Home – Accueil – الرئيسية
TUNISNEWS
7 ème année, N° 2346 du 24.10.2006
عماد الدائمي: الدكتور منصف المرزوقي يقود تجمعا شعبيا بدوز والمناضلة سامية عبو تنظم إضرابا للجوع واعتصاما مع عائلات المساجين في بيتها بضاحية الوردية بالعاصمة
إعتقال زوجة الشهيد الهاشمي المكي و السيدة سهام زروق
عبد الحميد الصغير: بــــلاغ – اليوم الثاني عشر للاضراب عن الطعام التحالف الديمقراطي التونسي: تهاني بمناسبة عيد الفطر المبارك الموقف: الفحص- تصاعد الوعود الاحتجاجية رغم الوعود الغامضة علـي شرطـانـي :في الدين والسياسة (الحلقة 2 ) د.خــالد الطــراولي :الصحوة والسياسة الخطــوط الحمراء:الحجاب ليس مظاهرة سياسية ولا زيا طائفيا ! عبد الرحمان الحامدي: إلى رموز السلطة في تونس و إلى من سار باختياره في ركابها
محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي: حكّام تونس والخطّة الشيطانية! مجلة الزيتونة الألكترونية :سـؤال وجـواب حول الحجاب والحرية الشخصية عبد الطيف الفراتي: الحجاب منصف الوهايبي: القيروان مدينة تشبهني الحياة: طلبة «تدبير الراس» … بيع وطباعة و «فريب» الحياة: مصرف «بي أن بي» الفرنسي يتوسع مغاربياً الحياة: الفضائية اللبنانية: نحو جمهور المغرب العربي موقع سويس إنفو:سكان مقديشو يستمتعون بأول عيد في ظل الإسلاميين الياس خوري:الهزيمة والمأزق محمد العبد الله: قراءة في كتاب « الخوذة والعمامة » : الاحتلال الأمريكي وموقف المرجعية الدينية في العراق
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )
To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
الدكتور منصف المرزوقي يقود تجمعا شعبيا بدوز والمناضلة سامية عبو تنظم إضرابا للجوع واعتصاما مع عائلات المساجين في بيتها بضاحية الوردية بالعاصمة.
خبر عاجل 1
قاد الدكتور منصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية هذا الصباح تجمعا شعبيا كبيرا بوسط مدينة دوز في الجنوب الغربي التونسي في ظل تواجد أمني مكثف جدا. وحث الدكتور المرزوقي الحضور على رفع الرؤوس ونبذ الخوف وممارسة الحقوق فعليا لا المطالبة بها. وقد حاصرت قوات الامن المتجمعين وحاولت تفريقهم بالقوة واعتقلت منهم شخصين أحدهما السيد رياض البدوي قبل أن تطلق سراحهما بعد أن تقدم المتجمعون نحو مركز الشرطة المحاذي واحتجوا بشدة. ثم انطلق الجميع في مظاهرة جابت بعض شوارع المدينة تحيط بهم أعداد هائلة من البوليس قبل أن يطلب منهم الدكتور المرزوقي التفرق بهدوء.
خبر عاجل 2
تقوم العشرات من عائلات المساجين السياسيين التونسيين اليوم باعتصام واضراب جوع تضامني بمناسبة عيد الفطر المبارك مع ذويهم المعتقلين. ولا زال الاعتصام قائما في منزل الأستاذ محمد عبو محامي الحرية المعتقل منذ أكثر من سنة ونصف إثر نشره لمقالين الأول إعترض فيه على زيارة شارون التي كانت مقررة لتونس والثاني شبه فيه السجون التونسية بسجن أبو غريب سئ الذكر ودعا فيه الشباب التونسي المتجه بالعشرات أو المئات للجهاد بالعراق للبقاء في تونس والنضال ضد الظلم والطغيان بالوسائل المدنية والسلمية.
وقد أكدت لنا الأخت المناضلة سامية عبو منظمة الإعتصام في اتصال هاتفي منذ قليل أن منزلها محاصر بأعداد كبيرة من أعوان البوليس السياسي وأنها لا تستبعد إقدام هؤلاء الأعوان على إقتحام البيت أو على إعتقال النساء المعتصمن في بيتها إثر خروجهن هذه الليلة.
يمكن الاتصال بسامية عبو على الرقم التالي : 21620984225
عماد الدائمي ـ مسـؤول موقع المؤتمر من أجل الجمهورية 24 أكتوبر 2006
إعتقال زوجة الشهيد الهاشمي المكي و السيدة سهام زروق
فور خروج المعتصمات من منزل السيدة عبو منذ نصف ساعة من الآن، قام رجال الأمن بالزي المدني والزي الرسمي بإقافهن وحملهن على ركوب سيارات الشرطة بعد تعنيفهن وتم تحويلهن إلى منطقة الأمن بالقرجاني وهن حالياً لايزلن هناك
والسيدات المعتقلات هما السيدة صبيحة الطياشي زوجة الشهيد الهاشمي المكي و السيدة سهام زروق زوجة السجين السياسي حاتم زروق مع أبنائهم وبناتهم . نرجو تعميم الخبر إلى حد اللحظة العائلتين محتجزتين
(المصدر خبر نشره السيد سامي بن غربية على منتدى نواة يوم 24 أكتوبر على الساعة العاشرة مساء بتوقيت تونس)
بسم الله وحده
بـــــــلاغ
تونس، 24 أكتوبر 2006، اليوم الثاني لعيد الفطر
اليوم الثاني عشر للاضراب عن الطعام
في البداية اسال الله العلي القدير ان يجعل هذا العيد مباركا على الامة الاسلامية قاطبة
اما بعد اواصل انا الطالب بالمرحلة الثالثة عبد الحميد الصغير الاضراب عن الطعام لليوم الثاني عشر واسال الله الثبات في الامر كله
وبمناسبة حلول عيد الفطر اعاد الله على الجميع باليمن والبركة اتصل بي عبر الهاتف البروفسير منصف بن سالم الذي عبر عن تضامنه واعلمنى كذلك عن انشغاله على صحتي التي بدات تتراجع خاصة وانه لم يتصل بي الى حد الآن أي طبيب واتصل بي كذلك الأستاذ فوزي من بنزرت الذي عبر بدوره عن مساندته لي راجيا من الله أن يجعل هذا العيد مباركا عليا و على الجميع . كما زارني في موقع الاضراب الطالب بشير الغريسي كما اتصل بي عبر الهاتف الأستاذ محمد النوري رئيس الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسين يوم الثاني من العيد الذي عبر عن انشغاله على صحتي
واذ أسأل الله الطيف الخبير أن يجعل هذا العيد مباركا على الجميع
· احيي كل الذين اتصلوا بي و عبروا عن تضامنهم في أيام العيد · أعلن عن تمسكي بحقي في محاكمة · مواصلة الاضراب عن الطعام حتى تمكيني من جواز السفر الذي قدمت طلبا في الحصول عليه منذ ستة أشهر · أناشد كل الضمائر الحية لمساندتي · أدعو السلطة مجددا الى مراجعة موقفها و خاصة و اننا في أيام العيد المباركة و السلام عبد الحميد الصغير
للتعبير عن تضامنكم:
مكان الاضراب: نهج سيدي سفيان وسط العاصمة , عمارة عدد: 25 الطابق الثالث شقة عدد 8 الهاتف : 0021697080718 absghaier@yahoo.fr
تم اختيار « فـكـرة »، مدونة الكاتب والناشط التونسي سامي بن غربية في مسابقة إذاعة ألمانيا الدولية (دويتشه فيله) لأفضل المدونات في العالم.
يسعدني أن أعلمكم أن هيئة التحكيم الخاصة بمسابقة دويتشه فيله لاختيار أفضل المدونات لعام 2006 قامت بترشيح مدونتي فكرة للدور النهائي من بين أفضل المدونات لسنة 2006 وذلك بإدراجها مرتين:
الأولى ضمن العشر مدونات التي ستتسابق على جائزة مراسلون بلا حدود.
الثانية ضمن عشر أفضل المدونات العربية.
و بهذا تدخل مسابقة المدونات لعام 2006 مرحلتها النهائية. و ستتنافس 150 مدونة المتبقية والموزعة على 15 فئة، من بين 5.500 التي تم اقتراحها هذه السنة، على المرتبة الأولى.
ستجتمع هيئة التحكيم العالمية في يوم 10 نوفمبر لتحديد الفائزين بجائزتها، وسيعلن عن الفائزين في اليوم التالي خلال الحفل الختامي الذي سيـُعقد بالعاصمة الألمانية برلين.
سامي بن غربية
فريق « تونس نيوز » يهنئ الزميل والصديق سامي بن غربية بهذا التألق الحقيقي والنجاح المهم والمفيد لقضية حرية التعبير والتفكير والنشر في بلادنا ويحث السادة القراء والمشتركين على المسارعة بالتصويت لفائدة مدونة « كـتـاب » الرائعة، المحجوبة في داخل تونس والعلامة المميزة في المجال الإفتراضي التونسي.
بسم الله الرحمان الرحيم
التحالف الديمقراطي التونسي
بمناسبة عيد الفطر المبارك
أهني الشعب التونسي المناضل في جميع أقطار الأرض بهذا العيد المبارك كما أهني الأم الإسلامية أيضا ونتمنى لها التوفيق والحصول على راية موحدة حتى تكون لها العزة والكرامة نظرا لمعانات هذه الأمة من التشرذم والظلم الذي سلط عليها من جميع النواحي وبالتالي أدى إلى التفرقة وحب الزعامة.و يجب على الأمة التونسية إذا أردت أن تكون لها العزة فلابد عليها أن تتوحد كالبنيان المرصوص وتتحرر من كل القيود التي تحاصرها لتحقيق مستقبلا زاهرا.
كما أنادي القيادات التونسية لجمع شملها وترك الخلافات التي تحجب عن أعينهم الواقع التي تشهده تونس اليوم من تردي جميع الأوضاع السياسية؛ الاجتماعية والاقتصادية. عندما نشهد اليوم حرمان الشباب التونسي من حقه في العمل وحرية معتقداته؛ فإنه أصبح يعاني من أزمات نفسية تدفعه إلى إلقاء نفسه في تهلك حتى و إن كانت هذه الأخيرة جسدية أي »الانتحارْ » لذلك يجب على كل مسئول أن يراجع أخطائه ومحاولة إصلاحها.
عبدالعزيزعقوبي
عن التحاف الديمقراطي التونسي
ليون في 22 أكتوبر 2006
تلقت هيئة تحرير تونس نيوز العديد من برقيات التهاني والمعايدة الرقيقة والمؤثرة بعيد الفطر المبارك، ونحن إذ ننشر البعض منها فإننا نتقدم بالشكر الجزيل لجميع السيدات والسادة الذين تكرموا بتوجيه التهنئة ونعتذر للأصدقاء الذين لم نتمكن من نشر رسائلهم راجين للجميع أعيادا هنيئة يجتمع فيها الشمل التونسي وينزاح فيها كابوس الديكتاتورية الجاثم على صدورنا وتعود فيها البسمة والأمل للأطفال والأمهات والزوجات والآباء.
الأخوة في تونس نيوز السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بعد شهر من الصيام والصبر والمصابرة والمرابطة الذي أسأل الله أن يكون قد قيض لكم فيه من الظروف المناسبة ما أن تكونوا قد بذلتم فيه من الجهد الإضافي للقيام وملازمة القرآن تلاوة وتدبرا ومتعة ليست إلا للمؤمن في علاقته بكتاب الله، والتي ليست لأحد غيره في هذه الحياة الدنيا، ما تزدادون به من الله قربى وما يزيدكم به حفظا وتوفيقا وتسديدا للخطى ،إلى جانب جهدكم المتواصل على امتداد سنوات طويلة في إصدار هذا المنبر الإعلامي اليومي الفكري والثقافي والسياسي الشامل الحر الذي سيكون لكم به كذلك من القرب من الله، ما صدقتم وما أخلصتم، ما لا يقربكم به منه غيره من الأعمال وينزلكم به إن شاء منازل المجاهدين في سبيله، الذي هو سبيل الحق والعدل والحرية والمساواة والأخوة والأمن والسلام، لوقوفكم الدائم بكل التزام وحيوية وجدية إلى جانب قضايا الحق والعدل والحرية، سندا للمستضعفين والمظلومين والمقهورين، في وجه المستكبرين والظالمين والمستبدين والمفسدين والمسرفين والمضلين والمنافقين والزنادقة.
أتقدم لكم جميعا ولجميع إخواننا المنفيين والمهجرين والمهاجرين من مختلف الحساسيات والمشارب من الجادين ومن أصحاب الضمائر الصادقة، ولمختلف الأسباب والدوافع، ولمختلف الأهداف والأغراض والغايات النبيلة الفاضلة، ولجميع الأقلام الجادة الصادقة والنزيهة والملتزمة بالدفاع عن قضايا الحق والعدل والحرية، وعن أمة العرب والمسلمين وجميع المستضعفين في الأرض، بكل حياد وموضوعية وتجرد، في مواجهة أقلام الإرتزاق والتضليل والكذب والنفاق والمغالطة والتزوير والخداع وقلب الحقائق، ولجميع قراء ومرتادي موقع « تونس نيوز »الإلكتروني بأحر التهاني وأطيب الأماني بمناسبة عيد الفطر المبارك الذي أسأل الله أن يعيده علينا جميعا وعلى أمة العرب والمسلمين وعلى سائر المستضعفين المقهورين والمظلومين في الأرض باليمن والبركة على حال أفضل من هذه الحال.
كما أتمنى وأسأل الله لكم التوفيق في كل أعمالكم، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يكتبها لكم جهادا في سبيله، إنه سميع مجيب.
« يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ». أخوكم :علــــــــي شرطــــــــاني
———————————-
بسم الله الرحمن الرحيم الاخوة الأعزاء في يومية تونس نيوز الغراء
تحية طيبة وسلام من الله تعالى وكل عام وأنتم بألف خير
أما بعد فاننا نهنئكم بعيد الفطر ونرجو من الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم طيب وصالح الأعمال وأن يغفر لنا ولكم الزلات والخطايا وأن يعيد علينا وعليكم وعلى الوطن الجريح هذا العيد في أجواء من الفرج وظلال من العدل والحرية والاصلاح
تقبلوا منا في صحيفة الوسط التونسية خالص تحياتنا واحترامنا وتقديرنا لما تبذلونه من جهود سياسية واعلامية تستحق خالص التشجيع والتقدير
——————————-
بسم الله الرحمن الرحيم
بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك تتقدم مجلة الزيتونة لكم بأخلص آيات التهاني وأطيب الأماني، سائلة المولى عزّ وجلّ أن يعيد العيد المبارك علينا وعليكم وعلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالخير واليمن والبركة والسعادة والصحة والعافية والعزّ والتمكين والنصر القريب. غفر الله لنا ولكم وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
مجلة الزيتونة
—————————– المؤتمر من أجل الجمهورية تهاني العيد
باسم رفاقي في المؤتمر من اجل الجمهورية وباسمي الخاص أتقدم بأحر تهاني العيد المبارك لسامية عبو وأطفالها ، لنساء وأمهات وأطفال الرهائن السياسيين ، لمحمد عبو ولكافة المحتجزين في سجن الطاغية ، لكل مناضلي الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونسنا الحبيبة المنكوبة بالفساد والقمع والتزييف ، لكل مواطنينا ومواطناتنا ، لكل أخوتنا في العروبة والإسلام.
نسأل الله أن يعيد علينا مثل هذا اليوم في السنة المقبلة وقد فرج الكرب وتحررت تونس وما ذلك على الشعب بعزيز شريطة أن نتذكر أمر الله » و قل اعملوا….. »
د. منصف المرزوقي رئيس المؤتمر من أجل الجمهورية
——————————
بسم الله الرحمان الرحيم عيــــد مبـــارك سعيـــد
بمـناسبة عيـــد الفطر المبارك أتقدم الـــى أخوتكــم بجميل التهنئة ، راجيا من المجيب أن يتقبل صيامكم وصلاتكم وقيامكم ويمتعكــم بالفرح يـــوم لقــائــه ، ويعيــده علــى الأمــة الإسلاميــة بالخيــر والأمــن والإستقرار ، ويفك سجن اخوتنا المساجين ، ويعجل عودة المغتربين ، ويرينا في الظالمين يوما
أخوكم فتحي نصري
—————————-
عيــد مبــــارك
يطيب لي أخوتي الكرام في أسرة تونس نيوز المجاهدة ومن حولكم من أهل وأحبة أن أتقدم إليكم بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك بأحر التهاني وأزكى الاماني سائلا المولى عز وجل أن يتقبل منكم الصيام والصلاة والقيام وأن يجعل غدكم خيرا من يومكم. وأن يعينكم على مواساة المظلومين ومقارعة الظالمين ومسح دمع المقهورين. ونسأله بفضله أن يأتي العيد القادم وحالنا وحال بلادنا وأمتنا أحسن.
أخوكم : صــابر التونسي
—————————-
عيــدكم مبـــــــــــارك
يطيب لنا أن نتقدم إليكم وإلى من معكم من أهل وأحبة بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك بأحر التهاني وأزكى الاماني سائلين ولي النعمة سبحانه أن يتقبل منكم الصيام والصلاة والقيام وأن يجعل غدكم خيرا من يومكم.
—————————-
جمعيّة مرحمة في ألمانيا تتمنى لكم عيداً سعيداً وتشكركم على ما تقدموه من أجل إخوانكم المحتاجين في تونس و العالم الإسلامي
أخوكم محسن الجندوبي
———————————¨
أتقدم إليكم ، ولأسرة تحرير صحيفة tunisnewsالمحترمة ، بأحر التهاني القلبية ، بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك،راجيا من المولى سبحانه أن يعيده علينا، وقد ارتفعت راية الحق و المحبة و السلام في حواضر العالم العربي و الإسلامي. كل عام و أنتم بخير. توفيق المديني ———————————¨ إلى السادة أعضاء فريق تونس نيوز، بمناسبة عيد الفطر أتمنى لكم جميعا عيدا سعيدا وكل عام وانتم بخير. مسعود الرمضاني ———————————¨ بسم الله الرحمان الرحيم عيد مبارك الأخوة في تونس نيوز بمناسبة عيد الفطر المبارك، أتقدم إليكم بأحر التهاني، راجيا من المولى سبحانه، أن يتقبل صالح أعمالكم، وأن يعيده عليكم باليمن والبركة، وعلى أمة الاسلام بالنهضة والعودة الى دينها، والنصر على أعدائها، وأن يفرج الكرب عن اخواننا في فلسطين والعراق، وكل أرض الاسلام، وخاصة في تونسنا الحبيبة، وأسودها الرابضين في السجون، وعشاقها في الداخل والخارج، وفتياتها المحجبات، عنوان العفة والطهارة. والسلام عليكم ورحمة الله مع تحيات أخوكم علي بن عرفة
———————————-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسمه تعالى نبعث اليكم بأجمل التبريكات وأحر التهاني بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، سائلين الباري تعالى أن يعيده على جميع أبناء الأمة الاسلامية بالخير والبركات. السيد عماد الدين الحمروني جمعية اهل البيت لثقافية تونس
———————————-
Aid Mubarak,
Merci chers amis pour vos vœux. Je vous souhaite a mon tour un bon Aid tout en saisissant cette occasion pour saluer votre engagement exemplaire au service du de la libertéé d’expression et du pluralisme d’informations dont notre cher pays a grandement besoin.
Amicalement
Kamel Labidi
———————————
CHERE EQUIPE DE TUNISNEWS ,
JE SOUHAITE UN AID MABROUK A VOUS ET A TOUS VOS PROCHES ET MERCI ENCORE POUR VOTRE EXCELLENT TRAVAIL POUR NOUS INFORMER.
SALUTATIONS AMICALES CHOKRI YACOUB
الفحص: تصاعد الوعود الاحتجاجية رغم الوعود الغامضة
عمر الماجري
قبل أشهر قليلة كانت ساعات خروج العمال والعاملات في الفحص تسبب اكتظاظا منقطع النظير في القرية. ذلك المشهد المألوف في أمسيات الفحص أصبح من الماضي حيث تحول عدد العمال إلى بعض مئات فقط بعد حملات التسريح المتتالية وغلق العديد من المعامل بسبب التلاعب وسوء تصرّف بعض المتنفذين في الجهة. ويحتفظ أهل الفحص في ذاكرتهم الجماعية بالمصير الذي آل إليه معمل فورتاكس الذي كان يشغل الآلاف من العمال حيث أغلق المعمل في ظروف غامضة ليجد عماله أنفسهم ضحايا البطالة. والمصير نفسه قد يشهده معمل ماش للخياطة الذي كان إلى وقت قريب يشغل بدوره أكثر من 1800 عامل وعاملة ليتقلص العدد إلى أقل من 800 أمام صمت غريب ومريب من السلط المحلية والجهوية.
وبانتقال معمل ماش اتخذ اسما جديدا هو فينيكس وهو بدوره يشهد الآن فترة توتر بعد انتشار أخبار تأكدت لاحقا بانتقال ملكيته إلى أشخاص آخرين وقد تأكد الخبر مع محاولة إجراء عقلة على أملاك المعمل من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لسداد الديون المتراكمة. كما ترافقت هذه التحركات مع نفاذ مخزون المادة الأولية من الأقمشة المعدة للخياطة مما يؤشر إلى أن العمال سيتعرضون في الفترة القريبة القادمة إلى بطالة فنية قد يصاحبها تسريح العديد منهم. وبسبب هذه الظروف العصبية ينظم عمال وعاملات المعمل اعتصاما دائما للمطالبة بكشف الملابسات الغامضة التي تحيط بمصير المعمل ولضمان حقوقهم المشروعة. ويتواصل هذا الاعتصام رغم التهديدات المبطنة في البداية ورغم استعمال البعض لأساليب غير أخلاقية للمس من سمعة العاملات المعتصمات، واستفزازهن سواء ب الضغوط العائلية أو برمي الألعاب النارية في صفوف العاملات.
وما يزال إلى حدّ الآن المئات من هؤلاء العمال والعاملات يفترشون الأرض في شهر رمضان مما يحرم مئات العائلات من التمتع بخصوصيات هذا الشهر بسبب غياب العديد من الأمهات المعتصمات عن عائلاتهن. ويبدو أن هذا الغياب مرشح للتواصل رغم قرب حلول عيد الفطر.
السلط المحلية والجهوية ظلت غائبة عن مسرح التحرك بالرغم مما قد يسببه غلق المعمل من انعكاسات خطيرة على مئات العاملات. والتحرك الوحيد الذي حدث بحضور أحد المتنفذين من أبناء الجهة قوبل بالرفض من العمال. وعلمت الموقف ان الكاتب العام لجامعة النسيج زار العمال المعتصمين مساء الاربعاء 16 اكتوبر وعرض عليهم صيغة اتفاق مع الملاك الجدد للمعمل لعقد جلسة يوم 28 أكتوبر لبحث كل الملابسات التي تتعلق بانتقال الملكية. وقوبل اقتراح فك الاعتصام وتأجيل التحركات المطلبية برفض المعتصمين والمعتصمات الذي أكدوا على إصرارهم على مواصلة تحركهم حتى تنكشف كل الفصول الغامضة لهذه العملية التي قد تعصف بحقوقهم.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 378 بتاريخ 20 أكتوبر 2006)
في الدين والسياسة (الحلقة 2 )
بقلم: علـي شرطـانـي – تـونس
ولعلي أستطيع القول أن الذين أعلنوها علمانية لائكية مثل اليهودي أو صنيعة يهود الدونمة كمال أتاتورك كانوا أقل خطر من الذين غلفوا اللائكية والعلمانية بغلاف إسلامي، يظهرون به منزعا إسلاميا مغشوشا « يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون » ويستبطنون به عداء للإسلام وولاء للغرب الصليبي اليهودي الصهيوني ولثقافته ولفنه مثل الحبيب بورقيبة الذي رعاه الغزاة الفرنسيون، فتخرج من جامعاتهم وحذق لغتهم (وليست المشكلة في ذلك ولكن في الأمر شأن آخر) وزوجوه امرأة منهم، وصاغوا خطابه وشكلوا عقليته ووجهوا تفكيره، وأبقوا عليه حيا من دون الكثيرين من زعماء الحركة الوطنية التونسية الذين ذاع صيتهم وطبقت شهرتهم الآفاق، ليكونوا بعد ذلك بين شهيد وطريد، وهو الذي قيل أنه ظل رافضا للإمضاء على الدستور الذي أعدته الهيئة التأسيسية التي تم تشكيلها لإعداد دستور للبلاد بعد سنة 1956 والذي لم يصادق عليه إلا بعد ما يقارب شهرا من الزمن بسبب ما ورد في المادة الأولى من الفصل الأول منه، بأن تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها. وقد ظل لا يخفى إعجابه بمصطفى كمال أتاتورك، والذي ظل لا يتردد على التصريح والمجاهرة بأن ذاك اليهودي هو قدوته ومثله الأعلى.
إن الخطورة عند أمثال هؤلاء لا تكمن في الإبقاء عندهم على هامش المناورة عند الإقتضاء وإن لم يكونوا في البداية يقصدون ذلك ولكن في جرأتهم في ظروف استثنائية خاصة على تحدي مشاعر الجماهير والشعوب بالإساءة إليها من خلال الإساءة إلى مقدساتها وعقيدتها وثوابتها ومقومات شخصيتها في غير تردد ولا حرج.وهم الذين لم يكن يدر في خلد معظمهم يوما أنه ربما يكون منهم من قد تمتد به العمر إلى أن يعيش حرج إثبات الهوية الذي قد تضطره إليه قدرة هذا الدين على التسلل إلى القلوب والعقول، ليكون بذلك قوة شعبية وفكرية وثقافية تشكل عليهم خطرا حقيقيا،ليجد الذين بقوا منهم أحياء أنفسهم مضطرين للبحث على إضفاء الشرعية الإسلامية على أنفسهم وعلى خطابهم في مواجهة الحركة الإسلامية الناشئة.
وإذا كان عداء العلمانيين اللائكيين للإسلام واضحا ومعلنا وصريحا مهما حاولوا مغالطة الرأي العام الداخلي والخارجي وخداعه ومهما جدوا في التستر عن ذلك بالحفاظ على بعض المظاهر وبعض المناسبات وبعض الطقوس والتي لا يستطيعون إلغاءها أو تجاهلها أو إنكارها تجنبا للإصطدام المباشر مع ضمير الشعب وعقله الجمعي ومع جماهيره وتوظيفا لها لإضفاء على أنفسهم وعلى برامجهم وتصوراتهم وعلى مواقعهم ومكاسبهم وشرائعهم شرعية لا يتم ولا يستقيم القبول بهم بدونها،وليس أمامهم من سبيل إلا المضى قدما في فرض قناعاتهم وتصورهم على المسلمين في بلاد المسلمين مثل بلد كتركيا وتونس على وجه الخصوص، وبكل عزيمة ووضوح، ويراد للصراع إلا أن يستمر سجالا بين الشعب المتمسك بهويته الإسلامية وبين الطغمة العلمانية التي لا تخفي عداءها للإسلام وإبعاده عن قيادة الجماهير. فهم في الحقيقة في أقل حاجة، أن لم يكونوا ليسوا في حاجة أصلا لدفع حرج العداء للإسلام، وعليهم أن يواصلوا المعركة تثبيتا لأنفسهم واستئصالا لخصومهم أن استطاعوا حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا، فإن المنافقين سينتهجون أسلوب آخر وسياسة أخرى وهي سياسية خداع الجماهير والشعوب، مستفيدين من جهلها بحقيقة الإسلام الذي ظل يصورونه لها طوال حقب حكمهم لها كما يمليه عليهم مستعمليهم الذين استأمنوهم على ثقافتهم ومصالحهم في بلاد المسلمين على أنه لا شأن له بإدارة شؤون الناس وتنظيم حياتهم على أساسه. وإذا كان لابد من ذلك فليس أن يكون بأكثر من مضمون نظري تقليدي لا علاقة له بحاضر الشعوب ومستقبلها. وأن الدين لا يمكن أن يكون أكثر من مسألة شخصية « من شاء فيلؤمن ومن شاء فيكفر » حسب زعمهم « كبرت كلمة تخرج من أفواهم أن يقولون إلا كذبا ». ولا يمكن أن يكون في هذا العصر، عصر العلم والتقنية والعقل أكثر من كونه مجموعة من الطقوس والشعائر التعبدية والشطحات الفلكلورية التي لا تليق في معظمها بما أصبح عليه كثير من الناس من هيبة واقتدار وتطور.
إن السواد الأعظم من جماهير الشعوب الإسلامية المنتقلة من عصر الإنحطاط إلى عصر الاستعمار، والتي أصبح ينطبق عليها في هذا المجال قول السموءل: « ثكل وغدر أنت بينهما فاختر وما فيهما حظ لمختار » ظلت عقودا من الزمن خاضعة لسياسات الإستخفاف التي سبق وأن انتهجها ومارسها فرعون على بني إسرائيل والفراعنة من قبل على عهد موسى بن متة عليه السلام والتي جاء فيها كلام الله في كتابه العزيز بقوله » فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين » والتي يتبعها الساسة من الملوك والأمراء والقادة والرؤساء في كل أقطار العالم الإسلامي، وهم من شعوبهم على شاكلة وبمكان فرعون من قومه، ومن حولهم دوائر من المتمجدين المعادين في توجهاتهم وفي قناعاتهم وفي أصل تكوينهم الفكري والمزاجي للفكر الإسلامي بل للإسلام في جوهره، وهم منهم بمثابة السحرة من فرعون، وهو رمز الألوهية والربوبية والطيعان والإستكبار. وقد جاء في ذلك قول الله تبارك وتعالى مخاطبا موسى عليه السلام في مواجهته لسحرة فرعون يوم الزينة وقد حشر الناس ضحى » …والق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى » وبذلك يكونوا قد أضلوا هذه الشعوب وعمقوا فيها الجهل بحقيقة إسلامها، وأطفأوا فيها نور عقيدته وأحكموا السيطرة عليها وقد أخضعوها لثقافة الميوعة والإنحلال في إطار سياسة الإستبداد والإستخفاف « وأضل فرعون قومه وما هدى« .
الصحوة والسياسة الخطــوط الحمراء:
الحجاب ليس مظاهرة سياسية ولا زيا طائفيا ! (3/3)
الجزء الثالث
الموقف الحاسم الأول في العلاقة بين الصحوة ومحيطها : دعم ومساندة بكل ألوان الطيف
· أن يكون الداعي إلى المساندة لهذا الطرف الوطني المظلوم هي مساندة حق الحرية وحق العبادة وحرية الرأي وحرية اختيار الملبس، فهذا مقبول ويشجع، فالحرية كل لا يتجزأ وذو أبعاد متعددة. · أن يكون الدافع للمساندة سياسيا من منطلق حرية الكلمة وحرية الرأي، واختلاف الأطروحات والتصورات، فهذا لا غبار عليه فالسياسة خدمة الوطن والسعي إلى إسعاد مواطنيه دون تمييز أو إقصاء. · أن يكون الدافع جنسيا من باب مساندة المرأة لأختها المرأة والسعي إلى كسب حقوقها، هذا الكائن المظلوم والمهضومة حقوقه، والذي يمثل الحجاب إحدى مظاهر الاعتداء على حق الخيار، إذا كان الدافع كذلك، فهو مقبول ومحمود، جاءت به إسلاميات أو علمانيات، فلا ضير، فالمرأة للمرأة سند في ترحالها وقرارها. · أن يكون الداعي لمساندة الصحوة أخلاقيا، سواء كانت أخلاقا ذات مرجعية إسلامية أو علمانية، تدعو إلى الحشمة والحياء، وتثمّن منظومة القيم، سواء رفعها شيخ زيتوني متعمّم، أو عجوز قابعة في ركن بيتها تعدد كويرات مسبحتها، أو أستاذ يحمل قبعة ولباسا إفرنجيا ثمينا. أن يكون هذا كذلك فهو مقبول ومشجع، فالأخلاق مبادئ وثوابت تتجاوز منطق الانتماء. والحياء شعب من شعب الإيمان وطريق من طرق الكرامة. · أن يكون الدافع لمساندة الصحوة التعبير عن هوية ضائعة أو مبتورة أو أصالة مغشوشة أو مشوهة غلب عليها الفولكلور والمشاهد المضحكة، فهذا مقبول ومحمود، فتونس كانت ولا تزال عربية الثقافة، عربية الهوية، عربية المصير.
الموقف الحاسم الثاني في العلاقة بين الصحوة ومحيطها : الغطاء السياسي والخطأ القاتل
لكن وفي مقابل هذه الدوافع الشرعية والواجبة لمساندة الصحوة و الوقوف إلى جانبها في هذه المحنة الجديدة، يظهر الحديث عن مظاهرة سياسية وسحب البعد الديني عن الظاهرة كتوظيف واستثمار متسرع للصحوة، حيث لا تحمل هذه الأخيرة في كيانها اللحظي والآني هذا البعد التغييري المنشود و لا تبدو أنها تسعى لتكون رأس حربة المقاومة السلمية المرجوة، ولا أن تكون في هذه المحطة الأولية رائدة الدفاع عن الهمّ العام. إن هذه المحطة لا تزال سابقة لأوانها وينعكس مدى تطورها إلى تطور ودخول عناصر أخرى في المشهد العام. ولا يجب بأي حال خوض هذه التجربة والمجازفة بمشروع وأمل و بمواطنين ووطن.
نعم نتفهم حالة هشاشة الأمل والإحباط وحتى اليأس الذي بدأ يخيط نسيجه عند البعض وهو يرى حالة الصمت والانسحاب لدى طرف كبير من الجماهير، نعم نتفهم أن أيام الاستبداد وليايه السوداء قد طالت وأن أياديه المشبوهة قد ساحت في الأرض فسادا، نعم نتفهم أن السيل وصل الربى وأننا أصبحنا كالغرقى نتعلق بأي عود نجاة ونشد على كل بصيص أمل..، نعم نتفهم كل ذلك..، لكن لا يمكن المراهنة على ظاهرة تؤكد الأيام تموقعها داخل الإطار الديني الخالص، وهي في بداية طريق وعرة مليئة بالأشواك، لا يمكن ليّ عنق ظاهرة ورمي رداء سياسي عليها وجذبها إلى منطقة وإطار حساس غير مكتمل ينقصه البرنامج والزعيم المتفق عليه والتعاضد والتكافل. لا يمكن أن نطلب من الصحوة ان تلعب دورا لم تهيأ له ولا تكنه إطاره وخطابه ورجاله وآلية تفاعله، لا يمكن أن ندفعها أن تلعب دور المعارضة حتى نخفي فشلنا وترددنا وعدم وضوح البدائل المطروحة لدينا في حال وجودها. ولكن التساؤل الذي يفرض نفسه كيف يمكن إذا استثمار هذه الحالة دون توظيفها والإطاحة بها؟
الموقف الحاسم الثالث في العلاقة بين الصحوة ومحيطها : التغيير بين الاستفزاز والمراكمة.
إن الخطأ الذي وقع فيه البعض هو الخلط عن وعي أو بغير وعي بين تشخيص الظاهرة وفهم إطارها وآليتها، وبين إمكانية استثمار هذا البعد وهذا الإطار نحو منازل وأطر أخرى غير التي انطلقت منها الظاهرة. لم تكن الصحوة مظاهرة سياسية ولكن حالة تدين شعائري وهذا تشخيصها، ولكنها يمكن أن تكون نواة مستقبلية لعمل جماهيري تغييري واسع ـ وهذا استثمارها ـ إذا روعيت عديد الشروط: (1) عدم توظيفها واستدراجها نحو منازل ومحطات لم تتهيأ لها ولم تستعد لخوضها (2) مواكبة تطورها وترشيدها بالكلمة الطيبة والقدوة الحسنة والمنطق السليم والمنهج السويّ. (3) عدم حرق المراحل وخلط الخطاب الحركي بخطاب الصحوة، وأصحابها برجال الصحوة. (4) الدفع بوجود وبروز رواد لهذه الصحوة يتكلمون باسمها ويدافعون عنها، وهي مهمة نرى أنها يجب أن تترك للأئمة المساجد وعلماء البلاد.
من هذا المنطلق فإن خطي تغيير متباينان يمكن أن يبرزا للسطح ويمثلان إمكانية قوية لتغيير المجتمع:
الخط الأول:
قافلة الصحوة تسير مستقلة من مواقع الشعائر والتدين الفردي إلى البحث مستقبلا عن مواقع عبادية أخرى تراها واجبة في سلوكها الاجتماعي… فهي بعدما عبدت ربها شعيرة وطقوسا وظهر ذلك في حجابها وارتيادها للمساجد، فإن الصحوة ستبحث في محطة لاحقة عن عبادة ربها اجتماعا في أحوالها الشخصية، ثم اقتصادا في البحث عن حلية أعمالها، ثم سياسة فيمن يحكمها ويسوسها. وهي محطات متعاقبة ويمكن أن تطول أو تقصر حسب معطيات الواقع واستجاباته، وقوة الصحوة كما وكيفا ومدى درجة وعيها. وفي هذه المرحلة سوف تبحث الصحوة عمن يمثلها ويسعى إلى الاستجابة لمطالبها، وهي المحطة الوحيدة التي يمكن أن يحدث فيها لقاء بين الصحوة والحركات السياسة، حيث تفقد الصحوة استقلالها وتترك إطارها وتصبح حركة جماهيرية.
فالتدين يمثل مسارا جماعيا واجتماعيا صاعدا، يؤثر فيه الفرد ويتأثر، ينتقل من الجزئي إلى الكلي، ومن البسيط إلى المعقّد، يجمع أوساطا وطبقات، ليس فيه تميّز لفرد على آخر، ولا غلبة مجموعة على أخرى. وهو يشكل منهجا تغييريا هادئا للمجتمع، ينطلق من الأسفل نحو الأعلى، ومن الفرد نحو الجماعة، ومن الجماعة إلى المجموعة، وهو بالتالي حركة مجتمع وليس قفزات فرقة أو طائفة، لا يمكن محاصرتها ويصعب استئصالها!
عندها يتحول التدين الشعائري إلى تدين تعاملي يمس الظاهرة الإنسانية في كل مستوياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لينتقل التدين من خلاص للفرد إلى مشروع حضاري يمثل التزام الفرد نحو مجتمعه التزاما كاملا يتعدى الزمان والمكان، لا يحصره مسجد ولا يقتصر على ميقات وموعد، ليتنزل في نشر دعوة طيبة أو دعم مؤسسة خيرية أو إتقان عمل أو تربية أطفال، أو تبليغ معلومة صائبة أو انتصاب شعبي ضد الفساد واستفاقة جماهيرية ضد الاستبداد.
الخط الثاني :
لا ُتترَك الصحوة وحالها، ويحيط بها الاستفزاز والإثارة، فتهاجم وتجد نفسها في موقع وخلخلة لمسارها وتصفية لوجودها، فتسعى إلى التشبث بالبقاء عبر الصمود والاستبسال والصبر والمصابرة والثبات. ويمكن لهذه الحالة أن تحدث نقلة جديدة وأن يحدث تغيير نوعي لدى الصحوة واستباق لمحطاتها وتحول إلى حركة جماهيرية وانتفاضة شعبية، إذا روعيت شروط لا نراها متوفرة اليوم، وهو الذي دعانا إلى عدم المراهنة على هذا الخط في هذه الأحوال المحيطة إلا إذا توفرت شروطه كاملة وسليمة :
(1) وجود صحوة متناغمة لها خطاب متناسق ورواد يمثلونها ويعتبرون مرشدين لها داخل البلاد، تستفتيهم حين تضل وتعود إليهم حين تنكسر.
(2) وجود مساندة جماهيرية قوية خارج أطر الصحوة، تعاضدها في محنتها ولها باع وصولة ولو ضعيف في الشارع.
(3) وجود معارضة متحدة تحمل برنامج حكم واضح المعالم والأهداف، بعيدا عن الاستفراد والعمل المنعزل.
(4) وجود الزعيم الكارزماتي الذي يحمل هموم الصحوة وهموم الشعب، والذي تلتقي عليه الجماهير والمعارضة والصحوة.
فتكون الصحوة في هذا الخط مساندا أساسيا لحالة توقد جماهيري وبداية استفاقة شعبية تمثلها درجة وعي متقدم من قبل المعارضة وزعمائها ورموزها، وتململ جماهيري تمثله حالة المساندة الشعبية لمحنة الصحوة.
وإذا لم تتوفر هذه الشروط فإن أي مراهنة على هذا الخط هو مراهنة على فراغ والمساهمة بوعي أو بغير وعي في ضرب الصحوة مجددا وفقدان عنصر هام لتغيير المجتمع ولو بعد حين من الدهر يمكن أن يكون طويلا.
وهي الشروط نفسها أو ما يقاربها التي افتقدتها الصحوة الأولى في التسعينات والتي أدت إلى استئصالها وضرب كل نفس تديني في البلاد، فقد غابت الجماهير عن الحدث اضطرارا أو اختيارا، وغابت المعارضة مكرهة أو شماتة ومساندة لقوى الظلام، ولم تجد الصحوة رجالها الذي يدافعون عنها ولا رموزا لها، ولم تعرف البلاد الرمز المعارض الكارزمي الذي يمكن أن يحمل هموم الصحوة وهموم الشعب في هذه الحالة الجائرة المفروضة على الصحوة.
إن بناء الصحوة الفاعلة خارج إطارها الطقوسي، هو بناء للمعارضة قبل كل شيء وبناء وعي جماهيري، فلا يجب خلط المحطات وقلب الأولويات، و إلاّ فإن المسار سيكون غير ممنهج ويرتبط أساسا بردود فعل وحدوث أوضاع أخرى، تغير كل المفاهيم والأدوار، وتخرج عن عاتق الصحوة والمعارضة وحتى الجماهير، وتدخل بنا في غيابات المجهول الذي يتحدد بعيدا عنا، لأننا لا نمسك بأي خيط من لعبة يمكن أن تتجاوزنا.
الخاتمـــــة
ليست الصحوة ملكا لأحد ولكنها ملك وطن وشعب، منهما انطلقت وفي أحضانهما ترعرعت وإليهما تعود وتستقر… ولعل الصحوة التي تشهدها المجتمعات الإسلامية عامة وتونس خاصة تعتبر تجديدا لأولويات التغيير، وتحديثا للفقه الحركي، حيث أعيد الاعتبار للذات الإنسانية وللتغيير النفسي والثقافي، بعد اهتزاز التغيير السلطاني وما شابه من غلو عند البعض ومن فشل نسبي عند البعض الآخر.. وهو إعادة لدور الأمة في الإمساك بدور التغيير وتأكيد دورها في عملية النهوض، حتى يبقى » التدين الحق تميّزا في الأداء، وهمّة في التحصيل، وعفّة في اللسان، ومحبّة للخلق، ونفعا للناس ».(1) وكذلك تغييرا إيجابيا للمجتمع في أطر أكبر وأوسع، من اقتصاد واجتماع وسياسة.
ـ انتهـــــى ـ (1) فهمي هويدي « التدين المغشوش » دار الشروق طبعة أولى 1994. ص: 41.
إلى رموز السلطة في تونس و إلى من سار باختياره في ركابها
إني أتقيؤكم في اليوم والليلة أكثر من سبعين مـرة !!!
قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: فدعا ربه أني مغلوب فانتصر(القمر)
عبد الرحمان ألحامدي
لقد فضحتمونا بين أهالينا و في المحافل الدولية فضحكم الله؛ ولم تتركوا وسيلة للتدمير تفتقت عنها مخيلتكم الجمعية المريضة إلا اعتمد تموها في حق التوانسة.
أخبار ما ينفذه مرتزقتكم في حق إخوانهم من مواطني تونس بأوامر خفية منكم تفوح روائحها في وسائل الإعلام المختلفة في العالم فتعريكم؛ لا يمر يوم دون أن يطالعنا الإعلام بصنيع ما اقترفته خفافيش الظلام و سرايا الرعب و الترويع بأمر من مهندسي الشر في بلدي إلى حد أن المرء لا يمكن أن يشك لحظة واحدة في أن العقل الجمعي لرموز السلطة( وعلى رأسهم كبيرهم الذي علمهم السحر) معدل و مبرمج على الشر واستنباط أنجع الوسائل لإحكام تسليطه على صاحب كل رأي حر حتى لم يعد هناك ما يميزهم كآدميين أو ينسبهم إلى المجتمع التونسي المعتدل و الوفي لقيم الزيتونة على الدوام.
لم يعد كافيا بالنسبة لي و الحالة على ما هي عليه اليوم في تونس أن أعيد ما ترتكبه عصابات الشر في بلدي إلى عوامل تتصل بالتاريخ عامة وبالتاريخ الشخصي لكل فرد من أفرادها و بملابسات تربيتهم والثقافة التي تلقوها..
كما لم يعد كافيا أن أفهم ما يجنيه هؤلاء في حق بني وطني على ضوء علوم النفس الحديثة ( عقد وأمراض نفسية ازدادت قوة وانكشافا باقترانها بسلطة و نفوذ كبيرين لدى هؤلاء..
كما لم يعد كافيا بالنسبة لي على الأقل أن أفهم سلوك هؤلاء المدمر أوامرا و تنفيذا بإعادة أسبابه إلى عوامل تشتبك فيها المطامح و المصالح الشخصية و السياسية و الفئوية بأجندة دولية.
ولم يعد كافيا كذلك تشريح منطق السلوك المتسلط بأدوات التحليل السياسي و نظرياتها كالكليانية والشمولية اللتين تتصف بهما سلطة تعتمد الديماغوجيا في الخطاب السياسي والاستخفاف بعقول المواطنين كما تعتمد الدكترة والارهاب بمختلف تجلياتهما كأسلوب للإقناع. (راجع للغرض مقال لي منشور في تونس نيوز بتاريخ 18 اكتوبر 2006)
كل تلك النظريات و إن كانت تساعد في فهم ميكانيزمات السلوك المتسلط في مختلف أبعاده لدى السلطة في تونس إلا أنها غير كافية كمقاربات لاحتواء هذا السلوك و فهمه و تحليله.
لذلك يبقى السؤال المحير بماذا ستراني هذه المرة أفهم ما يصدر هذه الأيام و طيلة عشرين سنة عن ’’المؤتمنين’’ على امن المواطنين و حقوقهم وأنا الذي أقف مذهولا عاجزا عن إيجاد تفسيرا لما لا يكاد ينقطع جديده مما تطالعنا به وسائل الإ علام عن ممارسات أقل ما توصف به أنها بربرية مع سابقية الإضمار و الترصد كما يقال في لغة القانون: إمعان و استرسال وقدرة رهيبة على إنتاج وابتكار افكار التدمير و التفنن فيها نابع من مخيلة أقل ما توصف به أنها شيطانية مجنونة بل سادية لم تراع حرمة هذا الشهر الفاضل شهر رمضان و لا تقاليد التسامح فيه؛ سلوك لا أجد لا صحابه من وصف إلا بالزمرة الخارجة عن القانون و التي كان من سادية أفرادها لكل منا نصيب مهما كان سنه و قدره.
عجوز في الخامسة و السبعين كمثال أخير و ليس أخرا تروع ليلا و تؤاخذ بجريرة ابنها و جريرته انه معارض و لاجئ ببريطانيا و اعني به أخينا لطفي زيتون.
أما واني لو سردت قائمة التعدي على المواطنين مند أكثر من عشرين سنة لمزجت مرارتها في حلق كل مواطن تونسي مياه المحيطات و لسد ت الآفاق من ترويع للآمنين و ذلك اضعف الفعال إلى القتل و التعذيب المخلف للعاهات الدائمة مرورا بقطع الأرزاق والتجويع على نموذج قطاع الطرق في الزمن الغابر و نهب ممنهج تحدثت عنه عشرات التقارير لمقدرات الشعب و البلد اقتداء بسلوك اخوانهم في المافيا الدولية دون الحديث عن انتهاك الحرمات جسدية كانت أم ما تعلق منها بالعرض وصولا إلى حصن آخر لطالما تحصنوا به لتبرير الحداثة و التمدن و مقاومة اعدائهما المزعومين عبر كسره هذه المرة و اعني به حصن حرية المرأة و حقوقها و ذلك بهتك ستر المواطنات المحجبات و ها هم اليوم يصلون مرحلة قد تدق إسفين النهاية بتطاولهم على دولة شقيقة و تعريض مصالح البلد وأبناء تونس فيها ربما للضرر عبر سحب السفير احتجاجا على نجاح قناة الجزيرة في و ضع الإصبع على الورم الخبيث في بلدي الذي آن له أن يستأصل و يذهب إلى الجحيم!.
تبا لكم ثم تبا! ماذا تركتم لقارون و فرعون و هامان و أبي لهب و أبي جهل؟ لقد تفوقتم عليهم ولو كان هؤلاء أحياء لسجدوا لكم!!!.
كل ما يصدر عنكم ممنهج يتم بطريقة لا مثيل لها في الإحكام و الضبط بحيت كل له نصيب من الألم إلا يهود الغريبة من الصهاينة الذين يزورون جربة و يرتعون في عرض البلاد و طولها آتين من ’’إسرائيل’’ يجرون وراءهم جرائمهم في حق إخواننا الفلسطينيين فلهم التبجيل و الحماية والأمن و الكرامة.
لهذا و لغيره تنتابني باستمرار حالة غثيان متواصلة لا املك معها إلا الاسترسال لأتقيؤكم في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة!!!.
ويبقى الهدف من كل ما يمارس هو التدمير و لا شيء غير التدمير تدمير المواطن و سمعة البلاد طلبا لأمن و طمأنينة لن يأتيا من عمالة لا حدود لها و ارتهان للأجنبي ؛ولن يأتيا من دموع الثكالى والأيتام و آهات الشيوخ و المسجونين و فاقة العاطلين و المعطلين عن العمل و المنبوذين و ما أكثرهم في بلدي و الذين لا يكادون يجدون قوت يومهم فيلجأ بعضهم إلى الجريمة؛ و لن يأتيا من أوجاع المغتربين و استغاثات العفيفات من بنات بلدي و ألام المصابين نفسيا حتى أن الدراسات تتحدث عن ازدياد عددهم في بلدي! حتى الموتى يا إخوتي لم يسلموا من جديد ابتكارات شرورهم لان هؤلاء في يوم ما كانوا من المغضوب عليهم و إني أدعو الجميع ولا استثني أحدا أن نرفع أيدينا وان نجأر إلى الله بالدعاء على فم و قلب رجل واحد أسوة بنبي الله نوح عليه السلام في سورة القمر فدعا ربه أني مغلوب فانتصر: فاللهم إنا مغلوبون فانتصر آمين ولا حول ولا قوة إلا بالله ألعلي العظيم.
أدخلتم البلاد و العباد و أنفسكم في دوامة رهيبة صرتم لها رهائن لم ينج منها الصغير و لا الكبير ولا المسن و لا المرأة.
فأبناء بلدي بين من باع ذمته للشيطان عن اختيار و سار في الركب عن طواعية يصب البنزين على النار لتزداد اشتعالا حفاظا على فتات من موائد الأسياد أو أملا فيه! و مثال ذلك ليس على سبيل الحصر مدير معهد بالكاف (المربي المفترض) الذي استغل نفوذه ليعطينا مثالا في بيع الذمة و التنكر لقيم وطنه فيقطع بمقص لباس تلميدة ليعريها وهي التي اختارت الحياء سلوكا و الحجاب وسيلة.
و منهم من أبناء بلدي خائف متربص يرقب الفرج و منهم اللامبالي و المهزوم الذي لم يعد يرى فائدة ترجى من التبليغ و التقويم و منهم الماسكون على الجمر الواقفون على الثغور سواء كانوا في السجون أم خارجها داخل السجن الكبير أم وراء أسوار الوطن ديمقراطيين كانوا أم إسلاميين أم إعلاميين أم حقوقيين نساء و رجالا
هكذا تتبدى لي صورة أبناء بلدي!
لقد أغرقتم بلعناتكم البلد وأهله و ستتبعكم هذه اللعنات بدورها في قبوركم و يوم القيامة قال تعالى: « ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا« …. الفرقان
ما نفع الإنجازات في بلدي إذا كان المنتفعون بها فقط من سار في ركاب زمرة الشر و رضيتم عنه أو من تقمص دور الشيطان الأخرس لسبب من الأسباب؟.
أي معنى لما يطبل له إعلامكم من إنجازات بالليل و النهار إذا كان الإطار العام لها امتهان لكرامة المواطن و استرسال مجنون و مخالف للمواثيق الدولية و الإنسانية في انتهاك حرماته و مقدساته والتضييق عليه في الرزق إما بالطرد و إما بغلاء المعيشة وأنتم الدين عرف عنكم تكديس الثروات وحرمان المواطن من حقه فيها بل و من عديد حقوقه؟…
إن ما انجزتموه على افتراض ذلك يفقد والحالة كما و صفت كل معنى و كل جدوى و فاعلية ما دام أن هد فه ليس الإنسان التونسي الذي خنقتموه إلى حد الدوار و الغثيان فلسنا – والخطاب موجه إلى رأس السلطة- غنما في مملكتك لا يحتاجون الا إلى ما تحتاج إليه الأنعام و أقل!
والسلام على كل أبناء و طني و كل عام و أنتم بخير باستثناء من عشق منهم مزبلة التاريخ ورضوا لأنفسهم فيها نهاية ومقاما ومستقرا و لله الأمر من قبل و من بعد.
(*) أستاذ و سجين سياسي سابق سويسرا، في 23 أكتوبر2006
بسم الله الرحمن الرحيم
حكّام تونس والخطّة الشيطانية!
لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم وكرّمه أسنى تكريم وفضّله على كثير ممّن خلق تفضيلا. فقال جلّ ثناؤه { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].
» يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إيّاهم في خلقهم على أحسن الهيئات وأكملها كما في قوله تعالى:{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] أي يمشي قائما منتصبا على رجليه ويأكل بيديه. وغيرُه من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه. وجعل له سمعا وبصرا وفؤادا يفقه بذلك كلّه وينتفع به، ويفرّق بين الأشياء وخواصّها ومضارّها في الأمور الدينيّة والدنيويّة..{ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ } أي من زروع وثمار ولحوم وألبان من سائر أنواع الطعوم والألوان المشتهاة اللذيذة والمناظر الحسنة والملابس الرفيعة من سائر الأنواع على اختلاف أصنافها وألوانها وأشكالها ممّا يصنعونه لأنفسهم ويجلبه إليهم غيرهم من أقطار الأقاليم والنواحي { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } أي من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات « [1].
مظاهر التكريم الإلهي للإنسان كثيرة ومتنوعّة هيهات أن يحصيها إنسان أو يحصرها ديوان! ومنها تكريمه سبحانه لبني آدم بلبس الثياب سترا للعورات وزينة للمظاهر والهيئات. حيث قال تعالى { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون } [الأعراف: 26] .
وركّب سبحانه في الإنسان من خُلق الحياء ما يحجزه عن كشف سوأته أو إبداء عورته للغير دون حاجة ملزِمة أو ضرورة مُلجئة. وقد تبدّى مظهر الحياء الإنساني واضحا في موقف آدم وزوجه حوّاء – عليهما السلام – حين بدت لهما سوآتهما، جرّاء الخدعة الشيطانية، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة سترا لما بدا منهما من العورة.
فعلى منهاج الأبوين آدم وحوّاء في خُلُقِ العفّة الحياء يسير أولاده الأسوياء من الرجال والنساء؛ فترى الإنسان السويّ يستنكف من أن يمشي في الطريق العام مكشوف السوأة بادي العورة! كما يستنكف من أن يتبوّل أو يَسلح (يتغوّط) على نفسه كما يفعل الحيوان الأعجم حيثما كان دون اعتبار للحال والمكان والمقام. ذلك أن كشف العورة – كما قال الإمام الزمخشري – من عظائم الأمور، وأنّه لم يزل مستهجَناً في الطباع مستقبَحاً في العقول، منهيّا عنه في الشرع إلا ما اقتضته الضرورة. فليس يرضى الإنسان السويّ بمشابهة الحيوان في الظهور عاريا أو شبه عار إلاّ بقدر تجرّده عن صفة الآدمية، وتدنّيه إلى درك الحيوانية. ذلك أن الحيوان بوصفه كائنا غير عاقل؛ فهو لا يدرك معنى الحياء، وعلى هذا تراه يتبوّل ويتبرّز علانية! كما لا يستحي من مطاردة أنثاه وملاحقتها أو إتيانها أو النزوّ عليها على الملأ. كما لا يستنكف من ظهور عورته أو انكشاف سوأته. وعذرُه في ذلك أنه مخلوق غير مكلَّف إذ لا تكليف إلا بشرط العقل، ولا حياء مع فقد العقل ومداركه!
وإذا كان عُذر الحيوان الأعجم أنه كائن غير عاقل وأنه محكوم بالغريزة الحيوانية؛ فما عُذر الإنسان العاقل التمدّن المتحضّر! في التشبّه بالحيوان في الظهور بمظهر التعرّي والتبرّج؟! دون حياء أو خجل!
وما السرّ في شيوع العري والتبرّج خصوصا لدى النساء في هذا العصر؟!
لقد سرت في هذا النّاس لهذا العهد دعوى مفادها أن التعرّي والتبرّج وكشف المفاتن – وبخاصّة لدى النساء والفتيات – عنوان التمدّن والتقدّم والتطوّر والتحضّر! حتى بات تباريهنّ في التكشّف والعري وتنافسهنّ في التهتك ونزع الستر – إن بقي شيء من الستر – هو المقياس في الحكم على تطوّر أي مجتمع أو تمدّنه أو تحضره! في هذا العهد الغريب!
فما هو ترى منشأ العري وهل هو حقّا من مظاهرالتطوّر والتمدّن والتحضّر؟!
إنّ منشأ سلوك البشر في التعرّي والتبرّج والتكشّف ما كان يوما بداعي التحضّر أو الرقيّ والتمدّن؛ ولكنّه مظهر من مظاهر الانتكاس إلى التوحش والبدائية والارتكاس في حمأة البهيمية. وليس أدلّ على ذلك من مظاهر العري التي عليها أولئك البشر من سكّان الغابات والأدغال! فإن يكن العري مظهرا للمدنيّة والحضارة فما أحقّ أهل الغابات والأدغال بهذا الشعار!
إن مردّ العري في أصل نشأته إلى تلك الخدعة الشيطانية الكبرى التي توخّاها الشيطان – لعنه الله – ضمن خطته الرهيبة للإيقاع بأبينا آدم وزوجه – عليهما السلام – وإخراجهما إلى دار الشقاء.
– طريقة الشيطان بالوسوسة والتظاهر بالنصيحة!
لقد كشف لنا القرآن الكريم عن منشإ العري وبدوّ السوأة الآدمية وعزاه إلى خطة الشيطان وخديعته المنكورة لإغواء آدم وزوجه؛ فقال تعالى { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: 20]. { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى} [طه : 120] .
توخّى الشيطان طريقة الوسوسة – وهي حديث النفس والهمس الخفيّ[2] – والتظاهر بمظهر الناصح الأمين مُقسما على ذلك { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21] كلّ ذلك سعيا منه في إقناعهما بوجاهة فكرته وسلامه قصده وصدق نصيحته!
وهي طريقة، بل حيلة ماكرة ولكنّها – مع ما انطوت عليه من المكر والخديعة – خالية من أيّ إكراه أو قهر أو إلزام؛ ألا ترى – أخي القارئ – أن الشيطان لم يعمد في تنفيذ خطّته تلك إلى استخدام العنف أو العسف! أو التهديد أو الوعيد! لاستكراه آدم أو زوجه على الإذعان لأمره أو النزول على رأيه. ولكنّه تلطّف لاستنزالهما بافتعال طريق النّصح والإقناع! دُونَ أن يلجأ إلى سَنّ قََانون أو تعميم منشور أَوْ إصدار فََرَمَانٍ! أَوْ توجيه تهديدٍ بِعقاب أَوْ حرمانٍ!
كذلك كان منشأ العُري وبدوّ السوأة الآدمية أوّل مرّة، كما حكى القرآن الكريم { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأعراف:22] { فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } [طه: 121]. قال العلماء فلمّا أكلا » تطايرت عنهما ملابس الجنّة فظهرت لهما عوراتهما..وكانا قبل ذلك لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر « [3].
ولمّا كان الشيطان هو أوّل من جنى على الأبوين بتلك الحيلة الماكرة فتسبّب في فضيحتهما وإبداء سوآتهما؛ فقد حذّّر الله تعالى بني آدم من مكايد الشيطان وألاعيبه، ونبّههم إلى أنّ خطته في الإيقاع بأبويهم لم تتوقف عندهما ولم تذهب بذهابهما؛ بل هي مستمرّة. وأن الشيطان الذي استطاع بأثر كيده ولطف وسوسته إلقاء آدم في الزلّة الموجبة لإخراجه من الجنّة – كما قال الإمام الرازي – فبِأَنْ يقدر على أمثال هذه المضارّ في حقّ بني آدم أَوْلى. فبهذا الطريق حذّر تعالى بني آدم بالاحتراز عن وساوس الشيطان وحيله، لئلا يقعوا في شباك فتنته؛ فقال: { يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27] وذلك ليكونوا من مكايده على حذر؛ وليحترزوا ممّا في وساوسه من خطر عليهم وضرر.
ولمّا كان كشف العورة وإبداء السوأة تدبيرا شيطانيا – كما بينّاه – من نصوص القرآن الكريم؛ فإن كلّ من سعى ويسعى من الأناسي في نشر العري والتهتك فإنّما ينفّذ من جديد الخطّة الشيطانية ويلعب دور إبليس في إفساد الإنسانية!
وفي ذلك السياق يندرج إصدار حكّام تونس للمنشور108 وسعيهم المنكور في تطبيقه على بنات آدم من عفائف تونس.
أوما دروا أنهم بصنيعهم هذا يحيون من جديد سنّة إبليس – لعنه الله – في أرض تونس! ولكن مع اختلاف عنه في الطريقة والأسلوب.
طريقة حكّام تونس: لقد رأينا كيف تعامل الشيطان مع آدم وحوّاء بطريقة – لو جاز وصفها بأنها – (حضارية)!! حيث كان في مسعاه في غاية الأدب! والتلطّف وحسن الإقناع وبراعة الإغراء في الوسوسة والتظاهر بالنّصيحة وحسن النيّةّ وسلامة الطويّة! مؤكّدا ذلك بالقسم واليمين.
ولكن كيف تعامل حكّام السابع من نوفمبر مع بني آدم من أهالي تونس لإقناعهم بسلامة مقصدهم ووجاهة فكرتهم في تطبيق الخطّة الشيطانية؟
إنهم بعكس الشيطان لم يتوخّوا في مسعاهم المنكور – غير المشكور- طريقة الوسوسة والإغراء، ولا احتالوا بأسلوب النصيحة والإيحاء! بل عمدوا إلى تعميم المناشير! وتحشيد الحشود! وتجنيد الجنود! وإعلان الحرب على العفّة والطّهر والفضيلة، وإصدار الأوامر بالهجوم الكاسح على العفائف ومطاردتهن وملاحقتهنّ في كلّ مكان! تطبيقا للمنشور108 الشيطاني؛ حيث يقول: » فالمرغوب من السّادة الوزراء وكتّاب الدّولة توجيه التعليمات اللاّزمة إلى المصالح الإداريّة والمؤسّسات العموميّة الرّاجعة إليهم بالنظر كي يحافظ الأعوان على اللّياقة المفروضة واتّخاذ ما يلزم من الإجراءات لتنفيذ توصيات رئيس الدّولة.[4] وتبعا لذلك وحفاظا على سمعة معاهدنا وأبنائنا وبناتنا فإنني أهيب بجميع رؤساء المعاهد ورئيساتها أن يحرصوا على تطبيق التراتيب المشار إليها بما ينبغي من الجدّ والحزم وأن لا يقبلوا من يتعمّد مخالفتها « [5].
فبمقتضى هذا المنشور الشيطاني » تشنّ الحكومة التونسية عبر التليفزيون الحكومي حملة لا هوادة فيها على الحجاب والمحجَّبات، مخصّصة غالبية النشرات الإخبارية لتحذير النساء من ارتدائه، واصفة من ترتدينه من النساء بالانزلاق والانحراف عن جادة الصواب « [6].
فهذا الناطق باسم الرئاسة التونسية (عبد العزيز بن ضياء) يتمسّك باعتبار الحجاب زيا طائفيا، قائلا » إن الحكومة تعارض هذا اللباس بقوّة..وأن تونس ترفض كلّ زي دخيل يرمز الى اتّجاه ديني أو سياسي معيّن « .
وذاك (الهادي مهنّي) الكاتب العام لحزب التجمع الحاكم تحدّث عن » ظاهرة التستّر بالدّين لخلفيّات سياسية « ، مؤكدًا » ضرورة التحرّك من أجل التصدّي لمثل هذه الظواهر » كما شدّد على ضرورة » العمل على تطبيق التشريعات فى المؤسّسات العموميّة والتربوية والجامعية، وفي كلّ الفضاءات والمواقع العمومية.
وهذا (بو بكر الخزوري) وزير الشؤون الدينية يصف اللباس الشرعي فيقول » إن الحجاب رمز من رموز الفتنة – ودعا إلى – الحزم في التصدّي لكلّ رموز الطائفية، ومنها اللباس الطائفي الدخيل » في إشارة إلى الحجاب الإسلامي « [7].
وبناء على هذه التعليمات » فإن مديري المعاهد العليا والثانوية وبعض الموظفين عمدوا مؤخرا إلى نزع الحجاب من فوق رؤوس الطالبات « [8]. وقام مدير المعهد الثانوي بالمنيهلة (فتحي الشواشي) بطرد جميع الفتيات المحجّبات طالبا منهنّ عدم العودة » بهذا اللباس الطائفي » مرة أخرى، حسب تعبيره، مهدّدا متوعّدا مع عبارات السبّ والشتم.. كما عمد رجال الأمن إلى نزع الخمار من فوق رؤوس بعض النسوة عنوة! ولم تقف بهم الجرأة عند هذا الحدّ، بل امتدّت لتشمل بيوت الله! حيث قامت سيّارات الشرطة في أحد الأحياء الشعبية..بالتعرّض للنسوة العائدات من المساجد واقتيادهنّ لمراكز الأمن! حيث أجبروهنّ على توقيع التزام يتعهدن فيه بنزع لباسهنّ الطائفي! ولتمتدّ يد رجال الشرطة إلى المصانع لتطالب إداراتها بمدّها بأسماء المحجّبات! وإيقافهن عن العمل! ولتتعرض لهنّ في الطريق العام في اعتداء سافر على حريّة المعتقَد واللباس؛ بل وصل الأمر إلى إغلاق بعض المصلَّيات في القطاع الخاصّ.
كما امتلأت مخافر الشرطة بالمحجّبات حيث يطلب منهن تعرية الرأس والتوقيع على تعهّد بعدم ارتداء الخمار من جديد.
ونقلت تقارير أنّ بعض تلك العمليات تتمّ بطريقة مستفزة وخادشة للحياء حيث يلجأ عدد من رجال الأمن إلى » التغزّل بجمال فتيات تونس دون حجاب »! ومنع مدير المعهد العالي للمعلمين بسوسة (فتحي العامري) الطالبات المحجَّبات من دخول المعهد ومزاولة الدروس طالبا منهنّ نزع حجاباتهن أو القيام بالتزام للوليّ في البلدية بعدم لباس الحجاب, هذا الى جانب التهديد بالطّرد. كما كلّف كلّ العَمَلة والإداريين بمراقبة الطالبات وملاحقتهنّ حتى في المبيت الجامعي والذي تديره المدعوة (آمنة زروق الخيري) التي لم تكفّ منذ بداية السنة الجامعية عن مضايقة المحجّبات في المبيت وتهديدهنّ بالطرد.
فهل رأيت إبليس اللعين عدوّ آدم الألدّ نزع خمارا أو هتك عرضا؟! وهل هدّد أو توعّد؟! وهل أرغى أو أزبد؟! وهل تجرّا على فعل شيء ممّا فعل حكّام تونس وزبانيتهم بالعفائف؟!
فأين طريقة شيطان الجنّ في لطفه وأدبه ولباقته من طريقة شياطين الإنس في غطرستهم وبغيهم وطغيانهم؟!
لقد عقدنا هذه المقارنة بين طريقة الشيطان وطريقة حكّام تونس في تنفيذ خطّة العري وهتك الستر؛ ذلك ليعلم القارئ الكريم أن ما يفعله هؤلاء الحكّام وأعوانهم لم يكن إلا منكرا فظيعا من عمل الشيطان! وليقف على وجوه الفرق بين الطريقتين، فيقطع جازما بأن الشيطان – على شرّه وكفره وشدّة عداوته لآدم وزوجه – كان في تعامله معهما – من أجل تنفيذ خطته – ألطف أسلوبا وأكثر أدبا! وأحكم طريقة! أما كان أحرى بحكّام تونس وأذنابهم – إن كانوا يريدون نجاح خطتهم الشيطانية – أن يأخذوا من سيّدهم إبليس الحكمة والدّرس والعبرة! أم هم كما قيل:
وكنت امرَءًا من جُند إبليس فانتهى بي الفسقُ حتّى صار إبليس من جُندي
فلـو مـات قَبلي كنت أحسـن بَعدَهُ طرائــق فسـق ليـــس يُحسنها بَعـــدي
كتبه فقير ربّه:
محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي
[1] – مختصر ابن كثير [ جزء 2 – صفحة 564 ] .
[2] – والوسوسة هي الخطرة الرديئة وأصله من الوسواس وهو صوت الحلي. مفردات القرآن [ جزء 1 – صفحة 1577 ] .
[3] – البحر المحيط ج 5 ص 324. لأبي حيان الاندلسي.
[4] ـ جريدة الصباح التونسيّة بعددها الصادر في 23 ـ 9 ـ1981.
[5] ـ جريدة الصباح التونسيّة في عددها الصادر في23 ـ 10 ـ 1981.
[6] – المصدر: مجلة السبيل (الأردن) بتاريخ 17 أكتوبر 2006 نقلا عن وكالة قدس برس إنترناشيونال.
[7] – المصدر: موقع « الإسلام اليوم » (سعودي) بتاريخ 17 أكتوبر 2006 .
[8] – موقع إسلام أون لاين.نت بتاريخ 5 أكتوبر 2006.
سـؤال وجـواب حول الحجاب والحرية الشخصية
السؤال:
الشيخ ياسين بن علي
السلام عليكم
قرأت مقالكم بعنوان (الحجاب فريضة وكفى) واسمحوا لي أن أستفسر عن رأيكم في فكرة فهمتها من المقال. فما المانع لو قال مسلم أن الحجاب من الحرية الشخصية ومن حق المرأة أن تلبسه وتعبر عن اختيارها كما تشاء فهذا يخدم قضية الحجاب وليس كما ذكرتم. وهل أفهم من كلامكم أن من قال بهذه الفكرة أخطأ رغم أنه يدافع عن الحجاب ويحاول أن يقف ضد من يحاولون حظره وهل من الحكمة الاعتراض عن هذا؟
والسلام عليكم
الجواب:
الكاتب: ياسين بن علي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
السائل الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: « أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصل رحمي وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مرا، وأن لا تأخذني في الله لومة لائم… » (أخرجه الطبراني في الكبير، وأحمد في المسند، وابن حبان في صحيحه، والبزّار في المسند).
لذلك فإن الحكمة لا تعني السكوت عن قول الحقّ بل الحكمة هي قول الحقّ حين ورود محلّه ووجوب الصدع به وإن خالفت الناس كلّهم أو خالفوك.
وإليك هذه القصة، فتمعن فيها تفهم كيف كان السلف الصالح رضوان الله عليهم. فقد أخرج أحمد في المسند قصة ذهاب عمرو بن العاص قبل إسلامه إلى الحبشة ليسترد من هاجر إليها من المسلمين، ومما جاء في القصة من كيد عمرو في جاهليته ما يلي من رواية أم سلمة: « قال عمرو بن العاص: والله لأنبئنهم غدا عيبهم عندهم، ثم أستأصل به خضراءهم، قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة – وكان أتقى الرجلين فينا – : لا تفعل فإن لهم أرحاما ، وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد، قالت: ثم غدا عليه الغد، فقال له: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه، قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثله، فاجتمع القوم، فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه ؟ قالوا: نقول والله فيه ما قال الله، وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن، فلما دخلوا عليه، قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم ؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله ورسوله، وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ منها عودا، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود… ».
فانظر كيف تصرف الصحابة، قالوا الحقّ رغم إحساسهم وتصورهم بأن قول الحقّ قد يضرّهم ويؤذيهم. وانظر إلى هذا المقياس الذي غفل عنه كثير من الناس في هذا الزمن: » نقول والله فيه ما قال الله، وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن »؛ فقد تخلى عنه الناس اليوم وظنوا أن قول غير الحقّ سيقودهم إلى نصرة الحقّ، وإنّ من الناس من يخجل من الحقّ ويستحي من نشره سدا لذريعة اتهام الحركة بالتطرف أو خوفا من مواجهة التيار كما يقال، ولكن ما جلبت المداهنة إلا الذلة، وما عادت المداراة على الأمة إلا بالضعف والوهن. فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأما منهجنا فقول الحقّ دون مداهنة أو مداراة، إلا أننا نعتمد في ذلك أسلوب الحكمة أي البرهان والدليل والموعظة الحسنة، دون أن نسب ونشتم أو ننتقص من عمل الغير وإن خالفناه فيه؛ فنحن نرسم ما نراه خطا مستقيما بجانب ما نراه خطا أعوجا، وندع للناس الحكم داعين أن يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحقّ.
وأما قولك إن الحجاب من الحرية الشخصية فنحن نردّه لأنه يحتوي على إقرار الحقّ وضدّه أي الباطل. فإذا قلت: من باب الحرية الشخصية أن تلبس المرأة الحجاب، فمعناه أنه أيضا من باب الحرية الشخصية أن لا تلبسه أو من باب الحرية الشخصية أن تخرج المرأة شبه عارية. وهذا لا يجوز لأن المرأة ملزمة شرعا بتغطية كامل بدنها كما بيّنا ذلك في مقالنا « الحجاب فريضة وكفى ». والإسلام لا يقرّ أن تخرج المرأة دون حجاب، ومن قال يجوز للمرأة أن تخرج دون حجاب فقد أعظم الفرية على الله تعالى.
عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان » (رواه الترمذي).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا » (رواه مسلم).
وعن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال « يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا » وأشار إلى وجهه وكفيه. (رواه أبو داود).
وعن حفصة قالت: « …كنا نداوي الكلمى ونقوم على المرضى فسألت أختي النبي صلى الله عليه وسلم أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج ؟ قال: لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين » (رواه البخاري).
وعن أم عطية: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور والحيض في العيدين فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن دعوة المسلمين. قالت إحداهن: يا رسول الله إن لم يكن لها جلباب؟ قال: فلتعرها أختها من جلابيبها » (رواه الترمذي).
وعليه فإن إدراج اللباس ضمن ما يسمى بالحرية الشخصية يقول به العلمانيون والشيوعيون وغيرهم ممن لم يجعل الإسلام نظام حياته والحكم الشرعي مقياس أعماله وأقواله، وأما نحن فنقول: « الحجاب فريضة وكفى »، ولا نذكر مقولة الحرية الشخصية إلا لبيان انحراف من يقول بها عن قاعدته ومقياسه، وهذا الأسلوب مما يمكن اعتماده في بلاد الغرب من أجل بيان انحراف الغرب كفرنسا مثلا عن مبدئها، أما في بلاد المسلمين فلا يجب أن يؤسس دفاعنا عن الحجاب على هذه المقولة؛ لأننا لا نقبل في بلادنا التي يعتنق كل شعبها الإسلام إلا الإسلام، ولا نرضى للنساء المسلمات أن يخرجن متبرجات عاريات. {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}.
27 رمضان 1427هـ
(المصدر: ركن « سؤال وجواب » بمجلة الزيتونة الألكترونية بتاريخ 19 أكتوبر 2006) الرابط:
الحجاب
أثارت تونس هذه الأيام زوبعة خارجية ولكن وإلى حد ما داخلية عندما ذكرت الجهات الرسمية بمواقف سابقة من الحجاب، الذي يعتبر هنا سواء لدى السلطة أو لدى جبهة عريضة من المثقفين مظهر تراجع عن مكاسب مهمة حققتها المرأة في بلد وفر حدودا عليا من المساواة بين الرجال والنساء ومكن المرأة من التعليم الذي تجاوزت فيه عدديا أرقام الرجال وكذلك مكنها من مكاسب تعتبر اليوم في تونس غير قابلة للتراجع مثل منع تعدد الزوجات، ومنع التطليق الجزافي بكلمة من الرجل وضرورة المرور عبر السلطة القضائية وغير ذلك مما يعتبر ليس فقط مكاسب اجتماعية بل مجتمعية، غيرت وفي العمق التصور المجتمعي للفرد التونسي وجعلته يتقدم أشواطا على أخيه في العالم العربي والإسلامي.
ولكن ظاهرة التحجب عادت بقوة في العامين الأخيرين، وفي ما عدا السيدات اللائي عرفن عهود اضطهاد المرأة أو ما يعتبر كذلك ممن يفقن الخمسين أو الستين من العمر والحائزات على حد أدنى من الثقافة المزدوجة غالبا فإن جانبا من الشابات خاصة ممن نلن دراسة علمية أخذ جانب منهن بالتمنطق بالحجاب مما شكل ظاهرة واضحة ولكن لا تمثل بحال أغلبية.
ولن ندخل هنا في مدى وجهة النظر الدينية بشأن الحجاب، بين من يحرّمون سفور المرأة و ممن يعتمدون على النص ويؤولونه تأويلا ليس فيه حرمة، أو ممن يعتمدون على القول أن الحجاب ليس من تقاليدنا العريقة بل هو مستورد حديثا إلى تونس التي كانت تعرف « السفساري » وهو غطاء يبرز أكثر مما يخفي، فذلك جدال في النهاية لا يؤدي إلى شيء.
ولكننا سنتطرق إلى مسألة منع الحجاب في الإدارة العامة والمراكز الوظيفية وفي المعاهد الثانوية والجامعات، بقصد إزالة وجوده من هذه الأماكن الحساسة.
ويبدو أن الحكومة التونسية قد أقرت العزم على محاربة الحجاب وحصره في أضيق المساحات عن طريق هذا المنع.
وكانت السلطة التونسية قد تدخلت في نوع اللباس منذ منشور لوزير الأشغال العامة السابق عزالدين العباسي الذي منع الموظفين من الوصول إلى إداراتهم مرتدين للجينز وذلك بموجب منشور يعود إلى سنة 1959.
ولم يكن آنذاك الحجاب موضوع حديث، ففي سنوات الاستقلال الأولى أقدمت الموظفات الشاعرات بأنهن استرجعن حريتهن وأنه لم يعد هناك ما يمنع سفورهن على ترك السفساري الذي كان منتشرا في تونس، وكان المجتمع كله يشجع تلك الظاهرة التي عنت في ما عنت تخليص المرأة مما سمي براثن الماضي، وغاب السفساري شيئا فشيئا فيما انقطع تماما في الإدارة والمدرسة.
وفي السبعينيات وفي خضم خيبات الأمل المرة من تطورات الأحداث عربيا وداخليا سواء بهزيمة 1967 المنكرة أو على إثر فشل نموذج التنمية الاشتراكي وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ظهر الحجاب على طريقة للواقع لم تكن موجودة قط في تونس فيما سمي أيامها من المتشبهات براهبات سانت مونيكا القديسة المسيحية اللائي يلبسن حجابا أشبه بحجاب المتحجبات اليوم.
غير أن مؤسسات بعينها منعت دوما لا فقط الحجاب بين موظفاتها ولكن أيضا قدوم الموظفين إلى عملهم دون لباس البدلة بقطعتيها والكرافاتة، على اعتبار اعتماد زي لائق أمام الحرفاء، ففي البنوك مثلا غاب الحجاب تماما كما غابت الأزياء الرجالية غير المتقيدة بالزي اللائق الذي وصفنا. واليوم فإن جهات عديدة مبررة لقرارات الحكومة في خصوص الأزياء تقيم منطقها على أساس، أن المشغل له الحق في أن يفرض الزي الذي يراه ملائما لسير العمل والصورة التي يريد إعطاءها عن مصالحه.
ويقول نفس المنطق وهو الأكثر انتشارا في تونس، إن الحكومة لا تتدخل في أزياء الناس في الشارع، ولكنها تستطيع أن تفرض اللباس الذي تراه مناسبا لسير العمل، وهو شأن شجعت الدولة بقراراتها القطاع الخاص على اتباع أثره.
فالسلطة ترى أن الحجاب لا يناسب سير العمل وبالتالي وباعتبارها هي المشغل فإنها تطلب من موظفيها أن يكونوا على زي ليس فيه إلا ما هو أمر طبيعي أي بدون غطاء للرأس أو ما يشير إلى ما اعتبر زيا طائفيا.
كما أن السلطة وهي التي تقبل في مدارسها حوالي مليونا من البنات ومدرساتهن على طاولات الدرس تعتقد بأن ما وصله أمر التقدم من شوط فإنه غير مسموح استعمال زي بهذا الشكل وهي حرة في الشروط التي تفرضها في لباس من يؤمون قاعات الدرس عندها.
وكل الناس أحرار في ما عدا ذلك ولكن ليس في مكاتبها ولا في معاهدها وجامعاتها.
وكما إن البنوك تشترط في موظفيها الرجال أن يلبسوا البدلة والكرافاتة وفي موظفاتها الامتناع عن لباس الحجاب فإن الدولة أيضا لها شروط في من يشتغل أو يدرس عندها ينبغي أن يندرج ضمنها من يريد أن يتعامل معها وهو حر في ما عدا ذلك، كما يشمل هذا الشرط لا فقط العاملين ولكن أيضا المتعاملين مع الإدارة، مثلما هو شأن من يأتي للمصالح الحكومية لقضاء شأن ما وهو يلبس الشورت فلا يقبل ولا يسمح له بالدخول.
وإذا كانت ظاهرة الحجاب في اعتقاد السوسيولوجيين هي ردة فعل على ما حصل من خيبات مرة على أيدي الحكومات اللائكية أو شبه اللائكية، فإن الرأي السائد اليوم هو أن انتشار الحجاب بشكل ما هو نتيجة تأثير القنوات الفضائية وخاصة المشرقية التي باتت منذ زمان تدعو بشكل واضح ومستمر للبس الحجاب والدعوة له، وبذلك فإن هذه القنوات التي أنشئت لنشر الفكر التحرري في نظر الكثيرين قد أصبحت تدعو إلى ممارسات توصف بأنها رجعية من وجهة نظر أعداد كبيرة من المثقفين والمثقفات وخاصة في تونس جمعية النساء الديمقراطيات التي تعد أكبر داعية لمنع الحجاب وفرض ذلك.
وإذا كان الحجاب قد انتشر بهذا الشكل فالسؤال، هل هو يعكس ظاهرة سياسية، امتدادا لمجموعات التنظيمات السياسية الإخوانية أو ما شابهها أم هو ظاهرة اجتماعية تدينية لا علاقة له بالسياسة؟
والواضح أنه بقدر انتشار الحجاب، فإن معارضيه ومعارضاته ليسوا بالقلائل بل لعل غالبية المجتمع التونسي هي ضد هذه الظاهرة التي وإن كانت انتشرت فإنها أبعد ما تكون تعبيرا عن توجه أغلبي، ولكنها تمثل فقط أقلية نشيطة تقع مواجهتها بقوة – لا من طرف الحكومة كما يريد البعض خاصة في المشرق أن يوحي – بل من طرف جانب كبير من الفئات المثقفة نساء ورجالا يرفضون رجوع القهقرى.
(*) كاتب من تونس
(المصدر: صحيفة الشرق القطرية الصادرة يوم 22 أكتوبر 2006)
طلبة «تدبير الراس» … بيع وطباعة و «فريب»
تونس – سلام كيالي
كثيراً ما تسمع بين طلاب الجامعات التونسية عبارة «ندبر راسي» والمقصود بها كيفية تدبير المصروف بطريقة أو بأخرى، خصوصاً أن كثير من الطلاب يتحملون مصاريف إضافية في الدراسة، كشراء المخطوطات أو البحوث، أو تصوير بعض الكتب التي يصعب اقتناؤها بسبب ارتفاع سعرها أو ندرتها. ولكل طريقته التي يبتكرها بحسب ظروفه أو وضعه وامكاناته.
ساحة كلية الحقوق والعلوم السياسية كثيراً ما تشهد معارض متواضعة، فتوضع الكتب على طاولات على باب المكتبة أو على باب «البوفيه» وخصوصاً كتب الحقوق والسياسة والاقتصاد التي تخص المنهاج. عبدالستار يبيع في هذه المعارض البسيطة التي تقوم فكرتها (كما يقول) على التعاقد مع إحدى المكتبات الكبيرة أو دور النشر، فتقدم الكتب بأسعار معقولة تمكن الطلاب البائعين من كسب فائض بسيط، وفي الوقت نفسه تكون أسعارها أقل من أسعار السوق، إضافة الى أن الجامعة توفر مكاناً مناسباً لعرضها.
وتقام هذه المعارض في كل الجامعات في تونس العاصمة، وتختلف الكتب وطبيعتها باختلاف الكليات وطبيعة الدراسة فيها. ويتم تقاسم ارباح الكتب التي تباع مع صاحب المكتبة أو دار النشر، بينما تعاد تلك الفائضة أو تترك لمعرض لاحق.
هدى طالبة الدكتوراه في كلية الحقوق لها طريقتها في توفير بعض المال لشراء الكتب أو بعض الملابس، خصوصاً أنها تشعر بأنها كلفت والدها كثيراً خلال سنوات الدراسة ولم تتمكن من تحقيق حلمها بالتدريس في الكلية بعد التخرج.
تطبع هدى بعض رسائل التخرج للطلاب، وتعتمد في ذلك على السعر التنافسي، فهي تعمل من المنزل وعليها بالتالي أن تقوم بعملية دعاية غير مباشرة من طريق معارفها لترويج خدماتها بأسعار أقل من أسعار المحال المتخصصة في الطباعة. وتقول هدى: «كان علي أن أجد عملاً ما يناسبني بعدما لم أتمكن من التدريس في الكلية، وقد خطرت لي هذه الفكرة، بعدما طبعت رسالة الماجستير خاصتي بنفسي، فأنا سريعة في الطباعة، وهذا لن يتعبني أو يلزمني في أوقات دوام معينة».
وتعتمد هدى في دعايتها على بعض الامور الاساسية كالسعر التنافسي أي 400 مليم تونسي للصفحة مقابل 600 في المحال، إضافة إلى تطوعها إصلاح الأغلاط وإعادة صوغ بعض الفقرات الضعيفة، وتصميم الغلاف وبعض الصفحات وإخراج النسخة الأولى من الرسالة.
أما بيع المقررات الدراسية التي يمليها الأساتذة على الطلاب في القاعات فكانت فكرة إسكندر، الذي عانى في بداية دراسته في معهد الصحافة من إخفاء بعض الطلاب لهذه الأوراق، «بحجة أن من يداوم على الحضور هو من يستحق النجاح». فعمل اسكندر وأحد أصدقائه على تأمين هذه الأوراق، ووضعها في محل الطباعة والتصوير في المعهد، بعدما اتفقا مع مستثمره على سعر معين لقاء كل مادة. وتمكن اسكندر في ما بعد من استثمار المحل، فحرص على تأمين كل المواد للسنوات الدراسية كافة. ويقول: «استثمرت المحل بمساعدة أخي، والمكسب هنا من تصوير الأوراق وطباعة الرسائل، ولبيع مقررات الأساتذة دخل مهم ايضاً، خصوصاً أن الكثير من الطلاب يعتمدون في دراستهم عليها».
ولكل من الطلاب أسلوبه وطريقته في كسب بعض المال، أما الطريقة الأغرب والاكثر جدة على الجامعات فكانت لإيمان التي سوقت «قطع الفريب» (الملابس المستعملة) بين البنات في المعهد. وتقول إيمان: «لطالما سئلت عن مصدر سروال أو حقيبة أو حذاء، خصوصاً أن غالبيتها لافت للنظر للونها أو علامتها التجارية. لم أتنبه في البداية للموضوع، فقد كنت ألبي طلبات صديقاتي، لكن بعد أن ازدادت وكثرت، ودخلت على الفكرة زميلات أخريات فكرت في أن أكافئ نفسي على تعبي وخدماتي، وبالفعل عمدت إلى إجراء زيادة بسيطة على سعر القطعة، طبعاً بحسب جودتها ونوعيتها، الى أن تمكنت من توفير مدخول اضافي». وعمدت إيمان بعدها إلى شراء بعض القطع من دون سابق توصية، مستفيدة من معرفتها بالأسواق الجيدة للفريب ومن معرفتها بأوقات وصول البضائع الجديدة، إضافة إلى علاقتها بأحد الباعة من سكان حيها الذي ساعدها في ذلك.
فعلاً الحاجة أم الاختراع!
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 23 أكتوبر 2006)
La Puerta Falsa الباب الخاطئ
منصف الوهايبي
لكأنّي أستعيد حلما وأفكّ رموز لغة هيروغليفيّة، أو أكتب ما لا ينكتب،وأتخيّل مرئيّا مطمورا في سحيق من الذّاكرة! غطّاني ريش أسود. شعرت كأنّ أنفاسي تحتبس.كأنّ صقيعا يتصاعد من أخمص قدميّ. وإذا برذاذ على وجهي! تراها تمطر في هذا اليوم القائظ؟ تقلّبت ونظرت بعين نصف مفتوحة: رجل على حصان أسود،يتجمّع ظلّه فوقي. الشّمس عموديّة،كأنّ ضوءها ينبعث من منوّر في أعلى سقف السّماء،يعشي عينيّ،ويخترق ذلك الوجه الواثق الذي لم أتبيّن فيه سوى عينين سوداوين.كأنّي رأيته ينزع برنسه عن كتفيه،ويلقيه عليّ(فتحت عينيّ فإذا بباب موارب. تردّدت قليلا.نظرت حولي.بدا لي البيت شاهقا،تتوسّطه شرفة أسطوانيّة كأنّها تنهض على مقرنصات من الآجرّ المزجّج أو من حجر الطّلق اليماني.وسمعت صليلا كأنّه صليل الذّهب أو الفضّة،يأتي من وراء الباب،وصوت امرأة تناديني باسمي أو هكذا تهيّأ لي! دفعت الباب ودخلت. باحة واسعة تزيّن جدرانها قراميد مزخرفة يجري فيها ضوء معدنيّ أزرق كأنّه غبار الفضّة. دوائر ومربّعات ومثلّثات وخطوط متقاطعة وكتابة لم أتبيّنها،محفورة في مهاد من أغصان تتشابك أوراقها. وفي وسط الباحة تقوم شجرة توت،إلى جانبها مطهرة مملوءة ماء،وفوق رخامتها إناء من فضّة،به سواك وكحل.وعلى غصن واطئ تتدلّى منشفة بيضاء.حللت لباسي،وأرقت الماء،ثمّ اغتسلت وتنشّفت.فجأة شعرت بأنّي مراقب،أنّ أحدا ما ينظر إليّ خلسة. تلفـتّ. كان باب يفتح على سلّم حلزونيّ، وطيف امرأة كأنّي أعرفها،تدلف بسرعة. وسمعت صوتا يأتي من بعيد،كرنين المحار:فرغت؟). ثمّ كأنّه ينزع عنّي البرنس. مسحت عينيّ وفتحتهما:شمس منحرفة.رجل على حصان أبيض،وبيده قدح.كانت رأسي تؤلمني.لابدّ أنّي نمت طويلا إلى هذه الصّخرة الملتهبة. وسمعته يقول وكأنّه يخاطب غيري: »كأنّ البدويّ الصّغير لم يوقن!سيعود ثانية ويرى! ».نهضت واقفا.شربت وأنا أسترق النّظر إليه.أنف أقنى.عينان زرقاوان.شفتان رقيقتان. وضع القدح في الخرج،ومدّ إليّ يده وهو يقول: »هيّا!ارتدف خلفي! ».ارتدفت. ظلّ صامتا. تحتنا كان بلّوط الأرض يبسط أوراقا كالهندباء،تنزف دما أخضر،أخذ يتطاير من حوافر الحصان. وفي الأفق كان غداف يبسط جناحيه كأنّه يهمّ أن يقع على شيء.والأرض الغامقة تلوح من بعيد زرقاء شاحبة. ولم يبرح حتّى قال: »ما ترى؟ ». نظرت.بيوت بيض كالقبور،وأشجار كاليبتوس. وصرخت بفرحة طفل: القيروان!( أو تمبكتو كما صرت أسمّيها بعد ذلك بأعوام طوال).
أكان أوّل حلمي بالقيروان؟ ربّما! فالأمر أشبه بتعبير الحلم.وهو لايتكوّن من صور الحلم وإنّما من سرد الحالم لها.أي أنّ الصّور الحلميّة التي تمثّل قاعدة التّعبير أو التّفسير،ليست صور الحلم « محلوما »،وإنّما تلك التي يرويها انسان مستيقظ، ويستدعيها من حيث هي حمّالة معنى. وإذ يتكلّم الحالم،فإنّ العبور من النّوم إلى اليقظة،عبور من نمط من الإدراك إلى نمط آخر. والمسألة هنا لا تتعلّق بتعبير مجازيّ، وإنّما بقانون فينومينولوجيّ(ظاهراتيّ)، فبنى الإدراك الحلميّ تتعارض وبنى الإدراك الواعي.
أدرك إذن أنّي أفترض على ذاكرتي مختلف الافتراضات، وأراوح بين مجهول ومنسوب، وأسترسل لهذا مثلما أسترسل لذاك، وأكاد اثق أنّ أمور هذه الشّهادة لا تجري على أصول من المنطق والتّعليل. فالكلام على مدينة كالقيروان،لا يمكن أن يحسنه أو يجوّد أداءه إلاّ فنّان تشكيليّ يجعل المرئيّ مرئيّا، كما يقول بول كلي الذي زار القيروان في بدايات القرن الماضي. كتب في مذكّراته: » هنا ارتوينا من الشّاي،حتّى نهيّأ انفسنا لنكـتـشف ـ كما ينبغي ـ هـذه الأعجــوبة: القيروان… اللّون يتملّكني.لا حاجة أبدا للبحث عن كيفيّة الإمساك به. هو يتملّكني. أعرف ذلك.هذا Paul Klee,Journal,p.281-282 هو كنه اللّحظة السّعيدة:أنا واللّون شيء واحد.أنا رسّام »
لكأنّ القيروان ـ وأقصد تلك التي عرفت في طفولتي البعيدة ثمّ أوّل عهدي بالجسد ـ على وشيجة عجيبة بفنّ التّوريق العربي(الأرابيسك).وشيجة قد تحجبها غشاوة اللّغة وصور هذا العالم المتخيّل الذي أشحذه،فلا أنفذ إلى صميمها،وأخلص إلى دخائلها،وأقف على شوابك القرابة بين الشّكلين: المدينة والأرابيسك،إلاّ إذا أسعفتني لغة مرئيّة حيث الأشياء لا تحتاج إلى من يسمّيها.إنّما هي تقول ذاتها بذاتها. لغة تقلب السّمع بصرا، بتعبير أسلافنا القدامى. أجل! إنّي أكاد أستشعر بصفاء كبير لمح الصّلة بين الشّكلين، وأرى عناصر وأمشاجا،وصورا متداخلة متشابكة،تحكمها مواثيق اللّون والضّوء والظّلّ، وتملي عليها نظاما مخصوصا مظهرا وتكوينا.لكأنّ المدينة ضرب من زخرفة تزدحم فيها الأشياء،وتحتفل الخواطر. الشيء يجاور الشيء،ويدانيه حيث ينبغي له أن يجاور ويداني،ويعلوه ويباعده حيث ينبغي له أن يعلو ويباعد. ولكنّ هذه الأشياء التي تكاد لا تلبث على حال، تنتظم كلّها في عناقيد ضوئيّة متناغمة. على أنّ ما يقع في الظّنّ، لأوّل وهلة،أنّ أمورها إلى فوضى واضطراب غير يسير!
كانت المدينة في أواخر الخمسينات من القرن الماضي،أشبه بمتحف، محورها الجامع الأغلبي الكبير، وما يحفّ به من دور وكتاتيب ومدارس قرآنيّة ومساكن طلاّب،وشوارع وأزقّة مبلّطة تؤدّي كلّها إليه، ومنه إلى الحارات المغلقة والأبواب الثّلاثة الكبرى التي تفتح سور المدينة من الشّرق والغرب والشّمال. كانت الحياة تمضي رضيّة مذلّلة،والمدينة تؤدّي وظائفها التّقليديّة، ولكنّها تعيش حياة العصر أو ما يشبهها في »الحيّ الأروبي » خارج السّور،حيث كانت تقوم بضع مقاه وبارات(بار دومينيك ـ مقهى المحطّة ـ بار كاين ـ مقهى روك … لم يبق منها شيء.) وقاعة سينما يتيمة(سينما باريس،اضمحلّت هي الأخرى، وبنيت على أنقاضها قصر العدالة أو المحكمة) وكنيسة(تحوّلت إلى مكتبة عموميّة،ثمّ هدّمت ليبنى على أنقاضها مقرّ البلديّة). حيّ تقيم به بضع عائلات يهوديّة من أصول تونسيّة وأخرى فرنسيّة وإيطاليّة، وعائلات قيروانيّة من سكّان المدينة العتيقة. ثمّ بدأت هندسة عمياء تزحف على صورة هذا الحيّ، فتحوّلت بيوت إلى متاجر وحوانيت مرطّبات وأطعمة ثقيلة تفوح منها رائحة الزّيت المقلي، وإلى ورشات لإصلاح السّيّارات والعجلات المطّاطيّة،وأخرى للرّاديوهات والسّاعات اليدويّة. كانت أشبه بغرف منقورة في الصّخر،يكاد لا يمرّ يوم دون أن تباغتنا واحدة منها، وقد نقرت هنا أو هناك. كان النّاس يظنّون أنّهم يبنون مدينة فيما كانو يهدمونها.
اكتشفت مبكّرا علاقة خفيّة،لكنّها حميمة، بين المدينة ونسائها،هي علاقة المباغتة أو المصادفة. كانت المدينة،بمعالمها ودورها المتلاصقة ومعابرها المتعرّجة،تباغتني كالمرأة القيروانيّة،في معبر أو زقاق غير سالك.كنت أسير من باب الخوخة إلى باب تونس،إلى باب الجلاّدين،حيث الهواء السّاخن المعجون بندى اللّيل يمرّ فوق الأزقّة، ولا يهبط إلى الأعماق.أسير محفوفا بأشياء تتغيّر في كلّ لحظة،فلا أكاد أمرّ بمكان فسيح،حتّى أجد نفسي في زقاق ضيّق يتّسع كلّما تقدّمت فيه،ثمّ يعود فيضيق لينفتح على فناء أو ساحة أو حنفيّة أو مسجد أو مقام وليّ أو معبر مقفل. وبين الفينة والأخرى،تطلّ سماء لامبالية تسحب رحمتها بعيدا،أوامرأة هي خبز البيت القيرواني النّضيج، أو رائحة الحليب الفاغمة.وربّما أومأت ضاحكة إلى المعبر السّالك. الأشياء لا تشفّ عن روحها المحبوسة إلاّ إذا شاهدناها عن قرب و التحمنا بها بغتة!ومثلما يباغتنا مسجد أو مقام في زقاق ضيّق،فهو لم يبن لكي نشاهده عن بعد،كانت علاقتنا بتلك المخلوقات الأليفة قيروانيّات تمبكتو،كما صرت أسمّيهنّ فيما بعد. كنت أكره الرّؤية اللاّنهائيّة في المدن العصريّة حيث الشّوارع تبدو لي مستطيلة أبدا،والضّوء يجري في خطوط مستقيمة والظّلال مسطّحة.إنّما كنت أحبّ لبصري أن يجوس في فضاء انسانيّ،في خطوط عموديّة أو منكسرة أو منحنية مائلة،كلّما انغلق زقاق أو انعطف. لذلك وجدتني حرّا في المدينة العتيقة رغم أسوارها،أسترسل لغوايتها وأتقبّل ما تعدّه من مفاجآت!
أرى المشهد كما لم أره من قبل أو كما في ذلك الحلم البعيد: سقيفة منكسرة منعرجة قليلا، فليس للعين أن تخترق الحرمات أو أن ترى الأشياء رؤية مباشرة. حجرات ثلاث تطلّ على الصّحن.أكان صحنا أم بئر ظلّ وضوء وهواء؟ على أنّي لا أحتفظ إلاّ بذكرى الحجرة الشّماليّة، وقد انطفأت أصوات الشّارع،ف »السّفلاني » ذاك التّراب المعجون بالرّماد المخلوط بالحجارة يؤمّن للصّمت أن يبني بيته في الأقباء والمطامير المحفورة تحت الصّحن والأهراء أو بيوت المؤونة وفي السّقوف المدهونة والجدران الملبّسة بالخزف.(لم يكن بيتها مثل بيتنا المغطّى بالعرعار المستجلب من جبال الجزائر. ولا أقباء في بيتنا ولا حجرة علويّة للضّيوف،فكان أولئك البدو من أهلنا،يقاسموننا أنا وأخوتي ـ كلّما زاروا القيروان ـ حجرتنا الغربيّة الضّيّقة، أو ينتشرون في الصّحن، أو يتكدّسون في بيت المؤونة بين أكياس القمح والشّعير والحمص والفول وخوابي الزّيت وقوارير العسل ومربّى التّين الشّوكي…) كأنّني أجتمع عليّ وأرى المشهد كما لم أره من قبل،حيث السّماء في بيتها مزق من زرقة صافية أحيانا،وآونة داكنة،تسحب رحمتها بعيدا.وقد يطيب لها أن تنهلّ في الصّحن حيث نافورة الماء سماء أخرى مضمرة. حيث الشّمس تتكسّر على المشربيّة المكوّرة وتتشظّى في زوايا الدّار. حيث تنهّدات الصّحراء صحراء الجنوب تصطدم في بيتها بملاقف الهواء،فتروض وتبرد وتهبط إلى الحجرة الشّماليّة،حتّى إذا سخنت ثانية ولّت وانسربت من الفتحات العليا.
« كأنّ البدويّ الصّغير لم يوقن! سيعود ثانية ويرى! » مرّة في طفولته البعيدة،أخذت أمّه بيده،واقتادته إلى مقام أبي زمعة البلوي(حلاّق النّبي). تشبّثت هي بالمقام،وتسلّل هو قرب التّابوت يدسّ في طربوش برنسه أصابع شمع وحبّات ودع. مرّة والوقت عتمة،ونجمة الرّاعي تستأذن بالانصراف،سمع أصواتا تحملها الرّيح. كانت تدنو ثمّ تبعد.تعلو ثمّ تنخفض. ترتطم بأذنه ثمّ تتلاشى،لتعود محمّلة بروائح بخور عتيق. ودون أن يشعر اندفع في الطّريق الخالية إلاّ من أشجار الكاليبتوس. كانت الأصوات تتّضح،وروائح البخور تحتدّ. اقترب محتميا بشجرة كاليبتوس ونظر:حلقة من الرّجال والنّساء يطرقون برؤوسهم إلى الأرض،ثمّ يرفعونها. اللّيل مقمر مشوب بضوء الشّموع،يبدو كما لو أنّه بستان مشمس! تتقلّص الحلقة.تنطفئ الأضواء.يترسّب البخور في الرّئتين،وينفتق اللّيل كالقـنّب الوحشي. يهتزّ المقام.تختلج الدّفوف،ويستنبت الجسد المأخوذ جناحين.يعرج المقام.تشتعل الشّموع. تنحلّ الحلقة. تهدأ الدّفوف. رجل منطرح أرضا.يتقدّم السّيّد.يهمس في أذنه. تضرب الدّفوف.يتلوّى الرّجل ثمّ ينتصب، ويظلّ يدور ويدور!
(أدور بعد هذا الزّمن،من باب الخوخة إلى المقبرة الهلاليّة،إلى باب تونس،إلى باب الجلاّدين،إلى ربط الصّفيحة. لاشيء غير قباب متصدّعة،انبجست في شقوقها أعشاب وحشيّة،غير أبواب تعروها خضرة ناصلة وشبابيك متربة.أرفع رأسي إلى أحدها.كان مغلقا.وأسأل:ماذا لو فتح؟ أعرف. ستطلّ أخرى لا أعرفها!)
كأنّك لم توقن بعد هذا كلّه! ولكنّك لا يمكن أن تنسى الرّبع. صحيح أنّ القيروان تغيّرت كثيرا، ولم يعد الرّبع كما كان أوّل عهدك بالمدينة.كان سوقا تجاريّة بالنّهار،حتّى إذا أقبل اللّيل تحوّل إلى خمّارات مغلقة،ومجالس شعر وأدب،تعمرها فرق الموسيقى والإنشاد الصّوفي.
كان عمّي أوّل من اصطحبني إليه في ليلة قائظة من صيف 1966.كان المنشدون متحلّقين في وسط الدّار يؤدّون »التّعطيرة »: »عطّر اللّهمّ قبره الكريم بعرف شذى… »وقد انتصبت على مائدة تتوسّطهم كؤوس الأنيزات. واليوم يساورني شكّ أهي دار أم مقام؟ أتذكّر جيّدا أنّ ذلك المكان (ربّما سقيفته أو حجرته المستطيلة) كانت تكسو بلاطه الزّرابي القيروانيّة،وتتدلّى من سقفه ثريّات ومصابيح نحاس، وفي وسطه تابوت أخضر. قال عمّي إنّه قبر فارغ.وعندما سألت:وأين ذهب صاحبه؟ قال ـ وهو يضحك ـ: إلى الجنّة!
كان التّابوت محوطا بسناجق ومباخر وشمعدانات وربّما مقصّ وملقط فحم ومشرط حجامة وأشياء أخرى لا أتذكّرها. وفي ركن خزانة كبيرة تتكدّس فيها المخطوطات. كان الشّيخ ينشد: « لكم مههجتي والرّوح والجسم والقلب… » وكان عمّي يهمس في أذني مزهوّا بمعارفه الموسيقيّة: هذه نغمة راست الذّيل! وهذه نغمة النّوا! انتبه!هو الآن ينزل إلى لبقرار! هذه نغمة الإصبهان!إنّها قفلة وقتيّة!سيعود إلى درجة الكردان والرّاست! إنّه يمهّد لنغمة الأصبعين! ثمّ بعد صمت:انتبه! هاهو يعود من حيث انطلق ليقفل براست الّذيل!
من أين تأتي كلّ هذه الصّور المطمورة؟ من ينبّه رواقدها؟ متيقّن الآن أنّ ذاكرتي تجعلني أشبه بتاجر مفلس يقلّب النّظر في دفاتره القديمة،غير أنّ دفاتري أنا غير مكتوبة ولا دين لي على أحد،وما خلته ضاع منّي، كان بانتظاري!
الفضائية اللبنانية: نحو جمهور المغرب العربي
بيروت – الحياة
واضح ان الفضائيات العربية تتجه عملياً نحو استقطاب جمهور المغرب العربي، بعد سنوات من القطيعة مع مشاهد جذبته القنوات الأجنبية، خصوصاً الفرنسية والإسبانية.
اذ بعد خـطوة «الجزيرة» في إطلاق نشرة إخبارية موجهة لدول المغرب العــربي، أعــلنت «الفضائية اللبنانية» (أل بي سي) إطلاق مشروع قناة خاصة تــتـــوجه إلى الجمهور العربي في تونس والجــزائــر والمغـــرب، مــطلع الشهر المقبل.
وأفـاد بـيـان المحـطة «أن هذه الخـطـوة جـاءت كبادرة طيبة لحسن التواصل مع أبناء هذه المنـطقة». كما ان الهــدف منــها، وبـحسب القـيميـن على المحطة، «تلبــيــة رغبــات ومتــطلبات الجمهــور والمشاهد العربي في أقطار العالم العربي كافة».
من هنا كان من الضروري «مخاطبة مشاهدي المغرب العربي لما تتميز به هذه المنطقة من طاقات مهنية وإبداعية راقية، تشكل جسر عبور لحضارتنا العربية عبر العالم الغربي».
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 23 أكتوبر 2006)
مصرف «بي أن بي» الفرنسي يتوسع مغاربياً
تونس – سميرة الصدفي
أكـــد مسؤول كبير في مصرف «بي أن بي باريبـــا» الفـــرنـســـي أن المصرف وضــع خطة لفتح 130 فرعاً جديداً السنة المقبلة، ما يرفع شبكة الفروع في منطقة شمال أفريقيا وتركيا إلى 650 فرعاً، وهي أكبر عملية انتشار لمصرف تجاري أوروبي في المنطقة.
وصرح جان جاك سانتيني أحد كبار المسؤولين في المصرف الى «الحياة»، على هامش زيارة لتونس، أن المصرف يدير حالياً مفاوضات لشراء مصرف «القرض الشعبي الجزائري».
وكان أول مصرف تجاري مغاربي اشتراه «بي أن بي باريبا»، هو «الاتحاد المصرفي والتجاري» التونسي، لكن سانتيني أوضح أن المصرف يملك 34 فرعاً في مصر، ما ساعده على فتح 20000 حساب مصرفي منذ مطلع العام الحالي. وأكد أن مصر تحظى بالأولوية، إلى جانب الجزائر، في خطة الانتشار المتوسطية. وأضاف أن المصرف سيشارك في العروض المخصصة لشراء «القرض الشعبي الجزائري».
وأعلنت مصارف أميركية وألمانية وإيطالية وفرنسية وبريطانية عن رغبتها بشراء المصرف الذي يسيطر على أكثر من 12 في المئة من السوق المحلية، ويملك 140 فرعاً في الجزائر.
يُذكر أن مصرف «بي أن بي باريبا – الجزائر» الذي انطلق عام 2002، يملك حالياً 24 فرعاً ويسيطر على 1.5 في المئة من السوق، في بلد يملك فيه القطاع العام 95 في المئة من المؤسسات المصرفية، وقدر سانتيني حجم الإنتاج المصرفي لـ «بي أن بي باريبا – الجزائر» بـ30 مليون يورو.
وفي السياق نفسه، يركز الفرنسيون على تركيا حيث يفتتح مصرف «بي أن بي باريبا» 60 فرعاً جديداً، وهو يخطط للوصول إلى 300 فرع في 2008، ومن ثم التقدم إلى الرتبة السابعة بين المصارف المحلية. وأوضح سانتيني أن خطة الانتشار المتوسطية للمصرف تشمل جميع البلدان العربية المطلة على هذا البحر، بما فيها ليبيا التي ما زال جهازها في قبضة القطاع العام.
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 23 أكتوبر 2006)
سكان مقديشو يستمتعون بأول عيد في ظل الإسلاميين
مقديشو (رويترز) – لا يذكر مودي محمد وهو يتنزه على الشاطيء شمال شرقي العاصمة الصومالية مقديشو انه استمتع يوما بعيد الفطر بهذا القدر.
فطوال الخمسة عشر عاما الماضية كان محمد وعائلته يحتفلون بنهاية شهر الصوم داخل منزلهم حيث كانوا يخشون الخروج من البيت خوفا من ميليشيات امراء الحرب.
لكن المسلحين الذين اعتادوا ابتزاز المال من السكان الفزعين عند نقاط التفتيش ويقتلونهم احيانا اختفوا حيث طردتهم القوات الاسلامية التي استولت على مقديشو في يونيو حزيران.
وينتقد بعض الصوماليين حكام العاصمة الجدد لتزمتهم الا ان كثيرين ينسبون اليهم الفضل في تحقيق قدر من الاستقرار بالمدينة التي كانت عنوانا للفوضى.
وقال محمد وهو يسير على شاطيء الليدو بصحبة ابنائه الثلاثة « كنا نحتفل بالعيد في البيت خلال فترة حكم امراء الحرب. فقد كان من المستحيل الخروج للاستمتاع بالعطلة. »
واضاف البحار « كانت الحياة جحيما على الارض في عهد امراء الحرب. لا يمكن مقارنة ذلك بحكم الاسلاميين الان. فمن قبل لم نكن نستطيع ان نأتي الى الشاطيء مع اطفالنا بملابسهم الجديدة خوفا من ان تجردهم الميليشيات من ملابسهم. »
وقام المئات من الصوماليين بالتسوق في هدوء في شوارع مقديشو التي تبدوا عليها اثار المعارك يوم الاثنين واشتروا الهدايا والبسكويت قائلين انهم لم يسبق ان احتفلوا بالعيد في مثل هذا الهدوء.
ومثل محمد تدفق كثيرون الى شاطيء الليدو للسباحة ولعب كرة القدم فوق رماله الناعمة البيضاء. وتظاهر الاطفال باطلاق الرصاص بعضهم على بعض بمسدسات للعب.
وقال عبد القادر عثمان « هذه اول مرة اتي فيها مع عائلتي الى الشاطيء مع اننا نعيش في مقديشو. »
وقال وهو يحمل طفلته الرضيعة وزوجته وطفلاه الاخران يمرحون في مياه المحيط الهندي الدافئة ان الجرائم البسيطة اصبحت نادرة في ظل حكم الاسلاميين.
وقال « تركت سيارتي للانتظار بعيدا لكن لن يلمسها احد. اننا نستمتع بالفعل بهذا العيد. والسلام امر طيب بحق. »
ومع ذلك بعض الصوماليين من ان الاسلاميين يتعدون على حريتهم قائلين ان جنود الحركة كثيرا ما يقومون بدوريات على الشاطيء الطويل ويضربون بالسياط من يرون انهم تصرفوا بطريقة غير اخلاقية.
وقال افرح محمد (15 عاما) « الجنود الاسلاميون يضربون اشخاصا بالسياط بين الحين والاخر اذا وجدوا انهم يسيئون السلوك على الشاطيء. »
من جوليد محمد
(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 24 أكتوبر 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)
الهزيمة والمأزق
الياس خوري
امريكا هزمت في العراق.
فالحرب التي بدأت كذبة موصوفة، تترنح اليوم باحثة عن نهايتها عبر هزيمة مدوية. الصلافة والعجرفة والحمق التي قادت جورج دبليو بوش الي الحرب، تقوده اليوم الي الهزيمة. امريكا تشرشحت والخطاب العصابي الذي صنعه امراء الظلام في البيت الأبيض، فقد كل معانيه. الديموقراطية وحقوق الانسان وتحرير العراق من الديكتاتورية، تهاوت امام العهر اللاأخلاقي الذي صنعه برنارد لويس وتلامذته الصغار. كنعان مكية توقف عن الرقص علي ايقاع القذائف وفؤاد عجمي لم يعد يجد ما يقوله، والي آخره. سفهاء الخطاب الحربجي الذين اتوا من وراء حجاب الكلام المكرر والتافه، لن يجدوا امامهم اليوم سوي التذكير بأن المشكلة كامنة في عدم قدرة العرب علي التأقلم مع قيم الحداثة. كأن الحداثة ليست سوي النهب والفظاظة والاستعلاء واهانة الروح.
امريكا هزمت في العراق. المحافظون الجدد الذين استولوا علي عاصمة الامبراطورية الامريكية لم يكونوا سوي مجموعة من الحمقي. غرور رامسفيلد وجنون تشيني لا يوازيهما سوي الحمق وقلة الذكاء والغرغرة الدينية الكابوسية عند الرئيس الامريكي الذي بدا كالمعتوه وهو يحط بطائرته الحربية علي حاملة الطائرات معلنا نهاية حرب لم تكن قد بدأت بعد. هزمت امريكا واشتغلت عند عدوها الايراني من دون ان تدري، وحولت القاعدة الي تنظيم دولي مهاب، وفرطت عظام العراق.
لم يكن من الممكن للغباء والادعاء حين يجتمعان سوي ان يقودا الي هذه البهدلة والبلبلة. واذا افترضنا جدلا ان امراء الظلام صنعوا اجتياح العراق من اجل خدمة اسرائيل، فان الغباء يكون قد وصل بهم الي مستويات لا سابق لها. اذ لم يسبق لاسرائيل ان سكرت بالقوة مثلما فعلت بعد اجتياح العراق، مما قادها الي حماقة حرب تموز في لبنان، حيث تلقت ضربة عميقة في معنوياتها العسكرية، والتحقت بالبهدلة التي يتعرض لها حليفها الامريكي.
لم يعد يفصلنا عن اعلان الهزيمة سوي الهزيع الأخير من هذا الليل الامريكي الدموي. لم يعد امام الولايات المتحدة من مخرج سوي الخروج من العراق. مهما قالوا او فعلوا، فإنهم ذاهبون من هنا اليوم قبل الغد وغدا قبل بعده. فلقد انتهت اللعبة الدموية بالدم، وفقدت امريكا هيبتها وسطوتها، وثبت ان التفوق التكنولوجي لا يصنع نصرا. ولكن هل تعني هزيمة امريكا انتصار العرب او انتصار العراق؟
هذا هو السؤال الذي نخشي الاجابة عليه، لا لأننا لا نعرف الجواب بل لأننا نعرفه. هزيمة المحتل قد لا تعني انتصارا عربيا، بل قد تعني هزيمة عربية. وهنا تكمن المفارقة الاستراتيجية التي تجد المنطقة نفسها اسيرة لها.
ان قراءة الوضع الداخلي العراقي، رغم ندرة المعلومات تشير الي احد احتمالين:
الحرب الأهلية او/ والتقسيم. والواقع ان الحرب الأهلية والتقسيم هما احتمال واحد. اذ يصعب تخيل تقسيم سلمي علي الطريقة التشيكوسلوفاكية. بل اغلب الظن اننا امام احتمال يوغوسلافي في وحشيته وضراوته. بل ان الاحتمال اليوغوسلافي قد يكون اشد رحمة من حرب اهلية عراقية قد تكون مقدمة لانفجار الوضع برمته في المشرق العربي. والسؤال هو عن احتمال ثالث لا يزال غائبا ولا نعثر علي علاماته. لماذا لا يوجد احتمال ثالث، كأن يخرج العراق من نكبة الاحتلال موحدا وديموقراطيا؟ هل ترتبط المسألة بالتيارات الاصولية التي ورثت الحركة الوطنية؟ هل يقود عبور التجربة الاسلامية الي حرب اهلية حتمية؟
قد تضيء التجربة الجزائرية المريرة جزءا من الجواب. نجاح الاسلاميين في الانتخابات الجزائرية قاد الي حرب طاحنة. غير ان المقارنة بالعراق ليست دقيقة، فالحرب خيضت بين الجيش الجزائري والاسلاميين، وفي داخل اجهزة السلطة. اما في العراق فلا وجود لجيش نظامي، كما ان عامل الانقسامات الطائفية والقومية قد يفضي الي كارثة اجتماعية لا يعلم احد كيفية الخروج منها. الحرب سوف تكون اهلية بالمعني الحقيقي، ومثلما علمتنا التجربة اللبنانية، فانها لن تقتصر علي الصراع بين الطوائف، بل سيمتد الصراع الي داخل كل طائفة، وسوف يكون المشهد كناية عن مسلسل وحشي من الفوضي. هل هذا ما سعت اليه الادارة الامريكية؟ ام جاء الأمر علي هذا الشكل نتيجة الحمق؟
اذا كان الجواب علي هذا السؤال غير واضح، فإن الواضح الوحيد هو ان التفكك الاجتماعي كان مشروع الديكتاتورية. الأنظمة الديكتاتورية الوراثية في المشرق العربي لا تقدم لشعوبها سوي الخيار بين الديكتاتورية والحرب الأهلية. وهذا سر بقائها الي الأبد . تجلس علي قمة هرم اجتماعي محطم، لا يجد لحمته الا في آلة القمع العسكرية. سقوط هذه الآلة سوف يعني انفلات الغرائز، لأن جميع مؤسسات المجتمع الاهلي تمت تصفيتها علي ايدي النظام. هذه المعادلة الكارثية تهيمن علي حياتنا منذ عقود، واتي الغزو الامريكي ليزيد الامور تعقيدا وتعاسة. بحيث يجد العراق نفسه عاجزا عن استثمار هزيمة المحتل، لأن المحتل ورث معادلة الديكتاتور ولكن من دون قبضته الداخلية الحديدية.
العراق اليوم في المأزق، ولا سبيل الي خروجه من الكارثة الا عبر اعجوبة وطنية. هل ولّي زمن الاعاجيب؟ واذا كان الامر كذلك، فهل انتهي العقل؟ العودة الي العقلانية ليست سهلة، لكنها قد تكون الطريق الوحيد كي لا تكون هزيمة امريكا في العراق الوجه الآخر لهزيمة العراق.
(*) كاتب لبناني
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 24 أكتوبر 2006)
قراءة في كتاب « الخوذة والعمامة » : الاحتلال الأمريكي وموقف المرجعية الدينية في العراق عمليات نهب خيالية. سرقات للثروة وللتاريخ والذاكرة. ولص بغداد بريمر سمح للاسرائيليين بالدخول
سفاح في ابو غريب وضباط فرق الموت في فيتنام وامريكا اللاتينية يدربون فرق الموت الجديدة في الداخلية والدفاع
عرض: محمد العبد الله (*)
من المؤكد أن هناك جملة من الأسباب تشجع القاريء المهتم والمتابع للوضع العراقي، علي الدخول في عالم الدراسة التي نشر فصولها الكاتب، بشكل متفاوت زمنياً، كمقالات سياسية / تحليلية، ساهمت في إضاءة العديد من الجوانب الخفية التي رافقت الغزو، ونتجت عنه. يبدو في مقدمة الأسباب، التي حفزتني للكتابة حول هذه الدراسة، أن الباحث بالرغم من امتلاكه لكل أدوات التحليل والاستنتاج العلمية، التي استرشد بها في المئات من المقالات والدراسات المنشورة، والكتب التي ساهمت بإغناء المكتبة العربية في المجالات المعرفية المتنوعة عن أوضاع العراق السياسية / الاجتماعية تحت الاحتلال، وفي التاريخ والأساطير ـ مرفق بعض عناوين الكتب ـ، فإنه واحد من المناضلين العراقيين الوطنيين والقوميين والأمميين الذين رهنوا عمرهم في خدمة قضية الحرية. فاضل الربيعي تنقل في مواقع ومناطق عديدة، لكن بوصلته لم تتغير، إنه الحالم بوطن حر وشعب متحرر.
في متابعة ورصد الأحداث الجسام التي عصفت وما زالت بالعراق، علي امتداد سنوات الحصار الدولي الظالم، الممتدة علي أكثر من عقد من الزمن، وصولاً إلي الغزو الوحشي الذي بدأ في العشرين من آذار (مارس) 2003، ولم ينته في التاسع من نيسان (ابريل) لنفس العام، والذي شهد احتلال عروس المدن العربية ومركز الإشعاع الحضاري، مدينة السلام بغداد . تأتي هذه الدراسة لتقدم للقاريء صورة الوضع الراهن، عبر عملية تحليل العلاقة المركبة والمندمجة حيناً، المتنافرة والمتصارعة حيناً آخر، بين القوي الاجتماعية / السياسية الدينية بتعبير عمامتها التي تختزل في تلافيفها أسراراً وأحلاماً. وقوي الغزو العسكرية، من خلال دلالة خوذتها التي تخفي سلوكاً وثقافة ورغبات، أنشأتها وطورتها رؤي استعمارية، استعلائية، عنصرية استطاعت أن تعيد إنتاج رؤاها داخل قوي ورموز محلية، تعيش غربة المكان وتتخيل إمكانية التماهي مع الآخر المتمايز، القادم من وراء الحدود والبحار … إنه العدو ـ كما يراه غالبية أبناء الوطن ـ الدراسة تتوزعها خمسة فصول، يتقدمها المدخل وتُغلق خاتمتها بضع صفحات من الوثائق والشهادات المكتوبة.
منذ البداية، وفي المدخل، نجد أنفسنا أمام لوحة تحتشد فيها الصور الرمزية، كتعبير عن البشر وعن تطور الأحداث، فهو يقدم لنا الاحتلال للعراق، في أحد أوجهه، كما لو كان عنيفاً وساخراً، من صراع دار في أكثر لحظاته صخباً، بين الرموز لا بين البشر، وبين الثقافات لا بين الجيوش، فقد ارتدي المتحاربون منذ التاسع من نيسان (ابريل) أزياء الماضي، واســـتلهموا قصصه ودروسه. لقد استحضر الباحث التاريخ القديم للصراع علي بغداد، العاصمة والحاضرة العربية الإسلامية، فالخوذة الحديثة هي امتداد في المضمون ـ وإن اختلف شكلها ـ للغزاة القادمين من الشرق علي ظهور خيولهم، الذين زرعوا الموت في المدن، وحولوا مياه دجلة إلي سيول من الدماء الممزوجة بالماء والرماد. علي الجانب الآخر، وقف العربي المسلم، بكوفيته وعمامته، حامياً لأرضه وكرامته، واجه الغرباء بكل ما اختزنته حياته من صلابة وتحد.
لقد عَبّرَت الخوذة والعمامة، رغم التماثل الظاهري بينهما خارج عالم الرموز عن نوعين من القوة، واستطاعتا أن ترسما جزءاً هاماً من المشهد التاريخي، من خلال تحالفهما أو صراعهما علي حد سواء … إنه التقابل بين قوة الدين وقوة الدولة. في التاسع من نيسان (ابريل) 2003 استحضر العراقيون التاريخ، عادت أحداث ربيع 1917 حية أمامهم! ليكتشفوا أن الغزاة الجدد، هم النسخة المعدلة شكلاً عن الاحتلال البريطاني حينها. لقد تماهت تماماً أفكار وأحلام الرؤوس التي حملت الخوذة وإن اختلف شكلها وطبيعتها. علي الجانب الآخر كان يتكرر الامتداد المنطقي والطبيعي للصورة الأخري الواقعية. الشيخ الشيعي جواد الخالصي هو تجديد التواصل مع الأب والجد اللذين واجها المحتل، والشيخ السني حارث الضاري لم يكن سوي حفيد الشــــيخ ضاري المحمود الظاهر شيخ عشائر زوبع، وقاتِل الجنرال البريطاني لجمن .
إنه المشهد ذاته يزدحم من جديد بالأحفاد والأجداد والآباء مرة أخري علي ضفتي النهر نفسه، وداخل الإطار نفسه للحدث الهلعي.
عمـائم وبنـادق
أدخل الاحتلال الأمريكي / البريطاني مكونات المجتمع كلها بنمط جديد ومتشابك من العلاقات الداخلية القابلة للانفجار في كل وقت. بمعني آخر، أدي ذلك الغزو إلي انهيار العقد الاجتماعي القديم الذي بني عليه المجتمع. ولهذا لم تنهر المؤسسة / الدولة فقط، بل أفضي كل ذلك لخلخلة الأسس المتعارف عليها في التعايش التاريخي بين الطوائف والمذاهب والاثنيات. إن انفراط عقد الدولة أدي إلي نفخ الهواء علي رماد التعارضات والخلافات، التي ساهمت الدولة بكل الطرق باحتوائها من خلال نزع فتيلها المتفجر. لقد ساهم المحتل عبر أدواته، بالعبث بهذا العقد، وجاءت أحداث كركوك المؤلمة بعد ثمانية أشهر من الغزو، لتكون البروفة / النموذج الذي يمكن تعميمه.
مع غياب مؤسسات الدولة، اهتزت أسس البناء الاجتماعي الذي قامت الدولة بعملية ضبط توازناتها لسنوات عديدة، وبالرغم من الصورة النمطية، غير الحقيقية، التي كرسها الإعلام الغربي المعادي ـ فوكس ميديا وملحقاتها ـ عن وجود كتلتين مضطهدتين تاريخياً شيعة الجنوب و أكراد الشمال استطاعت الدولة الديكتاتورية من خلال عملياتها العنيفة، من وضع آلية مستمرة لضبط التوازنات، وتهدئة الأوضاع. وإذا كان هذا هو تفسير القوي الخارجية المعادية لتبرير صورة الاستقرار الداخلي، الذي تعرّض لخضات عنيفة، لم تؤد إلي تدميره، فإن ما قام به المحتلون من تفكيك لبنية المجتمع، وهتك نسيجه المتشابك والمتداخل، عشائرياً ومذهبياً، قد أعاد العراقيين لما قبل قيام الدولة الحديثة عام 1921. مع الحركة العنيفة التي لحقت بأسس التعايش، برزت موجة جماهيرية جديدة، قدمت نفسها للمجتمع بأسره، علي انها تمتلك عقيدة خلاصية مجربة … إنه الإسلام في قراءته الشيعية. وقد أشاع هذا الاندفاع السريع لهذه الكتلة عبر رموزها مرجعيات، أحزاب ذات ميليشيات مسلحة خوفاً وقلقاً لدي الطوائف والمذاهب والاثنيات الأخري.
يضيء الكاتب الجوانب المظلمة التي شهدتها حالة التنافر التي حكمت العلاقة بين الحوزة العلمية في النجف، والأحزاب الدينية الشيعية، مشيراً بذات الوقت إلي دور الحوزة في رعاية وانطلاقة حزب الدعوة، التي وفرت له كل الدعم الروحي والمادي، ليشكل الجدار الصلب في مواجهة الأحزاب الشيوعية والقومية العروبية التي تعاظم دورها، واتسعت دائرة عملها بين الجماهير الشيعية. وإذا كانت الحوزة والأحزاب قد لعبت هذا الدور التوافقي أو التنافسي علي كسب ولاء جماهير الطائفة، لأن الدور الذي لعبته إيران ـ وما تزال ـ لم يعد خافياً علي أحد. فمشاركة المجلس الأعلي الحكيم وحزب الدعوة الجعفري في مجلس الحكم لم يكن تعبيراً عن إرادة الشيعة أو الحوزة في النجف، بمقدار ما كان التنفيذ الفعلي للإرادة الإيرانية، وهنا يستدعي الباحث التاريخ القريب، ليقيم المقارنة بين مظاهر التعاون والولاء للمحتل البريطاني، كما عبر عنها تيار المجتهدين بين علماء النجف بداية عام 1919 لينقل الصراع باتجاه العراقيين السنة، حول قيام دولة شيعية، بدلاً من وحدة الجميع في مواجهة المحتل. ومقاربة كل ذلك مع الموقف الصامت، المهادن، الذي يحكم علاقة المرجعية /الحوزة بالوجود الأمريكي/ البريطاني، بالرغم من أن هذه العلاقة كانت قد شهدت في العامين الأولين من عمر الغزو توتراً واضحاً، لتنتقل بعدها إلي حالة من التناغم مع الإجراءات التي أنشأها المحتل.
في ظل كل هذه التطورات العاصفة في بنية الطائفة الشيعية، دينياً وسياسياً يحدد الكاتب ظهور أربع تيارات ستحدد راهناً ومستقبلاً، حجم الانقسامات التي ستمر بها هذا الكتلة الجماهيرية الواسعة: ہ تيار الحوزة الدينية العلمية في النجف الذي يستمد قوته من الطاعة التقليدية للمرجعية داخل شرائح واسعة طلاب، تجار، موظفين، شيوخ عشائر . ہ تيار الشيخ مقتدي الصدر، الذي شرع بتأسيس ميليشيا مسلحة له جيش المهدي . يتكون في غالبيته من شرائح شبابية مهمشة، فقيرة ومعدمة، تنتشر داخل الأحياء الفقيرة في المدن، وضمن أحزمة البؤس المحيطة بالمراكز السكانية الكبري. ہ تيار المجلس الأعلي الذي اعتمد علي ذراعه المسلحة فيلق بدر في فرض وجوده وهيبته، وقد تأسس ونما داخل الجماعات المنفية ـ سابقاً ـ في إيران، ولهذا تأثر كثيراً بالنموذج الذي أقامته طهران. ہ تيار حزب الدعوة، وهو الحزب التاريخي للشيعة، لكن دخول قياداته في التكتيكات الانتهازية/ المصلحية أفقده تأثيره داخل الجماهير الشيعية. واستناداً لهذا التحليل ، يتوصل الباحث إلي استنتاجات أولية، تنــــطلق من تحليل مبكر موضوعي وعلمي، للسيــــاقات التي يمكن أن تندفع إليها الأوضاع المتفجـــرة داخل الكتلة الواسعة، بفعل التأثير الإيراني الكبير دور المجلس الأعلي أو بالعودة أخيراً للاستظلال بخيمة المرجعية داخل البيت الشيعي مقتدي الصدر … نموذجاً .
تكتيك الهروب من كابوس الشرق الأوسط الجديد
لم يستطع الاحتلال أن يحقق الحلم/الخديعة بأن يكون العراق الجديد هو النموذج لتحقيق فكرة الديمقراطية في المنطقة. فقد تحول الحلم إلي كابوس من الفشل المتلاحق أقضّ مضاجع الإدارة الأمريكية وحلفائها، فعشرات الآلاف من القتلي والجرحي من العسكريين والمتعاقدين الذين تنقلهم الطائرات الأمريكية والبريطانية للقبور والمشافي، دلل بما لا يقبل الشك علي غوص المحتلين في رمال متحركة، لن تتوقف عن ابتلاعهم يوماً بعد يوم.
ويلاحظ الباحث أن احتلال العراق فضح المتغيرات الهائلة في علاقات القوي الدولية، وكشف عن تبدلاتها الشاملة. لقد أكد النموذج العراقي بعد 9 نيسان (ابريل) علي ظهور سياسة استعمارية جديدة تتبعها الإمبرياليات الصاعدة في العالم، انطلاقا من هيمنتها علي المنظمات الدولية، لتحويلها إلي أقسام تابعة إلي وزارة الخارجية الأمريكية التي ترسم السياسة الكونية في عصر القطب الأوحد.
كما يعتمد الكاتب في تحليله علي ما كتبه المفكر سمير أمين قبل عقد ونصف تقريباً من احتلال العراق، فقد جاء كتابه إمبراطورية الفوضي ليشير بوضوح إلي أن مشروع الولايات المتحدة للسيطرة علي العالم في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي، سوف يتبلور كخطة شاملة للسيطرة علي الكوكب، وأن هذه الدولة ستتحول إلي دولة مارقة علي القانون الدولي، خاصة مع تحكم عصابة المحافظين الجدد بالقرار السياسي/ العسكري / الاقتصادي داخلها. وهنا يكشف الباحث بعين المؤرخ، الدلالة الحقيقية لكلمة فوضي ، إنها العقيدة من حيث كونها مصدراً للخلق الجديد الواردة في التوراة عن الخلق والعالم والتاريخ البشري. ولهذا فإن هذا التاريخ يبدأ في التوراة من السنة صفر . لقد كرر جنود الغزو وفي أكثر من مكان، ترداد كلمة صفر في إجاباتهم علي تساؤلات المواطنين وهم يتابعون حجم السرقات وعمليات النهب للمؤسسات والممتلكات، وسلبية المحتلين في كبح جماح الغوغاء.
لقد امتدت عمليات النهب إلي خارج المتخيل، فالسرقات لم تتوقف عند الثروات المادية، بل حاولت ـ عبثاً ـ أن تنال من التاريخ والذاكرة المتوقدة ـ فكل المحاولات فشلت في ترسيخ يوم الاحتلال المشؤوم، التاسع من نيسان (ابريل)، كمناسبة وطنية يحتفل فيها العراقيون. كما تلاشت المحاولات البائسة لتغيير العلم الوطني، واستبداله بقطعة قماش تتماثل في دلالات لونها وشكلها مع رمز دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين. وبهذا الجانب يؤكد الباحث أن جهود الحاكم الأمريكي لص بغداد بريمر، أثمرت عن إقرار قانون الاستثمار الذي يتيح للمستثمرين الإسرائيليين شراء كل شيء داخل العراق ممتلكات القطاع العام، المنازل، الأراضي الجيدة ، إنها الفوضي كأداة للنهب.
سيناريو الخروج … جدولة الهروب ومحو الهزيمة
يتوصل الباحث إلي قراءة أولية للمشهد الراهن، عبر التأكيد علي أن انهيار الاحتلال الأمريكي/ البريطاني أصبح أمراً متوقعاً وقريباً. فكل الدراسات التي قامت بها مراكز الأبحاث المتخصصة أكدت أنه لا بد من أن تتوجه الإدارة الأمريكية لتحديد جدول زمني لانسحاب تدريجي، والتأكيد علي استبعاد فكرة إقامة قواعد عسكرية طويلة الأمد. وإذا كانت مسألة البقاء أو الخروج تتراوح الاستجابة لها، ما بين الاستمرار في الوضع الراهن أو الهروب من الكابوس، فإن دفع المجتمع إلي خيار الحرب الأهلية، من أجل تعريق الصراع سيكون الكي الذي ستعالج فيه قيادة الاحتلال الوضع الصعب. ولهذا تسعي إدارة البيت الأبيض إلي نقل الصراع والتصفيات التي تنفذها أحزاب الطائفية السياسية البغيضة إلي الطوائف والمذاهب الأخري، كخطوة علي طريق تخفيف العمليات الموجهة ضد المحتل. وقد فات الأمريكيين أن هذه الجرائم التي تمارسها العصابات المسلحة من الميليشيات المرتبطة بالبنتاغون والسي آي إيه والموساد، لن تؤثر علي القدرة القتالية للمقاومة الوطنية العراقية التي تقاتل المحتلين وعملائهم، بغض النظر عن الطائفة والمذهب والقومية.
التحديات الراهنة أمام مقتدي الصدر
يتوقف الكاتب في هذا الفصل الأكبر حجماً أمام الحالة الجماهيرية الواسعة التي يقودها الشيخ الشاب، ولذلك نجده يحدد البيئة التي نشأ فيها التيار، كمقدمة لمتابعة رصد تطوره الموضوعي عبر مسيرته المتعرجة. إن المعرفة الدقيقة لطبيعة البني الأساسية التي يرتكز إليها هذا التيار، خاصة، قيادته ثقافة وخبرة وجماهيره المنشأ الاجتماعي ستساهم بمتابعة العلاقات بين التيار والمرجعية الدينية في النجف، وكذلك باقي الكتل السياسية داخل الطائفة، والعراق ككل.
جاء ظهور الشيخ مقتدي، كحالة طبيعية شكلت الامتداد الطبيعي لآية الله العظمي محمد باقر الصدر عم الشيخ مقتدي، وهو الفيلسوف والمجتهد والمؤسس الحقيقي لحزب الدعوة، والذي تجلت محنته في أيامه الأخيرة، خصوصاً، في شعوره بأنه بات محاصراً من المؤسسة الدينية وحزبها الذي أسسه، ومن السلطة في آن واحد، ولذا وجد نفسه يتفرغ إلي التأليف والكتابة وليسقط في النهاية صريع الرصاص. أما إبن عمه محمد صادق الصدر، والد مقتدي، فقد واجه تقريباً المصير نفسه.
أمام كل ذلك، يصوغ الباحث سؤالاً علي درجة كبيرة من الأهمية، عن إمكانية نجاح تيار مقتدي في مواجهته للمحتل، وتحوله عبر تلك العملية التاريخية، إلي قوة تحررية راديكالية حقيقية منحازة إلي قيم الديمقراطية، أم أنه سوف يخفق ويتحول إلي قوة رجعية منتجة للاستبداد والقهر. إن الإجابة علي هذا السؤال الكبير، تتطلب من قيادة التيار أن تعمل من أجل تحويل الملايين المنضوية تحت مظلة أفكاره ورموزه، من شروط التكون داخل حزب سياسي « ديني » كلاسيكي، منغلق وجامد، بوصفه مجتمعاً عقائدياً صغيراً، إلي طور آخر من العمل الحزبي، المنفتح، الذي تعبر عن مضامينه وأهدافه تلك الكتلة الشعبية المنفتحة. لقد أنجز هذا التيار وبحق، قدرة كبيرة علي التحول في الشكل التنظيمي، لكنه لم يستطع أن يضبط إيقاع هذه الكتلة علي نبض الوطنية الحقيقية. فما زال يعاني من تجاذبات متناقضة، كتعبير عن صراع التيارات الناشطة بداخله، فالولاءات تتوزع علي قوي وأطراف محلية وخارجية، مما أدي لسقوط العديد من أعضائه في مستنقع الممارسات الطائفية الدموية البغيضة، وبقاء قلة صغيرة، وفية لخياراتها في مقارعة الوجود الأجنبي، وبعيدة عن الغوص في مجازر التطهير المذهبي.
إن أهمية التيار، بدأت مع طرح أفكاره، وتنظيم أعضائه واتساع دائرة مؤيديه. فقد توضحت داخل تساؤلاته الكبيرة، ملامح الصراع مع الحوزة الدينية في النجف، التي وصفتها قيادة التيار بـ الحوزة الصامتة مقابل التأكيد المستمر علي أن الشيخ مقتدي ورفاقه، يشكلون الحوزة الناطقة . ومن أجل ذلك، خاض هذا التيار معركته علي جبهتين، ضد المؤسسة الدينية الديكتاتورية ومع النظام الديكتاتوري ـ حسب تعبيرهم ـ اللذين أبعداهما إلي خطوط هامشية تتوزعها ليست أحياء الفقر وأحزمة المعاناة فقط، بل وتراكم سنواتٍ من الحرمان أبعدتهما عن مراكز القرار علي الجبهتين: عن المال والثروة، والمناصب الرئيسية. ولهذا كان هذا التيار معبراً عن القوي والطبقات والفئات المهمشة، والقابعة ـ دون أمل في التغيير ـ في أسفل السلم الاجتماعي. مع الغزو، تحول الشيخ مقتدي في فكر مريديه إلي مركز استقطاب للملايين، لأنه أصبح داخل مخيلة وهتافات مناصريه، كصورة منمقة لزعيم سيجمع بين يديه، وبفضل تاريخ أسرته ومكانتها شرعيتين متلازمتين: ذات طابع تمثيلي بدرجة ما في نطاق الدين، وذات طابع سياسي مباشر في لحظة وطنية تاريخية نادرة. لكن تلك الشرعيتين منقوصتان لاعتبارات محددة في شخصية الشيخ مقتدي: قلة التجربة والخبرة نظراً لصغر السن.
لكن ظهور جيش المهدي بأعداده الهائلة، وخوضه لبعض المعارك، لم يحسم من أذهان الملايين التي تراقب تطورات التيار، الالتباس الذي رافق ـ وما زال ـ مسيرته، خاصة ما يتعلق بمستقبل معاركه المستعرة حيناً، والهادئة في معظم الأحيان، علي جبهتي الاحتلال والحوزة الصامتة. لقد أدي التشظي الذي أصاب الطائفة (مرجعية وأحزاباً وميليشيات) إلي إرباك الإعلام الغربي، كاشفاً غوغائيته وسطحيته. فالحديث عن كون الطائفة سبيكة متماسكة لم يلبث أن سقط بامتحان الحياة والتطور. ولهذا تبدو معارك النجف صيف 2004 علامة بارزة علي الصدام داخل الطائفة، إنه الصراع بين مرجعيتين. فقد كشف هذا الارتطام العنيف عن الاحتقان الهائل والمتفجر داخل الشارع الشيعي في مواجهته للمؤسسة الدينية. لكن النتائج التي تمخضت عنها تلك المعارك، وتحديداً، الخروج من الصحن الحيدري والنجف، شكلت علامة بارزة علي بدء المصالحة المفاجئة بين المرجعيتين: الصامتة والناطقة! وهو ما سيتوضح بمجموعة من الحقائق علي الأرض، تشير كلها إلي خطة عمل توافقية بينهما، وهذا ما أكد عليه مقتدي حينما خاطب السيستاني قائلاً إنني أضع نفسي تحت تصرف مرجعيتنا . وقد أفضي ذلك إلي إعادة ترتيب خطط المواجهة مجدداً، مع عدوين، هما الاحتلال، وأعضاء حزب البعث الذي يسعي آخرون لاجتثاثه. بذلك انتهت راهناً استراتيجية الصراع مع الحوزة الدينية، بفضل التدخل الكثيف للإيرانيين، الذين بدأوا بتوجيه بعض مجموعات جيش المهدي، لمشاغلة قوات الغزو، خاصة في بعض محافظات الجنوب، وبنفس الوقت، تصاعدت أرقام التصفيات التي استهدفت أعضاء سابقين في الحزب ومؤسسات الدولة (في مدينة الثورة « الصدر »، والعديد من مدن وبلدات الجنوب) واتساع دائرة القتل الإجرامي المنهجي للعرب الفلسطينيين، لدفعهم إلي الهجرة من العراق، وهو ما تؤكده المعلومات القادمة من حي « البلديات » بالعاصمة.
صندوق باندورا العراقي: أقفاص ووحوش
استحضر الكاتب من الأسطورة الإغريقية، ما يتطابق علي مستوي المقاربة / المقارنة، مع ما جلبه الغزاة للعراق. إن إلهة الشر باندورا كما حملتها الأسطورة، قدمت للبشر صندوقاً مليئاً بالهدايا الثمينة، طالبة منهم فتحه للتمتع بكنوزه. فور الكشف عما بداخله، انطلقت الشرور والآثام والخطايا في كل مكان، لتحول حياة البشر الطيبين إلي مآسٍ وكوارث. دخل المحتل حاملاً صندوقه، ونثر خطاياه في كل صوب وحدب. كان تفكيك الدولة ومحوها، ونشر الفوضي، هو الكارثة الكبري التي دشن بها الاحتلال عهده، فقد انتشر القتلة الذين تدربوا في الخارج، مع مجموعات من اللصوص والمارقين في كل مكان، إذ وفر لهم الغزاة التربة الخصبة المحمية بالجنود، ليعيثوا الدمار والخراب، وليتناوبوا علي تنفيذ الإعدام في الشوارع ومراكز ومعسكرات وزارة الداخلية والدفاع، وداخل المشافي.
فما بين الذئاب والضباع والعقارب أسماء فرق وألوية الموت إضافة للميليشيات الحزبية الطائفية والاثنية المتعددة، التي تمارس تصفيات الخصوم أيضاً، يخضع المواطنون للتعذيب الرهيب، الذي ينتهي بالإعدام. إن أدوات القتل البشرية هذه يتم تدريبها وشحنها عبر ماكينة أيديولوجية جبارة، تستغل فقرهم وتدني تعليمهم، لتعيد زرع الولاء للطائفة والمذهب، لأن هذا هو الطريق الذي سيحقق خلاصها الجماعي من الدونية والاضطهاد، كل هذا يترافق مع ضخ بضع مئات من الدولارات في الجيوب البائسة والمحرومة. إن هذا الجهد الهائل الذي يتم توجيهه نحو العضو / القاتل سيحوله إلي حيوان خطير، مفترس، يندمج بالشخصية الجديدة، ويتماهي تماماً بالدور الجديد، وليس بتقمصه فقط. ولهذا كانت للضباع البشرية ألوانها، نسبة للملابس التي غطت بها أجسادها. فما بين الضباع الخضراء مغاوير الداخلية إلي السوداء المنضوية في الميليشيات الطائفية / المذهبية، وصولاً إلي البيضاء العاملة في المشافي، تتدحرج كرة الموت الرهيبة. إن توزيع الأدوار وأدوات الرعب يتم بتنسيق كامل بين أجهزة القتل تلك، إنه التعذيب بالجملة داخل السجون يتجاوز عددها الألف والقتل ضمن الأقفاص المرعبة كما في الجادرية ومركز ساحة النسور ، بالكهرباء والمثاقب والبلطات والمناشير، لتكتمل دورة الموت علي أيدي الضباع البيضاء بالمشارط، وفتح الأوردة والشرايين، وإغلاق أنابيب الأوكسجين. إنها حلقات كاملة، متممة لبعضها، تؤدي حتماً للموت الذي تقرر سلفاً مع الهيئات المشرفة علي كبار الضباط في وزارتي الداخلية والدفاع التي أنشأهما المحتل، والتي يتابع مهماتها ضباط أمريكيون من البنتاغون والمخابرات العسكرية، لديهم سجل إجرامي دموي يمتد من فييتنام إلي أمريكا الجنوبية.
نساء أبو غريب بزوغ مجتمع اغتصاب نموذجي في العراق الجديد :
ما بين رسالة المعتقلة فاطمة التي هُربت من سجن أبو غريب في مطلع كانون الثاني (يناير) 2004 ورسالة نور المُهَرَبة بعدها بفارق أسابيع في شباط (فبراير)، والتي قام المواطنون بنسخها يدوياً وتوزيعها بعدة آلاف، تنكشف صورة جديدة من نِعَم الديمقراطية الأمريكية التي تنكشف عارية دون تجميل وسائل الإعلام. لقد سقطت في ممارسات العالم السفلي، كل الادعاءات التي حاولت ترويجها ماكينة الدعاية العنصرية، عن التصرفات الإنسانية الرائعة للمحتل الأبيض، المتحضر وحرصه علي المساكين المتخلفين . إن العذابات التي سببها الاغتصاب الجماعي للنساء بالسجن، كانت وراء دعوة نور لأبطال المقاومة النشامي، لتدمير السجن فوق رؤوسهم جميعاً هن والسجانين ليتخلصوا مما حملته بطونهم سفاحاً من الأوغاد الأمريكان.
لم تتوقف الممارسات الوحشية مع النساء، فقد روي العديد ممن أطلق سراحهم، وبعض المراسلين الصحافيين، (شهادات مسجلة لدي الباحث) وكتابات الصحافي الأمريكي سيمور هيرش ، مما ساهم أيضاً بفتح الأبواب الحديدية، وهدم الجدران التي أحاطت بمراكز التعذيب والموت في أبو غريب، بوكا، المطار، الحبانية… .
لقد عبّرت صور الممارسات الرهيبة في سجن أبو غريب، التي تم نشرها وتداولها علي صعيد العالم، عن ممارسات سادية لاإنسانية، لا تمت بصلة لسلوك الحيوانات. لقد أجبر المعتقلون والمعتقلات علي التعري الكامل، في طقوس مرعبة من الاغتصاب الجماعي للنساء والرجال والأطفال، داخل أتون الغرائز المتوحشة لدي المشرفين والمشرفات. إنها حلقة في سلسلة انتزاع المحرمات الخاصة جداً، من أجل تحطيم وسحق إنسانية الجسد، طالما يلاحقهم الفشل والعجز عن كسر الإرادة، انطلاقاً من الأفكار العنصرية الحاقدة التي نشرها رافائيل باتاي في كتابه (العقل العربي). إن هذه الممارسات لم تتوقف عند حدود السجن، بل حرص الغزاة علي نقلها إلي المساجد، فقد تم اغتصاب العشرات من النساء داخل مراكز العبادة أثناء معارك الفلوجة (شهادات منظمات حقوقية) في خطوة تهدف إلي تحطيم قدسية المكان، وجعله امتداداً للسجن.
لا بد من الإشارة إلي أن الخوذة والعمامة التي قُدمت للقاريء العربي، تعتبر من أهم ما كتب حول المسائل المطروحة ، خاصة وأن الباحث قد دعمه بأفكار علمية وموضوعية أغنت البحث العلمي، ولولا بعض الأخطاء المطبعية التي كان من الممكن تلافيها (الأسماء، التواريخ، الأماكن) لكانت الدراسة متكاملة. إن كاتبنا المميز قد قدم للقاريء خلاصةً تحليلية للعديد من القضايا التي تشغل اهتمام المواطن العربي، وبهذا يضيف إلي إنجازاته الفكرية، مادة جديدة.
عن الكاتب والكتاب:
فاضل الربيعي باحث ومفكر عراقي له العديد من المؤلفات منها إرم ذات العماد ، الجماهيريات العنيفة ونهاية الدولة الكاريزمية في العراق ، و قصة حب في أورشليم ، أبطال بلا تاريخ (الميثولوجيا الإغريقية والأسطورة العربية) ، فاز بالجائزة الأولي للإبداع الثقافي (القاهرة ربيع 2006)، و شقيقات قريش :الإنسان والطعام في الموروث العربي .
عنوان الكتاب:
الخوذة والعمامة : الاحتلال الأمريكي وموقف المرجعية الدينية في العراق المؤلف : فاضل الربيعي الناشـر : دار الفرقد / دمشق 2006 / 235 صفحة
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 24 أكتوبر 2006)
Home – Accueil – الرئيسية