السبت، 19 يونيو 2010

Home – Accueil

TUNISNEWS

 10ème année, N°3679 du 19. 06 .2010

 archives : www.tunisnews.net

الحرية لسجين

 العشريتين الدكتور الصادق شورو

ولضحايا قانون الإرهاب


راديو كلمة::السجين السياسي السابق « محمد العكروت » يهدد بالدخول في إضراب عن الطعام

المرصد التونسي  للحقوق و الحريات النقابية:بيـــان

كلمة:منظمات دولية تدين قانون الأمن الاقتصادي الجديد

ا ف ب:تونس تنفي ان يكون القانون الذي اقرته حول الامن الاقتصادي يستهدف الحريات

صلاح الجورشي :رابطة حقوق الإنسان والسلطة: وفاق صعب.. ولكنه ليس مستحيلاً

الوطن:نورالدين المباركي: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان :مسار التّسوية في مأزق… !!!؟ كلمة:تونس تحجب الخدمة الصوتية لسكايب والمستعملون التونسيون يحتجّون

معزّ الجماعي:هيمنة شباب « التجمع » على الجمعيات يهدر طاقات شبابية

سويس إنفو:الخارجية الأمريكية تُقفل معهد تعليم اللغة العربية للدبلوماسيين

ميدل ايست اولاين:تونس: منحة من الاتحاد الأوروبي لدعم الاقتصاد 5 مليارات دولار لدعم قطاعات الصحة والإعلام والتنمية المحلية والمجتمع المدني.

طارق الكحلاوي:في إمكانية عرقلة المسار الديمقراطي.. تونس مثالا

  الوطن:صالح عطية:القيم والأخلاق في السّياسة

الشيخ الهادي بريك:في الذكرى التاسعة والعشرين للإعلان عن حركة النهضة التونسية.حركة النهضة بين الأمس واليوم. ( 6 )

بحري العرفاوي:من أجل ثقافة وطنية عقلانية ومستقبلية

محسن المزليني:مائدة مستديرة حول كتاب الأستاذ عياض بن عاشورالإصلاح في الإسلام بين اجتهاد العلماء وضغط الجمهور

عبدالباقي خليفة :الدين والحداثة .. وما بعدها  ( 6 )

عبدالحميد الدّاسي:قليل دائم خير من كثير منقطع

الوطن:كمال الساكري:الدارجة تقتحم أسوار المدرسة:هل هو خطأ أم توجه مقصود؟

د.أحمد القديدي:هل لدى الغرب أجندة لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط ؟

ابن انس التونسي :قراءة في حادثة السفينة مرمرة (2)

منير شفيق:كاد المريبون أن يقولوا خذونا

أخبار الشرق الجديد:أيام نتنياهو السوداء القادمة

محمد العروسي الهاني:لمسة وفاء  لروح المناضل عبد الرحمان بن رحومة رجل النضال و الوفاء رحمه الله


 Pour afficherlescaractèresarabes suivreladémarchesuivan : Affichage / Codage / ArabeWindows)Toread arabictext click on the View then Encoding then Arabic Windows)  


 منظمة حرية و إنصاف التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس

السجين السياسي السابق « محمد العكروت » يهدد بالدخول في إضراب عن الطعام


معزّ الجماعي   هدد السجين السياسي السابق « محمد العكروت » يوم الجمعة  18 جوان 2010 بالدخول في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجا على المراقبة الأمنية اللصيقة التي يتعرض لها منذ أيام. و في ذات السياق ذكر « العكروت » في تصريحات خصّ بها راديو كلمة أن عدد من عناصر البوليس السياسي بالزي المدني يراقبون منزله منذ يوم الثلاثاء 15 جوان مع تعمد ملاحقة ضيوفه و مطالبتهم بقطع علاقتهم معه على حد قوله. و أضاف أن نشاطه التجاري المتمثل في دكان مواد غذائية سجل تراجعا حادا في مداخيله بسبب الحصار الأمني المضروب على منزله. وأشار إلى أن عدد الأعوان المكلفين بالمهمة المذكورة تضاعف 3 مرات بعد مشاركته في حفل الاستقبال الذي نظمه اتحاد الشغل للصحفي « صالح الأزرق » في جهة قابس.   المصدر : راديو و مجلة كلمة-تونس


المرصد التونسي  للحقوق و الحريات النقابية قابس في 19-06-2010 بيـــان

وفقا لما كنا نحسب أنه القانون الناظم للعلاقات في دولة القانون و المؤسسات، و حرصا منا على العمل المنظم. تحولت صحبة السيد محمد العيادي يوم الخميس 17-06-2010 إلى مقر ولاية قابس لإيداع مطلب في تكوين جمعية : « المرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية » و استلام وصل في ذلك. هناك اشاروا علينا بالاتصال بالمعتمدية احتراما للتسلسل الاداري  فكان ذلك. و في المعتمدية اخبرونا بان علينا مقابلة السيد المعتمد للبت في طلبنا و انه الآن في اجتماع بالولاية و يمكن الرجوع لمقابلته في المساء. و لما رجعنا بالمساء اُعلمنا بانه لن يأتي اليوم و يمكن الرجوع في الغد. عدنا يوم الجمعة 18-06-2010 وكنا على يقين من تسويفنا هذه المرة كذلك لما اصبح مالوفا لدى الادارة في مثل هذه الحالة. لم يخب ظننا فبمجرد وصولنا ظهر الارتباك على الحجاب و الكتبة و كثرت حركاتهم و وشوشاتهم  و اسرعوا بقضاء حاجات المراجعين لنبقى وحيدين بقاعة الانتظار و نعلم بان المعتمد غير موجود و انه قد لا يأتي بل أن احد الحجاب حاول فتح باب المكتب لنتأكد من خلوه رغم اننا لم نطالبه بذلك، فقط سألنا إن كان السيد المعتمد قد غير مكان دوامه. انتظرنا بعض الوقت ثم انصرفنا على أن نعود في اليوم الموالي.  يوم السبت 19-06-2010 تكرر نفس المشهد عند وصولنا حيث افرغت قاعة الانتظار إلا منا فتذكرت مشهدا يتكرر في أفلام الغرب الامريكي حيث تقفر النوادي لمجرد دخول احد البيستوليروس اليها. اخبرنا بعدم وجود المعتمد و عدم جدوى الانتظار لانه قد لا يأتي ففهمنا من ذلك رفض الادارة تسلم مطلبنا. و لاننا لسنا بيستوليروس و أن لا مصلحة خاصة لنا في مقابلة المعتمد أو غيره و أن كل ما نبتغيه هو ايداع مطلب الجمعية مقابل وصل في ذلك حسب الاجراءات القانونية المتعارف عليها و بعد أن تيقنا من عدم جدوى الالحاح، مكثنا بعض الوقت (قرابة الساعة) في انتظار قودو ثم توجهنا اثر ذلك للبريد لارسال طلبنا لوالي الجهة في رسالة مضمونة الوصول تحت عدد RR 731329201 TN   بتاريخ اليوم 19-06-2010 . اننا في المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية، بعد أن قمنا بما يمليه علينا قانون البلاد، و ايمانا منا بجدوى و فائدة العمل الذي نقوم به و تشبثا بحقنا كمواطنين في العمل  الجمعياتي المنظم سنواصل عملنا في الجانب الاعلامي الذي بدأناه  بانتظار حصولنا على التأشيرة لتطويرهذا العمل و توسيعه ليغطي كامل اهداف المرصد مرتكزين في ذلك على حقنا الدستوري في التنظم و دعم اصدقاءنا في الداخل و الخارج.
منسق العلاقات الخارجية بالمرصد التونسي  للحقوق و الحريات النقابية عبدالوهاب عمري


منظمات دولية تدين قانون الأمن الاقتصادي الجديد


حرر من قبل التحرير في الجمعة, 18. جوان 2010
أدان كل من الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، والشبكة الأوروبية – المتوسطية لحقوق الإنسان، ومراسلون بلا حدود، ومنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش مصادقة البرلمان التونسي يوم الثلاثاء 15 جوان 2010 على مشروع القانون المتعلق بإضافة فقرة للمادة 61 مكرر من القانون الجنائي بهدف تجريم النيل من الاقتصاد التونسي في الخارج، وهو الأمرالذي اعتبرته المنظمات سالفة الذكر تخطيطا مباشرا للنيل من لأنشطة التوعية التي يقودها المدافعون عن حقوق الإنسان في تونسة,وذلك بقصد تجريم الدفاع عن حقوق الإنسان الذي تقوم به مجموعة من الحقوقيين في سياق تفاوض السلطة التونسية مع الاتحاد الأوروبي بشأن تبوء مرتبة الشريك المتقدم. ويهدف القانون المذكور إلى تجريم « الأشخاص الذي يتعمّدون، بشكل مباشر أو غير مباشر، الاتصال بوكلاء لدولة أجنبية أو مؤسسة أو منظمة أجنبية للتحريض على الإضرار بالمصالح الحيوية لتونس وبأمنها الاقتصادي ». ويمكن معاقبة من يحاكم بمقتضاه بالسجن لمدة تتراوح بين خمس سنوات وعشرين سنة.  ورأت المنظمات الدولية المذكورة أن اعتماد هذا التعديل قد يؤدي إلى السماح بملاحقة ومحاكمة وسجن المدافعين عن حقوق الإنسان المدعومين من قبل المنظمات الأجنبية والمتعددة الأطراف. وهو ما وضحه السيد الأزهر بوعوني، وزير العدل وحقوق الإنسان حين قال بأن « الإضرار بالمصالح الحيوية » يشمل « تحريض الجهات الخارجية على عدم إسناد قروض للدولة التونسية أو التحريض على عدم الاستثمار في البلاد أو كذلك التحريض على مقاطعة السياحة وعرقلة سعي تونس إلى الحصول على مرتبة الشريك المتقدم لدى الاتحاد الأوروبي ».  وقد تم تعديل القانون بعد مرور شهر على التئام مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس يوم 11 ماي 2010، في الوقت الذي بدأت فيه تونس المفاوضات بهدف الحصول على مرتبة الشريك المتقدم لدى الاتحاد. وقد أسفت السيدة سهير بلحسن، رئيسة الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان على القرار الذي اعتبرته قامعا للحريات ويشكل انتهاكاً صارخاً لحرية التعبير، معتبرة أن القصد من تجريم أنشطة توعية المنظمات الأجنبية على وضع حقوق الإنسان في تونس. وأما السيد إيريك سوتاس، الأمين العام للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، فاعتبره ضربة جديدة للمجتمع المدني التونسي، تهدف إلى منع وصول أصوات المعارضة إلى الساحة الدولية ».  ورأى الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، السيد جان فرانسوا جوليار، أن الحكومة التونسية استكملت بإجرائها الأخير ترسانتها القمعية ضد الأفراد الذين يتجرأون على التشكيك في السياسة التي ينتهجها النظام معتبرا أن القانون الجديد بمثابة تشريع للأبواب أمام مختلف أعمال القمع والتعسف، ذلك أن السلطات التونسية ـ حسب السيد جوليار ـ تسعى إلى إسكات سائر الأصوات المعارضة، وتلجأ بشكل منهجي إلى الملاحقة والترهيب والرقابة، موظفة للقانون الجنائي الذي يمكنها من معاقبة أي رأي مخالف، مصرحا بأن الاتحاد الأوروبي لن يتمكن والحالة تلك من منح تونس مرتبة الشريك المتقدم ». وقد ذكّر السيد كامل الجندوبي، رئيس الشبكة الأوروبية – المتوسطية لحقوق الإنسان، أن « المدافعين عن حقوق الإنسان يشكّلون الهدف المباشر للقانون الجديد.  وأعلنت السيدة حسيبة حاج صحراوي من منظمة العفو الدولية، « بعد محاولة قمع كافة الأصوات المستقلة في تونس، تسعى السلطات من خلال هذا الإجراء إلى توسيع نطاق نفوذها في الخارج للسيطرة على المدافعين عن حقوق الإنسان ومنع إدانة التجاوزات التي ترتكب يومياً في تونس ». وعبرت المنظمات المذكورة عن خشيتها من أن يؤدي القانون الجديد إلى تجدّد أعمال المضايقة التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان في تونس وأن يسمح، بشكل خاص، بإجراء المحاكمات التعسفية ضد هؤلاء الأشخاص وجميع الذين يتوجهون إلى المجتمع الدولي لحثه على اتخاذ التدابير اللازمة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في تونس. ودعت المنظمات الموقعة السلطات التونسية إلى إلغاء هذا القانون على الفور، نظراً إلى أن مثل هذه الأحكام تتعارض بشكل واضح مع روح ونص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه تونس في 23 مارس 1976، والامتثال لأحكام إعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1998 ومختلف الصكوك الإقليمية والدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي صادقت عليها تونس.  كما دعت المنظمات المعنية مؤسسات الاتحاد الأوروبي إلى تقييم أي فرصة لتحسين العلاقات مع تونس على ضوء التقدم الملموس والقابل للقياس المحرز على مستوى احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان؛ وإلى التنفيذ الفوري لمبادئ الاتحاد الأوروبي التوجيهية بشأن حقوق الإنسان. يشار إلى أنها المرة الأولي التي تجتمع فيها كل هذه المظمات الدولية المعروفة وتوقع بيانا مشتركا. (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 18 جوان 2010)
 


تونس تنفي ان يكون القانون الذي اقرته حول الامن الاقتصادي يستهدف الحريات


تونس (ا ف ب) – نفت الحكومة التونسية الخميس ان يكون القانون الذي اقره البرلمان هذا الاسبوع لتجريم النيل من الامن الاقتصادي للبلاد يستهدف الحريات والناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الانسان، رافضة بذلك الاتهامات التي وجهتها اليها بهذا الصدد منظمة العفو الدولية. واقر مجلس النواب التونسي الثلاثاء قانونا مثيرا للجدل عدل فيه الفصل 61 مكررا من القانون الجزائي لتجريم النيل من امن الدولة الخارجي في المجال الاقتصادي. وقالت وزارة العدل وحقوق الانسان التونسية في بيان ان « هذا القانون (…) لا علاقة له بحرية الرأي والتعبير ولا بتجريم الدفاع عن حقوق الانسان ». واضاف البيان ان القانون « يجرم اقامة اتصالات مع اعوان دولة او مؤسسة او منظمة اجنبية القصد منها التحريض على الاضرار بالمصالح الحيوية للبلاد التونسية المتمثلة في كل ما يتعلق بأمنها الاقتصادي ». وكانت منظمة العفو الدولية نددت بالقانون واعتبرته « مصمما لكم افواه منتقدي الحكومة والناشطين من اجل حقوق الانسان ». واضافت المنظمة في بيان صدر في لندن ان هذا القانون جاء بمثابة « رد مباشر على الاجتماعات التي عقدها مدافعون تونسيون عن حقوق الانسان في ايار/مايو الماضي مع نواب ومسؤولين اوروبيين في مدريد وبروكسل ». ودعا الناشطون التونسيون خلال هذه اللقاءات الممثلين الاوروبيين للضغط على السلطات التونسية من اجل ان تحترم واجباتها الدولية. كما حذرت المنظمة من ان القانون الجديد يشدد القيود المفروضة على ناشطي حقوق الانسان باستهدافه كل من يتناول الوضع في تونس امام هيئات دولية. بدورها انتقدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان هذا القانون معتبرة انه « يشكل خطرا على الحريات العامة لانه يفتح الطريق امام تجريم التعبير عن وجهة نظر من خلال وسائل اعلام اجنبية او في اطار لقاء منظم في الخارج ». وكان مصدر حكومي تونسي اكد ان مشروع القانون يهدف الى « سد فراغ تشريعي في المجلة الجزائية يقتصر على تجريم النيل من امن الدولة الخارجي في المجالين العسكري والديبلوماسي دون ان يشمل الجانب الاقتصادي ».
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب) بتاريخ 17 جوان 2010)  


رابطة حقوق الإنسان والسلطة: وفاق صعب.. ولكنه ليس مستحيلاً


صلاح الجورشي 2010-06-19 تعتبر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من بين أقدم المنظمات الحقوقية العربية، إن لم تكن أولاها (1977) التي شقت طريقها في مرحلة كان الحديث عن مثل هذه القضايا نادرا، بل ومستهجنا من قِبَل بعض التيارات الأيديولوجية. فعلى سبيل المثال كانت بعض فصائل اليسار الماركسي ترى في الدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية مجرد ملهاة تمارسها البرجوازية لإبعاد الكادحين عن جوهر الصراع الطبقي وإقامة الاشتراكية. أما القوميون، فلم تكن هذه المهمة من بين أولوياتهم إلى حدود أواسط السبعينيات، عندما بدأ بعضهم يعيد النظر في تجاربهم السياسية. وبالنسبة للإسلاميين، فقد كانوا آخر من أدرك أهمية تبني هذه المنظومة الحقوقية، وإن كان الجدل لا يزال مستمرا في صفوفهم حول بعض أجزاء هذه المنظومة. بالنسبة للحالة التونسية، يمكن القول إن بعض المثقفين الذين تأثروا بالفكر الليبرالي كانوا السباقين في العمل على تأسيس جمعية تختص بالدفاع عن حقوق الإنسان. جاء ذلك في سياق صعود تيار الديمقراطيين الاشتراكيين بقيادة شخصية محترمة في حجم الأستاذ أحمد المستيري، وفي خضم التحولات الاجتماعية الكبرى التي بدأت تعيشها البلاد نتيجة الأزمة الهيكلية التي أصبح يواجهها النظام في تلك المرحلة. كما استطاعت هذه المجموعة ومن التف حولها أن تحسن استثمار المناخ الدولي الجديد، بعد أن أدرج الرئيس جيمي كارتر قضية حقوق الإنسان ضمن أجندة السياسة الخارجية الأميركية. لم يمضِ سوى وقت قصير على تأسيسها، حتى وجدت الرابطة نفسها في علاقة غير مريحة مع السلطة. ورغم أن الرئيس بورقيبة كان محاميا، وسبق له أن تحمس لكي يستند الدستور التونسي إلى خلفية حقوقية وديمقراطية متميزة على الصعيد العربي على الأقل، فإن رغبته في التحكم، ورفضه لكل أشكال السلطة الموازية، جعلاه يصطدم بالرابطة منذ سنواتها الأولى، ما دفعه إلى دعوة وزير داخلية سابق، وشجعه على تأسيس جمعية منافسة عسى أن تسحب البساط من تحت هؤلاء الذين يريدون إخضاع الممارسات السياسية والأمنية إلى المراقبة والمحاسبة. عندما حصل تغيير في أعلى هرم السلطة (7 نوفمبر 1987)، حصلت انتعاشة سياسية غير مسبوقة، كان من بين أبرز معالمها الانفتاح المتبادل الذي تم بين الرابطة ونظام الحكم الذي أدرك الأهمية الرمزية لهذه المنظمة التي أصبحت تتمتع برصيد مهم على الصعيدين الوطني والدولي. وقد بلغ هذا الانفتاح أوجه بتعيين أربعة من قياديي الرابطة في مواقع وزارية متقدمة، لكن سرعان ما عادت العلاقة لتتأزم من جديد. ما لا يعرفه الكثيرون أن الأزمة التي تجددت بين الرابطة والحكم في مطلع التسعينيات كان سببها المواجهة التي اندلعت بين السلطة وحركة النهضة في ذلك الوقت. فخلال الموجة الأولى من الاعتقالات التي شملت كوادر أساسية في هذه الحركة، تسربت معلومات عن موت عدد منهم في ظروف مشبوهة. وكان من بين الضحايا صديق استمرت علاقتي به جيدة رغم انسحابي من الحركة في وقت مبكر هو المرحوم « عبدالرؤوف العريبي »، الذي كان يتسم بالهدوء والاعتدال وحسن الخلق. وشاءت الأقدار أن يزورني في بيتي قبل فترة وجيزة من اعتقاله عندما كان هاربا من الشرطة. وأذكر للتاريخ أنه في تلك الليلة حدثني مطولا عن الظروف الصعبة التي تواجهها حركة النهضة التي وجدت نفسها متورطة في معركة غير متكافئة ولا مدروسة. وقد أقرّ بأن الحركة لم تكن لها خطة واضحة، مؤكداً أن المطلوب بعد انتهاء ذلك الإعصار أن تحصل مراجعة كبرى على جميع الأصعدة، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن. فعندما ودعته في آخر السهرة، لم أكن أعلم أننا لن نلتقي بعد ذلك أبدا. لقد كان اسمه ضمن أسماء أخرى قمت بإعلام الهيئة المديرة للرابطة بتأكد وفاتهم خلال الاعتقال، وتم إدراجها في البلاغ الذي صدر يومها، وتضمن دعوة رئيس الدولة إلى ضرورة فتح تحقيق حول الظروف التي حفت بتلك الوفيات. وهو البلاغ الذي شكل بداية سلسلة الأزمات المتتالية التي طبعت علاقة السلطة بالرابطة حتى الآن؛ إذ رغم استقبال رئيس الدولة بعد ذلك البلاغ التاريخي والشجاع لرئيس الرابطة د.منصف المرزوقي، والإجراءات الحازمة التي اتخذها لإيقاف التعذيب، فإن الأحداث قد توالت في الاتجاه السلبي، خاصة بعد لجوء السلطة إلى تعديل قانون الجمعيات بهدف وضع حد لما كانت تعتبره ولا تزال « تسييس الرابطة ». وقد تم الرد على مختلف التهم –بما في ذلك العلاقة بملف الإسلاميين- في نص مطول تحت عنوان « دفاعا عن الرابطة » كان لي الشرف أن قمت بصياغته، وتولى د.المرزوقي قراءته في جلسة رهيبة من جلسات المجلس الوطني للرابطة، الذي رفض فيه الرابطيون الخضوع للقانون الجديد، والذي حضره المرحوم الأستاذ حسيب بن عمار رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان تعبيرا منه عن انحيازه لهذه المنظمة التي كان أحد بُناتها. بعد تلك الأزمة التي أفضت إلى تجميد الرابطة لعدة أشهر، وجدت المنظمة نفسها في حالة دفاعية بقيادة المحامي توفيق بودربالة، هدفها الأساسي كان الحفاظ على وجودها في ظروف كانت صعبة وغير مساعدة. ومع حلول سنة 2000، انعقد مؤتمر عاصف، أسفر عن خلو الهيئة المديرة الجديدة من ممثل للحزب الحاكم، وهو أمر يحدث لأول مرة منذ تأسيس الرابطة، فكان رد فعل السلطة هو عدم الاعتراف بنتائج المؤتمر، وإحالة الملف إلى القضاء، وتكريس القطيعة إلى الآن. اليوم، وقد توقفت المفاوضات بين قيادة الرابطة والشاكين بسبب عقبة كان بالإمكان تجاوزها لو تم استحضار مصلحة البلاد وما يمكن أن تجنيه السلطة من تسوية هذا الملف الذي تحول إلى مدخل لا فكاك منه لقياس تحسن أوضاع حقوق الإنسان في تونس. لا شك في أن الهيئة المديرة للرابطة مدعوة إلى بذل مزيد من الجهد والاجتهاد لاستثمار هذه الفرصة والعمل على إنجاحها. لكن في المقابل، المطلوب من السلطة قرار سياسي واضح ونهائي كما كان يحصل من قبلُ، يتم بموجبه استئناف المفاوضات، وتسهيل عملية بناء الوفاق وإنجاز المؤتمر في أقرب الآجال. فما الذي سيخسره حزب حاكم يتمتع بنفوذ مطلق، عندما يسمح بعقد مؤتمر وفاقي لمنظمة صغيرة مثل الرابطة، يكون له فيها ثلث المنخرطين وقرابة الثلث من أعضاء المجلس الوطني، واثنان ممثلان له في هيئتها المديرة المقبلة؟ فالأحزاب الحاكمة القوية عادة ما تنظر لبعيد، ولا يهزها وجود منظمة مستقلة.  
(المصدر: صحيفة « العرب » (يومية – قطر) الصادرة يوم 19 جوان 2010)
 


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

مسار التّسوية في مأزق… !!!؟ نورالدين المباركي


تونس/ الوطن مع اقتراب يوم 26 جوان  لا يلوح في أفق أزمة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مخرج جذري رغم محاولات الوساطة و جلسات الحوار الماراطونية التي انتظمت خلال الأسابيع الأخيرة  . هذه المحاولات و الوساطات و إن أوجدت مناخا من الارتياح وشعورا باقتراب الخروج من الأزمة فإنها سرعان ما تعثرت و أصبحت « الأولوية  » هي تحميل هذا الطرف أوذاك مسؤولية تعثر الحوار. فقد أكدت الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في بيان نشر بداية هذا الأسبوع  التزامها  بـ »الوفاق  كضرورة قصوى للخروج من الأزمة » معتبرة « أنّ هذا الوفاق من الضروري والحتمي أن يشمل كلّ الرابطيين سواء الذين تقدّموا بقضايا ضدّ الهيئة المديرة مباشرة إثر انتهاء المؤتمر الوطني الخامس أو فيما بعد بمناسبة تجديد هيئات فروع الرابطة ودمج بعضها ، أو مع الذين عبّروا عن رفضهم لدمج بعض الفروع ولم يتّجهوا للمحاكم بل مارسوا حقّهم الطبيعي في الاختلاف داخل هياكل الرابطة أو أعضاء هيئات الفروع التي تمّ تجديدها وعموما جميع الرابطيين والرابطيات ».  وقالت إنه » لا يمكن الوصول إلى إنجاز المؤتمر بالشكل المطلوب إلاّ باعتماد الوفاق كآلية عمل في كل المراحل، وهذا من شأنه ترميم الثقة بين مختلف الأطراف الرابطية شيئا فشيئا وتعزيزها بخطوات ملموسة، ليس أقلّها معاملة كلّ الرابطيين مهما تنوّعت مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم السياسيّة على قدم المساواة ». وتضمّن  البيان  سردا مفصلا لمختلف مراحل  المفاوضات التي جرت خلال الأسابيع الفارطة  بين الأطراف المتنازعة ومواقف الهيئة المديرة . وجاء في البيان أن الهيئة المديرة  » تخلت عن المطالبة بالتفاوض مع السلطة مباشرة وعن ضرورة تخلي الشاكين عن القضايا التي رفعوها قبل الحديث معهم وأنه منذ بداية الحوار ما انفكت لجنة الحوار تتعاطى بكل ايجابية مع ما يطلبه الشاكون الذين أصروا على ضرورة الاعتراف بما أسموه « مؤتمرات الفروع السبعة » التي عقدت دون إشراف الهيئة المديرة » ورغم التحفظات الكثيرة للرابطيين عموما بهذا الخصوص فإن لجنة الحوار قبلت بإعادة مؤتمرات تلك الفروع بهيئات وفاقية رغم عدم توفّر العدد الأدنى للمنخرطين الذين يجب أن يضمّهم كلّ فرع (50 منخرطا) وهو الحدّ الأدنى الذي درجت الرابطة منذ تأسيسها على احترامه. » ودعت الهيئة المديرة في بيانها « الشاكين  » إلى  » الإسراع باستئناف الحوار والتخلي عن كل الأحكام التي استصدروها منذ المؤتمر الخامس والى الآن..و الحرص والعمل على ترميم الثقة بين الرابطيين وتعزيزها بخطوات ثابتة والابتعاد عن منطق التهديد بالقوة من خلال التلويح ب »اللجوء إلى القضاء ». وكان الأستاذ الشاذلي بن يونس  عقد قبل أيام ندوة صحفية خصصها لاستعراض مسار  تسوية الخلاف داخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عدّد فيها على وجه الخصوص » جملة التنازلات التي رضي بها الطرف الشاكي برغم ما له من أحكام قضائية لفائدته وفي المقابل فإنّ الهيئة المديرة لا ترغب في تنفيذ أيّ تنازل وهذا بحسب رأيه أمر غير منطقي وغير طبيعي لا يُمكن القبول به ناهيك عن أنّ بعض طلبات الهيئة بخصوص تسوية وضعية الفروع المذكورة (7 فروع) تمسّ مبدأ الديمقراطية في بابي الدمج أو التطعيم حيث لا يُمكن لأحد أن يقبل بإرغام مناضلين رابطيين على قبول أشياء فوق إرادتهم ودون استشارتهم فيها من ذلك مسألة دمج فرعي نابل والحمامات وفرعي سبيطلة والقصرين التي تتمسّك بها الهيئة المديرة. » وأكد على  أنّ الأسلم لكلّ الرابطيين هو إنجاح المسار الوفاقي في أقرب الآجال وبنفس الروح التي بدأ بها منذ أزيد من ثلاثة أشهر برعاية الباهي والرويسي . » وبحسب عديد المراقبين للشأن الرابطي فإن المرحلة التي تمر بها الرابطة التونسية في الوقت الراهن  هي  مرحلة دقيقة وحساسة ، تتطلب من كافة الأطراف التحلي بروح المسؤولية و الالتزام بالقواسم المشتركة للخروج من الأزمة الراهنة بما يعيد لرابطة حقوق الانسان  دورها ومكانتها.  
 
(المصدر: صحيفة  » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 142 بتاريخ 18 جوان 2010)


تونس تحجب الخدمة الصوتية لسكايب والمستعملون التونسيون يحتجّون


حرر من قبل معز الباي في الجمعة, 18. جوان 2010 اشتكى عدد هام من مستعملي الانترنت التونسيّين من الحجب المسلّط على خدمة الاتصال الصوتي بالبرنامج الشهير « سكايب » الذي تستعمله خاصّة الجالية التونسية المقيمة بالخارج في الاتصال بعائلاتها بتونس نظرا للكلفة الزهيدة لهذه الخدمة مقارنة بكلفة المكالمات الدّولية. واتهم المشتكون شركة اتصالات تونس بممارسة هذا الحجب بمنع حزمات الاتصال الصوتي من نوع VOIP التي يستعملها البرنامج من وصول، إلاّ باستعمال تقنية البروكسي، مرجعين أسباب الحجب إلى أن اتصالات تونس تعتبر أن خدمة « السكايب » تسبّب لها خسائر هامّة في عائداتها من المكالمات الدّولية.  في حين يرى البعض الآخر أن الشركة عمدت إلى عرقلة هذه الخدمة بسبب ترويجها لخدمة الاتصال الهاتفي عبر الانترنت الذي أعلن عنه منذ فيفري الماضي، وهي بذلك تسعى لدفع المؤسسات والأفراد لاقتناء منتوجها. هذا وقد شهد المنتدى الاجتماعي فايسبوك حملة شديدة يقودها خاصّة التونسيون المقيمون بالخارج (والذين يبلغ عددهم حسب تقديرات سنة 2008 أكثر من مليون مهاجر) للمطالبة بإعادة الخدمة واتخذوا شعارا لحملتهم « سيّب السكايب انحب انكلم دارنا ».  جدير بالذكر أن بعض المدوّنات المختصّة في أخبار الانترنت في تونس أفادت أن اتصالات تونس تعتزم ترويج منتوج جديد لباقات الاتصال بالانترنت غير خاضع للحجب على ذمّة المؤسسات مع الإبقاء على المنتوج التقليدي للعائلات والأفراد والذي لا يسمح بولوج العديد من المواقع. (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 18 جوان 2010)
 


هيمنة شباب « التجمع » على الجمعيات يهدر طاقات شبابية

 


معزّ الجماعي  
تعاني المنظمات والجمعيات الشبابية والترفيهية في تونس من هيمنة شباب الحزب الحاكم (التجمّع) ، ولم يعد خافيا على أحد أنّ الانخراط صلب هذا الحزب أضحى بمثابة بوابة العبور لتحمل مسؤوليات قيادية في معظم المنظمات الشبابيّة في بلادنا. هيمنة شباب الحزب الحاكم وتفرده بالرأي ورفضه إشراك الشباب العاديّ والمعارض في النهوض بهذه الجمعيات يأتي في إطار السياسة التي تنتهجها الحكومة وتهدف إلى السيطرة المطلقة على جميع المنابر و الفضاءات الشبابية واحتكارها وتوظيفها لخدمة الحزب الواحد. ويبدو أنّ الحزب الحاكم يعتقد أن فتح المجال أمام الشباب المستقل عنه في تحمل مسؤوليات صلب الجمعيات يعتبر ضربا من الاختراق و سحبا للبساط من تحت أقدام سيطرته على أغلب مكونات المجتمع المدني . و يمكن أن يؤدي ذلك إلى التململ في صفوف الشباب ضده و يفرض عليه القبول بالتعددية التي تطالب بها المعارضة الجدية منذ عقود. لكن بالمقابل ، نلاحظ أن عددا كبيرا من الشباب التونسي تمكنوا خلال الثلاث سنوات الأخيرة من تجاوز أسوار سيطرة «التجمع» على المنابر الشبابية ، إذ نجحوا في إدخال طابع الاستقلالية على بعض نوادي السينما و المسرح و تنشيطها بطريقة تترجم جديتهم وبما يكشف فعلا المعاناة الحقيقة التي يعاني منها الشاب في بلادنا بعيدا عن تمجيد الحكومة وخطاب شبابها الخشبيّ. إن مواصلة إيمان التجمع الدستوري الديمقراطي بشعار «الحزب الواحد» هو الراعي الوحيد للبلاد والعباد ، لن يساعد بالارتقاء بعقلية الشباب و استثمار ذكائه في مجالات مختلفة ، و إشعاره بأن البلاد ملك للجميع لا فرق فيها بين موال أو معارض فالجميع متساوون أمام القانون، فتلك هي الطريق الصحيح للدفع بالشباب نحو المساهمة في إلحاق بلادنا بركب الدول المتقدمة من خلال معرفة حقوقه وواجباته ، وعلى رأس تلك الحقوق حقّ الاهتمام بالشأن العام.أما مواصلة النهج الاقصائيّ والفرز السياسي بحسب الولاء ، فلن يؤدّي سوى إلى مزيد من الفشل وإهدار طاقات شابة وواعدة وجادة كان حريا ببلادنا الاستفادة منها العدد 551 من جريدة الموقف لسان الحزب الديمقراطي التقدمي .

 

الخارجية الأمريكية تُقفل معهد تعليم اللغة العربية للدبلوماسيين


قرّرت وزارة الخارجية الأمريكية إقفال المعهد الدبلوماسي المتخصص بتعليم العربية إلى الدبلوماسيين المعيّـنين في المنطقة العربية، والذي سبق أن نُـقل من لبنان إلى تونس في سنة 1975 في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية في بلاد الأرز. وتخَـرّج من هذا المعهد، الذي يوجد في منتجع سيدي بوسعيد الرّاقي في الضواحي الشمالية للعاصمة تونس، كثير من الدبلوماسيين البارزين الذين عملوا سفراء لبلدهم أو مدراء للمراكز الثقافية الأمريكية المنتشرة في العواصم العربية. وقالت نورا دمبسي، مديرة « معهد اللغة العربية » (Arabic Field School)، طبقا للتسمية الرسمية لـ swissinfo.ch، بنبرة حزينة، « إن وزارة الخارجية حسمت الأمر ولا مجال للرّجوع عن القرار ». وتحرص الخارجية الأمريكية على تلقين دبلوماسييها المعيّـنين في قارّات العالم الخمس، لغة البلد الذي سيعملون فيه. ويخضع الدبلوماسيون إلى دورات تعليم تتفاوت من لغة إلى أخرى، لكن غالبيتها تنظم في واشنطن. وفيما يستغرق تعلّـم الإيطالية أو البرتغالية ستة أشهر فقط، يمضي الدبلوماسي المُعين في عاصمة عربية، ثمانية عشر شهرا، بينها ستة في واشنطن وسنة في تونس. ويُدير معهد تونس عادة دبلوماسيون مُـخضرمون، كان آخرهم جون ديفيدسون. دراسات فنية  
وانطلق قرار الإقفال في البداية من خطّـة كانت ترمي إلى نقل المعهد من ضاحية سيدي بوسعيد إلى داخل مبنى السفارة الأمريكية في ضاحية البحيرة، التي تبعُـد عنها نحو ستة كيلومترات، لأسباب أمنية. وأظهرت الدراسات الفنية أن كلفة إنشاء مبنى خاص للمعهد، تصل إلى 40 مليون دولار. ووافق الكونغرس على القرار، بما في ذلك إعطاء الضوء الأخضر للإعتمادات المخصّـصة للمشروع. وأبدى مصدر على علاقة وثيقة بالمعهد، استغرابه من أن المُـمانعة لم تأت من البرلمان الأمريكي، مثلما جرت العادة، وإنما من موظّـفي وزارة الخارجية، الذين اعتبروا تخصيص تلك المُـوازنة لإقامة مبنى خاص للمعهد، إسرافا وتبذيرا. واقترح بعضهم نقله من العاصمة التونسية إلى عاصمة أخرى في المشرق العربي، وكانوا يفكِّـرون في عمّـان أو القاهرة. وأفاد مُدرس في المعهد، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن 52 دبلوماسيا في الخارجية، غالبيتهم من الطلاب السابقين في المعهد، طلبوا في رسالة جماعية نقل المعهد إلى منطقة أخرى، وكانوا يفكِّـرون في مصر أو الأردن « لأسباب أمنية »، واستخدموا حُـججا من نوْع أن الهدف من وجود المعهد في بلد عربي وليس في واشنطن، هو إعطاء فرص للطلاب للاحتكاك مع المجتمع المحلّـي والتدرّب على استعمال العربية في الحياة اليومية. وقالوا إن اللغة السائدة في تونس، وخاصة في الضواحي الراقية للعاصمة، هي الفرنسية ما يُقلل من فُـرص التحدّث بلغة الضاد والتدرب عليها، وهكذا أضيفت دوافع ثقافية لنقله من تونس، زيادة على الإعتبارات الأمنية. العربية… لهجات؟
وبعدما استقرّت الأمور على قرار نقل المعهد من تونس والتخلّـي عن مشروع المبنى الجديد، ظهرت في وزارة الخارجية الأمريكية حُـجج من نوع آخر، مفادها أن العربية الفصيحة ليست لغة مُـوحّـدة في كل البلاد العربية وأن اللهجة المحلية هي التي تطغى في الإستخدام اليومي على صعيد كل بلد، ما يجعل فُـرص التعليم والتدرب على التخاطب بالعربية، محدودة الفائدة، حتى في بلدان المشرق، حيث لا تزاحم الفرنسية اللغة العربية. ويقول هؤلاء، إن هناك عربية أردنية وأخرى مصرية وثالثة سورية، ما يجعل الدبلوماسي الذي ينتقل من العمل في لبنان إلى السودان أو الخليج مثلا، مضطرا لمعاودة التعلّـم من جديد أو على الأقل تعديل ما درسه في « معهد اللغة العربية »، وكان هذا أحد الأسباب التي أدّت إلى التخلّـي عن البديل، وهو نقل المعهد إلى عاصمة مشرقية، وسرعان ما اتّـخذت وزارة الخارجية قرارا نهائيا بإقفال المعهد وتوزيع الدبلوماسيين – الطلاب في المستقبل، على معاهد لغة عربية عادية في المنطقة. واكتسى اتخاذ القرار صِـبغة استعجالية لم تُفهم أسبابها. وقال أحد الإداريين لـ swissinfo.ch ، إن بيل (وليام) إيتون، مدير مراكز التدريب في الخارجية الأمريكية، زار تونس في شهر مايو الماضي وتفقّـد المعهد وتناقش مع المُـشرفين عليه وعلى الإطار التدريسي، وعبّـر عن اندهاشه من سرعة حسْـم القرار. وعلمت swissinfo.ch أن قرار الخارجية يقضي بغلْـق المعهد في 30 يونيو 2012، أي بعد سنتين على أن يكون الغلق الإداري في مطلع يناير 2013، من أجل إفساح المجال للمشرفين عليه لإنهاء المعاملات المالية والإجراءات الإدارية مع هيئة التدريس والدوائر التونسية والطاقم الإداري… والسؤال الذي يتردد هذه الأيام: ما هو مصير الإطار التّـدريسي، الذي ينتمي إلى جنسيات عربية مختلفة، بعد إقفال المعهد؟ أجاب أحد المدرِّسين بأنهم سيحظَـون بالأولوية لدى المشاركة في الإنتدابات، إلى الهيئات الدبلوماسية الأمريكية (السفارات والمراكز الثقافية الأمريكية في المنطقة العربية) أو المؤسسات القريبة منها، مثل مكاتب « مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا » المعروفة بـ « ميبي »، والتي لديها مكتب في تونس وآخر في القاهرة وثالث في أبو ظبي. وعلى عكس ما يتبادر لبعض الأذهان، لا يـدُل قرار الإقفال على تراجُـع الإهتمام بالمنطقة العربية، وإنما « يعود فقط لأسباب مالية وإدارية »، مثلما أوضح مصدر على علاقة بالملف لـ swissinfo.ch، واعتبر أن إجادة العربية شرْط هام لنجاح الدبلوماسيين العاملين في العواصم العربية، كي يفهموا ذهنيات أهلها ويتواصلوا معهم بسهولة، وأكد أن إخضاع الدبلوماسيين المعيّـنين في عواصم المنطقة إلى تكوين في اللغة العربية قبل استلامهم لمناصبهم سيستمر في أشكال مختلفة، ولكن ربما سيكون أكثر مُـرونة من المنهج الحالي. رشيد خشانة – تونس – swissinfo.ch
(المصدر: موقع « سويس إنفو »(سويسرا)  بتاريخ 18 جوان  2010)  
 

2010-06-19

تونس: منحة من الاتحاد الأوروبي لدعم الاقتصاد 5 مليارات دولار لدعم قطاعات الصحة والإعلام والتنمية المحلية والمجتمع المدني.

 


 
تونس – قالت بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس إن الاتحاد منح تونس 7 مليار دينار (5 مليارات دولار) تونسي منذ توقيع اتفاق الشراكة والتحرير التدريجي لتجارة المنتجات الصناعية عام 1995.
وكشف تقرير لبعثة الاتحاد في تونس صدر في شهر ماي 2010 أن هذه المنح تمّ صرفها لفائدة القطاعين العمومي والخاص وكذلك المنظمات غير الحكومية التي تنشط في مجالات هامة مثل الصحة والإعلام والتنمية المحلية والمجتمع المدني.
ويعدّ الاتحاد الأوروبي الشريك الأول لتونس في الضفة الجنوبية للمتوسط حيث تبلغ مبادلاتها التجارية مع مختلف بلدان الإتحاد نسبة 70 بالمائة من مجمل مبادلات تونس الخارجية.
ونال القطاع العام التونسي النصيب الأوفر من المنح إذ بلغت 1.17 مليار يورو (أكثر من ملياري دينار تونسي) خصصت للنهوض بالتنمية الريفية والتدريب المهني ودعم تنافسية المؤسسات واستقطاب الاستثمارات الخارجية ودعم عمليات خوصصة المؤسسات وتنفيذ عمليات شراكة، إضافة إلى مشاريع تتعلق بتطوير التعليم والصحة والقضاء وتحديث الموانئ والموارد المائية.
وقالت البعثة إن الإتحاد الأوروبي صرف للقطاع الخاص في تونس 123 مليون أورو (أكثر من 220 مليون دينار تونسي) لتعزيز تنافسية المؤسسات الصناعية وتحديثها إضافة إلى دعم الشركات التونسية الأوروبية. أما المنظمات والجمعيات غير الحكومية فقد خصصت لها المفوضية الأوروبية 1 فاصل 3 مليار أورو (حوالي 2 فاصل مليار دينار تونسي) لتفعيل دورها ونشاطها في إطار دعم مكونات المجتمع المدني بما يساعد على تنشيط أدائه. وقالت المفوضية الأوروبية إنها ماضية في دعم سياسات تونس التنموية مضيفة أنها ستخصص 240 مليون يورو (حوالي 432 مليون دينار تونسي) لتمويل مشاريع تنموية جديدة خلال الفترة من 2011 إلى 2013 تشمل دعم التشغيل وتطوير المؤسسات الاقتصادية.  
 
(المصدر:ميدل ايست اولاين بتاريخ 19 جوان 2010)
 


في إمكانية عرقلة المسار الديمقراطي.. تونس مثالا


طارق الكحلاوي « التنافسية » مؤشرا وهميا وظيفة الانتخابات
يركز الخطاب الرسمي التونسي عند محاولة البرهنة على وجود ديمقراطية في تونس على وجود « تعددية سياسية » و »تنافسية » و »انتخابات » بما في ذلك « نسبة مشاركة » عالية. الخطاب المعارض ينحو عموما إلى نفي وجود « تعددية » و »تنافسية » من خلال الإشارة إلى الأحزاب الممنوعة من الترخيص القانوني وحتى من خلال « التضييق » الذي تتعرض له بعض تلك المرخص لها. كما يقع التأكيد أيضا، في سياق دحض وجود « الانتخابات »، على أن الظرف السياسي بما في ذلك عدم وجود « تعددية حقيقية » يجعل العملية الانتخابية « مفرغة من المضمون ». في الوقت نفسه يتم التشكيك في « نسب المشاركة » ويتم أحيانا التلميح إلى « الطابع المزور » للانتخابات.  » يركز الخطاب الرسمي التونسي عند محاولة البرهنة على وجود ديمقراطية على وجود « تعددية سياسية » و »تنافسية » و »انتخابات », بينما الخطاب المعارض ينحو عموما إلى نفي ذلك من خلال الإشارة إلى الأحزاب الممنوعة من الترخيص القانوني  » المشكل الذي أود طرحه هنا لا يتعلق بنفي جدوى هذه الاعتراضات ولكن بأن الجدال الحقيقي يجب أن يتركز على طبيعة السلطة السياسية الراهنة خاصة من زاوية استعمالها للأدوات السياسية الحديثة. إذ إن « التعددية » و »التنافسية » و »الانتخابات »، بما هي أدوات تعودنا النظر إليها « أدوات للدمقرطة »، ليست مجرد صور بدون محتوى بل هي آليات فعلية ذات مضمون سياسي ومن ثم ذات فاعلية وتأثير على مسارات الواقع. وبهذا المعنى هي ليست أدوات محايدة حتى بفرض أنها « مفرغة من المضمون » بل هي تضطلع بدور يمكن أن يصل إلى مستوى عرقلة تحقق أي « مسار ديمقراطي » بما في ذلك نسب مشاركة عالية ونتائج صحيحة عموما. والفكرة النهائية التي أود طرحها هي أن الاعتراضات أعلاه الصادرة عن الأطياف المعارضة تحمل فهما ملتبسا لطبيعة السلطة السياسية.
« التنافسية » مؤشرا وهميا
جرت في مايو/أيار الماضي « الانتخابات البلدية » في تونس. ولا أعتقد أن المشكل كان أو سيكون في « نسب المشاركة » أو صحة النتائج. هذه نقطة مهمة للغاية إذ إنه حتى لو حدث بعض التضخيم في هذه النسب فإنه لا يجب النظر إلى ذلك مؤشرا محوريا للتدليل على مدى جدية أي انتخابات. ربما من الضروري التذكير بأن نسب المشاركة حتى في انتخابات أنظمة مثل « الصين الشعبية » و »كوريا الشمالية » لا يمكن الشك في طبيعتها « الشمولية »، وليس « التسلطية » فحسب، هي فعلا نسب عالية، وهي عموما لا يوجد ما يجعلنا لا نعتقد أنها تفضي إلى نتائج متطابقة مع اتجاهات التصويت. كما أن المشكل لن يكون على مستوى « التنافسية » ضرورة، إذ إن بعض منتقدي العملية الانتخابية في تونس يتجهون عموما لتجاهل مؤشرات واضحة على « تنافسية » تسبق عملية الاقتراع وهي المتعلقة بالتحديد باختيار أعضاء القوائم التابعة للحزب الحاكم.
وإذا اعتمدنا على المعطيات المنشورة أخيرا فحسب، في بلد ليس من السهل أن ينشر فيه الكثير عن التنافس داخل الحزب الحاكم، يمكن أن نلاحظ في الأسابيع الماضية في مدينة القيروان مثلا انفلات « التنافس » ليصل إلى العنف واضطرار تدخل قيادة الحزب لتعديل قائمة المعينين.  » يمكن أن نلاحظ خلال الأسابيع الماضية في انفلات « التنافس » داخل الحزب الحاكم ليصل إلى العنف واضطرار تدخل قيادة الحزب لتعديل قائمة المعينين  » ومرت الانتخابات الخاصة ببقية المقاعد في جو « تنافسي » جدي وليس مصطنعا. في حالات أخرى أقل حدة لكن تعكس مستوى جديا من « التنافس » وصلت الأمور حتى إلى إنشاء (المظيلة) أو التهديد بإنشاء (جبنيانة) قوائم موازية من قبل أعضاء في الحزب الحاكم لم يختاروا في قائمة المرشحين المعينين. في المقابل توجد معلومات أكثر كما عن الأحزاب « المعارضة » المقربة من السلطة في خصوص « التنافس » على التواجد في القوائم إلى حد الانشقاق الروتيني، ووصل الأمر إلى الحديث عن علاقة بأحد هذه الأحزاب في « شراء للقائمات تراوح سعرها بين 1000 و1500 دينار » (جريدة « الصباح » 23 أبريل/نيسان).
وظيفة الانتخابات
هذه الحالة « التنافسية » ليست خصوصية تونسية بالتأكيد، إذ تأتي في سياق نمط مهيمن للسلطة السياسية في العالم العربي أطلق عليه باحثون في العلوم السياسية مثل لاري ديايموند الأنظمة « التسلطية الانتخابية »، وهو النمط الذي سأعود إليه بشكل أكثر توسعا في مرة لاحقة. الآن أريد التركيز خاصة بمناسبة الانتخابات والتنافسية على مظهر أساسي مرتبط بنمط « التسلطية الانتخابية » يطلق عليه البعض مثل إيلين لاست تعبير « التنافسية الزبونية ».
الوضع التونسي في هذا المجال لايزال في مرحلة جنينية ومبكرة مقارنة بما يجري في حالات أخرى تعد متقدمة في هذا النمط. في أقطار مثل مصر والجزائر والأردن، أين استطاع الباحثون القيام بعمليات استكشاف آراء وأوضاع تسمح بتقييم معمق لما يحدث، التنافسية أكثر حدة وبروزا، وهو بذلك أكثر نضجا بما يمكننا من تتبع أبرز سماته والدور الأساسي الذي يفضي إليه.  
حجر الزاوية في هذا النمط هو الدور الاجتماعي المركزي لوظيفة « الواسطة » (« الأكتاف » بالتعبير الدارج التونسي). إذ إن دوافع الراغب في الترشح ودوافع الناخب تتركز تحديدا في تأدية هذا الدور. في مصر يقع تسمية نواب البرلمان بـ »نواب الخدمة » والإجابة البدهية على الدور المفترض لأي مرشح هو أنه « يؤدي خدمات » لسكان دائرته وليس الدفاع عن برنامج محدد وتشريع القوانين لتحقيقه.
في استطلاعات للرأي تمت في الجزائر والأردن بين سنتي 2000 و2006 اتجه غالبية المستطلعين إلى التركيز على أن مطلبهم الأساسي من النواب هو مدى قدرتهم على « التوسط » لهم للحصول على العمل أو قروض أو غير ذلك من الخدمات.
هذه الانتظارات تبدو أكثر بروزا ووضوحا في المجموعات السكانية الصغيرة خاصة الانتخابات البلدية في مناطق ريفية أو بلدات صغيرة حيث يعرف الناخبون بشكل شخصي المرشحين. ولهذا تتجه نسب المشاركة في هذه الأماكن للارتفاع نسبيا.
في الدينامية يمكن تفهم « التنافس » ليس من زاوية توفيره امتيازات ونفوذ شخصي (مادي ومعنوي) مباشر للنائب بل أيضا من حيث منحه نوافذ لاقتحام دوائر السلطة التنفيذية للعب دور « الوساطة ».
وبهذا المعنى تحديدا يجب النظر إلى أرقام « مكافحة الفساد » و »الشفافية » التي تتناسب عموما مع مستويات النسق الديمقراطي. إذ إنه ليس من المصادفة أن الدول التي تتميز بنمط سلطة « تنافسية زبونية » تشهد أيضا النسب الأضعف في مستوى مكافحة الفساد خاصة على الصعيد العملي والنسب الأضعف في الشفافية (انظر في هذا السياق تقرير سنة 2008 لمنظمة Global Integrity).  
 
« صفة « المعارضة » هي صفة طاردة للجاذبية في ذهنية الناخب, وبالتالي فإن المحصلة عرقلة مبدأ التداول على السلطة والمسار الديمقراطي نفسه واستلاب هذه الأدوات والتمديد في سقف حياة منظومات السلطة التنافسية الزبونية »هذه المنظومة تستخدم في النهاية أدوات الدمقرطة في اتجاه تدعيم أسس الوضع السياسي القائم بما أنها ترسخ الإيمان بأن العملية الانتخابية و »التنافسية » تستهدف التقرب من السلطة التنفيذية لإيجاد حلول فردية لمجموعات سكانية (انتخابية) منفصلة وليس المساهمة في تشريع القوانين التي تبقى عمليا ضمن مهام الأداة التنفيذية في السلطة.
وبهذا المعنى فإن صفة « المعارضة » هي صفة طاردة للجاذبية في ذهنية الناخب. وبالتالي فإن المحصلة عرقلة مبدأ التداول على السلطة والمسار الديمقراطي نفسه واستلاب هذه الأدوات والتمديد في سقف حياة هذه المنظومات.
إذ إن بعض الدراسات الإمبيرقية أوضحت أن الأنظمة السياسية « التسلطية » التي تحكمها حكومات مدنية وتؤثث بنيتها بجدار من المؤسسات التشريعية ومن خلال أدوات « الانتخابات » و »التعددية » و »التنافسية » تحقق في نهاية الأمر عوامل ثبات أكثر صلابة من أنظمة عارية تماما من أي مؤسسات وسيطة، إذ إن هذه المنظومة تخلق دينامية تجعل علاقة المستفيدين من وجود السلطة أكثر رسوخا ومن ثمة تتيح لها توسيع قاعدتها.
طبعا تلك عوامل الثبات. غير أنها ليست كل الصورة. و »التنافسية الزبونية » جزء جنيني من طبيعة السلطة السياسية وليست كلها.
 
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 19 جوان 2010)


القيم والأخلاق في السّياسة


بقلم :صالح عطية   طرحت في الآونة الأخيرة مسألة القيم في الحياة السياسية التونسية، وكان بعض الذين صرحوا بذلك، يتحدثون بشكل خفي، خشية اتهامهم بـ « التعامل الرخوي مع السياسة »، أو إدراجهم ضمن قوائم « الأخلاقويين » الذين لا يعرفون للتحليل السياسي سبيلا عقلانيا، بل لا يفقهون في السياسة شيئا، على اعتبار أن السياسة ـ في نظرهم ـ هي تلك السوق التي ينتصب فيها القاصي والداني، و »الشاطر » فيها، هو الأقدر على بيع بضاعته كيفما كان الأسلوب والطريقة.. ولا شك أن النقاش حول البعد الأخلاقي في السياسة ليست مسألة طارئة، لا في مجالات التنظير والفكر والفلسفة، حيث يعود الأمر إلى مرحلة فلسفة الأنوار، التي عرفت نقاشا مستفيضا في هذا الشأن، ولا في مستوى العمل السياسي، بجوانبه التكتيكية ومماحكاته اليومية المعروفة، سواء على الصعيد المحلي أو على الصعيد الدولي، حيث كانت ممارسات « إسرائيل » وحروب الولايات المتحدة، على سبيل المثال لا الحصر، النموذج الأمثل في دوس الأخلاق واعتبارها الحلقة الهامشية في مثل هذه القرارات والخيارات.. والحقيقة، أنني فوجئت وأنا أحضر « منتدى الدوحة للديمقراطية والإعلام والتجارة الحرة » في العاصمة القطرية، الذي تزامن هذا العام مع « قمة إعادة تصميم العالم الجديد »، بأن عددا هاما من المشاركين، انبروا يدافعون عن الأخلاق في العمل السياسي، لا بل في العلاقات الدولية، وفي خيارات الحرب والسلم.. تحدثت رئيسة فنلندا، تارغا ألونين، عن حاجة العالم إلى قيم جديدة، واعتبرت أن الأخلاق ضرورة في العلاقات بين الدول.. وشددت اليابانية، ساداكو أوغاتا، رئيسة مجلس الأجندة العالمي، على أهمية القيم في السياسة الدولية.. وكاد ريتشارد سامانز، مدير المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، أن يقول للحاضرين، بأن القيم ومسألة الأخلاق بمثابة « قشة نجاة العالم من حالة الاحتقان التي يعيشها حاليا ».. بل إن هذه القمة العالمية، التي تأتي بعد نحو 66 عاما على انعقاد مؤتمري « دمبارتون أوكس » و « بريتون وودز »، اللذين أعقبا الحرب العالمية الثانية، كانت ـ بمعنى ما ـ تأكيدا على أن السياسة الدولية تعاني من مشكل قيمي أساسي، ما جعل العالم يعيش الويلات والحروب والفقر والمجاعة والأوبئة و »الإرهاب » والتطرف، في اليمين كما في اليسار، نتيجة خيارات وقرارات وسياسات، لم يكن فيها الجانب الأخلاقي حاضرا عند اتخاذها.. ثمة أصوات تتعالى في بلادنا منذ فترة، تتحدث عن تردي القيم في المؤسسة التربوية وفي الشارع وبين غالبية الفاعلين السياسيين، وحتى بين من يفترض أنهم « نخبة » البلاد و »زبدتها » الفكرية والثقافية.. لكن البعض الآخر ما يزال يعتبر قضية القيم ومسألة الأخلاق من إرث « الثقافة البورجوازية »، ومن بقايا « التراث الأصولي »، وضد الفكر التقدمي المستنير.. هل المشكل في هذا « الفكر التقدمي » ذاته، أم في فهمنا للأخلاق ولقضية القيم ولتراثنا وحضارتنا، أم في خلفيتنا المصلحية التي تتعارض مع كل ما ينظم سلوكياتنا السياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية، وتحبذ ـ بالتالي ـ الإبقاء على ثقافة « كل شاة معلقة من كراعها »، كما يقول المثل الريفي الشعبي لدينا ؟ أحسب أننا أمام معضلة حقيقية، يحاول البعض التهرب منها، لغاية في نفس يعقوب، ويحرص البعض الآخر على أن يزايد بها أمام إفلاسه السياسي والفكري والثقافي، فيما المجتمع « يستهلك » قيما جديدة قد تأتي على هذا وذاك معا.. قيم وأخلاق بدأت تتحول إلى معايير تعامل يومي، ومن هنا خطورتها على الثقافة والفكر والسياسة، بل على بنية المجتمع وحضارة البلاد برمتها.. أفلم تدق ساعة المراجعات الشجاعة بعد ؟!   
(المصدر: صحيفة  » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 142 بتاريخ 18 جوان 2010)  


في الذكرى التاسعة والعشرين للإعلان عن حركة النهضة التونسية.

 

حركة النهضة بين الأمس واليوم ( 6 )

 
4 ـ الإنتظام ضمن منهج إصلاحي شعبي جامع. عالجت الحركة ـ إلى حد اليوم ـ تحديات البلاد بواجهات ثلاث : أ ـ إختيار الإسلام الجامع بإعتداله المتوسط قاربا أول لإنقاذ البلاد. ب ـ إختيار الديمقراطية ـ منهجا سياسيا وإداريا ـ قاربا ثانيا. ج ـ إختيار الإندماج في العمل المعارض المشترك ـ مع الوعي بالمفارقات الثقافية ـ قاربا ثالثا. كيف كان الإنتظام ضمن منهج إصلاحي شعبي جامع؟ () ـ في دراسة إجتماعية للدكتور الهرماسي عن حركة الإتجاه الإسلامي في النصف الأول من ثمانينيات القرن الميلادي المنصرم خلص البحث إلى أن أكبر نسبة من المنتمين إلى الحركة يومها ينحدرون إجتماعيا من الفئات الفقيرة والمتوسطة من جانب ومن الفئات المتعلمة المثقفة ثقافة عالية أو متوسطة ـ بحسب المعيار المعاصر المرتبط بالمستوى التعليمي الرسمي المعروف ـ من جانب آخر ومن الفئات العمرية الشبابية من جانب ثالث. () ـ نشأت الحركة ـ كما هو معلوم ـ نشأة تلقائية طبيعية في صفوف الشباب وعلى طريقة جماعة الدعوة والتبليغ على نحو مكنها من مباشرة الناس العاديين في الشارع بطريق عفوي وظلت كذلك حتى نشأ تنظيمها في فترة لاحقة متأخرة وهو تنظيم ظل منفتحا على الخارج حتى نشأت عن ذلك الورقة الثالثة من ورقات المؤتمر المضموني لعام 1986 بعنوان : التنظيم من أجل الفعل خارجه( الورقة الأولى هي الإستراتيجية المؤقتة والورقة الثانية هي الرؤية الفكرية والمنهاج الأصولي ). لذلك ظل التنظيم يلتقط الشباب ـ بصفة خاصة ـ لدمجهم في العملية التربوية الجامعة التي بنت عليها الحركة رؤيتها التغييرية وذلك هو ما يفسر تضخم الجهاز التنظيمي للحركة وتعقد أعماله ومؤسساته سيما أنه يشتغل تحت رقابة السرية المفروضة عليه من النظام البورقيبي البوليسي. () ـ تميزت الحركة ـ وربما أغلب الحركات الإسلامية المعاصرة لأسباب معروفة ـ بإقبال الشباب عليها سيما من تلاميذ وطلبة المعاهد الثانوية والجامعية. لا يكمن تفسير ذلك سوى بأن النظام العربي الرسمي فشل فشلا ذريعا في إستقطاب شريحة الشباب ـ وخاصة المثقف منه ـ وأن الإسلام الذي أريد له أن ينأى بنفسه عن مشكلات العصر سرعان ما إلتقط من يأوي به إلى تلك المشكلات ومن باب الحضارة والثقافة والمدنية والحداثة وليس من باب الدروشة والشعوذة التي تشجعها بعض الأنظمة العربية لتخدير الشعوب وتقديم صورة بلهاء عن الإسلام بإعتباره دين الماضي. تطور وجود الحركة في تلك السنوات في المعاهد الثانوية حتى وقع التفكير في بعث منظمة تلمذية مطلبية على غرار الإتحاد العام التونسي للطلبة فيما بعد. () ـ في الجامعة التونسية مثلا سرعان ما هوت الخيارات اليسارية أمام التيار الإسلامي الذي لم يكن يمثله في ذلك الوقت سوى أبناء حركة النهضة. يروي الذين عايشوا فترة إنتشار الشيوعية في تونس من الطلبة في عقد الستينيات أنهم كانوا يصلون خلسة ويصومون خفية لفرط الجنون الذي أصاب حملة الراية الشيوعية يومها فما إن بادر الطلبة الأتراك بتخصيص مصلى صغير جدا في إحدى المبيتات الجامعية لهم بعد ترخيص رسمي لهم من بورقيبة على أنهم مسلمون غير عرب لا ينتظر منهم نقل الإسلام الذي يخشاه بورقيبة إلى تونس مجددا .. ما إن تم ذلك حتى يسرت أقدار الرحمان سبحانه طلبة مصلين وإنتقلت الجامعة بذلك إلى عهد جديد هو عهد التقوى والصلاة والإلتزام والإسلام الجامع الذي يناطح النظريات الوضعية ويتفوق عليها ويقدم رؤية لحل مشكلات الواقع في كل جوانبه. ثم أفل نجم الشيوعية في الجامعة التونسية يوما بعد يوم وفي مقابل ذلك برز نجم الإسلاميين الذين تعرضوا في منطقة منوبة في العاصمة التونسية عام 1982 لمجزرة شنيعة نظمها الرفاق الشيوعيون ضدهم حقدا وحسدا وسجن على إثرها بعض الطلبة الإسلاميين وظلوا في السجن عشر سنوات كاملات لأجل تعرضهم للدفاع عن أنفسهم من صلف الشيوعيين. ثم آل الأمر إلى تأسيس الإتحاد العام التونسي للطلبة عام 1986 وكان منارة من منارات حرية الرأي وتقديم الحلول الناجعة لطاقم الجامعة وهيئة التدريس وغير ذلك من الحاجات النقابية والثقافية والدراسية ثم وقع حظره بعد الترخيص له ضمن سياسة الأرض المحروقة التي إعتمدها نظام بن علي ضد كل ما يمت إلى الإسلام والحريات بصلة. ثم فرض على الجامعة ـ كما على البلاد بأسرها ـ الصمت الرهيب وعلا صوت البوليس والقمع ولا صوت يعلو فوق صوت عصابة الفساد والنهب والسلب. () ـ أما في المساجد فكان الحضور الأكبر للحركة التي رتب أبناؤها العمل الإسلامي على أساس عقد حلقة عامة عادة ما تكون مواضيعها فكرية إنسجاما مع التحدي القائم يومها أي محاربة الفكر المادي والشيوعي الماركسي والجدال مع الفكر القومي اليساري سيما أن أغلب الحاضرين في تلك الحلقات هم تلاميذ المعاهد الثانوية الذين يستلهمون بعض الكتابات المتخصصة في الرد على الفكر الوافد من مثل كتابات علي شريعتي وباقر الصدر ومحمد قطب وغيرهم. كما كانت المساجد المكان الأنسب لإلتقاط الشباب المتدين الذي يمكن أن يلتحق بالخلايا التربوية الداخلية للحركة. كانت تلك الخلايا تركز على إعادة بعث الشخصية الإسلامية المعاصرة المعتدلة المتوازنة المتكاملة في بنائها بين المطلب الروحي من خلال حفظ القرآن الكريم وتعلم قواعد تلاوته وتناول بعض المواضيع التربوية التزكوية ومن خلال المطلب الفكري بتناول بعض المواد الفكرية سيما ما يتعلق بالفكر المادي الشيوعي الماركسي تأهلا لنقضه بأسس علمية ثابتة ومن خلال المطلب الحركي تناولا لمواضيع تهم الوضع السياسي المحلي أو الإقليمي أو الدولي أو تناول بعض الكتب أو البحوث التي تتعلق بالبعد الحركي وكذلك تناول بعض الأخبار الداخلية. كانت وظيفة الخلايا مزدوجة منها تعميق الإنتماء ومنها تحصين الشخصية المسلمة المعاصرة من غوائل التفكير المادي ومن أمراض التفكير القابع في قرون عفا عنها الزمن ومنها بطبيعة الحال تأهيل الشباب لتفعيل متطلبات الدعوة الإسلامية المعاصرة في المساجد وخارجها وفي دور الثقافة وغير ذلك. () ـ كان الوعي بالتغيير والإصلاح من خلال الأطر القائمة مبكرا جدا ولا أدل على ذلك من إنتظام المؤسسين الأوائل ( الغنوشي ومورو وصالح بن عبدالله) في الجمعية القومية للمحافظة على القرآن الكريم مما تسبب لقيادتها في حرج أدى إلى تجميد مؤتمرها ثم طرد المجموعة الجديدة. حبل ذلك التفكير كان هو السائد في الحركة حتى يومنا هذا ـ وهو ما شكل حرجا بالمناسبة للسلطة التي تدرك أن الحركة تستغل أي فضاء من فضاءات الحرية بسبب الطبيعة الحركية العملية لأغلب أبنائها وقيامهم على توظيف كل فضاء لتوسيع مناخات الحرية قدر الممكن ولذلك تختار السلطة غلق أغلب ما يمكن من منافذ الحركة والتعبير لئلا يتسلل إليها الإسلاميون ـ. حبل ذلك التفكير إمتد بعد ذلك إلى مؤسسات أشد فعالية من مثل الإتحاد العام التونسي للشغل ( مؤتمر عام 1989 كان شاهدا على وزن الإسلاميين الذين كانوا في الأعم الغالب على تحالف مع العاشوريين). ثم إلى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من خلال بن عيسى الدمنى بداية ثم من خلال الشهيد سحنون الجوهري من بعد ذلك. كما كان حضور الإسلاميين في نوادي الثقافة ودورها معتبرا تنشيطا لحركيات التفكير والجدال. إلا الحزب الإشتراكي الدستوري الذي إنقلب إلى التجمع.. كان الحاجز النفسي دوما سدا منيعا بسبب أن الحزب هو الدولة والدولة هي الحزب ـ رغم أن ذلك لم يكن كذلك حتى في العهد البورقيبي إلا بنسبة معلومة أما في عهد بن علي فإن التجمع ـ سيما من لدن رجال الحزب الأوائل الذين جمدهم بن علي ووضع بعضهم تحت الإقامة الجبرية وهمش الآخرين ـ لا يكاد يساوي شيئا أمام نفوذ القصر وعائلات القصر والمافيا المالية الأمنية التي تنفرد بتسيير دواليب المجتمع والدولة بإستبداد عجيب. العجيب أنه في الحركة لم يطرح ذلك الموضوع طرحا جديا في كل المراحل تقريبا في حين أن عددا غير صغير من الشيوعيين سرعان ما تسلقوا التجمع الدستوري وقصر بن علي وتمكنوا من ناصية التربية والتعليم والإعلام نسبيا ومواطن أخرى نافذة في الدولة بغرض الإجهاز على الحركة الإسلامية التي كانت تهدد السلطة بزعمهم في الأيام الأخيرة لبورقيبة. () ـ كما توجهت عناية أبناء الحركة في الجهات والمناطق إلى تأسيس النواتات الثقافية والفكرية وخاصة الفرق الغنائية والشعرية التي تحيي المناسبات وهو عمل ترك بصماته الواضحة على الإلتزام الأخلاقي ـ فكرا وممارسة ـ في الإنتاج والأداء الفني من جهة كما توصل إلى إستيعاب قطاع غير صغير من الشعب إستيعابا ثقافيا وفكريا وإجتماعيا بالجملة من جهة أخرى. () ـ والشيء ذاته ينسحب على النشاط الإغاثي الذي إتخذ وجهين : وجه نجحت فيه الحركة نجاحا باهرا جدا وهو المتعلق بمساندة عائلات المساجين سيما في المحن الأولى التي كان فيها عدد المساجين بالمئات أو العشرات وليس بالآلاف كما هو الحال في المحنة الأخيرة سيما أن المحنة الأخيرة شهدت ـ لأول مرة ـ تهجير المؤسسات القيادية في الحركة وفرض حالة من الطوارئ العامة أو حالة من الإستثناء أو المرحلية المطولة. أما الوجه الثاني من وجوه النشاط الإغاثي فكان موسميا من جهة وخاضعا لإجتهادات أبناء الحركة في مناطقهم من مثل الإحاطة بآثار إعصار هنا أو فيضانات هناك بمثل ما وقع في منطقة توزر عام 1989 بسبب أن الحركة يومها تعيش ما سمي بشهر العسل مع سلطة بن علي وما هو بعسل ولكنه غض طرف محكوم بإستحقاقات معروفة. الوجه الثاني كان له أثره الطيب في إستيعاب الحركة لقطاع من الناس إستيعابا إجتماعيا بينما ظل الوجه الأول حبيس المتضررين من أبناء الحركة. () ـ العلاقة مع الزيتونيين : بالرغم من أن المؤسسين الأوائل ( الغنوشي ومورو) عرضا الأمر ـ أمر قيام عمل إصلاحي جديد يجبر نكبات العالمانية البورقيبية ـ على بعض مشايخ الزيتونة من مثل المرحوم إبن عاشور الحفيد ـ عليهما جميعا رحمة الله سبحانه ـ إلا أن التوجه لم يكن مؤسسا على نحو أدى إعتذار أولئك المشايخ عن قبول تلك المهمة إلى ما يشبه التجاهل غير المقصود وهو ما أضحى سمة عامة من بعد ذلك بسنوات لأداء الحركة بصفة عامة حيث يممت قبلتها إلى الأداء المشرقي ـ الإخوان في مصر ـ تفكيرا وتنظيما غير أن إنفتاح الحركة على مدارس أخرى ـ أو قل عقلية الإنفتاح في حد ذاتها ـ ( من مثل تجربة المودودي ومالك إبن نبي والتجربة السودانية التي قادها الترابي بعد خروجه من إخوان السودان وغير ذلك حتى من التجارب اليسارية في الجامعة التونسية وبعض التجارب التونسية الليبرالية) طامن من ذلك التوجه وسرعان ما جعل الحركة توسع دائرة إنفتاحها على كل ما تقدره مفيدا في التراث الإنساني العام. لم تكن العلاقة مع الزيتونيين متوترة ولكنها لم تكن في مقابل ذلك علاقة حركة إصلاحية تجديدية تونسية يتوجب عليها ربط الصلة بالإرث الزيتوني بما يستحقه ذلك الإرث مما جعل العلاقة في نهاية المطاف تتخذ الطابع الفردي حتى تيقظت الحركة إلى ذلك في تقويماتها اللاحقة وبدأت تستدرك شيئا من ذلك من خلال الكتابة حينا ومن خلال تعاهد بعض رموز الزيتونة الذين قبرهم بورقيبة في بيوتهم قبرا حينا آخر ثم رحل أولئك جميعا عليهم رحمة الله سبحانه. () ـ ما تقدم يحيل إلى سؤال هو : ما هو ـ إذن ـ المنهج الإصلاحي التغييري الذي إعتمدته الحركة؟ ذلك ما نتبينه بإذنه سبحانه فيما يأتي من حلقات. وحتى لقاء قابل . الهادي بريك ـ ألمانيا

من أجل ثقافة وطنية عقلانية ومستقبلية


بقلم:  بحري العرفاوي   على نخبنا التحرر من سلبياتها ومن التذرع بغياب الحرية ، كما على المشتغلين بالسياسة أن يتحرروا من أوهام « مؤامرات » الثقافة وأن يطمئنوا المثقفين والمبدعين بأن يستأنسوا بوجهات نظرهم ومقارباتهم وقوتهم النقدية. إذا كانت السياسة هي فن التعامل مع الممكن فإن الإبداع هو فن الدفع نحو المستحيل ، السياسة تتعاطى عادة مع الموجود والثقافي هو الأقدر على تفكيك الموجود وتلقف المنشود لكونه أكثر تحررا من ضغط الأحداث وتعقيداتها والتى يتصدى لها السياسيون بواقعية عملية. المثقفون ليسوا خصوما للسياسة بل هم فوانيسها يساعدون في كشف مواطن الخلل ويستشرفون المستقبل بروحانية متبصرة ومستبقة.
1) الثقافة: أهدافها ومضامينها
الأهداف هي عادة المحددة للمضامين ، والهدف الأقصى للثقافة هو بناء « الإنسان السوي » إنسان متوازن الشخصية في أبعادها الفكرية والنفسية والسلوكية، منجذب إلى وطنه متفتح على إبداعات العقل البشري منفتح على التنوع والإختلاف مترفع عن الأساليب الإكراهية المؤذية، معتز بانتمائه الجغرافي والتاريخي ، مدرك لخصوصيات واقعه وملامح عصره ، مستشرف لمستقبل أرقى ومشهد أنقى ، مؤمن بأن الإنسان هو الصانع للتاريخ وبأن الزمن هو وقود الحضارة. وحتى لا ينتهي العمل الثقافي إلى مجرد عمل مشهدي موسمي لا تتجاوز آثاره ترفيها عابرا أو لذة سطحية لا بد من ترسيخ تلك الأهداف بالقدر الذي يتحول معه النشاط الثقافي إلى فعل مؤسس لوعي وصانع لذوات .
تلك الأهداف على علاقة جوهرية بالمضامين وهنا ينتظر أن تكون المضامين ذات ارتباط بمعاني « الإنسان » بما يعمق الوعي بالهوية الإنسانية وخصوصياتها ، وكذا مضامين ذات ارتباط بالوطن والمواطنة والسيادة والرموز التاريخية ومعاني التمدن والتحرر والمسؤولية، إضافة إلى مضامين جمالية وقيمية. إن من أوكد مهام الثقافة تهذيب الذائقة وتنمية العواطف الإنسانية النبيلة وكشف علامات الجمال والإبداع في الطبيعة وفي إنجازات البشر، وهنا نشير إلى المخاطر النفسية والعقلية والقيمية التي تترتب عن ثقافة التهريج والفراغ والوهم التي يستسهل تقديمها من لا يدركون سلبية آثارها ، وربما استفاد الفارغون من استقالة العارفين، وهنا نسأل أسئلة مشروعة يُبيحها لنا الوطن: كيف تقبل دولة ذات طموح حداثي بتمويل مشاريع ثقافة الوهم والفراغ؟.
2) الثقافة ووسائل التبليغ
إن أبلغ وسائل الإبلاغ هي الحرية، إن الثقافة هي بذاتها وسيلة حين تكون تفاعلا وتثاقفا واختلافا وتنوعا وآداب حوار وانفتاحا على إبداعات العقل البشري ووعيا بجوهر الإنسان وبفعله في التاريخ ولا خوف من الحرية ولا من الكلمات فالثقافة مسؤولة بطبعها ولا يمكن أن تكون مصدرا لما ليس من طبيعتها . إن الثقافة قادرة على ابتداع وسائطها ووسائل تواصلها مع الحياة إذ هي فن صناعة الحياة ، ولعل النشاط الأقدر على تحريك نفسه والأقل عبئا على الدولة هو النشاط الثقافي يكفي أن تفتح له الفضاءات العمومية بما يشجع على المداومة الثقافية حتى لا تكون الثقافة أنشطة موسمية وحتى يتدرب الشباب خصوصا على فعل الإبداع والتفكير والنقد وآداب الحوار .   3) الخصوصية الثقافية والعولمة
إذا كان التونسيون ـ وككل الشعوب ـ معنيين بالعولمة في بعدها التكنولوجي والإقتصادي وحتى في بعدها السياسي الدولي، فإن الثقافة تظل استثناء في الكثير من جوانبها أو ما يمكن الإصطلاحُ عليه ب « الروح الثقافية » إذ لا يمكن الإدعاء بالإستثناء الثقافي المطلق لكون الثقافة هي طرائق عيش ولكون الكثير من وسائل عيشنا هي من إنتاج غيرنا ولا يخفى كون الحضارات المتفوقة تفرض بالنتيجة تفوق ثقافتها، ولنا أن نتأمل مثلا مفرداتنا في التعامل مع الوسائل والأجهزة وحتى الأغذية والملابس المستوردة إنها بالتأكيد مفردات الحضارة المتفوقة ، وهذا ما يبرر القول بنسبية « الخصوصية الثقافية » وحصرها في خصوصية  » الروح الثقافية » أي ما يتعلق بالقيم المعيارية أو الرموز التاريخية أو بعض العادات والتقاليد التي لا تمثل عائقا في طريق التحديث والإنفتاح الإيجابي .
قد تكون أبرز خصوصية يمكن الدفاع عنها وحتى إفادة الحضارات الأخرى بها هي القيم المتعلقة بجوهر الإنسان، قيم قادرة على تحريره من وطأة الثقافة الإستهلاكية التي تروجها ماكينة الإنتاج الرأسمالي إذ تبالغ في تأجيج غرائزه واستعداداته الإستهلاكية وهو ما يهدد بإفراغ هذا الكائن من روحانيته وقيمه الإنسانية ، ولا يخفى ما يمكن أن تنتهي إليه تلك الثقافة من  » حَيْونةٍ » للإنسان ومن تحول العلاقات بين الأفراد وبين المجتمعات والأمم إلى علاقات صدامية ، وكلما اتسعت النزعة الغرائزية اتسعت معها مساحات الصراع والإحتراب .
إن ثقافتنا مؤهلة فعلا  لتقديم ما ينفع البشرية وما يحد من مخاطر النزعات التوسعية والعنصرية ومقولات الصدام الحضاري والإحتراب العقدي … تلك الخصوصية ليست لمواجهة العولمة وإنما للإسهام في تهذيبها و »أنسنتها  » لكون « الإنسان » في ثقافتنا هو المفرد / الجمع وهو الكائن الرمز الذي تشترك كل التجارب الحضارية وكل الثقافات والمعتقدات في محاولة الإقتراب من ملامحه.
لقد أقامت الحضارة الغربية المعاصرة صرح الإنسان الطبيعي في معجزاته العلمية ورفاه معاشه وسرعة تواصله وعظمة اقتداره على مغالبة الطبيعة ولكنها مازالت عاجزة على نسج الوشائج الإنسانية بما يضمن التعارف والتعايش بين مختلف الأجناس والأديان ، ولعل ثقافتنا بما تكتنزه من معانٍ إنسانية وقيم التسامح والأمل ومبادئ الحرية والمساواة بإمكانها إسعاف الحضارة المعاصرة بفلسفة الحياة وروحانية إنسانية متسامية عن الأحقاد الدينية أو الطبقية أو العرقية. لا يمكن الدعوة إلى مواجهة العولمة إنما يجب التفكير في القدرة على النفاذ فيها بقيم إحيائية هي من روح ثقافتنا.   3) الخصوصية التونسية
قد يرى البعض أن الحديث عن خصوصية ثقافية تونسية هو انتزاع لها من عمقها الحضاري والديني والجغرافي لكونها جزءا من أمة عربية أو إسلامية لها ما يربطها بأقطار كثيرة من مشتركات تاريخية وروحانية ، مثل هذا الموقف يمكن تأكيده نظريا ، ولكن لما كانت الوقائع والأحداث المعاصرة على غير ما كانت عليه منذ قرون سابقة أصبح مشروعا طرح أسئلة حقيقية حول جدوى الخصوصية الوطنية سياسيا واقتصاديا وثقافيا. إن الثقافة ليست بمعزل عن الحوادث والتقلبات في ظل واقع دولي رخو ومعقد الفخاخ والنتوءات ، لقد أصبح كل معنيا بحماية « خيمته » لا يدري من أين تطالها النار…القول بوجود مشتركات في « الكليات الثقافية » لا يمنع البحث عن خصوصيات تفرضها مكونات سياسية واقتصادية واجتماعية ،هذه الخصوصية لا يمكن أن تكون انطوائية أو صدامية مع أحد من القريبين أو البعيدين فليس ذلك من طبيعة الثقافة قط، إنما هي خصوصية مؤتلفة مع نفسها وفي ذات الوقت متفاعلة مع غيرها توسيعا لمساحة فعل ثقافة الحياة ومساحة التعارف والتدافع بين الشعوب والأمم. وهنا ننبه إلى المزالق التي يمكن أن يوقعنا فيها أولائك الذين يُمارسون إكراهات إيديولوجية على الثقافة الوطنية مُستغلين مقولة « الخصوصية » . فالثقافة أرحب من ألإيديولوجيا وأرحب من السياسة، إنها أنفاس الوطن ونبع مائه وبريق شمسه وأثقال غيومه.
الإكراهات الإيديولوجية على الثقافة تجردها من خاصيتها الجامعة لأبناء الوطن وقد تصنع لها خصوما وربما لجأوا إلى « ثقافة » يعتقدونها بديلة أو محققة لانتمائهم الرمزي خارج انتمائهم الوطني وتلك علامة تستبطن أكثر من سؤال وتضمر ما ليس من جنس الثقافة. خصوصية بلادنا تتيح لها ثقافة مؤتلفة مع نفسها ومحصنة من كل عوامل التآكل والتنافي، بلادنا متجانسة عقديا وتاريخيا وليس بها تعدد ديني أو مذهبي أو عشائري ويفترض ألا يكون الإختلاف السياسي والإيديولوجي مؤثرا سلبيا على تجانسها ذاك.   4) الإستثمار في المجال الثقافي
« الإستثمار » مصطلح من قاموس الإقتصاد وما يحيل إليه من دوافع الربح، وقد لا تكون وسائله دائما من طبيعة الثقافة بما هي فعل تهذيب وكشف للمعاني ودربة على نحت ملامح الإنسان في مختلف أبعاده.
فهل يمكن أن تكون الثقافة تحت رعاية المؤسسات التجارية أو مشاريع الإستثمار الفلاحي ؟! ربما يكون ذلك ممكنا حين يكون للمستثمرين أولائك وعي عميق بجدوى الثقافة وحماسة كافية لدعم الأعمال الثقافية الإحيائية دون احتساب مسبق لاحتمالات الربح أو الخسارة  ـ بالتقدير المادي ـ إذ المشاريع الثقافية الجادة هي بالتأكيد مكسب وطني وإنساني ولا ضير فيما لو التقت أهداف الثقافة وأهداف بعض المستثمرين حتى وإن لم تكن دوافعهم ثقافية. ولكن الذي يُخشى هو أن يقع تسخير الثقافة في خدمة المستثمرين حين يُمسكون بعصبها الحي وهو التمويل. وهنا ننبه إلى أن تسليم « رقبة » الثقافة إلى المستثمرين هو انتهاء بها إلى  » يُتم » بل أكثر من ذلك إذلال للمبدعين والمثقفين. إن الثقافة لا يُذلها أن تستمد وقود حركتها من الدولة ولا يجد المبدعون حرجا في تلقي تمويلات مشاريعهم من المال العام إذ يشعرون بكونهم ليسوا تحت سلطة رأس المال ـ حتى وإن كان وطنيا ـ .
الدولة هي المؤتمنة على مصالح العباد الثقافية والإجتماعية والأمنية فلا يمكن أن تترك الثقافة مجالا للإستثمار بدلالاته الربحية المادية، كما ننبه إلى كون هذا الخيار سيسمح للإيديولوجيات بتطويع الثقافة وهو ما يهدد استقلالية المثقفين وحريتهم الإبداعية بل وقد تتولد عنه صراعات تبدو ثقافية ولكنها في جوهرها إيديولوجية.
(المصدر: صحيفة  » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 142 بتاريخ 18 جوان 2010)  

مائدة مستديرة حول كتاب الأستاذ عياض بن عاشور الإصلاح في الإسلام بين اجتهاد العلماء وضغط الجمهور


محسن المزليني لماذا كلما ظهر فكر تنويري في تاريخ الإسلام إلا وانتهى بالفشل؟ ذلك كان السؤال الإشكالي الذي حاول الأستاذ عياض بن عاشور الإجابة عنه بتأليفه لكتاب « في أصول الأرثودكسية السنية » والذي كان محور الندوة التي نظمها « منتدى الموقف » يوم الجمعة 4 جوان الجاري وحضرها إلى جانب المؤلف عدد غفير من الأساتذة و المثقفين ونشطاء المجتمع المدني.

 في بداية الندوة التي أدارها الأستاذ رشيد خشانة رئيس تحرير « الموقف »، تولى الأستاذ لطفي حجي تقديم قراءة للكتاب لم تعتمد الطرق التقليدية في تتبع محاوره وإنما كانت قراءة ذاتية رصدت مواطن الجدة وتركزت على أهم الأفكار من خلال منهجية التفكيك، ثم إعادة التركيب، منطلقا من سؤال محوري هو « ما الذي يتبقى عالقا بالذهن من أفكار بعد إتمام قراءة الكتاب؟ »… وهو كتاب مهم، بنظر حجي، طالما أنه يتعرض إلى ما سماه المؤلف « الأرثوذكسية « السنية باعتبارها الفكر المهيمن في الفضاء الإسلامي. وهي منظومة تفكير منتشرة منذ قرون ومازالت تعتبر المرجع لأكثر من 80 بالمائة من مسلمي العالم.  
ثلاثية السلطة والعلماء والعامة
أما عوامل تجذر هذه المنظومة واستمرارها بهذا التأثير القوي فيعيده ابن عاشور إلى تحالف ثلاثة عناصر رئيسية هي السلطة والعلماء والجمهور أو العامة كما يسميها الفقهاء. لقد سمح هذا الحلف الثلاثي بمأسسة هذه المنظومة ماديا ورمزيا ومكنها بالتالي من ضرب جذورها في عمق المجتمع مؤسسات ومخيالا حتى صار إمكان اختراق بنيتها صعب المنال، إذ كلما أبدى أحد العناصر نزعة إلى الخروج عن « الطاعة » سارع العنصران الآخران بكافة إمكاناتهما ومواردهما إلى إعادته إلى « الجادة ».  وحتى العامة، الذين يعتقد البعض أنهم مجرد « دهماء » في تاريخنا السياسي والاجتماعي، كانوا في كثير من الأحيان الجدار الذي تكسرت عليه أكثر من محاولة تغيير سياسي أو ثقافي، إذ كثيرا ما يتبنى هذا الجمهور تفسيرات العلماء وينتمي لها انتماء دون أي قدرة على التمييز بينها وبين تعاليم الدين الأصلية، فيضطر العلماء والسياسيون إلى مراعاة هذا المعطى الذي يتحول إلى عائق في وجه أي مسعى للإصلاح. كذلك الشأن بالنسبة للعلماء الذين يقيمون نوعا من التحالف المعلن أحيانا والضمني أحيانا أخرى مع السلطان لمراعاة تفكيرهم والمحافظة عليه. ومن هذا المنطلق، وفي إطار هذا التحالف الثلاثي تتحول أقوال المفسرين وتأويلاتهم إلى رأي مهيمن تفوق النص الديني الأصلي وتخلق ما سماه ابن عاشور أرثودكسية سنية، أي منظومة دينية رسمية ضاغطة لها منظروها ومفسروها ومؤرخوها، وهؤلاء هم الذين شكلوا النظرية السياسية السنية  التي لا تخرج عن هذه المراجع .
إسلام الفرقة الناجية
أما المستوى الثاني لهذه المنظومة المغلقة فمفاده تحول الأمة، بسبب غياب كنيسة في الإسلام، إلى القيام بدور الراعي للإيمان، لأن العلاقة بين مكونات الجماعة ضمن هذه المنظومة لا تتأسس على مفهوم المواطنة وإنما على مفهوم الإيمان. وبذلك يصبح دور الأمة هو المحافظة على الإيمان بحيث كلما وقعت محاولات للخروج عن هذه المنظومة إلا وتصدت لها الأمة بكل قواها.
لقد شكلت هذه المنظومة السنية هيمنتها من خلال مجموعة من المفاهيم مثل القول بتبني تصور لإسلام نقي أو ما تطلق عليه الآثار « بيضة الإسلام » وما يستوجب ذلك من ضرورة المحافظة عليها. فهذا الإسلام النقي يصبح هو الإسلام السائد وكل من يخرج عنه يتعرض إلى مواجهة من أجل الحفاظ على هذه البيضة، فيما شكل مفهوم الفرقة الناجية، الآلية الثانية للهيمنة، إذ باتت الأرثودكسية تعتبر نفسها الفرقة الناجية وتستبعد البقية من حظيرة الإيمان، وهنا نصل إلى الآلية الأخطر أي التكفير باعتباره سلاحا فعالا استعمل منذ القرون الأولى ويتواصل إلى الآن .
شكلت هذه المفاهيم الثلاثة: بيضة الإسلام والفرقة الناجية والتكفير عائقا وجدارا إسمنتيا أمام كل محاولات إصلاح الفكر السني. وبذلك نفهم  قدرة المنظومة الأرثوذكسية  على الصمود، وهي  التي  مكنت هذا الفكر من الاستمرار، ما دفع بالمؤلف إلى تأكيد أن الإسلام الأصولي السائد اليوم لا يبتكر فكرا جديدا وإنما له جذوره عند مفكرين مثل الأشعري والباقلاني والغزالي وابن تيمية..
ارثودكسية الأمس وأصولية اليوم
كما يتداخل في إطار هذه الأرثودكسية الفكر الحركي الميال إلى السياسة مع آراء شيوخ الدين الذين لا يهتمون، ظاهريا على الأقل، بالسياسة طالما أنهم يستمدون مرجعياتهم من نفس المنابع الفقهية والفكرية…هذه تبدو من النقاط المهمة في الكتاب: التداخل بين القديم والحديث وبين الشيوخ والإسلام السياسي. فعياض بن عاشور يجزم حسبما اورد حجي  أنه من الخطإ الاعتقاد أن شيخا من جامع الزيتونة أو من جامعة القرويين أو من الأزهر يمكن أن يخالف أو يتناقض مع أطروحات محمد رشيد رضا أو حسن البنا أو سيد قطب أو أبي الأعلى المودودي. إنهم يتقاسمون نفس القناعات ويعمل كل واحد منهم حسب إمكاناته وحساسياته وظروفه لنفس الهدف، فالخلاف بينهم في الممارسة السياسية وليس في القيم.
أما النقطة الأخرى التي توقف عندها حجي في جولته الفكرية بين ثنايا الكتاب فهي اعتبار المؤلف أن التفسير السني للنظرية السياسية ربط كثيرا بين الكتاب والسيف أو القرآن بما هو مصدر للفكر والتشريع، والسيف بما هو رمز للقوة.  وهذا يعني حسب هذه المنظومة أن الإسلام لا يصلح حاله ولا يستقيم إلا إذا ارتبط بقوة سياسية عسكرية هي التي تتولى إقامته على امتداد السنين وتذود عنه وعن الشريعة… وتلك إحدى نقاط قوة الأرثودكسية السنية.  وأضاف حجي أن ابن عاشور طرح منذ بداية الكتاب أسئلة جوهرية تتعلق بصلة التفجيرات الإرهابية في عدد من البلدان الإسلامية والغربية في السنوات الأخيرة، بما حدث في التاريخ الإسلامي مثل ثورة القرامطة وما قام به ابو طاهر وجيشه سنة 318 هجري باحتلال الحرم وقتل الحجيج وسرقة الحجر الأسود، ورمي الحجيج في بئر زمزم….الخ.. وهي أسئلة جريئة منطلقها التمييز بين النص الأصلي وتأويلات الفقهاء المتعددة.
المسلم الممزق
كما توقف لطفي حجي عند ما سماه المؤلف « المسلم الممزق » الذي تنتجه الأرثوذكسية السنية:  تمزق بين النقل والعقل، وبين الدولة المنشودة والواقع الموجود أو المعيش، فهذه المنظومة تتكلم عن الخليفة وعدله والحق وإرجاعه لأصحابه بينما يرزح الواقع تحت كل صنوف الظلم والاستبداد. وانطلاقا من هذا الواقع يعيش المسلم الاستبداد لكنه يحلم دائما بإقامة عدل صعب المنال… أما المستوى الثالث فيتعلق بتمزق « المسلم الحزين » بين الدولة القائمة وبين الجماعات الأصولية التي تعارضها.
كما تتسم هذه الأرثوذكسية بعدم تطابق خطابها مع منظومة حقوق الإنسان لتناقض المنطلقات والمقدمات الأساسية بينهما، وحتى المحاولات التوفيقية باعتماد قياس الشاهد على الغائب لم تستطع جسر الهوة بين المنطقين.
وكانت مسألة الحرية آخر الأفكار التي احتفظ بها لطفي حجي في قراءته للكتاب ومفادها أن السبب الرئيسي لعدم تفكك المنظومة الأرثوذكسية والذي أعاق أي عملية إصلاح ديني في بلداننا إنما هو غياب الحرية. وهو ما دفع ابن عاشور إلى التأكيد أن إصلاح هذه المنظومة سيأتي من الغرب لأن الغرب شكل للمسلمين فضاء للحوار ولتناول التشريع الديني بأكثر جرأة مستعملين في ذلك أداتين الأولى هي الحرية التي وجدوها في بلاد الإقامة وكذلك المناهج الإنسانية التي قرأت الفكر الديني المسيحي في سياقات أخرى ومكنته من أن يتجدد.  
وقد كان الأستاذ بن عاشور واضحا وقطعيا في هذه النقطة حين أعلن في خاتمة كتابه أن  » الغرب ليس الأنوار فحسب بل إن الأنوار تأتي من الغرب ».. وفي ختام المداخلة تساءل حجي إن كان عياض بن عاشور بتحميله الأرثوذكسية السنية كل شرور العالم الإسلامي، قد أغفل الوجه الآخر للاستبداد وهو ما يسميه البعض « بالاستبداد الحداثي » حين تولت السلطة في الكثير من البلاد العربية والإسلامية الفئات المتخرجة من أرقى الكليات والمعاهد الغربية، والتي مارست صنوفا من القمع ونمطا من الحكم لم يقل بؤسا عما سبق ممارسته في التاريخ الإسلامي الوسيط إن لم يكن فاقه في بعض الأحيان؟ وهو فصل آخر من الكتاب قال حجي انه لا بد أن يكتب حتى لو لم يكتبه الأستاذ عياض بن عاشور كي يكتمل وجها العملة.  
الأستاذ أحمد نجيب الشابي: إصلاح أم قطيعة
أشاد الأستاذ أحمد نجيب الشابي في بداية تعقيبه على الكتاب قائلا « لم أجد كتابا على هذه الدرجة من الإحاطة بالموضوع وسعة العلم ودقة التحليل في كل ما قرأت من الكتب التونسية سوى كتاب « مقاصد الشريعة الإسلامية » للشيخ محمد الطاهر بن عاشور ويتميز كتاب الأستاذ عياض بن عاشور إلى ذلك بإطلالة وإحاطة بعيون الفكر الغربي الحديث في ميدان التشريع والفلسفة والتاريخ. ثم تطرّق إلى مضمون الكتاب فقال أن الكاتب بعدما عرف بالجماعة السنية (جمهرة المسلمين الذين رفضوا الانخراط في مختلف الصراعات الدامية التي تلت مقتل عثمان) وبظروف نشأتها (الصراع ضد الشيعة والخوارج والمعتزلة وغيرها من الفرق)  والقوى التي ساهمت في تشكلها (السلطة والجمهور والعلماء) وقف عند نظرة الإسلام للوجود البشري فقسم الكائن البشري إلى إنسان وبشر الأول أزلي كان في السماء وإليها يعود أما الثاني فهو دنيوي تاريخي يواجه الحاجة ويعمل على تلبيتها بما يهيؤه إلى ملاقاة خالقه والظفر بعفوه وغفرانه،  وفي سياق هذه النظرة تقوم الجماعة الإسلامية (أو الأمة) كرابطة روحية يختلط في حياتها السياسية والتشريعية البعد الديني بالبعد الدنيوي ويندمج. في ضوء هذا الإطار الفلسفي  وقف الكاتب على الخصوصيات المميزة للمذهب السني وخصص فصولا من بحثه لقضايا جوهرية كمسألة نظام الحكم ومنزلة الأقليات الإسلامية وغير الإسلامية في النظام السني ومسألة العنف  ووضع المرتد  وساءل الكاتب المقولات السنية الرسمية (الارتودوكسية)  من وجهة نظر ما توصل إليه الفكر المعاصر في كل هذه الميادين. وشدد الشابي على أن الكاتب أنصف المذهب السني في عرض موقفه من كل هذه القضايا فلم يتحامل عليه ولم يحاكمه من خلال نصوص متفرقة أو معزولة عن السياق التاريخي بل عرض مختلف وجهات النظر من كل هذه القضايا بالعودة إلى أكبر مفكري السنة وأيمتهم وبين في كل موضع أهمية الظرفية التاريخية وتحكمها في قراءة النص وتأويله فالإسلام مثلا ليس عنيفا بالطبع ولا كان عنيفا في كل مراحله ولا هو أكثر ميلا للعنف من غيره من العقائد السماوية لكن الظروف التاريخية الخصوصية هي التي حملت السنة على تبني هذا التأويل أو ذاك.  وكذلك الأمر بالنسبة لنظام الحكم فهو يقوم عند السنة على عناصر مميزة كاختيار الأمام من قبل الجماعة وقيام عقد الخلافة بينهم وبينه وشمول هذا العقد للأقليات غير الإسلامية مع تغير وضعها،سلبا وإيجابا، حسب تغير الظروف. وانتهى الشابي إلى طرح سؤال على الكاتب الذي اعتبر في العديد من المواقع بأن العنصر الحاسم في الحداثة هو الفصل بين الديني والسياسي وأشار إلى أن كبار مفكري العصور الحديثة من أمثال مارتن لوثر وتماس هوبس وجون لوك ومنتسكيو وروسو وتوكفيل وستويرات ميل لم يقابلوا مطلقا بين الدين والدولة أو اعتبروا أن الفصل بينهما شرطا من شروط الحداثة بل أن الثورة على البابوية تمت بالعودة إلى الدين المسيحي واعتبار أن البابوية بدعة ولا أصل لها في الدين وكانت دعوتهم للملوك أن يتخلصوا من حكم البابا و أن يجمعوا بين أيديهم السلطة الدينية والدنيوية في آن وبهذا المعنى فإن ثورات الحداثة كانت ثورات اجتماعية وقومية ضد امتيازات الكنيسة الرومانية وحكم روما. وانتهى المتدخل إلى التساؤل قائلا: هل من شروط الحداثة في بلداننا أن نتخلى عن هويتنا الإسلامية والعلاقات التي تميزها في علاقة الدين بالدولة أم أن إصلاح هذه المنظومة استنادا على الخيارات التي يفتح عليها الفكر الإسلامي في تعدد قراءاته وتأويلاته كفيل بضمان حقوق الإنسان ومنها تحقيق قيم المواطنة وحرية المعتقد ونبذ العنف والقهر في العلاقات الاجتماعية وإقامة الديمقراطية دون أن يمر ذلك وجوبا عبر مواجهة ثقافية-عقائدية  بين الدولة والمجتمع السني وأشار إلى أن مسار الحركة الإصلاحية منذ منتصف القرن التاسع عشر وما تحقق من إصلاحات في ميدان القضاء والتشريع والتعليم والمرأة قد يوحي بأن الجواب بالنفي أقرب إلى الواقع التاريخي.
ثم تناول الكلمة الباحث الجامعي جابر القفصي الذي اعتبر أنه من الخطإ الجسيم الحديث عن إسلام محدّد متفق عليه، فهناك مذاهب فقهية متعددة وأخرى كلامية متناثرة، وهناك إسلام المتصوفة وآخر احتجاجي وإسلام يومي يندرج ضمن ما بات يُعرف بالتدين الجديد حيث يدبر الإنسان بنفسه شأنه الديني دون أن يستشير الفقهاء. واعتبر أنه من الظلم بمكان رؤية الفكر الإسلامي على أنه فكر جامد لا يمسه التبدل في حين أنه يتسم بتعدد كبير غير مدرك بفعل التعتيم عليه. ودعا القفصي إلى ضرورة تطبيق العلمانية لأنها ستحمي الدين من تدخل السلطة التي تحدد الآن الخطبة الجمعية وكل ما يتعلق بالشأن الديني عند المواطن التونسي.  أما الأستاذة سناء ابن عاشور فطرحت جملة من الأسئلة او الهواجس كما سمتها حول كيفية تحقيق الديمقراطية بدون طمس المشاعر أو الضمير الديني للمجتمعات العربية وحول كيفية الجمع بين السعي لتحقيق سيادة الشعب أي الركن الأساسي في الديمقراطية وبين القول بالسيادة الإلهية؟ كما أكّدت على ضرورة التركيز على الإسلام التاريخي، لأن الإسلام الجوهري أو النقي لا وجود له في أرض الواقع.
في حين ناقش الأستاذ فوزي بن مراد تأكيد الأستاذ أحمد نجيب الشابي على البند الأول من الدستور التونسي، بينما ركز الأساتذة المنذر الشارني والعياشي الهمامي وشاكر الحوكي على بعض ما جاء في الكتاب من قضايا مثل العنف والعلمانية وغيرهما…
رد الأستاذ عياض ابن عاشور: العلمانية لا تعني إقصاء الدين من المجال السياسي
أكد الأستاذ ابن عاشور في رده على الأسئلة والمداخلات أنه لم يدع  قط في أي سطر من سطور الكتاب إلى التخلي عن العقائد الدينية لأن العلمانية لا تهدف إلى إقصاء الدين من المجال السياسي، فهو بنظره أمر مستحيل، وأنها إن دعت إلى ذلك فلن تكون أكثر من دعوة طوباوية أو تعبير عن جنون دولة ما… فالعلمانية التي يدعو إليها هي تلك التي تحترم فيها الدولة العقائد الدينية وبالأخص العقيدة السائدة. أما الفصل الذي تحدث عنه فإنما يتعلّق بفهمنا للدين لا بإقصائه من الواقع الاجتماعي والسياسي. فلا يعني ذلك أبدا فصل الدولة عن الدين كعقيدة وإنما عن الدين كتشريع يجب تطبيقه. وهذا المزج، هو بنظر ابن عاشور لا يتطابق مع الحداثة لأنه سيؤدي بنا حتما إلى مفهوم الردة وتطبيق الحدود وإلى الفتاوى المتعلقة برضاع الكبير وغيرها، مؤكّدا أن الدولة التي تفصل بين الضمير والتشريع هي التي ستحترم المؤمن وغير المؤمن، أما تلك التي هدفها الوحيد إقحام التشريع الديني في التشريع الوضعي فلن تقوم إلا على العنف و كبت الحريات، وكل ما شاهدناه من تقتيل هو بسبب هذا المبدأ، كما قال. وأوضح أن الفصل الذي يعنيه لا يعني أبدا فصل الدولة كحكم والدين كعقيدة بل فصل الدولة عن الدين كتشريع. وأضاف المؤلف أن الأسئلة الأساسية التي دفعته إلى التفكير في هذا المبحث هو لماذا كلما ظهر فكر تنويري في تاريخ الإسلام إلا وانتهى بالفشل،  وكيف نفهم أن مفكرا وفيلسوفا مثل ابن رشد عرف شهرته في غير البلاد العربية؟ مؤكدا أن الرشدية كمدرسة ظهرت في أوروبا وليس في العالم العربي لأن في هذا العالم الأخير خلف ابن رشد شخصيته فقط وليس مدرسته، وأضاف « أقول دائما أنه إذا كانت للديكارتية فضلا يذكر في أوروبا فهذا لا يرجع إلى ديكارت كشخص وإنما للديكارتية كمدرسة » ملاحظا  أن الرشدية كونت مدارس في بولونيا وباريس وطليطلة، فكانت أساس الحداثة الأوروبية، في حين بقيت غريبة في ارضها ومنبتها. لم تكن الرشدية، حسب ابن عاشور  منافية للدين ولكنها كانت تخضعه إلى التفكير والبحث في كافة تفاصيله.
 
وهذا ما لا يتوفر في العالم العربي الذي لم يسمح أي بلد فيه بأن يبلغ هذا البحث مداه. بل مازالت كثير من البلدان العربية تحكم بالإعدام بعلة الردّة، وأن قوانين الأحوال الشخصية مازالت تعجّ بأحكام لا يقبلها الفكر الحديث، كما قال. وأضاف « لذا عندما أدعو إلى الفصل بين الدين والدولة فإني لا أدعو إلى ذلك بمعنى أنه يتعين علينا أن نلغي الفصل الأول من الدستور أو أن نبعد الإسلام عن المجتمع، فهذه دعوى غير واقعية » وأكّد أنه من المنادين بوجوب احترام الدين السائد ومع احترام الأقليات الدينية إن وُجدت، كما أنه من الداعين أيضا لاحترام غير المؤمن، لان الايمان، حسب رأيه، هو مسالة فلسفية وبالتالي فعندما لا تحترم الدولة الإسلامية حق المسلم في الخروج عن دينه تكون بذلك ارتكبت فعلا سياسيا سلبيا هو عدم احترامها لحرية المعتقد، مضيفا أن القطيعة يجب أن تكون مع هذا المفهوم المتصلب للشريعة الذي يريد أن يطبق القواعد الذي وضعها مالك أو الشافعي أو أبو حنيفة على مجتمعات القرن الواحد والعشرين.وذكر ابن عاشور أنه بصدد إعداد كتاب سماه الفاتحة الثانية فكرته الأساسية هي « أن السلام فيه جانب فقهي تناوله القدامي بالتحليل وكان عنده حضور معلوم في المجتمات الإسلامية، أما اليوم فيجب أن نبحث عن حلول أخرى، لأنه في زمن صارت فيه فلسفة حقوق الإنسان المرتكز الأساسي في التشريع فلا يمكن للمجتمعات الإسلامية أن تتشبث بقواعد فقهية أحدثها الفقهاء.. الفاتحة الثانية تتعلق بآيات قرآنية لا علاقة لها بالتشريع، تحمل رسالة خلقية إلى الإنسانية عامّة » معتبرا أنه بذلك يستعيد نفس المنهج الذي اعتمده النص الإسلامي. فطوال المرحلة المكية ارتكز النص على محاربة جملة من العادات غير السوية وغير الإنسانية مثل وأد البنات. وتساءل: لم لا نواصل نحن بنفس العقلية والمبدإ الإنساني الذي نستشفه من المرحلة المكية، ولماذا ننشغل بدل هذا الهم الإنساني العام بكيفية النوم والأكل واللباس والعطاس… وننسى جوهر الإسلام؟ مشددا على ضرورة أن نختار من الإسلام ما يتماشى مع العالم الحديث ومع فلسفة حقوق الإنسان، وهذه الفلسفة هي المكون الأساسي للحداثة.
 الموقف عدد 550 بتاريخ 11 جوان 2010  


الدين والحداثة .. وما بعدها  ( 6 )


عبدالباقي خليفة سبب الاحباط في الغرب من الحداثة ، وإقدام الكثير من مفكريه على نقد تلك المرحلة ، والبحث عن خيارات جديدة من خلال نقد الحداثة الغربية ، سبب ، حالة من فقدان التوازن لدى الحداثويين في البلاد الاسلامية ، والتي كانت مختلة أصلا . وعوض أن يراجعوا مسلماتهم السابقة التي بدأ يشكك فيها داخل منابعها الأصلية  ، تشبثوا بها أكثر . وعمموا مفهوم الفن على الحياة بأسرها ، فالثقافة ، والسياسة ، والاجتماع ، لا ترسم كما ترسم اللوحة . والمفهوم اللغوي يكون خداعا غالبا ، إذا لم يضبط بالمصطلحات الدلالية ، وتناقش هذه المصطلحات مناقشة علمية مستفيضة ، تزيل الغموض عن الطلاسم المخفية للطوطم . فالعلمانية أو العالمانية لا تعني العلم ، والحداثة لا تعني التجديد أوالجديد . وما يستجد لا يفصل الملايين بالضرورة عن تاريخهم وعاداتهم ، واحتلال الصهاينة لفلسطين بمقولات تاريخية لم تثبت علميا ، جزء من ذلك. بل نجده كما يبدو في عودة الصينيين إلى ما قبل الشيوعية واحياء التراث الامبراطوري ، وعودة المعسكر الشرقي إلى جذوره الارثذوكسية ، وعودة الدين إلى السياسة الغربية ، وهي من أكبر مظاهر ما بعد الحداثة . أما التغييرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، فهي جارية منذ أوجد الانسان على الأرض وستستمر ولا أحد يجادل في ذلك ، رغم كل المقولات التضليلية . ولكن ولأسباب ايديولوجية اخترع اسم الحداثة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر لمحاربة الكنيسة ، واتخذ طابع الايديولوجية أو الدين كما يبدو من حماس الحداثويين عندنا . وكما هو معلوم ، هناك من يربط الحداثة باختراع غوتنبرغ لآلة الطباعة ، عام 1436 م وهناك من يربطها بالحركة اللوثرية داخل الكنيسة سنة 1520 م وهناك من يربطها بالثورة الفرنسية سنة 1789 م وغيرهم بالثورة الأمريكية سنة 1776 م والبعض يربطها بظهور كتاب سيغموند فرويد  » تفسير الاحلام  » سنة 1895 م . ولا نعرف إن كان من حسن الحظ أو سوئه أن يختار الحداثيون العرب ، ولا سيما في المغرب الاسلامي ، الثورة الفرنسية كمرجع لحداثويتهم رغم دمويتها وتصفية الثوار لبعضهم بعضا من كاميل ورولان إلى روسبير .
أما الحداثة البريطانية فإنها جعلت الملكة حامية وحارسة للنصرانية . وإذا عدنا لمقولة كانط  عن الحداثة سنة 1784 م وهي  » خروج الانسان من حالة الوصاية التي تسبب فيها بنفسه والتي تتمثل في عجزه عن استخدام فكره دون توجيه من غيره  » نجدها تتوافق تماما مع نداء التوحيد  » لا إله إلا الله  » والتي تعني خروج الناس من عبادة العباد والأشخاص إلى عبادة رب العباد . أما الانسان الذي  ينظرون إليه كما لو كان لوحة يرسمونها بأيديهم باسم الحداثوية ، ويعطونها حياة اللامعنى على الصعيد الفلسفي فهو ليس إلها لا حقيقة ولا مجازا حتى في تصورهم عند التدقيق . فالانسان الإله الذي دعا إليه نيتشه وسارتر لم ولن يكن ، أي أن يكون الانسان إلها بحد ذاته ، وإنما هناك آلهة قليلين وعبيد كثر ، والحداثويين يريدون أن يكونوا آلهة يعبدهم الناس ، كما كان المصريون القدامى يعتقدون في فراعينهم بأن نصف أحدهم إله ونصفه الآخر بشر، والذي تطور فيما بعد إلى ما يعرف اليوم باسم الناسوت واللاهوت في النصرانية  . وإذا كانت العدالة الاجتماعية والمساواة هي ديدن من يوصفون بآباء الحداثة في الغرب ، كديكارت ، وتوماس مور ، وكانط وماكس ويبر وغيرهم ، فإن الحداثويين عندنا ليس لهم أي نصيب على هذا الصعيد ، لا سيما بعد انهيار الكتلة الشرقية وسيطرة الرأسمالية المتوحشة على العالم .  
كان نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي يؤمن بأن الله خالق الكون ، وأنه هو الذي خلق قوانين الفيزيا الحركية أو الميكانيكا ، إلا أن فهمها أو دراستها يمكن أن تتطور بدون العودة إلى الانجيل . وهذا ما يقوله الاسلام ، فالقرآن يدعو للتدبر والتفكر والارتقاء في المعرفة وفي الحديث  » لو تعلقت همة المرء لما وراء العرش لناله  » وهو كما نفهمه يتحدث عن قوانين الميكانيكا ، خلاف ما كان يحدث في النصرانية . لذلك نحن لسنا في حاجة لايديولوجية حداثوية قطعا . الاسلام يثبت أن قوانينه الاجتماعية ، ومبادئه الاقتصادية ، وهديه في السياسة ( الثقة ) قابلة للنقاش وجاهزة للمناظرة ، مما يجعله القيمة الحضارية لما بعد الحداثة في الغرب والشرق على حد سواء . والاسلام ليس ضد الحوار ومناقشة قيمه ، وليس ضد العقلانية بمفهومها اللغوي غير الايديولوجي أو بالاحرى الديماغوجي .ويؤمن الاسلام بأن الانسان يمكنه أن يستوعب كيفية عمل الأشياء ويمكنه أن يغيرها . وتعاليم الاسلام لا تقف حجرة عثرة أمام العلم والبحث،  ويمكن مراجعة أي شئ على ضوء العلوم الصحيحة ، بالتأويل ، ودون الحاجة للصدام بين العلم و( الايمان ) كما حدث في الغرب . ولذلك يجب على الحداثة أن تأخذ منحى آخر في بلاد المسلمين . ومع تراجع اطلاقات داروين ، وفرويد ، ونيشه ، ودوركايم ، والكثير من الاطلاقات يكون من اللاعقلانية عدم إعادة النظر في المقولات المتعلقة بالحداثوية .
لا يجب نقد الحداثوية فحسب ، بل يجب أن تعدد الجرائم التي ارتكبت باسمها ضد المسلمين . فالحداثة في الغرب ( الجانب الديماغوجي والفلسفي الايديولوجي ) لم تمنع الاوروبيين من احتلالنا ، وتبرير كل الفضائع بحق المسلمين في القارات الخمس . فميكافيلي وهوبز من رموز الحداثة الغربية ، فأي نفاق تعلمنا إياه الحداثوية . لقد حولت الثورة الفرنسية  » العقد الاجتماعي  » لجان جاك روسو من دعوة لتنازل المواطنين عن بعض حقوقهم لصالح الحكومة إلى استعباد واسترقاق يبدو اليوم ماثلا في البلدان التي تتشدق بالحداثوية مثل تونس على سبيل المثال . لقد اشترط روسو ذلك التنازل بموافقة الشعب ، ولكن الشعب تم إلغاؤه على يد الحداثويين ، ولا تجد اليوم أي حداثوي يتحدث عن الشعب فضلا عن الأمة ، بل يخاطبون السلطات لفرض القوانين ، وتكميم الأفواه ، وقطع الارزاق ، ومصادرة الحريات ، تحت لافتة الحداثوية . يتبع بعون الله ….   العالمانية تؤكد معادتها للتشريع الاسلامي :
ويقول البعض أن العلمانية ليست ضد العقيدة وإنما تستبعد التشريع الاسلامي ، أي أنهم يريدون أن يفصلوا الاعتقاد عن العمل ، إذ أن تحريم الخمر تشريع ، والحجاب تشريع ، وصوم رمضان والصلاة والحج تشريع ، وفصل القول عن العمل ، هو إفراغ للاسلام من مضامينه ، وهذا أمر لن يقبل به المسلمون أبدا  » و  » إذا كانت العلمانية هي فصل القول والاعتقاد عن العمل ، فهي ضد الدين بدون أي محاولات للتعمية والاختفاء وراء الكلمات الملتوية  » وكان ارتداء الحجاب في كوسوفا ، قد أثار مقولة  » العلمانية في امتحان  » ورد أنصار الحجاب بأن  » الديمقراطية والحريات العامة والحرية الدينية ، في مقدمتها ، في امتحان  » بل هناك من أنصار الحجاب ، من رفع شعار  » الانسانية في امتحان  » معتبرا الهجمة على الحجاب  » تعبير عن ضيق أفق ، وعن كراهية دينية ، وعودة بالعالم إلى عهود الظلم والقهر بأسماء خداعة  » . ومن الخداع ما ذكره أحد أنصار فصل التشريع عن الدين ، وهو وزير الثقافة التونسي السابق عياض بن عاشور حيث قال في كتاب له صدر حديثا أن  » الدين كتشريع ، يجب تطبيقه،  ينبغي فصله عن الدولة  » وأن المزج بين التشريع والدولة لا يتطابق مع  » الحداثة  » .  


قليل دائم خير من كثير منقطع


هذه الحكمة أو المقولة الماثلة في العنوان تنبع من توجيه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم المنبّه إلى أنّ أحبّ الأعمال أدومها وإن قلّ، فقد أجاب صلّى الله عليه وسلّم لمّا سئل: أيّ الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أدومها وإن قلّ. وقال: اكلفوا من الأعمال ما تطيقون!… أي ألزِمُوا أنفسكم وكلفوها ما تستطيعون فعله دائما ولا تنقطعون عنه…   ولقد نظرتُ في شأننا نحن المسلمين فرأيت أعمالنا – للأسف – فوراتٍ وردودَ أفعال كبيرة كثيرة ضخمة، سرعان ما تخبو حتّى لا يبقى لها أثر ولا يترتّب عليها انتهاءٌ عن ظلمنا وتحدّينا واحتقارنا… فقد خنس البيت الأبيض إبّان أحداث أسطول الحريّة وما عطّر طريقه البحري من دماء تركيّة مسلمة زكيّة، حتّى تساءل النّاس والصحافيون بجرأة عن حياة ساكنيه، في وقت كان الجميع فيه يهيج ويموج في حراك ينذر بانتهاء الاحتلال وزواله وبفكّ الحصار وكسره… وها نحن اليوم نرى من أهل ذلك البيت المؤسّس للظلم والكراهيّة – وقد اطمأنّ إلى موتنا – مَن ينادي بمعاقبة تركيا على جرأتها وتجرّئِها على الرّجل الذي ادّعى من قبل أبوّة الله له واحتكر حبّه فقتل أنبياءه بجرأة الوحوش غير المميّزة!…   يقول قائلهم: لا بدّ أن تختار تركيا بين الغرب وحماس، ولا بدّ لأوباما أن يعاقب تركيا على تنطّعها وحنينها إلى ماضٍ قد يعيد ربطها بوسطها ومحيطها الإسلامي المشرقي، وقد يحيّر الأوجاع باستعراض بعض الأسماء اللاّمعة التي انتسبت ذات يوم إلى خلافة إسلاميّة سمّاها بعض الجهلة تقليدا لأعداء الإسلام احتلالا… فالغرب وحماس لا يجتمعان في قلب رجل واحد… وأمّا الكيان الصهيوني فهو قلب الغرب النّابض، وهو كذلك ثأر « قلب الأسد » من صلاح الدّين الأيّوبي المسلم ينفّذه في ما  خلّف من غثاء قد عُدِموا الغيرة على العرض والدّين والرّجولة… ولا يمكن لكائن مهما كان التخلّى عن قلبه إذا رغب في الحياة… وبالنّتيجة فإنّ اختيار الغرب يعني اختيار قلبه (الكيان الصهيوني البشع) بدل حماس الواقعة في قلب الأرض المسلمة التي باركها الله سبحانه وتعالى بالمسجد الأقصى المبارك…   الغرب (كثير من الساسة والقادة فيه) والكيان الصهيوني قد أخذوا – مع كرههم – من نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وسلّم ما لم يأخذه المسلمون منه، ألا وهو دوام العمل واستمراريته، والثبات على المبدأ… فلم تستطع الملفّات الممضاة بدماء المسلمين الزكيّة في عرض البحر الأبيض المتوسّط (بحيرة الإسلام أيّام كان المسلمون رجالا) وعلى اليابسة المترامية الأطراف أن تنسيهم معاقبة إيران أو تعميق الدهليز الذي يريدون فيه رمي السودان… وبالإضافة إليهم فإنّ أعداءَ أُخَرَ للمسلمين يتغذّون بدماء المسلمين لم ينسوا ثاراتهم وضغائنهم وأحقادهم، كهذا الأستاذ الجامعي الجاهل – الذي تابعته عبر أورونيوز (Euronews) الإخبارية من غزّة أيّام معضلة أسطول الحريّة الجسور – يعبّر عن خوفه ويحذّر أحبابه الغربيين من مغبّة مناصرة الدعوة إلى فكّ الحصار البحري عن غزّة، فقد كان يرى – وهو عندهم شاهد من أهلها مع أنّه ليس من أهلها ولا من أهل المروءة – في ذلك تقوية لحماس (وحماس تحجب عن بصره وبصيرته مليونا ونصف المليون من البشر يموتون يوميا ثمّ يُبعث منهم من يُبعث لمواصلة مشوار العذاب) التي سوف تزداد تمسّكا بعدم الإمضاء على اتّفاق « المصالحة الوطنيّة » الذي أعدّته مصر وأبت التنازل عن أيّ بند من بنوده أو تعديله!… وها هو عميل إسرائيل الذي فقد أخيرا دعمها حسب بعض التصريحات الإعلاميّة، محمود عبّاس، يبادر بالحديث عن انفراد المناسبة (استشهاد الشهداء التسع وسقوط الجرحى وعدم وصول الأسطول إلى غزّة) من حيث قيمتها و »جمالها »، – وكأنّه لم يعلم قطّ بما هو أهمّ منها (دكّ غزّة بالكامل واستشهاد الآلاف من أهلها خلال حرب أحلافه عليها) – فيدعو كذلك إلى « الوحدة الوطنيّة » كي يلتفّ الأعداء حول كلامه يشبعونه تحليلا وإعجابا!… فالمشكلة عنده وعندهم لا تكمن في العدوّ المحتلّ الأرض المانع للتنفّس، بل هي في عدم وحدة وطنيّة أرادوا لها الموت بما أسّسوا فيها من عناصر لمحاربة الوطن، إذ لا تكون الوحدة خادمة إذا رتعت بين مفاصلها الخيانة والارتهان لأعداء الإسلام والمسلمين… عمرو موسى وقد أفاق مؤخّرا أو هو حُشِر في الموضوع حشرا يرهن هو الآخر رفع الحصار إلى الإرادة ثمّ يفسد الإرادة برهنها إلى « إصلاح الشأن الفلسطيني »، وكأنّه قد تناغم بشكل أو بآخر مع جورج متشل الوجه الآخر لثبات الغربيين على المبدأ (كرهوا لنا الحياة والتصالح مع الذات) القائل بأنّه يجب ألاّ تقوّض السفن حركة المفاوضات، وكأنّي به يعني بالحركة اتّجاهها!.. إذ شتّان بين مفاوضات قد عُزل الفلسطينيون فيها عن العالم الخارجي وبين مفاوضات قد ساندتها أساطيل السلام والحريّة والدّفاع ضدّ العنصريّة!…   خير الأعمال وأحبّها إلى الله أدومها وإن قلّ!… فلنداوم على مؤازرة غزّة وفلسطين عموما وتركيا والأحرار في العالم بالكلمة والمقال والتظاهر في الشارع وأمام مقارّ المنظّمات الدولية وبالإعلام وتسيير السفن أو الحديث عنها… ولنقلع عن مجاملة قاتلنا وعدوّنا ومنتهك أرضنا وحرماتنا فنصفه بأوصاف قدر على وصفه بها رئيس كوبا السابق فيدال كاسترو ورئيس فينيزولاّ هوقو شافيز الرجلان الشجاعان… لنداوم على الأعمال الصالحة، ولنداوم على تعريف أبنائنا وبناتنا بعدوّهم الصهيوني من حيث أنّه أجبن النّاس وأسقط خلق الله، فهو الضليع في المكر والخيانة والكذب وتدليس الحقائق، وهو المبرّز في معاداة الله ورسله والمؤمنين كي يربّوا أنفسهم (البنات والبنون) على تحدّيه وعلى قتل الصورة البشعة التي أنشأها تخاذل حكّام العرب في الأذهان؛ فيروه كما رآه الأتراك وكما رآه كاسترو وشافيز!… بل يروه – وقد حرص الصهيوني الغاصب هذه الأيّام على الصفة اليهودية لكيانهم – على الصورة التي أخبرنا بها الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم: « لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا »… صدق الله العظيم… والله من وراء القصد…     عبدالحميد العدّاسي الدّنمارك في 19 يونيو 2010 

الدارجة تقتحم أسوار المدرسة: هل هو خطأ أم توجه مقصود؟

 


بقلم : كمال الساكري
أقدمت وزارة التربية مؤخرا وبمناسبة إجراء امتحانات الباكالوريا على إقحام الدارجة لغة للتعبير والوعظ والإرشاد في مؤسساتنا التربوية وحظيت معلقتان بالتبجيل والتكريم لحملهما على الغش وتصديهما لمرتكبيه بالعامية عملا بالمثل القائل « خاطب القوم بما يفهمون ». فحملت الملصقة الأولى « لا تغش ولا تتغر.. ولا تعرض مستقبلك للخطر أما الثانية فكانت أليس كل ما بنيته في سنتين يهده الغش في رمشة عين. وهو إجراء لا يعد مفاجأة فحسب وإنما يعتبر عندي وعند كل تعلموا في تونس وأحبوها وتعلقوا بهويتها وأصالتها وحداثتها وعصريتها صدمة كبرى في حاجة إلى تفسير. إذ كيف تقبل بالدارجة لغة للكتابة في المدرسة؟ نحن لا نعترض على الدارجة التونسية وجمالها الأخاذ ولكن الجميع فكلنا يستعملها بل بعضنا يقحمها إلى الفصل !! ولكن الجميع متفقون على أن دستور البلاد وهوية الشعب والقوانين التربوية كلها تنص وتؤكد على العربية الفصحى باعتبارها « لغة وطنية ». ألم يرد بالبند الأول من الدستور الوطني « تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها. فالدستور « سيد القوانين وأعلى هرمها » ينص صراحة على كون اللغة العربية وليست الدارجة هي اللغة الوطنية لبلاد. فلماذا تتناسى الوزارة هذا القانون السيد؟ وهل جرت الفصحى عن ضرب الأمثلة الطيبة والوعظ والنصح والإرشاد، هل عجزت لغة القرآن عن حسن تقويم سلوك الغش عند تلامذتنا؟ أم تناسينا الحديث الشريف « من غشنا فليس منا ».  أم ترى الوزارة تناست التزام السابع من نوفمبر بدستور البلاد ونظامها الجمهوري وحرصا على تقوية أواصر الأخوة المغاربية والعربية لوحدة الانتماء الحضاري ». فقد في بيان السابع من نوفمبر « سنعمل بخطى ثابتة على تجسيم وحدة المعرب العربي الكبير ». ولم يقل في نطاق المغرب البربري أو الأمازيغي أو الفرنكوفوني !! وهو ما صح في التطبيق إذا أزال الدولة السيد زين العابدين بن علي كل الحواجز التي كانت تعطل توجهنا المغاربي والعروبي وولت أيام البغضاء والتوتر على الحدود الغربية والشرقية خاصة وخفتت دعوات التغريب والترحيب بأوروبا فقد سقط شعار « مرسيليا أقرب من بغداد » الذي رفعه بورقيبة وحضر شعار بغداد أقرب من مالطا !! ولقد تدعم هذا التوجه في نصوص الميثاق الوطني ولا سيما في عنوان الهوية. لقد كان الميثاق الوطني الذي أمضته القوى الوطنية سنة 1988 صريحا وواضحا بل حاسما في هوية الشعب ولغته. « إن هوية شعبنا عربية، إسلامية متميزة… لذلك تملكت تونس بعروبتها وإسلامها.. لقد عمت اللغة العربية أهلها فأصبحت منذ قرون (لاحظ قرون) لغة الخطاب والكتابة (لاحظ كتابة) والثقافة..؟ ثم يؤكد الميثاق بصوت عال لا لبس فيه « إن المجموعة الوطنية مدعوة لدعم اللغة العربية حتى تكون لغة التعامل والإدارة والتعليم.. » وهنا لا نحتاج إلى تعليق ! بل يضيف الميثاق جملة جامعة حاسمة  » من الواضح أن لا تطوير للثقافة الوطنية أي العربية أي الفصحى أم لا؟ ! ألا تعلم الوزارة أنها مؤتمنة على دستور البلاد وهويته العباد وأنها مطالبة بتطبيق المبادئ والقوانين لا خرقها وتحديها. أنسيت الوزارة أن قانون الأحزاب معارضة أو في السلطة يدعوها إلى تطبيق القانون بل يحتم عليها « أن تحترم وتدافع خاصة على الهوية العربية الإسلامية ». وبالتالي اللغة العربية باعتبارها عماد الهوية. بل إن الوزارة ضربت عرض الحائط بالقانون التوجيهي الذي وضعته بيدها والذي سن في الفصل التاسع منه على ما يلي: « تعمل المدرسة في إطار وظيفتها التعليمية على ضمان تعليم جيد للجميع يتيح اكتساب ثقافة عامة ومعارف نظرية وعلمية ».. ويضيف « والمدرسة مدعوة بالخصوص إلى تمكين المتعلمين من إتقان اللغة العربية بصفتها اللغة الوطنية ». إذا كانت كافة النصوص القانونية والمواثيق ملتزمة بالعربية والهوية الحضارية فكيف نفسر تصرف الوزارة هل هو خطأ عابر يتدارك بالاعتذار أم هو توجه نابت سيتعزز في قادم الأيام؟ (المصدر: صحيفة  » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 142 بتاريخ 18 جوان 2010)  


هل لدى الغرب أجندة لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط ؟


بقلم: د.أحمد القديدي* حينما أطرح هذا السؤال على بعض السّاسة العرب يكون الجواب بلا ! و حين أطرحه على بعض الزملاء من أساتذة العلوم السياسية و خبراء الإستراتيجيات يكون الجواب بنعم ! ما عدا إستثناء وحيد يجب ذكره للأمانة وهو رأي السيد عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية الجزائرية حاليا الذي جمعتني به ظروف تواجدنا المشترك في دول الخليج في التسعينات حين كان بعيدا عن السلطة. و أذكر أنه أثناء غداء في بيت صديق عزيز مشترك هو أبو ناصر أل خليفة الذي كان سفيرا لدولة قطر في الجزائر أثرنا فرضية ( سايكس بيكو) جديدة يمهد لها حينذاك أقطاب اليمين الأمريكي و البريطاني و الفرنسي و « الإسرائيلي » بقصد تغيير جذري لخارطة ما سماه الغرب أنذاك بالشرق الأوسط الجديد أو بالشرق الأوسط الكبير. هذا التغيير الذي تحتمه إنقلابات الموازين جذريا من 1916 (سنة سايكس-بيكو) إلى 2010 مرحلة تصادم قوى الغرب بطموحات صينية و روسية صاعدة و تشكلات أوروبية متنامية.  وكان منطلق حديثنا في بيت أبو ناصرالكتاب الأكثر إثارة للجدل و الأشهر في نهاية القرن الماضي وهو الكتاب الذي توسع في بحث نشره ( صامويل هنتنجتون ) في مجلة ( الشؤون الخارجية ) بعنوان ما يزال يحرك الأقلام إلى اليوم وهو ( صدام الحضارات ). و أذكر أن السيد بوتفليقة قصد إثارة التفكير و الحيرة لدى أصدقائنا الخليجيين وكانوا من بين نخبة الفكر والثقافة حين ألقى بحجر مثير في بركة الإطمئنان قائلا :  » من يدري إذا ما كانت نوايا مخططي الغرب اليوم تهدف في مستقبل قادم و مجهول إلى تسهيل هيمنة الهند وإيران على الخليج العربي تحت مظلة أمريكية…!  » و أمام دهشة مضيفينا الكرماء راح المتحدث يحلل أسرار التحولات الكبرى التي يمكن أن تجعل هذا السيناريو قابلا للتنفيذ. فالغرب له مصالح دائمة و لعل النفط يفقد تدريجيا قدرته الحيوية مع تصاعد استراتيجي و تكنولوجي للهند ذات المليار و المائة مليون ساكنا، و تغير سياسي كامل تسعى لتنفيذه قوى الغرب الراهنة في إيران مما يرشح الهند وبلاد فارس لإستعادة دورهما « التاريخي » الذي ما يزال حيّا في أذهان الهنود و الإيرانيين كالنار تحت الرماد على حساب المصالح العربية و بالطبع إغتناما لحالة الوهن الراهنة للعرب. و سيتلقف الغرب المسيحي هذا الوضع الجديد حتى لا ينقضّ المارد الصيني وحده على الإقليم بأدواته الإقتصادية و التجارية الصاعدة. و في نفس هذا السياق لحديثنا في التسعينات يتواصل الحديث اليوم بعد عشرية من الألفية الثالثة و بأكثر حدة و وضوحا حول بوادر ساطعة لتقليص دور مصر في محيطها العربي لتمكين تركيا من القيام بمهمات تبدو اليوم مقبولة بل و مطلوبة عربيا و يتعاطف مها أغلب العرب لكنها مهمات لن تتناقض مع إلتزامات أنقرة كعضو كامل في حلف شمال الأطلسي ولا مع إعتراف تركيا بدولة « إسرائيل » و تعاونها التقليدي معها تجاريا و عسكريا أي تصب في نهاية المطاف في خانة نفس قوى الغرب و لا تخرج عن التصور الشامل لشرق أوسط جديد ( أو كبير..) كما رسمه كتاب معروف لشيمون بيريز بنفس الإسم أو كتاب ثان للوزير الإسرائيلي (ناتان شارانسكي) بعنوان (رسالة الديمقراطية في الشرق الأوسط) الذي كان كتاب بوش الإبن المفضل أثناء حربيه على أفغانستان و العراق.  و عودة إلى إستشراف السيد بوتفليقة الذي إستفز بشكل لطيف و إيجابي أصدقاءنا الخليجيين الكرماء منذ أكثر من عقد، ما أزال معتقدا بأن الزمن القريب القادم يخبأ لنا نحن العرب مفاجآت من العيار الثقيل. و التاريخ مليئ بالأمثلة الساطعة للإعتبار. فمن كان يصدّق سنة 2000 (أي منذ عشرسنوات فقط)  بأن العراق سيُحتل و بأن بغداد ستدك و بأن دولته ببعثها و جيشها و إدارتها و متاحفها و جامعاتها ستدمر و بأن العراق سيقسّم فعليا إلى ما نرى اليوم من الطوائف و النحل؟ و أن رئيسه سوف يلقى ذلك المصير في بلد يباب؟ و من كان يصدّق سنة 2000 بأن اليمن الذي خرج من حربه معززا بوحدته سيعيش إنشقاقا خطيرا بين شمال حوثي و جنوب إنفصالي و وسط صنعاني؟ و من كان يصدّق سنة 2000 بأن فلسطين التي جنت بعض ثمار كفاحها الطويل سوف تقسم إلى ضفة و قطاع؟ و من كان يصدّق سنة 2000 بأن السودان الذي وقع رئيسه البشير مع جون جارنغ عهد الأمان والوحدة سيكون اليوم فريسة لما يسمى المجتمع الدولي فتسود الفوضى إقليم دارفور ويموت جارنغ في حادث طائرة و ينفصل الجنوب عمليا و يهدد إقليم دارفور بالإنفصال و يبقى الرئيس البشير مطلوبا لما يسمى عدالة دولية ؟ و من ومن ومن…..؟  إن كل من يتعمق في التاريخ يدرك بأن ما يعتبره المرء واقعا أبديّا ما هو سوى لحظة عابرة من لحظات الحضارة البشرية و ما يعتقده المرء ثابتا ما هو سوى متحول باستمرار. تلك هي سنة التدافع البشري التي لا مردّ لها. وأفضل الناس من إعتبر بدروس الحضارة وتقلباتها العجيبة فاستعد للتحولات و أمن شرورها. وأنظر حولك أيها القارئ الكريم لترى إنهيار الأمبراطوريات التقليدية بسرعة و صعود أمبراطريات جديدة بأكثر سرعة في ظرف جيل واحد. و المؤسف بأن العرب ظلوا معوقين لا يقرأون التاريخ و لا يستشرفون المستقبل بينما الأمم من حولهم تجاوزت الطارئ من مشاكلها لتواجه الأهم. و أمامنا الإتحاد الأوروبي الذي يحاول إنتشال اليونان من أزمته بتحمل أمانة الوحدة و التضامن، بينما لم يتفق العرب في قمة سرت على مجرد سحب مبادرتهم للسلام وهو العمل المطلوب والمفروض في أزمتنا الطويلة مع المحتلين.

*رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس
(المصدر: صحيفة  » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 142 بتاريخ 18 جوان 2010)
 


قراءة في حادثة السفينة مرمرة (2) الموقف العربي الرسمي و حلم الشعوب الاسلامية و العربية  

بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين نبينا محمد و على اله و صحبه اجمعين اما بعد: لقد ذكرت انفا اسباب الموقف الرسمي التركي و انه كان غضبة للشهداء الاتراك الذين قتلوا في السفينة مرمة وان الغضبة التركية لا تتجاوز الابعاد الانسانية و الوظيفة التي انتخب من اجلها اردوغان و حكومته الا وهي حفظ كرامة الشعب التركي وحمايته من اي عدوان مهما كان نوعه او مصدره, وهذا طبعا ليس ضربا من ضروب العجب و لكنها الوظيفة الاساسية لاي نظام و دولة في العالم فلو تجرء اي احد على المساس بكرامة اي دولة غربية فانه سيلقى نفس الجزاء و لكن العجب العجاب هو في الموقف الرسمي الاسلامي عامة (لان حتى الحكومة التركية لم تثور بدافع اسلامي ولو فعلت ذلك لاتهمت هي ايضا بالارهاب كما اتهم المشاركين في السفينة بالارهاب) حيث لم تفصح اي جهة اسلامية رسمية غضبها عما حصل !!! و كيف لهم ذلك وفلسطين محتلة منذ اكثر من خمسين سنة و غزة محاصرة منذ اكثر من سنتين فما الجديد في الموضوع حتى نتحرك الى الامام؟ طبعا اني استثني هنا الجمعيات الاسلامية و الافراد الاحرار الذين تحركوا و يتحركوا رغم السنين و طول العدوان و الظلم بلى كلل و ملل و بامل في الله و مصداقا لوعد رسوله صلى الله عليه و سلم رغم ان اكثرهم هم انفسهم محتلين و محاصرين….. و اما بالنسبة للموقف الرسمي العربي فانه بارع دائما في الزيف و الخذلان و يتقن امتصاص غضب الشعوب و ترويضهم فانه رغم ماكان من الموقف التركي الرسمي المشرف نسبيا و المخزي لهم الا انهم عرفوا كيف يحولون هذا الموقف من الظهور بصورة الجبن و الخور الى صورة الضباع المتخفية و راء الاسد و بذلك جعلوا من اردوغان الاسد القائد القادم وقدموه للشعوب على انه منقذهم واستغفلونا كالعادة حتى شغلنا باردوغان عن حكامنا و قادتنا و مسائلتهم عن مواقفهم الى الاقتناع بان مخلصنا القادم هو اردوغان واخذنا مكاننا مرة اخرى وراء الشاشات نصفق لاردوغان و عدنا الى وظيفتنا المعهودة وهي السير في الخلف وكاننا نبحث عن من يقوم بوظيفتنا و بتقدم الى مركز القيادة وطبعا هذا ناتج عن السياسة العربية التي ارتضيناها وسلمنا بها الى وهي لن تعود فلسطين الا عند خروج المهدي المنتظر و ان اسراءيل دولة لا تهزم و الافضل لنا ان نقبلها كما هي دولة جارة صديقة و يجب ان نكف عن العدوان و الكراهية اتجاهها وان ندعوا الله ان يعجل بالمهدي المنتظر و الرايات السود و كاننا اخذنا موقعنا في تحقيق الحلم الاسرائيلي البصهيوني(لن انسى ابدا ما قاله لي احد الشباب من المسلمين في خضم الاحداث : اليس حرام على الفلسطينيين ان يقتلوا و يفجروا في الاسرائيليين, اليس لاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها!!!!) و هذا القول لم بتولد عن بنات افكاره و لكنه نتاج السياسة العربية المتبعة للتطبيع مع اسرائيل و القبول بها كدولة في المنطقة ديمقراطية يمكن التعايش معها في سلام مادمنا نحن مسالمين و هذا مل سنبحثه في الجزء القادم ان شاء الله الى وهو موقف حركة حماس و السلطة بعد هذا العدوان و الخيارات و الضغوطات المطروحة على الجانبين. يتبع… كتبه ابن انس التونسي 18_06_2010 رابط المقال الأول https://www.tunisnews.net/11Juin10a.htm


كاد المريبون أن يقولوا خذونا

منير شفيق
من يُراجع الاقتراحات والمبادرات « الإبداعية » التي أخذت تنهال لحل مشكلة الحصار على قطاع غزة من جهة وتقديم « أفكار جديدة » في ملف المصالحة الفلسطينية من جهة أخرى، يجد نفسه مضطراً، أو حائراً، ليسأل: أين كان كل هذا قبل معركة أسطول الحريّة لكسر الحصار على قطاع غزة؟ وأين كان كل العباقرة الذين راحوا يقدحون زناد فكرهم قبل الأزمة التي دخلها الكيان الصهيوني بعد ارتكابه جريمة السيطرة على أسطول الحريّة، وهي أزمة دخلها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كل الذين أسهموا في حصار قطاع غزة، أو تواطؤوا، أو صمتوا عليه، كما دخلها كل الذين أصرّوا على أن لا حلّ للمصالحة الفلسطينية غير توقيع حماس على الورقة المصرية. جاءت معركة أسطول الحريّة التي خاضها مبادرون من 42 بلداً فلسطينياً (من مناطق 48) وعربياً وإسلامياً وعالمياً، وقد توّجت باستشهاد تسعة أبطال من الأتراك لتكون « القشة التي قصمت ظهر البعير ». فهذه المعركة جاءت تتويجاً، أولاً وقبل كل شيء، لصمود الشعب في قطاع غزة، بكل قواه المقاومة والممانعة التي رفضت الخضوع لشروط الرباعية وضغوط سلطة رام الله، وللورقة المصرية وإغلاق معبر رفح. وجاءت تتويجاً، ثانياً، وعلى درجة عالية من الأهميّة، لكل السفن البحرية والقوافل البريّة التي تدافعت، واحدة تلو الأخرى، لكسر الحصار بحراً وبرّاً. كما أتت تتويجاً لكل الجهود والمؤتمرات والبيانات التي وقفت إلى جانب صمود قطاع غزة وشجبت الحصار ومَنْ وراءه، بأي شكل من الأشكال. ولهذا يمكن القول إن الحصار سقط أولاً وقبل كل شيء نتيجة صمود قطاع غزة، وعدم خضوع حماس لضغوطه، ولكل الضغوط الأخرى التي راحت تطالبها بالرضوخ لشروط الرباعية، أو التوقيع على الورقة المصرية التي تصبّ الزيت، بانحيازها لسلطة رام الله، على نار الانقسام. إن الانقسام في أساسه بين خطين سياسيين: خط المفاوضات والتنازلات والرهان على أميركا والوقوع في أسر المعونة المالية الغربية، وفي المقابل خط المقاومة ورفض مسار التسوية الذي عمّم الاستيطان، وأمْعَن في تهويد القدس. ولم يترك من الضفة الغربية غير الفتات. فالانقسام في أحد تعابيره يتجلى في الموقف من الاتفاق الأمني الذي يقوده الجنرال كيث دايتون، وتنفذه أجهزة سلام فياض وتُغطيه المفاوضات التي يقودها محمود عباس. فهذا الاتفاق الأمني كرّس احتلال الضفة الغربية واستيطانها، وقمع المقاومة، وأسكت الممانعة، وحال دون أن يَتناصر الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية مع نفسه في قطاع غزة، أو أن يهبّ ليقف بتظاهرات عارمة دعماً لأسطول الحريّة. سقط الحصار لأنه لم يحقق الهدف الذي توخاه المحاصِرون منه. فأصبح حصاراً من أجل الحصار بعد مضي ثلاث سنوات عليه، وبعد أن فشل العدوان الإجرامي على قطاع غزة في حرب 2008/2009. وسقط الحصار حين عُزِل عربياً وإسلامياً ودولياً. وأصبح الاستمرار فيه عناداً مكابراً طفولياً يائساً، لا يعود على أصحابه إلاّ بالخسارة السياسية وسوء السمعة يوماً بعد يوم. وسقط الحصار بعد معركة أسطول الحريّة التي ولّدت مناخاً للسير الحازم والمتواصل على خطاه، مهما كلف الأمر من ضحايا، فالسفن الجاهزة أو في طريقها لتصبح جاهزة أصبحت بالعشرات، الذين تطوّعوا ومن كل أنحاء الدنيا يُعدّون بالآلاف والحبل على الجرار. لا مبالغة إذا قلنا إن معركة أسطول الحريّة وشهداءها وبطولة الصمود فيها، قد بعثت روحاً متوثبة للمقاومة والفداء، وهو ما سينعكس على الضفة الغربية ذات الحاجة الملحّة، إلى كسر الإرهاب الذي فرضه الاتفاق الأمني، ولوقف استشراء الاستيطان وتهويد القدس، بل للعودة إلى شعار انتفاضة ومقاومة لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط. من هنا نفسّر التباري الحاصل الآن لتقديم الاقتراحات والمبادرات « الإبداعية » التي أخذت تنهال لحل مشكلة الحصار. ولكن بهدف إعادة إنتاجه وشرعنته مخففّاً. أي الالتفاف على ضرورة كسره بالكامل. وبلا قيد أو شرط. ولهذا على الذين وقفوا ضدّ الحصار أن يقفوا بحزم ضدّ كل محاولات الالتفاف على هزيمة الحصار. ومن هنا نفسّر أيضاً بروز « الأفكار الجديدة » في ملف المصالحة، والتي حمل بعضها أمين عام جامعة الدول العربية في زيارته المستهجنة لقطاع غزة، أو الأفكار التي راح ينتجها الذين أصرّوا على محاصرة حماس والجهاد لتوقيع الورقة المصرية. فهذه وتلك عند التدقيق فيها، ما زالت ضمن إطار إعادة إنتاج الانقسام لأن حلّه لا يكون إلا بالتخلي عن الخط السياسي التفاوضي التفريطي الذي وراءه.
 المصدر: م. ف. إ. عن العرب القطرية  


السبت 19 يونيو 2010 أيام نتنياهو السوداء القادمة


أخبار الشرق الجديد قال بنيامين نتنياهو أمس خلال اجتماع كتلة الليكود في الكنيست إن أياما سوداء قادمة على إسرائيل و إن عليها توقع المفجآت غير السارة من أصدقائها . هذا التوقع يلخص واقع التغير في البيئة الدولية و الإقليمية لغير مصلحة إسرائيل ، و نتنياهو  يتحدث عن وقائع ومعلومات موجودة لديه و يضعها على أجندة حركته السياسية خلال المرحلة المقبلة و المفاجآت غير السارة بدأت تلوح في الأفق و هي واضحة للعيان من خلال العلامات الفارقة التي ظهرت في رحاب أسبوعين بعد مذبحة أسطول الحرية و هي تعزز الاعتقاد بان قطاعات واسعة في الولايات المتحدة و اوروبا و بدوافع مختلفة  باتت تجد في إسرائيل عبئا ضارا و مكلفا و أشدهم قربا إليها يتحدث عن ضرورة إنقاذ إسرائيل من نفسها !. الانحدار الإسرائيلي انطلق تاريخيا في سياق جديد عام 2000 و خلال السنوات العشر المنصرمة  اظهرت منظومة المقاومة و الردع العربية في المنطقة حدود القوة الصهيونية العاتية ففقدت إسرائيل هيبة الردع و باتت متهيبة لشن الحروب الجديدة التي ستكون محكومة بقواعد جديدة بعد حربي لبنان وغزة و بعد تعاظم القدرات الدفاعية السورية وفي ظل تنامي قوة الظهير الإيراني و تحول الموقع التركي إلى قوة فعل سياسية واقتصادية مكرسة لمطاردة الإجرام الصهيوني و لنصرة فلسطين . شرنقة الفشل تحكم طوقها على إسرائيل و هي مؤخرا تصطدم بخيبة تنقلب عليها كلما اتخذت خطوة او تدبيرا لكبح تراجعها الدرامي على الرغم من حماية و شراكة الحلف الاميركي الغربي العربي  الداعم لها . وعلى سبيل المثال ، حصار غزة كان لتركيع القطاع الذي أفشل حرب الإبادة و جاءت النتيجة عكسية فتنامت قوة المقاومة رغم الحصار و توثق التلاحم الشعبي مع المقاومة اليت رفضت التراجع و الاتكسار السياسي. مذبحة الأسطول كانت مكرسة للجم التحرك التركي فتأصل موقف تركيا المناهض لإسرائيل و ضاعف من سرعته نحو المزيد من المجابهة مع العدوانية الصهيونية و الجريمة  هدفت أيضا إلى لجم حركات التضامن فكانت النتجية عشرات الأساطيل و تداعيات لا حصر لها تزيد من طوق مقاطعة إسرائيل و ملاحقة قادتها قضائيا و دعوات صلبة لتحقيق دولي بالجريمة . ما يقلق نتنياهو أكثر هو ان ضغوطا دولية تلاحقه لفك الحصار و يكاد لا ينجز مسودة إجراءات التخفيف التي يلتف بها حتى تصدمه قوافل بحرية جديدة تحمل شبحا مخيفا من الخيبات المتجددة ، ايا كان القرار الإسرائيلي   سواء بمذبحة جديدة ام بترك الحصار يسقط ام بالتعامل معها على طريقة سفينة راشيل كوري . ومن اخطر علامات الفشل كان سقوط الغموض النووي الإسرائيلي كنتيجة لإلحاح نتنياهو على إثارة الملف النووي الإيراني و هو مسار لا يمكن وقفه بعد الان ، بينما العقوبات التي قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إنها لن تبدل شيئا ، تبدو مجرد غطاء ساخن لتفاوض وشيك بين واشنطن وطهران تحتمه كلفة المستنقعات التي  تستغرق القدرة الأميركية في العراق و افغانسستان و باكستان . اما حركة التضامن مع غزة هي حركة سلمية تتحول لكرة ثلج عبر العالم و سوف تضاعف الكلفة الأخلاقية و السياسية على إسرائيل كما إنها توسع من نطاق التداول الاعلامي لحقيقة القضية الفلسطينية و الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين و ما يقلق نتنياهو الذي يخشى أياما سوداء هو الحراك الشعبي و النضالي المنبعث في فلسطين المحتلة عام 48 و الضفة الغربية المحتلة و حيث يكمن الخطر الأدهى مع عودة التظاهرات الشعبية و العمليات التي ينفذها المقاومون بينما في الأرض المحتلة عام 48 أظهرت القوى الوطنية حيوية كفاحية نادرة وفاعلية سياسية تثير الإعجاب و تسنى لها رص الصفوف بجناحيها الإسلامي و العلماني مؤخرا . الأيام السوداء كابوس نتنياهو الخاص سيتحول حقيقة لأنه توجد في المنطقة و للمرة الأولى قوة قادرة على لجم العربدة الإسرائيلية و منع قيادة إسرائيل من الهروب إلى حرب  جديدة دون اعتبار الكلفة و النتنائج و هذه القوة العربية تتيح المجال بتوازن الردع لتقدم حركة تضامن سلمية قابلة للتعاظم بفك الحصار اليوم و غدا لنصرة النضال الفلسطيني عموما و هو ما سيضع إسرائيل في اوضاع أدهى و أصعب مما هي عليه اليوم و عبر العالم كله .
نقلا عن المركز الفلسطيني للإعلام  

بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على أفضل المرسلينتونس في 15 جوان 2010 الرسالة رقم 820 بقلم : محمد العروسي الهاني مناضل دستوري – كاتب في الشأن الوطني و العربي و السلامي

الوفاء من شيم المؤمنين لمسة وفاء  لروح المناضل عبد الرحمان بن رحومة رجل النضال و الوفاء رحمه الله

 


الذكرى الأولى فقدت الأسرة الحزبية الموسعة و البلدية مناضلا شهما و رجلا غيورا وصديقا حميما و أخا كريما.. كان له سخاء و بذل و عطاء و تواضع ووفاء و صبر و صمود لا مثيل له رحمه الله الذي توفي يوم 3 جوان 2009 فقدنا عزيزا و مناضلا و فيا لا يعرف الراحة و السكينة و الاسترخاء و لا يمل و لا يكل من العمل الدؤوب المضني.. فقدنا رجلا كله عطاء و سخاء لفائدة غيره.. لا يعرف النوم قبل الساعة الثانية صباحا.. سخر حياته لفائدة أبناء مدينته و لفائدة مشاغل أبناء وطنه و جلدته منطقة بلدية زاوية الجديدي بالوطن القبلي. فقد كان الراحل العزيز عبد الرحمان بن رحومة رحمه الله مناضلا مخلصا تفاني في خدمة جهته منذ  كان طالبا.. و تحمل رئاسة الشعبة الدستورية في  سن مبكرة.. و كان يؤمن بالعمل الجماعي الهادف.. و خدمة وطنه و شعبه.. وانخرط مبكرا عندما تحصل على شهادة الإجازة في الحقوق التحق بالوزارة  الأولى.. و عمل فيها كاهية مدير إدارة الشؤون  السياسة ثم تدرج إلى خطة مدير الإدارة  و بعدها    خطة مدير  عام للإدارة السياسة طيلة ثلاثة عقود  كاملة. و عمل مع سبعة وزراء..  أولهم على التوالي السادة المناضل الزعيم الهادي نويرة رحمه الله.. و الأستاذ  محمد مزالي.. ورشيد صفر نجل الزعيم  الطاهر صفر.. و الرئيس السيد زين العابدين بن علي عندما كان وزيرا أولا .. و السيد الهادي  البكوش.. و الدكتور حامد القروي.. و محمد الغنوشي. و كان مثالا  في السلوك و التواضع و الأخلاق و العمل الدؤوب و النشاط الحثيث. و اقترن  عمله في سلك الإدارة  في أعلى هرم الوزارة الأولى و أدق إدارة عامة .. الشؤون السياسية.. مع هذه المحطة عمل في صلب الحزب الحر الدستوري رئيسا شعبة زاوية الجديدي طيلة سنوات.. و في اللجان  المحلية و الجمهورية  و الوطنية طيلة ثلاثة عقود.. و في ماي 1985 عندما أحدثت بلدية جديدة بزاوية الجديدي رشحة  الحزب وزكاه رئيس قائمة الحزب الاشتراكي الدستوري لبلدية زاوية الجديدي. ومنذ انتخابه في ماي 1985  شمر على ساعد الجد و الكد و خطط بطريقة ذكية  لتطوير منطقة البلدية و فعلا في ظرف خمسة أعوام  من 1985- 1990 حقق أحلام الجهة و أنجز مشاريع كبرى تذكر فتشكر.. ثم جدد له الحزب الثقة و انتخب لدورة ثانية من 1990 إلى 1995 و ازداد النشاط و تطورت المنطقة ووفر فيها كل المرافق الضرورية قصر البلدية – المعهد الثانوي – السوق البلدية – فرع البنك و الجامع الكبير  المرافق الصحية  و الشبابية و الطارقات و التجميل و الأرصفة و المساكن و الملعب  الرياضي و كل مرافق الحياة و بفضل هذا العمل النضالي الهادف ازداد  إشعاع هذه المناضل الغيور و أصبح مضرب الأمثال في كل أنحاء الولاية و قد سخر كل علاقته مع المسؤولية لفائدة بلدية و لم يفكر يوما في حياته  الخاصة أو تحسين وضعية الاجتماعي أو الاستفادة و المكاسب لأسرته و أهله بل سخر هذا العلاقات لفائدة تطوير بلدية و تحسين وضع المتساكنين و قد  سعى  بكل جهده و علاقته و الظروف المتاحة له و أخذ بيد عدد هام شباب جهته و ساعدهم على الشغل و إحداث مواطن الرزق  وكان للأخ المناضل  عبد الرحمان بن  رحومة علاقات حميمة مع كل المناضلين في أنحاء الجمهورية  ومحبوب عند الجميع و كل أعضاء مجلس النواب يعرفونه معرفة  جيدة لأنه مرابط بالمجالس طيلة أشهر عرض الميزانية العامة للدولة طيلة 30سنة وهذه العلاقات ساعدته على تطوير جهته . وعرفته سنة 1975 في  مجال النضال الوطني وتوطدت العلاقة  الأخوية الحميمة طيلة 30     سنة وقد عملنا معا في صلب الحزب وكان  التعاون متين بين إدارة الشؤون السياسية و إدارة المناضلين بدار الحزب لمتابعة ملفات  ومنح المناضلين و المقاومين و كان التعاون متنين و قوي  و قد أحببت هذا المناضل الدستوري حبا   مفرطا مما جعلني أحرص على دعوته في ثلاثة مناسبات الإشراف على نشاط وطني و حزبي في معتمدية فوسانة مرتين عام 1985. وفي مؤتمر شعبة الحجارة الدستورية عام 1987 و كان نشاط الأخ عبد الرحمان ملحوظا و كلماته تنفذ للقلوب .وبدوره كان يستدعني لمواكبة  النشاط الحزبي و الشبابي و البلدي  بزاوية الجديدي و الأخ عبد الرحمان بن رحومة كان الصديق الحميم يبقى 4 ساعات  كاملة واقفا يصغي لهموم و مشاغل  الناس متواضعا معهم وقد زكاة الحزب للمرة الثالثة عام 2000 إلى  2005  وانتخب رئيسا للبلدية و عمل طويلا  أكثر من اللازم مع  عمله الإداري السامي مما تسبب له في الأم و أمراض و حصلت  له جلطة قلبية عام  2004 ويقي يعاني  من هذه الجلطة و لم يحافظ على صحته و واصل عمله حتى وافته المنية يوم 3 جوان 2009 اثر مرض عضال و ترك رحيله فراغا كبيرا لا في جهة الوطن القبلي فقط بل في  كامل أنحاء البلاد و بالتالي ترك فراغا كبيرا عند أصدقائه  وخلانه و زملائه و قد ودعت بلدية زاوية الجديدي شيبا و شبابا ابنها البار إلى مثواه  الأخير يوم 4 جوان  2009 بقلوب باكية و عيون دامعة و خشوع و تأثر و لا مرد لفضاء الله و لا نقول إلا  ما يرضي الله و لا حول  و لا قوة إلا بالله والله أكبر . رحم الله الفقيد الراحل العزيز و أسكنه الله فراديس جنانه ورزق الله أهله و ذنوبه و أسرة و ابنه الوحيد و زوجته وشقيقة محمد و أصهاره و أبناء عمومته  و أصدقائه و كل من عرفه من قريب أو بعيد و خاصة أبناء ولاية نابل رزقهم الله جميعا جميل الصبر و السلوان وإنا الله إليه راجعون . قال الله تعال : كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام ( صدق الله العظيم ) ملاحظة هامة المناضل المغفور له رحل على الدنيا الفانية و لم يكسب منها شيء ما عدى حب الشعب وعطف الضعفاء و الشباب و اليوم ترك أبنه الوحيد في سن الدراسة التعليم العالي. فهل يجد العناية و الرعاية و الدعم الذي  لم يتمتع به والده الزاهد نرجوا أن يقع استيعاب هذه الملاحظة و احتضان هذا الشبل الصاعد ودعمه تقديرا لنضالات والده المرحوم واليه ولي التوفيق   صديقك الوفي محمد العروسي الهاني مناضل معتمد متقاعد الهاتف : 22.022.354

 

 

Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.