الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: الحكم غيابيا بسجن الصحفي محمد الفوراتي مدة عام و شهر
الحكم بسجن الصحفي محمد فوراتي عام وشهرين
إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل: بلاغ إعلامي
الاتحاد العام لطلبة تونس: لائحة مطلبية
المكتب الفدرالي للاتحاد العام لطلبة تونس: بيان
هند الهاروني:بمناسبة اليوم العالمي للإحتفال بعيد المراة:أردنا أن نقدّم نوعيّة من النّساء يتحدّثن على نوعيّة من الرّجال القدوة قلبا وعقلا
إعتقال الفنان الكوميدي الهادي باب الله منذ الجمعة بتهمة رواية نكت حول بن علي و أصهاره الطرابلسية
إسلام أون لاين.نت:تونس.. موقف موحد للإسلاميين والعلمانيين تجاه المرأة
بالحوار نت: حوار مع حمزة بيكَّاردو حول الأزمة التي أثيرت في وسائل الإعلام الإيطالية بشأن الدعوة التي وجِّهت الى الشيخ راشد الغنوشي للمشاركة في منتدى نابولي
أم.بي.سي: « اُسكتْ عيب » – التونسي بو زيد.. هل يهاجم الإرهاب ويتطاول على القرآن مجددا!
الحياة: قيادي إسلامي يعود إلى ليبيا بعد 18 سنة في المنفى
نبيهة المنشاوي:طلب إستغاثة منزلي سيقع
عصام السلامي: نصف موقف
د. خالد الطـراولي: قراءة في شرعية الاستثمار في البورصة
نزهة في (زاد المعاد في هدي خير العباد):اليوم الثاني
الوطنيون الديمقراطيون: احياءا لذكرى المناضل الدكتور الشهيد حسين مروة, ولذكرى الشاعر المناضل مختار اللغماني
الناطق باسم تجمع المعارضة الموريتانية في الخارج بدي ولد ابنو في حوار شامل مع »الجزائر نيوز »: الانتخابات الموريطانية·· فرصة لتحقيق التغيير
عبد الوهاب المسيري: الحداثة المنفصلة عن القيمة والإله الخفي
العربي: الروائى علاء الأسوانى (مؤلف « عمارة يعقوبيان »):لا يوجد شيء اسمه رواية إسلامية أو أدب إسلامي
د. بشير موسي نافع: تركيا في الذكري العاشرة للانقلاب ما بعد الحداثي
د. حسن حنفى: من المسئول عن الاختراق العربى.. الخارج أم الداخل؟
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
شهادة حرم السجين السياسى السابق محمد منصف الورغى : دعوه يعمل , دعوه يمر .. أو دعونا نرحل إلى ماليزيا
أطلقوا سراح الأستاذ محمد عبو أطلقوا سراح كل المساجين السياسيين الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 33 نهج المختار عطية 1001 تونس تونس في
10/3/2007 بــيـــــان
أصدرت أمس الجمعة 9/3/2007 محكمة الاستئناف بقفصة حكمها في القضية المحالة عليها من محكمة التعقيب و قضت غيابيا بسجن الصحفي محمد الفوراتي مدة عام و شهر بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص فيها ( حركة النهضة ) و هي تهمة نفتها عنه نفس المحكمة عندما قضت في حقه بعدم سماع الدعوى لكن النيابة العمومية طعنت بالتعقيب في الحكم الأول الذي تم نقضه و أعيد نشر القضية مرة ثانية أمام نفس المحكمة بتركيبة أخرى قضت هي نفسها بعدم سماع الدعوى لكن النيابة العمومية أصرت على التمادي في تتبع الصحفي المذكور وأخيرا استجابت محكمة الاستئناف بقفصة و قضت بالإدانة .
و قد أسست المحكمة حكمها القاضي بإدانة الصحفي المذكور على قرينة تتمثل في حجز مقال صحفي صادر بجريدة أقلام أون لاين الالكترونية لدى أحد المتهمين بالانتماء لحركة النهضة.
مع الإشارة إلى أن سلطات الأمن بتونس حرمت زوجة الصحفي محمد الفوراتي من الالتحاق بزوجها المقيم حاليا بدولة قطر حيث يعمل صحفيا بصحيفة الشرق القطرية, و هو إجراء يتنافى مع حق السفر المكفول قانونا.
و الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين تعتبر أن محاكمة الصحفي محمد الفوراتي تأتي عقابا له على آرائه و عمله الصحفي المحايد في تناول قضايا الشأن العام في وكالة قدس براس و جريدة الموقف سابقا وتطالب بإيقاف معاقبة الصحفيين بسبب آرائهم . رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري
الحكم بسجن الصحفي محمد فوراتي عام وشهرين
أصدرت محكمة الاستئناف بقفصة حكما بسجن الصحفي التونسي محمد فوراتي عام وشهرين بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص فيها وجمع اموال بدون رخصة. وكانت القضية تعود إلى حوالي سبع سنوات حيث صدر فيها حكم ابتدائي واستئنافي بعدم سماع الدعوى لخلو الملف من مبررات التهمة. كما أرجعت القضية من قبل محكمة التعقيب في مناسبتين إلى محكمة الاستئناف حكم فيهما أيضا بعدم سماع الدعوى. وهذه المرة الثالثة التي تعيد فيها محكمة التعقيب هذه القضية المهزلة إلى محكمة الاستئناف مما يعد سابقة في القضاء التونسي.
وقد اعتمدت النيابة العمومية في توجيه تهمة الانتماء للصحفي محمد فوراتي على عددين من مجلة أقلام أون لاين الألكترونية والتي تحتوي مقالات وحوارات وتحليلات سياسية ، وهي المجلة التي تعنى بشؤون المغرب العربي والصحفي عضو في هيئة تحريرها.
وتعود أصول القضية إلى اعتقال عدد من المواطنين بتهمة جمع أموال بدون رخصة لصالح عائلة سجين سياسي وقد عثر لدى أحد المواطنين على نسخ من المجلة المذكورة. وكان كل من علي شرطاني ومضر جنات قضيا عام وشهرين منذ الطور الاول من المحاكمة فيما برأ بقية المتهمين، ولكن الرأي العام فوجئ اليوم بهذا الحكم الجائر من جديد على الصحفي محمد فوراتي وكل من لطفي داسي ورضا عيسى ومحسن النويشي.
يذكر أن محمد فوراتي حاصل على شهادة الدراسات العليا المتخصصة في الصحافة وعلوم الاخبار وقد اشتغل صحفيا بوكالة تونس افريقيا للانباء وجريدة الصباح مدة قصيرة، ثم التحق بجريدة الموقف المعارضة ووكالة قدس برس للأنباء لمدة تزيد عن خمس سنوات وهو الآن صحفي بجريدة الشرق القطرية. والزميل فوراتي عضو في منظمة العفو الدولية فرع تونس ونقابة الصحفيين التونسيين والمرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والابداع بتونس.
لمساندة الصحفي
البريد الألكتروني
الهاتف: 009746691928
إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل
بلاغ إعلامي
تونس في 10 مارس 2007 بعد خطوة تأسيس التنسيقية المحلية لإتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل بولاية بنزرت قام الزملاء أعضاء التنسيقية المحلية بتصعيد حركتهم حيث توجهوا الجمعة 09/03/2006 وبالتنسيق مع مناضلي الإتحاد العام لطلبة تونس إلى الساحة العامة بجرزونة متظاهرين ومنددين بالوضعية المزرية التي يعيشها المعطلون من أصحاب الشهادات وخاصة في جهة بنزرت التي تشهد أعدادا هائلة من حملة الشهائد الذين وجدوا مآلهم الشوارع والمقاهي في ظل تخبط واضح لسلط الإشراف وعجزها عن إيجاد حلول لهذه الأزمة بعيدا عن الشعارات التي ما عادت تطعم خبزا. وبعد تجمعهم بالساحة التي تجمهر حولها الكثير من المواطنين والذين أعلمهم الزملاء بسبب وجودهم وتظاهرهم تدخل البوليس كعادته بالقوة*، حيث اعتدى على كل المتواجدين بالساحة وتسبب في أضرار متفاوتة لبعض الزملاء وقام بطردهم بالقوة وتفريقهم من المكان.
وإذ يشد اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل على أيادي الرفاق ببنزرت فإنه يدعو إلى :
1. ضرورة الاستماتة في الدفاع عن حق الشغل قبل كل الحقوق برغم آلة القمع والهرسلة والاعتداءات الجسدية المتواصلة ضد مناضلي الإتحاد في كل الجهات. 2. دعوة مناضلي الإتحاد العام لطلبة تونس إلى تنسيق التحركات الاحتجاجية مع إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل ،خاصة وأن مطلب التشغيل يعتبر من أهم المحاور الملحة التي على كل مكونات المجتمع المدني من أحزاب ومنظمات طلابية وعمالية الخوض فيها والمساهمة في بلورة حلول لأزمة البطالة التي أصبحت تتهدد المجتمع التونسي. 3. مواصلة النضال والتحركات الميدانية كآلية وحيدة لانتزاع حق الشغل لمنخرطي الإتحاد في ظل غلق باب المفاوضات مع الوزارات وسلط الإشراف وتبني سياسة القمع والهرسلة المتواصلة. 4. دعوة الوطنيين بالبلاد إلى تبني هذا المطلب والمساهمة الفعالة في إيجاد حلول لهذه الأزمة خاصة مع وجود عناصر مشبوهة تتمعش من هذه الأزمة. إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل
التنسيقية الوطنية المكلف بالإعلام الحسن رحيمي 21 91 81 97 * بعد الاعتداء الهمجي الذي تعرض له من قبل البوليس أمام كلية 9 أفريل يوم الاثنين 5 مارس 2007 لا يزال الرفيق هارون حليمي عضو لجنة المساندة لإتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل بكلية الآداب منوبة والذي تم نقله إلى مستشفى عزيزة عثمانة عاجزا عن التحرك وقابعا في منزله بفعل الرضوض التي أصيب بها في « ركبته » وقدمه.
الاتحاد العام لطلبة تونس لائحة مطلبية بنزرت في 05/03/2007
عاش الاتحاد العام لطلبة تونس عاشت نضالات الطلاب
المكتب الفدرالي للاتحاد العام لطلبة تونس
بيان بنزرت في 08/03/2007
توجه الرفيقان هشام زروق و رفيق حسين مناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس من كلية العلوم ببنزرت إلى جهة نابل (المعهد التحضيري للدراسات الهندسية والمعهد العالي للدراسات التكنولوجية) بتفويض من القيادة الموحدة للاتحاد العام لطلبة تونس يوم الاثنين الفارط و على اثر القيام بتحركات نضالية بالأجزاء الجامعية المذكورة سابقا تم الاعتداء بتاريخ 07/03/2007 على الرفاق الآتي ذكرهم وليد موسى هشام زروق رفيق حسين من طرف ميليشيات الحزب الحاكم (الطلبة الدساترة) و نتيجة لذلك نعبر عن الآتي نشد على أيادي الرفاق لمواصلة حلقاتهم النضالية مساندتنا لجميع تحركات الطلبة في جهة نابل تحت اسم القيادة الموحدة رفضنا القاطع لسلوكات جميع الأطراف في الحزب الحاكم من إدارة و بوليس و طلبة دساترة من قمع يمارس على مناضلين في العشرين أرادوا خوض معركة الديمقراطية إن هذا الاعتداء مس من التوحيد الذي نعتبره خيار الاتحاد العام لطلبة تونس و هو كذلك اعتداء على النقابيين الراديكاليين
عن المكتب الفدرالي للاتحاد العام لطلبة تونس كلية العلوم بنزرت
أردنا أن نقدّم نوعيّة من النّساء يتحدّثن على نوعيّة من الرّجال القدوة قلبا وعقلا
في والده المرحوم حبيب مولاهي/ القصرين تونس
بقلوب ملؤها الإيمان بقضاء الله وقدره نتقدم بأحر التعازي إلى الأخ محمد مولاهي وعائلته بتونس، في وفاة والده السيد حبيب مولاهي أصيل بلدة سبيتلة ولاية القصرين، الذي وفاه الأجل على سن يناهز 67 سنة وذلك يوم 06.03.2007 ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يسعنا إلا أن نقول إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراق فقيدكم لمحزونون، ونسأل الله أن يجمعكم به في الجنان مع النبيين والصديقين والصالحين، آمين.
للتعزية:004369981831996
إعتقال الفنان الكوميدي الهادي باب الله منذ الجمعة بتهمة رواية نكت حول بن علي و أصهاره الطرابلسية
علمنا أن الفنان الهادي ولد باب الله المعروف ككمثل كوميدي في التلفزيون و المسرح سواء من خلال المسلسلات الفكاهية العديدة التي لعب بطولتها بقنوات تونس 7 و 21 أو من خلال عيد المنوعات التي شارك فيها مع المرحوم نجيب الخطاب ، قد تمّ إعتقاله منذ أمس الأوّل الجمعة بالعاصمة ووقع إيداعه مخافر الأمن ببوشوشة حيث شرع أعوان البحث في إستجوابه بشأن ما نُسب إليه من تهم إلقاء نكت تخصّ شخص بن علي و أصهاره الطرابلسية .
و إتّصلت عائلة الهادي ولد باب الله بمحام و حقوقي تونسي لنيابته في القضية لكن إلى هذه اللحظة لم تقع إحالة الهادي ولد باب الله على وكيل الجمهورية .
و لم تتوفّر مجمل تفاصيل هذا الموضوع إلى حدّ الآن لكن ممّا علمناه أن الهادي مُتّهم بتسجيل نكتة بواسطة الجوّال على شخص بن علي و شخص عماد الطرابلسي مُختلس اليخوت و مهرّب البضائع . .
و إذا صحّت تفاصيل الخبر ، فإن الهادي ولد باب الله الذي هو إبن الشعب لا يجب أن يُلام ، فالذي يجب أن يلام هو بن علي الذي إفتكّ حقوق التونسيين واحدا واحدا و أصهاره عماد و غيره الذين نهبوا المال العام تحت إمرته
و الهادي ولد باب الله هو واحد من هؤلاء التونسيين الذين ردّوا بأبسط ردّ على الإعتداء على شعبه و على مال شعبه . . ردّ بمجرّد نكتة في بلد يدّعي أن حرية التعبير فيه مكفولة فهل هو المُخطئ .
و غدا نعود للموضوع بأكثر تفصيل . المصدر : مراسلة خاصة من تونس
تونس.. موقف موحد للإسلاميين والعلمانيين تجاه المرأة
حوار مع حمزة بيكَّاردو حول الأزمة التي أثيرت في وسائل الإعلام الإيطالية بشأن الدعوة التي وجِّهت الى الشيخ راشد الغنوشي للمشاركة في منتدى نابولي « منح صوت للإسلاميين الديمقراطيين »
بمجرد أن أعلنت الجهات المنظمة – جامة « الشرقية » ومركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي-المسيحي – عن الدعوة الموجَّهة للغنوشي, كأحد أهم المفكرين الإسلاميين المنظرين للديمقراطية, للمشاركة في أعمال هذا المنتدى, حتى قامت زوبعة إعلامية استهدفت الغنوشي والقائمين على هذه المبادرة الفكرية. وهو ما أثار حفيظة وسخط المنظمين والمشاركين على الأطراف التي أظرمت نار الحملة التشويهية وتلك التي غذتها, من خلال إلقاء التهم جزافا على من اعتبرته « خطرا على الديمقراطية » و »عدوّا للحكومات العربية », أي الشيخ راشد الغنوشي.
إلاّ أن الرسالة الخطية التي أرسلها الشيخ الغنوشي إلى المنتدى – معبرا فيها عن إمتنانه وتقديره للمبادرة وللقائمين عليها, وكذلك عن أسفه لعدم تمكنه من حضور أعمال الملتقى, بسبب الهجوم الشرس الذي تعرض له, والذي حال دون تلبيته الدعوة – ساهمت في إخماد سعير الأزمة, وإن لم تطفئ لهيب ردود الفعل الغاضبة من تلك الأطراف « المغرضة », التي « جعلت قوت يومها افتعال الأزمات والتهويل وإشاعة حالة الرعب من الإسلام والإسلاميين. توالت الردود, سواء في فضاء المنتدى أو بعده على صفحات الجرائد, من طرف المنظمين وأعضاء اللجنة العلمية التي أشرفت على اختيار المدعوين. كالأساتذة: ماسِّمو كامبانيني و باسكوالي تشيرييلّو و ميكيلي كامباسّو و جون إيسبوزيطو وغيرهم كثيرين.. وضمن هذه الردود يندرج حوارنا هذا مع أحد أبرز رموز الإسلام في إيطاليا
– حمزة روبيرتو بيكّاردو:
– ولد سنة 1952 بإمبيريا الساحلية, القريبة من مدينة جنوة الإيطالية واعتنق الإسلام سنة 1975.
– هو من مؤسسي إتحاد الجاليات والمنظمات الإسلامية في إيطاليا. كما أنه – إلى جانب عضويته مجلس الإدارة منذ 1990 – يشغل منذ 2006 منصب الناطق الرسمي باسم الإتحاد.
– أشرف على إعداد مسودة وثيقة تفاهم تنظم العلاقة بين الأقلية المسلمة, من جهة وبين الدولة الإيطالية, من جهة أخرى. كما ساهم في تأسيس المجلس الإسلامي بإيطاليا (يضم عددا من الهيئات التمثيلية الإسلامية).
– أسس سنة 1993 بيت الحكة للنشر, حيث أصدر العديد من الأعمال الإسلامية ومن أهمها: ترجمة معاني القرآن الكريم والترجمة الإيطالية ﻟ « رياض الصالحين », وغيرهما الكثير…
– أنشأ عددا من المواقع الإلكترونية الإسلامية, منها www.islam-online.it و www.islam-ucoii.it , وغيرهما…
– يكاد لايغيب عن أهم البرامج التلفزيونية والتحقيقات الصحفية المعنية بالإسلام والمسلمين في إيطاليا.
حاوره عباس عباس
إيطاليا، الخميس 1 مارس 2007
عباس عباس: هل يمكن إعتبار مداخلة الغنوشي جزءا من فلسفة الإسلام العتدل ؟
حمزة روبيرتو بيكّاردو: إن مفهوم الوسطية الذي يشير إليه هذا السؤال هو ممَّا يأمرنا به الله (عز وجل) في القرآن (الكريم) عندما يخاطبنا على أننا « أمة وسطا ». تلك الأمة المعتدلة التي تنبذ التطرف والغلو, ولكنها في الوقت ذاته منظبطة بأخلاقها, متمسكة بواجبها الإجتماعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفكر الشيخ الغنوشي يندرج ضمن هذه الرؤية. وبالتالي فإن الورقة التي أرسل بها إلى منتدى نابولي لاتشكل إستثناءا.
ففيها يأكد راشد الغنوشي ألاّ تناقض بين الإسلام والديمقراطية وأن مفهوم المواطنة يمثل قاعدة للتعددية. كما أن شرعية السلطة لايمكن إلا أن تأتي من الأسفل وعن طريق الإنتخابات. بحيث لا تكون الأغلبية حالة أبدية ولا الأقلية كذلك. ومن الضروري إلى جانب هذا, أن يكون هنالك توازن بين السُلط:
– تنفيذية قادرة,
– تشريعية مدركة,
– قضائية مستقلة.
أمّا حق الإنتقاد فيجب أن يكون محفوظا للجميع, بل ومشجَّعا. وأن يكون مصدر السلطة هو قبول الرأي العام.
وكما ذكر الشيخ الغنوشي, أنه لايمكننا أن نُغفل تأثير القوى الإقتصادية الذي لامفر منه. ولكن دون أن يدفعنا ذلك إلى إتخاذ مواقف عدمية, تنكر فضل الديمقراطية. وهي رؤية غير جديدة: إذ مثّل إجتماع الصحابة (في السقيفة, إ.م.*) إثر وفاة النبي (ص), الأساس التاريخي للنظام البرلماني في الإسلام. إلاّ أن حالة النكوص إلى التسلط – وأحد أسبابها يكمن في أن النظام كان قد صيغ لإدارة المدينة وليس لإدارة إمبراطورية عظمى – لم تلبث أن تسببت في عودة السلطة القبلية وطغيانها. وذلك على غرار جاهلية ما قبل الإسلام. والنتيجة هي : هاته الأنظمة التي تحكم المسلمين, والتي هي أقرب إلى الأنظمة الإقطاعية الأوروبية منها إلى الأنظمة المستوحات من الإسلام.
عباس عباس ما هي نقاط الإلتقاء بين الغنوشي وطارق رمضان ؟
حمزة روبيرتو بيكّاردو: رغم التباين القائم بينهما من حيث التجربة الوجدانية, إلا أن الرحم واحد. فلكليهما إرتباط وثيق بالتعاليم الإسلامية العظيمة – على غرار العلماء والمصلحين – وليس بالأشكال التاريخية التي ظهر بها العالم الإسلامي عبر القرون.
– فالغنوشي مثال حي للصرامة الأخلاقية والعقائدية. إذ تمكَّن – وبالرغم من وضعه كلاجئ – من مجابهة أشكال الفكر الغربي, دون أن يتزحزح عن مواقفه الشجاعة والواعية.
– بينما رمضان – وانطلاقا من الثقافة الأوروبية, والتي تحتل حيزا كبيرا في معالجاته (الفكرية, إ.م.) – فهو يعيد إكتشاف كنه الإسلام ومن خلال النضال الإجتماعي, من دون أن ينفصل ذلك عن العقيدة, التي توجِّه وتدعم هذا النضال.
عباس عباس هل يمكننا إعتبار أن كليهما رمزا أساسيا في المشهد الإسلامي العالمي ؟
حمزة روبيرتو بيكّاردو: بكل تأكيد. وذلك رغم عدم إطلاعي الدقيق على وضع حركة النهضة اليوم. ولا على دور الغنوشي في الحراك الداخلي لجماعة « الإخوان المسلمين » على المستوى العالمي.
لكنني أعتقد أن أهميته (أي الغنوشي, إ.م.) تتأتى خصوصا من خلال إلتزامه, الذي لا يعرف الكلل ولا الملل, بالتنديد – عبر خطاباته وكتاباته – بما يعانيه شعبه وجزء كبير من الأمة الإسلامية, من الظلم والقهر.
كما أن طارق رمضان, يُعتبَر أحد أهم المفكرين في العالم. و بالرغم من المحاولات المستمرة لتشويهه إعلاميا – وخصوصا في المنطقة الفرانكوفونية – إلاّ أنه, وفي كل مرة, يبرز كمرجع لكل من يرى – مسلمون وغير مسلمين – في العقيدة الدينية دافعا قويا نحو إصلاح النفس والمجتمع, عبر إلتماس العدالة الإجتماعية واحترام حقوق الإنسان.
عباس عباس ما رأيك في اللغط الذي أثاره « مجدي علاّم »** حول المنتدى, عموما, ودعوة الغنوشي إليه, خصوصا.
حمزة روبيرتو بيكّاردو: إن فرضية المحافظين الجدد حول الأحادية الأمريكية – التي يُفترض أن تسحق كل فكر يمكن أن يعيق هيمنة الولايات المتحدة, خصوصا في مجال حروبها المروعة وقهرها للشعوب – والمسمَّاة « القرن الأمريكي الجديد », قد تحققت هزيمتها على أرض الواقع وفي الوعي العام. إذ لم يعد المفكرون اللبراليون فقط يعتقدون ذالك. بل إن أصواتا من البنتاغون ومن الخارجية غدت ترتفع مطالبة بإجراء تغييرات على مستوى السياستين, الخارجية والعسكرية, للولايات المحدة. ومن هذا المنظور فإن الخاسر الأساسي (من هذه التغييرات, إ.م.) سيكون, طبعا, إسرائيل. والتي كانت تتوهم أنها قادرة – بحماية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها – على المضيّ في سياساتها التوسعية.
كما أن حوض المتوسط الآن, هو بدوره مسرح صراعات وورشة سياسات. وهو سيُنتج قريبا (إن شاء الله) تغييرات هامة على مستوى هذه المنطقة. وهذا يجعل الكثير – من أولئك الذين توهّموا أنهم, برقصهم على إيقاع طبول البيت الأبيض وتل أبيب, سيتسلقون المراتب وسيجمعون الثروات – يعيشون أزمة غاية في الخطورة.
وعلى ضوء هذا, فإن مجدي علاّم قد أدرك أن لقاءا يجمع عددا من مفكرين في مناسبة على هذا المستوى من الثقافة والجدّية وفي ظل بروز التوقعات بحدوث تغييرات ديمقراطية في العالم الإسلامي – رغما عن الأنظمة الدكتاتورية والعسكرية الجاثمة فوق صدره – لايمكن إلا أن يكون مؤشرا على أن الغرب بصدد صياغة سياسة جديدة تجاه العالم العربي والإسلامي.
لذا, فإن محاولة علام سحب الشرعية من هذا المنتدى, بطريقته المعهودة في القذف والتشهير والإبتزاز السياسي, هي في الحقيقة اعتراف بالضعف, مثير للشفقة. كما أنها قد قوَّت من إرادة المشاركين في المنتدى. الذين – وإن بدرجات متفاوتة – أجمعوا على استهجان هذه المناورة, كما و أعابوا على الصحيفة – وهي بهذه الأهمية – استمرارها في إعارة صفحاتها إلى محارب منهَك من حرب باتت خاسرة.
إننا بدأنا نلمح بصيصا من النور يلوح من آخر النفق, الذي أُجبرنا في السنوات الأخيرة على العيش فيه. فإن المستقبل القريب سيشهد (بإذن الله) تحالفا بين الحضارات يحقق المصالح المشتركة للشعوب وللأجيال القادمة.
وسيتيح لرجال كأمثال الشيخ راشد الغنوشي, أن يضطلعوا بأدوار لطالما حُجبت عنهم. بينما آخرون سيعودون إلى الخفاء متمنين أن ينساهم العالم. أليس الله (عَزّ وجَلّ) بقائل في كتابه الحكيم: « وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله والله خَيْرُ المَاكِرِينْ » صدق الله العظيم.
– ترجمه من الإيطالية: صابر المهذبي
* – إ. م. = إشارة (مظافة من) المترجم.
** مجدي علام: صحفي إيطالي (من أصول مصرية) معروف بكتاباته وتصريحاته المثيرة للجدل, والمساهمة في إشاعة حالة خطيرة من الإسلاموفوبيا, بل والكراهية لكل ما هو إسلامي (حسب العديد من المفكرين والناشطين في مجال حقوق الأقليات ورجال الدين وغيرهم..)
خاص بالحوار نت www.alhiwar.net
الأحد 25 فبراير 2007م]
«
اُسكتْ عيب » التونسي بو زيد.. هل يهاجم الإرهاب ويتطاول علىالقرآن مجددا! تصريحاته أثارت زوبعة
تونس- سليم بوخذير يعرضالأسبوع المقبل فيلم المخرج التونسي النوري بوزيد الجديد « آخر فيلم »، وذلك لأول مرةخارج العاصمة التونسية. وكان الفيلم قد بدأ عروضه أوائل الشهر الحالي « فبراير–شباط 2007 في العاصمة تونس وسط حضور جماهيري كبير بعد تتويج الفيلم في مهرجان قرطاجالسينمائي « نوفمبر- تشرين الثاني » 2006. والفيلم يعالج ظاهرة « الإرهاب » من خلالالشاب « بهتة » الذي مر بكل مراحل الانحراف السلوكي إلى أن قذفت به الأمواج في طريقالتطرف فصار يؤمن بالعنف، ليقوم في آخر أحداث الفيلم بتفجير نفسه بعد أن تعذّر عليهاستخدام العنف. ويتطرق الفيلم أيضا لإشكالية الفقر والخصخصة والبطالة المنتشرةبأحياء العاصمة التونسية، معتبرا إياها عوامل تؤدي إلى ارتماء الشباب في أحضانطروحات التطرف والعنف. لكن ما حمله النقاد على الفيلم زمن عرضه في مهرجان قرطاجهو « عدم واقعيته في تصوير المتدينين في تونس على أن من بينهم إرهابيين »، حسب وجهةنظرهم. وكان بطل الفيلم الممثل لطفي العبدلي قد نال جائزة أفضل ممثل في مهرجانقرطاج السينمائي 2006، فيما نال الفيلم الجائزة الذهبية للمهرجان. ومثلما أثارالفيلم الجدل الذي استفاد المنتج منه في تحقيق الإقبال الجماهيري عليه، أثارت أيضاتصريحات صحفية لمخرجه النوري بوزيد، من ذلك اتهامه لما أسماه بـ « اللوبي الصهيوني« في مهرجان كان السينمائي بالوقوف وراء استبعاد فيلمه من المسابقة، على حد تعبيره. واعتبر بعض النقاد هذا الكلام غير صحيح، واصفين شريط بوزيد بأنه « ليس في مستوىالأفلام المشاركة في كان« . كما أثارت تصريحت المخرج التي دعا فيها إلى « ضرورةإعادة تفسير آيات من القرآن » حفيظة رموز الخطاب الديني في تونس. وبينما تستمرعروض « آخر فيلم » بقاعات تونس، انصرف مخرجه بوزيد منذ أيام إلى تحضير فيلمه الجديد « اُسكتْ عيب » الذي يتكتم تفاصيله، ولا يعرف المقربون منه إن كان سيسير على النهجذاته مثلما فعل في آخر فيلم أم يتجاوزه لقضايا أخرى. * المصدر: موقع شبكة « أم.بي.سي » التلفزية بتاريخ 25 فيفري 2007 . الرابط : http/www.mbc.net/2007/02/25/a.002/article.htm
قيادي إسلامي يعود إلى ليبيا بعد 18 سنة في المنفى
وأبلغ بن عثمان «الحياة»، قبل أسابيع، أنه على اتصال مع أطراف في الحكم الليبي، لا سيما في أجهزة الأمن و «مؤسسة القذافي للتنمية» التي يرأسها سيف الإسلام القذافي. وقال إنه أيضاً «على اتصال» مع قادة «المقاتلة» المسجونين داخل ليبيا، من دون أن يوضح طريقة اتصاله بهم، مؤكداً في الوقت نفسه أن هؤلاء يُجرون فعلاً اتصالات مع الحكم الليبي ويريدون أن يُشركوا فيها قادة جماعتهم في الخارج، وتحديداً في أفغانستان. وبعد أيام من كلامه هذا في كانون الثاني (يناير) الماضي، صدر بيان باسم «الجماعة المقاتلة» نفى أن تكون «في طريقها للمصالحة والتسوية ومراجعة أفكارها وتخليها عن الجهاد المسلح».
ولم يكن واضحاً هل صدر هذا البيان باتفاق مع قادة «المقاتلة» في أفغانستان وعلى رأسهم «أبو يحيى الليبي» و «أبو الليث القاسمي». ويشارك هؤلاء في المعارك ضد الأميركيين ويُعتقد أنهم على اتصال وثيق بتنظيم «القاعدة». ولم تُحدد «المقاتلة» علناً بعد موقفها من إعلان «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» تحولها إلى «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، لكن يُعتقد أن قيادة «القاعدة» على الحدود الأفغانية – الباكستانية تُريد أن تنضم كل «التنظيمات الجهادية» في المغرب العربي إلى «قاعدة الجماعة السلفية». وسيعني ذلك، في حال حصوله، انضمام «الجماعة المقاتلة المغربية» و «الجماعة المقاتلة الليبية» (ليس واضحاً هل هناك تنظيم «جهادي» تونسي) إلى التنظيم الجديد الذي يقوده الجزائريون. ومعروف أن بعض المغاربة وعشرات التونسيين يقاتلون فعلاً إلى جانب «القاعدة» في الجزائر أو يتدربون في قواعدها. وقادت «الجماعة المقاتلة» حرباً ضد الحكم الليبي في منتصف تسعينات القرن الماضي، لكن أجهزة الأمن وجّهت اليها ضربات شديدة وفككت معظم خلاياها داخل البلاد. وبعد بدء «الحرب الأميركية ضد الإرهاب» في نهاية 2001، تعرضت «المقاتلة» لنكسة شديدة عندما اعتُقل أبرز قادتها وسُلّموا إلى ليبيا. وأجرت السلطات الليبية اتصالات مع القادة المسجونين بهدف اقناعهم بالتخلي عن سلوك العمل المسلح ومراجعة أفكارهم، وأفرجت عن بعضهم كما خففت إجراءات السجن ضد بعضهم الآخر. لكن لا يبدو أن الطرفين توصلا إلى أي اتفاق حتى الآن.
إلى سيادة رئيس الجمهورية التونسية حفظه الله
سيدي الرئيس، إني المسماة نبيهة المنشاوي صاحبة بطاقة التعريف الوطنية عدد 00132040 المستخرجة بتونس في 5 سبتمبر 2002 إمرأة مسنة (عمري قرابة 74 سنة ) حرم جلال الدين بولكباش الطاعن في السن (عمره قرابة 84 سنة) أقطن بالمرسى بـ 21 نهج سالم بوحاجب 2070 منذ قرابة 50 سنة أطلب من جنابكم التدخل لدى مسؤولي مصلحة بلدية المرسى لإغاثتي أن منزلي متداعي جدا و سيقع عليى و على زوجي الطاعن في السن و إبنتي المطلقة وإبنتها في أي وقت أطلب رخصة ترميم و إعادة بناء السقف في أقرب وقت ممكن ، لقد إتصلت بأعوان البلدية في عدة مرات تقريبا أكثر من خمس سنوات و أنا طالبة منهم تمكيني من رخصة ترميم و إعادة بناء السقف لكنهم تجاهلوا ندائي و لم يصغوا إليى. سيدي ،
إن البناية التي أقطن فيها منذ 50 سنة هي ورثة أبي عـــدد الرسم العقاري 88335 شركة مع أخوتي من الأب حصلت بيننا عدة مشاكل على الورثة فلجأت إلى القضاء لإنصافي و أخذ منابي فصدر حكم بالقسمة عدده 8365 بتاريخ 15/05/1989 لم أدرجه في دفتر خانة و لم أسجله لأخذ شهادة الملكية جهلا مني فأنا لم أكن أعلم بذلك إلا منذ فترة عندما تقدمت إلى مصلحة البلدية بالمرسى أطلب منهم رخصة ترميم و إعادة بني السقف.
سيدي, أطلب من جنابكم التدخل السريع و منع حصول الكارثة الكبرى لقدر الله إن الخطر يداهمني كلما أمطرت بغزارة أطلب من الله الستر و أن أموت موتة طبيعية المنزل قديم متداعي جدا وقابل للسقوط في أي وقت بشهادة خبراء من مصلحة البلدية فهو تقريبا عمره أكثر من 100 سنة أنا خائفة جدا من حصول الكارثة عليا و على عائلتي ليس لي مسكن آخر ألجأ إليه أريد فقط رخصة ترميم المسكن أخوتي تمكنوا من البناء لست أعرف كيف لأن منازلهم تقع داخل زقاق و أنا منزلي يقع على حافة النهج .
سيدي، فهذا ليس بصعب عليكم و أنت صانع فجر التغيير المبارك إني أنتظر الرد في أقرب وقت ممكن دمتم لتونس فخرا أدم الله عزكم و الســــلام.
الإمضاء نبيهة المنشاوي 21 نهج سالم بوحاب المرسى 2070- الهاتف الجوال :96.839.853
نصف موقف
لايزال الركود و القتامة يصبغان المشهد السياسي التونسي.و لا يزال النفس الاصلاحي في أولى تقطعاته من ثقل الموروث السياسي و مارد الأحداث الحاضرة الرديئة.وعلى اعتبار ضرورة مزيد دفع هذا النفس الى المرور من المرحلة الجنينية الى مرحلة النضج فانني كمشارك ملاحظ و ناقد أنبه الى ثلاث مشاغل لوصول هذا النفس الى الصورة المقبولة و الفاعلة – ضرورة الوقوف و التقييم الموضوعي لجل التجارب السابقة و تحليل عوامل ظهورها و ظروف نشأتها مراحل تطورها و أسباب أزمتها و تلاشيها – اعادة النظر في مسألة لطالما طبعت المشهد السياسي ألا و هي مسألة التوظيفالسياسي و الرؤى الحزبية الضيقة و القطع الجذري معها – رسم تصورات على قاعدة المشتركات و مراكمة الممارسة النضالية لمزيد تفعيل و ترسيخ عقلية للم المجموعة و تجانسها هذا و انه لا بد من مزيد الايمان بضرورة تغليب ما هو مطلبي حتى نتمكن من ادراك مكاسب تكثف مبدأ الثقة و التصور المشترك و تعطي للمناضل قيمة مضافة ختاما ان التزام الجميع بالخط المشترك النابع من جوهر القضايا المطروحة عبر قنوات السفارات و الأجندات اللاوطنية و تشبث جميع المكونات داخل أي حركة بتمشي نضالي يقطع مع الانتهازية و التمعش من غبار الأزمات يعطي المناضل و الحركة تحصينا مزدوجا من الانقسامات والارتداد و يمنع التصادمات يلغي انسداد الافق السياسي لأي حركة و يعطيها دورها الطلائعي دمتم للعزة و الكرامة دمتم ذخرا للنضال و سندا حقيقيا لكل نفس مناضل عصام السلامي
قراءة في شرعية الاستثمار في البورصة (5/7)
الجزء الخامس
ـ يتبـــع ـ
المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net [1] انظر »الفتاوي الشرعية في المسائل الاقتصادية » بيت التمويل الكويتي الطبعة الأولى 1981 ص:64. [2] د. محمد عبد الغفار « مشروعية السوق المالية » موقع إسلام أون لاين. [3] أ.د. محمد عبد الغفار الشريف « مشروعية السوق المالية » مرجع سابق موقع إسلام أون لاين. [4] الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية الجزء الخامس، مرجع سابق، ص: 425. [5] الموسوعة مرجع سابق، ص: 425. [6] فرانسيس هيرست في سمير عبد الحميد رضوان « أسواق الأوراق المالية » مرجع سابق، ص :352. [7] د. أحمد يوسف سليمان « رأي التشريع الإسلامي في مسألة البورصة » الموسوعة العلمية المجلد الخامس مرجع سابق ص: 424 ـ 425. [8] مرجع سابق ص: 434. [9] د. محمد عبد الغفار الشريف « مشروعية السوق المالية » مرجع سابق. [10] أحمد محي الدين « عمل شركات الاستثمار الإسلامية في السوق العالمية » رسالة ماجستير، نقلا عن « أسواق الأوراق المالية » لسمير عبد الحميد، مرجع سابق ص: 361 وما بعدها. [11] سمير عبد الحميد رضوان مرجع سابق ص :363 ـ 372. [12] فتوى مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي (مكة) القرار الأول الدورة السابعة موقع « إسلام أو لاين »
نزهة في (زاد المعاد في هدي خير العباد)
اليوم الثاني
يتبع بإذن الله ….
الوطنيون الديمقراطيون
حول مصرع الحلاّج: الحسين ابن منصور
حسين مروة
الجزء الثاني
النزعات المادية
في الفلسفة العربية الإسلامية
مختار اللغماني
حفريات في جسد عربي
أقسمت على انتصار الشمس
فيما يلي واحياءا لذكرى المناضل الدكتور الشهيد حسين مروة, ولذكرى الشاعر المناضل مختار اللغماني, نقدم لكم قصيدة « حفريات في جسد عربي » من ديوان « أقسمت على انتصار الشمس » للفقيد مختار اللغماني, مع مقتطف من كتاب الدكتور الشهيد حسين مروة » النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية » – « حول مصرع الحلاج: الحسين ابن منصور ». ويتنزل ذلك في إطار تنشيط الذاكرة الثقافية المناضلة ولفت إنتباه القراء للإرث الكبير الذي تركه المفكر الدكتور حسين مروة الذي ساهم من مواقع متقدة في التأسيس لقراءة تقدمية علمية مادية تاريخية للتراث العربي الإسلامي, وتعرض من جراءذلك للتصفية والإغتيال على يد القوى الرجعية الطائفية. كما يأتي إعادة نشر قصيدة الشاعر مختار اللغماني في سياق تعريف الأجيال الشابة بأدب هذا الشاعر الفذ الذي أخذته المنية وهو مازال في ريعان العمر.
الوطنيون الديمقراطيون البريد الإلكتروني
أرض حرية كرامة وطنية
مختار اللغماني
حفريات في جسد عربي
من ديوان
أقسمت على انتصار الشمس
1978
حفريات في جسد عربي
– 1
لا تهدر حلمي باسم الله
وباسم الدين
وباسم القانون
ولا تذبح قلمي
« كلماتك حمرا » قال..
فما لون دمي؟ !
إنّي أشهد بحمام العالم
بالزيتون المطعون
وبالبحر المسجون
وبالدنيا
وأنا أعرف ليس على الدنيا أحلى أو أغلى من هذي الدنيا
أشهد أنّي عربيّ حتّى آخر نبض في عرقي
أرض حرية كرامة وطنية
عربيّ صوتي
عربيّ عشقي
عربي ضحكي وبكائي
عربي في رغباتي الممنوعة في أهوائي
عربي فيما أشعر
عربي فيما أكتب
لكن العالم أرحب
لكن العالم أرحب!
-2-
عربيّ وأبو ذرّ جدّي
حين يطول اللّيل ويدهمني حزني
وأنا طفل معلول
يبسم لي ويقول:
» يا ابني
وسّد قلق اللّيل إلى حضني ! «
أتدثّر بين عباءته
أتدفّأ عند سماحته
أتوسّده
يتوسّدني
ويهدهدني
وأقول له:
» علّمني الفرحة يا جدّي
أمنح إسمك من عندي ! «
فيعلّمني ويعلّمني ويعلّمني
ويصير لقانا في » الرّبذة » (1)
أجمل من كلّ كراسي العفن!!
أرض حرية كرامة وطنية
– 3-
عربي والحلاّج أبي
في يوم مجروح بالأمطار
كان الجلاّدون يقودونه موثوقا نحو النّار
كم كان جميلا في جبّته
كم كان عظيما في هيبته
كنت أنا في الساحة صحت :
» لمن تتركني يا حلاّج «
والمطر الغاضب لم يفلح في تحريك الأمواج
والبحر سيبقى بعدك مسجونا محزونا ! «
نظر إليّ بغضب الواله . كان غضبه حنونا
قال :
» أتبكي
هل علّمتك أن تبكي
إنّي يا ولدي أدفع روحي والجبّة حطبا آخر للنّار المشتعلة
روحي والجبّة بين يديك
لا تبك ولا تهرب وافتح في ناري عينيك
وتعلّم أنّ النّار تعيش على حطب الفقراء
حتّى تترعرع يوما تتغذّى فيه بحطب القتلة ! «
صحت به :
» معك الله سيأمرها كوني بردا وسلاما ! «
قال :
» يا ولدي : لا يخدعك الأمل الكاذب لا تحمل
أرض حرية كرامة وطنية
من أجل العشق سلاحك أوهاما
تعرف يا ولدي أنّ الجبّة آخر حصن للرّبّ
تدفّأ فيها أعواما .
تعرف يا ولدي أنّ الرّبّ الآن سيحرق في الجبّة..
أو فانظر..انظر فوق الغصن هناك إلى الرّكن
الأيسر في الساحة
ذاك العصفور المقرور تساقط منه الريش وكسّر
صيّاد في البرد جناحه
بعد قليل يذبحه جنديّ حرّاسه
خذه يا ولدي واطعمه حبّة قمح وامسح بالزيت
على رأسه وأطلقه نهار تعود الشمس وتورق
أغصان الأشجار فذاك هو الرّبّ وإنّي
أسمع في الروح نواحه ! !
– 4 –
عربيّ وأبو نوّاس الملعون المغبون نديمي
في أيّام الغربة ندخل كلّ مساء بارا شعبيّا
نشرب نشرب نشرب حتّى يصبح » رأس الدّيك حمارا
وحشيّا «
نتسكّع في ماخور مدينتنا و » تزقّ » علينا الأطيار
بباب البحر
ونغافل شرطيّا في نهج الحرّيّة
لنبول على الأرصفة الحجريّة
ونغنّي أغنية شعبيّة
ونقول الشّعر
وندين الكتب الصفراء وشعر التحنيط ومن يقفون
على الأطلال بكاء لا يمنح خبزا لرعيّة
أرض حرية كرامة وطنية
كان أبو نوّاس يقول :
» ما أكذب هذا التاريخ
يبقى منه الوجه الزائف والوجه الآخر للتفسيخ ! «
قلت له يوما :
» لكن على عهد خليفتكم هارون فما وجه العالم
ولقد كان الخلف الصالح والسّيف العادل
والحاكم و نهار يسير من القصر إلى السوق على
فرس أبجر كان الجمهور يصيح ليحيا هارون ! «
قال :
» ما كان يصيح سوى تجّار السّوق
والمحترف مغازلة البوق
وخليفتنا لم يفتح شبرا من أرض الله ولكن
الفاتح جيش الفقراء
وخليفتنا لم يفتح غير دكّان الخمر صباح مساء
وخليفتنا لم يفتح غير سجون !
تسألني عن هارون :
هارون هو القصر وحرس القصر وخصيان القصر
وجواريه و المدّاحون
هارون هو السيف المشرع في يد جلاّد يدعى
» مسرور «
فالضاحك في الشّارع دمه مهدور
والهامس في الشّارع دمه مهدور ! ! »
في الفجر أبو نوّاس يودّعني و هو يغنّي وغنائه
دوما محزون
» لئن عمرت دور بمن لا أحبّهم
لقد عمرت ممّن أحبّ السجون «
– 5-
عربي فاجأني يوما غيفارا
أرض حرية كرامة وطنية
لم يطرق بابي لم يستأذن حرّاس حدود في حمل العشق
المستورد
كالطائر يرحل عبر فصول العام وحيث يرى الشمس يغرّد
غيفارا عصفور شمسي المولد
غيفارا عصفور كسّر بيضته و مدّ جناحيه نحو الشمس
غيفارا عصفور يسقط كلّ الأنساب الدينيّة أو أنساب الجنس
غيفارا عصفور يحمل غصن الزّيتون بمنقاره وعلى الجبهة
نسب العشّاق
غيفارا عصفور يعرف حزن النفط العربي ووجع الصحراء
غيفارا عصفور حين يجوع معي في الرّبع الخالي ألقاه
عربي الأمعاء
غيفارا عصفور يبحث في الرّبع الخالي عن قطرة ماء
غيفارا علّمني ذات مساء :
» كن عربيّا فيما تشعر
كن عربيّا فيما تكتب
لكن لا تنس بأنّ العالم أرحب
لا تنس بأنّ العالم أرحب !!
– 6 –
عربي يتلاقى في روحي كلّ الثوّار فينتسبون لعائلة واحدة
ويجيرون جميع الغرباء
يتوحّد هوشي منه مع الله..
والحلاّج يوحّد لغما والجبّة تحت لباس فدائي
يرقص لوممبا في الجبّة أحلى الرقصات الإفريقيّة..
و يصلّي غيفارا في الصحراء صلاة الإستسقاء ! !
– 7-
عربي روحي عصفور يرحل كلّ مساء فوق المدن العربيّة
يتعب في مصر . يحطّ على الأهرام فتوجعه الشمس
و يعطش . يقع على النّيل ليشرب لكن لا يجد النّيل
أرض حرية كرامة وطنية
سوى طين ودماء و بقايا جثث للخيل العربيّة
و أناشيد توزّع بالمجان !
يضرب بجناحيه حزينا
ما زال كويفير الأخشيدي العبد هنا
و يطير يرى في الأفق سرابا ما كان سرابا .. كانت
مكّة .. ما زالت مكّة .. و يحطّ على الكعبة جوعانا ..
ليس على الكعبة قمح لحمام يأتي فشيوخ قريش أعطاهم
ربّك ذهبا من عمق الصحراء كفاهم شرّ الحرث و هم
منشغلون بما منحتهم إحدى الدول الكبرى ثمنا للأطنان
من النفط :
محطّة تلفزة بالألوان ! !
.. عربي روحي عصفور حين يجيء اللّيل يحطّ على أرض اليمن
يرتاح على راحة صيّاد يتعشى عند الفلاّحين و يشرب
من حلم الثوّار
و ينام وسادته شمس ظفار ! !
– 8-
عربي وعروبتنا إرث كالأرض إذا لم نسق ثراها عرقا
وإذا لم نلحس من تربتها تتبرّأ منّا ونكون عناصر
تخريب في دمها .
عربي وعروبتنا إرث كالأرض وإنّي أشهد أنّ الأرض
لخادمها !
هل عربيّ سلطان يملأ بالخمر القصر ويكتب فوق صناديق
الوسكي قرآن محفوظ فكؤوس الخمر إذن تصبح آيات ؟ !
هل عربي هذا القائد يجعل من جيشه نصفا يحرسه
من غضب الشّعب ونصفا يقتل شيخا ما زال يعانق
في القلب فلسطين ؟ !
.. كان ويا ما كان ويا ما كان
أرض حرية كرامة وطنية
كان نهار فيه الأحلام نمت والشمس تعاكس كلّ
الأشجار وتسبح وسط الأنهار وكان هناك فرسان
أصيلان : دمشق وبيروت
كان ويا ما كان ولكن هذا زمن تصفرّ الشمس به خجلا
والأحلام تموت !
أبكيك دمشق بدم كلّ شهيد في لبنان المذبوح
أبكيك دمشق بحبّ الإخلاص لأكتوبر حين وقفت
معاندة رأسك في وجه الرّيح
هذا عصر مسيرات التقتيل وعصر الحملات الحملة
إثر الحملة
هذا عصر الذبح الوحشي وبالجملة
يا حكّام الشرق الكرماء
من منكم لم يكشف عن أنيابه حتّى لآن
يا حكّام الشرق الكرماء
من منكم لم يكشف عن أنيابه حتّى لآن
من مازال يوزع ضحكته الصفراء ويبرق في عينيه الجوع
الدموي الكامن في الأسنان
من منكم لم يسقط بعد قناع الوطنيّة
هذه الطفلة مازالت تحمل اسم فلسطين وما زالت حيّة
من منكم لم يلق بأشواك الغدر على درب الطفلة تحبو منطلقة
من منكم لم يغمد خنجره في جنبيها من لم يشرب
من دمها الغائر كالأمطار
من لم يسرق جفنا من عينيها من لم يقطع من هذي الوردة
ورقة
فلقد جاء زمان يتساوى فيه الثوريّون مع التجّار
ويبرّر باسم القوميّة تقتيل وتبرّر باسم الدّين السّرقة
يا كلّ الحكام المرتزقة
أرض حرية كرامة وطنية
يا كلّ الثّوريين المرتزقة
– 9 –
عربيّ وطني في قلبي غابة أشجار تثمر عبر فصول العام
وفي قلبي قلب ينبع بالحبّ يضخّ يضخّ وحبّي ماء يسقي
كلّ الأشجار
منذ البدء تناسل حولك يا وطني الحطّابون لهم رأس فأس
ويد منشار
قطعوا أغصانك يا وطني لكن جذور الغابة في قلبي
لم تيبس … ليس هناك سماء كسماء الإصرار !
– 10 –
عربي عربي أشهد بالصفعة أحملها كلّ صباح
من نشرات الأخبار
عربي عربي أشهد بالخجل المرّ يحاصرني من شك
في بعض رجولتنا من رؤية سوّاح غرباء ألقاهم
كلّ مساء في عشّ المحبوبة حين أعود إلى الدّار
عربي عربي عربي
أشهد أشهد أشهد
بالعار ! ! !
– 11 –
عربي واللّيلة يغمرني عشقك أيّتها المعبودة
يا كلّ نجوم سموات الكون أضيئي
ما عدت بعيدة
وأضيئي يا كلّ كواكبنا في الأرض..
فهذه الليلة مشهودة !
كم مارست الموت اليومي بعيدا عن نارك يا معشوقة
ورقدت على عمق جراحي
واللّيلة تأتين بلا ميعاد أحلى من كلّ الحلوات وأشهى
من كلّ الأفراح
أرض حرية كرامة وطنية
إنّي ألقى اللّيلة بالعمر على عينيك وأصرخ في الناس
جميعا عشّاقا كانوا أو أعداء
أشهد أنّي الزرع الخافي في رحم الأرض وأنّك أنت
الأرض وأنت الأنواء
أشهد أنّي السمك الأصغر في البحر وأنت البحر وأنت الماء
آه يا معشوقة هذا الزمن المرّ خذي بيدي مازلت صغيرا
أحبو في دربك لكن يملؤني الإيمان
زادي جوعي للأفراح وحبّي للأطفال ولقبي إنسان
آه يا منقذة النفط من السراق ومنقذة الصحراء
آه يا منقذة الفقراء
أشهد أنّك آتية ذات ربيع أو ذات شتاء
أشهد أنّك آتية ذات صباح أو ذات مساء
وسيكنس نورك وجه الأرض الشرقية
وتكونين لنا منّا والجنسية عربيّة ! !
– 12 –
عربي من رأسي حتّى القدمين
حول الجبهة تمتدّ الصحراء تطلّ الشمس معاندة بين العينين
وعلى صدري آثار سنابك خيل غزاة اللّيل
مرّوا في كلّ الأزمنة السوداء السّيل وراء السّبل
لكن ما ضاق الصّدر ولا دهسوا أنفي
عربي أحمل قمحا وحماما وسلالا من أشعار الحبّ
وبحرا في كفّي
عربي أحمل في جسدي جوع عصور أحمل عطش قرون
لكن يبقى حول الجبهة غصن الزيتون
وأنا أبقى عربيّا في ما أشعر
عربيّا في ما أكتب
وأعانق وجه العالم كلّ صباح يكبر حضني أكثر
فالعالم أرحب
أرض حرية كرامة وطنية
العالم أرحب
العالم أرحب ! !
(1) الربذة : منفى أبى ذر وقد مات فيها.
حول مصرع الحلاّج: الحسين ابن منصور
» …غير أنّ الخصائص التاريخية للمجتمع العربي – الإسلامي في العصر الوسيط , كانت تبرز هذه التناقضات , ذات الجوهر الطبقي , بأشكال دينية حينا كمذاهب متصارعة , وبأشكال إقليمية حينا كصراع بين السلطة المركزيّة لدولة الخلافة وبين قوى اجتماعية في الأقاليم تبدو كأنّها خارجة على تلك السلطة .
كلّ ذلك قد اقترن – طبعا – بانعكاسات له على الصعيد الإيديولوجي . وفي الخطوات السابقة من بحثنا , رأينا – أكثر من مرّة – صورا واضحة لإيديولوجية الطبقة الحاكمة . وهي الإيديولوجية القائمة على أساس اللاهوت الذي استخدم لإضفاء طابع الإرادة الإلهية المطلقة على نظام الحكم والنظام الإجتماعي الذي تمثله الطبقة المسيطرة اقتصاديّا وسياسيّا . وهذا ممّا تكرّر شرحه في معظم فصول هذا الكتاب . أمّا الطبقات والفئات الإجتماعية المستغلّة والمحرومة الإرادة والحرية والكرامة البشرية , فلم يكن من طبائع الأمور أن لا توجد إيديولوجيتها المقابلة لإيديولوجية النظام الإجتماعي المهيمن بشكل مطلق . وقد أوجدتها بالفعل عن طريق أهل الفكر ذوي النزعات المتحرّرة , الذين كانوا – في الغالب – ينتمون , فعليّا أو أصليا , إلى هذه الطبقات أو الفئات نفسها . وهذا هو التفسير الواقعي لظاهرة كون معظم المفكّرين الإسلاميين الذين قادوا الحركات الفكرية المناهضة لإيديولوجية نظام الحكم » الخلافي » , هم من » الموالي » أو من منشأ اجتماعي وإقليمي يعاني الإضطهاد الطبقي بصورة تلتبس فيها العصبية بالطبقية.. بهذه الحقيقة التاريخية الموضوعية نجد الدحض الحاسم لتفسير تلك الظاهرة باتجاه عرقي عنصري يرفضه الواقع والعلم . فإنّ الجوهر الحقيقي لهذه الظاهرة طبقي لا أساس عنصريا عرقيا لها البتة . إنّ أساسا من هذا النوع باطل واقعيّا .
أرض حرية كرامة وطنية
كيف ظهرت , وكيف عبّرت عن نفسها , إيديولوجية هذه الطبقات والفئات الإجتماعية المضطهدة ؟. كانت » قضية الإنسان » هي المظهر الأوّل والأساس لهذه الإيديولوجية , والمعبّر الأكثر عموميّة عنها في المجال الفكري . كانت هي الصياغة الثابتة المستقرّة الوحيدة , في هذا المجال , على مدى عصور الكفاح الإجتماعي المتعدّد الأشكال, الذي مارسته هذه الجماهير في التاريخ العربي – الإسلامي الوسيط . وما عدا هذه الصياغة العامة جدّا , نجد لها صياغات أخرى متفرّقة وغير مستقرّة , ولكنّها أكثر تخصيصا وتحديدا من جهة . ومقترنة بالنشاط العملي والعنفي في بعضها , من جهة ثانية , وهي التي نرى نماذجها في مبادئ الثورة » البابكية » (القرن الثالث الهجري= التاسع) , والثورة » القرمطية » (القرن الثالث – الرابع ه = التاسع – العاشر) , والحركة » الإسماعيلية » (القرن الرابع ه = العاشر) . أمّا الصياغة العامة الأساس – نعني » قضية الإنسان » – فهي , رغم ثباتها واستقرارها زمنيّا , لم تستقر على صورة فكرية واحدة , ولم تستند – قياسا على الوضع التاريخي المعين – إلى أيّة نظرية ثورية متحرّرة من تأثيرات الإيديولوجية » الرسمية » (اللاهوتية) , سوى ما يمكن أن يقال عن » التجربة » الصوفية من أنّها حملت في قاعدة انطلاقها نواة نظرية كان يمكن أن تصبح صياغة فكريّة ثورية لإيديولوجية فئات » العامة » من المجتمع . وثوريّتها تكمن في أنّها – كما أوضحنا من قبل – تنطلق من فكرة التصدّي الجريء لاقتلاع الأساس النظري اللاهوتي الذي قامت عليه إيديولوجية نظام الحكم السائد . ولكنّها لم تصبح هي الصياغة المطلوبة , لأنّها – كما أوضحنا من قبل أيضا – حملت , في الوقت ذاته , معول هدم نفسها بنفسها , بسبب من محالية تحققها كتجربة . وهذا أنتج – بالضرورة – محالية صيرورتها قوّة ثورية فاعلة تحقق مطامح فئات المجتمع الريفية , أو مطامح الفئات الإجتماعية النامية في مجتمع المدن (الفئات التجارية , الحرفيين) .
غير أنّ كلّ ذلك لا يغيّر شيئا من الحقيقة التاريخية التي تعني أنّ » قضية الإنسان » قد انتقلت من مجال الواقع الإجتماعي إلى المجال الفكري لتكون العلامة الأولى العامة لإيديولوجية الطبقات والفئات الإجتماعية الرازحة بوطأة النظام الإجتماعي الإستبدادي المطلق . فقد ظهرت هذه العلامة الكبرى في صور : 1- » الإنسان » الذي رفع
أرض حرية كرامة وطنية
من صفوف الناس العاديين إلى مراتب » الإمامة » أو » النبوّة » أو »
الألوهية » , وأعطى الحق في الخلود بالتناسخ , عند فرق الغلاة . 2- » الإنسان » ذي الإرادة المستقلة والاختيار الحر لأفعاله , عند القدرية والمعتزلة .. و 3- » الإنسان » القادر على معرفة أسرار الكون وأشياء العالم كله بطريق النظر العقلي والتجربة العملية الحسيّة , عند المتكلّمين والفلاسفة وعلماء الطبيعة .. و4- » الإنسان » المؤهل لمرتبة » الولاية » لتظهر على يديه خوارق الأحداث , أو الذي يصل إلى الله مباشرة بالمعرفة » الحدسية » أو » الكشف والمشاهدة » أو » بالشهود الحضوري » , أو الذي يصبح أصل العالم ويصبح اسمه اسما للعالم كلّه (الإنسان الأكبر) , عند الصوفية..
هذه الصور كلّها , التي ظهرت للإنسان في الفكر العربي – الإسلامي بالتعاقب , عدّة عصور , كانت تعني أنّ هذا الفكر حاول جملة من المحاولات أن يعبّر عن ردود الفعل عنده لامتهان الإنسان في ظلّ النظام الإجتماعي الإستبدادي السائد . ولكنّ المسألة أنّ كلّ هذه المحاولات , رغم موقفها الإيجابي من قضية الإنسان المضطهد في ظلّ هذا النظام , ظلّت عاجزة عن تحقيق نوع من التطابق النسبي , في حدود نسبة الفكر للواقع , بين جوهر هذه القضية في مجال الواقع الإجتماعي وبين صورتها في العملية الفكرية . ولذلك ظلّت عاجزة عن الصياغة الصحيحة لإيديولوجية ذلك الإنسان المضطهد , المتمثل بالطبقات والفئات الإجتماعية التي ذكرناها سابقا . أمّا مصدر هذا العجز , بوجهيه المذكورين , فيرجع – كما نعتقد – إلى أنّها ظلّت تدور , بدرجات متفاوتة , في فلك الغيبيات الميتافيزيقية , ولم تستطع الدخول في فلك الحركة الواقعية , حركة التغيير والصيرورة في المجتمع والطبيعة , إلاّ دخولا جانبيّا مرتهنا بروابط لاهوتيّة ثابتة , خفية حينا , وظاهرة حينا آخر .
ولعلّ هذا الإرتباط باللاهوت الإسلامي , يمكن تفسيره بالطريقة التي فسّر بها انقلز ارتباط الأشكال المختلفة للإيديولوجية , في القرون الوسطى , باللاهوت المسيحي .يقول انقلز في هذا الصدد : » إنّ القرون الوسطى ألحقت بعلم اللاهوت جميع الأشكال الأخرى للإيديولوجية : الفلسفة , السياسة , وعلم الحقوق , وجعلت منها – أي هذه الأشكال – أقساما تابعة لهذا العلم (اللاهوت). ولهذا اضطرّت كلّ حركة اجتماعية أو سياسية أن تتخذ شكلا دينيا, وكانت كلّ حركة ,
أرض حرية كرامة وطنية
لكي تحدث أثرها في الجماهير المحشودة بالغذاء الديني وحده , مضطرّة أن تقدّم لهذه الجماهير مصالحها الخاصة بها في لباس ديني » .(لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية)
إنّنا نجد لهذا التفسير انطباعا أيضا على الحركات الفكريّة التي كانت تجري , أثناء الفترة التاريخية نفسها , في المجتمع العربي – الإسلامي . ولكن, نضيف إلى هذا العامل عاملا آخر يمكن وصفه بأنّه » ذاتي » بالنسبة لهذه الحركات الفكرية في الإسلام . فإنّ ارتباطها باللاهوت الإسلامي لم ينحسر سببه في إلحاقها به , تاريخيا , كتابعة له , وتشبّع الجماهير الإسلامية بالغذاء الديني وحسب , بل هناك أيضا حرص هذه الحركات الفكرية نفسها على أن تستر أفكارها المتحرّرة بستار ديني , دفاعا عن النفس من اضطهاد السلطات الحاكمة التي كانت شديدة الحساسية في حماية إيديولوجيتها اللاهوتيّة إلى أقصى حد , وتمويها على رجال الدين المحافظين والرجعيين الذين كانوا يتقرّبون إلى هذه السلطات بالتحريض على أصحاب الفكر المتحرّر وشنّ حملات الإرهاب الفكري والجسدي والغوغائي عليهم بمنتهى الفظاظة , كما فعلوا في قضية مصرع الحلاج ومصرع السهروردي شهاب الدين , وكما فعلوا في قضية إحراق مؤلفات ابن رشد في المغرب , وفي قضايا كثيرة من هذا النوع معروفة في تاريخ الإضطهاد الفكري . وقد قام الغزالي في هذا المجال بدور خطير مشهور . «
أرض حرية كرامة وطنية
حسين مروة
الجزء الثاني
النزعات المادية
في الفلسفة العربية الإسلامية
الطبعة الرابعة
1981
دار الفرابي – ص293 – 294 – 295 – 296 –
حول مصرع الحلاّج : الحسين ابن منصور |
أرض حرية كرامة وطنية
الناطق باسم تجمع المعارضة الموريتانية في الخارج بدي ولد ابنو في حوار شامل مع »الجزائر نيوز »:
الانتخابات الموريطانية·· فرصة لتحقيق التغيير
تشهد موريتانيا، اليوم الأحد 11 مارس 2007، تنظيم أول انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ البلاد يشارك فيها 19 مرشحا لمنصب الرئيس، وبحضور مراقبين دوليين· »الجزائر نيوز » أجرت حوارا شاملا مع الناطق باسم تجمع المعارضة الموريتانية في الخارج الأستاذ بدي ولد ابنو، حول الأوضاع التي كانت سائدة قبل انقلاب 3 أوت 2005، برنامج المجلس العسكري وتعهداته، ضمانات إجراء انتخابات رئاسية في جو من الشفافية والنزاهة، علاقات المعارضة الموريتانية بالعسكر، والموقف الأوربي والفرنسي، وفيما يلي نصه :
حاوره من باريس: محمد مصدق يوسفي ـ الجزائر نيوز
بداية، كيف كانت الأوضاع في موريتانيا قبل انقلاب الثالث من أوت 2005 وإلى أي درجة مثّلَ هذا الانقلاب تحوّلا في تاريخ البلاد؟
في الواقع، الوضع الموريتاني قبل الثالث من أوت لم يعد يحتاج إلى شرح، لأننا أسهبنا في ذلك طيلة عملنا كمعارضين، ولقد كنا نخشى على وجود ما بقي من الدولة في السابق من نظام العقيد معاوية بعدما تبيّن لنا أنه مصر كل الإصرار على التضحية بالبلاد والعباد من أجل البقاء على الكرسي، وبأنه مستعد للتضحية بكل شيء ومهما كلّف الثمن من أجل أن يحتفظ بالسلطة، كانت البلاد ومعها المنطقة كلها تسير إلى كارثة بيّنة، وأنا شخصيا تخوّفت كثيرا خصوصا بعد حادثة محمية »المغيطي » في الشمال الموريتاني قرب الحدود الجزائرية في أواخر ماي 2005 من انهيار ما بقي من الدولة في حد ذاتها· إذا انفجر ما بقي من الدولة، فإن البنية الاجتماعية الموريتانية هشة لا يمكنها أن تتحمّل الفراغ الأمني والفوضى السياسية، فموريتانيا كما تعلم، مكونة من أكثر من 400 قبيلة عربية بحزازاتها وصراعاتها العشائرية، إلى جانب الأقليات الزنجية في الجنوب التي لها مشاكلها الخاصة البالغة الحساسية· وقد عانت كل المكونات ظلم النظام المخلوع وجوره وتهميشه لها، والمكونة الزنجية بالذات تعرّضت لمجازر في عهد نفس النظام، فإذا اختفى الحد الأدنى الموجود من الدولة فإن حربا أهلية رهيبة كانت تنذر بمخاطر كبيرة· وإذن الثالث من أوت كان فرصة كبيرة في أن يستعيد الموريتانيون زمام المبادرة للشروع في إرساء عملية مصالحة مع أنفسهم· وأعتقد في هذا المقام أن هناك جانبين في التحول الذي عرفته موريتانيا في الثالث من أوت، ففي السياق العام ساهمت التعبئة الشاملة والمعارضة في الداخل والخارج التي عرفتها موريتانيا قبل حدوث الانقلاب في التنسيق بينها ولقد توصلت المعارضة في الخارج إلى تشكيل هيئة تنسيقية بين مختلف فصائل المعارضة الخارجية وتجاوزنا فيها الأبعاد العرقية والجهوية وبالتالي تمكّنا من تشكيل ما أصبح يسمى »تجمع المعارضة الموريتانية في المنفى »، أما الشق الثاني فهو طبعا العمل المباشر في عملية الإطاحة بنظام العقيد معاوية، فقد قام به الأفراد الذين أعلنوا عن أنفسهم في البيان الأول وهؤلاء كانوا من المقربين جدا من رأس النظام السابق، وطبيعة كل انقلاب أنه عمل سري· ومن هنا أهمية ما قام به الذين استطاعوا من خلال مواقعهم أن يخترقوا النظام من الداخل وأن ينجحوا في الانقلاب·
ما هي دوافعهم، هل كانت دوافع شخصية تتعلق بالعلاقة مع الرئيس المخلوع العقيد ولد الطايع أم وطنية؟
ليس للإجابة على هذا السؤال أهمية حقيقية، لأن النوايا كنوايا لا تهم في العمل العام وإنما المهم هو الفعل· المهم هو ما قدموا وما يمكن أن يقدموه ميدانيا حتى لا يصبح عملهم مجرد انقلاب تقليدي يستبدل عقيدا بعقيد آخر· لنشر هنا إلى أنه من الأكيد أنهم قاموا بالانقلاب في سرية تامة ودون إبلاغ أي جهات سياسية لا في الداخل ولا في الخارج اللّهم إلا في اللحظات الأخيرة التي سبقت التنفيذ· وهذا كان ضروريا في تصوري· ولكن الجميع استبشر خيرا بعد الإعلان عن برنامجهم ملخصا في ثلاث نقاط رئيسة تتمثل أولا في تخليص البلد من مخاطر بقاء العقيد المخلوع ولد الطايع، ثانيا أن وجودهم هو وجود انتقالي وبالتالي فإن المجلس الذي شكّلوه هو مجلس مرحلي يتعهد بتنظيم انتخابات نزيهة وبتسليم السلطة لمن ينتخبه الشعب، وثالثا ستكون هناك عملية تعكف على إشراك كل الفاعلين السياسيين، وكل أحزاب المعارضة وهيئات المجتمع المدني لمرافقة العملية الديمقراطية في البلاد·
طبعا عندما كان أعضاء المجلس العسكري الحالي مقربين من النظام السابق فلم نتوان أبدا عن توجيه الانتقاد إليهم، وتقريبا فردا فردا، أما الآن فالوضعية تغيّرت وصار المعيار الذي به يقاس عملهم هو قدرتهم على تنفيذ تعهداتهم بنزاهة وشفافية ولاسيما آخر محطات المرحلة الانتقالية، أعني الاستحقاق الرئاسي· مصداقيتهم ورأس مالهم المكتسب عبر تغيير الثالث من أوت وتعهداتهم التي تلته كلها مرتبطة ارتباطا كليا بمدى التزامهم بتعهداتهم·
ما بقي الآن إذن هو الأهم· هل سيتم الاقتراع الرئاسي في جو شفاف ونزيه؟
مرة أخرى ما بقي هو المحك والامتحان الذي يومه يُكرم المرء أو يهان· وبالتالي فإن احتفاظهم بالرصيد الذي اكتسبوه في الثالث من أوت سيكون مشروطا بهذا الالتزام· المعركة قبل الثالث أوت 2005 كانت معركة إسقاط النظام واليوم تغيّر وجه المعركة فأصبحت تسليم السلطة إلى المنتخب في اقتراع يلزمه أن يكون نزيها وشفافا· العملية معقّدة بل بالغة التعقيد· البنيات القديمة ما زالت موجودة والمافيات الاقتصادية والمالية ما زالت قائمة، ومراكز النفوذ تحاول العودة· المافيات تحاول إعادة تشكيل جيوشها – إن صح القول – وستعمل على أن يكون لها وجود فاعل في المرحلة القادمة، أما البنية الاجتماعية القبَلية التي تم تكريسها للأسف في النظام السابق فما تزال حجر عثرة ماثلا، إذ خلال عشرين سنة تقريبا أضحت كل القرارات السياسية والإدارية تترتب على الانتماء القبَلي والعشائري، وبالتالي صار لها وجود مؤسساتي ضمني، فحتى للحصول على وثيقة إدارية كان الأمر في كثير من الأحيان يتطلّب أن تتدخل العشيرة، بل إن إجراء بسيطا مع شرطي ينتهي أحيانا كثيرة بتدخل القبيلة·
هل لتجمع المعارضة في المنفى ثقة مطلقة في المجلس العسكري،وهل تتوفرون على مؤشرات تضمن انتهاء عسكرة النظام الموريتاني؟
الواقع أنه منذ وصول العسكر إلى السلطة عام 1978 لم يتعاملوا بشكل حقيقي إلا مع الانتماءات الماقبل وطنية، أي الانتماءات القبَلية والعرقية، وخلال العقدين الأخيرين في ظل حكم العقيد المخلوع ولد الطايع تم إيصال غرس العشائرية والفئوية والعرقية في الفضاء السياسي والمؤسسي العام لأعلى مستوياته· ثم تم تدمير مختلف قطاعات الدولة تقريبا ولم يبق منها إلا القطاع الأمني والعسكري أو شبه العسكري، فلا وجود لاقتصاد منظم ولو بالمعنى الليبرالي للكلمة، ولا وجود لبنيات إصلاح فلاحي وإداري أو تجاري، ولم تبق إلا المؤسسة الأمنية، حتى الجيش النظامي نفسه تم تدمير أجزاء كبيرة منه، بل وتم تفقيره· ولا يخفى عنك أن الوحدات العسكرية التقليدية تم إبعادها تماما ومنعت مثلا من استعمال الذخيرة الحيّة ومن بعض التنقلات المعينة، ولقد تم بذلك تدمير مؤسسات بكاملها· فالمؤسسة العسكرية حُجِّمتْ كمؤسسة وتم تشكيل بديل أمني عنها أو موازٍ لها يضطلع فقط بحماية النظام نفسه، فحتى الدول الستالينية والأنظمة الشمولية بما فيها بعض الدول العربية لم تصل إلى ما وصلت إليه موريتانيا من تهالك؛ الدول الستالينية احتفظت بما يستبقي بعض ماء الوجه من مؤسسات عسكرية وطنية تعمل جزئيا على حماية الأشخاص والممتلكات، بينما لم يهتم نظام العقيد المخلوع إلا بأمنه الشخصي وبأمن حاشيته وشريعة الغاب هي القانون فيما عدا ذلك· من أبسط عامل إلى أعلى مسؤول كلٌ تتم تعبئته ضمنيا وأحيانا صراحة وبشكل شبه رسمي لتوظيف عمله للدولة لمصالحه الخاصة فقط أو لابتزاز الآخرين بشتى السبل· والمشرفون على الأمن صاروا أكثر خطرا على المواطن العادي من عتاة المجرمين، فهم يبتزونه يوميا بشتى الطرق· لم يكن هذا فلتانًا أمنيا وإنما كان سياسة رسمية متّبعة على أساسها تُبنى الولاءات وتضمن وتتم رأسملتها·
أما عن موضوع ثقتنا في المجلس العسكري فإني أقول إن تجمع المعارضة الموريتانية في المنفى ليس حركة ذات برنامج موحد بل هو عدة حركات منها من كانت له بنية حتى قبل وصول ولد الطايع إلى السلطة، وله مطالب عددية ومعقدة مرتبطة بإشكالية التعايش العرقي في موريتانيا، وهي مشكلات كما تعلم لا يمكن حلّها بين عشية وضحاها، فهي تحديات بنيوية مرتبطة بالأسئلة التي طرحت منذ ميلاد الدولة وهي أسئلة التعايش العرقي وأسئلة الخيارات التربوية والعدالة الاجتماعية، وأعتقد أن أغلب هذه الحركات المعارضة أدركت أن ثمّة تحولا مُهما حدث في الثالث من أوت، وبعدما كنا خارج ميدان الأمل في العقدين الأخيرين ها نحن ندخل مجال الأمل وصار هناك اليوم اعتقاد له ما يثبته ميدانيا مفاده أن الموريتانيين قادرون على التحاور فيما بينهم وإيجاد الحلول التفاهمية لمشاكلهم· فهناك ملامح أساسية في المشهد السياسي العام بدأت في الظهور مما خلق ديناميكية سياسية بعثت من جديد الروح في هيئات وتشكيلات سياسية شارفت على الموت، والأسئلة التي كانت تطرح بتخوف وبكثير من التلعثم باتت تطرح بشكل علني وصريح في فضاء سياسي مفتوح، وهذا لا يعني أن هناك إجابات جاهزة لمتطلبات المجتمع الموريتاني الشائكة·
هل سيلتزم حقيقة المجلس العسكري بآخر التعهدات أي بالتزامه تجاه الاستحقاق الرئاسي الحالي؟
لدي أمل كبير ولكن ينبغي أن يبقى أملا حذرا وليس أملا ساذجا، فلا مكسب دون مواصلة التعبئة خلال الساعات القادمة ومواصلة الضغط الداخلي والخارجي للوقوف في وجه كل انتكاسة ممكنة·
أنتم كمعارضة في الخارج لديكم علاقات قوية بدوائر القرار الأوربي، ما هي التحركات التي قمتم بها لممارسة الضغط على المجلس العسكري من أجل التزامه بتعهداته؟
أعتقد أن التعبئة التي نقوم بها ظلت متناسبة مع المخاطر الجمّة التي قد تهدّد المسلسل الانتقالي·
أغلب الهيئات الحقوقية المدنية الأوربية والدولية المهتمة بموريتانيا ما فتئت تذكّر المجلس العسكري بتعهداته· وفيما يتجاوز استراتيجيات الحكومات والدول المبنية على مصالحها الخاصة، فإن الهيئات الحقوقية والمدنية بقدرتها على التأثير على الرأي العام الأوربي قادرة على الضغط كما هو معروف على المواقف الحكومية الرسمية·
أعلن الرئيس شيراك دعمه للمسار الانتقالي الجاري في موريتانيا· هل ترى ذلك بعين الرضى؟
العلاقات الفرنسية – الموريتانية في جانبها السياسي من صنع وزارة الخارجية الفرنسية والبيان الذي أصدرتْه هذه كان بالغ التحفظ ولم يكن تمجيدا للمسار الحالي، بل كان كله مطالبة بالالتزام بالتعهدات· فرنسا التي استقبلت رئيس المجلس العسكري شدّدت على الالتزام بتعهداته من منطلق مصالحها ومصالح الاتحاد الأوربي والمستثمرين الأوربيين، لأنه من البديهي أن عدم وفاء المجلس العسكري بتعهداته يعني رمي البلد في اتجاه مجهول وجعله من جديد بؤرة توتر تهدد مصالح الموريتانيين كما تهدد مصالح شركائهم الأجانب وفي طليعتهم الأوربيين·
بكل بصراحة، الأستاذ ولد أبنو، إلى أي درجة يمكن أن يمثل الاستحقاق الرئاسي في موريتانيا لحظة تاريخية وليس فقط لعبة سياسية عسكرية معهودة؟
أعتقد أننا الآن أمام أول فرصة موريتانية لاختبار السياسة كفعل، أي كوسيلة للتخلص من الحتمية أو القدرية التاريخية المفترضَة، وبالتالي كأداة للقطيعة مع الاستكانة والاستسلام والاستقالة الجماعية· إنها أول محك لجدية التحوّل المرجو· فقوة المنظومة الموروثة هي قوة سلبية لا تتأتى بالدرجة الأولى من قدرة ذاتية خاصة على الاستمرار والتأقلم، وإنما تصدر أساسا عن استقالة القوى التي يُتوقع أن تُشكِّل حيويتُـها أهم كابح في وجه هيمنة الموروث· لقد أتاحتْ الأشهر الماضية للساحة السياسية المحلية مستوى ما من مراجعةَ تشكلاتها إيجابا وسلبا· فقد كانت الأخيرة مؤسسة ـ فيما مضى على الأقل ـ على ولاءات مشخصَنة أبوية· وهو ما كان مفهوما إلى حد ما في ظل نظام أوتوقراطي تَرتسم فيه التحالفات بشكل ثنائي مشخصَن ضد الحاكم أو معه، وتكاد في ظله تُختزل القدرة على مواجهة السلطة فيما يتمتع به هذا الفرد أو ذاك من طاقة مقاومية شخصية يجسّدها عادة حدٌّ أدنى من الجسارة النفسية ومن الرساميل الرمزية والمادية· ويزيد الأمر هشاشة أن الرساميل المعنية تعبّر بذاتها عن مفارقة عسيرة التجاوز لأنها تصدر في الغالب عن المواقع التي يكون صاحبُها قد تمتّع بها في الأنظمة المتعاقبة وفي المنظومة الموروثة· في هذا الأفق تبدو الحاجة ملحةً للقطيعة مع المعايير الأحادية والفردية السائدة· وهو مسار طويل يقتضي في أوائل ارتساماته الانتقال من مرحلة ردّة الفعل إلى الفعل، أي إلى المبادرة وروحها· فالمناعة النسبية التي تمتع بها النظام المنهار خلال عقدين ظلتْ دوما مرتبطة بإمساكه بزمام المبادرة وبحشْرِه للطبقة السياسية المعارضة في زاوية ردّة الفعل، أي في السلبية التي كادت تصبح مع الزمن محددا سياسيا ثابتا· المؤقتُ قد أضحى حالة مستديمة تنسجم تماما مع منطق الدولة الموروثة· وهو ما جعل الخطاب السياسي المُعارض يختزل نفسه في مرحلة معينة في البعد الحقوقي كحد أدنى يسمح فعلا بإدانة بطش السلطة وأساليبها البوليسية، ولكنه لا يكشف عن خلفياتها وميكانيزماتها الذاتية لأنه يتعمدُ تكتيكيا حجب تباين الرؤى والمشاريع باسم تأجيلها المرحلي وباسم الحرص على ضمان انسجام صفوف الطبقة السياسية التي لم تعد تستطع تعريف غاياتها إلا سلبا أي كمناهضة للنظام· كان ذلك التكتيك ولا شك صادرا عن إكراهات مرحلية حقيقية وكانت له مردوديتُه وفاعليته في مجالات محددة معروفة· ولكنه عَنَى خلال الحقبة الماضية إلغاء الحوار الفعلي لا المُدَاهني بين المكونات السياسية وغياب أي طموح لخلق توافق أو توافقات جماعية حقيقية وليست لفظية، مما ساعد ـ إذا ما تذكّرنا العوامل الأساسية الأخرى ـ على طغيان ارتباط المكونات المذكورة بالهويات الجزئية وعَمَّقَ ارتكاسها البدائي· وهو ما آل أمام تضافر العوامل الأخرى إلى حالة كاريكاتيرية من الإجهاض السياسي· فقد تغّولَتْ الهويات الماقبل حديثة واستولتْ على الانتماءات السياسية والفكرية التي لم تكن أصلا قد ارتسمتْ إلا جنينيا· كادت الحَمِية البدائية المرتبطة بالانتماءات الجزئية أن تختصر المشاريع السياسية· فالانتماء العشائري والفئوي والعرقي ولون البشرة وإيقاع اللهجة أضحتْ أو كادتْ أن تضْحي بحد ذاتها مشاريعَ سياسية إنْ لم نقل المشاريع الوحيدة· من هنا فلن تكون إعادة التشكّل الحالية تحمل جديدا إذا لم تكن إحياءً »للسياسة » كأداة تغييرية وتجاوزا للحَمِية الغرائزية وكشفا عن التحولات المدنية المقنَّعة عبر ترجمتها في مشاريع سياسية وطموحات جماعية جديدة تنصاغ كتجاوز للانتماءات اللاّمدنية السائدة· تنصاغ كتجاوز لمنطق الثبات وللنظرة المجوهِرة لأشكال وإشكالات الخريطة الاجتماعية والسياسية الحالية· تنصاغ كتفعيل للأفكار التحويلية القادرة متنًا ومقامًا وسياقًا على التعبئة التدريجية· فالالتزام السياسي هو في جوهره مبادرة ومواجهة والتزام أخلاقي· والصيغ المدنية والسلمية ليس من شأنها أن تُضعف صرامتُه الأخلاقية بل تدفع في العمق إلى شحذ تلك الصرامة· التوافق السياسي محله مفارقيًا هو الخلاف والاختلاف والصراع بالمعنى الحضاري النبيل· مكمنه ـ باللغة العتيقة ـ المناكفة والمدافعة لا المصانعة والمداراة·
كيف ترى كمثقف وكفاعل موريتاني مستقبل العمل السياسي؟
المؤشرات الحالية إذا لم تُستَنفر وتوظّف في حينها ستمثل تضييعا لفرصة تاريخية قد تكون استثنائية· ووسائل المشاركة تتطلّب قدرة على ابتكار طرق تواصلية تنسجم مع الفرص التي يمنحها الفضاء التواصلي الحالي بما هو ـ لأسباب داخلية وكونية مترابطة ـ تحييد نسبي للبنى التقليدية و »امتداداتها » السلطوية· من هنا نفهم وجود حاجة ماسة إلى إعادة النظر في التعامل السياسي السائد تبدأ بتعميق ممارسة التداول العلني والعمومي وبإعطاء معنى للسياسة بالمعنى الديمقراطي أي من منظور الأكثرية لا من منظور الرهانات والمنافسات »الألغرشية »· أي بإعطاء محتوى عملي للمشاركة من خلال مراجعة شاملة وجذرية لكيفية اتخاذ القرار ـ بالمعنى الواسع للكلمة ـ داخل كل التشكيلات السياسية والمدنية لتحقيق أكبر قدر من المشاركة على مختلف مستويات هرم اتخاذ القرار العمومي أو شبه العمومي· فالمواطنة وروحها تترسخان وتتبنينان لدى الفرد أيا كان عبر منحه الوعي المبرَر أن باستطاعته أن يؤثر عصاميا لا عظاميا على المحتوى القراري للتشكيلات المدنية والسياسية كما للسلطة القائمة أو التي يُفترض أنها ستقوم· أي السماح للكل ببناء مواطنيته في تفاعل مع التحول العام· ممارسة السلطة لا تصبح ديمقراطية إلا إذا أضحتْ الوجه الآخر لممارسة المواطنة· بما يعني أن المواطنة كمرجع دلالي أول لا تستلزم من الواجبات إلا بقدر ما توفر من الحقوق، ولا تفرض من القيود والضوابط إلا بقدر ما تمنح من الحريات والفرص· ويقتضي ذلك أن تنصاغ المضامين السياسة في شكل رهانات محددة وقابلة للفهم والتقييمم من طرف الأغلبية في نتائجها وفي تشكلها المرحلي· الديمقراطية تترسخ بهذا المعنى عبر تشكيل المخيال الجماعي في تفاعله مع الآليات الميدانية، عبر منح التغيير الاجتماعي زخما رمزيا وقيميًا يصدر عن محتواه الأخلاقي والإنساني كما عن محتواه النفعي البراغماتي بالنسبة لكل فرد· ويتطلّب ذلك عمليا بين عناصر أخرى توظيف الوسائط التواصلية بأقصى درجة ممكنة· فالفضاء السياسي والمدني يكاد في السياق الكوني الحالي يتماهى مع الفضاء التواصلي·
من ثمّ ضرورة تفكيك الزنازين والقماقم التنظيمية التي تُمثل الانعكاس السياسي للمنطق الغرائزي أو البدائي أي منطق البطن والفخذ والعشيرة في سبيل إنتاج أخلاقية انعتاق تسمح شيئا فشيئا بتحييد بنيات الهيمنة المادية والرمزية والخروج من السياجات التي ضربتها عقود من التعظّم والتعضّي والترهّل والتآكل·
+++
أنظر الرابط:
الحداثة المنفصلة عن القيمة والإله الخفي
عبد الوهاب المسيري (*)
عُرِّفت الحداثة بأنها مقدرة الإنسان أن يعدل من قيمه بعد إشعار قصير للغاية (وهذا تعريف للإنسان الحديث وللحداثة وجدته في كتاب يتحدث عن فشل العرب في اللحاق بهذا العالم الرائع).
بل إن كثيراً من المفكرين يرى أن حداثة هذا الإنسان الحديث تكمن في مقدرته على التغير بسرعة، لأنه يعيش في بيئة كل ما فيها يتغير (بما في ذلك الطبيعة البشرية) حسب صيرورة المادة، وحسب الظروف الاجتماعية والبيئية والحقبة التاريخية.
كما عُرِّفت الحداثة بأنها العلاقات الكونية primordial، مثل علاقة القرابة والقبيلة والأمة بحيث يخضع كل شيء للتفاوض أي يتحول إلى مادة استعمالية.
وكل هذا يعني في التحليل الأخير وفى نهاية الأمر أنه لا توجد طبيعة بشرية تتسم بقدر من الثبات، ومن ثم لا توجد إنسانية مشتركة، لأنه إذا كانت الطبيعة البشرية تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والظروف، فهي تتغير بشكل يختلف من مكان لآخر ومن حقبة تاريخية لأخرى ومن مجتمع لآخر.
فتتعدد المراكز والرؤى والتطلعات والتوقعات وتسود النسبية المطلقة أو الشاملة، مما يقوض أي أساس للحوار الإنساني وللإنسانية المشتركة، إذ ستتمترس كل جماعة إنسانية داخل زمانها ومكانها، وتسقط جميعاً فيما يسميه ما بعد الحداثيين بالقصص الصغرى، أي أن كل مجتمع بل وكل فرد، سيدور في إطار رؤيته الخاصة (قصته الصغرى) ولأنه لا توجد قصة كبرى، أي إطار إنساني عام ينتظم كل تلك القصص.
وهذا الافتراض الفلسفي شائع في الغرب، وقد بدأ يأخذ طريقه إلينا، مثل كثير من المنتجات الحضارية الأخرى وأدوات التأمل والتفكير التي لا ندرك أحياناً دلالاتها.
ومما لا شك فيه أن التغير من أهم سمات الوجود الإنساني، ولكن هل كل أبعاد الإنسان تتغير؟ ألا يوجد أي شكل من أشكال الثبات؟ وهل كل المعرفة نسبية؟
إن فكرة الضمير عند سقراط لا يمكن ردها لأساسها التاريخي أو الاجتماعي والجغرافي، فنحن كمسلمين لا نزال نؤمن بها وكذا غالبية البشر في هذا العصر، ولذا فالمذابح التي تحدث حولنا تزيد اشمئزازنا.
وجمال الأعمال الفنية لا يمكن رده للمادة المشكلة لها أو إلى وضع الفنان التاريخي أو الاجتماعي أو الطبقي، فنحن في عصرنا هذا لا نزال نتمتع بأعمال إنسان الكهف ونقرأ أعمال إيسخيلوس وسوفوكليس والملاحم الغربية في فنلندا وإنجلترا ومسرحيات شكسبير ولوحات ڤان غوخ ورينوار.
إن فكرة الضمير رغم أن لها أساساً تاريخيا ماديا، وفكرة الجمال على الرغم من أنها تعبر عن نفسها من خلال المادة، تتخطيان المادة وبالتالي تكتسبان استقلالاً، بل وتصبحان بمرور الزمن قيماً عالمية ثابتة لصيقة بظاهرة الإنسان.
فإنسانيتنا المشتركة تتسم بقدر كبير من الثبات. وحينما يحاول البشر أن يعيدوا صياغة أنفسهم وصورتهم، هل يحاولون محاكاة صورة الآلهة أم صور القرود؟ وهل نقبل البشر الذين يحاولون تحقيق المثل العليا قبولنا لأولئك الذين يسلكون مسلك القردة العليا؟
وحين ندير مجتمعاتنا الإنسانية، هل نفعل ذلك متحررين من كل أعباء أخلاقية أو إنسانية؟ وإذا كانت خططنا لتشجير الكرة الأرضية أمرا مقبولا، فهل خططنا لتدميرها سبع أو عشر مرات أمر مقبول تماما مثل التشجير؟
بل يحق لنا أن نتساءل عن إمكانية قيام حضارة إنسانية في إطار من النسبية المطلقة أو الشاملة، فالحضارة الإنسانية حسب معظم التعريفات المقبولة تعني ظهور الإنسان التدريجي وانفصاله عن الحالة أو الطبيعة المادية الحيوانية، فكيف يمكننا التعرف على هذه الحالة الإنسانية إن لم يكن لدينا مؤشرات متفق عليها؟
والحضارة الإنسانية –كما نعرف– هي نتاج جهد جماعي بذلته الإنسانية جمعاء، ولذا فهي تتطلب أن يعيش البشر سويا.
ولكن كيف يتأتى لنا أن نعيش سويا دون أن تكون هناك قيم عامة نستند إليها حين نحكم على أنفسنا وعلى الآخرين. قيم يمكننا الاحتكام إليها إن اختلفنا وإن رأينا البشر يتصرفون مثل الذئاب أو الزواحف أو القرود. قيم تمكننا أن نسمي الإنسان إنسانا والقرد قردا، على الرغم من عمومية وغموض مفهوم الإنسان والقرد؟
هل يمكن أن نميز بين ما هو إنساني وما هو غير إنساني دون افتراض وجود طبيعة بشرية وإنسانية مشتركة؟
إن هذا الإيمان بالتغير كمطلق ويقين أوحد وغاية وهدف، التغير الكامل دائما وأبدا دون هدف أو غاية أو نهاية، قد يؤدي إلى لا شيء أو لعله قد يؤدي إلى دمار الإنسان والكون إن لم تتم عملية التغير داخل حدود، وإن لم يكن لها عقل وروح، وإن لم تفترض مركزية الإنسان في الكون، واعتبار الإنسان هو الغاية، وأن الهدف من وجودنا في هذا الكون هو تحقيق إمكانياتنا الإنسانية التي تتجاوز حدود المادة المتغيرة.
وفي تصوري أن إنكار وجود طبيعة بشرية ثابتة وإنسانية مشتركة، وتصور أن الحديث عن الطبيعة البشرية هو نوع من أنواع الميتافيزيقا أو essentializating أي البحث عن الجوهر، هو محاولة واعية للهرب من الميتافيزيقا والإيمان بما وراء المادة، ولكنه أيضا محاولة ربما تكون غير واعية للهرب من فكرة الحدود والمسؤولية والأخلاق.
فإذا كانت الطبيعة البشرية تتسم بقدر معقول من الثبات والاستمرارية يصبح من الممكن توليد معايير أخلاقية منها. أما إذا كان التغير مطلقاً وشاملاً فإنه يؤدي إلى غياب أي معايير، ومن ثم تصبح كل الأمور نسبية وتختفي مع النسبية أي معايير معرفية أو جمالية أو أخلاقية، والفرق بين الواحد والآخر يشبه الفرق بين الإيمان بالله والإيمان بالأطباق الطائرة.
فالضرب الأول من الإيمان لابد أن يترجم نفسه إلى أفعال فاضلة إن كان إيمانا حقا، فهو تحد للذات ومحاولة لفرض حدود عليها. فإن أدرك الإنسان أن ثمة طبيعة بشرية تتسم بنوع من الثبات وأن ثمة جوهراً إنسانياً ما يصبح من المحتم أن تتحول تلك الطبيعة إلى نقطة ارتكاز فلسفية ثابتة ينبع منها نسق أخلاقي، بحيث أن كل ما يحقق هذه الطبيعة ويثريها يعد خيرا، وكل ما يبتعد عنها فهو شر.
أما الضرب الثاني من الإيمان فهو عملية تفريغ لشحنة نفسية وتوتر داخلي يبحث عن بؤرة، وهو ضرب من ضروب تحقيق الذات يصلح كميتافيزيقا بدون أعباء أخلاقية يتبناها الإنسان الاقتصادي والإنسان النفعي الذي لا يؤمن إلا بالمادة، ويجد صعوبة حقة في التسامي عليها وتجاوزها.
إن الموقف الفلسفي الإنساني humanist الذي يضع الإنسان في مركز الكون لا بد أن يؤدي بالضرورة إلى ضرب من ضروب الإيمان بشيء يتجاوز حدود الحواس الخمس وعالم المادة.
فإذا كانت الطبيعة البشرية تتسم بشيء من الثبات والتماسك، وفي نهاية الأمر التسامي على الواقع المتغير وتجاوزه، فإن هذا الثبات والتماسك شاهدان على وجود شيء ما في الإنسان منفصل عن المادة ليس خاضعا لقوانينها الصارمة الآلية.
ولذلك فإن أي إنسانية مادية إلحادية (أي إيمان بالإنسان مع إنكار وجود الماوراء) كما هو الحال مع الإنسانية الماركسية أو الليبرالية في الغرب، لا يمكن أن يتسق مع نفسه ولابد وأن يتحول إما إلى إيمان بالماوراء أو إلى عدمية كاملة.
وذلك لأن المفكر الإنساني حينما يواجه ظاهرة الإنسان السامي المتميز الذي تفترض الماركسية والإنسانية الليبرالية وجوده فهو إما أن يأخذه دليلا على شيء أكبر منه خارج المادة ويؤمن بالماوراء، أو يرده إلى المادة كلية ويصبح عدميا تتساوى عنده الأمور.
وكما أسلفت ثمة محاولة لإنكار مفهوم الطبيعة البشرية الثابتة في الحضارة الغربية الحديثة، ولكنني مع هذا أذهب إلى أن هذا الإنكار يتم على مستوى الوعي والظاهر وحسب، لأن كثيرا من المفكرين وغالبية البشر العاديين يتبنون مفهوم الطبيعة البشرية التي تتسم بقدر من الثبات والاستمرارية كأداة تحليلية بشكل كامن غير واع.
وقد سميت هذه الظاهرة « الإله الخفي » (بالإنجليزية: هيدن جود hidden God). وهو مصطلح قريب من مصطلح « الضمير » ولكنه غير مترادف معه، لأن الضمير يعني أن ثمة شيئاً ما غير مادي يكمن في الإنسان، فيدفعه نحو الخير، وهو إن لم يتجه نحو الخير كما يملي عليه ضميره فإنه يشعر بالذنب وبأنه أنكر بُعداً أساسياً من وجوده.
والضمير شأنه شأن الإله الخفي ليس أمرا ماديا ولا يمكن رده إلى الطبيعة/المادة، وإنما يستند إلى عنصر ما في الإنسان (القبس الإلهي والنزعة الربانية تلك النزعة التي تنقذ الإنسان من النزعة الجنينية والرغبة في الالتحام بالمادة)، عنصر لا يمكن تفسيره مادياً، ولذا لا مناص من أن نسميه « روحيا ».
ولكن الضمير يرتبط في ذهننا بمنظومة أخلاقية محددة من خلالها يعرف الإنسان الشر والخير، أما مفهوم ”الإله الخفي“ فرغم أنه يشارك الضمير في كثير من السمات، فإنه يشير إلى أن الإنسان قد لا يكون مؤمنا بأي منظومة أخلاقية أو معرفية أو دينية، بل قد يكون معادياً بشكل واع وصريح لكل القيم بلا استثناء، وقد يؤمن بنموذج مادي إلحادي ويظن أنه استبطنه تماماً حتى أصبح جزءاً لا يتجزأ من رؤيته ووجوده.
ولكن هذا الإنسان مع هذا تفضحه في ظروف معينة أقواله وأفعاله بشكل غير مباشر وغير واع عن وجود شيء ما في أعماق أعماقه يتناقض مع الإطار المادي الواحدي الذي تبناه.
ورغم هذا فإن مثل هذا الإنسان قد لا يتجه بالضرورة نحو اختيار منظومة أخلاقية بديلة. ويمكننا أن نقول إن الإله الخفي هو في واقع الأمر البحث غير الواعي للإنسان المادي عن المقدَّس بعد أن تصور أنه قد قتل الإله وأسس عالماً زمانيا مكانيا لا قداسة ولا محرمات ولا حرمات فيه.
ويمكن القول إن الفلسفة الإنسانية في الغرب بانطلاقها من مفهوم الطبيعة البشرية وبمركزية الإنسان في الكون وبتأكيدها على القيم الأخلاقية المطلقة وعلى مقدرة الإنسان على تجاوز واقعه الطبيعي/المادي وذاته الطبيعية/المادية، هي تعبير عن الإله الخفي وعن البحث غير الواعي من قِبل الإنسان المادي عن المقدَّس، فمثل هذه القيم ومثل هذه المقدرة ليس لهما أي أساس مادي.
وكل الفلسفات التي تدور في إطار مادي ومع هذا تستند إلى نموذج توليدي وتؤكد فعالية عقل الإنسان ووجود أفكار مفطورة فيه واستقلاله عن الطبيعة/المادة، ومن ثم تؤمن بثنائية الإنساني والطبيعي/المادي، هي الأخرى تعبير عن الإله الخفي.
ويمكن القول إن الحديث عن « حتمية الميتافيزيقا » هو حديث عن الإله الخفي، فقد لوحظ أن الإنسان مهما بلغ من إلحاد ومادية فإنه لا يقبل بالمادة المتغيرة كإطار مرجعي، وإنما يبحث عن مركز للعالم وعن إطار وعن أرض ثابتة يقف عليها وعن كليات متجاوزة للأجزاء.
وقد أدرك نيتشه أن هذا تعبير عن الإله الخفي، واختار مصطلح « ظلال الإله » ليشير إليه. وقد أدرك فلاسفة ما بعد الحداثة ذلك، ولذا يتلخص مشروعهم لا في الهجوم على الميتافيزيقا الدينية أو المثالية وحسب، وإنما في تحطيم فكرة الحقيقة ذاتها حتى تتم إزالة ظلال الإله وتحطيم الميتافيزيقا بلا رجعة.
والإله الخفي كامن وراء عبارة جون سيتوارت ميل (المفكر الليبرالي العلماني الذي كان ينكر وجود الخالق) حين قال: « خير لي أن أكون سقراطا ساخطا من أن أكون خنزيرا راضيا ». والعبارة تفترض ثنائية الوجود الإنساني، وتأرجحها بين الحالة السقراطية الساخطة والحالة الخنزيرية الراضية.
ومصدر الحالة الخنزيرية الراضية مفهوم تماما، ولكن ما مصدر سقراطية الإنسان؟ ولماذا يفضل الإنسان الحالة السقراطية، بكل ما تأتي به من أعباء أخلاقية وقلق وسخط، على الحالة الخنزيرية بكل ما تأتي به من لذة حسية ورضى جسدي؟
من منظور مادي خالص لا يوجد أي فارق بين سقراط والخنزير، بل إن الخنزير أكثر مادية وشيئية من سقراط، خصوصا إذا كان خنزيراً راضياً تماماً. وقد حاول ميل تبرير اختياره على أساس عقلاني قائلاً إنه يفضل سقراط على الخنزير لأن سقراط يعرف حقيقة ذاته وحقيقة الخنزير في ذات الوقت، أو بالإنجليزية for knows Socrates both sides of the argument، أما الخنزير فلا يعرف شيئا عن سقراط، أي أن سقراط متعدد الأبعاد، حر، قادر على الاختيار.
وقد اختار أن يكون سقراطا على عكس الخنزير الذي وجد نفسه خنزيراً وظل كذلك دون اختيار من جانبه.
ولكن مقاييس مثل الحرية والقدرة على الاختيار والتركيبية هي مقاييس تستند إلى الإيمان بوجود شيء ما غير مادي، شيء متجاوز (شيء مقدَّس) ينقذ الإنسان من السقوط في حالة الخنزير الراضي أو في حمأة المادة، ولا يمكن للإنسان السقراطي أن يدرك خنزيرية الخنزير إلا إذا كان داخله شيء ما يتجاوز هذا الخنزير المادي العنيد الواقعي المتشيِّئ.
ولنترك عالم الفلاسفة والمفكرين والأدباء ونضرب مثلاً آخر على المقدرة التفسيرية لمقولة الإله الخفي مستمداً من حياة الإنسان اليومية: تصدر المنظومة العلمانية والحداثة المنفصلة عن القيمة عن التفريق بين رقعة الحياة العامة ورقعة الحياة الخاصة، وتحاول العلمانية أن ترشِّد رقعة الحياة العامة وتضبطها في إطار النماذج الطبيعية/المادية.
ومع هذا يلاحَظ أنه إذا ارتكب بعض أعضاء النخبة الحاكمة في الغرب فعلاً إباحيَّا أو غير أخلاقي في حياتهم الخاصة (التي يفترض فيها أنها شأن خاص لا علاقة له بالحياة العامة)، فإن الناس يحتجون على ذلك.
وقد اتضحت هذه المفارقة بحدة مع الفضائح المتعددة لبعض أعضاء النخبة الإنجليزية سواء من أعضاء الأسرة المالكة أو من أعضاء وزارة جون ميجور (طفل غير شرعي –عشيقة –شذوذ جنسي) التي كانت تدعو إلى التمسك بمبادئ الأخلاق.
والنموذج السائد في المجتمع لا يرفض مثل هذه الأفعال ولا يصنفها باعتبارها أفعالاً غير أخلاقية بسبب شيوع النسبية الأخلاقية، ومن ثم افتقاد المعايير، والدليل على ذلك عدد الأطفال غير الشرعيين والعشيقات والشواذ جنسياً. بل إن من يقف ضد مثل هذه الأفعال يُتهم بضيق الأفق.
ومع هذا ثمة شيء ما داخل البشر (رغم علمنتهم وترشيدهم وتطبيعهم) يجعلهم يحتجون على أعضاء النخبة لتبني القيم التي يدافعون هم أنفسهم عنها في حياتهم اليومية. فكأن الجماهير تود أن تحتفظ بالنخبة وبرموزها في إطار المقدَّس، ولا تود أن تُنزع عنها القداسة.
ولذا فإن الفضائح الأخلاقية لأعضاء هذه النخبة تثير حفيظة الناس رغم أنها فضائح خاصة للغاية. ويصل الأمر ببعض الناس إلى المطالبة بإلغاء الملكية نظراً لتبني الأسرة المالكة نفس القيم السائدة في المجتمع.
وتتضح الظاهرة نفسها في الولايات المتحدة، حيث النموذج السائد فيها هو نموذج علماني شامل مادي تماماً، ومع هذا نجد أن البشر يسلكون طريقة تتنافى مع النموذج المهيمن الذي يعلن الجميع ولاءهم له.
فتظل هناك ثنائيات الخير والشر، والمقدَّس والمدنَّس، والمطلق والنسبي. وتظل هناك علاقات كونية ثابتة غير رشيدة كان من المفروض التخلي عنها وإخضاعها للتفاوض وإحلال علاقات تعاقدية رشيدة محلها. ولكن العلاقات الكونية مع هذا تستمر وتؤكد نفسها.
ولذا فنحن نزعم أن الأميركيين كبشر أعظم من القيم السائدة في المجتمع الأميركي، وهو تأكيد يبين أن العنصر الرباني في الإنسان لا تمكن تصفيته. ومن الممكن القول إن هذا العنصر الرباني اللصيق بإنسانية الإنسان وفطرته الذي يأخذ شكل الإله الخفي هو ما يمنع النموذج العلماني والحداثة المنفصلة عن القيمة، من التحقق الكامل.
(*) كاتب مصري
(المصدر: ركن « المعرفة » بموقع الجزيرة. نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 8 مارس 2007)
الروائى علاء الأسوانى (مؤلف « عمارة يعقوبيان »):
لا يوجد شيء اسمه رواية إسلامية أو أدب إسلامي
** من يتهموننى بتقديم شخصيات سيئة فى أعمالى الإبداعية أناس لا علاقة لهم بالأدب
** فى منتصف الرواية أفقد سيطرتى على شخصياتى.. وتستقل عنى مرض مصر والعالم العربى هو الاستبداد والدكتاتورية وعلاجه بالديمقراطية
** مواقف الإخوان دائما مع الاستبداد والدليل إرسال المرشد الحالى لعدة رسائل ل جمال مبارك ولم يرد عليه!
** النظام المصرى لعب دورًا فى نشر الفكر الوهابى لأنه يساعده على الاستبداد ويحرم الخروج على الحاكم حتى لو كفر!
** أنا لا أكره نظام مبارك ولا أحبه لكن كأى وطنى أتمنى لو اختفى
علاء الأسوانى.. رصيده الأدبى لا يتجاوز مجموعتين قصصيتين هما أوراق عصام عبدالعاطى ونيران صديقة. وروايتين هما عمارة يعقوبيان وشيكاجو، لكنه مع ذلك فقد أصبح حالة استثائية فى الأدب بعدما حققت روايته السابقة ولاتزال عمارة يعقوبيان معدلات توزيع غير مسبوقة خلال أربع سنوات من نشرها، فقد تجاوز توزيعها فى مصر حاجز المائة ألف نسخة وفى فرنسا بيع منها 150 ألف نسخة وترجمت إلى 16 لغة!
نفس الحالة تتكرر الآن مع روايته الجديدة شيكاجو التى صدرت قبل عدة أسابيع ووزعت ثلاث طبعات فى مدة قياسية، مما جعله يكون من أكثر أدباء جيل الثمانينيات تألقا ونجومية فى الفترة الأخيرة.. لكن مع ذلك فقد عاب البعض عليه أنه يكتب روايات سياسية تهاجم نظام مبارك والمتدينين إضافة لكثرة الجنس خاصة فى عمله الجديد شيكاجو، واعتبر البعض أن هذه الخلطة هى سبب ارتفاع معدلات توزيع روايتيه.. حول هذه الاتهامات، وحول إبداعاته ورؤيته للوضع الحالى كان لنا هذا الحوار.
– بداية.. كيف جاءت فكرة شيكاجو؟
— جائتنى فى اليوم الأول لنزولى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الطب فى جامعة النيوى ب شيكاجو، ففى سكن الطلبة وأنا أفتح النافذة للمرة الأولى، رأيت أمريكان يبحثون فى الزبالة عن أشياء يأكلونها.. قلت يا نهار أسود نحن فى أمريكا وليس فى إمبابة كيف يحدث ذلك؟ ومن هنا كان لابد أن أدقق النظر فى هذه التجربة المهمة التى قد لا تتكرر ويمكن استغلالها فيما بعد فى مشروع أدبى وقد كان. من هنا أجبرت نفسى على الانفتاح على مدينة شيكاجو وتعمدت أن أذهب كل سبت وأحد إلى الجمعيات الشيوعية وإلى جمعيات العدميين واختلطت بالمهاجرين المصريين هناك وذهبت للأماكن الفقيرة حتى أعرف بالضبط ما الذى يحدث هناك وبحثت فى تاريخ المدينة واختزنت كل ذلك بداخلى منذ أواخر الثمانينيات حتى ظهرت شيكاجو.
– أنت متهم أدبيا بأنك تكتب الرواية بأسلوب التقطيع المتبع فى السيناريو بما يفقد الرواية متعة التسلسل وتواصل الحكى، فما ردك على ذلك الاتهام؟
— بصراحة هذا اتهام أدباء غيورين من نجاحى الأدبى، أنت لا شأن لك بتقنيتى الأدبية سواء أخذتها من السينما أو أخذتها من مسرح العرائس لا يهم، المهم فى رأيى هل القراءة ممتعة وشيقة أم لا، والحمد لله فكل من قرأوا الرواية أكدوا على استمتاعهم بها، وعندما كانت تنشر مسلسلة فى جريدة الدستور كانت مشكلة بعض الناس أنهم منزعجون لعدم تواصلها وإتمامها وتلقيت عشرات الاتصالات فى ذلك، بعد ذلك يأتى من يقول إنها رواية تفقد المتعة، على الرغم من تحقق معدلات توزيع عالية ف شيكاجو قاربت طبعتها الثالثة على النفاد بما يعنى توزيع 20 ألف نسخة خلال شهرين!
– فى عمارة يعقوبيان وشيكاجو يأخذ كثير من النقاد عليك أنك لا تقدم فى أعمالك إلا الشخصيات المفعمة بكره مصر واحتقار الوضع الحالى، ومن هنا أسألك ما أسباب ودلالات هذا الاختيار؟
— من يرددون هذا الاتهام أناس لا علاقة لهم بالأدب، فالأدب لا يعترف بالنماذج الإنسانية الموجودة فى المسلسلات التليفزيونية! وهذا الاتهام يرجع للأسف إلى تفكير نمطى نما مع مسلسلات التليفزيونى المصرى التافهة والرديئة التى لا تتعامل إلا فى إطار أبيض وأسود، إما شخصيات طيبة للغاية أرانب مستكينون، وإما شخصيات شريرة عتيدة الإجرام، لكن الأدب نظرته أعمق من ذلك بكثير فهو يتابع الصراع بين الخير والشر ولا يقصد شخصيات بعينها، وبالتالى لا يصح أن تسألنى لماذا لم تظهر شخصية طيبة فى أعمالك؟ فهذا سؤال لا محل له من الإعراب ولعلمك أنا لم أقدم شخصيات سيئة، ولكننى قدمت شخصيات حقيقية من لحم ودم تعيش فى معاناة وتتطلع إلى حياة أفضل وتدفع ثمن ذلك، فجميع شخصياتى تحب الحياة ولديها دوافع إنسانية، ولكن ظروفها أقوى منها فتسقط وتحاول الوقوف من جديد، وهذا هو الأدب.
– كتبت عمارة يعقوبيان وشيكاجو كانعكاس مباشر للأزمة السياسية والاجتماعية الحالية فى مصر ولا تخفى ذلك مع أن أغلبية الأدباء يقولون إن أحداث الواقع تحتاج إلى فترة اختمار فنى؟ فما رأيك؟
— أنا لا أكتب رواياتى بغرض السياسة، فأنا والحمد لله معروف ككاتب سياسى وعندى مساحات فى أكثر من صحيفة.. لكنها طريقتى فى الكتابة وليس مفروضا على أى أحد أن يقلدها أو يكتب مثلها، إننى اهتم بشخصياتى الأدبية واتعب عليها كثيرا حتى أشعر أنها موجودة فعلا فى الواقع وكأننى أراها وكأننى أسمعها ثم أدفعها قليلا فى اتجاه الدراما، وبعدها تحدث لحظة من أجمل لحظات الكتابة عندى.. ففى منتصف الرواية أفقد سيطرتى تماما على شخصياتها فتتحول إلى شخصيات مستقلة تختار نهاياتها بأيديها وهذه حقيقة وليست مبالغة. فشخصياتى الروائية تتمرد على، وأذكر أن أكبر ناشر فى إيطاليا ويدعى فلتر نيللى وهو ناشرى قد قال كلمة جميلة جدا فى هذه النقطة التى تسألنى فيها وهى أن هناك روايات حية وهناك روايات ميتة وأنا لا أنشر إلا الروايات الحية فقط.. هذه هى الكلمة المضبوطة والمعبرة عن حقيقة أعمالى.. فعندما أجلس لبناء شخصياتى فإن السياسة والاقتصاد والاجتماع جزء من حياتها وتفكيرها فكيف أتجاهله. من هنا تظهر السياسة فى العمل، لكننى لا أكتب رواية سياسية، ولا أكتب رواية بغرض سياسى، فالرواية عندى غرضها إنسانى وفنى بحت، فأتمنى أن تستمتع بالرواية وأن تبقى شخصياتها معك حتى بعدما تنتهى من قراءتها.
– إلى متى تظهر أمراض المجتمع على صفحات الأدب؟
— أنا رجل طبيب وعندنا شيء يسمى بالتشخيص، فالمفروض على كطبيب أن أتعرف على المرضى والأعراض ولا يصح لطبيب أن يعالج الأعراض على أنها مرض وإلا سيقتل الناس، مرض مصر والعالم العربى هو الاستبداد والديكتاتورية، أما الأعراض فهى كثيرة منها الفساد، الفقر، المحسوبية، انعدام العدل، إهدار كرامة الناس، التطرف الدينى، فكيف يمكن أن تتخلص من الأعراض قبلما تتخلص من المرض الرئيسى، الديمقراطية هى العلاج الوحيد، وأنا لا أنادى بعلمانية ولكن بدولة ديمقراطية، المواطنون فيها لهم حقوق متساوية وجهاز الدولة وإدارته مبتعدون تماما عن الدين وهذا طبيعى جدا، فالدين لا يرتب حقوقا سياسية لأحد سواء كان مسلما أو قبطيا، لكن هذا لا يمنع اعتراضى على تكوين الأحزاب، فالأحزاب حق لكل شخص بمن فيهم الإخوان المسلمين والفيصل هو صناديق الانتخابات.. والإسلام لا يوجد فيه دولة دينية، ولو كانت موجودة لكان طبقها الرسول صلى الله عليه وسلم.
– الجنس فى شيكاجو له حضور واضح، فهل الجنس عاهة مصرية؟ ولماذا يحتقره المصريون وهل أنت فرويدوى النزعة؟
— الجنس فى رأيى لا يستعمل إلا كوسيلة للكشف الإنسانى، ولا يمكن أن تتفاعل مع الشخصيات الروائية دون أن تتطرق لمشاكلها الجنسية والنفسية، وهذا واضح مثلا فى علاقة أحمد دنانة عميل المباحث ومروة، فالأدب فيه كشف وليس فيه تورية، أما طارق وشيماء فهم يحملون كل عقد المصريين الجنسية.. ماذا تريد من شاب عنده 36 سنة ولم يلمس امرأة وأول مرة لمس امرأة بكى، هذه حالة إنسانية تلفت نظرى. الجنس عندى شيء إنسانى وليس هدفا فى حد ذاته ولم يكن المحك الرئيسى للأحداث رغم احترامى لرأى الآخرين ولكن البحث عن الشرف والإحساس به كان هو الدافع فى رأيى، وظهر ذلك فى شخصيات مثل كرم دوس ومحمد صلاح وناجى عبدالصمد، فالجنس جزء من حياة الناس وهو جزء ليس بقليل، خصوصا فى حياة العالم العربى، وبالتالى فشخصياتى تترجم ما هو موجود فى الواقع.
– طوال وجود الإخوان المسلمين فى مصر.. لم يظهر لأى عضو أو قيادة منهم أى إبداع روائى أو شعرى.. ترى لماذا يكرهون الأدب فى رأيك؟
— تاريخ الإخوان المسلمين تاريخ مختلط ومتقارب وفيه نقاط ضعف ونقاط قوة، نقاط القوة هى كل المعارك الخارجية بدءا من مواقفهم فى مواجهة الإنجليز وحتى معاركهم فى فلسطين.. لكن للأسف الشديد مواقفهم الداخلية سيئة جدا ودائما يقفون فى طرف الاستبداد، وهذا تاريخ وليس رأيا، فقد وقفوا من قبل مع جلاد الشعب إسماعيل صدقى ضد الحركة الوطنية، أيدوا حل الأحزاب مع قيام الثورة المصرية ووقفوا مع أنور السادات ضد الحركة الوطنية والمرشد الحالى عاكف أكد على هذا التوجه عندما ذكر أنه قد بعث بأكثر من رسالة ل جمال مبارك ولم يرد عليه! كيف يحدث ذلك وما الذى كنت تود قوله وما هى أهدافك؟ للأسف عندهم رغبة عارمة فى التعاون مع الاستبداد وهى ليست انتهازية سياسية فى رأيى، ولكنها دليل قوى على عدم الإيمان بالديمقراطية.. أما عن الأدب فكرهه موجود فى أدبياتهم ومحاولة التنصل منه محاولة خاسرة.. وما يحدث الآن أن هناك جيلا جديدا من الإخوان المسلمين يطرحون رؤية مختلفة أكثر انفتاحا منهم أبو الفتوح والعريان وحبيب وأبو العلا ماضى.. لكننى لست متأكدا هل انفتاح بعضهم على الأدب يعبر عن تغير حقيقى داخل الجماعة أم يعبر عن وجهات نظر أصحابه فقط.
– هل يمكن أن تفرز الصحوة الإسلامية الحالية رواية إسلامية مثل الأغانى الإسلامية والكليبات الإسلامية؟
— لا يوجد شيء اسمه رواية إسلامية ولا يوجد أدب إسلامى وأشكرك على إثارة هذه النقطة، فالأستاذ الكبير عادل حسين وهو واحد من كبار رجال هذه الأمة رحمه الله طلب منى ذات مرة أن أشرف على القسم الأدبى فى جريدة الشعب، وقد كنت أكتب مقالات بها فأبديت موافقتى المبدئية، لكنه قال لى نريد أن نختلف ونقدم أدبا إسلاميا على صفحات جريدة الشعب.. قلت له الحقيقة لا يوجد أدب إسلامى ولا أدب مسيحى ولا أدب يهودى.. إنما هناك أدب جيد وأدب رديء، والأدب الجيد هو الإنسانى بالضرورة، ولأنه إنسانى فهو يحض على ما تحض عليه الأديان، ولكن بطريقة مختلفة وجلسنا نتناقش، واعتذرت له لأننى غير قادر على تنفيذ هذه الفكرة، ومع ذلك كان من أكثر الناس تسامحا وذا عقلية كبيرة وشجاعا.
– فى أعمالك الأدبية تظهر دائما شخصيات متطرفة وأخرى متسامحة.. فهل لدينا فى مصر مشكلة دين؟
— لا توجد مشكلة دين فى مصر لأن مصر هى البلد الوحيدة التى ابتدعت الأديان فى العالم، لكن هناك مشكلة فهم للدين، فقد كان لدينا ولايزال فهم منفتح جدا للإسلام، صحيح إن الإسلام بدأ فى الجزيرة العربية، لكنه لم ينتج أى حضارة فى الصحراء، وأعطى حضاريا فى مصر والشام والعراق والمغرب والأندلس.. المناطق التى كانت متحضرة من قبل وقد قاسى الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرا من هذه الطبيعة القاسية، لأبناء الصحراء وخلال التاريخ العربى كله ستجد أن الفهم المستنير والمنفتح للإسلام لم يكن فى الصحراء، وكان فى مصر فالإسلام يحركنا دون أن يكون عبئا علينا، وهذا انعكس على كل مجالات الحياة، ف مصر كانت الأولى فى المسرح، والأولى فى السينما، والأولى فى الأدب، والأولى فى الصحافة، وكنا أول شعب أعطى حقوقا سياسية للمرأة، وعندنا أول امرأة دخلت الجامعة، وأول امرأة دخلت البرلمان، وأول وزيرة وأول دستور وأول ثورة وأول مقاومة، والمشكلة بدأت فى أواخر السبعينيات عندما قامت الثورة الإيرانية، وأحس النظام السعودى الذى يعتمد فى استقرار واستمرار حكمه على الفكر الوهابى بالخطر إزاء الثورة الإيرانية التى تقدم نموذجا ثوريا إسلاميا وهو للعلم أكبر حليف للإمبريالية العالمية كما قال عبدالناصر لذا بدأ يتوسع فى نشر الفكر الوهابى، وانفق بلايين الدولارات على ذلك فى الغرب والشرق.
– وما علاقة ذلك كله ب مصر؟
— ربع المصريين ذهبوا إلى السعودية وعادوا من هناك مشبعين بهذا الفكر المتطرف، فبدأت المشكلة، فالفكر الوهابى ضد طبيعتنا تماما وله رؤية منغلقة، وضد الحريات وضد المرأة وهذا أدى لظواهر غير طبيعية كأن تجد فتاة ترتدى حجابا وتحته استرش والنظام المصرى لعب دورا مهما جدا فى نشر الفكر الوهابى، لأنه يساعد على الاستبداد بطريقة غير عادية.. فهل تتخيل أن الوهابيين الذين لا يتساهلون فى ظهور صباع قدم واحدة سوف يتساهلون جدا مع الحكام المستبدين، فطبقا للمذهب الوهابى، فلا يجوز الخروج على الحاكم المسلم حتى ولو ظلم، وحتى لو جلد ظهرك وحتى ولو سرق مالك مادام ينطق الشهادتين! فسألوه ولو كفر فقال ومن أين علمت أنه كفر.. هل أعلن كفره على الناس.. فسألوه ولو أعلن كفره على الناس قال أيضا لا تثر عليه خوفا من الفتنة! إلا إذا كنت متأكدا مائة فى المائة أن ثورتك ستنجح، ومن أين أعلم أنها ستنجح.. هذا نموذج للطاعة المطلقة للحاكم، وانظر إلى هؤلاء السلفيين الذين قاموا بمظاهرات فى فرنسا بعد إلغاء الرموز الدينية فى المدارس الحكومية.. هؤلاء لا يتظاهرون عندما تزور الانتخابات، وعندما تتزايد معدلات التعذيب فى السجون وعندما تورث البلاد، لأن فصل الحقوق السياسية للمواطن غير موجود فى الكتاب الوهابى!
– هل أثرت فيك وفاة نجيب محفوظ؟ ولماذا لم تكتب فى هذه المناسبة؟
— بالطبع أثرت فى جدا.. لكننى لم أكتب لجورنال مصرى، كتبت ل التايم الأمريكية كيف أن نجيب محفوظ الذى عاش طوال عمره وسط البسطاء فى الجمالية والحسين، واشترط فى جنازته أن تخرج من هناك قد حرموا من المشاركة فيها، وكتبت عن المشهد العبثى عندما خرج محفوظ وأطل من نعشه فلم يجد من أحبهم ووجد الرئيس والقيادات التى كتب ضدها طوال عمره، وعن المشهد المشين عندما تم فتح النعش من قبل حراس الرئيس للبحث عن قنابل.
– ماذا تقول لمن يصفون أعمالك الأدبية بأنها منشورات سياسية لذا تنجح؟
— صدقنى هذا الموضوع كان يضايقنى فى البداية، الآن الموضوع كبر وبدأ يأتى من أدباء كبار كنت أتوسم فيهم رحابة أكثر من ذلك، لكن لو أردت الحقيقة، فإذا كانت رواياتى بها سياسة فهناك روايات كثيرة جدا بها سياسة، وأكثر ولم تنجح، أنا أنافس الكتاب الغربيين فى بلادهم، وهذا يشرفنى جدا وتدل عليه مبيعات أعمالى هناك، وهذا فضل من ربنا، لكن هذا النجاح لم تعد تحتمله نفسية بعض هؤلاء الزملاء فيصدرون مثل هذا الكلام التعبان!
– لماذا تكره نظام مبارك؟
— أنا لا أكرهه ولا أحبه، أنا أرى عيوبه فقط، وعندما أسافر إلى الخارج أعود مكتئبا، لأننا لا نقل عن هولاء، مصر فى حاجة إلى نظام كفء يحسن إدارتها.. ولو حدث ذلك فخلال 01 سنوات سنكون قوة كبيرة جدا وأى شخص يحب بلاده يتمنى لو اختفى هذا النظام.
– البعض انتقد د. جلال أمين ومدرسته النقدية التى امتدح فيها نبل المعانى التى سعت إليها شيكاجو، فما ردك؟
— د. جلال أمين مفكر كبير جدا لا يحتاج لشهادة من أحد لا سلبا ولا إيجابا، د. جلال أمين استطاع أن يخرج من مجال تخصصه فى الاقتصاد إلى قضايا الوضع الراهن فى مصر.. وأنا هنا لا أتمنى أن نصفى الحسابات الشخصية على حساب القامات الكبرى فأى مجتمع يفخر ب جلال أمين.
– حكمت بالإعدام وعدم الشرف على كل شخصياتك المصرية النسائية فى شيكاجو، وباركت تصرف العاهرة دونا مع ناجى عبدالصمد، فلماذا؟
— لم أبارك نموذج دونا العاهرة ولكننى أظهرتها وهى تعبر عن مناطق القبح فى المجتمع الأمريكى ولولا أننى عشت فى شيكاجو ما كنت عرفت ذلك.. أما عن شخصياتى النسائية فهى غير مدانة، ولكن هؤلاء النساء أصحاب مشاكل.. فلا توجد امتيازات حقيقية لأى مواطن مصرى، فما بالك بالنساء والأقباط الذين يضطهدون مرتين فى مصر من قبل النظام المستبد الذى يحكمنا.. مرة مثل أى شخص آخر، ومرة لأنهم نساء أو أقباط، وعندى أدلة كثيرة على ذلك.
إبراهيم شعبان
(المصدر: صحيفة « العربي » (جريدة الحزب العربى الديمقراطى الناصرى – أسبوعية معارضة – مصر) بتاريخ 4 مارس 2007)
الرابط:http://www.al-araby.com/articles/1048/070304-1048-pnp02.htm
تركيا في الذكري العاشرة للانقلاب ما بعد الحداثي
د. بشير موسي نافع (*)
بدون أجواء احتفالية خاصة، أحيا الأتراك، أكاديميون وصحافيون ومثقفون ومجتمع سياسي، الذكري العاشرة لما بات يعرف في التاريخ السياسي التركي الحديث بـ الانقلاب ما بعد الحداثي . كان شهر شباط/ فبراير 1997 قد شهد بداية التحرك العسكري ـ السياسي، الذي قاده مجلس الأمن القومي، وأدي بعد أشهر قليلة الي اطاحة الحكومة الائتلافية للزعيم الاسلامي التركي الكبير نجم الدين اربكان. المفارقة ان الجيش التركي، بميراثه الانقلابي المتعدد، لم يضطر هذه المرة لا لاطلاق طلقة واحدة، ولا للاستيلاء المباشر علي السلطة والحكم. ومن هنا جاء الوصف المميز للانقلاب بأنه انقلاب ما بعد حداثي.
انطلقت سلسلة التطورات التي أوصلت تركيا الي التحول السياسي الانقلابي الغريب من انتخابات 1995 البرلمانية. فقد نجم عن الانتخابات حصول حزب الرفاه، اسلامي التوجه، بقيادة اربكان، علي أكبر عدد من المقاعد، بدون ان ينجح في تحقيق أكثرية برلمانية تكفي لتشكيله الحكومة منفرداً. لم يكن اربكان حديث العهد بالحياة السياسية أو الحكومات التركية؛ فقد شارك من قبل في أكثر من حكومة ائتلافية كشريك أصغر. ولكن فوزه غير المتوقع في الانتخابات عزز من ثقته وثقة التيار الاسلامي السياسي بالنفس. وبالرغم من ان جنرالات الجيش، الحراس غير المعينين للدولة العلمانية، والقوي الفكرية والسياسية العلمانية داخل مؤسسة الدولة وخارجها، كانوا يعرفون كفاءة اربكان ونظافة يده، فقد خشوا دائماً توجهه الاسلامي وعزمه المعلن علي تغيير دفة السياسة الخارجية التركية نحو العالم الاسلامي. كانت تركيا قد شهدت الانقلاب الأخير للجيش علي الحياة الدستورية في 1980، ولم يكن ممكناً في ظل الظروف الدولية التي سادت التسعينات (نهاية الحرب الباردة وبروز الديمقراطية كأيديولوجية عالمية جديدة) التدخل العسكري لالغاء نتائج الانتخابات أو منع العملية السياسية من الوصول الي نهاياتها. وبعد شهور من المساومات، عقد اربكان وتانسو تشيلر، زعيمة حزب يمين الوسط المعروف بحزب الطريق القويم، اتفاقاً لتشكيل حكومة ائتلافية، بحيث يتولي اربكان رئاسة الحكومة وتشيلر وزارة الخارجية، ثم يتبادل الزعيمان موقعيهما بعد عامين.
أعلنت الحكومة الائتلافية في صيف 1996، لتبدأ عملها بكسب ثقة البرلمان. وخلال الأشهر القليلة التالية، أثبت طرفا الحكومة قدرتهما علي التعايش وارساء قواعد حكم مستقر. أخذ الاقتصاد التركي في الانتعاش، وسرعان ما أطلق اربكان سياسة التوجه نحو المشرق في سلسلة من الزيارات للدول العربية والاسلامية. وقد توجت هذه السياسة بمشروع تكتل الدول الاسلامية الكبري، الذي اعتقد اربكان ان بامكانه تأسيس قواعد تضامن اسلامي وسوق اسلامية مشتركة. ولم يغفل اربكان تماماً عن توازنات الدولة التركية، لاسيما ان دستور البلاد يعطي دوراً سياسياً هاماً لمجلس الأمن القومي، ويضع مقاليد المجلس فعلياً في يد كبار ضباط الجيش. وهكذا، وبالرغم من علاقاته العربية والاسلامية الوثيقة، لم تمس حكومة اربكان العلاقات مع الدولة العبرية، لا العلاقات السياسية ولا العسكرية؛ بل واستقبل رئيس الوزراء الاسلامي المسؤولين الاسرائيليين في العاصمة أنقرة. كما أبدي احتراماً رمزياً ملفتاً لذكري كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية وواضع أسس الدولة العلمانية. ولكن أحداً من خصوم اربكان وحزب الرفاه لم يكن مستعداً لتقبل الحكومة الجديدة ورئيسها. بعض من القلق الذي أخذت الحكومة الجديدة في اثارته ارتبط بالسياسات الفعلية للحكومة، والبعض الآخر ولدته التعبيرات الرمزية. فمنذ وضعت أسس الجمهورية وتركيا تري نفسها جزءاً من الفضاء الأوروبي، بغض النظر عن قبول الأوروبيين تركيا أو خشيتهم منها؛ بينما أظهر اربكان عزماً علي اعادة التموضع السياسي والثقافي والاقتصادي للبلاد بتبني سياسية العودة الي المحيط العربي والاسلامي. ومن ناحية أخري، أدخل اربكان ووزراؤه تقاليد الالتزام الاسلامي وزارات الدولة؛ ثم فاجأ رئيس الوزراء المجتمع التركي، باسلامييه وعلمانييه، بدعوة قادة الطرق الصوفية الي مقر رئيس الحكومة؛ في الوقت الذي اتسعت فيه نشاطات الاسلاميين الأتراك من كافة التيارات، التعليمية والثقافية والاعلامية، وأصبحت أكثر وضوحاً.
أخذت الأمور بالتوتر في اجتماعات مجلس الأمن القومي. وفي الرابع من شباط/ فبراير 1997، فوجيء سكان العاصمة التركية أنقره بطابور من دبابات الجيش يتحرك من معسكره للاستعراض في شوارع ضاحية سنكان الراقية. عندما سئل قائد طابور الدبابات عن حقيقة دوافعه، أجاب بأن التحرك لم يكن أكثر من مناورة عادية. ولكن الأتراك لم تخف عنهم الدلالات التهديدية التي أرادت قيادة الجيش ارسالها للحكومة ورئيسها؛ فليس من تقاليد الجيوش، التركية وغير التركية، اجراء مناورات سلاح المدرعات في شوارع الأحياء الراقية للعواصم. في 28 شباط/ فبراير، اليوم الذي يعتبر البداية الفعلية للانقلاب ما بعد الحداثي، اجتمع مجلس الأمن القومي بحضور رئيس الحكومة، حيث تقدم قائد الجيش لأربكان بقائمة من التوصيات (هكذا كانت توصف طلبات الجنرالات من السياسيين). وحتي هذه اللحظة لم يكشف في شكل رسمي عن هذه التوصيات . وكنت قابلت اربكان في أيلول/ سبتمبر الماضي، وألححت في السؤال عن حقيقة توصيات المجلس له في 1997، علي اعتبار ان الامر بات جزءاً من التاريخ ولم يعد له من أثر مباشر علي الحياة السياسية التركية. ولكن رجل الدولة فيه رفض تقديم اجابة واضحة وصريحة علي سؤالي ما دامت أوراق الاجتماع لم تكشف بعد في ارشيف الدولة. ما قاله اربكان ضمنياً ان استجابته لما طلب منه كان يعني اظهاره أمام انصاره بمظهر من تخلي عن التزامه الاسلامي. ويعتقد أغلب المهتمين الأتراك بأحداث تلك الفترة ان ما كانت قيادة الجيش تطالب اربكان القيام به يتمحور حول مواجهة التعليم الاسلامي والحد من انتشاره، كماً ومظهراً.
خلال الأشهر القليلة التالية، حاول اربكان بكل الطرق والوسائل الممكنة ايجاد منطقة توازن بين رؤيته للحكم وارادة جنرالات الجيش، ولكن حنكته السياسية لم تكن كافية لانقاذ حكومته. وعندما بدا في يونيو/ حزيران ان البلاد تقف امام مفترق طرق بين استقالته أو وقوع انقلاب عسكري جديد، قدم اربكان استقالة الحكومة. بعد فترة قصيرة، أعلن عن حل حزب الرفاه، ووجهت لاربكان سلسلة من التهم التي قصد بها منعه من ممارسة العمل السياسي. ولكن الأثر الذي تركه الانقلاب ما بعد الحداثي علي البلاد كان أثراً عميقاً. فقد حكمت تركيا طوال السنوات الخمس التالية حكومات ضعيفة، قادها سياسيون مفسدون، مما أدي الي القاء الاقتصاد في براثن الأزمة التي كان الاتراك يعتقدون أنهم غادروها بلا رجعة. ومن ناحية أخري، أخذ الأتراك يتساءلون عما ان كانت التدخلات المتكررة للمؤسسة العسكرية في الحياة السياسية قد أصبحت قدراً لا فكاك منه. وحتي الأوساط التركية العلمانية، لاسيما أوساط المثقفين والأكاديميين، أدركت ان الثمن الذي دفعته الحياة السياسية الدستورية والديمقراطية لاطاحة اربكان كان ثمناً باهظاً. أما علي صعيد الظاهرة الاسلامية في الشارع التركي، فلم يكن هناك من تأثير سلبي يذكر. المسألة التي لم يرها الجنرالات في تلك الأشهر من 1997، ان ما يريده عموم الشعب التركي هو تصالح دولته مع دينه وموروثه، لا الغرق في دورات متكررة من المواجهة بين التيار الاسلامي السياسي والمؤسسة العلمانية، وان حركة الاحياء الاسلامي قد وصلت مدي لم يعد من الممكن العودة به الي علمانية الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين.
بيد ان المتغير الرئيسي كان يتبلور في صفوف حزب الرفاه نفسه. فقد توصلت مجموعة من الشبان من أتباع اربكان، في مقدمتهم رئيس الوزراء الحالي أردوغان ووزير الخارجية غول، الي قناعة بأن لا اللحظة التاريخية ولا توازن القوي الفعلي في الدولة والمجتمع يسمحان بتحول اسلامي سياسي شامل في البلاد. ومن هذا التصور لتركيا نهاية القرن العشرين ولد حزب العدالة والتنمية، ليس كحزب اسلامي، بل كحزب وطني، ديمقراطي، يحترم الاسلام وتقاليد الشعب التركي. وبالرغم من حملة التشكيك الهائلة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية، سواء من المعسكر العلماني الذي اتهم الحزب الجديد وقادته بالراديكالية الاسلامية المقنعة، أو من المعسكر الاسلامي الذي اتهمه بخيانة الاسلام والسعي الي تحويل تركيا الي معمل تجارب للاسلام الأمريكي، فقد حقق العدالة والتنمية انتصاراً ساحقاً في انتخابات 2002 البرلمانية. علي الصعيد الداخلي، كان أداء حكومة العدالة والتنمية ايجابياً الي حد كبير، بحيث لا يوجد في تركيا سوي قلة من المعلقين الذين يشككون في قدرة الحزب علي الانتصار من جديد في الانتخابات المقرر عقدها في خريف هذا العام. ولكن الامتحانات الكبري التي كان علي أردوغان وحكومته مواجهتها وقعت علي صعيد السياسة الخارجية، من غزو واحتلال العراق وما أوصل الاحتلال العراق اليه، مروراً بالعلاقات التركية ـ الاسرائيلية، وصولاً الي أزمة الملف النووي الايراني ونذر الحرب المتصاعدة فــي أفق المنطقة.
السؤال الأعمق الذي ما يزال يدور في العقل السياسي التركي يتعلق بالموقع الذي يحتله الجيش في الدولة والاجتماع السياسي، والدور الذي يفترضه الجيش لنفسه في تحديد مستقبل تركيا. هل يمكن ان تواجه تركيا مخاطر الانقلاب العسكري، أم ان عهد الانقلابات قد ولي الي الأبد، سواء بفعل ارتباطات تركيا المتزايدة بالكتلة الأوروبية، أو بمعارضة الشعب المتصاعدة للحل الانقلابي؟ أي جيش يريده الأتراك وأي دولة يريدها الجيش؟ وهل حققت تركيا العدالة والتنمية اخيراً مصالحة الدولة مع دين
الأغلبية وميراثها؟
ليس ثمة اجابة قاطعة أو واضحة علي أي من هذه الأسئلة، بل ليس هناك حتي اجابة واحدة علي أي منها. هذه بلاد ذات جذور وتقاليد عسكرية عميقة، وبالرغم من الفرضية غير المسوغة تماماً لحراسة الجيش لعلمانية الدولة، فان الدور الأبرز الذي يراه الجيش لنفسه هو حراسة الجمهورية ذاتها، وحدة وحدوداً واستقلالاً. وقد عانت تركيا طويلاً، لاسيما خلال العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين، من استشراء الفساد في أوساط الطبقة السياسية التركية، مما جعل الجيش ينظر للسياسيين بقدر قليل من الاحترام. وبالرغم من ان طبقة الجنرالات العلمانيين تعيد توليد نفسها باستمرار، فربما لم يعد أمام الجيش مناص من القبول باحياء ولو جزئي للتقاليد الاسلامية، ما دامت حركة الاحياء هذه لا تهدد السلم الاجتماعي ولا تشكل ضغطاً فوق العادة علي الدولة. وقبل ذلك وبعده، يتحرك الأتراك وجيشهم، ببطء ربما، ولكن بلا نكوص في أغلب الاحيان، الي قلب مناخ التأزم والأمل والحيوية، الفكري والسياسي والثقافي، الذي يحيط بالعالمين العربي والاسلامي. وهذا كله لا يمكن ان يكون بلا أثر علي الحياة والسياسة التركية، بما في ذلك المؤسسة العسكرية.
(*) باحث عربي في التاريخ الحديث
(المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 8 مارس 2007)
من المسئول عن الاختراق العربى.. الخارج أم الداخل؟
د. حسن حنفى
تتوالى الأحداث، وتشتد الأزمات، وتقع الإهانات فى الوطن العربى يوما وراء يوم. ويعلو الصراخ، وتحرر المقالات عن قوى الهيمنة الجديدة، والعالم ذى القطب الواحد، وإمبراطورية الولايات المتحدة الأمريكية، والعولمة، والسوق، والحداثة، والقوة، وثورة الاتصالات. وكلها عوامل خارجية، شماعة لتعليق الأزمات والكروب والبلايا الداخلية عليها. ولما كان من الصعب تغيير العوامل الخارجية إلا على الأمد الطويل، ينتهى الأمر بقبول الأوضاع الحالية واعتبارها قدرا لا مفر منه. ولا حل إلا الانتظار حتى تتغير الظروف الدولية، وتتبدل موازين القوى العالمية.
ويتم الاستسلام للضغوط الخارجية فتصبح نظم الحكم تابعة للخارج. تتحالف معه كى تضمن سلامتها، وتأمن من العدوان عليها. ومصير العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال ماثل للعيان. ومشهد تعليق الرئيس العراقى السابق فى حبل المشنقة محفور فى الذاكرة لعدة أجيال وعند رؤساء الدول.
ولا حل فى العاجل إلا الدفاع عن النظم السياسية حماية للأوضاع الداخلية، والحفاظ على الاستقرار السياسى حتى لا يهرب الاستثمار الخارجى، والاعتماد على أجهزة الأمن والشرطة حماية للأمن الداخلى، واستمرار العمل بقانون الطوارئ حماية للجبهة الداخلية، واعتقال مثيرى الشغب وقادة المظاهرات والاضطرابات والاتحادات وتجديد اعتقالهم إذا ما أفرجت عنهم النيابة العامة، وتقديمهم إلى محاكم عسكرية لسرعة الفصل فيها، والحكم بإطالة مدة الحبس، وتحويل الاعتقال المؤقت لبضعة أشهر إلى حبس دائم لعدة سنوات لإطالة عمر النظم السياسية، وترحيل المشكلات إلى فيما بعد حتى نهاية الزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وتستمر التبعية للخارج عن طريق التحالف معه، وقبول القواعد العسكرية، والدخول فى حروبه، ومؤازرة عدوانه، وتبريره بإيجاد الشرعية له. ويستمر القهر فى الداخل، والفساد فى الحكم، ونهب ثروات البلاد، وبيع أصولها. فالخارج مطمئن إلى تبعية النظم له. والداخل مغلوب على أمره، يجرى وراء لقمة العيش. والمعارضة إما ضعيفة نخبوية لا تستطيع تحريك الشارع أو قوية ولكنها محظورة أو اضطرابات عمالية مهنية يستجاب لها حتى لا تتحول من مطالب فئوية مثل الأرباح إلى مطالب سياسية تهدد نظم الحكم. وينتهى الأمر كله إلى الاستكانة وقبول الأمر الواقع لاستحالة البديل طالما أن قلب السلطان مازال ينبض بالحياة له ومن بعده قال إنى جاعلك للناس إماما. قال ومن ذريتى، قال لا ينال عهدى الظالمين.
والخارج لا يعتدى إلا بعد أن يكتشف المناطق القابلة للعدوان. لا يستعمر إلا إذا كان المستعمَر قابلا للاستعمار. وكما يتم التنقيب عن النفط بالحفارات الأولى، وكما توجد المجسات على طبيعة التربة قبل حفرها والبناء عليها كذلك توجد المجسات لدى قوة الهيمنة لمعرفة مدى قابلية الشعوب المستهدفة لتحقيق الأطماع، وهل هى مصمتة أو مفرغة، صلبة أو رخوة؟ لذلك يكثر جمع المعلومات عنها ومعرفة ما لا يعرفه أهلها. ويعتمد على باحثين أوروبيين معروفين بدقة التحليل وجمع الإحصاءات، وعلى باحثين وطنيين لديهم رؤى حدسية بناء على التجارب المعاشة. فالحدود مفتوحة للباحثين الأجانب يجمعون ما يشاءون. ومراكز التنصت والاستخبارات وجمع المعلومات متطورة للغاية من خلال وسائل الاتصالات الحديثة.
والأمثلة على ذلك كثيرة. فلا يتم العدوان على شعب من الخارج إلا إذا وجد شرعية له فى الداخل مثل قهر الحاكم. وتكون الذريعة تخليص الشعب من التسلط والطغيان، وإرساء قواعد الديمقراطية. وهكذا تم غزو العراق وأفغانستان وأخيرا الصومال. ويتم تهديد سوريا والسودان وإيران. ويعلم العدو أن الشعب المعتدى عليه يريد الخلاص من حاكمه القاهر. ويزيد بعض النخبة: حتى ولو كان بيد أجنبى وعلى أسنة الرماح. بينما يفضل المناضلون الوطنيون بيدى لا بيد عمرو.
وتتعامل قوى الهيمنة مع نظم الحكم التابعة، وجرها إلى أحلاف الدول المعتدلة فى مواجهة الدول المتطرفة. وتنسق أجهزة المخابرات أعمالها للطرفين. بل وتسمح بقواعد عسكرية على أراضيها بدعوى حمايتها من العدوان الخارجى من دول الجوار. وهى تعلم أن نظام الحكم هو شخص الحاكم. فهو الذى يقرر الحرب والسلام فى غياب المؤسسات المستقلة والرأى العام القوى باستثناء فلسطين ولبنان حيث تفرض المقاومة الشعبية سياستها على أنظمة الحكم. فالسلطان بؤرة الدولة وعمادها الأول. وهو صاحب القرار فى الحرب والسلم. والمؤسسات التنفيذية والتشريعية تابعة له. والحزب الحاكم له السيطرة على مظاهر الحياة السياسية فى البلاد. لم يستعد المثقفون الوطنيون فى الداخل لإبراز ثقافة المعارضة، ومواجهة السلطان الجائر، واعتبار الشعب مصدر السلطة، وضرورة الاستشارة. فلا خاب من استشار. فتحسب قوى الهيمنة حسابها على أن هناك طرفا آخر فى المعادلة غير رأس النظام وهو الشعب، بثقافته وتاريخه وكرامته واستقلاله.
والآن يواجه الوطن العربى خطر التجزئة والتفتيت والتحول إلى فسيفساء عرقى طائفى، دويلات سنية وشيعية وكردية وعربية وبربرية وزنجية وإسلامية وقبطية ونجدية وحجازية حتى تصبح إسرائيل أقوى دولة طائفية عرقية. وتجد شرعية جديدة لوجودها من طبيعة الجغرافيا السياسية للمنطقة بدلا من أساطير المعاد الأولى التى شرع هرتزل بوجودها فى أواخر القرن التاسع عشر. وتقع المسئولية فى الداخل على الثقافة العربية التى تركت مجتمعاتها عرضة للتمزق والتفتيت. ورثت نظام الملة العثمانى، وتحويل الأمة إلى ملل وأعراق، ومذاهب وطوائف، سنة وشيعة، زيدية وشوافع، عرب وأكراد، مسلمين وأقباط، عرب وبربر، أرمن وموارنة، تركمان ودروز. كل طائفة تجد هويتها فى عرقها أو مذهبها. فغاب مفهوم المواطنة ومفهوم المواطن، والهوية الواحدة للوطن الواحد. وتركت مصطلحات الفقه القديم دون تغيير، أهل الكتاب، وأهل الذمة، والعادات الاجتماعية، نجدى وحجازى، صعيدى وبحراوى، بدوى وحضرى، سود وبيض. ولم تنفع الأيديولوجيات العلمانية للتحديث كالليبرالية والقومية والماركسية والإسلامية المحافظة فى تحقيق الهويات الوطنية فى العمق. ومازال فقه المواطنة فى البداية تحمله نخبة مستنيرة من المفكرين الإسلاميين والأقباط. فكان من السهل رسم استراتيجية جديدة للمنطقة بأسمائها المختلفة، الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، والدخول إلى قلب المنطقة لتفتيتها بداية بالعراق ثم السودان ثم الصومال لأن الأرض تسمح بذلك.
وتركت الثقافة الموروثة تئن تحت عبء الفرقة الناجية، وهى فرقة الحكومة، والفرق الهالكة وهى فرق المعارضة، وأن الحق مع طرف واحد. فغابت التعددية السياسية. وعز الحوار الوطنى. ووقع فرقاء الوطن الواحد فى خصومات سياسية، موالاة ومعارضة، حكومة وشعب، كفار ومؤمنين، أبطال وخونة. فريق يكفر فريقا، وفريق يخوّن فريقا. يظل الحزب الحاكم فى السلطة دون تداولها. ويبقى الرئيس مدى الحياة. ولا يترك الرئاسة إلا بموت طبيعى أو اغتيال سياسى أو انقلاب عسكرى. وعرفت قوى الهيمنة ذلك بعد أن جست الأرضية التى تعمل فيها. وأيدت فريقا دون فريق، الموالاة ضد المعارضة، والأقباط دون المسلمين، والحكومة ضد الشعب، والمؤمنين ضد الكفار أو الكفار ضد المؤمنين طبقا للمصلحة والظرف. وأيدت الجنوب ضد الشمال فى السودان، والبربر ضد العرب فى المغرب العربى كله، والبوليساريو ضد المغرب من أجل مزيد من تفتيت الأوطان. وجعلت نفسها حامية للأقليات العرقية والطائفية ضد اضطهاد الأغلبية لها. ونسى العرب أشداء على الكفار، رحماء بينهم، وجعلوها أشداء بينهم رحماء على الكفار. ونسوا المثل الشعبى أنا وأخويا على ابن عمى، وأنا وابن عمى على الغريب.
استعدت شعوب وثقافات أخرى داخليا لمواجهة المخاطر الخارجية. ومهدت أرضيتها الاجتماعية والثقافية لمقاومة الغزو الأجنبى، وأثبتت المجسات الأجنبية أن هذه الشعوب والثقافات صلبة جامدة لا يمكن اختراقها مثل الصين واليابان وكوريا الشمالية وكوبا وماليزيا. يحمى الصين وحدتها القومية وثورتها الاشتراكية ومشاريعها التنموية ومعدل زيادة نتاجها القومى بما يقارب 9 %. يخطب الجميع ودها. ويخشى من مستقبلها وفائض إنتاجها بل ومن قوتها العسكرية. حررت هونج كونج سلميا. وبقت تايوان. ومهما يحاول الغرب الدخول من منطلق الحريات العامة وحقوق الإنسان فإنها تظل صامدة. بل وتطلب الاعتذار من دولة كبرى إذا ما أسقطت طائرتها للتجسس عليها.
واليابان مثل الصين تحافظ على وحدتها الوطنية بالديمقراطية التوافقية وبالإجماع الوطنى على القضايا الكبرى. هُزمت فى الحرب العالمية الثانية ولكنها انتصرت فى النمو الاقتصادى وفى الصناعات الحديثة. وغزت منتجاتها أسواق العالم. وهى تستورد المواد الأولية من الغرب والطاقة من الخليج وليس لديها إلا العقل والإرادة.
وكوريا تقف صامدة فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. تتمسك بحقها فى امتلاك الطاقة النووية والصواريخ العابرة للقارات. وتسعى إلى توحيد شطرى شبه الجزيرة الكورية بين الشمال والجنوب. وتساعد دول العالم الثالث فى تنميتها الاقتصادية وصناعاتها العسكرية.
وكوبا أيضا صامدة فى مواجهة التدخلات الخارجية، ومحاولة قلب نظامها الوطنى الاشتراكى على مدى أكثر من أربعين عاما. تنمية مستقلة، وقضاء على البطالة، وتمسك بالاستقلال الوطنى بالرغم من قربها من الولايات المتحدة الأمريكية. وأصبحت أحد عوامل بلورة اليسار الجديد فى أمريكا اللاتينية فى فنزويلا وشيلى والبرازيل وبوليفيا. وقد يؤثر ذلك فى الوطن العربى عن قريب. فقد بدءا معا، ناصر وجيفارا. وقد يعيدا البدء معا من جديد.
ومن البلاد الإسلامية تعطى ماليزيا نموذجا لإعادة بناء الداخل فى مواجهة التهديدات الخارجية. وتجهر بمواجهة الغرب الرأسمالى الصهيونى العنصرى. وجعلت الإسلام أحد مكونات الدولة والهوية الوطنية. وإيران صامدة فى مواجهة المخاطر الخارجية. تدافع عن استقلالها الوطنى وحقها فى امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية أسوة بغيرها التى تجهر بالحرب والتوسع. بل إن تركيا التى كانت إلى عهد قريب جزءا من الحلف الغربى أصبحت الآن أكثر استقلالا، وابتعادا عن الغرب وإسرائيل، وأقرب إلى العرب وإيران دفاعا عن حق التعددية القطبية فى نظام العالم.
فمتى يبدأ العرب بترتيب البيت من الداخل والقضاء على الفجوات والفراغات فى الثقافة والمجتمع حتى تأمن الغيلة، وتستعد للمقاومة، وتقضى على مواطن الضعف فيها حتى إذا ما جستها قوى الهيمنة الخارجية وجدتها صعبة الاختراق.
(المصدر: صحيفة « العربي » (جريدة الحزب العربى الديمقراطى الناصرى – أسبوعية معارضة – مصر) بتاريخ 4 مارس 2007)
الرابط: http://www.al-araby.com/articles/1048/070304-1048-opn05.htm