مغالطات في تسويق الطاقة الشمسية تضر بالمستهلك وببرنامج حكومي
تجهيزات توفر الماء الساخن في الصيف فقط لا في الشتاء.. فما حاجة المستهلك للطاقة الشمسية؟ ●وكالة الطاقة لم تتثبت في حقيقة مخالفات مزود لكراس شروطها ومعاييرها
بقلم: محمد بوسنينة * faizabdr@yahoo.fr ندمت…
ندمب لأنني اقتنيت يوما سخان ماء يعمل بالطاقة الشمسية. كان أملي أن أخفض كلفة وخطر استعمال الغاز بالنظر لما يتناهى لنا من حوادث قاتلة ناتجة عن استعمالات الغاز المنزلي… وأغراني ما أسمع من دعاية عن خفض كلفة الطاقة عند استعمال التجهيزات العاملة بالطاقة الشمسية بما يزيد عن السبعين في المائة – مماذا؟ سنرى-، كما أغراني أن الأمر مأمون بضمان الدولة عن طريق وكالة التحكم في الطاقة. لكن سريعا ما تبين لي، بل وبشكل يكاد يكون مباشرا، أنني كنت ساذجا. وزاد من سذاجتي أنني لم أدرس الأمر كما يجب أن أفعل وبالعمق اللازم، بل اعتمدت الثقة في تلك العناصر، ولو فعلت لما تسبب لي ذاك الشراء خسارة إضافية تجاوزت الألفي دينار حتى الآن، أي ضعفي كلفة السخان نفسه. ولو فعلت لما كنت فكرت في الموضوع مجرد تفكير ولا تسببت لنفسي في هذا الإرهاق المالي والبدني وضياع الوقت والجهد. وبقيت أنظر لذلك السخان على سطح منزلي دون استعمال أو حاجة له… لا ماء ساخن من السخان الشمسي
عندما قررت اقتناء سخان شمسي فكرت في اللجوء للأفضل، واخترت ما اعتقدت أنه المزود الأفضل، بحكم الشهرة والإسم التجاري وما اشتهر عنه من نوعية في البضاعة. وسقطت في الفخ، فخ السخان « الشمسي » الذي لا يبدو أنه مقتصر على هذا المزود فقط، بل تبدو المسألة أشمل لأن كل من تحدثت إليه أجده في وضعية شبيهة ويعاني من نفس المشكل:
السخان الشمسي لا يوفر الماء الساخن!
هذه هي العقدة الحقيقية. فالسخانات العاملة بواسطة الطاقة الشمسية، كما هو الحال ولمن تحدثت معهم، لا توفر الماء الساخن والصالح للإستعمال بالكيفية التي يظنها المستهلك!
كيف؟ وماذا يعني ذلك؟
يعني باختصار، أنه ذهب في خلدي كمستهلك، كما قد يذهب لخلد غيري، وبالنظر لما يطرح من دعاية لهذه المنتوجات، انني عند استعمال هذه التجهيزات سيكون التمتع بالماء الساخن خاصة للإستحمام، إضافة للإستعماللات الأخرى، متوفرا كلما كنت في حاجة لماء ساخن. وهي حاجة لا تكون إلا في طقس بارد وأساسا في فصل الشتاء. لكن ذلك لم يكن أكثر من « منامة عتارس ».. فالسخانات الشمسية لا توفر الماء الساخن إلا في الصيف! نعم هذه السخانات توفر لك الماء الساخن في الشهيلي، أي عندما لا تكون في حاجة لها! الماء الساخن تتمتع به عندما يكون الطقس حارا والشمس في كبد السماء، وليس في الشتاء أو عندما يكون الطقس باردا!
هذا على الأقل ما يؤكده المزود الذي اقتنيت منه تلك التجهيزات! ثم تأكد لي لاحقا أن هذه بالفعل هي الطريقة المتعامل غالبا بها في تونس، ومن أكثر من مزود! لذلك يمكن للمرء أن يدرك بسهولة لماذا يعمد بعض المزودين لحملات ترويجية لتلك التجهيزات في هذه الفترة من السنة، وفي الأشهر التي يكون فيها الطقس حارا، والأفضل أن يكون شديد الحرارة.. لماذا؟ لأن المستهلك « سيتمتع » عند ذاك بالماء الساخن وسيغفل عن الحرمان الذي ينتظره من تلك « المتعة » في الشتاء إلا بتحمل كلفة إضافية لا علاقة للطاقة الشمسية بها!
بل إن وكالة التحكم في الطاقة دخلت على خط هذه المغالكات في ومضاتها الإشهارية التي تقول للناس إن تلك النجهيزات توفر لهم ماء ساخنا على كامل السنة… وائن كانت هذه مغالطة إلا أنها في نفس الوقت تلزمها بضمان تلك النتيجة حتى لا تكون تحت طائلة الإشهار غير الصحيح. فهل هذه هي الحقيقة العلمية والفنية؟ هل يدخل ذلك في خانة الإيهام؟ أم أن طريقة عمل تلك التجهيزات هي بالفعل كذلك من الناحية التقنية؟ قد يكون بعض المزودين يسوقون تجهيزات مغايرة توفر المطلوب وقد يكون البعض مرتاحا لازدواجية استعمال الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء وللتسخين معا، حتى أن احد الأصدقاء أكد لي ارتياحه لاستعماله الماء الساخن، خارج العاصمة، صيفا وشتاء دون حاجة لداعم كهربائي إلا في ما ندر.
لكن المؤكد أن هناك حالة من عدم الوضوح والضبابية وحجب المعلومات والمعطيات التي كان يجب أن يعلمها المستهلك من قبل المزودين قبل إنجاز عملية الشراء. إذ لا يقال له إن تلك السخانات لا توفر له الماء الساخن في الشتاء، ولا تقدم له المعطيات حتى يكون على بينة من أمره عند الشراء. ولو كان على بينة لكان عليه تحمل مسؤوليته.
هذه واحدة..
أما الثانية، وأنطلق فيها من حالتي الذاتية، فهي أن المستهلك لا يرتبط بعقد شراء مع المزود! العقد الوحيد هو استمارة تسديد القرض لشركة الكهرباء والغاز الذي يوقعه المستهلك ويتسلمه المزود لينهي به معاملاته وإجراءات تسلم إعانة الدولة – ما بين 200 و400 دينار – واستخلاص ماله من البنك المتعهد بالتمويل.
فعملية البيع تشترك فيها خمسة أطراف هي:
-\وكالة التحكم في الطاقة التي يفترض أن تشرف على حسن إنجاز برنامج الدولة في هذا المجال وأن تكون ضامنة في نوعية تلك السخانات بحسب كراس الشروط الذي أصدرته وصادق عليه المزودون. -البنك التجاري الذي يوفر التمويل اللازم في إطار قرض بضمان الدولة. -المزود الذي يبيع بضاعته ويستخلص أمواله بالحاضر. -شركة الكهرباء والغاز التي تستخلص القروض عبر فواتيرها لفائدة البنك الممول، وتبيع الطاقة الكهربائية الإضافية لتسخين مياه تلك السخانات خارج إطار الطاقة الشمسية. -وأخيرا المستهلك الذي يقتني ويدفع الكلفة، ولا يستفيد إذا كان في مثل حالتي. طاقة مولدة أو مجرد قنوات للعبور؟
إذن هل تلك هي الحقيقة في عمل السخانات الشمسية؟
حتى نلتزم الإختصار نعمد فقط لبعض الإشارات. ذلك أنه من الناحية العلمية، وبحسب ما يؤكده الخبراء خاصة منهم العارفون بعلم ما يعرف بميكانيكة السوائل Mécanique des Fluides، فإن لاقطات السخانات الشمسية تلتقط أشعة الشمس فتختزنها وتكثفها لتحولها إلى طاقة تؤدي إلى تسخين الماء وإذكاء تلك السخونة عند امتزاجه بالماء البارد الذي يعوض الكمية التي تم استهلاكها من الخزان. وهذا الإلتقاط يتم مهما كانت وضعية الطقس حارا أو باردا، المهم أن تكون هناك أشعة للشمس في الجو بقطع النظر عما إذا كانت الشمس بازغة وفي كبد السماء، أو كان الجو مغيما والسحب متلبدة. فالعملية هنا مرتبطة من جهة بوجود أشعة قابلة لأن تتحول إلى طاقة، ومن جهة أخرى بنوعية التجهيزات من بللور وسائل كيمياوي وقنوات وخزان، كما ترتبط بالزمن الذي يمكن أن تستغرقه عملية التقاط الأشعة والتحويل وتوليد الطاقة.
لكن بعض المزودين في تونس يحتمون بتسمية » سخان شمسي » للزعم بأن عملية تسخين الماء غير ممكنة إلا في حالة وجود الشمس، ولا يريدون الإعتراف بعملية تكثيف وإنتاج الطاقة المتولدة من أشعة الشمس. فالتسخين عند هؤلاء يتم بفعل حرارة الشمس ذاتها وليس بفعل الطاقة المتولدة عن التقاط وتكثيف الأشعة. ومن خلال هذا التأويل فإن تلك التجهيزات تصبح مجرد قنوات عادية حاملة للماء الذي تم تسخينه بفعل حرارة الشمس، فتزداد حرارته بارتفاع حرارة الشمس ويصبح باردا بغروبها واختفائها! وليست بالتالي مولدة للطاقة الشمسية. وهذا لا يستقيم مع منطق الأمور، كما أنه خلل آخر في ما يجب قوله بوضوح للمشتري قبل الشراء حتى يعرف ما له وما عليه.
ولا أستطيع أن أفهم هنا، ومن باب المقارنة، كيف أن الناس يستعملون مثل هذه السخانات في ظروف مناخية أدنى بكثير من مناخ بلادنا، من حيث حرارة الطقس وعدم ظهور الشمس عندهم أغلب فصول السنة، وذلك دون الحاجة للدعم إلا في ظروف استثنائية من البرودة؟ نرى ذلك مثلا في منطقة أقصى شمال فرنسا بجهة « ليل » أو في كندا، حيث لا يرون الشمس إلا نادرا! بينما بلادنا تتمتع بمعدل أربع آلاف ساعة شمسية سنويا، بما في ذلك في فصل الشتاء الذي تعجز فيه تلك التجهيزات عن تسخين الماء. بين كراس الشروط والواقع …درجات
يضاف إلى ذلك أن كراس الشروط الصادر عن وكالة التحكم في الطاقة ينص على أن لا تقل حرارة الماء المتولدة عن تلك السخانات عن 45 درجة مئاوية وأن لا تكون أعلى من 65 درجة، علما بأن تراجع تلك الحرارة من الأعلى إلى الأدنى يتطلب عدة ساعات. وعلى فرض توفر الحد الأدنى – أي 45 درجة – فإن ذلك يعتبر كافيا نظريا للإستعمال في الإستحمام العائلي، لأن جسم البشر لا يتحمل هذه الدرجة، فيعمد إلى خلط الماء الساخن بالبارد. فإذا افترضنا أن عائلة اقتنت سخانا شمسيا بسعة 150 لترا، وبالنظر لأن معدل كمية الماء المستعملة عند الإستحمام للتونسي هي بحدود 30 لترا، فإنه يكون من المتيسر نظريا لخمسة أفراد الإستحمام إما بالتزامن أو بالتتالي بواسطة نفس السخان، وحدد أحدهم تلك الإمكانية بأربعة أشخاص دون ماء بارد… إلا إذا كان مثل هذا السخان يوفر ماء حرارته 22 درجة فقط في طقس خارجي لا تقل درجته عن 20 درجة؟ ولا يمكن سوى شخص واحد من الإستحمام؟ قارنوا…
إلا أن المستهلك قد يجد نفسه أمام « نصائح » لاقتناء سخان ذي سعة 300 لتر وليس أقل بزعم أن تلك السخانات مرفقة بلاقطين يمسحان أربعة أمتار مربعة، بما يجعل الماء أكثر دفءا – وليس أكثر سخونة-! لكن هذا قول مردود، فمادامت الدولة قد رخصت في استعمال سخانات بسعة أدنى فلا بد أن تكون بحسب معايير استعمال متطابقة مع حاجات الإستعمال المنزلي للمستهلك، بينما القول غير ذلك يستهدف حصول المزود على منحة أعلي من الدولة وعلى سعر أعلى ( قد يصل 2250 دينارا).
لكن الموضوع يطرح هنا، وحسب اعتقادي من وجهة أخرى. فالموضوع ليس موضوع سعة، بل يتعلق بنوعية التجهيزات وطبيعة تكوينها وتصنيعها سواء كانت ذات لفة مغلقة أو مفتوحة circuit ouvert ou fermé. وأعتقد أن ما ذكره لي أحد المسؤولين بالشركة المزودة يلقي ضوءا على هذا الأمر. فعندما سألته عما إذا كان هو شخصيا يستعمل الطاقة الشمسية نفى ذلك، فسألته لماذا، فقال لأن كلفة الحصول على تجهيزات حقيقية فعالة للطاقة الشمسية باهظة جدا، وأعلى بكثير مما هو معمول به عندنا ولا يستطيع الفرد العادي في مجتمعنا أن يتحملها….
هكذا هو الأمر إذن! التجهيزات والدور الرقابي لوكالة الطاقة
هذا الواقع يطرح تساؤلات على وكالة الطاقة وإن كانت تعرف حقا طبيعة تكوين وتصنيع تلك التجهيزات ومدى فعاليتها واستجابتها للمعايير التي حددتها أو المتعارف عليها دوليا.
ولست أدري إن كان علمت باحتمال رفع قضايا عدلية في هذا المجال؟ وماذا كان تقييمها ورد فعلها؟ وأسألها – وهي التي علمت بموضوع الحال قبل غيرها واكتفت بسوال المزود إن كان تولى الإصلاح ثم سلمت بما قاله لها وكأن كلامه قرأن منزل!- أسألها إذن مكتفيا بهذه الجزئية فقط: ماذا تقول في ما عمد له المزود المعني من تغيير لسائل Caloporteur أكثر من مرة – في يومين ثم في أسابيع – بينما تبقى فعالية هذا السائل في بلدان أخرى لثلاثة سنوات كاملة دون تغيير؟ هل هو بنفس المواصفات أم أنه مخالف لها؟ وماذا تقول في أن مجيئه في حينه مرفوقا بعدلتي تنفيذ كان لمجرد إعلامها بالمجئ؟ ثم ماذا تقول في حصوله عن طريق أحد أعوانه على نسخة من تقرير خبير أشار فيه إلى ما هو موجود من خلل محتمل؟ وأيضا ماذا تقول في أنه حتى اليوم لم يكلف نفسه عناء تسوية الوضعية؟ أتساءل فقط لأن الوكالة تتحمل مسؤولية الرقابة وضمان صلاحية التجهيزات الممولة بضمان الدولة.
أما من حيث المردودية بالنسبة لي كمستهلك، وربما لغيري، فأطرح تساؤلات أخرى مرتبطة بالكلفة وما إذا كان هذا الإستعمال للطاقة الشمسية، وفي مثل هذه الظروف، يمثل حقا مساعدة على خفض كلفة استعمال الطاقة. على الأقل انطلاقا من التجربة المريرة التي أعيشها والتي آمل أن لا يسقط فيها غيري. أين ربح المستهلك في كلفة الطاقة؟
صحيح أن البرنامج وعلى مستوى التوجه الحكومي وما وفر له من آليات هو برنامج جيد ويفيد المستهلك وللإقتصاد عموما، كما يستبق الصعوبات المحتملة في مجال استعمالات الطاقة بأنواعها. لكن المشكلة تكمن في ممارسة بعض الأطراف المعنية وكيف تجعل مثل هذه البرامج الحكومية تكاد تفقد أهميتها ونجاعتها.
وتعالوا نقارن:
برنامج بروسول Prosol – الذي يعنينا هنا – يمكن الفرد من الحصول على قرض تجاري لمدة خمس سنوات يبلغ 1150 دينارا لسعة 150 لترا أو 1850 دينارا لسعة 300 لتر بفائض يبلغ 6.37 بالمائة. ويحصل المزود على منحة من الدولة تبلغ 200 دينار في الحالة الأولى و400 دينار في الحالة الثانية.
وللتبسيط نقول أن المستهلك يتحمل كلفة جملية كمايلي: 1150د قيمة التجهيزات + 35 دينارا بعنوان كلفة الملف +50 د كلفة الداعم الكهربائي لتصبح الجملة: 1235 دينارا دون احتساب الصيانة. وإذا علمنا أن الداعم الكهربائي سيكون بالنسبة للمستهلك هو الوسيلة الأساسية – إن لم تكن الوحيدة – لتسخين الماء في الشتاء، وإذا علمنا أنه يشتغل بواسطة الشمعة الكهربائية Resistance électrique، وبحساب تشغيل معدل أدنى بساعة واحدة يومياخلال خمسة أشهر باردة فقط في السنة، فإن قيمة استهلاك الكهرباء ستبلغ شهريا أربع دينارات دون احتساب الإضافات. أي أن كلفة استهلاك الكهرباء خلال سنوات تسديد القرض ستبلغ مائة دينار أخرى كحد أدنى، لتصبح الكلفة الجملية 1335 دينارا.
فماذا عن كلفة استعمال قارورة الغاز المنزلي؟ بسعر 7500، وبحساب إثنتان شهريا في الأيام العادية وثلاثة في نفس الأشهر الخمسة يكون المجموع: 1350 دينارا، بينما يكون هذا المبلغ أدنى بكثير عند استعمال الغاز الطبيعي. فأين نسبة التخفيض في الكلفة المثارة في الدعاية؟ أم أنها ستبدأ بعد سنوات القرض عندما تبدأ التجهيزات في التآكل؟ إن استعمالات الطاقة لا تتعدى 40 بالمائة في الأشهر الساخنة لكنها قد تبلغ الستين بالماء في الأشهر الباردة، وإذا كانت السخانات الشمسية لا توفر الحاجة عند البرودة فإن القول بخفضها للكلفة في الأشهر الحارة يكون بلا معنى.
ومع ذلك فإن خفض الكلفة ممكن فعلا وبنفس المنهج المرغوب شرط عمل تجهيزات الطاقة الشمسية بحسب المعايير العلمية والتي لا تفرض على المستهلك اللجوء للداعم الكهربائي أو غيره إلا في الحالات القصوى. لكنه أمر مستبعد من خلال الحالة الراهنة. إحذروا وأمّنوا حقوقكم
كلمة أخيرة أنصح بها العازمين على شراء مثل هذه التجهيزات. في المطلق ومن حيث النجاعة، فإنه ينصح بالفعل باستعمال هذه الطاقة. وهي بالفعل غير خطرة وأقل كلفة إذا توفرت شروطها. فلابد من الحذر عند التعاقد، ولابد من الحرص على ضمان الحقوق ومعرفة دقائق وتفاصيل ما يمكن أن يستفاد من استعمالها بالفعل لا استنادا لمجرد الثقة. فالثقة في المعاملات لا تعني شيئا ما لم تكن مبنية على علاقات واضحة تحدد حقوق كل طرف والتزاماته. لذلك أنصح بالإرتباط بعقد مكتوب وواضح، وبتحديد الخدمات التي تقدم وزمنها، اي الماء الساخن ودرجته وأوقاته، وإمكانية الإستغناء عن الداعم الكهربائي أو غيره وفي أية ظروف وبأية كلفة، إلى غير ذلك من التفاصيل الضامنة للحقوق. · صحافي تونسي · هذا المقال وجه منذ أسبوعين لجريدة تونسية ولم تنشره ( مع اختلاف فقط في العنوان وإضافة جملة)
الوسطية بين الفكر المقاصدي والفكر الحركي4/4
الصحبي عتيق*
-الضرورة العامة المؤقتة عند الإمام ابن عاشور:
يرى ابن عاشور أن من مقاصد الشريعة أن تنفذ في الواقع وتحترم وتمتثل لها الأمّة ،و الشريعة تسلك لتحقيق ذلك مسلكين: – مسلك الحزم في إقامة الشريعة « تلك حدود الله فلا تعتدوها »(البقرة/229) وقال علبه الصلاة والسلام:(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ)(البخاري) – مسلك التيسير،ويرى ابن عاشور أنّ فطرية الشريعة يعني أنّ أحكامها مبنية على التيسير كما « أنّها تعمد إلى تغيير الحكم الشرعي من صعوبة إلى سهولة في الأحوال العارضة للأمّة أو الأفراد ».’وما جعل عليكم في الدين من حرج’،’إلاّما اضطررتم إليه’ ومن هنا جاءت قواعد « رفع الحرج »و »المشقة تجلب التيسير »وكذلك تشريع الرخصة.يقول الإمام ابن عاشور:(وقد حافظ الإسلام على استدامة وصف السماحة لإحكامه فقدّر لها أنها إن عرض لها من العوارض الزمنية أو الحالية ما يصيّرها مشتملة على شدة انفتح لها باب الرخصة المشوع) . وقد اعتبر ابن عاشور » أن الفقهاء لا يمثلون إلاّ بالرخصة العارضة للأفراد في أحوال الاضطرار » .
وفي هذا الإطار يقسم ابن عاشور الضرورة إلى ثلاثة أنواع:
– ضرورة عامة مطردة كانت سبب تشريع عام كالسلم و المساقاة والمزارعة،(فكان حكمها حكم المباح باطراد) – ضرورة خاصة مؤقتة تدخل تحت جاء بها القرآن والسنة ويقول:(قد اقتصر الفقهاء عليها في تمثيل الرخصة) – ضرورة عامة مؤقتة (وذلك أن يعرض الاضطرار للأمة أو طائفة عظيمة منها تستدعي إباحة الفعل الممنوع لتحقيق مقصد شرعي…ولاشكّ أنّ اعتبار هذه الضرورة عند حلولها أولى و أجدر من اعتبار الضرورة الخاصة) وهذا النوع مغفول عنه لغلبة النظرة الفردية والتجزيئية والغفلة عن خطاب الأمة في منهج الاستنباط الأصولي.بل يرى أنه قد يطرأ من الضرورات ما هو أشدّ من ذلك فالواجب رعيه وإعطاؤه ما يناسبه من الأحكام. وهذا الفقه يمكن أن يكون قاعدة تستمدّ منه الحركات الإسلامية مناهج الاجتهاد وأصول الفعل السياسي تحت أسقف غير إسلامية كالنموذج التركي والحضور الإسلامي في الغرب والتعامل مع « الشرعيات الدستورية » أو الحاكمة في العالم العربي والإسلامي فهذه هي الضرورات العامّة المِؤقتة عند الإمام ابن عاشور. يقول الونشريسي: « الصواب غير منحصر في العزيمة، وإن كان الأفضل الأخذ بالعزيمة تورّعا واحتياطا واجتناباً لمظان الرّيْب والتهَم ». و يقول الإمام عز الدين ابن عبد السلام « إنّ المصلحة العامة كالضرورة الخاصة ». التأصيل الفقهي والحركي:القرضاوي نموذجا
العلامة القرضاوي جمع بين الفقه و المقاصد والدعوة والعمل الحركي السياسي وهذا يندر أن يجتمع في شخص واحد وهو يُعدّ في قول الشيخ راشد الغنوشي « من أهم إن لم يكن الأهم على الإطلاق من بين رموز الإسلام الفقهي والحركي في التعبير عن ضمير أمة تعيش حالة من اليتم في غياب مشروعية إسلامية عليا ذات مصداق في النطق باسم أمة الإسلام….وهو شيخ الإسلام في هذا العصر »(انظر المداخلة الممتازة للشيخ راشد الغنوشي في ندوة أصول القرضاوي ،الدوحة 17صفر1431)
قام العلاّمة يوسف القرضاوي ببلورة معاني الوسطية بتكامل و عمق فهو يعتبرها من أبرز خصائص الإسلام ذاكرا الكثير من مظاهرها: وسطية الإسلام في العبادات والشعائر، وسطية الإسلام في الأخلاق، وسطية الإسلام في التشريع… ويعبر عنها أيضا بـالتوازن أي التوسط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين، بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير، ويطرد الطرف الم/قابل،ويذكر أمثلة من ذلك :الربانية والإنسانية، الروحية والمادية، الأخروية والدنيوية، الوحي والعقل، الماضوية والمستقبلية، الفردية والجماعية، الواقعية والمثالية، الثبات والتغير، وما شابهها ومعنى التوازن بينها: أن يفسح لكل طرف منها مجاله، ويعطي حقه بالقسط أوب »القسطاس المستقيم »، بلا وكس ولا شطط، ولا غلو ولا تقصير، ولا طغيان ولا إخسار.. مستدلاّ بقوله تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان، ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان)(الرحمان/7-9) (القرضاوي،الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع و التفرق المذموم)
والوسطية عند القرضاوي مدرسة في المقاصد بين « المعطلة الجدد » الذين يزعمون أنّ الدين جوهر لا شكل فيسرفون في تأويل آيات الكتاب فيلتقي مع الشيخ ابن عاشور الذي يقول: « وهو رأي كل قاصد لإبطال الشريعة » و »الظاهرية الجدد » الذين يقفون عند ظواهر النصوص بمعزل عن علل الأحكام و مقاصد الشرع وهم « الذين يحصرون مظان العلم في الظواهر والنصوص »كما يذهب ابن عاشور و الشاطبي. ويدعو الشيخ القرضاوي إجمالا إلى التركيز على خمسة أنواع من الفقه ضمن تصور متكامل يجمع بين الفقه الجزئي و القواعد الأصولية والمقاصد والفقه الحركي بتعقيداته وخلافاته الكثيرة وهي:
1-فقه المقاصد ويراد بالمقاصد: الغايات والعِلَل والحِكَم التي تناط بها الأحكام الشرعية، فيما يتصل بالعقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق والآداب. وتتمثل مرتكزات المدرسة الوسطية عند الشيخ القرضاوي فيما يلي:
· البحث عن مقصد النص قبل إصدار الحكم. · فهم النص في ضوء أسبابه وملابساته. · التمييز بين المقاصد الثابتة والوسائل المتغيرة. · الملاءمة بين الثوابت والمتغيرات. · التمييز في الالتفات إلى المعاني بين العبادات والمعاملات(القرضاوي ،مقاصد الشريعة بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية)
2-فقه الأولويات و يُقصد بفقه الأولويات: « العلم بالأحكام الشرعية التي لها حق التقديم على غيرها بناء على العلم بمراتبها وبالواقع الذي يتطلبها » فتقديم حكم على آخر يكون بناء على:
فقه بأحكام الشرع وبمراتبها، وبالأهم منها من المهم، وبالقطعي منها من الظني، وبالأصل منها من الجزء.. فقه بالضوابط التي يتم بناء عليها ترجيح حكم على آخر في حالة التزاحم أو في غير حالة التزاحم. فقه بالواقع والظروف التي يتحرك فيها الداعية.( د/محمد الوكيلي، فقه الأولويات – دراسة في الضوابط) 3-فقه السنن الكونية 4-فقه الموازنات 5-فقه الاختلاف (انظر دراسة أحمد الراشد حول الوسطية عند العلامة القرضاوي ،إسلام أولاين) وهذه الأنواع تشتمل على فقه جليل يساهم في الوضوح النظري وتجلية الرؤية أمام العاملين في حقل الدعوة والعمل الإسلامي في الفكر و العمل. ———————— *كاتب و باحث من تونس Aboumalek.atig@gmail.com