضية الفلسطينية نهائياً· ومن هنا ترسم هذه المعلومات علامات استفهام حول توقيت زيارة المبعوث الأمريكي زلماي خليل زاده المفاجئة إلى لبنان، وهو الخبير بإشعال الحروب في أفغانستان والعراق، وارتباطها بنصائح حملها لبعض أصدقاء الإدارة الأمريكية السابقة بتصعيد الخلاف السياسي الداخلي في لبنان، حيث تسعى تل أبيب ومعها دوائر نافذة في واشنطن إلى منع تشكيل حكومة لبنانية تضم وزراء من حزب الله· ويبدو أن هذه السيناريوهات المتكاملة لها امتدادات أخرى داخل الولايات المتحدة وخارجها، وهي تنطلق جميعها من معادلة بسيطة تقول « إذا كانت المقاومات والمتغيرات في المنطقة والعالم أدت إلى تآكل نفوذ الإدارة الجمهورية السابقة، فلماذا لا تتم مجموعة ضربات وإجراءات تؤدي إلى إخماد هذه المقاومات، وقلب تلك المتغيرات، وإعادة المنطقة، ومعها العالم، إلى أسر القرن الأمريكي الجديد بنسخته المنقحة »· (المصدر: صحيفة » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 103 بتاريخ 18 سبتمبر2009)
إعلان الدار البيضاء الصحافة المغاربية تحت الضغط المالي، و السياسي، والأمني
تعبر المنظمات المغاربية الحقوقية و المهنية، ومجموعة من الصحفيين و الأكاديميين عن قلقها للوضع الذي تعيشه الصحافة في المنطقة المغاربية. فعلى هامش ندوة نظمها المرصد المغربي للحريات العامة والمرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والإبداع بتونس اليوم 25 سبتمبر 2009 بالدار البيضاء حول موضوع (دور السلاح المالي في خنق حرية الصحافة بالمنطقة المغاربية) ،حضرتها شخصيات ومنظمات مغاربية ودولية مدافعة عن حرية التعبير والصحافة. تداول المجتمعون في الأوضاع التي تهدد حرية الصحافة بالمنطقة مع التركيز على أحدث الأساليب القمعية المتبعة من طرف الأنظمة وأعداء حرية التعبير في تكميم المؤسسات الإعلامية والعاملين فيها. وتوقف المشاركون عند آلية العقاب المالية المستخدمة في الترهيب: كما تمت إثارة قضية إدخال الفساد المالي التي تلجأ إليها الأنظمة للتحكم في المشهد الإعلامي، عبر الاستغلال الجائر لعائدات الإشهار، وشراء ذمم الصحفيين بشكل منهجي استغلالا لوضعيتهم المالية و الاجتماعية الهشة، إضافة إلى الضغوط الأمنية والسياسية المتكررة. و قد جدّد المشاركون خلال هذا اللقاء تمسكهم المبدئي بقيم ومبادئ حرية التعبير الواردة في القوانين المحلية والمواثيق الدولية الكفيلة بضمان حرية الصحافة بوصفها أساس ممارسة باقي الحريات وأعلنوا: تنديدهم بالمحاكمات التعسفية التي تتعرض لها بعض الصحف في أكثر من قطر مغاربي، ولعل آخر هذه المحاكمات ما تعرضت له العديد من الصحف المغربية،حيث تم الحكم عليها بغرامات مجحفة ، لا يمكن فهم هدفها إلا بتحقيق غاية دفع هذه العناوين للإفلاس المالي و لخنقها ومحاصرتها تحريريا ومهنيا. أما عن الحالة التونسية، فقد سجل المجتمعون استمرار تهديد الصحفيين المنتقدين للحكومة، كان آخرها الحكم بالسجن النافذ على الصحفي الفاهم بوكدوس، بالإضافة إلى تسخير المال العام لشن حملات التشهير التي تمس بشرف وكرامة الصحفين و المدافعين عن حقوق الإنسان. و الحركة الانقلابية التي قادها البوليس السياسي على المكتب الشرعي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، أفضت إلى تنصيب قيادة موازية للقيادة الشرعية. وموالية للحزب الحاكم. و في موريتانيا، توقف المجتمعون عند غياب الإطار القانوني الذي ينظم حرية الصحافة الإلكترونية ؛ كما ألحوا على إعادة تنظيم الحقل الإعلامي للتخلص من ظاهرة « البشميركا »، و يتعلق الأمر بالصحف التي تحصل على ريوع الإشهار دون ضمان استمرارية صدور الصحف، و لذلك يعتقد المشاركون في ندوة الدار البيضاء على الإسراع بوضع ميكانيزمات تنظم و تضبط الدعم الحكومي للصحافة المستقلة. أما فيما يتعلق بوضع الجزائر، شدد المشاركون على استمرار حالة الطوارئ المفروضة في الجزائر منذ 9 فبراير 1992 والتي تعطي للسلطة التنفيذية و الأجهزة الأمنية سلطات واسعة تهدد ممارسة حرية الصحافة، بالإضافة إلى الترسانة التشريعية التي تجرم جنح الصحافة، مع استمرار جهاز القضاء في إطلاقه لمسلسل الأحكام بالسجن النافذ وغير النافذ ضد الصحفيين و مراسلي الصحف، مع استمرار السلطة في خرق قوانين الجمهورية برفضها منح تراخيص إصدار عناوين جديدة للكثير من الصحفيين المستقلين، بمقابل فتحها المجال لإصدار عناوين لأرباب المال الذين لهم علاقة بشبكات المصالح التي تدور في فلك السلطة. وفيما يخص ليبيا، سجلت الندوة استمرار انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع و احتكار سلطة الفرد الكلية لقطاع الإعلام، ومحاولة القيادة الليبية تصدير قمع الصحفيين خارج ليبيا، مع التأكيد على أن غياب دستور يشكل أهم العقبات الأساسية في طريق فرض إصلاحات تفضي لإرساء قواعد الصحافة المستقلة في ليبيا. الدار البيضاء في 25سبتمبر 2009
رسالة تضامن الدار البيضاء، 25 سبتمبر 2009
نحن المشاركين والمشاركات ممثلي الهيئات الحقوقية والمنظمات المهنيّة وصحفيين بدول المنطقة المغاربية في أشغال الندوة المنظمة من طرف المرصد المغربي للحريات العامة والمرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والإبداع في تونس بعنوان : « دور السلاح المالي في خنق الصحافة في المنطقة المغاربية ». نعبّر عن مساندتنا ودعمنا المطلق للمكتب الشرعي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، وإدانتنا القويّة للعملية الانقلابية التي قادها الحزب الحاكم بتونس للإطاحة بالمكتب الشرعي وتنصيب مكتب موال له. ونجدّد تمسك المنظمات المشاركة بالعمل الموحّد من أجل فرض حرية ممارسة الصحافة باعتبارها المدخل الأساسي لسائر الحريات العامّة، وإرساء قواعد دولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان. المرصد المغربي للحريات العامة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة (المغرب) الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان المجلس الوطني للحريات بتونس المرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والإبداع (تونس) الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان الرابطة الليبية لحقوق الإنسان الشبكة الغرب إفريقية للمحامين المدافعين عن حقوق الإنسان
أكد أن إسرائيل وأمريكا ودول الشمال وسفير دولة عربية وراء هزيمته باليونسكو فاروق حسني: سأفعل كل شيء يجعل إسرائيل « قزمة » صحف – إسلام أون لاين .نت
توعد وزير الثقافة المصري فاروق حسني بشن حرب ثقافية على « الطغيان » الذي لمسه في تكتل دول الشمال ضده، وبفعل كل ما يمكن أن يجعل إسرائيل « قزمة »؛ ردا على « دورهما الرئيسي » في غزل خيوط خسارته أمام المرشحة الأوروبية في انتخابات مدير عام الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة « اليونسكو »، حيث لفت أيضا إلى وجود دور لسفير إحدى الدول العربية فيها. وفي حوار أجرته معه صحيفة « المصري اليوم » القاهرية نشرته السبت 26-9-2009 قال حسني الذي بدا متماسكا وثابتا خلال حواره -بحسب الصحيفة- إن خسارته في الانتخابات الأسبوع الماضي: « عمقت الفجوة بين (دول) الشمال والجنوب »، وأظهرت « الغل » الإسرائيلي ضده، معتبرا أن هذا في حد ذاته « مكسب لي بشكل شخصي ». وعن إذا ما كان هذا « الغل » سيدفعه لتغيير قناعاته ناحية إسرائيل أكد أن هذا ما حدث: « أنا ذهبت بمشروع إنساني لنشر السلام في كل مكان، وما سيجعلني أغير قناعاتي أن هؤلاء ليسوا أنصارا للسلام ولا يريدونه، هم يطالبون بالتطبيع للسيطرة علينا، وهذا واضح ». ولم يعط الوزير المصري تفاصيل عن خطواته القادمة تجاه إسرائيل بعد « أن تتغير قناعاته » إلا أنه قال: « موقف إسرائيل جعلني أتحداها بأكثر الأشياء في العالم التي ستجعلها قزمة أمام مصر وثقافتها »، وأعلن « الحرب الثقافية ضد الطغيان » الذي لمسته في موقف معظم دول الغرب ضدي، « ولكن ليس ضد الثقافة نفسها ». وأشار حسني إلى أن قائمة « المتحالفين » ضده في أشد وأقوى المعارك الانتخابية باليونسكو منذ إنشائها عام 1946 ضمت في صدارتها السفير الأمريكي في اليونسكو وإسرائيل ويهودا داعمين لها ودول شمال أوروبا، خاصة ألمانيا وبعض دول أوروبا الشرقية واليابان وسفير إحدى الدول العربية. « أقسى الأيمان » وعن أسباب تحول الحملة الانتخابية لمنظمة ثقافية إلى حملة سياسية لأول مرة تراصت فيها دول العالم على هيئة تكتلات في مواجهة بعضها البعض اعتبر الوزير المصري أن « العنصرية بين دول الشمال والجنوب هي السبب الأول »، أما الثاني « فمتعلق باليهود الذين حلفوا بأقسى أيمانهم أني لن أحصل على المنصب لأجل عدم وجود عربي في هذا المنصب يعطل لهم مشاريعهم الخاصة بتهويد القدس ». وأعرب عن يقينه بأن الاصطفاف اليهودي ضده في الانتخابات « لم يكن متعلقا بشائعة أني أحرقت كتبا يهودية، فأنا لم ولن أفعل ذلك.. لكن هوية القدس كانت هي الأساس ». وسبق أن لفتت شبكة « إسلام أون لاين.نت » إلى أن خسارة المرشح المصري أثبتت أن تهويد القدس بشكل كامل أهم لدى إسرائيل من التطبيع مع العرب، وأن التطبيع لم يعد هدفا ذا قيمة أو ذا أولوية لدى صانع السياسة الإسرائيلية. وعكس ذلك الحملة الشرسة ضد حسني في المعركة الانتخابية رغم الوعود الإسرائيلية للقاهرة بعدم لعب أي دور ضده، حيث ترفض إسرائيل فوز مرشح عربي أو مسلم برئاسة اليونسكو -المعنية بحفظ التراث العالمي- في هذا التوقيت بالذات الذي تسعى فيه بكل قوة لتنفيذ الشق الأخير والأخطر من عملية تهويد القدس. أما الأسباب الأخرى التي تحدث عنها فاروق حسني وراء التآمر ضده فهي: « موقفي الرافض للتطبيع الثقافي، هم (الإسرائيليين) أرادوا الانتقام مني لهذا السبب، وكذلك التعصب وحب الهيمنة الذي يجعلهم (دول الشمال) لا يطيقون فكرة أن يتولى أحد أبناء الجنوب رئاسة مثل هذه المنظمة ». ولذا اعتبر فاروق حسني أن الغرب ما زال « عنصريا »: « هم يتكلمون عن التسامح والحوار والتعاطف والتصالح، وهذه هي الروح التي ذهبت أنا بها إلى هناك، ولكن ما وجدته أنهم يريدون الهيمنة والتسلط ». غير أن المسئول المصري رفض أن يؤثر موقف الغرب في ليبراليته وانفتاحه على الآخر، مؤكدا في نفس الوقت « أنا كفرت بالساسة.. وأصبحت متيقنا بأن حوار الحضارات يكون بين الشعوب وليس بين السياسيين ». واستدل حسني على وجود مؤامرة لإخراج نتيجة الانتخابات بالصورة التي ظهرت عليها بأنه شعر في بداية الانتخابات بأنه سيفوز، أما علامات التحول فبدأت « عند التعادل وحصولي على 29 صوتا مقابل 29 للمرشحة البلغارية رينا بوكوفا، شعرت أنها قفزت قفزة كبيرة من 13 صوتا إلى 29، وهذا عليه علامات استفهام كثيرة، ويشير إلى إمكانية حصولها على الصوت الإضافي ببساطة، وبالفعل أخذوا لها صوتين من عندي ». ورفض البوح بأسماء الدول التي سحبت تأييدها له في اللحظات الأخيرة لصالح المرشحة الأوروبية، غير أنه انتقد سحب كثير من الدول الإفريقية تأييدها له من بداية التصويت: « لم نأخذ سوى 3 أو 4 أصوات من إفريقيا، رغم أننا حصلنا على تأييد الأفارقة في قمتي أديس أبابا وسرت، وكذلك في اجتماع وزراء الثقافة العرب والأفارقة في الجزائر، وفي اجتماع دول عدم الانحياز في شرم الشيخ، وفي كثير من الاجتماعات الأخرى واللقاءات معهم ». وأرجع ذلك إلى » أشياء كثيرة، سياسية وغير ذلك »، أما عن موقف الدول العربية فأشاد به: العرب كان موقفهم موحدا جدا، ولعبت ليبيا والإمارات والسعودية دورا كبيرا، واتصل رئيس وزراء البحرين بماليزيا وتايلاند، لحثهما على التصويت لي »، غير أنه لفت إلى أن « سفير إحدى الدول العربية في اليونسكو، والتي ليس لها حق التصويت ضدي، كان يطوف بسفراء الدول الإسلامية لمنع انتخابي »، معتبرا أن هذا السلوك كان من « الأساليب القذرة التي شهدها في الحملة الانتخابية ». المكسب والخسارة وعن حسابات المكسب والخسارة بالنسبة له ولمصر في هذه المعركة الانتخابية التي لفتت أنظار العالم بقوة قال حسني إنه بالنسبة لمصر: « كسبنا أننا أعدنا تقييم ثقتنا في دول كثيرة.. عرفنا الصديق من العدو، ولم نخسر شيئا كبيرا، لم تكن اليونسكو بهذه الشهرة في العالم، هذه المعركة جعلتها على كل لسان وفي الصحف من خلال اسم مصر، وهنا ظهرت قوة الدولة والمرشح المصري، فلماذا كانت الصحف تهتم بي أنا فقط رغم وجود 9 مرشحين.. كانوا يتكلمون عني وحدي؟! ». وتعد هذه المرة الثانية التي يخسر فيها مرشح عربي انتخابات رئاسة اليونسكو التي لم يفز بها من قبل عربي أو مسلم، حيث سبق وخسر المرشح السعودي الدكتور غازي القصيبي في عام 1999 رغم الجهود الكبيرة التي بذلت من أجل إنجاحه عربيا وإسلاميا وإفريقيا. (المصدر: موقع إسلام أون لاين بتاريخ 26 سبتمبر 2009)
المرأة المغربية التي هزت عاطفة المجتمع الهولندي بنشرها قصة حياتها كزوجة
امستردام-دنيا الوطن-علي لهروشي المرء لا يختار اِسمه بل ُيفرض عليه من قبل أهله ، لا يختار قدره بل ُيفرض عليه من قبل خالقه، حسب ما جاءت به الميتافيزيقيا وعالم الغيب ، لايختار مستقبله بل يُفرض عليه من قبل وضعه الاِجتماعي والطبقي والمادي. . . لكنّ أن يُقلدَ المرء جدَه أو أباه متبِّعا خطاه وتعليماته ، وتوجهاته وإرشاداته على حذافيرها ، ُمطبقا بذلك كل العادات والتقاليد والعبادات التي ورثها دروسا منزلية عبر تربية تلقاها هو بدوره من أبائه و أجداده ، دون منحه ولو فرصة لعقله للنظر في صحتها أو زيفها ، فإن معنى ذلك هو إقبار مدمر أعمى للعقل الفردي وتغييب وإقصاء للذات الإنسانية من التفكير الحر وعدم تناول الأشياء عن حقائقها بحكمة وتبصر، فما هو دور العقل في ذلك ؟ إذا كان المرء لا ُيخالف تعاليم أبائه و أجداده و لا يراها بعين نقدية ، ولو بالارتكاز على مقولة الإعتماد الذاتي عبر الشك للوصول لليقين ؟ . « فايزة » ُأنثى كجميع الإناث شاء قدََرَها أن تولد في بادية ريفية بالناضور شمال المغرب ، لا ُيتقن سكانها سوى اللغة الأمازيغة المزينة أحيانا بُمفردات من اللغة الإسبانية ، نظرا للقرب الجغرافي من هذا البلد ، وأحيانا بمفردات من الدارج المغربي ، لما فرضته هيمنة سياسة القبيلة العلوية التي تنحدر ـ وفق التاريخ المغربي المزيف ـ من قبيلة الأدارسة ، الراغبة في تعريب المغرب والمغاربة ، ُبغية إبعادهم وتجريدهم من جذورهم وهويتهم الأمازيغية ، فكيف ُيفسر المرء تعلقهم وتشبثهم بالدين والعبادة والإيمان أكثر من تشبث العرب أنفسهم بذلك، رغم أن كل شيء من ذلك مبني ومتمركز على اللغة العربية قرآناً وحديثاً ؟ لهذا فرضت عليهم لوائح خاصة لتسمية مواليدهم بأسماء ُمشتقة من القبائل واللغة العربية ،ومن هذا الباب جاء إسم « فايزة أمو حماد » ، ليس غريبا عن كل مَن ْ هو عارف باللغة العربية أن هذا الإسم يعني فائزة ، والفوز أو الرسوب لا يأتي أحدهما إلا بعد الإمتحان ، فهل كان أبو « فايزة » الذي فرض عليها هذا الاِسم وهي صبية بريئة ، ولدت لتنمو كباقي المخلوقات وتمر في اِمتحان الدنيا والحياة العسيرة كالآخرين، دون أن تُحدد نهاية حياتها بين الفوز أو الرسوب ، لأن ذلك ليس من حقها بل هو من حق القضاء والقدر كما فرضتها العادات والتقاليد ، وأوجبتها العبادات على كل المؤمنين بها، فهل كان أبو « فايزة » يعلم حقا ما ُيخفيه ويحمله هذا الاِسم من أبعاد ومعانٍ حتى فرضه على طفلته بعد اليوم السادس من ولادتها ؟ . أم أن للقدر والقضاء تدخلا غير مباشر في ذلك حيث أن الخالق هو مَنْ يفرض على عباده تلك الأسماء ، ولكل واحد منهم نصيبه في كل شيء؟ هل يعلم مثل هؤلاء من الأرياف أن الإيمان عن جهل يُعد في صميمه ُكفراً، حتى آمن أغلبهم بما ليس لهم به علماً ، متبعين في ذلك لملة لم يرثوها سوى عبر السمع والطاعة والتقليد؟ هل تحظر الحاسة السادسة والحدس و علم الغيب عند كل إنسان لحظة وضعه أمام واجب اِختيار اِسم مولوده ؟ فمن هو الذي تحكم في الخفاء ياترى في مشاعر هذا الرجل الممرض الريفي الأمازيغي ؟ ومَنْ هو الذي دفعه ليمنح مولودته في يومها السابع من الحياة اِسم « فايزة » التي خلقت المعجزة في نشرها كتابا رائعا باللغة الهولندية تحت عنوان : « المُختارة » المتكون من 205 صفحة من الحجم المتوسط ، الصادر عن دار الطباعة والنشر « أرتميس » تحت الإيداع القانوني رقم :9789047201175 ن. س. ب. ن لسنة 2009 . الكتاب قد ُيصنفه البعض أدبيا في مجال السيرة الذاتية ، وقد يصنفه الآخرون في مجال القصة ، لكنها سيرة ذاتية من نوع أخر . . .سيرة ذاتية لاِمرأة لم تبلغ عقدها الثالث من الحياة بعد ، لكنها حكت بكل جرأة وشجاعة كل شيء وفق ما تتمتع به من حرية التعبير في مجتمع هولندي، منح كل شيء من وقته وجهده لتظل الحرية بمثابة تاج على رؤوس الجميع ، لهذا حكت فايزة ما عاشته وعايشته من إذلال ومرارة داخل أسرة مغربية متدينة ومتعصبة متشددة للدين الإسلامي، رغم أن لا أحدَ من هذه الأسرة يستطيع كتابة أو قراءة حرف واحد من حروف اللغة العربية ، لأن الجميع أميون لا يفقهون من اللغة العربية شيئا ، فكيف صاروا بذلك متزمتين للدين الإسلامي المعتمد على اللغة العربية يا تـُرى؟ ماذا يعرف هؤلاء عن الفلسفة بعالميها الميتافيزيقي والمادي كي يقتنعوا باِعتناقهم الدين الإسلامي ؟ ماذا يعرف هؤلاء عن الفقه حتى يردد أكبرهم جهلا على أن المرأة في الإسلام لا تغادر بيتها إلا مرتين ، مرة عندما تغادر بيت آبائها في اتجاه بيت زوجها ، ومرة عندما تغادر بيت زوجها نحو المقبرة ، من أية طينة خرج هؤلاء كقواميس للجهل؟ . ألم يكن من المفيد إبعاد هؤلاء من هولندا مع كل مَنْ يتقاسم معهم نفس الأفكار، وترحيلهم للبوادي التي جاؤوا منها وتجريدهم من كل ملذات الحياة ماعدا من الحيوانات و الخيمة في انتظارهم نزول آخر الأنبياء والرسل ، لأنهم لم يعايشوا الإسلام الحقيقي بعد . وفق ما أتبثته تصرفاتهم المسيئة للإنسانية في عالم متقدم أول يضع الإنسانية فوق كل شيء . سيرة فايزة الذاتية قد حركت مشاعر وعاطفة المجتمع الهولندي بعدما استغرب الجميع مما يقع على أرضية هولندا في عالم متحرر ومتقدم ، ولهذا استدعي وزير الاندماج وتحرك الإعلام السمعي والبصري و المقروء منه لمحاورة « فايزة » الضحية من جهة ، وُمساءلة المسؤولين الهولنديين ممن ثبت عليهم تقصيرهم في مواجهة مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية ، التي تمارس بإسم الإسلام كدين معيقة بذلك مسألة الإندماج ، والتعايش من جهة ثانية. سيرة ذاتية حركت السياسيين والعارفين في مجال السياسة والمستقبل لمحاولة ضبط الوضع وتصحيح ما يمكن تصحيحه من هذه الواقعة الخطيرة التي باِمكانها أن تمنح الفرصة لليمين المتطرف الرافض للتوسع بل للتواجد الإسلامي بهولندا من أساسه ، لأن ما ورد بهذه السيرة الذاتية من معاناة للمرأة المسجونة ببيت الزوج وعائلته كرقيقة القرون الوسطى والتي تعرضت من قبل زوجها وباقي أفراد عائلته من أب وأم وإخوة وأخوات من الواقفين في صف الأعداء في مواجهة اِمرأة بممارسات لا إنسانية أساسها العبودية والاِحتقار ، وهو ما يمنح الحق لهذا اليمين المتطرف لاِستقطاب أصوات كثيرة للانتقام من مثل هذه الأسر والعائلات المسلمة المستعبدة لاِمرأة ذنبها الوحيد أنها تزوجت طاغي جاهل من بين هؤلاء الطغاة . . . الكتاب السيرة الذاتية أو المجموعة القصصية ينقسم إلى أربعة وعشرين محوراً أو عنوانا أو قصة قصيرة واقعية ، حصلت وقائعها في سرية تامة وخفاء داخل مجتمع أساسه الحرية وحقوق الإنسان ، قاسمها المشترك الذل والإهانة والاِحتقار العبودية . . . الاستعباد والظلم والطغيان والعدوان هي ما ينتظم هذا الكتاب ، وهذه المحاور كانت على الشكل التالي : المقدمة : اليوم اِستمع إلى أغنية « الدم والعرق والدموع » للمغني الهولندي ـ أندر هاسيس ـ وغدًا سأتسوق من « مجمع إيكيا » كأنني في بازار عربي أرمي الكثير من الملح والتوابل المغربية في مفردات اللغة الهولندية التي أنطق بها ، وإذا كانت شهيتي في اِنجاز الكسكس أنجزته ، لديَّ نسخة من القرآن جنبا إلى جنب مع الإنجيل بالبيت ، وكل يوم يزداد شعوري كثيرا بكوني إنسان حر طليق ،أعرف ما معنى الغنى ، وإذا سألني أحد : مَنْ أنا قاصدا بذلك كوني مغربية ، حينها لا يمكنني سوى مواصلة الضحك بقولي : أنا هكذا ، أردت أن أكون أنا هي أنا ، رافضة في ذلك أن أُصنف نفسي في زاية من الزوايا أو ركن من الأركان ، لقد عشت خمسة عشر سنة في المغرب واليوم أعيش نفس المدة هنا بهولندا ، ولا يمنعني شيء سوى ما أتمناه في مستقبلي ، علاقتي مع أهلي في المغرب مبنية على اتصال هاتفي في حدود خمس دقائق مرة في كل ثلاثة أشهر، وحديثي معهم يرتكز أساسا على حالة الطقس والأطفال ، ولا يشير قط إلى وضعنا نحن ولا إلى ماضينا ، وعجبا لقد ولدت طفلة وترعرعت في عائلة كبيرة متكونة من عشر بنات وولدين ، ومع ذلك لا يعتبرونني واحدة منهم ولو كنت ربما واحدة بدون عائلة حينها سيكون عليَّ من السهل أن أقبل ، وأتقبل أن ُيقذف بي في أي مكان ، لكن من المؤسف أنني أعرف أنه لدي عائلة كبيرة لذلك كان من الصعب عليَّ أن أتحمل بسهولة العيش بدونها ، فكم أنا في أمس الحاجة إلى عائلتي خاصة في الأوقات الصعبة ، لأن شعوري نمّا علىَّ الاِعتماد عليها ، لكن التعقيدات والصعوبات مع عائلتي تلك جعلتني أتساءل بين حين وآخر : هل كان ذلك هو السبب الذي دفع بعائلتي للتخلص مني ، وقبول الموافقة على زواجي وأنا طفلة وإرسـالي لبلاد غريبة ولعائلة أغرب ؟ من الصعب عليَّ أن أفهم وأتقبل أنني كنت حقا في عيون عائلتي مجرد طفلة لا يُحتمل وجودها في البيت ، لهذا السبب سألت أمي يوما بصدق : هل أنا طفلتهم بالتبني ؟ لأنني أشعر وسطهم وكأنني لست بنتهم الطبيعية ، مُعتقدة من خلال سؤالي ذاك أنني سأستمد من خلال جواب أمي بنعم أن ذلك هو السبب في عدم تحملهم لتصـرفاتي ، وتفهمهم يوما ما لي وعدم تقبلهم لي كما هي أنا ، وفي الحالة التي أنا فيها ، لم نتحاور يوما ما فيما بيننا للتعبير عن مشاعرنا ، وتفجر أحاسيسنا وتفسير تصرفاتنا كي يستطيع البعض منا أن يفهم ويتفهم الأخر، وبالرغم من كوني قد ترعرعت في نفس المحيط الاجتماعي والثقافي لعائلتي فإنني واحدة ممن يحب النقاش والحوار والتواصل ، والتعبير عما يدورمن مشاعر بداخلي ، لكن للأسف أفراد عائلتي هم من صنع « التابو » وهم من يلعبون دور الباطرون أي دور « السي سيد » ـ كما جاء ذلك في ثلاثية الروائي نجيب محفوظ ـ في المنزل ، فأنا كنت منشغلة بالبحث عن طريقي ولقد كانت صدمة عائلتي كبيرة لما سمعوا أنني قد هربت من بيت الزوجية ، أولا : لأن الشرف لدى العائلة هو كل شيء بمنطق أن المطلقة معرضة دائما للمضايقات الذكورية ، وفريسة سهلة للإيقاع بها كما أن ذلك قد يضر بسمعة الأباء اِعتقادا منهم أن الآخرين سينظرون إليهم بعين احتقارية لعدم إحسانهم تربية بنتهم الهاربة من الزوج ، وهو ما قد يزيد من المس بشرفهم ، ثانيا : حزنهم عن وضعي في صورة إمرأة مطلقة وعن مستقبل أطفالي ، متسائلين عمن يعتني بنا وبشؤون حياتنا في بلاد الغربة والاغتراب ، نادمين في السر أشد الندم عن دفعهم لي لمعانقة أمواج الهجرة والضياع . قرية أمازيغية : القرية التي ترعرعت فيها بالناضور شمال المغرب سكانها أمازيغ يتعارفون ، ويتبادلون الزيارات فيما بينهم كأنهم أسرة واحدة ، إذا كانت هناك حفلة تقاسموا الأفراح جميعا ، وإذا كانت هناك نكبة تقاسموا الأحزان بصورة مشتركة ،عائلتي محكومة من قبل أب قاسٍ وأم تنفذ أوامره ولا تفكر سوى في أبنائها الإثنى عشر، لقد استطاع أبي أنْ يوصل لنا ما يعرفه عن الدين كإسلام ، لم يفرض علينا في يوم من الأيام أن نرتدي الحجاب ، لكنه لن يتقبل أن نلبس لباساً عصرياً ، لم ينس في يوم من الأيام الصراع النفسي الذي خاضه كي يفوز بالزواج من الأنثي التي هي الآن أمي ، لأنها تعد من العرب فيما ينحدر أبي من الأمازيغ ، وكل عرق ينظر إلى العرق الأخر نظرة الرفض الذي يصل أحيانا حد الحقد ، فلولا وساطة » سيمون » الإسباني الذي كان من حسن الحظ صديقا لأبي ، و في نفس الوقت صديقا لأب أمي لاستعصت المشكلة وحرم أبي من زواجه من أمي ،وهذا ما جعلني أكتب أول إنشاء لي بالمدرسة عن هذه المسألة لما سمح لنا المجال كتلاميذ لتحرير إنشاء حر بالمدرسة ، وقد أعجب الأستاذ بما كتبت مما جعله يأمرني بقراءة ما كتبته بالقسم أمام الجميع ، ومن تلك اللحظة كنت أتمنى لي مستقبلا أفضل في مجال الكتابة . كان جهاز التلفاز من الضروريات لكل بيت ، خاصة في القرى ، لكونه الجهاز الوحيد الذي يربطني بباقي أنحاء العالم ،خاصة بعد توفرنا على الدش الهوائي : »الستليت » ، لأن القناة المغربية مملة جداً ، برامجها رديئة جدا وهي مليئة بكل أنواع الإشهار ،كما أنها لا تهتم في كل وقتها سوى بالقصر الملكي وتنقلات الملك ،الناس لا يستطيعون التعبيرعن الحقيقة حيث لا يظهر على شاشة التلفزة المغربية سوى من يروج للأكاذيب ، و المغربي لا يستطيع انتقاد أي شيء ، وليس له الحق في حرية التعبير ، ولا أحد يتشجع للحديث والغوص في السياسة خوفا من الانتقام منه ومن عائلته ، والحقيقة أن المرء يعجز ويخاف حتى من تحدثه عن السياسة حتى داخل بيته ، والكل يردد حول ذلك أن الحائط يملك بدوره الأذنين ، معناه أن الحائط المنزلي منتصب كجاسوس لنقل الخبر، ولهذا يخشى الجميع قول الحقيقة ، هذا ما جعلني أشاهد كثيرا القناة الجزائرية وأجدها أفضل . وقد أشهد كما سيشهد جيلي أنه كان من الحكمة أن يتغير النهج السياسي المتبع بالمغرب أو على الأقل اتخاذ الخطوات الأولى للاتجاه الصحيح ، لكن هذا لم يقع بعد إلى يومنا هذا. لقد سمعت من أبي ـ بسبب كونه ممرضا ـ الكثير من معاناة الناس ، و اِهمالهم بالمستشفى لكونهم فقراء اِهمالاً متعمداً حتى الموت ،وتبقى أكبر واقعة مؤثرة في حياتي هي حكاية جارتنا » أسماء » التي كانت حالتها الصحية تستدعي اجراء عملية جراحية ، مما كلف أهلها بيعهم لكل ممتلكاتهم لجمع المبلغ المالي المطلوب جرّاء تلك العملية الجراحية ، وقد سددوا بذلك كل شيء فيما أن بنتهم « أسماء » قد فارقت الحياة وظل الخبر في كتمان حتى يستطيع الطاقم الطبي الذي كان يشرف عن تلك العملية أن يتسلم المبلغ المالي كاملا ،عندها يعلن بعد اليوم التالي أن « أسماء »قد فارقت الحياة إبّان إجراء تلك العملية الجراحية ، وبهذه الطريقة يموت الأبرياء الفقراء من المغاربة. أخي عمر: لقد أصبحت عائلتي تكره أخي عمر ولا أحد منهم يكلمه ، فالكل يدير وجهه في أي مكان بالبيت حيثما يتواجد ، بالرغم من كونه أعز إخواني ، فهو النموذج الإنساني الذي أراه كطفلة ، لقد حصل له ذلك لأنه سقط في عشقه وحبه لفتاة بالقرية تدعى » كريمة » وعندما عبر لأهلي عن رغبته الزواج منها ثار الجميع ضده ،معتبرينه كمختل عقلي ،إذ كيف يعقل أن يتزوج من فتاة فقيرة لا تملك شيئا ، وهو الأمر الذي مس مشاعري،وجعلني أخرج عن الإجماع العائلي في مقاطعة أخي عمر ، وبذلك كنت بمثابة حاملة الرسائل المتبادلة في سرية تامة بين أخي وعاشقته مساعدة لأخي كي يخرج من العزلة العائلية التي هو فيها ، وكي يكف عن تناوله وتداوله عن شرب الخمر انتقاما من نفسه ، ورغبة في نسيانه قرار عائلته الرافضة لرغبته في الزواج من عاشقته ، لم تعلم عائلتي شيئا عما أقوم به في سرية تامة اتجاه أخي رغبة في تحقيق حلمه ،وتوطيد علاقته الغرامية مع عاشقته ، ولكن عائلتي لم تغفل مدى اهتمامي وعنايتي بأخي المغضوب عليه ، من خلال توظيب وتنظيف غرفة نومه ،وغسل ملابسه ، وانجاز الطعام له ،وهو ما حول غضب العائلة ليشملني أنا كذلك بل فرض علي فرضا قاطعا مقاطعة أخي كذلك ، ومن تم شعرت بالمزيد من المرارة في حياتي العائلية . رجالٌ ُصلعٌ من هولندا: في إحدى العطل الصيفية كنت ألعب الكرة مع أخواتي وأبناء الجيران ، في الساحة الفارغة المجاورة لمنزلنا ، فيما شعرت بالعطش الشديد ،ذهبت قاصدة المنزل لأتناول شربة ماء عندها سمعت أحدا يطرق بالباب الخارجي ،فتحت الباب لأجد ثلاثة نساء غريبات عن القرية ، سألتني إحداهن عن أمي لذلك أدخلتهن إلى البيت حتى تحضر أمي ، لم أهتم في البداية بأمر تلك النساء فأسرعت عائدة لأواصل لعب الكرة ، لكن السؤال كان يطاردنا جميعا نحن الأطفال حول السر في الحكاية خاصة لما شاهدنا رجلين أصلعي الرأسين ، وهما جالسان في سيارة تحمل علامة خارجية صفراء اللون، وقد أفادنا اِبن أختي المعجب بالسيارات أن تلك السيارة قادمة من المملكة الهولندية ، ولكننا لا نعرف أحدا من المهاجرين المغاربة المتواجدين في ذلك البلد. بعد عودتنا للمنزل سمعت سؤال أمي الموجه لتلك النساء وهي تقول : كيف قصدتن هذا المنزل ، ولماذا بالضبط ؟ وهو ما يشير إلى أن أمي لا تعرف تلك النساء من قبل ، ولا علاقة لها بهن ، فتلقت أمي جوابا مقنعا عندما علمت أن تلك النساء قادمات بتوجيه من أحد الأشخاص ، والحاجة التي أتينا من أجلها هي ايجاد فتاة كزوجة للولد الذي جئن من أجله ، ومعروف عن أمي أنها لن تستطيع أن تعِدَ بشيء في هذا الشأن دون تواجد أبي ، مما استدعى احضار أبي وإدخال الرجلين الأصلعين الجالسين بسيارتها خارجا . لقد تم وضع أبي تحت ضغط الضيوف ، وسمعناه يردد قائلا : إذا أراد الله فلن تذهبوا في حال سبيلكم من عندي بأياديكم الفارغة ،لدي كثير من البنات اللواتي بلغن سن الزواج . لكن إحدى النساء الغريبات قاطعته قائلة : لقد جئت إليكم لأُزوج إبني » بلال » فهو لا يبلغ من العمر سوى خمسة وعشرين سنة ، ومن هنا فأنا أريد له فتاة من عندكم لم تبلغ السادسة عشر من عمرها بعد، وعلي أن أخبركم على أنني أريد الفتاة التي فتحت لنا الباب الخارجي عند قدومنا إليكم . استغرب أبي من طلبها ولم يكن يتوقع أن يقع اِختيار الضيوف لي قائلا : فايزة ! لم تبلغ الخامسة عشر من عمرها بعد وهي لا تزال طفلة ، ولا تعرف شيئا عن الطبخ والمطبخ بعد ، كما أنها تتابع دراستها . بدأ مرتبكا ينادي على باقي أخواتي واحدة بعد الأخرى عسى أنْ يتمكن بذلك من التأثير على الضيوف ليغيروا رأيهم ويراجعون طلبهم ربما باختيارهم لواحدة أخرى من أخواتي لكوني أصغر منهن سناً ، خاصة و أن العادة المغربية تفرض أن تتزوج الأخوات بالترتيب بدءا من التي تكبرهن سنا. احتار أبي بين قبوله طلب الضيوف لكونهم متشبثين برغبتهم في الزواج من طفلة ، وبين رفضه، حينها قد تضيع منه الفرصة التي قد لا تعود ثانية ،خاصة وأن هؤلاء الضيوف حسب فهمه أغنياء ، يتقدمهم « عز العرب » عفوا » ذل العرب » كأب لمشروع العريس » بلال » بجلباب أبيض ناصع ، ولحية طويلة تتقاسمها الألوان بين الأسود والأبيض ، والأصفر والرمادي ، وهو لا يتفوه بجملة إلا وذكر فيها اِسم الله أو النبي محمد ، أو يستشهد بالقرآن ، حتى وإنْ تعلق الأمر بمجرد حكايةٍ خرافية . أما زوجته فهي ترتدي الجوارب فيما أن الطقس يتجاوز الأربعين درجة حرارية ، ونظراتها توحي بكونها اِمرأة جافة ، قاسية ، صلبة ، شريرة قد تتجاوز الشيطان في خداعه وحيلته . اتفقت الجماعة بين طول الأخذ والرد في الحديث ، على الحسم في جعلي زوجة للمسمى » بلال » حينها أمره أبوه » ذل العرب » على أن يتقدم لمشاهدتي وإعطاء موافقته ، هكذا تم تسليمي طفلة صغيرة لعائلة غريبة ، وكأن أهلي قد تخلصوا مني اِنتقاماً لتصرفاتي الطفولية ، التي لا تعجبهم ، معتبرين أنني قد تحديتهم في عدم مقاطعة أخي عمر مثلهم . ليس لدي أي حق في الإدلاء برأيي وفق ما فرضته العادات ، والتقاليد التي وضعت الشرف العائلي فوق كل شيء . فكرت في الهروب ومغادرة المنزل ،لكن مََنْ سيتحمل أعبائي ومن يقدم لي يد العون والمساعدة ؟ من يستطيع حمايتي فيما قد ينتج من رد فعل من عائلتي حول هروبي ؟ . الزواج : بعد الزيارات المتكررة بين العائلتين تم توقيع عقد الزواج على أن يتم العرس بعد سنة ، شريطة أن أظل في المنزل كالسجينة ، محرومة من الدراسة ، ومن الخروج لملاقاة الناس وأصدقاء الدراسة في انتظار ترحيلي إلى هولندا . في يوم الجمعة 25 يونيو 1995 انعقد حفل العرس الذي دام ثلاثة أيام ،عرس لم أفرح به لأنه لم يكن من اختياري بل فرض عليَّ كالجنازة . فض البكارة : بعد الجولات في مختلف الاتجاهات بالسيارة واِلتقاط الصور للذكرى ، وشُرب الحليب وتناول التمر تنفيذاً لتعليمات الأهل ، والعادات و التقاليد ، انتهت بي الجولة بغرفة النوم مع شخص لم أختره شريكا لحياتي ، لم أذق طعاماً خلال تلك الليالي من جراء الحزن ، و الخوف مما قد سيحدث لي ، ولهذا أرسلت العائلة الأكل إلى غرفة النوم ، انحصرت شهيتي وكرهت كل ما يدور من حولي ، فيما أن » بلال » العريس يأكل كحيوان جائع ، كنت جد متعبة ورغبتي هي القليل من الراحة ، و النوم ، لكنني جد حائرة بما ينتظرني ، وُينتظر مني بعد ، بل ماذا يرتب لي في الخفاء ؟ كانت عمتي إلى جانب أهل العريس ينتظرون متى ُتفض بكارتي لتنقل الخبر لأهلي ، حتى يتمكنوا من ذلك أن يتنفسوا الصعداء رافعين بذلك رأسهم بالقرية ، لكون شرفهم لم يمس بسوء في يوم من الأيام ، أهلي يعلمون علم اليقين أنني لم أتعرف ، ولم ألتقِ ، ولم أعاشر ذكرا من الذكور من قبل زواجي ، ومع ذلك فهم خائفون من حدوث خطأ ما أو مصيبة ، ولهذا كان الجميع مرتبكا ، منتظرا على أحر من الجمر فض بكارتي ، برؤيتهم للدم الذي سينزف من فرجي كدليل . في غرفة النوم رأيت رجلا غريبا أزعجتني طريقة نظراته المخيفة ، وهو يمعن النظر في ثم الطريقة الهمجية التي جلس بها جانبي ، كان يكلمني ، فيما كنت أحدق بعيني نحو الأسفل في أرجلي ، من جراء الحياء والخوف ، والتساؤل يطاردني : كيف ستمر هذه الليلة التعيسة ؟ وقف » بلال » من مكانه ، بدأ ينزع ملابسه ، لحظتها تمنيت لو انفتحت الأرض أمام أقدامي لغطست في عمقها هربا مما ُفرض علي ، لم يسبق لي خلال ما عشته من حياتي أن رأيت فيها رجلا عاري الجسد ، حتى عبر شاشة التلفاز، ولذلك تجرأتُ متسائلة : سيدي من أنت إنني لا أعرفك ، أعرف حقا أنه كان علي من الضروري أن أتواجد هنا اليوم رغم أنني لا أريد ذلك أبداً ؟ كان قصدي في ذلك من خلال حسن نيتي ، أن عريس الغفلة قد يتفهم الأمر ، ويرد علي بوعي وتفهم ، كأن يقول لي مثلا : لا تخافِ أنت في أمان ، نحن متزوجان ، وسنأخذ الوقت الكافي للمزيد من التعارف والتفاهم ، وسنترك لأنفسنا وقتا كافيا لتحقيق ما يرضينا سويا . . . لكن رده كان غير متوقع حيث بدأ يصرخ : يسب يقذف ُمجيبا وماذا تعتقدين ؟ ومن ستكونين أنت؟ ألا تعلمين أنني قادم من أوروبا لدي المال الكثير ، وأسوق سيارة جميلة ، وهناك ألاف من الفتيات من المغرب اللواتي يتمنين الزواج مني ،فإذا لم يعجبك الأمر ، ارحلي إلى عائلتك الأن. كان يعرف حق المعرفة أنني لا أستطيع الرحيل الآن كي أعود سالمة إلى أهلي لأن الجميع قد يعتقد في ذلك أنني لست طاهرة وبكراً ، وهو الأمر الذي جعل العريس يطردني في ليلة العرس . استغربت من رده هذا الذي لم يكن في المستوى الذي تمنيته ، فكيف يمكنني ياترى أن أتحمل العيش معه تحت سقف واحد؟. وضع منديلا أبيض اللون فوق السرير، وهاجمني يخلع ملابسي بالقوة موضحا أن الرجل القوي هو من يفض بكارة العروس في حدود ستين دقيقة من وقته ، وهذا ما أريد أن أبرهن عليه لأسرتي وأصدقائي . كان الجميع ينتظر تسليم المنديل ملونا بالدماء ، وهذه واقعة وقعت لي وليس حلما أردده .. كانت تلك الليلة هي الليلة السوداء في حياتي ، وهو تاريخ موشوم بحرقة النار في قلبي ، وهو اليوم الذي أقرر فيه عقد كل لقاءاتي ، ومواعيدي رغبة في ملء ذلك اليوم لشطبه من حياتي .. بدون كلمة مني صعد العريس « بلال » على جسدي ، ولأنني لم أكن راضية ولا مستعدة ، فإن رغبتي وفرجي ظلا جافين ، وهو ما أشعرني بألم فظيع وكأن سكينا تم غرسه في فرجي ، ورغم أنني كنت أترجاه أن يحتاط قليلا واصل عناده وممارسته الجنسية العنيفة بهستيرية غريبة ، ومن كثرة الألم لم أعد أشعر بشيء .. فجأة توقف رأيته يرتاد ملابسه وهو يغادر الغرفة ، حينها تنفست الصعداء في ألم شديد ، وارتديت ملابسي بسرعة ، لكن قبل أن أشعر بقليل من الراحة دخلت كل من عمتي وجدّة العريس ، فألقتا بي من جديد على ظهري دون أن أعلم من الحكاية شيئا أبلغتني إحداهن بعد وقت أنني كنت جد مضطربة ولم أترك العريس بذلك أن يقوم بمهمته . بقرار من عائلتي إذن تم اغتصابي من طرف عريس غريب لم أختره ، ولم أوافق عليه ، والآن أوصف ثانية بالمضطربة من قبل الجميع ، و لا أحد منهم وجه الاتهام للعريس الذي فشل حقا في فض بكارتي ، لقد تم توجيه الذنب لي ، محملين لي مسؤولية ذلك الفشل ، تجاوزتْ جدة العريس حدود اللباقة والاحترام ،حين نزعت ملابسي وهي تفتش جسدي من الأمام و الخلف ، بل غطست بأصابعها في عمق فرجي ، وبجانبها إمرأة أخرى تساعدها في ذلك البحث عن شيء لا أعرفه ، بعد لحظة وجهت كلامها للحاضرين بالجهر قائلة : إن فرج العروس وبكارتها سليمة ، وهي لا تزال عازبة ، والحل هو الفقيه لأن الأمر مرتبط بالسحر .. بعد خروج الفقيه ومرافقيه من غرفة النوم اعتقاداً منهم أنهم تمكنوا بالتنجيم والطلاسيم والقرآن إبطال عمل السحر، أعاد العريس « بلال » الكرَة فصعد فوق جسدي كمن يقاتل عدوه ،وأخيرا بعد تعب شديد حد الموت تلون المنديل الأبيض بإحمرار الدم ، قفز الجميع راقصين فرحين ومسرورين ، متبادلين فيما بينهم التهاني ، فبقيت الوحيدة الحزبنة بعدما انتزع مني كل شيء ، غارقة في تأملاتي حتى أن هيمن علي النوم. بعد أيام كان علي أن أودع بلادي، وعائلتي ، بعدما تم تجريدي من كل ملابسي التي ألفتها ، إذ ليس من حقي بعد اليوم أن أرتدي السروال ، ولا أي لباس قصير داخلي ، انطلقت رحلتنا في اتجاه هولندا بأربع سيارات ، أجلسوني في المقعد الأخير مع المسماة « خديجة » أخت العريس في سيارة من نوع ب م ف ، بينما أم العريس جلست في المقعد الأمامي، كنت أراقب الطريق كالمختطفة من خلف زجاج السيارة إلى أن طغى عليَّ النوم ، فجأة أمرتني أم العريس بأن أظل يقظة لمراقبة زوجي حتى لا يتغلب عليه النوم ، أي علي أن أنبهه ، فيما ينعم الآخرون من حولي بالنوم . بعدما تم تجاوز حاجز الجمارك المغربية ، و على مقربة من الحدود مع اسبانيا ، أوقف الحاج « عز العرب » : ُذُل العرب سيارته ،أمر اِبنته « خديجة » التي كانت جالسة بجانبي أن تنتقل من سيارة أخيها إلى سيارة أبيها ، ثم حل محلها أخوها المدعو » أليف » ليجلس بجانبي ، لم أفهم من الحكاية شيئا ، ولا علم لي لما يرتب في سرية تامة ، ولكنني شعرت أن هناك شيء مجهول يخطط له في الخفاء.. في الأخير بعد أيام علمت أن « بلال » لم يقم بشيء من أجل إنجاز أوراق إقامتي بطريقة شرعية بهولندا ، لذا أدخلني أبوه « ذل العرب » إلى أوروبا بطريقة غير شرعية مستعملا في ذلك أوراق اِبنته خديجة لتقاربنا في السن ، هكذا صرت مهاجرة سرية في هولندا في واقع لا يُحتمل. شارع فروليك استرات : في شهر غشت 1995 دخلت مهاجرة سرية لأسكن بشقة الأب الحاج عز العرب بأمستردام ، تأكدت حينها أنَّ لا أحد من هؤلاء قد أوفى بوعده ، كل الوعود التي أعطيت لأهلي صارت تظهر أنها مجرد أكاذيب ،فأوراق إقامتي في وضعية قانونية لم تنجز كما قيل لأهلي ، كما قيل لهم أنني سأسكن مع زوجي « بلال » في شقته مستقلين عن أهله ، وهذا لم يحصل ، حيث أن شقة « بلال » قد تم تأجيرها بطريقة غير قانونية لأشخاص يقيمون في هولندا بطرق غير شرعية ، فهو مسجل فقط كإسم يسكن الشقة ، بينما يسكن كجسد وكروح مع والديه وإخوانه وأخواته ، في شقة الحاج عز العرب التي لن تستوعب مساحتها أربعة أشخاص ، ومع ذلك فرض علينا أن نقطن نحن عشرة أنفس ، الهدف من ذلك هو التحايل على صندوق الضمان الإجتماعي حيث يحصل كل واحد منهم على أُجرة من ذلك الصندوق ، مع العلم أنه صندوق مخصص لمساعدة من لا يمتلك شيئا ولا يجد أية فرصة في العمل ، أو أحيانا العاجز عن العمل ، وكل هذه الشروط والمواصفات لا تتوفر في أفراد هذه العائلة ، فهم أقوياء ويمتلكون منازل وخيرات بالمغرب ، كما يمتلكون دكاناً في سوق بالمدينة غير مصرح به ، وهم يتاجرون في كل شيء بدءاً بالمخدرات ، كما يشتغلون في السوق السوداء أي في الخفاء للهروب من تسديد المستحقات الضريبية والقانونية ، وبذلك تتدفق عليهم الأموال من كل جهة ومع ذلك يسكنون في ضيق لا مثيل له بشقة شبيهة بعلبة الثقاب . ومع ذلك يحسبون أنفسهم عن الإسلام ، مترددين على المسجد ، بل زيارة عز العرب كل سنة تقريبا لمكة للحج أو العمرة .فمن يصدق أفاعالهم الشريرة ، إنْ رآهم بالحج أو بالمسجد ؟؟ . مما لاشك فيه أن الحاج عز العرب هو كل شيء في هذه الشقة ، هوالقاضي والشيطان ، و الحاكم بقامته الطويلة ، ورأسه الأصلع ، ولحيته الطويلة ، وصوته الناري العنيف ،وعينيه المخيفتين ، فهو شخص وقح ،ساقط ديكتاتوري ، هو من يخطط ، ويحسم كل شيء ، ولا أحد من باقي أفراد عائلته يستطيع الوقوف ضده ، أو رفض طلبه ، أو انتقاد مخططاته .. أما زوجته فهي إمرأة لا تصلح سوى لتنفذ أوامره ، متحملة في ذلك لطمات وصفعات زوجها العنيف ، وأكيد أنها ستكون عرضة لذلك مادامت متزوجة بمثل هذا الوقح الوغد . . . بعد مدة زمنية تلقيت رسالة من عائلتي ، وهي بمثابة النافذة التي استنشقت منها هواءً خارجي عن زنزانتي هذه ، وبعد قراءتي لهذه الرسالة عدة مرات كان علي أن أرد الجواب ، أصارح عائلتي على أنهم قد ألقوا بي في الجحيم ، مستندة في ذلك عن شواهد وأدلة كانت تمارس ضدي ، بتحويلي من إنسانة عادية إلى مجرد أمَة تعاني من أغلال الرق وواجبها تلبية طلبات أسيادها تحت ضغط السب والقذف الذي يصل حد الضرب ، عندما أكملت كتابة رسالتي أغلقت الظرف واضعة إياها على الطاولة في انتظار من سيبعثها عبر البريد .. بينما كنت كالعادة خادمة بالمطبخ ، دخل علي » بلال » جرني من يدي بالقوة نحو الغرفة التي ننام فيها ، ونزل علي بوابل من الضرب ، والركل ، والسب و القذف ، وكل أشكال التعذيب دون أن أعرف سبب ذلك ، كنت أصرخ و أطلب النجدة ، وكان الكل يسمعني و لم يتدخل أحد من باقي أفراد عائلته ، بل ظل الكل يتفرج مستمتعا في تعذيبي ، وكي لا يطول تعذيبي فقد صرحت بأنني حامل ، حينها توقف « بلال : عن ضربه لي مخبراً إياي أن سبب ذلك هو ما كتبته لعائلتي في جوابي عن رسالتهم ،حينها علمت أنه قد فتح رسالتي وقرأ ما فيها ، ثم استشار أبيه عز العرب الذي أمره بـ »تهذيبي » كي لا أعيد الكرة ، وفتت رسالتي الجوابية إلى عددٍ لا حصر له من القطع الصغيرة وبالفعل فقد كانت تلك هي آخر رسالة لم تصل أهلي ، ثم آخر يوم أضع فيه القلم بين أناملي… علم الحاج عز العرب أنني حامل فنسج حكاية خيالية كلها كذب ، وضح هدفها لأبنه بلال ثم ذهبا معا إلى الشرطة الهولندية الخاصة بالأجانب ، وقص عليهم الحاج قصة مفادها ، أنني كنت مقيمة بفرنسا بطريقة غير شرعية ، وقد تعرفت علي اِبنه بلال ، وعند نسجه لعلاقة جنسية معي صرت منه حامل وبذلك كان عليه أن يأتي بي من فرنسا إلى هولندا للزواج مني حتى يعرف المولود المنتظر أبيه ، ولكن لما علمت الشرطة أنني لازلت طفلة قاصرة ، أرشدوا الحاج عز العرب واِبنه لتوكيل محامي للدفاع عن القضية المخترعة ، وهذا ما فعله بالفعل . العيش كساندريلا : كان رمضان في بلادي يحمل طعما أخر ، أما في هولندا فهو ليس كذلك ، فقد ُفرض علي أن أستيقظ كل يوم باكرا في الثانية صباحا لأعد الطعام ، فيما الأخرون يتلذذون بنعيم النوم ، في الساعة الرابعة أوقظهم واحداً فواحداً لتناولهم وجبة السحور ، يأكلون بدون غسلهم للوجوه أو للأيادي ويعودون بسرعة لأماكنهم ، فيما أواصل عملي في تنظيف الأواني والأرض ، وجمع أثاث وترتيب المنزل ، مع العلم أن الحاج عز العرب يمنع عني استعمال الماء الدافيء ، وكثيرا ما يردد أن ثمن الغاز والكهرباء مرتفع جداً ، لذا يتوجب نهج طريق التقشف كما يمنعني من الخروج للشارع لرمي النفايات في المكان المخصص لها . كان يجلس متربعا أما شاشة التلفاز ، لا يغادر البيت نحو المسجد حتى يتأكد أنني قد أنهيت عملي ، وبذلك يكون مطمئنا عن عدم استعمالي للماء الدافيء . لكنه يسمح لبناته بذلك ، وكم من مرة كان يردد فيها قوله ، إن المرأة مجرد شيطان لابد من وضعها تحت أقدام الرجل . لذا كان إبنه الأخر يضرب زوجته بين لحظة وأخرى ، ينتف شعرها حتى صارت قرعة ، ومع ذلك فهو الرجل العظيم والقوي ، الذي يستطيع تركيع زوجته ، حسب ما يرويه باقي أفراد عائلته ، وكم تلقيت الصفعات أنا كذلك ، طالبة النجدة ، ومع العلم أن الكل يعرفون أنني حامل ، فإنني لم أتلق العون من أحد منهم ، ولهذا تساءلت كم من مرة : هل هذا يحصل في مملكة إسمها هولندا ؟ . إدريس : بسب من الأسباب تم نقلي على وجه السرعة إلى المستشفى ، وإلا مات الجنين في الرحم ، لكن مع العناية الطبية أنجبت في نفس الليلة ولداً ،حين وضعه الطاقم الطبي الساهر والمسؤول عن توليدي على صدري قلت لولدي : أُصبر أيها الصغير إنك لم تأتِ عن قناعة أو حب ، لا أريد لك أن تأتي في هذا الوضع ، ولكنني سأقاوم من أجلك مادمت حية . لم أسمِ اِبني ، ولم يكن من حقي ذلك ، لأن الحاج عز العرب هو من يمتلك مفتاح الحل والعقد . لكن مع مجيئ إدريس ، ظهر لي بصيص من النور للخروج من زنزانة عز العرب ، حيث بلغ إلى علمي أن أحد الجيران قد أبلغ المسؤولين عن السكن الاجتماعي ، بكون بلال لا يستعمل تلك الشقة المخصصة لنا لسكنه الخاص بل يتاجر فيها ، وهو ما فرض على بلال أن يرحلني مع إبني إدريس إلى شقته ،على أساس أن أحضر كل صباح لمواصلة عملي كالعادة خادمة بدون أجر بمنزل أبيه الحاج عز العرب. ضيق التنفس : في يوم من الأيام بينما كنا نيام ،سمعنا جرس الشقة يرن بطريقة مزعجة ،حينها أسرع بلال ليفتح الباب ، وإذا بمجموعة من الرجال الهولنديين يقتحمون الشقة ، بدؤوا يفتشون في كل ركن وزاوية تفتيشا دقيقا ، بحثا عن شيء ما ، على إثر حركاتهم استيقظ إبني ادريس باكيا ، أخذته بين ذراعي موجهة سؤالي إلى بلال : ماذا حدث ؟ من هم هؤلاء ؟ ماذا يريدون منا ؟ لم يكن من حقي كالعادة معرفة أي شيء لذا رد علي بعنف قائلا : هذا ليس من شأنك ، لا أريد منك سماع أي شيء . غادر ؤلئك الرجال الشقة ، لم يعثروا على الشيء الذي جاؤوا من أجله ، حينها أخبر بلال أباه الحاج عز العرب هاتفيا بالأمر ،حينها علمتُ أن الشرطة تبحث عن أخ بلال للرمي به في السجن ، فاستغربت من كون السجن مجرد ترفيه لدى هؤلاء ، وقد سمعت مرات عديدة أمُ بلال تقول إن السجن لا يدخله سوى الرجال الأقوياء . دفاعا منها عن أبنائها المجرمين بالطبع ، لكنها لم تدافع عني في يوم من الأيام لما فُرض علي أن أصير مجرد خادمة لهذه الأسرة ألبي طلبات الجميع ، وأسهر على راحتهم وجمع وتنظيف البيت . لم يكن يُسمح لي بمشاهدة التلفاز ، وقد حدث أنْ استيقظت يوما من حلم مزعج ، كنت في أمس الحاجة لشربة ماء ،وبما أنني أمشي حافية القدمين فإن خطواتي لا تزعج أحداً ، ألقيت نظرة بدون قصد إلى ضوء خافت كان ينبعث من غرفة الجلوس ، فتبين لي أن الحاج عز العرب كان يتفرج على النساء العاريات الجسد ، متتبعا في وحدانية صامتة الأفلام الخلاعية بينما حرمت أنا حتى من مشاهدة الأخبار ، وبالأحرى مسلسلا عربيا . . . لم تتوقف شرطة الأجانب عن مراسلتي بين حين وحين ، مطالبين مني مغادرة التراب الوطني ، لكوني من جهة قاصرة ، ثم من جهة ثانية مقيمة بطريقة غير قانونية ،لكن عندما أنجبت طفلاً ، تحرك المحامي مركزاً دفاعه عن طفلي ، ومن خلال ذلك حصلت على أوراق الإقامة ، بل على الجنسية الهولندية التي لم يحصل عليها أحد من أفراد عائلة الحاج عز العرب ، لكونهم يحرمون حمل الجنسية الهولندية ، ولم يندمجوا بالمجتمع الهولندي رغم المدة التي قضوها في هولندا ، والتي تجاوزت عقدين من الزمن ، حتى الأموال فهم يخفونها بصندوق مغلق بالقفل ، يتواجد تحت سرير نوم الحاج عز العرب ، والسبب في ذلك أنهم يستغلون أجرة صندوق الضمان الاِجتماعي ، الذي يبتزونه بإدعائهم مجرد مساكين ومهاجرين لم يساعدهم الحظ في أيجاد عمل ما . نحو المغرب : في صيف 1998 وبعد ثلاثة أيام من السفر بالسيارة ، صرت بالمغرب كم كنت في أمس الحاجة للالتقاء بأهلي ، وخاصة منهم أخي عمر، كنت متحمسة لمصارحتهم بكل ما وقع ، ولا زال يقع لي ، لكن دائما يكون قرار الحاج عز العرب ضد رغبتي ، حيث منعني من زيارتي لعائلتي بدون مرافقتهم جميعا ، وبعد مرور أسبوع تمكنت من إلتقاء أهلي في زيارة قصيرة جداً ،كنت خلالها تحت مراقبة شديدة من أهل زوجي الذين كانوا يخشون أن أنفرد مع أحد أفراد عائلتي لأبلغه بكل التفاصيل حول حياتي المرة بالمهجر ، لم أجد فرصة لذلك ، فكانت تلك أخر زيارة… النشرات الإشهارية : كنت في كل يوم أتألم وأنظر صامتة خائفة إلى الحاج عز العرب وهو يصفع إبني إدريس كلما أراد ذلك ، فلا يحق لي معارضته ، أو منعه عن سوء معاملته لطفل بريء ، طلبت يوما من بلال أن ينبه أباه ، ويطلب منه أن يبتعد عن اِبني ، لكنه ضحك مستهزءاً من طلبي هذا موضحاً أن اِبني لا يتلقى من جده سوى التربية الحسنة . ازداد حزني عمقاً ، وقررت أن أفجـِر غضبي في تعلمي للغة الهولندية ، حتى أتمكن من مساعدة طفلي ، بعدما رفض أبوه ذلك ، ثم الدفاع عن نفسي كلما استدعى الأمر ذلك ، بدأت أستغل غياب بلال عن البيت ، لأتابع في سرية تامة بعض البرامج التلفزيونية باللغة الهولندية ، بل كنت أقرأ كل النشرات الإشهارية التي توزع على كل السكان بالمجان ، بذلت مجهودا جبارا ، وبإرادة عازمة تمكنت بعد مرور أشهر من فهم و استيعاب مغزى ما يدور من حولي باللغة الهولندية.. نادية ، سهام ، صافية : لقد تزوجت أختي نادية بمغربي يدعى حمزة ، وكان عليها أن تهاجر معه إلى العاصمة البلجيكية بروكسيل ، من حسن حظ أختي أنها تزوجت من شخص طيب ، وأخلاقي جدا ، وكم كانت فرحتي كبيرة عندما زارتني مع زوجها هذا ،إنها اللحظة التي شعرت بها بنوع من الأمل في إيجاد أحد أشكو إليه همومي . لم تدم فرحتي كثيرا كالعادة ، لأن أوامر الحاج عز العرب تسير ضد رغباتي بشكل دائم ، لقد فرض على اِبنه بلال أن يمنع أختي نادية عن زيارتي ، بتبرير ضيق الشقة ، وهو ما أثار غضب أختي وزوجها حمزة ،وقررا التوقف عن زيارتهما لي تجنبا للمزيد من الهموم و المشاكل التي قد تنتج عن ذلك . بعد صبر طويل ومعاناة لا مثيل لها ، كالضرب ، والصفع ، والإهانة ، والحط من الكرامة ، والتعذيب قررت سهام أن تفر من بيت الحاج عز العرب ، لأنها كانت زوجة لأبنه الثاني ، هربت قاصدة بيت أخيها المتواجد بالشمال الهولندي ، وهو الحدث الذي أغضب الجميع ، مما جعل عذابي يتضاعف على أيديهم ، وتهديدي بكل الأشكال ، حتى لا أفكر في الهروب أنا كذلك ، في تلك الظروف العصبية والمتوترة ، وتحت مراقبة شديدة ، وضغط عنيد أنجبت طفلة أطلقوا عليها إسم صافيا ، إذ لا حق لي في اختيار الاِسـم ، أو المشـاركة في الحوارات الدائرة رحاها في البيت ، لكوني مجرد أنثى في وضعية رقيقة . لقد شاءت الصدفة يوما أن جلست بدون خبز مع أبنائي في البيت في انتظار عودة بلال ، وعندما طال غيابه قررت أن أخبره بأن الأطفال في حاجة إلى الخبز ، كان في مكان ما منشغلا بأمر لا أعرفه ، حينئذ اقترح على أن أخرج إلى المخبزة المجاورة لشراء الخبز ، في طريقي إلى البيت عائدة من المخبزة ، صادفت الحاج عز العرب ، بذلك يُضاف ذلك اليوم إلى الأيام اللعينة من حياتي ، عدت خائفة مرتجفة ، مرتبكة ، لأنني أعلم علم اليقين ما سيلاحقني من ضرب وتعذيب ، من قبل بلال بالرغم من خروجي بإذن منه .. دخل بلال عنيفا غاضبا ، يرعد ، يزبد ، يقذفني بكل الكلمات الساقطة ناعتاً أياي بالعاهرة ، ولم يقف عند هذا الحد بل بدأ يضربي على كل أطراف جسـدي كأنه يريد أنْ يضع حدا لحياتي ، دون أن يبالي بتذكيري له المتكرر ، بكوني لم أخرج إلا بإذن منه ، وكان يردد : سمحت لك بالخروج لأنني لم أكن أتوقع أن يراك أبي وأنت بالشارع . هكذا كانت تـُنفذ علي أوامر الحاج عز العرب كلما أمر بذلك .. القفز : رغم سوء المعاملة ، والقسوة ، والعيش المر ، والتهديد و التعذيب الذي سأكون عرضة له من قبل بلال فقد تشبثت بموقفي رافضة أن أقبل منذ الأن أكون مجرد خادمة بيت أبيه عز العرب، لم يعد يهمني في ذلك أي شيء ، لأنني لن أتلقى تعذيبا أكثر مما تلقيته ، ولا زلت أتلقاه. على إثر رفضي هذا ظلت أمُ بلال تـُتلفنُ لاِبنها هذا مهددة إياه بمشكلة عويصة في حالة علم الحاج عز العرب بالأمر ، وبذلك ظل الحقير بلال يضغط عليَّ مستعملاً كل الوسائل في ذلك ، عساني أتراجع عن قراري وأعود مجرد خادمة مطيعة لأهله ، وفي ذلك خيرته بين أن يقتلني وأخرج جثة هامدة من هذه الشقة على أن أخرج مهانة لخدمة بيت أهله اللعين ، توقف خوفي وتخوفي عن غير عادتهما ، شعرت بنوع من الصلابة ، والتصلب ، والعناد ينتاب جسدي وأحاسيسي ، عندها وجهت كلامي له قائلة « الشيء الذي أنا في حاجة إليه منذ الآن هو أن أنام شهورا عديدة دون أن أسمع أو أستمع لأحد » حينها أمرني كعادته بأن أحضر الأكل ، وبكل هدوء قلت له : لن أحضر أي شيء ، ورغم كل ما فعلته لي فإنني أسامحك ، وأمنحك الفرصة الأخيرة لتكون أبا صالحا لأبنائك إنْ أردتَ ذلك ، على أساس أن أقطع علاقتي نهائيا مع أهلك وأسرتك ، ولك كامل الحرية أن تذهب إليهم أين ومتى شئت ذلك ، ثم أن تعتمد على نفسك في اتخاذ قرارتك ، وليس عبر الطاعة العمياء لأهلك » لكنه رد بالعنف قائلا : » أنت حمقاء ! لو طلب مني أبي أن أقتل أحداً لفعلت ، فأبي هو كل شيء بالنسبة لي » قلت له بكل هدوء نعم ، لك الحق في ذلك ، وقد رأيتك تنفذ أوامر أبيك بحذافيرها ، ولكن ذلك ليس ناتجا عن حبك له ، بل خوفك وتخوفك منه ، ولك أن تفكر جيدا في ذلك » ، حضرت أمه إلى الشقة بسرعة البرق ، ورغم ضغطهما بمختلف الأشكال علي ، فإن موقفي ظل هو الرفض ،مما زاد من غضب بلال ، خاصة وأنه يريد دائما أن يظهر رجولته ، وقوته وشراسته لأمه التي كانت تحرضه على ذلك ، أغلق الباب واضعا المفتاح في جيبه ، استغليت لحظة كان فيها منشغلا في حوار سري مع أمه عن تدبير وقيعة لي ، كما قدرت ، حينئذ دخلت المطبخ ، القيت من بعيد نظرة حب ووداع اتجاه طفلاي ، فكرت في معانقتهما ، وتقبيلهما قبلة أخيرة ،لكنني لم أفعل خشية في اكتشاف أمري ، خرجت إلى الشرفة ، رفعت رأسي إلى السماء طالبة الرب » اسمح لي يا ربي ، لأنني أعرف أنه ليس من حقي أن أضع حدا بنفسي لحياتي ، ولكنك أنت الشهيد عن عذابي ، لقد رأيت كل شيء ، وأنت تعلم أنني لا أستطيع الاِستمرار فيما أنا فيه » في تلك اللحظة اكتسبت قوة أخرى ، ولم يوجد عضو واحد من أعضاء جسدي ممن يمنعني عن القفز لأضع حدا لحياتي ، لأن عذاب الله أقل من العذاب الذي أشعره الآن ، وهذا ما أومن به حقا ، لأن الموت بالتأكيد في الأخير هو مصير الجميع . » خيم السواد على عيناي فرميت بنفسي من الشرفة محاولة الاِنتحار . خلع الحجاب : تأكدت في الأخير أن الموت لا ُيريدني بدوره ، لقد سقط جسدي بشرفة الجيران ،لم أعرف شيئا عن الحادث بعد، سوى أنني استفقت على سرير بالمستشفى ، وقد أُخبرت من قبل الشرطة على أنني كنت في غيبوبة تامة أردد : أريد أن أرحل من هنا ، أريد ، لا أريد البقاء هنا ، أريد أن أذهب إلى أختي ، أريد أن أموت .. » اتصلت الشرطة بأختي نادية المتواجدة ببروكسيل ، حضرت على التو ، وظلت معي إلى أن غادرت المستشفى مرافقة إياها واِبنيَّ في رحلة نحو بلجيكا ،رافضة بالبات والمطلق عودتي إلى جحيم عز العرب و أسرته ، وبعد مدة زمنية صرت في موقع الحائرة فيما بين رغبتي في الذهاب إلى المغرب ، أو البقاء لدى أختي بالعاصمة البلجيكية بروكسيل ، لم يكن كلا الخيارين جميلين لاعتبارات عديدة ، الأمر الذي جعلني أعود إلى هولندا حيث قصدت مركزا للشرطة بامستردام ، ولحسن حظي وجدت شرطيا هولنديا من الأصل المغربي الذي ساعدني بكل الوسائل للذهاب إلى مؤسسة حماية النساء ضحايا أزواجهن ، ومن تم قررت خلع الحجاب نهائيا … قليل من الراحة : بعد التنقلات مابين مؤسسة لأخرى ، وجدت أخيراً مكاناً دافئاً يؤويني وأبنائي ، بمدينة أوتريخت ، تسلمت بيتا يحتوى على ثلاثة أسرة ، شعرت بنوع من الراحة والاطمئنان ، بالرغم من السرية التامة التي يتوجب علي تطبيقها عن مكان تواجدي وفق قانون تلك المؤسسة ، تجنبا منها لمشاكل انتقامية بين النساء وأزواجهن ، خاصة وأنَّ أغلب النساء هنا هاربات من أزواجهن يرافقن أطفالهن .. من هنا فرض علي أن لا أخبر حتى أختي بمكان تواجدي ، بل علي أن أضرب معها موعداً بأماكن أخرى في حالة رغبتها في لقائي وأطفالي . هنا بدأ إبني ادريس يستعيد ثقته في نفسه ،متحررا من صفعات الحاج عز العرب ، كنت أذهب إلي متابعة الدروس في اللغة الهولندية ، نظمت لأبني أول عيد ميلاده رغم أنه بلغ سنه السادسة من العمر ، شعرت بالراحة ، وأنا أنظم عيد ميلاد اِبني الذي تلقى مختلف الهدايا ، التي حرم منها لمدة ست سنوات لأن الحاج عز العرب ضد كل أعياد الميلاد ، فهو لا يؤمن إلا بعيد ميلاد الرسول .. ألفت المكان وبدأت استعيد ثقتي في نفسي ومستقبلي . الخائن : كان علي لابد من توكيلي لمحامٍ يدافع عن حقوقي ، فيما اختار » بلال » محاميا آخر ، وبعد مرور شهور على تواجدي بهذا المكان السري استغرب كل المسؤولين عن تلك المؤسسة عندما اِستلمتُ رسالة مبعُوثة لي من قبل » بلال » إذاً أنَّ تواجدي هنا لم يعد سريا ، حيث أن محاميه هو من أبلغه بالمكان السري لتواجدي ، مما فرض علي مغادرة تلك المؤسسة حفاظا على سلامتي وسلامة اِبني ، صرت ضحية لخيانة المحامي لأسرار مهنته ، إذ ليس من حقه أن يفضح مكان تواجدي لأي زبون له . غيرت المؤسسة على التو ، بل غيرت حتى المدينة متجهة هذه المرة نحو مدينة روتردام ، لأعيش في مكان سري للغاية . الحل القانوني لرعاية الأطفال : فرض القانون نفسه حينها كان لابد أن يرى بلال أبنائه كذلك ، وكان علي أن أحدد مكانا عاما كمحطة القطار لألتقي به حتى يقضي وقتا ما مع أطفاله ، نفذت تعليمات المحامي الخاص بي ، لكن بلال أراد أن يرافق الأطفال عائداً بهما إلى مدينة أمستردام ، بحجة رغبة الحاج عز العرب في رؤيتهما ، الأمر الذي رفضته بالمرة ، مما أغضبه حيث تعرضت من قبله للتهديد بالقتل ، كان يسب ، ويصرخ مما أخاف الأطفال ، ورفضا البقاء إلى جانب أبيهما ولو لدقيقة واحدة ، أخبرت المحامي بالأمر ، وأرشدني بتسجيل دعوى لدى الشرطة ضد بلال مفادها تهديدي بالقتل واختطاف الأطفال ، وكان عزم الأطفال واصرارهما عن عدم رغبتهما لقاء أبيهما هو ما زادني نوع من القوة ، وأظهر لي مؤشرات واضحة في اقتراب موعد انتصاري قانونيا على » بلال » لأن القانون الهولندي يعطي الحق للأطفال ليختاروا البقاء مع الأب أو الأم في لحظة الإنفصال فيما بينهما ، وقد اختار أطفالي البقاء معي . إلهام : عند تواجدي بالمؤسسة الجديدة ، وفي المكان السري الأخر بمدينة روتردام ، اِلتقيت باِمرأة من أصل مغربي تدعى إلهام ، أم لطفلين ، كانت متزوجة بشخص مصري الأصل ،رجل أقسى من الحجر يعذبها ، يضربها ، يستغلها ، وهي لا تملك بعد أوراق الإقامة الشرعية في هولندا ، ولم يتم تسجيل أطفالها حتى بالمؤسسات الهولندية التي يُفرض على الجميع تسجيل أبنائهم في حالة ولادتهم هنا ، وبالرغم من تواجد هذه العائلة على أرضية هولندا في وضعية غير قانونية ، فإنها أسرة يحق لها كجميع الأسر أن تتوفر على مكان آمن ، ومؤسسة تأويها وأبنائها من الضياع والتشرد، إلى أن ينظر القضاء في أمرهم . تعلقت بإلهام لكونها مغربية ومتفتحة ، مما جعلني اتخدها صديقة أتقاسم معها كل شيء ، لكن من المؤسف أنني اكتشفت أنها شخصية خطيرة منافقة ذات الوجوه المتعددة ، فكم كنت اسمع من بعض النساء أنها كانت تنقل الأخبار المزيفة حولي ، فلم أثق بإحداهن إلى أن سمعتها بنفسي وهي تروي قصصا ،وأخبارا لا أساس لها من الصحة عني شخصيا ، ومن تم قررت قطع علاقتي معها مباشرة ، ووقفي لكل المساعدات التي كانت تتلقاها مني … السكن والطبيب النفسي : التواجد في المؤسسة الخاصة لحماية النساء لا يعني البقاء بها دائما ، ولكنه ضمان السكن المؤقت في انتظار الحصول على السكن الاجتماعي الدائم والمستقل عن تلك المؤسسة ، من هذا الباب ُمنح لي سكن بعد مرور شهور عديدة من تواجدي في تلك المؤسسة ، كنت حينها في أوج السعادة والفرح لأنه بإمكاني الآن أن أعيش حرة مستقلة ، متفرغة لتربية اِبنيَّ ، ومنح الدفء والحب و الاستقرار لهما ، لم يكن لديَّ فلس واحد كي أتمكن من تزيين هذا السكن أو شراء مستلزمات البيت وضرورياته ، ولكنني اقتنعت بأن إفتراش الأرض والاِسمنت في حرية مطلقة ،أفضل بكثير من النوم على السرير تحت التعذيب و العقاب ، و المعاملات اللا إنسانية … صار اِبني يذهب كل صباح إلى المدرسة عبر حافلة متخصصة لنقل الأطفال ، بينما أظل مع اِبنتي تارة بالمنزل ، وتارة بالأماكن المخصصة للعب الأطفال ، ذات يوم كنت أتسوق باِحدى الدكاكين ، فجأة هيمنت علي صداع لا مثيل لها ، شعرت على إثرها بدوران غريب الزلزال ، سقطت عليَّ الأرض لأجد نفسي بالمستشفى ، هناك أجروا لي كل أنواع الفحوصات الطبية ، لم يعثروا على أي شيء ، فكان لابد من عرضي على الطبيب النفسي . المأخُوذ : كنت غاضبة على الجميع . . . غاضبة على نفسي وعلى الإسلام وكذلك على الله ، كم بكيت في ظلمة الليل وأنا أقيم الليل حتى شروق الشمس لأن المسلمين يقولون أن قراءة القرآن قد تزيل الغم والهم على المرء ، قرأت القرآن حتى حفظته عن ظهر قلب ، طلبت المساعدة والعون و التدخل من الله ولكنه لم يفعل ، فهو يتركني كل مرة دون استجابته لدعائي ، بعد مداولاتي العديدة على المصحة النفسية ، وتجريبي لمختلف الأدوية ، قرر كل من طبيبي الخاص ، والطبيب النفسي ضرورة وضعي تحت العناية الطبية بالمستشفى النفسي ، وهو ما زاد من غضبي لأنني مثقلة بمسؤولية الأطفال ، اِتصلت بأبيهم » بلال » بالرغم مما سيروجه عني من أكاذيب في الأوساط المغربية ، خاصة وأن المغاربة لا يتعاملون مع الطبيب النفسي خوفا منهم باعتبارهم من ضمن المجانين وفاقدي العقول ، لم اهتم بما سيقال عني من أكاذيب ، أكثر مما كنت مهتمة بحياة أطفالي ، طلبت من « بلال » أن يأتي ليأخذ معه ولديه لأنني سأمكث لمدة غير محددة بالمستشفى النفسي ، لكنه رفض ذلك بحجة رغبته في الذهاب في عطلة إلى المغرب ، لم أجد حلا لهذه المعضلة سوى أن أقبل بمقترح مؤسسة حماية الأطفال ، التي اقترحت علي أن أترك أبنائي للعيش تحت رعاية أسرة هولندية ، افترقت مع أطفالي بالدموع والنواح ، و تجرع المأساة ، لأن ذلك خيار لابد منه مادمت لا أعرف بما سينتهي به علاجي النفسي، خاصة وأنني قد حاولت الإنتحار مرة ثانية بالمستشفى النفسي عندما استغليت غياب الطبيب ، وربطت عنقي بخيط الهاتف ، لكن الجرس رن بقاعة المراقبة فحضر الجميع بسرعة لانقادي.. الأم الحاضنة لطفليَّ : استقر طفلاي لدى هذه الأسرة ، كنت أزورهما كل يوم الأربعاء من كل أسبوع ، وكم رفض أطفالي البقاء بدوني ،ولكن للضرورات أحكام ، كل يوم يزداد حزني على أبنائي عمقا ، لكن حزني كان أكبر مما أتوقعه عندما شعرت عند كل زيارة أسبوعية لهما ، انني أبتعد عنهما شعوريا وعاطفيا كل يوم ، لأن تلك الأسـرة الحاضنة تخبرهما بأنني مجرد إمرأة مجنونة ، قد أشكل خطراً عليهما ، فمن يستطيع أن يرمي بجنينه مع الخرق المتسخة ؟ الأمر الذي جعلني أواجه الموقف بحزم وقوة حتى تمكنت من اِستعادة أطفالي كل يوم سبت ويوم أحد، وهما اليومان اللذان أغادر فيهما أنا كذلك المستشفى النفسي، لنقضي عطلة نهاية الأسبوع في منزلنا معا، وهو ما زادني قوة وإرادة في مواصلة العلاج ، والتعامل مع توجيهات الطبيب ، و الإعتناء باِبني .. العناد : كنت أسدد ثمن كراء سكني باِنتظام ولكن الجيران قد أبلغوا مؤسسة السكن الإجتماعي بعدم تواجدي المستمر بالشقة ، وهو ما جعل تلك المؤسسة تبلغني عبر مراسلة بريدية بالاتصال بهم للمزيد من التفاصيل في الموضوع ، في البداية كنت أعتقد أن المغاربة وحدهم من يخلق المصاعب والدسائس للإساءة للآخرين ، والاِنتقام منهم، لكنني اكتشفت من خلال هذا الحادث أن الهولنديين ليسوا كلهم أبرياء في ذلك ، وجدت رسالة أخرى من محامي يخبرني فيها أن » بلال » قد سجل دعوى قضائية ضدي يطالبني من خلالها بحضانة اِبني ، لأنني مختلة عقليا حسب إدعائه. في تلك المصحة النفسية بدأت أشعر بالأمان ، بعدما نسيت تماما تواجد معضلتي الثقة والحب ، وكم من مرة تساءلت فيها : من أنا ؟ كنت أتمنى عودتي في سلامة إلى سكني نهائيا للاِعتناء بطفليَّ ، شعرت أن كل الطاقة والقوة والثقة والإيمان وكل المواصفات الإنسانية قد ُجردت مني من قبل الحاج عز العرب ، وهو ما جعل إرادتي تزداد صلابة في التعامل مع أوامر الطبيب النفسي الساهر على علاجي ، برهنت عن ذلك من خلال مشاركتي في كل الأنشطة المنظمة بالمستشفى ،أطبخ ، أمارس الموسيقى ، أتعلم اللغة الهولندية ، أشارك في النقاشات والحوارات الدائرة في المستشفى ، مما جعل إدارة المستشفى تختارني من بين المستقبلين لملكة هولندا في زيارتها لذلك المستشفى النفسي ، سلمت شخصيا على الملكة ، وأخذت لنا معها صورة جماعية ، أعلم أن الحاج عز العرب سينتحر من جراء الغيرة و الحسد لو علم ذلك. النُطـق : لقد حدد تاريخ معين للنطق بالحكم في قضية طفلي ، ومن هو الذي سيتولى حضانتهم ، طلبت من طبيبي النفسي السماح لي لحضور الجلسة ، بالرغم من أن محامي قد وضح لي أن حضورى أو غيابي كلاهما ليس عقبة أمام النطق بالحكم ، و بالتالي لدي الحرية الكاملة في الاِختيار ، حضرت تلك الجلسة هادئة ، رزينة ، عاقلة ، نظيفة ، مهذبة ، بينما كان الحاج عز العرب يضغط بأمازيغيته على اِبنه » بلال » هذا الأخير كان يترجم لمحاميه أقوال أبيه الجاهل ، اعتقد » بلال » بحمولاته المغربية المتخلفة أنه سينتصر عليَّ في هذه المحاكمة بقوله للقاضي : » هذه إمرأة مجنونة لا تستطيع العناية بطفليها ، ولي الحق في ذلك كأب لهما ويحرص على مستقبلهما » بصوت عادل وديمقراطي طلب القاضي منه أن يهذب الألفاظ التي ُينطق بها ، ثم وجه لي قوله : » ماذا تفعلين في حياتك اليومية يا فايزة ؟ قلت له : سيدي القاضي أنا نزيلة بالمستشفى النفسي ، وهذه شهادة من طبيبي عن حالتي النفسية ، واعلم سيدي القاضي أنه سبق لي أن طلبت من أب طفليَّ بأن يحتضن طفليَّ بسبب دخولي المستشفى ، لكنه رفض ذلك بحجة ذهابه في عطلة إلى المغرب ، الأمر الذي جعلني أضعهما بين يدي مؤسسة حماية الأطفال إلى حين تحسن وضعيتي الصحية » . قرر القاضي رفع الجلسة إلى تاريخٍ آخر لكي يتداول في إصدار الحكم بناءً على مجموع أجوبتي المنطقية عن كل الأوضاع التي تحيط بي ، وقد تبين لي من خلال تفسيرات المحامي أنَّ لي الحق في رعاية الطفلين . . . وخرجت من المحكمة منتصرة مرفوعة الرأس ، خاصة وأن طفليَّ يرفضان لقاء أبيهما وعائلته . . . الفراقُ بداية جديدة أيضا : استكملت علاجي النفسي ، ولكنني لم أتخلص بعد من ماضي الثقيل ،أبي سامحته على قيامه بالتحكم في مستقبلي ، وأشكره على شجاعته عندما سمح لي كباقي الأطفال لولوج المدرسة، لم أنس يوما قول أبي وهو يوجه كلامه لأب بلا عز العرب ، في طريقنا لتوقيع قران الزواج حيث قال : « فايزة بنتي وقد منحتها إليك واعلم أنك من الواجب أن تكون أبا رحيما لها » ولكنه مع ذلك لم يكن يعلم أنه قد ألقى بي في النار والجحيم ، لقد أرسلني أبي إلى أوروبا لأن ذلك كان في الماضي حلمه في الرحيل إلى إسبانيا لولا رفض جدتي لذلك. قد أستطيع أنْ أسامح بلال على كل ما مارسه ضدي من عبودية و إهانة واحتقار وسجن ، لأنه ربما قد يكون شخصا أخر لو لم يكن ابن عز العرب ، هذا الأخير شخص بمثابة حلم مزعج لي كطفلة مستوردة من المغرب ، وفق مخططاته الخبيثة التي تبخرت في الأخير كمجرد دخان ، فسيظل كل حرف من حروف اسمي موشوما على قبره يذكـِّر الزائرين لقبره بعذاباتي اللا نهائية لما مارسه ضدي من كل أشكال الترهيب والتعذيب ، حتى صرت لا استطيع أعدَّ أنفاسي خوفا منه ، وهو أعنف وأبغض شخص لا يستحق المسامحة ، ولكنني أسامحه متناسية له ليس لأنه يستحق ذلك ، ولكنني لأحرمه من الشرف الذي سيلقاه كلما ذكرته في كتاباتي .. أشكر كل من ساهم في الدفع بي لتفجير كل طاقتي في تسطير تجربة صعبة أسلت سطورها المرية على صفحات هذا الكتاب ، وكم أنا سعيدة على المكانة التي أنا فيها الآن مع ابنيَّ ، أتمنى لكل النساء اللواتي وضعن في نفس الموضع الذي كنت فيه أن تكون حياتهن أقل عذابا من حياتي ، لأن الجميع يعرف الآن ماذا تعرف فايزة ، كم أنا سعيدة بنفسي لأني اخترت طريقي بين كل هذه الأمواج ، بين مختلف الثقافات و اللغات ، فإذا سألني أحد : من أنا ؟ هل أنا مغربية أم هولندية ؟ كان جوابي : أنا مواطنة عالمية أخيراً : أن تحرم من ولوج عالم الشغل ،أو أن تمنعها من التسوق والخروج للشارع للترفيه على النفس ، وتحرِّم عليها التكلم مع الناس والطبيعة ، وأنْ ترفض متابعتها الدراسة لتوسيع معرفتها ، وتنشيط فكرها ، وتطوير إمكانياتها ، واستخدامها للعقل واللسان ، أنْ تحرمها من قيادة السيارة ، أنْ تفعل هذا أو ذاك بمبرر الدين أو الملة والعقيدة ، فإنَّ ذلك معناه في الواقع أنك تخاف من زوجتك أن تكون أفضل منك ، كما أنك في الواقع لا تثق فيها ، مستغلا في ذلك ما يسمى بتعاليم الملة و العقيدة ، وأي دين يأمر معتنقيه بسجن المرأة فهو دين مرفوض ومتخلف ، ولابد من مواجهة متبعيه بكل الوساؤل ، ليكفوا عن سجنهم وقتلهم للنصف الأخر من هذا الكون . (المصدر: موقع دنيا الوطن الإلكتروني ( غزة-فلسطين) بتاريخ 24 سبتمبر 2009)
سيلجاندر والقرآن………….شهادة من العيار الثقيل
صالح النعامي اتخذ الكثير من رجال الدين اليهودي والمسيحي الآيات القرآنية التي تنسب إلى أنبياء الله جميعاً وتحديداً إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام قولهم أنهم مسلمون، منطلقاً لتسويغ التكذيب بالقرآن العظيم، على اعتبار أنه لا يوجد ثمة شك لدى اليهود والنصارى بأن موسى كان يهودياً لأنه جاء باليهودية، وعيسى نصرانياً لأنه جاء بالمسيحية. من هنا فإن هناك أهمية هائلة للكتاب الذي أصدره مؤخراً عضو الكونغرس الأمريكي مارك سيلجاندر بعنوان » سوء فهم قاتل « ، والذي خصص بشكل أساسي للإجابة على السؤال التالي » هل كان عيسى مسلماً أم مسيحياً ؟ « . في برنامج » من واشنطن « ، الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية الذي استضاف سيلجاندر، تعرض السيناتور الأمريكي لما أسفر عنه بحثه الضخم الذي استغرق اعداده سنوات عديدة، حيث قال أنه درس معمقاً الإنجيل باللغة الأرامية وهي اللغة التي كان يتحدثها المسيح عليه السلام ونزل بها الإنجيل، فوجد أن عيسى كان يعرف نفسه والأنباء من قبله على أنهم » مسلمون « ، ليس هذا فحسب، بل أن الإنجيل بهذه اللغة لم يأت على ذكر المسيحية تماماً. ويؤكد سيلجاندر أن أخطاءً كبيرة وقعت عندما ترجم الإنجيل للغات الأوروبية. ويؤكد سيلجاندر أن موقف العالم المسيحي الحالي من الإسلام ناجم بشكل أساسي من الجهل بحقيقة القرآن. ولكي يدلل على ذلك ينوه سيلجاندر إلى أنه جمع 200 من كبار المبشرين المسيحيين في إحدى الكنائس بولاية فيرجينيا، وقال لهم أنه سيتلوا على مسامعهم ما جاء في الكتاب المقدس بشأن المسيح، دون أن يبلغهم من أي كتاب مقدس سيتلو، فاعتقدوا أنه سيتلو عليهم من العهد الجديد ( الإنجيل )، لكنه تلا عليهم ترجمة الآيات ( 45-50) من سورة آل عمران، التي جاء فيها » إذ قالت الملائمة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين. قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يفعل ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يكون له كن فيكون…………. »، إلى آخر الآيات. وينوه سيلجاندر إلى أنه عندما كان يتلو عليهم ترجمة هذه الآيات كانت مظاهر الإرتياح والسعادة بادية على وجوه المبشرين الذين كانوا يسبحون الرب، لكنه سرعان ما صعقهم، عندما قال لهم » هل تدرون أن الآيات التي تلوتها كانت من القرآن وليست من الإنجيل « ، مشيراً إلى أن صمتاً أطبق على المكان وشعر المبشرون بالحرج الشديد ولم يستطيعوا الرد ولو بكلمة واحدة. أن أهمية هذا البحث العلمي الضخم تكمن أيضاً في هوية مؤلفه، فسيلجاندر كان نائباً عن الحزب الجمهوري، وكان أحد منظري المحافظين الجدد، وكان منافساً لنيوث جينجريتش الذي كان زعيماً للحزب الجمهوري والذي من المتوقع أن يتنافس على ترشيح الحزب للرئاسة في الانتخابات الرئاسية القادمة. وكما يقول سيلجاندر عن نفسه أنه كان يشعر بعداء شديد للإسلام والقرآن لدرجة أنه أرسل في العام 1998 رسالة احتجاج شديدة اللهجة للبيت الأبيض لأنه سمح بتلاوة آيات القران الكريم في احتفال إفطار نظمه الرئيس الأسبق بيل كلنتون لعدد من ممثلي الجالية المسلمة في واشنطن. ويهاجم سيلجاندر في كتابه بشدة إزدواجية المعايير لدى الغرب ومنظريه وتحديداً مستشرقيه الذين يهاجمون الإسلام بسبب الآيات التي تتحدث عن الجهاد، مشيراً إلى أن كلمة » الجهاد » وردت في النسخة الأصلية للإنجيل باللغة الأرامية. وينوه إلى أن تركيز الغرب على ما يسميه بالآيات التي تحث على » العنف « ، وتحديداً التي وردت في سورة » التوبة » تدلل على النفاق الغربي، مشيراً إلى أنه منظري الغرب يتجاهلون ما جاء في الإنجيل حيث ورد على لسان المسيح » إذهب إلى قرية كنعان اقتل الرجال والنساء « ، وما جاء في سفر » صموئيل » من العهد القديم ( التوراة )، حيث جاء » اقتل قوم علقيم، إقتل الرجال والنساء والأطفال، لاتترك بقراً أو حميراً « . على الرغم أنني أدرك أن الكثيرين شاهدوا برنامج » من واشنطن « ، إلا أنني آثرت أن أضع من لم يشاهده في صورة ما سمعت ورأيت.
الإخوان السوريون.. ثلاثون عاما بحثا عن مدخل!
عمر العزي حين يتناول المحللون والدارسون نماذج الإخوان المسلمين في العالم العربي والإسلامي بالدراسة والتحليل فإن الأقلام تجف حين يتم التعرض للحالتين السورية والتونسية لما بينهما من عوامل مشتركة وظروف متشابهة. كلتا التجربتين السورية والتونسية تعرضتا لقسوة مفرطة من الأنظمة الحاكمة، قتل وتشريد وسجن ومضايقات أمنية لأفرادهما، وأهم وأخطر ما في الأمر هو التهجير الجماعي والهجرة القسرية لأفراد الجماعتين عن الوطن مما أحدث فجوة كبيرة بين كل جماعة ومجتمعها وفي الممارسة العملية لفكر الجماعة داخل الوطن. سوف نستعرض هنا التجربة الإخوانية السورية بشيء من الإيجاز، والسبب يعود إلى تسارع الأحداث المتعلقة بالجماعة وتفاعلاتها على الساحتين السياسية والإعلامية. بعد استلام الرئيس حافظ الأسد من خلال حزب البعث السوري الحكم في بداية السبعينيات بانقلاب عسكري، واجه المجتمع السوري طريقة جديدة في الحكم تتمثل في فرض الاستقرار الحديدي الذي أوقف بعده أي انقلاب عسكري على الحكم، وتمثل في وصول شريحة محددة من المجتمع إلى الحكم وهم أبناء الطائفة العلوية التي تمثل 10% من المجتمع السوري، وتمثل في التضييق على الحريات وعلى الممارسة الديمقراطية التي كان المجتمع السوري ينعم بها قبل هذا الانقلاب. تطورت بعض الممارسات في مواجهة نهاية السبعينيات وما بعد ذلك بين النظام وبين التيار الإسلامي الذي تم التضييق عليه واستفزازه من خلال بعض القوانين والممارسات. وانتهى الأمر بالمواجهة الكبيرة التي حدثت في مدينة حماة عام 1982م التي قضت تماما على وجود التيار الإسلامي في سوريا كتيار له وجود وكيان ونشاط، ووصلت الأمور إلى المفاصلة الكاملة بين التيار الإسلامي (المتمثل بالإخوان) وبين النظام، وأدى ذلك إلى قتل وسجن الألوف وتشريد وهجرة مئات الألوف من أبناء وأتباع هذا التيار. لعنة الخروج هنا تتمثل (النقطة الحرجة) في مسيرة الإخوان السوريين، حيث كان الخروج من الوطن أو الهجرة القسرية هو عامل اجتثاث حقيقي لهم من المجتمع السوري، وأصبح الإخوان خارج دائرة التأثير وخارج الأحداث وخارج حدود الجغرافيا أيضا، ودخل الإخوان متاهة الغربة التي كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها ! ثلاثون عاما من التواجد خارج الوطن أحدثت فجوة كبيرة بين المجتمع السوري وبين الإخوان، وأحدثت تغييرا دراماتيكيا في طريقة تفكير الأجيال الجديدة للإخوان، وفي نفس الوقت أحدثت شروخا فكرية وتنظيمية لدى الإخوان نتيجة هذا التشتت واختلاف الأولويات والواقع . عند تحليل هذه المرحلة لا بد أن نسأل هل كان قرار الخروج أو الهجرة قرارا صحيحا للإخوان؟ ولو بقي الإخوان في الداخل �رغم كل المضايقات والتصفيات التي تعرضوا لها- هل ستكون المكاسب أفضل من نتائج هذه الهجرة؟ بداية لم يكن هناك قرار تنظيمي بالخروج أو الهجرة وإنما قرار شعوري جماعي نبع من أبناء وأتباع التيار أن الخروج هو استمرار لوجودهم، فكانت الضربة قاسية لم تترك خيارا إلا بين الهجرة أو الموت وكلاهما موت ! لكن بعد هذه السنوات الطويلة من البقاء خارج الوطن تبين أن الخروج كان موتا بطيئا وشبيها بالبقاء تحت الظروف القاسية تلك، وكان على التيار الإخواني أن يولد من جديد في المجتمع السوري لأنه -خلال ثلاثين عاما- لم يعد هناك شيء اسمه الإخوان في داخل سوريا سواء خرجوا بعد الأحداث أو لم يخرجوا لأنه من لم يمت بالخروج مات بغيره . ماذا فعل الإخوان خلال ثلاثين عاما من الغربة عن الوطن؟ سؤال مهم لا بد من محاولة الإجابة عليه حتى نفهم الأحداث الحالية وكيف تجري وتتسارع. أمراض الغربة عانى الإخوان في رحلة الغربة من مشاكل كثيرة كان أكثرها خطرا الانشقاقات المتتالية في التنظيم إلى أن استقر الوضع بعد وحدة الجماعة وانتخاب علي صدر الدين البيانوني مراقبا عاما للجماعة ومازال مستمرا حتى الآن. النقطة الحرجة التي تحدثنا عنها سابقا والمتمثلة في الخروج من الوطن، كان نقطة مفصلية في كثير من الأمور وليس فقط في تواجد الإخوان من عدمه. بل كانت بداية التشرذم الإخواني التنظيمي والهيكلي، والتشتت الفكري وضبابية الرؤية، والاختلاف العميق لوجهات النظر داخل الجماعة وتمايزها بين تيار مواجهة وتيار مصالحة، وبداية أيضا لخلخلة في التركيبة البنيوية والتنظيمية للجماعة، وفقدان البعد التربوي في الأجيال الجديدة المعول عليها قيادة الجماعة في المرحلة المقبلة، وبداية تغليب الجانب السياسي الإعلامي على بقية الجوانب، والتراجع عن حقوق التيار الإسلامي إلى الوصول إلى مطلب واحد فقط وهو البقاء على قيد الحياة داخل المجتمع السوري ! كل هذه الأمور وغيرها جعلت الجماعة تصل في مرحلة ما إلى نقطة الصفر أو ما تحت الصفر كبناء داخلي وتواجد على الساحة، إلى أن استلم بشار الأسد الحكم وبدأت سلسلة من الخطوات أعادت لها بريقها الإعلامي والسياسي. العاصمة حلب لكن من آثار الغربة أيضا ومما يؤخذ على الجماعة أنه تم تغليب طرف على طرف وغابت الشورى والديمقراطية الحقيقية داخل مؤسسات الجماعة، حيث استطاع التيار الحلبي (الإخوان الذين يتبعون محافظة حلب) أن يمسك بمفاصل الجماعة بدءًا من القيادة إلى الإدارات الصغيرة، مرورا بمراكز القرار والمؤسسات الهامة. هذه السيطرة للتيار الحلبي له خلفية تاريخية تنبع من الخلاف التاريخي بين التيار الحلبي والتيار الدمشقي، إلى أن تخلى التيار الدمشقي عن الساحة فأصبحت المنافسة بين التيارين الحلبي والحموي، والذي كان منطلق الانشقاقات داخل الجماعة، حيث كان التيار الحلبي ينحو نحو المصالحة مع النظام أما التيار الحموي فقد كان يسمى تيار المواجهة أو المتشدد في التعامل مع النظام؛ لذلك عندما يقال إن التيار الحلبي هو الممسك بزمام الأمور فهذا يعني أن وجهة النظر لهذا التيار هي الغالبة داخل الجماعة وتمثلت في كثير من القرارات والخطوات. ورغم المصالحة التي تمت بين الجماعة وبين المراقب السابق لها الأستاذ عدنان سعد الدين، وعودته إلى داخل الصف، يبقى هناك خلاف صامت وصاخب في نفس الوقت بين وجهتي النظر داخل الجماعة تتمثل في جذب وشد في كثير من المواقف، لكن يبقى الموقف الرسمي والخطوات العملية تنبع من مؤسسات وقيادة الجماعة التي يسمك التيار الحلبي بمعظم مفاصلها. ومن آثار الغربة أيضا اختلال في التوازن الفكري والتنظيمي لدى الجماعة، فهناك ضعف واضح في الجانب التربوي، وهناك قلة إقبال من الشباب على أنشطة الجماعة والمشاركة فيها، وهناك سيطرة واضحة لكبار السن على مفاصل الجماعة وتغييب شبه كامل لجيل الشباب، وهناك انقلاب كامل في الأفكار والممارسة بدون تدرج طبيعي أو شورى شاملة لجميع قواعد الجماعة، وهناك تسرب لكثير من قواعد الجماعة نتيجة التغييرات التي أحدثتها الجماعة سواء الفكرية أو التحالفية أو الداخلية التنظيمية. الثورة الفكرية بعد تسلم الرئيس بشار الأسد زمام الحكم، حاولت الجماعة مغازلة النظام والتقرب من أجل فتح صفحة جديدة وعودة الجماعة للوطن، لكن النظام قابل ذلك بتجاهل تام، ثم كانت هناك محاولات عديدة للوساطة بين الجماعة والنظام والتي لم تنقطع أصلا حتى قبل تسلم بشار للحكم، ورغم كل هذه المحاولات فمازلت شروط النظام كما هي، الاعتذار عن أحداث الثمانينيات، العودة كأفراد من خلال البوابة الأمنية، وعدم السماح للجماعة بالعمل السياسي داخل الوطن. خلال هذه الفترة قامت الجماعة بخطوات فكرية وتحالفية جديدة ومثيرة في نفس الوقت، فقد أعلنت عن وثيقة الشرف الوطني، ثم أعلنت انضمامها إلى تجمع إعلان دمشق الذي انطلق من داخل سوريا، ثم أعلنت عن أهم ثورة فكرية قامت بها وهي الإعلان عن المشروع السياسي لسوريا المستقبل، والذي احتوى رؤية الجماعة للمستقبل والعمل التنظيمي والسياسي وآراء الجماعة وأفكارها في كثير من الأمور، والتي أحدثت ضجيجا قويا داخل الجماعة وخارجها، حيث أنهت هذه الأفكار التردد الفكري الذي كانت تعيشه الجماعة، كما أنها جاءت من مرحلة المواجهة مع النظام وتغير الخطاب الإعلامي والسياسي. ضجيج المشروع السياسي أثر سلبا داخل الجماعة وإيجابا خارج الجماعة، فقد كانت هناك اعتراضات كثيرة داخل الجماعة على بعض محتوى هذا المشروع وأنه مخالف لمنهج الجماعة وأفكارها الأساسية، وحدثت خلافات كثيرة نتج عنها انسحاب البعض من الجماعة وانطواء وانزواء البعض الآخر، وإقالة ومحاكمة البعض الذي كان صاخبا في اعتراضه . ورغم تكوين لجنة شرعية لمناقشة ودراسة المشروع والخروج ببعض الملاحظات الجوهرية، فإن المشروع والمدافعين عنه ثبتوا على مواقفهم وتم اعتماده من مؤسسات الجماعة بطريقة يغلب عليها الطابع الحزبي أكثر من الطابع الدعوي والحركي والجماعي كما عبر عن ذلك معارضوه. أما التأثير الإيجابي للمشروع فقد كان خارجيا لدى الشرائح الفكرية المخالفة للجماعة من علمانيين وليبراليين وقوميين، فقد عبروا عن سعادتهم بهذا التحول الفكري لدى الجماعة، كما لاقى المشروع قبولا لدى قيادات العمل الإسلامي في الدول العربية والإسلامية، مما أعطى المشروع ومؤيديه دعما معنويا قويا في ترسيخه وتثبيته. لكن هل فعلا كان المشروع السياسي ثورة فكرية في تاريخ الجماعة؟ وهل اتضحت بعده رؤية الجماعة وخطتها؟ لو كانت ظروف الجماعة طبيعية ومتواجدة داخل الوطن ومتفاعلة مع المجتمع ولها أنشطة وأتباع وحراك داخلي لما كان هذا المشروع السياسي ثورة فكرية أو شيئا جديدا يقدمه الإخوان. لكن (إخوان ما بعد الأحداث) تغيرت لديهم بعض الرؤى والأفكار، وأصبح الواقع يفرض أطروحات تناسب طبيعة المواجهة بين الإخوان والنظام، كما أن التواجد في المهجر أثر أيضا على بعض هذه الرؤى والأفكار، فكان الخروج من مسار الأزمة والعودة إلى المسار الفكري الطبيعي يستلزم مراجعة شاملة وإعادة هيكلة في جميع مساحات الجماعة، وليس فقط المشروع السياسي، لذلك كانت هذه الخطوة الأحادية التي لم ترافقها خطوات أخرى في تعديل المسار وتوضيح الرؤية كانت سببا في هذا الضجيج واعتبار هذا المشروع تجاوزا على أفكار وثوابت الجماعة. صراع صامت داخل البيت الحراك السياسي والفكري الذي قامت به الجماعة في السنوات الأخيرة أحدث ضجيجا داخليا كبيرا، وظهرت معارضة صامتة نوعا ما لكنها لم تصل إلى حالة الانشقاق، وظهر تيار سمى نفسه (الخط الداخلي للإصلاح) من خلال موقع على الإنترنت وإصدار بيانات ومقالات شديدة النقد للقيادة وخطواتها، ولم يعرف من هم قيادات هذا التيار الذي اختفى بعد فترة في ظروف غامضة، ولم يستطع أن يكوّن له شعبية بسبب أسلوبه اللاذع في النقد وأيضا عدم تقديمه رؤية جديدة وواضحة للعمل، إضافة إلى حالة الإحباط العام التي كان يعيشها أفراد الجماعة نتيجة الظروف الداخلية والخارجية. كما ظهرت أيضا بعض التحركات المعارضة داخل الصف وتحركت بعض القيادات في الجماعة وقدمت رسالة أو شكوى إلى المرشد العام للإخوان حول أوضاع الجماعة والقيادة، ولكن هذه التحركات ذهبت أدراج الرياح لأسباب متنوعة. كما ظهرت تكتلات شبابية هنا وهناك تطالب الجماعة بإصلاح داخلي شامل ووضوح في الرؤية والخروج من المأزق الحالي، وأيضا طالبت الجماعة بإعطاء فرصة للتيار الشبابي بالظهور والوصول إلى مراكز القرار، بل وصل الأمر إلى المطالبة بحل الجماعة للخروج من المأزق الحالي وطرح عمل تجديدي شامل. ورغم خطوط المعارضة المتنوعة من بين اليمين واليسار، ورغم الاحتواء لها في كثير من الأحيان، لكنها تبقى شاهدا مهما في أن البيت الداخلي للجماعة غير مستقر ويحتاج إلى صيانة وإصلاح في كثير من أموره وشئونه. الخلاص من الخلاص ! ضمن موجة المد العالي الذي انتهجته الجماعة بعد مرحلة المد المنخفض الذي قابلت به الرئيس بشار الأسد بعد استلامه السلطة، اتخذت الجماعة مواقف أكثر تشددا في مواجهة النظام، فأصدرت الجماعة عدة بيانات تطالب فيها بتغيير النظام وأن الخلاص منه أصبح قريبا خلال أشهر قليلة (كما عبر عن ذلك أحد بيانات الجماعة)، ثم اتخذت الجماعة خطوة من العيار الثقيل ودخلت في تحالف غريب من نوعه، إذ وضعت يدها في يد أحد أركان النظام الرئيسيين في زمن الرئيس الراحل حافظ أسد وأحد الأركان المهمشة في زمن الرئيس الحالي بشار الأسد وهو نائب رئيس الجمهورية السابق عبد الحليم خدام الذي ظهر فجأة في باريس وأعلن معارضته للنظام. هذه الخطوة طرحت أسئلة كثيرة لم يكن لها إجابات واضحة عند الجماعة أو حتى عند المحللين: من الذي استفاد من الآخر خدام أم الإخوان؟ ماذا لدى خدام من معلومات حتى يدخل معه الإخوان في تحالف خطير؟ ما الذي تغير في خدام �رغم تاريخه المعروف داخل الوطن- حتى تقبل به الجماعة كأحد المعارضين وتقبل به رئيسا لجبهة الخلاص الوطني التي تم تشكيلها بين الطرفين؟ كل هذه الأسئلة وغيرها لم تجد أجوبة صريحة وواضحة، بل كان الجواب النهائي على كل شيء هو الدخول في تحالف مع أي جهة تريد تغيير النظام وتساعد على إنهائه. بعد ثلاث سنوات شعر الإخوان أن هذا التحالف فاشل وسوف يكون سببا في فشل بعض المشاريع الأخرى، لقد اتضح أن عبد الحليم خدام لا يملك تلك القوة أو العلاقات التي يستطيع أن يبني عليها مشروعا تغييريا في سوريا، كما أن نبوءاته حول النظام لم تتحقق، أضف إلى ذلك الصدى السلبي لهذا التحالف لدى الصف الداخلي للجماعة وفي داخل الوطن وأيضا لدى بقية التيارات الإسلامية الأخرى، كل هذا كان من مبررات الخلاص من الخلاص، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة والخطوة الأغرب في تاريخ الجماعة ! معارضة بدون معارضة ! جاءت أحداث الحرب على غزة وظهر فيها النظام السوري كداعم قوي للمقاومة من خلال تبنيه حركات المقاومة الإسلامية وخاصة حماس، وكان الجميع يقف مع حماس والمقاومة الفلسطينية وبالتالي فالجميع يقف بطريقة غير مباشرة مع النظام السوري. هنا وجد الإخوان فرصة تاريخية لرمي الكرة مرة أخرى في ملعب النظام، فكان بيان (تعليق المعارضة) الشهير الذي يصدر لأول مرة في تاريخ المعارضات العربية والإسلامية، حيث ذكر البيان أن أحداث غزة تقتضي الوقوف إلى جانب المقاومة، وهذا يستدعي توجيه الطاقات لهذا الدعم، وذكر البيان أن تعليق المعارضة هو من أجل هذا الأمر وحشد الجهود للمعركة الرئيسية. التفسير الآخر الذي تداوله الكثير من المحللين من داخل وخارج الإخوان أيضا، هو أن (تعليق المعارضة) خطوة من خطوات كثيرة يقوم بها الإخوان لإنفاذ وساطة محددة تقوم بها جهات مقربة من النظام السوري. فكان من متطلبات إنفاذ هذه الوساطات هو الخلاص من الخلاص، فأصدرت جبهة الخلاص بيانا تستنكر فيه موقف الإخوان وتعليق معارضتهم، ثم رد الإخوان ببيان على الجبهة وبرروا موقفهم بالتعليق. لكن الأمور تطورت بشكل سريع وأصدر الإخوان بيانا يعلنون فيه انسحابهم من جبهة الخلاص الوطني بسبب تعدي بعض أعضاء الجبهة على ثوابت التيار الإسلامي حسب بيان الإخوان. صفقة تنتظر التصفيق طبعا هذا التبرير غير مقنع لكثير من المراقبين، وإنما كان الهدف هو الخروج من الجبهة والخلاص منها بأسرع طريقة حتى يتم تنفيذ بقية الخطوات حسب بعض المصادر. فكان بيان التعليق أولا ثم الانسحاب من جبهة الخلاص، وجميع هذه الخطوات أفرحت النظام السوري لأنها تصب في مصلحته، فكان يهمه تدمير جبهة الخلاص، وكان يهمه أن يعلق الإخوان معارضتهم، وكان يهمه أن تنتهي أي معارضة خارجية، وهذا ما حدث. ولعل هذا ما يبرر الكلام حول صفقة تسوية بين النظام والإخوان تدور حول تخلي الإخوان عن أي جبهة معارضة وأن يعلنوا تعليق أو إيقاف معارضتهم، ويعلنوا أيضا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مسئوليتهم عن أحداث الثمانينيات ويعتذروا عنها بطريقة أو بأخرى، مقابل أن يلغي النظام قانون 49 الذي يقضي بإعدام كل منتسب للجماعة، وأيضا يسمح بعودتهم فرادى مع تخفيف الناحية الأمنية، وأن يتم إغلاق ملف المعتقلين نهائيا وعدم المطالبة بأية حقوق أو فتح ملفات في القضاء. كما تشمل الصفقة عدم السماح للجماعة بالعمل السياسي داخل الوطن والظهور إما بصورة حزب جديد أو بالاندماج مع أطراف أخرى. هذه أهم بنود الصفقة التي يتحدث عنها البعض أو الذي تسرب منها، وربما هناك تفاصيل أخرى غير واضحة، والذي ثبت الآن أن الأتراك وجبهة العمل الإسلامي هم من يقوم بهذه الوساطة وترتيب هذه الصفقة. البحث عن مدخل ربما يتشدد البعض في الرد على الإخوان ومهاجمتهم في خطواتهم السياسية والإعلامية والتي تدور حول العودة إلى الوطن ويتهمهم أنهم تنازلوا كثيرا وتخلوا عن كثير من الثوابت والمبادئ والأفكار، وربما يرى البعض الآخر (حتى داخل الجماعة) أن خطوات الجماعة غير كافية وعليها أن تبذل جهدا أكبر للعودة والتنازل عن بعض الأفكار والمواقف لأجل تحقيق المصلحة الأكبر وهي العودة إلى الوطن. وهذا ما يمثله صوت الدكتور محمد سعيد حوى الذي أعلن عن دراسة ذكر فيها أن الجماعة هي التي تتحمل مسئولية جزء كبير من الأحداث، وأن الجماعة تعاملت بطريقة متطرفة مع النظام ووصفته بأوصاف فقهية وشرعية غير صحيحة، وأن عليها أن تفصل بين السياسي والدعوي، وأن عليها العودة والوقوف مع النظام ضد جميع الأعداء. وهذا الصوت لا تكمن الغرابة والمفاجأة في الأفكار التي يحملها فقط، وإنما في كونه صوت حموي (من أهل حماة) وأنه ابن الشيخ سعيد حوى أكثر القيادات الإخوانية مواجهة للنظام، وعندما يكون هذا الصوت الحموي بهذه المواصفات فهذا يعني الكثير جدا للنظام. ورغم اتفاق الجميع على أهمية العودة والعمل داخل الوطن، فإن الخلاف يكمن في كيفية العودة وما بعد العودة، هنا تكمن التعقيدات واختلاف الآراء والضجيج الذي يملأ داخل الإخوان وخارجها. وعلى الإخوان أن يحسنوا الاختيار بين مجموعة من الحلول والاختيارات المعقدة والصعبة جدا، كما أن الإخوان مطالبون بتوضيح الرؤية وطريقة العمل وخط السير والأهداف القريبة والبعيدة، لأن التنقل من مسار لآخر وتغيير المواقف والرؤى قد يفكك بقية الجسد الذي انهارت منه أجزاء كثيرة. عملية الترميم التي يحتاجها الإخوان كبيرة جدا وتشمل جميع النواحي بدءا من القيادة وحتى القواعد، مرورا بجميع مؤسسات الجماعة؛ لأن الجماعة تعاني من خلل داخلي كبير وانفراط عقد كثير من القواعد وتسرب الطاقات وابتعاد الكثير من المحبين والأتباع، والعودة بهذا الشكل يعني أن هناك ثلاثين عاما قادمة فقط للبناء والترميم الداخلي ! وهنا يجب أن يسأل الإخوان أنفسهم: هل المشكلة والقضية في البحث عن مدخل والدخول منه للوطن أم القضية والمشكلة فيما بعد الدخول؟ كيف يتم الدخول؟ وأين يتم الجلوس؟ والخوف كل الخوف من العثور على مدخل ثم البحث بعد ذلك عن مخرج منه! كاتب ومحلل سياسي متخصص في التيارات الإسلامية (المصدر: موقع إسلام أون لاين بتاريخ 26 سبتمبر 2009)
اوباما يستعد لمواجهة مع ايران
رأي القدس ظل الملف النووي الايراني يحتل مكانة بارزة على جدول اعمال القادة الغربيين طوال الاسابيع الماضية، مع اقتراب موعد اللقاء المنتظر بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي زائد المانيا يوم الخميس المقبل في جنيف، لبدء مفاوضات قد تكون الاخيرة مع الطرف الايراني. ولكن الكشف عن بناء ايران لمفاعل نووي ‘سري’ ثان ربما يحدث تغييراً كبيراً في مسرى التعامل الغربي مع هذا الملف، ويجعل من مفاوضات جنيف اقل اهمية. الحكومة الايرانية هي التي بادرت بابلاغ وكالة الطاقة الذرية بوجود هذا المفاعل الجديد، مؤكدة انه ليس مفاعلاً سرياً، وانما هو مخصص لانتاج الوقود النووي للاستخدام السلمي، مثله مثل المفاعل الآخر في نطنز. واستغربت في الوقت نفسه هذه الضجة المثارة حالياً، وهددت كلا من امريكا وفرنسا وبريطانيا بعواقب وخيمة رداً على تصريحات زعمائها العدائية على هامش قمة الدول العشرين الصناعية في بتسبرغ بالولايات المتحدة. المصادر الغربية قالت ان ايران اجبرت على الكشف عن هذا المفاعل بسبب نجاح اجهزة المخابرات الامريكية والبريطانية في التوصل الى معلومات موثقة حوله منذ عدة اعوام. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول عدم اقدام دول المثلث الامريكي البريطاني الفرنسي على الكشف عن هذا المفاعل قبل سنوات او حتى اشهر، طالما انها تملك المعلومات الموثقة حوله. ثم ما الذي دفع كلا من الرئيس الامريكي باراك اوباما، والفرنسي نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون الى ترك القضايا الاقتصادية الهامة موضع بحث قمة العشرين للتنديد بشكل شرس، بما اعتبروه انتهاكاً ايرانياً جديداً لالتزاماتها الدولية؟ من الواضح ان الادارة الامريكية بدأت تعد العدة لفرض عقوبات اقتصادية شرسة ضد ايران تشل قدراتها وتعرض شعبها لازمات متلاحقة، على امل احداث ثورة داخلية تطيح بالنظام الحاكم في طهران، ولذلك تريد استخدام الكشف الجديد هذا لحشد دول مترددة، مثل روسيا والصين للانضمام الى جهودها الرامية الى فرض هذه العقوبات وتشديدها. الادارة الامريكية تخلت عن مشروع الدرع الصاروخي الذي كانت تخطط لنصبه في بولندا وجمهورية التشيك، من اجل ارضاء السلطات الروسية، وكسب ودها، بهدف تحييدها وابعادها بالكامل عن ايران. ويبدو ان هذه الخطوة الذكية بدأت تعطي ثمارها، فقد اعلن الرئيس الروسي ميدفيديف ان بعض انواع العقوبات الاقتصادية تبدو حتمية لا يمكن تجنبها ملمحا الى ايران. الاستراتيجية الغربية المتبعة ضد ايران تقوم على عنصرين اساسيين، الاول التلويح بعقوبات اقتصادية مكبلة، تشارك فيها دول عربية وغربية اضافة الى الصين وروسيا، والثاني عدم استبعاد الخيار العسكري كليا، وجرى ترك مسألة التهديد بقصف المفاعلات النووية الايرانية الى الحكومة الاسرائيلية. ايران ستظل تحتل العناوين الرئيسية للصحف ونشرات التلفزة طوال الاسابيع وربما الاشهر المقبلة، واللافت ان حكومتها تتعامل مع التهديدات الامريكية والاسرائيلية بالحصار او الهجوم العسكري ببرود شديد، وكأنها تستعجل اي مواجهة في هذا الصدد. الايرانيون لم يخرقوا حتى الآن اي معاهدة او قانون دوليين، ويرون ان تخصيب اليورانيوم لانتاج وقود نووي لتوليد الطاقة هو حق شرعي كفلته هذه القوانين والمعاهدات، ولذلك لا يخفون استعدادهم للدفاع عن انفسهم في مواجهة اي اعتداء. الادارة الامريكية بدأت تنفذ اجندات اسرائيلية، سواء بتهديداتها لايران او تراجعها عن مطالبها السابقة بتجميد الاستيطان الاسرائيلي، وهي بصدد توحيد العالم الاسلامي بشقيه السني والشيعي ضدها، ونحن نتحدث هنا عن معظم الشعوب، وليس عن بعض الحكومات التي تسير في الفلك الامريكي، ونتائج هذا التوجه قد تضيف صداعا جديدا للرأي العام الامريكي الذي يكاد ينفجر من صداعات مزمنة بسبب تدهور اوضاع الحروب العسكرية في افغانستان والعراق. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 26 سبتمبر 2009)