لجنة المطالبة بالإفراج عن السجين السياسي وليد العيوني: نداء عاجل إلى والدته لقطع إضراب الطعام القاسي لجنة المُطالبة بالإفراج عن السجين السياسي وليد العيوني: بيان إلى الرأي العام الرابطـة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنسـان: بـيـان جمعيـة الصحافييـن التونسييـن: بـلاغ الشيخ الحبيب اللوز القيادي البارز والرئيس السابق لحركة النهضة التونسية في حوار مع « الوسط التونسية » افتتاحية « الموقف »: الديمقراطية المؤجلة الجزيرة.نت:عرض لكتاب « لن أرحل » للكاتب والصحفي التونسي توفيق بن بريك محمد بن نصر: توضيح محمد العروسي الهاني: رسالة مفتوحة للتاريخ إلى عناية السيد الوزير الأول المحترم حول موضوع التشغيل عبدالحميد العدّاسي: مواصلة لما بدأه السيّد أصيل تستور مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات :المؤتمر العالمي الثالث عشر للدراسات الموريسكية العرب أونلاين: قصة الشباب الحالم مع قوارب الموت: « اللمبارة ».. فيلم تونسى يسلط الاضواء على الهجرة السرية زياد المولهي: الزواج العرفي أو الزواج بثانية في تونس بين الواقع والقانون والمجتمع…وأمام الله. إنشراح النفوس وتمييز المعزة من البركوس في تـقاريـــر دافــوس الحياة: الدراجة شائعة في المدن التونسية و «الكرهبة» ضرورية للعاصمة القدس العربي: المغرب: مركز حقوق الانسان يرسم صورة قاتمة عن الوضع الحقوقي في البلاد عادل الحامدي : كابوس الاصولية في الشرق والغرب محمد صادق الحسيني: العراق: اختبار للوفاق او الافتراق مع إيران د. محمد السعيد إدريس: ماذا بعد فشل المشروع الأميركي فى العراق ؟
الطيب بوعزة : ملامح خطاب النيوليبرالية العربية
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
لجنة المطالبة بالإفراج عن السجين السياسي وليد العيوني :
نداء عاجل إلى والدته لقطع إضراب الطعام القاسي
21 ماي 2007
دخل إضراب الجوع القاسي الذي تخوضه السيدة فطيمة بوراوي والدة السجين السياسي وليد العيوني الذي فقد تماما مداركه العقلية في السجن بسبب تعرّضه للتعذيب الوحشي على يد البوليس السياسي في تونس ، أسبوعه الثالث .
و قد إختارت السيدة بوراوي مواصلة الإضراب عن الطعام ما لم يتحقّق الإفراج الفوري عن إبنها المتضرّرالذي لم تثبت عليه أية تهمة ، وذلك رغم ما خلّفه الإضراب على جسدها الضعيف من أضرار صحيّة فادحة إزدادت بعد تعرّضها للتعنيف على يد أعوان سجن المرناقية منذ أيام قليلة وهي المتقدّمة في السنّ .
و قد تمّ نقل السيدة فطيمة بوراوي اليوم الإثنين 21 ماي 2007 على جناح السرعة من مقرّ إقامتها بمدينة قليبية إلى إحدى المصحات بعد أن تعكّرت حالتها الصحية إلى حدّ خطير و أغمي عليها .
إنّنا نرفع هذا النداء العاجل إلى السيدة فطيمة بوراوي ، مُناشدين إيّاها أن تقطع إضرابهاعن الطعام في الحال بعد الأخطار التي صار يشكّلها فعلا على حياتها ، واعدين إيّاها بتبنّي قضية إبنها العادلة وببذل قصارى الجهد بكلّ الوسائل النضالية المشروعة في تونس و الخارج من أجل تحقيق مطلبها الشرعي في الإفراج عن إبنها و محاسبة الجناة الذين مارسوا عليه جريمة التعذيب .
– علي بن سالم (رئيس جمعية قدماء المقاومين).
– فيولات داغر (العضو باللجنة العربية لحقوق الإنسان) .
– عبد الرؤوف العيادي (ناشط حقوقي و نائب رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) .
– لطفي الحيدوري ( عضو المجلس الوطني للحريات) .
– محمد النوري (رئيس الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين) .
– هيثم مناع (الناطق الرسمي للجنة العربية لحقوق الإنسان) .
– سهام بن سدرين (الناطق الرسمي للمجلس الوطني للحريات) .
– د.المنصف المرزوقي (رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) .
– راضية النصراوي (رئيس جمعية مناهضة التعذيب) .
– نزيهة رجيبة (رئيس تحرير مجلّة « كلمة » ) .
– لطفي العمدوني (ناشط حقوقي) .
– سامي نصر ( عضو المجلس الوطني للحريات) .
– محمد الحمروني (صحفي) .
– سليم بوخذير (صحفي) .
– لطفي حجّي (صحفي) .
– فتحي الجربي (القيادي بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية) .
– عماد الدايمي (المسؤول عن موقع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية)
– جلال الماطري (إتحاد التونسييين بسويسرا)
– عمر القرايدي ( ناشط حقوقي) .
– حسين بن عمر (ناشط حقوقي) .
– طارق العبيدي (محامي و ناشط حقوقي) .
ملاحظة :
لمن يرغب في الإنضمام إلى لجنة المطالبة بالإفراج عن السجين السياسي وليد العيوني ومحاسبة الجناة ، الرجاء إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني إلى العنوان التالي :
لجنة المُطالبة بالإفراج عن السجين السياسي وليد العيوني :
بيان إلى الرأي العام
21 ماي 2007
فقد السجين السياسي التونسي وليد العيوني مداركه العقلية تماما منذ أسابيع ، بعد تعرّضه لصنوف لا تُطاق من التعذيب الوحشي زمن التحقيق و زمن الإعتقال بسجن المرناقية بالعاصمة ، رغم توقيع الحكومة التونسية على مُعاهدات و إلتزامات دولية تحرّم جريمة التعذيب و تعرّض مرتكبها للتتبّع .
و لم تثبت على هذا السجين أيّة تهمة ، و قد وصل الأمر بالسلطات التونسية إلى حدّ أن منعت عنه منذ نصف شهرحقّ الزيارة من طرف ذويه ، كما تواصل الإمتناع عن إخراجه من السجن لمحاولة علاجه .
إنّنا في لجنة مساندة السجين السياسي المتضرّر وليد العيوني :
– نطالب بالإفراج الفوري عنه .
– نعلن تجريمنا للتعذيب الذي تعرّض له .
– نُطالب بمحاسبة الجناة الذي مارسوا عليه جريمة التعذيب ، و كذلك الحكومة التونسية المسؤولة الأولى عن إنتشار ظاهرة التعذيب في مقرات البوليس السياسي و السجون .
– نجدّد المُطالبة بالإفراج الفوري عنه و عن كلّ السجناء السياسيين بتونس .
– علي بن سالم (رئيس جمعية قدماء المقاومين).
– فيولات داغر (العضو باللجنة العربية لحقوق الإنسان) .
– عبد الرؤوف العيادي (ناشط حقوقي و نائب رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) .
– لطفي الحيدوري ( عضو المجلس الوطني للحريات) .
– محمد النوري (رئيس الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين) .
– هيثم مناع (الناطق الرسمي للجنة العربية لحقوق الإنسان) .
– سهام بن سدرين (الناطق الرسمي للمجلس الوطني للحريات) .
– د.المنصف المرزوقي (رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) .
– راضية النصراوي (رئيس جمعية مناهضة التعذيب) .
– نزيهة رجيبة (رئيس تحرير مجلّة « كلمة » ) .
– لطفي العمدوني (ناشط حقوقي) .
– سامي نصر ( عضو المجلس الوطني للحريات) .
– محمد الحمروني (صحفي) .
– سليم بوخذير (صحفي) .
– لطفي حجّي (صحفي) .
– فتحي الجربي (القيادي بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية) .
– عماد الدايمي (المسؤول عن موقع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية)
– جلال الماطري (إتحاد التونسييين بسويسرا)
– عمر القرايدي ( ناشط حقوقي) .
– حسين بن عمر (ناشط حقوقي) .
– طارق العبيدي (محامي و ناشط حقوقي) .
الشيخ الحبيب اللوز القيادي البارز والرئيس السابق لحركة النهضة التونسية
في حوار مع « الوسط التونسية »
في هذا الحوار الهام يدلى الأستاذ والشيخ حبيب اللوز -القيادي الاسلامي البارز في حركة النهضة التونسية والرئيس السابق لها- برأيه في مجموعة من القضايا الوطنية والاسلامية ,ليتعاطي بذلك مع موضوعات حيوية شغلت الساحة السياسية والحقوقية والاعلامية منذ سنوات وحتى على مدار الأسابيع الأخيرة ,اذ أنه من خلال هذا الحوار الذي أجراه معه زميلنا الاعلامي ورئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية مرسل الكسيبي, يقف في جولة واسعة على ملخص تجربته المؤلمة أثناء الاعتقال السياسي ,ليسرد بذلك قصة معاناة وطنية وانسانية, يمر بها اليوم الاف من الشباب والقادة السياسيين في تونس ,ليمر بعد ذلك الى التعاطي مع موضوعات حركية وسياسية عامة يعيشها الوطن والمنطقة والأمة ,معرجا بذلك على رؤيته لما يشهده العالم وتونس من تحولات ,ليصل في طور لاحق من الحوار الى التعليق على مستجدات حديثة بالوضع العام بالبلاد التونسية …
الوسط التونسية حاولت أن تلخص من خلال بعض أقوال الشيخ حبيب اللوز أهم ما ورد في نص هذا الحوار ,غير أنها تلح على ضرورة التمعن في النص الكامل له, أخذا بعين الاعتبار أهمية ما ورد فيه من مواقف وتقويمات وتحليلات نعتبرها من أبرز ما أدلي به في الساحة السياسية الاسلامية التونسية منذ سنوات .
وفيما يلي نترككم مع بعض هذه الأقوال الهامة جدا ,على أن ينتقل الذهن والنظر بعدها مباشرة للقراءة الهادئة والكاملة لنصه الممتع والمطول والهام :
الشيخ حبيب اللوز في بعض ما أورده في الحوار :
–كنت في أعماقي أعتزّ بشرف ما نالني من قسط من الأذى والإبتلاء ويعلم الله أنّي لا أبغي الآن من الاشارة الى تلك المرحلة الاّ رضوان الله ثم الطمع في أن ألفت نظر أصحاب الضمائر الحيّة الى معاناة اخوانهم القابعين الآن في السجون…
–ندائي لكلّ حر أبيّ ولكل من يتنعم بالأمن والحرية ولكل من ينام في فراشه قرير العين متمتعا بالدفء والأحلام الوردية ألا ينسوا أولائك المعذبين مهما كانت مشاربهم وانتماءاتهم..
–أن نعالج حملات القمع والإحتواء بعكس مقصدها وما سوى ذلك فلن يكون غير وقوع في الفتنة سواء تمظهر ذلك في شكل انكفاء وتخاذل أو في شكل إرتكاس الى الهموم الذاتيّة الدنيويّة أو كان إنزلاقا الى الإنفعال والمزايدات والخطاب المتشنّج الذي لا يثمر عادة غير انتشاء عاطفي آني ما يلبث أن تحيله صرامة الواقع إلى احباط مستديم .
–التونسي في العموم يتطور باستمرار في اتّجاه أن يعرف جيّدا وبسهولة ما يجب أن يكون ولكنّه في نفس الوقت يتتطور في اتجاه أن يهضم جيّدا بسهولة كذلك ما يجب ألاّ يكون…
–حين تعي النخب السياسية في بلادنا أن أزمتها مع الجماهير منشأها الاول هو عدم مخاطبتها من خلال المرجعية المقدسة في فضائنا العربي الاسلامي تكون وقتها قد عاينت الاشكال و لامست الحل…
–تنامي الوعي بالأزمة على الصعيدين السياسي والإجتماعي في بلادنا لا يسمح في الأصل بنشوء تلقائي لتديّن رومنسي منزوع التسيس مشغول بالمفاهيم المطلقة عن قضايا الحياة والمجتمع وعن هموم القطر ومشاكل البلاد والعباد…
–قوى المجتمع المدني مجتمعة ليست قادرة الآن على تكريس التوازنات التي تجعل مناخ الحريات العامة أقل المناخات كلفة للسلطة لذلك يكون من الجدية والواقعية أن تسلك المعارضة مع السلطة مسلك المراوحة بين الممانعة والطمأنة وهي معادلة أحسبها ضرورية تشجّع كلّ الأطراف ولو بعد حين على التنازل المحسوب المتبادل ..
–صمام الأمان هو أن تحصل في البلاد مصالحة وطنيّة شاملة يدعو لها ويقوم عليها من قوى الممانعة والمعارضات أطراف لهم من المصداقية مالا يمكن أن يتسرب إليه بسهولة اللبس والإرتياب , و هذا يعني انه علينا ان نكابد ونناضل من اجل ارسائها ولو بعد حين بالشروط الدنيا الضامنة لمصداقيّتها .
–أحسب والله أعلم أنّ دور الحركة الإسلاميّة يجب ان ينصب في هذه المرحلة على انضاج تلك الظاهرة الدينيّة المتنامية وترشيدها في اتجاه مزيد التحامها بقضايا البلاد و العباد…
–أرى أن تتوجه الحركة الإسلامية نحومزيد من المزج الواعي بين الحراك السياسي و العمل الدعوي الثقافي في سياق ترشيد العقليات و النفوس باتجاه ارساء حالة مجتمعية توافقية و تصالحية بناءة و فعالة .
-..أحسب أنّ الساحة الإسلاميّة تشهد الآن على امتدادها إزدهارا لتيار إسلامي سياسي متوازن تنامى كرد على إنسداد الأفق امام خيارين مشطّين متناقضين لا يخلو أحدهما من آحادية .
-..يجب أن نكون كحركة قد قمنا بمبادرات سياسية حقيقية أو فعلنا فعلا ملحوظا ذا دلالات حركية وسياسية واضحة حتى نستطيع أن نختبر مدى ايجابية رد فعل السلطة و لا بأس لكي يكون إختبارنا صادقا وأمينا أن تلتزم مبادراتنا بالإيجابيّة والمسؤوليّة وروح التجاوز وتغليب مصلحة البلاد وفي تقديري أنّ أيّ مماحكات صغيرة وقعت أو تقع يجب ألا تشوّش على إختبار نريده أن يكون منعرجا إيجابيّا وطيّا لصفحة منغّصة.
– …حين تستعمل القوة في غير محلها أو حين تستعمل للظلم والحيف والتعسف والإضطهاد… فذلك هو العنف و من هذا العنف الذي لا يجب أن يبرر بل يجب أن يدان بكل وضوح تلك العملية التي وقعت في الضاحية الجنوبية.
–القانون الأساسي لحركة النهضة لا يسمح بوجود قيادة الحركة خارج البلاد الاّ عند استحالة وجودها بالداخل وانطلاقا من هذا فقد أكدت الحركة في مؤتمراتها الأخيرة التي عقدتها بالمهجر خيار العودة متى تسمح بذلك الظروف .
-…فلن يكون بوسع القيادة أن تكون في الداخل الا مع وجود مناخ سياسي يسمح بهامش معقول من الحضور والتحرك.
–ليس من الحكمة و لا من الواقعية الاستباق لحمل الاطراف المشاركة في هيئة 18 أكتوبر على التزام وحدة فكرية تقتضي تبني رؤية مجتمعية فيها عديد المسائل التفصيلية بعضها يثير اشكالات شرعية حساسة بل منها ما لا يمكن أن يتموقع الا خارج الدائرة الشرعية كما حصل في بيان 8 مارس حيث لا يمكن ان يفهم امضاء اي حركة تنطلق من مرجعية اسلامية الا على أنه امضاء بتحفظ و لئن كان لمثل هذا النوع من الامضاء سوابق في تاريخ العمل الائتلافي بين المنظمات و الحركات و حتى الدول الا انه يمثل حالة لاتخلو من تدافع و الجاء و احراج ,أقدر أن الساحة السياسية في بلادنا في غنى عنه…
حاوره مرسل الكسيبي:
الوسط التونسية: الشيخ الفاضل الأستاذ الحبيب اللوز نرحب بكم ابتداء في هذا الحوار ونأسف كثيرا لإجرائه في مثل هذا الظرف الزمني الذي تعانون فيه من محنة ثانية بعد خروجكم من السجن حيث غادرتموه وقد فقدتم الابصار بإحدى العينين كما خرجتم بمضاعفات صحيّة أخرى نرجو أن تحدّثونا في دقّة عنها حتّى تحيطوا الرأي العا م الوطني والدولي بالظروف العامّة التي صاحبتكم في تجربة الإعتقال السياسي .
الشيخ حبيب اللوز :
شكرا على ما لمسته في نبرة سؤالك من أحاسيس نبيلة تجاه معاناتي و معاناة إخواني في السجن وخارجه ومعاناة كلّ سجناء الرأي ولقد رجوتني أن أحدثك عن معاناتي بدقّة وأنا بكلّ صدق لا أجد في نفسي ارتياحا للحديث في مثل هذه المسألة ,لسبب بسيط هو أنّي أخشى إحتمال أن يستدرجني اكثار الحديث في المعاناة الذاتيّة إلى ما يشبه المنّ والتبجّح بالنضال لا سيّما وأنّ ماتعرضّت له لايمثل أمام معاناة إخواني من رفاق السجن إلاّ نزرا قليلا ,بحيث لايكاد يذكر مع معاناتهم فأنا يا أخي كنت أقلّ السجناء تعرضّا للأذى فلعلّ سنّي وموقعي في الحركة آنذاك وربّما أشياء أخرى جعلت إدارة السجون توصي بمعاملتي معاملة يغلب عليها الإحترام و الإنضباط ….
هذه بأمانة هي الحقيقة ولكن للسجن مفارقاته وتقلباته و مفاجآته إذ دوام الحال فيه من المحال ، فذلك الذي سميته احتراما وانضباطا هو حال نسبي بالمقارنة مع أحوال غيري ثم أنت قد تفاجأ في أيّ لحظة من اللحظات ولأتفه الأسباب بانقلاب مذهل في التصرّف معك لا تدري سببه …ومثال ذلك أنّي في العام 1995 وبعد أربع سنوات من مثل ذلك التعامل المنضبط فوجئت بنقلي إلى سجن قفصة اثر الحاحي على معالجة أضراسي التي أرهقتني آلامها المبرحة وهناك غلظت عزلتي فصرت لا أرى الا العون المباشر لي ومنعت من الفسحة الاّ مّرة في الأسبوع أو مرتين, وحرمت من الجرائد والتلفزة ووضعت في غرفة أشبه بالمرحاض بدون شبابيك الاّ شباك صغير حجمه عشرون سنتماتر على عشرين لا يمكنك أن تطل منه على العالم الخارجي الا بصعوبة شديدة فترى من حين لآخر عبر رؤية جانبية زرقة السماء من وراء شبكة كثة من القضبان الحديدية الصدئة ثم مالبثوا أن أقلقتهم اطلالات وجهي من وراء ذلك الشباك فأمر مدير السجن بوضع كلّ الحواجز الحديدية الكفيلة بحجب الرؤية عنّي تماما …
وقد دامت هذه الوضعية ثلاث سنوات: عزلة مغلظة وهم يتلكؤون في معالجتي وحتى المسكنات يعطونك مرّة ويمتنعون مرارا ولا يهمهم أن تظل طيلة تلك السنين تئن وتشتكي فلما حاولت اعلام أهلي بوضعيتي وطلبت منهم ابلاغها الى المنظمات الحقوقيّة وإلى الإعلام الحرّ قطعوا الزيارة وأرجعوني إلى الغرفة المشؤومة وحذروني من مغبة العودة لمثل ذلك …
وطبعا فلأني تحديتهم ولم أسكت على ظلمهم واستهانتهم فقد أشبعوني لطما وضربا وسبابا ثم قيدوني بالسلاسل على سريري المثبت بالإسمنت فلا حراك ولا قضاء للحاجة البشرية وهو شكل مقيت من التعذيب والاهانة أشدّ بكثير من حرمانهم إياي وجبة الطعام أكثر من عشر مرات وهذا بمعاييرهم السجنية سلوك غير مقبول وغير مألوف ولكنهم تعمدوه معي استثنائيّا للضغط ولكسرالشوكة أوهكذا كانوا يفكرون.
و بقي الامر هكذا إلى حدود سنة 1998 حيث اضطروا إلى تغيير سياساتهم شيئا فشيئا نحو الأرفق والمعاملة شبه العادية …
هذه الحالة التي مررت بها قد تبدو لمن لم يجرب السجن من أشدّ الحالات ولكن رفاقي في السجن كانوا مجمعين على أنّي أقلّ السجناء تعرضا للأذى على الإطلاق ولأجل هذا ظللت طيلة فترة السجن أستحيي من أن أصف في حضرة إخواني رفقاء السجن ذلك الذي تعرضت له بالمعاناة أو التعذيب وإن كنت في أعماقي أعتزّ بشرف ما نالني من قسط من الأذى والإبتلاء ويعلم الله أنّي لا أبغي الآن من الاشارة الى تلك المرحلة الاّ رضوان الله ثم الطمع في أن ألفت نظر أصحاب الضمائر الحيّة الى معاناة اخوانهم القابعين الآن في السجون سواء كانوا من حركة النهضة أو غيرها من مثل بعض الشباب المتدين اليافع الذين لم يثبت لهم انتماء والذين يتعرّضون هذه الأيام للأذى الشديد وكثير منهم يساقون وهم في سنّ الزهور إلى المخافر لمجرد التحوط فيجري عليهم ماجرى على سابقيهم ثم ولأدنى شبهة يودعون غياهب السجون …وندائي لكلّ حر أبيّ ولكل من يتنعم بالأمن والحرية ولكل من ينام في فراشه قرير العين متمتعا بالدفء والأحلام الوردية الا ينسوا أولائك المعذبين مهما كانت مشاربهم وانتماءاتهم ولا سيما اولائك الذين مرت على صمودهم السنون وان يبذلوا من اجلهم جهدهم المستطاع لأنّهم بذلك فقط يرضون ربّهم ويرضون ضمائرهم ثم لأنّهم بذلك يردون لهم جميل مابذلوه في سبيل الحق والعدل والحرية وفي سبيل تونس وأهل تونس .
لذلك فتونس في أمسّ الحاجة إلى تآزر أبنائها لنصرة المظلومين وحجز الظالمين عن ظلمهم ليتيسر لها في نهاية المطاف طي تلك الصفحات المظلمة المؤلمة وياليت أبناء تونس ينحون في إدارة الخلاف بينهم إلى ما هو أرقى وأسلم وأضمن …ثم ولأنّ الجرأة والتحدّي إنّما ينبثقان من رحم المآسى والمعاناة فالعنف لا يولد الاّ العنف الأشد ومسلسل « العنف والعنف المضاد » إذا ترك على عواهنه لن تكون محصلته في نهاية المطاف الاّ تصاعديّة وحبلى بالمآسى والدماء والأحقاد فما أحوجنا إلى الإعتبار وإلى الإنتصار على النفس من أجل موقف رشيد.
الوسط التونسية: الأستاذ اللوز, لو تكرمتم هل حملتم رسالة من داخل السجن إلى بقيّة إخوانكم وأحبّائكم داخل وخارج الوطن ؟ وماهو الوضع العام الذي تركتم عليه بقيّة سجناء الرأي داخل المعتقلات التونسية ؟
الشيخ حبيب اللوز : نعم …وبكلّ تأكيد…وهي رسالة عميقة وملحّة مهمومة بقضيّة الإسلام وقضيّة الأمّة وقضيّة تونس ..ولا عجب فالذين تبقّوا في السجن من بين آلاف المساجين من أبناء الحركة هم عشرات من قيادييها…فطبيعي جدّا أن تصّب رسالتهم لإخوانهم ولأحبائهم في مصبّ تجديد العهد على الثبات على ما جمعنا من مبادىء وقيم وأهداف كبرى مقدّسة والتذكير بما تواصينا به قبل المحنة من مراوحة دؤوبة بين دوام الإلتزام والتضحية والإقدام وبين الحكمة والحلم والتجاوز حتى لا تفعل فينا المحنة الاّ ما يرضي الله وترضاه ضمائرنا..
وأوّل ما يقتضيه ذلك منا الآن هو أن نعالج حملات القمع والإحتواء بعكس مقصدها وما سوى ذلك فلن يكون غير وقوع في الفتنة سواء تمظهر ذلك في شكل انكفاء وتخاذل أو في شكل إرتكاس الى الهموم الذاتيّة الدنيويّة أو كان إنزلاقا الى الإنفعال والمزايدات والخطاب المتشنّج الذي لا يثمر عادة غير انتشاء عاطفي آني ما يلبث أن تحيله صرامة الواقع إلى احباط مستديم .
هذه هي روح الرسالة التي تواصينا بها ليبلّغها عنّا من سيكتب له الخروج منّا من السجن لأنّنا لم نكن آنذاك نعلم من سيخرج ممّن سيبقى والحقيقة أنّ أغلبنا كنا قلقين من غياب حضور الحركة السياسي والدعوي والثقافي بالحجم المعقول الذي يليق بالحركة وقلقين من روح الإنتظاروالترقب ومن الإنتظارات الموهومة سواء تلك المعولة على المفاجآت أو تلك المتربصة بالمراكمات أو تلك المتوسّمة للمراجعات قبل أوانها كما كنا قلقين كذلك من ضعف فاعلية الفرد لدى سائر الحركات السياسية ولدى حركتنا وعليه فلقد كنّا نتشوّف إلى بروز مبادرات جماعيّة ناضجة وبناءة تكرس التجاوز وتقودنا وتقود غيرنا الى الفعل المسؤول والى المساهمة ولو بتدرّج في معالجة ملفّات البلاد ومنها ولا شكّ ملفات الحركة …واذن فلقد كانت القناعة السائدة لدى أغلبنا هي أن المطلوب منا وطنيا هو تهيئة المناخ لمبادراتنا وتهيئة سائر الأطراف المعنية لها مغلبين الرشد والحكمة والتجاوز وروح المصالحة التي يجب ألا يستثنى منها أحد …ولكن كذلك يجب الاّ نهدر مبادراتنا الخيرة تلك بالتردد والانتظار وطلب الاذن و الترخيص لأنّ الإسترخاص لا يخلو من تعليق على المجهول وتأجيل لأجل غير معلوم .
أمّا الشقّ الثاني من سؤالك والمتعلّق بالوضع الذي تركت عليه بقية سجناء الرأي فهذا الوضع العام فيه مفارقة لا تخلو من الغرابة ..ذلك أنّي تركت إدارة السجون تسلك مع أولائك السجناء سياستين : واحدة لقدمائهم تستصحب فيها بعضا ممّا طرأ على ممارساتها من تحسينات نسبيّة طفيفة اضطرت اليها لسبب أو لآخر منذ 1998 وأخرى للمساجين الجدد يغلب عليها تعامل شديد التعسّف مماثل لذلك الذي مورس معنا في بداية التسعينات إبّان إعتقالنا ومحاكمتنا وهذه الازدواجية مقلقة للجميع وتقلق الادارة السجنية كذلك وأخشى أن يدفعها ذلك الى التسوية في التعسف لا في تلك التحسينات الطفيفة وللأسف فقد بدأت تبرز للعيان مؤشرات على ذلك في معاملات الادارة السجنية مع قيادات النهضة من مثل التلكأ في المعالجة و منع عديد المأكولات المسموح بها سابقا في القفة و التعامل الاستفزازي من قبل ادارة السجن و أشكال عديدة أخرى في الوقت الذي كان الجميع ينتظر اطلاق سراحهم و انهاء معاناتهم التي طالت كثيرا مجاوزة الست عشرة سنة.
الوسط التونسية: كيف وجدتم تونس بعد أن غادرتم السجن وهل من متغيرات بارزة طرأت على المجتمع والوضع العام ؟
الشيخ حبيب اللوز : في عديد الأشياء وجدتها كما تركتها لا سيّما فيما يتعلقّ باستمرار الركود السياسي وإنسداد أفق التطور في الحياة العامة بالبلاد.
وبإستثناء بعض التطوّر المعماري الملحوظ والإرتفاع في مستوى العيش المصحوب بشيء من الإنفتاح على التكنولوجيا مع غلاء فاحش في الأسعار مزامن لتنامي عقليّة الإستهلاك و كثرة الانفاق و التداين و عموما فأهمّ مالاحظته ليس تغيّرا أو انقلابا في حياة التونسي ولكن نوعا من الهروب إلى الأمام في تشكل متنام لشخصيّته وسلوكيّاته… إنّك تلحظ من خلال تعاملك مع شتى الفئات الإجتماعية أنّ التونسي في العموم يتطور باستمرار في اتّجاه أن يعرف جيّدا وبسهولة ما يجب أن يكون ولكنّه في نفس الوقت يتتطور في اتجاه أن يهضم جيّدا بسهولة كذلك ما يجب ألاّ يكون…
وبتعبيرة أخرى فهو يعرف جيّدا وبدون عناء أين يكمن الحق والصواب ثمّ هو يضطر مكرها لا بطلا الى أن يهضم جيّدا وبدون عناء كذلك الواقع كيفما كان أي يسايره ويتعامل معه بنوع من التقبّل الظاهري والتسليم بقطع النظر هل اعتبر ذلك الواقع حقا وصوابا أم لا ….
وفي سياق هذه الشخصيّة الذهنيّة النفسيّة الغالبة برزت العولمة المتلبسة بثورة الإتصال والمشهد الإعلامي الفضائي فأفرزت بدون استئذان من أي أحد ظاهرتين مجتمعيّتين متداخلتين إلى حدّ ما : واحدة سياسية والأخرى دينية ..
الأولى أنّك تلحظ ظاهرة « وعي » سياسي لا ينفصل عن قضايا الأمّة الكبرى وهي ظاهرة في تنام في شكل دفقات متتالية نتيجة حالة المدّ والجزر التي تعتري الإهتمام والمتابعة والحماس بحسب حجم الأحداث وحجم إثارتها. ولكن هذا « الوعي » يظلّ سلبيّا باتسامه بطابع فرجوي تولّد عن شدّة القمع وفزاعة الخوف التي ضخمت المراقبة الذاتية فدفعت الناس إلى الإكتفاء بمتابعة إعلامية لا تبعة فيها ولا التزام حقيقي ولا ممارسة ولا معاناة …
و على الأرجح فإنّ هذا الطابع الفرجوي لحالة « الوعي » هذه سيظلّ سائدا إن لم تنجح النخب السياسيّة والفكرية في تأطير تلك الظاهرة وترشيدها باحداث نقلة نوعية تربوية وجودية في شخصية هذا الانسان و لو عبر مراحل تنقله من الاستغراق في هموم الخلاص الفردي الى المبدئية و استشعار قدسية قيم الحق و الحرية و العدل و ابطان الهم الجماعي و الالتزام بقضايا الامة و الشعب و الوطن.
هذه النقلة هي التحدي الأكبر الذي يواجه قوى المجتمع المدني, و هم عادة ما يعبرون عنها بأزمة تأطير الجماهير ,و أحسب أن حلها الحقيقي هو صنع مناخ فيه حد أدنى من الحراك السياسي المتنامي بنسق يواكب قدرة سائر القوى السياسية على تأطير الجماهير من خلال احداث تلك النقلة التربوية الوجودية في شخصية الفرد المناضل.
و في رأيي ان ما نلحظه من اتساع جماهيري للحركات الاسلامية في المنطقة هو تعبيرة واضحة عن نجاعة الخيار الاسلامي باحداث تلك النقلة المنشودة في شخصية الانسان و مرد تلك النجاعة الى طبيعة الخطاب الديني القادر على تحويل هم الخلاص الفردي الى هم خلاص جماعي اذ لن يدخل الفردوس الاعلى الا من بذل الوسع في بناء الفردوس الارضي… و لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه… و الخلق كلهم عيال الله و أحبكم لله أنفعكم لعياله… و في عقيدة الاسلام العمل عبادة و الاكل عبادة و الزواج عبادة و الاختراع عبادة.
و حين تعي النخب السياسية في بلادنا أن أزمتها مع الجماهير منشأها الاول هو عدم مخاطبتها من خلال المرجعية المقدسة في فضائنا العربي الاسلامي تكون وقتها قد عاينت الاشكال و لامست الحل… الخطاب المصطبغ بروح العلمانية ان وجد صدى فلن يجده الا في نخب ضيقة محصورة و حتى في هذه النخب الضيقة فأثره التربوي الوجودي محدود و الدليل على ذلك أن أفواجا من هذه النخب عادة ما تتحمس لحين للقضايا الوطنية و المصلحة العامة و الهم الجماعي و لا سيما فترة الشباب و العزوبة و لكنها لا تلبث بعد ذلك ان ترتكس الى الهم الفردي و هموم الدنيا و زينتها, فتترك روح النضال و التضحية مكانها الى طموح شغوف بالقصر الفخم و السيارة الفاخرة و الحياة المترفة.
بدون احداث تلك النقلة التربوية الوجودية في أعماقنا و في أعماق كل فرد من أبناء شعبنا سيظل حراكنا السياسي هزيلا و ستظل أحزابنا السياسية و سائر منظمات المجتمع المدني تعاني التقوقع و تفتقد الجماهيرية المؤثرة و مع استمرار هذه الحال لن نستطيع تكريس حريات و لا افتكاك حقوق و لا احداث تغييرات لصالح المجتمع المدني و لصالح الجماهير المستضعفة.
و الغريب أنك تلحظ بعض الاطراف تراوح في مكانها و لا تبالي و لا تقلق, و كأنها ألفت الهامشية و السلبية , وبعضها تطمئن نفسها و تمنيها بالتعويل على النظرية القائلة « بحتمية التطور مع كلّ مراكمة والا فالإنفجار » بمنطق: اشتدي ازمة تنفرجي و هذا كما لا يخفى تعويل خاطىء لم تثبت التجارب اطراده فضلا عن أنّه لا يراعي واقع البلاد و طبيعة المجتمع التونسي و لا يراعي كذلك متغيّرات العولمة ومستجداتها .
وأما الظاهرة الثانية فدينيّة بالأساس وهي ظاهرة متنامية بقوّه أكبر واتّساع اكثر ولكنها منزوعة التسيّس وترفض التحزّب وأحسب أن ذلك نشأ فيها بفعل فاعل وليس تطوّرا طبيعيّا لأنّ قضايا الأمة الكبرى صارت صاخبة ولا تحتمل الغفلة والإعراض , ثم ان مناخات الإحتقان الحضاري السائدة لا تسمح بهذا الحياد السياسي المفتعل كما أن تنامي الوعي بالأزمة على الصعيدين السياسي والإجتماعي في بلادنا لا يسمح في الأصل بنشوء تلقائي لتديّن رومنسي منزوع التسيس مشغول بالمفاهيم المطلقة عن قضايا الحياة والمجتمع وعن هموم القطر ومشاكل البلاد والعباد ولست أنكر أنّ النزوع الى المطلق طبع في النفس البشرية عادة ما يراعيه المصلحون والقادة والزعماء والنخب للاستفادة منه ولا سيما عند محاولة تعبئة الجماهير وصياغة الإنسان الرسالي الملتزم بما هو أعظم من مآربه الذاتيّة …هذا الحديث يجرّني طبعا الى التعريج على التطوّرالذي لاحظته في النخبة السياسية والفكرية والدينية ببلادنا حيث شعرت أنها تنزع شيئا فشيئا الى الظلّ والإنكفاء والسلبية على عكس ما تعتمل به ساحات قطرية أخرى وأتمنى أن يكون هذا الشعور سوء تقدير مني وبصدق لست أزكى نفسي واني لأستشعر وباستغراب أنّ الإعتمالات التي كانت تتملكني وأنا في السجن كانت أشدّ من تلك التي تتملكني الآن وأنا خارجه…فهل مرد هذا الارتخاء الذي يصيب نخبتنا الى عقم الساحة السياسية والفكرية والدينية بالبلاد نتيجة غياب حريّة الكلمة وحريّة التنظم وحريّة الممارسة والتدافع بين مختلف الفرقاء و نتيجة المناهج الخاطئة التي يصر عليها بعض قوى التغيير… هذا ما أرجّحه والله أعلم.
و ما أستشعره في أعماقي هو أن تينك الظاهرتين (السياسية و الدينية) مرشحتان الى التفاعل و التكامل عبر الايام و السنين لتؤولا و لو بعد حين الى ظاهرة واحدة رشيدة متكاملة و هذا هو الكفيل باحداث النقلة المنشودة و أولها تطور في حالة الزخم النضالي داخل قوى المجتمع المدني و لا سيما منها القوى السياسية النشيطة بالبلاد ثم شيئا فشيئا داخل سائر الجماهير الشعبية العريضة و عندها يكون المشهد السياسي و الثقافي بالبلاد قد التحق بالمشهد السائد في المنطقة العربية الاسلامية ككل حيث الفضاء الثقافي العربي الاسلامي هو اطار الالتقاء الجامع بين مختلف الفرقاء السياسيين و الاجتماعيين و هو كذلك الحافز الدافع المحرك للسواكن و المفجر للكوامن بكل اقتدار.
الوسط التونسية: بعد تجربة الإعتقال والمحنة التي مرّت بها حركتكم هل تقدرون بأنّ المراجعة باتت مطلوبة في مستوى الخيارات العامة بالبلاد؟ وهل ترون بأنّ للحركة الإسلاميّة دورا مستقبليّا بارزا في ذلك ؟
الشيخ حبيب اللوز :
مبدئيّا هي ولا شكّ مطلوبة ولكنّها واقعيّا جدّ مستبعدة في المرحلة السياسية الراهنة ومن السذاجة الطمع في حصولها في المنظور.
وفي تقديري فان السلطة لا ترى لنفسها مصلحة في تلك المراجعة ولا هي كذلك تطيقها بسهولة حتى و لو كانت ترجحها ..بل هي ما ترى المراجعة الاّ نوعا من المغامرة غير المأمونة وليس ثمّة على كلّ حال في التوازنات السياسية ما يظطرّها إليها.
ثم ان قوى المجتمع المدني مجتمعة ليست قادرة الآن على تكريس التوازنات التي تجعل مناخ الحريات العامة أقل المناخات كلفة للسلطة لذلك يكون من الجدية والواقعية أن تسلك المعارضة مع السلطة مسلك المراوحة بين الممانعة والطمأنة وهي معادلة أحسبها ضرورية تشجّع كلّ الأطراف ولو بعد حين على التنازل المحسوب المتبادل …ومنه ان يعترف الجميع بمن فيهم السلطة في آخر المطاف للخصوم والمنافسين بحق التنظم وعلى الأقل مؤقتا بحق الحضور المتدرج والمشاركة المحسوبة بما يقتضيه الأمر من رشد وواقعية وفاعلية ….وهذا يعني بالنسبة لقوى المعارضة (في حال تفاعل السلطة وتجاوبها) التحوّط بكلّ جديّة لتجنب ما يثير الارتياب أو ما يضخم لديها منطق الحذر والخوف من إنخرام التوازنات ثمّ التحوّط من جهة أخرى حتى لا يفتح منطق المرونة والواقعية والتدرج الباب على مصراعيه الى الإنبطاح والموالاة والنفاق السياسي من قبل عديد الأطراف المحسوبة على المعارضة و من ثم فان صمام الأمان هو أن تحصل في البلاد مصالحة وطنيّة شاملة يدعو لها ويقوم عليها من قوى الممانعة والمعارضات أطراف لهم من المصداقية مالا يمكن أن يتسرب إليه بسهولة اللبس والإرتياب و هذا يعني انه علينا ان نكابد ونناضل من اجل ارسائها ولو بعد حين بالشروط الدنيا الضامنة لمصداقيّتها …ومن تلك الشروط مشاركة شعبيّة أو على الأقل اعتناء ومؤازرة من طرف قطاع عريض من الجماهير ..ولكن هذا الآن ليس باليسير لذلك فالمطلوب التهيئة له بمرحلة انتقالية توجّه فيها القوى الجادة النشيطة في المجتمع جهدها لإحداث نقلة داخل المجتمع بما يجعله أكثر انخراطا وإلتزاما تجاه قضاياه وأكثر إيمانا بالمبادىء التي تخدمها بحق و هذا و لاشك دور كل القوى السياسية مجتمعة لا سيما أن انبنى اجتماعها على أرضية ذلك الفضاء الثقافي العربي الاسلامي الذي أشرت اليه في جوابي عن السؤال السابق.
و في هذا الاطار أحسب والله أعلم أنّ دور الحركة الإسلاميّة يجب ان ينصب في هذه المرحلة على انضاج تلك الظاهرة الدينيّة المتنامية وترشيدها في اتجاه مزيد التحامها بقضايا البلاد و العباد… بهذه الخلفية أرى أن تتوجه الحركة الإسلامية نحومزيد من المزج الواعي بين الحراك السياسي و العمل الدعوي الثقافي في سياق ترشيد العقليات و النفوس باتجاه ارساء حالة مجتمعية توافقية و تصالحية بناءة و فعالة.
الوسط التونسية: و لكن ثمّة من يقول بأن الخلط البارز بين الخطاب الديني والفعل السياسي المباشر واليومي من شأنه أن يقود تجربة الإسلامين العرب الى طريق مسدود ,فهل تشاطرون أصحاب هذه القناعة نفس هذه الرؤية أم أنّ لديكم اعتراضات عليها قد تأخذ خصوصيتها من مراجعات فكرية حصلت لديكم أثناء وبعد فترة الإعتقال ؟
الشيخ حبيب اللوز : عن أيّ طريق مسدود يتحدّث هؤلاء ؟ ! وهلاّ أثمرت المحاولات المتعسّفة لفصل الديني عن السياسي في تجارب النهضة العربية الحديثة الاّ تعبيدا للطريق أمام الإسلاميين العرب ؟
هذا إذا كان الإشكال الذي نقلته عن هؤلاء يشير حقيقة وبدقة الى الخلط بين الديني والسياسي ويحذر من تبعاته ففي هذه الحالة أحسب أنّ الإستشكال مصطنع وغريب عن فضائنا الثقافي الإسلامي والإصرار على استدامة طرحه رغم كلّ التحولات الجارية الآن في المنطقة العربية والإسلامية تكلف لا يخلو من إسقاط لاشكالات الثقافة الغربية ولهمومها ومفارقاتها التاريخيّة الأوروبيّة بالذات على واقعنا وهمومه المتميّزة ومفارقاته التاريخية الخاصة به والاّ فمتى انفصل الديني عن السياسي في تاريخنا واستدام حتى يستقيم الحديث عن »تعمّد » الإسلاميين العرب الخلط بينهما .
الإسلام من أصله نظام شامل للحياة برمتها والسياسة هي عملية لتنظيم شاملة لتلك الحياة .
فكيف يصح فصل الدين عن السياسة في البيئة الثقافية الاسلامية وقد ظلا دوما بفضل تميّز المنهج الإسلامي وشموله يعمران ساحة واحدة ويتحركان على أرض واحدة وينجزان مهمة واحدة لا سيما وأنّ الإسلام إنّما نظّم الحياة وفق مبادىء الشورى والحرية والعدل والمساواة وسلك لذلك مسلك التدرّج والواقعية ,وإذن فتكييف الإشكال على أنّه يتعلقّ بخلط بين أمرين منفصلين فيه تبسيط مخلّ لقضية حضارية بالغة الأهمية والمسألة في رأيي ليست مسألة خلط ولا فصل ولكنها مسألة اختلاف في الخيارات والقناعات تجاه مرجعيّة الإسلام إذ ثمّة من يؤمن باتّخاذ الإسلام مرجعا يستمد منه الحلول العملية الميدانية وثمّة من لا يؤمن بذلك بل ثمّة من لا يؤمن بالإسلام كمرجع أو حتى كدين …فلم التحرّج من طرح الإشكال بهذا الصدق والوضوح أليست حرية الفكر والمعتقد تقتضي شجاعة الطرح وتمنع مسلك الإلتواء والتهرب.
يبقى أنّه من الدقة أن ألاحظ أنّ سؤالك ربّما يشير إلى إشكال آخر أدق و أقرب الى واقعنا لا سيما وأنّ صيغة السؤال لا تنصّص حرفيّا على خلط بين الديني والسياسي بل على خلط بين خطاب وفعل أي خطاب ديني من جهة وفعل سياسي يومي مباشر من جهة اخرى فيكون وقتها القصد من السؤال الإشارة إلى القصور الذي قد نلحظه لدى بعض التيارات الإسلامية في فقه تنزيل قيم الإسلام وأحكامه في واقعنا الميداني اليومي المعيش فهذا إشكال حقيقي وفي صميم حقل العمل الإسلامي المعاصر ولكن التعبير عنه بلفظ « الخلط » ليس مناسبا بل هو يلبس ويضبب الإشكال .
وجوابي هو أنّ الواقع وبالذات الواقع السياسي متشعّب ومتحرّك باستمرار لذلك فهو يقتضي فعلا سياسيا يوميا مباشرا ومتحرّكا يراعي تشعّب ذلك الواقع و يراعي تحرّكه واضطرابه ويراعي موازناته… والإسلام كملة خاتمة لا معصوم فيها بعد النبي محمد (عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم) قد أحال الناس على العقل المسترشد بالوحي وامرهم بأن يبذلوا الوسع البشري الأقصى في استنطاق النص واستنطاق الواقع معا والتوحيد بينهما …
ورغم أنّ لكلّ من النص والواقع حقيقته المطلقة الاّ أنّهما في أغلب الأحيان ليستا جاهزتين بل كثيرا ما يحتاج العقل البشري الى الإجتهاد المضني لملامستها أو الإقتراب منها على الاقل ثمّ هو يحتاج إلى جهد إضافي للتوحيد بينهما…هذا التوحيد هو الذي يصطلح عليه العلماء بفقه التنزيل وهو عملية دؤوبة متحرّكة تمازج بين التوكل والإحتكام للشرع من جهة وبين الاخذ بالأسباب والتخطيط والتدرّج و مراعاة للواقع وملابساته وتناقضاته وتوازناته من جهة أخرى ولأنّ هذا الفقه في التنزيل هو عمل بشري تعتريه النسبية فقد إفترقت التيارات الإسلامية فيه واختلفت وليس هذا الإختلاف بمشكلة بل هو ثراء يمكننا من ملامسة المناخ كله بجميع احتمالاته و بمختلف تشكّلاته لا سيّما في مناهج الإصلاح والتغيير وبالمزاوجة بين الممارسة والنظر والتقييم المستمر لا يكون هناك خوف من انسداد الطريق ,وحتى إذا انسد الطريق أمام منهج فكري مغال فسنجد مناهج أخرى ترشدنا إلى الطريق السالك وأحسب أنّ الساحة الإسلاميّة تشهد الآن على امتدادها إزدهارا لتيار إسلامي سياسي متوازن تنامى كرد على إنسداد الأفق امام خيارين مشطّين متناقضين لا يخلو أحدهما من آحادية .
واحد أحاديّته في الإستغراق مع النصّ كما صاغته الثقافة الموروثة بمعزل عن الواقع والآخر أحاديّته في الإستغراق مع الواقع كما صاغته الثقافة المستوردة بمعزل عن النصّ… لذلك فالتيار الإسلامي الراشد بقدر ما تكون عقلانيّته مؤصّلة شرعا و توحد توحيدا ممنهجا بين النصّ والواقع بقدر ما يلغي مسوّغات كلّ انفصال نكد مفتعل في أذهان بعض النخب بين الدين والحياة أو بين الدين والسياسة.
الوسط التونسية: أستاذ حبيب اللوز ,بعد خروجكم من السجن هل لاحظتم تسامحا رسميّا من قبل السلطة تجاهكم أم أنّ أوضاعكم الشخصيّة ووضع حركتكم لم يطرأ عليها أيّ مؤشّر من مؤشرات التغيير؟
الشيخ حبيب اللوز : شخصيّا أنا الآن أقع تحت طائلة مراقبة ملاصقة مستمرّة على مدار الأربع والعشرين ساعة وهي رغم محاولات التلطيف تظلّ مقلقة ولست أرى لها أيّ مبّرر ولا مصلحة وأحسب أنّ السلطة بدأت تستشعر مثل ذلك وأقدّر أنّه لولا الروتين الإداري لرفعت تلك المراقبة فكل شكل من أشكال التضييق المجاني أو المراقبة المفتعلة في حق الافراد أو الجماعات هو عنصر توتير نحن في غنى عنه لذلك فرفعه لا يزيد المناخ السياسي في البلاد الا أريحية وانفراجا.
أما على مستوى الحركة فكي أجيبك هل ثمّة تسامح من قبل السلطة أم لا فيجب أن نكون كحركة قد قمنا بمبادرات سياسية حقيقية أو فعلنا فعلا ملحوظا ذا دلالات حركية وسياسية واضحة حتى نستطيع أن نختبر مدى ايجابية رد فعل السلطة و لا بأس لكي يكون إختبارنا صادقا وأمينا أن تلتزم مبادراتنا بالإيجابيّة والمسؤوليّة وروح التجاوز وتغليب مصلحة البلاد وفي تقديري أنّ أيّ مماحكات صغيرة وقعت أو تقع يجب ألا تشوّش على إختبار نريده أن يكون منعرجا إيجابيّا وطيّا لصفحة منغّصة.
الوسط التونسية: ثمة تطور بارز و خطير عرفته تونس في الفترة الاخيرة و هو أحداث الضاحية الجنوبية, فبم تفسرون هذه الاحداث؟ و كيف ترون مستقبل التيار الاسلامي الوسطي و المعتدل في ظل بروز ظاهرة العنف و التشنج لدى بعض العناصر السلفية؟
الشيخ حبيب اللوز : سؤالك هذا لا يخلو من حرج لمن يكره الردود السياسوية و المراوغة و التخلّص السهل . ولست أخفيك أنّ مقتي لتلك المسالك يفرض عليّ أن ألتزم في إجابتي ما أقدر عليه من وضوح وصدق وانصاف مغلبا آداب النصح الأمين التي يمليها علينا شرع الإسلام. رغم يقيني أنّ انصاف أولئك الشباب المتهم بالتشنج والعنف موقف مكلّف سياسيا لا سيّما في مناخ سياسي مفخخ… ولكن لا بأس فرضاء الله أولى من كلّ الحسابات .
في البداية اسمح لي أن ألفت نظرك إلى أنّ صيغة سؤالك ربما أوحت لتلك العناصر التي وصفتها بالتشنّج بعدم الحياد ولو عن غير قصد منك , إذ الأصل أن تعقد لنا المقارنة أو المقابلة بين تيارين لا بين تيار وبين عناصر متشنّجة من تيار آخر…, وللأمانة فالعنف والتشنّج قد برز في رحم أغلب التيارات يسارية كانت أم قوميّة أم اسلامية… فيكفي أن يتصدّر تيار لموقع الريادة أو يستشعر مسؤولية التصدي لواقع مجتمعي محتقن ثم يتعرّض لحملات سباب أو قمع أو استفزاز حتى يفرز عناصر متشنّجة متهيئة للعنف… والنزوع إلى إستعمال القوة استعداد طبيعي وفطري في كلّ كائن حي ولا تستمرّ الحياة الاّ به لأنّه في الأصل وسيلة دفاع عن النفس… الاشكال هو حين تستعمل القوة في غير محلها أو حين تستعمل للظلم والحيف والتعسف والإضطهاد… فذلك هو العنف و من هذا العنف الذي لا يجب أن يبرر بل يجب أن يدان بكل وضوح تلك العملية التي وقعت في الضاحية الجنوبية.
و من جهة أخرى فان واقعنا السياسي والإجتماعي المحتقن يولد العنف لأنه يصنع مفارقة حادة بين ما تشتشعره الجماهير من انسداد أفق في واقع الأمّة وواقع القطر وبين ما تطمح إليه تلك الجماهير وتراه واجب التحقق أوتراه على الاقل في دائرة المتاح.
أضف إلى كل هذا ذلك النمط الثقافي والتربوي السائد في عصرنا وأعني به ثقافة التبرير والاعذار وتقديس المتعة والرغبات وتضخيم الحقوق و الحاجات… هذه الثقافة لا تصنع الاّ إنسانا نرجسيّا متبرما متهيأ للتوتر والعنف… نحن إذن بواقعنا المحتقن وبثقافتنا المنحرفة نخرج كلّ يوم أفواجا من الشباب يضمر مقادير متفاوتة من التشنّج والعنف تتمظهر في سلوكه منذ الطفولة ,و ألاحظ هنا اني بهذه القراءة افسر اسباب العنف و لا ابرره.
وشخصيّا أحسّ بالقلق من نمطين من الردود طفح بهما الإعلام حول أحداث الضاحية الجنوبية :
واحد ينزع إلى المبالغة في الإدانة والتنكير في سياق خطاب متهافت عهدناه دوما يقتات من التشنيع بكل ماهو اسلامي …مثل هذا الخطاب لا يستغرب منه ان يستغل اي خطأ يقع فيه انفار من الشباب الإسلامي (سلفي أو غيره) و ان يعتبره فرصة سانحة للإجهاز على كلّ الإسلاميين وبكل أصنافهم .
وآخر ينزع الى المبالغة في نصب فزّاعة تخيف وتحذر من تداعيات الواقع وتجعل ما جرى في الضاحية الجنوبية مؤشرا على قرب تلك التداعيات و خطورتها.
النمط الأول يستهوي أكثر خصوم الإسلاميين والنمط الثاني يستهوى أكثر خصوم السلطة.
فإذا كنت لا أرتاح للأول لكونه خطابا عدائيا فإنّي لا أرتاح للثاني لكوني موقنا أن الفزاعة لن تقنع السلطة ولن تخيفها ولن تثير إهتمامها أصلا لأنّ أجهزتها ومعطياتها الدقيقة على ما جرى وعلى ما يحتمل جريانه تجعلها لا تلقي بالا للتفزيع أو التهوين ,لذلك لن تثمر تلك الفزاعة الاّ تهويلا لقضية أولائك الضحايا من « الشباب السلفي » أوالمحسوب على « السلفية » بما يعقد معاناتهم وبما يتيح للسلطة أو لبعض أطراف منها توظيف تلك الفزاعة لمصلحتها على حساب قوى المجتمع المدني من خلال تسويق مناخات الأزمة لتبرير مزيد من المحاصرات والتضييقات ثمّ الإقناع بمشروعية الحلول الأمنية …
وعندي أنّ الأفضل والأرشد هو أن لا نهول ما وقع وأن نضعه في نصابه عسانا نتمكّن ولو بالمكابدة والإصرار من صنع مناخ سياسي متزن يحرج الإقصائي ويدفع المتردّد ويطمئن المتخوّف ويشجع المنكفئ و يعقلن المتشنج في اتّجاه تكريس الحد الأدنى الضروري من مناخ الحريات المناسب للمرحلة المستقبلية التي أستبعد أن تفاجئنا بما لم نعهد أوبما لم نتوقّع.
وفي هذا الإطار أحسب أنّ التيار الإسلامي الذي سميته أنت بالوسطي والمعتدل مرشح إلى تجدد انتعاشه وتناميه التدريجي ,و هذا لن يكون خافيا لا الان و لا غدا لان من طبيعة التيار الاسلامي أن يكون علنيا فتمظهراته هي بعض من كنهه و تعبيرة عن حقيقته فلا تنفك عنه لذلك سيظل ثمة دوما من يحاول أن يصنع من انتعاشه فزاعة كما كان يجري دائما في كل المحن السابقة. و هذا يقتضي أن يحرص الاسلاميون على التزام مسلك التوازن و الفطنة و الطمأنة.
الوسط التونسية: هل يمكن أن نفهم من هذا أنّ لدى حركتكم داخل البلاد رغبة جادة لطي الخلاف مع السلطة وتأسيس علاقة قائمة على المشاركة والتعاون من اجل الصالح العام؟
الشيخ حبيب اللوز : نعم …وهذه الرغبة ليست موجودة لدى إخواننا داخل البلاد فقط بل ولدى اخواننا في المهجر ولدى اخواننا المتبقين في السجن كذلك… و لكن للامانة فهذه القناعة متحركة ينميها الانفراج و يذبلها الاحتقان… و لكن لست أرى شيئا يذبل هذه القناعة عند بعضنا في هذه المرحلة الانتقالية كما يفعل تردد السلطة في طيّ الصفحة لذلك سيظلّ كلّ مسعى عملي من طرفنا متوقفا على تعبير الجهات الرسمية عن رغبة جادة وصادقة في ذلك و لا بأس أن أسجل في هذا السياق أن محاولات اتصال و مساعي لطي الصفحة وقعت مرتين على الاقل في فترة سابقة ليست ببعيدة و لم تكن الحركة السبب في قطعها أو افشالها.
الوسط التونسية: هل تعتقدون أنّه من الخطأ بمكان استمرار ترك الشأن القيادي لشؤون النهضة خارج البلاد؟ أم أنّ الأمر اقتضته الظروف القائمة وهو خاضع للمراجعة بحسب ما يتاح لكم من مناخات المشاركة والتعبير؟
الشيخ حبيب اللوز : هو ليس بخطا لأنّ الحركة اضطرّت إليه إضطرارا لا سيّما وأنّ القانون الأساسي للحركة لا يسمح بوجود قيادة الحركة خارج البلاد الاّ عند استحالة وجودها بالداخل وانطلاقا من هذا فقد أكدت الحركة في مؤتمراتها الأخيرة التي عقدتها بالمهجر خيار العودة متى تسمح بذلك الظروف .
كما أنّها تبنت خيار العلنية الكاملة لذلك فلن يكون بوسع القيادة أن تكون في الداخل الا مع وجود مناخ سياسي يسمح بهامش معقول من الحضور والتحرك.
الوسط التونسية: ما هو موقفكم من ائتلاف 18 أكتوبر للحقوق و الحريات و هل طرأ لديكم تغيير في الموقف منه على ضوء محاولة البعض تجيير اعمال هيئته التنسيقية لقضايا يرى البعض انها لا تدخل في مبادئ توافق عليها المضربون حين اعلانهم التاريخي الاضراب عن الطعام نهاية سنة 2005؟
الشيخ حبيب اللوز : هيئة 18 أكتوبر كانت و لا تزال مكسبا وطنيا و اطارا ضروريا لخدمة قضايا الحريات بالبلاد يجب صيانته و الحفاظ عليه. و من صميم ذلك أن تظل هذه الهيئة متسمة دوما بالمرونة و الرحابة بحيث تتسع لكل القوى السياسية و المنظمات المجتمعية الملتزمة بالاهداف التي أنشأت من أجلها و هي بالاساس أهداف سياسية اقتضتها المرحلة الحرجة التي يمر بها قطرنا و منطقتنا ,فانصبت أولا و قبل كل شيء على تكريس الحريات الضرورية الكفيلة بالخروج من المأزق السياسي الذي تردت اليه البلاد…, و اهتمام الهيئة بما وراء الاهداف السياسية من مسائل ثقافية و اجتماعية لا يجب أن يتجاوز المبادئ العامة التي تجمع و لا تفرق و ليست محل اختلاف.
و من ثم فليس من الحكمة و لا من الواقعية الاستباق لحمل الاطراف المشاركة في الهيئة على التزام وحدة فكرية تقتضي تبني رؤية مجتمعية فيها عديد المسائل التفصيلية بعضها يثير اشكالات شرعية حساسة بل منها ما لا يمكن أن يتموقع الا خارج الدائرة الشرعية كما حصل في بيان 8 مارس حيث لا يمكن ان يفهم امضاء اي حركة تنطلق من مرجعية اسلامية الا على أنه امضاء بتحفظ و لئن كان لمثل هذا النوع من الامضاء سوابق في تاريخ العمل الائتلافي بين المنظمات و الحركات و حتى الدول الا انه يمثل حالة لاتخلو من تدافع و الجاء و احراج اقدر ان الساحة السياسية في بلادنا في غنى عنه و أحسب انه على كل الحريصين على هيئة 18 أكتوير و دورها التاريخي أن يسعوا الى تجنيبها مستقبلا مثل هذه الوضعية.
في مقابل هذا فالحرص على الزام الهيئة برؤية مجتمعية موحدة ,والذي قد يبدو لاول وهلة كأنه توسيع لأرضية العمل المشترك و ضمانة لتوحيد أهداف النظام هو في حقيقة الامر على العكس تماما ينطوي على تأزيم لا تطيقه الساحة السياسية ببلادنا في هذه المرحلة الحرجة بالذات و لا تطيقه الحالة غير الطبيعية التي تعيشها أي حركة محرومة من حق التنظم و الاجتماع و الحوار الداخلي المنظم و بهذه الملابسات تصير محاولة ايجاد أي نوع من التماهي الفكري و الثقافي احراجا و الجاءا للمخالف يقوم به البعض تجاه البعض الاخر, و هو على كل حال تضييق لواسع و الزام بما لا يلزم ,فالوحدة الفكرية المجتمعية أنسب للفصيل السياسي الواحد منه للتكتلات الحزبية و الائتلافات السياسية.
ان المراوحة الممنهجة بين حق الاختلاف و واجب الائتلاف هو خير ما يوفر الاطار الجامع الرحب و المناخ التعددي الخصب بين الفرقاء السياسيين بالبلاد ,بعيدا عن كل أشكال المزايدة أو الالحاق أو الالجاء لا سيما أن مجلة الاحوال الشخصية ليست كتابا مقدسا و لا نصا متعاليا فوق أي تقويم او مراجعة ,بل ثمة قطاع عريض من مجتمعنا يرى أن بعض بنودها تستوجب الاصلاح و التعديل و التطوير بما يجعلها تنسجم أكثر مع قيمنا الدينية و هويتنا العربية الاسلامية ,و بما يجنب مجتمعنا بعض الاثار السلبية الخطيرة التي أفرزتها تلك البنود فخلخلت النسيج المجتمعي و لا سيما الاسرة و ولدت أزمة تربوية و اخلاقية و اجتماعية متنامية لا تخفى على أحد ,و طبعا فأنا أقصد الاصلاح و التطوير الذي لا يمس بتلك المبادئ العامة التي يتأكد الاجماع الوطني عليها يوما بعد يوم و منها ضمان حرية المرأة و فاعليتها و مشاركتها الايجابية في الحياة العامة في اتجاه بلوغ ما تشوف اليه الاسلام من مساواة و عدل و تكامل بين كل فئات المجتمع و في اتجاه رفع المظلمة التي سلطت في عصور الانحطاط على المرأة فكبلتها و صادرت ادميتها و عطلت رساليتها و اقعدتها عن الفعل و المشاركة في الحياة العامة كما يأباه الاسلام و يمقته.
الوسط التونسية: كيف ترون مستقبل العمل السياسي في تونس؟ وهل تترقب من حركتكم مراجعات سياسية كبرى من شأنها أن تؤسس الى مرحلة وطنية جديدة قوامها الموازنة بين متطلبات مشروعكم ومتطلبات الوحدة والإستقرار الوطنيين والإنفتاح على الفضاء العام؟
الشيخ حبيب اللوز : قراءة الواقع السياسي القائم وفهم مكوناته وتناقضاته يجعلنا ندرك بسهولة أنه يفتقد إلى الحوافز والمنشطات والإرادات القوية ,وشخصيا ليس لي انتظارات ذات بال في ظلّ الواقع السياسي الحالي .
ومشكلتنا مع هذا الواقع السياسي محدود الأفق أنّه عليك أن تبذل الكثير لنيل القليل وفي بعض الأحيان لا تنال شيئا… وهذا يؤول إلى تفشي حالة احباط عند سائر المعنيين به من ناشطين ومتابعين ومعايشين وهو لا يساعد على ما سمّيته أنت بالمراجعات السياسية الكبرى لأنّ المراجعات الكبرى لا يمكن أن تحصل ولا أن تتوفّر حوافزها الاّ إذا حصلت تطورات هامة و موضوعية على مستوى المناخ السياسي بالبلاد و بالاساس على مستوى موقف السلطة من حركتنا و من سائر الحركات التي تعيش وضعا شبيها بوضع حركتنا وأي شيء من هذا القبليل ليس ثمة ما يدل على قرب حصوله…
لأجل هذا أشرت منذ قليل إلى ضرورة التحلي بالصبر والمصابرة والمكابدة من أجل تغليب روح التجاوز ومن أجل التهيئة ولو من جانب واحد لمناخات وفاقية بناءة بين سائر الأطراف السياسية بالبلاد…وهو ولا شكّ إلتزام مسؤول ومحرج ومكلف ولكنه في تقديري هو الخيار الأنسب للمرحلة التي تمر بها بلادنا.
الوسط التونسية: ختاما، هل من كلمة تتوجهون بها الى أحبائكم وإلى عموم القراء في المنطقة العربية والإسلامية وربوع العالم .
الشيخ حبيب اللوز : نعم ما أتوجه به لكل هؤلاء هو أن منطقتنا تعيش على وقع أحداث كبيرة وأزمات متنامية وصراع حضاري مفروض عليها لا يخلو من احتقان, وما الساحات الفلسطينية والعراقية والأفغانية واللبنانية والصومالية والسودانية الاّ بؤر تأجج في ذلك الصراع ,وهذا ينمّ عن أنّ الأمة تمر بمخاض لميلاد جديد صعب و أي مخاض لا يكون الا صعبا و الأمة على كل حال لم تعرف لهذا المخاض مثيلا منذ قرون.
لذلك فرغم المآسي والمعاناة والضحايا الأبرياء فالحصيلة بحول الله لن تكون الاّ يقظة للأمة و انطلاقة جديدة مباركة… وإنتماءنا لهذه الأمة يجعلنا في قلب التحولات العالمية ويحملنا أمانة عظيمة أول مقتضياتها توعية جماهير الأمة حتّى لا تستمر في ترك مصيرها بيد أعدائها او بيد من انبهر بهم فتذيل لهم…فنحن جزء من أمة قيضها الله للريادة فأشهدها و أشهد عليها (و كذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا…) البقرة (143)
(المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » (اليكترونية – ألمانيا) بتاريخ 21 ماي 2007)
الرابط: http://www.tunisalwasat.com/wesima_articles/index-20070521-5946.html
توضيح
هيئة تحرير الموقرة ، السلام عليكم و رحمة الله وبركاته وبعد
نشرتم في الثالث عشر من ماي مقالا بعنوان هل الإصلاح خطيئة ؟ بإمضاء محمد بن نصر ، من المحتمل جدا أن يحمل الكاتب الإسم نفسه و كان من المفروض قي هذه الحالة أن تعرفوا به حتى لا يحصل سوء فهم عند القراء ولكن يبدو أن سهوا قد حصل، المهم في الأمر أود أن أوضح للقراء الكرام أن لا علاقة لي البتتة بالمقال الذي نشر بغض النظر عن محتواه ولم أتمكن من إرسال التوضيح إبان صدور المقال فقد كنت وقتها منشغلا بالمشاركة في ندوة علمية خارج فرنسا ، أرجو التكرم بنشر هذا التوضيح وتعريف القراء بصاحب المقال السيد محمد بن نصر ولكم جزيل الشكر والسلام
الإمضاء محمد بن نصر، أستاذ جامعي، مقيم في باريس
بسم الله الرحمان الرحيم تونس في 21/05/2007
و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين
الرسالة رقم 235
على موقع تونس نيوز
بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري
رئيس شعبة الصحافة الحزبية سابقا
رسالة مفتوحة للتاريخ
إلى عناية السيد الوزير الأول المحترم
حول موضوع التشغيل
يسعدني كمناضل دستوري تعلمت في صلب الحزب الحر الدستوري التونسي منذ يوم 17/05/1954 كيف نحاور المسؤول .و كيف نطرح القضايا.و كيف نلفت النظر.و كيف نطرق المواضيع بصدق و أمانة و إخلاص حبا للوطن . و برا للشعب . و تعلقا بالقيم و الثوابت و كان شعارنا في الحزب الصدق في العقول و الإخلاص في العمل.
و تربينا على هذه المبادئ و القيم الروحية اقتداء بالزعيم الأوحد و المعلم الملهم المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة رحمه الله و عشنا على هذه القيم إلى اليوم و الحمد لله نحس براحة الضمير و وهج الوطنية و صدق الانتماء و حسن الأداء و طهارة القلب – و حب الآخرين بوفاء و صدق .
ما أسمى هذه الرسالة النبيلة (خدمة الشعب ) .
و انطلاقا من هذا المفهوم السامي و العمل الإنساني النبيل عشنا بين الأهل و الأقارب و الأصدقاء و الزملاء و الإخوة في صلب حزبنا العتيد محترمين مكرمين مبجلين – لا نجري وراء المادة و لا نبحث على السيارات الإدارية و الضيعات الفلاحية و المساكن الفخمة و الأموال الطائلة و القروض الميسورة
بل رضينا بالقسم الذي ساقه لنا الله الرزاق المتين
و نحمد الله على القناعة و كما يقول المثل مستورة و الحمد لله. هذه القيم النبيلة تعلمناها سنة 1954 و نحن شبان في عمر الزهور في صلب الشبيبة الدستورية التابعة لحزب التحرير و النضال و الكفاح الوطني – و عهدنا الله على خدمة الشعب و الإخلاص للوطن و قول الحق و الصراحة دون خوف أو ريبة أو مجاملة أو نفاق .
و في هذا الإطار تتنزل رسالتي إلى سيادتكم و مقامكم الرفيع باعتباركم العضد الأيمن لرئيس الجمهورية .
إن حبنا للوطن و برنا بشعبنا و عطفنا على شبابنا و بناتنا يفرض علينا مصارحتكم و مصارحة كل مسؤول وطني نزيه مثلكم، و قد نشرت 38 رسالة مفتوحة من يوم 26/12/2005 إلى يوم 19/05/2007 13 رسالة منها إلى سيادة الرئيس، و السادة رئيس مجلس النواب – الأمين العام للتجمع و أعضاء الحكومة على النحو التالي : رسالتين إلى وزير الشؤون الدينية – ثلاث رسائل إلى وزير الشؤون الاجتماعية- رسالتين إلى وزير المالية – رسالتين إلى وزيرة التجهيز و الإسكان – ثلاث رسائل إلى وزير النقل – رسالتين إلى وزير التربية و التكوين – رسالة إلى وزير الصحة و رسالتين إلى وزير الفلاحة و رسالة تخص الوزير المكلف بالاتصال و رسالة يوم 19 ماي الجاري إلى وزير تكنولوجيات الاتصال – و اليوم الرسالة رقم 39 إلى سيادتكم تتعلق بموضوع التشغيل .
لا شك إن سيادة الرئيس أعطى أولوية للتشغيل و كان سباقا لطرح هذا الموضوع الهام و أكد مرارا على مواصلة الاهتمام بالتشغيل و أحدث وزارة للتشغيل و قرر إحداث بنك للتضامن بمرونة إدارية و سرعة في الانجاز .
لمعالجة قضية التشغيل و بعث صندوق 21-21 لدعم التشغيل – كل هذا جميل و رائع و لكن موضوع التشغيل يتطلب نفسا طويلا و عملا ميدانيا واسعا و شجاعة و جرأة و أخذ قرارات جريئة و حازمة – و قد أشرت في مقالاتي السابقة على موقع الأنترنات تونس نيوز و خاصة في الرسالة المفتوحة للسيد وزير المالية طرحت فيها موضوع التشغيل بصراحة و اقترحت و ضع حد لتوزيع البنزين مجانا على المسؤولين في كل الإدارات و القطاعات الحيوية و المؤسسات و البنوك و البلديات و غيرها – قلت لو نقوم بعملية حسابية حول المنتفعين بمادة البنزين مجانا نجد أن عددهم يفوق 7000 ألاف موظف تتراوح كمية البنزين المسندة إليهم من 200 لترفي الشهر إلى ألف و إذا قمنا بعملية حسابية نجد أن كل موظف يتمتع ب 400 لتر في الشهر كمعدل عام بما قيمته 460 دينار شهريا أي مرتب معلم في التعليم الابتدائي و تكون الجملة السنوية 5400 دينار إذا قمنا بتعديل الكمية إلى النصف نربح في خزينة الدولة حوالي 20 مليار من مادة البنزين فقط – و في خصوص السيارات الإدارية أشرت أن 25 بالمائة تقوم بشؤون خاصة و هذا نزيف للاقتصاد الوطني و قد لاحظنا إن ربع السيارات على الأقل تتجول في المدن و القرى و الأرياف و حتى و الشطوط تبحر معى صاحبها فضلا على قضاء الشؤون الخاصة لو يقع تحويل ثمن السيارات و الاعتماد المخصصة لقطاع الغيار و غيرها التي تتحملها المجموعة الوطنية نعتقد إننا سنربح حوالي 25 مليار.
خاصة أن هناك مسؤولين لهم أكثر من سيارتين و هذا لاحظناه حتى في الصحافة الرسمية هذا التبذير و الإفراط في استعمال السيارات الإدارية في غير محله – إن مبلغ 45 مليار بين البنزين و السيارات الإدارية يمكن أن ترصد لتشغيل 6000 طالب من حاملي الشهائد العليا بمعدل 7500 دينار سنويا .
و في خصوص أصحاب العقارات الهامة التي يتم تسويغها من طرف الإدارة و المؤسسات تفوق 150 عقار بأثمان خيالية تصل إلى قرابة 300 ألف دينار أو أكثر في الشهر كلها أو جلها منافع من المجموعة الوطنية و حوافز من الحكومة و امتيازات في اقنتاء الأراضي و إسناد القروض الميسورة بسهولة تامة و بمرونة فائقة وبدون تعليق .
لو أصحاب هذه العقارات يتنازلون على قيمة ثلث المبلغ من التسويغ حوالي مليار و مائتي ألف دينار في السنة يمكن أن نربح في خزينة الدولة 180 مليار سنويا أي ما يعادل تشغيل 24 ألف طالب من حاملي الشهادات العليا هذا هو الحل الأمثل للتشغيل و العلاج الأقرب للعدالة الاجتماعية .
و لا بد من التضحية و حب الوطن بهذا الشكل كما ضحى المناضلون السابقون بالنفس و النفيس .
أما إذا تقدمنا أشواط أخرى في التعلق بالوطن فإن هناك مظاهر تبذير أخرى ما أنزل الله بها من سلطان .
كيف نشيد مسكنا كبيرا فخما يتراوح بين مليار و نصف و مليارين ؟
و المواطن الجار يبحث على 150 متر لبناء مسكن ب 20 ألف دينار البون شاسع و الفرق واضح و بدون تعليق .
و كيف نتحصل على قرضا ب 5 مليارات أو أكثر و المواطن المسكين يعجز في اقتراض مبلغ ب 5 ألاف دينار و بدون تعليق – و كيف زميلي الذي تخرج من الجامعة بعد شهرا واحد يحصل على العمل في مركزا هام و زميله في الدراسة يبقى 4 أعوام ينتظر… .
هذه بعض الخواطر أسوقها بأمانة لسيادتكم عسى أن تجد الأذان الصاغية قال الله تعال و تعيها أذن واعية صدق الله العظيم.
ملاحظة
نرجو إصدار منشور من الوزارة الأولى يلزم المسؤولين بانجاز العهد و الوعد خاصة إذا تعلق الأمر بالتشغيل في مناطق الريف و العائلات الأقل حظا تجسيما للمصداقية التي ما أنفك رئيس الدولة يوصي بها مع الإصغاء للمواطن و الرد على رسائله و هذه معضلة في بلادنا لا نعير اهتماما لرسائل المواطنين و المناضلين بينما في فرنسا رسالة المواطن من أنبل الأمانات و أقدسها- متى نحترم المواطن و نرد على رسائله و نصغى إليه و نحترم الوعود التي نتعهد بها .
و الله و لي التوفيق
محمد العروسي الهاني
مواصلة لما بدأه السيّد أصيل تستور
افتتح أصيل مدينة تستور السيد ناجي العرفاوي مقالته المنشورة على صفحات تونس نيوز الغرّاء بتاريخ 20 مايو 2006 تحت عنوان « لا يعرف قدر الدولة الوطنية من لم يعرف الاستعمار « ، بتوجيه تهمة الخيانة العظمى (الخيانة الجلبية) إلى شخصي الضعيف المتّهم مِن قبْل بالخيانة والتخطيط للقيام بعمل ضدّ مصلحة الوطن مِن قِبَل ما يسمّى « أمن الدولة »، ثمّ تكرّم سيادته – بتواضع جمّ منه – بالوقوف مع جملة يتيمة جاءت في مقال بتاريخ 14 مايو 2007 بعنوان « الجدل والمراء »، جعلت فيه اسمي مقرونا ببلد الإقامة (لأوّل مرّة منذ 2003) الذي ألجأني إليه أبناء « جمهورية الاستقلال » ربّما لأسيّل – دون قصد منّي – لعاب أصيل تستور وهو يراني أتنعّم بجِبن الدّانمارك الذي أفقدني حتّى لذّة الدّفاع عن الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.
قرأت المقالة وحاولت إقناع نفسي بأنّ « الأصيل » قد ساءه ذكري للاستعمار، فأراد أن يكرّهه عندي، ما جعله يُريني مكاني الوضيع، حيث جعلني في صحبة « الجلبي » الشخص، حاملا لفيروس « الجلبي » الفكرة. وقديما قالوا « إنّ من الحبّ ما قتل »، والأصيل « يحبّ » بلده إلى درجة تجعله لا يستطيع سماع نقدِ بعضِ مَن فيها حتّى لو كان ذلك مِن بعض مَن فيها (مقال الجدل والمراء كان مناقشة فكرة المصالحة والحديث عن المفاسد التي عمّت البلاد). فحبّ الوطن قد قتل فيه التمييز بين الخير والشرّ وقتل فيه فهم اللغة العربية وقتل فيه الحرج من آثار الكذب. ولكي لا يكون الكلام طويلا وربّما متشعّبا يزيد من تيه الأصيل التستوري، فإنّي سأعود إلى سبب غضبه، وهي الجملة التي قلت فيها: « فوالله الذي لا إله غيره: لقد أساء صاحب التغيير إلى التونسيين أكثر بكثير ممّا أساء الاستعمار الفرنسي إليهم، ذلك أنّ هذا الأخير قد علّمهم الرّفض والمقاومة وأنّ ذاك الأوّل (وهو في الترتيب الأخير) قد أجبرهم بجيوشه الطاغية على الخنوع والخوف وفقدان الحصانة الأخلاقية وغيرها من المكاره« . لأسأله: أين تجد التمنّي بعودة أيّام الاستعمار في هذه الجملة؟! وقد قلتَ: « كلام خطير جدًا بأن يتمنى أيام الاستعمار التي لم يعشها السّيد العدّاسي و لم يكتوي بنارها »… نعم، قد اشتملت الجملة على مقارنة بين سيّئ وأسوأ ولكنّها لم تناصر ولم تختر أحدهما على الآخر، وإنّي على يقين بأنّ صاحبك، هذا الذي سمح لك باستعمال بعض الألفاظ « النابية » في تناول شخصه من أجل المبالغة في شتم الواقفين ضدّ إفساده من أبناء تونس الأصيلين، هو الأسوأ. كما أنّ التعليم الذي قصدتّه هو تعليم يفقهه أولو العقول ممّن علموا أنّ المدرسة قد تُبنى فلا تعلّم وقد لا تبنى فتعلّم، فأين يتنزّل كلامك: « لم نقرأ في التاريخ عن استعمار أو بالأحرى احتلال شيد مدارسًا للمقاومة أو شجع على عزة من احتل بل العكس هو الثابت »، ألا تراه برهانا على وضاعة المستوى المعرفي لديك (عفوا، المفروض ألاّ أسألك فإنّك لا تفقه الإجابة)؟! ما عنيته وما فهمه غيرُك ممّن لم ير القضية تناطُح شخصين – كما تريد أنت ومدرستك المتخلّفة بيانه – هو أنّ الاستعمار، وإن كان سيّئا ظالما قاسيا كما أعلم أنا وكما أشرت أنت، ينتهي لا محالة بقيام ثلّة مجاهدة من أهل البلد أو قيامهم جميعا بمحاربته ومقاومته حتّى طَرْده كما يفعل ذلك كلّ الأحرار في كلّ الأقطار، وأمّا هذا « الدولة » (هذا وليس هذه، فإنّ الدولة في تونس هي صاحب التغيير ومن قبله كان باعث تونس ومحرّر المرأة) الذي تدافع عنه فإنّه يستغلّ طيبتنا أوّلا ثمّ يكبّل الفعل السلمي فينا بالقوانين المستعبِدة كقانون الإرهاب وغيره، لينقسم المجتمع فيما بعد إلى « وطنيين » تافهين مدافعين عن « قضايا الأمّة » وإلى « خونة جلبيين » كرام أمثال السادة الشموع الذين لا يغفل عن رؤيتهم إلاّ أعمى بصيرة. بعد هذا القول السهل المبسّط الذي قد يمكنك فهمه، ألا تزال في شكّ من أنّ صاحب التغيير قد سلبك وبعضا غيرك معنى الرّجولة؟! ألا تزال في شكّ من أنّي لا أرغب في شخصنة الصراع ولكنّي أحمل همّا حقيقيا – كما بقية التونسيين الأحرار – سببه ما عليه البلاد من بؤس بوجودها تحت كلكل « الدولة » الجشع البشع؟!…
أهل البلد أو قيامهم جميعا بمحاربتهأهبأأأ
لقد أوردتَ بعض الصور التي قد ارتكبها الاستعمار على أرضنا، وهي أعمال لا تُستغرب كثيرا من مستعمر حاقد على البلد وأهله ودينه وعاداته، وقد سقت منها ما رواه والدك عن جدّك (بارك الله في الحيّ ورحم الميّت) قد « خرج ذات يوم لقضاء بعض لوازم البيت من السوق فلم يرجع إلاّ بعد 15 يوما و السبب هو كان محبوس كل هذه المدة لأنه لم يؤد التحيّة للضابط الفرنسي عند لقاءه في الشارع مع أنه مدني لا علاقة له بالانضباط العسكري »، ولكن هل بلغ علمك أنّ بعضا من أهلنا قد خرج منذ أكثر من 15 سنة ولم يعد إلى يوم النّاس هذا إلى بيته وأمّه وأبيه وزوجه وولده، والسبب أنّ « الدولة » بديل الاستعمار لا يرغب في رؤيته حرّا معافى على أرضه؟! وهل بلغك أنّ بعض المساجين ممّن كان يحمل رتبة عالية قد امتنع من تحيّة سجّان ابن حرام لا يحمل رتبة أصلا فكان مصيره في السجن المضيّق « الانفرادي أو السيلون » شهرا أو أشهرا. أقول: إنّه من رحمة الله بنا أنّنا لم نقرأ كثيرا عن الاستعمار، لأنّنا لو فعلنا ذلك لاخترناه حقيقة عوضا عن « الدولة » لكثرة ما أساء هذا « الدولة » لتونس وللتونسيين الأماجد. على أنّ ذلك لم يمنعني من قراءة الواقع وتفهّم الوقائع التي تجري في البلاد دون أن أكون مثلك عبْدَ أذُنِي أو عبدَ بَطني (رغم كثرة تناول الجِبن حسب زعمك). وأمّا ذكرك: « و لو أن أحد المسلمين يُقتل رميَا بالرصاص أو يموت متأثرا بمرضه في مكان ما فأنه يُدفن في المكان الذي قضى نحبه فيه. ذلك أن الفرنسيين يعتقدون أن جثمان المسلمين يلقح الأرض لمدة خمسين سنة مقبلة فينعمون « بخصوبتها« ». ففيه ما يحفظ لهؤلاء تقديرهم للمسلمين عندما رأوا صلاحيتهم على الأقلّ في تسميد الأرض، وأمّا صاحبك « الدولة » فقد قتل المسلمين ورمى بهم حيث رمى دون أن يرى لهم هذه المزيّة، واسأل الأخاديد والبالوعات ثمّ استحي بعد ذلك واعقل.
وأمّا مازاد على تعليقك حول تلك الجملة التي لم تفهم مضمونها، فقد كان نوعا من سياسةٍ دأبَ عليها ثلّةٌ سيّئةٌ مسيئة، تمثّلت في إشاعة منطق أسميتُه شخصيا « منطق التتفيه »: فليس فينا عاقل ولا كبير ولا رشيد ولا عفيف. ولذلك فالنّاقد لـ »الدولة » خائن، والناصح له متطاول والغيور متجاوز للحدود والعفيف زان والكريم مشتبه فيه والهارب من بطش الحاكم جبان والواقع تحت بطش الحاكم وسجّانيه مغفّل والمتمعّش من فساد الحاكم وإفساده حكيم ذكيّ « طيّارة » كما يقولون بالتونسي غير التونسي والبائعة نفسها حرّة متحرّرة والعفيفة المستورة متخلّفة « باشي » والثابتة في مواطن الرّجولة المدافعة عن القضايا القومية متّهمة والمعارض للمظالم متهوّر والواقع تحت فعل « الدولة » منصف غيور إلى غير ذلك ممّا أشاع المغيّرون المجرمون من متناقضات قاتلة للمروءة…
قبل الختام لكلام لم أناقش فيه الفكرة – كما كان ديدني – لعدم وجود الفكرة أصلا، أسأل الأصيل التستوري انطلاقا من شواهده العُمرية: هل جرّبتَ الاستعمار قبل وجودك تحت « الدولة » الوطنية؟! وهل جرّبت الإسلام قبل الجاهليّة؟! عفوا، هل جرّبت الجاهلية قبل الإسلام؟! وأمّا السؤال الأخير فهو: هل أنتظر منك أن تكون يوما « خائنا جلبيا » أم أنّ « الدولة » قد ورّطك بتطاولك على الشرفاء حتّى أفقدك لذّة النظر في وجوه الرّجال؟!… ختاما تعسا لأصيل أساء إلى أصله…
عبدالحميد العدّاسي
رجاء يرفق هذا ليطّلع السيد ناجي العرفاوي على بعض ما كتب
هل وقع استفزازنا بالفعل؟!
كتبه: عبدالحميد العدّاسي
» إنهم (المسلمون) لا ينتجون، فكيف سيأكلون؟ « . قولة ردّدها سفير الدانمارك بالجزائر، فأثارت حفيظة بعضنا ووصفوا الكلام بالاستفزازي والمهين للمسلمين، سيّما والسفير يخاطبهم من على أرضهم. وقد وقفتُ قبل سماع قولته هذه مع بعض الصور التي كشفتها أحداث الرسوم المتخلّفة الشاذّة والتي كانت نشرتها صحيفة اليولاندس بوستن الدانماركيّة في محاولة لإيذاء الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين من بعده، فقد شدّتني خارطة المقاطعة المعروضة على شاشة إحدى القنوات الدانماركية حيث كان اللون الأحمر – المشير إلى تلكم المقاطعة – يومها، يُغطّي كلّ الدول العربيّة ابتداء من الخليج العربي وحتّى بلاد المليون شهيد، دون أن تشمل عُمان و لبنان. ولئن حمدت الله على التفاف المسلمين حول نبيّهم لنصرته، فقد تألّمت كثيرا لكثرة هذه الأفواه المُلقمة وهذه الأيادي المعطّلة عن الإنتاج وهذه الثُّديّ ( تُجمع كلمة ثدي على أثداء وثُديّ وثِديّ ) الناضبة وهذه الأرض الجدباء في بلادنا العربيّة ( فقد عمل الحكّام على تعطيل كفاءاتنا البشريّة لجعل بلادنا باستمرار بحاجة إلى الآخر الذي سيتغاضى مقابل ذلك عن جرائم الأنظمة المُعملة مخالبها فينا )، فإنّ مساحة الدانمارك لا تزيد عن أربع وأربعين ألف كيلومتر مربّع، أي أنّها فقط ربع مساحة تونس، أي بعبارة أخرى لو أنّنا حذفنا المنطقة الصحراوية ومنطقة السباسب من تونس لأبقينا على المساحة الجُملية التي بواسطتها تغذّي الدانمارك ملايينها الخمس أوالستّ وكلّ الملايين المُمَلينة من العرب » الغيورين » على دين الإسلام، المدافعين عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم!.. فهل أخطأ السفير؟!..ظنّي أنّ ذلك ليس كذلك…بل لقد قال فأصاب كبد الحقيقة، ولو كنّا مسلمين حقيقة لاعترفنا بذلك، ولرجعنا إلى أنفسنا ننخسها كي نستفزّها ونقوّمها كي نعلّمها كيف يكون الدّفاع عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم..فإنّه لن يكون إلاّ برفض تسلّط الظلمة على رقابنا، وإنّ ذلك لن يكون إلاّ باستصغار الدنيا وجعلها تحت الأقدام، ذليلة، تماما كما أرانا إيّاها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: » لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء « ، فإنّ حبّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم وعظمة الدنيا لا يجتمعان في قلب مؤمن. وهنا يأتي السؤال الصريح، الذي إن أجبنا عليه بجرأة كنّا قابلين للاستفزاز، فإنّ الذي ينقصنا حقيقة هو الاستفزاز. والسؤال هو: هل الذي جرّأ هؤلاء الشواذّ على رسم تلك الرسومات هو وضاعتُهم وكرهُهم للمسلمين وجهلُهم بمقام الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فحسب، أم أنّ دنوّ قاماتنا – دائما بفعل حكّامنا – وجهلنا بديننا وجرأة الفاسدين فينا، هو العامل الرّئيس في ذلك؟!
شخصيّا أجزم بأنّه لو كان لملكنا حمى ذو ترصينة قويّة ما وقع فيه أمثال هؤلاء الأرجاس سواء من الدانماركيين أو من أشكالهم في كلّ البلاد في العالم » عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وأهوى النعمان بإصبعيه إلى اليسرى: إن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس، فمن اتّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإنّ لكل ملك حمى ألا وإنّ حمى الله محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب « . فقضيّتنا إذن هاهنا…ووالله الذي لا إله غيره لو كنّا مسلمين صادقين ما تجرّأ على رسولنا أحد، ولو كان حكّامنا مخلصين لربّهم ولدينهم، طاردين الدنيا من قلوبهم ما وقع علينا ظلمُهم و لا أُغْرِيَ بنا السفهاء أبدا… ثمّ مَن الذي أساء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أكثر؟! أهو هذا الرسّام الجاهل الشاذّ، أم هذا الذي يقول عن نفسه أنّه مسلم ثمّ لا يتردّد في تسفيه النّبيّ الكريم، برفض سنّته والاستهزاء من متّبعيها، بل ولا يتورّع حتّى في تكذيب الله سبحانه وتعالى بقصد أو بجهل؟!…
انظروا في تونسنا الخضراء مثلا، حيث فسدت المضغة التي أشار إليها الحبيب المصطفى في الحديث أعلاه: فهناك يُمنع اللّباس الشرعي ويُستهزأ بلابسيه ويعذّبون ويُحرمون من أبسط الحقوق كالتعليم والعمل والاستشفاء وإبداء الرأي والانخراط في العمل السياسي أو الجمعياتي، وهناك نِتاج بشري فاسد أوجده غياب عنصر الموازنة في البلاد يتحدّث عن مبادئ ديمقراطيّة متخلّفة جعلته يبدأ طريقه في السير إليها بمحاربة الله رأسا، فدعوا إلى المساواة في الإرث بين الرّجل والمرأة، وكأنّ ربّ المسلمين اليوم ليس هو مَن أنزل القرآن المحكم التامّ ( سبحان الله وأستغفر الله ولا إله إلاّ الله )، وشباب من نسلهم – شُوّهت اتّجاهاتهم لعدم تجانس خلاياهم – يتحدّثون عن الحقوق الجنسية والإنجابية وحرية الجسد بعيدا عن الاتّجار به ( حسب ما أوردوا ). ومثقّفون (زعموا) انتصبوا جاهدين لتفتيت العائلة والقضاء على أهمّ مقوّم من مقوّمات المجتمع، وذلك باستيراد الأفكار الهدّامة القاضية بمحاربة الأبوي والذكوري والرجولي وغيرها من المقوّمات الضامنة لإبقاء الغيرة قائمة للدّفاع عن الذات…
قضيّتنا أنّنا لا نحسن النّظر إلى ما حولنا والتفكّر فيما حولنا، فيندفع البعض إلى مناقشة الله الكبير المتعال في أحكامه وانتقادها، دون أن يقوى على انتقاد هذا الحاكم الصغير الذليل المتاجر بأعراضنا وبرقابنا. وينتبه البعض إلى ما يقول السفير الدانماركي أو غيره من الأباعد ولا ينتبه إلى ما يقوله الأخزوري أو هذا الأستاذ الجامعي التافه الذي ردّ عليه السيد برهان بسيّس بمقال » حين تفسد البوصلة » بتاريخ 10 فيفري 2006 ( وإنّي رغم اختلافي الكبير مع الرّجل في الرأي، لا أجد حرجا في شكره على ما جاء في بعض ردهات مقاله ممّا يؤكّد غيرته على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كما لا يفوتني لومه على مواصلة الدسّ لمحاربة خصم سياسي لم يعمل على التعايش معه رغم ما يجمعهما من غيرة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم )، وينطلق البعض الآخر إلى مقاطعة البضاعة الدّانماركية المغذّية للأبدان، القادمة من القطب*، دون أن يقوى على مقاطعة البضاعة الرّخيصة المخرّبة للبدن والعقل على حدّ السواء، وهي تُنتَج في بلادنا أو هي تُتداول فيها دون حرج أو حياء، من الحشائش والمخدّرات والأبدان البشرية النّجسة الحاملة لفيروس فقدان المناعة الذاتية وغيرها من الأمراض النّاخرة في عظام المجتمع…
نعم فسدت المضغة أو كادت ففسد الجسد أو كاد، ولا مجال للعافية إلاّ بإعادة الإصلاح بعيدا عن النّفاق والرّياء… ويوم نصلح، لن يقوى أيّ وضيع على التطاول على مقدّساتنا… فنحن مَن أجرم حقيقة بحقّ الرسول الكريم وليس الأنعام التي لا تفقه…وأقوال السفير تظلّ مستفزّة ولكن هل استففزّتنا؟ أحسب أنّ علامة استفزازها لنا أن نكون مسلمين صادقين، سائرين مع محمّد صلّى الله عليه وسلّم على درب سيرته العطرة، لأنّ تلك المعيّة هي التي ستجعلنا كما أراد الله محمّدا وأتباعه بقوله: » محمّد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم « .. فهي معيّة تورث الرحمة وتُكسب العزّة، وبدونها سيكون هواننا على الله ثمّ على النّاس وعلى أشباه النّاس!…
_____________________
*: لا يعني هذا أبدا معارضتي لهذه المقاطعة، فهي وسيلة من وسائل الضغط والترشيد، فإنّ ما ينقص بعض الساسة هنا أيضا هو الرشد، وقد أعانهم على ذلك مجموعة سمّوهم عبر وسائل الإعلام » المسلمون الديمقراطيون « ، ويمكنني القول بأنّهم أناس قد خانوا دينهم بعدم الإلتزام بتعاليمه وبتوفير المعلومات الخاطئة وباتّهام إخوانهم من المسلمين بالكذب، وبأنّهم خانوا الدانمارك كذلك إذ لو أخلصوا لبيّنوا حقيقة الجرم الذي اقترفته الصحيفة ولوقفوا عند عدم شجاعة السّاسة بتردّدهم في الاعتذار إلى المسلمين!..
6 ème année, N° 2094 du 14.02.2006
archives : www.tunisnews.net
قصة الشباب الحالم مع قوارب الموت
« اللمبارة ».. فيلم تونسى يسلط الاضواء على الهجرة السرية
الزواج العرفي أو الزواج بثانية في تونس بين الواقع والقانون والمجتمع…وأمام الله.
إنشراح النفوس وتمييز المعزة من البركوس في تـقاريـــر دافــوس
الدراجة شائعة في المدن التونسية و «الكرهبة» ضرورية للعاصمة
– التأثيرات الشرقية في الأدب الألخميادي الموريسكي : الأبعاد العقائدية والسياسية
– مؤسسة محاكم التفتيش تجاه ملف الموريسكيين الأندلسيين في القرنين السادس والسابع عشر بإسبانيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من البلدان…
– دور مؤسسة التميمي في الحفاظ على الذاكرة الجماعية للموريسكيين
مؤسسة التميمي ، تونس 18.17.16 ماي/أيار 2007 * * * البيان الختامي
مؤسستنا هي عبارة عن Think Thanks لخدمة المعرفة والتنمية باسم البلاد العربية
د. نجيب الزروالي وارثي حول إصلاح التعليم العالي بالمغرب، الجامعة المغاربية كأداة للتنمية (*)
مركز حقوق الانسان يرسم صورة قاتمة عن الوضع الحقوقي في البلاد
كابوس الاصولية في الشرق والغرب
العراق: اختبار للوفاق او الافتراق مع إيران
ماذا بعد فشل المشروع الأميركي فى العراق ؟
ملامح خطاب النيوليبرالية العربية