الثلاثاء، 13 مارس 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2486 du 13.03.2007

 archives : www.tunisnews.net


المرصد التونسي للديمقراطية وحقوق الإنسان:

السجون التونسية تتحول إلى مراكز للتعذيب

تكوين لجنة لمساندة الصحفي محمد فوراتي

إسلام أون لاين.نت: حملة تضييق على الصحفيين في تونس 

الاتحاد العام لالتونسي للشغل:بــيــان حول المنــاشير الوزاريّــة
صــابر التونسي:الفوراتي و »جريمة » الإنتماء ولد الدار:ســـواك 21
سليم بوخذير: هاتوا لي ماما ليلى بن علي . .

د.خــالد الطــراولي: التقارب بين « العلمانيين » وحركة النهضة :تساؤلات مشروعة حول مسألة الميراث

البديل: الندوة المتعلقة بالمساواة بين الجنسين: مداخلة الأستاذ أحمد نجيب الشابي

« صوت الشعب »: اشتداد القبضة الأمنية

« صوت الشعب »: دولة الإرهاب في تونس تخلق الإرهاب المضاد

« صوت الشعب »: القيروان قلعة النضال الاجتماعي والديمقراطي

« صوت الشعب »: « الأمن » يقتل شابا بريئا

« صوت الشعب »: الرافل يعود بقوة

« صوت الشعب »: تدمير الآثار لمقاومة الإرهاب !

الموقف: المنع هو القاعدة

الموقف: منع « التقدمي » من فتح مقر في بوسالم

الموقف: مؤتمر المؤامرة على المقاومة

الموقف: ليبيا: فرض التأشيرة محاولة للانفتاح على الغرب

الشعب: خميس الخيّاطي لـ «منارات» عدت الى وطني بفكر نقدي وبحس من المواطنة مرهف

الصباح: المثال السيئ

الصباح: عائد من طرابلس: ليبيا … من هموم الثورة إلى ثورة المستقبل

الصباح: لمن الكلمة في العرض المسرحي: للجماليات أم للإيديولوجيا؟

الراية: د. عبدالسلام المسدي يكشف أقنعة السياسيين في جديده السياسة وسلطة اللغة الجزيرة.نت: مواجهة صعبة بين المتنافسين بجولة الإعادة بانتخابات موريتانيا  الحياة: المعارضة المصرية ترفض التعديلات الدستورية: تقضي على الحريات وتفتح الطريق لدولة بوليسية فهمي هويدي: لمَّا هُـزم شعار « الإسلام هو المشكلة »! أنور مالك: مآزق إخوان الجزائر: حمس… وحصان طروادة  الجزيرة.نت: عرض لكتاب الحركة الياسينية الحركة الياسينية


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


المرصد التونسي للديمقراطية وحقوق الإنسان بيـــــان السجون التونسية تتحول إلى مراكز للتعذيب

 
في 13 مارس 2007 بلغ إلى علم  » المرصد التونسي للديمقراطية وحقوق الإنسان » أن عددا من المساجين السياسيين بسجن « المرناقية » بتونس من المحالين بمقتضى القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب، قد تعرضوا صبيحة يوم 6 مارس 2007 بعد أداء صلاة الصبح جماعة للضرب و التعنيف و التعذيب من طرف بعض أعوان فرقة طلائع السجون بأمر من إدارة السجن مما تسبب لبعضهم في أضرار بدنية متفاوتة الخطورة .

و « المرصد التونسي للديمقراطية وحقوق الإنسان » إذ يدين هذه الجريمة الشنيعة في حق سجناء عزل حشروا في غرف ضيقة ومكتظة ولا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية ،

–  يطالب بفتح بحث جدي في هذه الحادثة و معاقبة كل من تثبت إدانته في إقترافها. – يدعوإلى فتح السجون والمعتقلات للرقابة من قبل منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية. – يطالب الحكومة التونسية بالإلتزام الفعلي بنصوص القوانين الوطنية واتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها. المرصد التونسي للديمقراطية وحقوق الإنسان لمراسلتنا:      info@tunis-online.net لزيارة موقعنا:  www.tunis-online.net


لجنة مساندة الزميل الصحفي محمد فوراتي

 

نحن الصحفيين التونسيين الممضين أسفله و بعد علمنا بصدور الحكم القاضي غيابيا بسجن الزميل محمد فوراتي -الصحفي حاليا بصحيفة الشرق القطرية و سكرتير تحرير صحيفة الموقف سابقا – لمدة سنة

 و شهرين بطريقة مفاجئة نعلن عن:

– استغرابنا لصدور هذا الحكم  ضد زميلنا الذي سبق أن برأته محكمة الاستئناف في مناسبتين من التهمتين الموجهتين إليه على خلفية ضبط عددين من مجلة أقلام اولاين الالكترونية- التي يشغل الزميل فوراتي عضو أسرة تحريرها- عند موقوف على ذمة إحدى القضايا السياسية في مدينة قفصة مسقط رأس الزميل. و تعود أطوار القضية إلى سبع سنوات خلت.

– تضامننا المطلق  مع زميلنا و رفضنا لمثل تلك الإحكام ضد الصحفيين.

– دعوتنا السلطات المعنية إلى مراجعة هذا الحكم و إلغائه.

– نعلن تكوين لجنة لمساندة زميلنا محمد فوراتي. و تبقى اللجنة مفتوحة أمام كل الزملاء الراغبين في الالتحاق بها.

الإمضاءات الأولية

لطفي حجي – محمود الذوادي – محمد معالي – سهير بلحسن – رشيد خشانة –  بشير واردة – سهام بن سدرين – كمال العبيدي – محمود الكتاتني – نبيل الريحاني – بسام بوناني – لطفي الحيدوري- الهادي يحمد.

 

الاتحاد العام لالتونسي للشغل الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي تونس في 26 فيفري 2006

بــيــان حول المنــاشير الوزاريّــة

 

في تعارض واضح مع المرجعيات القانونيّة ومع الأعراف والتقاليد الجامعيّة، عمدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خلال الفترة الأخيرة إلى إمطار المؤسسات الجامعيّة بوابل  من المناشير غير المسبوقة من حيث الكثافة والمحتوى، تسعى من خلالها إلى تغيير أحادي الجانب لقواعد تنظيم قطاع التعليم العالي وتسييره وإلى النيل ممّا تبقى من مكاسب وتقاليد جامعية تهم الحريات الأكاديمية وهامش الإستقلاليّة النسبية في تسيير المؤسسات الجامعيّة.
وتجاوبا مع البرنامج الدّراسي والتكويني الذي أقرّه المجلس القطاعي الأول للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، برمجت هذه الأخيرة حلقات تكوينيّة للنظر في تلك المناشير إلتأمت بالأقطاب الجامعيّة للوسط والجنوب وتونس الكبرى وأسهم فيها مختصون في القانون العام. ولقد تبيّن من خلال المداخلات ومن النقاش الذي تلاها أنّ الجانب الأوفر من تلك المناشير يفتقر إلى سند قانوني صحيح وأنّها تتعارض مع وظيفتها التقليديّة بل تخرق القانون في عدّة أوجه أهمّها : 1-           خرق سلّم تراتب القواعد القانونيّة إذ من المسلّم من قبل رجال القانون أنّ القواعد القانونيّة خاضعة لسلّم تفاضلي (دستور، قانون، أوامر، قرارات وزاريّة)، وبالإطلاع على بعض المناشير الصّادرة عن وزير التعليم العالي يتبيّن بجلاء خرقها لذلك السّلم في مستويين:
أ‌-               بخصوص إصلاح منظومة « إمد » الذي يمثّل تحويلا جذريا للتعليم العالي بأكمله والذي يكون بداهة من مشمولات السّلطة التشريعيّة ، دون سواها، عملا بالفصل 34 للدستورالذي إقتضى أن المبادئ الأساسيّة للتعليم راجعة للسلطة التشريعيّة. وما أقدمت عليه الوزارة من خلال المنشور عــ48ـدد لسنة 2005 يحمل خطأ جسيما يتمثّل في تجاوز سلطة تنفيذيّة لاختصاص تشريعي مسند بالدّستور وهو ما يؤدّي إلى عدم دستوريّة القرارات الإداريّة المتضمّنة للنظام الجديد، فضلا عن أنّه لم يقع التشاور حول هذه المبادئ والأهداف مع الهياكل الممثلة وذلك في تناقض صارخ مع مقومات الإدارة الرشيدة.
ب‌-         إنّ تحديد العودة الجامعيّة محدّد بأمر من أعلى السّلطة الترتيبيّة (الفصل 2 من الأمر عـ1174ـدد  لسنة 1987 الصادر عن الوزارة الأولى والمتعلق برزنامة السنة الجامعيّة والمدرسيّة يضبط إفتتاح السنة الجامعيّة بداية من 15 سبتمبر لكلّ سنة)، الذي وإن خوّل للوزير تعديل إنتهاء السّنة فإنّ موعد إنطلاقها لا يمكن المساس به إلا من قبل نفس السّلطة أي رئيس الجمهوريّة عملا بمبدأي توازي الإختصاص وتوازي الشكليات، وما إقدام الوزارة على إبدال إنطلاق السّنة الجامعيّة إلا نيل من إختصاص سلطة أعلى وخرق للسلم التفاضلي للقواعد القانونيّة.
2-           المساس بالحق النقابي من خلال المنشور 40 لسنة 2005 الصّادر إبّان الإضراب الإداري والذي يتعارض صراحة مع ما تضمّنه الفصل 8 من الدّستور والفصل 4 من النظام الأساسي العام لأعوان الوظيفة العمومية الذي يقر الحق النقابي للأعوان العموميين. 3-           التعدّي على الحرّيات الأكاديميّة وعلى إستقلاليّة القرار الجامعي من خلال أسلوب التهديد بالعقوبات التأديبيّة كما ورد بالمنشور عــ40ـدد 2005 المشار إليه أعلاه وبالمنشور  عــ31ـدد لسنة 2005 الصّادر عن الوزارة الأولى والذي يفرض على كلّ أستاذ يروم المشاركة أو الحضور في الندوات والملتقيات العلميّة، داخل البلاد أو خارجها، الحصول على ترخيص إداري مسبق. ويتجلى ذلك أيضا من خلال المنشور عــ31ـدد 2004 الذي يفرد الإدارة بضبط معايير الإنتداب والترقية دون الرجوع إلى ممثّلي الأساتذة. 4-           المساس بمبدإ المساواة الذي يتجسّم في تنفيل فئة من الموظفين كالمهندسين في الجمع بين مهنة التدريس ومهن أخرى من خلال المنشور عـ29ـدد 2005 وذلك بإخضاعهم إلى شروط مخفّفة مقارنة بالجامعيين (أنظر المنشور عـ56ـدد لسنة 2006 المتعلّق بالجمع بين التّدريس ومهن أخرى). 5-           صدور مناشير ترتيبيّة في حين إستقرّ الفقه والقضاء والقانون المقارن على عدم جواز تضمّن المناشير الوزاريّة لقواعد ترتيبيّة جديدة، وعليه فإنّها تقتصر على تفسير القواعد التشريعيّة والترتيبيّة الخاصة بالعمل الإداري وتيسير تطبيقها من طرف الأعوان والهياكل التي تعمل تحت إمرة الوزير المكلّف بالقطاع ضمانا لحسن سير المرفق العام ودون أن يكون لها أيّ مفعول وضعي من شأنه أن يرسي وضعا قانونيا جديدا أو يحوّر ، بالزيادة أو بالنقصان، نصوصا قانونيّة قائمة. ومن هذه المناشير:
– المنشور عــ33ـدد 2004 المتعلّق بالمعايير المعتمدة من قبل لجان الإنتداب والترقية حيث أضاف عنصرا تقييميا جديدا يتمثل في  »البحوث الأساسية والتطبيقية والتجريبية » لم يرد في الفصل 44 من الأمر عــ1825ـدد لسنة 1993 المتعلّق بضبط النظام الأساسي الخاص بسلك المدرّسين الباحثين التابعين للجامعات. – المنشور عــ65ـدد 2004 المتعلّق بإنتداب المساعدين للتعليم العالي الذي أضاف شرط جديد إلى القصل 34 من الأمر المشار إليه آنفا يتمثل في وجوب تقديم ترسيمين إثنين على الأقل في شهادة الدكتوراه. – المنشور عــ38ـدد2006 المتعلّق بالتأهيل الجامعي والذي حذف أهمّ شرط من شروط الترشّح وهو « إثبات الأعمال المقدّمة إتقانا لتقنيات البحث والإضافة في الميدان العلمي »، وتدخل في تركيبة اللجنة بشكل مخالف لما نصّ عليه الأمر عــ1824ـدد لسنة 1993 المتعلّق بالتأهيل الجامعي. – فرض نظام التفقد تحت غطاء تقييم التربص البيداغوجي في مخالفة صريحة للقوانين الأساسيّة وللتقاليد المكرّسة (الفصل 39 من الأمر عــ1885ـدد لسنة 1993)، وتجدر الإشارة إلى شروع الوزارة في تطبيق هذا التربص دون إصدار أيّ نص قانوني وإلى حدوث عدّة تجاوزات تختلف طبيعتها من جامعة إلى أخرى. 6-  تغيير طبيعة ووظيفة الجامعة وذلك بتحويل الجامعة من فضاء لتكوين العقول وإنتاج العلم والمعرفة إلى ورشة إعداديّة وذلك عبر التركيز على إحداث عديد المعاهد والشعب ذات الصبغة المهنيّة وإلى تنظيرالجامعة بمؤسسة إقتصادية تواجه منافسة داخلية و خارجية (المنشور عـ26ـدد لسنة 2004 المتعلّق بالتقييم الدّاخلي لمؤسسات التعليم العالي والمنشور عـ41ـدد لسنة 2006 المتعلّق بطلب عروض لدعم جودة التعليم العالي).
إنّ خلفيات هذه الممارسات لا تخفى على الجامعيين، فالغرض من هذه المناشير هو خلق « إستثناء تونسي »، أي جامعة عموميّة ينتفي فيها ذلك الهامش المحدود من إستقلاليّة التسيير ومن الحرّيات الأكاديميّة وتخضع للمنطق الإداري في التسيير وتغليبه على الجانب الأكاديمي، بما يطمس الخصوصيات التي تميّز المؤسسة الجامعيّة وتمكنّها من القيام بدورها كاملا في تنوير الفكر وتهيئة أسباب الإبداع.
وكي لا تحيد الجامعة العموميّة عن وظيفتها في إنتاج العلم والمعرفة وفي الإعداد للمواطنة والإسهام في تنمية البلاد، ويتحوّل المرفق العام إلى مؤسّسة إقتصاديّة تخضع إلى منطق الرّبح والمنافسة، وحتّى لا تؤول هياكل التسيير الجامعي من مجالس أقسام ومجالس علميّة ومجالس جامعات وهيئات ولجان علميّة إلى أداة توظّف لخرق القانون وتهميش الجامعة العمومية، وعملا بما إستقرّ عليه فقه القضاء من إعتبار أنّ إمتثال العون العمومي لواجب الطّاعة لا يمتدّ إلى القرارات التي تتصف باللاشرعيّة الواضحة، وهو ما ينطبق على بعض المناشير الوزاريّة، فإنّ الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي ترى أنّه لزام على جميع الهياكل المذكورة سلفا اليقظة والتحرّي في التعامل مع هذه المناشير وعدم الإنسياق في تطبيقها دون التأكّد من تطابقها مع النصوص القانونيّة الأعلى منها. كما أن الجامعة العامة ستعمل على متابعة الأمر بالتنسيق مع قسم النزاعات والتشريع بالإتحاد العام للدّفاع على ما تبقى من مكاسب الجامعيين وتجنيب المؤسسات الجامعيّة المنزلقات الخطيرة التي قد يؤدي إليها تطبيق المناشير المذكورة.
الكاتب العام سامي العوادي

حملة تضييق على الصحفيين في تونس

إسلام أون لاين.نت – محمد الحمروني تونس – دشنت السلطات التونسية حملة تضييق جديدة بحق الصحفيين كشفت الأيام القليلة الماضية عن أبرز ملامحها بصدور حكم قضائي غيابي بسجن صحفي بتهمة الانتماء لحركة النهضة المحظورة، ثم الاعتداء على مراسل « إسلام أون لاين.نت » أثناء تغطيته لندوة صحفية حول المعتقلين التونسيين في سجن جوانتانامو الأمريكي بكوبا. فقد قضت محكمة الاستئناف في مدينة « قفصة » (400 كم جنوب العاصمة) يوم الجمعة 9-3-2007 غيابيًّا بسجن الصحفي محمد الفوراتي مدة عام وشهر، بتهمة الانتماء لجمعية غير مرخص لها، في إشارة إلى حركة النهضة ذات التوجهات الإسلامية. وتعود القضية لنحو 7 سنوات حين تم اعتقال مواطنين في قفصة، مسقط رأس الفوراتي، بتهمة جمع أموال بدون تصريح لصالح عائلة سجين سياسي، وعثر لدى أحد المعتقلين على مقالات من مجلة « أقلام أون لاين » الإلكترونية التي يعمل الفوراتي عضوًا بهيئة تحريرها. « جائر.. وغير متوقع » الفوراتي الذي يعمل حاليًّا بصحيفة « الشرق » القطرية، وصف الحكم بأنه « جائر ». وأضاف في تصريحات لـ »إسلام أون لاين.نت »: « لم يكن متوقعًا؛ إذ جاء في وقت ينتظر فيه الجميع انفراجًا من جانب السلطة، كما أن القضية خالية تمامًا من أي أدلة على الانتماء لجمعية غير مرخص لها ». وقبل صدور الحكم رفض القضاء 3 مرات نظر الدعوى لعدم توافر أدلة على التهمة. واعتبر الفوراتي أن: « الحكم جاء ليعاقب صحفيًّا حرًّا سخَّر قلمه للدفاع عن الحريات والسجناء السياسيين والمظلومين بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والانحياز للمواطن. كما يمكن أن يكون محاولة لإجباري على هجرة تونس نهائيًّا، لكني سأعود إليها مهما كان الثمن قاسيًّا ». الحكم أثار استياء شديدًا في الأوساط الصحفية والحقوقية؛ إذ علّق عليه بسخرية لطفي الحجي، رئيس نقابة الصحفيين التونسيين: « السلطة تدعي أنها لم تسجن صحفيًّا أو تعطل صحيفة ». ودعا إلى إلغاء الحكم الذي اعتبره: « عقابًا للفوراتي على كتاباته في صحيفة (الموقف) التونسية المعارضة، فالسلطة تبعث برسالة لكل الصحفيين لثنيهم عن دورهم ». كما هاجمت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين الحكم بشدة، وطالبت في بيان وصلت « إسلام أون لاين.نت » نسخة منه، بـ »إيقاف معاقبة الصحفيين بسبب آرائهم ». والفوراتي عضو بمنظمة العفو الدولية فرع تونس، ونقابة الصحفيين، والمرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والإبداع. اعتداء بدني ومن الملاحقة القضائية إلى الاعتداءات البدنية؛ إذ اعتدى رجال أمن يرتدون زيًّا مدنيًّا على محمد الحمروني، مراسل « إسلام أون لاين.نت »، الصحفي بجريدة « الموقف »، ومنعوه من حضور ندوة صحفية في مقر المجلس الوطني للحريات. وسرد المجلس تفاصيل الحادث بقوله: « هاجم بعض عناصر البوليس الزميل حين كان يهمّ بحضور ندوة صحفية لمنظمة (روبريف) الدولية حول المعتقلين التونسيين بجوانتانامو ». وأضاف في بيان وصلت « إسلام أون لاين.نت » نسخة منه: « الأعوان لاحقوا الزميل داخل بَهْو العمارة، حيث مقر المجلس، وحاولوا جرّه بالقوة، ولم يتركوه إلا عندما صاح فيهم بأعلى صوته احتجاجًا على محاولة منعه، وهرع إليه أعضاء المجلس الموجودون بالمقر، فلاذ المعتدون بالفرار ». وأدان المجلس بشدة هذا الاعتداء، مطالبًا بمحاسبة المعتدين. ولفت البيان أيضًا إلى أن المعتدين هددوا الصحفي بجريدة « مواطنون » المعارضة، الصحبي صمارة، بالإهانة في حال حضوره الندوة. الحالة القانونية الندوة التي حاولت السلطات منعها دعا لعقدها وفد من منظمة « روبريف » الحقوقية اللندنية، قدم إلى تونس لبحث الحالة القانونية التي سيكون عليها المعتقلون التونسيون في جوانتانامو في حال إطلاق سراحهم. ولم تكتفِ السلطات برفض التعاون مع المنظمة، بل استدعت موفدي « روبريف » إلى مقر الأمن لاستجوابهما حول طبيعة مهمتهما، ثم أبلغتهما بأنه كان يتوجب عليهما الحصول على ترخيص مسبق. وقال كرستوفر تشانغ (محام بريطاني)، أحد الموفدين: « كنا نأمل أن تتعاون معنا السلطات، لكن الحركة الوحيدة التي بادرتنا بها هي استدعاؤنا للتحقيق بأحد مراكز الأمن وملاحقتنا بالسيارات خلال جولاتنا، ومراقبتنا حيث نسكن ». ويجيء عمل الوفد على خلفية أنباء عن اتخاذ السلطات الأمريكية قرارًا بإطلاق سراح عدد من المعتقلين التونسيين في جوانتانامو، وتصاعد مخاوف المنظمات الحقوقية من تعرضهم للتعذيب بعد تسليمهم إلى السلطات التونسية، استنادًا إلى سجلها السيئ السمعة في مجال حقوق الإنسان. ويقبع بمعتقل جوانتانامو 12 تونسيًّا، من بينهم: رياض بن صالح الزايدي، ورياض بن محمد الناصري، ولطفي لاغة، وعبد الهادي بن حديد، وهشام السليتي، وعادل الحكيمي. وتتطوع « روبريف » للدفاع عن 4 منهم، بينما تنتظر استكمال الإجراءات القانونية للدفاع عن البقية. وتهدف المنظمة غير الربحية -التي تأسست عام 1999- إلى إنقاذ أرواح أولئك المحكوم عليهم بالإعدام، أو المحتجزين دون محاكمة، كما هو الحال في جوانتانامو. (المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت (القاهرة – الدوحة) بتاريخ 12 مارس 2007)  


الفوراتي و »جريمة » الإنتماء

تابعت بفخر واعتزاز أخبار محاكمة الصحفي محمد الفوراتي رئيس التحرير السابق لجريدة الموقف، ومرد فخري واعتزازي « للاستقلالية » الكبيرة التي يتمتع بها قضاؤنا المحترم حيث سبق وأن حكم القضاة الذين رأوا شواهد البراءة في هذه القضية ببراءة المتهم، ثم أدانه القاضي الذي « تحقق » من ثوابت الإدانة، ومراجعة الحق في مثل هذه الحالات خير من التمادي في الباطل! وإن كان الخطأ بالعفو خير من الخطأ بالعقوبة في المسائل العادية فإن الأمر في مثل هذه القضايا يجب أن يكون معكوسا وذلك من باب الأخذ بالأحوط!! ولا شك عندي أن الرجل قد « أخطأ » وارتقى مرتقى لا يحق له! وإن الذي يعرف قدر نفسه يقف دونه ولا يتجاوزه! سيد فوراتي، أن تسمح حكوماتنا بتأسيس « أحزاب للمعارضة » أو بإصدار صحف « مستقلة » أو حزبية فذلك لا يعني أنها تسمح بتجاوز الخطوط الحمر، وهو أمر عادي وطبيعي حيث أن لكل بلد مهما كان متطورا أو « متشدقا » بالديمقراطية خطوطه الحمر في مجال ما يسمى بالحريات أو العمل المعارض، صحيح أن الخطوط الحمر قد تضمر وتهزل في بلد ما وتنتفخ وتتسع لتغطي كل المساحات في بلد آخر، ولكنها موجودة في كل الحالات لا يتجاهلها إلا ظالم لنفسه مقصر في حق أهله وعياله!! إن رفع الرقابة عن الصحافة أو تخفيفها يجب أن لا يفهم على أنه ضعف أو تنازل للصحفيين والكتاب وإنما هو مزيد من إلقاء المسؤولية الذاتية على رقابهم ليشددوا على أنفسهم بدل التشديد عليهم « وإلّي تضربو إيدو ما توجعوش »!! وتشتد هذه المسؤولية إذا كانت البلاد تخوض معركة البناء من جهة وصد الغزو « الإرهابي » من جهة أخرى الذي يتسلل أحيانا عبر مداد الصحفيين والكتاب! ما آسفني « حقا » أن هذه المعاني لم يفقهها السيد الفوراتي وسمح لقلمه وللجريدة التي رأس تحريرها أن تدخل المناطق المظلمة وتتجاوز الخطوط الحمر مما جعلنا نرى على صُحفنا مدادا « مشبوها » يُحبّره قدماء المناوئين للسلطة! وكذا جعلوا ركنا للتعريف بما سموه مأساة المساجين الإسلاميين وهي لعمري الحالقة! ولا أقول بأنها تحلق الشعر ولكنها تحلق « الهناء » والحرية!! وإنني أود أن أعرب عن تضامني مع سلطتنا التي حكمت على السيد الفوراتي حكما « عادلا » بما كسب قلمه ولكنني في الآن نفسه أتهم الذين اختاروا له تهمة « الانتماء للنهضة » بالغباء أو التقصير أو التآمر ضد المصلحة العامة والسياسة « الرشيدة » لحكومتنا التي أعلنت منذ عقد ونصف على انتهاء ما يسمى بالنهضة! لأن فعلهم الأحمق هذا يضع السلطة في حرج ويجعلها في أعين المجتمع الدولي كاذبة حيث أنها تحاكم شخصا من أجل الانتماء إلى جهة لم تعد موجودة تم إزالتها من القاموس وأحيلت إلى المتحف والتاريخ!! لو كان لي سلطة لحاكمت الذين اختاروا هذه التهمة إلى السيد الفوراتي بتوجيه نفس التهمة لهم وأزيدهم بث البلبلة والأراجيف والعمل لمصلحة جهات مشبوهة!! حيث أنني أشتم منهم رائحة الخيانة! لو أنهم كانوا صادقين في خدمة بلدهم لوجدوا من التهم ما يكفي لتغييب الفراتي إلى الأبد دون الوقوع في الدعاية لحزب قلنا أنه « مات » ولا مجال لبعثه من جديد! هل عجز هؤلاء أن يلصقوا به تهمة كتهمة « الأنصار »؟! ألم يكن من اليسير جدا أن نلبسه تهمة الإرهاب والسعي للالتحاق بالمقاومة العراقية ثم نلقي به في أبو غريب أو قوانتناموا وذلك استنادا لاسمه « الفوراتي » فهو نسبة إلى نهر الفرات بالعراق مما يوحي بأنه كان في العراق يمارس الإرهاب أو هو عازم على الذهاب إلى هناك ليلتحق « بالإرهابيين » ولذلك اختار هذا الاسم أو اختير له حتى يتماشى مع الأرض الجديدة! إنني أنصح السيد الفوراتي للخروج من الورطة ـ من أجل الرضيع الذي ولد له وليس من أجله ـ أن يأتي « الصحافة » من أبوابها وأن يوجه مناشدة إلى « السيد » الرئيس « الأخ الأكبر لكل التونسيين »، حامي الحمى والصحافة أن يستمر في الحكم ولا يتخلى عن شعبه وأحبابه ويتركهم كالأيتام على مأدبة اللئام وأن يستجيب لنداء الواجب في 2009 حتى وإن « لبىّ النداء » قبل ذلك!! وتصبحون على وطن ليس فيه لبوليس الكلمة موضع قدم! صــابر التونسي


ســـواك 21

* سنة 2007 ستشهد توريد 7 آلاف سيارة شعبية في مختلف الأصناف المعتمدة.وسيتم توريد هذا العدد من السيارات الشعبية بناء على برنامج الوكلاء الرسميين لبيع السيارات والذي تم ضبطه من طرفهم، ويشمل البرنامج توريد 1250 سيارة من نوع «بيجو 206» و «سيتروانC3» و2600 سيارة من نوع «بولو» الألمانية و900 سيارة من نوع «فيات باليو» الايطالية الصنع.جريدة الشروق

مع هذه الارقام الدقيقة نسيتم  او تناسيتم ان تعطونا اسم الجهة الموردة  أم انها مثل العادة…الاوراق والوثائق والفاتورات تحمل توقيع « دوائر معينة » وخلف هذه الدوائر ينام القرش!

* ومن المآثر الأخرى التي تذكر لعهد التغيير في مجال الشؤون الدينية الاحاطة بأبناء تونس في الخارج وذلك بتمكينهم من معرفة دينية تحفظ سلامة العقيدة وتؤكد حب الوطن والاعتزاز بمقومات الذاتية وتنشىء أبناء الجيلين الثاني والثالث على الاخلاص لتونس والتمسك بالعقيدة الإسلامية واللغة العربية. جريدة الجزيرة.

والجالية التونسية بالخارج تقرّ بهذا وبأن صانع التغيير ارسل الينا الشيوخ الى  المهجر »وهانا ثانين ركايبنا نطلبو في العلم الشرعي » في ديار الغرب ونحن باقون على العهد ومعانا الجيل الثاني والثالث وهانا داخلين في الجيل الرابع.

* وقد أرسى السابع من نوفمبر، على صعيد آخر، جملة من التقاليد السمحة ذات الصلة بالحياة الدينية مثل اعتماد التاريخ الهجري بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وإنشاء لجان لضبط دخول الأشهر القمرية باعتماد الرؤية مع الاستئناس بالحساب، وإحداث جائزة رئيس الجمهورية للدراسة الإسلامية، وإذن الرئيس بن علي بارتداء الزي الوطني في المناسبات الدينية. جريدة الجزيرة.

ولأن سيادته وسطي يتقن فن المعادلات ويحافظ على التوازنات في قراراته  فمقابل اذنه بارتداء الزي الوطني في المناسبات الدينية امر بمنع الزي الاسلامي في كل المناسبات.

* ومع اقترابنا بخطوات من « قصر السعادة »، وهي دار ضيافة اهداها الرئيس التونسى زينالعابدين بن على الى زهوة لتقيم فيه مع والدتها، تشعر كأنك امام قصر لرئيس دولة منحيث البروتوكول والطقوس والحراسة. وفى حديقة القصر نلاحظ لمسات زهوة وسهى فيتشكيلات الورود والديكور الذي تتخلله اضاءة خافتة مع لون القصر الابيض، والابوابالزرقاء التي اختلطت مع زرقة مياه البحر القريبة منه.. منظر بديع وأصيل، وهدوء كامللا تسمع فيه سوى حفيف الاشجار واصوات الامواج وهمس زهوة بصوتها الناعم وهي تتحدث معوالدتها. وفي بهو القصر حيث انتشرت صور الزعيم الراحل ابو عمار في كل مكان وصوراخرى للرئيس بن علي وحرمه ونجله محمد وزهوة كان لقاؤنا بسهى عرفات. وكالة الأخبار العراقية.

نقول الى السيدة سهى مرحبا بك في تونس  وحذاري ان يمتن عليك احد فالاموال ليست ملك الزعيم ولا الزعيمة انما هي  « فلوس الخدامة متاع الشانطي في الرديف  والقصرين والمتلوي عندهم اربعة سنين ما خلصوش »و بالشفا والهنا…

* وتقول ليلي وهي موظفة في بنك بالعاصمة « اسهر في مثل هذا الوقت من نهاية كل عام حتى ساعات الفجر الاولى خارج المنزل ولا اعود الا بعد تقاسم الفرحة بالسنة الجديدة مع من احب ».اما عماد وهو عامل مقهى فقال « اتجند لهذه المناسبة رفقه عدة اصدقاء للاحتفال بها في ابهى شكل ». واضاف لرويترز « زجاجة الشمبانيا هي سيدة الموقف عند الساعة صفر » قبل ان يردد مغنيا مع رفاقه « خلي يقولوا اش يهم في اللي يشكر واللي يذم » في اشارة الى تجاهلهم للانتقاداتشبكة النبأ.

هذه من سياسة التسامح التي أرساها التغيير ومن سننه التي جذرها في المجتمع غير ان الشمبانيا دخيلة على تقاليدنا  والمعمول به  في مثل هذه المناسبات هي الجعة كما ان وزارة الشؤون الدينية أولت اهتماما كبيرا للحفاظ على البيئة من خلال الخطب الموجهة للائمة…و بناء عليه فان إلقاء قوارير الشمبانيا  في الشوارع والساحات العامة يعد مخالف للشريعة الإسلامية السمحاء.

* وكانت صفقة التفويت في 35 بالمائة من اسهم شركة «اتصالات تونس» وفتح راسمال هذهالشركة من ابرز صفقات الخوصصة سنة 2006.حيث عدت تلك الصفقة الابرز والاضخم في تاريخالصفقات العمومية التونسية.وتتواصل هذه السنة عمليات خوصصة المؤسسات العموميةحيث اشتمل برنامج التخصيص لسنة 2007 على التفويت في ما لا يقل عن 20 مؤسسة عموميةالى القطاع الخاص.جريدة الصباح.

ان « البَطّالة  » وعمال الحضائر وأصحاب الوظائف العمومية لا يسعهم الا ان يثمّنوا هذا التوجه مناشدين القيادة الرشيدة في تونس ان تتدخل وتقسّم هذا التفويت بالتساوي بين العائلات النافذة في البلاد  حتى لا قدر الله لا تسطوا عائلة على نصيب اخرى وهو ما من شأنه المساس بسمعة تونس في المحافل الدولية.

* لازالت سالمة تذرف دموعها بحرارة في بيتها المتواضع بحي التضامن الشعبي تحسرا على ايام قالت انها كانت فقيرة لكنها اسعد بكثير بعد ان فقدت ابناءها الثلاثة دفعة واحدة على متن أحد قوارب الموت المتجهة لايطاليا. شبكة النبأ.

أصبري يا سالمة واش باش تعملي

حتى البحر متواطىء معاهم

خمسين سنا في الصيف يشقوه يصيفو

وفي الشتاء يهربو في الدفيزْ…

اصبري يا سالمة كل شىء عليكْ

الضربة خطتهم وجت في ذِرّيكْ

 إعداد: ولد الدار


هاتوا لي ماما ليلى بن علي . .

 * القلم الحرّ سليم بوخذير

    يعرف  الجميع كم أنا مؤمن بأطروحات الرئيس بن علي في الحكم و سياسته الرشيدة في إشاعة المسار الديمقراطي في بلدي ، و ما أعطته هذه السياسة لنا كتونسيين من مكاسب لا تحصى على مدى20 سنة  فبن علي قضى على البطالة في البلد و بن علي  قضى على التعذيب و  بن علي أشاع الديمقراطية في كل شارع و في كل بيت و في كل شبر . .و بن علي  جعل التونسيين جميعا يعبّرون عن آرائهم دون وجل و دون أن تمسس أي منهم أي يد لتحاسبهم .. . بن علي رفع القدرة الشرائية للتونسيين  لتصبح أكبر بكثير جدا جدا جدا من الأسعار في البلد  و إلى درجة أن التونسيين صار يمنّون النفس أن يروا يوما واحدا في حياتهم تكون فيه الأسعار عالية في البلد . . التونسيين سئموا من الدخل العالي الذي يتوفر لكلّ منهم . . كلنا صرنا اغنى أغنياء العالم في تونس في عهد سيادته و لذلك إشتقنا ل »الميزيريا » و لو يوما واحدا . . بن علي أنجز كل شيء جميل في عهده .. . أنظروا إلى تعليمنا في عهده . . أليس  تعليما سليما للغاية لا تشوبه شائبة تحسدنا عليه الدول المتقدّمة . . بن علي حسّن الخدمات في المستشفيات إلى درجة أن التونسي صار يتمنّى أن يُصيبه المرض لكي يقيم في مستشفيات التغيير و لو يوما واحدا من فرط الخدمات التي من فئة ال5 نجوم المتوفرة في « شارلنيكول » و « الرابطة » و الحبيب ثامر و غيرها .. بن علي أهدانا في عهده أحسن قطاع نقل عمومي في العالم . . قضى على أي اكتظاظ في الحافلة الصفراء و على ظاهرة التأخر الدائم لها . .. في عهده صار التونسي ينعم بحافلات سياحية مائة بالمائة . . بن علي وفّرأيضا أحسن القطارات و صار التونسي يخيّر اليترو على التاكسي من فرط روعة الخدمات داخل الميترو الخفيف و عطر الروائح المنبعثة منه و  تلاحق الرحلات فيه فلا تأخير و لا إنتظار، فكيف ننكر؟ . ..

   بن علي وفّر للتونسيين أحسن الطرقات التي تقاوم كثيرا الأمطار  و الفيضانات  فلا  تُزال بسرعة  و لا تأتيها الحفر لا من خلفها و لا من تحتها . . و وفّر لنا أحسن مصارف  المياه زمن الفيضانات وفي غير زمن الفياضانات . .. بن علي عاقب كل سارق للمال العام و  في عهده لم يحوّل أحد المال العام إلى دبي أو الأرجنتين . . و في عهده حارب مشكورا  التهريب . . فلم نر في عهده لا يخوتا مسروقة  تتسرب من الحدود و لا هم يحزنون  . .

    بن علي أبو التونسيين  العطوف الحنان الذي يغمرنا واحدا واحدا منذ 20 سنة بواسع رعايته منذ فجر الشابع من نوفمبر . . عفوا السابع بن نوفمبر (خطأ في الرقن لا غير)  و نحن أبناؤه الذين لا يعجبهم العجب  و نطلب المزيد  . . و لأنّ لكلّ أب لا بدّ من أمّ ترعى معه الأبناء فقد أهدتنا الأقدار السيدة ليلى أما ترعى البلاد معه . ..

    لكنّ مشكلتي يا ناس ، هو أنّني لم أر هذه الأم الكبيرة العظيمة لكل التونسيين منذ زهاء 3 أشهر ، فكم إشتقنا إلى أن تهلّ علينا كالمعتاد . .

    أذكر أنّني كتبت عن إختفائها عن الأضواء منذ أسابيع في صحيفتيْ « الوطن » و « المصريون » و كانت صحيفة « لوكانرا أون شيني »  قد كتبت قبلي  و تحديدا في 10 جانفي 2007 ، عن أنباء تعرّض سيارة السيدة ليلى لطلق ناري زمن  المواجهات المسلّحة التي تحدّثت عنها الحكومة . .

   و قد كنت أحسب أن أمّ التونسيين ستظهر مجدّدا بين الفينة و الأخرى و أن خبر إختفائها الذي كنت كتبته غير صحيح وأن الخبر الذي كتبته قبلي « لوكانار أنشيني » بدوره غير صحيح . . و مضت الأيام و طلعت علينا وكالة أنباء الحكومة بخبر إرسال السيدة ليلى لكلمة لها في مؤتمر بمالطا ألقتها نيابة عنها وزيرة تونسية . . و بعد ذلك بأيام نظموا نشاطا في جمعية « بسمة  » التي تديرها أم التونسيين السيدة ليلى و مع ذلك لم تحضر و ألقوا نيابة عنها كلمة و منذ أيام في إطار إحتفالات عيد المرأة نظموا ندوة  قالت وكالة أنباء الحكومة إن السيد الصادق شعبان قرأ فيها كلمة نيابة عن ليلى بن علي حفظها الله و أدام فضلها على الشعب التونسي . .

  .. و لكن هل هذا يكفينا كتونسيين ليُشبع شوقنا إلى الطلعة البهيّة للسيدة الأولى التي طال غيابها الآن أكثر من شهرين .. . لهذه الأم العظيمة التي نحن من غيرها أطفال يتامى . . طبعا لا ،  إلقاء كلمات بالنيابة عنها من قبل وزراء  لا يُذيب توقنا إلى رؤية أمّنا تعود إلينا من جديد . .

   نحن نريد أمّنا صورة و كلمة .. . لا كلمة فقط . .. نحن نريد لأمّنا ان تطلع لنا على شاشة التلفزيون كما عوّدتنا و تخاطبنا بصوتها هي لا صوت الوزير فلان و الوزيرة فلانة . . نحن لا نستطيع أن نعيش من غيرها . . فهل سمعتم بأبناء يعيشون من غير أمهم . .

 أنا كتونسي أطالبكم  بأن تظهروا لي أمي كلمة و صورة . . هاتوا لي ماما ليلى .. . هاتوا لي ماما ليلى . ..

 و من هنا إلى أن تأتوا لي بها .. . سأظلّ أردّد الأغنية المعروفة : ماما زمانها جيّة . . ماما زمانها  جيّة . .


رسالة اللقـــاء رقم (16)

التقارب بين « العلمانيين » وحركة النهضة، تساؤلات مشروعة حول مسألة الميراث

د.خــالد الطــراولي ktraouli@yahoo.fr لا يختلف اثنان أن من الأسباب العميقة التي ساهمت في تواصل هيمنة الحزب الحاكم على مقاليد السلطة في تونس على مدار أكثر من نصف قرن هو عدم وجود المعارضة الكفيلة بحمل مشعل التداول على الحكم، وسواء كان هذا الغياب مكرها أو خيارا، فإن حالة الفراغ التي يحملها المشهد السياسي المعارض أصبح مؤشرا لحالة العقم والركود والموت التي تخيم على المشهد العام.

لقد ساهم الاستبداد والنظرة السياسية الأحادية والإقصائية ولا شك في إضعاف المعارضة واستئصال بعضها وترويض البعض الآخر وعدم السماح إلا لمعارضة الديكور التي عملت بوعي أو بغير وعي على إعانة السلطة على الاستفراد بالحكم وتواصل هيمنتها. و لا يمكن إنكار العناء المتواصل ورفض الموت أو مغادرة الساحة التي يعيشها صنف هائل من المعارضة بتعدد مرجعياتها،غير أن تشتت المعارضة الوطنية واختلافاتها ودخول بعضها في منهحيات صدامية، ومشاركتها في الاستئصال والإقصاء، وتنافس غير برئ وفي غير محله أحيانا، ساهم في انعزالها واستضعافها وتحييدها أو تهميش دورها، فعجزت أن تحول دون الاستفراد بها وإقصائها، ولم تتمكن من رأب صدعها وتكوين جبهة موحدة فاعلة ومنسجمة وجدية. لقد كان العمل الموحد للمعارضة البعد الغائب والسبب المنسي أو المتغافل عليه في معادلة المواجهة والمعارضة والتمكين. ولقد ساهمت السلطة في تأسيس هذا التشرذم والتشتت وسعت بكل ما أوتيت من مهارات الترغيب والترهيب إلى تمكينه وتواصله ولن ننكر نجاحها فيه إلى أمد غير بعيد، وليست التسعينات من القرن الماضي إلا عرسا للحزب الحاكم في هذا المجال!!!
لقد حملت مبادرة 18 أكتوبر بصيصا من الأمل في استحداث هذا الصف المفقود والحل المنشود وتجاوزها لمنطق الأنا والتوجس والريبة، عبر تجميعها لقوى سياسية متعددة ومتنافسة، مستقلة ومتحزبة، وذات مرجعيات مختلفة، تحت راية واحدة ضمهم سقف بيت واحد في إضراب جوع شهير وسقف مطالب موحدة. غير أن مع مرور الأيام ضمر هذا المد وبقيت الكثير من الآمال معلقة ولم تتحقق في انتظار دخول عنصر جديد على الساحة أو تطورات لاحقة! وسوف تبقى هذه المبادرة ولا شك محاولة راشدة وقيمة في العمل التونسي المعارض، وتجربة صائبة وتاريخية في كنهها ولو المتأخر لأحد الأسباب العميقة لتخلف المعارضة وتهميشها وهو غياب توحدها حول مطالب جامعة وفي إطار سياسي جدي ومحترم. ويبقى حديثي المطول لهذه التوطئة هو التعبير المجدد للدور الرئيسي لوحدة المعارضة في تعميق مشاركتها داخل المشهد السياسي حتى تعظم (optimiser)عوامل نجاحها، ولذلك يجب إكبار أعمال مبادرة 18 أكتوبر في هذا الباب.
وفي هذا المسار التوحيدي ولمّ الشمل وتأكيد نزعة العمل الوفاقي بين هذه الأطراف، يبرز اللقاء الأخير الذي جمع أركانا من المعارضة التونسية بمناسبة الاحتفال بيوم المرأة العالمي، تحت يافطة مبادرة 18 أكتوبر، كنقطة مضيئة في مسار التجميع وتوحيد الكلمة. وبمناسبة هذه الذكرى صدر بيان [[1]] حول مسألة المرأة أمضى عليه ماصطلح على تسميته بالطرف « العلماني » من جهة، ممثلا في كل  من الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل من أجل العمل والحريات وحزب العمال الشيوعي التونسي، وممثلين عن الإسلاميين من حركة النهضة من جهة أخرى، علاوة على أطراف وتيارات مستقلة. ولقد حمل البيان  توحدا لرؤى الطرفين في إحدى المعضلات التي كثيرا ما فرقت بين الإسلاميين التونسيين عموما و »العلمانيين »، وهي قضية حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، و وقع تسمية الوثيقة الحاملة للبيان  « إعلان هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات: حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين.
ولا يفوت المطلع على البيان الصبغة التصالحية والحوارية، وكذلك الصفة الغالبة للإقرار بالمساواة بين المرأة والرجل، عبر التركيز على هذا المبدأ في العنوان وإعادة صياغته مرات أخرى داخل الإعلان. غير أن المراقب يمكن أن يسترعى انتباهه ولا شك، ضبابية البيان وتعدد إمكانية قراءاته على أكثر من باب، حيث تتجلى منهجية التعميم وتعدد الزوايا والنوافذ لفهم النص وتأويله، والتي تسمح لكل طرف بالإقرار بأن الجميع قد ربح وأنه لم يتخلّ أحد عن ثوابته ومبادئه في قضية شائكة ومختلف عليها كقضية الميراث.
فلو سألت الإخوة « العلمانيين » عن حقوق المرأة في مسألة الميراث وما حواه البيان في هذا الباب لأمكنهم بسهولة التركيز على أن المساواة التامة بين الرجل والمرأة دون استثناء قد تعدد ذكرها وحملها العنوان حتى تكون واضحة لا غبار عليها، فالهدف الأساسي ولا شك هو الوصول إلى هذه المساواة المطلقة بين الجنسين والتي تمثل مطلبا أيديولوجيا وسياسيا يحمله هذا الطرف ويسعى بكل جهد إلى ترسيخه وتمكينه.
ولو طرحت على إخوتنا من إسلاميي « النهضة » نفس السؤال لأمكنت الإجابة بأن ذكر التفاعل مع مقومات الحضارة العربية الإسلامية وترك الأمور التي لا تأنس إلى وفاق « أوّلي » ـ كمسألة الميراث ـ إلى حوارات قادمة ـ كما ذكرها البيان ـ تمثل مخرجا سليما وربحا آنيا ولا شك في عدم التعرض مباشرة لهذه المسألة الخلافية.
ومع احترامنا لهذه المنهجية المستندة أساسا على عامل الإرجاء وتقديم عنصر الوحدة والوفاق ولو كان آنيا، والتعويل على عامل الحوار البناء المستقبلي في تشييد علاقة تفاهم وتفهم وتقبل من طرف الجميع، غير أننا لا نرى مبررا لها ونعتبرها إرجاء في غير محله بل أنه يمكن أن يمثل تهديدا مستقبليا لأي عمل جماعي يراد منه الوقوف بجدية أمام الاستبداد.
ليست قضية الميراث بين الرجل والمرأة مسألة اجتهادية عند أغلب مفكري الإسلام السياسي إن لم يكن كلهم، بل يعتبرونها تستند إلى مرجعية قدسية واضحة الدلالة ولا يمكن إحداث أي تطور لها دون المس بالنص المقدس. فتاريخ التشريع الإسلامي ظل صامدا وثابتا في هذه المسألة ولم يعرها أي اهتمام اجتهادي ولم تستطع كل البلاد الإسلامية باستثناء تركيا وحالتها الخاصة جدا، المساس بهذا التحديد، ولذلك ظلت المسألة مستعصية على التجاوز أو المساس بها لدى الحركة الإسلامية في أدبياتها وفي مشروعها السياسي.
لذلك فالدعوة للإرجاء تصطدم ولا شك بهذا الجدار الصلب من المقدس الثابت والواضح الدلالة، وحركة النهضة تجد أمامها طريقين لا ثالث لهما:
1.     إما اعتبار قدسية النص في عدم سماحه بالمساواة المطلقة في الإرث بين الجنسين، وبالتالي لن يكون النص تاريخيا ولن يتغير بمرور الزمن، و يفتقد بالتالي التعويل على الإرجاء مصداقيته وفعاليته، وتصبح هذه المنهجية المعتمدة على الانتظار والمراهنة على الحوار البناء كما عناه البيان لتقريب وجهات النظر، غير مجدية وعقيمة، بل تصبح خطيرة لأنها تعتمد المجاملة وعدم البناء على المصارحة، ولعلها تكون أكثر إيذاء عند بروز الحقيقة، في بناء خنادق جديدة وتعميق الاختلاف.
2.     وإما اعتبار آيات الإرث نصا تاريخيا يمكن تطويره وتحديثه نحو المساواة المطلقة التي يريدها الطرف « العلماني »، فيقع اللقاء والوفاق على أساس من التنازل عن الثوابت عند البعض، والتطور الإيجابي عند البعض الآخر. وإذا كان هذا هو المرجو من الإرجاء، فيمكن اعتبار حالة الانتظار نحو هذا التوحد في الرؤيا مضيعة للوقت، ووجب منذ الآن الحديث عن هذا التوجه وتأصيله وإعداد المنتمين لتقبله.
أما الطرف « العلماني » فإن منهجية الإرجاء تبدو رابحة في الوهلة الأولى على ضوء الإغلاق الجيد والذكي الذي حمله البيان عبر التكرار المتواصل لهذه الغاية القصوى والمتمثلة في المساواة التامة في الحقوق بين الرجل والمرأة، وجعلها هدفا ومنهجية في نفس الوقت. غير أن التعويل على إرجاء المسألة إلى حوارات لاحقة يعتبر رهانا جريئا على إمكانية تطور الطرف المقابل نحو مناطق تقارب، ويعتمد على أن المسألة تبقى غير مقدسة وقابلة لإجتهاد. وهو في نظرنا مراهنة كبيرة يمكن أن نصطدم بحقائق على الأرض، فيكون الفشل وتكون المرارة وتكون القطيعة.
إن الدعوة إلى توحيد الرؤى وتجميع القوى في مواجهة الاستبداد والعمل على ذلك والسعي الرشيد لتفعيلها يظل ولا شك عنصرا أساسيا في نهوض المعارضة وإيصال صوتها وبناء القدرة التفاوضية أو « الرفضية » في ذلك، غير أن البناء الذي يعتمد فلسفة الإرجاء والتأجيل ومنهجية الإنتظار والتعليق يبدو لنا غير سليم القواعد والجدران، ويمكن أن ينهار ولو بعد حين مخلفا وراءه جهودا مضنية شقي الكثير في إرسائها، لتذهب هباء منثورا.
ولنا أن نسأل بكل وضوح ودون مواربة: هل يعني إرجاء وتعليق هذه المسائل الخلافية إمكانية الاجتهاد فيها واعتبارها نصوصا قابلة للتأويل والتحوير ولو بعد حين؟ ثم ما ضير الأطراف جميعا أن تلتقي وتجتمع وتتوحد في مطالبها و كل منها يحمل مفهومه للمساواة بين الجنسين؟ ما ضير « العلمانييين » أن يلتقوا سياسيا مع أطراف يمكن أن يختلفوا معها في بعض الثنايا؟ ما ضير أن يتقدم الإسلاميون إلى هذا التجمع دون أن يتخلوا عن مسائل يرونها ثوابت في مرجعيتهم وفي مشروعهم؟
إننا نرى وبكل تواضع إن منهجية المصارحة، خاصة في هذا الباب كفيلة بأن تبني علاقات سليمة مبنية على الوضوح، فنحن لا نريد أن يحمل الإسلاميون غيرهم على مواقفهم ورؤاهم، ولا أن يحمل « العلمانيون » منافسيهم على ما يرون، ولا أن تكون الديمقراطية صك غفران يحمله قديس محلوق اللحية أو كثيفها، يعطيه لمن يراه قريبا من كنيسه ويدخل خانعا تحت سقفه! وليست مدنية المشروع ولا ديمقراطية الفعل والرؤى معبدا هيمن عليه حراس معينون نصبوا أنفسهم حماة له، ولكن الديمقراطية فلسفة حياة وأسلوب حكم يمكن أن تلتقي عليهما أطراف غير متجانسة، وإنا نؤمن أن من بين الإسلاميين والعلمانيين رجالا ونساء جيدين وجيدات، ومسؤولين ومسؤولات، يطمح جميعهم ومن خلال مشاريعهم وأحلامهم ومقارباتهم إلى تبني هذا المفهوم نظرا وفعلا دون وصاية أو إذن، وإلى العمل الجماعي من أجل تحرير الإنسان ورقيّ الأوطان.
المصدر:  موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net [1]  تونس نيوز  7 مارس 2007


الندوة المتعلقة بالمساواة بين الجنسين – هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات – ديسمبر 2006

مداخلة الأستاذ أحمد نجيب الشابي (*)
هل توجد قضية للمرأة اليوم؟ وفي صورة الإيجاب ما هي هذه القضية؟ ولماذا تطرحها المعارضة كأحد الشروط المسبقة للعمل المشترك؟ التطور التاريخي لقضية المرأة في تونس: برزت قضية المرأة في تونس كما في سائر بلدان العالم العربي والإسلامي مع مطلع القرن الماضي تحت تأثير الاحتكاك بالغرب وكواحدة من قضايا الإصلاح، إلى جانب الإصلاح الديني وإصلاح التعليم والنظم السياسية. وبرز الطاهر الحداد في ثلاثينات القرن الماضي كرائد لحركة تحرير المرأة في بلادنا ولاقت أفكاره التحررية معارضة قوية من رجال الدين المحافظين وعدم استحسان من الحركة السياسية الحديثة التي رأت عدم تعريض الوحدة الوطنية إلى انشقاقات سابقة لأوانها وأجلت النظر في مثل هذه القضايا الخلافية إلى ما بعد الاستقلال. وجدير بالملاحظة أن القوى المحافظة التي عارضت الحداد من أمثال الشيخ محمد صالح بن مراد لم تجاف العمل الإصلاحي بل بعثت ابنته بشيرة بن مراد « اتحادا إسلاميا للمرأة التونسية » عمل على تعبئة التراث في ميدان المساواة بين الجنسين وأثـَرُ شهيرات النساء في الإسلام ليدفع بالمرأة التونسية إلى الانخراط في الحياة الاجتماعية فأسس « الاتحاد » مدرسة للفتيات ونظم الملتقيات جمع فيها الأموال لإرساء بعثات جامعية إلى الخارج وساند نشر العلم والتعليم وانخرط في العمل الوطني من أجل الاستقلال. وشكل الاتحاد الإسلامي للمرأة التونسية أهم تنظيم نسائي حتى الاستقلال. كما عمل الحزب الحر الدستوري الجديد من جهته على بعث حركة نسائية تونسية لم تعرف الانتشار والتأثير إلا بعد نيل الاستقلال وبالاستناد على إمكانيات الدولة الوطنية. وكان إصدار مجلة الأحوال الشخصية من أول إنجازات الدولة الوطنية الجديدة التي أدخلت إصلاحا جذريا على وضع المرأة فمنعت تعدد الزوجات وجعلت من تراضي الزوجين أساسا لعقد الزواج وأخضعت الطلاق إلى نظر المحاكم واعترفت التشريعات الجديدة بالحقوق السياسية للمرأة ومنها حق الانتخاب وعملت على نشر تعليم البنات وفرض الاختلاط بين الجنسين في المدارس وقاومت الحجاب ودعت إلى السفور. وعلى الرغم من اعتماد الدولة على الوسائل القسرية في سن هذه التشريعات ودفع هذا التطور فإن هذه الإصلاحات لم تأت مسقطة على المجتمع بل جاءت في سياق تطور طويل وتحت تأثير الاحتكاك الثقافي والاجتماعي بالغرب وخاصة منها الدولة المستعمرة كما اندرج في سياق التطور العام الذي عرفته المنطقة. وتجدر الملاحظة أيضا إلى أن هذه الإصلاحات لم تطرح في تعارض مع تعاليم الدين الإسلامي بل استهدفت القوى الدينية المحافظة وقدمت نفسها كإحدى القراءات الممكنة للإسلام. وبعد نصف قرن من انطلاق هذه المسيرة يمكن القول بأن تونس تتميز اليوم بحالة من التقدم في ميدان تحرير المرأة والاعتراف بحقوقها المدنية والسياسية. فنسبة تعليم البنات تساوي اليوم نسبة تمدرس البنين بل أن نسبة الطالبات فاقت نسبة الذكور من طلاب الجامعات واقتحمت المرأة جميع حقول العمل والنشاط وتكاد لم تبق مهنة خارجة عن ميدان تدخلها فاحتلت المرأة موقعها في الإدارة والتعليم والطب والقضاء والمحاماة والأمن والجيش وقيادة الطائرات الخ… كما تحسنت نسبة مشاركة المرأة في الحياة العامة ولئن ظلت دون مستوى الرجال كما هو الحال في أغلب دول العالم إن لم نقل كلها. ما هو واقع المرأة اليوم؟ ولما كان العمل الإنساني مبني على النقصان ومهما كانت الجهود المبذولة على مدى نصف قرن مضى فإن الحياة الاجتماعية لازالت تشكو من عديد المظاهر لعدم المساواة بين الجنسين والتي تتجلى خاصة:   في ارتفاع نسبة الأمية بين النساء قياسا إلى مستواها بين الرجال.   في تدني مستوى الأجور عند النساء بمعدل 14% حسب آخر تقدير للبنك الدولي ويرتفع هذا المعدل إلى 18% في القطاع الخاص.   هشاشة عمل المرأة التي تتصدر الأعمال المتدنية المهارة وذات الأجور البخسة والمعرضة للبطالة بسبب اشتداد المنافسة الدولية في القطاعات التي تشغل النساء كقطاع النسيج.   تفشي البطالة بين النساء وانخفاض نسبتهن من القوة العاملة إذ يخرج ثلاثة أرباع النساء عن تعداد القوة العاملة في بلادنا.   انفراد المرأة بالعمل المنزلي وبتربية الأبناء بما في ذلك المرأة العاملة التي ترهقها ازدواجية المسؤوليات.   ضعف نسبة مشاركة المرأة في مراكز القرار سواء كان ذلك في الجمعيات الأهلية والسياسية أو المجالس النيابية أو الدوائر الحكومية والمؤسسات الاقتصادية الكبرى. كما تعاني المرأة من نظرة دونية ظلت تلاحقها في البيت وموطن العمل والشارع جراء ثقافة ذكورية لا زالت متأصلة بالرغم من فعل التعليم وانفتاح المجتمع على العالم (وسائل الاتصال الحديثة ووجود جالية تونسية في الخارج واستقبال ملايين السياح سنويا). على المستوى التشريعي وعلى الرغم من الجهد المتواصل لإلغاء مظاهر التمييز بين الجنسين في القانون فإن التشريعات لازالت تتطلب مزيدا من التحسين والتدقيق لاستئصال بقايا هذا التمييز. قضية اجتماعية أم إيديولوجية؟ إن الموضوعية تقتضي الإقرار بأن الإسلام سوى بين المرأة والرجل من حيث أنها إنسان كامل يتحمل مسؤولية أعماله لكنه ميز الرجل في بعض المجالات الاجتماعية والأدلة على هذه المســاواة الأساسية وهذا التمييز واضحة في القرآن والأحاديث النبوي. كما أن الموضوعية تقتضي الإقرار بأن المرأة عانت من التمييز الشيء الكثير في عصور الانحطاط فحجبت في البيوت ونالها الظلم والطغيان وكرس الفقهاء وضعها الدوني حتى غدا اعتقادا سائدا طوال القرون. والموضوعية تقتضي الإقرار أيضا بأن حركة الإصلاح اعتمدت منذ منتصف القرن التاسع عشر على ما تضمنه الموروث من اعتراف بإنسانية المرأة ليطالبوا بمراجعة وضعها والاعتراف بحقوقها الاجتماعية وإشراكها في الأعمال والحياة العامة. وقد لعب المصلحون دورا هاما في إسناد حركة تحرر المرأة وتهيئة المجتمع روحيا وثقافيا لتقبلها. ومع نهاية الستينات ومطلع السبعينات وبتأثير من التيارات الوهابية والإخوانية وفي ردة فعل على التوجهات التحديثية للسلطة ظهرت تيارات تنادي برفض أحكام مجلة الأحوال الشخصية والعودة إلى الشريعة الإسلامية للحفاظ على العلاقات الأسرية التقليدية. وغذت هذه التيارات خوفا في الأوساط التحديثية على ما تحقق من مكاسب في ميدان تحرر المرأة. لكن المطلع على الأدبيات المبكرة للحركة الإسلامية التونسية (النصف الأول من الثمانينات) يدرك بلا عناء بأن ردود الفعل وقع تصحيحها في اتجاه تحرري يقر بحقوق المرأة وبمكتسباتها الاجتماعية. كما أن المراقب للظواهر الاجتماعية يدرك أن حركات الإسلام السياسي وخاصة في تونس لم تطرح البتة حجب المرأة وإخراجها من الحياة الاجتماعية والاكتفاء بالنسبة إليها بالحد الأدنى من التعليم وإنما قاومت هذه الدعوات وعملت على إقحام المرأة فعليا في مختلف مجالات النشاط الاجتماعي ولم يكن الحجاب الذي عملت هذه الحركات على ترويجه سوى المسوغ لهذا الإقحام. إن مجمل هذه الاعتبارات تجعلنا نجزم بأن اعتبار الدين ككل والحركات الإسلامية برمتها معادية لقضية تحرر المرأة مجاف للواقع الثقافي والاجتماعي وللتطور التاريخي وهو طرح يوظف في الواقع قضية المرأة للوصول إلى هدف إيديولوجي ينادي بفصل الدين عن الدولة. ومع أن المقام لا يتسع لمناقشة مسألة العلمانية في ما هو خاص بالتاريخ الديني والسياسي للبلدان الغربية (وجود هيئة كنيسة تنطق بالحقيقة الدينية إلى جانب الدولة ووجود رجال دين متميزين عن الناس العاديين والتفريق بين المجال الدنيوي والمجال الأخروي، الحروب الدينية للقرن السادس عشر إلخ…) وفي ما هو كوني يتلخص، حسب رأيي، في إقرار حرية المعتقد ومبدأ المواطنة الذي لا يميز بين المواطنين بسبب عقائدهم الدينية واعتبار الهيئة التشريعية لا هيئة علماء الدين مصدرا للتشريع فإن الواقع الروحي للمجتمعات الإسلامية وتاريخها الحضاري (غياب مؤسسة كنسية، وتعدد المذاهب وتعايشها بناء على حق الاجتهاد إلخ…) يثبت أن الإصلاح الديني كان ولا يزال خير مدخل لتأصيل التحديث وإقرار السلم الاجتماعية. وهذا الإقرار لا يقلل في شيء من حق الآخرين في معالجة قضايا التحديث من منظارهم الخاص ولا من دورهم في دفع حركية التحديث لكن الواقعية (وليس الذرائع السياسية) لا تفيد ماضيا أو حاضرا أنهم لعبوا أو باستطاعتهم أن يلعبوا دورا مؤثرا في تحرير المرأة والقضاء على مظاهر التمييز بينها وبين الرجل. لماذا تطرح حركة 18 أكتوبر قضية المرأة على رأس جدول أعمالها؟ لقد تعطلت الحياة الثقافية مع تعطل الحياة السياسية منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي ولم يساعد القمع والاستئصال الذي نزل بحركة النهضة من قيام حوار مفتوح معها حول أمهات القضايا الاجتماعية وحل الاغتراب والاستئصال المذهبي محل الحوار بين الفرقاء السياسيين. واليوم وبعد أن اعترف الجميع بقصور الحلول الأمنية وعقم الاستئصال في معالجة الظواهر الثقافية والاجتماعية والسياسية وبعد أن اقتنع العديد من الفاعلين السياسيين بأن طريق الانتقال إلى الديمقراطية يمر عبر تكتيل قوى الإصلاح السياسي بمختلف مشاربها الفكرية والثقافية وبعد أن أيقن الجميع بأن استقرار الديمقراطية يقتضي وفاقا اجتماعيا عاما حول أسسها ولما كانت الديمقراطية تتجاوز كونها آلية لحكم الأغلبية بل هي آلية للحد من حكمها وحماية حقوق الفرد والأقليات ولما كانت المساواة من القيم الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية. (*) أفكار أساسية من مداخلة بعنوان « قضية المرأة في تونس » للأستاذ أحمد نجيب الشابي الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي. (المصدر: « البديل »، قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي بتاريخ 12 مارس 2007)  


الندوة المتعلقة بالمساواة بين الجنسين – هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات – ديسمبر 2006:

مداخلة علي لعريض (*)

بسم الله الرحمان الرحيم
I – تأطير القضية إن تحرير المرأة من المظالم المسلطة عليها عبر التاريخ وتكريس حقوقها وتفعيل دورها في المجتمع كمواطنة قضية ليست خاصة بمجتمع دون آخر أو بثقافة دون أخرى لكن التفاوت كبير بين ما تحقق في مجتمعات متقدمة وبين أخرى ما تزال خطواتها الأولى نحو هذا التحرير والتفعيل فهي قضية لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها لكل من رام الإصلاح الشامل والبحث عن عوامل النهوض بالمجتمع وتنميته وتحديثه. وهي كذلك قضية ذات أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية. ومن هذا المنظور المتشابك العناصر يجب أن تطرح لا من منظور ضيق قد يحصرها في بعد فلسفي مجرد أو فروع فقهية منزوعة عن سياقها وأصولها أو تستعمل هذه القضية الشريفة للمزايدات الانتخابية أو الحملات التشويهية أو للمساومة والمن على المرأة مقابل الأصوات والولاء أو تستغل للعيش منها بدل العيش من أجلها. إنها قضية المرأة والرجل والأسرة والمجتمع تطرح في جوهر قضية التنمية وفي إطار قضايا مجتمعنا التونسي اليوم والتحديات التي تعترضه وتطلعاته للإصلاح والتغيير وفي إطار البحث عن الحلول المناسبة لثقافته العربية الإسلامية المتحركة تفاعلا مع تجارب العصر وروحه. II – تقييم عام 1 – لقد تحققت للمرأة التونسية مكاسب في مجال التعليم والصحة والتشغيل والأحوال الشخصية كما بُذلت جهود في مجال الأجور والمشاركة في الشأن العام وفي الحماية الاجتماعية وتشريعات لدفع المساواة بينها وبين الرجل لكن الواقع ما زال بعيدا عما تتضمنه القوانين والتشريعات. وتدارك هذه الهوة يحتاج إلى سياسات ومبادرات وإلى جهود لا تمثل التشريعات إلا جزءا منها ولا يمكن لها أن تؤتي ثمارها ما لم يكن الإصلاح شاملا للحريات العامة والعدالة الاجتماعية والتوعية الثقافية في تفاعل مع المجتمع ودون إكراه. من ناحية أخرى فقد تراجع نسبيا سلطان بعض التقاليد والتصورات الخاطئة التي ساهمت في تغييب المرأة وإعاقة تفعيل دورها في المجتمع والإقرار بحقوقها كمواطنة وشريكة للرجل في مختلف مجالات الحياة تتكامل الأدوار بينهما لكن النظرة الدونية للمرأة سواء اتصلت بالجسم أو بالعقل أو بالمزاج ما تزال مؤثرة وتساهم التنشئة الاجتماعية في البيت وعبر وسائل الإعلام والمحيط في توارث بعض الأبعاد السلبية لهذه النظرة الدونية وقد تتلبس قيم الانحطاط بقيم الدين ويقع الخلط بينهما لا سيما في ظل ثقافة أحادية وفقيرة لا تساعد على تعميق الوعي العام بإنسانية المرأة ومسؤوليتها وحقوقها كما لا تساعد على نشر وعي ديني أصيل معاصر ومقبول. 2 – إن المرأة التونسية كالرجل تعيش آثار الظلم والاستبداد والاستغلال المسلطة على المجتمع وكلها عوامل تفاقم من مشاكل الأسرة الاقتصادية والاجتماعية وتضيق أمام المرأة أبواب الانطلاق والتحرر وتزرع العوائق أمامها بدل الحوافز. ومعلوم أن الانغلاق السياسي ومصادرة الحريات الخاصة والعامة يغذي الاستبداد الاجتماعي والاستغلال ويتقوى بهما ويعطل حراك المجتمع ويضاعف من عزل المرأة خاصة والرجل عن العناية بالشأن العام (العمل السياسي، العمل الجمعياتي…) وتتضاعف كل هذه العراقيل مع انتشار وسائل إعلام تغيب صورة المرأة الإنسانة الفاعلة في كل المجالات في الحقل وفي المصنع والمؤسسة وفي الأسرة الواعية بدورها وحقوقها ومسؤوليتها وتكرس صورة المرأة الجسد أو الشيء اللاحق بالرجل أو برأس المال للاستغلال. صورة المرأة التي يصير أكبر همها العناية بمظهرها بدل العناية بإنسانيتها في كل أبعادها بما يحقق ذاتها وانعتاقها من كل صور الاختزال والاستلاب. 3 – إن معاناة المرأة العاملة تضاعفت بسبب تحملها لعبء الشغل وعبء شؤون المنزل والتنشئة ذلك أن تقسيم العمل لا سيما المنزلي منه لم يجار التغيير الحاصل في واقع المرأة وبقي بصفة عامة محافظا على اتجاه الرجل نحو العمل والعناية بالشأن العام واعتبار المنزل والأطفال من شؤون المرأة ومما زاد في أعباء المرأة التونسية لا سيما العاملة قلة المرافق المساعدة كالمحاضن ورياض الأطفال وسائر الخدمات التي تخفف عنها أعباء الأسرة خاصة في ظل قدرة مالية ضعيفة. وهذا الوضع زيادة على إنهاكه للنساء العاملات فقد أفرز انعكاسات سلبية على تماسك الأسرة وتوازنها وعلى تنشئة الأطفال ورعايتهم. III – مبادئ ومنطلقات إن المجموعة الوطنية تعتز بهويتها العربية الإسلامية وبخصوصياتها الوطنية وتتطلع إلى بناء مجتمع حر متضامن ومتوازن، مجتمع يستلهم من قيم الإسلام ومقاصده المنفتحة على مشاغل الإنسانية وقضايا العصر ويتفاعل مع الحداثة والخبرة الإنسانية ويصون رصيد مكتسباته وينميها باطراد. هذه المبادئ والمنطلقات المرجعية نفصلها كالتالي: 1 – إن المرأة والرجل في تصورنا الإسلامي خلقا من نفس واحدة فهما متعادلان في الإنسانية وخوطبا في القرآن الكريم بالاستخلاف والتكريم وحمل الأمانة دون وصاية أحدهما على الآخر ولا وساطته كما أنه لا تفاضل بالذكورة والأنوثة وإنما التمايز بالعمل والخلق. والمساواة والعدل بينهما في الحقوق والواجبات أصلان ومقصدان لا يحتاجان إلى إثبات موجبات لهما وإنما إلى تدارك ما قد يعرقل تحقيق هذين المقصدين من العوارض المختلفة الناجمة عن واقع المجتمع ومسار تطوره. 2 – إن المرأة والرجل خلقا للتراحم والتكامل لا للصراع الثنائي والأسرة السليمة ضمانة لتنشئة أجيال متوازنة ومجتمع متماسك وهي تستلزم تضحيات الرجل والمرأة وتعاونهما وتكاملهمـــا وتنزيل حقوقهما ضمن توازن بين حقوق الفرد وحقوق الأسرة وحقوق المجتمع. 3 – إن روح الدستور التونسي كعقد عام جامع لكل التونسيين حول مجموعة من المبادئ والقيم المشتركة قد أقرت وأبرزت الهوية العربية الإسلامية للبلاد وضمنت سيادة الشعب وخيار النظام الجمهوري الديمقراطي المبني على قيم الحرية والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين كل التونسيين أي على أساس المواطنة. لقد أكد التاريخ أن عزل المرأة عن المجتمع هو العامل الرئيسي في تكريس دونيتها ومضاعفة العقبات أمام تنمية شخصيتها والإقرار بحقوقها وتفعيل دورها في نهضة المجتمع ودعم أركانه في الأسرة وفي سائر ميادين الحياة كما أكدت تجارب المجتمعات المتقدمة التلازم الوثيق بين تقدمها وارتقاء مكانة المرأة فيها وقطع أشواط في مساواتها مع الرجل قانونا وواقعا ودعت المواثيق الدولية والتوصيات العاكسة لخلاصة الاعتبار من رصيد الخبرة الإنسانية إلى تأكيد حقوق المرأة وتدارك الاختلال الحاصل بينها وبين الرجل ولو بمبادرات وسياسات استثنائية ومؤقتة. وفي ضوء هذه المبادئ والمنطلقات وأخذا بعين الاعتبار التقييم العام لواقع المرأة في مجتمعنا اليوم فإننا نجدد رسوخ القناعة والالتزام لدينا: 1 – بصيانة مكتسبات المرأة المحققة وبتأكيد حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية حتى تضطلع بدورها متحررة من عوائق التقاليد الموروثة والمستوردة، كما نؤكد أن تحررها الحقيقي وتحرر الرجل مرتهن بتحقيق الحريات الأساسية والديمقراطية. 2 – بضرورة العمل على الارتقاء الدائم بحقوق المرأة كمواطنة في تساو وتكامل مع الرجل واتخاذ السياسات والمبادرات لتدارك كل الإختلالات وإن يكون الارتقاء والتطوير مع الرجل وبتعاونه لا ضده ضمانا لنجاعة الإصلاح وتجذيره وبناء مجتمع الحرية والعدل والمساواة. 3 – نشر ثقافة تؤكد التصور المستلهم من قيمنا الإسلامية ومن روح العصر وعصارة تجاربه، تصور يرسخ المرأة الإنسانة والمواطنة والمتساوية والشريكة والمتكـــاملة مع الرجل، تصور ينمي شخصية المرأة والرجل ولا تطغى فيه خصوصيات كل من الجنسين على وحدة الأصل ويدمجهما ضمن رؤية تنموية لمجتمع حديث، تصور يحاصر النضرة الدونية للمرأة أيا ما كان مستندها. 4 – العمل على توفير الخدمات والمرافق المساعدة للأسرة ودراسة تكييف ظروف العمل وأوقاته بالنسبة للمرأة العاملة بما يسهل عليها خاصة وعلى الرجل النجاح في الحياة الأسرية والمهنية والمشاركة الفاعلة في الشأن العام ومسايرة التحولات العميقة في المجتمع ويحفظ مناعته. إننا ومن منطلق مبدئي مع قيم الحرية والعدالة والمساواة، مع الديمقراطية وحقوق الإنسان ونعتقد أن لها موقعا مريحا في قيم ديننا التحررية ومقاصده السامية وأن تمكين هذه القيم والمبادئ في مجتمعنا يحتاج إلى المثابرة على تخليصها مما علق بها من رواسب الانحطاط والانبتات بدعم حركة التجديد في الفكر الإسلامي والارتقاء بالوعي العام وتكريس الحقوق في النصوص القانونية والممارسة. كما نعتبر أن لمجتمعنا من رصيد الوعي والتجربة ما لا يقبل معه أي وصاية أو إكراه على اختيارات تهم مصيره. فالمشروعية في كل أمره العام ينبغي أن تعود إليه مباشرة ومن خلال مؤسسات ديمقراطية ترسي مجتمع المواطنة والحكم الرشيد. ديسمبر 2006 (*) مداخلة بعنوان « تأكيد حقوق المرأة التونسية وتفعيل دورها » لـ »علي لعريض » الناطق الرسمي السابق باسم « حركة النهضة ». (المصدر: « البديل »، قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي بتاريخ 12 مارس 2007)  


اشتداد القبضة الأمنية

بعد الأحداث المسلحة التي شهدتها بلادنا (الضاحية الجنوبيةـ منطقة سليمان) في أواخر العام المنقضي وبداية العام الحالي، ظنّ البعض أن نظام بن علي سيأخذ « درسا » من تلك الأحداث ويجري تعديلات على سياسته للتخفيف من حدّة الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد وأُخِذَت بعض الوقائع مثل الترخيص لمسرحية « خمسون » ودعوة بعض أحزاب المعارضة « المغضوب عليها » لحضور ندوة رسمية حول التكوين المهني، على أنها مؤشرات « انفراج ». ولكن بمرور الأيام اتضح أن هذه « التحليلات » قائمة على وهم وهي لا تأخذ بعين الاعتبار طبيعة نظام بن علي البوليسية الاستبدادية. فما حصل هو ما كناّ توقعناه، وهو مزيد تشديد القبضة الأمنية على المجتمع. فقد تكاثرت الاعتقالات في صفوف الشباب وتفاقمت ممارسة التعذيب والتنكيل بالمساجين السياسيين وعائلاتهم، واشتدّ من جديد الحصار على مقرّات أحزاب المعارضة والجمعيات المستقلّة وملاحقة أعضاء « هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات ». كما اشتدّ قمع احتجاجات أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل وإحالة بعضهم على المحاكم. كل هذه الوقائع تؤكد أن نظام بن علي ماض في نهجه القمعي وهو لا نيّة له في الإصغاء إلى مطالب المجتمع وخاصّة المتعلّقة منها بالحريات بل أكثر من ذلك فهو ينظِّم من الآن وقبل ثلاثة سنوات تقريبا من « انتخابات » 2009 حملة « مناشدات » لدعوة بن علي إلى البقاء في الحكم. وهي صيغة لتمرير الرئاسة مدى الحياة وتأييد الحكم الفردي المطلق. إن هذا الوضع السياسي المزري، يقترن بوضع اجتماعي يسوء أكثر فأكثر نتيجة تفاقم البطالة وخاصّة بطالة أصحاب الشهادات العليا، وتدهور المقدرة الشرائية للطبقات والفئات الشعبية بسبب الغلاء المستمر للأسعار وضعف المداخيل واستشراء الفساد وانتشار الأمراض الاجتماعية مثل الجريمة والكحولية والمخدّرات. وأمام وضع كهذا يتّضح مرّة أخرى أنّ السبيل الوحيد لتغيير الأوضاع هو النضال ولا شيء غير النضال، أما التعويل عل نظام بن علي ليتخذ من تلقاء نفسه إجراءات تستجيب لمطالب الحركة الديمقراطية وطموحات الشعب التونسي فهو مجرّد وهم. لذلك علينا أن نضاعف من جهدنا في توعية العمال والكادحين وتنظيم صفوفهم وتعبئتهم من أجل التصدي للاستغلال والقمع والفساد. كما أنه علينا أن نضاعف من جهدنا لكي تتوحد صفوف المعارضة السياسية والمدنية. (المصدر: « صوت الشعب »، اللسان المركزي لحزب العمال الشيوعي التونسي، العــدد 253 بتاريخ 10 مارس 2007)  


دولة الإرهاب في تونس تخلق الإرهاب المضاد

شنت الدكتاتورية في المدة المنقضية هجوما سافرا على عشرات الشبان بدعوى تورطهم في الانتماء إلى شبكات إرهابية. وقد طال هذا الهجوم شبابا في مقتبل العمر من مختلف جهات البلاد وخاصة الجنوبية منها (قابس، قبلي، توزر، صفاقس…) ليقع تحويلهم مباشرة إلى مخافر وزارة الداخلية بالعاصمة ثم إلى سجن المرناقية (السجن الجديد بتونس). إن هذه الحملات شبهها كبار السن بهجمات المستعمر الفرنسي على الوطنيين أو على المجندين قصرا في صفوف الجيش الاستعماري ليكونوا وقودا لحروبه الظالمة (الهند الصينية، أفريقيا…) أو بحملات النظام البورقيبي على اليوسفيين والشيوعيين والقوميين والنقابيين والإسلاميين، ونظام بن علي ضد كل خصومه خاصة في مفتتح التسعينات. إن الهجوم فظيع! فغالبا ما يكون في الليل وبطريقة ترهيبية واضحة. فلا يستظهر زوار الليل بما يثبت هوياتهم ولا بإذن بالتوقيف أو التفتيش أو أي شيء. العلامة الوحيدة التي تدل على صفتهم هي اصطحاب العمدة الذي ينخرط بدوره في مهمة بوليسية. وبوصول الجماعة أمام بيت المطلوب ينقضون عليه مباشرة. وفي غالب الأحيان تكون الضحية شابا يافعا لم يتعد العشرين ولم يحصل بعد على الباكالوريا، ويصاحب ذلك اقتحام للبيوت بدعوى التفتيش عن أدلة على « النشاط الإرهابي ». وتطال هذه العملية كل شبر في المحل المستهدف بما في ذلك حاوية القمامة وطابونة الخبز… ولا يهم هؤلاء لا ترويع الأطفال ولا دموع الكبار… وأمام قوة الهجوم وما يصاحبه من إرهاب متعمد يضطر البعض إلى التعاون مع البوليس للقبض على المطلوب حتى ولو كان قريبه أو ابنه… لكن لا بد من الإشارة إلى أن بعض العائلات فاجأت عصابات بن علي بالاحتجاج والاعتصام أمام مراكز البوليس للضغط من أجل إطلاق سراح مخطوفيهم. وقد يطلق سراح البعض ويقع الاحتفاظ بالبعض الآخر لتنطلق بذلك رحلة المتاعب… شباب وراء الأبواب المغلقة وعائلات تجـــوب البلاد طولا وعرضا بالقفة والزيارة وما يتطلبه ذلك من مصاريف ومتاعب لا يعرف حقيقتها سوى من « عفس على الجمرة ». لقد بات واضحا أن نظام بن علي يبحث عن « أعداء جدد » ليكونوا منطلقا لحملة قمعية جديدة شبيهة بما عرفته البلاد في بداية العشرية الماضية. وهو يستغل انخراط أسياده في ما يسمى « الحرب على الإرهاب »، لينظم حربا على الشعب. وهو يتعمد تهويل « الخطر الإرهابي » الذي تواجهه البلاد ليزيد من تضييق الخناق على كل القوى السياسية مهما كانت أشكال نضالها. إن ظاهرة الإرهاب هي في الأصل ظاهرة اجتماعية، وهي دليل على فشل خيارات النظام وسياساته. ومن مصلحة هذا النظام توتير الأوضاع الأمنية وخلق مناخ من الرعب والخوف لدى الشعب التونسي لثنيه عن مواصلة نضاله من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية. واستغلال المناخ الدولي الملائم لإعطاء شرعية لنظامه ومحاولة الخروج من عزلته بالانخراط في المشروع الامبريالي الصهيوني الذي أعطى الضوء الأخضر للدكتاتوريات بإطلاق العنان لانتهاك أبسط حقوق الإنسان بتعلة مقاومة الإرهاب. وبذلك يجد مبررا لانغلاقه ولكبته للحريات بدعوى أن المطلوب اليوم هو مواجهة « الإرهاب » و »رص جميـع الصفوف » لتحقيق هذا الهدف. إن نظام بن علي يحاول الاستفادة القصوى من دعم الامبرياليين له حتى يسد الباب أمام تطلعات الشعب للحرية والديمقراطية، وهو بصدد ممارسة التصعيد الأمني بهدف تمرير « ترشحه » من جديد لانتخابات 2009. فالرجل ونظامه وأسلوبه في الحكم، ضمانات قوية لـ »الاستقرار » ولسد الباب أمام « الإرهاب ». « إن قبضته الحديدية أفضل ألف مرة من حرية قد تجلب الإرهاب أو تقويه ». لذلك فـ »الأفضل لشعب تونس أن يحافظ على نظامه ويناشده عدم التنحي… فبدونه تضيع البلاد! » إن هذه المقاربة لا ضحية لها، مرة أخرى، إلا أبناء الشعب. فالغالبية الساحقة من الموقوفيــن أو المحالين الذين طالتهم الأحكام الثقيلة بمقتضى قانون الإرهاب (10 ديسمبر 2003)، لم يمسكوا بندقية ولم يرفعوا سلاحا بل عبروا عن مجرد رغبتهم في الالتحاق بالمقاومة المشروعة في فلسطين أو العراق وهو شعور شعبي ونبيل ينتاب كل إنسان معاد للامبريالية والصهيونية. وترتبط « السلفية الجهادية » في أذهان العديد بالمقاومة في العراق وأفغانستان وحتى فلسطين ولبنان. هذه المقاومة التي تساندها وتتعاطف معها الأغلبية الساحقة من شعوب العالم. لكن الخلط بينها وبين السلفية الجهادية هو من قبيل المقاربات السياسية المغلوطة التي يتحمل نظام الحكم القسط الأكبر من المسؤولية فيها بانغلاق إعلامه ومصادرة المنابر الحزبية والجمعياتية التي من شأنها تثقيف الشعب وتزويده بالتحليلات والمقاربات الأخرى التي تنير عقله وتوضح له السبل. أما قبضة الحديد فلم ولن تخلق إلا جمهورا جاهلا سهل الوقوع فريسة لكل المقاربات التضليلية. إن شباب تونس المفقر والمجهل والمطعون في كرامته الوطنية وهويته الحضارية، مثله مثل أشقائه في الأقطار العربية والإسلامية هو الآن بصدد الدفاع عن نفسه وإن نحى البعض منحى وهميا، فرد الفعل هو في أحد جوانبه نفسي، لذلك ارتمى البعض في تخميرات « عذاب القبر » وخطب « السديس » و »عمر » و »خالد » و »القرضاوي »، وغيرهم من رموز الظلام الذين يدخلون كل بيت من خلال الفضائيات التي تفرض سلطانها في غياب قنوات تثقيفية وتوعوية وخاصة قنوات بلادنا التي لا يواكب برامجها إلا من أراد مضاعفة نسبة السكر في دمه. إن سلطة القمع بتعاطيها الأمني الفج مع هذا الملف إنما هي بصدد إعداد الأرضية المناسبة لظهور ردات فعل إرهابية ومعزولة وما أحداث ديسمبر الماضي سوى مثال على ذلك. (المصدر: « صوت الشعب »، اللسان المركزي لحزب العمال الشيوعي التونسي، العــدد 253 بتاريخ 10 مارس 2007)  


القيروان قلعة النضال الاجتماعي والديمقراطي

أثارت التحركات العمالية واعتصامات العاطلين عن العمل وأخيرا إضرابات التعليم الثانوي بجهة القيروان التي ارتبطت أسبابها المباشرة برفض مشروع مجالس المؤسسة المنصبة والتصدي لها، أثارت اهتمام عديد الأطراف المعنية من سلطة إشراف وقيادة الاتحاد وعموم الإطارات النقابية جهويا ووطنيا. وتوخت سلط الإشراف أسلوب القمع والضرب بقوة لموانع النضال الاجتماعي المذكورة (محاكمات للعاطلين عن العمل وطرد للنقابيين..) لما تمثله هذه التحركات من خطر على السلم الاجتماعية المزعومة وما قد تحمله من إمكانيات عدوى الاحتجاج والانتشار في بقية الجهات والقطاعات، خصوصا وأن أوساطا واسعة من الشباب والشغالين وعموم الشعب تعيش أوضاعها مرشحة للانفجار والتفاعل السريع مع أي حادثة رفض أو تمرد وفي أي مناسبة للتعبير عن الكبت الاجتماعي والسياسي. وعلاوة على الغطرسة والشراسة المذكورة آنفا اتسم سلوك السلطة أيضا بالتفطن المبكر لردة الفعل المنتظرة والتعامل معها بما « يستوجبه الظرف » فإما التمادي في الهجوم أو تطويق الأزمة وتقديم التنازلات. عند هذه النقطة بالذات نتوقف قليلا لنرى من جهة أخرى ما اتسم به سلوك النقابيين والديمقراطيين لما في ذلك من دروس بليغة لكل من يهتم بالشأن العام. تحرك النقابيون والديمقراطيون في الوقت المناسب وبدون تردد (إضراب فوري احتجاجي في نفس يوم الحدث وإضرابات أخرى بعد عطلة منتصف الثلاثي الثاني)، وكان ذلك بجرأة أزعجت السلط السياسية والأمنية وبعثرت أوراقها (الاعتصام بالسوق الأسبوعية والتظاهر بالنسبة للعاطلين عن العمل، وتحمل المسؤولية النقابية وملء الهيكل النقابي بروح النضال المفعم بالصمود والتعامل مع الإدارة الجهوية للتعليم كطرف ندي كامل الحقوق والواجبات). كما أشبع النقابيـــون تحركهم بروح التضامن النقابي والديمقراطي (كل قطاعات التربية والتعليم) وابتداع الأشكال النضالية المناسبة التي تطور وتفعل وتكثف درجة التعبئة من الإضرابات الدورية وصولا إلى إقرار الإضراب الجهوي العام ليومي 20و21 فيفري. إن الدرس الأساسي لهذه التحركات ولغيرها من مواطن الجرأة النضالية التي بدأنا نشاهدها أحيانا هنا وهناك في هذه الجهة أو تلك، في هذا النشاط أو ذاك هو الضرورة القصوى لهذه النوعية المفتقدة من النضال عند أغلب النقابيين والديمقراطيين. نوعية لا توجد إلا عند ذوي القناعات الراسخة والعازمة بقوة وصلابة على تغيير الأوضاع، نوعية جديدة ومع الأسف تعرضت في أكثر من مرة للتشويه واتهمت بالمغامرتية حينا والرغبة في خطف الأضواء أحيانا. هذه التحركات أو النشاطات وحتى التدخلات الجريئة ضرورية لا لكونها يقوم بها مناضلون أو مجموعات نقابية أو حقوقية لإبراز شجاعتهم أو خصالهم الذاتية بل لكونها تفتح الطريق أمام مبادرات أخرى جريئة أيضا أو أكثر جرأة. مبادرات جماعية وتحسم مع التردد والحسابات التجارية وتستأصل اليأس والقنوط من النفوس. صحيح نحن ضد المغامرتية والهوس بالأعمال الفردية المعزولة ولكننا مع الجرأة والتصميم في النضال. وقد قدم لنا مناضلو القيروان مثالا في الشجاعة النادرة والتخطيط لأي تحرك من أجل ضمان شروط نجاحه وضربوا عرض الحائط عقلية التموقع في الهياكل سواء كانت نقابية أو حقوقية إذ هي ليست من شيم اليسار ولا من شيم الديمقراطيين بل هي هدف الانتهازيين الذين أضروا أيما ضرر بالحركة الديمقراطية وخصوصا منها اليسار. نقول هذا لا لتشتيت قوى اليسار والديمقراطيين بل بالعكس نحن اليوم في أمس الحاجة إلى وحدة الحركة الديمقراطية ووحدة اليسار بالذات لكن ليست وحدة لمّ الشمل بل على قاعدة الدفاع عن المطالب الملحة للشغالين، وحدة النضال والعمل ولا وحدة الجمع الكمي للمكونات والحساسيات. إن مناضلي القيروان باختلاف مشاربهم جسـدوا في تحركاتهم الأخيرة مثالا للوحدة المناضلة والتضامن الفعلي بين مكونات المجتمع المدني والسياسي. لقد تظافرت لهم عديد العوامل الإيجابية للنجاح الذي يحسب لهم في هذه الإضرابات والتحركات: شبيبة طلابية مناضلة ورابطة ديمقراطية وعاطلون عن العمل ناشطون واتحاد جهوي مستقل يدفع للتفاعل الإيجابي بين كافة القطاعات ليتحرك كالجسد الواحد في وجه أعدائه المتحدين والمنظمين هم أيضا. تحرك لا يضع حواجز مصطنعة بين الهيئات النقابية والهيئات الحقوقية أو بين القانوني واللاقانوني، فالأمر سيان في ظل سلطة الاستبداد. تحرك يعيد الاعتبار للعمل النقابي القاعدي والديمقراطي ولا يرهن الأشكال النضالية للحسابات الضيقة أو مواقف البيروقراطية النقابية. أمام هذه الروح النضالية المفعمة بالصمود والمقاومة والذود عن حرية العمل النقابي والجمعياتي وحق الشغل وحق التعبير والتظاهر تتراجع الدكتاتورية أمام التحركات، وعندما تمر العاصفة وفي غفلة من المحاربين تتخذ أشكالا جديدة من التدابير التآمرية كالنُّقل لضرورة العمل وغيرها، وهو ما يحتم على النقابيين والديمقراطيين اليقظة المستمرة كي لا تأتي الضربات من حيث لا يدرون والحال أن كل عيون السلطة وخدمها والمتآمرون موجهة لجهة القيروان التي تحولت إلى محط أنظار الجميع ولفتت انتباه الرأي العام بنضالها الاجتماعي والديمقراطي. وحتى نفوت الفرصة على سلطة الاستبداد يطرح على عموم النقابيين والديمقراطيين مزيدا من تفعيل النضال وتجذيره في جهاتهم وقطاعاتهم التي هي أيضا تزخر بالطاقات والكفاءات التقدمية القادرة على كيل الصاع صاعين للديكتاتورية وأرباب العمل شريطة توخي نفس الأسلوب والسلوك والمنهج التجميعي المتنوع والمناضل. (المصدر: « صوت الشعب »، اللسان المركزي لحزب العمال الشيوعي التونسي، العــدد 253 بتاريخ 10 مارس 2007)  


« الأمن » يقتل شابا بريئا

أدى السادة فتحي تيتاي ورؤوف مزيود وعمار عمروسية وحسين التباسي والفاهم بوكدوس يوم السبت 24 فيفري 2007 زيارة مساندة وتضامن إلى عائلة الشاب عبد اللطيف نصيب في حي السرور بقفصة. وكان الشاب المذكور قد تعرض إلى طلقات رصاص مباشرة وقاتلة عندما كان يجلب البنزين من منطقة أولاد مرزوق على الحدود الجزائرية في مستوى مدينة القصرين وذلك يوم الخميس 15 فيفري 2007 في حدود منتصف الليل. وقد تردد أن رئيس فرقة الحدود، الذي استهدف الشاب المذكور، قد نُقل إلى مستشفى المرسى يوم السبت 17 فيفري للمعالجة من « اختلال ذهني ». ولقد بدت طلقات الرصاص واضحة على هيكل السيارة وبلورها الأمامي في إشارة إلى أن عملية القتل كانت مقصودة خاصة وأن المستهدف قد احتجزت سيارته منذ أكثر من شهر على خلفية متاجرته بالبنزين. وكانت جنازة حاشدة قد أقيمت للفقيد يوم السبت 17 فيفري وتعرض فيها المشيعون إلى مقر إقليم « الشرطة » ورفعوا شعارات غاضبة شاركتهم فيها أكثر من 30 سيارة ملأى بقوارير البنزين في تحد واضح لقوى الأمن. علما وأن المتاجرة بالبنزين أصبح رائجا في المناطق الحدودية منذ عشرات السنين وعرف أوجه مع ارتفاع أسعار النفط في تونس. إذ يباع لتر المازوط في « السوق السوداء » بـ550 مليم (750 مي في تونس) والبنزين بين 700و800 مليم (1100 مليم بتونس)، وبات البنزين المهرّب يعرض في مدن الجنوب وأمام المحال التجارية وعلى الطرق الرئيسية ويشغّل مئات الشبان. (المصدر: « صوت الشعب »، اللسان المركزي لحزب العمال الشيوعي التونسي، العــدد 253 بتاريخ 10 مارس 2007)  


الرافل يعود بقوة

لقد استنفرت السلطة كل طاقاتها الأمنية لمحاصرة تداعيات أحداث حمام الأنف وسليمان في الإبان عبر التصريح بقضائها على المسلحين وسد الطرقات على هروبهم بالتزامن مع تتبع فارين محتملين وتفكيك خلايا جهادية مفترضة، إلا أن هذا الأسلوب عُمّم على كل المجالات وامتد إلى كل الجهات والقطاعات وبات يهدد كل مسارات الحياة. منذ سنوات عديدة تنفس التونسيون الصعداء بعد استغناء السلط على « الرافل » وتعويضه باستدعاءات فردية للقيام بالخدمة العسكرية، والقيام بالتعيينات الفردية، إلا أنه مع الأحداث الأخيرة رجع هذا الأسلوب بقوة خالقا رعبا مضاعفا ليس في صفوف الشباب فقط، بل امتد إلى كل الفئات العمرية التي عليها أن تمر بمرحلة غربلة أمنية طويلة ومريرة. وبات سكان المدن يعيشون حالة طوارئ غير معلنة حيث تتواجد قوات الشرطة والحرس في كل الأماكن وفي كل الأوقات تستوقف المارة وتستجوبهم. ففرغت الشوارع وأقفرت الأسواق الأسبوعية واشتكى أصحاب المقاهي من محاولات « تجويعهم » ولازمت الغالبية من الشباب البيوت تنتظر نهاية « العاصفة »! لكن المتمعن في جوهر هذا الأسلوب قد لا يرى له نهاية قريبة خاصة وأن المستهدفين غالبا ما يستجوبون حول مسائل لا علاقة لها بالتجنيد مثل الصلاة والجهاد وفلسطين والعراق وأفغانستان و »القاعدة » و »حزب الله » كما يُسألون عن أشخاص لهم خلفيات دينية وسياسية ويُظهرون لهم صورا لأشخاص مبحوث عنهم أو قيد الاعتقال. كما يتعرضون للإهانة والضرب والاستفزاز وكأن الأمر يستهدف معنويات الشباب الذي أبدى في السنوات الأخيرة أشكالا من الرفض والنقد لسياسات السلطة عبّرت عن نفسها حتى في الشعرات التي ترفع في ملاعب كرة القدم، ويبدو أن مناضلي لجان أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل قد استهدفوا أيضا من خلال هذا الأسلوب إذ عُلّقت في مقار المعتمديات والولاية مناشير تدعو إلى القيام بالخدمة العسكرية قبل المطالبة بالوظيفة أو التمويل للقيام بمشروع خاص في إشارة إلى إمكانية تجنيد كل الذين يمكن أن يعتصموا فيها. كما فتح الرافل بابا واسعا للقائمين به للسمسرة في آلاف الشباب عبر قبول رشاوى مالية مقابل إطلاقهم. (المصدر: « صوت الشعب »، اللسان المركزي لحزب العمال الشيوعي التونسي، العــدد 253 بتاريخ 10 مارس 2007)  


تدمير الآثار لمقاومة الإرهاب !

راسلت بعض الجمعيات التراثية بولاية قفصة بعض الصحف والسلط المعنية لمنع أي تدخّل بالتشويه أو الإزالة لبعض المواقع الأثرية والمعالم التاريخية بالجهة بعد أن تناهى إلى علمهم نية السلط استهداف المغاور البربرية بالسند والعيايشية وبرج الورمية بقمة جبل عرباطة بالقطار (18 كلم عن قفصة والذي يشرف على كل الطرق المؤدية إلى المدينة والتي استعمل كمركز مراقبة زمن الاستعمار الفرنسي، وذلك بحجة أنها قد تكون مأوى للمجموعات الإرهابية والإجرامية. كما حاججو بملكيتها للدولة كي يحلو لهم التصرف فيها. وإن كان المهتمون بالتراث وصيانة المدينة يبدون تخوفا من أن يتجاوز الأمر مرحلة النيات فإنهم يبدون قلقا أكبر إذ تجاوز الأمر مدينة قفصة إلى مدن أخرى. ومهما كانت تبريرات وتفسيرات كل الأطراف فإن مسألة التراث خط أحمر لا يقبل الخوض فيه أو نقاشه أو التعرض له بالإزالة الجزئية أو الكلية. إن هذه المغالاة في « محاصرة الإرهاب وتطويقه » تستوجب الملاحظات التالية: –  إن أحداث ديسمبر 2006 وجانفي 2007 بالرغم من تداعياتها الخطيرة، فإنها لا تعدو أن تكون واقعة صغيرة تطلبت علاجا أمنيا موضعيا يصبح من الخطأ النفخ فيه وتضخيمه. –  أن المعالجة الأمنية وحدها لا تخلق إلا استفزازا أعمى للإرهاب نفسه، يقوى به ويشتد/ باعتبار أنه ولئن ارتبط في جزء هام منه بأجندا خارجية، فإنه يترعرع من استمرار السلطة في إقصاء مكونات المجتمع المدني والسياسي عن القيام بواجباتها في تأطير المواطنين والشبان منهم بالخصوص. لذلك فإن بلادنا لن تحرز تقدما تنمويا ولا استقرارا أمنيا إلا متى فتحت خياراتها على الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والإعلامي واعتبار المجتمع شريكا فعالا في بناء الوطن. (المصدر: « صوت الشعب »، اللسان المركزي لحزب العمال الشيوعي التونسي، العــدد 253 بتاريخ 10 مارس 2007)


افتتاحية العدد 396 من « الموقف »:

المنع هو القاعدة

طوقت قوات غفيرة من أعوان الأمن المرتدين للزي المدني مساء الاثنين الماضي، جميع الشوارع المؤدية إلى مسكن الأستاذ جلول عزونة رئيس رابطة الكتاب الأحرار، الكائن بضاحية المنار، ومنعت ممثلي الأحزاب والهيئات المدنية والشخصيات السياسية من الوصول إلى المحل حيث كان من المزمع أن تعقد « هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات » اجتماعا داخليا لأعضائها لوضع اللمسات الأخيرة على البيان الذي أعدته حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين بمناسبة احتفالات هذا العام باليوم العالمي للمرأة .. وأتى هذا المنع في وقت ما انفكت تتردد فيه التوقعات بتوجه السلطة نحو الانفتاح على مكونات المجتمع المدني والسياسي. غير أن هذه الإشارة الجديدة التي تبعث بها السلطة تؤكد على العكس من ذلك بأنها لا تنوي البتة تغيير سياستها تجاه القوى التي تمسكت باستقلالية في الرأي والموقف واكتسبت بفضل ذلك ثقلا داخل المجتمع. فالحكومة مستعدة أن تغدق الأموال على أحزاب وهيئات الديكور وأن تفتح في وجهها القاعات العمومية وأبواب الإعلام الرسمي، ويمكن للحكومة أيضا أن تتسامح مع بعض نشاطات الأحزاب القانونية ما دامت تتم داخل مقراتها المغلقة وفي حدود العاصمة، أما أن تسمح بتشكل قطب سياسي مستقل، يسعى إلى منافستها فهو ما لا سبيل إليه وما تسخَر الدولة جميع أجهزتها للحيلولة دون وقوعه. فبعد أن منعت السلطة بالقوة جميع المكاتب الجهوية لرابطة حقوق الإنسان من مجرد الاجتماع دون مبرر أو مسوغ قانوني، وضربت حصارا أمنيا مشددا على مقراتها بمراكز الولايات الداخلية هاهي اليوم تضغط على مالكي المحلات قصد دفعهم إلى إلغاء عقود الكراء التي تربطهم بجامعات الحزب الديمقراطي التقدمي في مراكز الولايات، وإن لم يتم ذلك رضائيا فالقضاء مسخر لإصدار أحكام بفسخ تلك العقود كما وقع مؤخرا في كل من تطاوين والقيروان. أما في قابس وبعد أن ألغى االمالك عقد الكراء عند انتهاء مدته فكلما تقدم أعضاء الجامعة لكراء مقر جديد إلا وأعلمهم المالكين أن أعوان الأمن سبقوهم إليهم ونبهوا عليهم بعدم تسويغهم المحل. أما في ولاية جندوبة وبعد أن استحال على الجامعة العثور على محل لمقرها بالمدينة تمكنت الأسبوع الماضي من كراء محل بمدينة بوسالم وتسلمت مفاتيحه من صاحبه، لكن هذا الأخير عاد إليها متوسلا لاسترجاع المفاتيح وإلغاء العقد الذي أمضاه بعدما ناله من التهديد ما لم يعد يعرف معه النوم، وهو الوضع نفسه الذي اعترض جامعة توزر في أكثر من مناسبة. ولا فائدة من التذكير هنا بما تتعرض له صحيفة « الموقف » من حرمان من التمويل العمومي وحتى من الإشهار، بل ومن أعمال القرصنة التي تتعرض لها في أكشاك العاصمة على أيدي بعض المحميين الذين يعمدون إلى جمع النسخ من الأكشاك قبل عرضها على العموم، ثم يعيدونها إلى الباعة في نهاية الأسبوع ليحاسبوا عليها إدارة الجريدة كمرتجعات مما حدا ببعض الباعة إلى إخفائها تحت رزمات الصحف الأخرى وعدم بيعها إلا إلى من يثقون فيهم. هذه بعض العينات من سياسة الانفتاح التي لا تزال تنظر إلى العمل المعارض كفتنة يجب تطويقها قبل انتشارها، والفتنة أشد من القتل. يحدث هذا في وقت يشاهد فيه التونسيون كل يوم على الشاشات « مونديال » الانتخابات الفرنسية ويتلقون دروسا ليلية في حرية التعبير وتعدد الاجتهادات والآراء والتنافس النزيه على خدمة الصالح العام و حياد الإدارة وموضوعية الإعلام وعدله في معاملة الفرقاء كبر حجمهم أم صغر، ويدركون في حسرة وأسى بأن سنوات ضوئية ما زالت تفصلهم عن جيرانهم من الشمال. في القانون، الأصل في الأشياء الحرية والإباحة أما المنع فهو الاستثناء. وفي القانون أيضا لا يمنع الشيء إلا إذا تسبب في النيل من حرية الآخرين أو أمنهم أو سلامة ممتلكاتهم أو هو هددها تهديدا معتبرا… هكذا تكون الأمور في دولة القانون حيث توكل إلى القضاء المستقل مهمة التحقق من هذا النيل أو التهديد والفصل في النزاع في شأنها واضعا حريات المواطنين في المرتبة الأولى من سلم الاعتبارات. أما في بلادنا فمصلحة الحاكم تعلو كل اعتبار ويكون المنع هو الأصل والترخيص استثناء يسدى في حدود ما تقتضيه مصلحة الحاكم الذي يسخر السلطة القضائية لإكساء قراراته بمظهر من الشرعية والقانون، تماما كما يستعين في المجال السياسي ببعض الموالين لتأثيث ديكور من موميات مشلولة تثير من السخط والامتعاض أكثر مما تثير من الشفقة. الاجتماع الداخلي الذي كانت هيئة 18 أكتوبر تعتزم عقده يوم الاثنين 5 مارس كان مخصصا لأقل من عشرين شخصية وطنية ممثلين عن هيئات سياسية واجتماعية معروفة، يفوق معدل أعمارها الخمسين عاما وموضوعه صياغة بيان مشترك يثمن ما تحقق للمرأة من مكاسب خلال نصف القرن المنقضي ويقف على النواقص للعمل على استكمالها. عمل وطني سلمي ومشروع لكنه ممنوع في قاموس الحاكمين بأمرنا لأنه يضم أشخاصا من مثل حمة الهمامي وعلي العريض ومحمد النوري والعياشي الهمامي ولطفي الحجي وخميس الشماري وأحمد نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر ومنجي اللوز وزياد الدولاتلي وخليل الزاوية وجلول عزونة وأحمد الخصخوصي ومالك كفيف وعلي بن سالم وأنور القوصري وراضية النصراوي وسمير ديلو والبشير الصيد وغيرهم ممن يشتركون في الاستقلال بالرأي والسعي إلى خدمة الوطن بالطرق السلمية وفي إطار القانون. إجتماع هؤلاء، في نظر السلطة، جريمة سياسية بعينها وتطاول على مقامها لأنها قررت حرمان حمة الهمامي من حقه في العمل السياسي رغم أنه ضحى بزهرة حياته من أجل هذا الحق، وكذلك الأمر بالنسبة لعلي العريض وزياد الدولاتلي اللذين خرجا لتوهما من السجن بعد أربعة عشر عاما قضيا أكثرها في الحبس الانفرادي وكذلك الأمر بالنسبة لجلول عزونة ومحمد النوري وأحمد الخصخوصي ولطفي حجي وراضية النصراوي الذين لا يغفر لهم تأسيس جمعيات أهلية مستقلة، أو بالنسبة للمحامين المستقلين الذين لا تغفر لهم السلطة دورهم في المحاكمات السياسية أو بالنسبة لممثلي الأحزاب القانونية الذين رفضوا مقعدا في الديكور واختاروا القيام بوظيفتهم بشرف. تشدد السلطة وتماديها في انغلاقها رغم ما تقتضيه الظروف وتمليه الحكمة من مراجعات ضرورية تلقي بمسؤولية الإصلاح كاملة على كاهل النخب مهما طال المشوار فالحرية تكتسب ولا تهدى وما ضاع حق وراءه طالب. (المصدر: موقع pdpinfo:org نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 396 بتاريخ 9 مارس 2007)

 

 

منع « التقدمي » من فتح مقر في بوسالم

المولدي الزوابي عمدت السلطة في جندوبــة إلى منع جامعة الحزب الديمقراطي التقدمي بالجهة من الحصول على مقر فبعد أن تمكنت من الحصول على مكتب كائن بمدينة بوسالم وبعد أن قررت هيئتها المؤقتة الشروع في الإعداد لإنجاح مؤتمرها الجهوي وبعد أن شاع خبر عزم الجامعة على دعوة الأمين العام السابق وعضو المكتب السياسي الحالي الأستاذ احمد نجيب الشابي والأمينة العامة الأخت مية الجريبي وبعض الضيوف لحضور افتتاح المقر وفعاليات المؤتمر، تجندت كل قوى الحزب الواحد لإجهاض العملية. وتقف وراء هذا الصنيع العقلية التي تحتكر العمل السياسي وتعيد إنتاجه وتحكم مراقبته ضاربة سياجا حول معارضيها في خرق سافر للقانون وتعد واضح ومكشوف على حق حزب معترف به يعمل في العلن طبق القوانين الجاري بها العمل في البــلاد .. وما لا مندوحة عن ذكره هو أن الحزب الحاكم ليس بقادر على تحمل منافس ديمقراطي حضاري إذ برهن بتلك الهجمة الشرسة على صاحب المحل والضغوط التي مورست عليه بل والتخوين ان في فتح مقر للديمقراطي التقدمي كأنما هو بداية النهاية لخمسين سنة من السيطرة، مع أول خروج على خط التصويت والتصفيق والموالاة المطلقة. وكانت الضغوط التي مورست عليه من شتى الأنواع فهذا يهدده بإعادة الجدولة وذاك بضرورة تطبيق قانون الضمان الاجتماعي والآخر بغلق المقهى لعدم صلاحيــة المحل، وآخرون يبحثون عن طريق يوصلهم إلى تشخيص » المقر » من الداخل وآخر يسال عن ميعاد تركيز لافتة الجامعة و…و… ما يلفت النظر انه تم في الإبان إحضار أشقائه وكاد الخلاف يدب داخل الأسرة وطبعا اشتغل الهاتف و لم يعرف توقفا منذ تاريخ توقيع العقد، فما كان منه إلا أن تقدم وبكل لطف طالبا فسخ العقد حفظا لتماسك واستقرار أسرته وخشية ….. « ولما كان الحزب الديمقراطي التقدمي حزبا سياسيا تونسيا مدافعا على مصالح الناس ومناصرا لقضاياهم العادلة ، وحفاظا على راحة المسوغ وراحة بقية أشقائه الذين تعرضوا هم الآخرين إلى ضغوط مارستها السلطة بمختلف آلياتها أجبرت المسوغ على طلب فسخ العقد، فقد اضطر الطرفان إلى ضرورة فسخ العقد بالتراضي التام » . تلك هي الفقرة التي أثارت غضب بعض أعوان بلدية بوسالم بعدما أرادت هيئة الجامعة أن يتضمنها نص فسخ العقد فجن جنونهم ورفضوها « لأنها غير قانونية » كما زعموا. (المصدر: موقع pdpinfo:org نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 396 بتاريخ 9 مارس 2007)  


تونس في 12/3/2007

مؤتمر المؤامرة على المقاومة

الأستاذ الهادي المثلوثي hedi_mathlouthi@yahoo.fr لم يعد من الصعب فهم التخبط الأمريكي في مستنقع الهزيمة المروعة لأكبر قوة عسكرية على وجه الأرض والتي تعتبر نفسها زعيمة العالم وحارسة الأمن فيه. ودلائل الفشل أضحت متراكمة بصورة كارثية منذ احتلال العراق حيث بدأت الإدارة الأمريكية مهووسة بسرعة الانتصار كما تخيلت ودون حسبان شرعت في تعميق هزيمتها بعدة إجراءات إجرامية بكل المقاييس ومنها: 1- التدمير الشامل لمكونات الدولة وتجهيزاتها ومؤسساتها. 2- تفكيك الجيش العراقي وأجهزة الأمن وحفظ النظام. 3- إصدار قانون اجتثاث البعث وتصفية قادة النظام الوطني العراقي. 4- محاصرة وتدمير المدن المتمردة لفرض الردع الحاسم وإخضاعها. 5- تفعيل فرق قتل وتصفية الكفاءات العسكرية والعلمية المحسوبة على نظام البعث. 5- الإسراع في إقرار دستور طائفي مثير للفتنة ويمهد لتفكيك وحدة العراق. 6- تشكيل حكومات على أساس المحاصة الطائفية. 7- إطلاق يد المليشيات الطائفية لممارسة القتل على الهوية والتطهير المذهبي لتفكيك وحدة الشعب. 8- السكوت عن الفساد المالي ونهب المال العام لتوريط عملائها وضمان ولائهم. 9- المماطلة في إعادة إعمار العراق وتوفير الخدمات العامة كمعاقبة للشعب العراقي. 10- معالجة جميع القضايا بالأساليب الأمنية والعسكرية كفرض للأمر الواقع والاستسلام. 11- سياسة التعذيب المنهجي في سجن أبي غريب والسجون السرية الأخرى لترويع وترهيب رجال المقاومة. 12- السلوك المشين لعناصر جيش الاحتلال وفضائح الاغتصاب وقتل وترويع الأبرياء لعزلهم عن دعم المقاومة. أمام هذا الكم الهائل من الأخطاء ومسلسل الأكاذيب لتبرير احتلال العراق مثل أسلحة الدمار الشامل وعلاقة النظام بتنظيم القاعدة وغيرها من التهم التي اعتمدها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها وعملاؤها لشن الحرب تحت شعار تحرير العراق وإرساء نظام ديمقراطي ينعم فيه الشعب العراقي بالرخاء والأمن. وما لم يكن في الحسبان أن يقع الاحتلال في مستنقع لا قرار له من جهة صلابة المقاومة وصمودها ومن جهة ثانية ضعف الحكومة العميلة وعجزها عن كسب ثقة الشعب العراقي واستقطاب القوى الوطنية الحقيقية للعملية السياسية. في هذا الإطار بات الحل الأمني العسكري المخرج الوحيد من الأزمة ولكن جرت رياح الطائفية بما لا يريد الاحتلال وقادت المقاومة الجميع إلى السقوط عسكريا وسياسيا وأخلاقيا، فازداد الوضع تأزما وألقى بظلاله على الحلفاء فبدأت الانسحابات وعلى مصير الإدارة الأمريكية حيث بات بوش وحزبه بين كماشة الهزيمة المتفاقمة في أفغانستان والعراق والضغوط المتنامية من قبل الشعب الأمريكي والديمقراطيين من أجل الانسحاب لإيقاف النزيف المالي والكف عن دفع المزيد من الخسائر البشرية. وكانت خطة أمن بغداد آخر محاولة لحفظ ماء الوجه بالنسبة للاحتلال وللحكومة الفاشلة أصلا، غير أن المقاومة المسلحة قد ردت بأعنف ما يكون الرد وقد كان الاحتلال وعملاؤه على قناعة بصعوبة المهمة ولكنها محاولة اليائس الباحث عن تخفيف الخناق عليه ويعد المؤتمر الدولي حول العراق الخطة البديلة أو خطة النجاة الأخيرة لترتيب الانسحاب المشرف والمنظم وكأن المهمة الذي تعلقت همة بوش بها قد حققت أهدافها وهي تمكين حكومة عميلة من مقاليد الحكم وضمان مصالح أمريكا النفطية من خلال اتفاقية طويلة الأمد. إن التعمق في قراءة التحولات الأخيرة يؤشر أن الإستراتيجية الأمريكية المتدرجة قد عمقت المأزق الأمريكي على طريق الهزيمة التاريخية والإطاحة بمكانة القوة العظمى. ويأتي المؤتمر الدولي بعد اتصالات وإجراءات ليزيد المسألة تعقيدا فماذا تريد الإدارة من: 1- اتصالات سرية متكررة مع فصائل المقاومة وأطراف بعثية أو محسوبة على البعث. 2- محاولة مغازلة سوريا ودفعها إلى التعاون مع الحكومة العميلة. 3- الاغتيال السريع للقائد الشهيد صدام حسين دون استكمال المحاكمة رغم عدم شرعيتها. 4- التسريع بإعداد قانون نفط يلغي التأميم ويخصص الثروة ليكون للمحتل نصيب الأسد فيه. 5- الحرص على استقطاب الكفاءات العسكرية من الجيش الوطني لتكون أساس الجيش العميل. 6- محاولة تسريع وتفعيل مشروع المصالحة الوطنية بعد التخلص من رموز نظام البعث. 7- تشجيع بعض المنشقين على انجاز مؤتمر تآمري على البعث في سوريا وبإشراف وتوجيه المخابرات الأمريكية. 8- الضغط على الجامعة العربية لتؤكد في مارس الجاري على ترابط الحل الأمني والعسكري والسياسي كخريطة طريق لمؤتمر بغداد. 9- إشراك سوريا وإيران في مؤتمر بغداد ولاحقا في تركيا. ومن ناحية ثانية عملت الإدارة الأمريكية على: 10- تعزيز التنسيق بين الأجهزة المخابرات لدول المنطقة الصديقة (مصر والأردن والسعودية أساسا). 11- تحرك سوري إيراني لتنسيق التعاون العسكري والأمني بينهما ثم زيارة الرئيس الإيراني للسعودية وبعض الدول العربية الأخرى. 12- اجتماع بين الدول المتحالفة مع الاحتلال تركيا، باكستان، مصر، السعودية يعقبه التحاق سوريا وإيران. في ظل هذه التحركات والتداعيات، تم عقد المؤتمر الدولي حول العراق يوم السبت 10/3/2007 ببغداد بحضور 16 دولة وهيئة دولية. والأهم فيه اللقاء بين الولايات المتحدة وسوريا وإيران والسعودية ومصر والأردن وتركيا وغيرها والهدف كما يبدو تدويل القضية العراقية باحتواء دول الجوار وجمعهم حول العملية السياسية العراقية ومن ثم رفعها لاحقا إلى الأمم المتحدة لإضفاء طابع الشرعية الدولية وهكذا يسلم ملف العراق إلى مجلس الأمن الذي سينشط لمساعدة أمريكا وانتشالها من الهزيمة الساحقة. هذا ظاهرة الصورة أما الخافي منها فهو وضع إستراتيجية أمنية وعسكرية تشترك فيها دول الجوار المعادية والخائفة من انتصار المقاومة. ويكون الهدف المشترك هو محاصرة المقاومة وإجهاض مشروعها التحرري. والدليل ما تأكد من تفاعل إيجابي بين الحلف الأمريكي البريطاني والحلف الإيراني السوري علاوة على الحضور الفاعل للسعودية وتركيا ومصر لإضفاء الصفة العربية والدولية. وقد أفادت كل التقارير حول المؤتمر بأن الحوار كان جد بناء ومفيدا وواعدا بضمان تقاسم المصالح وتأمين الهروب المشرف. وقد أثمر الحوار الودي تكوين ثلاث لجان فنية مشتركة على مستوى الخبراء للتعاون والتنسيق الأمني والعسكري وتفعيل كل الإمكانات للمساعدة في مكافحة الإرهاب ومنع التسلسل وضبط الحدود والمقصود بكل ذلك البحث في معضلة المقاومة ودورها المتنامي. هنا نستنتج أمرين: الأول لا أحد من الأنظمة التي ساعدت أو تواطأت مع الغزو الأمريكي للعراق ترضى وتطمئن لانتصار المقاومة. والأمر الثاني من يخيفه أو يزعجه انتصار المقاومة لا بد أن يعمل على مساعدة الاحتلال ودعم الحكومة العميلة وبالتالي إنقاذ أمريكا من الهزيمة. إذن، كل ما يتمخض عن المؤتمر وتطوراته سيركز على محاصرة المقاومة والقضاء عليها وفي الحد الأدنى احتوائها والحال أن الجميع اشتركوا بنسبة أو أخرى في الإطاحة بالعراق وتدميره وجميعهم متفقون على إقامة عراق ضعيف بلا دور قومي أو إقليمي بما يضمن أمن الكيان الصهيوني وأمن الأنظمة العميلة والمصالح الأمريكية في المنطقة. ولذا استحضر المؤتمر قضية إنقاذ الاحتلال بمحاصرة المقاومة وغابت معاناة الشعب العراقي. فالمؤتمر لم يطرح تواصل حمام الدم على يد المليشيات وجرائم الاحتلال والتدخل الإيراني والعنف الطائفي مما يعني أن القضية تعني معاناة الحكومة والاحتلال وما يخيم عليها من فشل وهزيمة حتمية ولا سبيل للخروج من المأزق إلا بإقامة « حلف بغداد جديد » يخول لأمريكا التحالف مع إيران وسوريا أفضل من عودة البعث وحلفائه في المقاومة وكذلك بالنسبة للسعودية والكويت والأردن ومصر وتركيا وغيرها بما يمهد الطريق لقيام شرق أوسط جديد ولو كان على حساب إبادة الشعب العراقي وتفتيت أراضيه كما هو الشأن بالنسبة للقضية الفلسطينية. والحقيقة أن المؤتمر وما يليه من مخططات سوف لن يأت بجديد طالما أن المقاومة لها إستراتيجية أخرى وهي الاعتماد على الذات لتحرير العراق وطرد الاحتلال وهي في كل الحالات لم تمد يدها لدول الجوار ولن تنتظر منها غير التواطؤ والغدر فإيران لم تقصر في قتل الشعب العراقي المؤيد للمقاومة وسوريا لم تقصر في التعاون مع إيران والاعتراف بحكومة المالكي العميلة والعمل على شق صفوف البعث القومي لأضاف المقاومة مباشرة بعد اغتيال أمين عام البعث سيد الشهداء صدام حسين. وللعلم فإن المراهنة على تشديد الخناق على المقاومة هي نفس المخطط الذي اتبعه الحلفاء والمتعاونون معهم عند استصدار قرار الحصار الشامل على العراق كمحاولة لإضعاف النظام ودفع الشعب لإسقاطه وحين فشلت الخطة تم اجتياح العراق واحتلاله. فهل ستنجح نفس الخطة مع المقاومة ؟. من المعلوم أن ظروف النظام وقدرته على مواجهة الحصار ثم الغزو غير متكافئة أما ظروف المقاومة فهي غير ظروف النظام وجيشه النظامي. وهذا أمر لم تدركه الإدارة الأمريكية وأتباعها ولم تتصور أنها ستقع في مستنقع سحيق لتكون تحت طائلة فصائل المقاومة وقدرتها الفائقة على إدارة حرب الاستنزاف وضرباتها الموجعة. وليس خافيا ما تحققه المقاومة من انتصارات فرضت على الاحتلال الاعتراف بعجزه عن إكمال مهمته بل قد اقر بهزيمته وها هو يبحث عن انسحاب مشرف من خلال مؤتمر المؤامرة على المقاومة. وكان الأجدى بالإدارة الأمريكية والحكومة العميلة التحلي بقليل من الشجاعة لمعالجة الورطة الهزيمة بالحوار المباشر مع المقاومة حول مستقبل العراق وليس بالمناورة والمخادعة من خلال مشروع المصالحة الوطنية المزعوم والمؤتمر الدولي للهروب من المواجهة وتحمل أعباء الهزيمة العسكرية والسياسية والاقتصادية التي أصبح من غير الممكن التغطية عليها أو التمادي فيها والحال أن اللعبة قد انتهت وبدأ الشعب العراقي يعلن رفضه للاحتلال ومن جاء معه ولإيران ومن يمثلها كما بدأ الشعب الأمريكي يحاصر بوش ويطالبه بالانسحاب. وهكذا مهما تلوّن الاحتلال وغير في خططه فإنه في جميع الأحوال يتخبط في الهزيمة وتبقى إرادة الشعب العراقي هي الحل الحاسم وتبقى المقاومة هي الخيار الوحيد للنصر والتحرير واستعادة وحدة العراق وأمنه ورخائه. والخلاصة أن انتصار المقاومة في رأي المتواطئين يشكل كارثة على الأنظمة القائمة ويعد نموذجا لقوى التحرر الوطني والقومي في مواجهة الغزو ومقاومة العجز والاستسلام والإطاحة بالخونة وبالحكومات العميلة مهما استقوت بالأجنبي الأمر الذي يمكن قوى المعارضة العربية في عديد الواقع من تصعيد نضالاتها لمقاومة الاستبداد المحلي ورفض الاستسلام والتطبيع والأمركة. (المصدر: موقع الحزب الديمقراطي التقدمي بتاريخ 12 مارس 2007)  


ليبيا: فرض التأشيرة محاولة للانفتاح على الغرب

اياد الدهماني أثارت الأخبار الأخيرة حول اعتزام ليبيا فرض تأشيرة دخول إلى أراضيها، عددا من التساؤلات لم تبددها تصريحات جديدة لمسؤولين ليبيين تستثني من هذا الاجراء دول اتحاد المغرب العربي والدول التي تجمعها مع الجماهيرية الليبية اتفاقيات مشتركة في خصوص حرية تنقل المواطنين، بعد أن سبق لوزير الداخلية الليبي السيد « صالح رجب » أن أعلن أثناء انعقاد مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس أن فرض نظام التأشيرة سينطبق على كل الأجانب بما في ذلك العرب منهم. سعي ليبي لكسر العزلة هذا القرار جاء ليقطع مع توجه ليبي سابق يرى في حرية تنقل المواطنين خطوة عملية في اتجاه المشاريع الوحدوية التي نادى بها النظام الليبي في فترات مختلفة، من الوحدة العربية إلى الوحدة المغاربية، وأخيرا إلى التوجه الوحدوي الإفريقي الذي تبناه، أثناء وبعد الحصار الدولي الذي فُرض على الجماهيرية على خلفية قضية « لوكربي » الشهيرة. كما يأتي في نفس الوقت الذي تتالى فيه الإشارات والمحاولات الليبية للانفتاح على « الغرب » سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية ، هذا « الغرب » الذي كان لسنوات طويلة العدو « الأيديولوجي » للنظام في ليبيا. أهم هذه المؤشرات، اللقاء الذي جمع في واشنطن، أواسط شهر فيفري الفارط، كل من وزير العلاقات الدولية والتعاون الدولي الليبي احمد الفيتوري بوزير التجارة الأمريكي، والذي تناول فيه الطرفان إمكانية تطوير التعاون الثنائي بينهما. أما المؤشر الثاني، فهو ما أشارت إليه بعض وسائل الإعلام الفرنسية من وجود صفقة مقبلة بين فرنسا وليبيا تقتني الأخيرة بمقتضاها ما بين 13 و 18 طائرة مقاتلة من طراز « رافال » التي تنتجها شركة « داسو »، مما يمثّل حدثا ذا أهمية خاصة، حيث ستكون ليبيا في صورة اتمام الصفقة، أول دولة أجنبية تقتني هذا النوع من المقاتلات الفرنسية، ولقد أشارت صحيفة « لوجورنال دي ديمانش » الأسبوعية، إلى أن أحد أبناء العقيد القذافي قام بتجربة الطائرة، وأن طيارين قاموا باختبارها على هامش معرض للطيران بطرابلس ديسمبر الفارط. عدد من الملاحظين رأى في العملية محاولة من النظام الليبي « لشراء » مساندة باريس للخروج من عزلته، وهو ما لمّحت إليه الأسبوعية الفرنسية استنادا إلى مصدر قريب من الأوساط الحكومية في طرابلس. وهو أمر غير مستبعد خاصة وأن العزلة الليبية بدأت تشتد على المستوى الدولي بعد صدور الحكم في ما يسمى بقضية الممرضات البلغاريات. قضية الممرضات البلغاريات قضية الممرضات البلغاريات، جاءت لتعكر من جديد العلاقات الليبية- الأوروبية، فبعد صدور الحكم بالإعدام في قضية نقل فيروس « السيدا » من طرف ست ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني إلى أطفال بمستشفى ليبي، قامت السلطات البلغارية بحملة دبلوماسية ضد القرار القضائي الليبي، في إطار معركة ديبلوماسية محتدمة بين ليبيا وبلغاريا. كما انه لا شك في أن دخول بلغاريا كدولة عضوة في الاتحاد الأوروبي بداية من غرة جانفي 2007، أعطى للقضية بعدا أوروبيا وللدبلوماسية البلغارية قوة أضافية للضغط. هذه الحملة أسفرت مؤخرا، عن صدور قرار مساندة للممرضات، من طرف مجلس النواب الأوروبي بأغلبية كبيرة من الأصوات، حيث لم يعترض عليه سوى نائب واحد. وقد دعا نص القرار « المفوضية الأوروبية » – الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي – إلى مراجعة علاقات الاتحاد بليبيا بعد صدور الحكم بالاعدام. الإتحاد الأوروبي، ليبيا والهجرة غير الشرعية هذا الانتصار الدبلوماسي البلغاري، والحملة الإعلامية التي تشنها المنظمات الحقوقية الاوروبية من أجل إطلاق سراح الممرضات، ساهم في توتير العلاقات الليبية-الأوروبية، المتوترة أصلا على خلفية مسألة الهجرة السرية، خاصة أمام العدد المتزايد من الأفارقة الذين يصلون إلى جنوب أوروبا بعد الإبحار انطلاقا من الشواطئ الليبية. فالاتحاد الأوروبي كان ولا يزال يضغط منذ فترة على ليبيا من اجل السماح للأوروبيين بمراقبة مياهها الإقليمية في إطار محاربة الهجرة السرية، وهو ما تصرّ طرابلس على رفضه معتبرة أن في الأمر سابقة، ومسّا خطيرا من سيادتها وأمنها القومي. إلا أن هذه الضغوط ليست بالجديدة، حيث سبق وأن أدت في فترة سابقة، إلى قبول ليبيا استضافة « المؤتمر الإفريقي-الأوروبي للهجرة والتنمية » في شهر نوفمبر الماضي. هذا المؤتمر لم يخرج بنتائج كبيرة، ففي مقابل رفض ليبيا لمراقبة أوروبية لمياهها الإقليمية، يرفض الاتحاد الأوروبي بشدة مقترح الدول الإفريقية إنشاء « صندوق خاص » بالهجرة، حيث صرح المفوض الأوروبي للتنمية والمساعدات الإنسانية البلجيكي « لويس ميشال » أنه « من غير المقبول إطلاقا » إنشاء مثل هذا الصندوق، معللا رفضه بأن مثل هذا الإجراء سيحدّ بشكل هام من التمويلات الأوروبية المعتمدة في إطار سياسات دعم التنمية في إفريقيا. ويشير محللون أوروبيون، إلى أن سياسة « الحدود المفتوحة » ، التي اعتمدها النظام الليبي لسنوات طويلة، أدت إلى وجود عدد كبير من المقيمين « بطريقة غير شرعية » على الأراضي الليبية، إلى حد لا يستطيع الاقتصاد الليبي استيعابه، مما يجعل من هؤلاء « مهاجرين غير شرعيين » محتملين على الأراضي الأوروبية، خاصة في اتجاه كل من مالطا وايطاليا القريبتين من الشواطئ الليبية هل يصبح المغرب العربي، حارس حدود أوروبا ؟ تجدر الإشارة إلى أن ليبيا ليست الأولى التي تخضع إلى مثل هذه الضغوط، فالاتحاد الأوروبي نجح في الاتفاق مع دول غرب إفريقيا، في قمة الرباط التي جمعت الطرفين، على برنامج لمقاومة الهجرة غير الشرعية، كان من بين بنوده الأساسية قبول هذه الدول بخضوع حدودها ومياهها الإقليمية لمراقبة وكالة « فرونتاكس » (الوكالة الأوروبية لإدارة التعاون العملي في الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي)، في محاولة لنقل معركة ردع المهاجرين من الاتحاد الأوروبي إلى الدول المتاخمة. المغرب الأقصى يبدو من جهته أكثر تعاونا في إطار هذه السياسة، خاصة بعد أحداث سبتة ومليلة التي شهدت سنة 2005 هجوم حوالي 12.000 مهاجر أغلبهم أفارقة على السياج الذي يفصل المغرب عن المناطق التي تواصل السلطات الاسبانية احتلالها شمالا. وقد أثارت المعاناة التي تعرض لها المهاجرون، من حيث تعرضهم إلى إطلاق النار، وسقوط ضحايا من بينهم وتشرد عدد مبيرمنهم في مناطق صحراوية، في ظروف غير إنسانية، احتجاج منظمات حقوقية دولية ومغربية، أدانت تدخل الأمن المغربي ورأت أنه « ليس من المعقول » أن يتحول المغرب إلى حارس حدود أوروبا. القرارات الليبية الأخيرة، رغم أنها لم تدخل بعد حيز التنفيذ، تبدو، في نظر عدد من المراقبين، استجابة للضعوط الأوروبية، وتطرح سؤالا كبيرا حول العلاقات المغاربية-الأوروبية ومدى قدرة الدول المغاربية على التفاوض مع الإتحاد الأوروبي في ظل غياب موقف تفاوضي موحد، امام تعطل مسيرة بناء الإتحاد المغاربي. (المصدر: موقع pdpinfo:org نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 396 بتاريخ 9 مارس 2007)

خميس الخيّاطي لـ «منارات»:

عدت الى وطني بفكر نقدي وبحس من المواطنة مرهف

حاوره ابراهيم خصومة في كتابه الجديد «تسريب الرمل: الخطاب السلفي في الفضائيات العربية» اختار خميس الخياطي رصد واقتناص الصور التلفزية العربية بعين ثالثة واضعا إياها على محك التشريح لمقاومة السلفية التلفزية. رافضا للجمود والتقوقع والانكفاء متسلحا بما تزود من تكوين اكاديمي في علم الاجتماع بعد نيله لشهادة الدكتورا اقتحم خميس الخياطي الفضاء السمعي البصري في فرنسا لينحت هناك بإقتدار كبير مسيرته الشخصية الطافحة بالنجاحات في مرحلة الهجرة التي امتدت على مدى 35 عاما. والى ذات المكان الذي كان شاهدا على انطلاق رحلته عاد الخياطي منذ عقد باحلام كبيرة وطموحات لا تنتهي رغبة منه في فتح آفاق اخرى!!! ولكن بين الحلم والواقع مسافة تسربت منها اشياء بدلت الوجوه وحتى المواقع والقناعات.
حول كتابه الجديد ومسيرته في الحقل السمعي البصري كتابة وتدخلا وتنشيطا سواء في المهجر، أو داخل الوطن، كان الحوار التالي: بداية، ماذا نقول؟
أقول إن كانت الكتب السماوية تستهل خطابها بـ»في البدء كانت الكلمة»، أستهل حوارنا بـ»في البدء كانت الصورة والصوت»… سلسلة من الصور ما زالت عالقة بذهني حتى هذه الساعة تصاحبها أصوات مثل صور الثلج على سطح دارنا بالصور بالشمال الغربي يصاحبه صوت الريح يلاعب القرميد وعواء الكلاب بحثا عن مأوى وحثيث الأقدام على الثلج المبتل الذي لا يصمد طويلا أمام غربال الجدة التي تزيحه جانبا… في الربيع، صورة الجدة وهي تتوضأ مع مزج بين صوت أساورها وصوت القرآن المنبعث من الراديو وصوت خلخال الوالدة الآتية من «الحوش» وحركة السنونو (الخطيفة) التي تود الخروج من البيت… هي صور اشبه بما أتخيله عن الجنة المفقودة، جنة طبيعية، لا أكتاف فيها ولا محسوبية… عائلة بسيطة ليست بالغنية ولا بالفقيرة، قائمة على موروث قيمي زراعي نقتاته من القص الشفوي حين تاتي عجوزا لتقص علينا حكايات الغيلة والعبابيث او السرد المخطوط حينما يقرأ لنا عجوز قصص ألف ليلة وليلة وسيف بني ذي يزن وحمزة البهلوان وغيرهم كثير في كتب صفراء، إضافة إلى حفظ القرآن في الكتاب البعيد عند خروج الراعي بماشيته، أي في ساعة مبكرة من الصباح مهما كان الفصل ومهما كانت درجة الحرارة وأنا محمل قطعة كسرة عليها غبار من السكر،  إنه فطور الصباح… هذه البدايات مع ظهور الراديو اثرت مخيالي في قرية لم تعرف من الغرباء عنها ومن الأجانب ومن الإستعمار إلا مدير المدرسة الإبتدائية وعائلته وقد أحبهم الأهل لحد منع «الفلاقة» المس بهم، وبالمقابل، اندمجوا مع الأهل لحد أنهم يأخذون الشمع إلى الولي الصالح «سيدي منصور»… مع هذه العائلة الفرنسية وحينما كنت أقضي خطية ما لفعل ما سيء، كنت أستمع إلى أصوات «تصرخ» وأخرى «تصيح» ولم استضغها. وعلمت في ما بعد أنها أوبرا لـ»موزارت» وعملت على تعلم حسن الإستماع إلى هذا الفن… قلت، كنا نلعب مع إبني هذا المدير المسيحي، خريج الجمهورية الثالثة والذي لم يخف عليهما من المسلمين لا سيما والحالة العامة في الإيالة تميل إلى النضال المسلح ضد المستعمرين. مثل هذا التسامح القاعدي انطبع في مخيلتي وجعلني أؤمن أيمانا قاطعا أن الإنسان أنسان حيثما وجد. وقد تذكرت ذلك مرة حينما رأيت فلاحا قاعديا فرنسيا في شمال فرنسا وهو جالس ارضا مسندا ظهره لحائط محطة الأرتال، يقتطع لنفسه قطعة من الكسرة… فرأيت والدي يفعل شيئا من هذا…
في هذا الفضاء، كيف انطلقت العلاقة بين خميس الخياطي والصورة؟
لم أكتشف أن إسمي «خميس الخياطي» إلا عندما دخلت مدرسة «الدولة»، لأن الإسم المتداول في العائلة والقرية هو «إبراهيم الباشي»… قيل لي فيما بعد أن الفلاحة يستعملون مثل هذه الحيل حتى لا يأخذ الموت أبنائهم… هو إعتقاد نجده في حضارات زراعية أخرى…إضافة  لكون كل عائلة الخياطي/الباشي يحذقون الرسم ويعرفون الإيقاع (الدربوكة)، كانت جدران منزلنا مزدانة بعديد الصور سواء صور مكة والمدينة أو صور المنصف باي إضافة لرسومات على البلور تمثل «سيدنا علي وراس الغول» أو «عزيزة ويونس» أو كذلك «نساء شبه عاريات يستحممن» (على الطريقة الإغريقية…) ناهيك عما كان موجودا بالرزنامات وغيرها والكتب التي كانت موجودة في الدار، لأن أخوالي الثلاثة دخلوا المدرسة الإبتدائية (مع المدير الذي حدثتك عنه آنفا) ومنهم من أتم الثانوية في ذاك الزمان… كان إخوالي يجمعون مجلات مصورة بالعربية (مصرية تحديدا) وبالفرنسية (إوستراسيون). وحتى لا ألعب في الحومة في «غرغور القايلة» وحتى «لا يأخذني السحار المغربي ليستخرج الكنوز بدمي» خاصة وحاجبايا متصلان، كان الأهل يمدوني بالمجلات حتى أبقى في الحوش… من هذا الحجز أحببت المطالعة، إذ أخذني مرة خالي وأجبرني على قراءة «مأسي صوفي» للكونتيسة دي سيغور… قرات ومن يومها لم أكف عن القراءة… وفي المرحلة الثانوية بمبيت المعهد المختلط بالكاف، كنت دائما أول الصف في مادة الرسم وكان التلاميذ، مع نهاية العام الدراسي، يقطعون لحاف أسرتهم حتى أنقل عليها (!) لوحات «رونوار» و»سيزان» و»فان غوخ» وغيرهم… تخيل أني اطلعت على رسومات «جيروم بوش…» تعلمت في سن الثالثة عشرة تقريبا كل الفن التشكيلي الإنطباعي الفرنسي والتعبيري الألماني وكنت أحلم بدخول مدرسة الفنون الجميلة. إلا أن الوالد ما كان يفرق بين «الدهان» و»الفنان التشكيلي»، فإختار عند التوجيه أن أدخل مدرسة ترشيح المعلمين، على الأقل، المستقبل مضمون والراتب كذلك. ولعبت اللعبة وأتممت دراستي في ترشيح المعلمين،  ودرست لمدة سنة بحي الزياتين و»فصعت» من التعليم لأخوض تجربة علم الإجتماع المطبق على السينما والصحافة المختصة في السينما… بمعنى آخر مررت من الصورة الثابتة إلى الصورة المتحركة.
كيف أمكن لهذا القادم من الشمال الغربي أن يتأقلم مع الحياة الجديدة بالعاصمة؟
من المعهد الثانوي بالكاف وتتمته معهد «ستيفان بيشون» ببنزرت، تعلمت شيئان أولهما الصداقة وثانيهما السينما إضافة إلى تطور رغبتي في المطالعة، مطالعة أي شيء يقع تحت يدايا… القراءة كانت الوسيلة الوحيدة للحرية في مبيت لا تتركه إلا عشية السبت ويوم الأحد، هذا إذا لم تحرم منهما لسبب تجهله… الصداقة جعلتني أكتشف أن حدود الدنيا ليست القصور ولا حتى الدهماني، بل هناك الفحص والمجاز وتالة وتاجروين وغيرها من المدن والقرى… علاقات نمت في رحاب المبيت بين من يحفظ قاموس الجيب الفرنسي ومن يحفظ تاريخ الجيش الثالث الألماني ومن قرأ كامل روايات إميل زولا في الـ «تواليت» بعد أن يكون الجميع قد ناموا. شخصيا، ركبت خطا كهربائيا (بطرية جيب) داخل الفراش وشددته بالمساسيك حتى أقرا الروايات طيلة الليل، كل الروايات من البليدة حتى الإروطيقية حتى الكلاسيكية… فتكون زاد معرفي ولغوي إكتشفت قيمته حينما عملت بإذاعة «فرنسا الثقافية…» أما السينما، فقد كانت الملجأ الآخر سواء في قاعتي السينما (باتي وسيرتا) أو في نوادي السينما . فكنت مع صديقين نتباري في حفظ عناوين الأفلام الأمريكية والفرنسية، المصرية والهندية التي نشاهد…  حينما دخلت تونس، دخلتها مثل «راستينياك…» نوادي السينما أولا، فالدراسة الجامعية ثم امتهان الصحافة من باب التصحيح اللغوي في جريدة «لاكسيون»، لسان حال الحزب الإشتراكي الدستوري فالتسكع مع تعاطي المخدرات الكيميائية كإمتداد لكتابة الشعر بالفرنسية… لم أدخل تونس متخاذلا أو طامعا بل من موقع»الآفاقي»(جماعة «هام جو») الذي يريد أن يجد له مكانا تحت شمس العاصمة وبقوة الذراع أو في الحقيقة قوة الدماغ. لغة عربية أصيلة لقنها لنا إبن محمد الحليوي مشكورا، الفلسفة الماركسية التي فتح لنا أبوابها أستاذنا محمد الكراي ببنزرت حيث كان في الإقامة الجبرية جراء إنتماءه للحزب الشيوعي ولغة فرنسية تلقيناها من مجموعة من الأساتذة الفرنسيين الأصيلين… هي أسلحة موجودة عندي حتى هذه الساعة…
دخلت العاصمة وهي تعيش بقايا التقلبات السياسية وتركتها وهي على أهبة عيش تقلبات أخرى، كيف تعاملت مع هذه المعطيات؟
المسائل السياسوية لم تكن ديدني. همي كان الشعر باللغة الفرنسية ومن أهم الشعراء الذين كنت أعشقهم السوفيتي «ماياكوفسكي»، الفرنسيين «ريفار» و»بودلير» و»إلويار» و»لوتريامون» وتاجر الاسلحة، «أرتور رامبو…» كنت والشاعر المنصف غشام نتباري شعريا حول وجودنا بالجامعة ودراستي الجامعية أقوم بها كمن يقوم بواجب لا غير، حتى أنني مرة رفضت الإجابة عن أسئلة أعرف أجوبتها وذلك نكاية في أستاذي عبد الوهاب بوحديبة الذي لم أتحمل مرة واحدة تعامله معنا كأننا أطفال رضع… الحركة غبية ولكنها لم تحصل مثلا مع «ميشيل فوكو» ولا مع أي أستاذ آخر… بالتالي، السياسة لا تهمني. همي المطالعة والكتابة والعربدة والثورة بأسلوب غير حزبي. ويوم سئمت من العمل الصحفي وجدال نوادي السينما حيث قص الشعرة إلى عشرين، قلقت من الجامعة ورفضت رفضا باتا التعليم، قدمت استقالتي من الجريدة ورحت مع صديق هو اليوم أستاذ مادة علم النفس بجامعة «جونيف»(سويسرا) أجوب شارع الحبيب طولا وعرضا إلى أن لاقاني مرة أستاذي الفرنسي بالجامعة التونسية فأهداني قهوة من مقهى باريس ونصحني بترك البلاد… وفعلا، هو ما أقدمت عليه يوم 23 جويلية 1969 وبيدي حقيبة صغيرة بها بيجاما زرقاء، ثلاثة كتب هي «مجتمع الفرجة» لـ «قي دوبور»، «منهاج فقدان الأمل» للفيلسوف»كيركغارد» وكتاب «قصص مالدورور» لـ «لوتريامون…» ثلاثة أشهر بعد هجرتي، أطيح بالتجربة الإشتراكية وأعتقد لحد هذه الساعة أن الإطاحة ببن صالح كانت من باب الغدر وليس من باب السياسة. تلك التجربة مهمة على أكثر من صعيد أهمها قلب المجتمع التونسي رأسا على عقب. ورغم بعض المآخذ على سلوك بن صالح الشخصي أزاء من كان بإمكانهم أن يكونوا الدرع الحامي ، وأعني اليسار التونسي وخاصة الحزب الشيوعي ، فإني أرى في الإطاحة بها خسارة فادحة. وحينما كنت بباريس مع صداقات بمن أسسوا حزب الوحدة الشعبية، كان شرط إنضوائي في الحزب هو أن يقوم بن صالح بنقده الذاتي حتى لا نتحمل أخطاءه، رفض بن صالح النقد الذاتي ولم أنتم أنا للحزب رغم علاقات الصداقة التي كانت تربطني بعديد مؤسسية.
في فرنسا، كانت لك تجربة ثرية ومختلفة، أليس كذلك؟
في فرنسا ولدت مرة ثانية. على الصعيد الجامعي، وجدت في جامعة «نانتير» أساتذة منهم «جان بودريار» والتونسي «ألبير ممي» و»جان روش» و»أنريكو فولكينيوني» وغيرهم ممن لم يكونوا أساتذة، بل زملاء. أحدهم، وهو «فولكينيوني» أصبحت زميله في إذاعة فرنسا الثقافية… وبالتالي أنهيت الماجستير في سنتين وكانت رسالتي حول «القصة القصيرة والنهج الإشتراكي في «مجلة الفكر». حصلت على الماجستير في علم إجتماع الأدب من «نانتير» وعلى الليسانس في الأدب واللغة العربية من «السوربون الجديدة» حيث من الأساتذه «أندري ميكيل»، «أرنالديز»، «كلود كاهين»، «راشيل أريي»، «ندى طوميش» و»محمد أركون»… وسجلت في المدرسة العليا للدراسات التطبيقية في قسم علم الإجتماع مع الدكتور أنور عبد الملك لأنجاز رسالة الدكتورا حول «الشعور القومي في أفلام صلاح أبوسيف»… وهي عودة إلى الصورة وإلى الأفلام التي شاهدتها في قاعة «سيرتا» بالكاف…
من جهة كان  هناك الجانب التونسي، أولا مع الأصدقاء ومنهم رضا الباهي والمرحوم الحبيب المسروقي ومحمد إدريس والفاضل الجعايبي، إلخ… ثم دائرة النشطين السياسيين وأذكر تحديدا المرحوم حمادي الصيد الذي ساعدني كثيرا في دراسة إمكانية إصدار أسبوعية فرنسية عربية المنحى وعنوانها «زمن الكرز»( أغنية من الـ «كومونة») وكذلك الراحل نور الدين بوعروج أو محسن التومي وغيرهما. هناك الجانب العربي وقد أصبح ذا تأثير خاصة مع إندلاع الحرب الأهلية اللبنانية وقدوم موجة من المثقفين من الطراز الرفيع مثل جورج قرم أو برهان غليون. هذا الجانب العربي، بمحض عملي في الإذاعة الفرنسية، تطور بصفة ملحوظة حيث كنت في برنامج «بانوراما» أغطي الأنشطة الثقافية العربية التي تحدث إما في فرنسا أو خارجها  هذا علاوة عن تغطية الأفلام التي تعرض أسبوعيا في قاعات السينما  وبالتالي تعرفت عن كثب على عديد العلامات الثقافية العربية وحاورتها للإذاعة مثل الجزائريين رشيد بوجدرة ورشيد ميموني وأسيا جبار والمغاربة الطاهر بن جلون وإدريس الشرايبي ومحمد خير الدين وغيرهم. هذا من المغرب. من المشرق، إهتمامي كان فلسطينيا في الأساس إذ في 1976 أصدرت مع الراحل «غي هينوبيل» أول كتاب عن «فلسطين في السينما»، فعرفت مجمل من تناول المسألة الفلسطينية من بعيد أو قريب، عربي كان أو أعجمي… وهو ما جعلني  وقد كنت عضوا في لجنة إختيار الأفلام لأسبوع النقاد بمهرجان كان أختار مرة فيلما إسرائيليا وهو «إستير» لعاموس غيتاي ليعرض في كان وذلك في حالة عدم وجود إنتاج عربي يليق بالتظاهرة… وكانت الطامة واتهمت بالخيانة والعمالة وأني أتقاضى أموالا من شركة «كانون» الأمريكية/الإسرائيلية إلخ… من الترهات التي نحذقها نحن العرب في أزمنة الأزمات… واتهمت بالخيانة مرة أخرى عند سفري إلى فلسطين في العام 1992 بدعوة من فلسطيني الداخل(المرحوم فيصل الحسيني وحنان عشراوي). وقبل سفري أدليت بحديث لإذاعة الشرق أبين فيها موقفي ثم سألت السيد الحبيب بولعراس وقد كان رئيسا للبرلمان التونسي عن موقف الحكومة من مبادرتي فأجابني: «لن نقول شيئا إذا لم تقل منظمة التحرير شيئا». لم تقل منظمة التحرير شيئا حتى وإن نصحني محمود درويش بعدم السفر، بل أصدقاء الماضي إتهموني ومنهم المرحوم جوزيف سماحة (الحياة) وبيار أبي صعب (الوسط) أو نبيل مغربي الذي عملت معه في الأعداد الأولى من «الوطن العربي» في العام 1975، كلهم خونوني ومنهم من طالب الحكومة التونسية سحب الجنسية مني… زرت القدس وكتبت عن ذلك في «الحياة» لأني لا أقوم بالأشياء خفية.
وبالتالي تعرفت عن كثب على الراحلين جبرا إبراهيم جبرا وإميل حبيبي. الأول عند زياراته المتعددة لفرنسا وكنت آخذه إلى السينما لأريه جديدها، أما الثاني، فقد قضيت يوما معه في القدس، يوم الإحتفاء بالمفكر الإسرائيلي «ياهوشفاع» وكان ذلك في خزينة الأفلام الإسرائيلية التي كانت في السابق منزلا فلسطينيا مطلا على حدود 67 ، ناهيك عن سميح القاسم وليانة بدر. ولا يمكن أن أنسى عبد الرحمن منيف والطيب الصالح وجمال الغيطاني وآخرون من الوطن العربي الذي أصبح طيلة وجودي بفرنسا، الذحيرة التي منها أشرب يوميا. الجانب الأوروبي مليئ هو الآخر باللقاءات الصحفية وغير الصحفية كأن تتظاهر دفاعا عن الشيلي وتجد نفسك قريبا من «فرانسوا ميتران» و»جورج مارشي» أو في مظاهرة أخرى تلتقي «جان بول سارتر» أو عند خروجك من الميترو تجد نفسك قبالة «بيكيت» وتفقد إدراكك لتفقد إمكانية الحديث مطولا معه… كذلك في برلين، تدق الباب بحثا عن مخرج فرنسي، فتخطئ وتجد نفسك تتحدث مع «كازافيتس»، تعتذر  وتصمت لتلملم ذيلك… في ميدان السينما، كان نشاطي هو الأهم…
ناتي إلى السينما، كيف كانت رؤيتك للسينما العربية من خارج العالم العربي؟
قبل حرب أكتوبر(حرب رمضان بالنسبة للبعض منا كما يسميها العدو الإسرائيلي بحرب أكتوبر)، إهتمامي بالسينما كان إهتمام خريج نوادي السينما حيث تربيت على يد الأب الروحي «الطاهر شريعة» وكانت النوادي أنذاك لم تعش لا قوة فترة رئاستها من طرف نجيب عياد ولا غليانها الإيديولوجي حينما وضع أقصى اليسار التونسي اليد عليها، فأتى بخرابها… كنا ننظر إلى السينما كفن… واستمر الأمر. كان علي أن أقترح موضوع رسالة الدكتورا، ففكرت، نتيجة ما ذكرت من إهتمام خالص بالفن السينمائي، في موضوع عن «جان لوك غودار والسرد السينمائي»… إلا أن إستقراري في فرنسا جعلني أطلع على حقيقة العالم العربي أكثر مما لو كنت أعيش في الوطن… وبالتالي، مسألة السرد السينمائي أصبحت ترفا أمام مسألة نقص الحريات وقلة الثروات العامة وثقل الأحزاب الواحدة حتى ولو كانت لعبد الناصر وبورقيبة وبومدين والقذافي… كل ذلك جعلني أعدل عن غودار واستبدله بثلاثة مخرجين هم صلاح أبوسيف وتوفيق صالح ويوسف شاهين بحثا عن صورة الإنتماء القومي لدى كل واحد منهم… وجدت الأمر عسيرا وبمساعدة الدكتور أنور عبد الملك، إخترت أبوسيف… وبمساعدة من وزارة الثقافة التونسية التي قدمت لي منحة تعاون، سافرت للإقامة في مصر لمدة ثلاثة أشهر على ما أعتقد، أشاهد الأفلام صباحا في مركز الصور المرئية وأتجول في القاهرة لأتعرف على أهلها وخاصة فنانيها من عدلي رزق الله الفنان التشكيلي إلى محمد نوح المؤلف الموسيقي إلى كل السينمائيين الذين تعرفهم مصر دون أن استثني أحدا حتى قيل بأني تلونت باللون المصري، أعني صبغة الحياة اليومية حيث كنت أتعامل معها كتعامل السياح الأجانب في فترة إنتفاضة 1968 .
جانب آخر في بداية الثمانينات، تمثل في إنضمامي إلى هيئة تحرير «اليوم السابع» وذلك بطلب ونصيحة من الصديق يوسف الصديق وكنت قد قدمت إستقالتي من التدريس في الجامعة لسبب إكتشافي كسل الطلبة وأميتهم. مع اليوم السابع إحتليت مركزا إعلاميا محترما في جميع الدول العربية وفي مجلة تحترم المادة الثقافية وترى أنها وسيلة أنجع لتحريك المجتمع :انّ المجلة منقسمة إلى قسمين، قسم سياسي يميني وقسم ثقافي يساري… من التونسيين في هيئة تحريرها صالح بشير وهو حاليا مراسل «الحياة» من روما وأنا… دون أن ننسى الآخرين الذين يعملون في «الوطن العربي «و «المستقبل» وعناوين أخرى.  الرؤية العامة للسينما العربية حينها تميد بين أنموذجين إنتاجيين. الأنموذج المصري والأنموذج الجزائري. لا شيء يقرب بينهما وبينهما هناك الأنموذج التونسي. ليبيرالي من جهة وحكومي من جهة بمعنى أن الدولة تقدم مساهمة محترمة في ميزانية الفيلم على ألا تتدخل في المضمون… وهي سياسة جديرة بالإحترام وقد أعطت النتائج التي نعرف في ما يخص نوعية الأفلام… النظام التونسي ينسحب على السينمات اللبنانية والسورية والمغربية التي في هذه الأيام تعدتنا في الكم والكيف من إنتاجاتها… الأنموذج الجزائري الذي كنا نعلق عليه الآمال هوى واندثر وحتى الأفلام، لم يعد بإمكان أي كان الحصول عليها. وبقي الأنموذج المصري… وحتى هذا الأخير، فقد أصبح في الآونة الأخيرة ينتج أفلاما هي أقرب إلى «لعب العيال» منها إلى فن تعبيري. ثم في النهاية السينما لم تعد سينما بمفردها… التلفزة إحتوت السينما، فأصبحنا نتكلم عن صناعة الصورة…
والحال كما ذكرت، كيف تنهض السينما العربية؟
تقوم وصفة النهوض بالسينمات العربية على عنصرين، الأول هو الحرية مع ما يترتب عنها من ديمقراطية وشفافية سلطة وغير ذلك… ثانيها نظام اقتصادي متماسك يوظف ارباحه في إنتاجاته السينمائية والتلفزية ولا يقوم على المساعدات مهما كانت شرعيتها… يجب أن تكون هناك مراكز وطنية تهتم بالسمعي-بصري بصفة إجمالية، مراكز تسهر على القوانين وتطبيقها، تسهر على الموازنة وحسن التصرف فيها إلخ… وهذين العنصرين لهما علاقة بالسياسي وبالشأن العام في دولنا العربية…
عرفت بكونك ناقد سينمائي بالأساس وبموقفك من التلفزات العربية. إلا أننا نجدك تقدم على خوض تجربة الإنتاج والتقديم في تلفزة حكومية… ألا يعد هذا تناقضا؟
لا أعرف أين التناقض… إني إنتقدت التلفزة الفرنسية وحين سنحت فرصة التعامل مع الثالثة الفرنسية بطلب من صديقتي الروائية الجزائرية آسيا جبار، عضو الأكاديمية الفرنسية حاليا، عملت ولم أبع نفسي للشيطان، فلماذا تنعتني بالتناقض في الحالة التونسية… المنهج ذاته ينطبق على تجربتي في التلفزة التونسية التي هي تلفزة عمومية كما هي حال الثالثة الفرنسية، مما يعني أني أعمل في مؤسسة يذهب إليها قسط ولو قليل من الضرائب التي أدفع… كذلك، أنا لست بدخيل عليها ولم أعمل في التلفزة في النشرة الجوية أو التغطية الرياضية، بل في باب الصورة… وهي مهنتي التي أمتهن منذ اربعين سنة وأتحمل المنافسة وأطلبها… في المقابل، أعرف أن الإمكانات التقنية والفكرية والسياسية الموجودة في التلفزة التونسية حاليا لا تسمح بإنتاج برنامج ثقافي من طراز «دائرة منتصف الليل» الفرنسي مثلا… هذه خلاصة تجربتي لأنك لست الوحيد المسؤول عن مصير برنامجك. هناك المخرج ومدير التصوير والمصور ولاقط الصوت ، وفي ما يخص التلفزة التونسية، أصيبت غالبيتهم بمرض فقدان الضمير ناهيك عن الرقابة والمسؤول عن البرمجة فمدير القناة فرئيس المؤسسة… كل واحد منهم يفهم في الثقافة وفي وضيفتها، وكل واحد منهم له الحق في التدخل ووجوده رهين تدخله. أتذكر مرة أحد المصورين الذي أوقف التصوير بمحض قراره وقال لي بالحرف الواحد: «لماذا لم تشر إلى فيلم كذا لهذا الممثل؟ خلافا عما تقول، فهو أفضل أفلامه»…  الضوابط الحكومية تصبح عسلا أمام الكسل المهني العام الذي أصاب عديد هياكل مؤسسة الإذاعة والتلفزة، خاصة منها تلك المرسمة والتي تتقاضى راتبها شهريا… الإدارة لها علم بكل هذا ولا تقوى على شيء لأن المناخ العام لا يقوم على تحمل المسؤولية ومقاضاة المسؤول عن الوهن الذي نعيش والتراجع الذي نشهد…
تجربتك التلفزية كانت بالتوازي مع مراكمة عدد من المقالات بصحيفة «القدس العربي» شكلت فيما بعد مادة آخر اصداراتك «تسريب الرمل» فكيف تنزل هذا الإصدار؟
لم أفكر فيه البتة عند كتابة مقالاتي لـ»القدس العربي»، بل كنت أعمل أسبوعيا كما لو كنت اكتب مقالا مطولا…  وبما أني من المهوسين بالصورة وبما أن التلفزة أصبحت اليوم المنبع الرئيسي للصورة والمعلومة،  وبما أنه كان علي أن أمد اليومية «القدس العربي» بمقال أسبوعي عن الفضائيات العربية والأجنبية، كنت أسبح بين الأقمار الإصطناعية بحثا عن البرنامج المناسب الذي من خلاله أقول شيئا ما للقارئ العربي الموجود في الدول العربية وخارجها كما كان الحال أيام «اليوم السابع»وتراني أثور في داخلي أو عند تخطيط الملاحظات امام بعض المقولات التي تصبها مزبلة الفضائيات وكلها تأتينا من جهة جغرافية عربية/مسلمة واحدة، وبعد البحث وجدت أن رؤوس أموالها آتية هي الأخرى من دول أو تحديدا من دولة تود أن تلعب دورا إقليميا بموارد النفط وبسلطة الديني… وهكذا إنشغلت في إتجاه أنتج في ما بعد هذا الكتاب الذي لم تقبله المؤسسة الحكومية التونسية إلا بعد سنة من صدوره ويعود الفضل في ذلك للسادة عبد العزيز بن ضياء ومحمد العزيز إبن عاشور و…
في كتابك تأملات في المشهد السمعي-البصري التونسي وانتقادات لاذعة للمؤسسة التي تتعاون معها كمنتج؟
 لا  والله، هي واقعية ولست من الذين «يأكلون الغلة ويسبون الملة» كما قيل لي مرة… أكتب عن التلفزة التونسية ولا شيء يمنعني إلا ضميري الصحفي، ذلك أن «واجب التحفظ» لا يسري علي لا لسبب إلا لأني مجرد متعاقد مع المؤسسة وعقدي لا ينص على هذا الواجب. وهو ما فهمه البعض ممن تداولوا على رئاسة المؤسسة ولم يفهمه البعض الآخر… وهم أحرار في الفهم أو في عدمه الموضوع منتهي.
أما في مسألة المشهد العام، تخيل أننا أصبحنا في ذيل قائمة المشهد السمعي-البصري العربي مع موريتانيا واليمن والصومال والسودان وغير ذلك. حتى الجماهيرية لها 4 فضائيات والمملكة المغربية لها 6 وستنضاف إليها قريبا قناة برلمانية… ونحن؟ إني لا أعرف حتى الآن ماذا يراد من المشهد السمعي البصري التونسي… لنا قناة عمومية هي مثل «المشجب»، غير قادرة على تحمل ثقل أحلام ورغبات التونسي وإزر قرارات ونزوات الدولة غير المقنعة، فباتت تحاكي القنوات التجارية الخاصة ببرامج مثل «آخر قرار» و»دليلك ملك» وحاليا «واحد ضد مئة» إلخ… قائلة بأنها تحصل على بثها مجانا، وهو غير صحيح. كذلك، مجموعة من البرامج السياسية (أو ما يسمونه «الحواريات»)  وهي على صيغة الديك يغني وجناحه يرد عليه… إنتاجات روائية تعطي الأولوية للجانب المالي دون النظر في الفكر والجماليات كما حصل مع مسلسلات رمضان الفارط وبرامج أخرى هي من باب ملء البث لا غير مع مغنيين تصبغ عليهم التلفزة التونسية صيفة الإبداع والطرب. أن تكون سهرة السبت مقسومة في الشهر بين اربعة برامج في عملية لإرضاء أطراف عدة من بينها «حفلة من صفاقس» دون حفلة من الكاف وهي مهد الفن الغنائي، كيف تريد إثبات المشاهد بأنصاف الحلول أو في الأخرى بسياسة ربح الوقت فقط؟… هذه القناة هي صورة تونس «الرسمية» ليس إلا. إنضافت إليها قناة «حنبعل» الخاصة جدا والتي يزعم صاحبها مؤخرا أن الأوروبيون ينعتونها بـ»قناة الصراحة»!!! قوله صحيح إن إعتبرنا فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغير ذلك من البلدان الأوروبية واقعة تحت الحماية الإعلامية التونسية المتمثلة في إشعاع قناة حنبعل الخاصة جدا والتي يعتبرها البعض في تونس «صورة واقعية» لسخافة ما تقدمه من نزعة نحو لغة أقرب إلى قاع المدينة بذاءة… هذه القناة لم تضف شيئا يذكر فيحمد للمشهد السمعي-بصري التونسي، بل جذبته إلى أسفل الإسفاف. قناة 21، مسكينة. فهي لا تملك حتى موازنة خاصة… مشاريع عدة مثل «نسمة تي في» التي هي ليست قناة تونسية بل شركة إنتاج برامج للتصدير وقناة «تي تي واحد» التي عدل عنها صاحبها المنتج السمعي البصري طارق بن عمار ويقال هنا وهناك بأن أحد مواطنينا في الخارج ممن يحذقون التطبيل حصل عليها مع أن وزارة الإتصال ليس لها أي علم بذلك… مجلس أعلى للإتصال هو بمثابة غرفة تسجيل، لا غير… حاليا، قيل لنا  عن الفصل بين الإذاعة والتلفزة والإنتاج… تجربة خاضتها فرنسا بعد الـ»أو أر تي أف» وندمت على خوضها..
النظام التونسي لا يود الحل الجذري المتمثل في تحرير المشهد كله صحفيا وإذاعيا وتلفزيا بكراسات شروط وإعطاء السلطة الفاصلة للمجلس الأعلى للإتصال مع إعادة تكوينته بعيدا عن الإنتماءات السياسية الحزبية وعما يسمى عندنا بـ»المجتمع المدني» الذي أصبح يجمع كل شيء ولا شيء. حتى الآن، لا نرى إلا ترقيعا مستمرا وقرارات مفاجأة لا أول ولا آخر لها تؤخرنا فيما يتقدم الآخرون من حولنا وبتنا نستغني عن صحفيينا وتقنيينا ومبرمجينا حتى تصحرت الساحة الإعلامية والسمعية البصرية في بلادنا… إننا أصبحنا غير قادرين على تصوير مسلسلين وفيلمين في الآن نفسه لقلة اليد العاملة الفنية والتقنية التي هجرت من البلاد لتعمل في قنوات أخرى  أتحدى أي كان يقول بأن هذه المعلومات خاطئة…
لمن توجه، ولماذا هذا الكتاب؟
كنت أوجه مقالاتي للقارئ الحاذق للغة العربية حيثما وجد… أما كتابي الذي أصريت على أن يصدر بتونس وليس في بيروت أو الرباط أو دمشق وقد كانت الفرصة سانحة لذلك، هدفه هو القارئ التونسي تحديدا، القارئ الذي هو حصيلة مسار التحديث التونسي منذ خير الدين إلى مفكرينا الحاليين الموجودين بيننا وهم ينتجون وإن لم يخصهم إعلامنا بإهتمامه لماذا؟ لأقول أن مسيرة التحديث هذه قد تتوقف لو سلمنا وآمنا بالمقولات التي تبثها القنوات الخليجية والتي بدأنا نرى آثارها على الشارع التونسي، على سبيل المثال، في مسألة الحجاب الذي يقال صباحا مساء أنه «لباس شرعي»، وبالتالي يريدون فرضه من الداخل على التونسي وفي قرارة نفسه… ومع الحجاب وتتمة له، تلغى الدروس الرياضية للبنات، تلغى المدارس المختلطة، دروس «الجنسنة» تصبح دروس «عفة»، يطبق التمييز بين الطبيب والطبيبة، تلغى مجلة الأحول الشخصية أو تقلص صلاحيتها ونحن نعرف أن «النهضة» طالبت بذلك في سنين مضت… الخطر لم يعد أمام دارنا، بل هو في الدار… فماذا نفعل لأطفاء الحريق… كتابي وددته ناقوس إنذار لا غير…
المتصفح لكتابك يجد أنه قائم بالأساس على نقد ظاهرة التدين في الفضائيات العربية مع إغفال لباقي السخافات… فهل الى هذا الحد أصبحت بعض الفضائيات تهدد المواطن العربي؟
الفضائيات العربية وغير العربية تمثل الخطر في حالة تفاقم الأمية والبطالة والإنكسار والتسلط وانتصاب التمييز بين الرجل والمرأة، والطفل والطفلة ولا ارى بأن عالمنا العربي، بعد أكثر من خمسين سنة إستقلالا، قد حقق الأمن الغذائي وأمن الطاقة والأمن المعرفي والأمن الثقافي والأمن الصحي وغير ذلك… وبالتالي، الفضائيات التابعة لدول تريد لنفسها موقعا إقليميا أمام فشل القومية العربية والليبيرالية والإنفتاح وغير ذلك، تقترح نفسها كبديل قائم على القداسي… بديل إيماني والإيمان لا يشك فيه إثنان وإن شكك فيه أحدنا، فهو ليس منا، فهو كافر، مرتد إلى غير ذلك من المفردات التي نعرفها… الفضائيات مصدر معرفة وتعرف على النفس وعلى الآخر إن صاحبتها سياسة تعليمية وثقافية وإقتصادية… سياسة قائمة على الحرية، حرية الفرد لأنه هو الأساس… فما دام الفرد يدفع قربانا للتماسك الإجتماعي، لن يدوم هذا التماسك لأن اللبنة الأولى هي أساسه والفضائيات تتخاطب مع الفرد وليس مع المجموعة… لم أغفل ما تعنيه بباقي السخافات، تكلمت عن الغنائيات. لعلمك، إن العديد البعض ممن يملكون الغنائيات هم أنفسهم الذين يملكون الفضائيات الدينية. ثم همي الاساسي كان وما زال الإهتمام بالتناول التلفزي للمسألة الدينية وكيف تستعمل بطريقة تحاكي الإعلانات التجارية… ولكونها تستعمل «الماركيتينغ» التلفزي، فهي تصيب في الصميم ومن هنا يأتي تخوفي…
ألا تعتبر هذا الخوف مبالغا فيه؟
نفس الجملة قيلت للمثقفين الألمان مع «ليلة السكاكين الطويلة» 30 جوان 1934 حينما حذروا من أن «هتلر» سيؤدي بالبلاد إلى الخراب وبالعباد إلى التهلكة… قيل لهم بنيرة المعاتب: «إن خوفكم مبالغ فيه»… وحدث ما نعرفه جميعا ومن نتاجه، فقدان فلسطين… إن رأيت مبالغة في الخوف، فلتقارن كيف كانت الشوارع التونسية قبل العشرية المنقضية مع ما هي عليه اليوم… فليفعل كل مواطن تونسي هذه المقارنة ويسائل نفسه عمن يساهم في هذا التحجر القيمي وما هي الأسباب… وللقول، الأسباب ليست كلها خارجية…
ولكن ألا تعتقد أن مشاهد الدين التي عادت بشكل كبير للشارع العربي، كانت نتاجا طبيعيا لمرحلة الإنفصام التي عانت منها المجتمعات العربية في العقود الأخيرة؟
عودة الديني ليست لها علاقة موضوعية بما تقول. ألم يتنبأ الروائي «أندري مالروا» بأن نهاية القرن العشرين ستكون روحانية أو لا تكون… لم تكن الروحانية وجاءت قشرتها وهي «التدين المعلن». ماذا نقول عن إنفصام الشارع الاوروبي أمام الغزو الأمريكي والشارع الياباني أمام الغزو الغربي والشارع الإفريقي أمام طاحونة الغزوات؟ الشارع العربي يعيش ما عاشته شوارع بلدان المعمورة كلها. إلا أن من نجى من الإنفصام هو من كانت له هوية صلبة، الدين يمثل إحدى ركائزها وليس الركيزة الوحيدة… هناك المواطنة وهناك حرية الفرد، هناك التعليم وهناك الثقافة العامة، هناك سياسة حقوقية وهناك مجتمع مدني… بهذه مجتمعة وبعوامل أخرى نجت المجتمعات الأخرى من سلبيات الإنفصام وفرضت وجودها وخياراتها… ما ينقصنا ليست عبوة النجاة الدينية بل مرفأ النجاة المدنية… وهذا المرفأ لا يتمثل في تملك «الديني» بالشارع العربي…
المواطن العربي الذي عاش مختلف تمظهرات المشاريع السياسية والمهزوم عبر التاريخ أصبح يعتقد في المشروع الديني، أليس كذلك؟
صحيح في جانب وغير صحيح من جانب آخر… الجانب الأول يتمثل في إنكسار المنطقة العربية أمام الغزو الأمريكي/الصهيوني في فلسطين، في العراق، في السودان، في لبنان وهلم جرا… وبالتالي، يفهم الإنسان العربي أنها عودة للصليبية وبالتالي الدين (لإسلامي) يقاوم الدين (لمسيحي/اليهودي) والإنسان طحينهما… هذه مصلحة الدول العظمى ومصلحة الطبقات العليا . ألم يقر بعض قادة الغرب اليميني/الإستعماري من «برلوسكوني» الإيطالي الى «جورج بوش» الإبن بأن الصراع صليبيا وصراع حضارات إلخ… من المقولات التي نظر إليها في الجامعات الأمريكية من «فيتغنشتاين» الى «فوكوياما»… مقابل هذا الغرب الإستعماري هناك «القاعدة» الرجعية/الإرهابية والنظم العربية الرجعية/التقليدية. هذه تتكلم بإسم الله وتختزن الفجائع والأخرى تتكلم بإسم الله كذلك مضاف إليه المصلحة العامة وتختزن النكسات/التواطؤات… المواطن العربي (إن وجد حقا) لم يهزم عبر التاريخ وهو الجانب المخطئ في السؤال…  إننا معشر العرب لا نحمل في هندستنا الجينية «خلية الإنكسار»… وبالتالي اللجوء إلى صدرية النجاة الدينية المزعومة لا يمثل الحل الجذري… وميوله لهذا الجانب ما هو إلا ردة فعل ضد الأنظمة القائمة التي لا تتحلى بالديمقراطية وهذا أدنى ما يقال عنها… أوتظن أن أصحاب التيار الديني سيكونوا أكثر ديمقراطية؟ إني لا أؤمن البتة بالسراب…
لمن تحمل المسؤولية في هذه العودة للديني إذا؟
المسؤولية مشتركة… مسؤولية داخلية وأخرى خارجية. والداخلية منقسمة إلى عدة أقسام، مسؤولية النظام القائم ومسؤولية «المعارضة» ومسؤولية المثقف ومسؤولية الشعب… في كل مسؤولية هناك خانات متعددة… ناهيك عن المسؤولية الخارجية وهي كبيرة وفاعلة… إذا، لا داعي للنظر إلى الوراء بما أنه لا يمكن أن نتوقف لمراجعة أنفسنا، لأنه لو توقفنا، سيفوتنا الآخر… الحل الوحيد هو الإعتماد على سلطان القانون و قداسة حرية الفرد. عليهما يمكن بناء ديمقراطية عربية مع ما يترتب من إستقلالية وشفافية وتناوب على السلطة مع الكف عن التلاعب بالدستور لسن الجمهوريات الوراثية أو الرئاسات الأبدية.
تقول أن الحل في «لائكية» المجتمع وفصل الدين عن الدولة… فهل تعتقد أن العالم العربي، كفضاء جغرافي والمواطن العربي على وجه التحديد قادر وقابل لتحمل مثل هكذا مقاربات؟
نعم، قلت وأؤمن بأن الحل هو فصل الدين عن الدولة والبحث في ذلك عبر دراسة وغربلة موروثنا الفكري والفلسفي والإستعانة بموروثهم كذلك وهذا فعل المثقفين والدولة والمجتمع المدني… أعرف أن الأمر ليس هينا ولم يكن هينا في بقاع أخرى… أذكرك أن الفصل بين الديني والسياسي في فرنسا قنن في العام 1905 ولكن الصراع بدأ منذ القرون الوسطى وعلى كل الأصعدة من لوحات «ميكيل أنجيلو» وأجوبة «غاليليو» حتى عهد الأنوار والثورة الفرنسية والثورة الصناعية والخليط الإجتماعي… ورغم ذلك المجتمع الفرنسي مجتمع مؤمن، خلافا عما يظنه البعض. إلا أنه لا يرى في إيمانه المسيحي/الكاثوليكي حلا لقضية «إيربوس»… بمعنى أن الفصل لا يعني القطيعة، بل قد يكون الحوار. على الديني أن يحتل مكانه وأن يترك السياسي يعتمل والمدني. الإيمان مسألة ذاتية بحتة والسياسة مسألة تخص الجميع… وظيفتي كمثقف تونسي وعربي له إمتدادات متوسطية وإفريقية، لا يخاف الآخر ولا يمجده هي أن أقول ما أراه صالحا. وفي هذه الحال، ارى بأن عملية تسلط الديني على المدني لن تعود بالخير على المدني مع العلم أن الإنسان مدني بالطبيعة. علينا إسعاف المدنية حتى لا تسقط تحت تسلط الديني. الإيمان شيء والمواطنة شيء آخر. قد يجتمعا في إنسان وقد لا يجتمعان فيه. وهذا الإجتماع إو عدمه لا يحدد صلاحية الإنسان… الإنسان صالح للآخر بمواطنته. بحسب إجتهادي، ما يحدد هذه المواطنة هو فعل الضمير العلني. إلا أن القول بهذا الفصل مطلب عسير في ايامنا هذه لا لسبب إلا لأن الآذان منغلقة ضد كل كلمة عقلانية.  قد «أؤذن في مالطا» كما يقول المثل التونسي ولم لا؟ يقولون بإستقالة المثقف التونسي. لا، هذا غير صحيح… إنه يفكر ويعمل وينتج وسنلجأ إليه عما قريب… المؤلف
خميس الخياطي: ناقد وإعلامي تونسي، أنهى دراسته الجامعية في علم الاجتماع والادب العربي بجامعتي  «Paris X و «Paris III ليعمل لفترة طويلة بإذاعتي «Frannce culture و «RFI والقناة التلفزية «FR3 كما كان عضوا في هيئة تحرير «اليوم السابع» وبنقابة نقاد السينما بفرنسا وفي لجنة اختيار الافلام لأسبوع النقاد (مهرجان «كان»).
 تحمل مسؤولية إدارة المكتب الصحفي لمعهد العالم العربي بباريس قبل العودة الى تونس حيث عمل مراسلا قارا لجريدة «القدس العربي» التي يخصها بمقال اسبوعي عن الفضائيات. يعد ويقدم برامج تلفزية عن السينما والتلفزة على الفضائية «تونس 7» له عديد المؤلفات والدراسات (بالغتين العربية والفرنسية) في المجال السمعي ـ البصري العربي. … مؤلفاته  فلسطين والسينمات: إدارة مشتركة، فرنسي، دار E100  باريس 1976  النقد السينمائي عربي، دار المعارف، القاهرة 1983 عن السينما المصرية، إدارة فرنسي، دار Cinematheque كندا 1986 صلاح أبو سيف، مخرج مصري، فرنسي، دار  Sindbadباريس 1990 صلاح أبو سيف، عربي صندوق التنمية الثقافية ـ القاهرة 1995 السينما  العربية، فرنسي، دار L’Harmattan، باريس 1996 نجوم بها تهتدون، عربي دار Mediacom، تونس 1998 بحثا عن الصورة (سينما وتلفزة) فرنسي، دار Sahar، تونس 2001 من بلدي، فرنسي، تحت الطبع، دار L’Armoise باريس 2006 الاصدارات الجماعية
التراث الثقافي الفسطيني، جماعي فرنسي ، دارLe Sycomore باريس 1980. الصورة في العالم العربي، جماعي، فرنسي، دار CNRS باريس 1996 دفاعا عن سلمان رشدي، جماعي، فرنسي، دار Decouverte La باريس 1996. (المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 10 مارس 2007)

سواق التاكسي يعمد البعض من أصحاب سيارات التاكسي إلى مغالطة الحرفاء وخاصة الذين يجهلون المسالك التي يمكن أن يعبرها السائق لحملهم إلى وجهاتهم  وتراهم يجوبون شوارع وأنهج ما كان يجدر بهم المرور منها، وهم يفعلون ذلك لا لشيء إلا لربح المال على حساب الحريف. ولوحظ أن عددا منهم يقلقون الحريف ويتدخلون في خصوصياته خاصة عند سؤاله عن مهنته أو  مسقط رأسه أو إن كان متزوجا أو أعزبا يتيما أولا.. وهناك من يدخن باستمرار ويخنق أنفاس الحريف ولا يهتم لأمره.. العناية بالمراهقين حينما تتحدث الى بعضهم تدرك أنهم قلقون ومختنقون ويشعرون بالحزن والملل ومتعبون ويعانون من الكآبة ولا يطمئنون الى المستقبل ولا يهتمون بطلب العلم والمعرفة.. وتعلم انهم في حاجة أكيدة للمساعدة ولمن يشد على أيديهم ويتحدث معهم ويخترق جدار الصمت الذي عزلهم عن المجتمع وجعلهم يحسون فيه بالغربة.. عددهم ليس بالهين، إنهم المراهقون الذين يتألمون في صمت.. وتكفي الاشارة الى أن قرابة الثلثين منهم في تونس مكتئبون او يعانون من احد اعراض الاكتئاب وفق ما تذكره دراسة أجرتها ادارة الطب المدرسي والجامعي بدعم من المكتب الاقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية.. فهل من حلول لمساعدتهم على تخطي هذه الحالة؟ وهل من برنامج وطني متكامل للعناية بمشاغل المراهقين الصحية والنفسية والعائلية والتربوية وغيرها؟ اختـنـــاق  اضطر سائق الحافلة رقم 63 الرابطة بين محطة الجمهورية بالعاصمة وبين أريانة صباح أمس إلى التوقف مدة من الزمن وإضاعة وقت الركاب لأن السيارات الرابضة على حاشية الطريق الكائن بجهة لافيات وتحديدا قرب جامع القدس منعته من المرور رغم المناورات التي قام بها.. وظل الركاب ينتظرون إلى حين خروج أحد الموظفين من إدارة محاذية للطريق وإبعاد السيارات من المعبد.. وتسبب هذا الوضع في تعطيل حركة المرور وتوتر بعض الحرفاء.. فهل سيستمر هذا الحال طويلا.. ومتى توجد حلول جذرية لمعضلة الوقوف ولمشكلة اختناق حركة المرور؟

مشروع حماية الثروات البحرية بخليج قابس

ينتظر أن يتواصل إنجاز مشروع حماية الثروات البحرية والساحلية بخليج قابس إلى سنة 2009 وهو يرمي إلى تشخيص المنظومات البحرية والساحلية بخليج قابس وجرد التنوع البيولوجي البحري والساحلي لخليج قابس ووضع أمثلة تصرف بستة مناطق نموذجية.. ويذكر أنه تم الشروع في تنفيذ هذا المشروع سنة 2005. (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 13 مارس 2007)  


المثال السيئ
بعد أيام قليلة من العملية الإرهابية التي استهدفت رجال أمن جزائريين بتيزي وزو والتي ذهب ضحيتها سبعة أشخاص شهدت مدينة الدار البيضاء المغربية عملية تفجير انتحاري في مقهى للأنترنات بما يعيد إلى الأذهان سلسلة عمليات إرهابية في نفس المدينة أدت عام 2003 إلى مقتل 33 شخصا …وماحصل في المغرب العربي يجد أمثلة عديدة في العراق وفي بعض بلدان المنطقة العربية حيث انتشرت ثقافة القتل والدمار. هذا الوضع يشير الى حقيقة تتمثل في جنوح جانب من الشباب وتحت مسميات مختلفة إلى العنف والإرهاب وهو أمر خطير بالنسبة لبلدان تسعى إلى دخول عالم الحداثة أو ترسيخ أقدامها فيه حيث يشير إلى فراغ  واحتياج متعددي الجوانب يحاول المتطرفون والأوصياء «الجدد» على الدين استغلالهما للتبشير بمشاريع مجتمعية عفا عنها الزمن أو من أجل «معاقبة» الآخرين رغبة في إسالة الدماء والتدمير. ولكن لا يعني كل هذا أن الأمر يتعلق بمسار تاريخي بل بجزئية فيه، ولعل ما شهدته المجتمعات الأوروبية في السبعينات وأوائل التسعينات في تشابه كبير مع ما يمر به بعض الشباب من بوادر أزمة يتعين التصدي  لها وايجاد حلول لها وقطع الطريق على من يريد استغلال هؤلاء لغايات لا تخدم واقع الشباب ولا مستقبلهم. ففي تلك الفترة أصيب جانب من الشباب الأوروبي بحالة خمول ذهني جعله يفقد البوصلة ويعيش على هامش المجتمعات «متحديا» كل القيم فلجأ إلى الجنس والمخدرات والإرهاب وذلك بفعل تنامي التيارات الفكرية وخصوصا الوجودية منها واعتقاده أن في الانتماء إلى الحركات اليسارية المتطرفة يكمن الخلاص فيما فضل آخرون الانخراط في حركات دعاة السلام كرفض لسياسة الاستقطاب من قبل المعسكرين الشرقي والغربي  بل إن التطرف وصل إلى حد تشكيل منظمات إرهابية حاولت استغلال قلق الشباب لتضرب المجتمعات دون أن تضع لها أهدافا واضعة المعالم. من حق الشباب في كل مكان في العالم أن يشعر بالحيرة وهو أمر مرحلي ولكن عندما تتخذ هذه الحيرة أشكالا إرهابية يصبح الأمر مرفوضا وهو ما رفضته المجتمعات الأوروبية نفسها قبل عقود وعملت بشتى الوسائل على استئصاله بل ان الأغلبية العظمى من هؤلاء «الثوار» و«المتمردين» الأوروبيين سرعان ما اكتشفوا خطأ اختياراتهم وعادوا إلى صلب المجتمع. لقد مثل الوضع في العراق بتناقضاته العديدة سياقا لتنامي الأعمال الإرهابية مثالا سيئا تهدر فيه أرواح الشباب وطاقاته والحال أن البلدان العربية كلها في أمس الحاجة إلى شبابها ولا يجب أن يكون الشباب وقود إرهاب تحرك خيوطه تنظيمات متطرفة حاقدة على المجتمع بل تكفره لأنها تنظر له ولقضاياه بمنظار ضيق يحجب رؤية عديد التحديات …ولئن لم يشكل هذا الشباب مصدرا للخطر في صلب أي مجتمع عربي فإنه سيكون  عرضة للخطر في حالة عدم متابعة مشاغله والعناية بأوضاعه واخذ طموحاته بعين الاعتبار. نور الدين عاشور (المصدر: افتتاحية جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 13 مارس 2007)
 
 

 
عائد من طرابلس: ليبيا … من هموم الثورة إلى ثورة المستقبل (1 من 4):

النّفط والسلطة وبناء صناعة وطنية أبرز هواجس الليبيين

من مبعوثنا الخاص: صالح عطية طرابلس( ليبيا ): الصباح لم يكن العيد الثلاثون لـ «إعلان قيام سلطة الشعب» في ليبيا، مجرد مناسبة احتفالية فحسب، بقدر ما كانت فرصة لتقييم المشهد العام بالبلاد ورسم صورة للمستقبل، حرص الخطاب الرسمي من خلالها على تقديم نوع من «كشف حساب» للشأن الليبي، بصراحة وواقعية وبكثير من الشفافية، التي تجاوزت هذه المرة، ما كان يصنّف ضمن دائرة «الخطوط الحمراء» التي يمنع الحديث عنها أو الخوض فيها، باعتبارها من خصوصيات النظام، أوهي من «أسرار الدولة»، أو ربما كانت من الأمور التي لا تعني «الدهماء» (عامة الناس) في الجماهيرية.. لقد اختارت القيادة السياسية في ليبيا، ذكرى «إعلان قيام سلطة الشعب»، (في الثاني من مارس 1977) ، لتنبه الليبيين إلى أن هذه السلطة، تواجه الكثير من المحاذير، التي تهدد استمرارها ومستقبلها، وبالتالي مستقبل عموم الشعب الليبي.. لم يختر الزعيم الليبي، معمر القذافي سياسة «الرضا عن الذات» ضمن نشوة الاحتفالات بقيام «أول سلطة جماهيرية في التاريخ» ـ كما يطلق عليها في ليبيا ـ وإنما سلك طريقا أخرى قوامها مصارحة شعبه بالمستقبل، مصارحة فاجأت المراقبين الذين وصف بعضهم كلام الزعيم الليبي بـ«المفصلي» في السياسة الليبية المستقبلية.. الجبهة الداخلية… ففي خطابين اثنين للعقيد الليبي بمدينة سبها (750 كلم جنوب شرقي العاصمة طرابلس)، المدينة التي أعلن فيها قيام «سلطة الشعب» قبل ثلاثين عاما، أفصح القذافي عن هواجس أربعة، بدأت تزعج القيادة الليبية هي، مصير السلطة ومستقبل النفط وأزمة المياه والحاجة إلى بعث صناعة وطنية ليبية.. كان واضحا، شعور الزعيم الليبي بوجود حالة من «التسيب الشعبي»، إزاء مقدرات البلاد وثرواتها واستقلالها، فيما العالم يتغير، والتحالفات تتبدل بشكل جذري، وهوما يجعل البلاد في مواجهة أطماع مختلفة، سياسية وعسكرية ونفطية واقتصادية.. لذلك حرص القذافي خلال خطابين اثنين، على تأكيد مفهوم «الجبهة الداخلية» التي قال عنها إنها «جبهة الشعب الليبي»، وذلك في مقابل محاولات التحزب أوتشكيل تكتلات حزبية، «فالأحزاب والمنظمات والتعددية، بل حتى الانتخابات، ليست سوى شروطا لصندوق النقد الدولي والدول المانحة»، وفق ما أعلنه الزعيم الليبي.. وواضح هنا، أن تصريحات القذافي، تمثل إجابة غير مباشرة على دعوات المعارضة الليبية في الداخل، وبخاصة في الخارج، للإصلاح السياسي، من خلال السماح بتشكيل الأحزاب والحريات الصحفية واعتماد الانتخابات وبناء المؤسسات المدنية العصرية، سيما منها مؤسسة القضاء.. صحيح أن النظام الليبي، تعوّد تسويق وجهة النظر هذه منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن، من خلال اتهام هؤلاء بـ«الخيانة»، لكن عديد المسؤولين والإعلاميين الليبيين، يعتبرون أن إجابة القذافي تأتي هذه المرة ضمن إطار مغاير تماما، في إشارة إلى التجربة العراقية المؤلمة التي يقولون، إنها أثرت في القيادة الليبية بشكل كبير، لذلك تحاول الاستفادة من دروسها وتجنب تداعياتها.. ولعل من بين ملخّصات هذه التجربة، الدور الهام الذي قام به العملاء في الإطاحة بالنظام العراقي، وتسليمه لقمة سائغة للولايات المتحدة، بحيث تسببوا في خراب البلاد ونهاية النظام، ومهّدوا لعودة الاستعمار لبلاد الرافدين.. ويربط القذافي في هذا السياق، بين العملاء العراقيين، وأبناء الليبيين الذين يدرسون بالخارج، محذرا الشعب الليبي من خطورة التدريس بالخارج، لأن هؤلاء ـ والكلام للزعيم الليبي ـ يتم استقطابهم، فتغسل أدمغتهم، وتعطى لهم الأموال، ثم يتلقون الأوامر للعودة إلى أوطانهم لتخريب بلدانهم وزرع الفتنة فيها، بذريعة كونهم مخلّصون للشعب الليبي».. في كلمة تختزل وجهة النظر الليبية، إن هذه البعثات «يصنع منها عملاء كي يحكموا ليبيا، فتؤخذ ثروات ليبيا وينهب بترولها»، وهذا بالضبط مضمون الرسالة التي كان يريد القذافي إبلاغها للشعب الليبي: إن الثروة النفطية في ليبيا، مهددة باختراقات يمكن أن تأتي من العملاء، كما يمكن أن تأتي من الشركات النفطية ذاتها.. النفط .. النفط … وإذا كانت مسألة الدراسة بالخارج قد فاجأت الليبيين، خصوصا أولئك الذين يئسوا من التعليم الليبي، وكانوا يمنّون النفس بتعليم أبنائهم في باريس أولندن أوواشنطن أوغيرها من العواصم الأوروبية، فإن ما أثار انتقادات الليبيين أكثر، هي دعوة زعيمهم للتنبه إلى مستقبل الثروة النفطية، ومطالبته الشعب الليبي بأن يهبّ للمحافظة على البترول، بل إن قائد الثورة الليبية، لم يتردد في مطالبة الليبيين «بالتدرب على السلاح، والانتظام في التدريب العسكري العام، والمناوبة الشعبية المسلحة، بغاية الدفاع عن البترول وعن الثروة النفطية»، الذي هوفي المحصلة النهائية «دفاع عن السلطة وعن الحرية لكل الليبيين»، على حد تعبيره.. لكن سائق تاكسي ليبي شاب، اعتبر دعوة القذافي بحاجة إلى إجراء عملي يتجاوز مجرد التصريح العلني بهذه القرارات التي وصفها بـ«الهامة» .. وقال عبد القادر فرشوح، «لا بد من قوانين تمنح الليبيين إمكانية التصرف في الثروة النفطية، وذلك عبر تشريعات تتيح لهم بعث مشاريع صناعية وإدارة مؤسسات، حتى وإن كانت عن طريق القروض المسترجعة»، حسب رأيه.. وتابع الفرشوح قائلا: «نحن إلى الآن لا ندري أين تذهب موارد البترول، بل لم نشعر بذلك إلا انطلاقا من السنوات القليلة الماضية، عندما بدأت ملامح البلاد تتغير، من حيث الطرقات والمباني والمؤسسات السياحية وتجديد أسطول السيارات وغيرها».. وفي الواقع، يتقاسم عدد من الليبيين وجهة النظر هذه، وإن اختلفت مداخلهم وطريقة وأسلوب طرحهم للموضوع.. المهم أن ثمة شعورا شبه عام، بضرورة أن تكون إدارة قطاع النفط، بمعايير جديدة وبشفافية تامة.. لم يتعود الليبيون «حشر أنفهم» في مسائل النفط، كما لم يسبق أن وقع تشريكهم بشكل رسمي في صناعة القرار النفطي، إن صح القول.. كانوا إلى وقت قريب، مجرد مستهلكين للثروة النفطية الوطنية، سواء عبر الدعم الحكومي على السلع والمواد الغذائية والكهرباء وخدمات الصحة والتعليم، أومن خلال أسعار المحروقات التي تكاد تكون الأبخس ثمنا في العالم(140 مليما تونسيا للتر الواحد)، لكن «همّ» البترول لم يفارقهم أبدا، لأن حصتهم منه، ما تزال في نظرهم أقل بكثير من حاجاتهم وتطلعاتهم.. يشكل النفط في ليبيا، نحو94% من عائدات الجماهيرية من النقد الأجنبي، و60% من العائدات الحكومية، و30% من الناتج المحلي الإجمالي..  تنتج ليبيا، بحسب الأرقام الرسمية، 1.6 مليون برميل يوميا من النفط، (معدل الإنتاج 2 مليون برميل في اليوم، وذلك من مجموع احتياطي مؤكد قدره 37 بليون برميل)، وتعتزم الحكومة الليبية زيادة إنتاجها إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا اعتبارا من سنة 2010.. ولأن النفط أولا، والغاز في المقام الثاني، يشكلان مصدر الدخل الرئيسي في البلاد، فإن القيادة الليبية حرصت على تحذير مواطنيها من الاستمرار في «التعاطي السلبي» مع الثروة البترولية، عبر الاقتصار على مجرد الاستهلاك بطرق شتى، على اعتبار «أن النفط لا يمكن أن يستمر، وعندما تنضب هذه الثروة، سيجد الليبيون أنفسهم في مأزق» ـ كما جاء على لسان الزعيم الليبي، في خطابه أمام مؤتمر الشعب العام (البرلمان) يوم الثاني من مارس الجاري.. الحاجة إلى صناعة وطنية ليبية.. غير أن الحديث عن النفط بهذه الكيفية الصريحة والمخيفة في آن معا، نبع في الواقع من رؤية مستقبلية للاقتصاد الليبي، الذي ما يزال يقوم على النفط والغاز، وقدر هائل من الواردات الغذائية (17.1 % من مجموع الواردات الليبية)، وآلات ومعدات النقل (42.3 %)، والأجهزة الكهربائية والأدوية والملابس الجاهزة والمنتجات الجلدية والورقية والزجاجية ومواد البناء(40.6 % تقريبا).. لقد ظلت الصناعة الوطنية الليبية، في ذيل النشاط الاقتصادي وعلى هامشه، أمام تعوّد الليبيين على الاستهلاك واطمئنانهم إليه، وهوما وضع الاقتصاد الليبي أمام مصير غامض، فلا الثروة النفطية التي تتناقص عاما بعد آخر، قادرة على ضمان تطوره، ولا اعتماد هذا الاقتصاد على التوريد، يمكن أن يقوي هذا الاقتصاد ويضمن له استمراريته ومجابهته للتطورات المتلاحقة..    ولعل هذا ما يفسر تشديد القيادة الليبية، على ضرورة ربط البترول بقيام صناعة ليبية وطنية.. لقد تساءل القذافي في خطابه الأول يوم غرة مارس قائلا: «ما هي البضائع التي نستوردها بفلوس البترول، وإلى متى تستمر هذه العملية؟ والورشة أحسن أم المصنع، أوالسوق والمقهى أحسن؟».. ثم عاد في اليوم الموالي أمام مؤتمر الشعب العام ليشير، بأن ليبيا تتوفر على تجارة نشيطة بأسعار متاحة، وخدمات فندقية ومطاعم، لكنه شدد على أن وراء هذا المشهد، صورة أخرى وصفها بـ« المظلمة « هي غياب الصناعة الليبية، حسب تعبيره.. وحتى يعمّق هذه الصورة المظلمة والمفزعة في أذهان الليبيين بشأن هشاشة الاقتصاد الليبي، أوضح الزعيم القذافي، «أن الاستمرار في جلب السلع من الخارج، يمثل خطرا على اقتصاد البلاد، لأن هذه البضائع تستخلص من عائدات البترول، وهوما يجعل الفرنسي والصيني والتركي والأمريكي، (معظم البضائع موردة من هذه البلدان) يستفيد أكثر من الليبي»… ومضى العقيد معمر القذافي يقول: «إن كل ما نشتريه من الخارج يعود لمصلحة المصنّع، فهووحده المستفيد على المدى البعيد، فهوالذي يزداد ثراء، ونحن الذين نتجه نحوالفقر».. إنها بمثابة صيحة فزع لمستقبل يبدوالغموض على لوحته أكثر من زوايا الوضوح فيها، وهل تكفي الثروة النفطية لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم الانخراط في الاقتصاديات الحديثة بجميع متطلباتها؟ بل هل يمكن للبترول وحده أن يضمن الرخاء الاقتصادي لشعب من الشعوب ؟ على أية حال، لم تكن صيحة الفزع هذه، في واد غير ذي زرع، وإنما التقطها الليبيون بشكل إيجابي، بل إن البعض ممن «دردشنا» معهم بهذا الشأن، اعتبروا هذه الدعوة متأخرة نسبيا.. وقال محمد النشواني (تاجر ملابس)، أن هذه المسائل لا تحتاج إلى استشارة شعبية، بل إنها مسائل من اختصاص الدولة التي يفترض أن تفكر في مستقبل البلاد ومقدراته».. وأوضحت هدى ماضي (مسؤولة بإحدى الوزارات)، «أن العبرة بالاستفاقة الحكومية، وأنه لم يضيع شيء عن الليبيين، وبالإمكان التوصل إلى إنشاء صناعة ليبية، شريطة أن يعهد للجيل الجديد من الليبيين، إدارتها بعقول جديدة» على حد قولها.. تحديات مصيرية… على امتداد العقود الأربعة الماضية، لم يكن لليبيين، رغم كل شعارات ثورة الفاتح من سبتمبر، أي دخل في رسم سياسات بلادهم، إلا من خلال اللجان الشعبية، التي سرعان ما نخرها الفساد بحسب تصريحات المسؤولين والمواطنين على حد السواء، الأمر الذي دفع القيادة الليبية، إلى استنباط آلية (الكمونة)، لتجديد انخراط الليبيين في شواغل البلاد، ورغم ذلك ظل معظم الليبيين على هامش صنع القرار السياسي.. لذلك، وعندما أطل القائد معمر القذافي على مواطنيه بهذه التصورات الجديدة، استبشر الليبيون خيرا، واعتبروا ذلك خطوة باتجاه تشريكهم في صناعة مستقبل بلادهم.. ×××× «سلطة الشعب» حينئذ تواجه تحديات صعبة، ومستقبل الثروة النفطية في خطر، فيما يبدوالاقتصاد الليبي أمام استحقاق بناء صناعة وطنية تخرج البلاد من طور الاقتصاد النفطي إلى الاقتصاد المصنّع.. ماذا بقي من مخاوف القيادة الليبية حينئذ؟ المياه … لم يكن الليبيون يتوقعون هذه الإشارة الحمراء من قيادتهم.. «فالمياه (والكلام للزعيم معمر القذافي) ستنتهي في الواحات من الجزيرة العربية إلى موريتانيا، بعد أن دخلت المحركات والمضخات والاستهلاك الكبير للمياه».. ومثلما ربط العقيد الليبي بين النفط والمستقبل، حث الليبيين على التفكير في إشكالية المياه بالنسبة للأجيال القادمة، قائلا:  « لا تتركوهم في مصير سيء ووضع غير مضمون.. » ×××× تلك هي رباعية الهواجس التي بدت مهيمنة على القيادة الليبية، وهي هواجس بقدر ما تعكس تخوفا من المستقبل، فإنها تؤشر إلى إرهاصات حلول، يقول بعض المسؤولين الليبيين أنها تعدّ الشرارة الأولى لبداية مرحلة جديدة في ليبيا… (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 9 مارس 2007)


عائد من طرابلس :ليبيا من هموم الثورة إلى ثورة المستقبل (2 من 4):

صراع بين أجندا «الحرس القديم» ودعاة التحديث والإصلاح

من مبعوثنا الخاص: صالح عطية طرابلس( ليبيا ): الصباح هناك قاموسين اثنين يهيمنان على الساحة الليبية: قاموس الثورة، التي يعود تاريخها إلى نحو أربعين عاما، وبالتحديد منذ الفاتح من سبتمبر 1969، وقاموس «الدولة» الذي بدأ يشق طريقه منذ بضع سنوات ضمن الثقافة الليبية وصلب الوعي الجمعي للنخب والإعلاميين وقسم هام من المجتمع الليبي.. طوال الأربعين عاما الماضية من عمر الثورة، لم يجرؤ أحد في ليبيا، من داخل المؤسسة الرسمية، على التعاطي النقدي مع اتجاهات الثورة، وعلى الرغم من اقتراب الساسة الليبيين من المحيط الغربي، وامتلاكهم ناصية الوعي الأوروبي، إلا أن ذلك لم يسمح لهم بالتحرك إلا من داخل ثقافة الثورة وقاموسها السياسي والاقتصادي.. غير أن السنوات القليلة الماضية، شهدت بروز شخصية سيف الإسلام القذافي (نجل الزعيم الليبي)الذي استطاع في سنوات معدودة، أن ينحت له «كيانا» خاصا صلب النظام الليبي، رغم أنه لا يتقلد منصبا حكوميا، ولا يبدو على علاقة بالهرم التنظيمي لما يعرف بـ «سلطة الشعب»… درس سيف الإسلام القذافي الهندسة في ليبيا ثم سافر إلى فيينا (النمسا)، حيث درس إدارة الأعمال، قبل أن يكمل دراسته في «لندن سكول أوف إيكونوميكس»، وهو أحد أهم المعاهد الاقتصادية في أوروبا، وهناك أعد أطروحة حول «المنظمات غير الحكومية والحكم الرشيد».. تبدو لغة سيف الإسلام، خارجة تماما عن السياق الليبي المتعارف عليه، لكنها تستمد قوتها من اتصالها بلغة العصر وثقافته واصطلاحاته، ولذلك فقد تم التقاطها إيجابيا وبسرعة في أوساط الأجيال الليبية الجديدة المتعلّمة، بل إنها وجدت تجاوبا من قبل بعض المتنفذين في الحكم الليبي، ممن باتوا يصنّفون ضمن دوائر هذا الشاب والمتحمسين لمشروعه.. هل يتناقض مشروع سيف الإسلام القذافي مع اتجاهات الدولة وأهدافها أم يتقاطع معها؟ أم هو مجرد دور ضمن أوركسترا ضخمة يتزعمها العقيد الليبي، وفق لعبة توزيع للأدوار بحسب طبيعة كل مرحلة واستحقاقاتها؟ تلك أسئلة ما يلبث الزائر إلى ليبيا، أو حتى المراقب للشأن الليبي، أن يطرحها بمجرد أن يبدأ في سلسلة استفسارات لهذا الطرف أو ذاك، سواء للمسؤولين أو لبعض المواطنين.. الجميع هنا يتحدث عن سيف الإسلام بكيفية إيجابية، بعض المواطنين ممن تحدثنا إليهم، يبدون إعجابهم بشخصيته، لكن السؤال الذي يرافق هذا الإعجاب هو: لماذا يقتصر دوره على التصريحات التي تعكس نزوعا لحقن ليبيا بالمادة الليبرالية، من دون أن يبادر الرجل فيتخذ له منصبا صلب الدولة، ينفّذ من خلاله أطروحاته ومشروعه الذي يهدف إلى «لبرلة» الاقتصاد الليبي، وهو ما بات معروفا لدى معظم الليبيين؟ لا أحد في ليبيا بإمكانه أن يقدم جوابا قاطعا حول هذا الاستفهام، التعليق الوحيد الذي يبادر به جميع المسؤولين تقريبا هو: أن سيف الإسلام، يشغل منصب (رئيس مؤسسة القذافي للتنمية)، في إشارة إلى أنه ليس مسؤولا في الحكومة، ومعنى ذلك أن الرجل جزء من مشروع وليس المشروع ذاته.. من الثورة إلى الدولة.. غير أن «التحفظات» الضمنية من قبل بعض المسؤولين الليبيين على دور سيف الإسلام في الحياة السياسية الليبية، لا يمكن أن تحجب الموقع المتقدم للرجل، خاصة في الحقل الاقتصادي، وبدرجة أقل في بعض زوايا الملف السياسي.. شعاران اثنان رفعهما سيف الإسلام القذافي قبل فترة غير بعيدة، وباتا اليوم سياسة عملية تنفذها أجهزة الدولة والفاعلين في نظام الحكم الليبي: «الانتقال من الثورة إلى الدولة»، عبر وضع دستور دائم للبلاد، و«الإصلاح الاقتصادي» الذي يبدأ بإنهاء «دور الدولة الراعية».. كلمات مستحدثة بالنسبة للقاموس الرسمي الليبي الذي تعود على الخطاب الثوري ومستلزماته، لكن هذه الكلمات سرعان ما تموقعت صلب البيئة الليبية، وأصبحت منذ نحو العامين، جزءا من سياسة الدولة وتوجهاتها.. لم يكن هذا النهج الإصلاحي، بمعزل عن مؤسسات الحكم الليبي وصناع القرار فيه، وخاصة منها المؤتمرات الشعبية التي نظمت في صيف العام 2005، حوارات استمرت ثلاثة أشهر كاملة، أنتجت في المحصّلة، سياسات اقتصادية واجتماعية تمت صياغتها بعد ذلك في حوالي 28 ملفا، تهم قطاعات الاقتصاد الليبي المختلفة، قبل أن يقرها مؤتمر الشعب العام لتصبح سياسات ليبية معتمدة.. غير أن اعتماد هذه السياسات من قبل مؤتمر الشعب العام (البرلمان)، لم ينه جدلا ظل يظهر ويخفت بين الحين والآخر في ليبيا، بين ما يدعوه نجل الزعيم الليبي بـــ«الإصلاحات الليبرالية»، وما تحرص بعض الجهات النافذة التي يطلق عليها «الحرس القديم»، على التقليل من شأنه عبر وصفه بـ «عملية تصحيح لا غير»، بل إن مسؤولا رفيع المستوى في الحكومة الليبية، فضّل عدم ذكر اسمه، لم يخف في تصريح  لـ«الصباح»، وجود ما وصفه بـ «المقاومة لنهج سيف الإسلام»، تقودها شخصيات بدأت تشعر بتآكل دورها وتراجع نفوذها في الوضع الجديد، على حد قوله.. أكثر من ذلك، يشير بعض المسؤولين الليبيين إلى الاتهامات التي وجهها سيف الإسلام في أوت من العام المنقضي، لمن أسماهم بــ«المافيا المتنفذين الذين يسيطرون على الدولة»، على حد تعبيره، وهو ما يعني أن الأمر يتجاوز إطار الجدل، ليصبح صراعا على أجندتين مختلفتين، الأولى تحرص على الإبقاء على الوضع القائم مع بعض عمليات التجميل تحت مسمّى «التصحيح»، والثانية التي يقودها سيف الإسلام، تدعو إلى تغيير في أساسات البناء الاقتصادي برمته، من اقتصاد اشتراكي راكم الكثير من المشكلات الاقتصادية التي أدت إلى حالة من الشلل، مما كان له أكبر الأثر على تدني مستويات المعيشة لدى شريحة واسعة من الليبيين، إلى سياسات اقتصادية تحررية تخرج الاقتصاد الليبي من مأزقين اثنين هما: الارتهان للنفط، والغرق مع القطاع العام الذي أخفق بشكل كلي .. ويبدو من خلال الأيام الستة التي قضيناها في ليبيا، أن الكفّة قد مالت بعد، باتجاه النهج الإصلاحي التحرري، لسببين اثنين على الأقل: × تبني الزعيم الليبي، معمّر القذّافي شخصيا هذا النهج الإصلاحي الذي كان أعلن عن ملامحه الكبرى منذ العام 2003، عندما دعا إلى ضرورة خصخصة الشركات العامة وتحرير الاقتصاد الليبي.. × أن الوضع الاقتصادي في ليبيا، بات معزولا عن محيطه الإقليمي والدولي، فالنهج الاشتراكي الذي تبنته ليبيا منذ أكثر من ثلاثة عقود، تراجع وانحسر حتى في قلاعه ومنابته الأولى، وبات التيار شبه معطل بين الجماهيرية والمشهد الاقتصادي الدولي.. لذلك كانت عملية الإصلاح الاقتصادي، حاجة ضرورية للنظام الليبي، أكثر منها ترفا سياسيا، وأن مبادرات وأفكار نجل الزعيم الليبي، تعدّ استجابة لهذه الحاجة من دون القفز على ميكانيزمات النظام التي لا يختلف اثنان في ليبيا بأن معمّر القذافي، يتحكم في جميع خيوطها     التحررية السياسية  إلى أين؟ على أن السؤال الذي يطرحه المراقبون للشأن الليبي هو: لماذا يقتصر الجانب الإصلاحي التحرري الذي يدعو إليه سيف الإسلام القذّافي على المستوى الاقتصادي، فيما يبدو الملف السياسي، وبخاصة حرية الإعلام، غائبا عن أجندا الرجل؟ ويزداد هذا السؤال إلحاحا، عندما يتصفّح المرء الصحف الليبية، المحدودة أصلا (لا يتعدى عددها 9)، والتي لا تكاد تجد لها أثرا في السوق الليبية إلا بشق الأنفس، بل حتى إن وجدتها، لن تعثر فيها على ما يوحي لك أنك تطالع صحيفة بالمفهوم المهني للكلمة.. كيف يمكن تمرير إصلاحات اقتصادية، من دون رأي عام يتفهمها ويتبناها، ويكون أحد عوامل إنجاحها؟ أحد الدبلوماسيين الليبيين أجابني بالقول، إن القيادة الليبية، اتخذت من الملف الاقتصادي، أولوية أساسية في هذه المرحلة، وسوف يكون الاهتمام بالإعلام في مرحلة لاحقة، مؤكدا أن توقيتها قريب، وليس على «مدّ البصر» ـ كما يعتقد البعض ـ .. هل يكون للإعلام نصيب ضمن أجندا الإصلاح الليبية، أم تغرق الجماهيرية في إصلاح الاقتصاد، فتنسى أو تتناسى «صاحبة الجلالة»، أو ربما يتحول النسيان إلى خشية من (السلطة الرابعة)، مثلما حصل في تجارب عربية أخرى، عجزت عن تطوير اقتصادها وفقا للمعايير الدولية المطلوبة، في غياب صحافة تتوفر على حد أدنى من الحريات الضامنة لاقتصاد متماسك وقادر على مواجهة التقلبات؟.. سؤال، لا تبدو الإجابة عليه متاحة الآن في ليبيا، لكن الملاحظ في هذا السياق، أن الرغبة الليبية في الإصلاح قوية، ولا يمكن لاثنين التشكيك في صدقيتها، لكن المسألة « مسألة وقت» على حد تعبير أحد الإعلاميين الليبيين.. على أن الوقت العربي شيء، وزمن غرينيتش شيء آخر.. (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 10 مارس 2007)


عائد من طرابلس – ليبيا .. من هموم الثورة إلى ثورة المستقبل (3 من 4):

تحرير الاقتصاد بين استمرار التعويل على النفط وتكريس الاتجاه الليبيرالي

من مبعوثنا الخاص: صالح عطية طرابلس( ليبيا ): الصباح على الرغم من الصراع الدائر في ليبيا بين ما يمكن وصفهم بـ«المحافظين»، والتيار الاصلاحي الذي يقوده نجل الزعيم الليبي، سيف الاسلام القذافي، مثلما أوضحنا ذلك في ورقة أمس، فإن ذلك لم يمنع ليبيا من اتخاذ خطوات إصلاحية، هي من صميم خيارات اقتصاد السوق.. خطوات بدت بطيئة في البداية، لكن نسقها ما لبث أن تسارع، لتشهد ليبيا موجة من القرارات الاقتصادية التي مست جميع القطاعات تقريبا، وفي وقت قياسي للغاية.. والمتجول في السوق الليبية، يلحظ بيسر هذا التحول، ليس فقط في المناخ الاقتصادي العام، ولكن أيضا وبالاساس، في ذهنية الناس والفاعلين الاقتصاديين في البلاد.. الجميع يتحدث عن وجود حالة جديدة تعيشها ليبيا منذ بضع سنوات قليلة، كل من موقعه، وبحسب رؤيته للامور، لكن الجميع موقنون بوجود تحول حقيقي طرأ على مكونات الاقتصاد الليبي، فأدخل عليها الكثير من التغيير، بدءا بالقوانين والآليات، ومرورا بما يوصف هنا بـ« التعاطي الحكومي الايجابي « مع النشيطين في الحقل الاقتصادي من الجيل الجديد.. لم يكن الوضع الليبي كذلك منذ نحوالعامين، أي قبيل رفع الحصار الاقتصادي والتجاري عن الجماهيرية، سواء العقوبات الدولية في العام 2003، أوالعقوبات الامريكية سنة 2004.. فقد عانت ليبيا « الامرّين « من هذا الحصار الجائر خلال عقد كامل تقريبا، وكان يفترض أن يتأخر أي تحول بالنظر إلى ثقل التداعيات التي خلفها الحصار على المناخ العام بالبلاد.. وفي الحقيقة، لم يكن الحصار الدولي والامريكي وحدهما المؤثرين في اقتصاد ليبيا وفي علاقاتها التجارية الدولية، فهناك تركة التحول الاشتراكي، التي راكمت الكثير من المشاكل الاقتصادية، بحيث أوصلت النشاط الاقتصادي إلى حالة من الشلل، كان لها أكبر الاثر على تدني مستويات المعيشة لدى شريحة واسعة من الليبيين ارتبطت بشكل مباشر بالدولة، من خلال اعتماد غالبية السكان على الدولة وارتباط مصدر رزقهم بالرواتب والمساعدات العينية التي تصرف من الخزانة العامة للدولة، أو عن طريق الشركات التابعة للقطاع العام، والتي أخفق معظمها في النجاح بالمعايير الاقتصادية المعروفة (تفتقر ليبيا لنظام الضمان الاجتماعي، لكنها أنشأت مؤسسات وفنادق تصرف مداخيلها للفئات والشرائح الفقيرة والمعوزة، وهب المؤسسات التي يقول الليبيون، إنها غير ناجعة وتشكو مصاعب اقتصادية كبيرة تهدد استمرارها على المدى المتوسط على الاقل).. بدايات الاصلاح الاقتصادي.. لم ينتظر صناع القرار في ليبيا وقتا كثيرا للبدء في صياغة رؤية جديدة لاقتصاد البلاد، وكان واضحا ـ على ما يبدوـ أن القيادة الليبية كانت تترقب رفع الحصار كي تبدأ سياقا تنمويا يدشن مرحلة جديدة في البلاد، التي لم يعد من الممكن إدارتها بالاسلوب القديم، القائم على الاقتصاد النفطي من جهة، وعلى «رعاية الدولة» من جهة ثانية.. ويلاحظ المتابع للشأن الاقتصادي الليبي، الكم النوعي من القرارات الاقتصادية التي اتخذت خلال نحو العامين تحديدا، مما يعكس بالفعل، إرادة قوية لتغيير ميكانيزمات اقتصاد البلاد، ومن ثم تغيير معادلات التنمية التي سيكون للقطاع الخاص الدور الاساسي فيها، على الاقل هذا ما توحي به اتجاهات الامور في الجماهيرية، بل هذا ما يردده بقوة بعض رجال الاقتصاد في ليبيا، على غرار السيد محمود إسماعيل، الذي أوضح في تصريح لـ«الصباح»، أن سيل القرارات والاجراءات الاقتصادية والمالية التي شهدتها البلاد في غضون العامين الماضيين، باتجاه تحرير الاقتصاد، «لم تعرفه ليبيا منذ أربعة عقود، الشيء الذي جعل الجماهيرية تدخل مرحلة التحرر الاقتصادي، بسرعة لم يتوقعها حتى رجال الاعمال في البلد».. فقد اتخذت الحكومة الليبية، عدة إجراءات لتقوية دور القطاع الخاص، بحيث خفضت أسعار الفائدة لتشجيع الطلب على القروض من قبل القطاع الخاص، وشجعت الاستثمار الخاص المحلي والاجنبي، ووضعت قانونا جديدا للضريبة، وألغت الامتيازات الجمركية للمؤسسات العامة، وخفضت الضرائب على الواردات، وبدأت الاعداد لقانون مصرفي جديد يعطي البنك المركزي الليبي استقلالية في إدارة السياسة النقدية وتعزيز الرقابة المصرفية.. لكن كيف تمت ترجمة هذه التوجهات؟ وما هي الاليات التي اتبعتها الحكومة للتحول من الاقتصاد «الاشتراكي المحمي» إن صح القول، إلى اقتصاد السوق، بما يتطلبه ذلك من إجراءات وقوانين وتنظيم جديد للعلاقات بين أطراف الانتاج؟ عندما يطرح المرء مثل هذه التساؤلات والاستفسارات على المسؤولين الليبيين، يكتشف حجم شخصية نجل الزعيم الليبي، سيف الاسلام القذافي في هذه التحولات، وهو ما يبادر الليبيون بالتأكيد عليه، إلى درجة عدم إمكانية الفصل بين عملية التحول هذه ودور الرجل فيها.. وفي الواقع، يلحظ المرء ترسانة هائلة من الاجراءات والقوانين التي اتخذت في فترة وجيزة، ومكنت من تغيير وجه ليبيا الاقتصادي.. ويمكن اختزال هذه الاجراءات في النقاط التالية: ترسانة من القرارات والاجراءات ـ تشجيع «المبادرة الفردية»، بشكل ينهي مرحلة التعويل على الدولة، وقد أعلن منذ فترة قليلة، عن فتح نحوخمسين مكتبا في مناطق مختلفة من ليبيا، لمنح تراخيص للراغبين في إقامة مشروعات «فردية أوأسرية أوشركات».. ـ الشروع في تعديل قوانين العمل، بما يسمح بإبرام عقود مؤقتة، إلى جانب مراجعة الاوضاع الوظيفية للعاملين في الجهاز الاداري للدولة على أساس معدلات الاداء.. ـ منح الموظفين الذين لا تسمح معدلات أدائهم بالاستمرار في أعمالهم، قروضا من صندوق التشغيل والمصارف لاقامة الانشطة الاقتصادية المختلفة.. ووفق هذا القرار فان صندوق الانماء الاقتصادي والاجتماعي، سيقوم بتقديم الضمانات اللازمة للمصارف التجارية والاهلية على القروض التي ستمنح بفترة سماح خمس سنوات، مع إعفاء من قيمة القرض وفوائده بنسبة 20%.. ـ تخصيص ميزانية قدرها ستة مليارات دينار (أربعة مليارات دولار) لصندوق الانماء الاقتصادي والاجتماعي، الذي سيعمل على تسهيل تملك الشباب للاسهم في الشركات التي يعملون بها… ـ صدور لوائح تنظيمية لضمان عدم امتلاك أي فرد، أكثر من عشرة بالمائة من رأسمال الشركات المساهمة، وإلزام مؤسسيها بطرح بقية الاسهم للاكتتاب العام في البورصة، التي صدر قرار بتأسيسها العام 2005.. ـ الشروع في تنفيذ بعض المشاريع الرائدة والاشراف عليها، مثل المناطق الصناعية، مع التأكيد على أن الاعتماد الكلي سيكون على العناصر الليبية التي يجري تأهيلها وإعادة تدريبها لتحل محل العمالة الاجنبية.. ـ رفع الدعم عن ثلاث سلع أساسية هي السكر والزيت والشاي، اعتبارا من شهر أفريل المقبل.. وتم في المقابل، تخصيص مبلغ ثلاثة ملايين دينار ليبي (قرابة مليوني دولار)، أدرجت بالميزانية العامة للدولة للعام الجاري، لصرفها كدعم نقدي على المستفيدين سابقا من الدعم لسلع السكر والشاي والزيت.. ويشمل القرار تحديدا، العاملين في الجهاز الاداري للدولة، والفئات التي تتقاضى مساعدات أساسية وضمانية، بالاضافة إلى العاملين لحساب أنفسهم، وذلك في صورة مساعدة اجتماعية… ـ إنهاء مشكلة «العمالة الزائدة» في الجهاز الاداري للدولة، والتي تقدر بنحو400 ألف موظف من أصل 850 ألف تقريبا.. ويرى مراقبون، أن سياسة تحرير الاقتصاد الليبي، ستدفع إلى الاستغناء عن نحو400 ألف موظف وعامل من أصل حوالي 850 ألفا موجودين حاليا في الجهاز الاداري، بل ويشكلون عبئا كبيرا على الادارة في ليبيا.. ويتحدث الليبيون في هذا السياق، عما يصفونه بـ« المعركة « بين سيف الاسلام القذافي، الذي يطالب بإنهاء دور «الدولة الراعية»، ووضع حد « لحالة الخراب الذي خلفه التعويل على القطاع العام، عبر جيش من الموظفين، على حد قوله، لا يساهمون في الانتاج، الامر الذي أهدر المال العام.. وبين التيار الثاني الذي ما يزال يؤمن بدور متقدم للدولة في الاشراف على الشأن الاقتصادي العام.. وبالتوازي مع هذه القرارات الاقتصادية « التحررية «، تم في غضون الفترة القليلة الماضية، تدشين «المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي»، الذي كان سيف الاسلام القذافي، دشنه بنفسه معلنا كونه يمثل  «رأس حربة لتنفيذ الاصلاحات الاقتصادية في ليبيا»، على حد تعبيره، حيث سيتولى هذا المجلس تدريب الشباب الليبي بما يتلاءم مع البيئة الاستثمارية الجديدة التي تنتهجها البلاد… «تخصيص» النفط… وبالطبع، رافقت مختلف هذه الاجراءات، توقيع ليبيا على اتفاقات للتنقيب عن النفط والمشاركة في الانتاج، مع عدة مجموعات ألمانية ويابانية وكندية، إلى جانب شركات أوروبية وأميركية أخرى.. فقد فازت مجموعة من شركات الطاقة الكبيرة والمتوسطة، في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية، بتراخيص للتنقيب عن النفط والغاز لتعمل في بلد يمتلك أكبر احتياطات نفطية في إفريقيا… وحسب بعض المسؤولين الليبيين، فإن الحكومة، تتطلع إلى جذب الاستثمار الاجنبي لمساعدتها على زيادة طاقة إنتاج النفط، من حوالي 1.6 مليون برميل يوميا الان، إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا بحلول 2010 إلى 2012.. ووفق هؤلاء المسؤولين، فإن أعمال التنقيب عن النفط والغاز، لم تتجاوز ثلث مساحة ليبيا، رابع أكبر بلد في أفريقيا، حيث يقدر حجم الاحتياطات حتى الان، بحوالي 37 مليار برميل، مما يجعلها ضمن أكبر عشر دول في العالم من حيث حجم الاحتياطات النفطية… لكن هذه « التخمة « النفطية، وهذا الجنوح لتحرير الاقتصاد الليبي، لم ينس المسؤولين في الحكومة، التداعيات المفترضة لهذه التحولات على المجتمع، سيما في مستوى الاجور، وهوما تعكسه القرارات المتخذة مؤخرا من قبل السلطات الليبية، بالرفع في أجور موظفي الحكومة والعاملين في الشركات المملوكة للدولة، بنسب تصل إلى 275 بالمائة.. ويتحدث مسؤولون ليبيون في هذا السياق، عن الترفيع المرتقب بنسبة 110 بالمائة في الحد الادنى للاجر الشهري للموظفين الحكوميين، اعتبارا من الشهر المقبل، ويبلغ الحد الادنى للاجور حاليا 200 دينار ليبي (155 دولارا)… فيما سترتفع أجور الليبيين العاملين في شركات النفط الحكومية بنسبة 275 بالمائة.. وبالرغم من التحولات التي يشهدها الاقتصاد الليبي منذ بضعة أعوام، إلا أن النشاط الاقتصادي لا يزال ضيقا جدا، حيث ما يزال يقتصر على تجارة الملابس والنسيج والجلود، رغم أن ذلك جعل من ليبيا، أكبر فضاء مغاربي وربما عربي (إذا ما استثنينا الفضاء الخليجي)، في مجال التسوق.. ويشكوبعض رجال الاعمال الاجانب بخاصة، من وجود العديد من القيود على حركة رؤس الاموال وحركة السلع، إلى جانب عدم توفر أرضية قانونية توفر ضمانة للاستثمار الخاص، الذي ما يزال معظمه يتردد في التوجه إلى ليبيا وفتح مشاريع ضخمة هناك.. لا شك أن معركة تحرير الاقتصاد الليبي، ما تزال في بدايتها، فالارث الذي ورثته البلاد، سواء من الحكم الاشتراكي، أومن حتى من فلسفة ثورة الفاتح من سبتمبر، إلى جانب مخلفات عشرية الحصار الاقتصادي طوال كامل التسعينيات، لن تكون سهلة، ولا يمكن تجاوزها بعصا سحرية مهما كانت الوصفة التحررية التي يقدمها المسؤولون الليبيون عن عمليات تحديث الاقتصاد الليبي..  إن كل استحقاقات مستقبلية، تتطلب تصفية للقديم بشجاعة وجدية، بالاضافة إلى مراكمة الاصلاحات والتجربة، وأحسب أن الوقت ما يزال مبكرا للحكم على نجاح عملية التحرير الاقتصادي من عدمها، سيما أن التعويل على النقط ما يزال هو المتحكم في عجلة الاقتصاد بنسبة مائوية واضحة.. (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 11 مارس 2007)  


عائد من طرابلس – ليبيا .. من هموم الثورة إلى ثورة المستقبل ( 4 من 4):

من العروبـــــــة إلى خيار «الأفرقــــــة»…

من مبعوثنا الخاص: صالح عطية طرابلس( ليبيا ): الصباح بالاضافة الى مظاهر التحرر الاقتصادي، وجرعات «الانفتاح» السياسي (على الاقل على مستوى ردود فعل الليبيين وتعليقاتهم على الشأن العام)، وهي مظاهر يمكن ان يتحسسها المرء بسهولة عندما يزور طرابلس، بالاضافة الى ذلك، ثمة مستجد آخر يلفت الانتباه ويستوقفك وأنت تتجول بين شوارع العاصمة واسواقها، بل حتى عندما تجلس في المقاهي، التي بدأت تنتشر بسرعة فائقة، انه الوجود الافريقي الذي بدأ «يتسلل» الى العاصمة الليبية، بتشجيع من الحكومة، لا بل من القيادة الليبية بالذات.. شباب من التشاد والنيجر واوغندا ومالي والسودان وغيرها، يتجولون هنا وهناك، بعضهم يعمل في المطاعم وآخرون في الفنادق، ومنهم من عهدت اليه مهمة حراسة بعض المؤسسات او المباني، فيما البعض الاخر ينتظر دوره في سوق العمل.. المهم ان هذا «الرقم» الجديد الذي انضاف الى المجتمع الليبي، بات جزءا من المعادلة السياسية الليبية خصوصا على الصعيد الرسمي، اما الجانب الشعبي فيبدو منقسما حول هذا المعطى الجديد.. لم تكن حركة الافارقة نحو الجماهيرية، لمجرد السياحة او لالتقاط بعض الانفاس التي تعوض عنهم متاعب الثورات والانقلابات التي لا تكاد تهدأ أبدا في بعض مفاصل القارة السمراء، بل كانت هذه «الهجمة الافريقية» على طرابلس، كما يطلق عليها بعض الليبيين، جزءا من خيار سياسي يوصف هنا بـ«الاستراتيجي والضروري» للجماهيرية، بل ان أحد المسؤولين الليبيين، رفيع المستوى، لم يتردد في القول بان المسألة «مسألة حياة او موت»، وهو ما يعني ان طرابلس اختارت الحياة، من خلال نافذة علاقاتها الجديدة بدول القارة الافريقية. علاقات مبكرة.. تعود الخيوط الاولى التي نسجت العلاقة بين ليبيا والفضاء الافريقي، الى فترة الحصار الدولي الذي ضرب على ليبيا طوال عشرية التسعينات من القرن المنقضي.. في تلك الفترة هبّ اكثر من زعيم افريقي بطائرته الخاصة نحو طرابلس، خارقا الحصار الجوي، من جهة ومعلنا اخراج القيادة الليبية من عزلة سياسية، كانت تبدو نتيجة طبيعية وهدفا لذلك الحصار، من جهة ثانية.. تسببت «قضية لوكربي»، من حيث لم يكن يرغب الليبيون، في ذلك الاقبال الضخم والمتزايد لعدد من الزعماء  والمسؤولين الافارقة على التراب الليبي، وتعبيرهم عن مساندتهم السياسية والمعنوية للزعيم الليبي ضد الحصار الجائر الذي فرض على الجماهيرية. وتزامن هذا «التضامن الافريقي» ـ كما يصفه المسؤولون الليبيون ـ مع غياب شبه كامل للدول العربية على الساحة الليبية (اذا استثنينا الموقف التونسي الذي يذكره الليبيون باستحسان)، وهو «ما جعل القيادة الليبية تقوم بعمل منهجي، من خلال اعتبارها افريقيا، فضاء رحبا، يمكن ان يشكّل نواة أمن جماعي، في غياب الامن الجماعي العربي واختلاله»، على حد قول الدكتور المدني الازهري، الامين العام لتجمع الساحل والصحراء، الذي يعرف باسم «تجمع س-ص» كما يحلو للاخوة الليبيين اختزاله. بل ان «تجمع س-ص»، كان على خلفية تلك «الوقفة» الافريقية مع ليبيا، فقد انطلقت الفكرة آنذاك، من كون دول الجنوب الافريقي المطلة على الصحراء، (ليبيا والسودان والتشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، ثم ارتريا وجمهورية افريقيا الوسطى، وهي الدول المؤسسة لهذا التجمع) يمكن ان تشكل «عمقا استراتيجيا للأمة العربية، وبخاصة لدول شمال افريقيا (المغرب العربي)، بحكم الروابط الاجتماعية الناتجة عن تلاقح القبائل العربية الرحّل مع السكان الاصليين للقارة الافريقية، بالاضافة الى العلاقات الثقافية والدينية والروابط التاريخية المشتركة، والاتصال الروحي والعلاقات الاقتصادية والتجارية مع هذه المنطقة»، كما جاء على لسان الدكتور المدني في تصريحه لـ«الصباح».. ليس هذا فحسب، بل ان الامين العام لتجمع (س-ص)، الذي يلقب في ليبيا بكونه «مهندس العلاقات مع افريقيا»، لا يخفي النزوع الليبي المبكر باتجاه القارة السمراء، اذ يعتبر ان «افريقيا كانت احدى اولويات ثورة الفاتح من سبتمبر».. يقول في هذا السياق: «لقد نسجت ثورة الفاتح علاقات مع حركات التحرر وحركات اليسار في افريقيا، وارتبطت بعلاقات نضالية مع معظم الحركات الثورية، خاصة منها حركة تحرير غينيا بيساو (الرأس الاخضر)، ومع تنظيمين مسلحين في زمبابوي، وقامت بتدريب آلاف المقاتلين في ناميبيا وجنوب افريقيا، خلال كامل رحلة السبعينات».. ويتابع الدكتور الأزهري قائلا: «ثم تطورت علاقات ليبيا مع القوى الثورية المعارضة في فترة الثمانينيات، خلال مرحلة الحرب الباردة، فوقفنا الى جانب القوى المعارضة في تشاد والكونغو الديموقراطية، مرورا بغانا ووصولا الى اوغندا واثيوبيا».. ويؤكد الامين العام لـ«س-ص»، بان هذا الموقف الليبي «جعل معظم القمم الافريقية، تتخللها ملاسنات بين القيادة الليبية والحكومات الافريقية، على خلفية الدعم الليبي للمعارضات في تلك الدول».. وواضح من خلال هذا العرض التاريخي الهام، ان ليبيا استثمرت هذا الزخم السياسي، في علاقاتها الراهنة مع معظم قيادات القارة الافريقية التي صعد جلها الى سدة الحكم، وهو استثمار كلف ليبيا الشيء الكثير، لذلك هي تحاول اليوم الاستفادة منه، ليس فقط على الصعيد الظرفي/التكتيكي، ولكن من منطلق استراتيجي ايضا.. اعتبارات المصالح أيضا.. على أن القيادة الليبية، لم تولّ وجهها شطر الجانب الافريقي، لهذه الاعتبارات التاريخية فقط، على أهميتها في الرؤية الليبية، ولكنها فعلت ذلك من منطلقات مصلحية، اقتصادية وتجارية، عبر قراءة للمخزون الافريقي الذي يعدّ الأضخم، قياسا بالثروات المتوفرة في انحاء   كثيرة من العالم. ويبدو أن هذه الخلفية، لم يستوعبها الليبيون بشكل جيد ومعمق، لذلك استغل الزعيم الليبي، معمر القذافي، اجتماع مؤتمر الشعب العام (1 مارس الجاري بمدينة سبها/جنوب شرقي العاصمة طرابلس)، لكي يقدم هذا المخزون الافريقي عبر لغة الارقام، بغاية اقناع الليبيين، باهمية الخيار الافريقي وطابعه الاستراتيجي.. ذكر قائد ثورة الفاتح من سبتمبر، ان افريقيا تتوفر على 175 مليون هكتار من الاراضي الصالحة للزراعة، لا يستغل منها حاليا، سوى ما بين 2 الى 4 في المائة فحسب. وتوفر القارة نحو 70 في المائة من الانتاج العالمي من القطن والسكر والكاكاو فيما ان مصدر ثلث الانتاج العالمي من الفول السوداني (الأكثر استهلاكا في افريقيا والمشرق العربي خاصة)، الارض الافريقية التي تختزن كذلك ثلث انتاج العالم من الخضروات والفواكه. وفي مجال الثروة النفطية، تتوفر افريقيا على 75 بليون برميل من احتياطي النفط، مما يجعلها تحتل المرتبة الثانية في العالم بعد امريكا اللاتينية من حيث كميات احتياطي النفط (دون اعتبار منطقة الشرق الاوسط).. وتنتج القارة الافريقية، نصف كميات الالماس في العالم (بنسبة 50 في المائة)، وهي تتوفر على 95 في المائة من احتياطي الالماس، الى جانب 50 في المائة من احتياطي الذهب، و90 في المائة من احتياطي البلاتين. من هنا يفهم المرء سبب الاصرار الليبي على «غزو» افريقيا، بل عندما يشير الزعيم الليبي الى ان «ليبيا هذه في النهاية، تشكل قبيلة في افريقيا، والليبيون هم افارقة بالاساس»، فان ذلك يمثل دعوة صريحة لشعبه لكي يرتدي «الجلباب الافريقي» الذي لم يلبسه الزعيم الليبي ذات مرة على سبيل الدعابة او الفولكلور ـ كما يرى البعض ـ بل ان تلك قناعة لدى القيادة الليبية، تحرص بعض النخب في ليبيا على ان تجد لها «مسوّغات» من التاريخ والجغرافيا والثقافة والمصالح الاستراتيجية. وفي الحقيقة، لم تقتصر الرؤية الليبية على هذه الارقام، وحقائق التاريخ المشترك، وانما حرصت على ان تجعل من افريقيا همّا ليبيا استراتيجيا بكل معنى الكلمة.. «الغزو» الليبي لافريقيا.. عرفت السنوات القليلة الماضية، وبالتحديد منذ رفع الحصار الدولي عن الجماهيرية، اتجاها ليبيا نحو القارة السمراء، يبدو منهجيا وبتخطيط دقيق.. فعلاوة على مشروع البنية الاساسية التي شرع في انشائها بهدف ربط ليبيا بالعواصم الافريقية (طرقات تمتد باتجاه النيجر وأوغندا وتشاد..) بدأت الحكومة الليبية في بعث مشروعات استثمارية (زراعية وسياحية وتربوية…) في كل من جمهورية مالي وغينيا بيساو وبوركينا فاسو وتشاد والجزائر وغانا وغمبيا، ويتحدث بعض المسؤولين الليبيين بالاضافة الى ذلك، عن نوايا جادة لتطوير الصناعة في افريقيا، حتى يتسنى للقارة ان تستفيد من ثرواتها الطبيعية والمواد الاولية التي تزخر بها، بدلا من تصديرها خاما بأسعار زهيدة، ثم استيرادها من جديد مصنّعة وبأسعار جد مرتفعة.. وكمثال على ذلك، تقوم بلدان افريقية بتصدير الطن الواحد من الكاكاو (كمادة اولية)، بدولار واحد الى البلدان الغربية، ثم تقوم باستيراده مصنعا من نفس تلك الدول بسعر 15 دولارا.. من هنا يفهم المرء مبررات الاتجاه الليبي نحو انشاء مصانع في عدد من دول القارة الافريقية، بغاية البدء في استغلال تلك الثروات واستثمارها في التنمية الافريقية. وكان الزعيم الليبي معمر القذافي شدد في احد خطاباته في العيد الثلاثين «لاعلان قيام سلطة الشعب»، على ضرورة استثمار الاموال الافريقية في القارة، والاتجاه العملي نحو التكامل بين الدول الافريقية، من خلال التركيز على البنية الاساسية، وبخاصة بعث شبكة طرقات، من شأنها المساهمة في تطوير التجارة البينية الافريقية واستغلال ثرواتها وخيراتها الهائلة. هناك حينئذ، سياسة افريقية لليبيا يلمسها المرء بوضوح لدى المسؤولين الليبيين، سياسة لا تراهن فقط على افريقيا، وانما تعتبر ليبيا جزءا من القارة، بل هي امتداد لها، انها عملية «مصاهرة» سياسية ومصلحية بين ليبيا وافريقيا، يحرص الزعيم الليبي على اقناع شعبه بها، بل ودفعه نحو رؤية مستقبله صلب الجغرافيا الافريقية: «ليبيا ـ كما يقول القذافي ـ لا يمكن ان تتسع الا لمليونين فقط، والمطلوب ان يسعى الليبيون للعيش في افريقيا.. فالثروة النفطية لا يمكن ان تستمر، وعندما تنضب هذه الثروة سيجد الليبيون انفسهم في مأزق».. لكن الليبيين، لا يبدون على استعداد لتنفيذ هذا التوجه.. بل ان بعضهم يتساءل حول الجدوى من هذه السياسة المتجهة نحو افريقيا.. سائق تاكسي شاب، لم يخف سخريته من هذا النزوع نحو افريقيا قائلا: «ماذا في افريقيا حتى نذهب اليها، ولماذا افريقيا بالذات؟ هل يريدوننا ان نذهب للجحيم بأنفسنا؟ هل تقدر القارة على استيعابنا وهي التي تعاني تضخما سكانيا لافتا؟».. وأوضح تاجر ملابس، بانه اذا كان لا بد من التوجه السياسي نحو افريقيا، فلنساعدهم على اقامة مشاريع هناك بدلا من فتح الحدود الليبية امامهم، سيما ان القارة، ما تزال تعاني من الامراض والاوبئة» على حد قوله.. لا شك أن الخيار الافريقي، يحتاج الى كثير من الوقت والجهد، وقبل ذلك يحتاج الى قناعة شعبية.. وهو ما لا يبدو متوفرا على الاقل في الوقت الراهن.            *** لقد اختارت ليبيا، تحت وطأة «اختفاء النظام المؤسسي العربي، وعدم قدرته على الاستجابة للتحديات المطروحة التوجه نحو افريقيا، والتخلي التدريجي عن المنظومة العربية»، وفق ما اكده باحث جامعي ليبي، فضّل عدم ذكر هويته، وهي في الحقيقة نفس القناعة التي يرددها المسؤولون الليبيون بطرق مختلفة، وبشكل علني وصريح احيانا.. فهل تنجح ليبيا في هذا التوجه الافريقي، وتكون الأكثر استراتيجية في رؤيتها للأمور، ام يضطرها الفيل الافريقي الى تضييع مشيتها الاولى، من حيث هي تحرص على تعديل خطواتها على النسق الافريقي؟ وهل تكون افريقيا بديلا ليبيا فعلا عن أوروبا، التي اختارتها معظم الدول المغاربية لتكون شريكها المستقبلي؟ سؤال ستجيب عنه السنوات، لا بل العقود القادمة.. فهل تقنع ليبيا العرب أولا، ثم العالم ثانيا بهذا «التوجه» نحو القارة الافريقية؟ (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 13 مارس 2007)

 
بين «خمسون» الجعايبي و«أوتيلو» محمد إدريس

لمن الكلمة في العرض المسرحي: للجماليات أم للإيديولوجيا؟

تونس – الصباح انه لمن جميل الصدف الفنية والثقافية أن تشهد الساحة المسرحية في تونس «ميلاد» عملين مسرحيين كبيرين متزامنين يشاهدهما الجمهور تباعا -تقريبا- فما أن انتهت سلسلة العروض الأولى لمسرحية «خمسون» للمخرج الفاضل الجعايبي والتي اعتبرت في حينها «حدثا» مسرحيا هاما حتى طلع الفنان المسرحي محمد ادريس على الساحة الثقافية بعمله المسرحي الجديد «أوتيلوّ» أو «نجمة نهار» المأخوذة عن مسرحية «عطيل» لشكسيبر.. ولئن رأى  بعض النقاد والمتابعين في خروج مثل  هذه الاعمال  المسرحية الى المسارح وقاعات العرض مؤشرا على فترة  ازدهار مسرحي وايذانا – ربما- بـ«ربيع مسرحي» تونسي جديد  اعتبارا للقيمة الفنية والجمالية  والثقافية لكلا العملين فإن أوجه الاختلاف  الفني والثقافي والجمالي  القائمة بين المسرحيتين وكذلك خصوصية مفردات لغة «الخطاب» المسرحي  المرئيّ والمنطوق لكل منهما  تسمح – في نظرنا-  لمقاربة  هاتين المسرحيتين وقراءتهما  نقديا من منظور أخر.. أو لنقل من خلال  سؤال: ما  الذي يصنع القيمة الفنية والثقافية والابداعية  للعرض  المسرحي – في المطلق- .. الجماليات.. أم الايديولوجيا؟ طبعا، الذين شاهدوا مسرحية «خمسون»  للفاضل الجعايبي  وتفرجوا على مسرحية «أوتيلوّ» لمحمد ادريس يدركون بالتأكيد مدى وجاهة سؤالنا هذا- فنيا وثقافيا- ذلك أن الاولى (مسرحية «خمسون») لم تكن في الواقع وعلى الرغم من كل محاولات مخرجها الفاضل الجعايبي  الارتقاء  بها شكلا الى مستوى  العرض المسرحي بالمعنى  الفرجوي  والجمالي  للكلمة.. لم تكن في جوهرها سوى  خطاب..  ايديولوجي ممسرحا. ايديولوجيا بالمعنى  السياسوي الساذج وليس بمعنى الطرح الفكري العميق  للكلمة.. الى درجة أن بعض الذين شاهدوا هذه المسرحية راحوا «يردّون» على أصحابها  بمقالات إيديولوجية سياسوية بدورها ! وما من شكّ في أن الذي ساعد على ظهور مثل هذه «آلتعاليق» الانطباعية على مضمون مسرحية «خمسون» إنما هو بدرجة أولى «خطابها» المسرحي الايديولوجي المتهاتف واللافني  الذي لم تشفع له – لا محاولات المخرج الفاضل الجعايبي  في اكسائه  شكل الفرجوية ولا روعة الأداء التمثيلي  لجليلة بكار وجمال مداني في أن يقنع وأن يمتع.. أما الذين تفرجوا على مسرحية «أوتيلو»  أو «نجمة نهار» للفنان المسرحي محمد ادريس فإنهم وجدوا أنفسهم وهذا بشهادة جلّ النقاد- في حضرة عرض مسرحي تتوفر فيه كل مقومات الفرجة والجمالية بالمعنى الفني المسرحي.. فالدرامي والفرجوي مما صنوان أو يكادان في مسرحية «أوتيلوّ» وكذلك أداء الممثلين (أجسادا وشخوصا) وما يسميه الفنان محمد ادريس «حركية الجهاز الركحي» (متممات وديكور واضاءة) هما أيضا متمازجان ومتكاملان.. وجميعها في خدمة توليد شكل من أشكال الخطاب المسرحي يكون فنيا جماليا وراقيا ما أمكن.. إنّ هذه الورقة ليست – في الواقع- من أجل عقد مقارنة للمحاضلة فنيا بين مسرحيتين كل واحدة منهما هي بإمضاء  واحد من أبرز الفنانين  المسرحيين عندنا (محمد ادريس والفاضل الجعايبي) وإنما هي ـ أساسا – من اجل التمهيد  لمحاولة  الاجابة عن سؤال أوحى به الينا تزامن  عروض مسرحيتي «خمسون» و«أوتيلو»  …السؤال مفاده: لمن «الكلمة» في العرض المسرحي.. للجماليات (البناء البصري والتشكيلي) للعرض أم للايديولوجيا؟ قطعا، الذين شاهدوا المسرحيتين وراقهم  خاصة ذلك البناء الايقاعي الجميل إن على مستوى المشهد  او على مستوى الأداء التمثيلي  او على  مستوى  انتاج  المعنى وصياغة المفردات  الجمالية التي تتجاوز المنطوق في مسرحية «أوتيلو»  لمحمد ادريس  سينتصرون بالتأكيد للجماليات في العرض المسرحي بما هي أدوات لصناعة  فرجة مريحة ومدهشة  وخطاب فني وجمالي راق غير مثقل  بالايديولوجيا في معناها  السياسوي والخطابي الساذج.. محسن الزغلامي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 13 مارس 2007)


مواجهة صعبة بين المتنافسين بجولة الإعادة بانتخابات موريتانيا

  

عبد الحكيم طه وأمين محمد – نواكشوط سارع المرشحان المتجاوزان إلى الجولة الثانية بانتخابات موريتانيا إلى الإعلان عن موقفيهما إزاء الأوضاع الحالية، فور الإعلان عن النتائج الرسمية من طرف وزارة الداخلية مساء الاثنين، وذلك في أول رد فعل لهما على نتائج هذه الانتخابات. المرشح المستقل سيدي ولد الشيخ عبد الله (69 عاما) أشاد بالأجواء التي جرت فيها الانتخابات، وقال إنها جرت في جو تنافسي إيجابي تطبعه روح المسؤولية والانضباط. ووصف السلطات الانتقالية بأنها اتسمت بالكفاءة والمسؤولية، وأدارت هذه العملية الانتخابية الحاسمة في تاريخ البلاد بكفاءة وتنظيم محكم. ولد الشيخ عبد الله الذي حل في المرتبة الأولى بفارق غير كبير عن أحمد ولد داداه (3%) قال إن نتائج الانتخابات تشير إلى أن الشعب الموريتاني بعث برسالتين هامتين: أولاهما أنه أراد من خلال توزيع أصواته على جميع المرشحين أن تسير أموره المستقبلية بطريقة إجماعية، وهذا ما سيعمل عليه مستقبلا. واعتبر أن الرسالة الثانية تؤكد رغبة الشعب في التغيير، وأشار إلى أن برنامجه الانتخابي يمثل مشروع تغيير شامل للطريقة التي يتم بها تسيير أمور البلاد. وتعهد ولد الشيخ عبد الله في مؤتمره الصحفي مساء أمس بأن يقوم بإعادة المبعدين الموريتانيين إلى أراضيهم، وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار وما فقدوا من ممتلكات طيلة فترة إبعادهم إلى خارج البلاد نهاية ثمانينيات القرن الماضي. كما تعهد بالقضاء على بقايا الرق في البلاد وعلى مخلفاته، وبتسوية كل قضايا حقوق الإنسان الموروثة عن النظام السابق. المحطة الهامة أما المتنافس الثاني في جولة الإعادة أحمد ولد داداه (65 عاما) فقد بدا متحفظا خلال مؤتمره الصحفي مساء أمس، مكتفيا بقراءة بيان مقتضب قال فيه إن الجولة القادمة التي سيخوضها نهاية هذا الشهر تمثل محطة هامة على طريق الفوز لكل الموريتانيين الساعين في التداول على السلطة بطريقة سلمية وديمقراطية. وأضاف ولد داداه أن الموريتانيين عبروا من خلال جولة الانتخابات الأولى عما لهم من أولويات في الاختيار والتوجه، داعيا الجميع إلى التوحد من أجل تحقيق ما تتوق إليه غالبيتهم من تغيير شامل وإصلاح. كما دعا المرشح كل الموريتانيين إلى اغتنام ما وصفها بالفرصة التاريخية التي أتيحت لهم بعد انتظار طويل من أجل بناء دولة قوية وموحدة. وبالنسبة لباقي المرشحين السبعة عشر فقد لزموا الصمت بعد إعلان النتائج، غير واحد هو رئيس حزب اتحاد قوى التقدم محمد ولد مولود الذي حل بالمرتبة السابعة والذي اعترف بخسارته مشيدا بالانتخابات وقال إنها جرت في أجواء شفافة. ولد مولود عزا فشله في الانتخابات إلى عوامل أكد أنها كانت حاسمة في مجمل النتائج التي حصل عليها المتنافسون، وقال إن من بينها المال ودعم السلطة لأحد المرشحين على حساب الآخرين والعصبية القبلية والعرقية والجهوية التي استغلها بعض المرشحين في توجيه الناخبين. وفي نهاية المطاف فإن الموريتانيين سيقبلون من جديد بعد أسبوعين على صناديق الاقتراع، ولكن هذه المرة تتركز أصواتهم على مرشحين اثنين بعد أن فقد السبعة عشر الآخرون فرصتهم في التنافس. ومن المتوقع أن يلجأ الرجلان لتنظيم الصفوف من جديد والبحث عن تحالفات تقوي من مواقفهما. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 13 مارس 2007)


المعارضة المصرية ترفض التعديلات الدستورية:

تقضي على الحريات وتفتح الطريق لدولة بوليسية

القاهرة – الحياة عقدت قوى المعارضة الرئيسية في مصر، أمس، مؤتمراً مشتركاً لإعلان رفضها التعديلات الدستورية. واعتبرت جماعة «الإخوان المسلمين» وكتلة النواب المستقلين وأحزاب «الوفد» و «التجمع» و «الكرامة» (تحت التأسيس)، أن التعديلات المقترحة تلغي «ضمانة مهمة لنزاهة الانتخابات، وتوقف الضمانات الدستورية للحريات الشخصية والعامة وتفتح الطريق أمام الدولة البوليسية». وتلا رئيس حزب «الوفد» الدكتور محمود أباظة بياناً مشتركاً للقوى الممثلة بأكثر من مئة نائب في البرلمان، قال فيه إنها «تعلن اتفاقها على رفض التعديلات الدستورية المقترحة». وحذر من أن تعديل المادة 88 الخاصة بالإشراف القضائي على الانتخابات «يعود بالحال إلى ما كانت عليه قبل عام 2000 (…) ويلغي ضمانة مهمة لنزاهة الانتخابات».. ورأى أن استحداث قانون لمكافحة الإرهاب «يوقف الضمانات الدستورية للحريات الشخصية، والحريات العامة ويفتح الطريق للدولة البوليسية، كما أن منح رئيس الجمهورية حق إحالة أي قضية على الجهة القضائية التي يريد، يمثل اعتداء على حق المواطن في المثول أمام قاضيه الطبيعي». غير أن توافق المعارضة لم يكن كاملاً، إذ رفض بعض القوى التعديلات كافة، وقبل بعضها بمواد محددة. وقال رئيس الكتلة البرلمانية لـ «الإخوان» الدكتور سعد الكتاتني إن البيان «تحدث عن القدر المشترك بين قوى المعارضة ولا تزال لكل منا رؤيته في مواد أخرى». وأوضح أن «الإخوان على سبيل المثال يتحفظون عن التعديل الخاص بحظر النشاط السياسي على أساس ديني، في حين أن قوى أخرى مثل الكرامة ترفض إزالة ما يتعلق بالاشتراكية من الدستور». وقال النائب حمدين صباحي وكيل مؤسسي «الكرامة» إن «الحزب حسم أمره وسيبدأ تحركات شعبية، وينزل إلى الشارع للدعوة إلى تظاهرات في مختلف أنحاء البلاد». وأشار إلى أن أكثر من مئة نائب سينظمون وقفة احتجاجية أمام البرلمان خلال مناقشة التعديلات لتأكيد رفضهم لها. لكن ممثل «الإخوان» قال إن «الجماعة لم تحسم أمرها بعد في ما يتعلق بالنزول إلى الشارع»، معتبراً أن «طرق الضغط كثيرة، ولكل حادث حديث». ونفى أباظة اتهامات لـ «الوفد» بالتراجع عن موقفه من التعديلات بعدما أعلن موافقته المبدئية عليها، مشيراً إلى أن «طريقة التعديل جاءت مخيبة للآمال كما عهدنا في طرق تعديل الدستور في المرات الثلاث الأخيرة». وأضاف أن «الغالبية البرلمانية لا تتطابق مع حال الرأي العام». إلى ذلك، أيدت محكمة الاستئناف في الإسكندرية أمس حكماً بسجن المدون على الإنترنت عبدالكريم نبيل سليمان أربع سنوات بتهمة ازدراء الدين الإسلامي وإهانة رئيس الجمهورية. وكانت محكمة أخرى قضت الشهر الماضي بسجن سليمان ثلاث سنوات لازدرائه الإسلام، وسنة لإهانة رئيس الجمهورية في مدونته. واستنكرت هيئة الدفاع عن سليمان تثبيت الحكم. وقالت في بيان أمس إن «تأييد الحكم لم يكن المفاجأة الوحيدة، ولكن قبول المحكمة دعوى الحسبة التي رفضتها محكمة أول درجة شكل مفاجأة أخرى، خصوصاً أن هذه الدعاوى تعد سيفاً مسلطاً على كل أصحاب الرأي والـــفكر». وأكدت أنها ستطعن في الحكم. (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 13 مارس 2007)  


د. عبدالسلام المسدي يكشف أقنعة السياسيين في جديده السياسة وسلطة اللغة
 
القاهرة – الراية – هالة شيحة- في كتابه الجديد السياسة وسلطة اللغة التي تستخدمها لتضليل مواطنيها فاللغة كما جاء في كتابه ايحاء يستخدمها السياسي مدركاً قوتها في تثبيت سلطته وتغييب مراميها عن المواطن العادي المحكوم بالسياسي فيتعمق غيابه عن الفعل وتزداد غيبوبته عن أفاعيل السياسي ويتعمق انفصاله عن واقعه وعما يجري حوله ذلك ان اللغة سلطة في ذاتها اما السياسة فهي السلطة بذاتها ولذاتها والمؤلف الدكتور عبدالسلام المسدي استاذ اللسانيات في الجامعة التونسية وعضو المجامع العلمية للغة العربية في كل من تونس ودمشق وطرابلس وبغداد وعمل كوزير للتعليم العالي والبحث العلمي في تونس وهو مهتم بالعلوم اللغوية والنقد الادبي وتحليل الخطاب السياسي وبهذه الصفة فهو الاقدر علي الفرز في الخلط الذي يقع بين السياسي واللغوي وتوضيح كيف ان السياسي يخبث أحياناً، يستخدم اللغة ليمرر مقاصده بين مواطنيه وهم غائبون في أغلب الاحيان عن إدراك مرامي اللغة التي هي حمالة أوجه واكثر ما يقع هذا الخلط في الاتفاقات السياسية التي يستغرق تفسيرها الكثير من الجدل ولا يدرك المعنيون بهذه الاتفاقيات الكثير من تفاصيلها التي تمنحها اللغة تفسيراً مخالفاً لما يفهمون ومن ثم يفسرها كل طرف وفق هواه .. ويكفي ان الشعارات السياسية تتحول الي محفزات فعالة في العمل والنضال بفضل القوالب اللغوية التي تنسكب فيها .. فقد تجلت بلاغة لغة السياسي في احداث كبري مثل تحرير الكويت من الغزو العراقي … وفي ازمة اغتيال رفيق الحريري في لبنان وهو ما يسميه المؤلف الاسلوبية السياسية او البلاغة السياسية .. وليس الكتاب بحثاً في السياسة كما شاعت الكتابة فيها وكذلك ليس في اللغة كما يشيع البحث في ظواهرها او تحليل الخطاب كما يصطلح عليه اهل الاختصاص فيه. ويكتسب اهميته الفائقة من موضوعه وهو جديد وغير مطروح ومن مؤلفه الذي تنوع اهتمامه وانتاجه منذ ان صدر في العام 1971 كتابه الرائد الاسلوبية والاسلوب والذي وصلت مؤلفاته واسهاماته في الثقافة العربية الي ما يقرب الثلاثين كتاباً من بينها اللسانيات واسسها المعرفية عام 1986، واتقوا التاريخ ايها العرب عام 1999 والعرب والسياسة عام 2001 . (المصدر: صحيفة الراية (يومية – قطر) الصادرة يوم 13 مارس 2007)
 

لمَّا هُـزم شعار « الإسلام هو المشكلة »!

فهمي هويدي (*)     يقتضينا الانصاف أن نقر بأن الدولة المصرية نجحت في إجهاض محاولات تسويق الادعاء بأن الاسلام هو المشكلة. (1) حدث ذلك في اجتماع المجلس الأعلى للسياسات يوم الخميس الماضي الذي نوقشت فيه حصيلة المناقشات التي جرت في مصر خلال الاسابيع الماضية حول التعديلات المقترحة على الدستور. وأعلن بعد الاجتماع في تصريح شبه رسمي انه ليس واردا تغيير المادة الثانية من الدستور (التي تنص على أن الاسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة المصدر الاساسي للتشريع) ووصف التصريح الادعاءات التى روج لها البعض بالاتجاه الى تعديل تلك المادة بأنها « استهدفت التشويش على التعديلات الدستورية واهدافها ». (الاهرام 9/3). هذا الكلام لم يأت من فراغ، كما أنه لم يصدر عن تحيز ايديولوجي، بقدر ما صدر عن تقدير سليم، اتسم بالوعي والمسؤولية. ولست اشك في أنه اعلن لكي يحسم البلبلة التي سادت الشارع المصري، بعدما تعالت اصوات نفر من المثقفين طيلة الاسابيع التي خلت داعية إلى الغاء المادة الثانية أو اضعافها. وقد ترددت تلك الدعوات في ثنايا مقالات عديدة في الصحف اليومية، وحوارات اخرى في البرامج التليفزيونية. ووصل الأمر إلى حد نشر مقالة في صحيفة « القاهرة » التي تصدرها وزارة الثقافة (في عدد 6/3) عنوانها كالتالي: المادة الثانية من الدستور هى التي قتلت السادات وفرقت نصر أبو زيد عن زوجته (!) – وابرزت الصحيفة على صفحتها الأولى بيانا لمائة من المثقفين المصريين (موقفهم يكشف عن هوياتهم) كان بمثابة نداء دعا إلى عدم الابقاء على المادة الثانية بحجة « أن النص على دين محدد للدولة ينطوي على اخلال بالموقف الحيادي لها تجاه مواطنيها الذين ينتمون إلى اديان وعقائد متعددة.. فضلا عن أن التعديل الذي أدخل على المادة في عام 1980 لا يورد مصادر أخرى للتشريع، مما يجعل الشريعة الاسلامية هى المصدر الوحيد ».. ثم إن تجربة ربع قرن من سريان النص ادت إلى تراجع الدور الحيادي للدولة تجاه مواطنيها، والى انتهاك الحق في المساواة ». (2) هذا الخطاب كان له مفعوله في « التشويش » على التعديلات الدستورية، كما قيل بحق. وهو ذاته الذي انتقدته في مقالة الاسبوع قبل الماضي (27/2)، التي نشرت في هذا المكان تحت عنوان « حوار ضل طريقه »، وختمته بالاشارة إلى أنه « عبَّر عن انتهازية لم تستفز المشاعر الايمانية في البلد فحسب، ولكنها اساءت ايضا الى مفهوم ومقاصد الاصلاح السياسي ». لقد كان مريبا ومثيرا للانتباه أن يصوب بعض المثقفين سهامهم نحو النص على دين الدولة ومرجعية مبادئ الشريعة، في حين أن مراجعة النص أو تعديله لم تكن واردة في حزمة التعديلات المقترحة (التي تناولت 34 مادة). واذا شئنا أن نتصارح اكثر فلا مفر من الاقرار بأن الرسالة التي تلقاها المجتمع في هذا الخصوص من اولئك النفر من المثقفين كانت تقول بوضوح تام: أننا لا نثق في جدارة الاسلام وقدرته على حماية حقوق الموطنين ولا في مرجعيته للتشريعات، الامر الذي يعالج بأحد خيارين، احدهما يقضي بحذف الاشارة إلى وجوده وإلى الالتزام بمرجعيته، والثاني يدعو إلى تعديل نص المادة بحيث يتم تقليص الحضور الاسلامي فيها. وهو ما انحاز اليه بيان المثقفين المائة الذي سبقت الاشارة اليه. فقد اقترحوا نصا بديلا اكتفى بالاشارة إلى أن الاسلام دين غالبية المصريين (وليس دين الدولة). وأن القيم والمبادئ الكلية للأديان والعقائد مصدر من المصادر الرئيسية للتشريع، بما لا تتناقض مع التزامات مصر طبقا للمواثيق الدولية لحقوق الانسان..الخ. الخياران تعاملا مع الاسلام باعتباره « مشكلة » يتعين حلها. واذ اتفقا على هذا التشخيص، إلا انهما اختلفا في طريقة العلاج، بين « جراحين » انحازوا إلى البتر والاستئصال، ومعالجين كانوا اكثر « تسامحا »، فجاملونا بالاشارة الى أنه موجود في مصر، واختاروا أن يخففوا من « وجعه » بالحد من مرجعيته وتقليص حضوره في المجال العام. وهو ما يسوغ لنا أن نقول إن الاولين انحازوا إلى احداث مفاصلة وقطيعة نسبية مع الاسلام، في حين أن الآخرين فضلوا تمييع الهوية الاسلامية والاحتكام الى مرجعية يطمئنون اليها اكثر من الاسلام، هى المواثيق الدولية لحقوق الانسان. لم يقولوا صراحة أن العلمانية هى الحل، ولكن واحدا ممن تفاعلوا مع الرسالة افصح عن ذلك، فكتب يقول: لماذا لا نطرح على انفسنا السؤال: ما الذي حققته تركيا العلمانية والى أين صارت، ونحن بالشريعة الاسلامية علام اصبحنا؟ (الاهرام – 5/3) – وترك لنا الكاتب الهمام أن نجيب على السؤال. لنعرف لماذا هم افلحوا، وعلى من نلقى بالمسؤولية عن تخلفنا وخيبتنا!؟ (3) التحرش بالحضور الاسلامي في الدستور ادى الى تسميم اجواء الحوار حوله. وهو ما ظهر بوضوح اثناء صياغة مادته الاولى. ذلك ان خطاب « التشويش » اتكأ على الملف القبطي وتذرع به في دعوته إلى الغاء المادة الثانية أو اضعافها. الامر الذي اعطى انطباعا قويا لدى البعض بأن الاسلام والمسيحية لايمكن أن يتعايشا كما هما، وأنه لا سبيل الى إرضاء الاقباط إلا بتراجع دور الاسلام في المجال العام. وهو ادعاء خطر، فيه من الوهم الكثير وفيه من المغامرة اكثر. من ناحية لأن الادعاء ليس صحيحا لا معرفيا ولا تاريخيا، وهو ما سأعرض له بعد قليل. ومن ناحية ثانية لان صياغة الموقف بهذه الصورة تمثل استفزازا للأغلبية وقهرا لها، يهدد استقرار المجتمع وينذر باحتمالات تفجيره طائفيا في الداخل. كانت المقترحات المبدئية لتعديل لدستور قد دعت الى اعادة صياغة مادته الاولى التي تتحدث عن الدولة ونظامها وشعبها، بحيث تتضمن نصا على مبدأ المواطنة، بديلا عن « تحالف قوى الشعب العامل »، غير أن مناقشات الصياغة سادها جو من عدم الثقة ادى الى احتدام الخلاف حول هذه النقطة. اذ رغم أن الجميع كانوا متفقين على مفهوم المواطنة، فإن خلافهم انصب على كيفية التعبير عنه، وهل يكون بذكر كلمة المواطنة، أم بتجنب الاشارة إلى المصطلح، والاكتفاء بالحديث عن معناه المتمثل في المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص بينهم في الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن الدين أو الجنس او غيرهما. المناقشة بدت عبثية من عدة اوجه. فهي لم تدر حول النص بقدر ما أنها جرت حول ما هو مخبأ تحته، فالمعارضون ظنوا أنه يفتح الطريق للعلمنة، والمؤيدون تصوروا أنهم به يحاصرون تيار الاسلام السياسي ويسترضون الاقباط. وبدت حساسية المعارضين غير مبررة، بل الضرر في موقفهم اكثر من النفع، خصوصا أن المتربصين والمتصيدين صوروا معارضتهم وكأنها ضد مبدأ المواطنة ومفهومها، وليست ضد ما ظنوا أنه كامن في ثناياه. كما أن الذين تمسكوا بالنص على المصطلح بدا موقفهم بدوره غير مبرر، لأن ثمة نصا آخر في الدستور (المادة 40) يغطي بالكامل فكرة المواطنة، ويلبي متطلباتها، بما لا يحتاج الى نص آخر. الأمر الذي يعني أن كل طرف انطلق في المناقشة من ظنونه ومخاوفه من الآخر باكثر مما انطلق من حسابات مصلحة المجتمع والوطن. من ناحية اخرى فإن الإلحاح على ذكر كلمة المواطنة في المادة الاولى الذي كان واضحا فيه مجاملة الاقباط، اضفى على الحوار ملمحا طائفيا. فظهر المتحاورون بحسبانهم مسلمين أو اقباطا أو مجاملين للاقباط، وليس بحسبانهم مواطنين مصريين. وكان مثيرا للانتباه أن المبارزة اللغوية استحوذت على المشهد في صياغة مبدأ المواطنة، في حين لم يتطرق احد لا من قريب ولا من بعيد الى حقوق المواطن وضماناتها. مما يعني أن الذي استهلك طاقة ووقت المتحاورين هو اللافتة وليس الوظيفة ،الامر الذي حول المواطنة في السجال الى مجرد « رتبة شرفية » تنضاف إلى لقب الفرد وبطاقته ولا تجد ترجمة لها او مردودا في واقعه. (4) بقيت عندي اربع كلمات في الموضوع أوجزها فيما يلي: ü أن الملفات التي استدعيت اثناء مناقشات التعديلات الدستورية ابعد ما تكون عن هموم الناس الحقيقية ومشكلاتهم الحياتية. وهى في احسن احوالها أمور تهم السلطة وبعض شرائح النخبة، أي انها شواغل دوائر محددة للغاية في المجتمع، فرضت على الرأي العام بقوة وسائل الاعلام، حتى إن كل من يغادر العاصمة الى محافظات الدلتا أو الصعيد بات يصادف كثيرين يسألونه بدهشة: ما هذا الضجيج الذي يحدث في القاهرة؟! ü أن الذين يخافون على الاسلام في مصر اضعاف الذين يخافون منه. ومن حق الاخيرين أن يعبروا عن مخاوفهم! كما أن لهم ان يبسطوا آراءهم، وان يحتفظوا بحقهم في عدم الاقتناع بما يتلقونه من ردود، دون أن يقلل ذلك من حظوظهم من الاحترام والتقدير. لكن هؤلاء يجاوزون الحدود اذا اصروا على فرض آرائهم ووصايتهم على المجتمع، وصادروا حق الاغلبية في التعبير عن اختيارها. ü ان المرجعية الاسلامية التي تعرضت للتجريح والغمز، هى التي حفظت لغير المسلمين اقدارهم، بل أمنت وجودهم واستمرارهم على مدار التاريخ. كان ذلك منذ قررت النصوص القرآنية حق الكرامة لكل بني آدم بصرف النظر عن اديانهم أو اجناسهم، واعتبر ذلك من حقوق الله، التي استند اليها الفقهاء والمفتون في معارضة جور بعض الحكام بحق غير المسلمين. ولولا ضيق المساحة لأوردت نماذج من الفتاوى التي صدرت في هذا الشأن. ولولا الحياء لنصحت الذين يدبجون المقالات في مديح اختراع الغربيين لفكرة « المواطنة » أن يرجعوا إلى ما سجلته في هذا الصدد، في كتابي الذي صدر قبل عشرين عاما تحت عنوان « مواطنون لاذميون ». وحين قررت المرجعية الاسلامية حق الآخرين في الكرامة، فإنها ضمنت لهم حق الاختلاف، كما حصنتهم ضد أي مساس او عدوان. وكان ذلك هو السبب في أن عالم الاسلام حفل بما لا حصر له من الملل والنحل والمعتقدات. وفي كتاب « حاضر العالم الاسلامي » نقل الامير شكيب ارسلان حوارا بهذا المعنى بين احد الوزراء العثمانيين ومسؤول اوروبي، قال فيه الوزير العثماني: إن قرونا مرت بنا كنا قادرين فيها على الا نبقى بين اظهرنا إلا من اقر بالشهادتين، وان نجعل بلداننا صافية للإسلام، فما هجس في ضمائرنا خاطر كهذا اصلا.. ولذا بقي بين اظهرنا حتى في أبعد القرى واصغرها نصارى ويهود وصابئة وسامرة ومجوس. وظل لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. أما انتم يا معشر الاوروبيين فلم تطيقوا بين اظهركم مسلما واحدا، واشترطتم عليه إن اراد البقاء ان يتنصر، كما حدث في اسبانيا وجنوب فرنسا وشمال ايطاليا وجنوبها.. وما زلتم تستأصلون منهم حتى لم يبق في جميع هذه البلدان شخص واحد يدين بالاسلام. ü إننا بحاجة لأن نجري جردا هادئا لما اسفرت عنه المناقشات التي جرت بمناسبة التعديلات الدستورية، خصوصا تأثيرها على نسيج العلاقة بين الجماعة الوطنية في مصر. حيث أزعم أن ذلك النسيج اصابه قدر من التشوه، من جراء التعبئة المضادة وعمليات الشحن والتسميم التي قادها نفر من المثقفين الذين استخدموا الملف القبطي والهواجس التي احاطت به في محاولة تجريح موقف التعاليم، واضعاف الهوية الاسلامية للمجتمع. ولئن فشلت تلك المحاولة حقا، إلا انني لا استطيع أن اقطع بأنها لم تحدث اثرها السلبي في الدوائر القبطية، الذى يحتاج إلى أجل طويل لعلاجه – ربنا لا تؤاخذنا بما كتب السفهاء منا. (*) كاتب ومفكر من مصر (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 13 مارس 2007)  


مآزق إخوان الجزائر: حمس… وحصان طروادة

أنور مالك (*) مرت حركة حمس الجزائرية بأزمات مختلفة، وخاضت معارك ضارية وعلي جبهات متعددة، لكنها ظلت صامدة بفضل زعيمها الراحل محفوظ نحناح، الذي استطاع من خلال شخصيته الصلبة الجمع بين كل المتناقضات بل احتواءها وتحويلها في كثير من الأحيان نحو واقع يخدم أهداف حركته، ومضت في ذلك الظرف حصان طروادة بالنسبة للسلطة الإنقلابية في الجزائر، والتي وجدت فيها ضالتها لاحتواء البعبع الملتحي الذي احتوي الشارع الجزائري، فضلا عن البديل المرن لحزب الإنقاذ الذي تحول الي جماعات مسلحة أعلنت حربها الشاملة علي النظام الذي كان بالفعل يحتضر… وقد استعملت كل الوسائل بين أطراف النزاع، حتي بلغت من القذارة ما حولها بالفعل إلي حرب قذرة عرفت خلالها الجزائر مجازر مروعة في حق المدنيين والعزل، لا زالت الشبها ت تحوم حول دور المؤسسة العسكرية فيها، وخاصة أنها جاءت علي غرار ما تلفظ به رئيس الحكومة رضا مالك، مؤكدا أن السلطة ستدفع بالمسلحين الي ارتكاب حماقات ضد الشعب، وكان ما كان… وظلت الطريقة التي تم بها ذلك في طي الكتمان، وان كان الغسيل الذي ينشره عسكريون فارون من حين لآخر، يكشف البعض من الملامح المقبورة… الإسلاميون في قفص الاتهام و السلطة تواجه حملات مضادة، وفي وسط هذه البراكين والحمم كان الدور البارز للراحل نحناح، حيث سعي بكل جهده لتبييض وجه الإسلاميين لدي السلطة وجنرالاتها، عن طريق الحوار وما سماها بالوسطية والاعتدال، وشهدت مواقفه دفاعا مستميتا عن العسكر، رغم الدور الواضح الذي لعبته في انتصار الرئيس السابق اليمين زروال عام 1995، وان كانت الكثير من الأدلة المسربة تؤكد فوز نحناح، ومنها أيضا إقصاؤه من رئاسيات 1999 بحجة تمس شرفه الثوري… توجد الكثير من الخفايا في طبيعة العلاقة بين حركة حمس والسلطة آثارت الشبهات واللغط، سنتحدث عنها في موضع آخر… ما بعد رحيل نحناح… لما توفي محفوظ نحناح تسابق المترشحون لخلافته، وكان لـ بوقرة سلطاني الحظ الأوفر، لما كان يتمتع به من ثقة لدي أجهزة الدولة، حيث تقلد عدة حقائب وزارية، من الصيد البحري الي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ثم العمل والحماية الإجتماعية الحقيبة التي تعد ذات حساسية وخصوصية لا تعطي الا لمن يملك مزايا خاصة، أهمها رضا أصحاب القرار طبعا… وكان للرجل أيضا نفوذ لدي القاعدة الشعبية للحركة، اكتسبها من دوره الدعوي كإمام، ثم كأستاذ جامعي… ولقد استهدف في محاولة اغتيال عام 1992 ظلت غامضة ـ لكنها بيضت وجهه، فالرجل له علاقات وثيقة مع الأفغان الجزائريين، وبعض قادة التنظيمات المسلحة كفريد عشي وزرفاوي بوبكر وقمر الدين خربان… الخ. غياب نحناح أدخل الحركة في متاهات مختلفة، بحكم طبيعة الأب الروحي الذي كانت تتميز به في معاملتها مع الشيخ نحناح، لذلك لم تلبث في شهر العسل والأمور هادئة، بالرغم مما عبرت عنه الكثير من الوجوه القيادية عن الديمقراطية والمثالية المتميزة التي طبعت مؤتمر الحركة، والذي أوصل الوزير سلطاني الي سدة القيادة… في عين الإعصار!!… دخل الحزب عين الإعصار وكادت أن تذهب ريحه، لما تقلد رئيسه منصب وزير دولة من دون حقيبة، فاتهم من طرف قياديين بارزين بالمتاجرة بالحركة من أجل المنصب، أدي ذلك الي انعقاد مجلس الشوري في 26/05/2005، وبفضل دعم السلطة له والرئيس بوتفليقة حسبما روجت له بعض وسائل الإعلام، حتي استطاع أن يقهر خصومه وابعد بعضهم من مراكز صنع القرار في الحركة… قبل ذلك شهدت الساحة الإعلامية خروج البعض عن صمتهم، فهذا نجل الراحل نحناح، يتهم القيادة الحالية باتهامات خطيرة، تصل حد تورطهم في الفساد والمال الحرام، وذلك في حوار أجرته معه يومية الشروق اليومي بتاريخ 16/06/2005، وقبلها بأيام القيادي السابق النذير مصمودي في الصحيفة نفسها بعددها الصادر في 11/05/2005، يعلن أنه يمتلك ملفات ثقيلة تدين بعض القيادات من دون ذكر أسمائها، ويتهمها بسرقة أموال الحركة، سيخرج بها في الوقت المناسب من دون جدول زمني… البرلماني سالم الشريف مسؤول التنظيم قدم استقالته من المكتب الوطني للحركة، كاحتجاج رمزي منه علي ما آلت إليه الأمور… ظلت هذه المعارك تطفو علي السطح لكنها لا تمكث كثيرا لتتواري، وذلك عن طريق مؤسساتها الرسمية، فقد ورثهم الراحل نحناح أن الخلافات لا تحل الا في اطار هياكل الحزب وليس علي صفحات الجرائد، التي تبحث دائما عن القطرات التي تغرق الآخرين في أوحالها … ارتمي سلطاني في أحضان السلطة وأصبح من العرابين لمشاريعها المختلفة، وانضوي تحت قبة تحالف رئاسي ضم المتناقضات الثلاث، جبهة التحرير الوطني ذات البعد التاريخي الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي وهو حزب الإدارة كما يطلق عليه، عرف عن زعيمه الحالي أحمد أويحيي أنه استئصالي وعلماني، الا أنه ظل يلعب كل الأدوار والمهمات القذرة ـ علي حد وصفه لنفسه ـ من أجل الحفاظ علي مكاسبه الشخصية داخل هرم السلطة، وقد صار الإئتلاف بين علماني ووطني واسلامي، هو عصب المشهد السياسي في الجزائر، وان كانت قد حدثت له هــــزات كادت أن تعصف به لولا تدخل الرئيس حينها، منها ابعاد أويحيي من الحكومة بتحالف بين شركائه في الإئتلاف، وهما عبد العزيز بلخادم وبوقرة سلطاني طبعا، بالرغم من الصلة الوثيقة بينه والرئيس بوتفليقة الذي عده يوما في خرجة إعلامية لبــــنانية أنه بمثابة هارون لموسي!! من تداعيات الموقف، أن اتهم أويحيي سلطاني بالكذب، وعلي صفحات الجرائد بل في بيان رسمي لحزبه، علي اثر اعلانه للقاء جمع بينهما في مأدبة من مآدب السلطة الخفية، التي تستنزف ثروات الأمة وخيراتها… تلقي سلطاني بوقرة الكثير من الإنتقادات علي تحوله من حزب معارض الي جمعية من جمعيات السلطة، حيث خالف منهج شيخه الراحل نحناح، المعروف بلغة الشد والجذب حسبما تقتضيه المرحلة والموقف، ولما أدرك ما عليه وما قد تؤول اليه أموره، حاول أن يشد العصا من الوسط، ويرد بعض الإعتبار لنفسه، وان كان البعض من المتتبعين للشأن الجزائري يرونها مجرد دفاع من موقف ضعف، فسلطاني تردد اسمه كثيرا في ملف ما سمي بمحاكمة القرن، وتتمثل في قضية الخليفة ، التي تعتبر أبرز قضية فساد في عمر الجزائر، وان كان لغز صعود وسقوط عبد المومن خليفة يبقي سره مدفون في جعبة صناع القرار في البلاد، والأيام كفيلة بإبراز خفايا هذا الفخ الذي أصبح الكثير من الوزراء ورجال النظام يعيشون كابوسا مرهبا اسمه الخليفة ، بل الكثيرون ممن كانوا بيدهم عقدة الرؤساء وصناعة الوزراء، ما يرجون في حياتهم الا النجاة من هذه الورطة، والبقاء في بيوتهم سالمين بعيدا عن قضبان الحراش أو سركاجي، وربما هذا ما أراده الرئيس ليغير خارطة السياسة الجزائرية، التي ستصبح بلا شك ما بعد الخليفة جزائر جديدة، كالتي أصبحت ما بعد انقلاب 19 حزيران (يونيو) 1965. هناك أطراف مختلفة من داخل النظام وخارجه، يريدون رأس الوزير سلطاني في قضية الخليفة خاصة، متهما وليس شاهدا، ومن خلاله يريدون رأس الحركة التي بقيت الوحيدة في الجزائر التي لم تنقسم أو تندلع فيها حركات تصحيحية علي غرار بقية الأحزاب الفاعلة خاصة… وهذا الذي دفعه لمسابقة المؤامرة، فأعلن حربه علي الفساد، ثم صرح بما أفاض كأس الحملة عليه، أنه يمتلك ملفات خطيرة وأسماء ثقيلة، تورطت في الإرهاب الجديد الذي تواجهه السلطة، بل سمته معركة ما بعـــــد الإرهاب ، وهذا الذي تغني به سلطاني نفسه إبان حمــــلاته المكوكية لميثاق السلم والمصالحة الوطنية، حتي أنه أنفق الكلام المباح ذات اليمين وذات الشمال، اظهر الواقع أنه كذب انتخابي حلال علي حد تعبير أحد الإعلاميين الجزائريين، وزاد الطين بلة عندما أكد أن التنظيم المسلح الجماعة السلفية للدعوة والقتال ستلتحق بموكب المصالحة، فأعلــــنت أنها صارت تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ، وهذا ما خلط الأوراق كثيرا علي السلطة وعلي من يحلب في إنائها… في ظل هذا الإعصار الذي يعيشه الوزير، وخاصة لما صب عليه الرئيس بوتفليقة جام غضبه علي المباشر، ونعته بكثير من النعوت أسالت الحبر الكثير، وحطت إخوان الجزائر في مأزق لا يحسدون عليه، خرج البرلماني أحمد الدان عن صمته وهاجم رئيس حزبه هجوما لاذعا في خرجة اعلامية يبدو أنها مدبرة، كانت تنذر بالشؤم علي حمس ، لكن تم احتواؤها في بدايتها وعاد الرجل إلي مراكز القيادة، التي افتقدها، مع رحيل نحناح، الذي كان يعتبره ابن الحركة المدلل… قنبلة الضابط الفار…!! رجة أخري اثارت الكثير من نقاط الإستفهام، وهي ما أدلي به الضابط الجزائري عبدالمالك نوار المعروف في الأوساط الأدبية والثقافية الجزائرية بإبن قصر العطش، من خلال حوار له في تشرين الاول (أكتوبر) 2006، لما كان في الجزائر قبل فراره الي الخارج، حيث فجر قنبلة وجه كل شظاياها في وجه الوزير سلطاني الذي تآمر عليه ـ علي حد تعبيره ـ وسجنه مستغلا نفوذه وسلطته… ومما اشار اليه هذا الضابط الفار أن علاقته بالوزير قديمة لأنهما يتحدران من مدينة واحدة، وقد عرض عليه الإلتحاق بأفغانستان عامي 1989 و1990، حيث كان سلطاني عرابا لما كان يسميه الجهاد الأفغاني ، وكشف أيضا مدي تورطه في قضية الإسلامي رشيد رمدة الذي يقضي حاليا عقوبة 10 سنوات سجن بباريس، بعدما سلمته بريطانيا لفرنسا علي خلفية تورطه في تفجيرات الميترو عام 1995. الملفت للإنتباه أن الضابط كشف أيضا محاولة توريط خصوم سلطاني في قضيته وتحت التعذيب البشع، ومنهم البرلماني أحمد الدان الذي تحدثنا عنه سابقا، مما يجعل القضية ـ كما سماها ـ صراعا علي ريع المناصب!! هذه الخرجة الإعلامية وان قابلتها أطراف بالصمت وقابلها الوزير بالغضب الشديد، دفعت أجهزة أمنية لاقتحام بيت الضابط لأجل اعتقاله، تحمل الكثير من الخفايا التي أكيد ستسبب متاعب أخري تضاف لسجل الوزير، في ظل الحملة التي تحيط به من كل جانب، الأمر الآخر الذي وجبت الإشارة اليه، أن الضابط عبدالمالك نوار قضي سنة كاملة في زنزانة انفرادية بسجن الحراش، متهما بتهم خطيرة لفقت له -علي حد قوله- تتعلق بالإرهاب أسقطها التحقيق لعدم تأسيسها، بناء علي روايات ومؤلفات أنجزها ككاتب، ولم تلق طريقها للنشر لما تحمله من إثارة… والمثير أيضا أن الضابط نفسه كان مسجونا من قبل في السجن العسكري بالبليدة مع الضابط حبيب سوايدية صاحب الكتاب الشهير الحرب القذرة … صحيفة الشروق اليومي الجزائرية في عددها الصادر بتاريخ 26/2/2007 أكدت أن الضابط بصدد نشر كتاب من إقامته بإيطاليا، لتكشف أن خرجته المرتقبة ستكون أكثر ايلاما لسلطاني، وربما للمؤسسة العسكرية برمتها، التي لها مع زعيم حمس علاقات ودية وسرية هدد الضابط بكشفها في مؤلفه، الأطرف بين هذا وذاك أن رئيس تحرير الصحيفة التي تفردت بالخبر وهو الصحافي أنيس رحماني المحسوب علي المخابرات الجزائرية ومؤلف كتاب الأفغان الجزائريون من الجماعة إلي القاعدة ، كان أحد شهود القضية… علي اثر هذه الخرجة الإعلامية دعا الوزير سلطاني إلي ضرورة محاسبة الضباط الموقوفين عن العمل، رآها البعض أنها تستهدف رأس خصمه الجديد، والذي سيكون كتابه مثيرا، كما كانت تصريحاته قنبلة في وجه حمس ، كما سماها البرلماني الجزائري عدة فلاحي في مقال له نشرته صحيفة صوت الأحرار المحسوبة علي جبهة التحرير الجزائرية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، وتناقلته بعض مواقع الانترنيت، تحت عنوان هل يجرد سلطاني من سلطانه؟ .. أكيد أن الكتاب المرتقب سيكشف الكثير من الأسرار عن الدور الذي لعبه سلطاني لما كان إماما وداعية إسلاميا وعرابا للقضية الأفغانية، دفع السلطة الي أن تكافئه علي مناصب مختلفة، وحولته إلي أحد أقطاب النظام الجزائري، وللحديث بقية في مفاجآت المعركة المرتقبة للوزير والزعيم الإخواني… أبو جرة سلطاني!!… (*) كاتب وإعلامي مقيم في باريس (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 13 مارس 2007)  


الحركة الياسينية
عرض/الحسن السرات – الكتاب: الحركة الياسينية – المؤلف: محسن الأحمدي – عدد الصفحات: 230 – الناشر: منشورات الملتقى، الدار البيضاء – الطبعة: الأولى/2006 بدأت في الآونة الأخيرة تظهر بعض الكتب التي تتناول التدين والحركات الدينية الإسلامية بالمغرب، يكتبها مغاربة تخرجوا من الجامعات الأوروبية والأميركية المتخصصة في علم الاجتماع الديني أو علم الاجتماع السياسي. وتغلب على هذه المؤلفات رؤى ونظريات المراكز الغربية ويطبق مؤلفوها مناهج تلك المراكز على مجتمعات غير غربية دون أخذ خصوصيات المجتمعات المدروسة بعين الاعتبار، مما يؤثر حتما على النتائج النهائية لهذه البحوث، أو يجعل الناقد يتساءل عن المقاصد الحقيقية لتلك الدراسات. هل أنجزت لتشريح عودة التدين وانتشار التوجهات الإسلامية لأغراض البحث العلمي، أم لأغراض الجغرافيا السياسية ومراكز النفوذ واستباق التطورات والتحكم في التوجهات؟ بعد عام من صدور كتاب « الإسلاميون المغاربة » للباحثة مليكة الزعل خريجة المعاهد الفرنسية المتعاونة مع الجامعات الأميركية، أصدر الباحث محسن الأحمدي كتابا جديدا عن فصيل من فصائل هؤلاء الإسلاميين المغاربة، ويتعلق الأمر بجماعة العدل والإحسان. ومحسن الأحمدي حاصل على دكتوراه في علم الاجتماع الديني من مدرسة الدراسات العليا والعلوم الاجتماعية بفرنسا، ويعمل حاليا أستاذا للقانون العام بجامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاجتماعية بمراكش. شيخ الجماعة وجماعة الشيخ يصر المؤلف منذ البداية على أن جماعة العدل والإحسان لا تعني شيئا من دون زعيمها عبد السلام ياسين، إذ هو كل شيء فيها، هو الجماعة والجماعة هي الشيخ. وهذا الأمر يتفق فيه المؤلف مع كاتب المقدمة محمد الطوزي المتخصص في الجماعات الإسلامية المغربية والمتخرج هو الآخر من الجامعات الفرنسية. وما اختيار العنوان إلا برهان على هذا التصنيف، فهذه ليست جماعة العدل والإحسان عند المقدم والمؤلف، ولكنها « الحركة الياسينية » أو « الجماعة الياسينية » لمحورية شيخها عبد السلام ياسين ودوران أعضاء الجماعة ومؤسساتها حوله وحول أفكاره وسلوكه. لذلك يقول الطوزي في المقدمة « العدل والإحسان صورة فريدة للشيخ عبد السلام ياسين الذي تجاوز السبعين من عمره »، و »يمكن اعتباره بمثابة المنظِّر (بكسر الظاء) الوحيد لجماعته الإسلامية، ومن أهم منظري الإسلامية المغربية، إذ تتجاوز مؤلفاته العشرين عنوانا على رأسها كتابه الشهير (المنهاج النبوي) المكتوب بين سنتي 1973 و1989 ». مشكل العدل والإحسان، حسب محمد الطوزي، « يكمن في ازدواجية هويتها السياسية والصوفية »، والوجهان متعايشان حاليا ما دام الشيخ حيا يرزق، رغم وجود توترات بين الوجهين، في رأي الطوزي، و »هي توترات لا يسعى الشيخ إلى إطفائها ظنا منه أن مجرد توزيع الوظائف كفيل بالقضاء عليها ». وانطلاقا من هذه الفكرة الرئيسية يقوم المؤلف محسن الأحمدي بجولة في أفكار الشيخ عبد السلام ياسين ومؤلفاته، غير متوقف عند العرض والتحليل، لكنه لا يكف عن الانتقاد والتبشير بمرحلة « حداثية علمانية ما بعد إسلامية » ينصب الكاتب نفسه معبرا عنها. لكنه قبل المضي في النقد والتحليل يعرف بالجماعة وشيخها. من التصوف إلى التسيس يستعرض الكاتب مراحل حياة عبد السلام ياسين مرتبطة بتطور الجماعة وتاريخها، فيعود إلى الوراء قليلا ليحدثنا عن تدرج الشيخ في الزاوية الصوفية البودشيشية المغربية، وانتسابه للأشراف المغاربة، مع ما للنسب الشريف في المغرب من مكانة عميقة عبر التاريخ، إذ إن كثيرا من الدول والحركات اتكأت عليه للفصل بين مرحلتي فساد وإصلاح. ولد عبد السلام ياسين سنة 1928م، وهو ينتسب إلى أسرة تدعى « آيت بيهي »، وهم أشراف أدارسة أصلهم من بلدة « أولوز » بمنطقة سوس في جنوب المغرب. تلقى تعليمه في مدرسة أسسها بمراكش علامة منطقة سوس والمغرب محمد المختار السوسي رحمه الله، ثم تخرج في معهد ابن يوسف الذي كان يدرس فيه كبار علماء المغرب بعد أربع سنوات من الدراسة. التحق ياسين سنة 1947 بمدرسة تكوين المعلمين بالرباط، وتخرج منها، ثم اشتغل بسلك التعليم لمدة 20 سنة تدرج خلالها بين مجموعة من المناصب التربوية والإدارية العالية، ومثل خلالها المغرب في عدد من الملتقيات التربوية الدولية، إلى أن أوقف دون أي تبرير سنة 1968، وأحيل إلى التقاعد سنة 1987. التحق بالزاوية البودشيشية التي كان يرأسها الشيخ العباس بعد وفاة هذا الشيخ، ونشب نزاع بين حمزة ابن الشيخ وعبد السلام ياسين الذي كان يتطلع إلى وراثة المشيخة، ففارق الزاوية ومضى نحو البحث عن بديل جديد. وفجأة بعث سنة 1974 بنصيحة إلى ملك المغرب السابق الحسن الثاني، وهي عبارة عن رسالة في أكثر من مائة صفحة سماها « الإسلام أو الطوفان »، ليبدأ بعدها منعطفا جديدا في حياته وحياة الحركة الإسلامية المغربية، فقضى على إثرها ثلاث سنوات وستة أشهر سجنا دون محاكمة، ثم منع من إلقاء الدروس بالمسجد سنة 1978. ومنذ هذا العام، وبعد اطلاعه على التجربة الإخوانية المشرقية، وتجربة الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، بدأ عبد السلام ياسين يتطلع إلى توحيد العمل الإسلامي المغربي تحت إمرته، مبتدئا بتأسيس جماعة سماها أول الأمر « أسرة الجماعة »، ثم « الجماعة الخيرية » ثم « جماعة العدل والإحسان ». ثم اختارت السلطات الأمنية المغربية فرض الحصار على الشيخ ابتداء من 30 ديسمبر/كانون الأول 1989 إلى غاية سنة 2000، عند وفاة الملك الحسن الثاني ومجيء الملك محمد السادس. غير أن الشيخ سرعان ما كتب رسالة مفتوحة إلى الملك الجديد بعنوان « مذكرة إلى من يهمه الأمر »، من دون أن يحاكم أو يعاد فرض الحصار عليه. ثورة القديسين يقوم المؤلف بجولة مفصلة يستعرض فيها أفكار شيخ العدل والإحسان في عدة قضايا كالدولة الإسلامية والثورة الإسلامية والمجتمع المغربي والحداثة من خلال كتبه المنشورة. ويصف الباحث منهج عمل الحركة الياسينية بأنه « ثورة قديسين تفرض على الأعضاء سلوكا واحدا يسعى نحو الهيمنة على الحداثة عبر امتلاك أدواتها ». ويرى أن « الإيديولوجية الياسينية ليست انعكاسا للحقائق السياسية، خاصة من جانب صراع إرادات الهيمنة، أو من جانب العراقيل التي يضعها النظام المغربي في وجه الديمقراطية، ولا هي وعي مقلوب أو شقي، بل هي استجابة عقلانية للفئات المثقفة الوسطى لوضع وجودي مقلق صنعته التحولات البنيوية للمجتمع المغربي والعالم الراهن ». وينتهي الكاتب إلى أن ياسين يعتبر نموذجا لعدد من الإصلاحيين الإسلاميين الذين يزعمون أنهم مكلفون بمهمة سامية هي نصرة الخير على الشر، معتمدين على تربية أعضاء الجماعة ومواجهة الواقع القطري والعالمي، لكن ذلك لم يحدث حسب الكاتب دون ظهور شرخ بين في الأسرة الواحدة، ومواجهة بين النظام العلوي المغربي والجماعة. علمانية ما بعد الإسلامية يخصص المؤلف في ختام كتابه فصلا للحديث عن مرحلة توشك أن تبدأ في المغرب والعالم العربي، أطلق عليها صفة « علمانية ما بعد الإسلامية ». وينصب محسن الأحمدي نفسه ناطقا باسم حاملي هذه الفكرة زاعما أنهم يمثلون تيارا جديدا ذا وزن في الساحة، وأن المستقبل لهم. يزعم الكاتب أن تاريخ الإسلام في مرحلة ما بعد النبوة شهد نوعا من الفصل بين الشأن الديني والشأن السياسي، وأن ذلك يعني أن العلمانية ليست شيئا مستوردا ولكنها من صميم الإسلام. وقد آن الأوان اليوم لإعادة الأمور إلى نصابها، إذ إن الاستغلال السياسي للدين الإسلامي من قبل الملكية من جهة، والحركات الاجتماعية ذات المرجعية الدينية من جهة ثانية، برهن على حدود تسييس المشاعر الدينية وخطورة حشرها في الصراع الاجتماعي والسياسي. ويجتهد المؤلف في تبيان الفرق بين الإسلاميين والعلمانيين المسلمين على حد تعبيره، فيرى أنه في الوقت الذي يجتهد فيه الإسلاميون في الحديث عن حقوق الله وتحذير الأمة من خطر الآخر والذوبان في ثقافته، فإن العلمانيين المسلمين يتحدثون بإيجابية عن حقوق الإنسان وضرورة إخضاع النصوص القرآنية المقدسة لاختبار نقدي صارم. ويستعرض الكاتب خصائص ما سماه « ما بعد الإسلامية »، فيذكر أنها سبعة، وهي: 1- المرونة الفكرية، في مقابل الجمود الفكري عند الإسلاميين 2-  قبول الاختلاف الديني والسياسي 3- رفض منطق الغلبة والعمل بمبدأ الديمقراطية 4- نسبية الرؤية الإسلامية للعالم، إذ الإسلام ليس سوى دين بين أديان أخرى 5- التفريق بين المجالين الروحي والزمني 6- الاعتراف بأن الإسلام عقيدة ودينا قابل للانتقاد 7- إبعاد الوحي عن شؤون تنظيم الدولة والمجتمع وما يلبث الكتاب في النهاية أن يتحول إلى بيان باسم « علمانيي ما بعد الإسلامية »، فيصفهم بأنهم ورثة ابن خلدون وابن رشد العالمين اللذين رفعا منزلة العقل فوق منزلة الشريعة وأسسا لمذهبية إنسانية كونية. ثم يبشر المؤلف بقرب نهاية الإسلاميين ومجيء العلمانيين فيقول إنه « بعد النجاح النسبي في العالم الإسلامي، ستكون الإسلامية مضطرة لترك الساحة أمام قوى اجتماعية أخرى منفتحة أكثر فأكثر، وخلاقة في المجال الثقافي، ومتوجهة نحو مستقبل إنساني مشترك، وهذه القوى هي التي نسميها الإنسانية الإسلامية العلمانية ». أسئلة معلقة فرق كبير بين عنوان الكتاب والخلاصة التي انتهى إليها، فالعنوان والتقديم يعدان بدراسة لجماعة العدل والإحسان بناء على مناهج علم الاجتماع الديني، لكنهما يغوصان في تقديم وتحليل أفكار الشيخ عبد السلام ياسين من خلال كتبه ومؤلفاته، وليس من خلال الكسب الاجتماعي والسياسي والتربوي والثقافي للجماعة وأعضائها ومؤسساتها في الساحة المغربية. ولذلك صار الكتاب أشبه ما يكون بكتاب نظري للجدال الفكري والسياسي، ينطق باسم مجموعة من المنظرين والمفكرين العلمانيين الذين تجمعوا في مراكز غربية يرأسها تلاميذ الاستشراق الجديد مثل محمد أركون وعبده فيلالي الأنصاري، مدعين أنهم تيار سياسي بديل للإسلاميين. والكتاب أيضا انزلق من مدارسة لفكر الشيخ عبد السلام ياسين إلى محاكمة لفكر الإسلاميين وعملهم السياسي والثقافي والاجتماعي بالمغرب، فكأنه يتخذ من جماعة العدل والإحسان مشجبا يعلق عليه جميع الإسلاميين على اختلاف اجتهاداتهم، مما يخالف المنهج العلمي الاجتماعي الذي زعمه الكاتب لنفسه. إن كثيرا من مزاعم الكتاب عن جماعة العدل والإحسان وعن الإسلاميين وعن التاريخ الإسلامي لا يمكن التسليم بها، لأن ما يعتبره هوية مزدوجة لجماعة الشيخ عبد السلام ياسين، أي الجمع بين التصوف والتسيس، ليس ازدواجية، بل هو خاصية من خصائص المجتمع المغربي منذ قرون، وقد شهد تاريخه نماذج متعددة من هذه « الازدواجية » تأسست عليها دول وحكومات وطرق صوفية. وأسئلة أخرى تبدو واردة، إذ ما صحة القول بأن فترة ما بعد النبوة في التاريخ الإسلامي شهدت فصلا بين الدين والسياسة؟ ولماذا فترة ما بعد النبوة؟ وهل يصح القول أيضا بأن ابن رشد وابن خلدون جعلا الشريعة تحت نظر العقل؟ من المسلم به أن للإسلاميين أخطاءهم وأمراضهم، ولكن لهم أيضا اجتهادهم وكسبهم وتنوعهم، وليس من المنهجية العلمية في شيء إنكار ذلك كله ومحاكمة الجميع من خلال نموذج واحد، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى، فلكل جماعة ما كسبت وعليها ما أخطأت. (المصدر: ركن « المعرفة » بموقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 12 مارس 2007)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.