حول بعض الإشكالات المرتبطة بالإضراب عن الطعام
إن الممضين أسفله, أعضاء في المبادرة الديمقراطية يعتبرون من الضروري الإدلاء بما يلي :
أثار الإضراب عن الطعام الذي شنته من 18 أكتوبر ّإلي 18 نوفمبر مجموعة من الوجوه السياسية ذات الانتماء للحركة الديمقراطية و إلى الحركة الإسلامية تضامنا واسعا شاركت فيه تيارات وحساسيات مختلفة و عدد من الجمعيات و الأحزاب السياسية.
وقد عبرت المبادرة الديمقراطية في بيان صدر يوم 23 أكتوبر عن تضامنها مع المضربين عن الطعام و التقائها مع المطالب التي طرحوها باعتبارها مطالب تناضل الحركة الديمقراطية من أجل تحقيقها منذ عقود كاملة ، وشارك عديد المناضلين و المناضلات المنتمين للمبادرة في المستويين الوطني والجهوي في تحركات ومبادرات تضامنية .
و يعتبر الممضون أسفله أن هذا التحرك الاحتجاجي طرح إشكالات أثارت جدلا كبيرا في الأوساط الديمقراطية وتتطلب توضيحا لا يمكن تجنبه أو التغاضي عنه .
أولا : اتخذت المبادرة الديمقراطية موقفها المتضامن مع المضربين عن الطعام و المساند للمطالب التي قدموها ، بالرغم من التحفظات الهامة بل منها الجوهرية بالنسبة لبعض جوانب وملابسات هذا التحرك وذلك إيمانا منها أنه يمكن أن يشكل حلقة من الحلقات في المسيرة النضالية للحركة الديمقراطية. وغابت الحسابات السياسوية الضيقة عن موقف المبادرة و تعلق اهتمامها بمصلحة الحركة الديمقراطية و أفاقها .
ثانيا : يأسف الممضون لمحاولات البعض طمس دور المبادرة أو تهميشه من ذلك بالخصوص التعتيم الإعلامي الذي لجئت إليه بعض الأطراف بالسكوت عن مواقف المبادرة أو التقليص من مساهمتها في الحركة التضامنية مع المضربين .
ثالثا: يسجل الممضون بانشغال ما تسعى له بعض الحساسيات من توظيف سياسي لهذا التحرك في خدمة أهداف حزبية ضيقة أو للانطلاق من الحركة التضامنية الواسعة التي شاركت فيها مختلف القوى و خاصة منها القوى الديمقراطية لوضع استراتيجيات للمستقبل و الحديث في بعض الافتتاحيات عن بروز « نواة لقيادة للمعارضة الوطنية » و تلويح البعض الآخر بالدعوة إلى « عقد مؤتمر و طني للمعارضة بمشاركة الجميع و دون استثناء « . ويؤكد الممضون موقفهم المبدئي من أن نمط الحكم والمجتمع الديمقراطي الذي ننشده و نناضل من اجله و نتمناه لشعبنا كبديل للنظام الاستبدادي لا يمكن أن تكون أداته إلا الجبهة الديمقراطية التقدمية التي ترفض كل أنماط الحكم الاستبدادية سواءا كانت دنيوية أم دينية. و المجتمع الذي نصبو إليه هو الذي يكفل الحريات الأساسية و منها بالخصوص حرية الفكر و حرية المعتقد و حرية الإبداع, و يضمن المساواة التامة بين المرأة و الرجل .. لذا فان كل مهادنة للطروحات الاستبدادية الدينية أو محاولة لحشر بعض الأطراف الإسلامية بدعوى معارضتها للسلطة القائمة ضمن قوى البديل المنشود و لو بصفة ظرفية تشكل انحرافا قاتلا عن المبادئ والأهداف الأساسية للمشروع الديمقراطي و تنكرا لجوهره و نسفا لروحه و سيكون من نتائجه إجهاض كل المساعي الهادفة للتقارب و التوحد بين مختلف فصائل الحركة الديمقراطية و بناء الجبهة الديمقراطية .
رابعا: يهم الممضين ان يسجلوا ان ما صدر عن السيد راشد الغنوشي في الفترة الأخيرة وبالخصوص منذ انطلاق الإضراب عن الطعام في 18 أكتوبر يؤكد خيارات حركة النهضة و قياداتها في نطاق ثوابتها التي يؤكد عليها زعيمها في كل تصريحاته المستهدفة بصفة جوهرية للعلمانية و العلمانيين. ويلفتون النظر إلى ركوب السيد الغنوشي على كل تحرك ديمقراطي من اجل الحريات و حقوق الإنسان والديمقراطية بادعائه مثلا أن تحرك 18 أكتوبر جاء تكريسا من « طرف قوى وطنية جادة … تفتح الطريق أمام تحقيق شعار: فرض الحريات العامة ، وهو الشعار الذي رفعته الحركة من وقت مبكر في بداية التسعينات و إليه يتجه التطور اليوم بإذن الله. » كما يعتبر السيد الغنوشي ان العمل المشترك الأخير الذي جمع بين النهضة و جزء من الحركة الديمقراطية إنما هو مجرد مرحلة ستتبعها مراحل أخرى في اتجاه تجميع ما سماه بــ « جناحي الوطنية التونسية: الإسلاميين والديمقراطيين » على قاعدة » أرضية عمل جبهوي مشترك على أساس ميثاق وطني » .
ومن الواضح أن ما يطرحه راشد الغنوشي بهذه المناسبة أمر خطير للغاية ، فهو يصف الإضراب عن الطعام الذي انطلق يوم 18 أكتوبر بالعمل » الفدائي » ويعتبره » الوسيلة الأصح في الوقت الأصح من أجل تحقيق الهدف الأصح على يد الرجال الأنسب » بعد أن اتضح ، حسب رأيه أنه « لم تعد تجدي في تحريك الوضع السياسي الأساليب المعتادة التي كسد سوقها حتى أفلست و نفض عن سوقها الناس « .
إن الممضين أسفله، إذ يؤكدون من جديد على مواقفهم و اختياراتهم الأساسية التي تهدف إلى كسر الطوق الذي تفرضه سلطة الاستبداد على شعبنا و نخبنا و إلى تحريك مختلف الشرائح الاجتماعية المعنية بالتغيير الديمقراطي ببعده التقدمي .يناشدون كافة القوى الديمقراطية من أجل التماسك و التعامل الإيجابي و الفعال بعيدا عن المهاترات و الانحرافات والتحالفات التي تهدد مسار الحركة الديمقراطية وصدقية البديل الذي نريد بناءه و ترتهن مستقبل بلادنا و شعبنا .
أعضاء في المبادرة الديمقراطية
تونس – نوفمبر 2005
(المصدر: نص منشور من طرف السيدة مريم الزغيدي على منتدى تونيزين يوم 1 ديسمبر 2005 على الساعة 9 و52 صباحا)
وصلة الموضوع: http://www.tunezine.com/forum/read.php?f=1&i=181066&t=181066#reply_181066
توقيع أمرين خاصين بدعم الاحزاب السياسية وصحافتها
قرطاج (وات) ـ تجسيما لما اعلنه في خطابه بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة للتحول من قرار بمزيد دعم الدولة المادي للاحزاب السياسية ولصحافة الاحزاب السياسية تولى الرئيس زين العابدين بن علي صباح امس التوقيع على امرين ينص الاول على الترفيع في المنحة السنوية المسندة للاحزاب السياسية عن كل نائب وينص الامر الثاني على الترفيع في المنحة السنوية لدعم صحافة الاحزاب.
ويأتي تجسيم هذا القرار حرصا من رئيس الدولة على ان تتوفر لدى الاحزاب السياسية قدرات افضل للعمل والنشاط بوصفها قوى وطنية تضطلع بدورها في مزيد ترسيخ الديمقراطية وتعزيز مقوماتها خدمة لمصلحة البلاد العليا في ظل القانون وقيم الجمهورية.
كما يبرز الترفيع في المنح المخصصة لصحافة الاحزاب الحرص المتواصل ايضا لرئيس الدولة على تعزيز اسهامها في بناء اسس المجتمع الحر التعددي والديمقراطي.
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 1 ديسمبر 2005)
(7) مضحكات مبكيات كاشف الغطاء المعري
حلقة خاصة : مؤتمر حرية الانترنات والمعلوماتية ينعش عهد سحق الحريات ودولة الاستعلاماتية
1- في إطار تكميم الأفواه ومحاصرة المواطنين من أجل ضمان عدم إزعاج ضيوف تونس من الداخل ومتابعي المؤتمر من الخارج، قامت السلطات الأمنية بفرض حصار رهيب على النشطاء الحقوقيين والسياسيين وبتضييق الخناق على الشباب المتدين – كبش الفداء في كل الاستحقاقات المحلية و الدولية- حيث قامت بمداهمة العديد من المنازل – خلال هذه الأيام- وتفتيش البيوت بحثا عن أشياء لا يعلمها إلا الله وخاصة أن جل هؤلاء قد تعرضوا إلى حملات مماثلة خلال كامل السنة ,,وقد ذكر أحد الشباب من الطلبة الاسلاميين أن خفافيش الليل قاموا بزيارته على الساعة العاشرة ليلا واقتحموا عليه المنزل وفتشوه تماما كما ينقله التلفزيون التونسي من اقتحام للبيوت الآمنة من قبل الحاقدين الأمريكان في العراق والصهاينة في فلسطين وقد تسببت هذه المداهمات في رعب شديد لدى الكبار والصغار وهذه عينة من نصيب الشعب الكريم من مؤتمر الحرية وحقوق الانسان, وهكذا وبالرغم من الادعاء بأن عهد ممارسة ارهاب الدولة قد ولى وانقضى فهاهي شمس الحرية التي أشرق بها مؤتمر المعلوماتية وحرية الانترنات تطل بلهيبها وتحط بضلالها المظلمة على هذا الشعب الكريم المضيف للمؤتمر
2- لا يزال العديد من الطلبة الاسلاميين المعتقلين منذ المولد النبوي الشريف وبتزامن مشبوه حينها مع التنبيه والتحذير الأمريكي من احتمال حصول أحداث إرهابية بتونس لا يزالون قابعين بالمعتقلات منذ شهر مارس الماضي بدون محاكمة أو إحالة على القضاء لعدم وجود أدلة للإدانة وقد بقيت عائلاتهم تتلقى باستمرار تطمينات من السلطات ومن الرئاسة بالذات بقرب إطلاق سراحهم، وبينما كانت العائلات تنتظر بمناسبة عيد الفطر إفراجا على الموقوفين الشباب الذين لم تثبت في حقهم أي تهمة باستثناء تهمة التدين والحرص على أداء الصلوات في المساجد، فوجئوا بتمديد إيقاف أبنائهم لمدة أربعة أشهر إضافية – حيث شملتهم نفحات عيد مؤتمر حرية الانترنات وحقوق الانسان- وقد دخل العديد من الموقوفين في إضراب عن الطعام لتجديد احتجازهم بدون مبرر ولتحطيم مستقبلهم بحرمانهم من متابعة دراستهم الجامعية.
3- قام العديد من النشطاء الحقوقيين والسياسيين والنقابيين خلال الأسبوع الماضي بتحركات ميدانية ومحاولات للتظاهر في أماكن عمومية في مناطق مختلفة داخل الجملكية من أجل دعمهم للمضربين عن الطعام ولحركة 18 أكتوبر ولتنديدهم بالإجراءات التعسفية والسياسة التي تنتهجها السلطة في تعاملها مع المنظمات الحقوقية والنقابية والأحزاب السياسية، وقد قام البوليس السياسي بمحاصرة النشطاء ومنعهم من التقدم نحو نقط التجمع إنطلاقا من مختلف الاتجاهات حيت وجد العديد من النشطاء الوافدين أنفسهم محاصرين من قبل عدد كبير جدا من قوى الأمن بالزي المدني كما لوحظ العودة إلى استعمال أساليب متخلفة لإرهاب المواطنين مثل تصوير المشاركين في هذه التحركات بكاميرا الفيديو للإيعاز بأن الصائدين في الماء العكر سوف يتم التعرف عليهم فردا فردا في مخابر وزارة الداخلية،،،وهكذا ففي الديمقراطية النوفمبرية لا نحتاج إلى الجزيرة أو صحفيين محترفين لتصوير الأحداث ونقل الأخبار ولدينا من المصورين من يقوم بذلك الدور وزيادة، وأما الأخطر من ذلك كله ما تمت ملاحظته من اعتماد الماكينة الأمنية على رجال العصابات الإجرامية والعديد من وجوه « الخلايق » المعروفة لمؤازرتهم في محاصرة النشطاء ومضايقتهم ومنعهم من التقدم وحتى افتكاك بعض المعلقات المرفوعة على الأيدي، ومن طرائف المضحكات المبكيات أن قام أحد المسؤوليين الأمنيين بتوبيخ أحد هؤلاء العملاء لتقاعسه في منع النشطاء من رفع اللافتات فما كان رده أمام جميع الحاضرين أنه لا يستطيع أن يتعامل مع مثل هذه النخب من الأساتذة والنقابيين بنفس أسلوب التعامل الذي تعود عليه مع « عرب الستاد » أي رواد الملاعب الرياضية.
4- بمناسبة إضراب المعلمين والأساتذة يوم الخميس الماضي احتجاجا على مشاركة الوفد الصهيوني في قمامة الاستعلاماتية وقمع الحرية، اتصل أحد الولاة بالكاتب العام الاتحاد الجهوي للشغل بولايته معاتبا إياه على الاضراب لمدة يوم كامل وما لذلك من انعكاسات خطيرة على سير الدروس مما سيحول دون اتمام البرامج الدراسية وقال له كان بالامكان أن تعبروا عن موقفكم بتوقف عن الدروس لمدة ساعة واحدة وكفى،، فرد عليه الكاتب العام أنه إذا دعا الاتحاد والنقابيين إلى التوقف الإحتجاجي لمدة يوم واحد فإن السلطة المشرفة عن التعليم والحريصة على حسن الدروس دعت إلى التوقف عن الدروس لمدة 3 أيام (والآن أصبحت 4 وربما 5 أيام) فارتبك الوالي وبهت الذي نافق!! هذا وقد ندد العديد من الأساتذة والمعلمين بهذه المواقف الارتجالية المتخذة في ما يتعلق بتوقيف الدروس وعبروا عن عجزهم على إتمام البرامج بعدما كثرت ظاهرة التلاعب وتوظيف التعليم وإقحامه في الحسابات السياسية ،، وقد أصبح البعض يتندر بعطلة الثلاث أيام التي فرضتها السلطة باعتبارها إعلان الحداد من قبل السلطة على موت حرية الانترنات وحقوق النسان بمناسبة مؤتمر الاستعلامات وقمع الحريات.
5- قامت السلطات بفرض حصار رهيب داخل كل المدن الرئيسية بالجملكية وقد أصبحت العديد من المناطق شبيهة بالمناطق العسكرية المغلقة وخاصة في المناطق السياحية ومدينة قابس التي تشتمل على البيت المقدس الذي ولد فيه النبي المشؤوم شالوم وزير خارجية اسرائيل والذي قد يصبح مزارا للحجاج الصهاينة المشاركين في مؤتمر الاستعلاماتية وكذلك مدينة حومة السوق بجربة حيث معبد الغريبة أقدم معبد يهودي في العالم خارج فلسطين المحتلة وهو المزار المقدس المفضل للحجيج اليهود في بلدهم الثاني تونس، وأما عن المنطقة التي تشتمل على مقر المؤتمر فقد تم عزلها تماما عن محيطها الخارجي وقد طلبت السلطات الأمنية من المتساكنين القاطنين في الحزام الأول المحيط بالمنطقة بمغادرة بيوتهم وإخلائها في فترة زمنية محددة تشمل فترة انعقاد المؤتمر وأما متساكني الحزام الثاني فقد فرضت عليهم عزلة رهيبة ومنعوا من استقبال أي عنصر من الأهالي أو الأقارب كان أم لم يكن، وأما حركة المتساكنين في هذا الحزام فتتم مراقبتها والتحكم فيها عبر القوائم التفصيلية التي أعدتها السلطات الأمنية للمتساكنين للتثبت من هوية الداخلين أو الخارجين من هذا الحزام على المستوى الثاني من المنطقة الخضراء المشتملة على مقر المؤتمر وهكذا لا يجني التونسيون من هذا الحدث إلا الإذلال عبر تقييد حريتهم في بلادهم لإطلاق حرية قتلتهم من الصهاينة التي لا تزال أيديهم ملطخة بدماء أبنائهم في حمام الشط.
7+7 = 14 نوفمبر 2005
كاشف الغطاء المعري
تساؤلات موجهة لمثقفي سلطة الاستبداد: برهان بسيس والدكتور شكيب الذوادي
ح- عزيزي (تونس)
كشف برنامج ما وراء الخبر الذي بثته قناة الجزيرة يوم 26/10/2005 والذي تتطرق إلى إضراب عدد من الشخصيات التونسية البارزة المنتمية لأحزاب سياسية عديدة ولمكونات المجتمع المدني حقيقة ذهنية مثقفي وأشباه مثقفي النظام الحاكم في تونس. فهؤلاء الذي تتم دعوتهم أحيانا في بعض القنوات التلفزية كمحللين سياسيين للتعبير عن وجهة نظر النظام والحزب الحاكم يقدمون تحاليل ووجهات نظر باهتة وتحوي الكثير من المغالطات مساهمين في تكريس واقع متأزم إلى درجة أن عامة الناس ومحدودي الثقافة يكتشفون دون عناء تفاهة ما يقولونه بل إنهم يقدمون وجهات نظر وآراء أكثر تماسك وإقناع من هؤلاء المروجين للخطاب الرسمي من المثقفين المأجورين. لن نتوقف هنا لاستعراض آراء هؤلاء المحللين وغيرهم من أشباه المثقفين الذين ظلوا طيلة سنوات حكم » العهد الجديد » يرددون بالتناوب آراء النظام الحاكم الذي أرجع تونس « جنّة خضراء » وواحة للحرية وللنماء » لا مثيل لها في العالم العربي الإسلامي وفي إفريقيا وفي العالم الثالث بل أرجعها أحيانا في مصاف البلدان المتقدّمة.
سنكتفي هنا بالتذكير بما ورد في مداخلة برهان بسيس الذي يُقدّم نفسه كمحلل سياسي وكذلك مداخلة الدكتور شكيب الذوادي المنتمي لحزب التجمع الحاكم خلال برنامج ما وراء الخبر الذي قدمته قناة الجزيرة بمناسبة إضراب عدد من الشخصيات التونسية البارزة كتعبير عن انسداد الآفاق في البلاد حيث تمت ممارسة دكتاتورية بلباس مدني طيلة سنوات طويلة ما انفكت تتدعم إلى درجة أنها طالت كل من لا يتوافق مع سياسة النظام الحاكم بل إنها طالت قطاع واسع من الشعب التونسي. لقد عبر السادة لطفي الحاجي والسيد الجندوبي والسيد عامر العريض الذين تتدخلوا في هذه الحلقة عن المطالب التي يرفعها المضربون عن الطعام وهي تبدو مطالب واضحة وسليمة ومنطقية وتعكس رغبة في إصلاح شأن البلاد وتعبّر عن روح وطنية عالية فهم جميعا يرفعون مطالب الحريات(حرية الصحافة، حرية التنظم، حرية التعبير) كما يطالبون برفع القيود عن الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني(جمعية القضاة، الرابطة، نقابة الصفيين…) وإطلاق سراح المساجين السياسيين الذين ينتمي جلهم لحركة النهضة الإسلامية الذين غيبتهم السجون لمدّة طويلة بلغت 16 سنة بالنسبة للعديد منهم.
طبعا ردود برهان بسيس والدكتور شكيب الذوادي عبرت عن الخطاب الرسمي فقد اعتبرا أن للدولة أوليات التنمية وأن مثل هذه الأعمال لا تصب في اتجاه المصلحة الوطنية وأن هؤلاء المضربين قلة لا يعكسون بسلوكهم هذا عن روح وطنية كما ادعوا أن البلاد خالية من المساجين السياسيين، ثم ذهبوا إلى القول بأن هؤلاء المضربين والمعارضة عامة تستنصر بالأجنبي على نمط المعارضة العراقية التي استقدمت المحتل وهو ما عبر عنه السيد » بسيس » متسائلا » ألا نتعض بالتجربة العراقية ». لقد أثارت ردود هذين « الرجلين » المدافعين عن الاستبداد سخريتي واستيائي كما أثارت لدي فضولا للرد عليهما ورفع جملة من التساؤلات إليهما لأقول لهما أن ساعة الحقيقة قربت وأن » الدعاية الرسمية » التي تتولون تنفيذ جزء منها لم تعد قادرة على إقناع الناس بسياسة النظام الحاكم وجدارة التجمع الدستوري بقيادة البلاد بالرغم مما يدعيه من أنه الحزب الأقوى.
لنبدأ من مسألة المساجين السياسيين التي تنكرون وجودها وبأن مساجين النهضة هم مجرمو حق عام. سيدي نحن من تونس ونعلم أن مرحلة التسعينات شهدت محاكمات سياسية شملت كل جهات البلاد ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء تونس من أبناء حركة النهضة وتضررت من ورائها آلاف الأسر، بل إلى اليوم ما زال في السجون أكثر من 500 سجين سياسي يعانون العذاب بمختلف ألوانه منذ حوالي 15 سنة، بل إن الذين خرجوا من السجون قد قاسوا معاناة كبيرة بسبب ما فرض عليهم من مراقبة إدارية طيلة سنوات عديدة رغم أنهم لم يحاكموا بها وتم التضييق عليهم في العمل ويكفي أن نذكر إليك أنه إلى اليوم ما زال الكثير يعاني من التضييق ويمكنك الإطلاع على معاناة الأستاذ حافظ لسود بتوزر الذي عبر عن معاناته في جريدة الموقف أخيرا. كما أحيطكما علما بعملية الغربلة التي تقوم بها وزارة الداخلية للناجحين في مناظرة » الكاباس » والتي تنتهي بإقصاء العناصر الإسلامية وغيرهم من أصحاب التوجهات الفكرية والسياسية المخالفة لحزب التجمع الحاكم ويكفي أن أذكر لكما ما حصل هذه السنة (سبتمبر 2005) حيث تمكن العديد من الإسلاميين المحاكمين سابقا من النجاح في هذه المناظرة كتابيا وشفاهيا وشاركوا في المدرسة الصيفية لكنهم فوجئوا بامتناع وزارة التربية عن تعيينهم لأن ملفاتهم تنقصها بطاقة عدد 3 ولما اتصلوا بوزارة الداخلية لتمكنهم منها امتنعت متعللة بضرورة تقديم مطالب استرداد حقوق عن طريق وزارة العدل وهي عملية تستغرق بعض الأشهر وقد تتجاوز السنة، علما بأن القانون يمكنهم من هذه البطاقة خالية من السوابق العدلية دون اللجوء لوزارة العدل لأن القضايا التي حوكموا من أجلها تسقط بعد مرور خمسة سنوات على قضاء مدة العقوبة.
ما رأيك يا سيد بسيس هل أوليات التنمية للحكومة والتي تحدثت عنها تستدعي الإخلال بالقانون من قبل مؤسسات الدولة ؟ هل تستدعي التنمية حرمان الناس من حقهم في الشغل وتدمير أسرهم وتضييع أبنائهم؟ هل التنمية هي الموجهة لصنف واحد من التونسيين هم أولئك الذين يسيرون في ركاب النظام الحاكم من أمثالك ؟
أما ما قاله السيد « الدكتور الذوادي » التجمعي بأن الذين حوكموا هم مخالفون للقانون وهم مساجين حق عام فهو هراء، فالجميع يعلم بأن عشرات الآلاف من المتضرريين من محاكمات التسعينات كانوا من أكثر الناس احتراما للوطن وللبلاد وكانوا يتميزون بأخلاق راقية وبكفاءة عالية في مجالات تخصصهم فليعلم السيد الذوادي بأن ملفات هؤلاء المحكومين وهي موجودة في المحاكم لا تحوي قضايا زنا أو سرقة أو اختلاس المال العام أو الرشوة أو السكر والتشويش في الطريق العام بل كلها تتعلق بقضايا تعاطف أو انتماء لجمعية غير مرخص فيها وهي حركة النهضة التي كانت منافسا جديا للنظام الحاكم وصاحبة مشروع مجتمعي مرجعيته الإسلام وكانت مؤثرة في قطاع واسع من المجتمع وفي الحياة السياسية في الثمانينات ومطلع التسعينات والتي شاركت في الانتخابات التشريعية سنة 1989 متخفية وراء » المستقلين » بعلم ومباركة من النظام الحاكم حينذاك. لكن لما تبيّن وزن هذه الحركة بادر النظام بشن حملة شعواء لاستئصالها متعللا ببعض أحداث العنف المعزولة، فكانت النتيجة محاكمات واسعة النطاق ذهب ضحيتها عشرات الآلاف بشكل مباشر من خيرة أبناء تونس من الطلبة والمعلمين والأساتذة والأطباء والمهندسين وغيرهم من الكفاءات. فهل كان من المعقول أن توصف حركة ما بالإرهابية لأن أحد أفرادها أو بعضهم أخطئوا ومارسوا عنفا هذا إذا سلمنا بأنهم فعلا قد مارسوا العنف؟ وهنا أسأل السيد الذوادي هل إذا ثبت تورط بعض الأشخاص من نظام البعث في سوريا في اغتيال الحريري يستدعي الأمر اتهام كامل النظام الحاكم هناك بأنه إرهابي ويجب إسقاطه ويستدعي الأمر فرض حصار على كامل الشعب السوري؟ ثم هل يحق لنا إذا وجدنا بعض عناصر حزبكم الحاكم مورطين في قضايا فساد أخلاقي أو مالي أن نتهم كل أفراد الحزب بأنهم فاسدون ويستدعي الأمر محاكمتهم جميعا؟ بأي حق يا سيد الذوادي أن يحاكم أخي في مطلع التسعينات ويطرد من عمله ويظل رهن المتابعة والمراقبة بين مراكز الأمن منذ 1991 إلى 2005 لأن أحد الأفراد المنتمين للحركة التي تعاطف معها أخل بالقانون؟ هل هذه دولة القانون التي تبشرون بها؟
لقد تمكن أفراد هذه الحركة المظلومون والمشردون من إقامة حجّة تاريخية ضدّ النظام طيلة عقد التسعينات وإلى اليوم ففندوا ادعاءاته بأنهم يشكلون خطرا على البلاد حيث تميزوا بانضباطهم الشديد والتزامهم بالمراقبة الإدارية رغم أنهم غير ملزمين بها قانونا ولم نسمع رغم طول مدّة متابعتهم والتضييق عليهم بردود أفعال عنيفة تجاه السلطة أو الحزب الحاكم على غرار ما حصل في بعض الأقطار العربية والإسلامية مؤكدين بذلك طبيعتهم المسالمة عاكسين أنهم جزء من المجتمع التونسي الذي يغلب عليه السلوك المسالم ومفندين ادعاءات النظام التي ما انفك يكرر بأن » النهضة » حركة إرهابية.
لقد رأى السيد شكيب الذوادي في هذا الإضراب » أزمة مفتعلة » كما أثار السيد برهان بسيس الشبهات حول وطنية هذه الأطراف المضربة عن الطعام مستندا إلى زيارة بعض المسؤولين من السفارات الأجنبية لهم وبالإضراب المقرر للجنة مساندة المضربين في لندن. وهنا أسأل السيد الذوادي ما الذي دفع هؤلاء إلى اختلاق هذه الأزمة؟ ألم تكن مطالب الإصلاح السياسي والعفو التشريعي العام قضايا مطروحة منذ سنوات ألم يعرض هؤلاء المضربون مطالبهم للسلطة لكنها لم تتجاوب معهم بل زادت في تضييق الحريات ولم تعرهم أي اهتمام؟ أليست السلطة الحاكمة هي المسؤولة عن هذه الأزمة؟ فهي التي اضطرتهم إلى القيام بهذا الإجراء الاحتجاجي السلمي لكشف عورة النظام التي يواريها عن الأجنبي ويكشفها في الداخل دون مبالاة. ألم يكن من الممكن أن تطرح هذه المساءل للنقاش ويتم تلبية هذه المطالب دون الحاجة للجوء للإستنصار بالأجنبي؟ ألم يكن تعنت صدام أمام معارضيه وعدم الإنصات لمطالبهم واستفراده بالرأي سببا في ما آلت إليه الأمور في العراق؟
وبالنسبة للسيد بسيس نقول إذا كان تأييد بعض المسؤولين الأجانب لمطالب هؤلاء المضربين مثيرا للشبهة حول وطنيتهم فإننا نتساءل عن التوصيف الذي يمكن أن نعطيه للذين يستدعون شارون أو من يمثله في قمة المعلومات وهو الذي ارتكب مجازر حقيقية في حق اخوتنا في العروبة والإسلام الفلسطينيين (صبرا وشاتيلا/ جنين/ الشيخ ياسين/…) وهو الذي يمثل الدولة التي اعتدت على ترابنا الوطني في حمام الشط. ماذا تقول عن هؤلاء الذين يسعون إلى كسب ودّ أمريكا بإكرام دولة اليهود المزروعة في الأراضي العربة بقوة السلاح. ثم ماذا يمكن أن تصف أولئك الذين يهرعون إلى القوى والمنظمات الدولية للحصول على بعض الكلمات أو التقارير التي تشيد بنجاحات البلاد حتى يتم الاستناد إليها للتدليل على عبقرية النظام ورجاله. ثم ماذا تقول عن عمليات التفويت لمؤسسات وطنية كبيرة ولمصادر الثروة الوطنية للأجنبي بتعلة تحرير الاقتصاد واستقدام المستثمرين الأجانب هذا دون الرجوع للشعب في هذه الملفات الكبيرة والخطيرة. هل هذه السياسيات تعبر فعلا عن وطنية عميقة لدى من تدافع عن أولياتهم التنموية؟ أم أنها تثير الكثير من الغبار والشبهات حول وطنيتهم؟
أما عن هؤلاء الذين أضربوا عن الطعام فقد أوعزتهم الحيلة في إيجاد أي طريقة لإصلاح الشأن الداخلي إلا باللجوء لمن يخشاهم النظام الحاكم والذين لهم تأثير على مجريات الأحداث الدولية؟ ثم هل كانوا سيلجئون لهذه القوى لو تجاوب النظام التونسي مع هذه المطالب التي لو أنجزت لكانت في صالح الوطن وفي تأكيد التلاحم الوطني ولزادت في تحصين البلاد من أي خطر أجنبي. لكن ذلك لم يحدث، أليس النظام هو الذي أوصل الأمور إلى هذا الحد؟ أليس المستفيدون من الوضع القائم هم المسؤولون على تضييق الخناق على الحريات وتردي الأوضاع في البلاد؟ فهم دون شك سيضلون يمانعون لأن في تزحزح الأمور وحصول إصلاحات جوهرية سيكونون أول المتضررين هذا إذا لم يلاحقهم القضاء.
السيدان برهان بسيس وشكيب الذوادي، هذه الملاحظات والتساؤلات التي وجهتها لكما ليست وليدة تفكير عميق وخبرة كبيرة في تحليل الأوضاع.إنها ببساطة ملاحظات المواطن العادي والطالب والمثقف الذين نسمع بهمسهم في كل مكان في الشارع والمقهى و أماكن العمل نسمعها خلسة أحيانا وجهرا أحيانا أخرى. ومن المهم أن يعلم النظام والحزب الحاكم وأن تنصحوه بما آلت إليه الأمور من تردي فالمكاشفة والإصلاح الحقيقي هو السبيل الوحيد لحماية الوطن وخدمة البشر.
من المهم أن نذكركما ونذكر مثقفي السلطة وأشباههم بأن ما تروجون له من دعاية للنظام على قدر كبير من الخطورة ويحمل بعدا إجراميا لأن في ذلك تأبيدا للأوضاع القائمة وتبرير للسياسات المعتمدة على الرغم مما يشوبها من خلل لم يعد يخفى على أحد ومن انتهاكات صارخة للحقوق(التداين/ بيع الثروات الوطنية والمؤسسات الكبرى للأجنبي/ البطالة/ الفساد الإداري والمالي/ استفحال الرشوة في كل المؤسسات/ الفساد الأخلاقي: انتشار الرذيلة في البلاد بشكل لم نعهده زمن بورقيبة/ انهيار ملحوظ لمستوى التعليم/ تدور المقدرة الشرائية…)
ختاما أذكركما بقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب » رحم الله إمرءا أهدى إلي عيوبي » قول يعكس رغبة حقيقية في الإصلاح وخدمة الناس ويكشف عن شخصية متحررة من كل العقد ومستعدة لتقبل النقد والتوجيه. ويبدو أن الأبطال الذين أضربوا عن الطعام قد استجابوا لنداء الخليفة الراشد فوجهوا لحاكم البلاد النصح والنقد وكشفوا الأخطاء والعورات وطالبوا بالإصلاح وبالمقابل يبدو أن القائمين على نظام الحكم ينهلون من مدرسة أخرى غير المدرسة العمرية هي مدرسة الاستبداد: مدرسة هتلر والجنرال فرانكو وبينوشيه وغيرهم من المستبدين الذين استفادوا من زمرة من المثقفين الفاسدين المكرسين للاستبداد وللجريمة.
ح- عزيزي (تونس)
1 ديسمبر 2005
Upp
بالبرهان يا… برهان
الزاراتي
يواصل صاحبنا برهان بسيس نضالاته ومقالاته وحملاته المستميتة عن النظام المليئة بكل صنوف « المغالطة » و »المزايدات » (آسف لاستعارة بعض المفردات من لغة أسيادك وأولياءك) وقد جاد بكلّ ما استطاع وما سوّل له قلمه من المضي في طريق هو أصلا غير مؤمن به… لكن للنفس البشرية أحكام وحكم نفس برهان كان … توظيف مهاراته البلاغية والحوارية في الدفاع عن الذي لا يُصلح ولا يصلح… مقاله الأخير في جريدة الصباح ومهزلته في الجزيرة أثارا في نفسي تساؤلات حول صنوف بعض الأهواء البشرية وتركيبتها وكذا وظللت أمعن النظر وأبحث عن أشياء مثل… ماء الوجه، الكرامة، عزة النفس ودخلت في متاهات كادت تخرجني عن غرضي….
يمكن لقائل أن يقول » إنّ أمثال برهان كثر ولدينا عدّة « براهين » مثله » هذا صحيح، لكّن المميز لبرهان هو أوّلا تاريخه وشقلبته وبهلوانيّته (وهو ليس وحده) … غيره أمثال أنس والجريدي والرياحي لم يصلوا إلى قمّة بذاءة « برهان » لأنهم أصلا إماّ يؤدون وظيفة حكوميّة ويتصرفون بدافع التفاني في العمل وإمّا مؤمنون بما يقولون ومتبنّون لأسس نظام المصالح الذي يحكم « تونس- بن علي »… هكذا يسميها الذين تدافع عنهم و روح بعبارة بن علي » قولوا تحي تونس » امسح بها شدقيك من زبد هذيانك لأنّه قالها في أوّل زيارة فجئيّة – التي انقرضت وانتهت واستعملت – قام بها في العهد المشؤوم، كان نوعا من وجه السوق تماما كالتصاقه بجدار الكعبة وبكاءه الزائف أثناء عمرة 1988، لقد انطلى ذلك على الكثيرين من العامّة وما هذا إلاّ دليل على وضاعة الرجل وأيّة أساليب يمكن أن يستعملها…تماما مثلك، نفس المدرسة يا برهان !
تتحامل في مقالك على الاستنجاد بالسفارات والتغطية الدولية التي يحاول المعارضون الحصول عليها… لكنك يا « برهان » نسيت أن من تدافع عنهم هم أبناء تلك الوصاية وذلك الدعم المنقطع النظير للأنموذج التونسي… هل نسيت كذب وكالة الأنباء الرسمية وحديثها عن برقيات بوش لوحدها دون غيرها والتي تثمّن وتشدّ على الأيدى وتبارك بكل فخر واعتزاز ما تحقق لتونس في ظل سيادته وسياسته الحكيمة ورؤيته الاستشرافيّة….. ليس من مهمتي طرح البديل أو إعداد برنامج غير جمهورية الغد أو أو…أنا مواطن بسيط استفزّه ما تكتب وماتتقيأ به (تتقيأ هذه استعرتها من معلّمك الجريدي حين يتحدّث عن الجزيرة – ذكرت ذلك حتّى لاتضيع الحقوق على سي عزّوز)… اغتاظ لكذبك واهتزّ طربا لـ »اللكمات » التي سخطك بها سامي حدّاد وضيوفه أمام الملايين… كم ظهرت قزما ليلتها ! لم أتشفى من أحدهم كما تشفّيت منك ! كذّاب عيني عينك وبالبرهان !!… لك صفحات جرائد الحمص والقليبات فاكتب فيها كما يحلو لك فقد تعرّيت وظهرت سوأتك أكثر من مرّة… لا يقرأك سوى صنفان: أسيادك وأولياء نعمك (لا أعلم ما هو نظامك هل تقبض عن كلّ مقال وتدخّل تلفزي أم أنّ لك راتبا قارّا – موظف- ) وصنف ثان يتعجب من البجاحة و …أما الأغلبيّة الصامتة المغلوبة على أمرها فيا ويلك من هبّتها لأنها حينئذ ستحصدك وستحصدهم…أسيادك يقولون أنهم قضوا على أيّ روح للتمرّد لدى التونسي لحدّ أنّه صار مدجّنا أليفا همّه بطنه ولقمة عيشه وإتقاء الويلات… لا يا « برهان »، خذ حذرك من أن تصدّق ذلك وإن بدا لك أمرا بعيدا !
بقلم حسونة مصباحي
مع اقتراب انعقاد القمة العالمية للمعلومات، بدأت بعض التيارات السياسية في تونس تتحرك وتنشط مستعملة مختلف الطرق والوسائل للتعبير عن وجودها، أو لنقل لفرض وجودها ذلك أنها تعرف جيّدا أنها ليست منغرسة في الواقع التونسي بما يكفي لكي تكن قوة سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة. لذا يتحتم عليها وهي على هذه الحالة من الضعف والتشرذم أن تلجأ إلى الاستعراضات الملفتة للانتباه، والتي يمكن أن تجلب لها اهتمام الرأي العام على المستوى العالمي بالخصوص، معتقدة أن اكتسابها شرعية مدعومة في الخارج، يمكن أن يسهل عليها اكتساب شرعية الوجود على المستوى الداخلي. وإضراب الجوع الأخير هو واحد من هذه الاستعراضات. والشيء الذي يجب ملاحظته في البداية هو أن الوجوه المشاركة في هذا الإضراب ليست محرومة من حقوقها السياسية كما هي تدعي، بل هي تعمل وتنشط بكامل الحرية، وتسافر لحضور الندوات والمؤتمرات التي تدعى إليها، وتدلي بالتصريحات في مختلف القضايا الداخلية والخارجية من دون أن تتعرض لملاحقات من أي نوع كان. غير أن هذه الوجوه ترغب في أن تظهر نفسها وكأنها صوت أولئك الذين تدعي بأنهم ضحايا ما تسميه هي بـ « سياسة القمع والتسلط » في تونس. غير أن هؤلاء « الضحايا » الذين يتحدث عنهم هؤلاء السادة هم في الحقيقة عناصر خطيرة كانت قد حرضت على العنف واستعملته في بعض الأحيان لزعزعة الاستقرار في البلاد مثلما هو الحال بالنسبة لعملية جربة التي ذهب ضحيتها أزيد من خمسين شخصا، أغلبيتهم من الأجانب، والتي أثبتت الأبحاث أن المخططين لها هم زعماء منظمة « القاعدة » التي تلاحقها دول العالم بأسره بسبب الجرائم الإرهابية الفظيعة التي ارتكبتها، وشبان تغذوا أو يتغذون من أدبيات المنظمات الأصولية المتطرفة التي لا هدف لها غير زرع بذور الفتنة في البلاد، ليتم لها بعد ذلك، تنفيذ مخططاتها الإجرامية مثلما حدث في الجزائر على سبيل المثال لا الحصر. وفي حين شرعت الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وبقية الدول الأوروبية، وأيضا عدد كبير من الدول في مختلف أنحاء العالم تسنّ قوانين جديدة لمقاومة الإرهاب الأصولي، وحماية الديمقراطية، تحاول بعض التيارات السياسية في تونس إقناع الرأي العام في الداخل والخارج بأن غضّ الطرف عن العناصر التي تحرض على العنف والإرهاب، وتمارسهما وانتهاج سياسة متسامحة ومرنة مع الذين يتحدون القوانين في البلاد، ويضربون بها عرض الحائط لأن هدفهم الأساسي هو إضعاف الدولة وتخريب مؤسساتها، هو الضمان الوحيد لإرساء الديمقراطية التي يطالبون بها ! !
وهنا يجدر بنا أن نعود بهؤلاء السادة المضربين عن الطعام إلى الماضي القريب لكي يقفوا بأنفسهم على خطورة أطروحاتهم الراهنة…
في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وبينما كانت البلاد تسعى جاهدة للتخلص من تبعات أحداث نهاية التسعينات الدامية، شرع الأصوليون المتطرفون الذين كانوا ينتمون في أغلبيتهم الساحقة إلى ما كان يسمى آنذاك بـ « الإتجاه الإسلامي » في بث الفوضى والعنف داخل الجامعات والمدارس، وفي الاعتداء على رجال الشرطة وعلى القضاة والمربين بهدف ترهيبهم. وفي الأدبيات التي كانوا ينشرونها، كانوا يدعون جهرا إلى التراجع عن مكتسبات النظام الجمهوري المتمثلة خاصة في حصول المرأة على حقوقها كاملة، وفي التعددية الثقافية والفكرية، وفي الانفتاح على الغرب، وفي العديد من المبادئ والقيم الإنسانية. وأمام هذا الخطر الذي كان على وشك أن يدخل البلاد برمتها في الفوضى والعنف، كان على النظام أن يتحرك بدعم كبير من مختلف قطاعات واسعة في المجتمع المدني، وفي مقدمتها التيارات اليسارية والعلمانية، ضد العناصر القيادية وغير القيادية في « الاتجاه الإسلامي ». وبعد بعض سنوات أمضاها هؤلاء في السجن، عاد هؤلاء مجددا إلى الشارع، محاولين هذه المرة الاستيلاء على السلطة بعد أن تم لهم كسب أنصارهم داخل الجهاز الأمني والعسكري للدولة. ورغم أن النظام كان يعيش آنذاك حالة خطيرة من الضعف والوهن لأسباب عديدة لذكرها الآن، فإنه تمكن من أن يحبط المخططات الإجرامية التي كان تعدّ لها في الخفاء، وفي السرية المطلقة، قيادة « الإتجاه الإسلامي ». ورغم الأحكام القاسية التي حكم بها على العناصر العليا والأساسية في القيادة المذكورة فإن الرئيس بن علي، سارع عقب توليه السلطة في السابع من نوفمبر 1987، بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين من القياديين ومن غير القياديين في « الإتجاه الإسلامي » الذي سيطلق على نفسه في ما بعد اسما جديدا هو « حركة النهضة ». غير أن حركة « النهضة » هذه لم تتخلى عن الأهداف التي رسمها « الإتجاه الإسلامي »، بل هي ازدادت بها تمسكا وتشبثا. وعوض أن تساعد على إعادة الاعتبار للدولة التي كانت قد « شاخت » وأصيب دواليبها ومؤسساتها بالضعف والانحلال سعت حركة « النهضة » منذ البداية إلى مواصلة سياسة الفوضى والتخريب والترهيب التي كان يمارسها من قبل « الإتجاه الإسلامي ». وفي نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، شرعت تحث أنصارها على بث الفوضى داخل الجامعة، وداخل المؤسسات والإدارات العامة. وبواسطة عناصرها وأنصارها الذين زرعتهم في كل مكان، سعت أن تثبت للشعب التونسي اعتمادا على ذلك الخطاب الديماغوجي والمزدوج الذي أصبحت تتقنه إتقانا جديا، أنها أصبحت « دولة داخل الدولة ». لذا كان على النظام أن يتحرك بسرعة، وقبل فوات الأوان، لتعطيل مخططاتها الإجرامية هذه…
ويذكر السادة المضربون عن الطعام الآن، بالتيارات اليسارية ساندت بالأغلبية الساحقة قرار النظام بضرب « حركة النهضة ». وفي ما بعد ظلت تلك التيارات تعترف أن ذلك القرار كان قرارا حكيما من جانب النظام ذلك أنه جنب البلاد والشعب التونسي ومنه محنة سوداء، تكاد شبيهة في ملامحها وفي خطوطها الكبرى بتلك المحنة التي أصابت الجزائر، والتي استمرت أزيد من عشرة أعوام، وكان ضحاياها يعدون بعشرات الآلاف، بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومثقفون مرموقون كانوا يمثلون العمود الفقري للانتلجنسيا الجزائرية…
لكن خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت التيارات اليسارية لأسباب لا يدريها أحد، تقترب من « حركة النهضة »، بل ولم تعد تتردد في تبني أطروحاتها، وفي مساندة تحركاتها الرامية إلى العودة مجددا للعمل السياسي العلني داخل تونس، بل أن هذه التيارات أصبحت تدافع باستماتة عن عناصر خطيرة تنتمي إلى « حركة النهضة » معتبرة ذلك نضالا من أجل الديمقراطية، ومن أجل إرساء الحريات العامة… وبعد أن كان حمة الهمامي، وعناصر قيادية أخرى في التيارات اليسارية يعتبرون زعماء « حركة النهضة » « فاشيين »، أصبحوا يتعاملون معهم كما لو أنهم ديمقراطيون حقيقيون، يؤمنون بالتعددية السياسية والفكرية، ويقبلون الرأي الآخر، وينبذون العنف والتطرف بمختلف أشكاله وألوانه. والتفسير الأول لهذا، هو أن التيارات اليسارية قد تكون سقطت في فخّ « الخطاب الجديد » الذي يروجه الآن زعماء « حركة النهضة » في لندن وباريس وبروكسيل وغيرها في العواصم الغربية، والذي يحاول أن يوهم الناس بأن الحركة المذكورة قامت بـ « مراجعة فعلية » لممارساتها السياسية السابقة، والتي منيت كما هو معروف بفشل ذريع، وأنها أصبحت تتبنى راهنا كل المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية الغربية. وإذا ما كان الأمر كذلك، فإن التيارات اليسارية تعلم جيدا أن خطاب « حركة النهضة » لا يمكن إلا أن يكون مزدوجا أو لا يكون. وهذا ما لا يمكن التشكيك فيه مطلقا خصوصا وأن المعطيات القديمة والجديدة تثبت ذلك اثباتا قاطعا، كما تعلم التيارات اليسارية أن الديمقراطيات الغربية دفعت وما تزال تدفع الثمن غاليا بسبب عدم إدراكها لازدواجية الخطاب الأصولي، والذي تجسده « حركة النهضة » أفضل تجسيد. وأما التفسير الثاني فهو أن التيارات اليسارية التي باتت مهمشة خلال العقدين الأخيرين ربما بسبب الفشل العدوي الذي منيت به الاشتراكية الماركسية، وسقوط الأنظمة التي كانت متبنية لها، وضعفها على مستوى الواقع السياسي الداخلي للبلاد، وكل هذا، جعلها تعتقد أن التحالف مع « حركة النهضة » يمكن أن يعيد لها الحياة، ويساعدها على تشكيل نفسها من جديد. وإذا ما كان الأمر على هذه الصورة حقا، فإن التيارات اليسارية الأصولية المتشددة، و «حركة النهضة » واحدة منها، لا تؤمن إلا بتحالفات مرحلية تخدم مصالحها. فإن تم لها تنفيذ ما كانت تهدف إليه، وتخطط له، انقلبت على حليفها القديم، لتنسفه نسفا يعيده بعد ذلك القدرة على استعادة قواه وعافيته. وهذا ما أثبتته تلك التجارب المأساوية التي حدثت في إيران، وفي السودان، وفي العديد من البلدان العربية والإسلامية الأخرى…
وفي جميع الحالات، يمكن القول أن تحالف التيارات اليسارية مع « حركة النهضة » هو تحالف انتهازي لا أكثر ولا أقل. لذا فإنه يتحتم على رموز المجتمع المدني الحقيقي في تونس أن تكون واعية بما فيه الكفاية بالمخاطر التي يمكن أن تنجر عن مثل هذا التحالف المغشوش، ومن المضار التي يمكن أن تلحق البلاد بسببه…
(المصدر: موقع protunisie.com المؤيد بوضوح لا مزيد عليه للسلطات التونسية)
وصلة الموضوع: http://www.pro-tunisie.com/debats/makater.htm
انفلُونزا البشر!
رضا الملولي
بدعوة كريمة من السيّد محمد رضا كشريد وزير الصحة العمومية، حضرت منذ ايام قليلة الاجتماع الدوري للجنة الوطنية المكلفة بمتابعة مسألة انفلونزا الطيور وطرق مجابهته… وقد كان هذا الاجتماع الذي انعقد بمقرّ عمادة الاطبّاء البياطرة فرصة ثمينة للاستماع الى الكفاءات التونسية المنتمية الى وزارات وهياكل مختلفة بالاضافة الى جمعية احباء الطيور التي يبدو ان المنخرطين فيها هم اول الباحثين عن الامر في وضع حد لوباء سلمت منه بلادنا ولكنه استشرى في بلدان آسيوية عديدة.
ما لاحظته أثناء الاجتماع المذكور هو وجود خطة وطنية واضحة المعالم للوقاية من الفيروس المذكور الذي قضى على الطيور ومس الآدميين في بقاع مختلفة من العالم. كل التدخلات كانت دقيقة وعملية، مع اتخاذ اجراءات كفيلة بتجسيد المنحى الوقائي كمنع الصيد البرّي ومراقبة المنشآت واخذ العينات لتحليلها، منع بيع الطيور على حافة الطريق وخارج مناطق العمران وآخر هذه الاجراءات تركيز آليات قيس الحرارة عن بعد في المعابر الحدودية، حيث يتمّ اكتشاف حامل الفيروس بواسطة حرارته المرتفعة عادة… وقد دعي الحاضرون بعد هذا الاجتماع الثري بمضامينه ومقترحاته الى غداء، كل مكوناته من لحوم الدواجن والطيور.
هذا الحرص الشديد من قبل هياكلنا الصحيةوالفلاحية على سلامة حيواناتنا ومن ثم سلامة المواطنين يقابله حرص مضاعف من قبل بعض الافراد ممن ينتسبون بالصدفة الى هذه البلاد على الاساءة الى تونس ومحاولة المسّ بمصالحها الحيوية التي يعاقب عليها القانون في كل بلاد العالم ولا مجال للتسامح بشأنها.. ويبدو ان اعضاء اللجنة الوطنية للوقاية من انفلونزا الطيور لم يتفطنوا الى وجود فيروس يسري في عقول بعض الكائنات البشرية، يمكن تسميته »بأنفلونزا البشر» من سماته الاساسية العفونة وبيع الضمائر واحتضان كل معاني التطرّف..
وكمثال حي على ذلك اسوق لكم ترجمة حرفية لمقطع اذاعي تم بثه يوم 16 نوفمبر 2005 بالاذاعة البلجيكية جمع بين صحفية بلجيكية واحدى المنتميات الى يسار الانابيب:
ـ الصحفية: سؤال أخير، قبل الانصات الى المستمعين: هل نذهب الى تونس لقضاء عطلنا ام علينا مقاطعة السياحة في تونس؟! ـ يسارية الانبوب: هذا سؤال ناقشناه طويلا ولم يتوصّل التونسيون (هكذا) الى موقف واضح.. والحقيقة وبالنسبة الينا، اذا ما استمرّت الاوضاع وتواصل التعسّف، اعتقد أننا سننادي في يوم ما بمقاطعة السياحة التونسية حتى وان ادى الامر الى تردّي الاوضاع المعيشية لكل التونسيين (هكذا). هذا المقطع وبشهادة جامعي امريكي موجود حاليّا بتونس وفي سياق تعليقه على مضمونه. أثناء حوار معه: «لا يمكن ان يحدث هذا بأمريكا، المصالح العليا للبلاد قبل كلّ شيء ومثل هذه التصريحات مثيرة للتوتر اضافة الى طابعها المتشنّج».. هل بامكاننا ان ندرج مثل هذه التصريحات في دائرة الرأي المخالف؟ أم هي محاولة يائسة لاستفزاز السلطة؟! الاكيد ان هذه الاقوال السخيفة لا يمكنها ان تصدر الا عن ذوي الآفاق الضيقة، المنحدرين من كهوف تلفها العتمة، المغرمين بشطحات يسراوية بائسة، تجمع بين آلتين بدائيتين هما المنجل والمطرقة.
شخصيا لم استغرب مثل هذه التصريحات الصادرة عن يسارية الانبوب واتذكر اجتماعا جمعني بها قبل المؤتمر الخامس لرابطة حقوق الانسان حيث قالت بالحرف الواحد: »على مناضل حقوق الانسان في هذه البلاد ان يتهيّأ لكل شيء: حرق ممتلكاته، خطف زوجته، ضرب اولاده الخ» فخلت نفسي يومها بصدد مشاهدة فيلم وثائقي عن امريكا اللاتينية!! هل بامكان هذه النماذج البشرية ان تقدم بديلا ثقافيا وسياسيا واقتصاديا يساهم في تنمية البلاد ويثري الحوار الوطني في مختلف تجلياته؟!!
مثل هذه الرؤى العدمية هي ذاتها رؤية المتطرفين من دعاة الدولة الدينية حيث تفتّقت عبقرية زعيم النهضويين عن آراء متصلة بقمة المعلومات يبدو انه استشعرها عن بعد ولكن للتثبت من صحتها لابد من آلة وزارة الصحة لقيس حرارة الشيخ.. حيث عدّد الرابح والخاسر من هذه القمة وتحدّث عن حسبة يبدو انها متعصبة بعض الشيء: فتونس في رايه تحارب استخدام التقنية (هكذا) واستغرب رغبة المنظمين في اختيار تونس (هكذا ثانية)!
الاكيد ان عصابة منعت عيني الشيخ من رؤية الامور على حقيقتها. اضافة الى جملة الافكار المتعصبة التي مازال يحملها والتي ادت به في يوم ما الى تكفير الناس واختراق الاجهزة الامنية ومحاولة الانقضاض على السلطة كما تفعل العصابات عادة.. تناسى الشيخ ومريدوه ان القمة كفكرة وكمسعى وانجاز هي تونسية لحما ودما، والسؤال المحيّر فعلا: ما هي طبيعة العلاقة التي تجمع بين الشيخ والانترنات؟ الى حد علمي ما زال الشيخ مؤمنا بوجود جاهلية اولى وباحثا عن حكم راشديّ ورافضا للحداثة برمتها التي من عناوينها الشبكة العنكبوتية، ربما كان باحثا عن العنكبوت داخل الشبكة ليذكره باقبية التاريخ وكهوف الظلام، من يدري!!؟
(المصدر: القسم العربي بمجلة « حقائق »، العدد 1040 بتاريخ 1 ديسمبر 2005)
بمناسبة اليوم العالمي للايدز : قامت ساعتنا وإشتاقت سقر إلينا
يحتفل الانسان اليوم ـ الفاتح من ديسمبر كانون الاول من كل عام ـ باليوم العالمي للايدز.
إطلعت على تقريرين لمنظمة الامم المتحدة الاول بمناسبة اليوم العالمي للقلب في السادس والعشرين من سبتمبر من كل عام ضمن التقرير السنوي لعام 05 من إنتاج برنامجها الانمائي والثاني بمناسبة الذكرى التي نحتفل بها اليوم .
قرأت عجبا قف له شعري وتجمدت بسببه الدماء في شراييني ثم طفقت أطوف بباصرتي لعلي أظفر بجواب مريح يزيل دهشتي أو يذهب فجيعتي وكنت كلما لاح لي ما يقترب من ذلك أعرضت عنه وبعد لأي خلصت في نفسي إلى أن الانسان الشارد عن منهج مالكه السادر في التمرد على صانعه يمسك حديدة يغتال بها نفسه ويتوجأ بها ويستوي في ذلك المؤمن والمسلم وغيرهما من كل نحلة وملة .
توقف معي يرحمك الله قليلا حول هذه الارقام التي تبعث في النفس أسى لا ينقطع وأسفا لا ينمحي ثم إبحث معي عن سبب أو أسباب يطمئن إليها عقلك :
ــ يموت إنسان واحد بسبب الايدز مرة كل عشرين ثانية على مدار الحياة فوق الارض .
ــ يموت طفل واحد بسبب الفقر مرة كل ثلاث ثوان على مدار الحياة فوق الارض .
ــ يموت إنسان واحد إنتحارا مرة كل أربعين ثانية على مدار الحياة فوق الارض .
ــ يموت إنسان واحد بسبب مرض القلب مرة كل خمس ثوان على مدار الحياة فوق الارض.
إرجع بنفسك إلى التقرير السنوي لعام 05 للتنمية البشرية للتأكد من صحة الارقام .
ثم إجمع إلى تلك الارقام أرقاما أخرى أشد بأسا تخبرك عن عدد من يموت في السجون والمخافر العربية والاسلامية بسبب التعذيب أو الاهمال الصحي وعن عدد من يقتل غيلة وجهرة بسبب الثارات الحكومية والثارات القبلية وعن عدد من تدهسهم العجلات وتحطمهم حوادث المرور وعن عدد من تقتله إسرائيل وأمريكا وحضارة المقابر الجماعية في البلقان والعراق والبلاد التي قامت على أساس تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية أو البلاد التي قامت على أساس تجفيف منابع التدين من مثل تونس وعن عدد ضحايا الجهاد الاسلامي في مصر والجزائر .
إجمع كل ذلك ثم قل لي هل يتقدم الانسان أم يتأخر وهل يتحضر أم يتصحر .
إجمع ذلك ثم قل لي هلا جربت الانسانية ـ في دنيا العرب على الاقل ـ عشر معشار من الحكم الاسلامي ثم لتنظر هل يذهبن كيدها ما تغيظ .
إجمع كل ذلك ثم قل لي من المسؤول عن ذلك ؟ أليست الحكومات المستبدة المتصهينة الفاسدة سواء تسربلت بأردية العشيرة أو إنتسبت زورا إلى العترة النبوية العطرة أو بالثورية التي أعياها النفاق فتحولت إلى خادمة مطيعة لبني صهيون والامريكان أو تلك التي تتمسح بأعتاب الديمقراطية كتمساح يذرف دمعا على فريسة غدت لحما مفروما في أحشائه ؟
تدبر معي هذه المفارقة التي دوختني ورب الكعبة كلما ذكرتها :
معلوم لديك بأن أمتن أساس للاصابة بعدوى فقد المناعة الذاتية ـ الايدز ـ هو الفوضى الجنسية وما عدا ذلك لا يعدو أن تكون طفيليات لا تتجاوز نسبتها العشر في أسوإ الحالات ومعلوم لديك بأن أنفق أسواق تلك الفوضى الجنسية على قارعة الطريق وفي كل مكان مطلقا دون أدنى حياء في أروبا وأمريكا خاصة والغرب عامة . إذا كان كذلك فإن إحصائيات الامم المتحدة بمناسبة هذا اليوم لهذا العام تخبرك بأن أقوى معدلات الاصابة بسرطان الايدز هو في الصومال ثم في الجزائر ثم في المغرب ثم في السودان ثم في السعودية ثم تطول القائمة جل الدول العربية والاسلامية ثم عندما تطول تلك القائمة الدول الاوربية والغربية تكون تلك المعدلات في أدنى درجاتها .
مفارقة دوختني ورب الكعبة .
مفارقة تقول لي بأن سياساتنا التعليمية والاعلامية والثقافية والاجتماعية على مدى نصف قرن من الاستقلال لم تورثنا سوى جهلا معقدا مركبا : جهل بعظمة الاسلام الذي ندين به وجهل بإستخدام الطرق العصرية التي تجنب الذباب المتهافت على القذارة من الاصابة بسل الايدز.
مفارقة تجعلني أحترم الاروبيين والغربيين على عبادتهم للجنس والمال والمتعة والانانية وكل الموبقات بسبب كونهم يخالفون الفطرة وسنن الحياة ويتمردون على مالكهم وصانعهم ولكن بعلم يقيهم الامراض القاتلة من مثل الايدز .
مفارقة تجعلني أحتقر العرب والمسلمين ـ من تورط منهم في داء الايدز الوبيل ـ على تدينهم الظاهري الذي لا يجلب سوى الخراب والدمار والاحتلال والفقر والظلم وكل النكبات ولكن يتمردون على مالكهم وصانعهم تمرد الجعل كريه اللون والرائحة تمردا بجهل وعن جهل بمنتجات » الحضارة » الغربية.
» حضارة » الارهاب والعنف ووأد الانسان : بلد خبيث لا يخرج إلا نكدا :
دعني قبل ذلك أذكرك بأن مرض القلب الذي يذهب سنويا بسبعة عشر مليون إنسي هو الذي يحتل المرتبة الاولى في وأد البشرية ثم دعني أذكرك بأن مرض القلب هنا معناه بحسب الاحصائيات الاممية لذات التقرير مرض الاغنياء والمترفين أي مرض تصلب الشرايين لفرط السحت والربا والظلم والاستغلال والشراهة والشهوات المتبرجة المعربدة . أي أن أكثر الناس اليوم موتا بالمرض هم المترفون أي أهل الشمال الابيض الغني القوي المتحضر صاحب المستعمرات التقليدية في أوطاننا المنتجة للمادة الخام . إجمع إلى ذلك بل في مقابله حتى يستوي الميزان عندك هذا الرقم : يموت كل عام إحدى عشر مليون طفل بسبب الفقر والجوع والبرد والعطش .
تلك مقدمة تجعلك تقبل قولا مفاده بأن » حضارة » الغرب هي حضارة الارهاب والعنف والقتل والوأد لانها حضارة تسكن في القيم الاغريقية والروماينة القديمة التي أحيتها حركة أروبا الحديثة عبر إخراج جديد معاصر ظاهره حرية الانسان وباطنه إسترقاق الابيض للاسود وملكية الغني للفقير وإستعباد القوي للضعيف .
تدبر ذلك مليا ثم إضحك ساخرا ملء شدقيك من ثلة من العلماء والمفكرين حين يضغط عليهم الغرب بكلكله الثقيل فتزل أقدامهم ويرجعون أسباب العنف والارهاب والتطرف والظلم إلى طرف آخر غير الارث الاسترقاقي والتراث الاستعبادي المفعم همجية وبهيمية وأنانية ومركزية والذي إستدرجنا إليه حتى أسمينا جرائمه حضارة في محاولة جاهلة منا لتزيين الشيطان .
أقول ذلك لان مصدر شقاء الانسان اليوم ليس هو سوى الغرب ـ إلا إستثناءات قليلة جدا سواء في نجاحات علمية مقدرة أو في أشخاص منصفين ـ الذي تنبت أرضه الايدز الذي يقتل أهل الصومال والسودان فلا يبقي منهم ولا يذر بعد ما تعصف بما بقي منهم الحروب الهوجاء والمجاعات الحمراء . كما تنبت أرض الغرب الفقر مصدرا إلينا يقتل طفلا من أطفالنا كل ثلاث ثوان على مدار الحياة ولنا في إتفاقيات القات قديما ومنظمة التجارة الدولية حديثا وإستحقاقات العولمة الاقتصادية وشروط السوق الدولية المجحفة ألف ألف دليل على ذلك . وتنبت أرض الغرب أسباب الانتحار بسبب الغزو الثقافي والقحط الفكري والسراب في متعة لا يقضى وطرها ولا يدرك آخرها ويقتل الانتحار منا إنسانا يأسا كل أربعين ثانية على مدار الحياة .
ما الذي يجعلنا نيأس فننتحر سواء بإمتطاء أمواج المتوسط التي تقتل شبابنا نساء ورجالا أملا في جنة أروبا الكاذبة أو بإظلام الدنيا في أعيننا بسبب فشل في قصة حب أو مناسبة إمتحان ؟ أليست الثقافة الغربية الكافرة الملحدة التي لا تقيم للخلق شأنا ولا للانسان كرامة إلا الانسان الغربي الذي تعبأ بعقيدة شعب الله المختار . ومن يجعل أمراض القلب تقتل فينا إنسانا كل خمس ثوان على مدار العمر ؟ أليس ثقافة الاستهلاك الغربية التي تزرع فينا عبادة البطن والفرج واللهث وراء المتعة والكفر بأخلاق الايثار وحب الناس والتكافل والتضامن والمسح على رؤوس اليتامى ؟
فراعنة الامة العربية والاسلامية يقتلوننا سرا وجهرا :
آن لك أن تراجعني بقولك » قل هو من عند أنفسكم » على معنى أن الغرب لم يقم سوى بواجبه حيال قضيته القومية في طلب التوسع وتسخير الابيض العربي المسلم في خدمته كما يسخر الفلاح بغله لحرث أرضه . ذلك صحيح مطلقا .
عندها أحاورك بقولي » فأستخف قومه فأطاعوه » على معنى أن سبب شقاء أمتنا داخليا لا خارجيا ليسوا هم سوى شرذمة من الفراعنة وحفنة من الطغاة الذين عبدونا لشهواتهم وسحرونا بصولجاناتهم فلم نملك غير الطاعة . قبلنا منهم الايدي وطأطأنا الاعناق وخلعنا عليهم ما لاينسب سوىإلى الله سبحانه من قوة وعظمة وجبروت وكبرياء فهنا هوان الجعلان .
ذلك هو حصاد سياساتهم على مدى نصف قرن كامل بل أزيد من الفرية الكبرى التي أسميناها إستقلالا . سياسات لم تورثنا سوى الموت فمن نجا منا من الايدز مات جوعا أو ترفا أو يأسا .
كلمة أخيرة بالمناسبة :
هلا فسحنا المجال لاصحاب شعار » الاسلام هو الحل » في مصر وخارجها فإن لم نغنم من حكمهم المشؤوم سوى وقاية من سرطانات الايدز والترف والجوع واليأس لاصبحنا ملوك الارض أم صدقنا أكذوبة سمجة ليسارنا المتحالف مع فراعنة العصر في أن أصحاب ذلك الشعار ينقلبون على الديمقراطية بمجرد إعتلائهم لكرسي الحكم ؟ أين نحن يومها إذن ؟ ريش في مهب الريح ؟ عقلي يقول لي : يحكمني إسلامي يقيني به ربي من فقد المناعة الذاتية في بدني وعقلي فلا أموت جوعا ولا أنتحر يأسا ولا أتهافت على الفروج العارية تهافت الذباب على القذارة خير لي من أن يواصل حكمي متصهين فاسد مفسد نهاب جشع .
والله تعالى أعلم
الهادي بريك / ألمانيا
النواب يطالبون بتجديد الخطاب الديني والتصدي لجرائم الأنترنات والنشل
باردو ـ «الشروق»
نظر مجلس النواب بعد ظهر امس في مشاريع ميزانيات كل من وزارة العدل وحقوق الانسان، ووزارة الشؤون الدينية، ووزارة املاك الدولة والشؤون العقارية… حيث تولى النواب في النقاش طرح جملة من المسائل المتصلة بأنشطة هذه الوزارات من ابرزها ما تعلق بتجديد الخطاب الديني وتسوية وضعيات الاراضي الدولية والاشتراكية، وكذلك اوضاع المحامين والقضاة واوضاع السجون والمقاربة التونسية في مجال حقوق الانسان.
وتساءل النائب منصور قيسومة عن خطة الحكومة تشريك المفكرين والكتّاب والمثقفين في عملية التعريف بالمقاربة التونسية لحقوق الانسان وتساءل ايضا هل هناك نيّة لتعاون وزارة العدل ووزارة التربية في هذا المجال باعتبار حقوق الانسان هي مسألة تربوية بالاساس.
* تجويد
ودعا النائب المولدي السعيدي (التجمع) الى مزيد العناية بعلم تجويد القرآن الكريم وتجويده وتخصيص حصص في وسائل الاعلام والاذاعة والتلفزة لهذا العلم كما اشار الى ضرورة فتح المجال اكثر لختم القرآن دون انقطاع مثلما هو الامر في جامع الزيتونة المعمور. ودعا ايضا الى اعطاء مساحة اوسع للاعلام الديني المرئي والمسموع مع مقاومة ظاهرة عرض المشاهد التلفزية المائعة والمواقف المحرجة للاسرة.
اما النائب رضا بن حسين «ح.د.ش» فقد طرح مشكلة البناءات المهملة خاصة بالعاصمة داعيا الى الكشف عن خطة الحكومة لتسوية وضعية هذه البناءات وإعادة استغلالها.
وأشار النائب نفسه الى ان حاجة المواطن للتجذّر في هويته الاسلامية اصبحت كبيرة ونخشى ان ينساق وراء ما تروّجه بعض الفضائيات التي لها توجهات إما سلفية وهابية او شيعية وهو ما يدعو الى اعادة النظر في عملية تأهيل الأئمة والخطباء وتحسين اوضاعهم المادية.
وتساءل من ناحية أخرى عن الجرائم الرقمية والالكترونية الجديدة التي اصبحت تهدد المواطنين وما اذا كان لدينا من الخبراء والكفاءات القادرين على التصدي لهذه الجرائم وردع مرتكبيها.
وقال النائب صالح التومي (التجمع) ان واقعنا الديني سليم في تونس وعلينا ان نتصدى لبعض الابواق التي تشكل في هذا كما دعا الى ايفاد مرشدات لتولى توجيه وارشاد نسائنا في الحج.
* زيارة
النائب منير العيادي (الوحدة الشعبية) طالب من جانبه وزارة العدل بفتح الحوار مع المحامين واسراع تطبيق الاجراءات التي اقرّت لهم وأهمها نظام التغطية الاجتماعية وتساءل ما الذي يحول دون مساعدة عدول الاشهاد على إحداث هيئة لهم مثل المحامين كما دعا الى فتح الحوار مع القضاة والاهتمام بأكثر جدية بمشاغلهم.
وتساءل النائب محمد السويح (التجمع) عما اعدته الوزارة لتطوير خطابنا الديني وجعله مبسطا ومواكبا للعصر.
واقتصرت النائبة نجوى عبد الملك بولعراس (التجمع) على طرح مشاغل المحاماة التي قالت انها تستقطب عددا كبيرا من المحامين من مسالك متنوعة ما افرز عديد الاشكاليات مثل عدم تكافؤ فرص العمل واضر بمصالح المحامين الشبان على وجه الخصوص.
واقترحت ضبط سن لتقاعد المحامين او سقف لمدة ممارستهم للمهنة.
النائب محمد الحبيب الباهي (التجمع) تساءل من جانبه عن نتائج التقييم الذي اجري بالتعاون مع معهد الصحافة وعلوم الاخبار حول خطابنا الديني في وسائل الاعلام. كما تساءل عما قامت به الوزارة في صيانة دور العيادة للديانات الاخرى.
غير ان النائب الصحبي بودربالة «ح.د.ش» استغرب تقييم معهد الصحافة للخطاب الديني وقال كان اولى ان تتولى الجهات المختصة مثل جامعة الزيتونة او المجلس الاسلامي الأعلى بهذا العمل.
وقال من ناحية اخرى ان النواب يباركون خطوة وزارة العدل بفتحها للسجون امام اللجنة الدولية للصليب الاحمر وهم يودون لو تنظم الوزارة لأعضاء لجنة التشريع العام والشؤون السياسية زيارة لبعض السجون.
* تشديد العقوبات
اما النائب ناجي جراحي فطالب بضرورة تشديد العقوبة على بعض الجرائم الخطيرة التي بدأت تنتشر في الآونة الاخيرة مثل جرائم التشويه و»النشل» و»البراكاج» واقترح عقوبة سنة سجن على كل «غرزة» عندما يكون التشويه في الوجه.
ودعا من ناحية ثانية وبالحاح تتبع كل من يسيء الى تونس ويمس صورتها في الداخل والخارج لان الوطن مقدّس. وفيما تساءلت النائبة هدى بيزيد بليش (التجمع) عن الخطوات التي قطعت لتنفيذ الاجراءات الرئاسية لفائدة المحامين التي تهم خاصة بعث معهد اعلى للمحاماة واقرار نظام للتغطية الاجتماعية وتوسيع مجال تدخل المحامي قال النائب الهاشمي الصالحي (الوحدة الشعبية) ان مادة حقوق الانسان تحتاج اهتمام جدي من طرف وزارة التربية لأنها شأن تربوي بالاساس.
وذكر النائب حاتم السوسي (التجمع) ان حصة بعض المعتمديات من الحج ضعيفة جدا مثل حصة زرمدين التي لا تتجاوز 13 حاجا وتساءل عن المقاييس المعتمدة في ضبط هذه الحصة.
وتساءل من جهة ثانية ما اذا كانت وزارة العدل تنوي احداث محاكم ناحية ببعض المناطق التي تحتاج لذلك.
وطلب النائب محمد نجيب بالريش من وزارة الشؤون العقارية الكشف عن برنامجها في تحديد ملك الدولة الخاص غير المسجل والاجراءات التي ستتخذها لإعادة هيكلة الاراضي الفلاحية الدولية.
* محمد اليزيدي
(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 1 ديسمبر 2005)
أجوبة أعضاء الحكومة
تغطية: سعيدة بوهلال
باردو ـ الصباح
صادق مجلس النواب مساء الثلاثاء على ميزانيات وزارات العدل وحقوق الإنسان والشؤون الدينية وأملاك الدولة والشؤون العقارية.
وقبل ذلك تم الاستماع إلى ردود أعضاء الحكومة حول استفسارات النواب وتطالعون تفاصيلها في ما يلي:
وزير العدل وحقوق الإنسان
القانون التونسي حسم في الجرائم الرقمية
نحن متأكدون من مسيرتنا في مجال حقوق الإنسان
السجون في تونس مفخرة
باردو ـ الصباح
ذكر البشير التكاري وزير العدل وحقوق الانسان لدى اجابته عن استفسارات النواب أن «السجون والاصلاح في تونس لا تمثل مشكلة بل هي مفخرة لأن السجين يتمتع بجميع حقوقه ويمكن لتونس أن تعطي دروسا في ذلك لا أن تتلقى الدروس».
فالسجين على حد ذكره يتمتع بالرعاية الصحية ويخضع لـ14 فحصا طبيا في السنة وبالاضافة الى ذلك يقع اعداده للحياة الحرة في برنامج العفو التأهيلي ويندرج ذلك في اطار الحرص على حماية حرمة المواطن التونسي.
واجابة عن سؤال آخر توجه له به أحد النواب ويتعلق بتغيير مقرات السجون قال ان هناك برنامجا لتغييرها على غرار ما تم بتونس وصفاقس.
أما مركز جبل الوسط فيتولى علاج المساجين الموقوفين جراء استهلاك المخدرات ويدوم العلاج بين ثلاثة وخمسة أسابيع في هذا المركز للتخلص من آفة الادمان.. وعادة ما يقع العلاج في آخر مدة العقاب واذا لم يتمكنوا من الشفاء فانهم يعملون بمقابل في معمل السجن.
ولدى حديثه عن مسألة حقوق الانسان في تونس قال: «ان المشككون فيها لا يمكنهم أن يصلوا الى مبتغاهم.. ونحن متأكدون من مسيرتنا في مجال حقوق الانسان».
وأضاف: «نؤمن بحرية التجمع والمشاركة في الحياة الوطنية لكن ذلك يجب أن يكون في اطار القانون.. ويمكن أن نطور القوانين وفي انتظار تطويرها علينا الالتزام بمقتضياتها».
وذكر البشير التكاري أن خطة وزارة العدل وحقوق الانسان واضحة في التعريف بحقوق الانسان سواء عبر النشريات أو البوابة الالكترونية لأن نشر حقوق الانسان من شأنه أن يقي ضد القراءات التحريفية ضد حقوق الانسان.
تضخيم الجرائم
وأجاب الوزير عن أسئلة أخرى تتعلق بسير المحاكم والعمل القضائي. وقال في هذا الصدد: «عند الحديث عن عمل المحاكم تعرض النواب لبعض الظواهر الاجرامية الخطيرة ولكن تجدر الاشارة الى أن قراءة الأرقام وقراءة الصحف يجب أن تتسم بالحذر حيث هناك تضخيم لها».
وبين أنه تم تسجيل ارتفاع في الجرائم المالية والجرائم المتعلقة بقانون الطرقات وليس في الجرائم الجنائية لانه تم التراجع فيها بنسبة واحد بالمائة.
واستدرك الوزير قائلا: «لكن هناك جرائم أصبحت تمثل ظاهرة وهي تتعلق بالسرقة باستعمال العنف وبالنشل ولكن يتم التصدي لها بتشريعنا الصارم ودعوة المحاكم الى الحزم في التصدي لها وزجرها واعتبارها من الجرائم الخطيرة عند النظر في لجنة العفو والسراح الشرطي».
كما تحدث عن الجرائم الرقمية وقال ان القانون كان سباقا في تبيانها منذ عام 1999.. وبشأن العقوبة البديلة فقد تمتعت بها 300 حالة هذا العام وهي تخص نوعا محددا من الجرائم وليست كلها.. وعن قضايا الشيك بدون رصيد فانه بعد أن تقرر تنقيح قانون الشيك بدون رصيد تم الشروع في اعداد مشروع هذا القانون.
وبالنسبة للمحكمة العقارية فيذكر أنها تقوم بدور هام في ما يتصل بالرسوم المجمدة وقال «نحن بصدد اعداد مشروع قانون يتعلق بالطعن في أحكامها».
وذكر أنه تم تركيز فضاءات الأسرة في كل المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف.. وبين انه لا يمكن بعث محكمة ناحية ومحكمة استئناف في كل ولاية لأن الامكانيات لا تسمح بهذا الأمر وأن احداث المحاكم يتم باعتماد خارطة قضائية وكلما اقتضى الحال احداث محكمة يتم ذلك.
القـضــــــاة
تحدث البشير التكاري عن القضاة الذين يضطلعون بدور هام في اطار الحياد والاستقلالية فهم ركيزة دولة القانون والمؤسسات لذلك لا تكاد تخلو سنة من القيام باصلاحات لفائدتهم.
واجابة عن سؤال يتعلق بالتخصص القضائي بين أن التخصص يجب ألا يكون مطلقا حتى لا يجعل ذلك من تطور القاضي في مسيرته المهنية محدودا.
وبالنسبة للمحامين فان النصوص والاجراءات لفائدتهم تأخذ بعين الاعتبار أربعة عوامل لخصها الوزير في الاستجابة لمطالبهم المشروعة ومراعاة مصلحة المتقاضين واحترام هيبة القضاء والحوار مع ممثلي الهيئة الوطنية للمحاماة.
وسيتم الحسم على حد تعبيره في أمر المعهد الأعلى للمحاماة وهو مؤسسة عمومية ستعطي شهادة الكفاءة للمحاماة.. وتحدث عن التغطية الاجتماعية للمحامين وعن المساعي لتمتيعهم بتغطية اجتماعية شاملة ومتوازنة.
وبالنسبة لعدول التنفيذ والاشهاد ذكر أنه بعد استكمال احداث الغرف الجهوية يمكن التفكير في بعث هيئة وطنية. وبالنسبة لمساعدي المحاكم وأعوان المحاكم فانهم يحظون بتكوين مستمر وقد تم حل بعض وضعيات عملة الحضائر وعملة المسح العقاري.
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 1 ديسمبر 2005)
فــي منبــــر الذاكرة الوطنية :
الحسين التريكي يجيب عن أسئلة المؤرخين (3 من 3):
موقف بورقيبة كان واضحا من القضية الفلسطينية وكان يعارض الاستيطان
كنا نجهل النظرية الهتلرية … ومساندة المحور لا تعني إتباع هتلر
تونس ـ الصباح
بعد الاستماع الى شهادة تاريخية ثرية بالوقائع والتفاصيل توجه عدد من المؤرخين والمناضلين المواكبين لمنتدى الذاكرة الوطنية لحسين التريكي بجملة من الأسئلة فأجاب عن بعضها باقتضاب وأفاض في حديثه عن الأخرى.
المقام اذن كان على منبر مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بالشرقية.. أما المقال فهو كما وصفه أحد المؤرخين بالحدث الثمين.. ويتمثل في قدوم المناضل حسين التريكي الذي يقيم بالأرجنتين الى تونس ونزوله عند رغبة المؤرخ الدكتور عبد الجليل التميمي المهتم بجمع شهادات عدد من المناضلين والساسة الذين ساهموا في بناء الدولة الحديثة..
بورقيبة.. والقضية الفلسطينية
أول الأسئلة طرحها المؤرخ عبد اللطيف الحناشي الجامعي بكلية الآداب بمنوبة ويتعلق بموقف الزعيم الحبيب بورقيبة من القضية الفلسطينية والثاني يتعلق بخيار ممارسة العنف في النضال الوطني الذي انطلق مع مجموعة «اليد السوداء» وان كان هذا الخيار نابعا من الحزب أو هو خارج عن ارادته.. كما تساءل المؤرخ ان كانت الأحداث العربية والعالمية التي شهدتها الاربعينيات وبداية الخمسينات هي التي ساهمت في تغيير التصورات والمواقف والانتقال من مفهوم القطرية الى العروبية.. وعن علاقة «الثامريين» بدول المحور طرح سؤالا آخر ليتبين ان كانت مبنية على أساس أن عدو عدوي هو صديقي أم أنها نابعة من موقف سياسي أو موقفا ايديولوجيا؟؟
عن موقف الزعيم بورقيبة من القضية الفلسطينية قال التريكي انه يذكر واقعة في القاهرة استمع خلالها الى بورقيبة يتحدث عن رأيه في القضية الفلسطينية فقال انها قضية استيطان وقال ذلك وهو يعارض عمليات الاستيطان.
وعن خيار العنف قال انه عندما آلت قيادة الحركة الى الرشيد ادريس بعد الدكتور الحبيب ثامر تم الاتفاق على أن المناشير لها وقع كبير على الشعب وكثيرا ما ينتهي توزيعها بالقبض على عدد هام من الشبان وسجنهم لذلك تم التفكير في الالتجاء الى العنف واستعمال المفرقعات وكانت الى ذلك الحين أعمال العنف تقتصر على قطع أعمدة الهاتف.
تأثر بجمال عبد الناصر
يذكر التريكي مجيبا عن السؤال الموالي أنه كان يشعر بأنه تونسي ومغاربي وعربي وقد تاثر أيما تأثير بثورة جمال عبد الناصر واخوانه المشارقة الذين يلاقون الويلات من الاستعمار البريطاني.
ويضيف أنه يؤمن بصدق مقولة عدو عدوي هو صديقي ويراها قاعدة رياضية وكثيرا ما حاول وهو في السجن في تونس اقناع زملائه في الكفاح بهذه المقولة وعند الخروج من السجن اندفع الجميع وساندوا المحور لأنهم يريدون أن يسجلوا في التاريخ أن تونس استقلت.. خاصة وأن الحاج الامير الحسيني نصح هتلر بأن يعلن استقلال المغرب العربي ووحدته وقال له انه يضمن له مشاركة آلاف المتطوعين..
وحول التعامل مع المحور وان كان هذا التعامل فعليا سأل المؤرخ عليا الصغير عميرة مبينا أنه ليس هناك من سبب يجعل الدكتور الحبيب ثامر يحاول الاتصال برومل في طرابلس ـ وهو ما كان قد صرح به التريكي في شهادته التاريخية التي نقلنا تفاصيلها في الحلقة الأولى من هذه السلسلة ــ فأجاب بما معناه أن قوات المحور «وجدت ترحيبا في تونس» واستدل بما قاله القائد بيسنار: لما نزلنا الى تونس كانت مهمتنا حماية القوات المسلحة في ليبيا من الشعب التونسي ولكننا وجدنا في تونس حلفاء طبيعيين لنا اذ أنهم فتحوا لنا بيوتهم وقلوبهم.. ويقول التريكي «ان ذلك هو نتيجة شعور طبيعي وهو أن عدو عدوي هو صديقي.. ولو لم يحطم هتلر العمود الفقري للامبريالية الفرنسية والانقليزية أشك في امكانية تحقيق الحرية للمغرب والمشرق»..
ويستدرك التريكي مبينا أن جماعته «كانت تجهل النظرية الهتلرية ومساندة المحور ليس معناه اتباع لهتلر في نظريته ولكنه فقط لأنه عدو عدونا وله نية في تحريرنا من الاستعمار».
وعن سؤال آخر يتعلق بقضية لجوء عبد الكريم الخطابي اذ هناك من يقول انه لما اتصل به المناضلون المغاربيون تردد ورفض النزول في مصر.. أجاب: «لا شك أن الأمير عبد الكريم الخطابي كان مترددا خاصة وأن عائلته كانت معه وكان يصبو الى أن يعيش حرا لكن لما أقنعه الزعماء الحبيب بورقيبة وعلالة الفاسي وعبد المجيد بن جلون بالنزول استجاب لطلبهم».
الأمير عبد الكريم الخطابي
سأل أحد الحاضرين وهو عبد الكريم مبروك عن الدور الذي قام به الخطابي فأجاب أن «الأمير عبد الكريم الخطابي كان في تلك الفترة يطالب بحل الأحزاب نهائيا وكان مرشحا لقيادة ثورة مسلحة في الأقطار المغاربية الثلاثة لكن بورقيبة كان يعارض بشدة وللاسف فان اتجاه بورقيبة للتقرب من فرنسا بدد كل المساعي».
وأجاب التميمي عن سؤاله قائلا ان للرشيد ادريس دورا كبيرا في تاسيس مكتب المغرب العربي في برلين وكذلك ساهم يوسف الرويسي في برلين في القيام باتصالات متينة جدا مع العناصر السورية.
وسأل المؤرخ عليا علاني: «في نهاية الأربعينيات كان هناك تنازعا في الاتجاه داخل هياكل الحزب الدستوري بعد مؤتمر ليلة القدر بين الاتجاه العربي والاتجاه القطري.. فهل هناك اتجاه عربي واتجاه مغاربي واتجاه قطري؟؟
أجاب التريكي «أن روح الاتجاه المغاربي العربي في الحزب طبعه الدكتور ثامر وقال ان وفاته كانت كارثة تونسية ومغاربية كبرى..» ويستدرك قائلا «لولا أتباعه لما كان بامكان بورقيبة القيام بعمل كبير للبلاد المغاربية.. حتى أنه صمت أمامي ولم يقل أية كلمة لما قابلته يوما وأردت أن اقنعه بأنني لم أضع ثامر في جيبي كما قيل له.. وقلت له أنا أتحدى الرشيد ادريس والطيب سليم اللذين قالا لك ان تونس ضاعت في مكتب المغرب العربي أتحداهما ان قدما يوما مشروعا معينا لمكتب المغرب العربي ولم يقع تنفيذه»..
وأضاف التريكي «لما سمع بورقيبة مني هذا الكلام أجابني مستعملا كلمة نابية الطيب سليم والرشيد ادريس يحبوا يودونا في داهية».
وقال المؤرخ خالد عبيد من معهد الحركة الوطنية مبشرا حسين التريكي بان جريدة «الكفاح» التي اعتقد أنها ضاعت موجودة بعد في الأرشيف.
واجابة عن اسئلة المؤرخ قال ان محمد عبيد كان سكرتيره في الجريدة.. وقال انه في جريد افريقيا الفتاة يمكن للباحث ان يفهم من خلال المقالات التي كتبها هو النهج الذي كانت تسير عليه مجموعته.
واضاف مجيبا عن سؤال آخر ان بورقيبة «قرر بعد التشاور أن تخرج المجموعة التي تورطت مع المحور.. وكان محمود المسعدي يريد الذهاب معنا لكن زوجته أثرت عليه فتراجع.. وبين أن عبد الرحمان ياسين لم يكن في المجموعة الثامرية».
وسأل المؤرخ محمد ضيف الله التريكي ما يعرفه عن ياسين وعلاقته بجمعية طلبة شمال افريقيا فأجابة انه لا يعرف هذا الرجل بما فيه الكفاية لان احتكاكه به كان قصيرا.
تضخم الأنا
عن رايه في بورقيبة قال: «ان بورقيبة مصاب بمرض تضخم الأنا وبعلمانية مفرطة».
وقال ثامر على حد ذكره عن بورقيبة «انه حصانا جامحا اذا لم نكبح جماحه ستنكسر رقبته ورقاب الشعب معه».. وأضاف «رغم هذا الموقف من بورقيبة فان ثامر لم يقل ما قاله صالح بن يوسف عن بورقيبة».
واجابة عن سؤال صحفي حول مرحلة وجود بورقيبة في مصر قال «انه ذهب الى القاهرة لأنها مركز الكفاح العربي والوحدة العربية» ولكن لماذا غير من موقفه تجاهها موجها لها وللجامعة العربية الاتهامات قال ان مبعث ذلك «يعود الى حادثة تأثر بها بورقيبة كثيرا وهي أنه حينما بلغ مصر وسئل من يكون فقال أنا بورقيبة لكن عون القمارق لم يعرفه ودعاه للاستظهار بجوازه ولم يسمح له بالدخول.. وبين ان بورقيبة «كان له موقف من جمال عبد الناصر حتى انه في فترة من الفترات لم يكن مسموح لأصحاب المحلات التجارية في تونس بتعليق صورة عبد الناصر لانه يريد صورته هو فقط على الواجهة».
وعن علاقته بصالح بن يوسف قال «لو كان بورقيبة يقبل الرأي المخالف لما برزت اليوسفية» وقال «ان بورقيبة حدثه مرة أنه حينما يقول للشعب سر على اليمين فانه يسير على اليمين واذا أمره بالسير على اليسار يسير على اليسار فأجابه التريكي هل يرضيك اذن أن يكون وراءك قطيع بخمسة مليون؟».. وبين التريكي أن علاقته بصالح بن يوسف انقطعت منذ حصول تونس على استقلالها.
وعلق الجامعي الزيتوني عمر التريكي نجل حسين التريكي أن والده كان له وازع ديني كبير.
وتحدث التريكي عن واقعة عودته الى تونس اثر العفو عنه في جوان 1962 حيث وجد في المطار من ينتظره لاقتياده الى مكتب وكيل الجمهورية وهناك حصل على وثيقة تنص على تأجيل تنفيذ حكم الاعدام شنقا لمدة 30 يوما.. وقال له وكيل الجمهورية محمد فرحات انه «عليه الاحتفاظ بتلك الوثيقة لانه ملاحق». وعلق مصطفى الفيلالي الذي كان حاضرا في المنتدى قائلا ان بلادنا والبلاد العربية والمغرب العربي مقبلة على مستقبل رديء لان هناك تغليب للمصالح القطرية الضيقة على المصالح الجماعية.. فاجابه التريكي بأن مستقبل العرب يتوقف على الحرب الدائرة بين الاسلام والصهيونية التي استطاعت أن تتغلب على دواليب الولايات المتحدة الامريكية.. ويعتبر القضية الفلسطينية قضية الخلاص وهي التي ستحدد السياسة العالمية مستقبلا».
(انتهى)
تغطية: سعيدة بوهلال
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 1 ديسمبر 2005)
الديمقراطية البرتقالية في مصر
عادل الحامدي (*)
لا يرتكز النقاش حول الديمقراطية التي هي حكم الأغلبية علي تلك الرؤية الحقوقية وإن كانت جوهرية بل الي نصب الجدال حول إسقاط التجربة في واقع عربي أدمنت فيه الدولة علي استعمال إرزبتها (القوة) في تسيير شؤون الحكم والتعاطي الرقيقي مع المجتمع ككل لفرض هيمنتها علي الأفراد والجماعات وفق رؤية الحزب الواحد والزعيم الأوحد الذي لا ينافسه علي رئاسة البلاد ورئاسة الحزب ورئاسة القوات المسلحة سوي ملك الموت، لا تراجعه في قراراته وسلوكه السياسي سوي مؤسسات أغلبها غير دستوري ولا شعبي المنابع، فتكون الشوري أشبه بحوار الطرشان بين الرئيس وأعوانه من رموز الدولة والرأسمال المنكفئ علي الذات في غياب عسس البرلمان: الضمانة الدستورية الوحيدة لأي حكم ديمقراطي.. هذه هي الصورة الأقرب إلي الواقع العربي بشكل عام..
تحت المقرعة الأمريكية والإرادة الدولية لفرض التغيير نحو الأفضل ـ حسب زعمهم ـ وخوفا من شبح الخراب العراقي اختارت مصر خوض تجربة الديمقراطية بلا رتوش ولا مساحيق هذه المرة وعاشت مصر حمي الانتخابات النيابية التي أفرزت برلمانا أقرب للتقوي من كل ما سبق.. في دينامية التحولات السياسية المتسارعة التي تشهدها القرية العالمية أدت أنجيلا ميركل رسميا اليمين كأول امرأة اوروبية بعد المرأة الحديدية في انكلترا مارغريت ثاتشر تحكم ألمانيا كمستشارة. من مناضلة في إحدي المنظمات الستالينية الألمانية إلي مستشارة تجلس في مكان رجل سياسي كبير تربع علي عرش ألمانيا الاتحادية لسنوات ولا أعني به سوي السياسي البارع غيرهارد شرويدر، قصة طويلة من النضال السياسي وشعور بأهمية الإنسان وأحقيته في الفعل والعطاء أيا كان انتماءه الفكري والسياسي، فالمهم هو الفعل من أجل المجموع وتقديم الخدمة للوطن والإنسان.
تولت أنجيلا ميركل منصب المستشار ولديها من التفويض القانوني والشعبي ما يؤهلها لإجراء إصلاحات اقتصادية طالما انتظرها الألمان في مجتمع بلغت نسبة البطالة فيه 11.6 في المئة من السكان، وهي نسبة لا شك أنها لا تحتاج إلي الكبرياء الأنثوي الذي قبر التجربة الثاتشرية. بين الانتخابات التي أهلتها للمنصب وبين الاتفاق نهائيا علي شغلها لهذه المهمة مرت أشهر تخللتها اجتماعات ونقاشات محمومة بين الفرقاء السياسيين الألمانيين يمينيين ويساريين ودينيين حتي النخاع لم ترق فيه قطرة دم واحدة من أجل نيل المنصب ولم يخون فيها أحد أو يتهم بالعمالة والتواطؤ مع الأجنبي للنيل من وحدة ألمانيا.
صورة تابعتها ليس من باب ما تمليه علي مهنة المتاعب فقط ولا من باب الشغف بالتجارب الديمقراطية الأوروبية التي أصبحنا جزءا منها، بل من باب الاعتبار بقيم وتقاليد الحوار والمشاركة بما يساعد علي التمكين لدمقرطة الحياة السياسية ومقاومة ثقافة التيئيس والإحباط التي تعمد قوي التسلط علي إشاعتها. حدث فريد من نوعه في أوروبا لا يضاهيه عندنا في العالم العربي الذي يعيش علي نكد الدماء التي تسيل يوميا في العراق، إلا ما جري في أم الدنيا من تزامن بين اجتماع القادة العراقيين من كان منهم في الحكم ومن كان منهم مع المقاومة والجولة الثانية من الانتخابات التشريعية. هل كان من باب الصدفة أن تجري الانتخابات التشريعية في مصر بمشاركة الاخوان المسلمين بعد أقل من ثلاث سنوات علي الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق؟
بمعني هل يمكن الحديث عن هذا التحول الزلزال إذا جاز التعبير في السياسة المصرية الحديثة دون الأخذ بعين الاعتبار للتعليمات الأمريكية بمزيد من الحريات والانفتاح السياسي في مصر علي وجه الخصوص وفي العالم العربي بوجه عام؟ يعزو أغلب الكتاب والمفكرين طبيعة هذا التحول إلي ثورة المعلومات وفتوحاتها المتواصلة في مجال الاتصال وتعميم المعلومات التي كانت تحت سطوة الأنظمة الحاكمة طيلة عقود الاستقلال. فعلي مدي حكم الدولة الوطنية وريثة حركات التحرر العربية لم يكن بمقدور النخب السياسية المعارضة أو المستقلة أن تصل إلي الرأي العام الوطني والدولي إلا بما يسمح به القانون ومصالح الأمن القومي التي تحددها أجهزة استخباراتية لا تعرف من علم الاستخبارات غير لي عنق الحقائق وحجب أشعتها الساطعة عن عيون المواطنين المسالمين. لم تعد أزمة الحوار بين الأنظمة والمعارضة في العالم العربي سرا خافيا علي أحد، كما لم يعد الخوف من المستقبل مرتبطا بالفقراء والمساكين وحدهم فقد اشترك الكل في ذلك بعد أن أمسي الراصد الأجنبي حاكما وجارا للجميع.
ما الذي تغير في حياتنا السياسية وعطل عمل أجهزتنا الإعلامية والمعلوماتية وأجبر القادة عندنا علي التواضع والتنازل والاعتراف بالأمر الواقع؟ كيف تحول الظلاميون صناع الموت وأعداء الحياة ودعاة الشمولية إلي شركاء في صناعة الحياة ينافسون الحزب الحاكم بأجهزته الأمنية والإعلامية والاقتصادية علي إدارة شؤون البلاد؟ منذ 1928 تاريخ ميلاد جماعة الاخوان المسلمين في مصر والتيار الإسلامي يقدم الأفواج من الشباب للسجون بحثا عن دور تحت الشمس حتي جاءت انتخابات هذا العام فأخرجت قادته من السجون وسمحت لرموزه وأنصاره بالمشاركة السياسية في الانتخابات النيابية من غير أن يكون لهم ترخيص سياسي.
لقد استطاعت تجربة الحكم عندنا أن تفرغ الديمقراطية من مضمونها وحولتها إلي ما يشبه مسرح الظل فماتت وانتهت بسبب قلة المقاتلين من أجلها.. بل إن جزءا كبيرا من مؤسسات الدولة الأمنية في العالم الثالث ومنه العالم العربي بالطبع تفرغ إلي هذه المهمة مهمة صناعة إيديولوجية تخلي المواطن عن الاهتمام بالشأن العام والنضال من أجل الإسهام بدوره في تنمية العمل المؤسسي من موقعه كإنسان، فلم تعد صناديق الاقتراع تغري الناخبين ولا خطب الحملات الإنتخابية تستهوي أفئدة وعقول المواطنين بعد أن أضحي الحصول علي لقمة عيش كريمة مطمح الأغلبية الساحقة من أبناء أمة العرب ومنها مصر المحروسة موضوع الاهتمام. لا مخرج للأزمة بعد أن فشلت كل الخيارات السياسية منها وغير السياسية في إحداث التغيير المطلوب عربيا إلا بإعادة الاعتبار للمؤسسة السياسية المتمثلة في الدولة ولصناديق الاقتراع التي تأتي بها وبأجهزتها لإدارة شؤون العباد وتوزيع الثروة وصيانة الحقوق وحمايتها بالعدل والقسطاس.
ولن يتأتي ذلك إلا بإحياء مفهوم المواطنة لدي الإنسان العربي الذي أثقلته الهزائم وأحبطته كل الشعارات بما في ذلك الشعار الإسلاموي نفسه. مئات من أنصار الإخوان المسلمين عادوا إلي مواقع الظل في سجون مصر وقتيل واحد من المستقلين طعن علي مستوي الرقبة، وحراك سياسي لم تشهد مصر مثيلا له منذ اعتلاء عبد الناصر للحكم، تلك هي حصيلة التجربة الانتخابية، وهي نتيجة تحسب لصالح مصر ولصالح التجربة الديمقراطية التي لم تستطع الأساليب الأمنية فيها أن تقتل تطلع الشعب المصري الكادح من أجل العيش بكرامة، فالحرية عند المصري والعيش بكرامة لا يقل أهمية عن الخبز ومقاومة الجوع.
تلك هي المهمة الأولي للمصريين أن يخترقوا حاجز الخوف ويؤسسوا لحياة سياسية قوامها تعددية حقيقية وقاسمها المشترك التنافس علي خدمة المواطن المصري أيا كان انتماؤه. أما أولويات ما بعد الانتخابات التي نأمل أن تفضي إلي برلمان متعدد له صلاحيات السلطة التشريعية والرقابية فتتمثل في العمل من أجل إعادة الاعتبار لهذه المؤسسة ولدورها في الحياة السياسية والاقتصادية لتضطلع بمهمة التأسيس لمكافحة الفساد المالي والإداري الذي يكاد يحيل مجتمعاتنا إلي قوافل من المتسولين فيما هي تتمتع بثروات وموارد اقتصادية تكفينا جميعا. وهي لانما تقوم بذلك لتعيد مصر إلي موقعها الأصل كمصدر إشعاع في منطقة الشرق الأوسط. لم تعد مصر أما للدنيا كما كانت لكنها لا تزال وأظنها ستبقي أما لكل عربي خصوصا بعد أن نكبنا في عراقنا الحبيب.
وإذا كان الرئيس محمد حسني مبارك ورجال الدولة ورؤساء أحزاب مصر قد شمروا السواعد وأجمعوا أمرهم علي خوض تجربة حكم الشوري والأغلبية بعيدا عن كل عمليات الغش والضحك علي المواطن في الداخل والحليف في الخارج، فإن بودي أن أهمس في الأذن المصرية لأقول بأن القبائل العربية قبل مجيء الإسلام تورث كل شيء باستثناء الرئاسة إذ كانت تري أن ذلك شأن الفرد الذي يريد أن يحكم الناس بحسب أهليته وكفاءته وقدراته الذاتية، وأما بعد الإسلام فقد رفضها ابن الخطاب قائلا: لا حاجة لي بها، فرد عليه الصديق بقوله: لكن بها إليك حاجة، والله ما حبوتك بها بل حبوتها بك أما في عصرنا فقد رفضها صانع فرنسا الحديثة: ديغول سنة ثمانية وستين رغم حصوله علي الأغلبية إلا أن رؤساء قبائلنا المعاصرة اختاروا أن يكونوا مذبذبين لا من التاريخ الإسلامي الزاخر استفادوا ولا بتجارب الديمقراطيات الحديثة اعتبروا….
(*) إعلامي تونسي يقيم في بريطانيا
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 1 ديسمبر 2005)
ك.ع.م تبحث عن الحرية، فتسجن في الصورة التلفزية
خميس الخياطي (*)
كعم: الكعام: شيء يجعل علي فم البعير. كعم البعير يكعمه كعما. فهو مكعوم وكعيم: شد فاه. وقيل شد فاه في هياجه لئلا يعض أو يأكل. (…) وفي حديث علي، رضي الله عنه: فهم بين خائف مقموع وساكت مكعوم . قال إبن بري: وقد يجعل علي فم الكلب لئلا ينبح وأنشد إبن الأعرابي: مررنا عليه وهو يكعم كلبه/دع الكلب ينبح، إنما الكلب ينبح (…) والمكاعمة هي التقبيل. وكعم المرأة يكعمها كعما وكعوما: يقبلها وكذلك كاعمها. والمكاعمة هو أن يلثم الرجل صاحبه ويضع فمه علي فمه كالتقبيل.. . عن لسان العرب. م 12، ص 522. طبعة دار صادر.
ما لم يفهمه البعض من القائمين علي والعاملين في غالبية وسائل الإعلام السمعية ـ البصرية العربية ـ خاصة منها تلك التابعة للخواص ـ أنه من المستحيلات السبعة إحتواء الواقع العربي اليوم حتي للإرتفاع به وتقويله هواجسه، فما بالك حينما يتعلق الأمر بطمسه ودفعه نحو آفاق يريدونها له ضيقة لتيسير التحكم فيه والإمساك بوعي العربي والتملك منه وإسكاته ولا نعني هنا بـ الواقع واقعا معينا بقدر ما نعني الظواهر الذاتية كما الجماعية التي تبلور ما قد تعتبره مجموعة ما واقعا أو قسما منه أو كما يقول عنه الفلاسفة تمثيل العالم الخارجي . ولا تأتي الإستحالة من كونهم فقدوا الحيل والمال أو عيل صبرهم. لا. بل لأن كل واقع ـ وخاصة واقعنا العربي ـ له من الذكاء في البحث عن الحرية وامتلاكها عبر الرموز والدلالات ما يجعل جداريات الشاشات الصغيرة شبيهة بما ذكره لسان العرب سابقا، أسوار خانقة للرؤية ولكنها مخرومة وأجهزة تلفزات صناديق للموتي ولكنها صناديق إفتراضة…
ك.ع.م و زراعة القرع
عادة ما تجد الثقافات في مثقفيها ورقة التين التي بها تغطي عريها حينما تكون قد فقدت الثقة في ذاتها وفي مستقبلها معا. فيأتي الحوار عن الثقافة والمثقفين شبيها بالحوار عن الملح أو حالة الطقس وتبدل الأحوال. هذا ما يمكن إستنتاجه من حلقة من برنامج المنتدي من إعداد وتقديم ياسر حسن وإخراج رحاب المكاوي والذي بثته مساء الثلاثاء قناة الثقافية المصرية (نايل سات، تردد 11843).
محور الحلقة التي شارك فيها كل من المصري سيد حافظ والشاعرة الشهيرة ظبية خميس والقاصة الكويتية فاطمة يوسف والناقد والمخرج المسرحي الليبي فرج أبو فخر كان الحديث عن المثقف العربي ومنزلته الحالية … وأنا أشاهد البرنامج وأستمع إلي ما جاء فيه، تذكرت الـ ك.ع.م ، أي الـ الكائنات العربية المثقفة المجهولة التي يتكلم عنها كل الناس ولا أحد أنصفها، تماما مثل الواقع ، كل يتكلم بإسمه وكل يراه من زاويته ولا أحد أقنع في الكلام والرؤية بتطوير الواقع… الأمر ذاته حينما نتكلم عن الثقافة والمثقفين. وإن كانت ظبية خميس علي عادتها مشاكسة في قولها أن المثقف العربي يأتي من منطقة المعاناة والفقر لا من منطقة الراحة و أننا نعيش في حالة وهم والعولمة لا تطمع لحماية الشعوب العربية وعلينا أن نخلق بدائلنا ، فإن سيد حافظ ذكر الحاضرين بأن من حق الشاعر أن يشتري قميصين كما قال محمود درويش حينما حصل علي جائزة لوتس ورفض أن يهديها لمنظمة التحرير الفلسطينية (؟) ثم أرغي وأزبد في قوله أن أعلي سلطة في الدولة المصرية أمرت بصرف 12 مليون جنيه علي صبية لا يتجاوز عمرها 14 سنة لأجل صقل صوتها ولم يصرف ذلك علي المثقفين المصريين . فما كان من الكويتية إلا أن تلعب دور التبرج الثقافي حينما قالت بأنها وجدت الرحمة لدي الأصوليين ولم تجدها لدي الليبراليين الذين تنتمي إليهم وذكرت بأن بعض المؤسسات العربية (خليجية يعني) مثل البابطين وسعاد الصباح تصرف أموالا طائلة في صالح المثقف العربي . إلا أن سيد حافظ كعمها (أسكتها، أفحمها) بقوله ذلك لم يمنع وفاة الشاعر منصور الكويتي وبقي الناقد والمخرج المسرحي الليبي خارج خط التماس. مهما كانت أهمية ودونية الحوار ـ ومثل هذه الحوارات كثيرة ومتعددة علي قنواتنا ـ فإن الإشكال يقع في خطين. الخط الأول يتمثل في أن العموميات وحديث المقاهي عن الـ ك.ع.م لا يعدو أن يكون إلا تمضية للوقت وحديث مثقفين عن مثقفين والثقافة وهمها (ألا يوجد ما يناقض الهم في الثقافة؟) وتنغلق الدائرة.
الخط الثاني أن التلفزة (ثقافية كانت أو جامعة) تتكلم عن الثقافة كما تتكلم عن زراعة القرع ، تسطح الأشياء وتأمر في الإسراع بالرد علي الأسئلة بتعلة إنقضاء الوقت، رغم ما لذلك من حقيقة في البرمجة. وبالتالي تخرج بفكرة أن التلفزة ـ العربية هنا ـ عادة ما تفرغ المحاورات الثقافية (بجميع أجناسها) من أهميتها لسبب شكلي إن في الفضاء الذي تدور فيه المحاورة أو اللغة الصورية المستعملة. لنا في هذا البرنامج طاولة كبيرة زرقاء تراص عليها المقدم والضيوف الأربعة بصفة غير مريحة وبقيت لغة الصورة حبيسة اللقطة الجامعة واللقطة القريبة… وهو أمر شاهدته كذلك في محاورة الشاعر الصديق أمجد ناصر في روافد (الجزء الأول) علي العربية حيث حديث الشاعر عن الآخر والأنا و الجسد العاري والمكان الأول و الثقب الاسود كان متناقضا بصورة جلية مع ما تظهره الصورة… ومن هنا يصبح الكائن الثقافي العربي كما تبينه التلفزة، كائنا ذو ثقافة متينة ولكنه مجهول الهوية لا مكان له ولا قرار، بمعني أن خصوصيات وجوده تذوب في فقر الصورة التلفزية المنتصرة دوما علي ثرائه وتناقضاته الثقافية، فيذوب البحث عن الحرية في شكل روتيني لأن الكلام عنها لا يختلف عن الكلام في أي موضوع آخر…
عودة المنيار أو أوديسة الضياع
طيلة الأسبوعين الأخيرين لشهر رمضان، كانت القناة التونسية الخاصة (حنبعل) قد إستلفت من القناة العمومية (تونس 7) مسلسل خطاب علي الباب في جزئه الثاني وبثته علي مشاهديها. في ذات الفترة تحديدا، كانت القناة العمومية تبث هي الأخري مسلسل عودة المنيار . بين المسلسلين علاقة جذرية إذ كتبهما السيناريست والشاعر والفنان التشكيلي والناقد الفني علي اللواتي وأخرج الأول صلاح الدين الصيد في العام 1996 في ما أخرج الثاني الحبيب المسلماني هذه السنة.
ففي دراسة ميدانية قامت بها شركة سيغما (حسن الزرقوني) ليوم 30 تشرين الأول/أكتوبر الفارط الموافق للأسبوع الأخير من شهر الإمساك، ظهر أن العائلات التونسية تشاهد قناة تونس 7 بنسبة 89.6 في المئة منها 18.2 في المئة لمسلسل عودة المنيار . أما قناة حنبعل التي حصلت علي البث الأرضي كذلك، فإن الجمهور التونسي يشاهدها بنسبة 42.9 في المئة منها 16.9 في المئة لـ خطاب علي الباب . مما يعني أن 35 في المئة من التونسيين قضوا نصف رمضانهم مع متخيل هذا الشاعر التونسي الذي صقلته تيارات التجديد التونسي والمتوسطي في الكلمة واللحن والرؤية، فأعطي للمتخيل التلفزي التونسي أبهي أعماله منها عشقة وحكايات لسنة 1998 (كان عنوانه الأصلي هكا الدنيا يا سي الراضي )، منامة عروسية (2000)، قمرة سيدي محروس (2002)، حسابات وعقابات (2004) لحد أن حكايات هذا الإنسانوي أصبحت من مقومات الرمضان التونسي…
يعتبر عودة المنيار (مجموعة هائلة وثرية من الممثلين/ات مع إخراج للحبيب المسلماني) تتمة لملحمة حسابات وعقابات إذ يعيدنا فيه المؤلف إلي عالم طالما نمطته الفنون الإستهلاكية التونسية وهو عالم الشمال الغربي والذي نفخ فيه الكاتب روحا جديدة. وما رسمه علي اللواتي في مسلسليه الأخيرين هو جغرافية ذهنية ـ عاطفية لا علاقة لها بالواقع الملموس الذي عادة ما تفشل التلفزة التونسية في نقله كما لو كانت بمنأي عنه. هذه الجغرافيا في الأسماء والمواقع والوقائع كانت تحمل درجة عالية من الصدقية جعلت بعض الناس يؤمنون بحقيقتها. وهنا نري إحدي الوسائل المتيسرة (السرد المتخيل) لصد التلفزة عن مص دماء الواقع. فحينما يأخذنا إلي تلك القرية التي ستغرق بكامل ثقافتها المحلية كما غرقت سابقتها جراء بناء سد هو ضمان وإستقلال للمستقبل، فإنه يضرب عصفورين بحجر واحد: عصفور الثقافة المحلية الآخذة في الإندثار وعصفور المستقبل الذي، حتي يتحقق، يكون علي حساب الثقافي. هاذان الخطان تجسدهما علاقات إنسانية عادة ما هي درامية وكأننا بالعناصر الإنسانية هي في الآن ذاته فاعلة ومفعول بها. وهو ما يحذقه علي اللواتي إذ يزج بنا في دقائق الأمور، فتصح لديه مقولة غودار من أن الحركة ومصاحبتها هي مسألة أخلاقية (le travelling est une affaire de morale).
حكاية العائلة التي يتوفي إبنها حينما خرج أو أخرج عن جلدته كما أخرج أهل المسيكات من ديارهم، قصة تلك المرأة التي أتت من فرنسا لتجد ذاتها ولم تجدها إلا في الإساءة لمن أحبها، مسيرة تلك الفتاة التي أحبت ولكنها في النهاية وجدت نفسها علي هامش مصائر الأمور، حكاية ذاك الرجل الذي جعل من التسول مهربا مما يتصوره تعديا من طرف زوجته، إلخ… كلها خطوط تصيبنا في الصميم لجذريتها. وقد قال أحدهم: الجذري هو الإنسان. هكذا فعل اللواتي في عودة المنيار أغنية الإنسان المهجر عن نفسه تلك. وفي هذا يكون المتخيل وحده ـ في عالمنا العربي ولطالما عزفت تلفزاتنا عن البرامج الواقعية ـ يكون الوسيلة الوحيدة للتحكم في الصورة حتي لا تمتص ذكاء الواقع، تناقضاته وجذريته المجسدة في مثقفيه (بكسر القاف)، أي هؤلاء الذين يعملون علي صقل الذهنيات والعواطف. وهم حقيقة كائنات عربية مجهولة لا تشد فاها فتتكلم…
كلمة مفيدة: الناس يشاهدون اكبر المجرمين يمشون وراء عربات الموتي، فيشفقون عليهم . من فيلم الكونتيسة ذات السيقان الحافية .
(*) إعلامي وناقد من تونس
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 1 ديسمبر 2005)
ما زال من المبكر الحديث عن خروج العراق من الأزمة
د. بشير موسي نافع (*)
أطلق اتفاق اللحظة الأخيرة بين القوي العراقية المشاركة في لقاء القاهرة الممهد لمؤتمر الوفاق حالة تفاؤل عربية واسعة. بدأت حالة التفاؤل هذه بتصريحات الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسي، الذي راهن بكل سجله الدبلوماسي علي اللقاء، مستغلاً فرصة نادرة للتوافق العربي ـ الأمريكي حول الوضع في العراق. وكان موسي قد حذر قبل قليل من انعقاد المؤتمر من الإفراط في التفاؤل، ولكن ما ان تم الاتفاق علي البيان الختامي حتي أستشعر ان حجم النجاح الذي تحقق كان أكبر من كل التوقعات. وعندما أعلن الشيخ حارث الضاري، الأمين العام لهيئة العلماء المسلمين، تحفظاته علي التغييرات التي أدخلت علي البيان خارج قاعة التفاوض، قام موسي شخصياً بمحاولة إقناع الشيخ حارث بسحب تحفظاته أو علي الأقل إعلان تفسير ملطف لهذه التحفظات. وسرعان ما انتقل الإحساس بالتفاؤل من ردهات مبني الجامعة العربية ليصيب دوائر الصحافة والإعلام العربية.
مسوغات التفاؤل بخروج العراق من أزمته عديدة. هناك أولاً البيان الختامي الذي حمل اعترافاً بالمقاومة، مندداً في الآن ذاته بالإرهاب. والأهم، كان الاتفاق علي ضرورة جدولة انسحاب قوات الاحتلال. عزز من البيان الختامي إعلان الرئيس المؤقت جلال الطالباني استعداده مقابلة مندوبين عن قوي المقاومة والاستماع لهم. ثم جاء إعلان ثلاث من قوي المقاومة العراقية، مبدية ترحيباً متحفظاً ببيان القاهرة، لاسيما الفقرة الخاصة بجدولة الانسحاب. وإلي جانب المعلن، كان هناك غير المعلن. فقد ذكر في أوساط المؤتمر ان القوي المتحالفة مع الاحتلال لم توافق علي النص المتعلق بالجدولة إلا بعد الاتصال بالأمريكيين، مما يدل علي جدية التفكير الامريكي بالانسحاب. وهذا ما ألمحت إليه وزيرة الخارجية الأمريكية عندما صرحت بأن تطور العملية السياسية والتقدم في تدريب وتجهيز القوات العراقية سيسمح بسحب إعداد ملموسة من القوات الأمريكية خلال العام القادم. وإلي جانب اللقاءات الجانبية بين قيادات عراقية لم تلتق من قبل، فقد بات من المؤكد ان الجامعة العربية ستستقبل ممثلين عن قوي المقاومة قبل عقد مؤتمر الوفاق في مطلع مارس/ آذار ببغداد.
تنبيء هذه المؤشرات مجتمعة عن ان التوافق العربي ـ الامريكي، الذي بني علي أساسه المؤتمر، ساعد بالفعل علي إيجاد توافق بين كافة القوي العراقية. وسيمهد هذا التوافق بالتدريج لتطبيع الوضع العراقي والتوصل إلي حلول عراقية وطنية للقضايا الكبري التي وجد العراق في مواجهتها بفعل الغزو والاحتلال. أحد السنياريوهات المتفائلة يتوقع مشاركة قريبة لقوي المقاومة في العملية السياسية، في مقابل قيام هذه القوي بالتصدي لجماعة الزرقاوي وإخراجها نهائياً من العراق. مثل هذا السيناريو سيضع حلاً لأكثر قضايا العراق المحتل صعوبة وتعقيداً: مشكلة الإرهاب. لن يشكل هذا الحل مخرجاً للقوي الحاكمة في العراق المحتل فحسب، بل وأيضاً للإدارة الأمريكية التي ربطت وجودها في العراق ربطاً استراتيجياً بالحرب علي الإرهاب. وسيوفر هذا الحل بالتالي مبرر ومسوغ بدء الانسحاب الأمريكي من العراق. وخروج الاحتلال هو بالتأكيد قضية القضايا بالنسبة للمقاومة وأغلب الهيئات العربية السنية المعارضة، بل وقطاع ملموس من القوي والشخصيات الشيعية.
ليس من السهل في المناخ العربي الخروج علي أجواء التفاؤل. وقد توجه أصدقاء لي باللوم خلال الأيام القليلة الماضية علي التشاؤم الثقيل الذي حمله مقالي السابق، المنشور في هذه الصفحة من القدس العربي. المشكلة، بالطبع، ليست في المقال بل في الواقع والشروط التي حاول المقال قراءتها. النوايا الحسنة للأمين العام للجامعة العربية، حرصه غير العادي علي تجاوز المرحلة السابقة من تاريخ العراق، ومحاولته استرضاء كل الأطراف، ليست كافية لإيصال العراق إلي الاستقرار. ثمة أزمة متعددة الأطراف والمستويات، وبدون التعامل مع أطراف الأزمة ومستوياتها ستظل طاحونة الصراع والموت دائرة. الاحتلال هو بلا شك أهم هذه الأطراف وأكثرها تأثيراً، بل هو السبب الرئيسي في إدخال العراق دوامة الأزمة والدمار. ولكنه ليس الطرف الوحيد. فالقوي العراقية المتحالفة مع الاحتلال، والتي تسيطر علي مقدرات الحكم (المحدود الفاعلية، علي أية حال)، هي سبب آخر للأزمة. إضافة إلي ذلك، هناك العقلية السائدة في أوساط هذه القوي، وما يترتب عليها من تعبئة سياسية وثقافة طائفية تكاد ان تطيح بأسس الجماعة الوطنية العراقية. الإرهاب، الذي أصبح ملجأ منطقياً آمناً لكل من أراد البحث عن مسوغ لمواقفه وتوجهاته، هو الأقل تأثيراً علي الإطلاق في هذا الوضع المتأزم.
ليس هناك خلاف علي وجود قوي إرهابية في العراق، أبرزها وأكثرها شهرة هو التنظيم الذي يقوده الزرقاوي. وبالرغم من ان جماعة الزرقاوي تتجنب تبني العمليات التي تستهدف مدنيين عراقيين، فليس من الصعب الاستنتاج بمسؤوليتها عن أغلب هذه العمليات. الهدف الرئيسي لهذه العمليات هو إشعال حرب أهلية، يعتقد بعض قادة القاعدة انها ستوفر المناخ المناسب لسيطرتها علي الساحة العراقية، ومن ثم استخدام العراق للانطلاق إلي الجوار العربي المشرقي. وليس من الصعب رؤية الضرر الذي توقعه القوي الإرهابية بقضية المقاومة العراقية وصورتها. ولكن من الضروري عدم المبالغة في قوة الإرهاب وأثره علي الوضع العراقي. فقد فشلت دعوة الزرقاوي إلي اصطفاف سني في مواجهة الشيعة؛ والجهة الوحيدة التي تقدم للزرقاوي مبرر وجوده هي وزارة الداخلية العراقية التي تحولت إلي منظمة إرهابية بامتياز، تمارس القتل والاغتيال وأصناف التعذيب. المصادر العراقية المعارضة للاحتلال تؤكد ضآلة دور جماعة الزرقاوي في ساحة المقاومة، والمصادر الأمريكية تؤكد ان هذا الدور لا يتجاوز الخمسة في المئة. وبالرغم من ان الزرقاوي يجد بين العراقيين من يوفر له الحماية، فقد بات واضحاً عجزه عن إرساء جذور له في المجتمع العراقي. والسبب واضح وبسيط، إذ من المستحيل وجود من يدافع عن استراتيجية الإرهاب والموت العشوائي بين العراقيين، حتي في ظل التوتر العرقي والطائفي. الزرقاوي، باختصار، هو ظاهرة دموية مؤلمة، ولكنه ظاهرة هامشية إلي حد كبير، ولن يشكل عائقاً في وجه أي تقدم في الوضع العراقي.
يتعلق التطور الإيجابي الرئيسي بتواتر المؤشرات الأمريكية علي بدء الانسحاب من العراق في مطلع العام القادم. تفيد هذه المؤشرات، سواء تلك الصادرة عن الكونغرس أو الإدارة، ان ما يقرب من خمسين ألف جندي أمريكي يمكن ان يغادروا العراق خلال الشهور العشرة القادمة، علي ان يتواصل الانسحاب في العام الذي يليه. إن جرت الأمور في هذا الاتجاه فعلاً فستكون هذه بداية انفراج لأحد أبرز جوانب الازمة. ولكن حتي هنا يمكن رؤية مخاطر لا تخفي. فالإدارة الأمريكية لا تتحدث حتي الآن عن جدول انسحاب كامل ونهائي، وليس ثمة قوة عراقية سياسية واحدة بين تلك المتحالفة مع الجانب الأمريكي وتلعب أدواراً متفاوتة في السلطة الجديدة، قد أعلنت في شكل قاطع أنها ترفض وجود قواعد عسكرية أمريكية في العراق. بل ان الحزبين الكرديين الرئيسيين يرفضان حتي الآن مجرد التفكير في الانسحاب الأمريكي العسكري. وليس من المستبعد في ظل دستور فيدرالي (أو علي الأصح كونفيدرالي) يعطي للوحدات الفيدرالية قدراً كبيراً من استقلال القرار، ان يمنح حق إقامة قواعد عسكرية أمريكية في الشمال أو الجنوب، بدون وجود إجماع عراقي وطني علي مثل هذا القرار.
من جهة اخري، يوحي الصراع المضني والطويل الذي شهدته لجنة مؤتمر القاهرة الخاصة بالبيان النهائي بعدم وجود نوايا جادة للتوصل إلي حل سريع وحقيقي لقضايا الاشتباك العراقي الداخلي، وعلي رأسها قضية المقاومة. فقد جاء الاعتراف بالمقاومة غامضاً ومبهماً، مما يوحي بأن صراع الشرعية بين المتحالفين مع الاحتلال والمعارضين له لم يزل محتدماً. بعد أيام قليلة علي اختتام أعمال مؤتمر القاهرة، وجه صدر الدين القبنجي، القيادي في المجلس الأعلي، في خطبة الجمعة الماضية انتقادات سياسية وطائفية لاذعة للمؤتمر. اعتبر القبنجي مؤتمر القاهرة مؤامرة لها ثلاثة أهداف: إعادة البعثيين والدفاع عن أهل السنة وتلميع وجه الجامعة العربية . وقال ان تدخل أصحابه (أي أصحاب القبنجي) الذين حضروا المؤتمر أفشل منطق الأرهاب والبعث والطائفية . بعد ذلك بيومين فقط طالب زعيم المجلس الأعلي، السيد عبد العزيز الحكيم، في تصريحات للواشنطن بوست الإدارة الأمريكية في العراق ان تسمح للعراقيين بدور اكبر في مواجهة المسلحين ، معرباً عن قناعته بأن القوات العراقية قادرة علي إلحاق الهزيمة بالتنظيمات المسلحة. والمقصود بالتنظيمات المسلحة بالطبع هو المقاومة. بل ان الحكيم كرر موقفه المعروف بانه ليست هناك مقاومة شريفة في العراق، بل مجرد قوي إرهابية. المنطق السائد في خطاب قادة المجلس، وبعض القوي المتحالفة معه، مثل حزب الدعوة، هو منطق الغلبة والإقصاء.
خلف هذا المنطق ليس قوة الموقف بل ضعفه، ليس الإحساس العميق بالصواب بل الحرج التاريخي النابع من الوثوب إلي السلطة من علي كتف قوات الغزو. وهذا هو جوهر صراع الشرعيات. فالنظام العراقي السابق، بكل سجله وما يوجه إليه من اتهامات، لم تسقطه ثورة شعبية، ولا قوة عراقية معارضة. الذين يحكمون الآن دخلوا العراق في أعقاب القوات الغازية، ووصلوا إلي الحكم بفعل التحالف مع إدارة الاحتلال، بل ويصعب تصور صياغة دستور كالدستور الذي تم في شكل أو آخر إقراره مؤخراً بدون الخلل الفادح في موازين القوي السياسية الذي أحدثة الاحتلال. وهذا ما يجعل الاعتراف بالمقاومة عقدة العقد. لن تلقي قوي المقاومة السلاح إلا في إطار اتفاق واضح علي انسحاب الجيوش الأجنبية، والاعتراف بوجودها ودورها في استعادة العراق لاستقلاله. بينما يدفع منطق الغلبة والإقصاء بالآلاف من القوات العسكرية والأمنية العراقية الجديدة إلي ساحة الصراع والموت في المعارك ضد قوي المقاومة وأهالي المناطق المساندة للمقاومين.
ليس من المستحيل تبلور خلاص قريب للعراق. ولكن الخلاص يستدعي تفكيك عوامل التأزم وتغيير العقلية السائدة في أوساط قوي الحكم الجديد. عندما يقول إياد علاوي، أحد أبرز شخصيات عراق ما بعد الاحتلال، ان وضع حقوق الإنسان في البلاد أسوأ مما كان عليه في العهد السابق، فلابد لأحد ما ان يري عمق هوة سياسة الغلبة والإبادة والإقصاء التي هبطت إليها قوي السلطة الحالية. لقد تعرض العراق لغزو غير شرعي، حتي من وجهة نظر الأمين العام للأمم المتحدة، وترتب علي هذا الغزو احتلال عسكري أجنبي، وعلي الاحتلال متغيرات في بنية الدولة والحكم والأساس الدستوري. إن من المستحيل محاولة إعادة التاريخ إلي الوراء، ولكن الواضح ان استقراراً لا يمكن ان يتحقق بالتصميم علي ان العراق الذي ولد من رحم الاحتلال هو العراق المنشود من كل فئات الشعب العراقي. مثل هذه العقلية لن تحقق إلا المزيد من الموت والدمار، وربما حتي الحرب الأهلية.
علي القوي الحاكمة الجديدة ان تعترف بأن العراق الراهن لا يتمتع بالشرعية، ولا يستند إلي إجماع وطني. لتحقيق الشرعية والإجماع لابد من ان تفتح كل ملفات الوضع الحالي: حق المقاومة، سلطة القانون، ثوابت هوية العراق، طائفية النظام، بنيته الدستورية، وتوجهه الانقسامي. وإلي ان يشهد العراق تحولاً جاداً من كافة القوي السياسية في هذا الاتجاه فسيستمر أتون صراع الإرادات والشرعيات.
(*) باحث عربي في التاريخ الحديث
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 1 ديسمبر 2005)