الخميس، 19 أبريل 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2522 du 19.04.2007
 archives : www.tunisnews.net


الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي: بيـان حول لقاء 16 أفريل 2007 مع السيد وزير التعليم العـــالي بيان في الذكرى الثالثة لتأسيس   » حزب تونس الخضراء «  الجزيرة.نت : حزب تونسي معارض يطالب بحرية الرأي والاجتماع ا ف ب: حزب تونسي معارض يحتج على الضغوط التي يتعرض لها الوسط التونسية: حوار هام للغاية مع العالم التونسي البروفسور منصف بن سالم عبد الستار بن عبد الله: شهادة للتاريخ وللتصحيح حول السجناء الإسلاميين في تونس محمد النوري: الرهان الصعب – معضلات السياسة والسياسيين في تونس  رضا التونسي: لا صمت بعد اليوم د. محمد الهاشمي الحامدي: هدية إلى حمزة صالح الزغيدي: ما هي حقيقة الأزمة التي تعيشها الرابطة ؟ جمال العرفاوي : رسالة مفتوحة إلى السيد عبد السلام جراد: ……واذا النقابية سئلت جمـال عبد الرحمان: الأخطبوط: الإرهاب أم الاستبداد؟(تعليقا على مقالة آمال موسى: المغاربيون والأخطبوط) صلاح الدين الجورشي : الإرهاب في المغرب العربي: التركيز على الظاهر وإهمال للجذور محمد كريشان: تفجيرات المغرب العربي كريغ س. سميث: الإسلام والديمقراطية: شمال إفريقيا تحت الهجوم كريج سميث : شمال أفريقيا بين القنابل الإسلامية والنهج الديمقراطي  جيل كارول : دول المغرب العربي وخطر الحركات الأصولية المصطفي صوليح: عدا الديمقراطية، كل شيء محتمل في معظم دول المغرب العربي رشيد خشانة: اليهود المغاربيون: هويّة ممزّقة وبحث عن دور موعود بين العرب وإسرائيل الأستاذ الهادي المثلوثي: الدولة الحزبية نقيض للدولة الديمقراطية د. رجاء بن سلامة : ملاحظات حول آراء وفاء سلطان:العلمانية ليست ديانة جديدة عبد المجيد الحواشي: أشاد بها أرسطو: المؤسسات السياسية في جمهورية قرطاج الديموقراطية


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


العدد 15 من صحيفة « مواطنون » الأسبوعية بتاريخ 18 أفريل 2007
 


الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي

 

تونس في 18 أفريل 2007

بيــــان حول لقاء 16 أفريل 2007

مع السيد وزير التعليم العـــالي

 

تمّ يوم الإثنين 16 أفريل 2007 بمقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا لقاء جمع وفدًا وزاريًا ترأسه السيد الوزير بالأخ الكاتب العام للجامعة العامة مُرْفَقًا بالأخ المنصف الزاهي الأمين العام المساعد للإتحاد المكلف بالوظيفة العمومية.

وقد تولى السيد الوزير في بداية الجلسة التذكير بأن هذا اللقاء يندرج في إطار التشاور مع مختلف « الأطرف النقابية » حول مطالب الجامعيين، في حين يعلم الجميع أن هذا اللقاء جاء على خلفية إضراب 5 أفريل 2007 الذي دعت إليه الجامعة العامة، وبالتالي ما كان على السيد الوزير مواصلة إقحام « هذه الأطراف » بعد أن إتضّحت مرة أخرى عدم فاعليتها الميدانية. ثمّ تولى عرض ما أسماه بقرارات شبه جاهزة وغير قابلة للتفاوض تخصّ : إسناد منحة بعنوان المجهود الإضافي لتأطير مذكرات البحث والأطروحات، الترفيع في منحة أعضاء لجان الإنتداب، إسناد منحة التنقل للأساتذة الذي يقبلون بالتدريس في الجامعات الداخلية.

ولم تُقَدَِّمْ الوزارة أي فكرة حول مقادير هذه المنح وآليات تنفيذها. وفيما يتعلق بالمطالب المعنوية إكتفت الوزارة بالإعراب عن استعدادها لتقديم عرض شفوي لا غير حول التوجهات العامة للقانون الإطاري للتعليم العالي.

إن الجامعة العامة إذ تعرب عن رفضها لهذه الطريقة الغريبة في التفاوض والمتمثلة في إملاء المواقف وفرض القرارات الجاهزة دون التفاعل مع وجهة نظر الطرف النقابي، فإنها تؤكد مجدّدا على تمسّكها بالتفاوض حول المطالب المعنوية والمادية ذات الأولوية والتي تهم كل الأسلاك والرتب. وهي المطالب المتعلقة بإرساء آلية تشاور حقيقي وجدّي حول مجمل قضايا التعليم العالي والبحث العلمي و بصرف منح مجزية ومواكبة لتطور المصاريف الخصوصية لمجموع الجامعيين بما في ذلك إحداث منحة التكاليف البيداغوجية والترفيع في منحة الإنتاج والمنحة الكيلومترية.

إن الجامعة العامة تؤكد بدون أي لُبسٍ على شديد إعتراضها على هذا التمشي في التفاوض وعلى المحتوى الهزيل لهذا العرض وتوضح أنها رغم إدراجها لهذه المطالب في مذكرتها الموجهة للوزارة فإنها لم تصُغها بهذا الشكل ولم تضعها في صدارة أولوياتها لكونها لا تَهمّ إلا نسبة ضئيلة من الجامعيين : فالتنقل داخل الجمهورية للقيام بساعات إضافية لا يُقبِل عليه إلا عدد محدود من الزملاء، والترفيع في منحة أعضاء لجان الإنتداب والترقية يقتصر على أقل من 4% من مجموع الجامعيين القارين، ومنحة تأطير الدكتوراه لا تهم نظريا واعتمادا على آخر إحصائيات الوزارة إلا حوالي 15% من مجموع المدرسين القارين وعمليا أقل من 5% منهم اعتمادا على معدل عدد الأطروحات التي تناقش سنويا، إضافة إلى أنه لن ينتفع المؤطرون بهذه المنحة إلا بعد بعض سنوات من صدور هذا الإجراء إذا كُتِبَ له ذلك كافية للقيام بتأطير بدون مقابل لحدّ أدنى من الأطروحات لم تعلن عنه الوزارة بعدُ، وفي حدود سقف مازال أيضا غير معلوم.

إزاء ضحالة هذا العرض الوزاري فإن الجامعة العامة تدعو سلطة الإشراف إلى الدخول في تفاوض حقيقي حول المطالب العاجلة وذات الأولوية والتي يستفيد منها كل أسلاك ورتب الجامعيين وإلى تشكيل لجنة مشتركة للتشاور حول المحتويات الدقيقة لمشروع القانون التوجيهي للتعليم العالي.

على صعيد آخر تَعتبِرُ الجامعة العامة عرض الوزارة، رغم هزالة محتواه، تزحزحا عن موقفها الأصلي الرافض لأي من المطالب المقدمة. ويأتي هذا التزحزح كثمرة أولى لمسارنا النضالي الطويل ولا سيما للإضراب الناجح الذي قام به الجامعيون يوم 5 أفريل، لذا علينا توخي كل الحذر في التعامل مع مثل هذه العروض الملغية لجوهر مطالبنا والإستعداد لخوض نضالات أخرى وأرقى نتشاور كعادتنا بخصوص تحديد أشكالها وتواريخها وننجزها بكل مسؤولية والتزام وثقة في النفس حتى الوصول إلى تحقيق مطالبنا المشروعة.

الكــاتب العام : سامي العوادي


 

حزب تونس الخضراء

بيان في الذكرى الثالثة لتأسيس   » حزب تونس الخضراء « 

منذ ثلاث سنوات تقدمنا يوم 91 أفريل 2004 بملفنا القانوني لمن يمثل وزارة الداخلية من أجل الحصول على تأشيرة العمل القانوني  لحزب تونس الخضراء  البيئي والديمقراطي  التوجه، لكن وزارة الداخلية   رفضت طوال  عامين من المماطلة ، تسليمنا  الوصل والتأشيرة كما يلزمها قانون الأحزاب  وفي 3 مارس 2006 لجأت إلى ما هو أسوأ في تعاملها  مع هذا القانون  ومع دستور البلاد ودعت شخصا غريبا عن العمل السياسي البيئي وهو ينتمي إلى حزب آخر  ويمثله بالبرلمان وسلمت  له تأشيرة حزب خضر… ومكنته من مبالغ مالية كبيرة ومقر وتغطية إعلامية ومساندة إدارية نادرة ، وجسدت  بذلك ولأول مرة  سياسة لا قانونية أطلقنا عليها مع كامل المجتمع المدني ، السطو على « حزب تونس الخضراء »
لكن أمام هذه الإجراءات التعسفية حددنا  مهامنا الجديدة إلى جانب  بلورة برنامج سياسي بيئي من أجل الدفاع عن حزبنا . ولقد استطعنا أولا في مدة وجيزة بمساعدة المجتمع المدني  ومساندة أحزاب  الخضر في أوروبا وأفريقيا ، القيام بحملة إعلامية دعائية عصرية داخليا وخارجيا  برز فيها حزبنا – بشهادة  المتابعين للعمل السياسي في تونس كطرف سياسي ممثل  لا يمكن تجاوزه .
ثم ثانيا : ركزنا عملنا على نشر الوعي البيئي والسياسي والتعريف  بميثاقنا الوطني والاتصال بالجمعيات والشخصيات البيئية والاعلامية  لتحسيسها بكبرى المشاغل البيئية التي تعرفها بلادنا – وكانت مشاركتنا الدولية متعددة طرحنا فيها مفهومنا للعمل البيئي ووجهه  نظرنا في التعامل مع العديد  من المشاكل المنجرة عن سياسة النمو  الغير مستدام سواء كان ذلك في إفريقيا أو في العالم . ولقد توج عملنا هذا بدعوتنا للحضور  في شهر أكتوبر 2006 في جنيف ، في مؤتمر الخضر في أوروبا حضره 35 حزب  وملاحظين من حركة الخضر العالمية، بالاعتراف العالمي بحزبنا الممثل الوحيد للخضر في بلادنا وكان هذا انتصارا كبيرا لنا .
                 غير أن هذا النجاح الذي حققناه لم يرق إلى أعدائنا  في العمل السياسي البيئي المستقل وأعداء الديمقراطية ، فعمدت جريدة الشروق بتاريخ 01/11/2006 التهجم علينا وعلى المنسق العام لحزبنا  تونس الخضراء – ورغم كل الإجراءات القانونية – من تتبع وطلب حق الرد كان موقف الإدارة سلبيا تجاه مطالبنا الشيء الذي فهمنا منه الكثير والكثير .
                 إن المشاكل البيئية التي تعرفها بلادنا متعددة وهي مهددة كباقي بلدان العالم  بمخاطر الاستغلال المفرط  للطاقة والموارد الطبيعية الذي انجر عنه الكارثة الكونية المتمثلة في تغير المناخ والانحباس الحراري ومن أجل هذا لقد دعونا منذ تأسيس حزبنا على تعميم وتعميق الوعي البيئي لدى المواطنين لدفعهم إلى الانصهار في حركة مجتمعية مدنية واسعة للمحافظة على محيطهم وعلى الثروات الطبيعية  الموجودة في بلادنا من طاقة ومياه ومخزون بيئي غابي وبحري أمام المخاطر التي تهدد الكون والمشاركة الواعية في وضع أسس سياسة التنمية المستدامة العادلة .
                 إننا في هذه المناسبة ندعو كامل المجتمع المدني مساندة حقنا في العمل القانوني ونجدد مطالبنا الأساسية في الوجود العلني كما يخوله لنا الدستور  .
                 إننا سنعمل جادين لكي نجعل من هذه السنة، سنة تعزيز صفوفنا  والالتحام  أكثر بالمجتمع المدني وتعبئة الخضر لعقد  مؤتمرنا التأسيسي، وفي هذا المنحى نحن نؤكد على تمسكنا بمبادئنا  العامة السياسية الديمقراطية من أجل إصلاح سياسة البلاد  وفتح حوار وطني شامل  بين كافة مكونات المجتمع المدني أحزابا وتنظيمات لكي نجنب بلادنا خطر الانزلاق من مجتمع مدني آمن ( رغم ما يحمل  من تناقضات وتجاوزات ) إلى وضع  ينفلت فيه الأمن  وتعم الفوضى. لقد أصبح أكيدا علينا أن نفتح حوارا واسعا مع كافة أحزاب المعارضة  ونعطي لمشروعنا البيئي السياسي  بعدا جماهيريا  على غرار كل المساندة والتعاطف الذي لمسناه منذ أن وقع الاستيلاء على حزبنا « تونس الخضراء » .
                 وإننا بهذه المناسبة نشكر كل أصدقائنا المنتمين للمجتمع المدني من جمعيات وأحزاب وإعلاميين وشخصيات سياسية مستقلة في الداخل والخارج  الذين ساندونا . إن نجاحنا الإعلامي هو مرتبط بحد كبير بمساعدة العديد من الأصدقاء في جريدة الموقف – والوحدة والطريق الجديد وكذلك العديد من شبكات الواب التونسية و العربية :     « Reveil Tunisien- Tunis news »  الذين  رفضوا كل المحاولات التي يراد بها عزلنا وإضفاء بعض  من شرعية العمل السياسي لحزب وزارة الداخلية وصاحبه . وأننا نثمن مساندة مناضلي المجلس الوطني « للاتحاد الديمقراطي الوحدوي » المنعقد أخيرا في الحمامات لحزب تونس الخضراء ورفضهم  لما سمي بالرباعي .                                                      عاش حزب تونس الخضراء                                    من أجل بيئة سليمة ، ديمقراطية  والتنمية المستدامة  الإمضــــــاء    المنسق العام عبد القادر الزيتوني   تونس في 19 أفريل 2007

حزب تونسي معارض يطالب بحرية الرأي والاجتماع

 

لطفي حجي– تونس هدد الحزب الديمقراطي التقدمي في تونس بالدعوة إلى « إضراب جماعي غير محدود عن الطعام دفاعا عن حرية الرأي والاجتماع » في تونس. وأعلنت الأمينة العامة للحزب مية الجريبي في مؤتمر صحفي عقدته بتونس أنها ستكون في مقدمة المضربين ومعها الأمين العام السابق ومدير صحيفة الموقف الناطقة باسم الحزب أحمد نجيب الشابي. وقالت الجريبي إن هذا التحرك يأتي احتجاجا على ما أسمته إرادة حكومية مبيتة للقضاء على نشاط الحزب باعتباره آخر مربع لحرية الرأي والتعبير في تونس, على حد قولها. وجاء تهديد الحزب بالإضراب عن الطعام إثر تلقيه إشعارا من صاحب المقر المركزي يطالب قيادة الحزب بعدم ممارسة السياسة فيه أو بإخلائه في أجل لا يتجاوز 15 يوما. واعتبرت قيادة الحزب هذا الإجراء « مناورة سياسية جديدة تختفي وراءها السلطة »، كما وصفتها بأنها عقاب للحزب على مواقفه السياسية، وخاصة رفضه لمبدأ الرئاسة مدى الحياة « التي يسعى الحزب الحاكم إلى تكريسها ». وناشدت الأمينة العامة للحزب جميع القوى السياسية والهيئات المدنية المستقلة في تونس الوقوف إلى جانب حزبها باعتبار أن « هذا الإجراء لا يستهدف الحزب الديمقراطي وحده، بل يرمي إلى حرمان التونسيين جميعا من آخر ما تبقى لهم من فضاءات التعبير الحر وإلى محاصرة حقهم في المشاركة السياسية الحرة ». وكان الحزب الديمقراطي التقدمي فقد في الأشهر الأخيرة ستة مقرات بعدد من المحافظات التونسية. وقالت قيادة الحزب إن السبب يعود إلى « ضغط السلطة على مالكي المحلات المذكورة في إطار حملة منظمة على الحزب باتت تستهدف وجوده ». التحالف مع الإسلاميين وحول ما إن كانت الحملة التي تستهدف الحزب سببها دخوله في هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي تضم تيارات سياسية منها إسلاميون من حركة النهضة التي تحظر الحكومة نشاطها من نحو 20 سنة، قال الأمين العام السابق أحمد نجيب الشابي إن من حق الأحزاب أن تعقد تحالفات فيما بينها من أجل المطالب الأساسية في حرية الإعلام وحرية التنظيم والعفو التشريعي العام باعتبارها المطالب الأساسية لتحرير المشهد السياسي في تونس. ودفاعا عن تعامل الحزب الديمقراطي التقدمي مع الإسلاميين اعتبر الشابي أن « الانفتاح على الحركة الإسلامية يدخل في باب الشعور بالواجب », وقال إن حزبه « مستعد لكل التضحيات للحفاظ على هذا التحالف خدمة لتونس ومستقبلها السياسي ». واتهم الشابي السلطات التونسية بأنها « تضرب كل صوت حر حتى وإن لم يتحالف مع الإسلاميين مثلما فعلت مع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تغلق مقراته وتمنع نشاطاتها ». (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 18 أفريل 2007)  


حزب تونسي معارض يحتج على الضغوط التي يتعرض لها

تونس (ا ف ب) – احتج الحزب الديموقراطي التقدمي التونسي المعارض الثلاثاء على الضغوط التي يتعرض لها متهما السلطات « بافتعال قضية ترمي الى القضاء على اخر مربع لحرية لتعبير والاجتماع » في تونس. وقالت مية الجريبي رئيسة الحزب واحمد نجيب الشابي مدير صحيفة « الموقف » الناطقة باسمه خلال مؤتمر صحافي حضره نشطاء في مجال حقوق الانسان ان « المقر الذي يستاجره الحزب منذ اكثر من 13 عاما والذي كان دائما مقر صحيفة الموقف مهدد بالاغلاق بتهمة « استغلاله لغير ما اعد له ». واعتبر الشابي ان « التنبيه » الصادر عن مالك المقر يعبر عن « ارادة حكومية مبيتة للقضاء على اخر مربع لحرية التعبير والاجتماع ». واشارت الجريبي من ناحيتها الى ان « التنبيه يتزامن مع حملة وطنية لتجريدنا من مقراتنا في المدن التونسية ». ولفتت الى وجود ثمانية فروع للحزب « اما مغلقة او ان انشطتها معطلة بدواع قضائية او ادارية مختلفة ». لكن السلطات التونسية نفت ان يكون « لها علاقة بالامر ». وقال مصدر رسمي تونسي ان « الامر يتعلق بنزاع مدني عقاري بين مالك ومسوغ » مؤكدا على ان « القضاء وحده المؤهل للنظر في مثل هذه النزاعات ». وعبر الحزب الذي يعد من ابرز التنظيمات السياسية المعارضة منذ تاسيسه في 1983 عن « عزمه الراسخ » للتصدي لاقفال مقره الرئيسي بالوسائل السلمية المتاحة بما في ذلك « اضراب مفتوح عن الطعام » للدفاع عن حرية التعبير والاجتماع. وناشدت الجريبي « كل القوى الديموقراطية التونسية من هيئات مدنية وحركات سياسية وشخصيات وطنية الوقوف معه في هذا الاختبار الذي لا يستهدفه وحده بل يرمي الى حرمان التونسيين جميعا من اخر ما تبقى لهم من بقع التعبير الحر ». واضافة الى التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم بزعامة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي توجد في تونس ثماني تشكيلات سياسية معترف بها خمسة منها ممثلة في البرلمان (المصدر: موقع قناة فرنسا 24 (باريس – فرنسا) نقلا عن وكالة أ ف ب بتاريخ 18 أفريل 2007)  


الوسط التونسية في حوار هام للغاية مع العالم التونسي البروفسور منصف بن سالم

البروفسور منصف بن سالم في مواقف لافتة جدا من قضايا العنف الذي ضرب تونس والجدل الحاصل حول ائتلاف 18 أكتوبر وفي موقف جريء تجاه مجموعة الانقاذ الوطني التي تحركت للإطاحة ببورقيبة سنة 1987 وفي تعليقات على قضايا أخرى هامة جدا تكتشفونها في هذا الحوار . أجرى الحوار مرسل الكسيبي: ** البروفسور منصف بن سالم نحييكم أولا ونرحب بكم في هذا الحوار الذي نجريه معكم بصفتكم واحدا من أبرز العلماء والأكاديميين العرب الذين جمعوا بين التألق في منازل البحث العلمي والانخراط في الشأن العام ,ونذكر القارئ بأنكم مررتم بمحنة السجن في تونس نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي نتيجة مواقفكم الواضحة من التسلط والاستبداد ونتيجة رفضكم لخيار سلخ تونس عن عمقها الحضاري ,العربي والاسلامي وهو ماكلفكم ضريبة عائلية غالية كان من أبرز معالمها حادث مروري كيدي أدى الى اعاقة مزمنة لابنكم عباس المقيم حاليا بألمانيا قصد تلقي العلاج . البروفسور منصف بن سالم: الكثير من إخواني وأصدقائي يحملون السلطة مسؤولية الحادث الذي تعرض له ابني عباس الواقع أنني لا يمكنني الجزم بذلك ولكنني احمل المسؤولية الكاملة للسلطة في تباطأ التداوي حيث حالت الوضعية الأمنية و الاقتصادية للعائلة من متابعة علاج ابني على الوجه الصحيح ذلك أن البوليس المرافق لوقتها طول الوقت(24:24 )ارهب عددا من الأطباء والممرضين مما جعلهم يرفضون مباشرة عملهم مع ابني و نتج عن ذلك سقوط مستمر وإعاقات كنا في غنى عنها لو كانت حياتنا طبيعية ,البوليس كان يأخذ بطاقة الهوية لمن يتكلم معي ويحرر فيه بطاقة إرشادات وهو ما يعني متابعته امنيا , الضحية قد يكون طبيبا أو ممرضا أو زائرا عاديا,كما حدث عدة مرات أن سرق الملف الصحي لابني من المستشفى وأجبرنا أحيانا على إعادة التحاليل والتصوير بالأشعة من جديد وفيما يخص القضاء فإننا لم نحصل على حكم نهائي في التعويض إلا بعد 8 سنوات من الحادث بعد عدة أحكام صادرة عن محكمة الاستئناف والتعقيب الشيء الذي كلف أجرة المحاماة غالية جدا (حوالي 7000 دينار) ** دكتور منصف بن سالم أرجو أن ننطلق في هذا الحوار من اخر تطورات وضعكم الصحي والانساني والعائلي ,وذلك من أجل احاطة الرأي العام العربي والدولي بما الت اليه أوضاعكم وأوضاع من قاسمكم محنة السجن والاعتقال في خضم المواجهة المفتوحة بين السلطة وقوى المجتمع المدني منذ بداية عقد التسعينات . البروفسور منصف بن سالم: أعتبر من الخطأ الفادح بل من الجريمة أن ينظر إلى السلطة التونسية على أنها سلطة كل التونسيين وأنها تعامل الناس على حد سواء أمام القانون ,أنا أعتبرها وبكل صراحة أسوء من سلطة الاستعمار وإلا فلماذا تعاملنا نحن الذين سجنا وعذبنا وحرمنا من عيالنا لأكثر من عقدين من الزمن كمواطنين من صنف خاص: ليس لنا الحق في العمل والعيش الكريم : حرمان من حق التداوي والتأمين على المرض, حرمان من جواز السفر, حرمان من ممارسة أي نشاط اقتصادي دون عراقيل وهذه الإجراءات تسحب أيضا على أطفالنا إلا ما رحم ربك, وأسوأ من ذلك كله هو عزلنا عن المجتمع لأن الجو السائد والذي كرسته السلطة بإعلامها وبوليسيها هو أي تقارب مع الإسلاميين يعرض صاحبه إلى ما تعرض له الإسلاميون, والناس يعرفون تشفي السلطة من هذه الشريحة ليعلم الجميع أن السلطة التونسية جعلت من المساهمة في الحملة الوسخة على الإسلام و أهله وسيلة مثلى في الترقية المهنية و في الحصول على رخص عمل و في القروض البنكية و التسهيلات في أعمال اقتصادية غير قانونية وغض البصر على بعض الجرائم و قد نسمع عن إقالة رئيس شعبة في الحزب الحاكم بسبب عيادة مريض كان سجينا سياسيا وتستعمل الوشاية الكاذبة بالإسلاميين كعملة صعبة في ربح قضايا مستعصية هذه الحالة تجعلني و عائلتي كسائر إخواني في المحنة والمصيبة التي حلت ببلادنا عرضة لأمراض مزمنة كنتيجة حتمية من أوضاع السجن و في خصاصة مادية تجبرني على العمل في الفلاحة وفي الحظائر تحت مضايقة أمنية  . ** البروفسور منصف بن سالم ,كيف تقيمون الأوضاع التونسية العامة وكيف ترون السبيل الى معالجة الأزمة السياسية بالبلاد ؟ البروفسور منصف بن سالم : لا حل بدون الاعتراف بالمظالم التي وقعت طيلة عقدين وإعادة الحقوق لأصحابها ومعاقبة المتطرفين الحقيقيين والمتعصبين والخارجين عن مسار التاريخ و يمكن بعد ذلك أن نقتدي بما وقع في موريتانيا كحل سياسي. ** لعلكم تابعتم في قلق شديد الأحداث الأخيرة التي عرفتها تونس مع نهايات السنة الأخيرة ومطلع السنة الجارية , فما هو تفسيركم للأسباب الحقيقية لهذه الأحداث ؟ وهل تسلمون فعلا بالرواية الرسمية في الموضوع ؟ البروفسور منصف بن سالم: ما وقع أخيرا من استعمال للغة النار هو نتيجة حتمية و منطقية لتراكم ممارسات السلطة في تلجيم أفواه الناس و انتهاك حرماتهم وتفشي الفساد الأخلاقي و السياسي والاقتصادي وإقصاء شريحة هامة من المجتمع من المشاركة في كثير من الأنشطة وتخصيص ميزانية هامة من الأموال العمومية لصرفها في جهد هياكل السلطة لسلخ تونس من هويتها العربية والإسلامية وتحطيم التعليم والتربية في مستوياتها الثلاثة.أما الرواية الرسمية فهي تتناقض مع نفسها ولا يصدقها عاقل وحتى بسطاء المواطنين الذين عرفوا بالتصفيق للسلطة صاروا يضحكون من هذه الرواية . ** دكتور منصف بن سالم ,في شيء من الانصاف والمراجعة الذاتية لتجربة العمل المعارض وتجربة الحركة الاسلامية التونسية ,هل لديكم قناعة بأن الجسم المعارض في حاجة ماسة اليوم الى مراجعة جذرية للخطاب والممارسة على ضوء فشل ذريع في أنسنة الدولة والحد من تغولها ؟ وهل تتحمل الحركة الاسلامية في تقديركم شيئا من المسؤولية فيما صارت اليه الأوضاع السياسية العامة بتونس ؟ البروفسور منصف بن سالم : لا شك أن المعارضة الإسلامية تتحمل جزئا من المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع في تونس باعتبارها المعارضة الشعبية الواسعة الانتشار والقادرة على التأثير في الساحة أكثر من غيرها والوقت الآن لا يسمح بسرد الأخطاء و إلصاق التهم ,هذا يتم بعد إجراء تقييم شامل وكامل للإحداث التي وقعت منذ 1987 وبالمقابل يمكن تحميل السلطة السابقة واللاحقة (لا اقدر أن افرق بينهما و اعتبرها واحدة ) وما عساها أن تفعل الحركة الإسلامية إذا قررت السلطة تسخير كل إمكانياتها البشرية والمادية والمالية لاستئصال حركة الاتجاه الإسلامي أولا,و محاربة الإسلام ثانيا و تلجيم بقية المعارضة ثالثا.هذا القرار لازال قائما حتى اليوم . ** لقد كنتم من الذين باركوا نشأة حركة 18 أكتوبر وزاروا قادتها ,فهل مازلتم تعتقدون في جدوى مشروعها السياسي في ظل توغل أجندتها باتجاه مناقشة قضايا ايديولوجية يرى البعض أنها لم تكن على الاطلاق من مشمولات مبادئها الأساسية ؟ البروفسور منصف بن سالم: نعم باركت نشأة حركة 18 أكتوبر, هذه الهيئة برهنت على نضج سياسي تقدمي رفيع أعطى دليلا قويا لإمكانية التعايش السلمي لحركات لها مشارب فكرية مختلفة وعقائد ايديولوجية متناقضة وهو ما كنت ادعوا إليه منذ السبعينات عندما كنت مترئسا لنقابة التعليم العالي بصفاقس , وكنت أتمنى أن تقوم الهيئة ببلورة مشروع حضاري لانقاذ تونس مع بقاء كل طرف على خصوصياته و قبول الرأي الآخر,وفوق كل ذلك مع المحافظة على هوية المجتمع الذي ننتمي إليه جميعا و الاعتزاز بجذورنا المعروفة لدى الجميع وقد أسفني كثيرا ما جاء في بيان الهيئة الأخير بمناسبة اليوم العالمي للمرأة , ودون أن ادخل في الحجج و الإثباتات العلمية والمنطقية على فضل الإسلام على المرأة ومكانتها و عزتها في ظل الشريعة الإسلامية أقول بكل صراحة ولعل الصراحة مضرة إلى حد ما أن البيان موجه عن قصد أو عن غير قصد لثلاث أهداف: 1- ضرب آخر معقل للإسلام في تونس وهو الأسرة 2- عزل تونس عن محيطها العربي والإسلامي (وإذا كان لابد من العيش ضمن تكتلات دولية كنتيجة حتمية للعولمة , اسأل الهيئة إلى أين ستنتمي تونس) 3- إثارة نعرة الخلافات فيما اتفق على قبول الرأي الآخر بين مكونات الهيئة وهو ما يعني بداية قتل الهيئة بعد تهميشها. رأيي هذا قد لا يعجب الكثير ولكني أكون منافقا إذا أخفيته قصد المحافظة على وحدة الهيئة ,أنا لازلت أكن كل احترام وتقدير لأعضاء الهيئة و أرجو أن تتجنب الهيئة الدخول في هذه المتاهات وأن تجعل من العمل على حرية التعبير والتنظيم السياسي هدفا لا غير, وليعلم أعضاء الهيئة أن هناك شباب صاروا كهولا وكهولا صاروا شيوخا وراء القضبان فمتى تتوقف محنتهم , واتركوا المرأة فهي حرة في تونس إلا في لباسها الشرعي . ** بعد الحملات المتكررة على المحجبات وشن حملات اعتقال استهدفت المئات من الشباب المتدين ,كيف ترون السبيل الى معالجة علاقة الدولة بالدين وكيف ترون سبل حماية المجتمع من مخاطر الارهاب والتطرف ؟ البروفسور منصف بن سالم : عرفت تونس بالاعتدال والتسامح عبر قرون من التاريخ وصفة شعبها الميل لذلك حتى هذه الساعة إلا أننا ابتلينا بنوع آخر من الإرهاب والتطرف إرهاب السلطة لشريحة من شعبنا وتطرف و غلو في الكفر والفساد الأخلاقي وتحطيم الهوية وذلك تحت غطاء مقاومة التطرف الديني مسايرة للحملة الغربية على الوطن العربي والإسلامي لا أرى تطرف آخر غير هذا وإلا فسأكون مساهما في قلب المفاهيم الطفل الفلسطيني يدافع عن أرضه وعرضه بالحجارة هو ارهابي والدبابة الاسرائلية تقتل الأطفال على الشاطئ هي في حالة دفاع شرعي.أما ما تقوم به السلطة فهو عامل قوي لدفع الناس إلى اليأس ولربما للقيام بما لا ينفع البلاد والعباد. ** هناك من يعود بالذاكرة الى الحديث عن مجموعة الانقاذ الوطني في ظروف تاريخية عايشتها تونس سنة 1987 ,ومن ثمة يرفض التضامن الحقوقي والسياسي معكم من منطلق أنكم أردتم الانخراط في عمل « غير ديمقراطي » ,فماهو تعليقكم على مايقوله ويفعله هؤلاء ؟ البروفسور منصف بن سالم : مجموعة الإنقاذ الوطني هي شرف كل تونسي, عندما تحركت شوكة الكفر والطغوة عند عجوز فقد صوابه لما وصل إلى أرذل العمر وتلجمت أفواه الأحرار وسارع الجبناء إلى ركوب موجة بورقيبة الجنونية قامت ثلة من خيرة أبناء أرضنا الطيبة برفع اللعنة التي حلت ببلدنا الحبيب مضحين بالغالي والنفس وبالروح والدم لإعادة عزة تونس, يحلو لبعض المتاجرين بالسياسة أن يجعل منهم « وصمة عار » للحركة الإسلامية كما يحلو لهم إظهار المجموعة في الصورة المشبوهة التي يريدونها لكسب مواقف سياسية رخيصة. ** كيف ترون مستقبل الاصلاح السياسي والدمقرطة في تونس وهل تعولون على دور اقليمي ودولي في احداث الانفتاح السياسي المنشود ؟ البروفسور منصف بن سالم: حقيقة تصرفات السلطة تجعل كل عاقل يائسا من الإصلاح السياسي الداخلي بتراجع السلطة عن نهجها المتصلب بالرغم من درجة النضج الواعي عند الشعب في المقابل, يمكن لمن له مصلحة في تونس يخاف من الانفلات الأمني أن يفرض الحل الموريتاني خاصة بعدما اثبت هذا الحل جدواه ونجاعته. ** هل من كلمة أخيرة أو نداء تتوجهون بهما الى القراء والى أحباء العدل والحرية وأحباء تونس ؟ البروفسور منصف بن سالم: إلى كل ضمير حي والى كل ذي بصيرة والى كل من بإمكانه زحزحة موقف السلطات التونسية عن مواقفها المتخلفة أن يتصور نفسه يعيش طيلة عقدين من الزمن فاقدا لكل حقوقه حتى الحقوق الحيوانية ومسلط على أطفاله نفس العقاب وبدون أحكام قضائية يمارس عنه وفيه ما تشتهيه نفسية عصابة شريرة تحت تعتيم إعلامي رهيب. ونحن في عصر العولمة وفي عصر الأنترنات والثورة العلمية العملاقة لنتصور هذه الحالة: أستاذ جامعي (دكتور مهندس في الصناعة الآلية ودكتور دولة رياضيات) يقضي 20 سنة بين سجن لا رحمة فيه وإقامة جبرية مع العائلة ومتابعات بوليسية استفزازية ومضايقة لكل العائلة وحرمان من التداوي والعمل والسفر والخدمات الاجتماعية والإدارية العادية دخله الوحيد هو العمل في الفلاحة بكد اليمين وخلسة عن عيون البوليس وميليشيات الحزب الحاكم . (المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » (أليكترونية – ألمانيا) بتاريخ 18 أفريل )


الرهان الصعب:

معضلات السياسة والسياسيين في تونس

محمد النوري- باريس.

 

لسْت من المدمنين على الكتابة في الشأن السياسي لأسباب عديدة منها ضيق الوقت من جهة، وغزارة الكتابات المعروضة كل يوم،من جهة أخرى، حتى أن المرء لا يكاد يجد فسحة من الزمن للإطلاع عليها وكنْه مضامينها وطلاسمها وأغراضها، ولكن بعض الأصدقاء الذين أطلعوا على المقال الأخير الذي نشر على موقع « تونس نيوز » مشكورة بتاريخ 7 أبريل 2007 ،بعنوان:تونس: الرهانات الخاسرة! طرحوا عليّ،بعد تثمينهم للمقال والأفكار التي جاءت فيه، سؤالا لا يخلو من الوجاهة حول منهج وآليات الخروج من هذا الوضع البائس الذي تحدثت عنه،لأنه ليس كافيا تشخيص المأزق إذا لم تحدّد منافذ الخروج منه والتخلص من قيوده.

 

وتجاوبا مع هذا السؤال المشروع،الذي يستوجب في حقيقة الأمر التعبئة السياسية العامة لكل الأطراف، و تشغيل كل الطاقات الذهنية والمهارات الفكرية  لكل المهتمين بالشأن العام  والمصلحة الوطنية الكبرى،لامناص من الوقوف عند معضلات السياسة  التونسية اليوم وعوائق الإصلاح من أجل الخوض في الرهان الصعب الذي يحاول الإجابة عن السؤال المطروح.

 

إن التركيز على مسؤولية المعارضة في استفحال المأزق الراهن لا  يعني البتة تجاهل دور السلطة ومسؤوليتها المباشرة في ذلك وغياب الإرادة السياسية لحد الآن لتجاوز هذا الوضع القاتم.

كما لا يعني أيضا التنكر لجهود المعارضة التونسية ونضالاتها، بشتى ميولاتها وأطيافها ، من أجل ترسيخ جملة المكاسب التي تحققت طيلة تاريخ البلاد الحديث. ولكن الواجب الوطني اليوم يستدعي الاهتمام أولا وقبل كل شيء بما يرتبط بهذه المعارضة ودورها في هذا الجانب كما يستدعي كثيرا من الجرأة في النقد الذاتي والإصلاح الداخلي لكل الأطراف الجادة التي تحرص على الخروج من هذا النفق .

 

أصل الدّاء:

 

رحِم الله الكواكبي ،المفكّر والمصلح النهضوي المسلم،الذي وضع أصبعه على موطن الدّاء وأصل البلاء الذي ينخر جسم الأمة منذ إقصاء الشورى وتحوّل الحكم والسلطة إلى ملْك عضوض،كما جاء في الحديث الشريف،وهو الاستبداد الذي يقوم على الخوف والجهل والغباوة،كما قال. » فإذا أرتفع الجهل وتنوّر العقل زال الخوف وأصبح الناس لا ينقادون لغير منافعهم(مصلحتهم)، وعندئذ لا بدّ للمستبدّ من الاعتزال أو الاعتدال« .(طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد- المقدمة).

 

والاستبداد عند الكواكبي، ليس شخصا، بل هو مؤسّسة متأصّلة، شعارها الغرور والأنفة والاعتداد بالرأي وعدم قبول النصيحة، وهو سرطان يسري في جسم المجتمع،من القاعدة إلى القمّة.وبالتالي، فإن القضاء عليه،مشروع ضخم ، يحتاج إلى جهد كبير ونفس طويل،بعيدا عن الحقد والثأر والانتقام.

 

وقد وضع الكواكبي،ثلاثة شروط أوّلية لرفع الاستبداد والتخلص من بلائه: شعور الأمة كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد، مقاومته باللين والتدرّج،لا بالشدّة والعنف،وتهيئة البديل عنه قبل مقاومته.

ويبدو الاستبداد ،كما يستطرد الكواكبي، للوهلة الأولى،كجدار غير قابل للاختراق، ولكن ذلك غير صحيح فمن خلال فهمه وتفكيك جذوره والتدرّج في مقاومته، و توطين العزم على ذلك، يمكن اختراق هذا الجدار و هدم أركانه.

 

هذه المقدّمة المقتضبة، ضرورية- في نظري- لتأطير أصل المعضلة السياسية التونسية والعربية عموما وإدراك عمق التحدّي الذي نواجهه أفرادا وأحزابا،حكاما ومحكومين، على حدّ سواء.

 

الحالة التونسية لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها العربية والإسلامية بشكل عام،سوى في درجة التكلّس وغياب المرونة الكافية للتعاطي مع التحوّلات الجوهرية التي يشهدها المجتمع، قياسا مع التكيّف الحاصل في الحالات الأخرى.

ومردّ هذا التكلّس الحادّ الذي أصاب السياسة والسياسيين في تونس،التي عُرفت طيلة تاريخها الطويل، بالتسامح والاعتدال والتعايش السلمي،غياب الفكر وضمور الثقافة و تراجع فقه الواقع وتخبّط الأولويات وانحباس كل الأطراف في دوائرها المغلقة وانكفائها على الذات. وأصل الدّاء في كل ذلك، شيوع ثقافة الاستبداد على كل المستويات،بدءا بالسلطة ومراكز النفوذ فيها،ومرورا بالمؤسسات والمنظمات والأحزاب،وانتهاء بالفرد والأسرة.

 

وإن كان موضوع السلطة وعلاقتها التاريخية بالاستبداد يحتاج إلى دراسة مفصّلة ،ليس هذا مجالها،مع أهميتها وإلحاحيتها، إلا أن ما يسع أطراف المعارضة اليوم، هو الوقوف عند الأسباب والعوامل التي تغذّي المعضلة وتعيق عملية اختراق الجدار،على حدّ تعبير الكواكبي،من جانبها، قبل مطالبة الطرف الآخر بالتحول والانفتاح. وهذه الأسباب والعوامل – في نظري- بالأساس، ثلاثة:

 

خطاب الأزمة وأزمة الخطاب:

 

كيف يمكن اختراق جدار التكلّس والتحجّر السياسي الذي تمارسه السلطة وهي غير آبهة بأي شيء، بالاستمرار والإصرار على خطاب الأزمة وإعادة إنتاجه من قبل كل المعارضات ، وهو خطاب لا يقلّ تكلسا وانغلاقا عن الذي  يقابله؟ هل يمكن لعاقل – فضلا عن محترفي السياسة- أن يظن يوما أن تسليط الشتائم والسباب على الخصم السياسي ونعته بكل النعوت الصائبة منها وغير الصائبة،الأخلاقية منها وغير الأخلاقية ، أن يدفع هذا الخصم إلى التراجع و الاقتراب ؟ أم أن ذلك مدعاة إلى مزيد من التشدّد و الانغلاق؟

متى كان الخطاب الاستفزازي المعارض سببا في التواصل والبحث عن طرق التفاهم والحوار؟

لا أظن المسألة تحتاج إلى التدليل والدخول في التفاصيل المنافية لأي عمل سياسي هادف متعارف عليه،فمن أراد ذلك، ما عليه سوى مراجعة الأدبيات السياسية لكثير من الأطراف- وليس كلها- للوقوف على حجم التردّي الذي انتهى إليه خطاب الأزمة الذي يهيمن على المعارضة الرئيسية داخل البلاد وخارجها.

 

مرة أخرى،لا بدّ من العودة إلى الكواكبي، لاستلهام الدروس السياسية،في مقاومة الاستبداد واختراق جداره، التي لا تزال صالحة ليومنا هذا، بل وكأنها وضعت لزماننا هذا وليس لتلك الحقبة قبل ما يزيد عن قرن كامل من الزمان!

 » الاستبداد لا يقاوم بالشدّة والعنف كي لا تكون فئة تحصد الناس حصدا ». ومن المعروف أن العنف لا يكون بالضرورة ماديا فحسب، بل إن العنف اللفظي والخطاب الاستفزازي ،أكثر مدعاة للتباعد والاشتباك.

 

المنهج الصائب والمطلوب ليس استسلاما للواقع أو سكوتا عن الحق،لأن » الساكت عن الحق شيطان أخرس » وليس تخاذلا عن تعرية الحقيقة، ولكنه مزاوجة بين هذا وذاك، وموازنة بين درء المفسدة وجلب المصلحة، وسعي حثيث لفك الاشتباك وتجنب القطيعة ما دام الهدف هو المطالبة وليس المغالبة(غير المقدور عليها) والترويض بدل التقويض!

 

« إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب » و »ليس المسلم بالسابّ ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء » هكذا يكون الخطاب،كما يعلّمنا الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام، ولو مع الخصوم  والأعداء،متوازنا،معتدلا،بعيدا عن كل تشنّج أو تطرّف أو ردّ فعل غير محسوب فضلا عن منطق الثأر والانتقام!

إن جزءا هاما من أزمة المعارضة يكمن في خطابها،هذا الخطاب الذي عجز عن الفعل والفاعلية، فوقع في فخّ القطيعة و الطوباوية السياسية و »العنتريات التي ما قتلت ذبابة »،كما يقال!

 

المطالبة أم المغالبة:

 

الخلط بين منهجين وفي نفس الوقت في العمل السياسي،سبب ثان من أسباب المعضلة السياسية التي تعاني منها البلاد بشكل عام والمعارضة بشكل خاص.

لم تفلح المعارضة في الحسم في منهج التغيير والإصلاح. فمن جهة تدعو أطراف فيها إلى « رحيل النظام » وتكرّس أطراف أخرى سياسة القطيعة واليأس من الإصلاح. فهذه السلطة القائمة  » لا تَصلح ولا تُصلح » على حدّ تعبير البعض، وفي نفس الوقت تطالب نفس السلطة بالانفتاح ورفع التضييقات وإقرار العفو التشريعي العام! وهي مطالب مشروعة ولكن يجب البحث عن سلطة أخرى للتجاوب معها وفق المنطق السياسي المتعارف عليه!

هناك خلط مزدوج في سلوك المعارضة. خلط في المنهج وخلط في أدوات المنهج.

من حيث المنهج، لا يستقيم الجمع بين المطالبة والمغالبة في نفس المرحلة وضمن نفس الأهداف. ومن حيث الأدوات، من غير الممكن استخدام نفس الوسائل و الأساليب للوصول إلى تلك الأهداف!

 

منهج المطالبة يقتضي الانطلاق من الواقع القائم والاعتراف به أولا،بغض النظر عن حيثيات وجوده وملابساتها، وطرح أهداف واقعية مقدور على تحقيقها، وعدم التنكب عن النضال السياسي من أجلها، من قبيل تلك الأهداف الأولى التي قامت من أجلها هيئة 18 أكتوبر، قبل أن ينهكها الصراع الإيديولوجي وطرح الأولويات الخاطئة..

 

أما منهج المغالبة فهو يستدعي مما لا شك فيه، أهدافا مختلفة وأدوات أخرى،لا يزعم أي طرف من أطراف المعارضة اليوم امتلاكها أو القدرة على استجماع شروطها.وبالتالي ،عاش من عرف قدره فوقف عنده، والحكمة في تقدير الموقف السليم في اللحظة المطلوبة!

 

هذا الخلط يعبّر في حقيقة الأمر،عن حيرة وارتباك في صفوف المعارضة التي تحاول اختراق التكلّس لدى السلطة، دون أن تصل إلى ذلك،لأن ذلك يحتاج فعلا إلى أدوات من طراز آخر وهو ما سنحاول تلمّسه لاحقا.

 

 

عزوف الناس عن الشأن العام:

 

في حين أفلحت السلطة في إلهاء عموم الناس عن الشأن السياسي وقضايا المجتمع، من خلال سياسة ممنهجة ومتواصلة عبر إشاعة وتعميم الوَلَه بالرياضة الكروية ومناشط الفنّ الهابط،،إلى جانب سياسة التخويف و الترهيب ، لم تقدر المعارضة المنهمكة في الإشتباك السياسي والحزبي مع السلطة وفيما بينها، على الالتفات إلى المجتمع وتحريك سواكنه والارتقاء بوعيه وهمومه ليكون في مستوى التحدّيات التي تواجهه أو بمثابة الدرع الواقي من لظى الاستبداد.

 

إن هذا العجز الفادح للمعارضة في المجتمع، لا تفسّره ملاحقة عصا السلطة فقط،، فقد حققت تيارات التشدّد في فترة وجيزة في هذا المجال، ما لم يصل إلى تحقيقه أي طرف آخر على الساحة ،وإنما مردّ ذلك إلى طرح أولويات خاطئة من قبل المعارضة وغلبة الصراع الإيديولوجي على برامجها، وتصفية الحسابات السياسية بين مكوناتها.

 

هذا الواقع المؤسف الذي تردّى إليه المجتمع التونسي اليوم، صنعته سياسة السلطة وسياسة المعارضة في آن واحد. وأضحى الناس لا يثقون في الطرفين وتحوّل الرضا بالواقع والموجود مقدّما على الارتماء في المجهول!

 

الرهان الآخر:

 

وهو جوهر السؤال المطروح في البداية.

كيف يمكن في ظل هذا الوضع القاتم، اختراق الجدار، والانتقال من مرحلة المأزق إلى مرحلة التواصل والحوار؟

 

لقد أجاب مصلحنا الكبير الكواكبي عن هذا السؤال كما أشرنا في البداية .ولا شيء يمنع من اقتباس نفس الوصفة العلاجية لوضعنا الراهن،لأن الدّاء هو نفسه حتى ينطبق عليه نفس الدّواء:

 

– شعور الأمة كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد،كما ذكر الكواكبي، شرط من شروط التعافي واستنهاض الهمم،وانقلاب موقف عموم الناس من العزوف والانكماش إلى الاهتمام بالشأن العام والانخراط فيه.وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال دور إعلامي فعّال للمعارضة الجادّة والمسئولة لبث الوعي في أوساط المجتمع،وعيا إيجابيا بتحدّيات الواقع وأخطار المستقبل وارتقاءا به من أجل ممارسة الضغط الفاعل لمقاومة كل أشكال التسلط والإستبداد .

ويمكن أن يعبّر عن هذا الدور الإعلامي بما نسمّيه اليوم بممارسة الضغط الهادف للحوار والجالب للتواصل والتفاوض.

 

 

– مقاومة الاستبداد ،لاتكون بالشدّة والعنف ،وتتطلب الحكمة والتدرج وهو ما يقتضي ليس فقط الإصرار على المنهج السلمي في التغيير ونبذ العنف ،والمصابرة على ذلك،وإنما توخّي الخطاب المتوازن والمعتدل ونبذ لغة الشتم والسباب واستفزاز الطرف الآخر ،من أجل جرّه إلى التفاهم والوفاق بدلا من دفعه إلى مزيد من التجبّر والانغلاق.

كما يقتضي هذا النهج أيضا الالتزام بآداب الخلاف والمعارضة السياسية وتجنّب منطق الاستفزاز وردود الأفعال ، ولو كان تصرّف الخصم يدفع إلى ذلك.

ويتطلّب أخيرا السعي إلى طرق باب الحوار والتواصل والإصرار على ذلك، وعدم الاستدراج إلى منهج القطيعة وعدم الاعتراف بالآخر،لأن هذا هو مسلك المستبدّين الذين لا يصلح لدوام ملكهم إلا الإقصاء ونفي الآخر والهروب من الحوار.

 

تهيئة البديل عن الاستبداد قبل مقاومته:

الشرط الثالث لرفع الاستبداد والتخلص منه عند الكواكبي، هو الإجابة عن سؤال بماذا ينبغي استبدال الاستبداد؟ وهو الرهان الأصعب، الذي لا تقدر على خوضه المعارضات جميعها، سواء كانت في اليمين أم في اليسار، علمانية أم إسلامية، ترفع شعار الديمقراطية أم تحوم حوله!

 

إقامة البديل عن الاستبداد فرض عيْن على جميع الأطراف المؤهلة لإدارة الشأن العام، وليس فرض كفاية،كما يقال،إذا قام به البعض سقط عن الباقين! لامناص من مقاومة الاستبداد والنزوع إليه، داخل كل حركة سياسية أولا وقبل شئ، من أجل اجتثاث جذوره من الأعماق حتى لا يعود من جديد بأي حال من الأحوال. ولا تستطيع أي حركة سياسية في تونس اليوم أو خارجها، أن تدّعي طهارتها من هذا الدّاء،بشكل من الأشكال. إن واقع الحال ينطق بغير ذلك، وما ظاهرة الانشقاقات المتكرّرة والانسحابات المتتالية في صفوف المعارضة دون استثناء، إلا دليلا ،في أغلب الأحيان،على ذلك.

 

إن جزءا هاما من عوامل تنكب عموم الناس عن العمل المعارض والتطلع للبديل هو غياب المثال الملموس في التداول الحقيقي على المسؤولية داخل حركات المعارضة واستنساخ العديد منها، في أغلب الأحيان، لتجربة النظام في الإنفراد بالقرار والتشبث بالسلطة ، والمفارقة المتزايدة بين الشعار والواقع!

 

لا تزال ،للأسف الشديد،ثقافة الاستبداد تسيطر على جزء هام من الطبقة السياسية وسائر الأحزاب والحركات. أوليس جوهر الإستبداد هو فرض الرأي على الآخرين والاستئثار باتخاذ القرارات العامة والهامة دون الاستشارة و إشراك الآخر،بل العمل على تهميشه وإقصائه ونفي رأيه وإرادته؟

كم هي الحركات والجماعات التي تخلصت من هذا الداء أي  ثقافة الولاء وأحلّت مكانها ثقافة الكفاءة والمؤسسات والإنجاز؟ ألم يعد الحديث عن الديمقراطية والتعددية،في كثير من الأحيان مجرد لغو وشعارات فارغة عندما تشيع ثقافة « لا حرية لأعداء الحرية » أو « مجتمع مدني بدون أصولية » أو الإقتصار عن الدفاع « الحقوقي » عن الآخر  ورفض حقوقه السياسية وعدم تقبل الخلاف معه؟

 

إن الحقيقة التي لا تغيب على أحد ولا يمكن أن تجحدها جهة مسئولة وصادقة مع نفسها، هي وجود أخلال واسعة في هذا المجال لدى كل الأطراف وأن هناك حالة من الاستبداد المعمم وإن كان بدرجات متفاوتة تعجّ به الساحة السياسية، مما دفع بالعديد من الطاقات والكفاءات إما إلى التهميش أو إلى خيار المنفى الداخلي والخارجي !

 

إن المطلوب هو تمرّد عام على هذا الوضع الذي تحكمه ثقافة الاستبداد وصناعة الرموز والولاء للأشخاص والزعامات التي تقود بالضرورة إلى هدر الطاقات وضياع الثروات.

 

الرهان الصائب هو الذي يبدأ بتغيير الذات وتصويب المنهج قبل الالتفات إلى الآخر ورفع قائمة المطالب المشروعة في وجهه. المطلوب من الجميع،هو التكيّف مع الواقع وعدم القفز عليه وفهم المعادلة الداخلية والخارجية فهما دقيقا، لأن الخطأ في هذا الباب من الممنوعات الكبرى، وإحراج الطرف الآخر بالمزيد من الاعتدال والتوازن، لأن الاستبداد لا يقوّيه إلا التشدد والتعنت ،والحرص كل الحرص على جرّه إلى التفاهم بدلا من دفعه إلى النهاية،لأن النهاية ستكون للجميع، على حساب المكاسب والأهداف لا في خانتها!

 

عندما نقوم جميعا بذلك و نتخلّص من هذا الدّاء،و نقطع دابره من الأساس، عندئذ، كما يقول الكواكبي،لا بدّ للمستبدّ من الاعتزال أو الاعتدال!


 
 

لا صمت بعد اليوم

 

 

تابعت باهتمام هذه الأيام ما يدور من سجال على صفحات الانترنت بين الدكتور الهاشمي الحامدي و أصحاب أقلام الرصاص.

و الواقع أنني كالغالبية العظمى من أبناء الحركة لا أجد وقتا لمطالعة صفحات « تونس نيوز » أو غيرها من المواقع الالكترونية إذ أن الواقع الذي أعيشه في الغرب في بلاد الحرية هذه لا يترك لي الوقت، فيومي أقضيه بين ساعات طوال من العمل كعامل بمصنع للحديد و النوم للاستراحة قليلا من عناء يوم من العمل و الاستعداد ليوم مقبل من الكدّ.

قلت أني أعمل كعامل بمصنع للحديد لأن أصحاب بلاد الحرية و الديموقراطية لم يعترفوا بشهادتي في الهندسة الالكتروميكانيكية و لا بخبراتي و لا بالدورات العديدة التي تلقيتها عند شركات صناعية معروفة بأوروبا و أمريكا.

لقد سقت هذه المعلومة بين قوسين حتى يعلم أصحاب أقلام الرصاص الذين يجلسون في بيوتهم و يتقاضون راتبا شهريا مجزيا و يجدون الوقت لمطالعة صفحات تونس نيوز و يكتبون المقالات النارية، ليعلموا أن الكثير من إخوانهم لا يجدون الوقت لقراءة ما يكتبون كما أنهم لا يهتمون كثيرا لما يقال لأنهم أصيبوا بالاحباط بسبب طول المحنة.

قلت أنني تابعت ما يُـكتب على صفحات تونس نيوز بعد مقال الدكتور هاشمي الحامدي عن الربيع و الزيتون و قررت أن أكسر الصمت حتى يُعلم أن أبناء الصحوة الإسلامية الأولى ليسوا صوتا واحدا و إني لأعلم أن الكثيرين يؤيدون ما يدعو إليه الدكتور الهاشمي الحامدي ولكنهم صامتون.

و الواقع أنني قررت أن أكتب في عدة مناسبات سابقة عندما تستفزني بعض المقالات التي احترف أصحابها الكتابة ليقولوا خيرا أو في أغلب الأوقات غير ذلك، و لكن يخونني قلمي فلست ممن درس الأدب أو الفلسفة و يُـحسن اختيار العبارات الطنانة التي تنفذ إلى القلب فأتراجع عن قراري.

و لكنني هذه المرة عزمت و اخترت أن يكون مقالي هذا عبارة عن خواطر تخالجني عندما أجد شيئا من الفراغ وأتفكر في واقع أبناء الصحوة الإسلامية الأولى و الثانية.

 

يقول الدكتور الهاشمي في مقالته « تونس الجميلة »: « وأقول لكثير من الإخوة الذين يقولون لي مباشرة أو بالهاتف إنهم يشاطرونني الرأي الذي عرضته في هذه المقالة: إن كنتم جادين فيما تقولون فاكتبوا آراءكم علنا وتحملوا مسؤلياتكم عما تكتبون. تأييدكم الهاتفي لا يفيد كثيرا، أما مواقفكم المعلنة فقد يكون لها أثر مباشر على نتيجة هذا الحوار وعلى فرص تحقيق الهدف المنشود منه ».

و رغم أنني لا أعرف الأخ معرفة شخصية و لم أتصل به هاتفيا فإني أكتب اليوم لأقول أنني معه في كل ما جاء في مقالته هذه. و خاصة عبارته: « أم أن الوقت قد حان، ليقول الإسلاميون، بشجاعة وثقة بالنفس، إن نهج المغالبة والصدام غير مفيد للوطن، وغير مفيد للإسلام. وأن التنازلات القاسية التي تقدم لبعض الغلاة المتطرفين من حلفاء المرحلة قد تكون أضخم وأعلى تكلفة من التنازلات التي يتطلبها إصلاح ذات البين مع رئيس الدولة والحزب الحاكم؟

. » و الواقع أني عُرفت منذ سنة 1998 بمخالفتي لنهج المغالبة و المصادمة و قد عبرت عن ذلك في كثير من لقاءاتي ببعض الأخوة و اتصالاتي الهاتفية بالبعض منهم. و قد لمست عند الكثيرين منهم موافقة لرأيي، و لكن للاسف ليس منهم من يعبر عن وجهة نظره كتابة كما يفعل أصحاب أقلام الرصاص، و هذا يجعل المراقب للشأن الإسلامي في تونس يتصور أن هذا الصوت هو الوحيد في حين أن الواقع غير ذلك.

 

خواطر:

 

أحيانا عندما أتفكر في واقعنا أتساءل هل كتب على كل متدين أن يكون إما سجينا أو مهاجرا أو مضيقا عليه في معيشته؟

ألا يمكن للمتدين في تونس أن يعيش حياته كباقي خلق الله و أن ينشر الخير و الفضيلة و الأخلاق و أن يكون مؤثرا في من حوله.

هل خيار المغالبة و الصِّـدام هو ممّا جاء به ديننا فنحن نتّبعه امتثالا لأمر الله؟

وهنا أستحضر الآية الكريمة التي يستعملها بعض إخواننا للتعبير عن سبب العداوة بيننا و بين النظام الحاكم في تونس، و هي قوله تعالى: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )

فأتساءل وماذا عن عَشَرة ملايين من الشعب التونسي؟ ألا يؤمنون بالله العزيز الحميد؟ و ماذا عن حمة الهمامي و المرزوقي و غيرهم من الشيوعيين و العلمانيين المعارضين للسلطة في تونس، هل ينقم النظام الحاكم منهم انهم يؤمنون بالله العزيز الحميد؟

 

الجواب عن هذه التساؤلات واضح عندي.  لذلك عبرت مرار و تكرارا عن مخالفتي لقيادة حركة النهضة في المغالبة و الصدام. وهنا استعملت كلمة قيادة حركة النهضة ولم أقل حركة النهضة لأنني أعي جيدا الفرق بينهما وأرجو أن لا يكتب أحد باسم مستعار و يقول لي « ماو قلنا الحركة ».

 

 

وأحيانا تخالجني خواطر أخرى وتساؤلات. أتساءل عندما أقرأ رأي قيادة حركة النهضة في مجلة الأحوال الشخصية و أنها مقبولة كأساس لتسيير شؤون الأسرة التونسية، أتساءل ً: ماذا كنا إذًا نعيب على بورقيبة؟ فلقد كان وطنيا و نظيف اليد واجتهد في النهوض بتونس ولولا مجلة الأحوال الشخصية و حل الأوقاف والتطاول على الدين، لما كان لنا عذر كإسلاميين أن نثور في وجهه فكيف نقبل بمجلة الأحوال الشخصية بعد أن اعتبرناها كفرا بواحا؟

 

وتنتابني نفس الخواطر و التساؤلات عندما أرى الأخ علي العريّـض في حواره مع الطاهر بن حسين يخشى من كلمة الدولة الإسلامية ويتحدث عن الحرية والديموقراطية ويقول له محاوره أن الإسلام هو أظلم حكم عرفه التاريخ البشري فيقول له: « هذا رأيك ولك ذلك ». فأتساءل أفي يقطة أنا أم في كابوس؟ و لكن تذهب عني الحيرة وتبدأ الأمور تتوضح عندي عندما أتذكر قول الشيخ راشد الغنوشي عندما قابلته صحبةَ بعض الإخوة منذ أكثر من سنتين ، و كنا نحدثه عن الإسلام في تونس قال لي: « لماذا تنصّبون أنفسكم مدافعين عن الإسلام؟ للإسلام ربٌ يحميه، إنما نحن جماعة سلطت علينا مظلمة نريد أن نرفع المظلمة عن أنغسنا. »

يا الله، و هل سُلِّطت علينا هذه المظلمة إلا لأننا قمنا في وجه حاكم رأيناه عدوا للإسلام فأردنا نصرة ديننا؟

فهل ما أسـمعه هنا, إضافة إلى ما جاء في بيان 8 مارس هو ما سُجن من أجله نجيب اللواتي و عبد السلام الخمّاري و مراد الحنّاشي و عبد الله المسعودي و غيرهم ممن لا تجرأ قيادة النهضة على ذكرهم.

و هل هذا ما اُخرج من بلادهم في سبيله رضا التونسي و عبد الحميد العداسي و رضا الباروني و منصور الزريبي و غيرهم؟ و استشهد من أجله الرائد المنصوري رحمه الله؟

 

إذا كانت المصلحة السياسية في تقدير البعض تقتضي أن نقدم تنازلات في ديننا لأعدائنا في العقيدة, ألا تقتضي المصلحة الشرعية و الوطنية أن نقدم تنازلات سياسية في سبيل المصالحة التي فيها خير للجميع إلا أعداءنا في العقيدة؟

 

و أفكر أحيانا باتخاذ القرار بالانفصال عن هذه الحركة، و لكن لماذا و أنا لم أبدّل ولم أغيّـر كل ما في الأمر أنني أريد أن يتصالح الإسلاميّون مع وطنهم حتى و إن تنازلوا عن الصفة السياسية للحركة؟ أليس الأولى بالإنسحاب هذه القيادات الفاشلة التي ساقت الحركة من مواجهة إلى مواجهة ثم قبلت بأن تتخلى عن الصغة الإسلامية و لا تتخلى عن الصفة السياسية؟

 

وفي الختام أقول أنني تتبعت كتابات الذين يعارضون مبدأ المصالحة فلم أجدهم قدموا أي مبرّر موضوعي لرأيهم وأنهم  لم يقارعوا الرّأي بالرّأي والحُجّة بالحُجّة  ولكن ردّوا على الرأي باتهام النوايا و التخوين كما فعلوا من قبل ردّا على الأخ لزهر عبعاب ورفاقه وهذا ليس نهج الصالحين ولا نهج العقلاء.

أما الذين يتخفون وراء أسماء مستعارة بدعوى الخوف من بطش النظام التونسي ويدّعون النضال والصمود فإني أقول لهم أن المناضل الصامد لا يفر من وجه خصمه, وأنتم قد فررتم منذ سنين كما أن المناضل الصامد لا يكون جبانا ويتخفى وراء إسم مستعار, فشيئا من الحياء يرحمكم الله.

 

كتبه رضا التونسي من الدنمارك.


بسم الله الرحمن الرحيم

هدية إلى حمزة

د. محمد الهاشمي الحامدي
هذا حمزة يدخل حلبة المناقشة حول الوفاق والصلح بين السلطة والإسلاميين في تونس، ويصف من يخالفه الرأي بفاقد الوعي. وبالإستكبار. وبالخضوع لأهواء النفس. غفر الله لي ولك ولقراء هذه المقالة: أما كان يسعك أن تعرض حجتك من دون التجريح في الآخرين؟
لنفترض ان الحق كله معك، ألا يجعلك ذلك في مقام من يحاول هداية الآخرين لما عنده من الحق، فيكسب قبولهم بالجواب الجميل والكلمة الطيبة؟ وقد قرأت ما نقلته عن الراغب الإصفهاني « إن الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل أو ارتكاب محظور و لا يكون منه تلفت بوجه إلى الحق يورثه ذلك هيئة تمرّنه على استحسان المعاصي و كأنما يختم بذلك على قلبه ». فما هو المحظور أو  الباطل الذي يدعو إليه « فاقد الوعي المستكبر الخاضع لأهواء النفس »؟
هل الدعوة إلى مصالحة بين السلطة والتيارات الإسلامية المعتدلة في تونس محظور أو معصية؟ أما كان يسعك أن ترد الدعوة أو تفندها بعبارة مهذبة، ملتمسا لمخالفيك الرأي عذرا؟ ثم أليس الأفضل لي ولك وللمؤمنين كافة أن نترك أمر ما في القلوب إلى مقلّب القلوب، خالقنا الذي يعلم وحده خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟
ويتهم حمزة مخالفه في الرأي، « فاقد الوعي المستكبر الخاضع لأهواء النفس »، « بالعجب » الذي يتطور إلى  « ضرب من التكبر فيترفع عما يرشد إلى الصواب و يساعد على التقريب و التسديد فيقع في احتقار الناس و استبلاههم و استغفالهم و يستفحل منزع الاستكبار و الافتتان بالذات و الاستعلاء و إن أنكر صاحبنا الفاقد للوعي ذلك ». غفر الله لي ولك ولقراء هذه المقالة. أين وجدت هذا فيما كتبته؟ وأنا أرد على صاحب الإسم الصحيح وصاحب الإسم المستعار بالتقدير والتبجيل، وأؤكد مرة بعد مرة أن اختلافهم في الرأي معي لا ينقص من وطنيتهم ولا تدينهم، وأنني أطلب من الجميع احترام حق الإختلاف.
افهمني يا عزيزي يا حمزة: ليس بيننا خلاف على تركة إرث أو عقار أو شركة تصدير وتوريد. خلاصة الموضوع أني كتبت مقالة أدعو فيها لتصحيح الخلل التاريخي في علاقة السلطة التونسية بالإسلاميين المعتدلين والتوصل لمصالحة شاملة بين الطرفين. وقد كتبت عن هذا من قبل. وأنوي الكتابة عنه في المستقبل إن شاء الله. وهناك آخرون لم يعجبهم رأيي، لسبب أو لأكثر من سبب فكتبوا معارضين. وأؤكد مرة أخرى أنني أحترم حقهم في الإختلاف، وكل ما أطلبه من الجميع هو تجنب التجريح الشخصي وتخوين المخالف أو التشكيك في دينه ووطنيته.
عزيزي حمزة: عندي وجهة نظر أطرحها دون تكبر أو تعال على أحد من الناس. وأقول لك إنني مجتهد في رأيي، آمل أن أكون مصيبا، وقد أكون مخطئا. وأسمع وجهة النظر المخالفة وأحترم أصحابها. وكل ما أطلبه منك هو المعاملة بالمثل. لا أطلب منك شيئا آخر. فإن زدت عبارة من عبارات الإحترام والتقدير فذلك فضل منك، بارك الله فيك ورعاك، ووفقني وإياك وقراء هذه المقالة لكل خير.
* * * الهدية * * *
أما هديتي إليك، فمواقف مختصرة لخاتم الأنبياء والمرسلين مع عدد من خصومه ومعارضيه، وقعت بعد تحرير مكة المكرمة، ومنها موقف عجيب له مع امرأة جاءت تبايعه متنكرة، وفي سجلها العجيب أنها مثلت بجثة عم الرسول صلى الله عليه وسلم، حمزة سيد الشهداء، ولاكت كبده.
اسمع مني رضي الله عنك ما كتبته عن هذه المواقف في كتابي « محمد صلى الله عليه وسلم للقرية العالمية »:
كان صفوان بن أمية زعيما من زعماء قريش وواحدا من هؤلاء الذين بنوا لأنفسهم مجدا وسلطانا وسيادة في قريش من ثقافة الشرك والطغيان. فلما كان تحرير مكة خرج صفوان الى جدة يريد أن يركب منها الى اليمن فارا من سلطة الإسلام. فجاء عمير بن وهب، من صحابة النبي، الى النبي يحدثه بأمر صفوان ويطلب له الأمان. قال النبي: هو آمن. قال عمير: يا رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة.
وأسرع عمير يقتفي طريق صفوان فوصل اليه قبل أن يبحر الى اليمن، وناداه: يا صفوان، فداك أبي وأمي، الله الله في نفسك أن تهلكها، فهذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به. ولكن الزعيم القرشي الذي استكمل اجراءات الهروب يظن أمان نبي الإسلام مثل وعود كثير من قادة ذلك العصر غير الموثوقين، لذلك لا يهتم كثيرا بما يسمع من عمير ويطلب منه أن ينصرف. لكن صاحبه الذي جاءه بالأمان يعرف أن من أعطى الأمان أهل للثقة من الناس في عصره ومن الناس في كل عصر بعده. لذلك هتف لصفوان من جديد بحرص وإلحاح: أي صفوان، فداك أبي وأمي، أفضل الناس (يعني النبي صلى الله عليه وسلم)، وأبر الناس، وأحلم الناس، وخير الناس، أبن عمك، عزه عزك، وشرفه شرفك، وملكه ملكك. قال صفوان: إني أخافه على نفسي. قال عمير: هو أحلم من ذاك وأكرم.
وما كان عمير كاذبا قط. وقد نجح في إقناع صفوان وعاد به حتى وصل عند النبي، فقال صفوان ومازال بنفسه شك وكبر وتردد: إن هذا يزعم أنك قد أمنتني. قال: صدق. قال: فاجعلني فيه بالخيار شهرين. قال النبي: أنت بالخيار فيه أربعة أشهر. وأسلم صفوان بعد ذلك، كما أسلم عكرمة أبن أبي جهل، وكان قد فر الى اليمن فتحدثت زوجته مع النبي صلى الله عليه وسلم وحصلت منه على الأمان لزوجها، فلما بلغه الخبر عاد وأسلم وأصبح لاحقا من القادة المسلمين البارزين.
وأسلم أيضا فضالة ابن عمير الليثي، وهو كان خطط لقتل النبي في مكة أثناء طوافه بالكعبة. وفي اللحظات التي كان يتربص فيها بالنبي يريد اغتياله، قال له النبي:
 
أفضالة؟ قال: نعم فضالة يا رسول الله. قال: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لا شيء. كنت أذكر الله. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: استغفر الله. ووضع النبي يده على صدر فضالة فوجد في نفسه السكينة وروى بعد ذلك عن تلك اللحظات قائلا: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب الي منه.
وأسلمت أم حكيم بنت الحارث ابن هشام، وفاختة بنت الوليد زوجة صفوان أبن امية، وأم حكيم زوجة عكرمة ابن أبي جهل وهي التي حصلت له على الأمان من عند النبي، كما أسلمت أم هانئ بنت أبي طالب، وهي استأمنت مرة لرجلين من أقارب زوجها من قبيلة بني مخزوم وأخبرت النبي بذلك فقبل جوارها وأعطى الأمان لمن أمنت.
وأسلم أكثر أهل مكة ودخلوا في دين الله أفواجا، وجاؤوا عند جبل الصفا يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما استطاعوا، وجاءت النساء أيضا فبايعن النبي على ترك الشرك والمعاصي. وكان من بين من بايع من النساء إمرأة متنكرة لكن النبي صلى الله عليه وسلم عرفها وسألها: وإنك لهند، قالت: نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك. وعفا النبي عن المرأة التي مثلت بجثة عمه ولاكت كبده.


ما هي حقيقة الأزمة التي تعيشها الرابطة ؟

 بقلم صالح الزغيدي

 عضو الهيئة المديرة

 

 

كثر الحديث والجدل حول الأوضاع التي تشهدها رابطة حقوق الإنسان والتطورات التي تلاحقت طوال الأشهر الماضية بل يمكن القول  للقرب  من الصواب طوال الفترة الممتدة منذ انعقاد المؤتمر الوطني الخامس في أواخر أكتوبر من سنة 2000..

 

كثر الحديث والجدل في عدد من الصحف الرسمية أو الموالية للسلطة في مناخ تميزه الغرابة ،باعتبار أن هذا الجدل شاركت فيه عدة أقلام وعدة أطراف تحدث كل طرف عن قراءته لوضع الرابطة وقدم تقييمه لتوجهات الهيئة المديرة الحالية وقراراتها و »أخطاءها »و »انحرافاتها » الخ…كل ذلك في تغييب كامل لطرف نعتقد أن الجميع يقر أنه طرف أساسي في هذه الإشكالية ،ألا وهي الهيئة المديرة للرابطة التي  ارتأى المتنفذون في الصحف المذكورة حرمانها حتى من حق الدفاع عن نفسها وإسماع صوتها…هذا الأمر الغريب- وقد كاد يصبح طبيعيا في ربوعنا- والذي نستطيع اختزاله في رفض الرأي المخالف ، يمكن في حقيقة الأمر اعتباره « أصل الداء »للعديد من الأوضاع غير الطبيعية وللعديد من الأزمات،بما فيها أزمة الرابطة..

 

لكن ،لنبدأ من البداية..

 

في الحقيقة يصعب اختزال ما حدث في الأشهر الأخيرة في حياة الرابطة والمشاكل العديدة التي تعرضت لها…لكن لنقل أولا أنه احتراما للحقيقة وللرأي العام ،لا يمكن لعاقل أن يختزل أزمة الرابطة في وضعية 4 أو 5 فروع( من جملة 41 في الأصل) وما آل إليه دمج هذه الفروع مع فروع أخرى من احتجاجات وانتقادات يمكن اعتبارها في حد ذاتها طبيعية في أية منظمة ديمقراطية….من العاقل الذي يمكن أن يتصور أن مسألة فرعية مثل هذه هي التي من أجلها قامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن ؟ من يمكن أن يصدق أن تعبئة العديد من أجهزة الدولة ،الإعلامية والقضائية والأمنية وحتى الدبلوماسية ،كانت من أجل بضعة مقاعد على رأس بعض فروع الرابطة وفي مجلسها الوطني ومؤتمرها الوطني ؟ ماذا لو قبلت الهيئة المديرة أن تتنازل وتهب  هذه الفروع المعنية هكذا من منطلق « وفاقي » إلى المجموعة التي تطالب بها ؟ أليس من الغباء في هذه الفرضية الاعتقاد ولو لثانية واحدة أن أزمة الرابطة ستنجلي  وان الأمور ستصبح على ما يرام بعد انقشاع سحب تسبب فيها عراك بسيط حول مآل 4 أو5 فروع ؟ انه من

الأولى بنا أن نكون جديين.فالأزمة الحقيقية (وبقطع النظر عن أدائنا كهيئة مديرة وهو قابل للنقاش والنقد ،وهو ما يحدث حتى داخل الهيئة المديرة نفسها) هي إعادة  لازمات سابقة تخللت مسيرة الرابطة بهيئاتها المديرة المتتالية بما فيها التي ضمت في صفوفها أعضاء ينتمون للحزب الحاكم..وقد تمحورت كلها حول موضوع جوهري يمثل لب المشكلة ،ألا وهو موضوع العلاقة بين السلطة والرابطة..فالتأزم أصبح دوريا ومتجددا لأنه مرتبط بصفة مباشرة بعنصر هيكلي أساسي يميز أنموذج النظام السياسي في بلادنا ،يتمثل في عدم قبول السلطة لأية منظمة ( حتى وان كانت للدفاع عن حقوق العصافير وليس عن حقوق الإنسان..) تتمسك باستقلاليتها وترفض بصفة قطعية أن تكون موالية للسلطة..فالأزمة التي تشهدها الرابطة اليوم هي من نفس الطبيعة…

 

ولا بد هنا من  توضيح . فقد أصبحت الاستقلالية شعارا متداولا لدى الجميع ،لكن القضية تكمن في التطابق بين الشعار والسياسة  التي  تمارس فعلا..إن ما  يعرفه  الجميع  من  تاريخ  عديد  المنظمات والجمعيات بما في ذلك واقعها الحالي يؤكد لكل متابع موضوعي ديمومة ممارسة مشابهة تجاهها تمثلت في المحاولات المتعددة والمتنوعة لضربها بصفة مباشرة أو لاختراقها من داخلها من أجل الضغط عليها وحملها على الاصطفاف أو الاكتفاء بلعب دور معين في حدود تضبط لها..وأنا كنقابي لا يمكن أن أنسى ما حدث لاتحاد الشغل عبر من سميناهم « المنصبون  » سنة 1978 و »الشرفاء » سنة 1983 وما بعدها.. ممارسات مثل هذه متكررة عبر السنين تعني  بكل  بساطة  أن  من يقف وراءها ومن يقبل أن يكون أداة لها لا يؤمن ولو مثقال ذرة باستقلالية المنظمات والجمعيات ،حتى لو أتى بالفصاحة  كلها  ليردد  شعار الاستقلالية ألف مرة…

 

ثم لا بد ،والحديث  يتناول رابطة  حقوق الإنسان والأزمة  التي  تعيشها، من  إثارة  موضوع  هذا الإجماع الملفت للانتباه والذي  يجعل الجميع  يؤكد على  أن الرابطة  « تمثل مكسبا وطنيا ينبغي الحفاظ عليه »..الحقيقة أنه من الجميل جدا أن  يحصل هذا الإجماع على المكانة الخاصة التي تحتلها الرابطة في ساحتنا الوطنية إلى درجة أن كل من هب ودب يعبر عن احتضانه للرابطة » كجزء لا يتجزأ من المكاسب الوطنية »…واني أعتقد في هذا الصدد ،حتى وان  صح القول أن الأعمال  بالنيات ،ان المواقف  الحقيقية إنما هي التي تمارس على الميدان…صحيح أن العديد من الأطراف أكدت  في عديد المناسبات  أنها تعتبر الرابطة مكسبا وطنيا ينبغي  المحافظة  عليه و حمايته..لكن هل ما  يجري على الميدان ،و منذ  سنوات عديدة،  يتماشى  مع  هذه « النوايا الطيبة » ؟  أعتقد  بكل صراحة أن الأمر يحمل في طياته سوء تفاهم كبيرا…فالرابطة لا يمكن أن تكون مكسبا وطنيا هاما بمجرد وجودها  كهيكل  قانوني  معترف  به  يعمل الجميع على المحافظة عليه وكأنه معلم تاريخي ثمين..رابطة حقوق الإنسان التونسية نشأت وترعرعت وتطورت بصفتها  منظمة  حقوقية  غير حكومية  مستقلة بالضرورة ،وذات بعد ديمقراطي وتقدمي ،ولا يمكن اعتبارها مكسبا وطنيا إلا بصفتها تلك وبشرط  أن تؤدي المهام التي  تمثل سبب وجودها و تتلخص في الدفاع عن حقوق الإنسان وهو ما يعني ،ضرورة وليس اختيارا ،رصد ونقد الانتهاكات التي تحدث في هذا المجال ، وكذلك  نشر مبادئ وقيم حقوق الإنسان في المجتمع حتى تساهم ، من  موقعها، في  دحض وتهميش  قيم  التخلف  و الردة الحضارية  التي  تتناقض  مع  مبادئ  الحرية  و المساواة  و العدالة والحداثة..المكسب الوطني إذن هو رابطة على هذا النحو وليس رابطة موالية و مدجنة  يكون  وجودها صوريا وموظفا لخدمة السلطة ،وفي هذه الحالة ،على أي مكسب وطني تتحدثون ؟

 

ودعني الآن آتي إلى قضية  من أكثر القضايا التي  أعتبر إثارتها أمرا شرعيا بالنسبة  لكل من يريد طرح  التساؤلات  الحقيقية التي  ترتبط بصفة  جدية  بحاضر الرابطة  و بمستقبلها و أقصد بذلك ما يعيبه البعض على الرابطة من » تسيس  » مفرط  يجعلها  تنحرف  عن  مسارها  وحتى عن طبيعتها..

لكنني أود في  هذا  الصدد  أن  أسوق  ملاحظة  أولية ، وهي أني شخصيا  أكون  حقا  مغتبطا  لو يتوجه هذا النقد إلى كل المنظمات والجمعيات غير السياسية التي  يقع  تسييسها . فالعديد  من  الجمعيات  عندنا مسيسة أيما تسييس بل البعض منها مجرد أداة سياسية وفي اتجاه معين….

لكن لنعد لموضوع « تسييس  » الرابطة ،ونتكلم بكل صراحة وبكل وضوح…نحن نتحدث عن رابطة تهتم بعديد المجالات في مختلف أوجه حقوق الإنسان، ومنها قضايا مرتبطة بالحقوق المدنية  والسياسية  مثل الدفاع عن حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الاجتماع الخ.. وتهتم  كذلك  بالانتخابات وضرورة ضمان نزاهتها واحترام إرادة  الناخبين والناخبات  في اختيار  من  يمثلهم و يحكمهم،  وذلك اعتمادا على ما ورد في الفصل 25 من العقد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي صادقت عليه بلادنا والتزمت باحترامه..وكل هذه الحقوق لها ارتباط مباشر بالحقل  السياسي  و بأداء السلطة  في هذا الحقل بالذات..والرابطة مطالبة بالقيام بدورها في هذا المجال مثل قيامها بدورها في مجالات أخرى أقل ارتباطا بالحقل السياسي..الإشكال ،من هذه الزاوية ، يتمثل  في  أن  السلطة  لا  تتحمل  أن  تتحدث الرابطة عن الانتهاكات ،وهي مع الأسف عديدة، في ميدان حرية الرأي وحرية التعبير وحق التنظم أو في مستوى ما يجري في حقل  الانتخابات في  ربوعنا …فما العمل  لتفادي  ما  يسمى  بالتسييس المفرط ؟ هل يتصور البعض أن الرابطة يمكن أن تتخلى عن  دورها  في  مجال  حقوق  الإنسان  المرتبطة  بالحقلين  المدني والسياسي حتى تبتعد عن تهمة « التسييس المفرط » ؟

وبالرغم من كل هذا ، فمن الضروري أن يبقى الرابطيون ، وعلى رأسهم الهيئة المديرة ،يقظين تجاه كل محاولة  لتوظيف  الرابطة  لخدمة  أهداف  ليست أهدافها واستراتيجيات  سياسية  لا ناقة فيها ولا جمل..

فالمناخ السياسي الذي يؤسس له نظام الحزب الواحد والذي من سماته الأساسية رفض التعددية الفكرية والسياسية الفعلية  والتصدي  لها  يجعل  من  المنظمات  و الجمعيات مقصدا استراتيجيا  لكل السياسيين الممنوعين والمحظورين والمقموعين،أفرادا ومجموعات وأحزابا، وهو ما  يجعل  هذه  الجمعيات  تعيش حالة  ضغط  مستمرة  تتطلب  منها  يقظة  دائمة  لتفادي التوظيف…

   

 أما ووضعية الرابطة على ما هي عليه ،فهل  من  مخرج  مشرف  يمكن الرابطة  من الخروج من أهم ما يميز  هذه  الوضعية  ، ألا  وهو  محاصرتها  و غلق  مقرات  فروعها ( مما جعل مجرد عقد اجتماعات للمنخرطين مستحيلا وذلك منذ أشهر عديدة) وفي النهاية تجميد يكاد يكون كاملا لأنشطتها ؟

        فهل أغلقت كل الأبواب ؟ وهل استحال كل انفراج ؟

إنني شخصيا متفائل بطبعي ولا أؤمن أن الأبواب المغلقة محكوم عليها أن تبقى كذلك..أنظر إلى ما يحدث في العالم ..هناك تطورات ايجابية حصلت في عدد من المناطق والبلدان لم تكن منتظرة…

دعني أذكر  أن  الرابطة  هي الجمعية  الوحيدة  التي  تتواجد  فيها ، منذ نشأتها عن 30 سنة خلت ،كافة الحساسيات الفكرية والسياسية..وهذا في حد ذاته مكسب كبير يجعل من الرابطة  مدرسة  دائمة  للتعايش

وإدارة الاختلافات على أساس البحث الدائم عن الوفاق..ودعني أضيف عنصرا  يجهله  البعض  ويتناساه الكثيرون وهو أن أغلبية إطارات الرابطة ومناضليها هم من المستقلين تنظيميا لا  ينتمون  إلى  أي حزب سياسي ،قانونيا كان أم غير قانوني  ،في السلطة كان أم في المعارضة..و هذا العنصر أساسي  لأنه  هو الذي يمثل الحصن الحصين ضد كل محاولات الاحتواء من طرف هذا الحزب أو ذاك…

 

أن كافة التساؤلات التي تطرح نفسها فيما يخص توجهات الرابطة وتموقعها بالنسبة لمحيطها السياسي والمدني وإستراتيجية عملها وتصورها  لعلاقاتها  بالخارج ، كل هذه القضايا  هي  من  صلب  اهتمامات الهيئة المديرة وهياكل الرابطة عموما…إنني لا أذيع سرا إذا قلت أن كل هذه القضايا الجوهرية وردت في إحدى الوثائق التحضيرية التي كان من المقرر أن تعرض على المؤتمر الوطني السادس للمصادقة عليها لو لم تمنع السلطة انعقاده أيام 9  و 10  و11  سبتمبر 2005 ..ورد في الوثيقة ما يلي .

++ » ان الرابطة بحكم طبيعتها لم ولن تعتبر نفسها خصما سياسيا للسلطة ولكنها متمسكة بأداء دورها في التصدي لكل التجاوزات…..

++ » وفي نفس الإطار ،لا تعتبر الرابطة نفسها حليفا سياسيا للسلطة مهما كان الأمر رغم أنها لا تتردد في تثمين القرارات والأعمال التي تعتبر ايجابية من زاوية حقوق الإنسان….

++ »تعتبر الرابطة  أن مبدأ الحوار مع السلطة خيار ثابت وأساسي  في عملها..ولذلك  فان نجاح قيادة الرابطة في إقامة حوار مؤسساتي  مع  السلطة يبقى  تحديا دائما لها من المفروض أن تتعامل معه بكل حكمة ورصانة وباعتماد الوسائل الناجعة….

++ »إن الرابطة  تتمسك بمبدأ رفض الإقصاء لأي طرف رابطي  وهي مصرة على التمسك  بإقامة علاقات احترام  مع  الجميع  بقدر حرصها على استقلالية قرارها غير القابلة  للارتهان من أي طرف كان ،حاكما أو معارضا…

++ »أما عن العلاقة  بالهيئات الحكومية  والبعثات  الدبلوماسية ،فان الأمر يتطلب  من الرابطيين تحديد منهج واضح لا لبس فيه يتمثل في اقتصار هذه العلاقات على الجانب البروتوكولي بعيدا عن كل ما يفهم منه صلات خاصة بحكومات أجنبية. ..ان الرابطيين معنيون  مثل  غيرهم باستقلال  القرار الوطني ويقدرون التضحيات التي قدمتها الأجيال السابقة من أجل تحقيق استقلال البلاد، وهم يغيرون عن سمعة بلادهم ومصالحها العليا و لذلك فهم يتحملون مسؤولياتهم كاملة  في أداء  دورهم مع  تمسكهم  باليقظة

 

التامة  تجاه المواقف الرسمية  للحكومات الأجنبية والخاضعة بطبيعة الحال إلى تقدير لمصالح  دولهم الخاصة………… »

 

أنتهي هنا وأطرح سؤالا بسيطا = هل هناك أفضل وأكثر وضوحا من هذه المبادئ والثوابت ؟؟

إن كل من يريد الخير لهذه البلاد التي أحببناها وعملنا لفائدتها ،وكل من يريد لهذه البلاد رابطة مستقلة تعددية ،ديمقراطية ،تقدمية حتى النخاع تنشر ثقافة النور والحداثة والمساواة والمواطنة ، لا  يمكن  أن يرفض هذه المبادئ والثوابت ، ولا  يمكن  أن  يتصدى  للرابطة  التي  تحملها….

و إلا ، فعلى  الدنيا  السلام ……                                                           

   

                                                                                                      صالح الزغيدي  

                                                                                                 

                                                                                                 عضو الهيئة المديرة       


رسالة مفتوحة إلى السيد عبد السلام جراد

……واذا النقابية سئلت

جمال العرفاوي أولا أود إن اعتذر علنا  إلى زوجتي المحترمة التي أوهمتها بعد إن توهمت شخصيا  إنه مازال  لدى القيادة النقابية في ساحة محمد علي شيئا من الاحترام للمرأة العاملة والمنتمية للحقل النقابي حتى وان كانت في صفوف القاعديين من اللواتي لا يهددن المواقع التي باتت تحتاج إلى طلاء التيفال حتى لا يلتصق بها من وقع عليها من المسؤولين على الدوام ,
لقد أقنعت زوجتي التي تعمل اطارا بالبنك الوطني الفلاحي بان تسارع إلى تقديم شكوى إلى الاتحاد العام التونسي للشغل بعد إن تعرضت إلى اعتداء لفظي وتهديد صريح  من قبل احد اعضاء النقابة الأساسية وبحضور الكاتب العام الذي هو في ذات الوقت عضو بجامعة البنوك والمالية, اتعرف ماذا قال لها ياسيادة الامين العام ومن معه من مسؤولين بالنظام الداخلي  انت تعرف جيدا ما قال لها وذلك عبر رسالة مسجلة بمكتب الضبط التابع لك وكذلك السيد علي رمضان يعلم ايضا ولكن ساعيد عليك ماحدث حتى يكون الراي العام الوطني مطلع على ماجرى لقد قال لها هذا المسؤول النقابي  حرفا على حرف # سأمحيك وساضرك #و الاخطر من هذا كله قال لها # انا منحكيش مع النساء # هذا الكلام لم يصدر عن وزير الدفاع او الداخلية بل من من يعتبر نفسه مسؤولا نقابيا * والحمد لله إن مثل هؤلاء لا يمتلكون مفاتيح السجون او جيوشا ودبابات ,
السيد الأمين العام انتظرت طول هذا الوقت معتقدا إن التحقيق يجب إن ياخذ مجراه والوقت اللازم ولكن للاسف الشديد لم تحركوا ساكنا وكذلك الامر مع السيد المسؤول على النظام الداخلي الذي كأني به راى في الامر شيئا عاديا ومألوفا  في ساحة محمد علي التي يطلقون فيها على لجنة المراة العاملة لجنة# المراة الهاملة # اعرف جيدا إنه لولا ضيق الوقت  لبعثتم برسالة شكر لهذا النقابي # اللي يضر # رسالة شكر على تطبيقه بكل جد واخلاص للسياسة المنتهجة في حق النساء داخل الساحة النقابية ’
اعترف اني كنت مجانبا للصواب حين طالبت زوجتي باللجوء لمؤسسات الاتحاد  لطرح قضيتها ولكنه فاتني إن  القيادة منشغلة دوما # بالدفاع # عن القضايا الانسانية والقومية وتحرير فلسطين والعراق ودارفور والسودان وجنوب لبنان  والجولان ومساندة هوغو شافيز وفيديل كاسترو وكل المقاتلين والثوريين الاموات منهم والاحياء  ,اما الالتفات مجرد الالتفات  لقضاياالمنخرطين وخاصة من النساء فانها مضيعة للوقت وتفاصيل لا تحتاج أي اهتمام , تنويه  عريضة الشكوى وصلت إلى مكتب الأمين العام عبر مكتب الضبط يوم 16 فيفري 2006 وكذلك الامر مع السيد علي بن رمضان  ومنصف اليعقوبي والمنصف الزاهي , أي في الوقت الذي بدات فيه الاستعدادات للاحتفال بيوم المراة العالمي , وبامكانكم إن تتخيلوا الخطب التي القيت يومها حول تحرير المراة والدعوة الي الرفع من شانها والتاكيد على دورها في الاسرة والمجتمع وانها نصف …… في المجتمع النقابي , ولنا عودة لهذا الموضوع ولمواضيع اخرى ,  


الأخطبوط: الإرهاب أم الاستبداد؟

(تعليقا على مقالة آمال موسى: المغاربيون والأخطبوط)

جمـال عبد الرحمان* في مقالة للكاتبة التونسية آمال موسى بعنوان  » المغاربيون والأخطبوط صادرة في صحيفة « الشرق الأوسط » يوم 16 أفريل 2007 بدت العمليات الإرهابية التي نفذتها عناصر محسوبة على تنظيم القاعدة في الأقطار المغاربية(تونس/ المغرب/ الجزائر) بمثابة الإخطبوط الذي « كان يلزم من أنظمة المنطقة استعدادا أكثر حكمة ووقاية » لمواجهته. كما بدا الإرهاب في الرقعة المغاربية ظاهرة ذات أهداف سياسية ومجتمعية خطيرة وهي لذلك تدعو إلى تعميق الوعي المدني لدى المجتمعات المغاربية وإقحام النُخب في المعركة الثقافية لتتحقق عزلة الإرهابيين بشكل تام.
قد تبدو الكاتبة مُحقة في اعتبار الإرهاب خطرا لا بد من استئصاله ونحن نشاطرها الرأي فالإرهاب والعمليات التفجيرية الأخيرة لا سند لها من « الناحية الدينية والأخلاقية » مثلما يؤكد على ذلك الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية. لكن لا يبدو أنها قد وفقت في توصيفها لهذه الظاهرة بالأخطبوط وفيما اقترحته من وصفة سحرية لمواجهتها.
 تبدو آمال موسى جاهلة وربما متجاهلة في تشخيصها لظاهرة الإرهاب وخاصة في تقديمها للوصفة السحرية لاستئصالها. فالكاتبة التي تناولت أزمة الجزائر بإسهاب حصرت المشكلة في ما قام به الأصوليون والحال أن شرارة الأزمة الجزائرية كانت ورائها الدولة بأجهزتها الأمنية والعسكرية ونخبها اليسارية والعلمانية التي لم ترضى بما أفرزته اللعبة الديمقراطية من تفوق للإسلاميين. لقد تورط الجميع في المحنة الجزائرية ولعل هذا ما يبرر الجهود الكبيرة المبذولة اليوم للمصالحة الوطنية في الجزائر بهدف تجاوز المحنة وفي ذلك إعترافا بالمسؤولية المشتركة وراء تفجر تلك الأحداث المأساوية. أما بالنسبة للعمليات الإرهابية التي شهدتها تونس والمغرب والجزائر في الفترة الأخيرة والتي جعلت بلاد  » المغرب العربي على كف عفريت » حسب قول الكاتبة ففي توصيفها مبالغة ومغالطة. فهذه العمليات، على رفضنا لها وتنديدنا بها، لا نراها تتخذ المدنيين هدفا بل تظهر مقتصرة على مواجهات مع قوى الأمن أو موجهة لمؤسسات حكومية أو أجنبية أمريكية تحديدا. لذلك هذه العمليات لا ترقى إلى مستوى الظاهرة المهددة للمجتمع ولا تُشكل الخطر الحقيقي المهدد لبلاد المغرب، بل نرى إنها تبعث إشارات واضحة للناس كافة بأن المشكلة سياسية بالأساس وبأن الأنظمة الحاكمة طرفا أساسيا فيها. تبالغ الكاتبة بتصويرها الإرهاب خطرا داهما يهدد مستقبل بلاد المغرب ونراها في هذا مقالتها تصطف وراء الحكومات محرضة على استئصال الحركات الإرهابية أمنيا معبرة بذلك عن سلوك مثقف السلطة الذي يتعامى عن الأسباب الرئيسية للمشكلات القائمة.
 لا شك أن الإرهاب يمثل مشكلا يستدعي المعالجة لكنه لا يرقى إلى درجة الأخطبوط بل إن الأخطبوط يتجسد في الأطر التي أفرزته وأفرزت الكثير من الأزمات العميقة التي تهدد مجتمعاتها: أزمات البطالة والفقر وتدهور التعليم وتفكك الأسرة والانهيار الأخلاقي وانتشار الفساد الإداري والمالي هذا إلى جانب مشاكل أخرى عميقة يعكسها التهاون باستقلال البلد لصالح التدخل الخارجي…. أزمات عديدة وخطيرة تنخر المجتمعات المغاربية والعربية عامة وتشكل خطرا كبيرا يفوق خطر هذه العمليات التفجيرية المعزولة، وهي جميعها تشكل تجليا للأزمة العميقة التي تشهدها المنطقة.كان على الكاتبة أن تتحلى بالموضوعية والعلمية وهي تشرح ظاهرة الإرهاب وتقترح الحلول لمعالجتها. كان عليها أن تنظر لهذه العمليات بوصفها صورة من صور الانحراف الذي يتجلى بأشكال مختلفة في مناحي حياتنا اليومية. كان عليها أن تبحث عن أصل الداء أصل الأزمات أصل الشلل الذي أصاب المجتمعات المغاربية. الكاتبة تعلم جيدا أن الإرهاب وغيره من الانحرافات الخطيرة ما هو إلا إفرازا لأزمة أعمق. كان عليها أن تنظر إلى أصل المشكلات فهو الأخطبوط الحقيقي المهدد للأوطان ومستقبل الشعوب. الأخطبوط لا يمكن أن يكون غير الأنظمة الحاكمة الاستبدادية فهي المسؤولة عن تردي الأوضاع وتعمق الأزمات: فالاستبداد هو مصدر كل الشرور  هو الأخطبوط الذي يفسر فشل السياسات التنموية ويبرر تصاعد الغضب الإجتماعي.إن الأنظمة الإستبدادية (الفردية/ الكليانية) هي التي تتحمل مسؤولية بيع الثروات الوطنية بحجة تحرير الاقتصاد هي المسؤولة عن ضرب الهوية وقيم الفضيلة بحجة محاربة الإرهاب وتجفيف المنابع هي المسؤولة عن نفي وسجن مئات الآلاف من المواطنين لأنهم يخالفونها الرأي وهي المسؤولة عن الإرهاب لأنها سدت كل أبواب الحوار الهادئ مع القوى السياسية والوطنية بمن فيهم الإسلاميين. فالأنظمة الفردية(التي تحولت إلى ملكية) هي رأس الداء وهي سبب الخراب .على الكاتبة آمال موسى أن تعيد النظر في آراء رواد النهضة والإصلاح حتى تتبين الأخطبوط الحقيقي المهدد للشعوب والأوطان والعائق أمام النهضة والتنمية. هذا الأخطبوط هو الاستبداد الذي وصفه عبد الرحمان الكواكبي فقال إنه  » صفة للحكومة المطلقة العنان؛ التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء؛ بلا خشية حساب ولا عقاب) وهذا هو حال حكوماتنا. والمستبدون(الحكام) هم الأخطبوط الحقيقي فهم  » يسترهبون الناس … ويذللونهم بالقهر والقوة وسلب الأموال حتى يجعلونهم خاضعين لهم عاملين لأجلهم، كأنما خلقوا من جملة الأنعام نصيبهم من الحياة ما يقتضيه حفظ النوع فقط). آمال موسى تجانب الحقيقة عندنا تتجاهل أن الإرهاب هو إفراز من إفرازات بيئة الاستبداد والحكم الفردي، والعلاج لهذا المرض لا يكون إلا من خلال علاج أسبابه. لن يزول الإرهاب إلا بإصلاح سياسي حقيقي يوفر الحريات ويُشرك القُوى السياسية الحقيقة في تسيير شؤون البلاد ويزول فيه الحكم الفردي. والكاتبة آمال موسى مدعوة لتكون طرفا فاعلا مع القوى الوطنية المطالبة بالإصلاح السياسي إن كانت فعلا جادة في مقاومة ظاهرة الإرهاب.
*كاتب من تونس


 

الإرهاب في المغرب العربي: التركيز على الظاهر وإهمال للجذور

صلاح الدين الجورشي – تونس يمكن القول بأن الإرهاب أصبح مشكلة إقليمية بالنسبة لدول المغرب العربي وأنه فرض نفسه كخطر آني ومتوسط المدى بالنسبة لجميع دول المنطقة، وإن بنسب متفاوتة. ولهذا، لم يكن مفاجئا دعوة ملك المغرب محمد السادس إلى تأسيس « جبهة مغاربية ضد الإرهاب »، لكن السؤال الذي يطرحه كثيرون: هل الحكومات جزء من المشكلة أم أنها خارج المعادلة؟  تعتبر جماعات العنف السياسي في دول المغرب العربي، ظاهرة سابقة لنشأة تنظيم القاعدة، وقد ظهرت بشكل حادّ على إثر استلام الجيش في الجزائر السلطة وإلغاء نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، التي كشفت عن تقدم ملحوظ لصالح « الجبهة الإسلامية للإنقاذ ». عندها، تأسس جناح مسلح للجبهة وبدأ بعض الراديكاليين يستفيدون من خبرات وإمكانيات العائدين من « المدرسة الأفغانية ». مع ذلك، بقيت الجماعات الجزائرية مستقلة في قياداتها وتحركاتها وتسمياتها، لكن مع نجاح النظام الجزائري في استعادة المبادرة وإضعاف خصومه، سواء من خلال تحقيق انتصارات عسكرية ميدانية أو بفضل سياسة المصالحة والمناورة السياسية، قررت « الجماعة السلفية للدعوة والقتال »، بعد أن بقيت بمفردها في ساحة العمل المسلح داخل الجزائر، مراجعة إستراتيجيتها وتكتيكها، وذلك بتكثيف عملياتها وتغيير اسمها، حيث أصبحت تكنّـى منذ سبتمبر 2006 بـ « جماعة تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي »، في إشارة واضحة إلى تحالفها التام والوثيق مع تنظيم القاعدة العالمي.  نجاح القاعدة في اختراق الأوساط المغاربية في الأثناء، أخذت دول أخرى في المغرب العربي تشهد بدورها ميلاد خلايا يتبنى أصحابها أسلوب العمل المسلح، سواء بمبادرة منهم أو بتشجيع أو برعاية من عناصر لها صلة بالقاعدة. حصل ذلك أولا في ليبيا مع « الجماعة السلفية للجهاد الليبية »، التي ولدت من رحم الصراع الدموي الطويل الذي استمر أكثر من 35 عاما بين نظام العقيد القذافي ومختلف الحركات الإسلامية وفي مقدمتها « الإخوان المسلمون » و »حزب التحرير الإسلامي »، ثم جبهة الإنقاذ ». وقد شكلت الجماعة السلفية معضلة بالنسبة للنظام، خاصة بسبب انتماء عدد من أعضائها إلى قبائل كبرى وأساسية في ليبيا، إضافة إلى جنوحها مند البداية إلى رفع السلاح في وجه النظام. ثم حصلت المفاجأة الثانية في المغرب، عندما فجر عشرة أشخاص أنفسهم في أحد فنادق الدار البيضاء عام 2003، وقد رجّ ذلك المغاربة والمراقبين لحالة المغرب، لأن الأسلوب غير مسبوق، حيث لم تعرف الحركات الإسلامية المغربية بميلها للعنف، بما في ذلك « جماعة العدل والإحسان » بقيادة الشيخ عبد السلام ياسين. لكن، اتضح فيما بعد أن نجاح « القاعدة » في اختراق أوساط الجاليات الإسلامية، وخاصة من أصول مغربية ومغاربية، قد كان له الأثر الفاعل في تأسيس خلايا تابعة داخل المملكة، ثم انتقلت العدوى إلى داخل موريتانيا، حيث تم استغلال أجواء الانغلاق السياسي في عهد الرئيس معاوية لترويج الفكر التكفيري الداعي إلى الخروج المسلح على نظام الحكم، وبدا واضحا التنسيق الذي حصل بين الطرفين، الجزائري والموريتاني، لتنفيذ ذلك الهجوم على موقع عسكري حدودي داخل موريتانيا. أما المفاجأة الأخيرة والمدويّـة، فقد حصلت في تونس، عندما تم اكتشاف مجموعة مسلحة تمركزت في الضاحية الجنوبية بالعاصمة التونسية وأدارت أكثر من معركة شرسة مع قوات الجيش والشرطة. وبالرغم من التكتم الرسمي المتواصل حول عديد المعطيات الخاصة بتلك الأحداث التي شهدت البلاد في الفترة الفاصلة بين 23 ديسمبر و8 يناير، إلا أن تأثر العناصر الرئيسية في هذه المجموعة بنموذج « السلفية الجهادية » بدا واضحا ومؤكدا. سواء وُجِـد تنسيق مباشر ووثيق بين هذه الجماعات والخلايا المحلية أم لا، فالمؤكّـد أنها تستفيد من الأجواء التي أصبحت مُـهيمنة على منطقة المغرب والعالم العربي.  الموت.. خيار سهل فالمعلوم أن تنظيم القاعدة ليس هرميا في هيكليته وتتمتع خلاياه النائمة والمستيقظة أو الجماعات المرتبطة به بكل استقلالية في القرار والتخطيط والتنفيذ. فتنظيم القاعدة ليس حزبا بالمفهوم التقليدي، وإنما رؤية عامة لطبيعة الصراع وإستراتيجية بسيطة في أهدافها وواضحة في مرتكزاتها، يتبناها الكثيرون، دون أن يربط بينهم رابط تنظيمي موثق، وبالتالي، فكل ما من شأنه أن يربك الأنظمة ويزرع الخوف فيها وفي المجتمعات، أمر مرغوب فيه، بقطع النظم عن حجم الضحايا وطبيعتهم. وتفيد مؤشرات عديدة، إلى أن هذه المجموعات لا تزال قادرة على مزيد الاستقطاب لعناصر مقاتلة جديدة وتوجيه مزيد من الضربات المفاجئة في أكثر من بلد. فبالرغم من الطابع غير المحترف لعناصر الدار البيضاء، إلا أن إصرارهم على التجول بأحزمتهم الناسفة، مفضّـلين تفجير أنفسهم على الاستسلام للشرطة، دليل قوي على قدرة « الجماعة » في تحويل الموت إلى خيار سهل لدى أعضائها. كما أن التنظيم الجزائري سيعمل جاهدا على الاستفادة من الأجواء السياسية المحلية، التي طبعتها كثرة الأخبار الرائجة حول صحة الرئيس بوتفليقة وعودة صراع الأجنحة بين مكونات السلطة وتباطؤ العملية السياسية وترك كوادر حزب جبهة الإنقاذ بدون أفق سياسي واضح، إضافة إلى ما تشير إليه بعض التقارير المخابراتية من عودة عدد لا بأس به من « التائبين » السابقين إلى الالتحاق من جديد بالجبال لمواصلة القتال. ومما يزيد من حجم المخاطر المحتملة لهذه الجماعات، الإشارة التي وردت في برقية التعزية التي وجهها الملك محمد السادس إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، حين تعرض إلى « جهة الساحل وجنوب الصحراء ». فانتشار القاعدة مرتبط في منعرجاته ببوصلة الجيش الأمريكي وتوجهات البيت الأبيض، حتى بدا وكأنه حيثما يكون الأمريكان تكون القاعدة، وحيث تكون القاعدة يكون الأمريكان. فنشر ألفي جندي في جيبوتي، كان مرتبطا بتصاعد أعمال الجماعات المسلحة في تلك المنطقة، إلى جانب التنافس التقليدي الأمريكي الفرنسي، وما يجري في الصومال، ليس معزولا عمّـا يمكن أن يحدث في دول شمال إفريقيا. فسوء تعامل المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية تحديدا مع « المحاكم الإسلامية » والسماح بتورط أثيوبيا في المسألة الصومالية، قد أعطى فرصة للجماعات المرتبطة بالقاعدة لتفتح بؤرة عسكرية جديدة في موقع حساس بإفريقيا، يمكن أن يعطي مزيدا من الحيوية للأنشطة المسلحة في كامل منطقة الصحراء الإفريقية والمحيطة بجنوب المغرب العربي، التي تشمل جيبوتي والصومال ومالي والنيجر.  تنسيق أمني لمواجهة الإرهاب يضاف إلى ذلك، أن تهديد أيمن الظواهري لفرنسا في سبتمبر الماضي، لن يكون إلا بوسائل متعددة، من بينها دعم حالة عدم الاستقرار في الجزائر وفي الدول المجاورة لها، كما أن مصلحة « تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي » تقتضي توسيع دائرة المواجهة من خلال تقديم الدعم المادي واللوجستي، والتدريب لبقية التنظيمات المسلحة في المنطقة، بل إن هذه الجماعة تحرص على تقديم نفسها راعية لبقية المجموعات المسلحة المغاربية. كان وزير الخارجية الجزائري مُـحقا، عندما أعلن رفض بلاده لطلب تقدّمت به واشنطن لإقامة قاعدة عسكرية أمريكية بجنوب الجزائر، فذلك من شأنه أن يدول الصراع، وهو ما تتمنّـاه الجماعات المرتبطة بـ « القاعدة »، إذ كلما تمّ استدراج الأمريكيين والغربيين إلى مناطق النزاع، كلما غذّى ذلك « الخطاب الجهادي »، الذي يقسم العالم إلى جبهتي الإيمان والكفر. لكن الطلب الأمريكي جاء بناء على تقديرات بأن منطقة المغرب العربي تتدحرج شيئا فشيئا لتصبح منطقة « خطرة »، خاصة بعد أن فقد الأمريكيون 43 عسكريا في عملية شهيرة تمّـت في جنوب الجزائر عام 2003 وقرّرت بعدها إدارة بوش إنهاء حالة حظر بيع الأسلحة إلى النظام الجزائري. التنسيق الأمني بين حكومات المغرب العربي لمواجهة خطر الإرهاب ليس مجرّد رغبة، وإنما هو أمر واقع. وقد شجّـعت عليه إدارة بوش ورعاه رامسفيلد قبل استقالته، ووضعت له عام 2003 خطة سُـميت بـ « خطة الساحل والصحراء » بميزانية في حدود 500 مليون دولار، قسمت على خمس سنوات، إلى جانب تكثيف التعاون الثنائي مع كل دول المنطقة، باستثناء ليبيا، التي أبدت رغبتها في ذلك، لكن الخطة فشلت فيما يبدو في تحقيق أهدافها، حيث شهدت المنطقة تطورات تراجيدية خلال السنوات الأربع الأخيرة. لقد بحَّـت أو تكاد أصوات دُعاة الإصلاح الذين طالبوا منذ فترة طويلة بضرورة التعامل مع ظاهرة الإسلام السياسي بجدية ومن منظور شامل. فالمعالجة الأمنية تبقى ضرورية، عندما يصل الأمر إلى الاغتيالات والتفجير والعمليات الانتحارية، لكن الاقتصار على ذلك، يؤدي بالضرورة إلى تعقيد الظاهرة والعجز عن القضاء عليها. يقتضي الإنصاف عدم تعميم الأحكام. فالمغرب، على سبيل المثال، انتهج في السنوات الأخيرة سياسة مختلفة، حيث فسح النظام مجالا لقطاع واسع من الإسلاميين بالنشاط، بما في ذلك العمل الحزبي، وهو ما سمح لحزب العدالة والتنمية بأن يشكل أكبر كتلة معارضة في البرلمان، وها هو يستعد لخوض انتخابات جديدة بنيّـة الفوز وتشكيل حكومة ذات توجّـه إسلامي، لقد أصبح جزءً من النظام السياسي ومسؤولا عن حمايته، وعندها سيقع اختبار الحزب ومدى قدرته على مواجهة مشكلة الإرهاب.  العنف لا يولِّـد إلا العنف فالتفجيرات التي حصلت، ليست موجّـهة فقط ضد السلطة أو الأجانب، وإنما هي موجهة أيضا ضد المعتدلين من الإسلاميين وضد التوجه الديمقراطي في البلد، لكن تبقى مشكلة المغرب الأساسية كامنة في الفوارق الطبقية الشاسعة التي جعلت 10% من الأثرياء يملكون 85% من ثروات البلاد، على جانب 40% من السكان لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، وهي وضعية تستوجب التعجيل بالقضاء على أحياء الجوع والخصاصة التي خرج منها الانتحاريون المغاربة، إن أزمة المغرب، اقتصادية واجتماعية بالأساس، إلى جانب المعضلة الثقافية وطبيعة الخطاب الديني بطبعتيه، الموروث والوافد. بالنسبة للجزائر، فقد غلب التكتيك على الإستراتيجية وحققت سياسة المصالحة نتائج هامة، لكنها وقفت في منتصف الطريق، نتيجة ضغوط مختلف الأطراف داخل النظام وخارجه. فالذين تم إطلاق سراحهم أو إقناعهم بإلقاء السلاح والعودة من المهاجر، ينتظرون خطة شاملة وطموحة لإعادة إدماجهم اجتماعيا وسياسيا، أما تركهم بدون أفق ولا صيغ عملية، فإن ذلك سيؤدي في النهاية إلى عودة صخرة سيزيف إلى سطح الجبل. في ليبيا، لا يزال الوضع غامضا، إذ بالرغم من إطلاق سراح الدفعة الأخيرة من مساجين الإخوان المسلمين ودخول سيف الإسلام، إبن العقيد القذافي في مفاوضات مع الجماعة السلفية الليبية، التي تحالفت مع « القاعدة »، فإن النظام الليبي لم يحسم أمره بالنسبة لمطالب الإصلاح السياسي. بالنسبة للحالة التونسية، لا تزال المعارضة والنخبة في انتظار التعرف على الدروس، التي استخلصها النظام مما حدث، وإن كان الرأي السائد حاليا يميل إلى القول، بأن السلطة تعتقد بأنه لا يوجد أمر يستوجب تغيير السياسة، وبالتالي، لا بديل عن أسلوب « التشدد الأمني » في مواجهة الإسلاميين، سواء آمنوا بالعنف أم لا. وفي موريتانيا، تغيّـرت المعطيات كليا مع « الانقلاب الديمقراطي »، الذي حصل والذي كشف عن الحجم الحقيقي للإسلاميين من خلال انخراطهم الكامل في الحياة السياسية، رغم عدم تمكينهم من حزب خاص بهم. في ضوء هذا الاختلاف، يمكن القول بأن الخصوصيات على أهميتها، لا تمنع القواسم المشتركة. العنف لا يولِّـد إلا العنف، وظاهرة الإرهاب تبقى، رغم خطورتها، ظاهرة حديثة في المنطقة لها أسبابها الداخلية والخارجية.  هل يجوز الاستغراب؟ فعندما ينتشِـر الفقر والبطالة وتنسَـدُّ الآفاق، حتى أمام خريجي الجامعات، ويبلغ الاحتكار السياسي أقصاه وتغيب العقلانية من الثقافة الدينية وينقطع الحوار بين الأجيال والفئات وتنتشر القيم والسلوكيات السلبية، التي تحوِّل مجتمعات بكاملها إلى كائنة مستهلكة، دون امتلاك القدرة على الاستهلاك، ويلتهم الإعلام السطحي والغبي وعي جماهير تعاني من شلل في الإرادة وكسل ذهني، هل يجوز بعد ذلك كله الاستغراب من أن يفجِّـر شباب في مقتبل العمر أنفسهم في الطريق العام، دون جدوى ولا هدف محدد؟ لذلك فمهما بلغت الأنظمة من قوّة وتشدُّد، فإنها لن تكون قادرة لوحدها على مواجهة مثل هذه الحركات، التي ترى في القتل والموت الطريق الوحيد للتغيير ودخول الجنة. فهل آن الأوان للأنظمة لكي تفتح آذانها قليلا وتستعين بمجتمعاتها المدنية وبالعُـقلاء والمعتدلين من علمانييها وإسلامييها؟ (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 19 أفريل 2007)  


تفجيرات المغرب العربي

محمد كريشان لم يكن حكام دول المغرب العربي وحدهم من وضعوا أيديهم علي قلوبهم بعد تفجيرات المغرب والجزائر بل كذلك شعوب تلك الدول وقواها السياسية والثقافية بكل تلويناتها السياسية دون استثناء، فلا أحد سويا في موريتانيا أو تونس أو ليبيا، ناهيك عمن اكتوي فعلا بأعمال عنف أعمي في الجزائر والمغرب، يرغب أن تصل الأمور في بلاده إلي هذا الحد المدمر حتي وإن كان يكره نظام الحكم في بلاده كره العمي ويتمني زواله اليوم قبل الغد متهما إياه بكل تهم الفساد والاستبداد وتخريب العباد والبلاد. لقد استقر في وعي أغلبنا أن أعمالا انتحارية، أو استشهادية كما يفضل وصفها البعض، سواء بأحزمة ناسفة يلبسها الفاعل أو سيارات مفخخة إنما هي أعمال مشروعة طالما تعلق الأمر بمقاومة احتلال جاثم علي صدور الشعب، ومع ذلك فهناك من يجادل في شرعيتها الأخلاقية وجدواها النضالية حتي في العراق وقبلها في فلسطين مع حجم الضجة والغضب اللذين تثيرهما بالأخص إذا ما سقط من جرائها مدنيون عزل صادف أن قادهم حظهم العاثر إلي هذا السوق أو محطة الحافلات أو مجمع تجاري أو حتي مجرد مرور عابر في أحد الشوارع. فإذا كان الأمر كذلك في حالات احتلال غاشم بيــّـن فما بالك إذا ما كان في بلد آخر لا تجيز معارضة نظامه بأي حال من الأحوال أن يتم سلوك طريق مدمر كهذا أضراره واضحة جلية علي الجميع ولا أحد يقدر أو يتجرأ أن يذكر له حسنة واحدة، مع مراعاة ألا يقودنا ذلك في المقابل إلي مصادرة حق الناس والمحللين في التساؤل ومحاولة البحث عن أجوبة، فما كل تفسير بتبرير وما كل تبرير بتفسير. إننا اليوم في أمس الحاجة إلي البحث الجاد والعلمي إلي أن نقف علي الأسباب التي تدعو شبابا في عمر الزهور إلي اختيار هذا النهج المدمر، علينا أن نسارع بذلك اليوم قبل الغد بعيدا عن المنطقين المتصارعين مباشرة: منطق من قام بالفعلة وانبري ممجدا لها بألفاظ من قبيل نزف لكم و غزوة بدر والشهيد فلان وعلان وغير ذلك من صيغ التمجيد والافتخار (علي ماذا؟!) ومنطق الحكومة الذي أدمن استسهال وصف المجرمين والطائشين والفئة الضالة ولا يهمها في واقع الأمر من كل ما جري سوي أمن النظام واستمراره أكثر من أمن البلاد ومستقبلها. من جهة أخري، لا بد ونحن نتوق إلي هذا البحث الجاد أن نبتعد عن ذلك التشخيص الجاهز المسبق للمشكلة، الأحادي التصور في الغالب، والذي لا يركز إلا علي نقطة واحدة يظل يكررها باستمرار بما يشبه الهذيان. أسهل تلك التشخيصات طبعا هي تلك التي لا تري في الموضوع برمته إلا الجانب الأمني فيه فلا تتحدث بالتالي إلا عن ضرورة الضرب بيد من حديد لقطع دابر هؤلاء المنحرفين ، آخرون لا يفعلون سوي تكرار أن الفقر هو من يقود إلي أعمال كهذه متناسين أن هناك في السعودية أو غيرها من هو ميسور الحال ومع ذلك يفعلها، آخرون يركزون أن الكبت والاستبداد يقودان إلي هذا النوع من التصرفات العنيفة اليائسة ومع ذلك فبلد كالمغرب أو الجزائر توجد بهما حريات تعبير وصحافة وتنظيم لا يستهان بها، علي الأقل كمتنفس يمنع الانفجار، آخرون يركزون علي أن انسداد الآفاق أمام الشباب بالتوازي مع استفحال الفساد والحيف الاجتماعي وضياع القانون كلها عوامل مذكية للإحباط والتطرف، آخرون لا يرون الأمر إلا من زاوية أن الطبيعة الإسلامية لفكر هؤلاء الشباب هي أصل الداء لأنه يحمل التشدد والإرهاب في ثناياه. لنسرع إلي هذا البحث الجاد بروح منفتحة وقدرة علي الخوص في قاع المجتمع بعيدا عن تنظيرات الصالونات الفكرية ومكاتب المخبرين والمخابرات فقد يسعفنا هذا التشخيص الرصين والمتعدد في مقاربته والباحث عن التفاصيل والفروقات والاستثناءات لننقذ أرواحا بريئة قد تسقط قريبا لا قدر الله فيما كل طرف فرح بما لديه من تحليل يظنه الوحيد، ومعه يتوهم طبعا أنه يمتلك حق احتكار طوق النجاة. (المصدر: جريدة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 18 أفريل 2007)


 
نعيد نشر النص التالي لمقالة بعث بها مراسل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من باريس يوم 15 أفريل 2007 مرفوقة بترجمتها من طرف بعض الصحف العربية مثل « الرأي » و « الغد » الأردنيتين. 

Islam and Democracy

North Africa: Under Attack, and Relying on Repression

 

By CRAIG S. SMITH

PARIS

 

ISLAMIST bombs punched more holes in North Africa’s secular social veneer last week, this time in Algeria, where two blasts killed 33 people and wounded hundreds more. It was a depressing blow for a country still healing from the wounds of a brutal Islamist-led civil war.

 

That atrocity-spattered conflict, which cost Algeria as many as 200,000 lives, according to frequently cited estimates, was triggered in 1992 when the country’s military stopped elections that an Islamist party was poised to win. Outraged Islamists and their young, impoverished, uneducated supporters took up arms. Some are still fighting, as Wednesday’s bombings made painfully clear.

But something else lingers from the war: a debate over whether the military rescued Algeria from the establishment of an Iranian-like theocracy or whether the repression only hardened an impulse that would have dissipated in democracy’s tempering bath.

 

The debate can be heard all across North Africa, where secular governments of varying authoritarian degrees face a surge in conservative religiosity that supports an extreme form of political Islam.

Every country on the continent’s northern rim, from Egypt to Morocco, has outlawed extreme Islamist parties that would be likely to win large parliamentary blocs — if not majorities — were they allowed to participate in free and fair national elections. (Libya bans political parties altogether.)

 

Each of those countries (again with the exception of Libya, where the small society is tightly controlled) has suffered terrorist attacks from local groups that have emerged from the repressed extremists.

What to do?

 

Clearly, the rise of conservative Islam won’t be turned aside by simply banning the veil, as Tunisia tried unsuccessfully to do.

 

Allowing carefully monitored, government-friendly Islamist parties into the political system hasn’t solved the problem either: neither the Movement for the Society of Peace and the Islamic Renaissance Movement in Algeria, nor the Justice and Development Party in Morocco, have successfully diffused the power of the underground movements.

 

The governments counsel patience, arguing that fuller democracy will come as their economies improve and their societies mature. Meanwhile, as the threat has progressed, the leaders of Algeria and Tunisia have used constitutional amendments to tighten their grip. Morocco has swept thousands of Islamists into its jails.

 

“We opened up too early and too wide,” a wartime prime minister, Ahmed Ouyahia, said in 2004. He was speaking of the period that led to the aborted 1992 elections.

 

He and others in North Africa’s elite circles of power argue that, given the conservative religiosity sweeping the Muslim world, it is simply too dangerous to allow essentially non-democratic movements to participate in fully democratic elections because they can’t be trusted to respect democratic principles if they come to power.

 

The leaders of those movements don’t instill much confidence: last summer, Ali Benhadjar, a former Islamist leader with a long russet beard who went to war in 1992 after being denied a seat in Parliament, explained that an Islamist-led government would not suspend the democratic process, but that all decisions would rely on Islamic law. He cited Iran as a democratic model.

 

Meanwhile, the circumscribed democracy that exists throughout the region doesn’t only squeeze out Islamists; it prevents more liberal elements of civil society from participating in politics as well. That leaves most people without a political voice, caught between a distant, elitist and often corrupt government and a militant opposition rooted in fundamentalist Islam. Despite the periodic violence, the Islamist movement appears to be gaining ground.

 

“In the absence of debate, people turn to the simplest ideas,” Khadija Cherif, the head of the Tunisian Association for Women’s Rights, said in an interview in Tunis in January after government forces clashed with an Islamist terrorist cell, killing more than two dozen people.

 

She argued that the repression of President Zine al-Abidine Ben Ali had left no political space for progressive moderates like herself who might otherwise help slow the drift among Tunisian youth toward fundamentalist political Islam.

 

These countries can’t keep the volatile segment of their populations shut out of the political process forever. In Algeria, as in many Arab countries, nearly three-quarters of the population is younger than 30 and half of those under the age of 25 are unemployed.

 

The Islamist movement easily influences those people. The Internet and Arabic satellite TV stations from the Middle East have filled the void left by bland state-run media outlets at home, helping spread fundamentalism and a militant political message.

 

Economic development alone isn’t the answer, however. Many of the most active militants come from well-to-do families. Tunisia, for example, has a big, home-owning, mortgage-holding middle class but hasn’t escaped radicalism. In contrast to the Western-friendly face presented at North Africa’s tourist hotels, Al Qaeda finds many admirers in its capital’s narrow streets.

 

What would happen if these governments let down their guard?

 

John Entelis, a political scientist at Fordham University in New York, argues that the demands of working within a pluralistic system — or the responsibilities of governing if an Islamist party came to power — would force those parties to change.

 

Look at Turkey’s Justice and Development Party, he says, which was once banned but now governs responsibly — in a NATO-member country. Having an Islamist party in power has not spared Turkey from terrorist attacks, but neither has it turned the country into a theocratic state. It has, however, satisfied a democratic impulse and given Turkey the most popular government it has had in the three-quarters of a century since Ataturk secularized the state.

 

“Give these guys a chance,” Mr. Entelis says of Algeria’s outlawed Islamic Salvation Front, whose imminent victory in the 1992 elections preceded the civil war. “If there hadn’t been a coup, 200,000 people would still be alive and we would have found out once and for all if these guys are true to their word.”

Instead, the military response and subsequent repression undermined the moderates and emboldened the militants in the movement, he says. The result is the persistent Islamist terrorism that is facing Algeria today and that is morphing into a global threat, with logistic support from Europe to the north and recruitment extending southward into the African Sahel.

 

Other experts — not to mention the governments in power — disagree. William Zartman, a North Africa expert at Johns Hopkins University specializing in conflict resolution, says Algeria and Morocco are doing the right thing by excluding extremists yet allowing moderate Islamic parties to operate under tight government control.

 

“We don’t know that F.I.S.’s moderate wing would have been able to hold out against the radical wing, which had turned violent even before the 1992 elections,” Mr. Zartman says, referring to the French acronym for the Islamic Salvation Front. He cited the moderate government of Alexander Kerensky in Russia after the fall of Czar Nicholas II, which was soon swept aside by the radicals who imposed Communist rule.

 

“Movements like this have a way of riding in on soft coattails and then cutting them off,” he said.

 

(Source : The New York Times (Quotidien – USA), le 15 avril 2007)

Lien : http://www.nytimes.com/2007/04/15/weekinreview/15smith.html?n=Top%2fReference%2fTimes%20Topics%2fPeople%2fS%2fSmith%2c%20Craig%20S%2e


الإسلام والديمقراطية: شمال إفريقيا تحت الهجوم

كريغ س. سميث – (نُشر في نيويورك تايمز الصادرة يوم 15 أفريل 2007) أحدثت القنابل الإسلامية مزيداً من الثقوب في القشرة الاجتماعية العلمانية لشمال افريقيا في الأسبوع الماضي، وهذه المرة في الجزائر، حيث افضى انفجاران إلى مقتل 33 شخصا وجرح مئات آخرين. وقد شكل ذلك صفعة محبطة لبلد لا يزال يتعافى من الجراح التي أحدثتها حرب أهلية وحشية قادها إسلاميون. ذلك الصراع الذي اتسم بالوحشية وكلف الجزائر فقدان نحو 200,000 شخص وفق تقديرات يستشهد بها غالبا، كان قد نشب في عام 1992 عندما عطل عسكريو البلاد انتخابات كان أحد الأحزاب الاسلامية على وشك كسبها، فحمل الإسلاميون المغضبون ومؤيدوهم من الفقراء وغير المتعلمين السلاح، والذين ما يزال البعض منهم يحارب إلى الآن كما اوضحت على نحو مؤلم تفجيرات يوم الأربعاء الماضي. لكن شيئا ما آخر ما يزال متبقياً من تلك الحرب، وهو الجدل حول ما إذا كان العسكريون قد أنقذوا الجزائر من التحول إلى مؤسسة ثيوقراطية على النمط الإيراني، او ما إذا كان القمع قد أفضى فقط إلى تقوية حافز كان يمكن أن يتلاشى في حال وجود ديمقراطية. يمكن سماع هذا الجدل وهو يدور اليوم في عموم شمال افريقيا، حيث تواجه الحكومات العلمانية بدرجات متفاوتة تصاعدا في الاتجاه الديني المحافظ الذي يدعم حضور شكل متطرف من الإسلام السياسي. وكان كل بلد في الحافة الشمالية للقارة، بدءا من مصر وحتى المغرب، قد نزع الشرعية القانونية عن الاحزاب الاسلامية المتطرفة الأكثر احتمالاً لأن تكسب كتلا برلمانية ضخمة -إن لم تكن أغلبيات- في حال السماح لها بالمشاركة في انتخابات وطنية حرة ونزيهة (ليبيا تحظر الأحزاب السياسية جملة وتفصيلا). وكان كل بلد من هذه البلدان (ومرة أخرى باستثناء ليبيا التي تفرض رقابة مشددة على مجتمعها الصغير) قد عانى من هجمات إرهابية شنتها مجموعات محلية نجمت من أوساط المتطرفين المقموعين. فما العمل؟ من الواضح أن صعود الاسلام المحافظ لن يمكن تحييده بمجرد حظر النقاب كما حاولت تونس أن تفعل بلا طائل عدة مرات في السابق. كما أن ادخال احزاب اسلامية صديقة للحكومة ومراقبة عن كثب في النظام السياسي لم يحل المشكلة أيضاً، إذ لم تستطيع حركة مجتمع السلم ولا حركة النهضة الاسلامية في الجزائر ولا حزب العدالة والتنمية في المغرب أن توهن قوة الحركات السرية. إن الحكومات هناك تتذرع بالصبر، قائلة أن من شأن ديمقراطية أكثر شمولاً يمكن أن تحل عندما تتحسن اقتصادياتها وتنضج مجتمعاتها. وفي الأثناء، ومع تنامي التهديد، عمد قادة الجزائر وتونس الى استخدام التعديلات الدستورية لتقوية قبضتهم على السلطة. في حين عمد المغرب إلى زج آلاف الإسلاميين في السجون. وكان رئيس وزراء الجزائر زمن الحرب الاهلية احمد اويحيى قد قال في عام 2004 « لقد انفتحت أنظمتنا في وقت مبكر جدا وبشكل واسع جداً » مشيراً بذلك إلى الفترة التي أفضت الى انتخابات عام 1992. ويقول هو وغيره في دوائر السلطة النخبوية في شمال إفريقيا إنه في ضوء اكتساح التدين المحافظ للعالم الاسلامي فإن من الخطر جداً السماح لحركات غير ديمقراطية من حيث الأساس بأن تشارك في انتخابات ديمقراطية بالكامل، لانها لا يؤمن جانبها فيما يتعلق باحترام المبادئ الديمقراطية في حال ارتقت الى سدة السلطة. إن قادة تلك الحركات لا يوحون بالكثير من الثقة؛ ففي الصيف الماضي، أوضح علي بنهاجر، وهو زعيم اسلامي سابق ذو لحية طويلة مخضبة كان قد خاض الحرب في عام 1992 بعد حرمانه من مقعد في البرلمان، أوضح أن حكومة ذات قيادة اسلامية لن تعطل العملية الديمقراطية، لكن كل قراراتها ستستند على الشريعة الاسلامية، واستشهد بايران بوصفها نموذجاً. في هذه الأثناء، لا تمارس الديمقراطية المحدودة الماثلة في عموم المنطقة ضغطها على الإسلاميين فحسب، وإنما تعمل أيضاً على منع العناصر الاكثر ليبرالية داخل المجتمع المدني من المشاركة في السياسة. وذلك يترك معظم الناس بدون صوت سياسي، عالقين بين مطرقة حكومة نخبوية نائية وفاسدة في الغالب، وبين معارضة عسكرية النزعة ومتجذرة في الإسلام الأصولي. وعلى الرغم من العنف الذي يطفو من وقت لاخر، تبدو الحركة الاسلامية وأنها تكتسب ارضية. تقول خديجة شريف، رئيسة الرابطة التونسية لحقوق النساء في مقابلة أجريت معها في تونس في كانون الثاني- يناير الماضي بعد اصطدام القوات الحكومية التونسية بخلية ارهابية اسلامية وقتلت اكثر من 20 شخصاً « في ظل غياب الحوار، يتوجه الناس عادة إلى أكثر الأفكار بساطة ». وتضيف ان القمع الذي مارسه الرئيس زين العابدين بن علي لم يترك اي فسحة سياسية للمعتدلين التقدميين من أمثالها، والذين كانوا ليساعدوا لولا ذلك في إعاقة تحول الشباب التونسي باتجاه الاسلام السياسي المتشدد. إن هذه الدول لن تستطيع الاحتفاظ بالشريحة المحايدة من مواطنيها بعيدة عن العملية السياسية إلى الأبد. ففي الجزائر، كما في العديد من البلدان العربية، هناك ثلاثة ارباع من المواطنين تقريبا ممن هم اقل عمراً من سن الثلاثين، ونصف هؤلاء هم بعمر أقل من خمس وعشرين سنة وعاطلون عن العمل. وتستطيع الحركة الإسلامية أن تؤثر بسهولة على هؤلاء الاشخاص. وقد عمل الانترنت والمحطات الفضائية العربية في الشرق الاوسط على ملء الفراغ الذي تركته المنافذ الاعلامية المملوكة للحكومات في الوطن، وهو ما ساعد في نشر الأصولية وبعث برسالة سياسية عسكرية النزعة. إن التنمية الاقتصادية وحدها ليست الجواب؛ ذلك أن الكثيرين من أكثر المتطرفين نشاطاً يتحدرون من عائلات غنية. فهناك في تونس، على سبيل المثال، طبقة متوسطة تمتلك منازل وشركات رهن، والتي لم تفلت من الراديكالية. وعلى النقيض من الوجه المتصالح مع الغرب والمتمثل في الفنادق السياحية في شمال افريقيا، تجد منظمة القاعدة العديد من المعجبين بها في شوارع العاصمة التونسية الضيقة. ولكن، ما الذي يمكن أن يحدث في حال تخلت هذه الحكومات عن حرسها؟ يقول جون إنتيليس، وهو عالم سياسي في جامعة فوردهام في نيويورك، إن من شأن متطلبات العمل داخل نظام تعددي، أو مسؤوليات الحكم في حال صعد حزب اسلامي الى السلطة، أن تجبر تلك الاحزاب على التغير. ويقول إنتيليس: انظروا الى حزب العدالة والتنمية التركي الذي حُظر مرة، لكنه يحكم الآن بمسؤولية، وفي بلد عضو في الناتو. ومع أن وجود حزب اسلامي في السلطة لم يعف تركيا من التعرض لهجمات ارهابية، إلا أنه لم يقم ايضاً بتحويل البلد الى دولة ثيوقراطية. وقد أشبع مع ذلك نزوعاً ديمقراطياً ومنح لتركيا اكثر الحكومات شعبية بين تلك التي تشكلت فيها في غضون ثلاثة ارباع القرن منذ حول اتاتورك الدولة الى العلمانية. ويقول السيد ايتليس عن جبهة الخلاص الاسلامية الجزائرية المحظورة التي سبق انتصارها الوشيك في انتخابات عام 1992 انفجار الحرب الاهلية: « أعطوا لهؤلاء الناس فرصة. ولو لم يقع انقلاب لكان 200.000 شخص قد بقوا على قيد الحياة الان، ولكنا اكتشفنا مرة وللابد ما إذا كان هؤلاء الأشخاص صادقين فيما يقولون ». ويضيف ان الرد العسكري والقمع اللاحق قد عملا بدلاً من ذلك على إضعاف المعتدلين وزيادة جرأة المتشددين في الحركة. وكانت النتيجة استمرار الارهاب الاسلامي الذي تواجهه الجزائر اليوم، والذي بات يتحول الى تهديد كوني بدعم لوجستي من أوروبا في الشمال، وتجنيد ينتشر باتجاه الجنوب ممتداً الى الساحل الافريقي. ثمة خبراء آخرون، ناهيك عن الحكومات التي في السلطة، ممن لا يوافقون على هذا الطرح. ويقول وليام زارتمان وهو خبير في شؤون شمال افريقيا في جامعة جون هوبكنز ومتخصص في حل النزاعات، يقول ان الجزائر والمغرب تفعلان الشيء الصحيح حين تستبعدان المتشددين وتسمحان للاحزاب الاسلامية المعتدلة بالعمل تحت رقابة حكومية صارمة ومشددة. ويضيف السيد زارتمان: « إننا لا نعرف ان الجناح المعتدل في جبهة الإنقاذ كان من الممكن ان يكون قادراً على الصمود في وجه الجناح الراديكالي الذي تحول الى العنف حتى قبل انتخابات 1992 ». واستشهد بحكومة الكسندر كيرينسكي المعتدلة في روسيا بعد سقوط القصير نيكولاس الثاني، والتي سرعان ما اكتسحها الراديكاليون الذين فرضوا النظام الشيوعي. وقال « ان حركات مثل هذه تمتلك طريقة في ركوب الموجة عندما تكون لصالحها، ثم التخلي عنها بعد ذلك ». (المصدر: صحيفة « الغد » الأردنية (يومية – الأردن) الصادرة يوم 18 أفريل 2007)  

شمال أفريقيا بين القنابل الإسلامية والنهج الديمقراطي

كريج سميث (*)  خلفت  القنابل الإسلامية  المزيد من الحفر والندوب على الواجهة الاجتماعية العلمانية لشمال أفريقيا الأسبوع الماضي، هذه المرة في الجزائر حيث أسفر انفجاران عن مقتل 33 شخصاً وجرح المئات؛ وهو ما شكل ضربة قوية لبلد ما زال يتعافى من جروح حرب أهلية وحشية بدأها  الإسلاميون . وقد اندلع هذا الصراع المليء بالفظاعات، الذي أودى في الجزائر بحياة ما لا يقل عن 200000 شخص، حسب أكثر التقديرات تداولاً، عام 1992 عندما أوقف الجيش الانتخابات حينما كان أحد الأحزاب  الإسلامية  في طريقه إلى الفوز بها. فقام  الإسلاميون  الغاضبون وأنصارهم من الشباب الفقير وغير المتعلم بحمل السلاح. والواقع أن بعضهم مازال يحارب إلى اليوم، مثلما أكدت ذلك تفجيراتُ الأربعاء الماضي. بيد أن شيئا آخر مازال مترسباً من الحرب، إنه الجدل حول ما إذا كان الجيش قد أنقذ الجزائر من إقامة نظامِ حكمٍ ديني على النموذج الإيراني، أو ما إن كان القمع قد أدى في الواقع إلى تشدد نزعة كانت ستتبدد في اختبار الديمقراطية. يمكن الوقوف على هذا الجدل عبر معظم شمال أفريقيا حيث الحكوماتُ العلمانية من درجات سلطوية متفاوتة تواجه تزايداً في التدين المحافظ الذي يدعم شكلاً متشدداً من الإسلام السياسي. وقد حظرت جميع البلدان الواقعة شمال القارة، من مصر إلى المغرب، الأحزابَ الإسلامية المتطرفة التي قد تفوز بكتل برلمانية كبيرة -إن لم تكن أغلبيات – في حال سُمح لها بالمشاركة في انتخابات وطنية حرة ونزيهة (أما ليبيا فتحظر جميع الأحزاب أياً كان لونها). وعانى كل بلد من هذه البلدان (باستثناء ليبيا) من هجمات إرهابية نفذتها مجموعات محلية للمتطرفين المقموعين. ماذا ينبغي فعله إذن؟ الأكيد أن وقف صعود الإسلام المحافظ لن يتسنى فقط عبر حظر الحجاب، مثلما حاولت تونس فعله سدى. كما أن السماح للأحزاب الإسلامية الخاضعة للمراقبة والصديقة للحكومة بالمشاركة في العملية السياسية لم يحل المشكلة أيضاً؛ فلا  حركة مجتمع السلم  و حركة النهضة الإسلامية  في الجزائر، ولا  العدالة والتنمية  في المغرب نجحت في إضعاف قوة الحركات الإسلامية المتطرفة. أما الحكومات، فتدعو إلى التحلي بالصبر، مجادلةً بأن الديمقراطية الكاملة ستأتي عندما تتحسن اقتصادياتها وتنضج مجتمعاتها. وفي غضون ذلك، استعمل الزعماء الجزائريون والتونسيون تعديلات دستورية من أجل إحكام قبضتهم على زمام الأمور، بعد ازدياد الخطر؛ في حين زج المغرب بآلاف الإسلاميين في السجون. وفي هذا السياق، قال  أحمد أويحيى ، الذي كان رئيساً للوزراء في الجزائر زمن الحرب، في 2004 متحدثاً عن الفترة التي سبقت انتخابات 1992 الملغية:  انفتحنا في وقت مبكر جداً، وبشكل كبير جداً . ويجادل  أويحيى  وآخرون في الدوائر النخبوية في شمال أفريقيا بأنه من الخطير جداً بالنظر إلى موجة التدين المحافظ التي تجتاح العالم الإسلامي، السماح لحركات غير ديمقراطية في الجوهر بالمشاركة في انتخابات ديمقراطية لأنه لا يمكن الوثوق في أنها ستحترم المبادئ الديمقراطية في حال وصولها إلى السلطة. والواقع أن زعماء هذه الحركات لا يبعثون على الثقة؛ فالصيف الماضي أوضح  علي بنهاجر ، وهو زعيم إسلامي سابق خاض الحرب في 1992 بعد أن حُرم من مقعد في البرلمان، أن حكومةً بقيادة الإسلاميين ما كانت لتعلق العملية السياسية، غير أنه أضاف أن جميع القرارات كانت ستُتخذ وفق القوانين الإسلامية، مشيراً إلى إيران باعتبارها -من وجهة نظره- مثالاً ديمقراطياً . من جهة أخرى، لا تحد الديمقراطية المقيَّدة الموجودة في المنطقة من حركة الإسلاميين فقط؛ وإنما تمنع عناصر المجتمع المدني الليبرالية أيضاً من المشاركة في السياسة. وهو ما يترك معظم الناس بدون صوت سياسي، عالقين بين حكومة نخبوية بعيدة عن انشغالاتهم وهمومهم، ومعارضة إسلامية أصولية. وفي هذا الإطار، تقول  خديجة شريف ، رئيسة الجمعية التونسية لحقوق المرأة، في حوار معها في تونس العاصمة عقب اشتباك القوات الحكومية مع خلية إرهابية إسلامية، وهو الاشتباك الذي أسفر عن مقتل نحو 24 شخصاً:  في غياب النقاش، يلجأ الناس إلى أبسط الأفكار . وجادلت بأن الرئيس زين العابدين بن علي لم يترك مجالاً سياسياً للمعتدلين التقدميين، الذين يمكن أن يساعدوا على وقف أو الحد من انسياق الشباب التونسي وراء الحركات الدينية الأصولية. والحال أنه لا يمكن لهذه البلدان أن تترك هذه الشريحة المتقلبة من سكانها محرومة من العملية السياسية إلى الأبد. ففي الجزائر مثلاً، مثلما هو الحال في الكثير من البلدان العربية، يعد ثلاثة أرباع السكان دون سن الثلاثين؛ ونصف من هم دون سن الخامسة والعشرين عاطلون عن العمل. وهو ما تستغله الحركات الإسلامية التي تؤثر بسهولة على هؤلاء الأشخاص. كما أن الإنترنت والمحطات التلفزيونية الفضائية العربية من الشرق الأوسط ملأت الفراغ الذي خلفته وسائل الإعلام التابعة للدولة في الداخل، وهو ما ساعد كثيراً على انتشار الأصولية. بيد أن التنمية الاقتصادية وحدها ليست هي الحل؛ ذلك أن الكثير من النشطاء الإسلاميين ينتمون إلى عائلات ميسورة. فتونس، على سبيل المثال، لديها طبقة وسطى كبيرة تمتلك منازل وتعيش حياة كريمة، إلا أنها لم تنجُ مع ذلك من الراديكالية والتشدد. ونتيجة لذلك، تجد  القاعدة ، مقابل الوجه الصديق للغرب الذي يقدَّم في فنادق شمال أفريقيا السياحية، الكثير من المعجبين في أزقة عواصمها الضيقة. (*) مراسل صحيفة نيويورك تايمز في باريس (المصدر: صحيفة « الرأي » الأردنية (يومية – الأردن) الصادرة يوم 17 أفريل 2007)


 

دول المغرب العربي وخطر الحركات الأصولية

بقلم: جيل كارول (*) يقدم انفجار السيارتين المفخختين في الجزائر يوم الأربعاء الماضي، تذكيراً قوياً بالإرهاب الذي عاث في الأرض فساداً خلال سنوات التسعينيات هناك، كما يؤشر إلى إمكانية قرب حدوث معركة أخرى مع النشطاء المتشددين على نطاق واسع. فقد حاربت الحكومةُ على مدى عدة أسابيع مجموعات من المتمردين المرتبطين بـ »القاعدة » في المرتفعات النائية في هذا البلد المغاربي؛ لكن اللافت هو أن هذه الهجمات هي الأولى من نوعها التي تستهدف الجزائر العاصمة منذ سنوات، حيث استهدفت إحداها مكتب رئيس الوزراء في وسط المدينة، في حين استهدفت أخرى مركزاً للشرطة في الضاحية الشرقية للمدينة. وقد أسفر الهجومان عن مقتل 30 شخصاً على الأقل. وفي المغرب المجاور، قام ثلاثة إرهابيين مشتبه فيهم بتفجير أحزمتهم الناسفة يوم الثلاثاء، فيما قتلت الشرطة رابعاً أثناء ملاحقته. وجميعهم كانوا مطلوبين لدى الشرطة المغربية لصلتهم بالتفجير الانتحاري الذي وقع يوم الحادي عشر من مارس الماضي. وتواجه حكومتا هذين البلدين تنامي الحركات الإسلامية، والتي يتقدم بعضها لتحدي الحكومة في الانتخابات، في حين توجد أخرى في طريقها لأن تصبح أكثر عنفاً. ويرى المحللون أن التحدي الحقيقي بالنسبة للزعماء المغاربة والجزائريين يكمن في كيفية إخضاع الحركات الإسلامية من دون أن يؤدي ذلك إلى تقوية مزيد من المتشددين وإضعاف التيار المعتدل الذي يشكل الأغلبية. وفي هذا الإطار، تقول « مارينا أوتاوي »، رئيسة برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة « كارنيجي للسلام الدولي » في واشنطن: « ما فعله المغاربة أمر ذكي، فقد عملوا على فتح الباب بشكل تدريجي أمام مجموعات إسلامية مختلفة والسماح بدخولها إلى الساحة السياسية. وتلك طريقة فعالة للتخفيف والحد من قوة أي مجموعة أو حزب ». وتضيف قائلة: « إن أسوأ شيء يمكن أن يحدث من وجهة نظر الحكومة هو ما حدث في الجزائر في عقد التسعينيات؛ حيث فُتح المجال فجأة أمام الإسلاميين الذين حصلوا آنذاك على كل الدعم السياسي »، وهو الأمر الذي حاولت الحكومة وقفه بالقوة، وأدى إلى اندلاع حرب أهلية وحشية عام 1992. ومن جانبها، أكدت « ريتا كاتز »، مديرة « معهد البحث حول الكيانات الإرهابية الدولية » في واشنطن، أن هجمات الأربعاء كانت من تنفيذ « القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي »، وهو الاسم الجديد الذي اختاره المقاتلون الإسلاميون في الجزائر لأنفسهم؛ وتقول: « لقد غيروا استراتجيتهم في الأشهر القليلة الماضية إلى أسلوب القاعدة المعروف باستهداف المواقع العسكرية والشركات الأجنبية. وأعتقد أنهم استهدفوا من وراء هذه المحاولة رئيس الوزراء. إن ذلك يحمل في ما يبدو بصماتهم ». وإذا كان المغرب لم يشهد سوى أعمال عنف قليلة ومحدودة مؤخراً؛ فإن المحللين يرون أن الطريقة التي سيتعاطى بها مع المعارضة السياسية هي التي ستحدد ما إن كانت العناصر الراديكالية للمجموعات الإسلامية ستتقوى. ذلك أن الأحزاب السياسية القائمة على أساس ديني محظورة في المغرب؛ إلا أنه يُسمح للأحزاب « ذات المرجعية الإسلامية » بالترشح في الانتخابات طالما التزمت بقواعد الملكية. ويعني ذلك الاعتراف بسلطة الملك والالتزام بقوانين الانتخابات التي تجعل من المستحيل بالنسبة لأي حزب أن يسيطر على البرلمان. وتشارك بعض المجموعات الإسلامية في الانتخابات، حيث تحشد سلطة سياسية محدودة، في حين ترفض أخرى النظام بأكمله ولكنها تحظى بدعم شعبي لها. وفي هذا الإطار، يقول محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء: « في كل أرجاء العالم الإسلامي، تتميز الحركات الإسلامية بقربها من الناس لأن الحكومات غائبة، وهو ما يفسر ذهابهم مع الإسلاميين. ففي كل حي وفي كل زنقة مغربية، ثمة وجود لجماعة العدل والإحسان » التي ترفض المشاركة السياسية، مضيفاً « أما المجموعات الإسلامية التي تدعم الحكومة، فإنها تفقد الدعم الشعبي ». بيد أن حزب « العدالة والتنمية » يتبنى توجهاً مختلفاً إلى حد كبير؛ إذ يعد ثالث أكبر قوة سياسية في البرلمان المغربي، وأول حزب ذي « مرجعية إسلامية ». ومن المتوقع أن يحشد عدداً أكبر من المقاعد في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في سبتمبر المقبل. غير أن هذا النجاح السياسي لم يأتِ دون ثمن، حيث يشدد على أنه ينظر إلى الدين والسياسة باعتبارهما مجالين منفصلين، ويقول إنه إذا كان يدعم الإصلاحات والقيم الإسلامية، فإن هذه القيم تشبه الكثير من الأفكار الديمقراطية. وقد اختار هذا الحزب أن يحد من ترشحاته في الانتخابات السابقة، في خطوة أراد منها أن يُظهِرَ للحكومة أنه لا يسعى وراء كثير من السلطة وبسرعة كبيرة. وإذا كانت هذه المجموعة توجد في موقع جيد للدفع بالإصلاحات، فإنها لا تحظى بنفس الشعبية التي تحظى بها « جماعة العدل والإحسان » المحظورة، والتي تتوفر على شبكة واسعة للخدمات الاجتماعية، وترفض الملكية والمشاركة السياسية، وتقول إنها تؤيد المزاوجة بين القيادة الروحية الإسلامية في السياسة والمبادئ الديمقراطية التي تنبذ العنف. وفي هذا السياق، تقول نادية ياسين، ابنة زعيم جماعة العدل والإحسان: « إننا مهمشون تماماً لأننا لا نقبل طبيعة السلطة. إننا نعتقد أنها ليست طريقة ديمقراطية لأنها تقوم على سلطة رجل واحد هو الملك ». يذكر هنا أن نادية ياسين سُجنت مرة من قبل؛ وتواجه محاكمة على خلفية تصريح قالت فيه إن على المملكة أن تتحول إلى جمهورية. وتضيف نادية ياسين قائلة: « إننا لا نريد تلطيخ أيادينا. وبالتالي فالطريقة الوحيدة التي هي في متناولنا لمقاومة هذه السلطة غير الديمقراطية تتمثل في البقاء على الهامش… البقاء في المعارضة الحقيقية ». غير أن الدعم الشعبي والقدرة على القيام بإصلاحات اجتماعية قد لا تترجَم إلى القيام بإصلاحات سياسية ملموسة. وتقول أوتاوي: « ثمة خطر واضح جداً بالنسبة للأحزاب الإسلامية في مشاركتها في الحكومة لأن الناخبين سيُحملونها المسؤولية ويقولون: لماذا لم تفعلوا المزيد؟، ولكن كيف للأحزاب التي تنبذ العنف وترفض في الوقت نفسه المشاركة السياسية أن تؤثر في العملية السياسية؟ ». (*) مراسلة « كريستيان ساينس مونيتور » في الدار البيضاء (المصدر: موقع « وجهات نظر » (تابع لمؤسسة الإمارات للإعلام)، العدد  27530 بتاريخ 14 أفريل 2007) الرابط: http://www.wajhat.ae/print.php?id=27530&journal=2007-04-14  


عدا الديمقراطية، كل شيء محتمل في معظم دول المغرب العربي

المصطفي صوليح (*) 1 ــ كرونولوجيا مقارنة للتفجيرات الانتحارية في مدينة الدار البيضاء من المملكة المغربية تتميز التفجيرات الانتحارية التي شهدها المغرب في يوم 16 ايار (مايو) 2003، وفي يوم 11 آذار (مارس) 2007، ثم في يومي 9 و10 نيسان (أبريل) الجاري 2007، ومن المحتمل أن يكون قد حدث تفجير جديد يومه 12 نيسان (أبريل) 2007 حاصدا ما يزيد عن 11 روحا بريئة، والبقية تأتي، بما يلي: 1 ـ أن هذه التفجيرات كانت كلها انتحارية؛ 2 ـ أن هذه التفجيرات حدثت كلها في مدينة الدار البيضاء؛ 3 ـ أنه فيما جاءت التفجيرات الأولي في زمن قريب من أحداث 11 ايلول (سبتمبر) 2002، التي أزهقت بقسوة فائقة أرواحا بريئة من بينها مغاربة وضربت و/ أو هددت بضرب رموز اقتصادية وعسكرية أمريكية داخلية، وكانت محكمة التنظيم بحيث شملت بشكل متزامن 5 مواقع متفرقة ومتنوعة من حيث رمزيتها الدينية والسياحية المتواجدة في مركز العاصمة الاقتصادية للبلاد، وأوقعت أضرارا بليغة من حيث عدد الأرواح (33 ضحية) التي أودت بها ومن حيث المباني التي استهدفتها وكذا من حيث الرعب الذي خلفته لدي المواطنين في شتي أنحاء البلاد، فإن التفجيرات الانتحارية الموالية قد جاءت بعد أربع سنوات من ذلك، وبعد قرابة 3 سنوات من وقوع مأساة قطارات الموت في مدريد 11 آذار (مارس) 2004، وتمت داخل أوساط شعبية (مقهي انترنيت في حي سيدي مومن، حي الفرح والفداء أثناء مطاردة أمنية)، وأوقعت 5 قتلي (4 انتحاريين وأحد أفراد الشرطة)؛ 4 ـ أنه سواء تعلق الأمر بالتفجيرات الأولي أو الموالية، كانت الفرق الأمنية المغربية تصل بسرعة فائقة إلي تطويق الجناة واعتقالهم أو إطلاق الرصاص عليهم ومتابعة الفارين منهم ومداهمة بيوت أهلهم وأخذهم كرهائن أحيانا (أكثر من 2000 معتقل في شأن التفجيرات الانتحارية الأولي وعشرات المعتقلين إثر تفجير 11 آذار (مارس) 2007، بل والإعـــلان عن أسمائهم ومصادرة متفجراتهم والمواد الخام ذات الصلة بإنتاج هذه المتفجرات، وإطلاق سراح من لم تثبت التهم الموجهة ضـــدهم دون اعتذار لهم أو تعويضهم وتنظيم محاكمات يصفها محاموهم بأنها جائرة وغير عادلة، وإطلاق سراح بعضهم، بناء علي عفو ملكي، ضمن لوائح شملت أحيانا متفجرين حقيقيين أو مشاريع متفجرين جدد. 5 ـ أنه في حين تم تنفيذ التفجيرات الانتحارية الأولي مباشرة بعد انتهاء الاحتفالات الرسمية التي خصصت لولي العهد (مولاي الحسن الثالث)، فإن التفجيرات الأخيرة قد تم تنفيذها بعد الإعلان عن إحداث تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. 6 ـ أن هذه التفجيرات الأخيرة قد جاءت في سياق انتشار أخبار عن استعداد المملكة المغربية لاحتضان مقر القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا (أفريكوم). 2 ـ التنسيق الأمني البين حكومي المغاربي ضد الإرهاب هل نحن الآن أمام مرحلة أولي من تدشين تنظيم القاعدة لاستراتيجيته القتالية الجديدة؟ هل نحن الآن أمام بداية إعمال القاعدة لاستراتيجيتها المعلنة خلال شهر ايلول (سبتمبر) 2006 والتي يتم اختصارها في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وقد يكون مفادها: قيادة أركان حربية، قارة أو متحركة، في مكان ما من العالم وأدوات تنفيذية علي صعيد الإقليم المعروف بالمغرب العربي وكذا علي صعيد كل قطر من أقطار هذا الإقليم بغاية مطاردة الحلف المتكون من الصليبيين وحلفائهم في كل مكان ؟ أكيد أن الأمر هو كذلك، فاغلب الخلايا والجماعات المتطرفة باسم الإسلام قد وحدت تسمياتها السابقة لتصبح هي الجماعة (المغربية أو الجزائرية أو التونسية أو الليبية أو الموريتانية) الإسلامية المقاتلة . وأكيد أيضا أنه ليس مجرد صدفة أن التفجيرين العنيفين اللذين عصفا بموقعين حساسين في الجزائر العاصمة وأوديا بحياة عشرات المواطنين (33) قد وقعا في يوم 11 نيسان (أبريل) الجاري، أي مباشرة بعد آخر التفجيرات التي حدثت في مدينة الدار البيضاء المغربية. لكن ما هي الإستراتيجية المضادة التي هيأها وزراء داخلية هذه البلدان ومدراء أمنها الوطني الدائمي التنسيق؟ وما هي الاستراتيجيات المحلية (القطرية) التي أعدها وزراء القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية من أجل اجتثاث أسباب التطرف، الكامنة والظاهرة في بنية هذه المجتمعات، المؤدية إلي الإرهاب؟ 3 ـ تعدد التفسيرات فيما تشير المعلومات التي يمكن رصدها عبر تتبع الحملات الأمنية الجارية في المملكة المغربية، وخاصة انطلاقا من ايار (مايو) 2003، إلي أن مختلف الخلايا أو التنظيمات أو الجماعات الأصولية، سواء منها ذات الوجود القانوني أو دونه، هي مخترقة من الداخل، الأمر الذي يسهل علي الأجهزة الأمنية ذات الصلة توقع خططها قبل وضعها قيد التنفيذ، وفيما تشير نفس المعلومات إلي أن إدراج أسماء أعضاء من هذه الهياكل، محكوم عليهم بالسجن بناء علي ملفات إرهابية سابقة، ضمن قوائم العفو الملكي تدخل في إطار تعزيز هذا الاختراق، فإن هناك من يعتقد أن التفجيرات الأخيرة (التفجير الانتحاري بنادي الانترنت، والتفجيرات الانتحارية الثلاثة في أحياء شعبية) هي تفجيرات إرهابية حقيقية كانت لها أهداف محلية محددة، لكنها كانت خاضعة لعملية التحكم فيها عن بعد من قبل أجهزة أمنية موازية ـ غير معلن عنها، تم تنفيذها خارج سياقها لتخدم سياقا آخر هو، من جهة، إعطاء الشرعية، أمام مختلف القوي الوطنية والدولية المعادية للتواجد العسكري الأجنبي في المغرب، لإتمام إجراءات احتضان المغرب لمقر القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا (أفريكوم)، والضغط، من جهة أخري، علي القوي الديمقراطية من أجل التخلي عن مطالبها المتزايدة في شأن إصلاحات دستورية جذرية وإصلاحات مؤسساتية وبنيوية عميقة أخري تضع قاطرة البلاد بشكل فعلي وواضح فوق سكة الديمقراطية وتحد بشكل ملموس من وطأة اخطبوط الفساد الجاثم فوق رئة البلاد. وفي حين تصر الأوساط الحكومية المغربية مدعومة من قبل بعض أفراد النخبة السياسية والإعلامية علي عدم الربط بين العنف والفقر وباقي مظاهر تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتربوية الذي يصل مداه لدي عديد من الفئات الشعبية إلي حد المس بكرامتهم الإنسانية، يلح آخرون علي التذكير بأن الوطن ليس مجرد موقع قدم ، وبأن الناس لا يولدون وهم مجبولون علي الحريك ، وعلي مواصلة القيام بمحاولات انتحارية لعبور مضيق البوغاز في اتجاه أوروبا بحثا عن لقمة عيش، وعلي الانبطاح فوق قضبان السكك الحديدية في انتظار قطار داهم بعد تمادي المسؤولين المعنيين في إهمالهم لواجب الدولة في ضمان مصدر للعيش الكريم لمئات من ذوي الحاجات الخاصة، وعلي التهديد بحرق الذات أمام مقر البرلمان أو أمام مقر جهاز حكومي آخر، وبعبارة أخري، إن الذين ينتحرون أو يحاولون الانتحار يوميا لأسباب تعود إلي الفقر يمكنهم في أي لحظة أن يتمنطقوا بأحزمة متفجرة، والخطورة ستتضاعف أكثر كلما قرر هؤلاء ألا يتخلوا عن أحزمتهم أبدا درءا للوقوع في أيدي الشرطة. أخيرا، هل قدر الإنسان في هذا الجزء من شمال إفريقيا هو أن يكون هناك دائما عائق، حقيقي أو مفتعل، ينتصب بين الحين والآخر لتبرير الحاجة إلي تأجيل الديمقراطية، وذلك رغم أن هذه الأخيرة هي الفضاء الذي يتيح للجميع فرصة الوجود مع الآخر ضمن بيئة نظيفة من العنف الذاتي والعنف ضد الغير، خاصة وأن الإرهاب قد أصبح بمثابة الدجاجة في شريط سينمائي كل واحد يراها من منظوره ومن زاوية خدمة أغراضه؟ (*) من المغرب، كاتب، باحث، ومؤطر، في مجال التربية علي حقوق الإنسان والمواطنة ـ من أطر اللجنة العربية لحقوق الإنسان، باريس ـ فرنسا (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 19 أفريل 2007)  


اليهود المغاربيون: هويّة ممزّقة وبحث عن دور موعود بين العرب وإسرائيل

رشيد خشانة – الحياة     خلع مثقفان فرنسيان يساريان يتحدران من الجزائر ثوب التقدمية وارتديا أزياء أسلافهما اليهود في محاولة للنظر في مرآة الهوية. الأول هو الفيلسوف الراحل جاك دريدا الذي صدرت أخيراً «اعترافاته» عن دار «ستوك» الباريسية مُترجمة من الإنكليزية، أما الثاني فهو الباحث المعروف بنجامين ستورا الذي أصدر آخر العام الماضي كتاب «المنافي الثلاثة» واعتبره احتفاء بدور اليهود الجزائريين وهو كتاب شامل عن تاريخهم في هذا البلد. وتطرق دريدا في الكتاب الذي جمع مواده كل من جون كابوتو ومايكل سكانلون إلى التباعد بين فكره الإلحادي وقوة انجذابه إلى الصلاة والبكاء، ودأبه على تقبيل الغطاء الذي يوضع على الرأس عند التعبَد (ويُسمى في العبرية «التاليث»)، ما حمل المعلقين على القول إن هذا الموقف يعكس درجة مُحيرة من التناقض، بل الانفصام. وفي المقابل أتى كتاب ستورا المولود في قسنطينة عام 1950 والذي بدأ حياته تروتسكياً ثم اندمج في العالم الأكاديمي متخصصاً في تاريخ المغرب العربي المعاصر ومديراً لمعهد المغرب العربي – أوروبا في جامعة باريس الثامنة، نوعاً من السيرة الذاتية الطريفة. وعكس الكتابان حال اليهود المغاربيين الذين تتقاذفهم أمواج شد وجذب جعلت هويتهم رجراجة وممزقة، فهم مشدودون لأوتاد متباعدة أحدها نداء المشروع الصهيوني المُحرض على الهجرة إلى فلسطين وطرفها الآخر الحنين إلى الوطن الأم حيث تركوا ذكريات الصبا والشباب، أما ثالثها فالمهاجر الأوروبية التي حضنتهم بعد موجتي الهجرة الرئيسيتين في 1948 و1967 فجنحوا الى استيطانها والاندماج فيها. درجة ثانية مع حصول تقارب سياسي ما انفكت علاماته تطفو على السطح بين الدولة العبرية وأكثر من بلد مغاربي خلال السنوات الأخيرة، تنامى دور يهود شمال أفريقيا الذين لعبوا دور همزة الوصل وكانوا في قلب الاتصالات بين الجانبين. ولم تكن الوساطة ترمي فقط إلى تهيئة الأجواء للخطوات التطبيعية المُعلنة لاحقاً وإنما شكلت فرصاً للعودة إلى المدن والأحياء التي شب في غبارها أطفال يهود أصبحوا بعد هجرة آبائهم إلى فلسطين مواطنين اسرائيليين. وعلى رغم أن اليهود العرب يُصنفون في الدولة العبرية مواطنين من الدرجة الثانية بالنظر الى كونهم من «السفارديم» (اليهود الشرقيين) فإن بعضهم نجح في تسلق سلم السياسة وارتقى إلى مناصب رفيعة مثل الأمين العام السابق لحزب العمل الإسرائيلي نسيم زفيلي (من أصل تونسي) ووزير الخارجية السابق ديفيد ليفي (المولود في المغرب) وخلفه سيلفان شالوم (المولود في تونس). وتزامن تنامي دور هؤلاء مع وصول العلاقات الإسرائيلية مع البلدان المغاربية إلى أوجها بدءاً من إقامة علاقات ديبلوماسية مع كل من الرباط وتونس في أواسط التسعينات، وربط اتصالات بعيداً من الأضواء الإعلامية مع ليبيا والجزائر في الفترة نفسها، وصولاً إلى التطبيع الكامل الذي اتخذ طابعاً استعراضياً مع موريتانيا في عهد الرئيس المخلوع معاوية ولد الطايع. ويمكن القول إن هناك علاقة متشابكة بين اليهود الذين بقوا في البلدان المغاربية وأولئك الذين هاجروا إلى فلسطين في فترات مبكرة، إذ تكاملت الحلقتان لدى دفع مسار التطبيع المغاربي – الإسرائيلي في شكل لافت. ولوحظ أن هذين الدورين استمرا في التكامل نفسه حتى بعد تجميد التطبيع بغية المحافظة على جسور غير مُعلنة، على نحو ما فعل الوزير المغربي السابق سيرج بيرديغو الذي رتب زيارات مسؤولين اسرائيليين للمغرب، وعضو مجلس المستشارين التونسي روجي بيسموث (وهو يشغل أيضاً منصباً قيادياً في اتحاد الصناعيين) الذي أرسل في مهمة الى إسرائيل، ورئيس الجالية اليهودية الليبية في بريطانيا رفائيل لوزون (الذي كان يسكن في طبريا قبل الانتقال إلى لندن) والذي كشف في حوار صحافي أنه هو الذي نسق مع مواطنه رفائيل فلاح لترتيب زيارة مجموعة من «الحجاج» الليبيين الى القدس في مطالع تسعينات القرن الماضي… للصلاة في المسجد الأقصى. وصرح جوزيف سيتروك كبير أحبار فرنسا في مناسبة زيارة تونس عام 2004 أن الحكومة التونسية «عملت الكثير للمساهمة في إيجاد حل للخلاف الإسرائيلي – الفلسطيني وأن الوقت حان للخروج بموقف علني واتخاذ مبادرات جريئة (في مجال التطبيع الثنائي)»، ما كشف أهمية الدور الذي يقوم به للوساطة بين الجانبين. أما بيسموث فزار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون في مستشفى «هداسا» في القدس المحتلة، وصرح الى إحدى الفضائيات أنه أتى موفداً من حكومة بلده خصوصاً لعيادته، ما أثار ردود فعل مُستهجنة في تونس. خمس هجرات إلى جانب دور الوساطة هذا للتقريب بين اسرائيل ودولهم الأصلية، يلعب اليهود المغاربيون أدواراً سياسية وإعلامية واقتصادية وثقافية مهمة في المهاجر الأوروبية خصوصاً فرنسا. والمُلاحظ أن غالبية اليهود المغاربيين اختاروا الاستقرار في نهاية المطاف في فرنسا بعدما غادروا مواطنهم الأصلية إلى فلسطين في موجات متوالية عبر ميناء مرسيليا تحت تأثير الدعاية الصهيونية. غير أن كثيراً منهم لم يستطع التأقلم مع البيئة الإسرائيلية المختلطة فقفل عائداً إلى فرنسا. وتزامنت الهجرات الكبرى مع بعض الإنعطافات المُهمة، أسوة بإنشاء اسرائيل سنة 1948 واستقلال تونس سنة 1956 والجزائر 1962 وحرب حزيران (يونيو) 1967 التي تعرضت خلالها محال اليهود للاعتداء في تونس وطرابلس وبنغازي، ثم حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973 التي شهدت آخر موجة هجرة جماعية من شمال أفريقيا. وعلى سبيل المثال تراجع عدد اليهود في جزيرة جربة التونسية التي كانت تضم أكبر تجمع لليهود وللمدارس التلمودية خارج العاصمة تونس إلى أقل من ألفي شخص حالياً بعدما كان العدد يتجاوز خمسة آلاف في الستينات. وتراجع عدد اليهود في المغرب بعدما كانوا أكبر تجمع لليهود الشرقيين في العالم العربي، خصوصاً بعد تفجير معالم يهودية في الدار البيضاء السنة 2005. أما في الجزائر فأكبر موجة مُغادرة هي تلك التي أعقبت الاستقلال إذ شعر اليهود بأن مصيرهم مرتبط بمصير الجالية الفرنسية التي غادرت الى وطنها الأم. وعزا المؤرخون هذا الارتباط إلى أن اليهود المغاربيين استفادوا من «مرسوم كريميو» (Décret Crémieux) الصادر سنة 1870 والذي منحهم حق حمل الجنسية الفرنسية، مع ما ترتب على ذلك من امتيازات وظيفية واجتماعية لم يكن يتمتع بها مواطنوهم المسلمون في ظل الاحتلال الفرنسي. وبموجب ذلك المرسوم كان الموظف الحائز الجنسية الفرنسية يتقاضى راتباً يزيد عن مواطنه التونسي أو المغربي أو الجزائري بنسبة الثلث. ولعل هذا ما يفسر تشبث أكثرية اليهود المغاربيين بجنسيتهم الفرنسية حتى بعد الاستقلالات، وتفضيلهم العيش في ضواحي باريس أو مرسيليا أو «الخليج اللازوردي» على المدن المغاربية أو اسرائيل التي لم يستطيبوا العيش فيها. من هنا اكتسب أبناؤهم مواقع بارزة في المجتمع الفرنسي أسوة بجوزيف سيتروك كبير أحبار فرنسا (وهو أيضاً رئيس مجمع الأحبار الأوروبي) والخبير الاقتصادي جان بول فيتوسي ورجل الإعلام الراحل سيرج عدة والمغني ميشال بوجناح المنحدرين من أصول تونسية، أو جزائريي الأصل أمثال مدير مجلة «نوفال أوبسارفاتور» جان دانيال والفيلسوف جاك دريدا والأكاديمية هيلين سيكسو والمؤرخ بنجامين ستورا مؤلف كتاب «المنافي الثلاثة». وينقسم هؤلاء إلى ألوان متباعدة في موقفهم من اسرائيل، ففيما لم يتوان سيتروك عن حض اليهود على تلبية نداء آرييل شارون العام الماضي للهجرة إلى دولة إسرائيل قائلاً لوسائل الإعلام «إني أشجعهم على ذلك وأعتبره اختياراً صائباً»، عارض آخرون (وإن كانوا قلة قليلة) أي دعم يُقدم لدولة تمارس الاحتلال والاغتيالات. وتناغمت الأصوات اليهودية المنتقدة في فرنسا مع شخصيات يهودية أخرى رفعت صوتها من داخل البلدان المغاربية مراراً بالانتقاد للدولة العبرية، خصوصاً خلال الحرب الأخيرة على لبنان، أسوة بالرسالة القوية التي نشرها الوجه النقابي والسياسي التونسي المعروف جورج عدة (والذي أيد دائماً منظمة التحرير الفلسطينية) والروائي المغربي ادمون عمران المليح الذي وقَّع مع مواطنه الناشط الحقوقي اليساري سيون أسيدون مقالاً شديد اللهجة نشراه في صحيفة «لوموند» لمعارضة الحرب التي استهدفت لبنان. وفي هذا الإطار لوحظ أن أندري أزولاي مستشار الملك محمد السادس دعا أخيراً، بصفته عضواً في فريق الأمم المتحدة الذي شكله الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان لتقديم أفكار حول محاربة سوء الفهم بين الحضارات، إلى اعتماد رؤية سياسية لقضية التحالف بين الحضارات. واقترح أزولاي في الاجتماع الأول للفريق في نيويورك الذي حضره أيضاً الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي والمتخصص بالحضارة الإسلامية في جامعة جورج تاون جون اسبوزيتو ووزير الخارجية الفرنسي الأسبق هوبير فيدرين، ما سمَاه «قراءة جديدة وموضوعية للعناصر السياسية التي كانت وراء وقوع المآسي التي تضعف روابط الغرب بالعالم الإسلامي وتضعهما في حال مواجهة»، مُشيراً إلى ضرورة «مساءلة الوقائع، خصوصاً ما يتعلق منها بالملف الفلسطيني الذي يعتبر ملفاً رئيساً لم تستطع المجموعة الدولية إلى الآن تنفيذ القرارات التي اتخذتها في شأنه». نداء الوطن؟ لكن اللافت أن كثيراً من يهود شمال أفريقيا المقيمين في أوروبا صاروا حريصين في السنوات الأخيرة على زيارة بلادهم الأصلية وكتب بعضهم مقالات وروايات عن اللقاء مع موطن الجذور. غير أن تلك اللقاءت ظلت مجرد زيارات ولم يخطط أحد منهم للعودة النهائية. وفي هذا الإطار يقوم رئيس الجالية اليهودية الليبية رفائيل لوزون منذ فترة بحملة مكثفة للضغط بشتى الطرق على المؤسسات التابعة للدولة الليبية (من ضمنها نشر مجموعة من المقالات في بعض المواقع الليبية على شبكة الانترنت) للمطالبة بالسماح لليهود بالعودة إلى ليبيا و «فتح ملف جديد» في العلاقات بين الجانبين بعد دفع تعويضات «عما لحق بهم من أذى وطرد» على حد تعبيره. وهو يستدل على وجاهة مطلبه بأن الجزائر والمغرب وتونس سمحت لليهود الذين هاجروا منها بالعودة إليها سياحاً وزواراً. وغير بعيد من ليبيا عاد وزير الخارجية السابق سيلفان شالوم إلى بيت والديه في مدينة قابس التونسية وسط إجراءات أمنية مشددة واحتجاجات واسعة من النشطاء بمناسبة رئاسته الوفد الإسرائيلي إلى القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي استضافت تونس شوطها الثاني في تشرين الأول (أكتوبر) 2005. وربط مراقبون بين هذه الظاهرة وتقدم مستوى التطبيع التونسي – الإسرائيلي، العلني والخفي، في السنوات الأخيرة مُستدلين على ذلك بزيارات شخصيات اسرائيلية آخرها وفد برئاسة نائب رئيسة «الكنيست» مجلي وهبة، وكذلك «الزيارة» المنظمة سنوياً لكنيس «الغربية» في جربة منذ أواسط تسعينات القرن الماضي والتي انطلقت في أعقاب توقيع الفلسطينيين والإسرائيليين على اتفاقات أوسلو. ويشارك في تلك الطقوس آلاف اليهود الذين يأتي قسم منهم من الدولة العبرية، ومنهم رجال دين إسرائيليون ونواب في الكنيست ووزراء سابقون ووفود إعلامية تمثل محطات إذاعة وتليفزيون اسرائيلية. لكن تفضيل اليهود الجزائريين والمغاربة والتونسيين الإقامة في فرنسا واليهود الليبيين السكن في إيطاليا أو بريطانيا، لا يعني أن أقساماً كبيرة منهم لم تستقر في الدولة العبرية وتربط مصيرها بها نهائياً، مع المحفاظ على خصوصياتها الثقافية والاجتماعية، فالليبيون على سبيل المثال ما زالوا يقيمون في تجمعات سكنية تمثل مناطقهم الأصلية في ليبيا فتجد مثلاً يهود طرابلس ويهود مصراتة ويهود بنغازي ويهود زليتن متجاورين في السكن. كذلك ما زالت الأسر المغاربية في إسرائيل تحافظ على عاداتها في الأكل والطبخ والزواج، وهي تُصر على الارتباط بعضها بالبعض الآخر بواسطة المصاهرة. وهناك صحف ومتاحف ومراكز دراسات ولوبيات خاصة بهم، من بينها صحيفة تمثل الجالية اليهودية الليبية ومتحفان، إضافة الى مركز دراسات وتوثيق عن اليهود التونسيين. كما شكلوا روابط خاصة بهم مثل «رابطة يهود ليبيا» التي عقدت أول مؤتمر لها في نيويورك عام 1979 والثاني في اسرائيل عام 1982 والثالث في روما عام 1989. وهناك من يتوقع دوراً أكبر لليهود المغاربيين والمتحدرين من أصول عربية عموماً، في أي تسوية مقبلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولا يخفي كثير من هؤلاء قناعتهم بأن ذلك الدور آت لا محال انطلاقاً مما وصفه رفائيل لوزون بـ «فشل الساسة العرب والإسرائيليين في تحقيق السلام وإيجاد حلول للصراع العربي – الاسرائيلي». ويعتقد لوزون، مثل كثير من اليهود المغاربيين، بأن «السلام لن يتحقق إلا بإعطاء فرصة لليهود العرب ليقوموا بدورهم السياسي، فاليهود الأوربيون والروس سيطروا على السياسة (الإسرائيلية) وفشلوا في إيجاد طريقة للتواصل مع الناس في المنطقة، واليهود العرب أكثر معرفة بالمنطقة من غيرهم». لكن مسارات الذين ارتقوا إلى سدة الحكم من اليهود العرب أمثال وزير الحرب الأسبق بنيامين بن اليعازر وسيلفان شالوم وديفيد ليفي أثبتت أنهم يختارون دوماً معسكر الصقور، بل كانوا عتاة الصقور، فيما شكل الناخبون الآتون من البلاد العربية قاعدة الأحزاب المتشددة وفي مقدمها «الليكود». (*) صحافي من أسرة «الحياة». (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 18 أفريل 2007)  

الدولة الحزبية نقيض للدولة الديمقراطية

بقلم: الأستاذ الهادي المثلوثي ما من شك أن للدولة في العالم العربي مفهوما خاصا فهي إما ملك لحزب أو لأسرة مالكة وفي كلتا الحالتين ليس ثمة فرق كبير في إدارة السلطة وشؤون الدولة وطريقة التصرف في إمكاناتها الاقتصادية إذ يحتكر النظام القائم بصورة آلية أحقية التحكم المطلق في مصير الدولة من خلال مصادرة إرادة الشعب والتفرد بالقرارات والخيارات والتوجهات العامة ما يجعل حزب السلطة ونفوذه فوق الجميع كما تصبح أجهزة الدولة والمناصب والوظائف والامتيازات مصدر قوة للحزب ولهيمنته، الأمر الذي يصهر الحزب في الدولة لتكون ملكا له. في مثل هذه الحالة يستحيل تخليص الدولة من قبضة النفوذ الحزبي ومصالح المحميين بالمظلة الحزبية. ودون تحرر السلطة من الرافعة الحزبية يستحيل إحداث تحول حقيقي من حالة الركود إلى حالة تتسم بالدينامية الفكرية والثقافية والسياسية نظرا لتقيد سلك المسئولين في دوائر السلطة وأجهزتها بالقرار الحزبي وتوجهات أصحاب النفوذ في الحزب. فمن لا يتحزب في السلطة فهو معارض للحزب ومن لا يلبي مصالح الحزبيين فهو غير وطني حتى أصبح الحزب هو السلطة والسلطة هي جهاز حزبي وعليه تكون الدولة رهينة الحزب وملكية مشاعة للمتحزبين. في هذا الإطار ينعدم النقد وتطمس الحقائق وتمنع المحاسبة والمراقبة والشفافية وتبقى شعارات الولاء هي الغطاء لكل المستفيدين وتضحي مزاعم الإصلاح والرقي والنجاحات في مشاريع التطوير والتنمية هي الخطاب السائد والذي تعمل مختلف الأجهزة الإعلامية الرسمية على تزويقه وترويجه وتبرير مقتضياته. هذا التلاحم بين الحزب والسلطة القائمة يمنع قيام دولة القانون والمؤسسات فلا فصل بين السلطات ولا جدوى من البرلمانات ولا استقلالية للمنظمات والجمعيات ولا مكانة للكفاءات دون ولاءات حزبية. وحين يستب الأمر على هذا المنوال لا بد للتلاحم بين الحزب والسلطة أن يخنق الممارسة الديمقراطية ويشل التعددية الحزبية لكونها قد تنافس الحزب الحاكم وتهدد مكانته وتحد من نفوذه وانفراده بالقرار واحتكاره للمناصب والمسؤوليات والامتيازات التي توفرها الدولة. والحقيقة من يتمكن من مقاليد الحكم بالاستيلاء أو مزاعم الشرعية التاريخية وينصب نفسه منقذا ومؤتمنا على مصير الدولة فلا مناص له غير تشديد قبضته على نظام الدولة وفرض حالة من الاستبداد والقمع لينفرد بالمسيرة بأي اتجاه أراد، حينها ليس بإمكانه أن يرى عيوبه وأخطائه وليس بمقدوره أن يُفرّط في مكاسبه ومغانمه وهذا النوع من الأحزاب الحاكمة يكون مجرد مؤسسة مفتوحة للوصوليين والانتهازيين وذوي المصالح الذاتية الضيقة فتراهم أشرس المدافعين عن فوقية القرار وأحادية الرأي وتجدهم في طليعة الساعين إلى تغطية الفساد وتزييف الحقائق، وهذا أمر يفرض عليهم مصادرة إرادة الشعب ومحاصرة الرأي المخالف وبالتالي رفض النشاط المعارض ومنع الديمقراطية من أخذ مداها الحقيقي من خلال احتواء واستقطاب ما أمكن من الأصوات المعارضة ومنع وقمع القوى المناهضة للفساد والاستبداد ومحاولة تهميشها والدس بين صفوفها لتفتيتها وإضعافها وحتى ما تم احتواؤه من أحزاب معارضة فهو بصورة أو أخرى إما أن يكون مؤيدا للحزب الحاكم كي يحصل على الدعم وحيازة مقاعد نيابية ليكون مجرد ديكور للديمقراطية الزائفة وإما أن يكون عرضة للحصار والتقويض من الداخل عبر مدسوسي الأجهزة الأمنية وما أقدر هذه الأجهزة على اختراق قوى المعارضة ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني ولا غرابة في ذلك طالما أن الدولة حزبية في أساسها وأمنية في أصلها وملكية خاصة لحكامها. في ظل مثل هذه الدولة، يفقد الدستور دوره والقانون حرمته والمواطن حريته والمنظمات النقابية والجمعيات المدنية والأحزاب السياسية استقلاليتها، وعموما يفقد الشعب إرادته ويستسلم للخوف ويرفع راية التأييد المطلق للنظام الحزبي الأمني المطبق على حركة الإنسان وحياة المجتمع برمته. في مثل هذه الدولة، لا يتصرف المسئول، مهما علا شأنه، حسب كفاءته والمصلحة الوطنية العليا وإنما حسب مقتضيات إرضاء الحزب الحاكم ومن كان وراء تعيينه في منصبه. وهكذا يكون الحزبي المناسب في المكان المناسب لخدمة مصالح الحزب وتنفيذ سياساته ما يجعل الحزب فوق الدولة وقبل المصلحة العامة. حين ينصهر الحزب في الدولة يفقد مبادئه وشرعيته النضالية وإشعاعه الفكري والثقافي وتستحكم به مستلزمات السلطة وبروتوكولاتها فلا يجد ما يقدمه لقاعدته الشعبية ومنظورين غير الخطابات السياسية وتكرار مضامينها وتصبح وسيلته لكسب المؤيدين الإغراء ومنح الامتيازات والتعيينات والتسميات في المناصب الإدارية ما يفتح الباب واسعا أمام المتطلعين إلى الوجاهة والمدفوعين بالروح الانتهازية والنفعية الضيقة مما يوفر أرضية خصبة للفساد بمختلف ألوانه وأبعاده. فهؤلاء يشكلون خطرا على ذوي النوايا الصادقة فيكيدون ويمكرون بهم ويعرقلون أي تغيير حفاظا على مصالحهم ومكاسبهم ومفاسدهم فيضعف دور الحزب النضالي ويقل عطاؤه الفكري ولا يجد حماية له غير احتكار مقاليد الحكم والهيمنة على دواليب الدولة ويستقوي بأجهزتها الأمنية بل يصبح هو نفسه جهازها الأمني وعيونها وأعوانها. وبحكم ذلك تكتسي الدولة طابع الاستبداد ويصبح القمع والمنع وسيلة للتفرد بالرأي والقرار واحتكار المنافع عبر النفوذ الحزبي المدثر بسلطة الدولة. إن من يحتكر الدولة بكاملها ويضعها تحت تصرفه الشامل يستحيل عليه التسليم بمبادئ الديمقراطية والاقتناع بالتعددية الحزبية الفاعلة والمنافسة السياسية الحرة والنزيهة وبالتداول السلمي على السلطة ولا حتى الشراكة الحقيقية فيها وبفعل ذلك تعطلت مشاريع الإصلاح السياسي في عالمنا الموبوء أو حرفت وزيفت وشوهت وازدادت أحزاب السلطة تعلقا باستبقاء دار لقمان على حالها والتمديد لحكامها والبعض ازدادت قناعته بضرورة التوريث العائلي أو الحزبي للسلطة. وإن شذت موريتانيا عن المشهد القاتم فلأن توالي الانقلابات لم يُمكّن حزبا بعينه من الاستقرار لفترة كافية تسمح له بتوطيد سلطته الشاملة واستحواذه على الدولة برمتها حيث لازالت الولاءات القبلية والعرقية والمؤسسة العسكرية خارج هيمنة الحزب الواحد فكان من الطبيعي أن تظفر موريتانيا بفرصة تاريخية للانخراط في المسار الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة عبر انتخاب حقيقية بعدما تحررت المؤسسة العسكرية من الهيمنة الحزبية الضيقة ووعيها بدورها الوطني وبأن مقاليد الحكم ليست حكرا لحزب دون آخر وأن لإرادة الشعب الكلمة الأخيرة. قد يتصور البعض أن النموذج الموريتاني يمكن النسج عليه ويتفاءل البعض بكون الديمقراطية آتية لا ريب فيها ويعتقد البعض أن النضج الاجتماعي ضروري لإرساء الديمقراطية ولكن واقع الحال بالنسبة للأحزاب السلطوية والنظم العائلية لا يوحي بأنه يمكن الفصل بين الحزب القائم على ملكية الدولة والدولة القائمة على شرعية وعقيدة الحزب الواحد. وهنا لا يمكن أن تجد الديمقراطية حظها ولا التعددية معناها ولا التداول على السلطة قبولا وترحيبا وهي أمور تعني بالنسبة للأحزاب الحاكمة التفريط في مكاسبها ودعائم وجودها أساسا علاوة على كونها ترى في منافسيها ومعارضيها قوى معادية ومتآمرة عليها وليست شريكة لها في الحياة السياسية وبناء الدولة. فما الحل إذن، لتحرير السلطة من مغتصبيها وتمكين الشعب من حكم نفسه بنفسه؟. الجواب متعدد الجوانب، ولا بد من الأخذ في الاعتبار أننا في حالة احتلال من قبل أنظمة حزبية وعائلية. ومثلما نحتاج إلى جبهة وطنية لمقاومة الاحتلال وتحرير الوطن، نحتاج إلى جبهة وطنية أشد تلاحما لتحرير السلطة من هيمنة الحزب الواحد وتخليص الدولة من هيمنة الفرد الواحد أو الأسرة الواحدة. أما الاكتفاء برفع شعار الديمقراطية والمناداة بالتعددية والمطالبة بالتداول على السلطة وانتظار الاستجابة ممن يدركون أن في ذلك محاولة للإطاحة بهم فإنه لن يجدي نفعا ولن يحقق أملا في الإصلاح سيما وأن الداعين إلى الإصلاح والمعارضين والمناهضين لاستبداد وفساد الأنظمة الحاكمة يعملون وينشطون ضمن كتل وتنظيمات متعددة وغير مؤتلفة ومتناحرة أحيانا مما يضعف صوت المعارضة ويقلص دائرة فعلها وتأثيرها في الواقع. وعليه يصبح العمل الجبهوي ضرورة نضالية لقوى المعارضة ويصبح دورها كفيلا بإحداث تحولات جذرية على الحياة السياسية المتكلسة ومحاصرة الأحزاب السلطوية وتقليص نفوذها واحتكاراتها وفرض الشراكة السياسية عليها تطبيقا للممارسة الديمقراطية والتعددية والتداول على مقاليد الحكم. إن تغليب النفوذ الحزبي على السلطة وقوانينها واستقواء الحزب بأجهزة الدولة وإمكاناتها يؤكد أننا إزاء مالك ومملوك وليس حاكم شرعي ومحكوم حر. فالأحزاب الحاكمة باسم الشعب هي مالكة ملكية مطلقة للدولة وحاكمة حكما أبديا واستبداديا بقانون القوة الأمنية للدولة وما بثه من خوف بين الناس مما قد يدفع إلى الاعتقاد أن لا تغيير إلا بهدم الدولة ولذا يسود الشعور لدى الكثير من العامة أن هناك هوة بين المواطن (وهو فاقد الحق بالمواطنة واستحقاقاتها) وبين الدولة (المتغولة) حتى صار هدر وتخريب وإهمال الممتلكات العمومية مسألة توحي بشيء من العداوة والغضب تجاه دولة الحزب أو مملكة الحزب أو حزب السلطة. فإذا كانت النخبة المعارضة واعية بطرق ممارستها لمواجهة أخطاء السلطة وسياساتها القمعية والمدافعين عنها بحكم الاستفادة منها وبجميع مفاسدها فإن شريحة واسعة من طبقات المجتمع محدودة الوعي ترى في الدولة مصدر شقائها وحرمانها وقهرها فتمارس غضبها بطرق عبثية ولا مسؤولة تجاه الملك العام باعتباره حسب فهمها ملكا لغيرها وقد باتت الدولة لديها أو الحكومة جهة معادية ومصدر خوف دائم. هذا النوع من الثقافة الهدامة كرسته الأحزاب السلطوية وسياساتها الاحتكارية والاستحواذية على مقدرات الدولة ولحماية نفوذها ومصالحها حولت أجهزة الدولة إلى وسائل ضغط وقمع وترويض للمواطن. إن الدولة في عالمنا ليست لجميع أبنائها والسلطة ليست في خدمة الشعب بل جهاز أو آلية من آليات التدجين والتدجيل لسلب إرادة الشعب وتسخيره للحفاظ على مملكة الحزب أو العائلة المالكة. فإذا كانت الدولة تكتسي مفهوما قوميا أو قانونيا ودستوريا في العالم الغربي فإن الدولة في عالمنا تعد مؤسسة حزبية أو عائلية والشعب فيها مجرد رعية لا أمر لها غير أمر راعيها وحراميها ما جعل الاستبداد والفساد قرينان لا يستقيم حكم دونهما في عرف الأحزاب السلطوية والدول الحزبية حيث لا رقابة ولا محاسبة ولا إرادة للشعب على حكامه. وإذا كان بالإمكان أن نصل إلى استنتاجات فهي: 1- أن الاستقلال من الاستعمار أسهل من تحرير الدولة من هيمنة الحزب الواحد. 2- أن الدولة الحزبية تقوم على مصادرة إرادة الشعب عبر سياسة التدجين والتدجيل والترهيب. 3- أن الدولة الحزبية نقيض معاد للديمقراطية والتعددية وفكرة التداول على السلطة باعتبار الدولة في هذه الحالة ملك للحزب. 4- أن الهيمنة الحزبية على الدولة هي مصدر الاستبداد والفساد وتأبيد الحكم الفردي الأمر الذي يستحيل في ظله إحداث أي إصلاح أو تطوير أو القيام بالمراقبة والمحاسبة. 5- أن تعدد أحزاب المعارضة واختلاف مواقفها وتشتت جهودها يفقدها التأييد الشعبي والمستفيد في النهاية الحزب الحاكم. 6- أن واقع الحال يقتضي أسلوب آخر من أساليب المعارضة وهو العمل الجبهوي بهدف خلق القوة القادرة على المواجهة والمنافسة الديمقراطية لتقليص نفوذ حزب السلطة وتحرير أجهزة الدولة من قبضته بالعمل على تحييدها. والخلاصة أن مسألة الإصلاح السياسي في مثل أوضاعنا لا تتم بالمناشدة والمطالبة ورفع الأصوات المعارضة بل هي معركة تحرير لإرادة الشعب وتخليص للدولة من هيمنة الحزب الحاكم المالك وهي معركة استكمال للاستقلال الوطني من الاحتكار والاستبداد الداخلي لإتمام بناء دولة المواطنة الكاملة. ومن الضروري استخدام كل الوسائل المتاحة لخوض هذه المعركة ولا معركة ناجحة دون ائتلاف جبهوي واسع لقوى المعارضة. وهذا أمر ينطبق تقريبا على جميع الساحات السياسية العربية إن كنا نسعى حقا لبناء الدولة الديمقراطية كبديل للدولة الحزبية التي ليست إلا مملكة للاستبداد والفساد. بقلم الأستاذ الهادي المثلوثي، تونس في 19/04/2007.

ملاحظات حول آراء وفاء سلطان:

العلمانية ليست ديانة جديدة

د. رجاء بن سلامة     قد نلجأ إلى الإفراط أحيانا لشعورنا بأنّ ملامسة مكبوت جماعيّ ما تدفعنا إلى ذلك، فتذكّر جروح الماضي وصدماته كما في تجربة التّحليل النّفسيّ التي يعيشها الفرد، كثيرا ما يصحبها الانفعال وتكون الشّكوى نمط تعبير عنها. ولذلك، ليس من الغريب أن تكون كتابة المرأة عن وضع المرأة كتابة متوتّرة لأنّها موتورة. فالموتور هو الذي يطالب بالثّأر، ولا مناص أحيانا من أن تكون مطالبته صراخا، كما في الأسطورة الجاهليّة التي تقول إنّ روح القتيل تظلّ تصيح « اسقوني » إلى أن يؤخذ بثأره. وليؤخذ هذا الكلام على أنّه اعتراف شخصيّ منّي باعتمادي من حين إلى آخر طريقة في الكتابة قد تكون مفرطة في التّشنّج، هي كتابة الموتورات، المطالبات بثأر مستضعفي الماضي والحاضر. وقد تكون الجرأة فضيلة في عالمنا العربيّ الذي لم يتبنّ بعد أبجديّات حرّيّة الرّأي والتّعبير، وحرّيّة المعتقد وتغيير المعتقد، وهذه الجرأة هي التي بهرت بها الدّكتورة وفاء سلطان مشاهدي قناة الجزيرة عندما واجهت ذلك الشّيخ الأزهريّ المحارب، وتكلّمت بلغة لم تعهدها وسائل إعلامنا، وتكلّمت آنذاك بلغة مغايرة للغته، وبمرجعيّة غير مرجعيّته، ممّا جعله يصاب بالبهتة ويكتفي بشتمها واتّهامها بالهرطقة. والمطّلع على كتابات السّيّدة وفاء سلطان على الإنترنت (انظر موقعها الفرعيّ في الحوار المتمدّن) لا يسعه أوّلا إلاّ أن يدافع عن حقّها المطلق في حرّيّة التّعبير، وحقّها في أن يكون في كلامها إفراط الموتورات، ولا يسعه إلاّ أن يدافع عنها ضدّ ما يهدّد حياتها، وضدّ الشّتائم التي تكال إليها في المواقع والمدوّنات. إلاّ أنّ الجرأة في حدّ ذاتها لا تكون كافية إذا لم تنبع من شعور بالمسؤوليّة. والمتألّم الموتور، بعد أن يتذكّر الآلام الماضية يجب أن يتجاوز الشّكوى إلى بناء الحاضر، وإلى إبداع تفكير غير قائم على ردّ الفعل بالفعل نفسه، وإلاّ فإنّنا نواجه الحقد بالحقد، والتّطهير بالتّطهير، وتجرّنا تدميريّة بعض قوى الماضي إلى المتعة المطلقة بالتّدمير أو باستدامة الألم والشّكوى. ولذلك فإنّ دفاعي عن حقّ وفاء سلطان في التّعبير والإفراط وحقّها في الحياة لا يمنعني من إبداء ملاحظات نقديّة حول خطابها، ومن إبداء اختلافي عنها في تصوّرها للعلمانيّة، وفي طريقة نقدها للدّين، وفي اعتبارها الولايات المتّحدة الأميركية ممثّلة في حكومتها كفيلة بانتشالنا من التّخلّف، وفي تقسيمها العالم إلى كتلتين على طرفي نقيض تمثّل إحداهما الحضارة وتمثّل الثّانية الهمجيّة، وغير ذلك من الآراء التي قد تضعها هي أو يضعها قرّاؤها في خانة العلمانيّة، لاسيما أنّها تجوّز لنفسها الحديث باسم كلّ العلمانيّين العرب والمسلمين، بحيث أنّ عبارة « نحن العلمانيّين » تتردّد في كتاباتها وتصريحاتها. والرّأي عندي أنّ ما في خطاب وفاء سلطان من إفراط لا يعود فحسب إلى أسلوبها في الدّفاع، بل إلى طريقة في التّفكير يلتقي فيها الضدّ بضدّه، فلا ينتج ثقافة جديدة بقدر ما ينتج ديانة جديدة. هذه الدّيانة الجديدة تقول وفاء سلطان إنّها علمانيّة، وهي ليست علمانيّة، وتقول إنّها إلحاد وهي ليست إلحادا، إضافة إلى أنّ الخلط بين الإلحاد والعلمانيّة غير جائز مفهوميّا، وغير مفيد عمليّا، بما أنّ الإلحاد اختيار شخصيّ مشروع، والعلمانيّة مبدأ سياسيّ وأخلاقيّ لتنظيم الدّولة والمجتمع. إنّه مبدأ حياد واستقلاليّة، وليس مبدأ سيطرة وتطهير، وهو يقتضي اعتبار الدّين مسألة شخصيّة، وعدم اتّخاذه مرجعيّة للقانون، وعدم تدخّل الدّولة لفرض دين من الأديان، وعدم تدخّلها أيضا لفرض الخروج من الدّين. إنّ الصّمت عمّا في خطاب وفاء سلطان من هشاشة ومن مزالق لا يمكن إلاّ أن يعزّز معسكر التّفكير الثّنائيّ، ومعسكر مهدّدي حقّها في الحياة. تقول وفاء سلطان في أحد مقالاتها (محمد وظاهرة اللسان الداشر 1) : « هذه الفوضى الفكريّة التي سقط بها العالم الإسلامي أنهكته وشلّت القدرات العقليّة لإنسانه! هذا الإنسان الذي يتذبذب في مساره بين الضد وأقصى ضدّه. أسامة بن لادن يمسك بأحد طرفي المسار، ووفاء سلطان تمسك بالطرف الآخر والناس منقسمون بينهما، لا يقف اثنان منهم على نقطة واحدة في هذا المسار! والسؤال: هل تستطيع أمّة مشتتة كهذه أن تجد لها موقع قدم بين الأمم؟! « .ّ هل من باب التّفكير العقلانيّ المسؤول أن تعتبر وفاء سلطان نفسها المخلّص الممسك بحبل النّجاة في مواجهة الإرهابيّ بن لادن؟ هل يمكن أن يجوّز أيّ كاتب لنفسه هذا التّضخّم النّرجسيّ الذي يجعله يرى نفسه زعيما أوحد يأتي ليخلّص أمّة غارقة في غياهب الإرهاب؟ وقد ظننت في البداية أنّ الأمر يتعلّق بأسلوب في التّعبير، فإذا بهذا التّعاظم يتكرّر على نحو لافت، لأنّه ليس مجرّد أسلوب بل محتوى تفكير، وليس من باب الإفراط الذي ذكرته آنفا، بل هو إفراط من نوع آخر. فكما هو الشّأن في التّفكير الدّينيّ الدّعويّ، تعتقد وفاء سلطان أنّها صاحبة رسالة تنتشر انتشار النّار في الهشيم، فيتكاثر الدّعاة من حولها، كما تكاثر الحواريّون من حول المسيح، والمؤمنون حول نبيّ الإسلام، بحيث أنّها حصدت من الأتباع أكثر ممّا حصده أيّ مصلح وأي مفكّر تصدّى لجهالات الأمّة الإسلاميّة في العصر الحديث، ومات مغمورا بعد أن نال نصيبه من الحيف والغبن: تقول في أحد حواراتها : « … أما اليوم فلقدأصبحت حديث الشارع العربي والخبز الذي تتشاطره العائلة العربية على مائدةالعشاء. هناك الكثير من الجمعيات التي تشكلت وتتشكل سريّة على امتدادالعالم العربي التي تتبنى أفكاري وتقوم بطبع مقالاتي وتوزيعها. واحدة منهاتضم أكثر من خمسة آلاف عضو وتطلق على نفسها « جميعه أصدقاء وفاء سلطان. » (تقرير واشنطن، عدد 103، 7 أبريل 2007). ولئن كانت الكاتبة تقول عن نفسها إنّها لا تؤمن بالغيبيّات الدّينيّة، فإنّها تعتبر نفسها في علاقة مباشرة باللّه، قائمة على الاصطفاء من ناحية والوفاء بالدّيْن من ناحية أخرى : فهي تقول : « مولدي في سوريّة هو هدية الله لي، وقراري بأن أكون أمريكيّة هو هديّتي لله.أرسلني الله مسلمة عربيّة لغاية عنده، وقررت أن أكون أمريكيّة لا دينيّة كي أصل الى غايته! » (مقال « ويل لأمّة يتمشيخ طبيبها و -يتدكتر- شيخها »). فلوفاء سلطان إله آخر غير « إرهابيّ » كإله بن لادن، وهي نبيّته الجديدة المبشّرة به المحقّقة لغايته. إلاّ أنّ النّبيّة الجديدة لا تختلف كثيرا عن نبيّ الإسلام الذي تنتقده في استعمال العنف، وفي نشر رسالته بحدّ السّيف، فهي تستعمل أداة مختلفة عن السّيف، ولكنّها لا تقلّ قدرة عن التّطهير، وإن كان الأمر يتعلّق بتطهير الأدمغة. وهذه الأداة هي المطرقة: « عندما يتكلّس الإنسان داخل قالب فكري كالمستحاثة داخل صخر يعود للعصر الحجري، يحتاج الأمر إلى مطرقة وفاء سلطان وليس إلى سيف الحجّاج الثقفي! » (المقال نفسه). وكما يقوم التّفكير الدّينيّ البدائيّ على ثنائيّات الخير والشّرّ والطّهارة والنّجاسة بحيث لا يلتقي الضّدّان، ولا يلتبسان، ولا يخرج هذا من ذاك، يقوم تفكير وفاء سلطان على ثنائيّة الحضارة والتّخلّف، وتعتبر أميركا بلدا طاهرا لأنّه مهبط حقوق الإنسان لا مهبط الأديان (كلمتها في مؤتمر الأقباط المنعقد بواشنطن في نوفمبر 2005)، وتنسى أنّ هذا البلد لم يعلن عن حقوق الإنسان إلاّ بعد أن أباد أهله الهنود الحمر، واسترقّوا الأفارقة السّود، ولا تريد حكومته اليوم نشر الدّيمقراطيّة في العالم إلاّ بقدر ما تنتهك حقوق الإنسان والشّعوب، وتعرقل سير المجموعة الدّوليّة نحو إرساء سلطة أمميّة شرعيّة نافذة. ذلك أنّ هذا التّفكير الدّينيّ تفكير إطلاقيّ ماهويّ يلغي التّعقّد ويلغي عامل التّاريخ. وإلغاء التّاريخ هو ما تقوم به وفاء سلطان في قراءتها لأحداث وقعت في زمن الرّسول. الأصوليّون يلغون عامل التّاريخ باعتبارهم النّصوص المقدّسة بكلّ ما فيها صالحة لكلّ زمان ومكان، وهي تلغي التّاريخ بعزل النّصوص القديمة عن سياقها ومحاكمتها بمعيار العصر الحديث، وكأنّ النّبيّ الذي ظهر في القرن السّابع يجب أن يكون مؤمنا بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وكانّ تعدّد الزّوجات والزّواج المبكّر لم يكونا جائزين في ذلك العصر، أو كأنّ النّبيّ يفترض فيه أن يكون فعلا ملاكا طاهرا. إنّ القول بأنّ الإسلام ساوى بين الرّجال والنّساء وجاء بحقوق الإنسان قبل مئات السّنين تفكير لاتاريخيّ، وتمويه يجب أن نواجهه بالحجج وبالقراءة التّاريخيّة، ولكنّ محاكمة المجموعة الإسلاميّة الغازية في القرن السّابع بعيون عصرنا الحديث تفكير لاتاريخيّ أيضا، يمكن أن يساعد على تبديد الهالة القدسيّة للنّبيّ في سياق خصوميّ، ويمكن أن يثير، ولكنّني أعتقد أنّه لا يمكن أن يبني معرفة علميّة مقنعة، وأن يحقّق تراكما ثقافيّا على المدى البعيد. وكما يردّ الأصوليّون كلّ مظاهر الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة إلى الدّين ويعتبرونه الحلّ الوحيد لكلّ القضايا، تعتبر وفاء سلطان الدّين المشكل الوحيد المتسبّب في مآسينا بأنواعها، تقول في النّصّ المذكور : « في شرقنا الأوسط لم تكن ديكتاتوريّة الحاكم أصل المشكلة، بل كانت ديكتاتورية الدين، ولم تزل، أصل كلّ مشكلة. ولا يمكن أن تنبت للحرية بذرة في وسط مازال الدين فيه السيّد المطلق! » فالدّين حسب هذا التّصوّر مجموعة من الأفكار والعقائد المعزولة عن القوى التّاريخيّة الفاعلة في الأبنية الاجتماعيّة والسّياسيّة. يصيح الإسلاميّون : « الإسلام هو الحلّ »، فتصيح وفاء سلطان : « الإسلام هو المشكل »، وبين النّظيرين يضيع الواقع بتعقّده، وتغيب القوى الاجتماعيّة والسّياسيّة التي تتحكّم في رقاب النّاس، والتي لا يمثّل الدّين غير تعبير إيديولوجيّ لها. وكأنّ طغيان الدّين في هذه الرّبوع ليس ناتجا عن انعدام الإرادة السّياسيّة في الفصل بين الدّين والدّولة، وليس ناتجا عن انعدام شرعيّة الأنظمة السّياسيّة، وعن مصالح أسر حاكمة باسم الدّين، ومصالح قوى ضغط تريد أن تصل إلى الحكم باسم الدّين. إنّ طغيان الدّين على السّياسة والقانون والتّعليم شوّه مجتمعاتنا فعلا كما تذهب إلى ذلك وفاء سلطان، وعدم التّخلّي عن أحكام الفقه في منظوماتنا القانونيّة والتّربويّة مكّن الإرهابيّين والأصوليّين من إيديولوجيا جهاديّة استشهاديّة منتشرة ومترسّخة، لكنّنا لا نرى صلة آليّة بين العقيدة الإسلاميّة والإرهاب، لسبب بسيط هو أنّ المسلمين المؤمنين ليسوا جميعا إرهابيّين، وأنّ آباءنا وأجدادنا كانوا مؤمنين ولم يكونوا إرهابيّين، وكانوا يقبلون العيش مع اليهود والنّصارى، ولم يكونوا ضحايا للهوس الحصاريّ الذي نشهده اليوم. وقد ظننت أنّ المنهج السّلوكيّ الأميركيّ القائم على الفعل وردّ الفعل بعلمويّته الفجّة وتبسيطاته الصّارمة المخلّة، وبعدم اعتباره لتعقّد الذّات البشريّة وتعقّد دوافعها، وطرحه سؤال « كيف » بدل « لماذا »… قد تجاوزته الأحداث، إلى أن وقفت على آراء وفاء سلطان، وعلى قاعدتها « الذّهبيّة » القائلة بأنّ « العقائد تقود السّلوك » (Beliefs drive behaviors). إنّ شخصيّة الإنسان تتحدّد بنيتها في سنوات طفولته الأولى، ولو كان الإسلام في حدّ ذاته ديانة تدميريّة مرضيّة كما تصفه وفاء سلطان لكان كلّ المسلمين ذهانيّين وانتحاريّين وإرهابيّين ومجانين بالمعنى السّلبيّ المرضيّ للكلمة. فالطّفل المسلم لا أظنّ أنّه يتماهى مع الرّسول بل يتماهى مع والديه والمحيطين به. أمّا تماهي الإرهابيّ مع صورة النّبيّ المحارب فهو من باب التّماهيات الثّانويّة التي تتكوّن لاحقا بفعل غسل الدّماغ الإيديولوجيّ، وبفعل منطق المجموعة المتماهية مع زعيمها حسب ما بيّنه فرويد منذ سنة 1921 في نصّ بديع لم يفقد ألقه إلى اليوم، هو مقاله عن « دراسة نفسيّة الجموع وتحليل الأنا ». وقد بيّنت تقارير الخبراء وأبحاث المحلّلين النّفسانيّين، عن بعض حالات الإرهابيّين التي عرضت عليهم، أنّ اندفاعهم نحو الإرهاب ناتج في الكثير من الأحيان عن الذّهان الذي يتسبّب فيه الارتباط الالتحاميّ بالأمّ، وعدم وجود مكان للثّالث الذي يفصل ويمثّل عامل تقبّل للقانون. أمّا إيديولوجيا الإرهاب فهي محدّد آخر، وليست محدّدا وحيدا ولا مباشرا. إنّ إيديولوجيا الشّهادة والجهاد لا بدّ أن تتضافر كلّ الجهود الفرديّة والجماعيّة لمقاومتها، لأنّها تغذّي الإرهاب، ولكنّ الرّبط الآليّ بين العقيدة الإسلاميّة والإرهاب على هذا النّحو ليس مقنعا، ويمكن أن يساهم في نشر الشّعور لدى المسلمين بأنّ إسلامهم هو العار عينه وهو المشكل، فيردّون الفعل صارخين بأنّ الإسلام هو الحلّ، ويرفضون كلّ الحلول التي توفّر تحوّلا ديمقراطيّا وعلمانيّا. الدّين ليس ظاهرة معزولة عن القوى المادّيّة التّاريخيّة، والإسلام في حدّ ذاته، وإذا بقي في حدود الإيمان الشّخصيّ لا يولّد الإرهاب. الإسلام مع النّفط الوهّابيّ يولّد الإرهاب، والإسلام مع الحرمان السّياسيّ والمدنيّ يولّد الإرهاب، والإسلام مع الأنظمة التي لا تعمل لصالح شعوبها يولّد الإرهاب، والإسلام مع الرّأسماليّة العالميّة الوحشيّة التي تفقّر النّاس وتخلي البيوت وتلجئ الشّباب إلى قوارب الموت يولّد الإرهاب، والإسلام مع الفكر الأصوليّ المتمسّك بأحكام الشّريعة يولّد الإرهاب إضافة إلى التّمييز ضدّ النّساء والأقلّيّات. لا أعتقد أنّ هيمنة الدّين على السّياسة والمجتمع والقانون والمعرفة يمكن أن نقاومها بإنتاج ديانة أخرى ترتكز على نفس آليّات التّقديس والتّبشير والتّطهير وعبادة الأشخاص والتّفكير الثّنويّ والماهويّ الميتافيزيقيّ. وما أذهب إليه هو أنّ خطاب الإسلام السّياسيّ الإفراطيّ ولّد ضديده الإفراطيّ لدى بعض اللّيبراليّين والعلمانيّين، في نوع من لعبة المرآة التي تجعل بعض الخطابات العلمانيّة صورة معكوسة للخطابات الإسلاميّة. فكيف نعمل معا لنجد لغة وطريقا خارج لعبة المرآة هذه، وخارج ثقافة الإثارة وردّ الفعل بالفعل المعاكس؟ (المصدر: موقع « الأوان »، تصفح يوم 19 أفريل 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=151&Itemid=10
 

أشاد بها أرسطو:

المؤسسات السياسية في جمهورية قرطاج الديموقراطية

     

عبد المجيد الحواشي     « اشتهر القرطاجيون بإرسائهم مؤسسات جيدة ذات مؤهلات خارجة عن المألوف… والكثير من هذه المؤهلات بلغ حد الامتياز. وهو ما يقيم الدليل على حكمة القائمين على شؤون قرطاج بما جعل العنصر الشعبي محافظا بمحض اختياره على وفائه للنظام المؤسساتي القائم. وهكذا فان قرطاج لم تعرف أبدا من الانتفاضات والنظم الاستبدادية ما يستحق الذكر… » ( أرسطو:كتاب السياسة II-XI). من نافل القول أن اهتمام وإشادة أرسطو (824- 322 ق.م) بمؤسسات قرطاج السياسية في مؤلفه « السياسة » أمست منذ زمن بعيد مأثورة لدى العارفين. ومن المعلوم أيضا أن هذه الإشادة أنما تندرج ضمن عديد الشهادات المأثورة الأخرى في التنويه بالمؤسسات القرطاجية والتي وصلتنا عن طريق أدبيات القدامى من المؤرخين والفلاسفة والجغرافيين مثل أفلاطون (427-346 ق.م) والمؤرخ اليوناني الكبير بوليبيوس (202-126 ق.م) والمؤرخ والأديب الروماني تيتوس ليبيوس (59 ق.م-17 م) وكذلك ديودروس الصقلي( مؤرخ يوناني عاش في القرن الأول ق.م)، هذا فضلا عن الإشارات الواردة في مدونات قديمة أخرى لمؤرخين وأدباء وجغرافيين مثل سترابو(57 ق.م-21م) في كتب الجغرافيا 1 ،4، 9 ، وكذلك المعلومات الواردة في النقائش حول ذات المسألة… كل ذلك يؤلف إلى جانب الدراسات المتخصصة مادة معتبرة لتسليط بعض الأضواء على المؤسسات السياسية القرطاجية بما من شأنه أن يحفز على التفكير بشمولية أكبر في موضوع حيوي مثل موضوع المؤسسات السياسية في عمقه التاريخي. وإذا ما اعتبرنا تنوع روافد المعلومات المصدرية وتباينها في الزمان والمكان يصير بالإمكان النظر إليها في إطار منهج «السياقات المتقاطعة » (l’inter contextualité)، المعروف كمنهج بحث في مجال العلوم الاجتماعية لاسيما وأن هذا المنهج يمكن أن ينهل من تقاطع المعارف، بما أن المعلومات المصدرية الثمينة حول المسألة تنساب من « اختصاصات » متنوعة (رغم المهجة الموسوعية التي ميزت أعلام الفكر في التاريخ القديم وهو ما يحملنا على تنسيب مفهوم الاختصاص عندهم ). ولعل ما يؤكد طرافة هذا المنحى في مقاربة هذه المسألة أن أرسطو بالذات كان سباقا إلى المقارنة بين مؤسسات قرطاج السياسية ونظيراتها في اسبرطه وكريت، أي في سياقات مختلفة ومن زاوية الفلسفة السياسية والقانون الدستوري وهو ما يضيف إلى أثره قيمة منهجية على قيمته التاريخية. أما ملاحظات بوليبيوس حول المؤسسات السياسية القرطاجية فقد أعاقها امتثال المؤرخ رغم علو شأنه إلى الإديولوجيا الرسمية الرومانية التي كان يشتغل في إطارها 1)) والتي جرته إلى إبراز تفوق المؤسسات الرومانية على نظيرتها القرطاجية. غير أن هذا لا يعني في شيء استنقاص المؤسسات الرومانية التي تختزل لدى العديد من الأخصائيين رمزية هذه الحضارة وتمثل لديهم أعظم إنجازات الرومان. ماهية ودينامية المؤسسات السياسية القرطاجية:ثمة جدل لا يزال قائما بين الأخصائيين حول ما إذا كانت قرطاج قد عرفت النظام الملكي. ومن بين الآراء المرجحة لاحتمال قيام هذا النظام والمخالفة لها نشير إلى أن هذا الجدل من الزاوية النظرية ليس اعتباطيا ولا شكليا وإنما يتعلق بجذور وطبيعة النظام السياسي القرطاجي التي تمتد إلى أبعد من القرن التاسع ق م. ذلك أن النظر في هذه المسألة من شأنه أن يفك على الأقل لغزين أساسيين على صلة وثيقة فيما بينهما: الحكم الوراثي ومبدأ الحق الإلهي في الحكم. فالنظام الوراثي ينفي كما هو معلوم التداول على الحكم ويستند إلى مبدأ الحق الإلهي في السعي إلى تأبيد الحكم في السلالة الواحدة وهو ما يفضي إلى اختلاف مؤسساتي نوعي بين الملكية والجمهورية القائمة على مبدأ التداول. وقد مثل استعمال القدامى ولاسيما منهم أرسطو مصطلح « الملوك »(basileis) في إطار مقارنته بين ملك اسبرطه و »ملكي» قرطاج (المدينتان الدولتان كان يحكمانهما ملكان) غير أن مقارنته تلك أفضت إلى القول بأن الحكم في اسبرطه وراثي مدى الحياة بينما في قرطاج هنالك تداول على الحكم المحدود في الزمن عن طريق الانتخاب. وبناء على هذا التفريق وعلى الوقائع التاريخية التي تثبت مبدأ التداول والانتخاب في قرطاج فإنه بالإمكان تنسيب فرضية قيام الملكية في قرطاج التي كانت جمهورية تعود فيها السلطة التنفيذية إلى مؤسسة الأسباط التي ينبثق عليها حكم السبطين. يفيدنا الأخصائيون في تاريخ قرطاج أن مؤسسة الأسباط ضاربة في القدم ومتأصلة في الحضارات السامية وقد يعود وجودها إلى أبعد من سنة 400 ق م ويحتوي مؤلف أفلاطون ( 427- 346 ق م) « القوانين » على إشارة هامة إلى هذه المؤسسة في قرطاج حيث نعثر في خاتمة الكتاب الثاني على لسان أثبني كان يحاور كلينياس(Clinias)، ما يلي: «إني أفضل على ما يمارس في كريت ولسيديمونيا قانون القرطاجيين الذي يمنع على كل حاملي السلاح شرب الخمر خلال كامل مدة الحرب، وينطبق المنع في المدينة (قرطاج) على العبيد من الجنسين وعلى الحكام خلال سنة حكمهم وعلى القضاة عند قيامهم بمهامهم وعلى كل أعضاء المجلس عند التفاوض والتصويت. » ولا نخال ذكر « الحكام » هنا عند أفلاطون غير تعبير عن وظيفة السبطين التي يتم الارتقاء إليها عن طريق الانتخاب السنوي كما تجمع على ذلك سائر المصادر ولا سيما منها تيتيوس ليبيوس. ويعتبر الأستاذ الشاذلي بورنية (الشاذلي بورنية ومحمد الطاهر: « قرطاج البونيةّ مركز النشر الجامعي 1999.) أن « صلاحيات السبطين تتمثل في رئاسة مجلس الشيوخ ومده بجدول أعمال جلساته أو المسائل المبرمجة للمداولة وبيّن أرسطو لجوءهما إلى مجلس الشعب في حال انعدام اتفاق بينهما وبين مجلس الشيوخ. وثمة مسائل يحيلانها على مجلس الشعب لإبداء رأيه فيها. » أما عن الصلاحيات العسكرية فلا يمكن البت فيما إذا كانت في وارد مهام السبطين بل أن حنبعل خلال الحرب الرومانية القرطاجية الثانية ( 218-203 ق.م ) كان على رأس هيأة أركان الجيش القرطاجي دون أن يكون واحدا من السبطين. أما مجلس الشيوخ فهو بمثابة الهيئة التشريعية المتصلة هي الأخرى بالمهد الحضاري السامي والتي يعود منشأها إلى أواسط القرن السادس ق م، ولئن ظلت شروط الارتقاء إلى هذا المجلس غامضة فان أ. ملتزر يرجح أن يكون عدد الشيوخ في المجلس يناهز الثلاث مائة. ويعتبر أرسطو أن طريقة « اختيار شيوخ قرطاج أفضل من الطريقة المعتمدة في اسبرطه حيث لا ينظر في اختيار الشيوخ إلى مقياس السن بل الفضيلة ». فالشيوخ قائمون على أمور هامة فإذا كانوا غير أكفاء أضروا بالدولة كما أضر شيوخ لاسيديمونيا بدولتهم. » (نفس المصدر السابق). كما يبين أرسطو أهمية المشمولات التي تعود بالنظر إلى مجلس الشيوخ لاسيما إذا ساد الانسجام بينه وبين السبطين. وأهم هذه المشمولات على الإطلاق هي قرار الحرب والسلم. وترتكز المنظومة المؤسساتية القرطاجية أيضا على « مجلس الشعب » وهو كذلك من المؤسسات القديمة المنحدرة من الجذع المشترك الحضاري السامي على غرار مجلس شعب مدينة صور الفينيقية ويعود منشأه إلى حوالي منتصف القرن السادس ق.م. كما يرجح المختصون أن مصطلح « شعب » هنا مرادف للمصطلح اللاتيني ((populus. كما بينت المعلومات المصدرية أهمية صلاحيات مجلس شعب قرطاج التي تبدو في الأصل تشريعية وتحكيمية، حيث يعتبر أرسطو أن السبطين ومجلس الشيوخ « إذا أجمعوا على الأمر لا يعرضوه على مجلس الشعب وفي غياب الإجماع يحتكمون إلى الشعب الذي يحسم الأمر. أما تدابير السلطة التي يعرضها السبطان والشيوخ على الشعب فلا يكتفون بأن يحملوها إلى مسامعه فقط بل من صلاحياته أن يبدي حكمه فيها. كما أنه متاح لأي مواطن ممن تولوا التداول في شأنها أن يعارضها وهو ما لا أثر له في بقية الدساتير. »( نفس المصدر السابق). وتبدو هذه الملاحظة لأرسطو على غاية من الأهمية حيث تدقق في طبيعة المهمة التحكيمية لمجلس الشعب على أنها ليست مجرد مهمة استشارية بل تتضمن صلاحيات فعلية تتجسد بالخصوص ساعة الاختلاف بين السبطين ومجلس الشيوخ. عندها لا يتم الاكتفاء ب »حمل » الاختلاف « على مسامع الشعب فقط »، بل يكون هذا الأخير ملزما « بالحكم ». ولا نظن أن يحدث ذلك دون تداول ونقاش وهوما نستشفه من الجزء الثاني من الملاحظة التي تشدد على أن أنه « متاح لأي مواطن ممن تولوا التداول في شأنها أن يعارضها وهو ما لا أثر له في بقية الدساتير ». معنى ذلك أنه يتم التدرج بالنقاش من المستوى الجمعي لمجلس الشعب إلى مستوى العضوية الفردية لهذا المجلس فلا يقع الاكتفاء بالموقف الإجمالي لعموم أعضاء المجلس من المواطنين بل يؤخذ في الحسبان كذلك بالرأي المخالف ليس فقط للكتلة والجماعة بل وحتى للفرد. لقد اكتفى الأخصائيون –وهم في ذلك لا يجانبون الصواب- بتبين الصورة الذهنية عند أرسطو والقائمة على فكرة التوازن بين المؤسسات التي يدعمها الدور التحكيمي لمجلس الشعب وهي الفكرة المحبذة لديه والتي جنبت في رأيه قرطاج « الانتفاضات والاستبداد ». ومن ثم، يخلص هؤلاء إلى القول بأن الديموقراطية القرطاجية لم تكن ديموقراطية مباشرة بما أن صلاحيات مجلس الشعب لا تخول له وضع القوانين. بيد أن الثقل الفعلي لهذه المؤسسة في الشأن العام القرطاجي والاعتبار البين الذي تحظى به على مستوى الهيكل كما في مستوى الأعضاء مثلما يبين ذلك أرسطو نفسه يضعان النظام القرطاجي على مقربة من الديموقراطية المباشرة، بل إن هذا التفرد الذي « لا أثر له في الدساتير الأخرى » هو الذي مثل المحمل الذي هيا قرطاج للانتقال إلى مرحلة أكثر تقدما في الديموقراطية انطلاقا من القرن الثالث ق.م كما سنبين ذلك لاحقا من خلال دينامية المؤسسات القرطاجية. يبقى أن نشير إلى أن مجلس الشعب هو الذي ينتخب السبطين بناء على اقتراح ترشيحهما من طرف مجلس الشيوخ. أما محكمة « المئة وأربعة»التي تعطى انطباعا باضطلاعها بالسلطة القضائية فيكتنفها شيء من اللبس. يرجع س. غزال تاريخ نشأة هذه المحكمة إلى منتصف القرن الخامس ق.م ويقارن أرسطو بين طريقة اختيار القضاة في هذه المحكمة ومجلس «الرقباء الخمسة » في اسبرطه مفضلا الطريقة القرطاجية التي تتم من داخل الأرستقراطية بينما في اسبرطه يتم الاختيار عن طريق العامة. ويرد ذكر تدخل محكمة المئة وأربعة بالخصوص في معاقبة بعض القيادات العليا القرطاجية في صورة انحرافها. ففي سنة 342 ق.م حكمت هذه المحكمة على القائد العسكري حنون الأكبر بالإعدام بعد أن حاول هذا الأخير الاستئثار بالحكم وإقامة نظام ملكي. كما ذكر تيودروس الصقلي أن ذات المحكمة حكمت على بدملقرت بالإعدام سنة 308 ق.م بعد أن تمت أدانته بتهمة الخيانة العظمى والتواطؤ مع القائد اليوناني أقاتاكاس للاستئثار بالحكم. وفي معرض هذه القراءة الوصفية والتحليلية للمؤسسات السياسية القرطاجية يجدر التوقف عند ملاحظتين عامتين: – تتعلق الأولى بالجذع المشترك الذي يؤلف بين المؤسسات القرطاجية ونظيراتها في الحضارات السامية القديمة وهو ما قد يصحح عديد الأفكار المسبقة حول منشأ المؤسسات التمثيلية. – أما الملاحظة الثانية فتتصل بإشعاع مؤسسات قرطاج المدينة على باقي المدن البونية حيث تفيدنا النقائش باقتباس كامل المنظومة المؤسساتية لهذه المدينة من طرف بقية المدن البونية التي قامت فيها نفس الهياكل التمثيلية مثل مكثر ودقة وألتيبيروس (المدينة). على أن هذا التوصيف للمؤسسات القرطاجية يظل منقوصا ما لم يتم التطرق إلى تطورها عبر التاريخ القرطاجي الطويل ورصد ديناميتها أخذا بعين الاعتبار الجدلية الاجتماعية الخاصة بقرطاج في تفاعلها مع المؤثرات العامة السياسية والعسكرية والاقتصاد البضاعي والتبادل الثقافي لقرطاج مع محيطها المتوسطي عبر الحقبات التاريخية. ونقترح في هذا الصدد تحقيبا بسيطا يعتمد القرن الثالث ق.م حدا فاصلا بين عصرين بدت خلاله – كما يشدد على ذلك الأخصائيون – ملامح التحول النوعي تتجلى على المؤسسات السياسية القرطاجية. ففي سياق التاريخ القديم، وتحديدا في حوض البحر الأبيض المتوسط، كان تنقل الأفكار والتثاقف يتمان بصفة متوازية مع تنقل البضائع وربما بأكثر أريحية وتسامح من اليوم. ورغم التوتر والحروب الدورية التي كانت تنشب بين القوى المتنازعة في حوض البحر الأبيض المتوسط لم يكن هناك « صدام للحضارات » والديانات في زمن لم تهيمن فيه بعد الديانات التوحيدية على ضمائر الشعوب. ومن هذا المنظور فان المختص الفرنسي في تاريخ قرطاج جيلبير شارل بياكر يشدد على استفادة قرطاج من دينامية داخلية استثنائية ارتبطت بتكثف التبادل التجاري مع العالم الهيلينستي وذلك رغم الحروب الطاحنة التي شنتها روما على قرطاج خلال هذا القرن بغاية القضاء عليها. ويبين المؤرخ الفرنسي انتشار البضاعة والأفكار الهيلينستية بصفة غير مسبوقة في قرطاج خلال هذا العصر. ويتوقف جون بول بريسون وسيرج لانسال طويلا عند تأثر القائد القرطاجي الملحمي حنبعل بشخصية وأفكار وخطط الإسكندر المقدوني وهو الذي تربى على يدي المعلم اليوناني « سوسيلوس ». كل هذا وغيره كان له تأثيره البين على المؤسسات السياسية القرطاجية التي عرفت إرهاصات الديموقراطية الشعبية منذ النصف الثاني للقرن الثالث وفي غمرة الحروب الرومانية القرطاجية الأولى والثانية والثالثة وكذلك الحرب الأهلية القرطاجية التي جدت بين 241 و238 ق.م. وقد كان لهذا التطور المشهود في قرطاج قادته ورموزه ومتعهدوه المنحدرون من سلالة البرقيين. وشاءت صيرورة الصراع الاجتماعي والسياسي أن تضع هذه السلالة في مواجهة سلالة الحنونيين المحافظة والداعمة للحكم ذي الطبيعة الأوليغارشية، علما وأن هذا المنحى لم يكن يخلو من التواطؤ مع الرومان. فخلال الأزمة السياسية والعسكرية التي عرفتها قرطاج في الحرب الأهلية 238 اشتد الصراع على قيادة الجيش بين القائد الأسبق حنون الذي عجز عن مواجهة تمرد المرتزقة والأهالي وعبد ملقرت البرقي الذي حسم الأمر لفائدته بعد أن عرض على منافسه اللجوء إلى التصويت فصوت له الجنود والمواطنون القرطاجيون، ومن يومها أصبحت القيادة العسكرية منتخبة واتسعت صلاحيات مجلس الشعب القرطاجي بشكل غير مسبوق. كما تمكن البرقيون بفضل هذه الصلاحيات المكتسبة لهذه المؤسسة من تعزيز جانبهم وكبح جماح المتنفذين من الأوليغارشية المتخاذلة في التصدي للخطر الروماني والمنتمين بالخصوص إلى الارستوقراطية الزراعية التي كانت في تعارض مع التجار والحرفيين وعموم الشعب القرطاجي وذلك عند اتخاذ قرار الحرب الثانية سنة 218 ق.م ورفع التحدي الروماني. وفي سنة 196 ق.م لما قرر حنبعل وضع حد لاعتزاله الحياة السياسية والعسكرية ‘ثر هزيمته أمام القائد الروماني شبيون الإفريقي في واقعة جامة سنة203 ق.م عاد إلى قيادة قرطاج من الباب الكبير حيث انتخب كأحد السبطين من طرف مجلس الشعب ومكنه هذا التأييد الشعبي من القيام بإصلاحات هامة لاسيما على صعيد مالية الدولة التي أخضعها للشفافية وقاوم الفساد وحاكم المحتسب العام (وزير المالية) إلا أن عملاء روما تآمروا عليه ولما اكتشف المؤامرة فر إلى آسيا الصغرى (وربما عدنا إلى هذا الموضوع بأكثر تفاصيل في مقال خاص). ليس مجرد وقوف على الأطلال مع كل إطلالة ولو كانت خاطفة كهذه على أطلال قرطاج يكون الإمتاع حاصلا لاسيما بالنسبة للمفتونين بالتاريخ القديم. ولا تعكر متعة النظر في الماضي لذاته إلا رداءة حاضر يجسد قطيعة تامة مع تراث الجمهورية الديموقراطية القرطاجية التي عرفت التداول السنوي على الحكم عن طريق اقتراع المواطنين القرطاجيين في حين أن الحكم الفردي ظل يجثم على نفس الأرض القرطاجية منذ خمسين سنة من تاريخ تونس المعاصر. وحيث لا نستطيع تجريد التاريخ من رمزيته فان رموز الجمهورية الديموقراطية القرطاجية بأبطالها ومؤسساتها هي اليوم على طرف نقيض مع كل ما يرمز للحكم الفردي. كما أن متعة التأمل في هذا الماضي المجيد تعكرها أيضا التيارات الاديولوجية والسياسية الشمولية التي ما انفكت تسلط ضغطا شديدا يمثل بتر وتشويه التاريخ أحد أدواته الرئيسية. وإذ تفعل ذلك فان هذه التيارات تستفيد من جو التجهيل العام وانعدام حرية التعبير الذي تتعهده الأنظمة السياسية في بلداننا. فهل نكتفي بالدعوة إلى تحييد التاريخ وإنصافه أم نفتح المجال للتاريخ كي ينصف نفسه بنفسه؟ وكيف يكون موقفنا من التيارات السلفية التي سطت على مفهوم الهوية وجعلت منه رهينة وقضية استراتيجية مركزة في خطابها الماضوي على التاريخ المشوه حتى أصبح الماضي يلتهم الحاضر؟ كيف نتجنب مع ذلك الوقوع في فخ السلفية حتى لا نجيب عن ماضوية الأصوليين بماضوية مضادة؟ وما العمل مع البعض الذي يحسبون نفسه على العقلانية ويتعمد في ذات الحين التخوين الفكري لكل من تحدثه نفسه مساءلة التاريخ القديم حول بعض الإشكاليات مثل البعد الحضاري المتوسطي وتأثيره على مسألة الهوية ؟ وعلى كل، ومهما كانت المحاذير التي تفرضها الموضوعية والنزاهة العلمية وتنسيب الحقائق فان تأصيل المفاهيم الذي يساعد على تأصيل الوعي الديموقراطي والمؤسساتي من خلال النظرة الحصيفة للتاريخ يظل أمرا ضروريا لاسيما مع استفحال محاولات الالتفاف على بعض المقولات أو نسفها مثل الديموقراطية وما يستتبعها من مؤسسات تتصل بما تناولناه في هذا المقام. فللذين يعتبرون الديموقراطية بدعة غربية والذين يرون أن نظام الشورى الإسلامي تجاوزها في سقيفة بني ساعدة نقول أنه من الأجدر نفض الغبار على التراث الديموقراطي والمؤسساتي الضارب في القدم والذي لم يدخل البلاد على رؤوس الرماح والذي تكتنزه نقائشنا وتناولته مؤلفات القدامى والمحدثين حتى نضع الأمور في نصابها بعيدا عن الانتقائية والتزييف. أمران أساسيان فقط نريد التوقف عندهما أخيرا وعلى ضوء ما تقدم: يتعلق الأول بنظرية الحق الإلهي في الحكم والتي تمثل كما تبينه التجربة الديموقراطية والمؤسساتية القرطاجية نقيض الجوهر الديموقراطي وذلك منذ التاريخ القديم وليس فقط أبان مقاومتها من طرف فلاسفة الأنوار في القرن الثامن عشر. أما الأمر الثاني فيتصل بما يتطلبه القطع مع نظرية الحق الإلهي من إرساء قوانين ومؤسسات ونظم وضعية قادرة على تجريد العلاقة بينها وبين المواطن وتاركة جانبا انتماءه العرقي والديني والطائفي… وفيما عدا ذلك فليتنافس المتنافسون. ——- (1) كان بوليبوس صديقا للقنصل الروماني شبيون اميليان الذي استعان به كمستشار عسكري عند غزوه وتدميره لقرطاج سنة 146 ق.م (المصدر: موقع « الأوان » بتاريخ 17 أفريل 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=155&Itemid=27


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

8 mars 2005

Accueil TUNISNEWS 5 ème année, N° 1753 du 08.03.2005  archives : www.tunisnews.net نقابة الصحفيين التونسيين: بيان  المجموعة المستقلة داخل

+ لمعرفة المزيد

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.