الاثنين، 26 ديسمبر 2005

 

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2044 du 26.12.2005

 archives : www.tunisnews.net


لطفي حجي: توضيح

الصباح الأسبوعي:  «الكاباس».. اتهامات بالجملة من المشاركين في المناظرة.. ردود بالتفصيل من الوزارة

الصباح الأسبوعي: هكذا أصبحت حال طريق المرسى الكرم

الحياة: تفاعلات منع الفنان اللبناني من دخول تونس
علي شرطاني:التنمية في ظل استشراء مظاهر الفساد المالي أي معنى؟ – الجزء الثاني

أحمد قعلول: عن العنف الاجتماعي والسياسي الحالة التونسية كمثال

علي كردي: قانون التدافع ومستقبل الإسلام السياسي

الأستاذ عزالدين شمّام: البلطجة أبشع مراحل الدكتاتورية

مرسل الكسيبي: مافاتني قوله في ندوة بون –

حتى لاتجهض أحلامنا وأحلام شعب

 

محمد العروسي الهاني: تعليق على إحياء الذكرى الواحدة و السبعين لوفاة الطاهر الحداد (71) في اليوم الدراسي بالعاصمة
أبو عمر: إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك…
أبو أحمد: الفكر التكفيري غير مقبول 
أحمد الورغمي: تنديد ضد تهديد طارق الشامخي: إعتذاز و إعادة نشر
سويس إنفو: تأسيس حزب إسلامي جديد بالمغرب
إسلام أون لاين: العريان: الإخوان يدرسون تأسيس حزب « محافظ »

بي بي سي أون لاين: السماح لعاكف بأداء فريضة الحج

النهار: جبران تويني – قَـسَـم الحرية في شمس ‘النهار’


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

  

توضيح

دعتني أسرة تحرير تونسنيوز مشكورة إلى الرد على ما كتب حول نقابة الصحافيين على أعمدتها في الأيام الأخيرة ، و استجابة لطلبكم أود أن أبدي الملاحظات التالية و هي ليست برد :

– 1- لقد تابعت كل ما كتب و قررت منذ اللحظة الأولى ألا أرد عليه لسبب بسيط و هو أن جميع الذين كتبوا عندكم مؤخرا عن النقابة من فئة الأشباح، بمعنى أنهم أسماء مستعارة ليسوا بصحفيين لا من داخل النقابة و لا من خارجها . ولست ادري من أي جحر يخرجون . وهو ما خفي عن أسرة تحرير تونسنيوز- التي ليس بإمكانها التثبت في كل الأسماء و الهويات طبعا- وعن العديد من الزملاء و الأصدقاء الذين اتصلوا بي مستفسرين.

و نحن في نقابة الصحفيين لا نتعامل مع الأشباح بل نتعامل مع صحفيين محترمين لا يخشون ذكر أسمائهم عندما يعبرون عن مواقفهم.

-2-

ان قضايا النقابة نعالجها في الأطر الداخلية للنقابة و لا نخشى داخلها أن نناقش أي مسألة بكل ديمقراطية اعتقادا منا في حرية كل المنخرطين في التعبير عن أرائهم مهما كانت جريئة و ناقدة لان من يخشى حرية التعبير و النقد داخل الهياكل ليس جديرا بان يتصدر الدفاع عن تلك القيم في العلن و يتحمل من اجلها المشاق و المتاعب.

-3-

نحن نرفض رفضا قطعيا أسلوب التخوين و الادعاء بالباطل على الزملاء مثلما فعلت أشباه الأقلام المذكورة مع الزميل سليم بوخذير لمجرد انه كتب مقالا عرض فيه وجهة نظره المدافعة عن استقلالية منظمات المجتمع المدني بما فيها النقابة و نود اعلامكم بان الزميل سليم بوخذير استجاب لطلب النقابة بعدم كتابة الجزء الثاني من مقاله الذي وعد به قراء تونسنيوز حفاظا على تجانس المواقف داخل النقابة و تفويت الفرصة على الذين يتربصون بنقابتنا,

إننا أعلنا منذ اليوم الأول لتأسيس النقابة وهو مسجل في قانوننا الأساسي أننا ندافع عن أخلاقيات المهنة. و تَمسُكنا بأخلاقيات المهنة الصحفية يمنعنا من النزول إلى الحضيض التي نزلت إليه تلك الأسماء المزعومة.

مع فائق المودة و التقدير للدور الإعلامي الذي تقومون به.

لطفي حجي

رئيس نقابة الصحفيين التونسيين


كتاب حسين المحمدي

نعلم السادة القراء الكرام أنه بإمكانهم الآن الإطلاع على كامل محتويات كتاب « مجازر عربية يومية بدم بارد.. أنموذج تونس »، الذي ألفه السيد حسين المحمدي (الكاتب العام السابق للجنة التنسيق الحزبي بولاية بن عروس) التي نشرناها تباعا على صفحات تونس نيوز (من 24 نوفمبر إلى 15 ديسمبر 2005) على الرابط التالي بركن « ملفات » على موقعنا:

https://www.tunisnews.net/dossiermhamdi.htm


من يمنع منذ 3 سنوات ونيف نشر وتوزيع كتاب الشيخ عبد الرحمان خليف؟

علمت « تونس نيوز » من مصادر مطلعة أن كتاب « تـنوير المسالك لأداء المناسك » الذي ألفه الشيخ عبد الرحمان خليف، الإمام الأول لجامع عقبة بن نافع بمدينة القيروان لا زال ينتظر منذ عام 2002 الحصول على الإذن والترخيص (من طرف إحدى اللجان التابعة لمحاكم التفتيش القائمة ..) بالنشر في البلاد التونسية .

ويعتبر هذا الكتاب (الذي طبع بتونس للمرة الأولى سنة 2002 ولكنه لم ينشر إلى اليوم) من أحدث مؤلفات الشيخ عبد الرحمان خليف، النائب السابق في مجلس النواب (1989- 1994) وعضو المجلس الإسلامي الأعلى منذ عام 1988.

ومن المثير للعجب والتساؤل أن كتاب « تنوير المسالك لأداء المناسك » الممنوع من النشر في البلاد التونسية ليس أكثر من مجموعة من الإرشادات والتوضيحات أعدها ورتبها وشرحها الشيخ الجليل لفائدة المسلمين المتوجهين إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، الركن الخامس من أركان الدين الإسلامي، ومن أجل مساعدتهم على حسن أداء الفريضة طبقا لمقتضيات الفقه المالكي الذي تتعبد به الأغلبية الساحقة للشعب التونسي المسلم.

ويشير المصدر إلى أن الشيخ عبد الرحمان خليف – حفظه الله وأمد في أنفاسه – قد انكب في السنوات الأخيرة على الكتابة والتأليف. ومن الكتب الجديدة التي أصدرها مؤخرا « مشاهد الناس عند الموت » وهو كتاب يجمع بين المئات من أقوال المحتضرين وأحوالهم، ويبيِّن صلة تلك المشاهد المؤثرة بتعاليم الإسلام، و « مشاهد الناس بعد الموت » الذي طبع بتونس للمرة الأولى سنة 2002.

ويبقى السؤال المحير مطروحا: من هو المسؤول (أو المسؤولون) فعلا عن هذا القرار الإعتباطي والجائر وغير المبرر بمنع نشر وتوزيع كتاب « تنوير المسالك لأداء المناسك » في البلاد التونسية؟


احتفالات :

تتواصل الاستعدادات حثيثة في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل في إطار ضبط آخر مراحل إحياء الذكرى الستين لبعث الاتحاد العام التونسي للشغل. فلقد تأسس الاتحاد العام التونسي للشغل في 20 جانفي من سنة 1946 على يد عدد من النقابيين نذكر منهم أساسا فرحات حشاد.

ويحرص المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل على أن تكون هذه الاحتفالات شاملة ومتنوعة وان تبرز الدور الذي يضطلع به الشغالون في المجتمع.

وعلمت الوحدة أن الاحتفالات تتضمن أيضا جانبا ثقافيا هاما ويبدو أن هناك مفاوضات مع الفنان الملتزم مارسيل خليفة من أجل أن يحيي عددا من الحفلات لفائدة النقابيين في جل جهات الجمهورية.

*

استياء ودعوة للمراقبة :

عقدت الهيئة الادارية للنقابة العامة لاطباء الممارسة الحرة جلسة عامة خارقة للعادة خصصتها للنظر في وضعية قطاع الصحة خاصة مع ما يسود تطبيق نظام العيادات التكميلية من ممارسات وصفتها النقابة العامة لاطباء الممارسة الحرة بأنها فوضوية، ذلك ان هذا النظام قد يخلق مستويين من العلاج والخدمات الصحية وأصبح يتمتع به أشخاص آخرون الى جانب الذين يخول لهم القانون التمتع بممارسة هذا النظام.

ونشير هنا الى أن النقابة العامة لأطباء الممارسة قد أشارت الى أن اعادة النظر في نظام العيادات التكميلية من شأنه أن يمكن من فتح آفاق التشغيل أمام عدد هام من الاطباء خاصة وأن النقابة تشير الى وجود ما لا يقل عن 2300 طبيب عاطل عن العمل.

*

سيدي البحري:

سوق سيدي البحري الكائن بمنطقة باب الخضراء بالعاصمة وبرغم عديد التحسينات والإصلاحات بقي إلى حد الآن يعاني من الفوضى والأوساخ والروائح الكريهة المنبعثة من بقايا السلع وفضلات المحلات المتعفنة وهو مظهر غير لائق خاصة وأن المنطقة تعتبر منطقة سكنية مما يجعل المضار مضاعفة والسلط البلدية هنا مدعوة لمزيد التدخل قصد الحد من هذه الفوضى وهذه المظاهر الغير لائقة.

*

عمارة شارع قرطاج:

سبق وأن نبهنا إلى ضرورة تدخل بلدية العاصمة من أجل إزالة أو الحث على إصلاح بعض البنايات القديمة وسط العاصمة المهددة بالسقوط في أي لحظة ولعل حادثة عمارة شارع قرطاج خلال الأسبوع الماضي، هي عيّنة واضحة عن الوضع الرديء والحال الذي أصبحت عليه الكثير من البنايات التي أصبحت تمثل خطرا كبيرا على متساكنيها وحتى على المارين بالصدفة في الطريق العام أمام هذه البنايات.

*

أقسام تقطر:

عديد قاعات الدروس في بعض المدارس الأساسية والثانوية ومع قدوم موسم الأمطار تصبح أشبه بالغربال تقطر من كل جانب وذلك رغم حداثة هذه البنايات وهو ما يمثل عائقا كبيرا لعملية سير الدروس.

*

سواق:

أغلب سواق الشاحنات الكبيرة الحجم يعانون من ظروف العمل الصعبة مثل ارتفاع عدد ساعات العمل اليومية التي يفوق عددها عند البعض الـ12 ساعة.

ويقضي السائق أغلب ساعات العمل في رحلات طويلة وهو ما يجعل هؤلاء السواق معرّضون دوما إلى القيام بالحوادث الناتجة عن التعب والإرهاق وقلّة النوم لتصبح هذه الشاحنات مصدر خطر كبير في الطرقات على مستعملي الطريق ولعل الحوادث اليومية التي نراها ونطالعها في وسائل الإعلام أصدق مثال على ذلك.

*

سردينة:

مع تخوف بعض الموطنين من استهلاك لحوم الدواجن وتزامنا مع سوء أحوال الطقس التهبت أسعار الأسماك لتصل إلى حد يصعب معه على المواطن البسيط حتى اقتناء كيلوغرام من سمك السردين الذي فاق سعره الثلاثة دنانير أما أسعار الأسماك الأخرى فإن الأمر أصبح من قبيل الخيال. فهل يستغني العامل البسيط على أجرة أسبوع ليقتني كيلو حوت… !؟

*

فريب:

الداخل لبعض المحلات في الحفصية هذه الأيام كأنه يدخل لإحدى أشهر المحلات العالمية لأنه لن يجد حذاء بأقل من الخمسين دينارا أما إذا كان يرغب في لباس لائق ومحترم فعليه أن يرهن نصف مرتبه الشهري هذا إن لم يتركه كلّه لدى البائع الحالف بأغلظ الإيمان بأنه يبيع بالخسارة لكساد السوق؟

*

تنوير عمومي:

بعض الأحياء المحرومة من التنوير العمومي برغم أن الأعمدة منتصبة بشوارعها تدخل في ظلام دامس مع نزول أول خيوط الظلام مما يجعل التنقل داخل هذه الأحياء مسألة صعبة ومخيفة أيضا لانتشار مظاهر العنف والسلب والسرقة، فمتى تستفيق بعض بلدياتنا وترحم هؤلاء المواطنين وتغمرهم ببعض نورها الذي أصبح صعب المنال.

*

صوت وصورة:

برنامج صوت وصورة الذي يقدّمه الصحفي والناقد خميس الخياطي يكاد يكون من البرامج القليلة على التلفزة الوطنية التي تستحق الفرجة والمشاهدة نظرا لمعرفة الرجل بميدانه وعفويته المطلقة في الحوار وطرح السؤال كما أن استنجاد خميس بالمنشطة الإذاعية هاجر حمودة قد حقق الإضافة بالنسبة للبرنامج خاصة وأنها من خرّيجي المعهد العالي للفن المسرحي والأهم أن لها من الحضور الهادئ ما يجعلها قادرة على الأفضل.

*

ذرّ رماد:

سهرة محمد ادريس التي قدّمها المنشط وليد التليلي خلال الأسبوع الماضي لتسليط الأضواء على الدورة الثاني عشر لأيام قرطاج المسرحية التي أسالت الكثير من الحبر لم تخرج عن إطار ذرّ الرماد على عيون المشاهدين فلا الجوقة الحاضرة استطاعت أن تحدّ من شطحات محمد ادريس الكلامية وعن فتوحاته في فن الانفتاح ولا من خالفوه الرأي استطاعوا أن يبرهنوا على أفكارهم لأن بعضهم ظهر مجاملا في حضرة محمد ادريس برغم أن صوته كان عاليا في فضاءات أخرى وحتى النقاش الذي دار في حضرة السلطان فإنه لم يخرج عن إطار ضرب البندير في النجاح والانفتاح ليعود الجميع إلى ديارهم فرحين مسرورين…. !

*

ديكور الأحد الرياضي:

الجمهور المتابع لبرنامج الأحد الرياضي على القناة الوطنية استبشر خيرا بالتغييرات الجذرية في هذا البرنامج الذي أصبح يتحلى ببعض الجرأة برغم أنها تبقى منقوصة لكن ما يلفت الانتباه هو ذاك الجمهور الحاضر في البرنامج، فأي جدوى من وجوده خاصة وأن البرنامج لا يحتمل هذا الحضور الذي لم يكن سوى تتمّة لديكور وأكسسوارات البرنامج وحتى تلك الأغاني الركيكة التي يردّدها هذا الجمهور في بعض الأحيان فإنها لم تضف شيئا بل على العكس فإنها قد أنقصت من قيمة البرنامج.

*

كوكتال:

كوكتال الأحد الذي تقدّمه يسر الصحراوي مساء كل أحد برغم الأضواء والبهرج لا يزال كوكتال ماسط لاسط بلا لون ولا رائحة فمتى تستفيق السيدة يسر من سباتها ومتى تريحنا من ضيوفها ثقال الظل….

(المصدر:

صحيفة « الوحدة » الأسبوعية، العدد 482، بتاريخ 24 ديسمبر 2005)


تفاعلات منع الفنان اللبناني من دخول تونس…

مرسيل خليفة

… التضامن انطلق من القدس!

رام الله – الحياة

ما زالت قضيّة منع الفنان اللبناني مرسيل خليفة من دخول الأراضي التونسيّة (راجع «الحياة» عدد 20/12/2005)، تثير استنكاراً واسعاً، في الأوساط الثقافيّة والفنيّة في العالم العربي. وآخر بيانات التضامن انطلق من القدس المحتلّة، بمبادرة من «مؤسسة يبوس» المعروفة بنشاطاتها الفنية التي تجمع بين السينما الى الموسيقى، وخصوصاً مهرجان القدس والموسيقى الذي يستقطب فنانين بارزين.

كلنا عصافير الحرية

وتحت عنوان «تضامناً مع أغاني الحرية»، أصدرت «يبوس» (الاسم القديم لمدينة القدس) بياناً على شكل عريضة سيوقّعها الفنانون والمثقفون في أنحاء العالم، بدءاً من فلسطين. وجاء في البيان الذي وزّعته رانية إلياس خوري مديرة المؤسسة: «نحن الموقعين أدناه يخالجنا إحساس بالحزن الشديد، بسبب منع الفنان العربي مرسيل خليفة من دخول تونس والمشاركة في مهرجان الطفل الذي تقيمه جمعية المسرح العربي في حمام سوسة. وينتابنا احساس بانسداد في شرايين الحرية العربية… إذ يمنع فنان عربي من دخول أرض عربية بتهمة وحيدة هي انه يغني للحب والحرية، ويسعى صادقاً الى التعبير عن مجتمعه، وذنبه انه يهدي موسيقاه وصوته نشيد حب الى ضحايا الاضطهاد أياً تكن أشكاله».

وأضاف البيان: «لقد كنا دائماً وما زلنا نعتبر تونس الخضراء حالة متقدمة بين الدول العربية الأخرى التي تبذل جهوداً من أجل خلق حالة مختلفة يغيب عنها قمع الحريات، وتشكل نموذجاً مغايراً في قوانينها المدنية، وفي مساحات حرية التعبير والابداع. لكننا فوجئنا بقرار منع مرسيل خليفة من دخول بلد أحبه من كل قلبه، فشكل هذا القرار لنا صدمة، ونراه انعطافاً عن السياق العام لعلاقة المؤسسات الرسمية التونسية مع فضاءات الابداع والتعبير الحر».

سنبقى نغني

وقال: «لأن مرسيل خليفة يهدي أغانيه الى كل المناضلين من أجل حرية شعوبهم، والى المدافعين عن الحرية والنور والحب والحياة والكرامة، نعلن بصوت عال اننا وكل العصافير العربية الحرة المحلقة في سماء الوطن العربي الحزين والمحبوسة في الأقبية المعتمة، ننضم الى الفنان العربي مرسيل خليفة، فنان اليونيسكو للسلام، ونتعهد معه بالعمل – بكل ما أوتينا من إمكانات – لكي لا يحكم بالموت على أطفالنا كل مطلع شمس في بقعة ما من بقاع العالم».

واختتم البيان: «سنبقى نغني مع مرسيل خليفة اغنية «عصفور طل من الشبّاك»، ونهديها الى السجناء العرب في السجون الاسرائيلية ما دام الاحتلال قائماً، وما دامت سجونه مفتوحة، والى سجناء الرأي العرب. ونتوجه الى الجهات الرسمية في تونس للافراج عن نشيد الأمل، واطلاق عصفور الحرية، لكي يحلق عالياً في الآفاق الرحبة، ونعيد الاشراق والنضارة الى وجه حضارتنا العربية».

(

المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 25 ديسمبر 2005)


شهرا بعد انتهاء القمة العالمية لمجتمع المعلومات

هكذا أصبحت حال طريق المرسى الكرم

تونس – الاسبوعي

كان الحدث خلال شهر نوفمبر المنقضي هو انعقاد القمة العالمية لمجتمع المعلومات.. ولاستقبال هذا الحدث كأفضل ما يكون بادرت كل الاطراف بتهيئة كل الطرق المؤدية لقصر المعارض بالكرم وتزينها بغراسات متنوعة غيرت بشكل واضح وجه المنطقة.. وكانت «الاسبوعي» خلال تحقيقها حول استعداد قصر المعارض لاحتضان القمة اشارت الى هذه التطورات بالكلمة والصورة.. واليوم بعد مضي شهر عن انعقاد القمة عادت «الاسبوعي» مرفوقة بعدستها لتطلع على واقع الحال.. فكانت مفاجأة غير سارة بالمرة.

الوجه الآخر

جلّ اشجار نخيل الزينة التي زرعت على امتداد الطريق المؤدية من السريعة تونس – المرسى الى الكرم ذبلت واصفرت ومنها من اسلم الروح.. الوضع لم يشمل شجر النخيل فقط بل شمل اشجار اخرى صغيرة غرست لم تقدر على الصمود طويلا فذبلت بدورها واصفرت ومالت مسلمة بدورها الروح الى بارئها.. اما ما سلم من الاشجار فقد طاله الاصفرار في جانب هام منه ويتهدده الموت وحتى الاشجار التي تحيط بالمعرض ظهر عليها الوهن.

الباسقات والازهار

اما النخيل الباسقة التي زرعت عندما التقاطعات الدوارة.. فقد اصفرت بدورها.. ويبدو أنها غرست لتحتضر على حد بعض العارفين.. اما نباتات الزينة المواجهة للنصب التذكاري الذي أحدث بالمناسبة.. فبعد الالوان الزاهية تحولت الى كومة سوداء.. وإنا لله وإنا اليه راجعون.. نفس الوضع طال شارع محمد الخامس الذي يربط قصر المعارض بشارع بورقيبة بالكرم..

عودة الاشغال

الطريق الجديدة المحدثة بين السريعة تونس المرسى والمعرض عادت اليها الاشغال مجددا ..فهناك الحفر لوضع القنوات وتعبيد لحافيتها بعد أن صرحت كل الاطراف بان الاشغال انتهت قبل القمة وان كل شيء على ما يرام وقد صرح لنا مواطنون من سكان الكرم الغربي أن المفترق الدوار الرابط بين شارع محمد الخامس وشارع 5ديسمبر غمرته المياه خلال الامطار بشكل فاضح متسائلين اي دور قامت به قنوات تصريف المياه.

الفرق واضح

وموازاة لطريق المرسى -الكرم تجد طريقا رئيسية تربط جنابي تقسيم ضفاف البحيرة 2.. هذه الطريق زرعت نخيل زينة مماثل للنخيل طريق المرسى الكرم (علوه في حدود المتر) كما زرعت نخيل باسقة واشجار اخرى.. جميعها في صحة جيدة وهو ما يكشف الفرق بين الجهود المبذولة من الخواص وبين رزق البيليك.

(

المصدر: جريدة « الصباح الأسبوعي » الصادرة يوم 26 ديسمبر 2005)


تحقيق

بعد أن أسدل الستار على أكبر مناظرة وطنية:

«

الكاباس».. اتهامات بالجملة من المشاركين في المناظرة.. ردود بالتفصيل من الوزارة

تونس ـ الاسبوعي

لا ينكر احد ان مناظرة الكفاءة لاستاذية التعليم الثانوي او «الكاباس» تعتبر اول مناظرة وطنية تسيل لعابا وحبرا كثيرا وتطرح تساؤلات بالجملة وتطولها اتهامات بالتفصيل.. ومنذ اسبوع اجتاز اكثر من 55 الف مترشح هذه المناظرة.. هذا التجمع الهام من الراغبين في الالتحاق بصفوف التعليم اخترنا منه عينات لتتحدث عن مشاغلها وتطرح تساؤلاتها كما حملنا هذه التساؤلات وتساؤلات اخرى الى سلطة الاشراف فكان هذا التحقيق.

لم يبق في قوس الصبر منزع

هدى عمرها 29 سنة تجري المناظرة للمرة السادسة في مادة علمية بادرتنا بالقول حين سألناها «نفذ الصبر لكن نظرات والدي وصمتهم الحزين تجعلني لا اقاطع المناظرة وبنفس الامل الضئيل ادخل وبالفشل ينتهي الامر ليتواصل مسلسل البطالة» وصادقت على قولها وفاء (31 سنة تجري المناظرة للمرة السادسة ايضا «انا اعد بجدية للمناظرة كل سنة حتى اريح ضميري واقنع عائلتي بان الخطأ لا يكمن في واؤكد لنفسي وللجميع ان هناك شروطا اخرى غير استيعاب البرامج التي تخصنا تحدد الأكفأ ثم اني افشل سنويا لاسباب غير واضحة في ذهني فالامر رغم اهميته واستفحاله يظل ضبابيا ولا يلقى اهتماما من طرف المسؤولين وتظل اسباب الفشل غير واضحة وهذا ما يحز في نفسي ولا يترك في قوس الصبر منزع»

«

الكاباس» اصبحت حلما مستعصى

تحدثت خديجة حول هذا الموضوع بصوت يخالطه الكثير من الحزن وقالت هذا الامتحان يجثم سنويا على صدري كالكابوس يوجه حياتي ويسممها وطيلة السنة يبقى يتجاذبني الامل واليأس وانا اعد نفسي لاجراء المناظرة ثم اعيش على وقع الفشل بعد ذلك وتضيف انا لم انجح في العثور على عمل بديل ومقنع منذ 7 سنوات من تخرجي ومللت مرارة البطالة والهواجس منقطعة عن العالم واحيانا افكر بجدية في انهاء كل هذا العذاب بالانتحار» واضافت بأسى «فحتى الاحلام تستعصي مع استعصاء الفوز «بالكاباس» فكل شيء الان متعلق بالوظيفة والفتاة بدونها في مجتمع معولم كائن بلا روح وبلا ألق»

الجامعة تعلن فشلها

ثريا وانيس يجريان المناظرة لمدة خمس سنوات قالا انهما لا يفهمان لماذا يرسبان سنويا وكيف يحدد الاكفأ عبر مجموعة من الاسئلة التي تشبه احيانا لعبة الكلمات المتقاطعة ( في المادة الادبية التي يمتحنون فيها) ثم باية مقاييس يتم ترشيح هذا والغاء هذا. اضافت ثريا انه من المفارقات ان الاستاذ الجامعي بل الجامعة كمؤسسة تعليم معترف بها والتي توجت جهودنا بشهادة الاستاذية تشكك فيها اليوم باخضاعنا لهذا الامتحان بل وتحكم على نفسها بافلاس اسلوبها في تكويننا وفشلنا سنويا يؤكد فشلها العريض. واكد انيس بعد صمت في كل سنة تؤكد الشائعات ان الاقدمية الى جانب الكفاءة ستكون المقياس الاول ونفاجأ بعد ذلك بناجحين من نوع آخر والوضع على ماهو عليه منذ سنوات يمكن القول ان هناك الكثير من المسكوت عنه في هذه المسألة يجب ان نعالجه باكثر جدية حتى تكون الكفاءة سيدة الموقف.

«

دينصور» «الكاباس»

منعم عمره 35 سنة وله 7 سنوات يجري المناظرة لما طلبنا رأيه في هذا الموضوع قال ضاحكا بسخرية «انا دينصور الكاباس» فانا ادخل كل عام بنفس الاصرار يدفعني نفس الامل ولكني اخرج بفشل ذريع لا اجد له مبررا واضحا. واضاف بان هذا الفشل الذي يصاحبه منذ احداث هذه المناظرة يجعله يعيش مفارقة تسبب له الكثير من الالم والضيم وقال بانه يدرس طيلة هذه المدة في المعاهد الخاصة وفي السنوات النهائية ويحظى بتقدير المدير وتلامذته واولياؤهم لكفاءته يعاضدهم في ذلك النجاح الذي يحققه التلامذة ولكن المناظرة ما تزال تصر سنويا على اعتباري فاشلا فما امتحن فيه اكاد احفظه عن ظهر قلب لاني ادرسه سنويا ثم انها ليست مقياسا حقيقيا لتقييم ما درسناه وندرسه الان فعن اية كفاءة يتحدثون وماهي شروطهم حتى ننجح سؤال يبقى مطروحا؟

سؤال منعم وبقية التساؤلات حملناها لسلطة الاشراف فكان هذا اللقاء مع مدير الامتحانات المهنية بوزارة التربية والتكوين:

————————————————————————————

مدير الامتحانات:

هكذا يتم الاصلاح والاعداد للاعلان عن النتائج

حرص على تطوير الاجراءات والقضاء على هامش المحاباة والخطإ

اكد السيد محمود الشيباني مدير الامتحانات المهنية ان اصلاح مناظرة «الكاباس» يتم في كنف السرية والشفافية فجميع اوراق المناظرة تنزع الاسماء فيها ليرمز لها باعداد سرية لا يعلم حقيقتها غير ثلة محل ثقة لا يمكن الشك في نزاهتهم او حرصهم على السرية وخلال ثلاثة او اربعة ايام يتم تنظيم الاوراق في ظروف يحوي كل منها ما يتراوح بين 100 و150 ورقة امتحان مع جذاذة عليها الارقام السرية الخاصة بكل ورقة ثم توزع بطريقة القرعة على الولايات حيث يتم اصلاحها من طرف لجان اصلاح متكونة من رئيس لجنة واستاذ جامعي ومتفقد ويقع تحديد عدد هذه اللجان بحسب عدد الاوراق التي سيقع اصلاحها بحيث يجب ان يتراوح عدد الاوراق التي على الاستاذ اصلاحها بين 150 و300 ورقة ولا يمكن ان يخصص اكثر من هذا العدد لكل استاذ ثم انه تم اقرار اجراء الاصلاح المزدوج لاول مرة هذه السنة حتى نضمن اكثر شفافية بحيث يكون العدد المسند للمترشح هو معدل العددين المسندين وبعد هذه العملية تتولى لجان المراقبة وضع الاعداد امام الارقام السرية مع المراجعة والتدقيق.

وبعد الانتهاء من الاصلاح ووضع الاعداد تتم عملية الرقن من طرف راقنين متميزين وتتم ايضا مراقبتهم وتصحيح الاخطاء ان وقعوا فيها ثم تتم بقية العمليات لمعرفة المعدلات الخاصة بكل مترشح وفي اطار الحرص على السرية اتخذ هذه السنة اجراء وضع هذه المعلومات على المنظومة الاعلامية بالارقام السرية فقط ثم وفي اليوم السابق لاعلان النتائج وبعملية منظمة ومدروسة ومبرمجة مسبقا على الحاسوب يقع تعويض الارقام السرية بالاسماء الحقيقية.

واضاف المسؤول ان الوزارة تحرص كل الحرص ايضا وفي الامتحان الشفاهي ان تكون اللجان الممتحنة متكونة من استاذ جامعي مع متفقدين وجميعهم لا يعرفون المترشحين لهذا الامتحان لان كل لجنة تمتحن مجموعة من المترشحين مختارة عن طريق القرعة.

وشدد السيد محمود الشيباني انه هناك حرص جماعي على تطوير هذه الاجراءات حتى نقترب ما استطعنا من المستوى المطلوب من الشفافية والمصداقية والقضاء على هامش المحاباة والخطأ ونقطع دابر الاشاعات وباختصار فلا مجال للسهو او للخطإ او للضغط على الاساتذة المصلحين من اي نوع ومن اي طرف حتى نحقق المصداقية والتكافؤ.

ليلى المازني

———————————————————————————————-

الاشاعات حول «الكاباس».. والسبل الكفيلة بالقضاء عليها

«

الكاباس» وما ادرك ما «الكاباس» تلك المناظرة الوطنية الاكثر جلبا للمترشحين ما فتئت منذ انبعاثها تسيل الحبر الكثير.. وتحوم حولها الاشاعات بالجملة.. ولن نضيف شيئا عندما نورد ما يقال سرا وجهرا ويعرفه القاصي والداني.. الابن والاب.. العاطل والمسؤول.. الموظف والوزير عن هذه المناظرة.. عن التدخلات والتلاعبات وما قد ينجر عن نشره دون اثباتات تهمة تستوجب المقاضاة.. وبالتالي فان كل ما يقال ويتردد يبقى مجرد كلام طالما لا يكون مرفوقا بالاثباتات وان التراشق بالتهم يظل امرا يسيرا اما اثباتها فهو الاعسر.

ولا اخفيكم سرا اني شخصيا وكلما حدثني احدهم عن تلاعبات في هذه المناظرة وطالبته بتقديم الاثباتات الا وذهب ولم يعد..

واتذكر ان اشكالات مماثلة كانت مطروحة عند اجتياز امتحان رخصة السياقة ولو ان الفرق واضح بين الامتحان والمناظرة فتم التغلب على كل الكلام والتجاوزات بوضع كل الآليات اللازمة لدعم الشفافية واليوم يمكن القول انه على مستوى الامتحان النظري في رخصة السياقة لم يعد هناك مجال لادنى شك.

وسلطة الاشراف خلال هذه السنة حرصت على ارساء تعامل شفاف ومراقبة جادة لكن المجهودات المبذولة تبقى دوما في حاجة الى الدعم والتطوير كلما كشفت هنات.. فالمهم ان هناك عزيمة صادقة وسعي جاد للقضاء على كل ما يمكنه ان يفسح المجال امام المحاباة والتلاعبات وما الى ذلك من الاتهامات.. وحبذا لو يقع دعوة وسائل الاعلام لمتابعة مختلف مراحل الاصلاح والتفريغ ونشر شهاداتهم في الغرض.

ختاما تجدر الاشارة الى ان «الكاباس» مناظرة وليست امتحانا ومعنى ذلك ان بامكان البعض الحصول على معدل مرتفع لكن لا يمكنه الارتقاء لان الحاجيات محددة مسبقا والاختيار يتم للاكثر تميزا.. وقد يكون لهذا الخلط دور كبير في اذكاء نار الاشاعات وقد تتوفر دواع اخرى لاذكائها لذلك ليس افضل من الشفافية لاطفاء هذه النار.. اليس كذلك؟

ح / غ

(

المصدر: جريدة « الصباح الأسبوعي » الصادرة يوم 26 ديسمبر 2005)


 

التنمية في ظل استشراء مظاهر الفساد المالي

 أي معنى؟

فلكم ظلت ولاية قفصة مثلا معولا فيها على قطاع مناجم الفسفاط ، بدون أن تتم معاضدته بأي قطاع زراعي وتربية للماشية في بيئتها الطبيعية، ومن ثمة أي نشاط صناعي وتجاري حيوي آخر…فحتى بعض المعالم التاريخية التي يعول عليها في القطاع السياحي، لم تتم العناية بها بما يجعلها أكثر استقطابا للزوار والسياح. فقد ظل محافظا على الإحاطة بالجفاف لهذه المناطق المنتجة للفسفاط إلى أن اختفت فيها الكثير من الحيوانات البرية والطيور النادرة بالهجرة أو بالإنقراض، وبعض الحيوانات الأهلية بالإستغناء عنها وتهميش العناية بها رغم مناسبة البيئة لها، ورغم عدم كثرة كلفتها، ورغم صلاحيتها لتزويد السوق باللحوم وبعض ما توفره على مربييها على الأقل من ألبان، كالإبل التي نشأ توجه جديد في السنوات الأخيرة لإعادة الإعتبار لها وإرسال قطعانها مرة أخرى مثلما كانت عليه من قبل وقبل عقود من الزمن .

فالتنمية: وطنية أولا، ثم عناية وجدية وحزم وصدق في التعامل مع قضاياها وقطاعاتها ومجالاتها، والعمل باجتهاد ومسؤولية ومثابرة على استكمال شروط نجاحها بدءا بالإنسان وانتهاء بالبيئة برا وبحرا وجوا، وبأغطيتها الخمسة المعروفة المكونة من الغطاء المائي، والهوائي، والنباتي، والصخري، والحيواني . ـ فقد كان القطاع الزراعي  بولاية قفصة مثلا، قابلا للتطور ووفرة الإنتاج و توفير عامل الجودة أيضا. إلا أن مسالك توزيع المنتوج ومصارف الإيداع وضيق مساحات الترويج أعاقته، وكانت من العقبات الكأداء في طريقه. إضافة الى ارتفاع الكلفة من خلال ارتفاع أسعار قطع الغيار والبذور الحية التي زادها التعديل الجيني وعدم قدرة الفلاح على التعامل الإيجابي معها خطورة وتعقيداـ بعد أن تم التفريط في بذورنا الحية الطبيعية ـ إضافة الى ما يمكن أن يترتب عنها من أمراض ومخاطر مازالت محل اختلاف نفيا وإثباتا  بين الخبراء والمعنيين بهذا الموضوع ـ  والإرتفاع المستمر للوقود والأسمدة، والمكوس المسلطة على المنتوجات الزراعية النازلة بالأسواق الأسبوعية خاصة، تلك التي تم التفويت فيها من قبل البلديات للخواص، الذين رأيت بأم عيني أن أعوانهم يتعاملون مع المنتجين  وكأنهم شركاء معهم في منتوجهم. وغيرها من العمليات والضروريات اللازمة لهذا القطاع مما جعله يتراجع الى أدنى حد له. وأخذ الفلاحون في الأرياف يبحثون عن التخلص من زراعتهم التي أصبحت بذلك غير مربحة بما فيه الكفاية وقد أصبح منهم من ليس محافظا على مكانه إلا اضطرارا ، ويبحثون عن مناشط تجارية أخرى أكثر ربحا وأوفر حظوظا في النجاح فيها، مما يزيد حركة النزوح سرعة، ويزيد الفئات المهمشة حول المدن كثافة …أضف الى ذلك نقص الإمكانيات المادية التي عادة ما تكون في شكل قروض غالبا ما يجد الفلاح نفسه مضطرا لإنفاق الجانب الكبير منها  على عياله، وهو الفقير المدقع الفقر، ويفلح بالباقي ما يستطيع فلحه في أرضه على أي نحو كان تقسيط الجهات المانحة لها له والتي لا يستطيع في النهاية لها  إرجاعا. وهو الذي يستثمر ذلك الباقي من الأقساط  في زراعة الخضر التي غالبا ما يبيعها للمستهلك مباشرة، أمام منافسة ووفرة في الإنتاج في عرض يفوق الطلب  بكثير أحيانا، إضافة الى ضعف المقدرة الشرائية للمستهلك، فيكون مردودها بذلك أقل مما يجب أن يتوفر له من الربح، مما يغطي مصاريفه، وما ينفق منه على معاشه، وما يستطيع أن يسدد به منه الديون المتخلدة بالذمة في مواعيدها أو حتى في غير مواعيدها .

تلك هي الصورة التي عليها واقع الكثير من المناطق الريفية أو مناطق الريف كلها في إطار حركة التنمية الريفية خاصة، في بلادنا سواء في ميدان الزراعة أو تربية الماشية أوالصناعات التقليدية، على خلفية تنمية تلك المناطق، وتعزيز حركة الإقتصاد الوطني، وتثبيت أهاليها وأصحابها فيها، في محاولة لمنع أو الحد على الأقل من النزوح، فان المنح والقروض الموجهة لهذه المناطق، والمسندة لطالبيها من أصحاب هذه الجهات الريفية في مختلف مستوياتها، والى مختلف الجهات الفقيرة أصلا، عادة ما يتم صرفها في غير ما منحت لصرفها فيه، لتكون النتيجة أن لا يقع العثور في النهاية على الأموال والعينات المسندة للجهات الممنوحة، ولا على المشاريع المطلوب إقامتها لإحداث التنمية الجهوية والريفية، ولا تعاد الإعتمادات المالية أوالعينية الى الجهات المانحة، ولا تبرأ ذمة المدان المقترض من الدين، ليظل في مواجهة العجز المستمر لسدادها، ولتذهب بذلك الأموال الى غير رجعة. ولعل ملاحقة هؤلاء بالعقوبة البدنية يكون واردا، من يدري ؟
وليظل الفقر والفاقة والبطالة والنزوح أسياد الموقف في تلك الأوساط والربوع   دون أن يعني ذلك عدم وجود بعض حالات النجاح والتوفيق.
فلا بد والحال هذه من البحث عن حلول صحيحة وأكثر جدية، وان بمزيد الإنفاق على ذلك، وفي إطار حياة سياسية حرة وديمقراطية وعادلة، تحفظ الأموال، وتحدث التنمية المطلوبة، وتتقدم خطوات في حل مشاكل البطالة والفقر، وتفرض الإستقرار، وتنهي النزوح…
ولعل بعض الحلول الممكنة حين لا يوجد أفضل منها وأقوم، وان كان بما يكلف المجموعة الوطنية المزيد من النفقات، ولكن لا بأس بذلك، إذا كان ذلك مما يمكن أن يكون من الممكن أن نتدارك به السلبيات والنقائص، بل والخسائر التي سبقت منا الإشارة إليها سالفا. وهو أن تتدخل الجهات المانحة أو المقرضة لإنجاح برامج التنمية عموما، والتنمية الريفية خصوصا، بصفة خاصة لتشغيل الأطراف والأفراد الممنوحين أو المقترضين في أراضيهم أو مشاريعهم بأجور محترمة تقع إضافتها الى مجموع أقساط القروض والمنح الواقع توجيهها الى مستحقيها لمدة  تكون ـ من خلال مراقبتهم في ذلك ـ كافية لأن تعطي تلك المشاريع من الإيراد ما يصبح به المستحق قادرا على تغطية نفقاته الضرورية اليومية، وتحويل باقي إيراد فائض الإنتاج بعد المصاريف اللازمة الى الجهات المقرضة بحسب الصيغ القانونية المتفق عليها، لإستخلاص تلك القروض. وذلك من الحلول التي تخرجهم من دائرة الإضطرارللتصرف في ما تمت الموافقة لهم عليه من قيم مالية، وصرفها في ما كانوا يجدون أنفسهم مضطرين لصرفها فيه، من مآرب وأغراض فردية وجماعية تقتضيها ضرورة العيش والحياة، خاصة عندما يتعلق الأمر بجعل تلك الأموال في مشاريع طويل أمد جني ثمارها وإعطاء ايرادها، وغير سريعة الإنتاج كالبقول والأشجار المثمرة .
ولعل ذلك يكون مناسبا وكافيا وضامنا لنجاح بعض برامج التنمية في بعض الجهات، ولسداد الديون، ولصون المال العام، ولإنهاء بعض نسب البطالة، ولتحقيق تثبيت أكثر ما يمكن من الناس في بيئتهم ومحيطهم، ولقطع  الطريق أكثر ما يمكن أمام النزوح والزحف على المدن.
 يــــــتــــبـــع…     بقلم : علي شرطاني    قفصة  تونس

 

عن العنف الاجتماعي والسياسي

الحالة التونسية كمثال

أحمد قعلول

يتناول هذا المقال موضوع العنف من أجل فهم أسبابه ونتائجه الممكنة وذلك من خلال الحالة التونسية. فتونس اعتبرت ولفترة طويلة مستعصية عن العنف أكان ذلك نظرا لطبيعة المجتمع وثقافته السياسية التي أنتجت دولته الحديثة أو بالنظر لنوعية الحركة الإسلامية التي أطرت الصحوة الإسلامية إلى حدود التسعينات من القرن الماضي أو بسبب الضبط الأمني الذي تمارسه السلطة في تونس على مجتمع صغير من حيث المساحة والعدد ما يجعل ممارسة العنف خارج أطر الدولة أمرا عسيرا على أن تونس تعرف منذ سنوات انتشارا لبعض مظاهر العنف داخل المجتمع إلى مستويات خطيرة لم تعرف لها البلاد مثيلا. يضاف إلى ذلك شيوع الحديث عن اتساع تيارات يتبنى بعضها ممارسة العنف كوسيلة للتغيير وللوصول إلى الهدف. في المقابل لم تعرف تونس إلى حد الآن على الأقل موجة من العنف السياسي سوى العنف الذي تمارسه الدولة على المجتمع وهذا ما يجعل الحالة التونسية مهمة للدراسة ذلك أن هذه الحالة وحسب ما يبدو في حالة تكون.

1) أريد في البداية أن أنبه إلى كون التفسير السببي للظواهر ليس دائما الوسيلة الأنسب لفهم واستيعاب الظواهر الاجتماعية، وذلك عائد إلى تعقد الظاهر الاجتماعية والإنسانية عموما وتعدد أسبابها واختلاف تأثيراتها بحسب السياق الذي تعمل فيه

. إذ يمكن أن تكون أسباب ما مفسرة لنشوء ظاهرة ما إلا أن انتشار تلك الظاهرة واتساعها أو انحسارها وذبولها يمكن أن يعود لأسباب أخرى مختلفة. ولذلك يجب أن يتجنب الباحث التصور الشائع الذي يقول بأن زوال أسباب نشوء ظاهرة ما سيؤدي لا محالة لضمور واختفاء تلك الظاهرة. هذا بالإضافة إلى كون التفسير السببي يجعل وجود الظواهر مرتبطا بشروط خارجة عنها بينما يمكن أن توجد الظاهرة لشروط ذاتية بغض النظر عن اختلاف أو معاندة الشروط الخارجية او بمعنى آخر ان تكون الظاهرة تعبيرة طبيعية من تعبيرات الحياة والاجتماع الإنساني مرتبطة بتعقد الظاهرة الإنسانية وتنوع تعبيراتها. على انه وبرغم علات التفسير السببي فإنه يبقى أداة للفهم يصعب الاستغناء عنها ولكن وجب الإشارة إلى علات هذه الأداة قبل البداية.

2) من المهم أيضا التنبيه إلى أن

(وبنوع من التعميم) كل ممارسة اجتماعية تحتاج إلى خطاب يشرع لممارستها مهما كانت تلك الممارسة وخاصة إذا ما كانت فعلا مرفوضة داخل السياق الاجتماعي الذي تتنزل فيه بحيث تزيد الأعمال الفردية أو الجماعية حاجة إلى الخطاب الذي يشرع لها أو لنقل إلى الأيديولوجيا بقدر معاندة الواقع لها. من هنا نرى مثلا أن الاحتلال الذي غزا العالم العربي والإسلامي في المنتصف الأول من القرن الماضي جاء تحت اسم الاستعمار كما تأتي الهجمة الجديدة على العالم العربي والإسلامي تحت اسم الإصلاح أو إحلال الديمقراطية كما تمارس الصهيونية جرائمها تحت اسم الحق المقدس لليهود في ارض الميعاد ومقولة شعب بلا ارض وارض بلا شعب وكذلك يقع الاستبداد في العالم العربي باسم الديمقراطية وتحصين الحداثة من الخطر الأصولي والإرهاب إلى غير ذلك وكذلك الحديث عن العنف الذي تمارسه الجماعات المسلحة باسم الإسلام وباستعمال سلاح التكفير ومحاربة الصليبية وفتاوى من نوع تترس الظلمة بالمدنيين وجواز قتل مدنيين في مثل هذه الحالات إلخ… وهكذا فان العقل البشري عادة ما يبدع ويختلق صورا ذهنية وفكرية لإعادة تأويل الواقع كي يتمكن من التواصل مع الآخر وضمان حلفاء يؤمنون بخطابه ويشاركونه مصلحته إذ أن كل فعل إذ يقع فهو فعل اجتماعي وهو مكره بهذه الصفة على إيجاد أدوات خطاب ونسق من التأويل يمكنه من تحقيق ما يريد خيرا كان أم شرا وخاصة إذا كان شرا. وفي هذا الإطار فان الخطاب الديني والأيديولوجي هو من أنجع الأدوات التي تمكن هذه الممارسات من خطاب وتأويل تشريعي وليس هذا لعلة في الخطاب الأيديولوجي أو الخطاب الديني ولكن لما تتوفر عليه هذه المنظومات من قدرة على إشاعة خطاب يمس وجدان الجمهور كما يمس تصوراتهم وهو ما لا تتوفر عليه المنظومات الفكرية الأخرى.

في تعريف العنف

يجمع أغلب الباحثين في تعريفهم للعنف على كونه أداة ووسيلة لتحقيق أهداف ما، فردية أو جماعية، بمعنى أنه ليس عقيدة أو فكرا وإن استعمل فكرا وعقيدة لتشريع ممارسته. وهذا بخلاف التفسيرات التي ترى في العنف عقيدة أصيلة تفسرها منظومات فكرية أو دينية أو أيديولوجية. ومن هنا يتصارع الإسلاميون مثلا مع خصومهم الشيوعيين في تبادل تهم تبني العنف كعقيدة وكذلك يفعل الليبراليون تجاه الشيوعيين. والمرء إذا ما وقف عند هذه المقولات لن ينجو أحد ولا تيار من أن يوصم بالعنف إما عقيدة أو ممارسة وهذا أمر يدعونا إلى التوقف، إذ إن المتابع لما يقع في العالم لا يغفل عن كون كل هذه المنظومات السياسية أو الفكرية تورطت بدرجة أو بأخرى في العنف السياسي بجميع أنواعه أكان عنف الدولة أو العنف المقابل للدولة والمواجه لها أو العنف تجاه تركيبات المجتمع أو تجاه مجتمعات أخرى. والقصد من هذه الملاحظة القول إن الممارسة السياسية عموما محكومة بقوانين أعلى من القيم الأخلاقية التي عادة ما تبشر بها المنظومات الأيديولوجية سواء أكانت ذات خلفية دينية أو علمانية بحيث يمكن اعتبار قوانين الحكم والسلطة من مستوى قوانين الطبيعة البيولوجية على النحو الذي ذكره ابن خلدون في مقدمته[1]. تكمن أهمية الملاحظات السابقة في كون العنف ليس مرتبطا بعقيدة أو أيديولوجية ولكنه يمكن أن يصاحب كل العقائد والأيديولوجيات ومن هنا فان التفكير الذي ينحو إلى اتهام جماعة أو منظومة فكرية بالعنف بسبب خلفياتها الفكرية هو تفكير لا يراعي معطيات الواقع كما انه يتغافل عن حقيقة الظاهرة التي يرصدها بحديثه أو تحليله.

إذا سمحنا لأنفسنا بقبول هذه المقدمة أي الصبغة غير العقائدية للعنف وان استند على تأويلات عقائدية فكيف إذا يمكن فهم أو تفسير العنف؟

العنف إذن هو أسلوب يستعمل لتحقيق غرض ما ويتسم هذا الأسلوب بمجموعة من الصفات أولها استعمال القوة والملاحظ انه ولكثرة ارتباط العنف بممارسة القوة اصبح يمكن استعمال التعبيرين بالتناوب في مقامات مشتركة على أن المرء يجب أن يميز بين استعمال القوة والعنف إذ ليس كل استعمال للقوة عنفا وليس في كل عنف استعمال للقوة، ومن السمات الأخرى للعنف الإكراه ذلك أن الذي يمارس العنف يسعى لإكراه موضوع فعله على ما لا يريده. أما السمة الثالثة والأساسية للعنف فهي كونه اعتداء على الآخر أو على الذات. والاعتداء هو عموما تدخل في المجال الخاص لفرد أو مجموعة دون إذن منها ورغما عنها، فالممارسة العنيفة هي في الأصل ممارسة غير مشروعة، على انه يجدر التنبيه هنا هو أن غياب الشرعية عن الممارسة العنيفة نسبي إذ الشرعية مرتبطة بموضوع ممارسة العنف أي الجهة التي يمارس عليها العنف لا الجهة الممارسة له. كما انه يجدر التنبيه أنه لا يمكن اعتبار كل ممارسة للعنف ممارسة غير مشروعة مطلقا أو أنه الأسلوب الأنسب في اغلب الحالات إذ يصعب في عالم الممارسة رفض أسلوب ما بشكل مطلق أو قبوله بشكل مطلق على أن الإشكال في التعامل مع هذا الأسلوب يتركز خاصة في استعماله تجاه الذات أكانت هذه الذات فردية أو جماعية.

يمكن تصنيف العنف الى مجموعة من الأصناف فهناك العنف الفردي كما هناك العنف الجماعي وهناك العنف العشوائي كما هناك العنف المنظم.

يتخذ العنف المنظم طابعا نسقيا وقصديا إذ أنه يمارس من أجل خدمة مصالح مضبوطة ومحددة أما العنف العشوائي فانه يمكن أن يعبر عن حالات كبت وانفجار كما انه يمارس بصورة تلقائية غير مبرمجة وهو يفسر عادة بالتفاعلات الداخلية للظروف الذاتية والخارجية[2] وبينما يكون العنف المنظم موضوعيا بحيث لا يرد إلى وضع الأفراد فان العنف العشوائي يعبر عن حالات من التعويض وردة فعل مباشر تجاه موضوع القلق والضجر. كما إن هذا العنف نوع من تحويل للعدوانية من الموضوع الرئيسي والأساسي الذي تصعب مهاجمته لقوته وسلطته مثلا إلى موضوع آخر أقل قوة وأقل مقاومة. يمكن الحديث عن نوع آخر من العنف وهو العنف المرضي والذي يعبر عن حالة عصاب نفسي وهو ليس موضوع اهتمامنا في هذا المقال.

يمكن تقسيم العنف المنظم إلى عنف إجرامي وعنف سياسي:

فالعنف الإجرامي غير موجه لاشخاص كما أنه ليس أداتيا، وهو غير موجه للدفاع او لخلخلة او اقامة نظام قيمي معين، برغم انه وبشكل غير مقصود يمكن ان يساهم في ذلك. أما العنف السياسي فهو موجه للحفاظ على نظام قيمي أو سياسي معين، أو لتغييره واستبداله بنظام قيمي أو سياسي آخر. على ان التمييز بين أنواع العنف هذه لا يجب ان يؤخذ بحدية مطلقة ذلك ان حدودها يمكن ان تتداخل وتختلط كما أنها يمكن ان تتحول من نوع إلى آخر كما يمكن ان يستعمل نوع منها كتعلة لممارسة نوع آخر، كأن تستعمل الجريمة الاجتماعية من اجل ترسيخ عنف البوليس مثلا ما يفسح المجال للماسكين بالسلطة كي يغيروا المعايير الاجتماعية. كما يمكن ان تتحول العصابات الإجرامية إلى عصابات سياسية مناضلة. أو أن تتحول مجموعات العنف السياسي إلى مجموعات عنف اجتماعي، وأن تختلط الممارسة السياسية بالاجتماعية والاجتماعية بالسياسية، او يتخفى العنف الاجتماعي تحت لافتة سياسية.

ماذا عن الحالة التونسية؟

في ما يخص الحالة التونسية، ما هي المؤشرات التي تبرر القول بوجود مجموعات تتبنى العنف او باحتمال ان تشهد تونس حالة من العنف السياسي الداخلي.

إن أهم مؤشر على احتمال نشوء العنف في تونس ليس وجود ممارسات لهذا العنف وانما انتشار الافكار التي تشرع له في صفوف فئات من الشباب التونسي وكذلك وجود عدد معتبر من الشباب التونسي الذي عبر عمليا عن تبنيه لتلك الافكار من خلال هجرته الى مناطق ممارسته مثل افغانستان او العراق، وتنذر بعض التقارير أن خمسة بالمائة من الشباب الأجانب المقاتلين في العراق هم من أصول تونسية هذا إلى جانب تكرار عمليات اعتقال شبكات ومجموعات توصف بالارهابية في عدد من الدول الأوروبية بعض عناصرها من الشباب التونسي.

إضافة إلى هذه المعطيات فان انتشار العنف الاجتماعي مؤشر في ذاته على احتمال تحول ذلك العنف إلى الساحة السياسية هذا دون ان نغفل عن التفسير السياسي لهذا العنف الاجتماعي وهو ما سنعرض إليه لاحقا في هذه المقالة. إنه إذا ما أخذنا بالملاحظة القائلة بإمكانية تحول العنف الاجتماعي إلى عنف سياسي وإذا ما نظرنا إلى ما يرد في العديد من التقارير حول هذه الظاهرة، فإن الوضع فعلا ينذر بانتشار الجريمة المنظمة والعشوائية في تونس. إن هذه مؤشرات لانطلاق عنف ضد الدولة خاصة وان النظام يقوم وبشكل دوري باعتقال العديد من الشباب الذين يتبنى بعضهم أفكارا قد تؤدي إلى تحول بعض المنحرفين اجتماعيا إلى تبنيها وبالتالي تحولهم من دائرة العنف الاجتماعي إلى دائرة العنف السياسي.

الجانب الآخر الذي يرشح الساحة التونسية بنشوء ظاهرة العنف السياسي هو ما وقع في عدد من الدول الاخرى بعد عودة من يسمون بـ »المجاهدين » إلى أرض الوطن ذلك ان المحارب عندما يعود الى بلاده يصعب عليه الاندماج من جديد في ساحة الفعل المدني والسلمي وعادة ما تطبعه تجربته القتالية كما تطبع أساليب فعله وردة فعله خاصة اذا ما تعرض الى الظلم. وقد بينت التجربة الجزائرية بعد الانقلاب الذي أوقف العملية الديمقراطية في بداية تسعينات القرن الماضي ودفع بآلاف الشباب إلى السجون والمعتقلات، ان عددا من العائدين من مثل تلك الساحات هم الذين شكلوا فيما المجموعات المسلحة وخاصة في مستوياتها القيادية. أضف إلى ذلك وجود علاقة مباشرة بين المجموعات المسلحة في الجزائر وعدد من الشباب التونسي الذي رأى فيها رحما يمكنه من تحقيق رغبته في الجهاد والاستشهاد هذا بغض النظر عن مدى اقتناع هذا الشباب بافكار تلك المجموعات قبل الدخول في علاقة معها. كل هذه المؤشرات تجعل تونس مقدمة ان بقيت الحالة على ما هي عليه على تكرار التجربة الجزائرية وان في اطار سيناروهات مختلفة. والسؤال هو لماذا انتشرت هذه التيارات؟ وما هي المناخات التي مثلت أرضية مناسبة تجعل هؤلاء الشباب والفئات الاجتماعية يعتبرون ان العنف هو الاسلوب الامثل للتعامل مع الاخر ولحل المشاكل السياسية التي تعاني منها البلاد؟

في أسباب العنف السياسي والاجتماعي

يميل أكثر المحللين الاجتماعيين وعلماء النفس إلى تفسير العنف برده الى الوضع النفسي أو الاجتماعي للفرد أو للفئة التي تمارسه وفي هذا الإطار فان هناك العديد من البحوث التي تناولت موضوع العنف من خلال وجهة النظر هذه على اني وفي هذه الورقة ساحاول تقديم تفسير سياسي لبروز العنف وملخص الحجة التي ساقدمها يتمثل في اعتبار العنف تعبيرا عن فشل السياسة علىمستوى السلطة الحاكمة وعلى مستوى المكونات الحزبية والمدنية للمجتمع.

هناك العديد من الفاعلين السياسيين في الساحة التونسية ولا شك ان السلطة والاحزاب والتيارات السياسية من اهم المؤثرين في هذه الساحة الا ان للخارج تاثيرا كبيرا في الوضع الداخلي وعلى المزاج العام للشعوب العربية التي من البين ان إحساسها القومي وانتماءها الحضاري لم تؤثر فيه كثيرا سياسات الدولة القطرية. وقد تجمعت على الاقل ثلاث قضايا كبرى تهم عموم المسلمين منها اثنتان تحتلان مركز اهتمام الشعوب العربية وهما القضية الفلسطينية والعراق أما الثالثة فنقصد بها أفغانستان.

وكي لا نطيل كثيرا في ما يخص الوضع الدولي فانه يمكن وبعجالة ان نقول ان العنف الذي يمارس على الأمة الإسلامية عموما وعلى العرب بالخصوص يستدعي وبشكل شبه آلي ردة فعل يكون العنف الاسلوب الوحيد المناسب لها خاصة اذا ما تحدثنا عن ذلك العنف الموجه تجاه القوات الغازية والذي يدخل في إطار المقاومة المشروعة. ومن المهم التنبيه في ما يخص المزاج الشعبي في تونس هو شدة حساسيته تجاه القضايا القومية، ولست هنا اسعى لتفسير هذه الحساسية ولكن يكفي ان ننبه الى ان الشارع التونسي لم يتحرك بنفس الحماس لقضاياه المحلية بينما انطلق بكل عنف للتعبير عن رفضه لما يقع من غصب للحقوق ومن اعتداءات على أشقائه في كل من فلسطين والعراق هذا بالإضافة إلى رفضه سياسات السلطة في التطبيع مع الكيان الصهيوني وفي هذا السياق يخبرنا المؤرخون ان الشعب التونسي انتفض منذ الثلاثينات ضد الكيان الصهيوني حتى قبل أن يتحول إلى دولة كما ان شبابه تطوع في موجات للجهاد في فلسطين بداية من حرب ثمان واربعين الى حد اليوم وان شعب تونس قدم ولا يزال يقدم شهداء في سبيل القضية الفلسطينية على ان قيود الدولة القطرية جاءت لتعطل هذا المد التلقائي ولذلك فان ما تعرفه تونس اليوم من اعتقال لعشرات الشباب الذين يريدون التطوع للمقاومة في العراق لا يفسر في رأيي بانتشار فكر ما يسمى بالسلفية الجهادية او غيرها من الايديولوجيات وانما يفسر بالمزاج العام للشعب التونسي وبحسه العروبي والإسلامي. على ان الدور الذي تقوم به بعض المجموعات المحسوبة على السلفية او ذات العلاقة بتنظيم القاعة له تاثير لاحق على تبني واقتناع ذلك الشباب بفكر القاعدة ذلك ان هذه التنظيمات هي الوحيدة التي تقدم التسهيلات اللوجستيكية لهؤلاء الشباب المتعطشين للدفاع عن كيانهم الجماعي الذي يعتدى عليه وهذا ما يجعل فكر هذه الجماعات اكثر قابلية للانتشار بسبب رفعها لشعار مطلوب على الساحة اي الدفاع عن الهوية القومية والإسلامية للشعوب العربية برغم كون تيار القاعدة لا يؤمن بالروح القومية للشعوب العربية بقدر ما يؤمن، مثله مثل بقية التيارات الإسلامية، بالأممية الإسلامية على أن التقاطع بين العروبة والاسلام يجعل التيار القاعدي من حيث لا يدري او يقصد أكثر جرأة في تعبيراته القومية العربية على الساحة ولهذا السبب فان هذا التيار وبسبب الخدمات التي يقدمها بشكل مباشر أو غير مباشر لهذه الشرائح من الشباب مؤهل ان يكون فكره موضوع اقبال وتبن. ويبدو ان المجتمع التونسي تتسع فيه بوتقة هذا الفكر الذي يؤطر المتعاطفين معه إلى حد الآن ضمن القضايا الاممية قبل القضايا القطرية. وفي هذا الاطار تكمن رمزية أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي مثلت، وبغض النظر عن موقفنا السياسي منها، تعبيرا عن انتقام من قوة ترى فيها فئات واسعة من الشعوب العربية والاسلامية سببا رئيسيا للبلاء والظلم الذي تعاني منه. وأحسب أن كثيرا من العرب والمسلمين لا يزالون يشاركون الإمام الخميني وصفه هذه القوة بـ »الشيطان الأكبر » الذي فشلت سياساته على الأرض، إلى حد الآن، في تقديم صورة مغايرة خاصة فيما يتعلق بالدعم اللامشروط للكيان الصهيوني أو في ما يحدث في العراق وفي أفغانستان.

المستوى الثاني من العامل الدولي هو صعود تيارات تنسب الى التيار السلفي تتبنى العنف كوسيلة للعمل وللتعامل مع الآخر وقد بينا ميزات وقدرات هذه التيارات عموما على نشر افكارها وعلى تعبئة الجماهير حولها، إضافة إلى مبادرة هذه التيارات والجماعات الى تقديم الخدمات اللوجستيكية للشباب المتطوعين لساحات القتال ما يمكنهعم من تعبئة هؤلاء ضمن رؤاهم وتأويلهم للواقع وضمن سلوكهم في التعاطي مع هذا الواقع الذي لا يجدي التعامل معه بغير العنف وسيلة لردع الظلم ومعاقبة من يتعاون مع الظالم وما يتولد عن كل ذلك من أحكام أخرى تطال قتل المدنيين من مسلمين وغيرهم تحت مقولات فقهية مثل التترس وغيرها.

في هوية الدولة القطرية: من المهم التنبيه في البداية إلى ان الدولة القطرية أصبحت تمثل عاملا معطلا للمشاعر القومية ما يجعلها تقف في صف « الاعداء » بالنسبة للذين يريدون ان يعبروا عن عواطفهم تلك بشكل عملي اذ بينما تمكن الشباب العربي والإسلامي في مرحلة الاحتلال وغياب الدولة القطرية من التحرك الحر لنصرة القضية الفلسطينية فان الدولة القطرية الحديثة وقفت حجر عثرة أمام هذه المشاعر خاصة وان شرعيتها السياسية وذلك باستثناء بعض الدول ذات المرجعية القومية تقوم على تعميق الروح القطرية على حساب الروح القومية والانتماء الحضارية للأمة الإسلامية بشكل عام. ويعتبر هذا العامل أحد أسباب الاحتقان في الشارع العربي وفي علاقاته بحاكميه كما انه احد اسباب الثورة عليه بنفس المستوى الذي يدعو تلك الشعوب إلى رفض السياسات الأمريكية والثورة عليها.

فشل الدولة في القيام بمهمتها

يعتبر ابن خلدون ان العمران البشري ضروري للإنسان الذي لا يقدر على المعاش وعلى الحفاظ على النوع إلا في إطار جماعة متعاونة ومتضامنة، الا انه يضيف في مقدمته ان هذا الاجتماع البشري يحتاج الى وازع يمنع اعتداء افراد ذلك الاجتماع على بعضهم البعض مبينا ان الوازع الاخلاقي والديني غير كاف لتحقيق هذه الحاجة ومبينا ان الوازع السلطاني هو الوازع الذي من شانه ضمان التعايش السلمي بين افراد المجموعة البشرية الواحدة كما انه الكفيل بحماية تلك المجموعة ضد الاعتداءات الخارجية. ويلخص ابن خلدون بهذه المقدمة مهمة السلطة الحاكمة في حفظ الأمن وباستعمال مصطلح الماوردي في الحفاظ على البيضة كشرط لإمكان العمران البشري ولذلك فان الدولة اذا لم تقم بحفظ الأمن والدفاع عن البيضة فقدت شرعيتها كسلطة يحتكم اليها الناس وينتظمون ضمن تشريعاتها. ومن البين ان الدولة القطرية العربية منها بالخصوص قد فشلت في القيام بهذه المهمة، بل هي اصبحت تعبر في كثير من الحالات عن مدى تغلغل النفوذ الأجنبي في البلاد العربية بحيث أصبح ينظر إليها كممثلة لذلك الاحتلال لا مقاومة لسلطانه، هذا على مستوى الدولة القطرية في علاقتها بالمنظومة الدولية. اما على مستوى الواقع الذاتي للدولة القطرية فيبدو انها قد فشلت كذلك، وبمستويات متفاوتة، في حفظ الأمن لأفرادها وكياناتها الجماعية بل لقد أصبحت في أحيان كثيرة تعتدي على المجتمع أفرادا وجماعات. فالدولة العربية في أغلب الأحوال لا تمثل وازعا يمنع الاعتداء ويحقق العدل بين أبناء الوطن الواحد بقدر ما تحولت إلى خصم للمجتمع وإلى معتد ضمن سلسلة الذين يعدون على المجتمعات العربية. وقد بين ابن خلدون ان الظلم مؤذن بخراب العمران وهذا يعني ان الدولة عندما تتحول الى ممارسة الظلم عوض اقامة العدل فان الرسالة التي تبثها لمن تنزع به نزوعاته العدوانية الى الاعتداء على غيره هو أن الوازع الذي يمكن ان يمنعه من ارتكاب ظلمه وجرائمه مفقود.

بالنسبة إلى الحالة التونسية، لقد بلغ الوضع حدا من الانحلال والخراب اصبحت الجهة الممثلة للدولة تحتكر فيه كل شيء تقدريبا بما في ذلك الإجرام. فأفراد العائلة الحاكمة في تونس والمرتبطون بهم بشكل أو بآخر هم أكثر الناس فسادا وأول من أشاع أساليب المحسوبية والنهب والرشوة واغتصاب حقوق الناس مباشرة ومداورة، وأصبحوا يعملون في المجتمع وفي ثرواته بأساليب عصابات المافيا وبحماية من مؤسسات الدولة. ولذلك فان الباحث السياسي أو المحلل النفسي أو الاجتماعي لا يحتاج الى الذهاب بعيدا كي يجد تفسيرا لانتشار الجريمة الاجتماعية المنظمة والعشوائية في المجتمع في ظل ثقافة تشيعها السلطة الحاكمة في تونس تعتبر السرقة والإجرام طرقا مناسبة للإثراء السريع وغير المشروع متخلية عن الخطاب والثقافة التي حكمت المرحلة البورقيبية التي رغم كل ما يمكن ان نقول فيها على المستوى السياسي الا انه لا يمكن ان نقارنها بما وصلت إليه تونس في المرحلة الراحلة من تفشي للفساد ومن انتشار للجريمة وخاصة منها الجريمة العنيفة.

إن العنف سواء أكان اجتماعيا أو سياسي إنما بعبر عن فشل الدولة في القيام بمهمتها وفي التعبير عن شرعيتها بما هي وازع يحقق الأمن ويمنع العدوان. وإن المرء إذ يرى في مشاعر وأعمال الدفاع عن الروح القومية تعبيرا ايجابيا في هذه الأمة فان العنف الموجه للذات لا شك تعبير سلبي يعبر عن فشل هذه الأمة إلى حد الآن في تصعيد نخب تحكمها وتحقق لها أمنها الاجتماعي والسياسي. صحيح أن هذا الفشل يعود في جانب منه إلى عوامل دولية تفرض على أنظمة الحكم نهجا سياسيا يراعي مصالح القوى الكبرى اكثر مما يراعي مصالح شعوبها في مستوياتها القطرية والقومية، إلا أن ذلك لا يعفي نخب هذه الأمة من مسؤوليتها في الاتحاد ضد الظلم والأخذ على يد الظالم بالأساليب المناسبة. وهذا الفشل يفتح الباب للعنف كي يكون الإجابة العملية على القهر الذي تعاني منه الأمة.

وإذا ما اعتبرنا، كما تقدم، أن العامل السياسي مؤثر في نشاة العنف الاجتماعي والسياسي فإن الفكرة تحتاج الى ان تمتد للبرهنة على دور بقية اللاعبين السياسيين في الساحة المحلية، أي مكونات المجتمع المدني، والسؤال هو كيف تكون هذه المكونات عاملا من عوامل انتشار العنف في المجتمع؟

الاجابة السريعة على هذا السؤال تتمثل في أن تخلي هذه الجماعات عن القيام بدورها بصفتها جهات ضغط ومعارضة للدولة بنفس الشكل الذي تتخلى فيه الدولة القطرية عن حماية البيضة أو الوطن أو المصالح الوطنية والقطرية فتكون بذلك سببا في بروز العنف، فان المعارضة عندما تفشل في إكراه السلطة الحاكمة على القيام بدورها أو على تغييرها تكون مشاركة في نشأة العنف واستشرائه بما أنها تسمح للسلطة بممارسة اعتدائها على المجتمع. وللمعترض أن يقول إن المعارضة المدنية والسياسية هي في الحقيقة ضحية لقمع الدولة فكيف تكون شريكا لها في هذا الأمر. وهذا صحيح خاصة في وضع تجد فيه السلطة المستبدة دعما كبيرا من القوى الخارجية كما هو واضح في الحالة التونسية، إذ تلقى السلطة في تونس دعما ماديا وسياسيا لا يتجاوزه في المنطقة إلا الدعم الذي يلقاه الكيان الصهيوني. وهذا يجعل من فعل المعارضة، وإن اتحدت جهودها، عاجزة عن موازنة قوة الضغط الذي تمارسه السلطة على المجتمع وعلى كافة مكوناته. ولكن تجدر الاشارة الى انه وفي عدد من الدول العربية تشكو المعارضة من تشرذم بين مكوناتها وخوف من بعضها البعض. فالعلمانيون بمختلف أطيافهم يخشون الإسلاميين، والإسلاميون يخشون تحالفات العلمانيين مع السلطة، وهو ما أنتج انفجارا للعنف في الجزائر وانفكاك كل القيود لسلطة القمع في تونس. وبينما تشهد الساحة المصرية حركية متصاعدة نرجو أن تفضي إلى تحولات حقيقية في اتجاه الديمقراطية، فان الحالة التونسية لا تزال معطلة برغم عدد من المظاهر الايجابية التي بدأت تعرفها التعبيرات المدنية في تونس خلال الفترة الماضية والتي تحتاج إلى مراكمة حتى تؤسس لثقافة العمل السياسي المدني المشترك، وتضيق من مجال الجاذبية التي بدأ يحظى بها الفكر الذي يدعو الى العنف، وتعيد الأمل لفئات الشباب وللمحرومين من الفئات الاجتماعية في إمكانية أن يزول هذا الظلم وفي امكانية تحقيق مصالحهم المعنوية والمادية بالطرق السلمية المشروعة.

خاتمة: العنف والديمقراطية

يمكن أن نلخص مقالنا هذا في أن الظلم من أهم أسباب انتشار العنف المشروع منه وغير المشروع، السياسي والاجتماعي، ما يعني أن غياب الظلم وتحقق العدل هو الوسيلة المثلى للتخلص من العنف والقضاء على أسبابه، وأنه لا يجدي السلطة الظالمة والمستبدة أن تكثر من قوات الأمن ومن القوانين الزاجرة من أجل الردع ما دامت هي نفسها خارقة لتلك القوانين، ذلك أن خرقها للقانون يجعل من الدولة حامية للمجرمين لا مانعة وزاجرة لهم. والعدل لا يتحقق بحسن النوايا أو بالتعويل على « المستبد العادل ». فالحكم والسلطان كما يقول ابن خلدون يميل الى الاستبداد بطبعه وإن توفر المستبد العادل في جيل فانه سيورث حكمه لمستبد مفسد وظالم. وفي ما يخص الحالة التونسية، فإنه إذا أمكن الحديث عن بورقيبة كمستبد توفر في فترة حكمه حد من العدل الاجتماعي أعلى في كل الحالات مما آل إليه الوضع في عهد سلفه، فانه من البين انه قد ورث حكمه لمستبد فاسد. فالاستبداد سوء في كل الحالات أكان الاستبداد باسم العدل أو الظلم. فليس من حل إلا أن يحكم الناس باختيار من يحكمهم ومن يرون فيه معبرا عن مصالحهم فينقادون في أغلبهم لحكمه طوعا، وهذا ما يجد تجسيده في بالديمقراطية. مع ان الديمقراطية لا تتحقق الا إذا توفرت في المجتمع قوى مستعدة للدفاع عنها والوقوف في الاستبداد. وليس في الديمقراطية إذا أخذت كآلية مجردة للتداول على الحكم ما يمنع من إنتاج حكام مستبدين. فهتلر وموسوليني إنتاج أنظمة ديمقراطية، كما أن الديمقراطية لا تمنع البتة الاعتداء على حقوق الناس، خذ مثلا ما يقع في الولايات المتحدة في ظل حكم جماعة المحافظين الجدد. إن الديمقراطية كي تكون محصنة تحتاج إلى توازنات داخلية توزع السلطة بحيث تمنع مكونات المجتمع ان تستبد الجهة الماسكة بالحكم وان باسم الديمقراطية.

[1] عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1983، ص

38

[2] Hartogs & Artzt (1970): Violence, causes and solutions, New York 1970

Human Paleopsychology: Applications to Aggression and Pathological Processes

(

المصدر: مجلة « أقلام أون لاين »، العدد 16 ، السنة الرابعة، نوفمبر – ديسمبر 2005)


قانون التدافع ومستقبل الإسلام السياسي

علي كردي

إن المتتبع للمسار التاريخي للديمقراطية الغربية يتبين ان الكيفية التي نشأت بها الديمقراطية في الغرب لا يمكن ربطها بفكر أو فلسفات سابقة فحسب وإنما هي نظام تشكل عبر عملية تاريخية شهدت صراعات ومساومات بين مصالح الطبقات المختلفة في سياق تنازعها على الحكم والسلطة وحدث هذا بشكل أو آخر في اغلب الدول الأوروبية القديمة كما يتجلي ذلك في سياق التطورات السياسية في التاريخ البريطاني والفرنسي والأميركي.

ان الطريق إلى الديمقراطية لم يكن نتاج تنظير أو مجرد كتابة عقد اجتماعي بل ان الديمقراطية ظلت تخضع ولم تزل لقانون التدافع الذي عبر عن نفسه من خلال عدَة حروب أهلية انتهت بحربين كونيتين دمرت أوروبا في أقل من نصف قرن. كل هذه الصراعات والحروب وما أّّدت إليه من دمار وخراب شلّ قدرات أوروبا وعاد بها عقودا إلى الوراء الأمر الذي اضطرّ حكماء الغرب في نهاية المطاف إلى أن يتواضعوا على جملة من المبادئ و القيم من أجل ضمان سير الحياة السياسية والاجتماعية بطريقة سلمية.

وقد ساعد في تحقيق ذلك ما تحقق للغرب من هيمنة عالمية سمحت له بتثبيت قيم الديمقراطية دون التأثر بعوامل خارجية معيقة. وفي المقابل وكنتاج لتطور النظام الاستعماري انقطعت مسارات التطور لشعوب المستعمرات إلا ما سمح به الاستعمار من خلال منظوره في طريقة بناء الدولة التابعة بكل ما يشمل ذلك من أنماط التعليم والأنشطة الاقتصادية والسياسية.

وقد أدى كل ذلك إلى ظهور حركات التحرر التي أخذت في البداية طابعا سياسيا سلميا ولكن سرعان ما تحولت إلى مقاومة مسلحة تصدت لها القوى الاستعمارية بكل ما أوتيت من قوة واصفة إياها بالإرهاب والرجعية وبكونها تقف حائلا دون لحاق شعوبها بركب التطور والمدنية. وقد جندت في حربها تلك كل الإمكانات المتاحة محليا ودوليا متجاوزة كل القيم الأخلاقية والحقوقية فمارست الإنقلابات السياسية والدسائس كما قامت بانتهاكات واسعة لحقوق الأفراد والجماعات من مصادرة الأملاك ونفي الأفراد عن أوطانهم إلى الإغتيالات، مستعينة في ذلك بنظم عسكرية جائرة.

إلا أن ذلك كله لم يفلح في إخماد روح المقاومة لدى الشعوب المستعمرة فأدت حالة التدافع إلى ارتفاع الخسائر البشرية والإقتصادية في صفوف القوى المستعمرة التي اضطرت للإعتراف بحركات التحرر والجلوس للتفاوض معها على شروط الإنسحاب وذلك بحسب ما أملته حالة التدافع من موازين للقوى بحسب كل قطر.

وقد حاول المستعمر أن يفرغ عملية التحرر من مضمونها من خلال تسليم السلطة إلى حكومات تابعة وقابلة للوصاية الخارجية. تكرر هذا المشهد في أقطار عدّة وبأشكال متفاوتة. ففي الجزائر عملت قوات الاحتلال على ترقية الضباط الجزائريين من منتسبي الجيش الفرنسي وإلحاقهم بالجيش الجزائري ليستلموا بعد ذلك القيادة الفعلية للدولة في الجزائر ما بعد الاستقلال.

وفي تونس عملت القوات الفرنسية على ترجيح كفّة الزعيم بورقيبة المتإثر بالنموذج الغربي على حساب صالح بن يوسف ذي الميولات القومية في حين خرجت إسبانيا من المغرب بعد أن تركت خلفها مشكل الصحراء الغربية بما خلفته من مآسي داخل المجتمع الواحد وبما تركته من توترات دائمة بين بلدين شقيقين. أما في الشرق الأوسط فقد قامت بريطانيا بزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي ليكون بمثابة الوكيل للمصالح الغربية والذي أدخل المنطقة كلها في حالة حرب استنزاف مستمرة منذ أكثر من نصف قرن.

وهكذا إذا تأملنا المسلكية الغربية خارج حدودها ندرك بوضوح أن الديمقراطية عندهم ليست نتاج قناعات فكرية بقدر ما هي مواضعات إستوجبتها تناقضات الواقع المحكوم بمنطق التدافع الذي اضطر الغرب ألأوروبي للإستعانة بنظرية التعاقد الإجتماعي لجون جاك روسو بعد أن عصفت به نظرية « هوبز » التي تقوم على اعتبار الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان. إلا أن هذا التحول لم يمتد خارج الحدود الغربية بإعتباره تحولا أملته الضرورة والمصلحة، ولا غرابة في ذلك فإن لهذه الإزدواجية جذورها الممتدة في التاريخ اليوناني القديم فقد جسدتها دولة الفلاسفة التي كان ينعم فيها مجتمع الحكماء بالديمقراطية دون مجتمع العبيد. فكل سلطة إلا وتنزع إلى الإستبداد ما لم تجد رادعا يردعها. وهكذا رأينا الولايات المتحدة تنزع إلى الهينة بمجرد إنهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يمثل القوة الرادعة.

أما المتغير الجديد في المعادلة فهو ظهور رادع جديد يتمثل في تبني خيار العنف من قبل جماعات إسلامية رادكالية وعلى رأسها تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن. الذي نقل المعركة إلى أرض « العدو » بعد أن حمل الولايات المتحدة وحلفاءها مسؤولية مساندة أنظمة دكتاتورية فاسدة واحتلال جزء من البلاد الإسلامية بالإضافة إلى الإنحياز المطلق للكيان الصهيوني. فمنذ هجمات نيويورك وواشنطن بث أسامة بن لادن وأيمن الظواهري أكثر من ثلاثين رسالة صوتية وشريطا مصورا تطالب بشكل واضح بوضع حد لوجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ووقف دعمها المطلق للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وللأنظمة الفاسدة والقمعية في العالم العربي والإسلامي.

وقد ردت أمريكا وحلفاؤها على هذه الظاهرة بإعلان الحرب الشاملة وبطريقة أشبه ما تكون بتلك الطريقة التي تصدت بها قوى الإستعمار لحركات التحرر في بداية القرن الماضي، مع اعتبار فارق الإمكانات المادية والتقنية.

إلا أن الطرف الثاني (الحركات الجهادية) وبعيدا عن التقييمات الأخلاقية يمكننا القول بأنها استطاعت حتى الآن أن تدير المعركة بكفاءة شهد بها خصومها حيث نجحت هذه الجماعات في إحداث حالة من توازن الرعب عبر عنها « آلن زركين » من مركز الاستعداد للكوارث في جامعة نيويورك بقوله إنه « إذا كان من الأكيد أن لا يتمكن الإرهابيون من كسب الحرب فإننا أيضا لا يمكننا ذلك ». وقد بدأت أصوات عدد من الخبراء والباحثين بينهم العديد من الأميركيين تنادي بضرورة إعادة النظر في التعاطي مع مشكلة ما يعرف بالإرهاب من خلال معرفة طبيعة الظاهرة والأخذ بالاعتبار التعامل مع المطالب السياسية للقاعدة. معتبرين أن أسامة بن لادن وأنصاره يعبرون من خلال الهجمات عن مطالب معينة وقد حان الوقت للنظر فيها لمعرفة طبيعتها وأسبابها. وقد استشهد آلن زركين بسابقتي بريطانيا مع الجيش الجمهوري الإيرلندي وفرنسا مع جبهة التحرير الوطني الجزائرية مستنتجا أنه « قد لا يعود أمامنا من خيار عاجلا أم آجلا سوى التوصل إلى هدنة مع القاعدة، ولو أننا نمقت ذلك ». وأضاف أن انتظار سقوط المزيد من الأميركيين والأوروبيين وغيرهم من شأنه أن يظهر جليا أن الخطة العسكرية البوليسية فشلت.

إن استمرار حالة التدافع في هذا الإتجاه سيضطر الولايات المتحدة وحلفاءها إلى إعادة النظر في سياساتها الخارجية والتي تقوم على التحالف مع الأنظمة القائمة رغم معاداتها للديمقراطية وفقدانها للشرعية. فهذا التحالف لم يعد قادرا على ضمان المصالح الحيوية للأطراف الغربية في المنطقة. فكما أن حالة التدافع داخل المجتمع الغربي هي التي دفعت حكماء الغرب في القرن الماضي إلى التواضع حول قواعد الحياة الديمقراطية وأسس المجتمع المدني فإن التدافع بين الغرب والشعوب الإسلامية ستؤدي بالضرورة إلى فك الإرتباط بين المؤسسات الغربية وأنظمة الإستبداد في العالم الغربي والإسلامي وستدفع بحكماء الغرب مرة أخرى إلى الصدارة بعد أن بدأت أصواتهم تتعالى من أجل رسم ملامح المرحلة القادمة.

أما المستفيد الأساسي من هذه المعادلة الجديدة فهو ما اصطلح على تسميته بـ »الإسلام السياسي » والذي يمارس نشاطه ضمن تنظيمات حركية وحزبية ويمثله بشكل رئيسي حركة الإخوان المسلمين في مصر وفي غيرها من البلدان على اختلاف التسميات. وهذا الاتجاه يعمل من داخل منظومة الدولة الوطنية ويتحرك ضمن إطارها الدستوري. وهو اتجاه يرفض العنف عدا في أوضاع استثنائية مثل الاحتلال الأجنبي، ويقبل بالقيم الديمقراطية وبالإصلاح بدل الثورة. ذلك أن أي إنفتاح سياسي في البلاد العربية والإسلامية سيمكن هذا التيار من الصعود السياسي وذلك لإمتلاكه القاعدة الجماهيرية الواسعة وكذلك بحكم توفره على بنية تنظيمية قوية. وقد مثلت نتائج الإنتخابات البرلمانية في مصر خير دليل على ذلك على الرغم من كل التجاوزات و محاولات التزوير و »البلطجة » التي مارسها الحزب الحاكم في مصر. ولكن هذا لا يعني أن هذا التيار سيجد طريقه ممهدا بل على العكس من ذلك فإن القوى الغربية ستحاول قدر المستطاع أن تفرغ أي عملية تحوّل من مضمونها الإيجابي أو على الأقل إعاقتها أو تشويهها. وفي هذا الإطار يمكن أن تتنزل حالة الاستنفار التي أعلنتها الطائفة القبطية على إثر التقدم الذي حققته جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية المصرية الأخيرة على الرغم من استمرار هيمنة الحزب الوطني الحاكم. إن مستقبل المنطقة يتوقف على مدى قدرة الأطراف السياسية وعلى رأسها التيار الإسلامي على حسن استثمار نتائج حالة التدافع ومدى قدرتها على تجاوز الأخطاء التي ارتكبتها حركات التحرر في القرن الماضي.

(

المصدر: مجلة « أقلام أون لاين »، العدد 16 ، السنة الرابعة، نوفمبر – ديسمبر 2005)


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  » إذا لم تستح فاصنع ما شئت »

البلطجة أبشع مراحل الدكتاتورية

الأستاذ عزالدين شمّام
تطرح التجربة المصرية في أعقاب الانتخابات النيابية الأخيرة أسئلة محيرة تتجاوز المعطى المنجز المتمثل في إفراز برلمان جديد يحظى فيه الحزب الوطني الحاكم بأغلبية مريحة 73% وصعود الإخوان كقوة معارضة رئيسية بحصولها على خمس المقاعد.
ولعل أهم ظاهرتين طغتا على الأحداث هما:
استفحال ظاهرة شراء الأصوات، أو ما يطلق عليه الارتشاء الانتخابي من جهة.
البلطجة كظاهرة متأصلة في العادة السياسية المصرية، ولكنها أخذت في هذه الانتخابات منحى رمزيا ومؤثرا في حسم نتائج الكثير من الدوائر.
وكلا الظاهرتين مرتبط بالآخر كتجليات لتورّم عصبوي/ مافيوي ينخر المجتمع المصري ويشده إلى الوراء. والأخطر في ذلك علاقته بالسلطة القائمة، وتفرعه إلى أغلب شاريين الدولة بشكل يجعله يتكرّر في الزمان والمكان كلما تعلق الأمر بمصالح فئة وحاجات قلة.
والبلطجة مخزون قمعي ، وقعت استعارته اجتماعيا من مجال سوسيولوجي لإضافته إلى الفضاء السياسي، إنها الجرعة المضافة إلى إرهاب الدولة ، والكوكتال المازج بين العنف الاجتماعي المترسخ في لغة التعامل اليومي، والعنف المنظم الذي تنتجه آلة السلطة المركزية في مصر. وهو ذو مفعول سحري لأنه يطمس الفاعلين الحقيقيين، لينسب كل جبروته وتغوّله إلى المجهول. إنه زواج عرفي بين العنف الاجتماعي بدلالاته المتفسخة الخارجة عن كل قيمة وكل عرف، والعنف السياسي المنظم التي تمارسه أجهزة الإكراه والقسر المادي.
يحسن أن نعلم أن البلطجة كسلوك ليست إنجازا فوريا وليد ردود أفعال متنازعة في الفضاء الاجتماعي والسياسي، وإنما هو بنية عنف مترسّخة في تركيبة الحزب الوطني والأحزاب الأحادية الشبيهة في المنطقة. إنه فائض العنف الذي وقع ضخّه في مؤسسة السلطة حتى أصبح لازمة من لوازمها، وتأكيدا بارزا على التداخل بين الفضاءات وبين الحزب والدولة والسلطة، وهو جوهر التركيبة الشمولية، بمجرد أن يظهر أحدها في الصورة حتى يظهر البلطجي !!
وأمام فشل قوة الإكراه الإعلامي والسياسي والفكري للسلطة على مقارعة خصومه السياسيين، وسقوطها في الرتابة والابتذال، تصبح البلطجة اليد الطولى لإرباك الخصم ومحاصرته. وبحكم أن الفاعل المباشر غير معروف، تصبح « البلطجة » سلوك فئة، وردّ فعل فئة أخرى، يستوي في ذلك الجلاّد والضّحيّة !! ولا حول ولا قوة إلا بالله !

بسم الله الرحمن الرحيم
 
مافاتني قوله في ندوة بون
حتى لاتجهض أحلامنا وأحلام شعب 
 
مرسل الكسيبي
26-12-2005
 
حديثي عن بون وعن زيارة الأخ العزيز سمير ديلو الى ألمانيا لم يتوقف ,بل انني أنهيت مقالي الأخير عن الموضوع بغصة وأوجاع لازمتني منذ يومين وكان أن كتمت بعضها في الصدر حتى لاتتدفق في وقت غير وقتها وزمان غير زمانها
ولكن سرعان ماعدت وفي نفس الليلة الى حيث مقر سكناي حاملا معي ارهاق السفر ومتاعب السهر والام الحديث الذي لم يتواصل بحكم رغبة سمير في زيارة الجالية التونسية ومناضليها في مدينة ميونيخ الألمانية مباشرة في اليوم الموالي
أفكار تزاحمت في مخيلتي وشجون عانقت ذكرى صفاء ارض الوطن عندما كان النضال في ميدانه الطبيعي والأصلي حيث تونس الخضراء
هممت ليلتها أن أتدخل في ألوان أعلى من الوضوح والشفافية ولكن خشيت من أشياء كثيرة وأعملت حسابات غزيرة لم أعهد لها سبيلا في حواراتي
فمنذ أواخر شهر ماي من السنة الجارية وهو تاريخ اخر فضاء يتناول الشأن العام بشكل صريح وداخلي أصبحت حقا على خوف من بعض اخوة الأمس عندما يعملون في الأفكار سيف نهاية الوقت المخصص فتتشرد الفكرة وتنحبس الأنفاس في غصة لن يشفيها الا حديث صريح يجري بين جنبات اروقة الوطن ومع رفاق الأمس الذين عرفوا صدقنا واخلاصنا منذ نعومة أظفارنا
هذا المهجر كان قاسيا في حقي وحق الكثيرين,فلقد تشردنا في الأمصار وتباعدت بيننا وبين اخوان لنا المسافات
فهذا في قارة نائية لم يصلها الا الجغرافيون والمستكشفون وأصحاب القدرات البحثية الخارقة في أواخر مراحل القرون الوسطى وبدايات عصر التنوير الفكري والعلمي ,وهاهو اليوم ينضم الى قوافل جديدة من الاستكشاف الحضاري والعلمي والسياسي أمام تعثر مسارات التغيير والاصلاح في عالمنا العربي,وهو بذلك يكون  مكتشفا ومجددا للون اخر من ألوان التعارف الحضاري والأممي, وذاك في بلد ليس بينك وبينه الا جواز سفر و اقتدار مالي وفراغ تقتطعه من وقتك وشغلك وواجباتك تجاه أهلك وولدك ,وهناك قيل بالقرب منك أي على بعد مايناهز المائتي كيلومتر يتواجد اخوان لك مشردون ومهجرون مازالوا على ولاء للشأن العام والوطني
لم تعد تجمعنا مساحات الجامعة التي كنا نلتقي فيها بالأمس القريب ولا ساحات حينا التي كنا نجد فيها دفء الفقراء والمساكين والطيبين ,لم يعد الحوار كما كان بالأمس شفافا ومتواصلا ومتجددا بحيث لايمر اليوم أو اليومين أو الثلاثة على أقصى تقدير حتى يلتقي شباب الجامعة أو شباب نفس الحي أو المدينة من اجل تدارس شؤونهم الحياتية الخاصة والعامة
اليوم وفي هذا المهجر الذي استقبل أغلب أبطال حركة 18 أكتوبر باستثناء القاضي اليحياوي والأستاذ محمد النوري بحكم حرمانهما من حقهما في جواز السفر عدنا أحيانا بمثابة الأيتام في مدننا وقرانا وتمر الأشهر بلا أخ عزيز صادق مناضل تعانقه وتحتضنه وتخاطبه في شفافية وصدق بما يكاد ينفجر بين مقلتيك دموعا وبكاء وبين دفتي صدرك شهيقا وزفيرا وغصة لن يشفي عليلها الا السجود على تراب الوطن وتقبيل حباته ومعانقة البسطاء فيه
اليوم أخي سمير من حقك أن تتحدث عن ترف فكري تراه من موقعك وأنت تعيش في ميدان النضال ,اليوم أخي سمير من حقك أن ترى بعض حواراتنا أحيانا تجانب الصواب وأنت تعيش فوق ركحك الحقيقي للمسرح السياسي الفاعل ,ولكن أخي سمير هذا المنفى لو كان رجلا لقاتلته !,  ولكن حكمت علينا الأقدار احيانا بأن نشعر بانه لا محاور لنا يسمعنا ولاقلب مفتوح يصغي لنا ,فأخباركم ونضالاتكم هي التي تشكل رصيد رئتينا في المهجر كي نبقى أحياء خارج حدود الوطن .صراع نفسي يمزقنا الى أي جهة ننتمي الهذا المغترب حيث العيون الخضر والشقرة تكون في أحيان كثيرة هي علامات المواطنة والانتماء ,وحيث سواد شعورنا وسمرة بشرتنا ولون حدقاتنا تكون في أوقات العسرة ضربا من ضروب التمييز والابتلاء
مازلنا نعيش اليوم معكم شعور الانتماء الى واحات تونس وسمائها وترابها وبحرها وعرضها ونسائها ورجالها واطفالها وشيوخها وميراثها وحضارتها ولذلك نتهم بعدم الاندماج في هذه البيئة التي كرهنا التصنم فيها فقررنا الخروج عن صمتنا واعمال الفكر في سبب ماحل بنا
تخنقني أخي سمير حرقة على مساجين هذا الوطن الذين قاوموا تصحر السياسة والقيم ,وتمزقني حرقة على تأدم الناس بغير الخبز والزيتون في وطن مطمورة روما وهناشير الشعال وحقول باجة وسهول مجردة !, ولذلك أعود لأفسر ركود هذا الشعب في أوقات كثيرة الى القمع المسلط على رقاب الناس كما الترف والمدنية التي تقتل وتعطل على حد رؤية بن خلدون في مقدمته قدرة الشعوب على النهوض من أجل القضايا العادلة
نعم أخي سمير لقد استنهضتم في تحرككم الشهير والمبارك في شهر أكتوبر المجيد همما كانت لاترى الا لقمة العيش ولاتلهف الا وراء استحداث موديل السيارة أو توسيع مساحة البيت أو قضاء عطلة الصيف في بلد غير بلد اقامتها الاضطرارية أو تضخيم رصيدها في البنك أو المشرعة الخاصة في تجارة لاتبور!,ولكن ان الأوان وأنتم تعانقون الميدان وأنا أغبطكم على ذلك أن تتستنهضوا أنتم واخوانكم الميامين قادة أكتوبر المجيد همم هذا الشعب الذي كنت انتظر منه أكثر من متابعة أخباركم عبر الفضائيات وانتم تعبدون طريق الصمود والمقاومة المدنية التي لاتقهر
لقد نجحتم في كسر جدار الصمت الاعلامي المطبق في حق تونس والتونسيين ,والان ينتظركم أنتم أبطال تونس في ساحات فعلها الحقيقية التحام حقيقي بالناس والجماهير
لا أريد أن أعطيكم دروسا في النضالية والوطنية فانتم اكبر من أن تتلقوا مني دروسا في ذلك ,ينتظركم الان مشوار التواصل مع الجماهير ورفع حاجز الخوف وقيادة روح المبادرة من أجل معالجة جسم وطني اصابه مرض الايديولوجيا والسكونولوجيا والحسابلوجيا والفوبيلوجيا والخطرلوجيا والحزبلوجيا وكل العاهات التي تصاب بها مجتمعاتنا العربية عندما تتعالى أصوات المطالبة بالاصلاح 
هناك أحلام لي وللكثيرين لانريد لها الموت في المنفى أو أن تعيش حبيسة المحبسين النفس ومطاردة العاضين على كراسي الحكم بالنواجذ والدائسين على كرامتنا يوم أن قرروا ماقرر الأكاسرة والأباطرة بألا يكون في امبراطورياتهم صوت غير صوتهم وكلمة غير كلمتهم !,هناك أحلام بالحرية التي لاتضرجها دماء وانما حرية تشقون طريقها بنهج المقاومة السلمية التي رسم طريقها سجناء الرأي في تونس وهم يخوضون اضرابات أسطورية عن الطعام ,لتكملوا أنتم مسيرتها في أروع ائتلاف عرفته تونس المعاصرة بين رجال السياسة والكياسة من قادة أكتوبر
اسمحوا لي أخي سمير وتلك رسالتي التي حبستها في قفصي الصدري مخافة سطوة  الدقائق المعدودة التي توضع على ذمة المتدخلين ,اسمحوا لي أن أقول بأنني خائف على مسيرة أكتوبر المجيدة من تامر المتامرين وعبث العابثين وحقد الحاقدين وتربص المتربصين ,اسمحوا لي بأن أقول لكم بأن لي رسالة لابد أن تحملها لاخوانك في هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات ,حافظوا على وحدتكم بحق الأمانة التي وضعها في أعناقكم شهداء تونس الأبرار
حافظوا على وحدتكم بحق الأمانة التي وضعتها في عنقكم أمهات وزوجات وأخوات المساجين السياسيين
حافظوا على وحدتكم بحق شعب بأكمله يرى فيكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
حافظوا على وحدتكم بحق أطفال حرموا من معانقة ابائهم بلا قضبان منذ العقد ونصف
حافظوا على وحدتكم بحق نساء أجبرن على تطليق أزواجهن منذ أن عرف أزواجهم طريقهم الى سجون الحرية
حافظوا على وحدتكم بحق عشرات الالاف من العمال الذين طردوا من مصانعهم و اضطروا الى الفاقة والفقر
حافظوا على وحدتكم بحق الاف الطلاب الذين منعوا من تتويج أحلامهم العلمية بفعل واقع السجون والمنافي في زمن الرداءة العربية
حافظوا على وحدتكم بحق أطفالنا الذين تعجمت لغتهم ولم يعودوا يعرفون طريقهم الى اللغة العربية أو حتى اللهجة التونسية
حافظوا على وحدتكم ووحدة مصيرنا ومصيركم بحق العهد الذي فجر دموعا وزغاريد من حولكم يوم أن أعلنتم ايقاف اضرابكم عن الطعام فتنادت اليكم أفواه مئات الحناجر الى نهج المختار عطية بينما ظل مئات الالاف من التونسيين يحبسون أنفاسهم على معزوفة الحرية التي باتت تقترب مسافات كبيرة من مقلهم التي بكت حبيبا مفقودا تحت التعذيب أو اخر طريدا في المنفى أو اخر  يرتقبون رؤياه بعد أكثر من عقد فقد فيه سواد شعره وغارت فيه عيناه وضحل فيه وجهه
بحق هذه الأمانة وثقلها التي عرضت على السماوات والأرض والجبال وأشفقن منها وأبين أن يحملنها اننا ننتظر منكم ياأبطال أكتوبر أكثر بكثير من هيئة تنسيقية للحقوق والحريات
فهل تكونون قيادة خلاص وطني تعيد لتونس الحسناء ابتسامتها وللتونسيين امالا نأمل جميعا بعد موفى هذه السنة الجارية ألا تكون مجرد حلم بل مشروعا سياسيا وطنيا حقيقيا يعبد الطريق واسعا نحو دولة القانون والمؤسسات والحريات ؟
 
مرسل الكسيبي
26-12-2005  

 

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

تونس في 24-12-2005

تعليق على إحياء الذكرى الواحدة و السبعين لوفاة الطاهر الحداد (71) في اليوم الدراسي بالعاصمة

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري من الرعيل الثاني

إن المتتبع لفحوى الندوة الوطنية التي نظمها التجمع الدستوري الديمقراطي يوم الجمعة 23/12/2005 بالعاصمة إحياء للذكرى الواحدة والسبعين لوفاة المفكر المرحوم الطاهر الحداد يدرك من خلال المساحة الإعلامية بالتلفزة والإذاعة الوطنية و الصحف المكتوبة إن الاهتمام كبير للغاية حتى أن التلفزة مشكورة قالت في عنوان طويل و مثير للغاية » تحرير المرأة من الحداد إلى بن علي و الفكر الإصلاحي لتحرير المرأة كان من الحداد » دون ذكر بورقيبة…

و في اليوم الدراسي حول حقوق المرأة من الحداد إلى بن علي اقتران الفكر المستنير بإرادة الفعل و الإصلاح.

و في تدخلات السيدتين حورية عبد الخالق و ألفة يوسف والسادة الدكتور محمد العزيز بن عاشور وزير الثقافة والمحافظة على التراث و الأستاذ أحمد خالد و الدكتور الهادي مهني في حوارهم في اليوم الدراسي أكدوا أن الطاهر الحداد يمثل تاريخيا امتداد لحركة الإصلاح في تونس التي انطلقت مع خير الدين التونسي و محمود قابادو و أحمد ابن أبي الضياف و محمد بيرم التونسي و محمد السنوسي و غيرهم هذا ما قاله الدكتور محمد العزيز بن عاشور.

أما الأستاذ أحمد خالد فقد نوه بكتاب الحداد  » امرأتنا في الشريعة و المجتمع  » و أنه صاحب المشروع الإصلاحي المفتوح دون أن يذكر أحمد خالد كلمة حول المحرر الحقيقي للمرأة و هو طبعا بورقيبة…

أما الدكتور الهادي مهني الأمين العام للتجمع الذي افتتح اليوم الدراسي فإنه وضع اليوم الدراسي في إطاره و بعد أن ذكر بمراحل و اجتهادات الحداد قال كلمة حق حول التجسيم الفعلي الجريء من الزعيم الحبيب بورقيبة الذي أصدر مجلة الأحوال الشخصية يوم 13 أوت 1956 الحمد لله كان رجلا في الاجتماع رفع راية الحقيقة.

وتعليقي على هذه المداخلات و المساهمات أضعه في نصابه و سياقه : جميل أن نعطي لكل انسان حقه وجميل أن نعدد خصال المفكرين والمصلحين و الرواد ولكن الأجمل من ذلك هو ذكر الحقائق التاريخية بموضوعية و بأخلاق وأمانة و صدق و نزاهة حتى لا نهضم حق أي إنسان في المناسبات الوطنية و الذكريات التي لها علاقة بفكر المصلح الراحل في ذكرى وفاته أو ذكرى الحدث التاريخي. وقد عشنا يوم 13 أوت 2005 و قبلها 2004 و لم نسمع في التلفزة أو الإذاعة أو الصحف المكتوبة كلمة على الانجازات و المكاسب الاجتماعية الرائدة التي حققها الزعيم الحبيب بورقيبة لفائدة المرأة التونسية و الأسرة و لم نقرأ مقال حول مغامرة الزعيم و مبادرته بإصدار مجلة الأحوال الشخصية يوم 13 أوت 1956.

و هو أول رئيس دولة في العالم العربي و الإسلامي الذي غامر و بادر يوم 13 أوت 1956 بإعطاء حرية المرأة في إطار المنظومة الإسلامية و حسب الاجتهاد للنصوص القرآنية منها الآية الكريمة الواردة في سورة النساء  » و إن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة » و « لن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم » صدق الله العظيم.

و قد أشار السيد الطيب رجب أوردخان الوزير الأول التركي يوم 27/3/2005 في الندوة الصحفية التي عقدها في تونس و لم تنشرها الصحف هذه الجملة قال: ‘زرتكم بعد 40 عاما يوما بيوم على زيارة المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة إلى تركيا يوم 27/3/1965 و خطب في مجلس النواب التركي و قال  » بقدر إعجابي بمؤسس النهضة في تركيا مصطفى كمال أتاتورك فإني انتقده لأنه أعتمد الإصلاح الغربي وخارج المنظومة الإسلامية ودينينا الحنيف » وإبرز السيد أوردغان ‘أنه أول رئيس دولة يصدع بهذا النقد في بلادنا’. فشكرا للتاريخ ومن حافظ عليه ورواه بصدق ونزاهة.

وفي هذا الإطار نقول أن ما ذهب إليه الطاهر الحداد من عام 1931 إلى 1934 في ذلك الظرف الحاسم الدقيق الغامض في زمن البطش الاستعماري الفرنسي والطغيان والتعذيب و إبعاد وسجن الزعماء ومعركة التجنيس وواقعة المنستير والمؤتمر الأفخارستي للفرنسيين لمسخ الشخصية التونسية والهوية العربية الإسلامية وطمس معالم الحضارة العربية في تونس؟ هذا الظرف ليس مناسبا لنداء الحداد بل يخدم مصالح فرنسا في ذلك الوقت، وقد عارضه الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله ودافع على المقومات والخصوصيات والذاتية التونسية في عهد الاستعمار وذلك محافظة على الهوية العربية الإسلامية و ونجح الزعيم بورقيبة وواصل الكفاح الوطني طيلة 23 سنة من 1933 إلى 1956 حتى جاء النصر المبين وتم الحصول على الاستقلال التام وأصبحت السيادة في أيدينا.

وقتها قرّر الزعيم يوم 13 لأوت 1956 إصدار مجلة الأحوال الشخصية وتحرير نصف المجتمع المرأة لذا كان علينا لو كنا نزهاء صادقين مع أنفسنا ومع التاريخ أن نذكر هذه الحقائق دون خوف ولا خجل ولا ريبة ومهما كان من أمر فان العالم كله شرقه وغربه يعلم على اليقين من حرّر المرأة ومن نشلها من القهر والظلم والجبروت وأعاد لها مجدها و حقها في التعليم والمشاركة والشورى حسبما أعطاه الدين الإسلامي للمرأة الإسلامية. والحمد لله جاء بورقيبة لإعادة الاعتبار لنصف المجتمع ونجح في ذلك فلماذا اليوم تقول الذي حرّر المرأة الطاهر الحداد الذي مات عام 1935 رحمه الله .لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

وختاما نذّكر أنفسنا وخاصة الذين تجاهلوا دور الزعيم الفاعل والمصلح الحقيقي والمغامر الوحيد والفاعل على الساحة الوطنية تاريخا لتحرير نصف المجتمع. قلت نذّكر الجميع أن الأحرار بفرنسا يعتزمون تنظيم ندرة عالمية يوم 13 أوت 2006 لإبراز مكاسب المرأة واصدار مجلة الأحوال الشخصية فهل أتعضنا بموقف الغير وهل فهمنا أن عجلة التاريخ سائرة إلى الأمام وان التاريخ لا يرحم.

نرجو مستقبلا مزيدا من النزاهة و ذكر مناقب الزعيم و اعتباره من رواد النهضة اسمه أعظم و أكبر من خير الدين و محمد بيرم و السنوسي و غيرهم و التاريخ يشهد بذلك. لماذا هذا التقليل و التهميش و الإقصاء المقصودين فعلا. فأين النزاهة يا ترى. . والله ولي التوفيق.

ملاحظة : شكرا لجريدة الصباح التي نشرت ما قاله الأستاذ الهادي مهني في سطر و نصف لذكر اسم الحبيب بورقيبة و إشارته الصريحة لإنجازه مجلة الأحوال الشخصية في 13 أوت 1956 . و شكرا لموقع الأنترنات TUNISNEWS على جهوده الهادفة لإنارة الرأي العام في العالم في زمان تعتيم الإعلام.

والســــــلام

محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري – تونس


أبو عمر: إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك…

تابعت كما تابع الكثير من زوار تونس نيوز وحوار نت مجموعة من المقالات حول إضراب الطعام، وقد خرجت بنتيجة أولى مفادها أن المتحاورين أوصلونا إلى أن المسألة مختلف فيها و هي تقبل عدة أوجه و قد استدل كل فريق بوابل من الأدلة تختلف في سندها و تتحد وتتكامل في نتيجتها، وإلى هنا فالأمر عادي و لكن ما حز في نفسي و آلمني هو التجاوز والاعتداء في طلب الحقيقة حتى وصل بنا الحد إلى أن نخرج على الموضوع لتصفية حسابات سابقة و يتهم بعضنا بعضا بعدم العلم و الدراية والفهم و وصولا إلى الطعن في الغاية من الكتابة.

بل الأدهى من ذلك أن نخصص مقالات للرد و الرد المقابل ادعاءا نصرة للحق و حقيقة انتصارا للنفس، أو نقدا للحركة و التي لها محبيها و مبغضيها، أصدقاءها و أعداءها، و ما هي فيه يكفيها ؟؟

فبربنا ما دخل الشيخ راشد الغنوشي في إضراب الجوع حتى يحمل المسؤولية؟ أو قيادة المهجر؟ أو حتى الحركة أصلا غير أن الإسقاطات و الحسابات الضيقة التي تذكرنا بذلك الصبي الذي لا يعرف من التعبير غير الطبل و المزمار، فأراد المعلم أن يخرج به من هذه العقلية (عذرا لعقلية 7 نوفمبر طبعا ) فطلب منه أن يصف له رحلة فضائية فما كان من الطفل الا أن يقول أقامت المدرسة رحلة فضائية و في اليوم الموعود انطلق الصاروخ بنا الى الفضاء و فجأة سقط بنا في بيت فيه عرس و أخذ يصف العرس.

فبعض الاخوة الذين جمدوا أنفسهم من الحركة أو جُمدوا لا يلوون جهدا في حشر الحركة أو قيادتها في كل مشكلة و كأنها سبب في تسونامي أو غوانتانامو أو احتلال العراق، فليتقوا الله، فان هذه الحركة ككل عمل بشري يصيبه الخطأ والصواب و لم تدعي يوما ملكها للحقيقة، بل كانت من الحركات الأولى التي قيمت نفسها و وقفت على الأخطاء، ويشهد لها العدو قبل الصديق عن مؤسساتها الشورية، و ليس كما يصوره البعض أن أعضاءها مجموعة دراويش يقودهم شيخ فاشل ( حاشاه ) يوجههم كما يريد.

وأخيرا أقول للأخوة الذين لديهم وقت وجهد في الكتابة: لماذا لا توجهوا هذه الطاقات للدفاع عن الإسلام في الشرق والغرب الذي أينما التفت وجدته يسام سوء العذاب حتى يخيل إليك أن الإسلام لن تقوم له قائم أم أن ساحات النضال لم يبقى فيها سوى الغنوشي وجماعته؟

و نذكرهم بأن ما كل عرف يقال وما كل ما يقال حان وقت قوله وما كل ما حان وقت قوله وجد مكان قوله، كما أذكرهم بأنه لدينا في فقهنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم هم بإخبار المسلمين بليلة القدر ثم أخفاها أو رفعت بسب مجادلة وقعت بين الصحابة، و خاصة ونحن في شهر حرام.

أخوكم أبو عمر – ايطاليا


الفكر التكفيري غير مقبول

أبو أحمدTUNIS2005

أعاتب تونس نيوز ونواة على نشر ما كتبه < أبو ذر> تحت عنوان < الجهل يهدم بيت العزّ و الشرف> مدافعا فيه على الدستور الإيراني ومتهجما على السيّد محمد بن سالم, و ما جاء في إجاباته حول مسألة مجلة الأحوال الشخصية التونسية, الطاهر الحداد و النظام السياسي في إيران.

من حقّه أن يعبر عن أفكاره و يكتبها, و لو كنت متأكدا أنه لو كان الأمر بيده لما ترك من يخالفه يكتب أو يعبر عن رأيه. و كذلك من حقي أن أجيب و أردّ على ما جاء به من مغالطات و فكر رجعي متخلف.

مغالطات عندما قدّم لنا الدستور الإيراني على أنه دستور متقدّم و ينادي بالمساواة و ذلك بما جاء في الفصل 107 من مساواة بين القائد المطلقة بباقي المواطنين أمام القانون. و بما جاء في الفصل 111 بأن مجلس الدستور يمكنه عزل القائد إذا أخل بمهامه.

و لكن نسي أو تناسى أن يقول أن الدستور الإيراني لا يسمح للمرأة بالترشيح للانتخابات الرئاسية, و أن مجلس صيانة الدستور يرفض ترشيح كل من لا يتحصل على دعم من المرشد الأعلى. كما نسي أو تناسى أن الدستور الإيراني ينص على أن الرئيس و الوزراء و أعضاء المجالس يجب أن يكونوا شيعة إيرانيون. هذا هو الدرس في المساواة الذي جاءنا به <أبو ذر> من الدستور الإيراني.

و سؤالي هنا هو هل تريد أن ينص الدستور التونسي في المستقبل على أن الرئيس و الوزراء و أعضاء المجالس يجب أن يكونوا سنّة تونسيون. أم سنّة مالكيون. أقترح عليك أن يكونوا سنّة حنابلة وهابيون من أتباع ابن تيمية رحمه اللّه.

مغالطات كذلك لما تكلم عن مجلة الأحوال الشخصية التونسية. من حقّ أي كان أن يعارضها. و لكن الحقيقة التي لا يجب نسيانها أو تناسيها أن هذه المجلة مستنبطة أساسا من اجتهادات علماء مسلمين, و هي ليست بأي حال من الأحوال لا دينية, كما أن أفكار الطاهر الحداد هي أفكار إسلامية و ليست الحادية. ولهذا فأنا نتأكد أن <أبو ذر> لم يقرأ للطاهر الحداد, و لا غرابة في ذلك لأنه هو وأمثاله يعتبرون مفكرنا الزيتوني الكبير كاتب < امرأتنا في الشريعة و المجتمع> زنديقا.

لقد كتب <أبو ذر> <…. و ترك الثغرة للملاحدة و أذناب الإمبريالية من أمثال حمّة الهمامي ومحمد الشرفي>.

أعاتب تونس نيوز و نواة لنشرهم لهذا الفكر التكفيري.

اعلم يا <أبو ذر> أن من أسميتهم بالملاحدة وأذناب الإمبريالية هم تونسيون شرفاء. و أخص بالذكر منهم حمّة الهمامي الذي كان أول من دافع على المساجين الإسلاميين.

وفي الأخير أطلب من <أبو ذر> أن يغير اسمه. فهذا الاسم لا يليق به < أبو ذر الغفاري هو أول مسلم يساري>. وأقترح عليه <ابن عبد الوهاب>, <ابن تيمية> , < أسامة> , < الخضراوي>.

تعليق تونس نيوز:

شكرا جزيلا للسيد أبو أحمدTUNIS2005 على عتابه وعلى مراسلته.

السيد الكريم، الفكر التكفيري موجود (بل وينتشر يوما بعد يوم في تونس وغيرها من بلاد العروبة والإسلام انتشار النار في الهشيم الذي خلفته عشريات القمع والإقصاء والتعذيب والتسلط) ولا ينفع معه دفن الرؤوس في الرمال.

إننا نذكر الجميع وللمرة الألف بأنه حينما نشرنا للسيد « أبو ذر » (أو حين ننشر لغيره من السادة والسيدات القراء) فإننا لا نتبنى ما تحمله كتاباتهم من أفكار ورؤى وتوجهات. في المقابل، نحن نحاول – قدر الإمكان – أن تظل « تونس نيوز » مساحة للتحاور البناء ومقارعة الحجة بالحجة رغم معرفتنا بحجم الإختلاف الكبير والعميق القائم بين العديد من أبناء وطننا.

وفي هذه الحالة، نرى أنه من حق السيد أبو ذر أن ينتقد الدستور الإيراني وأن يعارض آراء السيد محمد بن سالم ومن حق الآخرين الذين لا يرون رأيه أن يردوا عليه وأن يفندوا حججه بل وأن ينسفوها نسفا. صحيح أن إطلاق أوصاف من قبيل « الملاحدة » أو « أذناب الإمبريالية » ليس مقبولا البتة في الحوار الذي نحرص على استمراره بين الجميع ولذلك فنحن ندعو السيد « أبو ذر » – وجميع السادة والسيدات الذين يتجشمون مشكورين عناء الكتابة إلى تونس نيوز – إلى التعبير عن آرائه بكل حرية ولكن دون اللجوء إلى استعمال تعبيرات من هذا القبيل لأنها لا تؤدي إلا إلى إيغار الصدور بدون أن تحقق أي فائدة.


 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله أجمعين

أحمد الورغمي: تنديد ضد تهديد

يندد الحزب الإسلامي التونسي بالتهديد الذي صدر يوم الثلاثاء 13/ 12/ 2005 ضد المناضل الكبير الصحافي التونسي الشريف والوطني الحر السيد الطاهر لعبيدي المناضل المعروف بدفاعه المتواصل ضد الإنتهاكات لحقوق الإنسان في تونس.

السيد الطاهر لعبيدي الغني عن التعريف، واللاجئ السياسي بباريس، هو قلم من أقلام تونس الحرة الذي يعبر بكل شجاعة عن حرقته الكبيرة على الأوضاع المتردية التي وصلت إليها بلاده وشعبه المضطهد من طرف النظام القمعي المتسلط والدكتاتوري، السيد الطاهر لعبيدي هو نائب رئيس الجمعية الدولية للصحافيين الأفارقة بالمنفي، وعضو المجلس الأعلى الوطني للحريات بتونس، ومراسل للعربية نت وعددا من الصحف والمجلات وله مواقف بطولية في تغطيته للأحداث وخاصة الأخيرة لحركة 18 أكتوبر، وقد أقلقت تحركاته ونشاطه الإعلامي والإنساني عيون عصابة الظلم والقمع والإرهاب للمجرم ضد الإنسانية( الجنرال الإرهابي بن على ) الذي لا يفكر إلا مثل أخيه المجرم والإرهابي الدولى بوش الذى يقتل ويسجن الصحافيين الأبرياء، ففكر ثانية بالإعتداء عليه لإسكاته كما فعلت معه من قبل عصابة الشر القرطاجي يوم 17 ماي 2003 في موضوع الكتاب الذي نشره سابقا وكشف فيه فضائح النظام الدكتاتوري .

وهذا مصير كل من تسول له نفسه فضح نظام الدكتاتور حيث يتعرض للإبادة والقتل أو السجن والتعذيب أو الضرب مثلما حصل مع المناضل الكبيرالدكتورالمنذر صفر أو أحمد المناعي أو السيد رياض بن فضل مراسل لوموند دبلومتيك سنة 2001 أو المحاولتين اللتين وقعتا ضدي سنة 1998 من طرف بوليس القنصلية أو الذين أرسلوا من تونس في 7 / 2 / 2001 لقتلي أوما فعلته المافيا من أقزام ( حجاج قرطاج ) للسيد المناضل الهادي التريكي وما إسكات المناضل الشاب محمد عـّبو الذي وقع خطفه ووضعه وراء القضبان إلا خير دليل على ظلم هذه العصابة الحاكمة المجرمة والحاقدة ضد كل قلم حر من مناضلى الشعب التونسي الذي يطالب برفع المظالم عن أبناء وطنه ،

وباسمي الخاص أحمد الورغمي والطيب السماتي ندين مثل هذه التصرفات اليائسة من طرف عصابة قصر قرطاج التي أتمنى من الله أن ينتهي أجلها وزوالها في القريب العاجل كما أتمنى من المعارضة التونسية أن تلتف أكثر حول بعضها البعض لتخلق( دينامكية ) فعالة تتسبب في إسقاط هذا النظام المفلس والفاسد والرئيس الفاشي والجاهل، كما نجدد في الحزب الإسلامي التونسي مطالبنا بإطلاق سراح محمد عـّبو وجميع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، كما نتمنى لأخينا وصديقنا الطاهر لعبيدي طول العمر وعام سعيد وعمر مديد وكل عام هو وجميع المناضلين والمناضلات الشرفاء بخير، ليكمل مسيرته التحررية بكل أمان له ولعائلته المناضلة وأقول لبن علي لم يبق من يخافك في تونسنا إلا الخائن والجبان وسقوطك بحول الله قريب وما جهنم عليك ببعيد والله ولي التوفيق ( لقد بدلنا كلمة لا ظلم بعد اليوم التي قالها مسيلمة الكذاب في 1987__ إلى لا خوف بعد اليوم ولا سيما بعد حركة 18 أكتوبر المجيدة)

وبمناسبة حلول العام الجديد أتقدم باسمي أحمد الورغمي والسيد الطيب السماتي بالتهانى لكل المناضلين والمناضلات وخاصة مناضلي المواقع الإعلامية التونسية من تونس الزين ، ونواة ، والخضراء ، وتونس نيوز، وكل المواقع الإعلامية الشريفة.

عام سعيد وعمر مديد وكل عام وأنتم بألف خير وإلى الأمام لتحرير كل وطننا العربي والإسلامي الكبير من الدكتاتوريين والطغاة والمستعمرين والمحتلين الإرهابيين.

أحمد الورغمي الناطق باسم الحزب الإسلامي التونسي (إذا الشعب يوما أراد الكوراج فلابدا أن يسقط الخماج والهماج وكل من يسكن في قصر قرطاج)

0033681343439

a_ouerghemi@yahoo.fr


اعتذار للقراء الكرام:

(قل لمن يدعي في العلم فلسفة *** حفظت شيئا وغابت عنك أشياء!)

اعتذر للقاريء الكريم عن بعض الاخطاء التي وردت في المقال السابق وأهمها الآيات التي تفطنت لخطء رقنها او استحضارها فيما بعد عند تصحيحي الثالث للمقال ولكن بعد فوات الأوان وقد أرسل المقال للنشر. لقد نزغ الشيطان بيني وبين تذكر الآيات فقاتله الله!. وتبقى العجلة من الشيطان وكان الأحرى بي التمهّل حتى التصحيح الثالث..كما كان أحري بالمشرفين على تونس نيوز ان يراسلوني لمراجعة المقال فانّما أنا عبد خطّاء… وشكراً لهم لقيامهم بالتصحيح المسهب للآيات بما في ذلك تخريجها وشكلها. وقد كتب المقال كما اسلفت في عزلة وعجلة.

وإليكم المقال مصحّحا تصحيحاً ثالثاً، مع بعض التعديلات الخفيفة.. أظنّه وافيا باذن الله. وعذرا مجددا.

طارق الشامخي.

من فقه المسألة الجِرويّة

والتعصّب والكره..

ومسائل أخرى!

طارق الشامخي

حفيفُ الشجر من حولي معتلجٌ بالهسهسات.. وسكونُ ليلٍ ولسعات برد قارس في ليل يفترض ان يكون صيفيا قائضاً هنا في اواخر شهر ديسمبر\كانون أول.. ونطنطات الكنغارو الأليف من هنا وهناك بين الشجر يزيدني ألفة للمكان واطمئناناً لرحمة الواحد الديّان رغم عزلتي وانقطاعي عن الناس.. ويخرق الصمت بين الفينة والأخرى مواء حيوان غريب لم استطع تحديد كنهه إلى الآن!

أكتب هذه الشذرات على عجل من مقر عملي في أحد غابات أستراليا، معزولاً عن كتبي ومصادري التي تركت معظمها أصلاً خلف البحار، لذا اعذروني في إرسال مقالي من السند الموثّق، مكتفيا بما ترسّخ لي في ذهني من علم تلقيته على ضنك وفي كبد لسنين عدة تجاوزت الآن عقداً ونصف هي عمر غربتي وكربتي وضعف نفسي وهواني على الناس.. فاعذروني مرة اخرى ولمن وجد لديّ خطأً أو سهواً فليستدركه بامانة العلم ومسؤولية التحضّر ووعي المرحلة، ولا يصرخنَّ في وجهي أو يشدد برأسي، فانما انا عبد ضعيف يهاب زئير الأسود ويتهوّل فحيح الأفاعي، ولا يحب الصّخب والوصب والنصب، ويتمنّى في الجنّة قصراً كالذي لخديجة بسيطاً من قصب.. إنما انا ابن امراة من تونس كانت -ولا تزال- تأكل القَدِيد!.. أطال الله في عمرها وعمر القَدِيد في مخازنها. آمين.

والله الموفّق لنا جميعاً لما يحبّه ويرضاه.

أعود بعد مقال لي قبل أشهر عديدة او ربما أكثر من السنة عن »النهضة واخواتها .. » تناولت آنذاك فقه الحركة الاسلامية ومذاهب الاختلاف والتحرك الفكري منه والتنظيمي.. ولا أظن أن ما كُتب مني آنذاك قد استُدرك تصحيحاً –بحسب ما أُرى (بضم الالف ومعناه اي ما ارجح من نظر فقهي..) والله أعلم بالطبع- لذا سأحاول في هذه الاسطر ان اعالج الموضوع من زاوية مخالفة تماماً.

واعود الى موضوعين حديثين جديرين بالمعالجة عندي، أولاهما ما أثاره مقال الماجري –حفظه الله وزاده علما وبعد نظر وابتعاد عن الهجوم الحادّ على الآخرين ولو مدافعاً عن نفسه..-، ثم موضوع المسلمين الجدد الذي يتقاطع مع موضوعنا لاسيّما فيما أعايش هنا في استراليا وذلك لجهة ازدحام التعصب المذهبي والفهم التجزيئي للإسلام بموضوع دعوة المسلمين الجدد وتثبيتهم – أو تأليفهم- على دينهم الجديد،.. مع موضوع التعصف نفسه للفكرة والرأي الحزبي أو الفقهي الذي احتدم ويحتدم بشكل منتظم (على صفحات تونس نيوز منبر حوار المغتربين الاسلاميين التونسيين الممتاز) بين الفينة والاخرى، محدثا بلبلة في بعض المفاهيم كما أشار الى ذلك جميعهم تقريبا.. كما او المعالجين ليسوا على درجة واحدة من تحمل مسؤولية العلم الشرعي (أي أن ان يكون ضليعا بالشريعة قبل ان يسمح لنفسه بالافتاء الشرعي..) وهو مطلوب وملحّ – كما أشار الى ذلك باتفاق منهجي: الاخوة الهادي بريك، خميس الوسلاتي وودّ الريس.. وان اختلفوا او شبه اختلفوا في النتائج، وهو وارد في الفقه بشكل عام.

في المسألة الجِروِيّة:

أعود الى قصة الأخت الدكتورة الاسترالية الجديدة في عالم الاسلام التي حدثتكم عن بعض اخبارها قبل ثلاثة أيام.. كنت في سياق مطالبتها بالالتزام الشرعي ببعض ما أراه ملحاً ولا يحتمل التأخير –مع اغفال ذكر تفاصيلها ستراً شرعياً لخصوصية الأخت، وهو مطلب شرعيٌ، كما طلب منا عدم الجهر بالسوء من القول وعدم الجهر بالاثم والفواحش، وحفظ بواقي عورات المسلمين.. حتّى فاجئتني ببكاء مر طويل…

احترت لأمرها ابتداءًا وسألتها كما سألت نفسي هل أني لم أحسن الطلب؟؟ لم أحسن تنزيل النصوص الشرعية؟؟ لم أحسن اختيار زمان ومكان الدعوة أو التذكير الشرعي؟؟ أم أني مخطئ ابتداءًا في طلب هكذا أوامر شرعية لمسلمة في هذه المرحلة المبتدئة من الإسلام..؟؟ وطلبت منها العفو إن أسات لها.. وحزنت للحظات ريثما أنهت بكاءها المحيّر!

قالت لي بعد تردّد بأن المطلوب منها بسحر ساحر أن تنسى كل ماضيها المسيحي في لحظات.. من تقاليد وعادات وعقائد وأن تلتزم كالمسلمين المولودين مسلمين .. بل يجب ان تكون أحسن منهم.. واسترسلت: بأن ليس هذا هو سبب بكائها بل الذين قاطعوها.. خاصموها.. في الله.. وفي الدين الجديد! ولم يعودوا يتكلموا معها وهم الذين أسهم منهم من أسهم في هدايتها (أطباء زملاء لها، عرب مسلمون ) والإجابة على امتداد اشهر عديدة حول استفساراتها وإشكالاتها العقائدية والفكرية المتعلقة بعالم ومنظومة وعقيدة الإسلام.. والسبب؟؟

اذا عرف السبب بطل العجب عادة.. ولكن السبب هنا يزيد في العجب بلّةً (ويصبح حاله حال « الكرموس في العديلة »..) السبب هو احتفاظها إلى الآن في مسكنها بجروٍ صغير لا يكاد يتجاوز حجمه القط إلا قليلا.. وأرتني صورته في هاتفها المحمول مضيفة: أنا بصدد البحث عمن يكفله ويتحمّل عبئه عني ولكن لم أجد الى الآن.. لقد نصحوني -اي هؤلاء الدعاة المفترضون- بتسليمه لجهات مختصة في تصفية الحيونات.. وهو عمل مرعب في نظرها لا يمكن أن يكافي اخلاص هذا الحيوان ووفائه وونسته لها في ليال طوال قبل إسلامها..وبعد عِشرة ليست بالقصيرة مع هذا الحيوان الوفي الاليف.. وشاركتها جزئياً في رأيها هذا بأنه عمل غير مستساغ من زاوية الفقه الإسلامي..لانه ليس بحيوان مؤذ في الجملة. واسترسلت لها في قصة المرأة التي دخلت النار في هرّة لأنها لم تطعمها وقول الحبيب المصطفى بأنه: « في كل كبدٍ حرّى أجرٌ« ..واستنكرت ذلك منهم وشدّدت الإنكار في عملية مقاطعتها في حد ذاتها. وهممت بأن أخبرها بتفاصيل الآراء الفقهية في اتّخاذ اللكلب للحراسة في بيوت المسلمين وموقف الامام ابن ابي زيد القيرواني الذي اتخذ كلباً لحراسة منزله بعدما كثرت عمليات السطو والنهب في زمنه بحاضرة القيروان، ولما ووجه بالملامة وبأن مالكاً كرّه ذلك أو منعه أجاب بحدة ضُربت مثلا ونكتة: « لو كان مالكاً موجوداً لاتخذ أسداً! ». أي لحراسة بيته من الخارج وهذا التحول هو من فقه المصالح على أية حال ولا حرج في ذلك. هممت بتفصيل كل ذلك ولكنها خانتني لغة شكسبير.. « بيها وعليها »! ولم أعدم على أية حال التنبيه إلى ضرورة الاحتياط في ولغ الكلب في آنيتها وأنه حتى لو حصل فالمسألة بسيطة ولا تتطلب أكثر من غسل الآنية سبعاً إحداها بالتراب.. وكانت متيقظة لكل ذلك ونافرة بطبعها من نقع الكلاب ولعابهم..

« إن دين الله يسر وما شادّ أحدٌ هذا الدين الا شادّه » (الحديث) ولهذا دخلت هي في الإسلام وسيدخل غيرها بإذن الله.

ولكن.. تصوروا لو أنها -لا قدّر الله- ترتدّ عن الإسلام بعد تجربة مازالت هزيلة في الإيمان والتدين.. وبسبب ماذا؟؟ بسبب كلب أو جروٍ صغير لم يحسن – المولودون افتراضاً على فطرة الاسلام- أن يفقهوا تنزيل مسألته وهي في غاية البساطة ولا تتطلب حتى استفتاءًا من مستفتي لوضوح المسلك فيها. ماذا لو حصلت عملية الردة؟؟ هل سيسلمون من سؤال الواحد الأحد في الموضوع؟؟ لا أظن ذلك.

وهذا مما ذكرني بما رواه أحد الثقات عندي من قصة شاب تونسي تزوّج فرنسية وأقنعها بالحجاب وتحجبت.. ولكنها كلما تشاجرت مع زوجها إلا ورمت في وجهه بالحجاب وسبّته وسبّت دينه، أي دينها الجديد والعياذ بالله.

قال الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم لعلي ومعاذ لما أرسلهما قاضيين الى اليمن: « بشّرا ولا تنفّرا ويسّرا ولا تعسّرا وتطاوعا« . وفحوى عملهما القضائي كان بالأساس المسلمين الجدد في بلاد اليمن.

أوضحت للأخت – التي تمكّن توحيدها وترسخت عقيدتها ولله الحمد والمنّة، كما أنها قطعت المحارم في المأكولات والمشروبات مقاطعة صارمة حازمة.. رغم العنت الذي تلاقيه من محيطها خاصّة حول شرب الخمر..- بأن المسألة بسيطة ولتبحث على مهلها من يكفله ولتشدّد عليهم في الاعتناء به إن لزم الامر (وهي عادة الغربيين في الاشتراط على من يهبوه حيواناً منزلياً بالمجّان وقد حدثت معي في أرانب رغبت زوجتي في تربيتها في حديقة بيتنا الخلفية) وأن المسالة مضخّمة- سامحهم الله الذين أظن أنهم من اصحاب التوجّهات السلفية وان كان الشافعية يشدّدون هم الآخرون في موضوع النجاسات ونجاسات الكلاب خاصة- المهم أن الموضوع وضح لها في سياقه الطبيعي من التيسير ورفع الحرج والتبشير بدل التنفير.. والأهم من كل ذلك:

التدرج في الالزام بالأحكام بالنسبة للمسلمين الجدد، قياساً بفعل الإسلام في صدره الأول من تنزيل منجّماً على المسلمين اعتنى بالعقائد والمفاهيم والكليات في معظم العهد المكي الذي تجاوز الثلاثة عشر سنة، في حين اختص العهد المدني بالتفصيلات الفقهية والقانونية اللازمة للاجتماع الإسلامي الجديد. وأخبرت الأخت أن الخمر لم تحرّم مباشرة على المسلمين وكذلك جميع المحارم الأخرى التي احتاجت سنوات وسنوات .. ومن باب أولى ان تحتاجي أشهر حتى تحلّي قضايا إسلامك المستعصية عليك.. وأوصيتها بأخذ اليسر ورفع الحرج وإن كانت لغتي الأنجليزية تخونني أحيانا لجدّتي فيها ولجدّتي في عالم الدعوة بلغة شكسبير.. لهذا شددت عليها بالعمل بالمثل الأسترالي الدارج على كل لسان في كل محادثة تقريباً: « take it easy » أي: خذ الأمور ببساطة.. وهكذا اخذت الأخت الموضوع -المسالة الكلبية أقصد! قياساً على مسالة عمر الحمارية في الفرائض..- ببساطة انجليزية استرالية نفتقدها أيما افتقاد في اجتماعنا العربي الاسلامي. وعاد اليها فرحُها بالإسلام من جديد!

وانفرجت أساريرها وازداد فرحها بنور الإسلام وبسماحته، عندها.. اغتنمت معها الفرصة لأحدثها عن هموم المسلمين الكبيرة التي كان أولى بهؤلاء الأبطال المستقوين على جرو صغير أن يركّزوا عليها: من مثل ما يحدث عندنا في تونس من منع للحجاب ومحاربة للمسلمين، وسرقة الأمريكان وحلفائهم بما فيهم الاستراليون طبعاً، لبترول المسلمين في العراق .. وعن قضايا التجهيل والقتل البطيء التي يتلقّاها « الأبورجينز » في الداخل الأسترالي.. فعاد حزنها من جديد ولكن مرفقاً هذه المرة بشعور حقيقي لإنتماء لأمة تتمزّقها مخالب الطغيان والحقد والأطماع بين شرق وغرب.. وهو حزن مطلوب شرعاً:  » من لم يهتمَّ بأمر المسلمين فليس منهم! » الحديث.

وبالمقابل فقد ارتحت جداً من طرفي لهذه النتيجة التي توصلت اليها في موضوع المسألة الجروية المجيدة! والأهم أني لم أبدوا لديها متزمّتا أو إرهابياً (extremist or terrorist) كما ينشر الإعلام هنا وفي كل مكان لا سيما فيما يتعلق بموضوعات مزلزلة كالحرب في العراق. ولله الحمد والمنّة على هذا التوفيق. ثم تنبهت لظاهرة الحقد والتعصب للرأي والشحن في النفس من أثر ذلك.. كم هي شائعة بيننا – يا إلاهي!- وكم هي نادرة بينهم بتجربة ما أراه في الحياة اليومية هنا.. وكم يرونه حدثاً عظيماً أن يقاطعهم شخص ما أو يحقد عليهم بسبب رأي ما ولو كان – بالطبع دينيا كفرياً من منظورهم.. – أي ولو كان إسلام هذه المراة وأخواتها في حد ذاته.. وتساؤلت: ألم يحن لمثقفينا وإخواننا ودعاتنا المقيمين في الغرب أن يتعلموا منهم هذا الأمر ان كانوا قد عدموا الرجوع الى الدين واستدراك الموضوع في مظانّهِ وهو من باب أولى؟؟ ولقد قلت مرة بعد شكوى مني من شخص أساء الي كثيراً رغم رابط الأخوة والعمل الاسلامي- والشكوي لربّي وحده-.. وذلك لشيخ منّا في بيروت ذات يوم بأننا أي التوانسة « خايبين مع بعضنا ».. فطأطأ رأسه مطرقاً وردّد معي نعم: « خايبين برشة ».. فيا حسرة على العباد!

طلب العلم وعدم التجرؤ على الفتيا:

من باب المعلوم من الدين بالضرورة أن من تجرأ على الفتيا بغير علم فقد تجرّأ على الناركما هو الحال ب « من كذب علي عامداً متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » الحديث. وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من « الرويبضة » وهم المتطفلون على العلم الشرعي من دون استعداد لذلك والمفتون بغير علم فيه، فمن منكم يجرأعلى أن يكون من الرويبضة؟؟؟.

ويقول عمر الإمام في هذا المضمار: « أي أرض تظلّني وأي سماء تقلّني إن قلت في كتاب الله بما لا أعلم؟؟ ». وفي الباب أحاديث كثيرة ونقولاً غزيرة تدرك في مظانّها لمن أراد التوسّع. كما ان العلماء اشترطوا الصحبة في طلب العلم ولا عمدة بمن يتفقّه من الكتب والمجلدات العظام مهما طال باعه فيها، حتى قال الأئمة محذّرين: « لا تأخُذِ القرآنَ من مِصحَفيٍّ ولا العلم من صُحفيٍّ! » (المصحفي هو المتعلم القرآن من دون شيخ خصوصاً فيما يتعلق بسند التلاوة وقواعد التجويد والصُّحُفِي هو آخذُ بقيةَ العلم الشرعي من الصحف، اي الكتب من دون معلم وشيخ). وتنطبق هذا القاعدة على معظم العلوم الأخرى بما فيها الدنيوية كالطب والهندسة ونحوها كما يتشدّد الأمر في موضوع الحديث النبوي الشريف.

وقيل: « إن العالِمَ يفيدُك لحظَهُ(اي نظراته والتقاء العين بالعين تربيةً وألفةً ومودةً..) كما يفيدُك لفظَهُ »، ولهذا عاب جمع كبير من العلماء على ابن حزم أنه كان شديدُ مضاءِ اللسان على المخالفين حتى قالوا: » سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقان » وذلك بسبب طبيعة تكوين ابن حزم: أي العصامية بلغة اليوم وتعليم نفسه بنفسه من الكتب. ولكنَّ لي راي آخر في مسألة ابن حزم وهو ان ما يشاع عليه في هذا المضمار، أي العصامية في العلوم الشرعية، مضخّم جداً بدليل السند العالي لأحاديث ابن حزم في « المحلى » و »احكام الفصول في الاصول » و »مراتب الاجماع » وغيرها من كتبه، ولا يتسنّى أخذ السند إلا على يد شيخ ما نتتلمذ عليه مهما طالت أو قصرت الملازمة.

أمر آخر كان شائعاً هو تبيان السند وذكر المشايخ المُتلقّى عنهم في طلب العلم، وهو ليس من حظوظ النفس وهوى متّبعاً بقدر ما أنه تأمين للعلم من المتطفلين عليه وترسيخ لأمانة النقل وتوكيد لحرارة الصحبة العلمية وعظيم دورها. وعليه، أذكر لقرائي بعضاً ممن علمّني وشرِفتُ بصحبته من مشايخي الفضلاء وذلك في بيروت ودمشق من عام 1991 إلى غاية عام 2001 تقريباً، ومنهم الأصولي الفذّ أحد مفتيي لبنان الشيخ خليل الميس والأصولي الضليع الدكتور الشيخ أسامة الرفاعي والعقدي المتكلم المتبحّر الشيخ أحمد الرفاعي والمحدث المختص في مصطلح الحديث والرجال الدكتور الشيخ علي البقاعي .. ومنهم من كان مجازاً في القراءات الاربعة عشر بمتواترها وآحادها وشاذّها جميعاً يعلمنا ممّا علّمه الله، ومما ورثه عن شيخه إمام المقرئين في القرن الماضي: الشيخ العلاّمة حسن دمشقية رحمه الله. كما الشيخ أحمد العجوز علامّة اللغة العربية رحمه الله رحمة واسعة وقد كان يعلمنا العربية والنحو والصرف وهو يشارف التسعين من العمر ويصعد الى بيته عبر السلم او الدرج (في بناية عتيقة من دون مصعد في وسط بيروت) لسبع طوابق على ما أذكر.. وكان يفتخر بصحته التي حفظها بتوبته: « احفظ الله في الصغر يحفظك في الكبر » كان يوصي أولاده- اي نحن طلاب العلم لديه- وهو الذي لاقى عشرات من زعماء العالم وصناع قراره عبر سنّي حياته الطويلة كما ساهم في إنشاء وترميم ما يفوق ثلاثمائة وستين مسجداً وجمعية في كل لبنان. ولا أنسى من شذراته البلاغية التفريق بين « اسطاعوا » واستطاعوا » في قوله تعالى: (ومااسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا). هذا دون ذكر مشايخنا الذين مررنا على دروسهم لأيام أو اسابيع في مساجدهم في دمشق مثل العلامتّان: الشيخ البوطي والشيخ البغا، حفظهما الله وكان مجمل ما أخذناه عنهم في الأصول خاصة، كما لا أنسى الفروضي الشاب الألمعي: بسام الطراس حفظ الله ورحم الله جميع أولائك وعذراً منهم لمن منعتني الغربة الكريهة من ذكرهم أو أنساني الشيطان بعضاً من اسمهم، ولهم الفضل والوفاء مني ولله الفضل والمنّة اولاً وأخيراً.

ما هو المجال الذي يسمح بالاختلاف به؟ ومتى؟ وكيف؟؟

الاختلاف ومجاله مسالة أصولية بامتياز تكلم فيها الأصوليون وأسهبوا ولمن لا باع له في علم الاصول فليتأخر الجمع وليفسح المجال لمن هو أعلم منه بالمجال. وأظن في نفسي -وما أبرئ نفسي من الهوى- القدرة على خوض الغمار وقد أسلفت فيه كتابة لم تلق إلى حد كتابة هذه الأسطر تشنيعاً على ما أذكر وقد مرّت على علماء أجلاء ولم يُعرف من كتاباتي في الجملة مٌنكرٌ أُنكر علي والحمد لله، والفضل من لدنّ الله وحده.

الفقه الاسلامي إخواني: قطعيٌ وظنيٌ. القطعي هو ما ثبت مقطوعاً بثبوته أو دلالته أو أحد الاثنين. وفي المجال تفصيل طويل بما يتعلق بالثبوت الذي يختص عادة في المسانيد والدلالة التي تختص بمعاني النصوص الجوّانيّة (المتن).

وقد قرر العلماء في شبه اجماع: لقد تعبدنا بغلبة الظن.. أي أنّ معظم مسائل الفقه التشريعية هي من الظنيات التي ثبتت في الغالب بأحاديث آحاد لم تتواتر وفي الغالب بأحاديث متنوعة وقد تبدوا للمتبحّر جديداً في العلم أشبه بالمتناقضات وما هي كذلك، بل فيها لباب الرحمة والسماحة التي اتّسمت بها هذه الأمة: « اختلاف أمتي رحمة« . ولولاها لتحولنا إلى دين قابل للتحريف كحال الأديان السابقة التي لا يجد أصحابها بداً من تحريف الكلم عن مواضعه، بعدما أعياهم تاويلاً أو أنهكهم بما يبدوا عليه من مشقّة وعنتٍ وتعسير.

وفي الغالب وبحسب ما يبدو لدي بأن كل أو معظم ما يثبت قطعاً يتحوّل الى موضوع قطعي ينعدم في الغالب معه الاجتهاد: » لا اجتهاد في مورد النص » كما نصت القاعدة الفقهية الشهيرة. وهنا أنبه أنه المقصود بمنع الاجتهاد ليس مطلق اجتهاد الفهم والتثبت في السند أو لغة المتن ومعانيها حمّالة الأوجه في الغالب.. فإن ذلك مطلوب بإجماع! ولكن الاجتهاد الممنوع هو النظر العقلي المجرّد من النص المباشر المعبّر عنه بالمصلحة أو الاستحسان أو الاستصحاب ونحوها وفي كل ذلك تفصيل.

ولنضرب مثلا للقطعي مطلق ذكر الحجاب والصلاة والصيام والحكم بما أنزل الله وضرورة الموالاة في الله (وهو شان سياسي فقهي: أي التحالفات السياسية والنصرة الحزبية.. كما هو من صلب العقيدة) ونحوها المذكورة في القرآن الكريم هي قطعية بقطعية ورود القرآن في قوله مثلا: (وليضرِبنَ بخمرهن على جيوبهن) (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ..) الآيات.

ولكن هذه الآيات بشكل عام ولئن تعطينا فرضية الشيء أو حرمته أو إباحته، قطعاً من دون مجال للخوض في ذلك.. بيد أنها تترك التفصيل التقني أو الفني – إن صحت عبارة اليوم- إلى السنّة المشرفّة. وهذه السنة بدورها غالباً ما تأتينا في أحاديث آحاد، بل تأتي التفاصيل في أحاديث عدة إحداها مثلا أخذ بها أبو حنيفة والثانية مالك والثالثة يأخذ بها الأيمة: الشافعي والثوري وابن حنبل في مسألة واحدة مما يُشكل عند المبتدئين في الشريعة إيهاماً بالتناقض أو عدم اليقينية وهو مدخل التشكيك الاستشراقي في الجملة، وما الأمر كذلك.

إنا نفهم من ذلك التالي: أن التي نُصَّ عليها في القرآن وهي تالياً قطعية، هي في مقام المقدار الضروري لكل مسلم من ذلك الموضوع و( الضروري هو: ما يكفر منكره ويعتبر من العقائد أو مستلزمات العقائد فضلاً عن أصول الفقه وكليات الشريعة..) وأنه من المقاصد الجزئية الكلية في الشريعة.. بينما تفاصيل الصلاة مثلاً هي مواضيع شبه نافلة للموضوع الأصلي الذي هو قصد الله بالعبادة في أوقات معلومة .. لقوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) بيد أن القرآن ترك للسنة تبيان تفاصيل الصلاة الزمنية الطهورية ونحوها وهو ما يعرف بشروط الصلاة وأركانها وأسبابها.. وللعلماء جميعهم اختلاف في كل ذلك، لم نرى احداً ممن يعتدّ بعلمه منذ عصر الصحابة ينكر عليهم ذلك باستثناء جهلة المسلمين في عهد الظلمات الوسيط حتى القرن ما قبل الماضي الميلادي حيث كان الجامع الواحد يحوي على أربعة محاريب تستولي كل عصابة مذهبية (من أتباع الأيمة الأربعة وهم برآء ولا شك من صنيع أتباعهم) بمحراب يخصّها تقيم فيه طقوسها الخاصة التي هي بالأساس مسائل فقهية ظنية تعبدنا بها ولا مشاحة أو حرج في الاختلاف فيها بعدما كان الرسول قد فعل أو قال أحوالها وأقوالها جميعاً (البسط والقبض في الصلاة او البسملة في الصلاة او القنوت ونحو ذلك كثير..).

وأبرز المسائل القطعية ما اختص بالعقيدة أو التوحيد وفيها تنصيص مهمّ أُشكل على سيدي الشيخ الماجري عندما لم يحسن سيدي الهادي بريك تبليغه له والتعبير عنه بوضوح (راجع رد بريك على الوسلاتي ورد الاخير على الاول .. حبّبهما الله في بعضهما البعض ورفع ما في صدورهما من غلّ وجعلهم في يوم عظيم لا ينفع فيه مال ولا بنون: إخواناً على سررٍ متقابلين- آمين). من المسائل العقدية ما ورد ظنياً في آحاديث وهي كثيرة جداً لا تعدّ ولا تحصى ولهذا لا يكفر منكرها إتفاقا إذا شك في ورود الحديث، ومجملها يتعلّق بصفات إضافية أضافها المتكلمون وأثبتوها صفات نفسية أو معنوية وأوّلها بعضهم الآخر وسرى الخلاف إلى يوم الناس هذا حولها وهي محور الخلاف بين أهل الحديث (الوهابية اليوم) والأشاعرة والماتريدية (هم عموم الامة الى اليوم وان خفّ وهج مذهبهم). فأمَرَّ أهل الحديث والحنابلة الصفات كما هي وألزموا لله صفة بكل ما سمعوا من أحاديث وإن كان بعضها ضعيفاً أو لا يصح وهي كثيرة جداً لا أستذكرها بتفاصيلها الآن ولكن يمكن الرجوع إليها لمن أراد التفصيل وتبقى من موضوع العقيدة.

وهناك اختلاف في المتن في موضوعات عقائدية كثيرة يعاملها البعض بالتأويل والآخر بالإمرار كما جاءت، مثل قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) « سورة الزمر الآية67 ». فأثبت البعض لله سبحانه وتعالى يميناً وقال الآخر باليدين لأن اليمين تستوجب الشمال لغة، فيما أوّل الاشاعرة وجمع من المتكلمين اليمين بالقدرة كما أوّلوا أشياء أخرى كثيرة. و منهم من أثبت الأيدي: في قوله تعالى(وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) « سورةالذاريات الآية 47″، بينما أثبت طرف ثالث الوجه في قوله صلى الله عليه وسلم: »لا يضرب المسلم أخاه المسلم على وجهه فان الله خلقة على صورته« . وفي الجملة اختلفوا دراية في كثير من مسائل العقيدة غير: التوحيد والملائكة والقضاء والقدر والرسل.. وهذه الأخيرة قطعيات في العقيدة وروداً ودلالة من دون منازع، ولكن ليس معظم الصفات الواردة بأحاديث آحاد. وهو مما لم يحسن الشيخ الهادي بريك في إيصاله للقاريء، أو على الأقل للماجري – وإن كنت أفهم عليه من دون اشكال-، كما ان الشيخ الماجري لم يوفّق في نفي الاجتهاد في القطعيات أو ممّا يفترض أن يكون قطعيات. والاجتهاد سيديَّ بريك والماجري: حمّال أوجه.. بمعنى ان اجتهادي في اعتبار عدد الجمع الغفير عن الجمع الغفير.. في سند حديث قطعي معين (والمتواتر هو رواية الجمع الغفير الثقات عن الجمع الغفير الثقات من غير شذوذ ولا علة)، وتالياً: تقريري هل هو قطعيٌ أم لا.. هو اجتهاد بحد ذاته وإن لم يطل المتن تأويلاً او تفسيراً.. وهكذا دواليك. فالاجتهاد لا ينقطع في طلب العلم وتبليغة وتقريره وتحرير مسائله، وان تختلف وتتفاوت مقادير ودرجات كل ذلك. والله اعلم.

ملخص قولي لليوم:

* إن الاجتهاد ممكن في الظنّيات ومعظم المسائل العبادية من صلاة وزكاة وصيام هي ظنية في تفاصيلها، ولكنها قطعية في كلّيات وجوبها.

* أن الاجتهاد في هذه المسائل مناط بأهل العلم خاصة، الذين سبروا أغوار النصوص رواية ودراية، وتحقيقاً للمناط وتنزيلاً وسبراً وتقسيماً ومناسبةً، فضلاً عن العلل وأنواعها (المنصوص عليها والمستنبطة) ومتعلّقاتها.. وهذا يستلزم دراية ومِراساً بعلم الأصول وتابعِه مقاصدِ الشريعة والقواعد الفقهية فضلاً عن التمكن في العربية..ونحوها كثير.

* الخوض في المسائل الشرعية لا بدّ له من أستاذية مباشرة على يد مشايخ أو أساتذة من أهل الاختصاص وفي الجملة يُحذَّرُ ممن لم يعرف عنه طلب للعلم الشرعي من مداركه المعلومة، وقد يحذر منه أو يحجر عليه أحيانا إن خيف منه الافساد على عامة المسلمين: أي غير المختصين في الشريعة والفقه. وهذا مما دأب عليه فقه العلم الإسلامي منذ بزوغه كما سار عليه رواد الفقه الأعلام منذ فجر الاسلام. وللتنبيه، فلا دخل للموضوع بتطوّرات العصر أو الحداثة في فهم الإسلام أو سهولة الحصول على المعرفة الرقمية.. من قريب ولا من بعيد فما زالت جامعات الغرب الكبيرة المشهورة تنشر العلم بالأستاذية ومناهجها (أي مناهج التدريس) الموروثة منذ آلاف السنين، وإن كانت بما سلف من تقنيات العصر تستعين.

همسة أخوية لطيفة: وهنا ألوم وأعتب على الأخ الماجري في اتهامه للشيخ الهادي بأنه من أصحاب المكاتب اذ على حد علمي انه من هولاء الذين درسوا العلم من موارده.. وأنه يسكن- على حد علمي المانيا وليس بلندن كما لا ضرورة أخي بالغمز من قناة سكان لندن لأنها مضاءة ببترول العراق.. فلا يخلوا بلد من بلدان مهاجرنا من عيوب الاستعمار والنهب لخيرات بلاد المسلمين في الجملة؟، ولا أظن ملجأك أخي الكريم ألطف بذراري المسلمين من ملجأ الأخ الهادي.. ولطفاً على النصح على رؤوس الملأ .. في مسألة تتكرّر كل يوم تقريباً. ولا تنسوا أن الله عز وجل قال: (لا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب الى التقوى).

ثم كما اني عبت على الهادي هداه الله في التجريح بك وتسفيه علمك وحقك في النظر.. ألومك نفس الملامة في نشر غسيل إخوانك بغير حق والانتصار لنفسك من دون خوف من عواقب الامور.. فهل تتحمّل مسؤوليتك أخي خميّس أمام الله عز وجل في مهاجمتك لمن يعدّد زوجاته وقد أتوا مباحاً لا ينكره عليهم إلاّ جاهل بالشرع متحيز لفئة مشكّكا في إباحة ذلك وعمل المسلمين بها إلى قيام الساعة..؟؟

ثم ما ضرّك أن اخواناً لك اغتنموا غربة فيها هامش من حرية وعدّدوا زوجاتهم بعدما مُنع ذلك بالقانون البورقيبي حتى غدا والعياذ بالله لدى كثير من أبنائنا كأنه هو الشرع منسوخاً من جديد؟؟.. ما العيب في ذلك؟؟ بل ما ضرك في تكثير سواد المسلمين وتكثير ذراريهم لمواجهة استحقاقات الحروب المقبلة على عالم الاسلام وأمة المسلمين والقتل فينا شرقاً وغرباً، ألم ترى أن الغرب يسعى لتكثير سواده حتى بتشجيع اتخاذ الخليلات (partners & boyfriend or girlfriend) ويرعى هذه المؤسّسات الخنائية الموازية لمؤسسة الزواج بالقانون..؟ ثم ما دخل كل ذلك بمساجين الوطن الغالي؟؟؟ لم يصل إلى علمي قط ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد ترك تعددّ الزوجات أو طلق ما زاد عن حاجته.. أو فعل ذلك الصحابة إبان قتل القرّاء مثلاً أو هزيمة بدر أو مؤتة.. ؟؟ بل إنه على العكس من ذلك كان عليه السلام ومثله صحابته يتزوّجون معددّين في السرايا والغزوات ذاتها وهو ثابت بلا شك عندي؟؟ فضلاً عن أن المسألة هي في غاية البساطة وتفوق بساطة « مسألتي الجروّية » آنفة الذكر عندما نجد صحابياً مثل ابن مسعود او ابن عباس أنه كان مزواجاً مطلاقاً؟؟.. وكنت قد سمعت مثل هذا التشنيع مراراً .. وما عجبت لشيء عجبي من طلاب علم أو مشايخ ينكرون على مسلم نهله من مباحات شرعه.. راجعوا إخواني كلام الشاطبي المليح المثلج للصدر حول المباحات في « موافقاته ».

وبالمقابل افتخر بعلم الأخ الماجري الذي لم تلده أمي بأنّه تلقى العلم في جامعة الزيتونة وأنه من أصحاب السبق ومن الرعيل الأول في العمل الاسلامي.. فثبته الله ونوّر به ونفع.

مثالا للتسامح من السلف الأندلسي:

وأسوق لكما وللقراء بالضرورة، قصة ابن حزم رحمه الله المتهمُ لسانَه بأنه شقيقُ سيفَ الحجاج وهو الأمر الذي لم يصل إليه لسانكما أخوي العزيزين: الهادي وخميس بأية حال..فالحمد لله. كان ابن حزم المتقوّّي ببلاط أحد أمراء الأندلس يصول ويجول ذات يوم بفقهه الظاهري.. تماماً كما يصول ويجول أصحاب الفقه الظاهري الجديد هنا اليوم في أستراليا وبلاد الخليج ومعظم بلدان العالم على حد علمي ولهم الآن غلبة ملحوظة لا ينكرها إلا مكابر.. وكان أن صادف أمامه مشائخ مالكية تعساء الحظ في التحصيل العلمي: فقراء في فنّ المحاججة، هزلاء في أصول الفقه ومقاصد الشرع.. وما هم عند التحقيق غير حفاظ متون وحواشي بامتياز..فأفحمهم جميعاً وضحك عليهم بمباركة من الأمير او السلطان آنذاك فلقيَ الجمعُ المالكي في بلاد الاندلس تعَساً ونكداَ..

وكان أن قدّر الله في ذلك العهد أن يرجع طالب علم في أول كهولته من بلاد المشرق بعدما مكث هناك سنينا طويلة ممتلأً علماً وعزماً وكلاماً واصولاً ومقاصدَ شرعية.. اسمه خلف بن سلمان ابو الوليد الباجيُّ صاحب التواليف النافعة ومنها: « المنتقى في شرح الموطأ » و »المنهاج في ترتيب الحجاج » وكتابه في الأصول : « احكام الفصول في الاصول » على ما أذكر. (معظمها مطبوع بدار الغرب الاسلامي فجزى الحاج الحبيب اللمسي عنا كل خير). ارتاح العالم الشاب من سفره هنيهة ريثما أتته الإذاعات الحزبية بتفاصيل أخبار مسقط رأسه وساق اليه الركبان خبر العلامة الفهّامة: ابن حزم وما فعل بعلومهم الموثوقة وما هي بموثوقة وباحلامهم المسفهة من لدنه وما هي بمسفّهة بقدر ما أنها عالة على التقليد والإتكال وقلّة العلم.. فقرّر الرجل المنازلة.. ولكنه كان قرار الفرسان الشرفاء الخلصاء وليس بقرار أهل الأهواء والشهوات والانتصار للنفس والعجب بالرأي.. (وعجب كل ذي رأي برأيه) من المهلكات الواردة في الحديث الشرف.

وتمضي أيام بل أسابيع من الجلسات والمناظرات شبه اليومية في بلاط السلطان وبحضور جمع غفير من القضاة والعلماء.. لتختتم بقرار فاصل: رفع ابن حزم للعلم الأبيض! (لمعرفة تفاصيل المناظرة يمكن الإطلاع على كتاب « مناظرات في مقاصد وأصول الشريعة بين ابن حزم والباجي »- عبد المجيد التركي – دار الغرب الاسلامي)

محل الشاهد: يورد لنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة عن ياقوت الحموي صاحب « معجم البلدان » (إن لم تخنّي ذاكرتني وكما اسلفت لكم أكتب كل شيء من ذاكرتي فاعذروني ان حصل سوء نقل أو خطأ في بلاد الاغتراب.. والعذاب) وذلك في كتابه: »صفحات من صبر العلماء » بأن أبا الوليد الباجي اعتذر من أبي محمد بن حزم عند انتهاء المناظرة اعتذاراً لطيفا ذليلاً بين أخوين فهما روح أخوة الإسلام وذاقا طعم التحابب في الله بعدما رضعا من مناهل الشريعة حتى .. الإمامة فيها الى يوم القيامة ذكراً وترحّما عليهما بين العالمين.. (أذلاء بينهم) الآية، في وصف المؤمنين.

قال ابو الوليد: اعذرني أخي أن معظم مطالعاتي كانت على سُرُج الحراس في الشارع!

رد ابن حزم: واعذرني أنا الآخر لأن معظم قراآتي كانت على المنائر (أي الفوانيس) المصنوعة من الذهب والفضة!.

ويعلق المعلق: أرادا أن الغنى أضيع لطلب العلم من الفقر. والمسألة خلافية، لن تحسم بالضرورة، وقد يكون رأي العبد الضعيف الذي حُرم طويلا من الرخاء المادي ممّا منعة مراراً من مواصلة طلب العلم عكس هذا الرأي.

وأعلقُ: كونَا – أخويَّ الهادي بريك وخميّس الوسلاتي – على الأقل باجياً وأبا محمداً.. ولا ضير عندي وعند الإسلام فيمن يكون هذا وفيمن يكون ذاك بقدر ما يهم أن تقتبسا روحية التآخي وتحبّا لبعضكما البعض كما تحبان لنفسيكما فهما ونوراً وأدباً وتواضعاً وذلة .. بين المؤمنين،.. وذلك غداة كل اختلاف في الرأي بينكما وتساجل على صفحات تونس نيوز الالكترونية.

لم أجد بنت السلطان لأتزوجها!

وأهمس للأخ: ود الريّس الذي احترمَ نفسه ولم يقبل الدخول في معترك العلم بلا سلاح و »رحم الله عبداً عرف حده فوقف عنده » الحديث… حيّاك الله أخي وسلك الله لك درباً إلى العلم عاجلآ غير آجل حتى تتمكّن في يوم قريب بإذن الله من مقارعة الرأي بالرأي والعلّة بالعلّة والدليل بالدليل. وما ذلك على الله بمستحيل.

يذكّرني شوق الاخ العزيز لطلب العلم وشوق عشرات وربما مئون وألوف منهم لطلب العلم في جوٍّ حرًّ أصيل.. بما علمته في أول طلبي للعلم من تقرير العلماء بأن طالب العلم الشرعي – بغض النظر عن اصله وفصله ولونه ومستواه الاجتماعي..- هو كفؤٌ لبنت السلطان ذلك أنه يشرف حكما بشرف ما يحمل من علم شرعي.. وتاليا فان طلاب العلم الشرعي والمشايخ هم أنبل الناس مهنة وتبجيلاً وقدراً.. ومذّاك..

وأنا أبحث عن بنت السلطان لأطلب يدها وأتزّوجها… ولكن حسرة عليَّ وعلى طلاب العلم إخواني الآخرين .. فإنّا لم نجد للسلطان ولا لبنته اثراً.

للاتصال لمن أراد الاستفسار عن قرب:

chamkhi@gmail.com


 

تأسيس حزب إسلامي جديد بالمغرب

بوزنيقة (المغرب) (رويترز) – أعلن إسلاميون مغاربة يوم الاحد عن تأسيس حزب إسلامي جديد تحت اسم « النهضة والفضيلة » بعد انفصالهم عن حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل الذي يشكل أكبر قوة معارضة في البرلمان المغربي.

وقال محمد خليدي الأمين العام للحزب الجديد لرويترز « لا يمكن الحديث عن انشقاق عن حزب العدالة والتنمية. فقط سنسعى في الحزب الجديد الى تغيير الصورة السلبية التي أصبح يحملها عديد من المغاربة عن الاحزاب السياسية ونعطي نموذجا جديدا يتعلق بخلق حوار التسامح والتعايش في إطار المرجعية الاسلامية. »

وعن المرجعية الاسلامية قال خليدي « دستور المغرب ينص على انه دولة اسلامية لكن لا يجب ان تستغل هذه المرجعية لأهداف إسلامية. »

وأضاف « في حزب النهضة والفضيلة قررنا ان تكون المرجعية الاسلامية برنامجا وليس غاية ».

وجاء في الورقة المذهبية للحزب ان « حزب النهضة والفضيلة حزب وطني ذو مرجعية اسلامية تستند على مشروع رؤية تستدعي أسئلة العصر. »

كما ركزت الوثيقة على « تجاوز آفة التطرف وخطاب الاستئصال الذي يستند على العنف والارهاب. »

وحضر عدد كبير من مؤيدي الحزب وممثلي الهيئات السياسية المغربية الجمعية التأسيسية ومن المنتظر ان يعقد الحزب الجديد مؤتمره الأول السنة المقبلة.

(

المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 25 ديسمبر 2005 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


العريان: الإخوان يدرسون تأسيس حزب « محافظ »

القاهرة – حمدي الحسيني

صرح القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين الدكتور عصام العريان أن الجماعة مستعدة للفصل بين النشاط الدعوي والنشاط الحزبي السياسي، شريطة أن يسمح المناخ السياسي في مصر بذلك، وتدرس من هذا المنطلق تأسيس حزب سياسي لها قد يكون حزبا « محافظا » يدعو لنشر القيم والأخلاق بالمجتمع المصري.

ووصف خبير بالحركات الإسلامية استعداد الإخوان لهذا الفصل بأنه « خطوة عملية »، لكنه شدد على اقتناعه بعدم تحلي النظام الحاكم بعقلية سياسية متفتحة تقبل بهذا الحزب لحل أزمة شرعية الإخوان، نظرا لخشيته الدخول في منافسة سياسية جادة مع الجماعة.

وفي تصريح لـ »إسلام أون لاين.نت » الإثنين 26-12-2005، أوضح د.العريان أنه بعد فوز الجماعة التي لا تعترف بها السلطات بعدد غير مسبوق من المقاعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة، « فإننا ندرس عدة خيارات حتى نفصل بشكل عملي بين العمل الدعوي ونظيره السياسي، يأتي في مقدمتها تأسيس حزب سياسي مدني للإخوان ذي مرجعية إسلامية، أو تأسيس حزب آخر ذي مرجعية أخلاقية يكون للمحافظين؛ أي يضم أصحاب الفكر المحافظ من مختلف التوجهات، ويدعو لنشر القيم والأخلاق بالمجتمع المصري ».

ونفى العريان بشدة أن يكون الدستور المصري يحظر قيام الأحزاب على أساس ديني قائلاً: « هذه كذبة يروج لها البعض لأسباب فكرية؛ فالحقيقة أنه لا يوجد نص دستوري يمنع قيام أحزاب دينية.. وسواء تبنينا أي خيار من الخيارين السابقين فسيكون من حق الإخوة الأقباط الانضمام للحزب ».

توقيت الفصل

وأوضح القيادي الإخواني أن الجماعة « تدرس حاليا نموذجين بكل من الأردن (حزب جبهة العمل الإسلامي)، واليمن (التجمع اليمني للإصلاح) للفصل بين النشاطين الدعوي والحزبي؛ حيث نجح الإخوان في هذين البلدين في أن يهتموا بالنشاط الدعوي بشكل منفصل مع الانخراط بقوة في العمل السياسي ».

وشدد على أنه « يستبعد حدوث تعارض بين الدعوة والسياسة، وإذا حدث فستقدم الجماعة المصلحة العامة على مصلحتها؛ لأنها ستنحاز بالطبع لخدمة أكبر قطاع من المجتمع ».

وبالنسبة للتوقيت المتوقع لبدء عملية الفصل أكد أنه « بمجرد حدوث انفراجة سياسية من جانب النظام الحاكم فستبدأ الجماعة خطوات الفصل العملية ».

وأضاف أن « ذلك يظل مرهونا برفع الحظر عن تأسيس الأحزاب، وإلغاء قانون الطوارئ.. الكرة الآن في ملعب النظام، ومن ناحيتنا نناقش كل البدائل المتاحة ».

وكان العريان أكد في مقال له نشر على إسلام أون لاين.نت يوم 25-12-2005 على أن جماعة الإخوان « مع فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي في حال وجود مناخ يتسم بالحرية، ويسمح بذلك ».

وحول دوافع عملية الفصل بين النشاط الدعوي والحزبي قال د.العريان: « نريد طمأنة الجميع، وتحميلهم المسئولية معنا، خاصة الشعب الذي غاب عن المشاركة السياسية الفعالة ».

وأردف: « ندعو كافة مكونات المجتمع من نخب ثقافية إلى رجال أعمال بالداخل والخارج للدخول في حوارات صريحة ومتواصلة حول جميع القضايا المتعلقة بإعادة رسم مستقبل أفضل لمصر ». وشدد على أن « مسئولية الجماعة تضاعفت تجاه المجتمع بعد الإنجاز الذي حققته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة » بحصولها على 88 مقعدا.

« خطوة عملية »

من جانبه، وصف الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بالحركات الإسلامية تفكير الإخوان في تأسيس حزب سياسي أو على الأقل محافظ يدعو لنشر القيم والأخلاق بأنه « خطوة عملية لا بد للجماعة من السعي نحوها ».

وأوضح في تصريح لـ »إسلام أون لاين.نت » الإثنين قائلاً: « الوضع الحالي للإخوان يحمل قدرا كبيرا من التناقض؛ فالجماعة محظورة من الناحية القانونية، بينما اتضح وزنها السياسي بحصد 88 مقعدا برلمانيا ».

وأردف: « من وجهة نظري لم يكن للجماعة من قبل ما تتمتع به الآن من ثقل سياسي ». وأوضح أنه « منذ تأسيس الجماعة عام 1928، مرورا بثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، كان الشق الدعوي غالبا على نظيره السياسي، بيد أنه منذ ثمانينيات القرن الماضي تصاعد النشاط السياسي للإخوان ».

ورأى د. الشوبكي أن تفكير الجماعة في إنشاء حزب مدني « محافظ » بعيدا عن النشاط الدعوي « يستهدف أيضا طمأنة الأقباط ».

وقال: « نظريا، من الصعب على الأقباط الانخراط في حزب سياسي (للإخوان) تتداخل فيه الدعوة والسياسية، ويعد الالتزام الديني أبرز معايير الترقي داخله ».

تجربة بحاجة للنضوج

وفي الوقت نفسه، اعتبر الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في ضوء التجارب المشابهة بالدول الإسلامية أن جماعة الإخوان لن تتمكن من الفصل التام بين كل من الجانب الدعوي والسياسي.

وقال: « الفصل التام لن يتحقق في بداية الأمر؛ إذ سيظل هناك تأثير معنوي وفكري على الحزب، إلا أنه مع نضج التجربة بمرور الوقت سيتلاشى تماما التأثير الدعوي على الحزب، ويتحول الشق الدعوي إلى جمعية دينية بعيدا عن الحزب ».

وشدد على أنه « يراهن على الممارسة في ظل نظام ديمقراطي يتعلم الجميع من خلاله قيما وتقاليد جديدة تقوم على احترام الآخر دون السعي لإقصائه ».

غياب العقل السياسي

غير أن د. الشوبكي أكد قناعته بأن « النظام المصري لا يتحلى بعقل سياسي يرشده إلى قبول تأسيس هذا الحزب لحل أزمة شرعية الإخوان ».

وقال: إن « النظام الحاكم لن يسمح لجماعة الإخوان بتأسيس حزب مدني؛ نظرا لعدم قدرته على الدخول في منافسة سياسية جادة مع جماعة معارضة بوزن الإخوان ».

وأضاف أن « نظاما لم يتحمل أيمن نور زعيم حزب الغد (حكم عليه السبت 24-12-2005 بالسجن 5 سنوات في قضية تزوير توكيلات الحزب)، ويرفض محاولات تأسيس حزبي الوسط والكرامة، لن يسمح أبدا للإخوان بتأسيس حزب مدني ».

واختتم د. الشوبكي تعليقه بالتشديد على أن قضية الشرعية تفرض عدة استحقاقات على كل من النظام الحاكم وجماعة الإخوان.

ورأى أن « النظام الحاكم غير مستعد للوفاء باستحقاقاته، ومنها: تجديد أفكاره، وإصلاح الحزب الوطني الحاكم، والتخلي عن البلطجة واستغلال سطوة الأجهزة الأمنية ».

غير أنه اعتبر أن « الإخوان مستعدون حاليا لإنجاز استحقاقات الشرعية، ومن بينها تبني خطاب سياسي يقوم على احترام المواطنة، والسعي لتأسيس حزب مدني، واحترام الدستور والقوانين ».

فرصة للإخوان

وفي السياق نفسه، دعا الكاتب والمفكر الإسلامي فهمي هويدي إلى إعطاء الإخوان المسلمين الفرصة إلى أن يتحقق لهم النضج السياسي.

وطالب خلال ندوة بعنوان « مستقبل التغيير في مصر » عقدت بنادي هليوبوليس بالعاصمة المصرية الأحد 25-12-2005 « بعدم توجيه أسئلة مثل ماذا سيفعل 88 نائبا من الإخوان في أنفلونزا الطيور؟ ».

ونقلت صحيفة « المصري اليوم » الإثنين قول هويدي: « إن مقارنة تجربة الإخوان بتجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا تحتاج إلى خلفية تنطوي على أن حزب العدالة تشكل عام 2001، وهو نتاج رحلة من الممارسات الديمقراطية بدأت عام 1973، بداية من حزب السلامة، مرورا بحزبي الرفاة والفضيلة، وصولاً إلى حزب العدالة والتنمية؛ إذن فالممارسة الديمقراطية تنضج الأفكار وتهذب السلوك السياسي، ولذا وصل حزب العدالة إلى السلطة بعد 33 عاما ».

(المصدر: موقع إسلام أون لاين.نت بتاريخ 26 ديسمبر 2005)


السماح لعاكف بأداء فريضة الحج

قال د.عصام العريان القيادي في حركة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر إن محمد مهدي عاكف المرشد العام للحركة تلقى من وزارة الداخلية ما يفيد برفع حظر قد أبلغ به في السابق على سفره إلى المملكة العربية السعودية للحج.

إلا أن العريان قال في تصريحات لبي بي سي العربية إن قرارات المنع من السفر لاتزال سارية على معظم قيادات الحركة مضيفا أنها تشمل معظم نواب المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد.

ووجه العريان انتقادات الى السلطات المصرية التي اتخذت هذه القرارات بدون أحكام قضائية قائلا إنه حتى في حال وجود أحكام قضائية فإن وزارة الداخلية المصرية لا تحترمها.

وناشد العريان الرئيس المصري حسني مبارك اتخاذ موقف حيال هذه القضية مؤكدا ضرورة وجود ضوابط واضحة لقرارات المنع من السفر لتكون في ضوء القانون وخاصة في ظل عملية الإصلاح الاقتصادي التي قال إن مصر تمر بها.

وكانت حركة الإخوان المسلمين قد حققت إنجازا كبيرا في الانتخابات التشريعية المصرية التي جرت مؤخرا بفوزها بثمانية وثمانين مقعدا في مجلس الشعب وهو ما يعادل 20 بالمئة تقريبا من مقاعده لتصبح بذلك القوة المعارضة الرئيسية في مصر.

وقبل أيام أثار عاكف جدلا بعد تصريحات نسبت له وهاجم فيها الديمقراطيات الغربية التي  » تهاجم أي شخص يتساءل حول صحة الاعتقاد بأن ألمانيا النازية أبادت ملايين اليهود » على حد قوله واصفا الهولوكوست بأنه « خرافة ».

إلا انه عاد بعد ذلك ليؤكد انه لم يقصد في بيانه الاسبوعي التحدث عن موضوع عمليات الإبادة الجماعية لليهود المعروفة باسم الهولوكوست.

واوضح في مقابلة مع القسم العربي في بي بي سي ان بيانه تناول « الديمقراطية الغربية المنحازة الى آل صهيون » على حد وصفه.

واضاف عاكف « لست باحثا، ولا شأن لي بالمحرقة ان كانت صحيحة او غير صحيحة. انما تحدثت عن الديمقراطية الغربية وانحيازها، اذ انها ديمقراطية غير شفافة، وغير واقعية، وغير حقيقية ».

(المصدر

: موقع بي بي سي أون لاين بتاريخ 24 ديسمبر 2005)


جـبـران تــويـنـي – قَــسَـم الحـريـة في شمس ‘النهار’

 

قَـــسَــم الحــــــريــــة

عندما كنا طلابا في الجامعة، كان الهتاف يتألف من جملتين باللهجة العامية

: « يا حرية نحن رجالك بدنا نمنع اغتيالك »، وقد حملته حناجرنا في التظاهرات التي صنعها حلم التغيير الذي نذرنا حياتنا له.لم نكن نعي معنى هذه الكلمات البسيطة حين صاغتها العبقرية الشعبية في مواجهة آلة القمع، التي وقفت سدا في وجه تطوير التعليم العام، وتحرير لبنان من الطائفية.وكبرنا، وجاءت الحرب بمآسيها وسرقت احلامنا.

لكننا استفقنا عندما ارتسمت الحرية من جديد، معيدة الى ساحة الشهداء اسمها.

استفقنا على ايدي شباب لبنان وشاباته، ترتفع في وجه آلة القمع المشتركة السورية

– اللبنانية، التي قتلت رفيق الحريري وباسل فليحان، معتقدة انها بالارهاب والتخويف تستطيع اخراس الشعب، وسحق حلم الحرية والاستقلال.

استفقنا على خيام الحرية، وعلى جيل جديد اتى ليقول لنا ان التضحيات لن تذهب إهداراً، وان ميراث الدم والقهر في لبنان، استولد افقا جديدا، وان مسيرة الاستقلال يصنعها اليوم شعب قرر ان يدافع عن الحرية حتى الموت.

ومع الانسحاب العسكري السوري بدأت موجة المتفجرات والاغتيالات.

حاولوا في البداية ارهابنا بمحاولة اغتيال مروان حمادة، وفشلوا.

قتلوا رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما، وفشلوا.

قتلوا سمير قصير، من اجل ترهيب

« النهار » واليسار، وسحق الحلم عبر قتل كاتب « بيان الحلم »، وفشلوا.

قتلوا جورج حاوي، من اجل ان لا تتحد مقاومة الاحتلال الاسرائيلي بانتفاضة الاستقلال، وفشلوا.

حاولوا قتل الياس المر كي يزيحوا الشهود، وفشلوا.

حاولوا قتل مي شدياق، كي يمّحي الصوت وتتلاشى الصورة، وفشلوا.

وامس، امتدت اليد المجرمة الى

« النهار »، مرة ثانية، وقتلوا مديرها العام ورئيس مجلس ادارتها، النائب جبران تويني، معتقدين ان الاقلام سوف تنكسر في ايدي الاحرار، وان الموت سوف يحول « النهار » معتما كالقبر، وفشلوا، وايضا وايضا سيفشلون.

القسم في ساحة الحرية لم يكن قسم جبران تويني وحده، بل كان قسم اكثر من مليون لبناني، اعلنوا انهم قرروا الموت دفاعا عن الحرية.

اليوم، نستعيد شعار شبابنا، وقد كتبناه بدمنا.

لن نسمح باغتيال الحرية، حتى لو كان الثمن اغتيالنا.

يستطيعون قتل الصحافيين والكتّاب والسياسيين واحدا واحدا.

لكنهم لن يستطيعوا اغتيال الحرية.

نموت كي تبقى الحرية.

نكتب كي نصنع الحرية.

يستطيعون اغتيالنا، نعم، لكننا سنحمي الحرية حتى النهاية

. والنهاية ليست موت الحرية، بل انهيار قاتلها وقاتلنا.

« يا حرية نحن رجالك

بدنا نمنع اغتيالك ».

« 

الملحق »

(

المصدر: « الملحق الأدبي » لصحيفة النهار الصادر يوم 18 ديسمبر 2005)


Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.