في كل يوم، نساهم بجهدنا في تقديم إعلام أفضل وأرقى عن بلدنا، تونس Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre pays, la Tunisie. Everyday, we contribute to a better information about our country, Tunisia |
TUNISNEWS
8 ème année, N° 2571 du 07.06.2007
archives : www.tunisnews.net
الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: اعتقال السجين السياسي السابق معتوق العير رويترز: الشرطة الإيطالية تقول إنها فككت خلية لمتشددين إسلاميين (جميعهم تونسيون!!!) ا ف ب: اعتقال عشرة اسلاميين يشتبه بضلوعهم في الارهاب في ايطاليا كونا: تونس ضيفة شرف مهرجان مغربي للموسيقى الصوفية محمد بن جماعة: هل نحتاج إلى إعادة صياغة مشروع (المصالحة)؟ عبد الرحمان الحامدي: قراءة هادئة في مبادرة الدكتور الهاشمي الحامدي رفيق أبو خلود: رجاء للأخ الهاشمي فتحي العابد: ردا على الأخ الهاشمي الحامدي – التضحية بالصمت ثمنا للصمت جمال السلامي : تجديد البيعة والولاء عبد الرحمان كمال: رسالة إلي أمي كمال العيفي: وخالق الناس بخلق حسن بحري العرفاوي: تونس … الـغُـصّـة الـثـقـافـيـة ونــداءُ الـمـسـتـقـبـل عادل القادري: المحاكمة المنسية سفيان الشورابي: تونس للبيع في المزاد العلني محمد العروسي الهاني: حرية الراي و التعبير تتطلب النزاهة و الموضوعية عند إصدار الكتب المتحاملة على فترة من التاريخ المعاصر د. سلوى الشرفي: دفاعا عن حرية الرأي والتعبير والحق في المعتقد والخصوصية الثقافية وحوار الحضارات…الخ توفيق المديني: أربعينية 5 حزيران وجدلية الهزيمة والمقاومة
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين بلاغ تونس في : 7 جوان 2007 اعتقال السجين السياسي السابق معتوق العير
تم في حدود منتصف نهار اليوم إعتقال السجين السياسي السابق معتوق العير. فقد حضر إلى منزله في التوقيت المذكور مجموعة من الأعوان بالزي المدني قاموا بإعتقاله و حمله معهم على متن سيارتهم دون تقديم أي إيضاحات له أو لأفراد عائلته. و كانت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين أصدرت بيانا منذ ثلاثة أيام (04 جوان 2007) تعرضت فيه للإعتداءات و المضايقات و الإستفزازات التي صار يتعرض لها السجين السياسي السابق معتوق العير في المدة الأخيرة و حالة اللاقانون المسلطة عليه و التي تحرمه من أبسط مقومات الحماية لحقوقه رغم الشكوى المرفوعة من طرفه إلى وكالة الجمهورية بابتدائية منوبة و تظلمه لدى رئيس الدولة. عن الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين المنسق: المختار اليحياوي
الشرطة الإيطالية تقول إنها فككت خلية لمتشددين إسلاميين (جميعهم تونسيون!!!)
ميلانو (ايطاليا) (رويترز) – قالت الشرطة الإيطالية يوم الخميس إنها احتجزت عددا من الاشخاص يشتبه في عضويتهم في جماعة اسلامية متشددة مرتبطة بهجمات شنت في تونس والجزائر في وقت سابق من هذا العام.
وقالت شرطة ميلانو إن الاعتقالات استهدفت خلية لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي التي عرفت في السابق باسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال.
وكانت الجماعة قد اعلنت مسؤوليتها عن تفجيرات وقعت في 11 ابريل نيسان في الجزائر العاصمة وقتلت 33 شخصا.
وقالت مصادر بالشرطة إن تسعة أشخاص احتجزوا وجميعهم تونسيون.
ومن المقرر أن تعلن تفاصيل عملية المداهمة في مؤتمر صحفي في ميلانو في وقت لاحق من يوم الخميس
(المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 7 جوان 2007)
اعتقال عشرة اسلاميين يشتبه بضلوعهم في الارهاب في ايطاليا
روما (ا ف ب) – افادت وكالة الانباء الايطالية (انسا) ان شرطة ميلانو (شمال) اعتقلت الخميس حوالى عشرة اسلاميين متهمين بتقديم دعم لوجستي ومالي لخلية تابعة ل »الجماعة السلفية للدعوة والقتال » الجزائرية.
وردا على سؤال لوكالة فرانس برس قال متحدث باسم الشرطة ان العملية جارية لكنه اوضح ان اي معلومات لن تعلن قبل مؤتمر صحافي سيعقد عند الساعة 1100 بتوقيت غرينتش.
وقالت الوكالة الايطالية ان مذكرات التوقيف صدرت بطلب من قاضي مكافحة الارهاب في نيابة ميلانو.
واحد الاشخاص الذين شملتهم مذكرات التوقيف التونسي سامي بن خميس المحكوم عليه بالسجن ست سنوات ونصف السنة. وكان يفترض ان يخرج من السجن الاحد الماضي بعد ان امضى عقوبته لكنه سيبقى موقوفا على ما يبدو. ولم تحدد جنسيات الموقوفين الاخرين.
وذكر المحققون ان المشبوهين الذين اوقفوا على علاقة بعمليات جرت في تونس في كانون الثاني/يناير الماضي وفي الجزائر في نيسان/ابريل الماضي.
والجماعة السلفية للدعوة والقتال مجموعة اسست في الجزائر في 1998 من منشقين عن الجماعة الاسلامية المسلحة التي اعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة في ايلول/سبتمبر 2006.
ويتم اعتقال اشخاص متهمين بالانتماء الى خلايا تابعة للجماعة السلفية للدعوة والقتال في اغلب الاحيان في شمال ايطاليا حيث تم اعتقال خمسة جزائريين بتهمة تمويل هذه الجماعة في تموز/يوليو 2006 .
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 7 جوان 2007)
تونس ضيفة شرف مهرجان مغربي للموسيقى الصوفية
الرباط – (كونا) — اعلن هنا اليوم ان تونس ستشارك كضيفة شرف في المهرجان المغربي للموسيقى الصوفية الذي سينطلق غدا بمدينة مولاي ادريس زرهون التي تبعد حوالي 100 كيلومتر شرقي الرباط.
وذكر بيان لوزارة الثقافة المغربية ان المشاركة التونسية في هذا المهرجان الثالث لفن المديح والسماع والذي يتزامن والمهرجان العالمي ال13 للموسيقى الروحية التي تحتضنه مدينة فاس القريبة من مولاي ادريس زرهون ستكون « متميزة للغاية ».
واضاف البيان ان المهرجان الذي تشارك فيه امهر الفرق الصوفية المتخصصة في المديح النبوي الشريف ستستغرق فعالياته ثلاثة ايام تحت شعار (البعد الانساني في التجربة الصوفية).
كما اشار البيان الى وجود انشطة موازية ستشهدها فعاليات هذه التظاهرة الفنية الراقية والتي تمجد في العمق موسيقى السلام وقيم التسامح والخير والتعايش بين شعوب العالم.
(المصدر: وكالة الأنباء الكويتية كُـونا بتاريخ 7 جوان 2007)
القرار جديد
قرار جديد يضاف إلى سابق القرارات… قرار يهم هذه المرّة سائقي السيارات، وهو يتعلق بالسيارات الخاصّة ومنع التدخين على سائقيها… وغايته بالطبع هي وقاية حياة راكبيها.
بعد قرارات منع التدخين في الإدارة والمحلات العمومية الصادرة منذ زمان… هذا قرار جديد سيلحق بإخوانه في قجر النسيان.
محمد قلبي
(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 7 جوان 2007)
إصدار قطع نقدية
صدر أمر في الرائد الرسمي عدد 43 جاء في فصله الأول مصادقة مجلس إدارة البنك المركزي التونسي على إصدار قطع نقدية من فئة دينار واحد ونصف دينار وخمسين مليما وعشرين مليما لها الرواج القانوني والقوة الابرائية بالتوازي مع القطع النقدية من نفس الفئة المتداولة حاليا
تسمية
كلف السيد محمد العكروت بمهام مفوّض خاص للدولة بالجلسات العامة للشركة الإيطالية – التونسة لاستغلال النفط خلفا للسيد عبد العزيز الرصاع.
مجلس للاقتصاد الرقمي
تمّ في وزارة تكنولوجيات الاتصال احداث مجلس استشاري سمي بـ«المجلس الأعلى للاقتصاد الرقمي» ومن بين مهام المجلس دراسة وإبداء الرأي في المواضيع المعروضة عليه والمتعلقة بالخصوص بالبرامج الوطنية في مجال الاقتصاد الرقمي ووضع الاختيارات والتوجهات للبرامج الوطنية في ميدان الاقتصاد الرقمي وتنسيق برامج مختلف الهياكل والمؤسسات ذات العلاقة بالاقتصاد الرقمي وبصفة عامة دراسة المسائل المتعلقة بتطوير الاقتصاد الرقمي.
ويرأس الوزير الأول هذا المجلس المتكون من الوزير المكلف بالنقل، وزير الداخلية والتنمية المحلية، وزير العدل وحقوق الإنسان، الوزير المكلف بالتكوين، الوزير المكلف بالتنمية، الوزير المكلف بالمالية، الوزير المكلف بتكنولوجيات الاتصال، الوزير المكلف بالتجهيز، الوزير المكلف بالثقافة، الوزير المكلف بالسياحة، الوزير المكلف بالصحة العمومية، الوزير المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا، الوزير المكلف بالصناعة، محافظ البنك المركزي، ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.
(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 7 جوان 2007)
بسم الله الرحمن الرحيم
مكابرة لا مبرر لها من أخي الشيخ راشد الغنوشي
د. محمد الهاشمي الحامدي
أكتب هذه المقالة تعليقا على فقرة وردت في حديث الشيخ راشد الغنوشي حفظه الله ورعاه، للأخ الهادي بريك حفظه الله ورعاه، نصها ما يلي:
» عندما تتوفر حتى مجرد شروط الحد الادنى للمصالحة لن يعيقها آنئذ سبب تافه من مثلإفتراض تعطل وصول رسالة أو جهاز هاتف..ولن تكون محتاجة إلى وسايط ، وعلىافتراضها،ينبغي أن يكون ذا مصداقية غير مطعون فيه ولا متهما من أحد الطرفين أوكلاهما. وتلك جزئيات ». (انتهى النقل عن الشيخ راشد حفظه الله)
أقول للشيخ راشد، مع كل الإحترام والتقدير، إن في هذه الجملة مكابرة لا مبرر لها، وأرجو منه أن يؤوب إلى الحق في هذا الموضوع ويغير من أسلوب تناوله له.
أرغب في أن أذكر السادة القراء بحيثيات هذا الموضوع، ناقلا مما تحدثت به للأخ الطاهر العبيدي، في حوار صحفي نشر قبل أسبوعين. الحديث هنا يدور حول جهودي لتسوية ملف الحركة الإسلامية عامي 1998 و1999:
قلت آنذاك ما يلي:
« كانت تلك المبادرة في رأيي فرصة ذهبية لإصلاح ذات البين بين السلطة والإسلاميين في تونس. الرئيس بن علي تجاوب معي لأبعد الحدود، وأبدى استعداه لحل جذري للمشكلة. جزاه الله عني خير الجزاء. كنت طلبت أن أتشرف بمقابلته بمناسبة الذكرى العاشرة لتغيير السابع من نوفمبر، فاستقبلني في 12 سبتمبر 1998.
رويت في مناسبات سابقة أن رئيس حزب سياسي قانوني معروف حذرني بأنني لن أخرج سليما من قصر قرطاج إذا فاتحت الرئيس في شأن تسوية ملف الإسلاميين. لكنني فعلت، وحدثت الرئيس بكل صراحة عن أهمية معالجة هذا الملف وتسويته.
تحدثت مع الرئيس بن علي أيضا في شأن السياسة الدينية، وفي شأن السيد خميس قسيلة والدكتور محمد مواعدة وكانا سجينين آنذاك، وفي شأن السيد محمد مزالي والدكتور أحمد القديدي.
أثمرت المقابلة الأولى قبولا عمليا بإعادة النظر في ملف الإسلاميين. تم تسهيل عودة عدد منهم ورفع أحكام المراقبة الإدارية عن عدد آخر.
وفي مساء 28 أكتوبر 1999، حصلت من الرئيس بن علي، في حديث مباشر معه، على وعد بتسوية ملف الإسلاميين قبل أدائه قسم الولاية الرئاسية الجديدة في 15 نوفمبر 1999، بصيغة حزب سياسي أو جمعية دينية، وإطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء قيود الرقابة الإدارية على المعتقلين السابقين.
قلت للرئيس بن علي إنني سأسعى لأن تصله رسالة مباشرة من قيادة حركة النهضة قبل 15 نوفمبر. وطلبت منه التكرم باتخاذ بعض الخطوات التي تيسّر دفع هذه المساعي فوعدني خيرا.
اتصلت هاتفيا في ذات المساء بالشيخ راشد الغنوشي فقيل لي إنه غير موجود. تحدثت مع اثنين ممن عملا معي في قيادة الإتجاه الإسلامي في الجامعة. دعوتهما إلى بيتي في ذلك المساء وطلبت منهما عرض الأمر على قيادة حركة النهضة بأسرع وقت. لكن لم يصلني أي جواب.
تم إطلاق سراح قرابة سبعمائة سجين يوم 5 نوفمبر 1999، وأعلنت عن ذلك شخصيا من الدوحة في برنامج « حصاد اليوم » على شاشة قناة الجزيرة. وكان يحاورني آنذاك الأستاذ جمال ريان. كما أعدت تقديم العرض الذي وعد به الرئيس بن علي وطالبت الإسلاميين بالتجاوب واغتنام الفرصة.
في اليوم الموالي ظهر الشيخ راشد في برنامج « حصاد اليوم » مع الأستاذ محمد كريشان، وهنا أحيي الرجلين وأدعو لهما بالتوفيق. الشيخ راشد أكد خبر الإفراج عن المعتقلين، لكنه قال إنهم خرجوا من السجن الأصغر إلى السجن الأكبر، وتحدث في الحوار كله على هذا النحو السلبي.
كنت أرجو أن يقول الشيخ راشد ما خلاصته إنه يرى في هذا الإفراج خطوة طيبة في الإتجاه الصحيح، وأنه يرحب بها، وأنه مستعد للتباحث مع الحكومة التونسية مباشرة في كل ما من شأنه تسوية هذا الملف وتعزيز الوفاق الوطني. جملة واحدة تفتح الباب لمشاورات مباشرة، من دون وسيط، بين السلطة وحركة النهضة.
لكن اللهجة كانت لهجة معارض غاضب يريد اغتنام الدقائق القليلة المتاحة في حصاد اليوم لتسجيل نقاط ضد السلطة. وتلك أيضا كانت اللهجة التي سادت في برنامج « الإتجاه المعاكس » بيني وبين الشيخ راشد يوم 26 أكتوبر 1999.
كنت أدعو الله أن يلهمه قول ما يزيل الحواجز بينه وبين الرئيس بن علي، وما يزيل الحواجز بين حركته والسلطة. كنت آمل أن يقول: ما دام هناك حديث عن العفو والمصالحة، فأنا أرحب بهذا التوجه، وأدعمه، وأعرب عن استعدادي لبحث تفاصيله مع السلطات التونسية مباشرة.
ربما كان الإعلامي المتألق الدكتور فيصل القاسم سيخسر حدة المواجهة التي تميز برنامجه الأسبوعي المشهور. لكن تونس كانت ستكسب كثيرا من مثل هذا التوجه الوفاقي.
للأسف، حصل العكس، وضاعت الفرصة ». (انتهى النقل)
* * *
أين أنتم يا أهل الإنصاف؟
* * *
أريد من كل المنصفين والعقلاء أن يتدخلوا في هذا الأمر.
بما أن كل التونسيين يعرفون أن الشيخ راشد حفظه الله ليس معصوما عن الخطأ.
وبما أنهم يعرفون أن رئيس أي حزب سياسي يجب أن يتحمل مسؤولية خياراته وقراراته.
فإن من حق التونسيين جميعا، ومن حق المساجين الإسلاميين آنذاك وعائلاتهم بشكل خاص، أن يعرفوا: لماذا أعرض الشيخ راشد عن التعاطي مع تلك الإشارات المشجعة من السلطة عام 1999؟ ولماذا عمل لإفشال مساعي الصلح آنذاك بكل وضوح، كما نقلت من شهادة الأخ صلاح الدين الجورشي في وقت سابق؟
أطلب من كل المهتمين بهذا الموضوع من التونسيين، ومن إخوتي مناضلي حركة النهضة بوجه خاص، أن يفهموا أبسط أساسيات الموضوع. كاتب هذه السطور لم يكن وسيطا بين السلطة والإسلاميين كما يفهم من حديث الشيخ راشد. وقد قلت مرات عديدة، وأكرر اليوم مرة أخرى: لا أريد أن أكون وسيطا بين السلطة وحركة النهضة.
الأمر الثاني: الرئيس بن علي لم يكن يبحث آنذاك عن وسيط مع حركة النهضة. اللقاء الذي جرى بيني وبينه كان بطلب مني وليس بطلب منه. والحديث عن ملف الإسلاميين كان فكرتي، وكان مغامرة خطيرة مني. وكان بوسعي تجاهله، والحديث عن موضوعات أخرى عامة أو شخصية.
موضوع العفو الرئاسي عن المعتقلين الإسلاميين، وتسهيل عودة عدد من المنفيين، وإصدار جوازات السفر لبعض الإسلاميين، كل تلك مطالب رفعتها وقدمتها للرئيس بن علي.
وقد تعامل الرئيس في كل هذه الأمور بأريحية تستحق الثناء والتحية والتقدير.
طلبت مقابلته، فوافق. جزاه الله خيرا. فتحت معه ملف الإسلاميين فاستمع لي وتجاوب معي بقدر معقول منذ البداية. ثم عندما تحادثت معه في 28 أكتوبر 1999 وطلبت منه بإلحاح طي الملف بمبادرة كريمة منه وافق على تسويته بمنح الإسلاميين حزبا سياسيا وجريدة، أو جمعية دينية وجريدة، مع حل مشكلة المعتقلين والخاضعين للرقابة الإدارية.
يا ساسة تونس. يا كتاب تونس. يا أبناء حركة النهضة التونسية: الظروف المحلية والدولية آنذاك كانت مواتية تماما للصلح. كلينتون كان في البيت الأبيض. والديمقراطية تتقدم في العالم. والرئيس بن علي في ظروف مريحة، يشعر بالنصر وبالأمان الكاملين. والنصيحة التي قدمتها له كانت نصيحة صادقة مخلصة، فيها فوائد عظيمة له وللوطن. فقبلها وتحمس لها.
أعود بكم إلى السؤال. أسأل أي تونسي يقرأ هذه المقالة. لو كنت رئيسا لحركة النهضة عام 1999، وأبلغك مساعدوك أن الرئيس بن علي تحدث مع فلان أو فلان عن استعداه لحل مشكلة الحركة وتسوية ملفها بحزب سياسي أو جمعية دينية. هل كنت ستتصرف مثل الشيخ راشد: أي أنك ستتجاهل الموضوع تماما كما فعل؟
ثم أسألكم بالله جميعا يا قراء هذه المقالة. هل تصرف الشيخ راشد التصرف الصحيح بعد إعلاني يوم 5 نوفمبر إطلاق سراح سبع مائة معتقل من الإسلاميين التونسيين؟ ألم يكن بوسعه أن يرحب بهذه التطورات ويطلب التفاوض المباشر مع الحكومة التونسية من دون وسيط؟
الشيخ راشد يستحق كل الإحترام ويستحق كل التقدير. وهذا لا يمنع تحميله المسؤولية الشخصية المباشرة عن ضياع فرصة الصلح والوفاق عام 1999.
ربما يقول قائل: الحكومة التونسية كانت ستنقلب على تلك الوعود. ذلك غيب لا نعرفه، وخيار فوّت الشيخ راشد على التونسيين فرصة التأكد منه بتجاهل العرض وإفشاله عمدا.
إنني أعرف السبب الأرجح لامتناع الشيخ راشد عن التعاطي مع ذلك العرض، وأتكهن بأنه الموقف السلبي جدا من كاتب هذه السطور. لكن السياسة لا تقوم على البغض والحقد.
أسأل كل واحد فيكم يا إخوتي قراء هذه المقالة: لو كان أحدكم رئيسا لحركة النهضة آنذاك، وجاءه عرض مماثل بتسوية الملف، نقله ألد أعداء حركة النهضة في تونس، هل كنتم ستتعاملون معه بالتجاهل والرفض الكاملين كما فعل الشيخ راشد؟
أعتقد أن 99 بالمائة منكم سيقولون: لو سمعنا بمثل هذا العرض نقلا عن ألد أعداء النهضة لتحرينا عنه وتفاعلنا معه بكل اهتمام. ولو كنا محل الشيخ راشد الغنوشي على قناة الجزيرة يوم 6 نوفمبر لأثنينا على عملية إطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين وطلبنا البناء عليها وتأسيس عملية تفاوض مباشرة مع السلطة لتسوية الملف. كنتم ستفعلون ذلك من أجل المستقبل، ومن أجل ألوف المعتقلين آنذاك، وعائلاتهم.
لكن الشيخ راشد لم يفعل. والذين كانوا معه في قيادة النهضة في الخارج لم يفعلوا. ومن أجل تطوير التقاليد السياسية في بلادنا، اقترح عليهم ترك المكابرة وتقديم نقد ذاتي علني يبين أنهم لا يرون لأنفسهم عصمة سياسية، وأنهم لن يضيعوا مثل تلك الفرصة أن أتيحت لهم من جديد.
* * *
من أجل المستقبل
* * *
لماذا نحتاج جميعا لترك المكابرة؟
الجواب: مع أن عرض عام 1999 فرصة نادرة يحتمل كثيرا ألا تتكرر، فإن تقلبات السياسة عجيبة، وقد تتاح لبلادنا عامة وللإسلاميين خاصة، فرصة جديدة.
كيف نضمن جميعا ألا تضيع مرة أخرى بسبب مشاعر الكره وسوء الظن أو الحسابات السياسية الخاطئة لموازين القوى؟
المستقبل يهمنا جميعا، ونحتاج لرؤى جديدة في التعامل معه من أجل معالجة هذه المعضلة الكبرى، معضلة استمرار علاقة الصدام والقطيعة بين السلطة والإسلاميين.
أما الماضي فأقل أهمية بكثير. أهميته في الإعتبار به والتعلم منه. وتكمن أهميته أيضا في بيان الحق وتوضيحه عن تلك الفترة من تاريخ تونس. عندما ألقى رفاقي السابقين من حركة النهضة، اليوم وغدا، فإنني أقول لهم: حتى في أشد أوقات العداوة والخصومة، بذلت كل ما في وسعي دفاعا عن حرياتكم، لأنكم أهلي وإخوتي. وعلى مدى العقدين الماضيين، لم يبذل تونسي أو عربي ما بذلته من أجلكم ومن أجل طي صفحة الصدام بينكم وبين السلطة.
وأتعهد اليوم من جديد، أمام قراء هذه المقالة، وقبل ذلك أمام من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أنني لن أتخلى أبدا، أبدا، أبدا، عن السعي لتسوية هذا الملف، وتحرير بلادنا من آثار سياسة الصدام والمواجهة بين السلطة والتيارات الإسلامية المعتدلة، ومن أجل أن يحتضننا جميعا ربيع تونس الجميل الحاني، مواطنين متآخين متضامنين في بلد البحر والجمال وزيت الزيتون.
على الله توكلت، وبه أستعين، إنه نعم المولى ونعم النصير.
* * *
ـ حاشية: أهدي السلام والتحية للمهندس محمد بن جماعة والأخ عبد الرحمان الحامدي، وأهنئهما على رقي الطرح وسمو اللغة والأدب الرفيع الذي ينضح مما كتباه ويستحق أن يكون مثالا يحتذى بين المساهمين في هذا النقاش. إنهما يغرفان من إناء الخلق الرفيع، وقد مضى في الأمثال: كل إناء بما فيه ينضح.
آمل أن أرد قريبا على تساؤلات الأخ عبد الرحمن، وأقول لأخي محمد بن جماعة: بارك الله فيك وجزاك عني كل خير.
هل نحتاج إلى إعادة صياغة مشروع (المصالحة)؟
محمد بن جماعة
يزداد استيائي كلما قرأت مقالا جديدا في موضوع (المصالحة الوطنية). وإن كنت من المقلين في الحديث في هذا الموضوع –شأني في ذلك شأن السواد الأعظم-، فليس ذلك عزوفا عن الاهتمام بالشأن التونسي، وإنما لعلمي بمدى استنزاف مثل هذا العمل للطاقة والجهد والأعصاب.
وأود أن أحيي بعض الكتاب على الشجاعة والصبر والأدب الجم الذي يصبغ كلامهم، وأسأل الله أن يزيدهم من فضله. وفي نفس الوقت، آسف كثيرا لما تردّى إليه خطاب بعض من يعقّبون. وكم وددت لو أنهم ألجموا أقلامهم عوض أن يطلقوا لها العنان حتى لا يعرضوا أنفسهم للزلل المهين.
وقديما، قال عمر بن الخطاب: « من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه » (1).
وقال الفضيل بن عياض: « إذا أردت أن تصادق صديقا فأغضبه، فإن رأيته كما ينبغي فصادقه » (2). أما اليوم فإن إغضاب الصديق فيه مخاطرة كبيرة، كما يقول ابن مفلح الحنبلي، لأنك (إذا أغضبت أحدا صار عدوا في الحال) (3).
1- الكتابة تستدعي الصدق والنضج
والكتابة، باعتبارها توصيفا للواقع، واقتراحا للحلول، وتنظيما للوعي، وشرحا للقيم، تحمل في أعماقها دائماً معنى الرسالة. والرسالة تستدعي مسؤولية الأمانة.
والكاتب معرّض دائماً للانحراف وفقدان المصداقية والتأثير على الآخرين (من حيث أراد الصواب واستمالة الآخرين إلى رأيه)، إذا اختل لديه أحد أمرين:
– أولهما: الجانب الخلقي المقاصدي: ونقصد به عنصر الصدق والإِخلاص في النقل والتعبير.
– وثانيهما: الجانب الفني التقني: عنصر النضج في صياغة الأفكار المفيدة، والتعبير عنها باللغة.
وغالبا ما يفقد الكاتب ثقة قرائه، نتيجة عدم استحضاره لهذين الشرطين معاً في كل ما يكتب.
والكاتب يصبح أكثر عرضة للانحراف إذا أسهب في عرض فكرته، أو إذا اضطر إلى إعادة شرحها، وإطالة الحوار والنقاش حولها. وكم من فكرة نافعة أعجبت القراء حين صيغت باختصار في أسلوب بليغ، وفقدت بريقها حين تكررت على مسامعهم عشرات المرات.
وما يدفعني إلى كتابة هذه الكلمات أمور أربعة:
– الأول: تبرّمي من خطاب بعض الكتاب الذين لا يفوّتون أي فرصة للاستهزاء من مواقف الحامدي، والانتقاص من شخصه، عوض الاكتفاء بانتقاد الأفكار التي يطرحها. والمؤسف أن كثيرا منهم يتبنون طرحا مستندا إلى رؤية إسلامية، في حين يغفلون أصولا أخلاقية إسلامية لا يجوز التغافل عنها عند نقد الآخرين. وهم من عنيتهم، في كلام سابق لي (4)، بإلقاء الأشواك على الآخرين، عوض الاكتفاء بنقد أفكارهم فقط. وهذا الأمر لا ينطبق على كل من عقّب على كلام الحامدي، وإنما على البعض فقط.
– والثاني: الانتصار مبدئيا لحق الحامدي في إبداء مواقفه عموما، بدون أن يعني ذلك اتفاقي معه على كل مواقفه _وأحسب أنني ممن يستوعبون خطأ اعتقاد الاتفاق في كل الأمور مع أي كان، لأن الاختلاف سنة ربانية_. غير أنني أوافقه الرأي (ولا يهمني توافق النوايا، ولسنا مكلفين بل نحن منهيّون عن البحث في هذا الأمر) في ضرورة التوازن والعدل عند الحديث عن الوطن ومشاغله وهمومه، وعدم الاقتصار فقط على الجوانب القاتمة من واقع الوطن.
– الثالث: كثرة الأخطاء المنهجية في التعبير عن المواقف وقراءة مواقف الآخرين، وسيطرة الانفعال والضيق بالرأي المحالف. وما كثرة الردود على الحامدي إلا دليل على حالة القلق النفسي والحساسية المفرطة تجاه الموضوع.
– الرابع: كثرة المغالطات المنطقية ومزالق القياس الخاطئ في الجدال الدائر حول الموضوع، واتكاء بعض الكتاب على فصاحته وتلاعبه بمفردات اللغة، لمحاولة إقناع الآخرين.. وإنما القراء بشر مثلهم، وإن الكتّاب يختصمون إلى قرّائهم، ولعل بعضهم أن يكون ألحن من بعض، فيقضي القراء بينهم بنحو ما يسمعون؛ فمن قضي له بشيء من حق أخيه فإنما يقتطع قطعة من النار..
2- الواقع ليس كتلة صماء
يلاحظ القارئ لكثير من التعقيبات الواردة على مشروع الحامدي، وجود توجه عام عند مخالفيه، لاعتبار المشكلة أحادية التركيب عديمة المنافذ مستحيلة التجزئة، وهذا يؤدي إلى الشعور باليأس من التعامل معها، وتكون النتيجة طرحها وتجاهلها.
والحقيقة أن المشكلات الكبرى يستحيل حلها دون تجزئتها إلى وحدات صغيرة ثم تصنيفها إلى أساسي وهامشي، ومحاولة النفاذ إلى التناقضات الداخلية التي تشتمل عليها واستثمارها، وتغيير علاقات السيطرة وتبديل مواقع العناصر في تلك الظاهرة بغية الوصول إلى علاقات ووحدات ووظائف جديدة، حتى نتمكن في النهاية من السيطرة على المشكلة وحلها.
أما التعامل مع مشكلاتنا على أنها كتلة صلدة، ورفض الاستماع لرأي الداعين لتجزئتها، فإنه سيؤدي حتما إلى أن يأخذ كثيرون منا إجازة مفتوحة، مع أننا، كتونسيين، بحاجة ماسَّة إلى كل ومضة فكر نافع، وكل حركة يد مخلصة.
3- من الإنصاف التركيز على الأفكار عوض الأشخاص والهيئات
مما يحز في النفس، أن نقرأ في مواقف الناقدين لمشروع الحامدي، تركيزا شديدا على شخصه، ومحاكمة للنوايا، وتشكيكا في مصداقيته، واستدعاء لماضيه، بلغة لا تخلو (في كثير من الأحيان) من الاستفزاز والاستهزاء والتعريض. بل وصل الأمر إلى ظهور بعض الرسوم الكاريكاتورية في بعض المنتديات. وكم وددت لو أن بعض مخالفي الحامدي، رفعوا أصواتهم للتبرأ من هذا المنهج غير الأخلاقي، ونصرته في المواقع التي يجب نصرته فيها، إذن لكبر قدرهم في أعين قرائهم.
من المفروض على أهل الديانة أن يوطّنوا أنفسهم على إحسان الظن بالآخرين عندما يسع إحسان الظن بهم، واعتبار الخلاف معهم غير متجاوز لوجهات النظر.. ولا يهم في ذلك إن كان الاتفاق معهم تاما أم لا.. ومما يحسن أن يتحوطوا منه كثيرا هو التموقع في موقع التصادم مع أي كان. أما الريبة و تأويل النوايا فليست من أخلاق الإسلام وشعب الإيمان في شيء.
يغيب عن ذهن الكثير منا أن الخير المحض والشر المحض نادران، وأن الحق القطعي والباطل القطعي يكونان غالباً في الأصول الكبرى، التي مهما تكن كثيرة فإنها في النهاية محدودة. أما المسائل والمواقف والأحداث التي يحكمها الاجتهاد والتجربة والخطأ فهي لا متناهية. ومن الضروري، في هذه الأمور، التفريق بين الخطأ الصادر عن مجتهد مخلص مؤهل، وبين الخطأ الناتج عن الجهل المفرط أو الرعونة النفسية. فالأول مأجور على ما بذله في محاولة الوصول إِلى الحق.
وحتى لا نقع في الحيف في تقويم الأشخاص والمواقف، فإن علينا أن نمتلك النظرة التفصيلية بعيداً عن التعميم وإطلاق الأحكام الكبرى وإغفال الظروف المحيطة، وألا نقطع الأحداث عن سياقها التاريخي.
ومن بين الأمور التي بدت لي من خلال هذا الحوار وجود عدد من المصابين بعمى الألوان؛ فهم لا يبصرون إِلا الأبيض والأسود، مع أن بينهما ألواناً كثيرة يختلط فيها البياض والسواد على درجات كثيرة.
ويعلِّمنا الإِسلام مرة أخرى أسلوباً عظيماً في الإنصاف يتمثل في أن نعامل الناس وفق مقاييس ومعايير نحب أن يعاملونا بها، وفي هذا يقول – صلى الله عليه وسلم -: « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » (5)، ويقول: «… فَمَنْ أَحَبَّ أْنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ بِمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِِلَيْهِ » (6).
وهذا الإنصاف متوجب على جميع الأطراف، وتجاه جميع الأطراف.
أما التعامل مع الآخرين بانفعال، والحكم المسبق على جميع ما يصدر عنه (نتيجة رواسب من الماضي)، فإنه لا يؤدي إلى العدل والاعتدال، بل يشوِّش رؤيتنا للخيارات المتعلقة به، والظروف المحيطة به، والمآلات التي قد يفضي إِليها؛ وبالتالي القرار الذي علينا أن نتخذه حياله؛ إِذ من النادر أن نتمكن من إِصدار أحكام عقلية منطقية وموزونة في حالة طغيان الانفعال الإِيجابي أو السلبي، لأن الانحياز آنذاك هو سيد الموقف:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
وشخصيا، فإن معرفتي بالحامدي لا تتجاوز قراءتي من حين لآخر بعض مقالاته، أو مشاهداتي النادرة لقناة (المستقلة). غير أنني تابعت باهتمام سلسلة الحوارات المسجلة التي قام بها حول القضايا الخلافية بين السنة والشيعة، لأنني أعتبر نفسي من المهتمين بقضايا الخلاف وأدب الحوار بين المسلمين.
وأما تاريخه وأنشطته السابقة كقيادي طلابي، ثم تغيير مساره، ثم مبررات المؤاخذات الموجهة إليه حول أسلوب تعامله مع السلطة القائمة… فكل هذا لا علم لي بتفاصيله، ولا يهمني –بصدق- معرفته.
وأما عن الخطاب الحالي للحامدي، فهو كغيره يؤخذ منه ويردّ. وقد قرأت له بعض المقالات في مواضيع لا تستهويني ولا تندرج في إطار اهتماماتي (مع احترامي له، وتقديري للمجهود الذي يبذله). غير أنني في المقالات المتعلقة بموضوع (المصالحة)، لم أجد أي مبرر لهذه الهجمة التي تعرض إليها سوى سوء الخلق وإساءة الظن به.
4- خطاب النقد الدائم للسلطة ظلم، ولا يثمر طيّبا
حال خطاب المعارضة الذي يركّز (في الأحاديث الداخلية والأحاديث الخارجية) على نقد الأوضاع القائمة و »الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان، وإطلاق المساجين السياسيين، إلخ »، لا يختلف في تصوري عن حال الجارة التي تكرّس كل حديثها مع صاحباتها على (التقطيع والترييش) في فلانة، وكلما جلست إلى جاراتها حدثتهن عن مساوئها، ولم تحسن سوى ذلك، فلا تجد في النهاية أذنا صاغية إلا ممّن هنّ على شاكلتها. وعقلية (ما رأيت منه خيرا قط) ذمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها عقلية من (يكفر العشير).
وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة مرفوعا: « أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما.. وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما ».
ولعل التفكير الجاد في مساوئ هذا الخطاب يساعد على فهم أسباب عجز المعارضة لحد الآن عن استمالة الأنصار إليهم.
ومن الأمثلة على الخلل في هذا الخطاب، ما عبر عنه أحد الأصدقاء عندما وجّه لي عتابا شديدا، بعد نشر رسالتي الموجهة للدكتور الحامدي بعنوان (تحية إلى الحامدي المتفائل) في بعض المواقع التونسية. ومما جاء في نقده لي العبارة التالية: « الوطن حلم الجميع وأمل الجميع، أما حاكموه فقد فقدوا ثقة شعبهم، ونزعوا عن أنفسهم كل أمل في إصلاحهم ».
ولا يخلو مثل هذا الموقف من التعميم والظلم، لأن « الحاكمين » الذين يعبّر عنهم بصيغة الجمع لا يجوز معاملتهم على أنهم جهة واحدة متجانسة وموحّدة في مواقفها.
كما لا تخلو مثل هذه الأحكام التعميمية من خطورة، لأنها توحي بأن العداوة مستحكمة، مثل العداوة بين الشيطان والإنسان. وتصبح هذه الخطورة أكبر عندما تصدر عن أشخاص يتبنون شعارات دينية، لسهولة الانظلاق على أساسها نحو (التكفير) و(العنف).
ولعل من الغريب أن تصدر مثل هذه الأحكام ممن يتبنون خطابا إسلاميا، للمخالفة الصريحة لنصوص شرعية متضافرة في الموضوع، كأمر الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام باللين مع فرعون: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي، اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى، قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى، فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) (7)، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: « كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهدا في العبادة. فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر. فوجده يوما على ذنب، فقال له: أقصر. فقال: خلني وربي. أبعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة. فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد: كنت بي عالما أو كنت على ما في يدي قادرا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار. قال أبو هريرة والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أَوْبَقت دنياه وآخرته » (8).
بل إن الأغرب أن يتهم البعض بعدم النضج السياسي لأن (السياسة لا تقاس بالعواطف والأماني وإنما بموازين القوى). وهي عبارة، وإن كانت صادقة نسبيا، لا تخلو من مغالطة منطقية، لأن العاطفة والوجدان، إضافة إلى العامل الأخلاقي وأمور أخرى، كلها ضرورية في العرف السياسي، ممارسةً وتقييمًا، وهي أوكد عند أهل الديانة (ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم). والناس عادة لا يحبون من يخاطبهم بحديث موازين القوة، وإنما يحبون من يخاطبهم بحديث المحبة والرحمة والإشفاق، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: « إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه. فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحّمون فيه » (9).
فضلا عن ذلك، فإن الاقتصار على النقد، صباح مساء، يظهر المعارضين بمظهر من لا يحسنون غير هذه المواضيع. والناس يسأمون من التكرار، ويضجرون من الإلحاح. فإن كانوا فعلا لا يحسنون غير ذلك، فلم لا يسكتون لفترة (كما اقترح الدكتور الحامدي)، عسى أن يتجدد نشاط السامعين لقولهم بعد حين؟
5- اقتراح إعادة صياغة المشروع
وحتى لا يضيع وقت الكتّاب والقرّاء هدرا، أقترح على جميع المعنيين بموضوع المصالحة إعادة صياغة الموضوع بشكل إيجابي، والبحث عن كلمة سواء بين الجميع، حتى لا يضيع هذا الحوار المستمر منذ بضع سنوات، والمتجدد منذ بضعة شهور.
وأقترح في ما يلي بعض الأسئلة والأفكار التي قد تساعد على التفكير الموضوعي في الأمر:
1- ما المشكلة في طرح الدكتور الحامدي لمشروع « المصالحة »؟
2- هل تكمن المشكلة في مصطلح « المصالحة »؟ إن كان الأمر كذلك، فلم لا نبحث عن مصطلح آخر مقبول من الآخرين؟
2- أم أن المشكلة في شخص الدكتور الحامدي؟ إن كان الأمر كذلك، فلم لا نتجاوز هذا الأمر والاهتمام فقط بفكرة المشروع إن كانت مفيدة (خصوصا وأنه أعلن مرات عديدة، أنه لا يطرح نفسه كوسيط، وإنما تكلم لعدم وجود المتطوعين)؟
3- أم أن المشكلة في ربط المشروع بقبول طرف مّا لا يبدو أنه مستعد لتغيير مواقفه؟ إن كان الأمر كذلك، فلم لا نغض الطرف عن هذا التعنت، والبحث عن نقاط اتفاق أخرى يمكن تحقيقها معه؟
4- لقد جعل للجنة أبوابا متعددة يوم القيامة، أفلا يسعنا أن نترك للدكتور الحامدي مجالا للعمل رغم مخالفته في المنهج، من باب تعديد الأبواب « لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة »؟ وهل نجح « الثبات على الموقف » والإصرار على منهج الباب الوحيد في تغيير أي شيء طيلة السنوات العشرين الأخيرة؟
5- إن كانت المصالحة التامة غير ممكنة، فما هي البدائل المطروحة التي من شأنها تحسين الواقع، وعدم ترك الأمور على حالها؟
6- هل « الثبات على الأولويات » و »الإصرار على المواقف » يساعد على إيجاد حل للانسداد الحاصل؟
7- إن كان البعض يصر على مواقفه (سواء سموه « ثباتا على المبادئ » أو « رفضا للدنيّة في الدين » أو سماه مخالفوهم « عنادا » و »تعنتا »)، فلم الإصرار على مخاطبتهم في هذا الموضوع بالذات؟ ألم يقل الله تعالى: « إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء ».
8- هل لكل طرف من الأطراف أن ينسى، ولو حين، نقاط الخلاف مع الطرف الآخر، ويتساءل فقط عن الأمور التي يتفق فيها معه؟
9- هل من فائدة في توسيع دائرة الحديث عند المعارضين كي تشمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية،إلخ، عوض الاكتفاء بالأحاديث المتعارف عليها، إلخ؟
10- …
ولا شك أن كثيرا من الأسئلة يمكن إضافتها بهدف فك التعقيد في المشكل.
6- همسة أخرى في أذن الدكتور الحامدي
ليس من طبعي الإكثار من الشكر. غير أنك تفرض عليّ مرة أخرى أن أحيّيك علنا، لصبرك وسعة صدرك، وتحملك للأذى. وأعلم أن كثيرا غيرك لو تعرضوا لما تعرضت إليه في الأشهر الماضية، لأصابهم الإحباط والانهيار، ولاختاروا الانطواء على أنفسهم، وخامرهم الشك في خياراتهم، بل ولخامرتهم (في لحظة الشعور بالعجز عن إقناع الآخرين) فكرة الانقلاب على مبادئهم وعلى أصدقاء الأمس.
ولكن أرجو أن يكون عزاءك ثقتك في الله، وأنه يمنح الأجر العظيم للمخطئ والمصيب. أما الناس، فلا تنتظر منهم كلمة الشكر، حتى لو كنت مصيبا، لأنهم سينازعونك فيه، ولن يرضوا لك أي مغنم ولو كان مستحقا.
واسمع لقول الفضيل بن عياض: « رأيت نفسي تأنس بخلطاء تسميهم أصدقاء، فبحثت التجارب فإذا أكثرهم حساد على النعم، وأعداء لا يسترون زلة، ولا يعرفون لجليس حقا، ولا يواسون من مالهم صديقا.. فتأملت الأمر فإذا أكثرهم حساد على النعم، فإذا الحق سبحانه يغار على قلب المؤمن أن يجعل به شيئا يأنس به، فهو يكدر الدنيا وأهلها ليكون أنسه به.. فينبغي أن تعد الخلق كلهم معارف، ولا تظهر سرك لمخلوق منهم، ولا تعدن فيهم من لا يصلح لشدة، بل عاملهم بالظاهر، ولا تخالطهم إلا حالة الضرورة وبالتوقي لحظة، ثم انفر عنهم، وأقبل على شأنك متوكلا على خالقك، فإنه لا يجلب الخير سواه، ولا يصرف السوء إلا إياه.. » (10)
واسمع أيضا لقول ابن القيم: « كان لي أصدقاء وإخوان، فرأيت منهم الجفاء.. فأخذت أعتب فقلت: وما ينفع العتاب؟ فإنهم إن صلحوا، فللعتاب لا للصفاء.. فهممت بمقاطعتهم فقلت: لا تصلح مقاطعتهم.. ينبغي أن تنقلهم إلى ديوان الصداقة الظاهرة.. فإن لم يصلحوا لها، فإلى جملة المعارف.. ومن الغلط أن تعاتبهم » (11).
فلا تحزن، ولا تيأس..
وسدّد، وقارب..
الهوامش:
1- نقلا عن (صيد الخاطر) لابن القيم
2- نقلا عن (الآداب الشرعية) لابن مفلح الحنبلي
3- المصدر السابق
4- نشرت لي رسالة قصيرة بعنوان (تحية إلى الحامدي المتفائل)، منذ بضعة أسابيع في بعض المواقع التونسية.
5- رواه البخاري ومسلم
6- رواه مسلم
7- سورة طه: الآية 42-47
8- رواه أبو داود، وأحمد، وابن حبان عن أبي هريرة، وصححه الألباني في تحقيقه لسنن أبي داود
9- رواه مسلم في صحيحه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
10- نقلا عن (الآداب الشرعية) لابن مفلح الحنبلي
11- المصدر السابق
قراءة هادئة في مبادرة الدكتور الهاشمي الحامدي
بقلم: عبد الرحمان الحامدي (*)
السلام عليكم
وبعد:
تابعت بصفة متقطعة بعضا مما دار حول مبادرتك لتحقيق مصالحة بين إسلاميي النهضة ونظام الحكم في تونس؛ ولا أخفي عليك جزعي من المستوى الذي آل إليه حال البعض منا وهم يردون على مبادرتك؛ صحيح أن المصاب عظيم وأن الكارثة التي حلت بالكثيرين عامة وبالنهضويين خاصة خلفت و ما تزال جراحات يصعب إندمالها أو حتى تضميدها. ولكن ذلك لا يبرر؛ في نظري؛ بأي حال من الأحوال هذا المستوى في التعاطي مع الموضوع بما لا يشرف في نظري أناسا قد ينالهم يوما ما شرف الشهادة على العصر!
إن الطرق التي تم بها الرد على مبادرتك تعكس فيما تعكس ذاك الإرث التاريخي في التعا مل مع المخالفين؛ مما لا يبشر بأي حال من الأحوال بأن المستقبل في بلدي سيكون لقيم إحترام الآخر في كينونته المعنوية ( رأيا وعرضا).و لربما في حرمته الجسدية!
.و لست أدري كيف أفسر هذا المزج الرهيب؛ أثناء الردود؛ بين الرأي و صاحب الرأي؛ بين ظاهرالقول و نوايا صاحبه وهو ما يخالف قوله صلى الله عليه و سلم,, أمرت بالحكم على الظواهر و الله يتولى السرائر,, أو كما قال عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم.
كما لا أفهم حقيقة هذا الخلط بين حديث الزوايا عن تاريخك وما يقال عنك ( على فرض صحة الكثير منه) و بين المبادرة في خد ذاتها.
فماذا كان يمكن أن يحصل لو أن الردود إتجهت إلى تقييم المبادرة في حد ذاتها بكل هدوء دون هذا الخلط ودون النبش في النوايا مما يجعل للأهواء ولمنطق الأحكام سطوة يغتال أمامها العقل بل وينسحب مذموما مدحورا ليخلو المجال لمعاني الإقصاء والأحكام المسبقة والتجريح والمزايدات على الوطنية والتخوين وهو ما يجعلنا نكرر تجارب أمم عرفت كيف تغير ما بنفسها لتصل إلى ما هي عليه من تقدم
و أعني بتجارب الأمم تجربة محاكم التفتيش سيئة الذكر في أوروبا القرون الوسطى. فضلا عن كون تلك الردود على مبادرتك هي إعادة إنتاج خطاب طالما لمنا رموز السلطة وإعلامها على إعتماده في مخاطبة الخصوم و المعارضين.
لقد حسبت أننا تعلمنا نحن أبناء المهجر (من المباشرين لتجارب الغرب) كثيرا من معاني التعامل الديمقراطي وأساليب التفاعل بين المختلفين في الرأي من أبناء الوطن الواحد لتحقيق مصلحة المواطن و الوطن
لقد كان مستوى كثير من الردود مفاجئا وغير مفهوم بالنسبة لي و يبقى بنظري ممارسة مرفوضة و غير مبررة وعليه فإني لن آلو جهدي في الدفاع ما حييت على قيمة الإحترام( و التي تجد بابها الواسع في مفهوم تكريم الإنسان في الإسلام) ليكون لغيري (مهما كان إنتماؤه) الحق في أن يعبر بكل حرية عن رأيه وأن أحترم هذا الرأي وإن كنت مخا لفا له عبرعدم تخطي تلك المسافة بين عرض الشخص و رأيه أوبين فكرته التي عبر عنها ونواياه التي تبقى من مجالات العليم وحده بذات الصدور..
هذه واحدة….. أما الثانية فما ذا يضيرنا لوو ضعنا و نحن نقيم المبادرة نصب أعيننا قيمة أخرى من قيم إسلامنا العظيم ألا وهي التناصح والبناء المشترك عبر خلاف لا يفسد للود قضية. خاصة إذا تعلق الأمر برفاق الأمس.
هذا من حيث الإطار العام و المبدئي في التعامل مع من نختلف معه.
أما عن مبادرة الأخ فتجدر الإشارة؛ وللتاريخ؛ أنها ليست الأولى من نوعها التي يقوم بها الأخ الكريم؛ وهو ما يزيد فهمي لتشنج الكثيرين في ردودهم غموضا و تعقيدا!! و لقد ووجهت المبادرة بصمت البعض و تجاهلهم كما أثارت ردود أفعال متباينة مباشرة وغيرمباشرة. بل و عنيفة في أحايين كثيرة.
و بقطع النظر عن المبادرة الأولى و نتائجها والمبادرة الثانية ومضمونها وتوقيتها والواقفين وراءها و أمامها ومن بين يديها و ربما من خلفها فإن ما يهمني هو التساؤل عن جدواها وفائدتها بالنسبة للمعنيين بها (وهم منتمو حركة النهضة) و ذلك عبر طرح الأسئلة التالية:
أولا :هل تعبر المبادرة عن حاجة ملحة اليوم لتغيير و ضع شريحة مهمة من أبناء النهضة (المعنيون قبل غيرهم بالمبادرة)
وهو وضع متكلس منذ أكثر من عشرين سنة لا شك أنه موجع جدا.إكتوى و ما يزال الكثيرون من أبناء النهضة داخل تونس و خارجها بناره؟
ثانيا: إذا كانت هناك فعلا حاجة للحصول على شيء مهما كان بسيطا و على علاته (عد لمحتوى المبادرة) و بقصد تخفيف المعاناة فما عدد المتحمسين لهذا الأمر في الداخل والخارج؟ مع علمي بأن كل من فيه ذرة خير يتحمس للتخفيف على إخوانه في الدين و الوطن والإنسانية.
بعبارة أخرى هل يعكس محتوى المبادرة ما يحتاج إليه حقا الكثيرون من أبناء النهضة بعد طول معاناة و قلة حيلة؟
أشير أولا إلى أن أخي الهاشمي
لم يبد في مبادرتة أي ضمانات في حالة حصوله على التوقيعات المائة بأن إطلاق سراح المساجين يصبح حقيقة مع رفع الرقابة الإدارية و وقف كل أشكال الترويع وقطع الأرزاق و عدم عودة المحاكمات من جديد.
و قد تفسر عدم مصداقية (نظام لا ظلم بعد اليوم)!!! جانبا من الردود الساخرة والعنيفة على المبادرة وقد يكون لسان حال أصحابها يردد الحديث الشريف لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
أما المشكل بانسبة للرافضين للمبادرة فإنه يعود بحسب الردود إما إلى:
الشخص الذي قام بالمبادرة ويظهر ذلك في المقالات التي ؛؛شخصنت؛؛ الموضوع وولجت متاهات النوايا والتهجمات و حكمت على الشخص قبل تقييم الفكرة.
وقد يعود الرفض إلى صيغة المبادرة و التي يرى البعض أن فيها د نية وذلة
أو لكون المبادرة لا تعكس بنودا حقيقية لمصالحة مشرفة لأبناء النهضة ولكافة التونسيين بحيث تتوقف كل أشكال الإنتهاكات لحرمة التونسيين الجسدية والمعنوية من قبل البوليس و تطوى صفحة محاكمة التونسي بسبب آرائه ويفتح الباب لحرية تكوين الأحزاب وحرية الصحافة مما يمكن معه إيجاد حالة من الطمأنينة يستعيد أثناها المعارض مواطنته و يأمن على رزقه و حرماته.
ولئن كان المطلب الأخير من المطالب صعبة التحقيق على المدى القريب والمتوسط لأسباب يطول شرحها
فإن البعض من رافضي المبادرة يرى أنه على السلطة أن تقوم على الأقل( و ذلك أضعف الإيمان) ببعض المبادرات بما يمكن أن يؤشر على نوايا حسنة كالتوقف نهائيا عن محاربة الحجاب في المدارس ووضع آليات للحد من إنتهاك الحرمة الجسدية للمواطنين الموقفين أوالمعارضين( أعضاء أحزاب و صحفيين ومدافعي عن حقوق الإنسان ألخ….) والبحث؛ و لو على مراحل؛ في إيجاد أساليب أخرى لمعالجة المشاكل عدا الأسلوب الأمني و ما فيه من إعتداءات و تهديد و ترويع وهرسلة و محاصرة و قطع الأرزاق ومحاكمات و سجون ….وهو ما لا يتناسب والحد الأدنى لمواثيق حقوق الإنسان.
و في رأيي المتواضع فإن كلإ من السلطة و حركة النهضة في وضع لاتحسدان عليه.
السلطة محتاجة إلى طي ملف لم يعد يقنع الغرب بأن معالحته لا بد أن تتواصل بالأشكال الأمنية و ذلك في إطار توجه عالمي عام نحو الإستعانة بالإسلام الحركي المعتدل في مقاومة ما أصطلح على تسميته بالإرهاب.و الفكر المتطرف وفي ظرف تحتاج فية السلطة وبدعم دولي مكشوف إلى التفرغ لمقاومة الحركات ذات التوجه العنيف( في تغيير موازين القوى) والتي بات تهديدها يتصاعد بحسب التقارير الإستخباراتية في العالم عموما و في شمال إفريقيا بالخصوص.
وهذا يأتي مكان مواصلة التصدي الأمني للإسلام الحركي المعتدل في تونس على سبيل المثال مما قد يضعف من مبررات وجود التيارات العنيفة.
لذلك تجهد السلطة حاليا في إيجاد حلول؛ تحلم بها؛ لطي ملف الإسلام الحركي المعتدل ممثلا بالنهضة فيما أحسب و لكن على طريقتها فقد تكون مستعدة لإطلاق كافة مساجين النهضة وليس كافة المساجين السياسيين و رفع الرقابة الإدارية عنهم و ترك مجال الإسترزاق لهم والقبول بعودة المغتربين وهو ما تعد به مبادرة أخي الهاشمي الحامدي كما فهمت( ولكن دون ضمانات فعلية).
و لا أنكر البتة ما في هذه الخطوة من إيجابية لو تحققت بضمانات ففيها إيقاف لمحنة شريحة مهمة من أبناء تونس تنوء من ثقلها الجبال الرواسي لطول أمدها وعذاباتها وهو ما أحسب أن أخي الهاشمي قصد تحقيقه بمبادرته هذه وبدافع إنساني لن أسمح لنفسي أن تشكك فيه (رغم معرفتي المحدودة جدا بالرجل).
و لكن يا أخي الهاشمي أسأل نفسي قبل أن أسألك:
ما هوالثمن الذي يقابل ذلك على فرض تحققه بالكمال و التمام؟
و لن أتحدث الآن إلا عن نفسي:
هل تراني أتحمل العودة إلى بلد (على فرض أني سآمن فيه على نفسي و على أسرتي) و أنا أعلم علم اليقين أن فيه كرامات تداس وأجساد تنتهك حرماتها حتى الموت أحيانا؟!
أتراني أقدر على لعب دور الشيطان الأخرس وأنتهج مبدأ( أخطى راسي و اضرب) أو مبدأ (نفسي نفسي) و أنا الذي سجنت و عذبت مع الآلاف غيري من أجل هدف واحد آمنت وآمن به كثيرون (و ما زالوا فيما أحسب) ألا وهو إحترام كرامة الإنسان بأبعادها كلها و تحريره؟!
ما ينفع يا أخي الكريم إنخراطي في الأحزاب المعترف بها والسلطة في بلدي لاتسمع و لا ترى إلا ما يتفق مع فكرها و لا يوقفها شيء إسمه حرمات؟
.
يا سيدي ما فائدة الإنجازات( رغم إقراري الشخصي بها وسعادتي بإستفادة ملايين التونسيين منها) وهناك تونسي واحد أوأكثر تسلم جثثهم إلى أسرهم وهم إما مهشمو الرؤوس أو لا يقدر أحد من أفراد عائلاهم أن يتعرف عليها ثم يدفنون تحت جنح الظلام؟؟!
يا أخي ما سجنت لأتحمل حدوث هذا اليوم في تونس و ما سجنت ليأتي يوم وأسكت عليه وعلى ما هو أقل منه وإن كان مقابله تفيؤ ضلال شجر الزيتون بأمان و رؤية الأحبة في بلدي الحبيب.. .
قد تقول لي :
أجبني على سؤالي؛ ما الحل لهذه الكارثة المتكلسة في الزمن لرفع المعاناة عن شريحة مهمة من التونسيين على الأقل؟
أقول لك: لي مطا لب( وهي نفس مطالب حركة النهضة والمجتمع المدني التونسي) أنا أعجز الناس على فرضها على السلطة مهما كانت هذه المطالب مستندة إلى قيم العدل و الحق( و الحق ضعيف إذا لم تسنده قوة) و لأن موازين القوى ليست في صالحي( و لا في صالح أحد)
ثم إن السلطة أعجز من أن تتبناها حاليا لأنها ستفتح عليها براكين الدنيا وأبواب جهنم وهي التي أثبتت ضيقها بالرأي المخالف مهما كان مصدره.
وعليه فإن ضعفي هذا لن يزين لي التفكير في خلاص فردي و لعب دور الشيطان الأخرس في بلدي.
وتعيد يا أخي الهاشمي السؤال علي ثانية ما الحل؟ ما الحل؟
لا أرى الحل إلا بيد أصحابه في الداخل والخارج فإن إرتضوا لأنفسهم الخلاص الفردي و الصمت فلهم ذلك ولن أسمح لنفسي بالوصاية على أحد أو بتخوينه أو إرهابه رغم ما يعنيه ذلك من إضعاف للصف و لموقف حركة تحلم بتحقيق مطا لب لن تتحقق حاليا؛ برأيي؛ لأنها لا هي و لا المجتمع المدني في تونس قادران على فرضها في المدى المنظور مما يجعل الجميع في مأزق
فحركة النهضة ( التي أتشرف بالإنتماء إليها) تجد نفسها اليوم بين المطرقة والسندان: سندان إلتزامها بما دفعت من أجله الغالي و النفيس ؛ و ما تزال؛ من أجل نصرة قيم الحق و العدل و مطرقة المحنة الموجعة التي طال أمدها و توشك أن تذكرنا بطول أمد محنة القضية الفلسطينية!!
و لا يخفى على أحد أن السلطة لعبت على عنصر الزمن لإطالة المحنة معتبرة بقولة بورقيبة (الدوام ينقب الرخام) حتى يأتي الوقت المناسب الذي تستطيع فيه بنظرها أن تفرض تصورها لحل مشكل النهضة وعلى طريقتها (طريقة الأقوى) فتلقى القبول و الترحاب من عناصرها في الداخل و الخارج على حد سواء!!!
وها قد جاء الوقت المناسب برأيي لا كنتيجة للحكمة البورقيبية الدوام ينقب الرخام( لأن الرخام ما يزال بعافية و الله أعلم).
ولكنه الوقت المناسب بمعناه المحبط لأحلام السلطة؛ و نعني به ما يمارس اليوم عليها من إحراجات (حتى لا أقول ضغوط) من الغرب حتى يقع طي ملف الحركة المعتدلة لتتوحد الجهود(سلطة وغربا) و تتفرغ لمجازر قادمة في تونس لا قدر الله تحت عنوان التصدي لما يسمى الإرهاب (راجع للغرض الزيارات المتعددة لمسؤولين أمريكان وإيطاليين لتونس في الآونة الأخيرة)
فهل نفوت الفرصة على النظام برفض أي مبادرة؛؛ تصالحية؛؛ في هذا الإتجاه ولوتأكدت الضمانات ؟ أم نقبل بها و نبقى نحلم بتغير إيجابي في مواقف السلطة قد لا يجيئ أبدا؟
و في الختام أقول: اللهم ألهمنا رشدنا.
ولله الأمر من قبل ومن بعد و لا حول و ل قوة إلا به وحده المحيط بكل شيء و القادر عليه.
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
أخوك عبد الرحمان الحامدي، لاجئ مقيم حاليا بسويسرا.
(*) ملاحظة: لا علاقة بين اللقبين إلا من باب الأخوة.
رجاء للأخ الهاشمي
بقلم: رفيق أبو خلود
السلام عليكم و رحمة الله: اما بعد, ارجو من الاخ الهاشمي الحامدي ان يتقبل اعتذاري ان تهجمت عليه بما يغضب الله فيما سبق من مقالاتي, و ليعلم ان ردودي عليه لم تكن الا ردة فعل على ما يجري في بلدي من جور و عداء للدين و استهداف للمستضعفين و ليس استهدافا لشخصه.
اخي العزيز انا لست حركيا و لا نهضويا و لكنني ممن يعتقدون في تحكيم شرع الله على وجه الارض لانه الشرع الوحيد و الرسول صلى الله عليه و سلم اتمم علينا ديننا, و ان اختلفت معي فتلك قضية اخرى, و لكني اعترف بخطئي لان النصيحة على الملا فضيحة, و اترك المجال لمن هم افصح مني و لمن لهم الحجة و البيان و لمن درجوا على السجال.
اما انا فما انا الا بجندي بسيط ارجو ان يستخدمني الله فيما هو انفع لاخوتي و امتي فارجو من الله ان يوفقني للتطبيق فما انا للكلام بميال. اسحب كل كلمة قلتها في حقك من باب اننا اخوة و موحدون و لسنا بمحاكمين لنوايا الناس . ان قصدت خيرا ثبتك الله و ان كان شرا فاسال الله لك الهداية كما اسالها لجميع الموحدين. ان تحدثنا عن المصالحة فسوف نستغرق دهرا و نكون بذلك ضيعنا نعمتين,نعمة الوقت و نعمة الفراغ. نحن احوج ما نكون الى مسلمين فاعلين و لا الى مسلمين قوالين.
في النهاية ارجو ان تكون قد عفوت عن لغوي لانني مسؤول عنه يوم القيامة و ارجو لك التوفيق في مسعاك ان كنت تبتغي بذلك وجه الله. اما عن اخوتي في الاسلام ممن يكتبون في هذا الموقع فارجو لكم من قلبي التوفيق و الثبات و انصحكم بالترفع عن مثل هذه المساجلات لان ذلك مضيعة للوقت و مفسدة للقلب.
ان ما يجري في تونس الآن هو الهدوء الذي يسبق العاصفة و الحال حال تاهب لما سيقضي به الله. نامل ان يكون ذلك في خير التونسيين جميعا. و احقاقا للحق انا اخجل عندما يقول لي اخ عربي كيف تسمحون لحاكمكم ان يفعل فيكم ما يفعل؟ في اشارة الى استاصال الدين و التدين. و ياتي تعليله كافيا شافيا في قول الله عز و جل » ان الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم » و هذا هو التغيير الحقيقي الذي يصبو اليه كل تونسي غيور على دينه حتى و ان كان تدينه بسيطا لا يعدو ارتياد المساجد وقرآءة القرآن.
و انتظروا الايام القليلة القادمة فلعلكم ان شاء الله تسمعون الخبر اليقين سوف انسحب من مخاطبة الاخ الهاشمي ايمانا مني بان النصيحة على الملا فضيحة و ان الصمت في بعض الاحيان ابلغ من الكلام.
وفقكم الله جميعا و ثبت الله جند الايمان في بلد الزيتونة و في كل بقاع الاسلام. و السلام عليكم جميعا و رحمة الله.
(المصدر: موقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 7 جوان 2007)
ردا على الأخ الهاشمي الحامدي
التضحية بالصمت ثمنا للصمت
بقلم فتحي العابد – إيطاليا
لعل عدم القدرة على إدراك أهمية الصمت في حد ذاته، هو ما حال دون تمكن أدبياتنا وخاصة السياسية منها من تحديد التوازن بين الكلام والصمت. فهي ظلت عندنا نحن التونسيين تحاول أن توازن بين الطرفين بإعلاء طرف على حساب طرف آخر. كما ظلت تحدد الصمت على أنه غياب للكلام وانفعال فقط ، ولم تجعل منه امتناعا عنه وفعالية.
إني لم أر إلى حد اليوم ردودا رسمية من حركة النهضة على أضغاث المصالحة التي جاء بها الأخ الهاشمي الحامدي، إلا من أطراف أعتبرها بعيدة عن القيادة أو من بعض الإخوة المتحمسين من الحركة نفسها أثار فيهم الكلام من جانب واحد حمية الرد، ولم يدركوا أهمية الصمت في مثل هذه المناسبات.
فإذا استبعدنا من طرحنا عدم قدرة أخينا الهاشمي ومن نحا منحاه على الصمت، فأعتبر أن خطر لسانه عظيم، وأنه نسي أن في الصمت سلامة وعلما. ولإحساسي أن مخاطبنا، على مدى الأيام الماضية بكتاباته على صفحات « تونس نيوز »، يعتبر أن الكلام هو رأس ماله الذي يستطيع بفضله أن يزاحم به أنداده واقتحام مجالسهم (وقد أفلح في اقتحام مجالسنا) أو ربما لنيل حظوة خاصة. فحتى قبيل هذه المناورات الكلامية، متى كنت يا أخ الهاشمي تهتم بأحد أو أن أحدا يهتتم بك من أبناء وطنك المشردين في الخارج على الأقل في إيطاليا، زيادة على التونسيين الموجودين داخل تونس. فما كان منك إلا أن تعلي من الكلام وأن تتقن فنه ( وأنت في هذا بارع)، إلا أنك نسيت أن إتقان فن الكلام كان يعني أساسا إتقان فن الصمت، وآداب الكلام يعني قبل كل شيء حفظ اللسان. من هنا حاولنا أن نبحث عن توازن يضمن لنا أن نظهر براعة لساننا حتى نحن مع حفظه في الوقت نفسه ردا عليك أو إجابة لك إن شئت. لم يكن لنا بطبيعة الحال نحن الملاحقين هنا، أن نخلد إلى صمت مطلق، لأن الصمت إذا طال قد يؤدي بصاحبه إلى الإقصاء، وقد اضطررنا نحن المعارضة في إيطاليا أن نرد عليك عن طريق هذه السطور المتواضعة بكل أدب، رغم إيماننا بعدم جدوى الكلام في هذا المقام، لأننا نؤمن بأن الصمت أكثر صفاء للقلوب وطهارة للنفوس.
وعلى رغم ذلك يجب أن نبقى نعطي السبق للصمت بدل أن نخوض في كلام قد يوقعنا فيما لا تحمد عقباه. ربما يحس البعض أن هذا الكلام يحمل آثار الحساسيات، ولا حساسيات لنا مع أحد، ونحن في كل الحالات معرضين للخطإ والزلات، ولا نريد أن يصبح كلامنا هذا معرض للتنميق والمبالغة.
أيها الأخ الكريم ولا يمكن أن أحيد عن هذا الخطاب، إن للوسيط شروط لا يمكن أن تتوفر فيك:
1) أن يكون الوسيط مستقلا وفي يتخذ نفس المسافة بين الخصمين.
2) الشجاعة في الحق والقبول من الطرفين.
3) القدرة على القيام بمثل هذه المهام يتطلب رأسمال إن لم يكن سياسيا فعلى الاقل رمزي.
وهذه الشروط غير موجودة فيك، لأنك مستقيل من حركة النهضة لأسباب ما زالت قائمة (وهذا ليس عيب إنما العيب أن تتحامل على حركة وطنية مناضلة بأكملها لا على بعض الأشخاص فيها وهم المعرضين للخطأ)، فأنت في تضاد مع ما تقول وما تريد أن تقوم به.
لست حياديا وذلك بكيل المديح لسيادة الرئيس والتودد لأعوانه كبرهان بسيس وغيره « تسلملي يا برهان »، رغم أن برهان أخيرا ذاق (حلاوة) التضييق والممنوعات، في دفاعه عن زميله السابق وهذا ما لم تفعله أنت في قنواتك.
أنت في قطيعة تامة مع رمز حركة النهضة وجل منتميها، في حين أنك تقول وقع استقبالك بحفاوة في قصر قرطاج.
أنت في تونس غير معروف كما هوالحال في إيطاليا، وخاصة لدى الشباب. زد على ذلك إساءتك لنفسك بأشياء أخرى كما رويت في « اعترافات لم يكتبها قلم التحقيق »، وكأني بك تفرض نفسك على حركة النهضة، إما هذا الحل أو لا شيء، وهل تظن أننا كلنا خالد شوكت ومرسل كبيسي وعمر النمري. وهنا لا أعتبر نفسي لسان دفاع هذه الحركة وإنما لبيان الحق.
لا يمكن لمثلك ولا كثير ممن رد عليك سواء كانوا من النهضة أو غيرها، أن يدركوا أن للصمت بلاغة وقوة تعبير قد تضاهي، أو تفوق في بعض الأحيان بلاغة الكلام. إذ أن غياب الكلام يترك المجال في بعض الأحيان لمزيد من المعنى. فالصمت قد يبشر وينذر، لكنه قد يفزع ويخيف. لكني في هذا المقام فضلت التضحية بالصمت من أجل صمت آخر، لا يمكن أن يدرك معناه كثير ممن يستهويهم الكلام.
فتحي العابد
ومجموعة من المعارضين
دون ذكر أسمائهم ليس نقصا
في الشجاعة وإنما لهم أصهار
يمتلكون سيارات « كات كات »…
(المصدر: موقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 7 جوان 2007)
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على رسوله الكريم
تجديد البيعة والولاء
بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتأسيس حركة النهضة المباركة التي أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء رغم كيد الحاقدين , أتوجه إلى قيادتها وأعضائها وفي مقدمتهم شيخنا المجاهد راشد الغنوشي حفظه الله ورعاه بأحر التهاني وبهذه المناسبة السعيدة أعلن تجديد بيعتي وولائي وكل أفراد عائلتي لهذه الحركة المباركة التي أكرم الله – عز وجل – بها الشعب التونسي وشرف بعض الشباب بالانتماء إليها .
أطلب من شيخنا المجاهد بالسير إلى الأمام وعدم الالتفات والاكتراث إلى دعاة الانبطاح والتركيع والذين يريدون تحميلك مسؤولية استمرار المحنة وتبرئة الظالم المستبد الذي لم يراعي في شعبنا إلا ولا ذمة
أرجو منك شيخنا المجاهد الثبات على مبادئك والسير إلى الأمام بهذه الحركة إلى بر الأمان وليس طريق الذلة والخسران لأني أعتقد اعتقادا جازما مثلما قال أخونا الفاضل عبد الباقي خليفة : ( بان حركة النهضة سيكون لها شأن عظيم جدا في مستقبل الأيام بعون الله ) . وعندها سوف ترى بعينك الهاربون في المحن السباقون في الغنائم أي المتساقطون الذين يلهثون وراء سراب وهمهم الخلاص الفردي والذين يطلعون علينا في هذا الوقت من كل سنة بمقالات المديح لتأمين عودة زوجاتهم وأبنائهم للاستجمام بالتصفيق للظالم والمستبد وكيل التهم والشتائم لهذه الحركة المباركة أولائك سيرميهم التاريخ في سلة المهملات وحتى هذه لن تقبلهم لان التاريخ لن يرحمهم لأنه لا يقبل المتخاذلين والجبناء والمطبلين للطواغيت
قال تعالى :
( فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ) الرعد 17
والسلام عليكم ودمتم في رعاية الله وحفظه
جمال السلامي (سويسرا)
07/جوان/2007
رسالة إلي أمي
السلام عليك يا من أنتظر رضاها يوم ألقاك و ألقاه السلام عليك يا من دمعت عندما تركتك حبا فيمن تفضل علي و عليك السلام عليك يا من بصبرك صبرت و بحبك صابرت و برضاك رابطت و لم أطأطأ الهامة، رغم الشوق و الشوق و الشوق لم أنس ساعات قليلة قبل الفراق- كانت خريف 1990 مباشرة بعد استشهاد البطل الطيب الخماسي و الذي لم تفارق صورته و هو ينزف مصحفي حتى يوم الناس هذا- لم أنس تلك الدمعات منك ذرفت و أنت لا تعرفين متى نلتقي من جديد. لم أنس أخي و هو يصبرك قائلا « هو راجل ايحب اعيش راجل و انشالله ما يرجع كان راجل ». لم أنس أنك لم تعرفي وجهتي و لم أصارحك بها الا دقائق قبل سفري، حتى لا يعرف الرقيب في بلدي نيتي فيصادرها مثلما فعل مع غيري و لا يزال. لم أنس. بعد طول غياب، 13 سنة كاملة، التقينا، كانت سنة 2003، فقلت لي كلاما حكيما. لن أنس أنك قلت لي: « الظالم يا ولدي مازال ظالم بن علي قتلنا وعرّانا و نهبنا مرتو ضيعتنا و عمايلها حشمتنا ولّينا عندهم…… (حاشاكم الكل) اذا تحب تولّي هكّاكة ارجع توّ وما عادش تقلّي خرجت بش ترجع راجل » فاعلمي أني لن أعود إلا رافعا هامتي… و سأرجع يوما بإذن الله، يا أمي عبد الرحمان كمال
وخالق الناس بخلق حسن
إلي جميع المعنيّين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أغرب ما قرأته في حياتي- وقد عشت صحفيا أربعة عشرة عاما – ما نطلع عليه هذه الأيام من قاموس عربي جديد على صفحات أخبار تونس من مثل: الحقد- الكراهية- البغض – سموم – بضاعة فاسدة – الاتهام بالجهل و و و……
عمّن يصدر هذا الكلام؟ عن دعاة، عن مثقفين، عن حقوقيين، عن كتّاب. أم عن هوّاة سياسة لم يفهموا منها شيئا؟
أرجوكم أيها الكتّاب الكرام، لا تحرموننا متعة القراءة ومعرفة الحقيقة بأس عودوا إلى القاموس العربي الراقي الشريف.
كمال العيفي
تونس …الـغُـصّـة الـثـقـافـيـة ونــداءُ الـمـسـتـقـبـل
الأستاذ بحري العرفاوي
توطئة
فجأة ابتلعت البلاد لسانها! سكت الشعراء والمفكرون والفنانون وغيض حبر الإبداع وفرغت دور الثقافة ودور الشباب ودور السينما من روادها وأصبحت خاوية على عروشها كان لم تغن بالأمس … !بالأمس حين كانت البلاد تنبض في كل أنحائها شعرا وموسيقا ومسرحا.. وكان لكل صوت عشرات آلاف السامعين او القارئين او المشاهدين… تعج البلاد يمينا او يسارا او وسطا بتعبيرات
ثقافية متعددة: « عشاق الوطن » « البحث الموسيقي » « أولاد الجنوب » « الحمائم البيض » « فرقة المرحلة » « أولاد المناجم » « توفيق الميساوي » » الهادي قلة » « جلال القارسي » « الأزهر الضاوي » فرق موسيقية تنشد قصائد الحياة والأمل والحرية والحب والعدالة وتدين الظلم والاستبداد والاستغلال والاستعمار.. ومعها شعراء يجوبون البلاد يبشرون « بالإنسان » وبالوطن وبكل مشتقات الحياة: أولاد احمد، فتحي القاسمي، الهاشمي المدني، طارق الزيتوني، الصادق حمزة، الطاهر الهمامين سوف عبيد، يوسف رزوقة، الناجي الحجلاوي، المنصف المزغنين منور المليتين …وأسماء أخرى يذكرها الوطن.
السكتة الثقافية
« مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لايبصرون«
كيف كان بمكن أن يتوقف فجأة كل ذلك الحراك الثقافي؟! كيف تحولت كل تلك الاهتمامات الثقافية إلى أعجاز نخل خاوية؟! او إلى موائد مغلقة يأكلها الجمر من الداخل فتتكتم حتى على دخانها ! !
تلك مرارة لم يجدها إلا من عايشها ومازالت غصّة في حلقه إلى اليوم…لقد عصرت القبضة الحديدية كل الأغصان الحية حتى بلغت الروح الحلقوم وذوت وجوه المبدعين كما لو أنهم من الأجداث قادمون ترهقهم قترة يخشون أن تتخطفهم أياد سرية حين يضبطون متلبسين بالكتابة او الإنشاد او ربما التفكير السري!
سيتبرأ كثيرون من أنفسهم وسيحلفون جهد أيمانهم أنهم ليسوا شعراء ولا أدباء ولا حتى عقلاء ولا أسوياء أصلا.. سيمارسون سرا وعلانية ما لا يليق بمن يحترم نفسه تأكيدا لحسن الاستعداد للانهيار ولصدق العزم على الكذب الثقافي والانخراط في ورشة تصنيع الزيف والوهم والسخف وتضليل عصافير الوطن عن أغصانها وعيون ماء الحياة.
ارتخت أعناق ثقافية كثيرة وأصبح أصحابها يمشون منكبين على وجوههم يحسبون كل صيحة عليهم يبيع بعضهم بعضا إيهاما بولاء او طمعا في عطاء او خوفا من إيذاء …ولم تعوز هؤلاء الحيل الإيديولوجية إذ يزعمون كونهم يستفيدون من لحظة سياسية رخوة مهيأة للتشكل « الحداثي » و التصليب « التقدمي » في مواجهة خصوبة المشاتل الأصيلة إذ يرونها خطرا على حلم الديمقراطية ومشتقات
المدنية وقيل حقوق الإنسان ومشروع تحرير « العبيد » من الأطفال! و »الإيماء » من النساء!
السياسي والثقافي
كانت سنوات دخان حين اختلطت الأوراق السياسية وأصبح الخطاب عضوضا! !وطوقت
السلطة بذراع مفتولة رقبة » الدولة » وأخضعت كل مسالك الحركة لرقابة صارمة
توجسا من سرعة تنامي الحركة الإسلامية وسرعة استفادتها من أجواء الحرية
التي تبشر بها « التغيير« .
كانت سنوات دخان وبلغت القلوب الحناجر وأصيبت البلاد « بغصة ثقافية » وكان المثقفون بين خيارات ثلاث: إما أن يسكتوا ن وإما أن يبدلوا، وإما أن يثبتوا كونهم حمقى ومتخلفين ذهنيا ولا يفكرون أصلا.
سينخرط الكثيرون في خساسة دق الطول للسلطة وسوف يقدمون من التبريرات ما لا ينسجم مع وظيفة المثقف وسينحدر آخرون إلى درك أسفل من السخف والطيش تبرأً من لحظات وعي سابقة او نصوص قديمة تصم صاحبها بتهمة التحريض على صنع الحياة.
وسيضطر آخرون إلى إخفاء وعيهم واجتراع الغربة والألم ! لقد كان لا بد من كبير اصطبار وكثير إيمان كي لا يفقد المثقف الأمل ولا ينتحر حزنا ويأسا أمام طوفان أوحال السخف والزيف والنفايات الثقافية.
الأوحال الثقافية
هل لا بد من حرق الأشجار نكاية في لطيور – حتى وان كانت مزعجة-؟!
لقد اختارت السلطة منذ بداية التسعينات إعادة عجن المجتمع ثم تشكيله من جديد بما ينسجم مع إستراتيجية اقتلاع خصوم يستمدون زخمهم من هوية وتراث الشعب. الم يكن ممكنا اشتغال السلطة على نفس الإرث الحضاري المشترك؟ ما الذي يمنعها من الاستفادة من ثروة قيمية وروحية مشتركة؟! هل تعرضت السلطة إلى اختراق إيديولوجي استغل أجهزتها للثأر من خصوم عقائديين؟
هل كانت البلاد ضحية عدم توازن أقطاب؟
–سلطة ناشئة متحمسة وتفتقر إلى إيديولوجيا
– حركة إسلامية شعبية متحفزة وغير ناضجة سياسيا
– إيديولوجيا مصدومة ومتوجسة من خصوم عقديين
ان الأخلاط الكيميائية عشوائيا قد تنتهي إلى نتائج مدمرة ولعل هذا ما أنتجته حالة خلط الأوراق السياسية في لحظة متسرعة ومتوجسة.
ستجند حلفاء السلطة في صنع « ثقافة بديلة » تعفي السلطة من خصوم سياسيين وتعفي هؤلاء الحلفاء من خصوم عقائديين.
ولا ندري إن كان هؤلاء وهؤلاء يدركون المخاطر المستقبلية لما يروج باسم الثقافة من هرج وسخف وفراغ وليس لنا شرف ذكر أسماء لأشخاص او لأعمال يقال « فنية » في الشعر او المسرح او الغناء او السينما او حتى المدائح والأذكار. وقد سخرت الآلة الإعلامية – مقروءة ومسموعة- لصنع « نجوم » زائفة وحمقاء وفاسدة في كل الأشكال « الفنية » ..سيكتشف الجميع بعدها أنهم إنما كانوا يهلكون أولادهم قبل أن يكونوا يحاصرون خصوما عقائديين او سياسيين ولم يكد يطمئن « المتحالفون » إلى كونهم حققوا انتصارا وهيئوا تربة لمشاريع ثقافية بديلة حتى صدموا بكون حصادهم ليس إلا نكدا! هاهي أجيال جديدة تتنازعها أهواء ونوازع إجرامية ومخدرات واستخفاف بالقيم والقوانين ثم أخيرا الانجذاب أفوجا إلى مفاهيم دينية جامحة وانتقامية.
سيكتشف مثقفون وسياسيون واقعيون أنهم إنما كانوا يمارسون إكراهات على طبيعة الأشياء وسيعون بأنه لا سبيل إلى الحداثة و النهضة والإصلاح دون مراعاة لهوية الشعب الحضارية والثقافية والدينية. وقد كانت أحداث سليمان العنيفة اوخر شهر 6 وبداية شهر7 إنذارا جديا بان سياسة تجفيف المنابع قد
نفذت إلى طبقات من الروح سحيقة لتكون ردة الفعل مأساوية لا تنسجم مع طبيعة الدين ولا مع نوايا الإصلاح. تلك الأحداث العنيفة لم تكن إلا شظايا خثار الروح حين اعتصرتها القبضة الحديدية لحوالي عقد ونصف. وستنتصب أسئلة مفصلة عن الأسباب السياسية والثقافية والدينية والأمنية لجنوح ماء الشباب نحو مسالك مظلمة وسيخطب رئيس الدولة يوم 15/2/2007 داعيا إلى « الإصغاء إلى المواطنين واستجلاء انتظاراتهم وطموحاتهم… من اجل تجذير انتماء ناشئتنا للوطن والولاء له دون سواه وإثراء تكوينهم بمقومات هويتنا ومبادئ الاعتدال والتسامح والفكر المستنير والتفتح على العصر… »
هذا المنطوق الرئاسي كان يمكن أن يفتح باب المعالجة الثقافية الهادئة والعميقة لازمة الوعي والقيم لو أردف بإجراءات عملية كإعادة فتح دور الثقافة والشباب وفسح المجال رحبا أمام المبدعين والمثقفين..لكن الذي يخيب الآمال ويحبط العزائم أن أجهزة صنع العفن الثقافي لم تكف عن « القيء » بما تمجه الذائقة السليمة وبما يؤثر على الأعصاب ولعل كارثة ما يقال » ستار أكاديمي » بصفاقس خير شاهد على ما تصنعه الآلة الثقافية بتونس اليوم.
نداء لإنقاذ البلاد
قد لا يكون مجديا كثيرا الإبداع في وصف الرداءة. ولكن الأجدى ابداء العزم على تجاوز الراهن الثقافي المأزوم.
وهنا نجدد دعوة قديمة إلى مثقفي تونس ومفكريها كي يستنفروا طاقاتهم في الدفاع عن ماء الحياة حماية للوطن بما هو ارض وسماء وبحر وثروة مادية وحضارية وقيمية وبما هو فراش أولادنا وبناتنا القادمين والقادمات…
إن المثقفين الذين استهوتهم لعبة دق الطبل للسلطة في السنوات الأخيرة وأصبحوا يجدون في أنفسهم ذلة ومهانة بإمكانهم مراجعة ومساءلة أنفسهم بصدق إن كانوا يتحملون بعض المسؤولية فيما أصاب البلاد من جدب وفحيح ودخان؟ وفيما قد يلحق بأولادهم وبناتهم من سخف وتيه؟ ولما كانت الأوعية الثقافية دائما بيد السياسيين فان السؤال موجه إلى السلطة أولا إن كانت تخشى ثقافة الحياة والجمال والمحبة. وان كانت تفضل التعامل مع شعب مستنير ومثقفين صادقين وجريئين أم مع شعب فوضوي ومثقفين مخاتلين وجشعين؟
والسؤال موجه إلى المعارضة ثانيا إن كانت مستعجلة على حكم شعب تداعيه أعجل من حركتها نحوه؟ وان كانت تتحمل بعض مسؤولية في توتير المزاج العام بما ضيق على الثقافة منابتها وفرض فعلها الإحيائي.
وأخيرا.. سؤال للوطن إن كان يتسع لكل الألوان ولكل الأشكال واختلافالتسميات؟!
تونس، في 6 جوان 2007
المحاكمة المنسية
ما كتب وقيل خلال الشهر الأخير حول الذكرى الثلاثين لتأسيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، لم يتطرق بكلمة واحدة إلى تزامن ذلك الحدث الهام، بالنسبة إلى المجتمع المدني التونسي والساحة السياسية عموما، مع محاكمة مناضلي الوحدة الشعبية. وهذه ليست المرة الأولى التي يقع فيها التغافل عن هذه المحاكمة الهامة أو غيرها من الأحداث التاريخية أو المواقف أو البرامج أو الشخصيات المرتبطة بالوحدة الشعبية.
صحيح أن المحاكمة بدأت فعليا يوم 13 جوان 1977 لتنتهي يوم 19 أوت 1977 كأطول المحاكمات السياسية في تاريخ دولة الاستقلال في حين تم الترخيص القانوني للرابطة يوم 7 ماي 1977 ، ولكن إيقاف المتهمين من حركة الوحدة الشعبية وقع منذ النصف الأول من شهر مارس 1977،وذلك بعد إصدار بيان جانفي 1977 المعروف ببرنامج النقاط الخمس. وقد تضمن هذا البيان في سبيل تحول ديمقراطي لإنقاذ البلاد ما تغني التغييرات الحاصلة بعده بسنوات عن التعليق على عمق التشخيص ووضوح الرؤية الاستشرافية وصدق الروح النضالية والوطنية (انظر الوثيقة التاريخية). وقد تصدرته فقرة مميزة حول دقة المرحلة التي تمر بها تونس حينئذ، تم اقتباسها من بيان مارس 1975 (للوحدة الشعبية)، ثم ركز برنامج التغيير المقترح على » النقاط التالية :
أولا : إطلاق سراح كافة المساجين السياسيين وإيقاف كل التتبعات وفسخ كل الأحكام التي تسلطت على المناضلين سواء كانوا اليوم داخل الوطن أو خارجه.
ثانيا : إنهاء باتّ لكل أنواع القمع والتعذيب ولكل تطويق بوليسي في البلاد، واحترام كامل لما ينبعث من حريات عامة بما فيها الحريات النقابية ويقتضي هذا الاحترام إقصاء وردع كل من يحاول طمس الحريات أو العبث بها.
ثالثا : تكوين حكومة تضامن وطني شعبي انتقالية مهمتها : إعداد ميثاق للضمانات الديمقراطية والتمثيل الشعبي في كل المستويات وعرضه على الاستفتاء. ـ وفي نفس الوقت تنظيم انتخابات برلمانية حرة حتى يكون لتونس المستقلة ولأول مرة برلمان يجمع نوابا منتخبينانتخابا حقا دون أي لون من ألوان التعيين.
رابعا : اضطلاع البرلمان الجديد بإصلاح جوهري للدستور وبضبط الاختيارات الأساسية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدفاعية وفي ميدان الوحدة مع شعوب المغرب العربي والسياسة الخارجية، وتضبط هاته الاختيارات بالنسبة للفترة النيابية. ويعرض كل من الإصلاح الدستوري والاختيارات الأساسية على الاستفتاء.
خامسا : تنظيم انتخابات رئاسية لا يسدّ فيها الباب للتنافس السليم المسالم تنبعث على إثرها حكومة يعينها الرئيس الجديد بمقتضى ما سينصّ عليه الدستور بعد الإصلاح والاستفتاء.”
واختتم البيان نداء صادق من أجل » بناء مجتمع عادل حقا متقدم ديمقراطي أصيل في اتجاهه لتحقيق الاشتراكية المتطورة السليمة الضامنة لدوام العدل والتقدم والحرية للجميع » .
وقد كان ذلك البيان المنشور في نطاق السرية كافيا لإصدار الأحكام على المتهمين بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والنيل من كرامة رئيس الدولة والمسؤولين من أعضاء الحكومة والنظام ونشر أخبار زائفة ومسك وترويج مناشير من شأنها تعكير صفو النظام العام وتكوين جمعية غير معترف بوجودها والانتماء إليها. وقد شكل إصدار ميثاق الحريات الديمقراطية يوم 13 جوان 1977 ،أييوم بدء المحاكمة، تحديا إضافيا لتلك المحاكمة السياسية الظالمة ومن يقفون وراءها.
ولعله من الأدلة الفارقة بل المفارقات الدالة على ارتباط الظروف الخاصة بالحدثين (الترخيص للرابطة ومحاكمة الوحدة الشعبية) أن أحد أعضاء الهيئة التأسيسية للرابطة (وهو السيد مصطفى بن عياد) تم اختياره بصفته نائبا بمجلس الأمة عن الحزب الدستوري ليكون عضوا في هيئة محكمة أمن الدولة التي نظرت برئاسة السيد محمد صالح العياري في قضية 33 متهما من الوحدة الشعبية. وقد أحدث ذلك جدلا واسعا (إلى حد تجميد العضوية) في الهيئة التوفيقية جدا للرابطة الناشئة آنذاك، والتي ضمت حينها شخصيات منتمية للحزب الدستوري وأخرى مستقلة أو منشقة عن الحزب الدستوري شكلت فيما بعد النواة القيادية لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين ذات المنحى الليبرالي. ولن نذهب في تأويل الأحداث المترابطة أبعد من ذلك، حتى لا نعتم على صورتها النضالية المشرقة رغم كل شيء، خصوصا وقد قال فيها وزير الداخلية سابقا السيد الطاهر بالخوجة ـ كأحد أهم صناع الأحداث المحترفين وكأحد المؤرخين غير المحترفين ـ القول » الفصل » في كتاباته وشهاداته التاريخية للغاية، كعادته منذ سنة 1957 أيام شبابهالمجيد في الاتحاد العام لطلبة تونس إلى الأحداث الخطيرة في نهاية الستينات والأحداث الأخطر في نهاية السبعينات…
ولا يسعنا اليوم في الذكرى الثلاثين لتلك المحاكمة التاريخية، كمناضلين في الوحدة الشعبية، إلا أن نتوجه بأصدق عبارات التقدير لرجال تونسيين مخلصين (مثل أحمد بن صالح ومحمد بالحاج عمر ومحمد داود…)، تبقى نضالاتهم وتضحياتهم علامات مضيئة في طريقنا، ويبقى وفاؤنا لتطلعاتهم ولرواد التيار التحرري الشعبي ببلادنا معينا لنا لا ينضب لتحقيق التقدم للجميع. كما نتوجه في هذه المناسبة بالتحية التي تليق بهم إلىالمناضلين الحقوقيين والمحامين والمحاميات (مثل الأساتذة توفيق بودربالة والمرحوم عبد الرحمان الهيلة والبشير الصيد ويوسف الورداني و راضية النصراوي وجمال الدين بيدة وخديجة مدني…) لوقفتهمالشجاعة في تلك المحاكمة وغيرها، في وجه الظلم والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان في تونسالتي نتمنى أن تغيب عنها إلى الأبد مثل تلك المحاكمة المنسية.
عادل القادري (جريدة الوحدة)
تونس للبيع في المزاد العلني
سفيان الشورابي قامت السلطة التونسية في السادس و العشرين من شهر أفريل الفارط قطعة الأرض الكائنة بالبحيرة ( جنوب العاصمة تونس ) التي تبلغ مساحتها 837 هكتار إلى الشركة الامارتية « سما دبي »، وذلك بمقابل مبلغ مالي مقداره 18 مليار دينار تونسي ( 14 مليار دولار ). و نص الاتفاق الموقع بين الطرفين على بيع تونس للأرض القائمة و ما تحتها ( باستثناء حقوق استخراج المعادن المتعلقة بها، وهي غير موجودة بطبيعتها في ذلك المكان )، إضافة إلى قاع البحر و المنطقة البحرية الموجودة فوقه، و الأرض المطمورة، و الماء المحاذي لتلك الأرض الخاصة و جميع مجاري المياه الاصطناعية و أية أرض إضافية تنقل ملكيتها إلى « سما دبي ». و لا يتضمن المشروع مدة محددة لاستغلال الجهة الجنوبية لمدينة تونس، وهو ما جاء في الفقرة الثالثة من الاتفاقية التي من المنتظر أن يصادق عليها مجلس النواب إلى أن « الاتفاقية تبدأ من تاريخ السريان، و تستمر لمدة غير محددة ». وبموجب الاتفاقية أيضا، تمنح الدولة التونسية لشركة « سما دبي » المملوكة من قبل السيد فرحان فريدوني، الحق الحصري بتطوير أرض المشروع أو حق تشغيل أو إدارته، كما تمنح الدولة وفقا لعقد بيع الأرض القائمة، للشركة الامارتية الحق بتملك الأرض القائمة تملكا حرا. زيادة إلى ذلك، تمتلك الشركة الحق المطلق في تصميم و تخطيط و إنشاء و طمر أجزاء من قعر البحر و الحق في تملك الأرض المطمورة الناتجة عن ذلك تملكا حرا بمبلغ رمزي قدره دينار تونسي واحد، و هو ما يعني أنه بامكانها مستقبلا مضاعفة مساحة الأرض المملوكة حاليا من دون دفع أموال مقابل ذلك. ويسمح لها الاتفاق أيضا بتشغيل و إدارة المنطقة البحرية بحرية مطلقة، بيع و تأجير و منح حقوق الامتياز للتابعين لها أو لشركات أخرى بما في ذلك الأشخاص الأجانب لأي جزء من الأرض المملوكة أو الأرض الإضافية، و كل هذه العمليات تتم من دون أي نوع من القيود أو المراقبة تأخذ في الحسبان حاجيات سكان العاصمة. و لا تنتهي عملية التفويت في ممتلكات البلاد إلى هذا الحد، بل تتجاوزها إلى عدم انتفاع التونسيين من فوائد مفترضة لهذه الاتفاقية. فموجبها، سيتولى البنك المركزي التونسي منح الشركة الامارتية و التابعين لها، الموافقة على فتح و تشغيل حسابات خاصة بالدينار التونسي بحرية تامة، مع إمكانية فتح و تشغيل حسابات بالعملة الأجنبية، و الاحتفاظ بالأموال المتأتية من البيوعات إلى غير المقيمين، وخصوصا وهو الأخطر، السماح بتحويل العملات الأجنبية بكامل الحرية إلى خارج تونس و تحويل رؤوس الأموال المتأتية من الأرباح إلى خارج تونس من دون قيود تذكر. كما لا يجوز للدولة التونسية مصادرة أية أسهم أو سندات مالية تصدرها الشركة أو أي من التابعين لها باستثناء من صدرت بحقهم أحكام قضائية أو قرارات إدارية ملزمة ( وهو مستبعد على اعتبار عدم استقلالية الجهاز القضائي التونسي عن النظام السياسي الحاكم )، و تعفى كذلك الشركة الامارتية من عديد الضرائب التي تسحب عادة على الشركات و الاستثمارات، سواء كانت محلية أو أجنبية، و إعفاءات جبائية لا حصر لها تسند لأول مرة لطرف أجنبي. و إذا نص الاتفاق على توفير فرص العمل للتونسيين من حاملي الشهادات العليا، فانه لا يتضمن أية إشارة حول عدد تلك الفرص و لا تتضمن أي إلزاما بذلك، و يبقى تحديد عددهم بيدِ المستثمرين الذين سيأخذون بعين الاعتبار ضعف تكلفة تشغيلهم بالأساس. و لا يثير إذا الاتفاق الموقع بين « سما دبي » و الجهة التونسية الكثير من الفرح و الغبطة. فإذا كان الرهان التونسي على الدوام يرنو نحو جلب الاستثمارات الأجنبية كخيار رئيسي لتحقيق التنمية الاقتصادية، فان ذلك لا يسمح بالضرورة بالتفويت المطلق لأرض مات من أجل تحريرها الآلاف من التونسيين, و شقت و تعبت أجيال بهدف المحافظة عليها.
(المصدر: مدونة سفيان الشورابي بتاريخ 7 جوان 2007) الرابط:
http://sofinos.maktoobblog.com/?post=357089
بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين
تونس في 07/06/2007
الرسالة رقم 244 على موقع تونس نيوز
بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري رئيس شعبة الصحافة سابقا ( متصرف متقاعد)
حرية الراي و التعبير تتطلب النزاهة و الموضوعية عند إصدار الكتب المتحاملة على فترة من التاريخ المعاصر
طالعنا في السنوات الأخيرة في الصحف المحلية و خاصة جريدة الصباح عناوين بارزة لإصدار كتب جديدة متنوعة أغلبها تصب حول التاريخ و الحركة الوطنية و عهد الزعيم الراحل و نبش الماضي و ذكر السلبي و برازه و قدح كل ما حصل خلال 3 عقود و القليل النادر الذي يبرز الحقيقة و يذكر الواقع كما هو و يعطي حق التاريخ و حق الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة رحمه الله و الكتاب الوحيد الذي كان في مستوى الامانةو النزاهة و الموضوعية و الصدق و تحدث بواقعية و أمانة هو الكتاب الذي صدر بعنوان 1957 – 1987 بناء الدولة العصرية لصاحبه الهادي التيمومي وقد كان هذا الكتاب على غاية من الوضوح و النزاهة في نقل الأحداث و الوقائع و الإنجازات الكبرى و التحولات و التشاريع الهامة التي وضعها نظام الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة رحمه الله وقد وقع تقديم هذا الكتاب القيّم و ناقشه عدد هام من أهل المعرفة و المؤرخين و من المواطنين و طبعا لا يخلو النقاش من التناقضات هذا يشكر و ينوّه و يبرز قيمة الكتاب و الآخر له راي آخر أو فكرة أتمنى أن تكون خالية من الأحقاد و الحسابات و الخلفيات… و بدون تعليق هذا الكتاب الوحيد الذي كان محل إجماع الأغلبية المؤمنة برسالة الزعيم الراحل و دوره الكبير و نضالاته التي شملت كل المجالات … و بعد هذا الكتاب و قبله وقع تقديم عدد هام من الكتب في الصحافة اليومية ووقع التعريف باصحابها و بعضهم وجد الدعم و التنويه في الصحافة و نظمت ندوات و ملتقيات لمناقشة هذا الكتاب أو آخر و خاصة إذا كان الكتاب له عناوين و مضامين فيها رائحة التحامل و الإساءة و التقليل من شأن فترة حكم الزعيم الحبيب بورقيبة هذا الكتاب يجد التمجيد و التنويه و الدعم الإعلامي و الإشهار و المدح و صاحبه يصبح فارس زمانه و يصبح من أكبر المناضلين العمالقة و من أبرز القادة و من أفضل الوطنيين خاصة إذا كان التحامل و الإساءة متكررة مثل كتاب علي المعاوي الذي وجد كل الدعم و كأنه كتاب مفتاح الحل و الشفاء و الرضاء التام و صاحبه يمدح و يشكر و تنظم له الندوات و حتى التكريم الجهوي … و بعض الكتب الاخرى سواء بالعربية أو الفرنسية أيضا لا تخلو من نقاط الضعف سواء الإفراط في إبراز شخصية صاحب الكتاب و مواقفه و تاريخه و صوابه و ذكرياته و إنجازاته او إبراز بعض النقاط السلبية في عهد الرئيس بورقيبة هذه هي موضة العصر… و بدون تعليق
و بعض الكتب تذكر 30 بالمائة من مميزات و خصال العصر الذهبي لفترة الرئيس الحبيب بورقيبة و تذكر 70 بالمائة من النقاط السلبية تهويلا و تلفيقا و في المقابل هذا النوع من الكتاب أو الذين يدعون الكتابة و يصدرون الكتب على كل لون يا كريمة …يسعون لإبراز كل إيجابي في عهد التغيير أي بمعنى آخر عهد بورقيبة فيه مأخذ و سلبيات و ثغرات و نقاط سوداء و بعض التجاوزات و النكسات أما العهد الجديد كل شىء على أحسن ما يرام … و بدون تعليق و الغريب هذه المجموعة من الكتب الجديدة أغلبها تجد الاستحسان و الدعم و بعضها يناقش في صلب دار التجمع بحضور الإطارات و نقول التجمع وريث الحركة الإصلاحية و نقول التجمع امتداد للحزب الحرّ الدستوري التونسي و نقول ليس هناك قطيعة و نقول نحرص على ترابط الأجيال و نقول نحن نحرص على قول الحق و هناك خطوط حمراء لا يمكن القفز عليها كلام جميل لكن في المقابل نجد هذه الكتب التي لا تخلو من نبش الماضي و التحامل و الإساءة إلى الزعيم الكبير العملاق محرر هذا الوطن و الذي يشهد له العالم بأسره بحكمته و عبقريته و ذكائه هذا العملاق الكبير اصبح اليوم بعد وفاته بعض من أبنائه الذين وجدوا الدعم في عهده و علمهم و أكرمهم و اسند إليهم المسؤوليات و كانوا يذكرونه في اليوم 100 مرة و ينوّهن بخصاله و مواقفه هؤلاء الثلة قال في شأنهم الزعيم العملاق لا أخاف على تونس إلا من ابنائها
تصح هذه المقولة في كل من تعمد الإساءة بعد غياب الزعيم و الخوف سوف يزداد غدا بعد 20 عاما إذا كنّا من أهل هذه الدنيا الفانية و ربما هؤلاء أو أبنائهم يصدرون كتب أخرى بلون آخر و بعد تمجيد الحاضر اليوم تبرز أشياء أخرى و الله هؤلاء أخطر من المعارض الحقيقي الذي هو معروف و له اتجاه واضح و مواقف و رأي و أهداف و هؤلاء الرهط هم أصحاب منافع مع الواقف مع صاحب السلطة و هم أخطر على المجتمع التونسي همهم الوحيد جمع المال و المنصب و الجاه و التقرّب لضمان المنافع الشخصية هؤلاء غدا أقرب لقلب الفيستة لأنّ راس مالهم الله ينصر من صبح … و غايتهم و أهدافهم المصالح و بعضهم كان في عهد بورقيبة متزلفا طامعا و اليوم اصبح ضد بورقيبة … و بدون تعليق … و اعرف قصة واقعية كنت من سكان حمام الأنف الضاحية الجنوبية للعاصمة و نشطت في شعبة حمام الانف الكبرى المركزية التي كان يراسها الدكتور الصادق بوصفارة رئيس البلدية الصديق الحميم للزعيم الحبيب بورقيبة و رفيقه في الكفاح الوطني
و كانت مجموعة من الأشخاص المحيطين به ليلا نهارا في الشعبة و البلدية و النادي الرياضي بحمام الانف و كانت كلمتهم مسموعة و نفوذهم على الساحة البلدية ملحوظ و كلهم يقولون الاب الروحي الرئيس بوصفارة حتى أنّ الزعيم بورقيبة ذات مرة بلغ إلى علمه أنّ إطارت حمام الأنف يطلقون عليه اسم الرئيس عوضا عن رئيس البلدية فخاطب الزعيم بورقيبة موزعة الهاتف ببلدية حمام الانف و طلب الدكتور الصادق بوصفارة فأجابته السكريتيرة الرئيس غير موجود فقال بورقيبة لا رئيس في تونس إلا بورقيبة و خطب حول هذا الموضوع بصراحته و صدق لهجته المعهودة لأنه صريح و يمتاز بالوضوح حتى مع أقرب الناس إليه أعود للحديث على أصدقاء الدكتور بوصفارة الذي قطفوا ثمرة صداقتهم معه و اصبحوا من كبار القوم و حققوا منافع مادية و عقارية و بعد إنهاء مهامه و هذا شأن البشر ككل
لكل بداية نهاية و تنكروا له و هربوا و انفضوا من حوله و اصبحوا يتحرجون من مقابلته و الحديث معه و ذكر إسمه و ذات مرّة ذهب إلى مقر الجمعية الرياضية التي كان رئيسها فقالوا له أرجع و إفهم قدرك …و كان مسؤولا محليا بحمام الانف ينادي الدكتور بوصفارة بالأب الروحي عدّة أعوام و ذات مرة و بعد التغيير بيوم خاطب الدكتور بوصفارة المسؤول المحلي فصاح في وجه و قال له لا أعرفك و من اليوم افهم قدرك و إلتزم حدودك هذا المناضل الشيخ الكبير صديق الزعيم بورقيبة كان مبجلا في زمانه وبعد هربوا عليه الأصدقاء و المحيطين به و في عام 1971 كنت عضوا ناشطا بشعبة حمام الأنف المركزية بحمام الأنف و حضرت جلسة هيئة الشعبة برآسة الدكتور الصادق بوصفارة و أعضاء الهيئة و كاتبها العام السيد عبد الكريم عزيز لتعيين نائبين في مؤتمر المنستير 1971 و تحدث الدكتور على المناضل الباهي الادغم رحمه الله … و قال كلام جارح و نعته بأنه لعب على حبلين … فتحرجت من هذا النعت و قلت للدكتور بوصفارة أرجوك سحب هذه الكلمة لكنه أصرّ على ذلك فقلت له بصراحة إذا سي الباهي الادغم لعب على حبلين فأنت يا دكتور لعبت على 3 أحبال … فتأثر الدكتور و انتهى الإجتماع و عندما غادرنا نادي الشعبة رافقني الاستاذ عبد الكريم عزيز و السيد حسين الرجائبي و قالوا لي كلامك هذا خطيرا و ربي يسترك … قلت لهم الله هو الحامي و في الحق لا اخشى لومة لائم و بعدها قدمت إستقالاتي من الشعبة و رفضها السيد عامر بن عائشة المدير المساعد للحزب و الكاتب العام للجنة التنسيق بتونس وقتها. وبعد العزّ و المجد أصبح بوصفارة يتجول وحده في مدينة حمام الانف وفقد الأصدقاء كنت حريصا على تحيته و الحديث معه لرفع معنوياته عندما فقد اصدقاء المنافع هذه القصة لن انساها أبد الدهر و اعتقد أنّ سيادة الرئيس زين العابدين بن علي الخبير بكل هذه المعطيات و المعلومات و يعرف أصناف المنافقين و اصناف المخلصين الاوفياء الذين لهم خط الوضوح و الثوابت و القيم و المبادىء الاصيلة يدرك الرئيس إدراكا عميقا من هو الاجدر و الأنفع للوطن الصريح الشجاع الذي لا يعرف التزّلف و النفاق و المنافع الشخصية … و من هو يسبح في بحر النفاق و المنافع الحينية لغاية في نفس يعقوب قضاها… و غدا يقلب الفيستة كما فعلوا مع السلف الصالح بورقيبة و رفاقه حذاري من هؤلاء الرهط أصحاب الكتب على كل لون يا كريمة و كما اشرت يوم 29/07/1996 بدار التجمع بالقصبة أمام السيد محمد جغام الرجل الفاضل عضو الديوان السياسي للتجمع ووزير الداخلية بعد تدخل الاخ البعزاوي عضو اللجنة المركزية للتجمع الذي نعت عهد بورقيبة بالعهد البائد أخذت الكلمة من جديد و عقبت على الأخ البعزاوي بوضوح و قلت من كان وفيا لبورقيبة فسيكون غدا وفيا للرئيس بن علي و من تنكر للرئيس بورقيبة رحمه الله فحتما سيتنكر للرئيس بن علي غدا صفق السيد محمد جغام و كل الحاضرين يوم 29/07/1996 و بدون تعليق .
قال الله تعالى : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدّلوا تبديلا صدق الله العظيم
محمد العروسي الهاني
دفاعا عن حرية الرأي والتعبير والحق في المعتقد والخصوصية الثقافية وحوار الحضارات…الخ
د. سلوى الشرفي (*)
تألمت كثيرا من الحملة المنظمة في كندا ضد مواطن كندي مسلم من أصل تونسي، بدعوى تحريضه على تعنيف الناس على أساس جنسهم البيولوجي. و أرى أن ابن بلدي، الذي وضح للإعلام الطريقة الصحيحة لتأديب المرأة المسلمة الناشز، مظلوما. لذلك قررت التطوع للدفاع عنه لدى المحاكم الكندية.
وأستبق الذين سيسارعون باتهامي بأنني أسعى إلى الشهرة من خلال لعب دور محامي الشيطان، لأؤكد لهم بأنني لن أدافع عن ابن بلدي من منطلق ديننا الدستوري، بل من منطلق دين الكنديين الذين يتشدقون بمبادئ حرية الرأي والتعبير والحق في المعتقد والخصوصية الثقافية وحوارالحضارات.. الخ
ورغم أنني لا أؤمن بإنجيلهم الحديث هذا، إلا أنني سأركز إستراتيجية دفاعي عليه، انطلاقا من مبدأ الضرورات تبيح المحظورات أو قاعدة الأخذ بالأسباب، التي أبدعنا فيها والحمد لله.
أولا: المتهم مسلم والقرآن ينص صراحة على حق الزوج في ضرب زوجته. ورغم أن الرسول ذاته استنكر الأمر، عندما طاف بآله، ليلة نزول الآية، سبعون امرأة يشكين ما تعرضن له من ضرب موجع، فعلق على آية الضرب بقوله « أردنا أمرا وأراد الله أمرا والذي أراده الله خير ». لم تنسخ الآية و ظل حكمها قائما إلى يومنا هذا. وهي من المرات النادرة التي ينزل فيها الوحي مخالفا لتمنيات الرسول ولكنها ليست المرة الأولى التي ينزل فيها الوحي موافقا أحد الصحابة وهو عمر ابن الخطاب. و قد كان عمر يعتز بذلك ويقول « وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر »، ويمكن أن نضيف إليها إذن موافقة رابعة تخص ضرب النساء الذي كان عمر يطالب به بشدة.
فما بالكم يا أهل كندا، تريدون تعطيل حكم لم يتمكن رسول الإسلام نفسه من تعطيله ؟
والأدهى أنكم تنسفون، بفعلتكم الشنيعة هذه، حكما من أحكامكم الدينية المتعلق بالحق في إقامة الشعائر الدينية. فطاعة المرأة لزوجها تعتبر عندنا واجبا دينيا، وإذا عطلنا حكم ضرب المرأة الناشز ستتطاول النساء على أزواجهن ويتعطل بذلك واجب ديني. فالضرب وسيلة لتحقيق واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ثانيا: اتهم الإعلام الكندي، الرجل المظلوم، بالنفاق عندما شدد على ضرورة عدم إذاء المرأة عند ضربها. ووضح للصحفي بأنه يجب على الرجل إبقاء ذراعه مغلولة إلى جنبه لكي تكون اللكمات خفيفة. وقيل إنه لجأ إلى هذه الحيلة ليخفف من حدة رد فعل الكنديين. والحقيقة أن الرجل لم يأت بدعة. فأغلب الفقهاء استهجنوا حكم الضرب من قديم الزمان، وأفتوا بوجوب التخفيف، فقال البعض « يضربها بمنديل » وقال آخرون « بطرف الثوب ». كما اعتبر بعضهم أن الضرب مخصص للزوجة الوضيعة بالمعنى الاجتماعي للكلمة وليس بالمعنى الأخلاقي، ومنحوا حق الضرب للرجل التقي فقط. فموكلي أورد إذن الحكم وحواشيه التاريخية بأمانة تامة.
ثالثا: أتوقع أن يجابهني المدعي العام بفتوى ابن بلدي، الشيخ الطاهر بن عاشور، الذي قال بإعطاء حق تأديب المرأة الناشز لولاة الأمور. وتضع هذه الفتوى موكلي في موقف الإدانة لأنه، وبحسب شيخنا الطاهر، لا يحق للرجال في الإسلام أخذ حقهم بيدهم حتى فيما يتعلق بضرب زوجاتهم. وبذلك تسقط حجة الحق في إقامة الشعائر الدينية.
وقد جهزت للمدعي الكندي ردا مفحما. فإذا كان سيادة المدعي يقصد بولاة الأمور السلطة الكندية، فهي لا سلطة لها على الذين لا يدينون بدين حقوق الإنسان، وذلك باسم الخصوصية الثقافية التي تؤسس إحدى قواعد ديانة شعبها. و إذا تنطعت السلطة الكندية وفعلتها فسأقاضيها بتهمة الحث على صراع الحضارات.
أما إذا كان المقصود أولي الأمور في دار الإسلام، فهؤلاء متفرغون للفتن الداخلية والخارجية ولا يحق لنا تحميلهم ما لا طاقة لهم به، أي تأديب أشباه الرعاة، الناقصات عقل ودين وميراث وشهادة…الخ
رابعا: إذا تشاطر المدعي العام وطالب بإعطاء حق الضرب للزوجين، على أساس حجج مستقاة من أقوال شيوخ الإسلام الذين يؤكدون باستمرار بأن « الإسلام أعز المرأة وأكرمها وساوى بينها وبين الذكر بعد أن كانت متاعا يباع و يشترى ويورث » فسأجابهه بآية تلجمه نهائيا، وهي آية النشوز التي تنص بوضوح على حق الرجل في النشوز، بما ينفي وجوب تأديبه بالضرب من طرف زوجته. و تقول الآية (النساء: 128 ) » و إن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما إن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير » وذلك عكس آية الضرب التي تحث الزوج على هجر الزوجة الناشز في الفراش ثم ضربها إذا لم تفلح العقوبة الأولى في إصلاح أخلاقها الفاسدة.
وتعتبر الآية التي تحث الزوجة على قبول زوج ناشز آية قوية لأنها نزلت في حادثة تخص الرسول بعد قراره مفارقة زوجته سودة بسبب كبر سنها. ووجدت سودة وسيلة لتستعطف زوجها حتى يبقي على الرابطة الزوجية، وذلك بالموافقة على التبرع بيومها لعائشة. فتركها الرسول في بيته دون أن تكون بينهما علاقة جنسية. وجاء الوحي ليقر هذا الاتفاق.
ولا أعتقد أنه توجد أنثى مسلمة تقبل أن يتم تعييرها بلقب ‘عيشة راجل » إذا ما تجرأت على تأديب زوجها الناشز بالضرب، أو ترفض التشبه بأخلاق إحدى أمهات المؤمنين، فترضى بالطلاق والتشرد عوض القبول عن طيب خاطر بمنح يومها إلى ضرتها والبقاء معلقة.
خامسا: أتوقع أن يجابهني المدعي الكندي بحكاية أسباب نزول آية الضرب التي زالت بزوال « غصرة » (محنة) معركة أحد وانتفاء الحاجة لإرضاء القائد عمر بن الخطاب، في فترة كان فيها المسلمون مطوقين بالأعداء داخليا وخارجيا. فيعتمد سيادة المدعي الكندي على قاعدة « الحكم يدور مع علته وجودا وعدما » لتبرير ضرورة تعطيل العمل بالآية، وحينها سيخسر القضية نهائيا بطلب من العالم بأسره.
فدار الإسلام ما زالت مستضعفة وهي تعول على محاربي بن لادن ومن لف لفهم لتخليصها من الكفار. وأشاوسنا الأفذاذ يقايضون دفاعهم على المسلمين بتطبيق الشريعة حرفيا.
فكيف يمكن لنا تعطيل آية ضرب النساء ونحن نعيش عشية معركة أحد مزمنة ؟
(*) كاتبة وجامعية من تونس
(المصدر: موقع « الأوان » بتاريخ 5 جوان 2007)
الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=667&Itemid=10
أربعينية 5 حزيران وجدلية الهزيمة والمقاومة
توفيق المديني
منذ أن أطلق الجيش الصهيوني هجومه الصاعق على مصر ، في فجر الخامس من حزيران/يونيو 1967 إلى حزيران /يونيو 2007 ، أربعو ن سنة مضت، ولم يكن أحد ليتخيّل أن الدولة الصهيونية ستستمرفي احتلال الأراضي العربية التي سيطرت عليها خلال تلك الحرب الثالثة، وأنّها ستتواجه بشكلٍ عنيف مع المقاومة الفلسطينية طيلة العقود الأربعة الماضية..
كان انبعاث السياسة الفلسطينية، الذي تكلّل بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، والعمليات العسكرية الأولى لحركة فتح في عام 1965 قد ولّد آنذاك عوامل جديدة. وقد أخذ المسؤولون الفلسطينيون تصريحات الأنظمة العربية « الاحترابية » على محمل الجد، فحاولوا إرغامها على دخول الحرب، من خلال نظرية التوريط.وبدت نتائج النضال الفلسطيني المسلّح ضئيلة في البداية – نحو 15 قتيلاً إسرائيلياً، معظمهم من العسكر، بين 1 كانون الثاني/يناير 1965، تاريخ أول عملية نفّذتها فتح و5 حزيران/يونيو 1967- ولكنها كانت أولَ إعادة نظر في انتصار إسرائيل في عام 1948-1949، واعتبرته إسرائيل فعلاً إعلان حرب. وقدّم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي وصل إلى السلطة في سوريا سنة 1963، في راديكاليته اليسارية ، الدعم للفلسطينيين واعترض بدوره على الأمر الواقع الذي كان الأكثر هشاشةً، لأنه الأقل قبولاً من المجتمع الدولي: أي سيطرة إسرائيل على المنطقة المجرّدة من السلاح بين البلدين (1).
في تلك الحرب الخاطفة حققت إسرائيل و الولايات المتحدة الأميركية نصرا كبيرا على الزعيم الراحل عبد الناصر والحركة القومية العربية.كانت إسرائيل هي التي اتخذت المبادرة بتدمير الطائرات المصرية وهي جاثمة في المطارات. هكذا بدأت « حرب استباقية » احتلّت إسرائيل في نهايتها أربعة أضعاف مساحة أراضيها، في الضفة الغربية والقدس الشرقية وسيناء والجولان.
ففي 5 حزيران/يونيو1967، قصف الطيران الحربي الإسرائيلي منذ الساعة الثامنة إلاّ ربعاً صباحاً مطارات مصر، حيث دمّر الجزء الأكبر من الطائرات الرابضة على أرض المطار.و في 6 حزيران/يونيو، احتلت القوات البريّة الإسرائيلية قطاع غزة، ودخلت المدرّعات صحراء سيناء.و في 7حزيران/يونيو، أكملت إسرائيل احتلالها للضفة الغربية لنهر الأردن وسيطرت على مدينة القدس القديمة (التي ستُعلن ضمّها يوم 27 حزيران/يونيو).و في 8 حزيران/يونيو، وصلت المدرعات الإسرائيلية إلى قناة السويس. فاستسلمت مصر.و في 9 حزيران/يونيو، التفت إسرائيل إلى سوريا، وبعد معارك عنيفة احتلت هضبة الجولان وصولاً إلى مدينة القنيطرة. وحصلت استقالة عبد الناصر وعودته في اليوم التالي عن هذه الاستقالة بعد نزول مئات آلاف المتظاهرين إلى الشوارع.و في 10 حزيران/يونيو، انتهت الاشتباكات المسلحة ، بعد أن ضاعفت إسرائيل مساحة أراضيها أربع مرات، وتم تشريد 400 ألف لاجئ فلسطيني جديد .
و رفضت إسرائيل إعادة الأراضي المحتلة وأبقت تحت سلطتها شعباً فلسطينياً مقاوماً معتبرة أن اللجوء إلى القوة وحده يحلّ المشاكل؛ وهذا ما أغرقها في أزمة سياسية وأخلاقية عميقة، ليست فضائح الفساد المتكرر سوى واحدة من ظواهرها.
إن هزيمة 1967 ناجمة عن حسابات خاطئة وأخطاء بشرية. فقد أقدم عبد الناصر على إقفال مضيق « تيران » الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر في 22 أيار/مايو1967 – رغبةً منه دائماً بالعودة إلى الوضعية التي سبقت أزمة السويس في 1956. و كان الزعيم المصري جاهزاً للمخاطرة بنشوب حرب، واعتقد بأن قواته تمتلك وسائل مجابهة العدو الصهيوني إذا ما بادر إلى الهجوم. حتى أن بعض القيادات العسكرية المصرية خططت ا لعمليةٍ في « النقب » بهدف إقامة الاتصال مع الأردن، لكن عبد الناصر رفضها. إذ أنّه علانيةً كان يضع على المستوى نفسه كلٌ من إسرائيل والامبريالية و »الرجعية » (النظامان السعودي والأردني، وشاه إيران).
لقد أساء الزعيم عبد الناصر تقدير القوة العسكريةلإسرائيل : فبرأيه، كانت إسرائيل لا تستطيع الهجوم إلا إذا توفّرت لها مساعدة خارجية، كما أنّها لا تستطيع، من جهة أخرى، المحاربة على جبهتين في آن معاً. وقد اعتقدَ، والحالة هذه، أن ليس هناك قوة أوروبية يمكن أن توفّر لها هذه المساعدة، ولا حتّى الولايات المتحدة المتورطة في حرب فيتنام. أما مصر فتملك الأدوات لتحقيق طموحاتها، أي الردع الكافي لثنيّ أي اعتداء. ولم يفهم زعيمها بأن إسرائيل لا تحتاج إلا إلى دعمٍ سياسي (وليس مشاركة عسكرية) من الولايات المتحدة وبريطانيا(2).
في الأيام الأولى من حزيران/يونيو1967 شرح وزير الخارجية الأميركي دان راسك موقف إدارته، في مذكّرة برقية إلى السفارات الأمريكية في العالم العربي بتاريخ 3 حزيران/يونيو، قائلا: لم يعد هناك من حلّ منطقي حيال عقلية « الحرب المقدسة » لدى العرب وما يعادلها لدى الإسرائيليين من « عقلية نهاية العالم ».لم يعد باستطاعة الولايات المتحدة تشجيع إسرائيل على ضبط النفس في ما تعتبره هذه الأخيرة دفاعاً عن مصالحها الحيوية. العرب كما الإسرائيليون واثقون من قدرة السلاح على الحسم. إذاً هناك من ارتكب خطأ جسيماً في الحسابات.
وفي 4 حزيران/يونيو، تناول والتر روستو، مستشار الرئيس الأمريكي، مآل الأمور في مذكرة دبلوماسية؛ فاستخدم كل التحفّظات البيانية الضرورية لجعل الحرب والانتصار الإسرائيلي مجرد فرضيات. وشرح أنّ العرب المعتدلين، وهذا يعني جميع العرب الذين يخشون توسع عبد الناصر، يفضّلون رؤيته مهزوماً على يدّ إسرائيل وليس على يدّ قوى خارجية. عندها ستفتح احتمالات جديدة: سيسود الاعتدال في الشرق الأوسط بحيث تُركّز الدول على التنمية الاقتصادية والتعاون الإقليمي. إضافة إلى ذلك، إذا حُلّت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، سيتم قبول إسرائيل كجزء من المنطقة. وإننا حيال مرحلة تحولات تاريخية في المنطقة. هكذا، لم تعد إسرائيل بحاجة للانتظار، إذ أنها تلقّت جميع التطمينات الضرورية من واشنطن. واتخذت الحكومة القرار النهائي في 4 حزيران/يونيو(3)1967.
في فرنسا أعلن الجنرال ديغول أمام مجلس الوزراء في 2 حزيران/يونيو 1967: « إن الدولة التي ستكون البادئة في استخدام السلاح لن تلقى تأييداً ولا دعماً من فرنسا ». وفي خطوة منطقية، أعلن مع انفجار الحرب حظراً على إمداد أطراف النزاع بالسلاح. وبعد أشهر، وخلال مؤتمر صحافي – لم تُحفظ منه سوى جملة مثيرة للجدل عرّف فيها اليهود بأنهم « شعب واثق من نفسه ومتسلّط » – أضاف أن إسرائيل « تنظّم الاحتلال في الأراضي التي غزتها، وهذا ما سيؤدي إلى الظلم والقمع والنفي، وحين ستلقى مقاومة ستسميها إرهاباً « .
ومع مرور الوقت، أصبح هذا التحليل أقرب إلى النبوءة، مع أنّه كان له وقع الصدمة في حينه. حتّى قالت مجلة « لو نوفيل أوبسرفاتور » في عنوانها بتاريخ 7 حزيران/يونيو: « لماذا تخلّى ديغول عن إسرائيل »، موضحة: « ليس لفرنسا الديغولية أصدقاء بل لديها فقط مصالح ». صحيح أن خيار الجنرال كان بمنزلة قطيعة مع عقودٍ من الدعم غير المشروط لزعماء إسرائيل الذين سمحت لهم فرنسا بالتزوّد بالقنبلة النووية ومن بعدها الهيدروجينية. وقد اصطدم ديغول لدى البعض بشعور الذنب – المشروع – الذي خلّفته مشاركة حكومة فيشي في حملة الإبادة على اليهود؛ في حين خرّب لدى آخرين فرحة الثأر من « العرب » الذي وفّرته إسرائيل لمن كان الحنين إلى الجزائر الفرنسية يسكنهم(4).
ويجب انتظار اجتياح لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا عام 1982، ومن بعدها انتفاضة الحجارة ابتداء من 1987، كي يتخذ الفرنسيون مسافة من إسرائيل ويدعون إلى قيام دولة فلسطينية مستقلّة مجاورة تكون عاصمتها القدس الشرقية.
ولا يزال العالم العربي يلملم الشظايا المتناثرة لتلك الهزيمة المدوية.. كما أن فشل شعار الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر الذي يقول ب « إزالة آثار العدوان » بعد الهزيمة يعود إلى عدة أسباب أهمها وأبرزها عدم قيام القادة العرب بإجراء تحقيق دقيق يحدد أسباب الهزيمة ومجرياتها ومنالمسؤول عنها، فبقيت هذه الهزيمة من دون أسباب ولم تؤخذ العبر منها كما تفعل إسرائيل الآن في هزيمتها أمام المقاومة اللبنانية الباسلة التي تعقد فيها لجان التحقيق وتقدم التقارير لمعرفة أسباب هزيمتها واتخاذ العبر في المرحلة القادمة.
حين نتذكر حزيران /يونيو 1967 نتذكر أمرين متلازمين :
أولهما هزيمة » المشروع القومي العربي » بشقيه الناصري و البعثي ، و هي هزيمة تاريخية عادلة . والواقع أن » المشروع القومي العربي » كان يعاني من تأخر الوعي الإيديولوجي السياسي للأنظمة العربية التي رفعت لواء الحركة القومية العربية في مصر والمشرق العربي . إذ إن هذا التأخر التاريخي كان عاملا حاسما في استمرار الوعي المحافظ الامتثالي و التقليدي الذي يرفض تجسيد القطيعة المنهجية و المعرفية مع كل نزعة ماضوية وتقليدية في تطور مستقبل المسألة القومية العربية على أسس ديمقراطية ،عقب الهزيمة العربية أمام الإمبريالية الغربية و الكيان الصهيوني . علما أنه من الناحية السياسية و التاريخية ، كان العالم العربي من محيطه على خليجه منجذبا بحماسة عاطفية لأهداف الحركة القومية العربية في التحرر والاستقلال و الوحدة. و كانت مصر الناصرية في مرحلة الستينيات من القرن الماضي مركزا إقليميا طليعيا من الناحيتين السياسية و التاريخية، و مرجعية قومية موثوق بها وقادرة على تفعيل الحيوية الشعبيةالكامنة، إذ حولت هزيمة حرب حزيران التلقف الطوعي، الذي ارتآه الرئيس عبد الناصرتعاطفا دافئا مع رغبة في المشاركة في التعدد وتصحيح الثغر التي من خلالها حصل النزفومهد لمراجعات تبلورت في الصمود وحرب الاستنزاف
لكن الثقافة السياسية السائدةبعد حزيران 1967 بقيت إلى حد كبير مدمنة عدم المساءلة، وترفض عملية التحديث في البنية الفكرية و الثقافية للدولة العربية المعاصرة، ذلك أن كل عملية تحررية ثورية حديثة تقتضي بلورة فكرية حديثة . فالتأكيد على الحداثة الفكرية ، هي بمنزلة التأكيد على جذرية البرنامج السياسي ، و بالتالي راديكالية العملية الثورية ذاتها في ظل عالم عربي متأخر. واستمر النقد للبنية الفكرية ،و بالتالي » للمشروع القومي العربي » مشبوها بكونهمعارضة يسارية أو تقدمية أو وطنية راديكالية. وحتى يومنا هذا لا تزال عملية نقد الذات حتى من موقع الالتزام مدخلا لدىمعظم الانظمة العربية إلى التشكيك وبالتالي اعتبار النقد من موقع الالتزام بالمشروع القومي العربي نوعا منالتربص.
و إذا كانت كلمة اليمين مثل كلمة اليسار ، وكلمة الرجعية مثل كلمة التقدمية ، متساوية لغويا في دلالتها المعرفية و الفكرية ، إلا أن التناقضات والتعارضات فيما بينها ، و في داخلها هي تناقضات و تعارضات للواقع ، لأن كلمة اليمين ليست يمينا ولا كلمة اليسار يسارا . لذا كان يجب التمييز بين حكم القيمة الإيديولوجية و حكم الواقع ، الذي يقود بالضرورة إلى التمييز بين الفكر و الإيديولوجيا . لذا عندما نتكلم عن الهزيمة ، لا نطلق موقفا إيديولوجيا دوغمائيا عليها ضمن التصنيفات الإيديولوجية التي سادت الساحة العربية و العالمية ، إنما نحلل ماهية بنية وأفكارالدول التي وصلت فيها أحزاب قومية رفعت راية « المشروع القومي العربي » لكنها أخفقت في تحقيق أي هدف من أهدافه. وهاهو العالم العربي بدوله الإثنين و العشرين ، في ظل غياب النقد الحديث ، يعاني من التفكك، و التشرذم ، و فقدان البوصلة التاريخية، ويفتقد إلى مرجعية تاريخانية قومية عربية متواصلة وموثوقبها.
ثاينهما: صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967 لمعالجة آثار الهزيمة ،والذي تضمن ما اعتبر « مبادئ حل سلمي » للصراع العربي- وبعد انتصار العام 1967، قال الجنرال موشيه دايان، أبرز مسؤول سياسي في تلك الحقبة، هذه الجملة المشهورة: « نترقّب اتصالاً هاتفياً من العرب ». كان يريد أن يحمل على الاعتقاد بأنّه بعد هذا الاتصال، ستنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلّة – من سيناء وقطاع غزّة والضفّة الغربية والجولان- مقابل اتفاقيات سلام مع العالم العربي. لكن المؤرّخ طوم سيغيف كشف في كتابه 1967 (غير مُترجَم إلى الفرنسية Tom Segev, 1967,Denoel, Paris, 2007)، بأنّ تلك لم تكن في الواقع نيّة الحكومة الإسرائيلية. مع أنه جرى النظر إلى موقف إسرائيل على هذا النحو، سواء في العالم أم في الداخل.
أنه ينتظر اتصالات الدول العربية معلنة الاستسلام.
فما الذي حدث، منذ يونيو و حتى الآن ؟
على العرب أن يعترفوا بخطورة المشروع الصهيوني في المنطقة وأهدافه التي تتكشف كل يوم من تفكيك للمنطقة وعزلها وتجزئتها. و منذ هزيمة 1967، انكفأت الدول العربية كل منها على ذاته، وظهرت تيارات انعزالية تسيطر على تفكيرها، بحيث التفتت كل دولة لذاتها، وساهم في ذلك ما يسمى بالعولمة التي ترمي في مصالح المخطط الأمريكي الصهيوني ، أبرزها المصالحة مع الكيان الصهيوني ، بحيث تحول الأمر الى أن بعض الدول أصبحت تابعة لإسرائيل.
لقد انتصر المشروع الصهيوني في حرب حزيران 1967، ونجح في إحداث الفرقة بين العرب بحيث يتصور بعضهم أن البعض الآخر يسرق ثروته. وباتت مفردات » النكسة » تعني الهزيمة في وجه إسرائيل، لكن أيضاً – وخصوصاً- نهاية قاسية للمشروع القومي العربي بإقامة دولة عربية تقدّمية قوميّة وحديثة كان ينادي بها جمال عبد الناصر (1918-1970) الذي تسلم الحكم في مصر في العام 1952، مع الضبّاط الأحرار، وأصبح الداعي إلى الوحدة العربيّة. وكان لحزب البعث، الذي أُسّس في العام 1947 تحت شعار « وحدة، حرية، اشتراكية »، نفوذ في صفوف العسكريّين وأوساط الطبقات الوسطى، إذ تمكّن هذا الحزب الذي يتمتّع بـ »فروع » تابعة له في كافة الدول العربية، من الاستئثار بالحكم في سوريا والعراق في مرحلة الستينيات. غير أنّ العلاقات السيئة والخلافات بين دمشق وبغداد ، و لا سيما داخل الحركة القومية العربية ستحول دون أيّ تحقيق لوحدة عربيّة.
وقد بلغ هذا المشروع ذروته مع إعلان قيام الجمهورية العربية المتحّدة بين مصر وسوريا (1958-1961). فخلال نحو عقديْن من الزمن، بين العاميْن 1950 و1967، أمل العرب في الحصول على فرصة ثانية للـ »تعويض » عن « النكبة » الأساسية في خسارة فلسطين بين العاميْن 1948-1949. ومع العام 1967، أصبح وجود الدولة العبريّة حقيقة لا رجوع عنها، في حين كان يتّضح في إسرائيل الخطاب حول اللاّرجوع عن احتلال الأراضي، وهكذا تغيّرت معالم اللعبة السياسيّة في المنطقة (5).
كما أن المشروع الصهيوني انتصر أيضا في حرب أكتوبر ،1973 . و كان الصراع دائرا بين مشروعين متناقضين، فإسرائيل ترى أنها دولة معترفبها من هيئة الأمم المتحدة، بينما يعتبر المشروع القومي العربي أن إسرائيل دولة دخيلة ولا يمكن الاعتراف بها .وهو التناقض الذي أدى الى حروب ومعارك متتالية ، انتهت باعتراف دول عربية بوجود اسرائيل، وبالتالي قد انتصر المشروع الصهيوني ، الذي يستوجب مقاومته من قبل الشعوب العربية و الإسلامية بروح من الصمود في وجهه ولا بديل أمامها الا بالالتفاف حول المقاومة.
و كانت مصر عبد الناصر والشعوب العربية تجاوزت هزيمة يونيو(حزيران) من خلال حرب الاستنزاف ، وسطوع نجم الثورة الفلسطينية المعاصرة في فضاء السياسة العربية ، التي أكدت على أن قضية فلسطين هي قضية عربية و إسلامية بامتياز ، فضلا عن أنها قضية كونية، و أن أن عدو الأمة هو الكيان الصهيوني ، ما بقي مغتصباً لأراض عربية وينتهك حقوق العرب في فلسطين ولبنان وسوريا. غير أن مبادرة السلام التي سبقها لقاء السادات بكسينجر في أسوان في 7 ديسمبر 1973 أعطت وجها آخر لقضية الصراع مع الكيان الصهيوني، بحيث باتت الدبلوماسية هي السلاح الوحيد في مواجهة أي خلاف أو صراع في المناطق العربية الساخنة، وهو ما أضعف القدرة العربية على تجاوز روح الهزيمة.
لقد تراجع » المشروع القومي العربي » لمصلحة قوى التسوية، على الرغم من أن الناصرية كظاهرة تعتبر أول محاولة فعالة و جدية للتعبير عن حركة النهضة الثانية للأمة العربية، و أول حركة شعبية تاريخية عريضة على صعيد العالم العربي، استنهضها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لمقاومة الهيمنة الامبريالية الغربية و الصهيونية من خلال مقاومة الأحلاف العسكرية تارة، و الدعوة إلى الحياد الايجابي تارة أخرى، و أخيرا البحث عن هوية قومية ديناميكية و اجتماعية تقوم على تآزر الطبقات الاجتماعية لبعضها البعض، وتخفيف حدة الظلم الاجتماعي.
و احتلت قضية فلسطين موقعا مهما في الحركة الناصرية، إذ ربط عبد الناصر بين محاربة « إسرائيل « ومحاربة القوى الامبريالية الغربية كلها، لدى الشعب العربي، لو لا الروابط الواقعية، الضرورية، الخفية و الظاهرة التي تشدها إلى قضية الأمة العربية، قضية وجودها أولا، و من ثم قضية تحريرها و تقدمها ووحدتها، الروابط الواقعية الضرورية التي تشد الجزء إلى الكل، و الخاص إلى العام ثانيا. فمنذ « حرب الإنقاذ » عام 1948، إلى حصار بيروت 1982، مرورا بالعدوان الثلاثي على مصر1956، وهزيمة حرب 1967، و حرب تشرين ، و احتلال العراق 2003، لم تواجه الأمة العربية اختبارا شاملا، و كليا لتوابعها، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة سوى في هذا المجال ، مجال قضية فلسطين.
و بدأ مع تراجع المدّ القومي، مدّ المقاومة الفلسطينية خلال العقود الأربعة الماضية ، في البداية كانت هذه المقاومة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، عندما كانت هذه الأخيرة مؤمنة بنهج الكفاح المسلح طريقا لتحرير فلسطين ، ثم بقيادة الحركة الإسلامية الفلسطينية، التي انتزعت مشعل القيادة من م.ت.ف بعد أن أصبح رجحان خط التسوية الذي بات الخط الرسمي للسياسة العربية و للعديد من القوى السياسية العربية المعارضة، و حتى لمعظم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي تخلت عن شعار التحرير الشامل ، لتتبنى الحل المرحلي ضمن إطار التسوية عامة ، و ضمن إطار اتفاقيات أوسلو المتمخضة عن تلك التسوية، وفقا لمخطط السلام الأميركي – الصهيوني .
لقد طبعت هزيمة الجيوش المصرية والسورية والأردنية في مواجهة إسرائيل الهزيمة السياسية لجيلٍ راهن على التنمية والوحدة العربية والاشتراكية. ففقدت المجتمعات نقاط ارتكازها، وتحوّلت نحو الإسلام ؛ وهكذا شاهدنا نشوء الحركات الإسلامية التي ازدادت قوّتها بقدر ما برهنت الأنظمة العربية عن عجزها وعن تسلّطها، دون هدف آخر سوى البقاء في السلطة.
هذا الذي يبرز في هزيمة حزيران، لكن هذا لا يبرز وحده، فهناك بالمقابل ظواهر أخرى يجب أن نراها. لقد خلقت الهزيمة دلالات مهمة أبرزها اعتراف الرئيس جمال عبد الناصر بالهزيمة وتقديمه استقالته من الحكم، والتي عدل عنها وقدم نقدا ذاتيا ومراجعة شاملة لمجمل الأخطاء والسلبيات، وأجرى على خلفيتها تغييرات شاملة في أجهزة الدولة، ولولا تلك المراجعة النقدية لما كانت فكرة المقاومة وحرب الاستنزاف وانتصار أكتوبر وتوهج المقاومة الفلسطينية.
لقد تطوّرت إسرائيل خلال أربعين عاماً من الكيبوتزات المشاعية إلى اقتصاد رأسمالي معولم، ومن مجتمع نوع من المساواة إلى أكثر المجتمعات الغربية انعداماً لهذه المساواة.انطلاقاً من حرب الأيام الستة، اعتُبرت إسرائيل قوّة عسكرية إقليميّة عُظمى، بل حتى دوليّة. قد غيّرت الحرب على نحو مذهل اقتصاد إسرائيل الذي ازدهر بفعل انتهاء الركود وتراجع نسبة البطالة بقوّة. ثم بعد أربعين عاماً، أصبحت إسرائيل دولة أخرى. ففي حين كان الناتج المحلّي الإجمالي للفرد الواحد، في العام 1967، يصل بصعوبة إلى 1500 دولار، وصل إلى ذروته في العام 2006 ببلوغه 24000 دولار (17700 يورو)، وهو ما رفع إسرائيل إلى المرتبة الثالثة والعشرين عالمياً في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول التنمية البشرية للعام 2005. إضافة إلى ذلك، استقرّ في غضون أربعة عقود أكثر من مليون ونصف يهوديّ في إسرائيل، فارتفع مجموع عدد السكان اليهود من 2.4 ملايين إلى 5,5 ملايين نسمة.
بيد أن الانتصار الساحق الذي حقّقه الجيش الإسرائيلي، في مواجهة الجيوش الثلاثة الكبرى في العالم العربي – جيوش مصر والأردن وسوريا – في حرب 1967، لم يُطمئن الإسرائيليّين ويمنحهم شعوراً بالأمان. فإسرائيل ليست على الإطلاق مكاناً آمناً، ومنذ العام 1967 شهدت ست حروبٍ جديدة لم تكن في صالح إسرائيل.. : حرب الاستنزاف على طول قناة السويس وجبهة الجولان (1986-1970)، حرب الغفران (1973)، الانتفاضتان الفلسطينيتان (1987-1993 و 2000-2005) وحربا لبنان (1982 و2006). خمسة آلاف إسرائيليّ وقرابة الخمسين ألف عربيّ – مصريّين، سوريّين، لبنانيّين وطبعاً فلسطينيّين – لقوا مصرعهم فيها. باختصار، إنّ إسرائيل لم تُنهِ بعد اليوم السابع من حرب الستة أيام.
الصعوبة لإسرائيل لا تقتصر فقط على أنّ الصراع ما زال مستمرّّاً، لكن بألاّ يخرج الجيش منه منتصراً. فقد أشار الجنرال المُتقاعد دوي تاماري، الذي أصبح مؤرِّخاً، بعيد أحداث لبنان في صيف 2006، بأنّ حرب الـ1967 كانت آخر انتصار لا جدال فيه يحقّقه هذا الجيش. فهو يعتبر بأنّ المواجهات اللاحقة كافة انتهت بالانسحاب، إن لم يكن بالهزيمة. وفي كلّ مرة، كانت تل أبيب تضطرّ إلى القيام بتنازلات كبيرة. فقد انتهت حرب العام 1973 بالانسحاب الكامل من سيناء، وفق اتّفاقيات السلام التي جرى التوقيع عليها مع مصر في العام 1979؛ وقد أدّت الانتفاضة الأولى إلى اتفاقيات أوسلو في العام 1993؛ وانتهى اجتياح لبنان في العام 1982 بالانسحاب غير المشروط في العام 2000؛ أمّا الانتفاضة الثانية، فقد أدّت إلى تفكيك المستوطنات في غزّة، منذ حوالي السنتيْن.
ماذا عن حرب تموز 2006في لبنان؟ يقول الصحافي الإسرائيليميرون رابورور الذي يعمل في جريدة هاآرتس اليومية، تلّ أبيب، إذا كانت الطبقة السياسية قد هتفت لفترة بأنّها انتصرت، فهنالك 20 في المئة من الإسرائيليّين فقط يعتبرون بأنهم انتصروا فيها، وفق دراسة أجرتها جريدة هآرتس قبل أسبوع من انتهاء الحرب. هذه الصعوبة في تحقيق انتصار واضح تفسّر دون شك لماذا اعترف منذ مدة أحد المحنّكين في السياسة الإسرائيلية – شرط عدم البوح باسمه – بأنه غير متأكّد أنّ إسرائيل ستبقى في الوجود بعد عشرين عاماً. إذاً بدل التخفيف من مشاعر الخوف، كلّ ما فعلته هذه الأربعون سنة من الاحتلال كان تغذيتها.
ولعل أبرزتجليات جدلية الهزيمة في علم 1967 ظهور المقاومة اللبنانية التي استطاعت أن تحرر جنوب لبنان بقوة السلاح في 25 مايو عام 2000. ثم هناك حرب يوليو/ تموز 2006 التي مثلت فصلاً مهماً من فصول نهاية « إسرائيل الكبرى « وتحطيم جيشها وقوتها الوهمية. فهذه الحرب كبدت دولة الاحتلال خسائر كبيرة لم تَخسرها على مدار تاريخها الحربي. ولا تزال لعنة حرب لبنان تطارد غالبية السياسيين والعسكريين في « إسرائيل »الذين سيدفعون ضريبة باهظة لفترة طويلة، لأن صمود المقاومة اللبنانية في وجه أسطورة الجيش الذي لا يقهر خلق أزمة وجودية « لإسرائيل « بسبب الإخفاق في تحقيق جيش العدو الصهيوني جملة من الأهداف الاستراتيجية للدولة « الإسرائيلية »، وهذا هو الجزء المهم في مضمون التقرير المرحلي للجنة « فينوغراد » الذي صدر في الثلاثين من إبريل/نيسان الماضي.
هذه القراءة تقودنا الىالاستنتاج أن لدى شعوب الأمة العربية حيوية ملهمة ولكن ليست لديها مرجعية وطنية أو قومية . ورغم ذلك تمكنت هذه الحيوية من أن تحقق انجازات متقطعة مثل إصرار مصر علىالصمود بعد الهزيمة، و »معركة الكرامة » أوائل 1968 ،ثم انتفاضاتي شعب فلسطين الأولى في نهاية عام 1987، و الثانية في نهاية سبتمبر 2000، ضدالاحتلال والتهويد وبروز مقاومة الاحتلال في كل من فلسطين و لبنان والعراق التي استطاعت أن تهز المواقع الأميركية – الصهيونية ، عبر بث روحية تحريرية جديدة في مقاومة الولايات المتحدة الأميركية و فالأجيال التي ترعرعت بعد العام 1967 والتي تكوّن اليوم الغالبيّة العظمى من الشعوب، تدرس تاريخاً مُشبعاً بالخطاب الديني. ويثير هذا الخطاب أيضاً شعوراً بالذنب لدى كلّ من ينحرف عن التقوى ويضلّ الطريق القويم.
في ظل هزيمة الحركة القومية العربية و تقهقر الحركة الاشتراكية على اختلاف تياراتها، وتعمق الطلاق التاريخي بين المجتمعات العربية والأنظمة القائمة، برزت إلى الواجهة السياسية و النضالية الحركات الإسلامية ، التي قدمت توجهين أساسيين، أحدهما إخواني شرعي، والآخر جهادي »ثوريّ ».
لقد ظهر تنظيم « الجماعة الإسلامية » التي ترك أعضاؤها حركة الأخوان المسلمين وقاموا بتوسيع تحرّكاتهم في ثلاث وجهات (6)بدؤوا أولاً باجتذاب الشباب، إذ تمركزوا في الجامعات، ودخلوا أكثر المدارس الثانويّة امتيازاً، وجندّوا أبناء العائلات البورجوازيّة الكبيرة في دمشق وعمّان والقاهرة والإسكندرية والخرطوم. فالحركة الإسلامية الأصوليّة، التي تعدّ حركة ثقافية وسياسية بالدرجة الأولى، لم تكن يوماً وقفاً على الطبقات الفقيرة. فقادتُها، على غرار قادة « الجماعة » منذ العام 1967، وبعدها قادة القاعدة، هم مثقّفون من الطبقة البورجوازية المتعلّمة والميسورة.
و بعد الهزيمة هتخلّى الأخوان المسلمون عن أفكار سيّد قطب (7)، وعدلوا عن العنف واعتمدوا استراتيجيّة السيطرة التدريجيّة على المجتمع، عن طريق التوسّع الزاحف لعقيدتهم.غير أن الظاهرة الجهادية المنشقة عن الجماعة ، أصبحت تدعو إلى الجهاد في مواجهة قوى الاحتلال (إسرائيل أو الوجود العسكري الأجنبي)- الحركات الجهادية في فلسطين ، وحزب الله في لبنان الخارج من عباءة حزب الدعوة- هي تتميز بوضوح عن التيارات السلفية التكفيرية التي تنادي بتصعيد الحرب ضدّ الكفّار، في الداخل كما في الخارج، انتصاراً لدين لله.
وبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر ، انتشرت في إسرائيل انتشارا كبيرا القناعة الإيديولوجية التالية ، أن الدولة الصهيونية أصبحت تمثل « خطّ تماس دامٍ » بين الغرب والشرق، بين الحضارة « اليهوديّة المسيحية » – وهذا اختراع غريب إذا ما اطّلعنا على تاريخ الديانتيْن… – والحضارة الإسلاميّة . و لقد اعتبرت التيارات الأصولية المسيحية و الصهيونية أن إسرائيل هي « موقع أماميّ للعالـم الحرّ . وكانت إسرائيل قد اكتسبت هذا المكان المميّز في الغرب، فذلك لأنّ الدولة الصهيونية تُعتبَر لإرادة إلهية. وقد حوّل ذلك الصراعَ العربي الإسرائيلي، الذي كان في البدء ميدانياً، وإذاً سياسياً، إلى مواجهة ثقافية ودينية بين الغرب و الإسلام .
(1) –تم توقيع هدنة بين إسرائيل و سوريا في 20 تموز/يوليو 1949، وحددت منطقتين منزعتي السلاح بين الدولتين. وباقت السيادة على هاتين المنطقتين معلّقة.
(2) –هنري لورنس، أخطاء تكتيكية، وصدامات بين الاستراتيجيات ، بحث منشور ضمن ملف عن نكسة 1967، في صحيفة لوموند ديبلوماتيك الشهرية، حزيران 2007.
(3) – المرجع السابق عينه.
(4) – دومينيك فيدال و ألكسي برج ،حتى ديغول كان معزولا.. ، بحث منشور ضمن ملف عن نكسة 1967، في صحيفة لوموند ديبلوماتيك الشهرية، حزيران 2007.
(5) – بسمة قضماتي، جيل عربي موسوم بصدمة الهزيمة، بحث منشور ضمن ملف عن نكسة 1967، في صحيفة لوموند ديبلوماتيك الشهرية، حزيران 2007.
(6) –صفحة مجهولة في طريق الحركة الإسلامية المعاصرة، من النكسة إلى المشنقة، شهادة لطلال الأنصاري، بقلم عبد الله سرور، المحروسة، القاهرة، 2006
(7) – عضو قيادي في جماعة الإخوان المسلمين ، و منظر للعنف كاستراتيجيةسياسية، استوحت منه الحركات الجهادية . أعدم بأمر من عبد الناصر في العام 1966.
(المصدر: صحيفة الخليج – رأي ودراسات الصادرة يوم 7 جوان 2007)