الاثنين، 21 مايو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2554 du 21.05.2007
 archives : www.tunisnews.net


لجنة المطالبة بالإفراج عن السجين السياسي وليد العيوني: نداء عاجل إلى والدته لقطع إضراب الطعام القاسي لجنة المُطالبة بالإفراج عن السجين السياسي وليد العيوني: بيان  إلى الرأي العام الرابطـة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنسـان: بـيـان  جمعيـة الصحافييـن التونسييـن: بـلاغ  الشيخ الحبيب اللوز القيادي البارز والرئيس السابق لحركة النهضة التونسية في حوار مع « الوسط التونسية » افتتاحية « الموقف »: الديمقراطية المؤجلة الجزيرة.نت:عرض لكتاب « لن أرحل »  للكاتب والصحفي التونسي توفيق بن بريك محمد بن نصر: توضيح محمد العروسي الهاني: رسالة مفتوحة للتاريخ إلى عناية السيد الوزير الأول المحترم حول موضوع التشغيل عبدالحميد العدّاسي: مواصلة لما بدأه السيّد أصيل تستور مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات :المؤتمر العالمي الثالث عشر للدراسات الموريسكية العرب أونلاين: قصة الشباب الحالم مع قوارب الموت: « اللمبارة ».. فيلم تونسى يسلط الاضواء على الهجرة السرية زياد المولهي: الزواج العرفي أو الزواج بثانية في تونس بين الواقع والقانون والمجتمع…وأمام الله. إنشراح النفوس وتمييز المعزة من البركوس في تـقاريـــر دافــوس الحياة: الدراجة شائعة في المدن التونسية و «الكرهبة» ضرورية للعاصمة القدس العربي: المغرب: مركز حقوق الانسان يرسم صورة قاتمة عن الوضع الحقوقي في البلاد عادل الحامدي : كابوس الاصولية في الشرق والغرب محمد صادق الحسيني: العراق: اختبار للوفاق او الافتراق مع إيران د. محمد السعيد إدريس: ماذا بعد فشل المشروع الأميركي فى العراق ؟

الطيب بوعزة : ملامح خطاب النيوليبرالية العربية


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


 

لجنة المطالبة بالإفراج عن السجين السياسي وليد العيوني :

نداء عاجل إلى والدته لقطع إضراب الطعام القاسي

  

                       21 ماي 2007  

 

    دخل إضراب الجوع القاسي الذي تخوضه السيدة فطيمة بوراوي والدة السجين السياسي وليد العيوني الذي فقد تماما مداركه العقلية في السجن بسبب تعرّضه للتعذيب الوحشي على يد البوليس السياسي في تونس ، أسبوعه الثالث .

   و قد إختارت السيدة بوراوي مواصلة الإضراب عن الطعام ما لم يتحقّق الإفراج الفوري عن إبنها المتضرّرالذي لم تثبت عليه أية تهمة ، وذلك رغم ما خلّفه الإضراب على جسدها الضعيف من أضرار صحيّة فادحة إزدادت بعد تعرّضها للتعنيف على يد أعوان سجن المرناقية منذ أيام قليلة وهي المتقدّمة في السنّ .

    و قد تمّ نقل السيدة فطيمة بوراوي اليوم الإثنين 21 ماي 2007 على جناح السرعة من مقرّ إقامتها بمدينة قليبية إلى إحدى المصحات بعد أن تعكّرت حالتها الصحية إلى حدّ خطير و أغمي عليها .

  إنّنا نرفع هذا النداء العاجل إلى السيدة فطيمة بوراوي ، مُناشدين إيّاها أن تقطع إضرابهاعن الطعام في الحال بعد الأخطار التي صار يشكّلها فعلا على حياتها ، واعدين إيّاها بتبنّي قضية إبنها العادلة وببذل قصارى الجهد بكلّ الوسائل النضالية المشروعة في تونس و الخارج من أجل تحقيق مطلبها الشرعي في الإفراج عن إبنها و محاسبة الجناة الذين مارسوا عليه جريمة التعذيب .

 

 

  – علي بن سالم (رئيس جمعية قدماء المقاومين).

– فيولات داغر (العضو باللجنة العربية لحقوق الإنسان) .

– عبد الرؤوف العيادي (ناشط حقوقي و نائب رئيس  حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) .

– لطفي الحيدوري ( عضو المجلس الوطني للحريات) .

– محمد النوري (رئيس الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين) .

– هيثم مناع (الناطق الرسمي للجنة العربية لحقوق الإنسان) .

 – سهام بن سدرين (الناطق الرسمي للمجلس الوطني للحريات) .

 – د.المنصف المرزوقي (رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) .

 – راضية النصراوي (رئيس جمعية مناهضة التعذيب) .

– نزيهة رجيبة (رئيس تحرير مجلّة « كلمة » ) .

– لطفي العمدوني (ناشط حقوقي) .

 – سامي نصر ( عضو المجلس الوطني للحريات) .

 – محمد الحمروني (صحفي) .

– سليم بوخذير (صحفي) .

 – لطفي حجّي (صحفي) .

 – فتحي الجربي (القيادي بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية) .

– عماد الدايمي (المسؤول عن موقع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية)

– جلال الماطري (إتحاد التونسييين بسويسرا)

– عمر القرايدي ( ناشط حقوقي) .

– حسين بن عمر (ناشط حقوقي) .

– طارق العبيدي (محامي و ناشط حقوقي) .

 

ملاحظة :

 لمن يرغب في الإنضمام إلى لجنة المطالبة بالإفراج عن السجين السياسي وليد العيوني ومحاسبة الجناة ، الرجاء إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني إلى العنوان التالي :  

 

Abdessalam145@yahoo.fr

 


 

لجنة المُطالبة بالإفراج عن السجين السياسي وليد العيوني :

 

بيان  إلى الرأي العام

 

                                      

                      21 ماي 2007

 

فقد السجين السياسي التونسي وليد العيوني مداركه العقلية تماما منذ أسابيع ، بعد تعرّضه لصنوف لا تُطاق من  التعذيب الوحشي زمن التحقيق و زمن الإعتقال بسجن المرناقية بالعاصمة ، رغم توقيع الحكومة التونسية على مُعاهدات و إلتزامات دولية تحرّم جريمة التعذيب و تعرّض مرتكبها للتتبّع .

 و لم تثبت على هذا السجين أيّة تهمة ، و قد وصل الأمر بالسلطات التونسية إلى حدّ أن منعت عنه منذ نصف شهرحقّ الزيارة من طرف ذويه ، كما تواصل الإمتناع عن إخراجه من السجن لمحاولة علاجه .

 

  إنّنا  في لجنة مساندة السجين السياسي المتضرّر وليد العيوني :

 

 

  – نطالب بالإفراج الفوري عنه .

– نعلن تجريمنا للتعذيب الذي تعرّض له .

– نُطالب بمحاسبة الجناة الذي مارسوا عليه جريمة التعذيب ، و كذلك الحكومة التونسية المسؤولة الأولى عن إنتشار ظاهرة التعذيب في مقرات البوليس السياسي و السجون .

–  نجدّد المُطالبة بالإفراج الفوري عنه و عن كلّ السجناء السياسيين بتونس .


 

– علي بن سالم (رئيس جمعية قدماء المقاومين).

– فيولات داغر (العضو باللجنة العربية لحقوق الإنسان) .

– عبد الرؤوف العيادي (ناشط حقوقي و نائب رئيس  حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) .

– لطفي الحيدوري ( عضو المجلس الوطني للحريات) .

– محمد النوري (رئيس الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين) .

– هيثم مناع (الناطق الرسمي للجنة العربية لحقوق الإنسان) .

 – سهام بن سدرين (الناطق الرسمي للمجلس الوطني للحريات) .

 – د.المنصف المرزوقي (رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) .

 – راضية النصراوي (رئيس جمعية مناهضة التعذيب) .

– نزيهة رجيبة (رئيس تحرير مجلّة « كلمة » ) .

– لطفي العمدوني (ناشط حقوقي) .

 – سامي نصر ( عضو المجلس الوطني للحريات) .

 – محمد الحمروني (صحفي) .

– سليم بوخذير (صحفي) .

 – لطفي حجّي (صحفي) .

 – فتحي الجربي (القيادي بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية) .

– عماد الدايمي (المسؤول عن موقع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية)

– جلال الماطري (إتحاد التونسييين بسويسرا)

– عمر القرايدي ( ناشط حقوقي) .

– حسين بن عمر (ناشط حقوقي) .

– طارق العبيدي (محامي و ناشط حقوقي) .

 


الرابطـــة التونسيـــة للدفـــاع عن حقــــوق الإنســـان Ligue Tunisienne pour la défense des Droits de l’Homme تونس في 21 ماي 2007 بــــيــــــان
         علمت الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بإستياء شديد بإحالة الأستاذ المكّي الجزيري كاتب عام فرع صفاقس الجنوبية للرابطة، و كاتب عام الفرع الجهوي للمحامين بصفاقس على قاضي التحقيق بالمحكمة الإبتدائية بصفاقس بتهمة إنتهاك حرمة موظف عمومي بالقول  و الإشارة طبق أحكام الفصل 125 من القانون الجنائي، من أجل أفعال نسب إليه إرتكابها منذ مدة طويلة و تتعلق بممارسته لمهنته و لمسؤولياته صلب الفرع الجهوي و الهيئة الوطنية المحامين.          و تعبر الهيئة المديرة عن تضامنها مع الأستاذ المكّي الجزيري و تطالب بإيقاف التتبعات المفتوحة ضده، و تعتبر أن ملاحقة الأستاذ الجزيري لا تخرج عمّا يتعرض له المحامون و هياكلهم المهنية منذ مدة من مضايقات تبرز بوضوح رغبة السلطة في تطويع هذا القطاع و ضرب إستقلاليته و تؤكد الحاجة الماسة لتوفير الضمانات الكافية للمحامي حتى يتمكن من القيام بواجبه في الدفاع عن الحقوق و الحريات بكل إطمئنان.          و تعبر الرابطة عن مساندتها لهياكل مهنة المحاماة في المطالبة بتنقيح الفصل 46 من قانون المحاماة لتوفير الحصانة الكاملة للمحامي عند قيامه بواجباته المهنية. عـن الهيئــة المديــرة الرئيـــس المختــار الطريفــي

 جمعيـة الصحافييـن التونسييـن تونس في 21 ماي ‏2007‏‏ بـــــــــــــــلاغ
   قررت الهيئة المديرة لجمعية الصحافيين التونسيين خلال اجتماعها العادي يوم الخميس 17 ماي الجاري، رفع دعوى قضائية ضد السيد رضا الملولي من أجل التهجّـم على الصحفييـن وجمعيّـتهم، ونشر أخبار زائفة تنال من مكانتها الاعتبارية.
وبناء عليه تقدم محامي الجمعية الأستاذ الأزهر العكرمي بشكوى في الغرض ضد المطلوب، تم تسجيلها اليوم بكتابة وكالة الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس. كما قررت الجمعية إحاطة السيد رئيس مجلس المستشارين  علما بهذا الإجراء.
وقد سبق للمطلوب أن تهجّـم على القطاع الصحفي وعلى جمعية الصحافيين التونسيين وقيادتها في مناسبتين، الأولى خلال برنامج « المسكوت عنه » بقناة حنبعل التلفزية بتاريخ الأربعاء 9 ماي 2007، والثانية بمقال تحت عنوان « تقرير بريمر » نشره بمجلة حقائق بتاريخ الإثنين 14 ماي 2007.
وتعبّـر جمعية الصحافيين التونسيين عن أسفها لأن المطلوب لم يراع حرمة المؤسسة الموقّـرة التي منحته صفة المستشار التي تفترض في المتشرف بتحمّـل أعبائها التحلّـي بالحكمة والتبصّـر والنزاهة. كما تمادى في توظيف موقعه كـ »مستشار سياسي » لمجلة حقائق لتصفية حساباته مع الرأي المخالف لــه بطريقة عدوانية وبدائية.
وأمام حالة الغضب والاحتقان التي خلفتها التصرفات غير المسؤولة للمطلوب، وفي الوقت الذي تحيّـي فيه الجمعية الزملاء الذين انتخـوْا غيرة منهم للدفاع عن جمعيتهم وعن مهنتهم، فهي تهيب بكافة الزملاء ضبط النفس وعدم الانجرار وراء ردود فعل غير مدروسة. وهي كفيلة بالدفاع عن كرامتهم وعن كرامة المهنة بالطرق القانونية. عاشــت نضــالات الصحفييــن التونسييــن.. عاشــت جمعيــة الصحافييــن التونسييــن، حــرّة مستقلّــة مناضلــة.. عن الهيئـة المديـرة الرئيـس فـوزي بوزيّـان

الشيخ الحبيب اللوز القيادي البارز والرئيس السابق لحركة النهضة التونسية

في حوار مع « الوسط التونسية »

في هذا الحوار الهام يدلى الأستاذ والشيخ حبيب اللوز -القيادي الاسلامي البارز في حركة النهضة التونسية والرئيس السابق لها- برأيه في مجموعة من القضايا الوطنية والاسلامية ,ليتعاطي  بذلك مع موضوعات حيوية شغلت الساحة السياسية والحقوقية والاعلامية منذ سنوات وحتى على مدار الأسابيع الأخيرة ,اذ أنه من خلال هذا الحوار الذي أجراه معه زميلنا الاعلامي ورئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية مرسل الكسيبي, يقف في جولة واسعة على ملخص تجربته المؤلمة أثناء الاعتقال السياسي ,ليسرد بذلك قصة معاناة وطنية وانسانية, يمر بها اليوم الاف من الشباب والقادة السياسيين في تونس ,ليمر بعد ذلك الى التعاطي مع موضوعات حركية وسياسية عامة يعيشها الوطن والمنطقة والأمة ,معرجا بذلك على رؤيته لما يشهده العالم وتونس من تحولات ,ليصل في طور لاحق من الحوار الى التعليق على مستجدات حديثة بالوضع العام بالبلاد التونسية

الوسط التونسية حاولت أن تلخص من خلال بعض أقوال الشيخ حبيب اللوز أهم ما ورد في نص هذا الحوار ,غير أنها تلح على ضرورة التمعن في النص الكامل له, أخذا بعين الاعتبار أهمية ما ورد فيه من مواقف وتقويمات وتحليلات نعتبرها من أبرز ما أدلي به في الساحة السياسية الاسلامية التونسية منذ سنوات .

وفيما يلي نترككم مع بعض هذه الأقوال الهامة جدا ,على أن ينتقل الذهن والنظر بعدها مباشرة للقراءة الهادئة والكاملة لنصه الممتع والمطول والهام :

الشيخ حبيب اللوز في بعض ما أورده في الحوار  :

كنت في أعماقي أعتزّ بشرف ما نالني من قسط من الأذى والإبتلاء ويعلم الله أنّي لا أبغي الآن من الاشارة الى تلك المرحلة الاّ رضوان الله ثم الطمع في أن ألفت نظر أصحاب الضمائر الحيّة الى معاناة اخوانهم القابعين الآن في السجون

ندائي لكلّ حر أبيّ ولكل من يتنعم بالأمن والحرية ولكل من ينام في فراشه قرير العين متمتعا بالدفء والأحلام الوردية ألا ينسوا أولائك المعذبين مهما كانت مشاربهم وانتماءاتهم..

أن نعالج حملات القمع والإحتواء بعكس مقصدها وما سوى ذلك فلن يكون غير وقوع في الفتنة سواء تمظهر ذلك في شكل انكفاء وتخاذل أو في شكل إرتكاس الى الهموم الذاتيّة الدنيويّة أو كان إنزلاقا الى الإنفعال والمزايدات والخطاب المتشنّج الذي لا يثمر عادة غير انتشاء عاطفي آني ما يلبث أن تحيله صرامة الواقع إلى احباط مستديم .

التونسي في العموم يتطور باستمرار في اتّجاه أن يعرف جيّدا وبسهولة ما يجب أن يكون ولكنّه في نفس الوقت يتتطور في اتجاه أن يهضم جيّدا بسهولة كذلك ما يجب ألاّ يكون

حين تعي النخب السياسية في بلادنا أن أزمتها مع الجماهير منشأها الاول هو عدم مخاطبتها من خلال المرجعية المقدسة في فضائنا العربي الاسلامي تكون وقتها قد عاينت الاشكال و لامست الحل

تنامي الوعي بالأزمة على الصعيدين السياسي والإجتماعي في بلادنا لا يسمح في الأصل بنشوء تلقائي لتديّن رومنسي منزوع التسيس مشغول بالمفاهيم المطلقة عن قضايا الحياة والمجتمع وعن هموم القطر ومشاكل البلاد والعباد

قوى المجتمع المدني مجتمعة ليست قادرة الآن على تكريس التوازنات التي تجعل مناخ الحريات العامة أقل المناخات كلفة للسلطة لذلك يكون من الجدية والواقعية أن تسلك المعارضة مع السلطة مسلك المراوحة بين الممانعة والطمأنة وهي معادلة أحسبها ضرورية تشجّع كلّ الأطراف ولو بعد حين على التنازل المحسوب المتبادل ..

صمام الأمان هو أن تحصل في البلاد مصالحة وطنيّة شاملة يدعو لها ويقوم عليها من قوى الممانعة والمعارضات أطراف لهم من المصداقية مالا يمكن أن يتسرب إليه بسهولة اللبس والإرتياب , و هذا يعني انه علينا ان نكابد ونناضل من اجل ارسائها ولو بعد حين بالشروط الدنيا الضامنة لمصداقيّتها .

أحسب والله أعلم أنّ دور الحركة الإسلاميّة يجب ان ينصب في هذه المرحلة على انضاج تلك الظاهرة الدينيّة المتنامية وترشيدها في اتجاه مزيد التحامها بقضايا البلاد و العباد

أرى أن تتوجه الحركة الإسلامية نحومزيد من المزج الواعي بين الحراك السياسي و العمل الدعوي الثقافي في سياق ترشيد العقليات و النفوس باتجاه ارساء حالة مجتمعية توافقية و تصالحية بناءة و فعالة .

-..أحسب أنّ الساحة الإسلاميّة تشهد الآن على امتدادها إزدهارا لتيار إسلامي سياسي متوازن تنامى كرد على إنسداد الأفق امام خيارين مشطّين متناقضين لا يخلو أحدهما من آحادية .

-..يجب أن نكون كحركة قد قمنا بمبادرات سياسية حقيقية أو فعلنا فعلا ملحوظا ذا دلالات حركية وسياسية واضحة حتى نستطيع أن نختبر مدى ايجابية رد فعل السلطة و لا بأس لكي يكون إختبارنا صادقا وأمينا أن تلتزم مبادراتنا بالإيجابيّة والمسؤوليّة وروح التجاوز وتغليب مصلحة البلاد وفي تقديري أنّ أيّ مماحكات صغيرة وقعت أو تقع يجب ألا تشوّش على إختبار نريده أن يكون منعرجا إيجابيّا وطيّا لصفحة منغّصة.

– …حين تستعمل القوة في غير محلها أو حين تستعمل للظلم والحيف والتعسف والإضطهاد… فذلك هو العنف و من هذا العنف الذي لا يجب أن يبرر بل يجب أن يدان بكل وضوح تلك العملية التي وقعت في الضاحية الجنوبية.

القانون الأساسي لحركة النهضة لا يسمح بوجود قيادة الحركة خارج البلاد الاّ عند استحالة وجودها بالداخل وانطلاقا من هذا فقد أكدت الحركة في مؤتمراتها الأخيرة التي عقدتها بالمهجر خيار العودة متى تسمح بذلك الظروف .

-…فلن يكون بوسع القيادة أن تكون في الداخل الا مع وجود مناخ سياسي يسمح بهامش معقول من الحضور والتحرك.

ليس من الحكمة و لا من الواقعية الاستباق لحمل الاطراف المشاركة في هيئة 18 أكتوبر على التزام وحدة فكرية تقتضي تبني رؤية مجتمعية فيها عديد المسائل التفصيلية بعضها يثير اشكالات شرعية حساسة بل منها ما لا يمكن أن يتموقع الا خارج الدائرة الشرعية كما حصل في بيان 8 مارس حيث لا يمكن ان يفهم امضاء اي حركة تنطلق من مرجعية اسلامية الا على أنه امضاء بتحفظ و لئن كان لمثل هذا النوع من الامضاء سوابق في تاريخ العمل الائتلافي بين المنظمات و الحركات و حتى الدول الا انه يمثل حالة لاتخلو من تدافع و الجاء و احراج ,أقدر أن الساحة السياسية في بلادنا في غنى عنه

حاوره مرسل الكسيبي:

الوسط التونسية: الشيخ الفاضل الأستاذ الحبيب اللوز نرحب بكم ابتداء في هذا الحوار ونأسف كثيرا لإجرائه في مثل هذا الظرف الزمني الذي تعانون فيه من محنة ثانية بعد خروجكم من السجن حيث غادرتموه وقد فقدتم الابصار بإحدى العينين كما خرجتم بمضاعفات صحيّة أخرى نرجو أن تحدّثونا في دقّة عنها حتّى تحيطوا الرأي العا م الوطني والدولي بالظروف العامّة التي صاحبتكم في تجربة الإعتقال السياسي .

الشيخ حبيب اللوز :

شكرا على ما لمسته في نبرة سؤالك من أحاسيس نبيلة تجاه معاناتي و معاناة إخواني في السجن وخارجه ومعاناة كلّ سجناء الرأي ولقد رجوتني أن أحدثك عن معاناتي بدقّة وأنا بكلّ صدق لا أجد في نفسي ارتياحا للحديث في مثل هذه المسألة ,لسبب بسيط هو أنّي أخشى إحتمال أن يستدرجني اكثار الحديث في المعاناة الذاتيّة إلى ما يشبه المنّ والتبجّح بالنضال لا سيّما وأنّ ماتعرضّت له لايمثل أمام معاناة إخواني من رفاق السجن إلاّ نزرا قليلا ,بحيث لايكاد يذكر مع معاناتهم فأنا يا أخي كنت أقلّ السجناء تعرضّا للأذى فلعلّ سنّي وموقعي في الحركة آنذاك وربّما أشياء أخرى جعلت إدارة السجون توصي بمعاملتي معاملة يغلب عليها الإحترام و الإنضباط ….

هذه بأمانة هي الحقيقة ولكن للسجن مفارقاته وتقلباته و مفاجآته إذ دوام الحال فيه من المحال ، فذلك الذي سميته احتراما وانضباطا هو حال نسبي بالمقارنة مع أحوال غيري ثم أنت قد تفاجأ في أيّ لحظة من اللحظات ولأتفه الأسباب بانقلاب مذهل في التصرّف معك لا تدري سببه …ومثال ذلك أنّي في العام 1995 وبعد أربع سنوات من مثل ذلك التعامل المنضبط فوجئت بنقلي إلى سجن قفصة اثر الحاحي على معالجة أضراسي التي أرهقتني آلامها المبرحة وهناك غلظت عزلتي فصرت لا أرى الا العون المباشر لي ومنعت من الفسحة الاّ مّرة في الأسبوع أو مرتين, وحرمت من الجرائد والتلفزة ووضعت في غرفة أشبه بالمرحاض بدون شبابيك الاّ شباك صغير حجمه عشرون سنتماتر على عشرين لا يمكنك أن تطل منه على العالم الخارجي الا بصعوبة شديدة فترى من حين لآخر عبر رؤية جانبية زرقة السماء من وراء شبكة كثة من القضبان الحديدية الصدئة ثم مالبثوا أن أقلقتهم اطلالات وجهي من وراء ذلك الشباك فأمر مدير السجن بوضع كلّ الحواجز الحديدية الكفيلة بحجب الرؤية عنّي تماما

وقد دامت هذه الوضعية ثلاث سنوات: عزلة مغلظة وهم يتلكؤون في معالجتي وحتى المسكنات يعطونك مرّة ويمتنعون مرارا ولا يهمهم أن تظل طيلة تلك السنين تئن وتشتكي فلما حاولت اعلام أهلي بوضعيتي وطلبت منهم ابلاغها الى المنظمات الحقوقيّة وإلى الإعلام الحرّ قطعوا الزيارة وأرجعوني إلى الغرفة المشؤومة وحذروني من مغبة العودة لمثل ذلك

وطبعا فلأني تحديتهم ولم أسكت على ظلمهم واستهانتهم فقد أشبعوني لطما وضربا وسبابا ثم قيدوني بالسلاسل على سريري المثبت بالإسمنت فلا حراك ولا قضاء للحاجة البشرية وهو شكل مقيت من التعذيب والاهانة أشدّ بكثير من حرمانهم إياي وجبة الطعام أكثر من عشر مرات وهذا بمعاييرهم السجنية سلوك غير مقبول وغير مألوف ولكنهم تعمدوه معي استثنائيّا للضغط ولكسرالشوكة أوهكذا كانوا يفكرون.

و بقي الامر هكذا إلى حدود سنة 1998 حيث اضطروا إلى تغيير سياساتهم شيئا فشيئا نحو الأرفق والمعاملة شبه العادية

هذه الحالة التي مررت بها قد تبدو لمن لم يجرب السجن من أشدّ الحالات ولكن رفاقي في السجن كانوا مجمعين على أنّي أقلّ السجناء تعرضا للأذى على الإطلاق ولأجل هذا ظللت طيلة فترة السجن أستحيي من أن أصف في حضرة إخواني رفقاء السجن ذلك الذي تعرضت له بالمعاناة أو التعذيب وإن كنت في أعماقي أعتزّ بشرف ما نالني من قسط من الأذى والإبتلاء ويعلم الله أنّي لا أبغي الآن من الاشارة الى تلك المرحلة الاّ رضوان الله ثم الطمع في أن ألفت نظر أصحاب الضمائر الحيّة الى معاناة اخوانهم القابعين الآن في السجون سواء كانوا من حركة النهضة أو غيرها من مثل بعض الشباب المتدين اليافع الذين لم يثبت لهم انتماء والذين يتعرّضون هذه الأيام للأذى الشديد وكثير منهم يساقون وهم في سنّ الزهور إلى المخافر لمجرد التحوط فيجري عليهم ماجرى على سابقيهم ثم ولأدنى شبهة يودعون غياهب السجون …وندائي لكلّ حر أبيّ ولكل من يتنعم بالأمن والحرية ولكل من ينام في فراشه قرير العين متمتعا بالدفء والأحلام الوردية الا ينسوا أولائك المعذبين مهما كانت مشاربهم وانتماءاتهم ولا سيما اولائك الذين مرت على صمودهم السنون وان يبذلوا من اجلهم جهدهم المستطاع لأنّهم بذلك فقط يرضون ربّهم ويرضون ضمائرهم ثم لأنّهم بذلك يردون لهم جميل مابذلوه في سبيل الحق والعدل والحرية وفي سبيل تونس وأهل تونس .

لذلك فتونس في أمسّ الحاجة إلى تآزر أبنائها لنصرة المظلومين وحجز الظالمين عن ظلمهم ليتيسر لها في نهاية المطاف طي تلك الصفحات المظلمة المؤلمة وياليت أبناء تونس ينحون في إدارة الخلاف بينهم إلى ما هو أرقى وأسلم وأضمن …ثم ولأنّ الجرأة والتحدّي إنّما ينبثقان من رحم المآسى والمعاناة فالعنف لا يولد الاّ العنف الأشد ومسلسل « العنف والعنف المضاد » إذا ترك على عواهنه لن تكون محصلته في نهاية المطاف الاّ تصاعديّة وحبلى بالمآسى والدماء والأحقاد فما أحوجنا إلى الإعتبار وإلى الإنتصار على النفس من أجل موقف رشيد.

الوسط التونسية: الأستاذ اللوز, لو تكرمتم هل حملتم رسالة من داخل السجن إلى بقيّة إخوانكم وأحبّائكم داخل وخارج الوطن ؟ وماهو الوضع العام الذي تركتم عليه بقيّة سجناء الرأي داخل المعتقلات التونسية ؟

الشيخ حبيب اللوز : نعم …وبكلّ تأكيد…وهي رسالة عميقة وملحّة مهمومة بقضيّة الإسلام وقضيّة الأمّة وقضيّة تونس ..ولا عجب فالذين تبقّوا في السجن من بين آلاف المساجين من أبناء الحركة هم عشرات من قيادييها…فطبيعي جدّا أن تصّب رسالتهم لإخوانهم ولأحبائهم في مصبّ تجديد العهد على الثبات على ما جمعنا من مبادىء وقيم وأهداف كبرى مقدّسة والتذكير بما تواصينا به قبل المحنة من مراوحة دؤوبة بين دوام الإلتزام والتضحية والإقدام وبين الحكمة والحلم والتجاوز حتى لا تفعل فينا المحنة الاّ ما يرضي الله وترضاه ضمائرنا..

وأوّل ما يقتضيه ذلك منا الآن هو أن نعالج حملات القمع والإحتواء بعكس مقصدها وما سوى ذلك فلن يكون غير وقوع في الفتنة سواء تمظهر ذلك في شكل انكفاء وتخاذل أو في شكل إرتكاس الى الهموم الذاتيّة الدنيويّة أو كان إنزلاقا الى الإنفعال والمزايدات والخطاب المتشنّج الذي لا يثمر عادة غير انتشاء عاطفي آني ما يلبث أن تحيله صرامة الواقع إلى احباط مستديم .

هذه هي روح الرسالة التي تواصينا بها ليبلّغها عنّا من سيكتب له الخروج منّا من السجن لأنّنا لم نكن آنذاك نعلم من سيخرج ممّن سيبقى والحقيقة أنّ أغلبنا كنا قلقين من غياب حضور الحركة السياسي والدعوي والثقافي بالحجم المعقول الذي يليق بالحركة وقلقين من روح الإنتظاروالترقب ومن الإنتظارات الموهومة سواء تلك المعولة على المفاجآت أو تلك المتربصة بالمراكمات أو تلك المتوسّمة للمراجعات قبل أوانها كما كنا قلقين كذلك من ضعف فاعلية الفرد لدى سائر الحركات السياسية ولدى حركتنا وعليه فلقد كنّا نتشوّف إلى بروز مبادرات جماعيّة ناضجة وبناءة تكرس التجاوز وتقودنا وتقود غيرنا الى الفعل المسؤول والى المساهمة ولو بتدرّج في معالجة ملفّات البلاد ومنها ولا شكّ ملفات الحركة …واذن فلقد كانت القناعة السائدة لدى أغلبنا هي أن المطلوب منا وطنيا هو تهيئة المناخ لمبادراتنا وتهيئة سائر الأطراف المعنية لها مغلبين الرشد والحكمة والتجاوز وروح المصالحة التي يجب ألا يستثنى منها أحد …ولكن كذلك يجب الاّ نهدر مبادراتنا الخيرة تلك بالتردد والانتظار وطلب الاذن و الترخيص لأنّ الإسترخاص لا يخلو من تعليق على المجهول وتأجيل لأجل غير معلوم .

أمّا الشقّ الثاني من سؤالك والمتعلّق بالوضع الذي تركت عليه بقية سجناء الرأي فهذا الوضع العام فيه مفارقة لا تخلو من الغرابة ..ذلك أنّي تركت إدارة السجون تسلك مع أولائك السجناء سياستين : واحدة لقدمائهم تستصحب فيها بعضا ممّا طرأ على ممارساتها من تحسينات نسبيّة طفيفة اضطرت اليها لسبب أو لآخر منذ 1998 وأخرى للمساجين الجدد يغلب عليها تعامل شديد التعسّف مماثل لذلك الذي مورس معنا في بداية التسعينات إبّان إعتقالنا ومحاكمتنا وهذه الازدواجية مقلقة للجميع وتقلق الادارة السجنية كذلك وأخشى أن يدفعها ذلك الى التسوية في التعسف لا في تلك التحسينات الطفيفة وللأسف فقد بدأت تبرز للعيان مؤشرات على ذلك في معاملات الادارة السجنية مع قيادات النهضة من مثل التلكأ في المعالجة و منع عديد المأكولات المسموح بها سابقا في القفة و التعامل الاستفزازي من قبل ادارة السجن و أشكال عديدة أخرى في الوقت الذي كان الجميع ينتظر اطلاق سراحهم و انهاء معاناتهم التي طالت كثيرا مجاوزة الست عشرة سنة.

الوسط التونسية: كيف وجدتم تونس بعد أن غادرتم السجن وهل من متغيرات بارزة طرأت على المجتمع والوضع العام ؟

الشيخ حبيب اللوز :  في عديد الأشياء وجدتها كما تركتها لا سيّما فيما يتعلقّ باستمرار الركود السياسي وإنسداد أفق التطور في الحياة العامة بالبلاد.

وبإستثناء بعض التطوّر المعماري الملحوظ والإرتفاع في مستوى العيش المصحوب بشيء من الإنفتاح على التكنولوجيا مع غلاء فاحش في الأسعار مزامن لتنامي عقليّة الإستهلاك و كثرة الانفاق و التداين و عموما فأهمّ مالاحظته ليس تغيّرا أو انقلابا في حياة التونسي ولكن نوعا من الهروب إلى الأمام في تشكل متنام لشخصيّته وسلوكيّاته… إنّك تلحظ من خلال تعاملك مع شتى الفئات الإجتماعية أنّ التونسي في العموم يتطور باستمرار في اتّجاه أن يعرف جيّدا وبسهولة ما يجب أن يكون ولكنّه في نفس الوقت يتتطور في اتجاه أن يهضم جيّدا بسهولة كذلك ما يجب ألاّ يكون

وبتعبيرة أخرى فهو يعرف جيّدا وبدون عناء أين يكمن الحق والصواب ثمّ هو يضطر مكرها لا بطلا الى أن يهضم جيّدا وبدون عناء كذلك الواقع كيفما كان أي يسايره ويتعامل معه بنوع من التقبّل الظاهري والتسليم بقطع النظر هل اعتبر ذلك الواقع حقا وصوابا أم لا ….

وفي سياق هذه الشخصيّة الذهنيّة النفسيّة الغالبة برزت العولمة المتلبسة بثورة الإتصال والمشهد الإعلامي الفضائي فأفرزت بدون استئذان من أي أحد ظاهرتين مجتمعيّتين متداخلتين إلى حدّ ما : واحدة سياسية والأخرى دينية ..

الأولى أنّك تلحظ ظاهرة « وعي » سياسي لا ينفصل عن قضايا الأمّة الكبرى وهي ظاهرة في تنام في شكل دفقات متتالية نتيجة حالة المدّ والجزر التي تعتري الإهتمام والمتابعة والحماس بحسب حجم الأحداث وحجم إثارتها. ولكن هذا « الوعي » يظلّ سلبيّا باتسامه بطابع فرجوي تولّد عن شدّة القمع وفزاعة الخوف التي ضخمت المراقبة الذاتية فدفعت الناس إلى الإكتفاء بمتابعة إعلامية لا تبعة فيها ولا التزام حقيقي ولا ممارسة ولا معاناة

و على الأرجح فإنّ هذا الطابع الفرجوي لحالة « الوعي » هذه سيظلّ سائدا إن لم تنجح النخب السياسيّة والفكرية في تأطير تلك الظاهرة وترشيدها باحداث نقلة نوعية تربوية وجودية في شخصية هذا الانسان و لو عبر مراحل تنقله من الاستغراق في هموم الخلاص الفردي الى المبدئية و استشعار قدسية قيم الحق و الحرية و العدل و ابطان الهم الجماعي و الالتزام بقضايا الامة و الشعب و الوطن.

هذه النقلة هي التحدي الأكبر الذي يواجه قوى المجتمع المدني, و هم عادة ما يعبرون عنها بأزمة تأطير الجماهير ,و أحسب أن حلها الحقيقي هو صنع مناخ فيه حد أدنى من الحراك السياسي المتنامي بنسق يواكب قدرة سائر القوى السياسية على تأطير الجماهير من خلال احداث تلك النقلة التربوية الوجودية في شخصية الفرد المناضل.

و في رأيي ان ما نلحظه من اتساع جماهيري للحركات الاسلامية في المنطقة هو تعبيرة واضحة عن نجاعة الخيار الاسلامي باحداث تلك النقلة المنشودة في شخصية الانسان و مرد تلك النجاعة الى طبيعة الخطاب الديني القادر على تحويل هم الخلاص الفردي الى هم خلاص جماعي اذ لن يدخل الفردوس الاعلى الا من بذل الوسع في بناء الفردوس الارضي… و لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه… و الخلق كلهم عيال الله و أحبكم لله أنفعكم لعياله… و في عقيدة الاسلام العمل عبادة و الاكل عبادة و الزواج عبادة و الاختراع عبادة.

و حين تعي النخب السياسية في بلادنا أن أزمتها مع الجماهير منشأها الاول هو عدم مخاطبتها من خلال المرجعية المقدسة في فضائنا العربي الاسلامي تكون وقتها قد عاينت الاشكال و لامست الحل… الخطاب المصطبغ بروح العلمانية ان وجد صدى فلن يجده الا في نخب ضيقة محصورة و حتى في هذه النخب الضيقة فأثره التربوي الوجودي محدود و الدليل على ذلك أن أفواجا من هذه النخب عادة ما تتحمس لحين للقضايا الوطنية و المصلحة العامة و الهم الجماعي و لا سيما فترة الشباب و العزوبة و لكنها لا تلبث بعد ذلك ان ترتكس الى الهم الفردي و هموم الدنيا و زينتها, فتترك روح النضال و التضحية مكانها الى طموح شغوف بالقصر الفخم و السيارة الفاخرة و الحياة المترفة.

بدون احداث تلك النقلة التربوية الوجودية في أعماقنا و في أعماق كل فرد من أبناء شعبنا سيظل حراكنا السياسي هزيلا و ستظل أحزابنا السياسية و سائر منظمات المجتمع المدني تعاني التقوقع و تفتقد الجماهيرية المؤثرة و مع استمرار هذه الحال لن نستطيع تكريس حريات و لا افتكاك حقوق و لا احداث تغييرات لصالح المجتمع المدني و لصالح الجماهير المستضعفة.

و الغريب أنك تلحظ بعض الاطراف تراوح في مكانها و لا تبالي و لا تقلق, و كأنها ألفت الهامشية و السلبية , وبعضها تطمئن نفسها و تمنيها بالتعويل على النظرية القائلة « بحتمية التطور مع كلّ مراكمة والا فالإنفجار » بمنطق: اشتدي ازمة تنفرجي و هذا كما لا يخفى تعويل خاطىء لم تثبت التجارب اطراده فضلا عن أنّه لا يراعي واقع البلاد و طبيعة المجتمع التونسي و لا يراعي كذلك متغيّرات العولمة ومستجداتها .

وأما الظاهرة الثانية فدينيّة بالأساس وهي ظاهرة متنامية بقوّه أكبر واتّساع اكثر ولكنها منزوعة التسيّس وترفض التحزّب وأحسب أن ذلك نشأ فيها بفعل فاعل وليس تطوّرا طبيعيّا لأنّ قضايا الأمة الكبرى صارت صاخبة ولا تحتمل الغفلة والإعراض , ثم ان مناخات الإحتقان الحضاري السائدة لا تسمح بهذا الحياد السياسي المفتعل كما أن تنامي الوعي بالأزمة على الصعيدين السياسي والإجتماعي في بلادنا لا يسمح في الأصل بنشوء تلقائي لتديّن رومنسي منزوع التسيس مشغول بالمفاهيم المطلقة عن قضايا الحياة والمجتمع وعن هموم القطر ومشاكل البلاد والعباد ولست أنكر أنّ النزوع الى المطلق طبع في النفس البشرية عادة ما يراعيه المصلحون والقادة والزعماء والنخب للاستفادة منه ولا سيما عند محاولة تعبئة الجماهير وصياغة الإنسان الرسالي الملتزم بما هو أعظم من مآربه الذاتيّة …هذا الحديث يجرّني طبعا الى التعريج على التطوّرالذي لاحظته في النخبة السياسية والفكرية والدينية ببلادنا حيث شعرت أنها تنزع شيئا فشيئا الى الظلّ والإنكفاء والسلبية على عكس ما تعتمل به ساحات قطرية أخرى وأتمنى أن يكون هذا الشعور سوء تقدير مني وبصدق لست أزكى نفسي واني لأستشعر وباستغراب أنّ الإعتمالات التي كانت تتملكني وأنا في السجن كانت أشدّ من تلك التي تتملكني الآن وأنا خارجه…فهل مرد هذا الارتخاء الذي يصيب نخبتنا الى عقم الساحة السياسية والفكرية والدينية بالبلاد نتيجة غياب حريّة الكلمة وحريّة التنظم وحريّة الممارسة والتدافع بين مختلف الفرقاء و نتيجة المناهج الخاطئة التي يصر عليها بعض قوى التغيير… هذا ما أرجّحه والله أعلم.

و ما أستشعره في أعماقي هو أن تينك الظاهرتين (السياسية و الدينية) مرشحتان الى التفاعل و التكامل عبر الايام و السنين لتؤولا و لو بعد حين الى ظاهرة واحدة رشيدة متكاملة و هذا هو الكفيل باحداث النقلة المنشودة و أولها تطور في حالة الزخم النضالي داخل قوى المجتمع المدني و لا سيما منها القوى السياسية النشيطة بالبلاد ثم شيئا فشيئا داخل سائر الجماهير الشعبية العريضة و عندها يكون المشهد السياسي و الثقافي بالبلاد قد التحق بالمشهد السائد في المنطقة العربية الاسلامية ككل حيث الفضاء الثقافي العربي الاسلامي هو اطار الالتقاء الجامع بين مختلف الفرقاء السياسيين و الاجتماعيين و هو كذلك الحافز الدافع المحرك للسواكن و المفجر للكوامن بكل اقتدار.

الوسط التونسية: بعد تجربة الإعتقال والمحنة التي مرّت بها حركتكم هل تقدرون بأنّ المراجعة باتت مطلوبة في مستوى الخيارات العامة بالبلاد؟ وهل ترون بأنّ للحركة الإسلاميّة دورا مستقبليّا بارزا في ذلك ؟

الشيخ حبيب اللوز :

مبدئيّا هي ولا شكّ مطلوبة ولكنّها واقعيّا جدّ مستبعدة في المرحلة السياسية الراهنة ومن السذاجة الطمع في حصولها في المنظور.

وفي تقديري فان السلطة لا ترى لنفسها مصلحة في تلك المراجعة ولا هي كذلك تطيقها بسهولة حتى و لو كانت ترجحها ..بل هي ما ترى المراجعة الاّ نوعا من المغامرة غير المأمونة وليس ثمّة على كلّ حال في التوازنات السياسية ما يظطرّها إليها.

ثم ان قوى المجتمع المدني مجتمعة ليست قادرة الآن على تكريس التوازنات التي تجعل مناخ الحريات العامة أقل المناخات كلفة للسلطة لذلك يكون من الجدية والواقعية أن تسلك المعارضة مع السلطة مسلك المراوحة بين الممانعة والطمأنة وهي معادلة أحسبها ضرورية تشجّع كلّ الأطراف ولو بعد حين على التنازل المحسوب المتبادل …ومنه ان يعترف الجميع بمن فيهم السلطة في آخر المطاف للخصوم والمنافسين بحق التنظم وعلى الأقل مؤقتا بحق الحضور المتدرج والمشاركة المحسوبة بما يقتضيه الأمر من رشد وواقعية وفاعلية ….وهذا يعني بالنسبة لقوى المعارضة (في حال تفاعل السلطة وتجاوبها) التحوّط بكلّ جديّة لتجنب ما يثير الارتياب أو ما يضخم لديها منطق الحذر والخوف من إنخرام التوازنات ثمّ التحوّط من جهة أخرى حتى لا يفتح منطق المرونة والواقعية والتدرج الباب على مصراعيه الى الإنبطاح والموالاة والنفاق السياسي من قبل عديد الأطراف المحسوبة على المعارضة و من ثم فان صمام الأمان هو أن تحصل في البلاد مصالحة وطنيّة شاملة يدعو لها ويقوم عليها من قوى الممانعة والمعارضات أطراف لهم من المصداقية مالا يمكن أن يتسرب إليه بسهولة اللبس والإرتياب و هذا يعني انه علينا ان نكابد ونناضل من اجل ارسائها ولو بعد حين بالشروط الدنيا الضامنة لمصداقيّتها …ومن تلك الشروط مشاركة شعبيّة أو على الأقل اعتناء ومؤازرة من طرف قطاع عريض من الجماهير ..ولكن هذا الآن ليس باليسير لذلك فالمطلوب التهيئة له بمرحلة انتقالية توجّه فيها القوى الجادة النشيطة في المجتمع جهدها لإحداث نقلة داخل المجتمع بما يجعله أكثر انخراطا وإلتزاما تجاه قضاياه وأكثر إيمانا بالمبادىء التي تخدمها بحق و هذا و لاشك دور كل القوى السياسية مجتمعة لا سيما أن انبنى اجتماعها على أرضية ذلك الفضاء الثقافي العربي الاسلامي الذي أشرت اليه في جوابي عن السؤال السابق.

و في هذا الاطار أحسب والله أعلم أنّ دور الحركة الإسلاميّة يجب ان ينصب في هذه المرحلة على انضاج تلك الظاهرة الدينيّة المتنامية وترشيدها في اتجاه مزيد التحامها بقضايا البلاد و العباد… بهذه الخلفية أرى أن تتوجه الحركة الإسلامية نحومزيد من المزج الواعي بين الحراك السياسي و العمل الدعوي الثقافي في سياق ترشيد العقليات و النفوس باتجاه ارساء حالة مجتمعية توافقية و تصالحية بناءة و فعالة.

الوسط التونسية:  و لكن ثمّة من يقول بأن الخلط البارز بين الخطاب الديني والفعل السياسي المباشر واليومي من شأنه أن يقود تجربة الإسلامين العرب الى طريق مسدود ,فهل تشاطرون أصحاب هذه القناعة نفس هذه الرؤية أم أنّ لديكم اعتراضات عليها قد تأخذ خصوصيتها من مراجعات فكرية حصلت لديكم أثناء وبعد فترة الإعتقال ؟

الشيخ حبيب اللوز :  عن أيّ طريق مسدود يتحدّث هؤلاء ؟ ! وهلاّ أثمرت المحاولات المتعسّفة لفصل الديني عن السياسي في تجارب النهضة العربية الحديثة الاّ تعبيدا للطريق أمام الإسلاميين العرب ؟

هذا إذا كان الإشكال الذي نقلته عن هؤلاء يشير حقيقة وبدقة الى الخلط بين الديني والسياسي ويحذر من تبعاته ففي هذه الحالة أحسب أنّ الإستشكال مصطنع وغريب عن فضائنا الثقافي الإسلامي والإصرار على استدامة طرحه رغم كلّ التحولات الجارية الآن في المنطقة العربية والإسلامية تكلف لا يخلو من إسقاط لاشكالات الثقافة الغربية ولهمومها ومفارقاتها التاريخيّة الأوروبيّة بالذات على واقعنا وهمومه المتميّزة ومفارقاته التاريخية الخاصة به والاّ فمتى انفصل الديني عن السياسي في تاريخنا واستدام حتى يستقيم الحديث عن »تعمّد » الإسلاميين العرب الخلط بينهما .

الإسلام من أصله نظام شامل للحياة برمتها والسياسة هي عملية لتنظيم شاملة لتلك الحياة .

فكيف يصح فصل الدين عن السياسة في البيئة الثقافية الاسلامية وقد ظلا دوما بفضل تميّز المنهج الإسلامي وشموله يعمران ساحة واحدة ويتحركان على أرض واحدة وينجزان مهمة واحدة لا سيما وأنّ الإسلام إنّما نظّم الحياة وفق مبادىء الشورى والحرية والعدل والمساواة وسلك لذلك مسلك التدرّج والواقعية ,وإذن فتكييف الإشكال على أنّه يتعلقّ بخلط بين أمرين منفصلين فيه تبسيط مخلّ لقضية حضارية بالغة الأهمية والمسألة في رأيي ليست مسألة خلط ولا فصل ولكنها مسألة اختلاف في الخيارات والقناعات تجاه مرجعيّة الإسلام إذ ثمّة من يؤمن باتّخاذ الإسلام مرجعا يستمد منه الحلول العملية الميدانية وثمّة من لا يؤمن بذلك بل ثمّة من لا يؤمن بالإسلام كمرجع أو حتى كدين …فلم التحرّج من طرح الإشكال بهذا الصدق والوضوح أليست حرية الفكر والمعتقد تقتضي شجاعة الطرح وتمنع مسلك الإلتواء والتهرب.

يبقى أنّه من الدقة أن ألاحظ أنّ سؤالك ربّما يشير إلى إشكال آخر أدق و أقرب الى واقعنا لا سيما وأنّ صيغة السؤال لا تنصّص حرفيّا على خلط بين الديني والسياسي بل على خلط بين خطاب وفعل أي خطاب ديني من جهة وفعل سياسي يومي مباشر من جهة اخرى فيكون وقتها القصد من السؤال الإشارة إلى القصور الذي قد نلحظه لدى بعض التيارات الإسلامية في فقه تنزيل قيم الإسلام وأحكامه في واقعنا الميداني اليومي المعيش فهذا إشكال حقيقي وفي صميم حقل العمل الإسلامي المعاصر ولكن التعبير عنه بلفظ « الخلط » ليس مناسبا بل هو يلبس ويضبب الإشكال .

وجوابي هو أنّ الواقع وبالذات الواقع السياسي متشعّب ومتحرّك باستمرار لذلك فهو يقتضي فعلا سياسيا يوميا مباشرا ومتحرّكا يراعي تشعّب ذلك الواقع و يراعي تحرّكه واضطرابه ويراعي موازناته… والإسلام كملة خاتمة لا معصوم فيها بعد النبي محمد (عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم) قد أحال الناس على العقل المسترشد بالوحي وامرهم بأن يبذلوا الوسع البشري الأقصى في استنطاق النص واستنطاق الواقع معا والتوحيد بينهما

ورغم أنّ لكلّ من النص والواقع حقيقته المطلقة الاّ أنّهما في أغلب الأحيان ليستا جاهزتين بل كثيرا ما يحتاج العقل البشري الى الإجتهاد المضني لملامستها أو الإقتراب منها على الاقل ثمّ هو يحتاج إلى جهد إضافي للتوحيد بينهما…هذا التوحيد هو الذي يصطلح عليه العلماء بفقه التنزيل وهو عملية دؤوبة متحرّكة تمازج بين التوكل والإحتكام للشرع من جهة وبين الاخذ بالأسباب والتخطيط والتدرّج و مراعاة للواقع وملابساته وتناقضاته وتوازناته من جهة أخرى ولأنّ هذا الفقه في التنزيل هو عمل بشري تعتريه النسبية فقد إفترقت التيارات الإسلامية فيه واختلفت وليس هذا الإختلاف بمشكلة بل هو ثراء يمكننا من ملامسة المناخ كله بجميع احتمالاته و بمختلف تشكّلاته لا سيّما في مناهج الإصلاح والتغيير وبالمزاوجة بين الممارسة والنظر والتقييم المستمر لا يكون هناك خوف من انسداد الطريق ,وحتى إذا انسد الطريق أمام منهج فكري مغال فسنجد مناهج أخرى ترشدنا إلى الطريق السالك وأحسب أنّ الساحة الإسلاميّة تشهد الآن على امتدادها إزدهارا لتيار إسلامي سياسي متوازن تنامى كرد على إنسداد الأفق امام خيارين مشطّين متناقضين لا يخلو أحدهما من آحادية .

واحد أحاديّته في الإستغراق مع النصّ كما صاغته الثقافة الموروثة بمعزل عن الواقع والآخر أحاديّته في الإستغراق مع الواقع كما صاغته الثقافة المستوردة بمعزل عن النصّ… لذلك فالتيار الإسلامي الراشد بقدر ما تكون عقلانيّته مؤصّلة شرعا و توحد توحيدا ممنهجا بين النصّ والواقع بقدر ما يلغي مسوّغات كلّ انفصال نكد مفتعل في أذهان بعض النخب بين الدين والحياة أو بين الدين والسياسة.

الوسط التونسية:  أستاذ حبيب اللوز ,بعد خروجكم من السجن هل لاحظتم تسامحا رسميّا من قبل السلطة تجاهكم أم أنّ أوضاعكم الشخصيّة ووضع حركتكم لم يطرأ عليها أيّ مؤشّر من مؤشرات التغيير؟

الشيخ حبيب اللوز :  شخصيّا أنا الآن أقع تحت طائلة مراقبة ملاصقة مستمرّة على مدار الأربع والعشرين ساعة وهي رغم محاولات التلطيف تظلّ مقلقة ولست أرى لها أيّ مبّرر ولا مصلحة وأحسب أنّ السلطة بدأت تستشعر مثل ذلك وأقدّر أنّه لولا الروتين الإداري لرفعت تلك المراقبة فكل شكل من أشكال التضييق المجاني أو المراقبة المفتعلة في حق الافراد أو الجماعات هو عنصر توتير نحن في غنى عنه لذلك فرفعه لا يزيد المناخ السياسي في البلاد الا أريحية وانفراجا.

أما على مستوى الحركة فكي أجيبك هل ثمّة تسامح من قبل السلطة أم لا فيجب أن نكون كحركة قد قمنا بمبادرات سياسية حقيقية أو فعلنا فعلا ملحوظا ذا دلالات حركية وسياسية واضحة حتى نستطيع أن نختبر مدى ايجابية رد فعل السلطة و لا بأس لكي يكون إختبارنا صادقا وأمينا أن تلتزم مبادراتنا بالإيجابيّة والمسؤوليّة وروح التجاوز وتغليب مصلحة البلاد وفي تقديري أنّ أيّ مماحكات صغيرة وقعت أو تقع يجب ألا تشوّش على إختبار نريده أن يكون منعرجا إيجابيّا وطيّا لصفحة منغّصة.

الوسط التونسية: ثمة تطور بارز و خطير عرفته تونس في الفترة الاخيرة و هو أحداث الضاحية الجنوبية, فبم تفسرون هذه الاحداث؟ و كيف ترون مستقبل التيار الاسلامي الوسطي و المعتدل في ظل بروز ظاهرة العنف و التشنج لدى بعض العناصر السلفية؟

الشيخ حبيب اللوز :  سؤالك هذا لا يخلو من حرج لمن يكره الردود السياسوية و المراوغة و التخلّص السهل . ولست أخفيك أنّ مقتي لتلك المسالك يفرض عليّ أن ألتزم في إجابتي ما أقدر عليه من وضوح وصدق وانصاف مغلبا آداب النصح الأمين التي يمليها علينا شرع الإسلام. رغم يقيني أنّ انصاف أولئك الشباب المتهم بالتشنج والعنف موقف مكلّف سياسيا لا سيّما في مناخ سياسي مفخخ… ولكن لا بأس فرضاء الله أولى من كلّ الحسابات .

في البداية اسمح لي أن ألفت نظرك إلى أنّ صيغة سؤالك ربما أوحت لتلك العناصر التي وصفتها بالتشنّج بعدم الحياد ولو عن غير قصد منك , إذ الأصل أن تعقد لنا المقارنة أو المقابلة بين تيارين لا بين تيار وبين عناصر متشنّجة من تيار آخر…, وللأمانة فالعنف والتشنّج قد برز في رحم أغلب التيارات يسارية كانت أم قوميّة أم اسلامية… فيكفي أن يتصدّر تيار لموقع الريادة أو يستشعر مسؤولية التصدي لواقع مجتمعي محتقن ثم يتعرّض لحملات سباب أو قمع أو استفزاز حتى يفرز عناصر متشنّجة متهيئة للعنف… والنزوع إلى إستعمال القوة استعداد طبيعي وفطري في كلّ كائن حي ولا تستمرّ الحياة الاّ به لأنّه في الأصل وسيلة دفاع عن النفس… الاشكال هو حين تستعمل القوة في غير محلها أو حين تستعمل للظلم والحيف والتعسف والإضطهاد… فذلك هو العنف و من هذا العنف الذي لا يجب أن يبرر بل يجب أن يدان بكل وضوح تلك العملية التي وقعت في الضاحية الجنوبية.

و من جهة أخرى فان واقعنا السياسي والإجتماعي المحتقن يولد العنف لأنه يصنع مفارقة حادة بين ما تشتشعره الجماهير من انسداد أفق في واقع الأمّة وواقع القطر وبين ما تطمح إليه تلك الجماهير وتراه واجب التحقق أوتراه على الاقل في دائرة المتاح.

أضف إلى كل هذا ذلك النمط الثقافي والتربوي السائد في عصرنا وأعني به ثقافة التبرير والاعذار وتقديس المتعة والرغبات وتضخيم الحقوق و الحاجات… هذه الثقافة لا تصنع الاّ إنسانا نرجسيّا متبرما متهيأ للتوتر والعنف… نحن إذن بواقعنا المحتقن وبثقافتنا المنحرفة نخرج كلّ يوم أفواجا من الشباب يضمر مقادير متفاوتة من التشنّج والعنف تتمظهر في سلوكه منذ الطفولة ,و ألاحظ هنا اني بهذه القراءة افسر اسباب العنف و لا ابرره.

وشخصيّا أحسّ بالقلق من نمطين من الردود طفح بهما الإعلام حول أحداث الضاحية الجنوبية :

واحد ينزع إلى المبالغة في الإدانة والتنكير في سياق خطاب متهافت عهدناه دوما يقتات من التشنيع بكل ماهو اسلامي …مثل هذا الخطاب لا يستغرب منه ان يستغل اي خطأ يقع فيه انفار من الشباب الإسلامي (سلفي أو غيره) و ان يعتبره فرصة سانحة للإجهاز على كلّ الإسلاميين وبكل أصنافهم .

وآخر ينزع الى المبالغة في نصب فزّاعة تخيف وتحذر من تداعيات الواقع وتجعل ما جرى في الضاحية الجنوبية مؤشرا على قرب تلك التداعيات و خطورتها.

النمط الأول يستهوي أكثر خصوم الإسلاميين والنمط الثاني يستهوى أكثر خصوم السلطة.

فإذا كنت لا أرتاح للأول لكونه خطابا عدائيا فإنّي لا أرتاح للثاني لكوني موقنا أن الفزاعة لن تقنع السلطة ولن تخيفها ولن تثير إهتمامها أصلا لأنّ أجهزتها ومعطياتها الدقيقة على ما جرى وعلى ما يحتمل جريانه تجعلها لا تلقي بالا للتفزيع أو التهوين ,لذلك لن تثمر تلك الفزاعة الاّ تهويلا لقضية أولائك الضحايا من « الشباب السلفي » أوالمحسوب على « السلفية » بما يعقد معاناتهم وبما يتيح للسلطة أو لبعض أطراف منها توظيف تلك الفزاعة لمصلحتها على حساب قوى المجتمع المدني من خلال تسويق مناخات الأزمة لتبرير مزيد من المحاصرات والتضييقات ثمّ الإقناع بمشروعية الحلول الأمنية

وعندي أنّ الأفضل والأرشد هو أن لا نهول ما وقع وأن نضعه في نصابه عسانا نتمكّن ولو بالمكابدة والإصرار من صنع مناخ سياسي متزن يحرج الإقصائي ويدفع المتردّد ويطمئن المتخوّف ويشجع المنكفئ و يعقلن المتشنج في اتّجاه تكريس الحد الأدنى الضروري من مناخ الحريات المناسب للمرحلة المستقبلية التي أستبعد أن تفاجئنا بما لم نعهد أوبما لم نتوقّع.

وفي هذا الإطار أحسب أنّ التيار الإسلامي الذي سميته أنت بالوسطي والمعتدل مرشح إلى تجدد انتعاشه وتناميه التدريجي ,و هذا لن يكون خافيا لا الان و لا غدا لان من طبيعة التيار الاسلامي أن يكون علنيا فتمظهراته هي بعض من كنهه و تعبيرة عن حقيقته فلا تنفك عنه لذلك سيظل ثمة دوما من يحاول أن يصنع من انتعاشه فزاعة كما كان يجري دائما في كل المحن السابقة. و هذا يقتضي أن يحرص الاسلاميون على التزام مسلك التوازن و الفطنة و الطمأنة.

الوسط التونسية: هل يمكن أن نفهم من هذا أنّ لدى حركتكم داخل البلاد رغبة جادة لطي الخلاف مع السلطة وتأسيس علاقة قائمة على المشاركة والتعاون من اجل الصالح العام؟

الشيخ حبيب اللوز :  نعم …وهذه الرغبة ليست موجودة لدى إخواننا داخل البلاد فقط بل ولدى اخواننا في المهجر ولدى اخواننا المتبقين في السجن كذلك… و لكن للامانة فهذه القناعة متحركة ينميها الانفراج و يذبلها الاحتقان… و لكن لست أرى شيئا يذبل هذه القناعة عند بعضنا في هذه المرحلة الانتقالية كما يفعل تردد السلطة في طيّ الصفحة لذلك سيظلّ كلّ مسعى عملي من طرفنا متوقفا على تعبير الجهات الرسمية عن رغبة جادة وصادقة في ذلك و لا بأس أن أسجل في هذا السياق أن محاولات اتصال و مساعي لطي الصفحة وقعت مرتين على الاقل في فترة سابقة ليست ببعيدة و لم تكن الحركة السبب في قطعها أو افشالها.

الوسط التونسية: هل تعتقدون أنّه من الخطأ بمكان استمرار ترك الشأن القيادي لشؤون النهضة خارج البلاد؟ أم أنّ الأمر اقتضته الظروف القائمة وهو خاضع للمراجعة بحسب ما يتاح لكم من مناخات المشاركة والتعبير؟

الشيخ حبيب اللوز : هو ليس بخطا لأنّ الحركة اضطرّت إليه إضطرارا لا سيّما وأنّ القانون الأساسي للحركة لا يسمح بوجود قيادة الحركة خارج البلاد الاّ عند استحالة وجودها بالداخل وانطلاقا من هذا فقد أكدت الحركة في مؤتمراتها الأخيرة التي عقدتها بالمهجر خيار العودة متى تسمح بذلك الظروف .

كما أنّها تبنت خيار العلنية الكاملة لذلك فلن يكون بوسع القيادة أن تكون في الداخل الا مع وجود مناخ سياسي يسمح بهامش معقول من الحضور والتحرك.

الوسط التونسية: ما هو موقفكم من ائتلاف 18 أكتوبر للحقوق و الحريات و هل طرأ لديكم تغيير في الموقف منه على ضوء محاولة البعض تجيير اعمال هيئته التنسيقية لقضايا يرى البعض انها لا تدخل في مبادئ توافق عليها المضربون حين اعلانهم التاريخي الاضراب عن الطعام نهاية سنة 2005؟

الشيخ حبيب اللوز :  هيئة 18 أكتوبر كانت و لا تزال مكسبا وطنيا و اطارا ضروريا لخدمة قضايا الحريات بالبلاد يجب صيانته و الحفاظ عليه. و من صميم ذلك أن تظل هذه الهيئة متسمة دوما بالمرونة و الرحابة بحيث تتسع لكل القوى السياسية و المنظمات المجتمعية الملتزمة بالاهداف التي أنشأت من أجلها و هي بالاساس أهداف سياسية اقتضتها المرحلة الحرجة التي يمر بها قطرنا و منطقتنا ,فانصبت أولا و قبل كل شيء على تكريس الحريات الضرورية الكفيلة بالخروج من المأزق السياسي الذي تردت اليه البلاد…, و اهتمام الهيئة بما وراء الاهداف السياسية من مسائل ثقافية و اجتماعية لا يجب أن يتجاوز المبادئ العامة التي تجمع و لا تفرق و ليست محل اختلاف.

و من ثم فليس من الحكمة و لا من الواقعية الاستباق لحمل الاطراف المشاركة في الهيئة على التزام وحدة فكرية تقتضي تبني رؤية مجتمعية فيها عديد المسائل التفصيلية بعضها يثير اشكالات شرعية حساسة بل منها ما لا يمكن أن يتموقع الا خارج الدائرة الشرعية كما حصل في بيان 8 مارس حيث لا يمكن ان يفهم امضاء اي حركة تنطلق من مرجعية اسلامية الا على أنه امضاء بتحفظ و لئن كان لمثل هذا النوع من الامضاء سوابق في تاريخ العمل الائتلافي بين المنظمات و الحركات و حتى الدول الا انه يمثل حالة لاتخلو من تدافع و الجاء و احراج اقدر ان الساحة السياسية في بلادنا في غنى عنه و أحسب انه على كل الحريصين على هيئة 18 أكتوير و دورها التاريخي أن يسعوا الى تجنيبها مستقبلا مثل هذه الوضعية.

في مقابل هذا فالحرص على الزام الهيئة برؤية مجتمعية موحدة ,والذي قد يبدو لاول وهلة كأنه توسيع لأرضية العمل المشترك و ضمانة لتوحيد أهداف النظام هو في حقيقة الامر على العكس تماما ينطوي على تأزيم لا تطيقه الساحة السياسية ببلادنا في هذه المرحلة الحرجة بالذات و لا تطيقه الحالة غير الطبيعية التي تعيشها أي حركة محرومة من حق التنظم و الاجتماع و الحوار الداخلي المنظم و بهذه الملابسات تصير محاولة ايجاد أي نوع من التماهي الفكري و الثقافي احراجا و الجاءا للمخالف يقوم به البعض تجاه البعض الاخر, و هو على كل حال تضييق لواسع و الزام بما لا يلزم ,فالوحدة الفكرية المجتمعية أنسب للفصيل السياسي الواحد منه للتكتلات الحزبية و الائتلافات السياسية.

ان المراوحة الممنهجة بين حق الاختلاف و واجب الائتلاف هو خير ما يوفر الاطار الجامع الرحب و المناخ التعددي الخصب بين الفرقاء السياسيين بالبلاد ,بعيدا عن كل أشكال المزايدة أو الالحاق أو الالجاء لا سيما أن مجلة الاحوال الشخصية ليست كتابا مقدسا و لا نصا متعاليا فوق أي تقويم او مراجعة ,بل ثمة قطاع عريض من مجتمعنا يرى أن بعض بنودها تستوجب الاصلاح و التعديل و التطوير بما يجعلها تنسجم أكثر مع قيمنا الدينية و هويتنا العربية الاسلامية ,و بما يجنب مجتمعنا بعض الاثار السلبية الخطيرة التي أفرزتها تلك البنود فخلخلت النسيج المجتمعي و لا سيما الاسرة و ولدت أزمة تربوية و اخلاقية و اجتماعية متنامية لا تخفى على أحد ,و طبعا فأنا أقصد الاصلاح و التطوير الذي لا يمس بتلك المبادئ العامة التي يتأكد الاجماع الوطني عليها يوما بعد يوم و منها ضمان حرية المرأة و فاعليتها و مشاركتها الايجابية في الحياة العامة في اتجاه بلوغ ما تشوف اليه الاسلام من مساواة و عدل و تكامل بين كل فئات المجتمع و في اتجاه رفع المظلمة التي سلطت في عصور الانحطاط على المرأة فكبلتها و صادرت ادميتها و عطلت رساليتها و اقعدتها عن الفعل و المشاركة في الحياة العامة كما يأباه الاسلام و يمقته.

 الوسط التونسية: كيف ترون مستقبل العمل السياسي في تونس؟ وهل تترقب من حركتكم مراجعات سياسية كبرى من شأنها أن تؤسس الى مرحلة وطنية جديدة قوامها الموازنة بين متطلبات مشروعكم ومتطلبات الوحدة والإستقرار الوطنيين والإنفتاح على الفضاء العام؟

الشيخ حبيب اللوز :  قراءة الواقع السياسي القائم وفهم مكوناته وتناقضاته يجعلنا ندرك بسهولة أنه يفتقد إلى الحوافز والمنشطات والإرادات القوية ,وشخصيا ليس لي انتظارات ذات بال في ظلّ الواقع السياسي الحالي .

ومشكلتنا مع هذا الواقع السياسي محدود الأفق أنّه عليك أن تبذل الكثير لنيل القليل وفي بعض الأحيان لا تنال شيئا… وهذا يؤول إلى تفشي حالة احباط عند سائر المعنيين به من ناشطين ومتابعين ومعايشين وهو لا يساعد على ما سمّيته أنت بالمراجعات السياسية الكبرى لأنّ المراجعات الكبرى لا يمكن أن تحصل ولا أن تتوفّر حوافزها الاّ إذا حصلت تطورات هامة و موضوعية على مستوى المناخ السياسي بالبلاد و بالاساس على مستوى موقف السلطة من حركتنا و من سائر الحركات التي تعيش وضعا شبيها بوضع حركتنا وأي شيء من هذا القبليل ليس ثمة ما يدل على قرب حصوله

لأجل هذا أشرت منذ قليل إلى ضرورة التحلي بالصبر والمصابرة والمكابدة من أجل تغليب روح التجاوز ومن أجل التهيئة ولو من جانب واحد لمناخات وفاقية بناءة بين سائر الأطراف السياسية بالبلاد…وهو ولا شكّ إلتزام مسؤول ومحرج ومكلف ولكنه في تقديري هو الخيار الأنسب للمرحلة التي تمر بها بلادنا.

الوسط التونسية: ختاما، هل من كلمة تتوجهون بها الى أحبائكم وإلى عموم القراء في المنطقة العربية والإسلامية وربوع العالم .

الشيخ حبيب اللوز : نعم ما أتوجه به لكل هؤلاء هو أن منطقتنا تعيش على وقع أحداث كبيرة وأزمات متنامية وصراع حضاري مفروض عليها لا يخلو من احتقان, وما الساحات الفلسطينية والعراقية والأفغانية واللبنانية والصومالية والسودانية الاّ بؤر تأجج في ذلك الصراع ,وهذا ينمّ عن أنّ الأمة تمر بمخاض لميلاد جديد صعب و أي مخاض لا يكون الا صعبا و الأمة على كل حال لم تعرف لهذا المخاض مثيلا منذ قرون.

لذلك فرغم المآسي والمعاناة والضحايا الأبرياء فالحصيلة بحول الله لن تكون الاّ يقظة للأمة و انطلاقة جديدة مباركة… وإنتماءنا لهذه الأمة يجعلنا في قلب التحولات العالمية ويحملنا أمانة عظيمة أول مقتضياتها توعية جماهير الأمة حتّى لا تستمر في ترك مصيرها بيد أعدائها او بيد من انبهر بهم فتذيل لهم…فنحن جزء من أمة قيضها الله للريادة فأشهدها و أشهد عليها (و كذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا…) البقرة (143)

(المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » (اليكترونية – ألمانيا) بتاريخ 21 ماي 2007)

الرابط: http://www.tunisalwasat.com/wesima_articles/index-20070521-5946.html


افتتاحية « الموقف »: الديمقراطية المؤجلة
التأم هذا الأسبوع المجلس الأعلى للتنمية تحت إشراف الوزير الأول قصد إبداء الرأي في المخطط الحادي عشر قبل إقراره من طرف مجلس النواب. واستثني الحزب الديمقراطي التقدمي من المشاركة في هذا الاجتماع وكان الملاحظون رأوا في دعوته للمشاركة في « الاستشارة الوطنية » حول التكوين المهني قبل شهرين « علامة انفتاح » سياسي. فهل يعتبر استثناه هذه المرة « عودة إلى نهج الانغلاق « ؟ أم أن دعوته تلك لم تكن سوى محاولة لاستدراجه إلى بيت الطاعة وثنيه عن القيام بوظيفته كحزب معارض؟ لا يهم الجواب على هذا السؤال بقدر ما يهم الوقوف على مغزى هذا الاجتماع ودلالاته بالنسبة لحال المؤسسات في بلادنا. التخطيط فكرة استولت على المجتمعات في أعقاب الحرب العالمية الثانية تحت تأثير التجارب الاشتراكية وعمت حتى أعتا البلدان الليبرالية كفرنسا في شكل مخططات توجيهية على خلاف المخططات الإلزامية المتبعة في البلدان الاشتراكية. وعلى الرغم من أهمية التخطيط كطريقة عقلية لاستشراف الإمكانيات وتوجيه القدرات فقد تخلت عنها معظم البلدان بعد أن عم اقتصاد السوق وتعولم وأصبحت المخططات أقرب إلى الدراسات الإستراتيجية التي تستأنس بها الحكومات والمؤسسات التمثيلية منها إلى البرامج التنموية. وفي البلدان المتقدمة تحتل برامج الأحزاب السياسية المرتبة الأولى في سلم الاهتمام لدى الرأي العام وتشكل محور الصراع السياسي فيها كما يبرز ذلك جليا من خلال الحملة الرئاسية الدائرة هذه الأيام في فرنسا. فتعرض على الناخبين تصورات ورؤى مختلفة للرفع من مستو النمو وخلق مواطن الشغل والرفع من مستوى الأجور وتأثير ذلك على الاستهلاك وعلى تنشيط الاستثمار ويشرح دور الجباية، ارتفاعا وانخفاضا، في تحقيق هذه المخططات المختلفة والمتنافسة، وتبسط هذه الخيارات في لغة يستوعبها القاصي والداني لشدة سيطرة الساسة على فنونها وخباياها حتى تظنهم أخصائيين في علم الاقتصاد المتشعب وتسخر كل وسائل الإعلام لنشر هذه الحوارات والسجالات التي يغيب فيها التجريح ثم يحتكم فيها إلى الناخبين قبل أن تتحول إلى قوانين عبر هيئات نيابية تعددية تسهم في تقدم ورفاه البلدان. أما في بلادنا فتعد المخططات في أروقة الإدارة المظلمة بعيدا عن كل مشاركة حقيقية للفاعلين الاقتصاديين والسياسيين ولمختلف مؤسسات المجتمع المدني لتعرض في مرحلتها النهائية على استشارة صورية تقتصر على يوم واحد لا يحضرها إلا المقربون ثم تعرض على مجلس النواب ليقرها بالإجماع في جو من عدم الاكتراث واللامبالاة التامة من قبل الرأي العام. اجتماع الهيئة العليا للتخطيط هذا الأسبوع لا يعدو أن يكون سوى عنوان لتعطل جميع مؤسسا البلاد: شلل وسائل الإعلام السمعية والبصرية وهزال الهيئات الأكاديمية ومراكز البحوث وتعطل الأحزاب السياسية وقصور مختلف المؤسسات النيابية. كل هذه المؤسسات والهيئات أجنبية عن صنع القرار تحجب عنها المعلومة ويمنع عنها البحث عن الحقيقة في الواقع المعاش، وتحرم من التواصل والاتصال فدور الصحافة ووسائل الإعلام موصدة في وجهها وكذلك الدور العمومية وحتى المقرات الخاصة،على ندرتها، و مواقع الانترنت تعطل بلا وجه حق. أي استشارة هذه إذن؟وأي معنى لحضور هذا الحزب أو غياب ذاك؟ المعضلة أشد وأدهى في بلادنا. الشعب التونسي بلغ من الرشد ما يجعله أهلا بتصريف شؤونه بنفسه. عبارات سمعناها من بيار منداس فرانس في خطابه الشهير يوم 30 جويلية 1954 بقرطاج فصفقنا لها وابتهجنا ثم أعيدت على مسامعنا بعد ثلاث عقود، في أعقاب فشل بورقيبة في الانفراد بالسلطة والقرار فابتهجنا لها من جديد لكن تتالت العقود مرة أخرى دون أن يتغير من أمرنا شيء، نراقب عبر الفضائيات شعوب المعمورة تتألق في مختلف الميادين شرقا وغربا ونحن قابعون… نتغنى بإنجازات العهد الجديد وبالاستقرار وبالديمقراطية المؤجلة … (المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 404 بتاريخ 18 ماي 2007)

لـن أرحـــل
عرض ياسين تملالي « لن أرحل » كتاب جديد باللغة الفرنسية للكاتب والصحفي التونسي توفيق بن بريك أصدرته دار النشر الجزائرية « الشهاب » في بداية أبريل/نيسان الماضي بعد أن استحال صدوره في تونس. وبن بريك ليس فقط كاتبا بل هو أيضا معارض سياسي نشط، ناضل في الكثير من المنظمات المدنية والحقوقية وأبرزها المجلس الوطني التونسي من أجل الحريات والرابطة التونسية لحقوق الإنسان بالإضافة إلى نشاطه الصحفي مراسلا لكثير من الجرائد ووكالات الأنباء الأوروبية. يتذكر الجميع إضراب توفيق بن بريك عن الطعام في مارس/آذار 2000 ومطالبته بوقف « التعسف البوليسي » الممارس ضده، والسماح له بممارسة عمله الصحفي بكل حرية. – الكتاب: لن أرحل – المؤلف: توفيق بن بريك – عدد الصفحات: 162 – الناشر: دار الشهاب، الجزائر – الطبعة: الأولى/2007 وقد مكّن ذلك الإضراب الذي تناقلت وقائعه أسابيع وسائل الإعلام العالمية من لفت الانتباه إلى حالة الحريات المتدهورة في تونس، كما مكن المعارضة السياسية بفضل الاهتمام الإعلامي بالوضع التونسي من رفع مطالبها بإطلاق الحريات في العديد من المنابر السياسية خصوصا في أوروبا. منذ إضرابه عن الطعام سنة 2000، ما انفكت السلطات التونسية تحاول الدفع ببن بريك إلى الهجرة بتشديد الخناق عليه ومنعه من العمل الصحفي الحر، بل إن التعسف طال بعض أفراد عائلته كأخيه جلال الذي ما زال ممنوعا من العمل كمحام. وفي مستهل الفصل الثاني من مؤلفه بعنوان « باب الإسكندرية » يقول الكاتب « في تونس أحس نفسي كعرّاب صقلي سجين. كان في مستطاعي أن أختار طريق الهروب غير أنه لا رغبة لي في العيش في المنفى. لو رحلت سأتوه، سأفقد لغتي وسأموت مللا. أنا متيمّ بتونس. ففيها لا أجدني مجبرا على اختلاق قصص لشد انتباه الآخرين ولا أحس نفسي متشردا ». من هذا المنطلق، يمكن اعتبار « لن أرحل » صرخة تحد للنظام وتلميحا ساخرا إلى من فضّل من أقطاب المعارضة الهجرة على العيش في سجن السلطات الكبير. تونس بلد الكآبة السياسية غير أن المؤلف بالرغم من عنوانه أقرب إلى كتاب أدبي منه إلى منشور سياسي غاضب، لأن نبراته الماكرة تذكرنا بـ « ضحكة الحوت » (2001) أكثر مما تذكرنا بـ « دكتاتورية ناعمة ناعمة » (2000). الكتاب يتحدث عن تونس من وجهة نظر ذاتية خالصة، تمتزج فيها المحبة العارمة لبني الوطن بشيء من النقمة عليهم والتعريض الساخر برضوخهم لمصيرهم. لا مجال فيه للشعارات الرنانة عن « حتمية انتصار الشعب » ولا محاباة فيه للجماهير، بل هو على العكس من ذلك يصور التونسيين بكل مفارقاتهم وتناقضاتهم التي هي تناقضات كل البشر: شجاعتهم وجبنهم، تمردهم واستكانتهم. كما لا يتردد توفيق في وصف ما آلت إليه المعارضة من إحباط وأفق مسدود، مثلها في ذلك مثل الجماهير العريضة التي لم تتمكن من تجنيدها بالرغم مما أبدته في ذلك من شجاعة وعزيمة تستوجبان الإعجاب. يقول أيضا « النقاشات العتيقة عن العفو العام واستقلال الصحافة والقضاء لم تعد تطفو إلا من حين لآخر, لكنها خالية من أية حماسة أو حميّة (…) بم يفسر هذا الفتور؟ لا يكفي القمع لتفسير هذه الكآبة السياسية القاتلة. كلاّ. تفسرها أيضا متع المجتمع الاستهلاكي، مجتمع مصطنع كل الاصطناع لكنه مغو أشد الإغواء ». « لن أرحل » بعبارة أخرى دليل سياحي من نوع خاص، لا علامة فيه لآثار قرطاج ولا لعناوين الفنادق الفخمة المطلة على المتوسط والحافلة برجال الأعمال وأثرياء السياح. فهو يمكّن القارئ من أن يرى في مدينة تونس جوانبها القاتمة المتخفية وراء بهرجتها الحضرية، فيرى الفقر المدقع الذي يخيم على الأحياء الشعبية، والاستلاب الذي تعرضت له الطبقات المتوسطة بعد أن وقعت فريسة لسياسة تشجيع قروض الاستهلاك التي اتبعتها السلطة لتحييدها وإبعادها عن حلبة السياسة. يقول الكاتب: « العيش عن طريق الاقتراض هو ثمن قبول التطويع السياسي. ليس من تونسي واحد لا يشعر وهو يرتاد السوبرماركت بأنه يستهلك في الحقيقة حريته. » هذا هو وجه تونس الخضراء الحالمة، وجه يخفي كآبته وراء رونق المحلات ولمعان واجهاتها. الحقيقة داخل الوهم والوهم داخل الحقيقة ويتلخص مشروع توفيق بن بريك في هذا الكتاب في اكتشاف الوهم داخل الحقيقة والحقيقة داخل الوهم، بأسلوب يتقمص فيه التحقيق الصحفي رداء الكتابة الأدبية. تونس في « لن أرحل » مدينة تكتب نفسها بنفسها في فصول صغيرة، هي وصف لمشاهد من الحياة اليومية ووقوف متأمل أمام أسماء الأحياء والشوارع والمقاهي. ولا أدل على ذلك من عناوين الفصول: « قرطاج عند المغيب »، « شارع زرقون »، « المرسى ستريت »، « باب منارة ». تونس العتيقة في « لن أرحل » ليست فقط أسواقا عامرة ومقاهي يستنشق السياح في أطرافها رائحة الياسمين، بل هي وراء زخرفها السياحي مدينة المطاعم الشعبية التي تفوح منها رائحة مأكولات لا يعرف عنها الأوروبيون شيئا كـ « أحشاء الخروف » ذلك الطبق العتيق الذي لا يمكن تناوله بالرغم من لذة مذاقه إلا إذا سد الأنف بسبب رائحته شبه الكريهة. الصورة المتداولة عن الضواحي السياحية كذلك سرعان ما تنكسر على قلم بن بريك الحاد. سيدي أبو سعيد والمرسى ليستا فقط صفوفا من الفيلات الجميلة ذات الشرفات الزرقاء المطلة على البحر, بل هي أيضا منازل خفية يشرب فيها المتسكعون النبيذ الرخيص اللاذع المذاق ويقرؤون فيها روايات منحطة أو محظورة. أما الأحياء الشعبية فلها أسرارها الغامضة: يكفي لاكتشافها أن نطرق أبوابها متمترسين بشجاعة الصحفي. وهي رغم حداثة ميلادها لا تبدو أساطيرها أقل قدما من أساطير قرطاج الفينيقية. في هذه الأحياء القابعة في عالمها المنغلق المنسي، لا شيء يذكّر الزائر ببريق الأحياء الراقية، فهي تعيش خارج الزمن الحضري ولها ساعتها البيولوجية الخصوصية. إحدى لعب السكان المفضلة في « لجبل الأحمر » هي الرهان على توقيت سقوط المطر. أما حي « باب المنارة » فما زالت تنظم فيه مبارزات الكباش التي لن تقدر رؤيتها لكثير من السيّاح. « أمتع متع باب المنارة هي تبني كل ما تحتويه تونس من مهمشين » يقول بن بريك. اللسان أعز أعضاء التونسيين عليهم ويصف الكاتب تونس بنبرة حنين مرير، ليس حنينا لماضي المدينة القرطاجي السحيق الذي لا تتوانى الأدلة السياحية أبدا عن التذكير فيه واجتراره، إنما هو حنين لما كانت عليه في العشرينيات القليلة الماضية، عندما كانت الحياة فيها لا تكدر صفوها سطوة البوليس ولا إغراءات المجتمع الاستهلاكي التي حولت الشباب إلى مسوخ « تهوى قصص الحب البراغماتية كما لو كانت تنتمي إلى تعاونية للمتع الأفلاطونية ». يقول الكاتب « كانت آخر حفلة في تونس مأتما. أطل الصبح على مدعووي قصر قرطاج كالكفن منيرا سحنات شاحبة كالشمع. » قصر قرطاج هو قصر الرئاسة والصبح المذكور صبح السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1987 حين استولى الجنرال زين العابدين بن علي على السلطة عازما على « قطع أغلى أعضاء التونسيين وأعزها عليهم: لسانهم ». منذ ذلك اليوم، لم تعد للحياة في المدينة من لذة سوى لذة الهروب منها. لم يعد الأدب والفن ما كانا عليه وتحولا إلى مجرد ذكرى، ذكرى تشرد مبدعين وقعوا في فخ اليأس ولم يعد لهم من حاضر سوى مجد قديم يجهله الشباب ولا يعرفون عنه شيئا. منذ ذلك اليوم ظلت الضواحي الغنية وأحياء وسط المدينة تتحول إلى أسواق كبيرة تغرق فيها الطبقات الوسطى، أسفها على العهود الجميلة الماضية. أما الأحياء الشعبية كحي الأكراد فرُمي بها في بالوعة النسيان وهي اليوم « لولا صراخ أطفالها، لما استحال تشبيهها بالغولاغ الستاليني » كما يقول توفيق. « التشاؤل » ليس قدرا محتوما في تونس، لم يعد للشباب العاطل من أفق سوى التناحر من أجل الحصول على مكان على قارعة الطريق يبيعون فيه بضائع مهربة تستحيل معرفة المكان الذي صنعت فيه، أو الحدود الدولية التي عبرتها في طريقها إلى أسواق العاصمة الصاخبة. في فصل عنوانه « مقاتلو الرصيف » يقول الكاتب « في تونس المشرفة على الإفلاس، تحول ميل التونسيين القديم إلى تجارة المحظورات إلى هاجس حقيقي. ها هي أزمة المؤسسات والمصانع العمومية تدفع نحو الأرصفة بأكثر مما يمكن أن تحتويه من الباعة والتجار ». وسط هذا الوضع المرشح موضوعيا للانفجار، لا انفجار بعد. لا شيء « سوى تململ غامض » سرعان ما تنطفئ جذوته. احتجاجات سنة 2000 العارمة فشلت في زعزعة عرش السلطات. رغبة المعارضة في التغيير لا تصطدم بجهاز النظام القمعي فحسب، إنما أيضا بانتشار أيديولوجية الخلاص الفردي، وبجدار الخوف الذي غزا قلوب التونسيين. « يكفي أن تمعن النظر في أعينهم لتراه، لترى الخوف.. الخوف في كل مكان، في العمل وفي المنزل وفي السوق. عندما يطرق بابك الصبح، تأكد من أن الطارق ليس جارك بائع الحليب ». هذا التأرجح بين الرعب والغضب، بين التفاؤل والتشاؤم هو ما يسميه الكاتب « التشاؤل ». وهو ذاته لا يترفع عن أن يعد نفسه في طائفة « المتشائلين » فهو يقطن ضاحية يتلخص فيها حديث جيرانه في كلام مجتر عن أحوال الطقس ومختلف أنواع السيارات، إلا أنه « ككل التونسيين، يحتفظ في أحشائه بألف غضب وغضب » يساعده على النجاة بنفسه من يأس مطبق ومن رغبة جامحة في الرحيل. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 20 ماي 2007)

 

توضيح

هيئة تحرير  الموقرة ، السلام عليكم و رحمة الله وبركاته وبعد

 

نشرتم في الثالث عشر من ماي مقالا بعنوان  هل الإصلاح خطيئة ؟ بإمضاء محمد بن نصر ، من المحتمل جدا أن يحمل الكاتب الإسم نفسه  و كان من المفروض قي هذه الحالة أن تعرفوا  به حتى لا يحصل سوء فهم  عند القراء ولكن يبدو أن سهوا قد حصل،  المهم في الأمر أود أن أوضح للقراء الكرام  أن لا علاقة لي البتتة بالمقال الذي نشر بغض النظر عن محتواه ولم أتمكن من إرسال  التوضيح  إبان صدور المقال فقد كنت وقتها منشغلا بالمشاركة في ندوة علمية خارج فرنسا ، أرجو التكرم بنشر هذا التوضيح  وتعريف القراء  بصاحب المقال السيد محمد بن نصر ولكم جزيل الشكر والسلام

 

الإمضاء محمد بن نصر، أستاذ جامعي،  مقيم في باريس  


 

بسم الله الرحمان الرحيم                                                            تونس في 21/05/2007

و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين 

الرسالة رقم 235                                             

على موقع تونس نيوز   

 بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري

رئيس  شعبة الصحافة الحزبية سابقا         

رسالة مفتوحة للتاريخ

إلى عناية السيد الوزير الأول المحترم

حول موضوع التشغيل

يسعدني كمناضل دستوري تعلمت في صلب الحزب الحر الدستوري التونسي منذ يوم 17/05/1954 كيف نحاور المسؤول .و كيف نطرح القضايا.و كيف نلفت النظر.و كيف نطرق المواضيع بصدق و أمانة و إخلاص حبا للوطن . و برا للشعب . و تعلقا بالقيم و الثوابت  و كان شعارنا في الحزب الصدق في العقول و الإخلاص في العمل.

و تربينا على هذه المبادئ و القيم الروحية اقتداء بالزعيم الأوحد و المعلم الملهم المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة رحمه الله و عشنا على هذه القيم إلى اليوم و الحمد لله نحس براحة الضمير و وهج الوطنية و صدق الانتماء و حسن الأداء و طهارة القلب و حب الآخرين بوفاء و صدق .

ما أسمى هذه الرسالة النبيلة (خدمة الشعب ) .

و انطلاقا من هذا المفهوم السامي و العمل الإنساني النبيل عشنا بين الأهل و الأقارب و الأصدقاء و الزملاء و الإخوة في صلب حزبنا العتيد محترمين مكرمين مبجلين – لا نجري وراء المادة و لا نبحث على السيارات الإدارية و الضيعات الفلاحية و المساكن الفخمة و الأموال الطائلة و القروض الميسورة

بل رضينا بالقسم الذي ساقه لنا الله الرزاق المتين

و نحمد الله على القناعة و كما يقول المثل مستورة و الحمد لله. هذه القيم النبيلة تعلمناها سنة 1954 و نحن شبان في عمر الزهور في صلب الشبيبة الدستورية التابعة لحزب التحرير و النضال و الكفاح الوطني – و عهدنا الله على خدمة الشعب و الإخلاص للوطن و قول الحق و الصراحة دون خوف أو ريبة أو مجاملة أو نفاق .

و في هذا الإطار تتنزل  رسالتي إلى سيادتكم و مقامكم الرفيع باعتباركم العضد الأيمن لرئيس الجمهورية .

إن حبنا للوطن و برنا بشعبنا و عطفنا على شبابنا و بناتنا يفرض علينا مصارحتكم و مصارحة كل مسؤول وطني نزيه مثلكم، و قد نشرت 38 رسالة مفتوحة من يوم 26/12/2005 إلى يوم 19/05/2007 13 رسالة منها إلى سيادة الرئيس، و السادة رئيس مجلس النواب – الأمين العام للتجمع و أعضاء الحكومة على النحو التالي : رسالتين إلى وزير الشؤون الدينية – ثلاث  رسائل إلى وزير الشؤون الاجتماعية- رسالتين إلى وزير المالية – رسالتين إلى وزيرة التجهيز و الإسكان – ثلاث  رسائل إلى وزير النقل – رسالتين إلى وزير التربية و التكوين – رسالة إلى وزير الصحة و رسالتين إلى وزير الفلاحة و رسالة تخص الوزير المكلف بالاتصال و رسالة يوم 19 ماي الجاري إلى وزير تكنولوجيات الاتصال – و اليوم الرسالة رقم 39 إلى سيادتكم تتعلق بموضوع التشغيل .

لا شك إن سيادة الرئيس أعطى أولوية للتشغيل و كان سباقا لطرح هذا الموضوع الهام و أكد مرارا على مواصلة الاهتمام بالتشغيل و أحدث وزارة للتشغيل و قرر إحداث بنك للتضامن بمرونة إدارية و سرعة في الانجاز .

لمعالجة قضية التشغيل و بعث صندوق 21-21 لدعم التشغيل – كل هذا جميل و رائع و لكن موضوع التشغيل يتطلب نفسا طويلا و عملا ميدانيا واسعا و شجاعة و جرأة و أخذ قرارات جريئة و حازمة – و قد أشرت في مقالاتي السابقة على موقع الأنترنات تونس نيوز و خاصة في الرسالة المفتوحة للسيد وزير المالية طرحت فيها موضوع التشغيل بصراحة و اقترحت و ضع حد لتوزيع البنزين مجانا على المسؤولين في كل الإدارات و القطاعات الحيوية و المؤسسات و البنوك و البلديات و غيرها – قلت لو نقوم بعملية حسابية حول المنتفعين بمادة البنزين مجانا نجد أن عددهم يفوق 7000 ألاف موظف تتراوح كمية البنزين المسندة إليهم من 200 لترفي الشهر إلى ألف و إذا قمنا بعملية حسابية نجد أن كل موظف يتمتع ب 400 لتر في الشهر كمعدل عام بما قيمته 460 دينار شهريا أي مرتب معلم في التعليم الابتدائي و تكون الجملة السنوية 5400 دينار إذا قمنا بتعديل الكمية إلى النصف نربح في خزينة الدولة حوالي 20 مليار من مادة البنزين فقط – و في خصوص السيارات الإدارية أشرت أن 25 بالمائة تقوم بشؤون خاصة و هذا نزيف للاقتصاد الوطني و قد لاحظنا إن ربع السيارات على الأقل تتجول في المدن و القرى و الأرياف و حتى و الشطوط تبحر معى صاحبها فضلا على قضاء الشؤون الخاصة لو يقع تحويل ثمن السيارات و الاعتماد المخصصة لقطاع الغيار و غيرها التي تتحملها المجموعة الوطنية نعتقد إننا سنربح حوالي 25 مليار.

خاصة أن هناك مسؤولين لهم أكثر من سيارتين و هذا لاحظناه حتى في الصحافة الرسمية هذا التبذير و الإفراط في استعمال السيارات الإدارية في غير محله – إن مبلغ 45 مليار بين البنزين و السيارات الإدارية يمكن أن ترصد لتشغيل 6000 طالب من حاملي الشهائد العليا بمعدل 7500 دينار سنويا .

و في خصوص أصحاب العقارات الهامة التي يتم تسويغها من طرف الإدارة و المؤسسات تفوق 150 عقار بأثمان خيالية تصل إلى قرابة 300 ألف دينار أو أكثر في الشهر كلها أو جلها منافع من المجموعة الوطنية و حوافز من الحكومة و امتيازات في اقنتاء الأراضي و إسناد القروض الميسورة بسهولة تامة و بمرونة فائقة وبدون تعليق .

لو أصحاب هذه العقارات يتنازلون على قيمة ثلث المبلغ من التسويغ حوالي مليار و مائتي ألف دينار في السنة يمكن أن نربح في خزينة الدولة 180 مليار سنويا أي ما يعادل تشغيل 24 ألف طالب من حاملي الشهادات العليا هذا هو الحل الأمثل للتشغيل و العلاج الأقرب للعدالة الاجتماعية .

و لا بد من التضحية و حب الوطن بهذا الشكل كما ضحى المناضلون السابقون بالنفس و النفيس .

أما إذا تقدمنا أشواط أخرى في التعلق بالوطن فإن هناك مظاهر تبذير أخرى ما أنزل الله بها من سلطان .

كيف نشيد مسكنا كبيرا فخما يتراوح بين مليار و نصف و مليارين ؟

و المواطن الجار يبحث على 150 متر لبناء مسكن ب 20 ألف دينار البون شاسع و الفرق واضح و بدون تعليق .

 و كيف نتحصل على قرضا ب 5 مليارات أو أكثر و المواطن المسكين يعجز في اقتراض مبلغ ب 5 ألاف دينار و بدون تعليق – و كيف زميلي الذي تخرج من الجامعة بعد شهرا واحد يحصل على العمل في مركزا هام و زميله في الدراسة يبقى 4 أعوام ينتظر… .

هذه بعض الخواطر أسوقها بأمانة لسيادتكم عسى أن تجد الأذان الصاغية قال الله تعال و تعيها أذن واعية صدق الله العظيم.

ملاحظة

نرجو إصدار منشور من الوزارة الأولى يلزم المسؤولين بانجاز العهد و الوعد خاصة إذا تعلق الأمر بالتشغيل في مناطق الريف و العائلات الأقل حظا تجسيما للمصداقية التي ما أنفك رئيس الدولة يوصي بها مع الإصغاء للمواطن و الرد على رسائله و هذه معضلة في بلادنا لا نعير اهتماما لرسائل المواطنين و المناضلين بينما في فرنسا رسالة المواطن من أنبل الأمانات و أقدسها- متى نحترم المواطن و نرد على رسائله و نصغى إليه و نحترم الوعود التي نتعهد بها   .            

و الله و لي التوفيق

    محمد العروسي الهاني


مواصلة لما بدأه السيّد أصيل تستور

 

افتتح أصيل مدينة تستور السيد ناجي العرفاوي مقالته المنشورة على صفحات تونس نيوز الغرّاء بتاريخ 20 مايو 2006 تحت عنوان «  لا يعرف قدر الدولة الوطنية من لم يعرف الاستعمار « ، بتوجيه تهمة الخيانة العظمى (الخيانة الجلبية) إلى شخصي الضعيف المتّهم مِن قبْل بالخيانة والتخطيط للقيام بعمل ضدّ مصلحة الوطن مِن قِبَل ما يسمّى « أمن الدولة »، ثمّ تكرّم سيادته – بتواضع جمّ منه – بالوقوف مع جملة يتيمة جاءت في مقال بتاريخ 14 مايو 2007 بعنوان « الجدل والمراء »، جعلت فيه اسمي مقرونا ببلد الإقامة (لأوّل مرّة منذ 2003) الذي ألجأني إليه أبناء « جمهورية الاستقلال » ربّما لأسيّل – دون قصد منّي – لعاب أصيل تستور وهو يراني أتنعّم بجِبن الدّانمارك الذي أفقدني حتّى لذّة الدّفاع عن الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.

 

قرأت المقالة وحاولت إقناع نفسي بأنّ « الأصيل » قد ساءه ذكري للاستعمار، فأراد أن يكرّهه عندي، ما جعله يُريني مكاني الوضيع، حيث جعلني في صحبة « الجلبي » الشخص، حاملا لفيروس « الجلبي » الفكرة. وقديما قالوا « إنّ من الحبّ ما قتل »، والأصيل « يحبّ » بلده إلى درجة تجعله لا يستطيع سماع نقدِ بعضِ مَن فيها حتّى لو كان ذلك مِن بعض مَن فيها (مقال الجدل والمراء كان مناقشة فكرة المصالحة والحديث عن المفاسد التي عمّت البلاد). فحبّ الوطن قد قتل فيه التمييز بين الخير والشرّ وقتل فيه فهم اللغة العربية وقتل فيه الحرج من آثار الكذب. ولكي لا يكون الكلام طويلا وربّما متشعّبا يزيد من تيه الأصيل التستوري، فإنّي سأعود إلى سبب غضبه، وهي الجملة التي قلت فيها: « فوالله الذي لا إله غيره: لقد أساء صاحب التغيير إلى التونسيين أكثر بكثير ممّا أساء الاستعمار الفرنسي إليهم، ذلك أنّ هذا الأخير قد علّمهم الرّفض والمقاومة وأنّ ذاك الأوّل (وهو في الترتيب الأخير) قد أجبرهم بجيوشه الطاغية على الخنوع والخوف وفقدان الحصانة الأخلاقية وغيرها من المكاره« . لأسأله: أين تجد التمنّي بعودة أيّام الاستعمار في هذه الجملة؟! وقد قلتَ: « كلام خطير جدًا بأن يتمنى أيام الاستعمار التي لم يعشها السّيد العدّاسي و لم  يكتوي بنارها »… نعم، قد اشتملت الجملة على مقارنة بين سيّئ وأسوأ ولكنّها لم تناصر ولم تختر أحدهما على الآخر، وإنّي على يقين بأنّ صاحبك، هذا الذي سمح لك باستعمال بعض الألفاظ « النابية » في تناول شخصه من أجل المبالغة في شتم الواقفين ضدّ إفساده من أبناء تونس الأصيلين، هو الأسوأ. كما أنّ التعليم الذي قصدتّه هو تعليم يفقهه أولو العقول ممّن علموا أنّ المدرسة قد تُبنى فلا تعلّم وقد لا تبنى فتعلّم، فأين يتنزّل كلامك: « لم نقرأ في التاريخ عن استعمار أو بالأحرى احتلال شيد مدارسًا للمقاومة أو شجع على عزة من احتل بل العكس هو الثابت »، ألا تراه برهانا على وضاعة المستوى المعرفي لديك (عفوا، المفروض ألاّ أسألك فإنّك لا تفقه الإجابة)؟! ما عنيته وما فهمه غيرُك ممّن لم ير القضية تناطُح شخصين – كما تريد أنت ومدرستك المتخلّفة بيانه – هو أنّ الاستعمار، وإن كان سيّئا ظالما قاسيا كما أعلم أنا وكما أشرت أنت، ينتهي لا محالة بقيام ثلّة مجاهدة من أهل البلد أو قيامهم جميعا بمحاربته ومقاومته حتّى طَرْده كما يفعل ذلك كلّ الأحرار في كلّ الأقطار، وأمّا هذا « الدولة » (هذا وليس هذه، فإنّ الدولة في تونس هي صاحب التغيير ومن قبله كان باعث تونس ومحرّر المرأة) الذي تدافع عنه فإنّه يستغلّ طيبتنا أوّلا ثمّ يكبّل الفعل السلمي فينا بالقوانين المستعبِدة كقانون الإرهاب وغيره، لينقسم المجتمع فيما بعد إلى « وطنيين » تافهين مدافعين عن « قضايا الأمّة » وإلى « خونة جلبيين » كرام أمثال السادة الشموع الذين لا يغفل عن رؤيتهم إلاّ أعمى بصيرة. بعد هذا القول السهل المبسّط الذي قد يمكنك فهمه، ألا تزال في شكّ من أنّ صاحب التغيير قد سلبك وبعضا غيرك معنى الرّجولة؟! ألا تزال في شكّ من أنّي لا أرغب في شخصنة الصراع ولكنّي أحمل همّا حقيقيا – كما بقية التونسيين الأحرار – سببه ما عليه البلاد من بؤس بوجودها تحت كلكل « الدولة » الجشع البشع؟!…

    أهل البلد أو قيامهم جميعا بمحاربتهأهبأأأ          

لقد أوردتَ بعض الصور التي قد ارتكبها الاستعمار على أرضنا، وهي أعمال لا تُستغرب كثيرا من مستعمر حاقد على البلد وأهله ودينه وعاداته، وقد سقت منها ما رواه والدك عن جدّك (بارك الله في الحيّ ورحم الميّت) قد « خرج ذات يوم لقضاء بعض لوازم البيت من السوق فلم يرجع إلاّ بعد 15 يوما و السبب هو كان محبوس كل هذه المدة لأنه لم يؤد التحيّة  للضابط الفرنسي عند لقاءه في الشارع مع أنه مدني لا علاقة له بالانضباط العسكري »، ولكن هل بلغ علمك أنّ بعضا من أهلنا قد خرج منذ أكثر من 15 سنة ولم يعد إلى يوم النّاس هذا إلى بيته وأمّه وأبيه وزوجه وولده، والسبب أنّ « الدولة » بديل الاستعمار لا يرغب في رؤيته حرّا معافى على أرضه؟! وهل بلغك أنّ بعض المساجين ممّن كان يحمل رتبة عالية قد امتنع من تحيّة سجّان ابن حرام لا يحمل رتبة أصلا فكان مصيره في السجن المضيّق « الانفرادي أو السيلون » شهرا أو أشهرا. أقول: إنّه من رحمة الله بنا أنّنا لم نقرأ كثيرا عن الاستعمار، لأنّنا لو فعلنا ذلك لاخترناه حقيقة عوضا عن « الدولة » لكثرة ما أساء هذا « الدولة » لتونس وللتونسيين الأماجد. على أنّ ذلك لم يمنعني من قراءة الواقع وتفهّم الوقائع التي تجري في البلاد دون أن أكون مثلك عبْدَ أذُنِي أو عبدَ بَطني (رغم كثرة تناول الجِبن حسب زعمك). وأمّا ذكرك: « و لو أن أحد المسلمين يُقتل رميَا بالرصاص أو يموت متأثرا بمرضه في مكان ما فأنه يُدفن في المكان الذي قضى نحبه فيه. ذلك أن الفرنسيين يعتقدون أن جثمان المسلمين يلقح الأرض لمدة خمسين سنة مقبلة فينعمون « بخصوبتها«  ». ففيه ما يحفظ لهؤلاء تقديرهم للمسلمين عندما رأوا صلاحيتهم على الأقلّ في تسميد الأرض، وأمّا صاحبك « الدولة » فقد قتل المسلمين ورمى بهم حيث رمى دون أن يرى لهم هذه المزيّة، واسأل الأخاديد والبالوعات ثمّ استحي بعد ذلك واعقل.         

وأمّا مازاد على تعليقك حول تلك الجملة التي لم تفهم مضمونها، فقد كان نوعا من سياسةٍ دأبَ عليها ثلّةٌ سيّئةٌ مسيئة، تمثّلت في إشاعة منطق أسميتُه شخصيا « منطق التتفيه »: فليس فينا عاقل ولا كبير ولا رشيد ولا عفيف. ولذلك فالنّاقد لـ »الدولة » خائن، والناصح له متطاول والغيور متجاوز للحدود والعفيف زان والكريم مشتبه فيه والهارب من بطش الحاكم جبان والواقع تحت بطش الحاكم وسجّانيه مغفّل والمتمعّش من فساد الحاكم وإفساده حكيم ذكيّ « طيّارة » كما يقولون بالتونسي غير التونسي والبائعة نفسها حرّة متحرّرة والعفيفة المستورة متخلّفة « باشي » والثابتة في مواطن الرّجولة المدافعة عن القضايا القومية متّهمة والمعارض للمظالم متهوّر والواقع تحت فعل « الدولة » منصف غيور إلى غير ذلك ممّا أشاع المغيّرون المجرمون من متناقضات قاتلة للمروءة…

 

قبل الختام لكلام لم أناقش فيه الفكرة – كما كان ديدني – لعدم وجود الفكرة أصلا، أسأل الأصيل التستوري انطلاقا من شواهده العُمرية: هل جرّبتَ الاستعمار قبل وجودك تحت « الدولة » الوطنية؟! وهل جرّبت الإسلام قبل الجاهليّة؟! عفوا، هل جرّبت الجاهلية قبل الإسلام؟! وأمّا السؤال الأخير فهو: هل أنتظر منك أن تكون يوما « خائنا جلبيا » أم أنّ « الدولة » قد ورّطك بتطاولك على الشرفاء حتّى أفقدك لذّة النظر في وجوه الرّجال؟!… ختاما تعسا لأصيل أساء إلى أصله…

 

عبدالحميد العدّاسي

 

رجاء يرفق هذا ليطّلع السيد ناجي العرفاوي على بعض ما كتب

 

هل وقع استفزازنا بالفعل؟!

 

كتبه: عبدالحميد العدّاسي

 

 » إنهم (المسلمون) لا ينتجون، فكيف سيأكلون؟ « . قولة ردّدها سفير الدانمارك بالجزائر، فأثارت حفيظة بعضنا ووصفوا الكلام بالاستفزازي والمهين للمسلمين، سيّما والسفير يخاطبهم من على أرضهم. وقد وقفتُ قبل سماع قولته هذه مع بعض الصور التي كشفتها أحداث الرسوم المتخلّفة الشاذّة والتي كانت نشرتها صحيفة اليولاندس بوستن الدانماركيّة في محاولة لإيذاء الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين من بعده، فقد شدّتني خارطة المقاطعة المعروضة على شاشة إحدى القنوات الدانماركية حيث كان اللون الأحمر – المشير إلى تلكم المقاطعة – يومها، يُغطّي كلّ الدول العربيّة ابتداء من الخليج العربي وحتّى بلاد المليون شهيد، دون أن تشمل عُمان و لبنان. ولئن حمدت الله على التفاف المسلمين حول نبيّهم لنصرته، فقد تألّمت كثيرا لكثرة هذه الأفواه المُلقمة وهذه الأيادي المعطّلة عن الإنتاج وهذه الثُّديّ ( تُجمع كلمة ثدي على أثداء وثُديّ وثِديّ ) الناضبة وهذه الأرض الجدباء في بلادنا العربيّة ( فقد عمل الحكّام على تعطيل كفاءاتنا البشريّة لجعل بلادنا باستمرار بحاجة إلى الآخر الذي سيتغاضى مقابل ذلك عن جرائم الأنظمة المُعملة مخالبها فينا )، فإنّ مساحة الدانمارك لا تزيد عن أربع وأربعين ألف كيلومتر مربّع، أي أنّها فقط ربع مساحة تونس، أي بعبارة أخرى لو أنّنا حذفنا المنطقة الصحراوية ومنطقة السباسب من تونس لأبقينا على المساحة الجُملية التي بواسطتها تغذّي الدانمارك ملايينها الخمس أوالستّ وكلّ الملايين المُمَلينة من العرب  » الغيورين  » على دين الإسلام، المدافعين عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم!.. فهل أخطأ السفير؟!..ظنّي أنّ ذلك ليس كذلك…بل لقد قال فأصاب كبد الحقيقة، ولو كنّا مسلمين حقيقة لاعترفنا بذلك، ولرجعنا إلى أنفسنا ننخسها كي نستفزّها ونقوّمها كي نعلّمها كيف يكون الدّفاع عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم..فإنّه لن يكون إلاّ برفض تسلّط الظلمة على رقابنا، وإنّ ذلك لن يكون إلاّ باستصغار الدنيا وجعلها تحت الأقدام، ذليلة، تماما كما أرانا إيّاها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:  » لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء « ، فإنّ حبّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم وعظمة الدنيا لا يجتمعان في قلب مؤمن. وهنا يأتي السؤال الصريح، الذي إن أجبنا عليه بجرأة كنّا قابلين للاستفزاز، فإنّ الذي ينقصنا حقيقة هو الاستفزاز. والسؤال هو: هل الذي جرّأ هؤلاء الشواذّ على رسم تلك الرسومات هو وضاعتُهم وكرهُهم للمسلمين وجهلُهم بمقام الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فحسب، أم أنّ دنوّ قاماتنا – دائما بفعل حكّامنا – وجهلنا بديننا وجرأة الفاسدين فينا، هو العامل الرّئيس في ذلك؟!

شخصيّا أجزم بأنّه لو كان لملكنا حمى ذو ترصينة قويّة ما وقع فيه أمثال هؤلاء الأرجاس سواء من الدانماركيين أو من أشكالهم في كلّ البلاد في العالم  » عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وأهوى النعمان بإصبعيه إلى اليسرى: إن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس، فمن اتّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإنّ لكل ملك حمى ألا وإنّ حمى الله محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب « . فقضيّتنا إذن هاهنا…ووالله الذي لا إله غيره لو كنّا مسلمين صادقين ما تجرّأ على رسولنا أحد، ولو كان حكّامنا مخلصين لربّهم ولدينهم، طاردين الدنيا من قلوبهم ما وقع علينا ظلمُهم و لا أُغْرِيَ بنا السفهاء أبدا… ثمّ مَن الذي أساء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أكثر؟! أهو هذا الرسّام الجاهل الشاذّ، أم هذا الذي يقول عن نفسه أنّه مسلم ثمّ لا يتردّد في تسفيه النّبيّ الكريم، برفض سنّته والاستهزاء من متّبعيها، بل ولا يتورّع  حتّى في تكذيب الله سبحانه وتعالى بقصد أو بجهل؟!…

انظروا في تونسنا الخضراء مثلا، حيث فسدت المضغة التي أشار إليها الحبيب المصطفى في الحديث أعلاه: فهناك يُمنع اللّباس الشرعي ويُستهزأ بلابسيه ويعذّبون ويُحرمون من أبسط الحقوق كالتعليم والعمل والاستشفاء وإبداء الرأي والانخراط في العمل السياسي أو الجمعياتي، وهناك نِتاج بشري فاسد أوجده غياب عنصر الموازنة في البلاد يتحدّث عن مبادئ ديمقراطيّة متخلّفة جعلته يبدأ طريقه في السير إليها بمحاربة الله رأسا، فدعوا إلى المساواة في الإرث بين الرّجل والمرأة، وكأنّ ربّ المسلمين اليوم ليس هو مَن أنزل القرآن المحكم التامّ ( سبحان الله وأستغفر الله ولا إله إلاّ الله )،  وشباب من نسلهم – شُوّهت اتّجاهاتهم لعدم تجانس خلاياهم – يتحدّثون عن الحقوق الجنسية والإنجابية وحرية الجسد بعيدا عن الاتّجار به ( حسب ما أوردوا ). ومثقّفون (زعموا) انتصبوا جاهدين لتفتيت العائلة والقضاء على أهمّ مقوّم من مقوّمات المجتمع، وذلك باستيراد الأفكار الهدّامة القاضية بمحاربة الأبوي والذكوري والرجولي وغيرها من المقوّمات الضامنة لإبقاء الغيرة قائمة للدّفاع عن الذات…

قضيّتنا أنّنا لا نحسن النّظر إلى ما حولنا والتفكّر فيما حولنا، فيندفع البعض إلى مناقشة الله الكبير المتعال في أحكامه وانتقادها، دون أن يقوى على انتقاد هذا الحاكم الصغير الذليل المتاجر بأعراضنا وبرقابنا. وينتبه البعض إلى ما يقول السفير الدانماركي أو غيره من الأباعد ولا ينتبه إلى ما يقوله الأخزوري أو هذا الأستاذ الجامعي التافه الذي ردّ عليه السيد برهان بسيّس بمقال  » حين تفسد البوصلة  » بتاريخ 10 فيفري 2006 ( وإنّي رغم اختلافي الكبير مع الرّجل في الرأي، لا أجد حرجا في شكره على ما جاء في بعض ردهات مقاله ممّا يؤكّد غيرته على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كما لا يفوتني لومه على مواصلة الدسّ لمحاربة خصم سياسي لم يعمل على التعايش معه رغم ما يجمعهما من غيرة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم )، وينطلق البعض الآخر إلى مقاطعة البضاعة الدّانماركية المغذّية للأبدان، القادمة من القطب*، دون أن يقوى على مقاطعة البضاعة الرّخيصة المخرّبة للبدن والعقل على حدّ السواء، وهي تُنتَج في بلادنا أو هي تُتداول فيها دون حرج أو حياء،  من الحشائش والمخدّرات والأبدان البشرية النّجسة الحاملة لفيروس فقدان المناعة الذاتية وغيرها من الأمراض النّاخرة في عظام المجتمع…

نعم فسدت المضغة أو كادت ففسد الجسد أو كاد، ولا مجال للعافية إلاّ بإعادة الإصلاح بعيدا عن النّفاق والرّياء… ويوم نصلح، لن يقوى أيّ وضيع على التطاول على مقدّساتنا… فنحن مَن أجرم حقيقة بحقّ الرسول الكريم وليس الأنعام التي لا تفقه…وأقوال السفير تظلّ مستفزّة ولكن هل استففزّتنا؟ أحسب أنّ علامة استفزازها لنا أن نكون مسلمين صادقين، سائرين مع محمّد صلّى الله عليه وسلّم على درب سيرته العطرة، لأنّ تلك المعيّة هي التي ستجعلنا كما أراد الله محمّدا وأتباعه بقوله:  » محمّد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم « .. فهي معيّة تورث الرحمة وتُكسب العزّة، وبدونها سيكون هواننا على الله ثمّ على النّاس وعلى أشباه النّاس!…   

_____________________

*: لا يعني هذا أبدا معارضتي لهذه المقاطعة، فهي وسيلة من وسائل الضغط والترشيد، فإنّ ما ينقص بعض الساسة هنا أيضا هو الرشد، وقد أعانهم على ذلك مجموعة سمّوهم عبر وسائل الإعلام  » المسلمون الديمقراطيون « ، ويمكنني القول بأنّهم أناس قد خانوا دينهم بعدم الإلتزام بتعاليمه وبتوفير المعلومات الخاطئة وباتّهام إخوانهم من المسلمين بالكذب، وبأنّهم خانوا الدانمارك كذلك إذ لو أخلصوا لبيّنوا حقيقة الجرم الذي اقترفته الصحيفة ولوقفوا عند عدم شجاعة السّاسة بتردّدهم في الاعتذار إلى المسلمين!..  

6 ème année, N° 2094 du 14.02.2006

 archives : www.tunisnews.net

 


 

قصة الشباب الحالم مع قوارب الموت

« اللمبارة ».. فيلم تونسى يسلط الاضواء على الهجرة السرية

تونس-العرب أونلاين: خرج فيلم « اللمبارة » للتونسى على العبيدى بالسينما التونسية من دائرة المألوف ليسلط الاضواء لاول مرة على الاسباب التى تدفع شبانا وشابات فى مقتبل العمر لركوب قوارب الموت بغية الوصول للحلم الاوروبى المنشود. « اللمبارة » هى تسمية تونسية لسفينة صيد تحمل كشافا ضوئيا يستعمله البحارة لصيد السمك الأزرق. وارتبطت هذه السفن أيضا بمعانى الهجرة السرية نحو السواحل الأوروبية. يبدأ الفيلم ومدته ساعة ونصف الساعة بقصيدة لشاعر تونس الشهير ابو القاسم الشابى « أنا يا تونس الجميلة قد سبحت فى لج الهوي..شرعتى حبك العميق …وقد تذوقت مره وقراحه ». اثناء اداء بطلة الفيلم الممثلة ريم الرياحى –حسناء- لهذه الاغنية ضمن تدريب مسرحى مع مجموعة من رفاقها يفاجئها اخوها وهو متشدد دينى ويهددها بالقتل. هاجس الموت اصبح يلاحق حسناء فى كل وقت وكل مكان وحسناء اصبح تلاحق باستمرار حلم الهجرة الى اوروبا. تلتقى قصة حسناء التى تنشد الحرية والهروب من جحيم ملاحقة مستمرة من شقيقها المتطرف مع قصص اخرين يحلمون ايضا بالهجرة لاسباب ترواحت بين البطالة وتضاءل الفرص فى الافق رغم كثرة الشهادات الجامعية. حسناء وبقية المجموعة الحالمة رغم علمهم بمخاطر مثل هذه السفرات الا انهم قرروا الاقدام على هذه المغامرة بسبب استحالة حصولهم على التأشيرة. وتحقيقا للحلم الاوروبى المأمول يحاول الاف الشبان فى شمال افريقيا العبور الى الضفة الاخرى عبر قوارب متهالكة لتحسين اوضاعهم الاجتماعية وتحقيق حياة مترفة. لكن دراسة اعدها الباحث التونسى مهدى المبروك والباحثة الاسبانية لاورا بايو بعنوان « الهجرة السرية فى المغرب العربي » قالت ان قوارب الموت لم تعد تجتذب فئة بعينها بل شملت حتى شبانا من مستويات تعليمية عالية بحثا عن مظاهر الوجاهة والترف والحرية. وتفشت ظاهرة الهجرة السرية فى تونس انطلاقا من بداية التسعينات مع اغلاق اخر منفذ للعبور للقلعة الاوروبية وهى ايطاليا التى كانت اخر بلد اوروبى اخضغ البلدان المغاربية لاجراءات صارمة للحصول على تأشيرة. الفيلم ركز على لسان ابطاله على استقراء الاسباب التى تدفع شبانا يافعين الى المخاطرة بحياتهم رغم ان اوروبا قد لا تكون الجنة التى حلم بها هؤلاء. ويتقاسم بطولة الفيلم ريم الرياحى وبسمة العشى ومحمد على بن جمعة. وهذا هو الفيلم الثالث للمخرج على العبيدى بعد « برق الليل » و »رديف 1954″. (المصدر: موقع صحيفة « العرب » (يومية – لندن) بتاريخ 21 ماي 2007) الرابط: http://www.alarabonline.org

الزواج العرفي أو الزواج بثانية في تونس بين الواقع والقانون والمجتمع…وأمام الله.

بقلم: زياد المولهي في الأيام القليلة الماضية، حدثني صديق لي عن ظاهرة تطور التزوج بثانية في تونس بالطريقة الشرعية أو ما نسميه نحن بالزواج العرفي. وكان الحديث فرصة للتطرق لزواج المتعة والزواج المسيار وغيره من الزيجات. وبمطالعتي هذا الصباح مقالا حول الزوجة الثانية، جال بخاطري ما دار من حديث سابق في هذا الإطار. أن يكون الزواج العرفي متطورا في تونس فهذا أمر ليس بإمكاني تأكيده لأنني شخصيا لا أعرف من هو متزوج على هذه الصيغة. ولكن الحديث عنه يكثر من يوم ليوم. والمثل عندنا يقول «العظمة ما تقول تق…كان فيها شق».  وبالرغم من تواضع ثقافتي القانونية والدينية، وتواضع ثقافتي العامة والعامية والعمومية، بإمكاني التجرؤ وكتابة ما يلي:  إن كان البعض يعتقد في أن الزواج العرفي حلال وأن الله شرعه ومن منطلق ذلك يقول هؤلاء لا خوف من القانون المدني طالما نحن سنرضي الله عز وجل، فأقول لهم من الآن: أنتم قد ترتكبون إثما عظيما.  فأولا، الشرع لم يفرض الزواج بأكثر من واحدة وانما جعل مثل هذا الزواج جائز. وجوازه مرتبط بشروط. أول هذه الشروط وأهمها: نية الزواج. وثانيهما: العدل بين الزوجات.  ونية الزواج يجب أن يقع تفسيرها بغاية الزواج مثلما ورد ذلك في القرآن والسنة. والغاية من الزواج واضحة وهي التناسل وضمان استمرار العنصر البشري.  فإذا كان الزواج بثانية غايته الأولى جنسية، فلا بركة فيه وهو غير الزواج الذي شرعه الله.  قد يقول البعض أن الزواج الذي سيحول وارتكاب الزنا زواج محمود.  هذا غير صحيح. لأن الشهوة الجنسية تبقى شهوة. ومن قاوم شهوات النفس بالامتناع عن إتيانها يكون فعله حسنا. وما أفضل أن يمارس الزوج شهواته مع زوجته التي نوى البناء بها ومعها والإنجاب منها وليس مع امرأة أعجبته ورغب في مجامعتها فيتزوجها لغاية الجماع.  يذكرني هذا بالطلاق ثلاث. فتعلمون أن من طلق زوجته ثلاثا لا تحل له الا بعد أن تتزوج من غيره ويجب أن يتم الوطء بمعنى الدخول والإيلاج وهو ما عبر عنه الرسول ، صلى الله عليه وسلم، باللمس. وظهرت في ممارساتنا أن يتم تزويج المطلقة ثلاثا لرجل بصورة صورية (التياس) لتحليل الزواج بها من مطلقها. وهي غاية النفاق و”الاستبهال”. نتحايل على شرع الله سبحانه وتعالى!!!  هكذا.  عدد من أشقائنا الشرقيين الذين أقاموا بيننا قصوا على عدد من فتياتنا قصصا وأحكاما تجيز لهم الزواج بهن ووصلوا مبتغاهم حتى بموافقة العائلة والأصدقاء وتم الزواج ولكن بعد رحيلهم تبين أن الزواج لم يكن سوى جماعا تحت سقف الشرع.  واليوم يقوم الجدل حول الزواج المسيار ونجد مواقع لمترشحين ومترشحات  كما عاد زواج المتعة لاحتلال فضاءات في النقاش والحوار حول صحته من عدمها.  كان من الأفضل لعلمائنا ومشرعينا التطرق لموضوع الطلاق والبحث فيه.  فكم من زواج نشاهد فيه عراكا وخصاما وشجارا أزليين  وكم من عائلة نشاهد فيها خيانة وخيانة مضادة وخليلة وخليل  كل هذا بسبب أنه لا يجرأ أحد الزوجين بطلب الطلاق  لأن نتائجه المالية لا تطاق. (المصدر: مدونة « فسيفساء » التونسية بتاريخ 21 ماي 2007) الرابط: http://mosaiquetn.wordpress.com/  

إنشراح النفوس وتمييز المعزة من البركوس في تـقاريـــر دافــوس

بقلم: المدون التونسي الساخر Big Trap Boy بسم الله الرحيم الرحمان و سبحان الذي خلق الأرض والبنيان وقسمها إلى دول وبلدان ووزع عليها عباده من بني الإنسان، فجعل منها الدول المتقدمة والدول الزبالة، وخلق الشعوب الراقية فجعلها في أحسن حالة، وخلق الشعوب الفقيرة المسالة، فجعل كروشها فارغة و وجوهها مذبالة، وجعل من بينهم جميعا الصالحين والحثالة. أما بعد يا جماعة يا مرحومي الوالدين نحب نحكيلكم على مسألة حيرت بالي وخلاتني ما نعرفش كيفاش نوصف حالي. توة أنا كنت قانع باللي ربّي كتبهولي ومن قبل ما نتولد سطّرهولي. ومن بين الأشياء اللي إقتنعت بيها بطول المدّة هي أنو مقدّر عليّ باش نعيش في البلاد هاذي اللي جاية تحت إيطاليا وفوق إفريقيا، مكتوب رب العالمين باش نحبّها ونقبلها بعيوبها وكل ما فيها، بما أنها هي بلادي وما عنديش ما نغيّر في حكم الله. هي صحيح ماهيش السويد وإلاّ سويسرا، والعيوب متاعها ظاهرة أكثر من محاسنها، أما تعدّي روحها، ماهيش دونية، وكيما يقولوها: شدّ مشومك لا يجيك ما أشوم منـّو، والطماع يبات ساري. أنا ما نتمنى لبلادي كان كل خيرمهما تكون الظروف، أما زادة بصراحة ماعادش طامع برشة باش نخلط على النهار اللي تولّي بلادي كيف هاك البلدان اللي تحلم بيها الناس، متاع الإيروب ولاّ لاميريك، ياخي آش جابنا ليهم بجاه ربّي؟ يمكن بعد 100 سنة، 700 سنة، يمكن، أما توة توّة، ظاهرلي يبطى شوية. القناعة هاذي خلاتني مرتاح البال ومطمان، لدرجة أني وليت نتقلق كيف نسمع واحد من جماعة البوليتيك يحكيلي على اللحاق بركب الدول المتقدمة، ونحسّو يشوط بالقوي، ياخويا قيلنا خلينا رايضين، فاش قام الجري في الفارغ؟ ياخي كورس بسكلاتات هي باش نقعدو نحاوزو في البلدان؟هانا راكشين في بلاصتنا والبلاد اللي تحب تبرطع تبرطع وربي معاها. حاسيلو المفيد، واللي خلاني نكتب البوست هذا، هو أنو الإطمئنان و « الكونفور » النفسي اللي كنت فيه بدا يدخل بعضو ويضيّع مراجعو من نهار اللّي بديت نتبّع في التقارير اللي يعملها منتدى دافوس على تونس. آه، كيف العادة، فقرة « بوز » باش نعرّفو المفاهيم. آشنوة منتدى دافوس وآشنوة التقارير اللي يعمل فيها؟ منتدى دافوس هذا هو منظمة دولية مستقلة تجمع كبار رجال الأعمال والسياسيين في العالم وتهدف حسب كلامها للمساعدة على التنمية والتقدم في العالم. المنظمة هاذي عندها صيت عالمي كبير وسمعة متميزة بحيث كلمتها مسموعة في العالم الكلّ، وسمّاوها دافوس على خاطرها تعقد منتدى سنوي في سويسرا في بلاصة إسمها دافوس في الجبال السوسرية حيث أقرب فقير يكون على مسافة ما تقلش على الـ50000 كيلومتر. الله أعلم علاش.. المفيد هنا هو أنها منظمة منتدى دافوس الإقتصادي تصدر سنويا تقارير على الوضعية الإقتصادية في العالم وتقوم بترتيب لدول العالم حسب المعايير المختلفة متاع التطور الإقتصادي، وتنجّمو تطمئنو من حيث أنهم الناس هاذوما ماهمش بعابص كبّار في الحساب وعلوم الإقتصاد، بحيث تلقى عندهم ناس متحصلة على جائزة نوبل قاعدين يحسبولك بالضبط قداش من شكارة زبلة يخرجو كل يوم من حي الإنطلاقة، يعني ماهوش كلام فارغ من الناحية العلمية. باهي تقول إنتي وين المشكل كي هي هكّا؟ المشكل اللي باش يهبلني هو أنها تقارير منتدى دافوس قاعدة تصنّف فينا توة عندها مدّة في تصنيف باهي برشة يشكّك الواحد في روحو، يعني عبارة على جمعية مستانسة تلعب على الشيشة لقات روحها تلعب على الطلوع وهي ما عينهاش. بالله شوفو معايا: عام 2006، في تصنيف الدول حسب القدرة التنافسية متاع إقتصادها -يعني آشكون الإقتصاد اللي ينجم يتنافس مع البلدان الأخرى ويكسّرلهم خلايقهم في إطار العولمة- تقول إنتي قدّاش جيناعلى 155 بلاد؟ جينا 100؟ 90؟ 80؟ لا، جينا يا سيدي 58، والأغرب من هذا جايين قبل برشة بلدان متقدمة كيف الصين -91- وإيطاليا -70- وتركيا وما نحكيش على البلدان العربية والإفريقية أخطانا من الترتيب هذا، في ترتيب البلدان في ميدان إستعمال تكنولوجيات المعلومات والإتصال جينا 31 عالميا، والثانين في العرب، وقبل شدّ عندك: الهند، تشيكيا، المغرب ، تركيا و… إيطاليا مرة أخرى اللي جات في المرتبة 45 واللّه شيئ يفرّح تقول إنت؟ هو من ناحية يفرّح يفرّح، أما يا خويا كيف نحنا في هالخير والنعمة، آشبيني عمري ما سمعت بحتى طليان شدّوه على فلوكة جاينا حارق باش يحسّن من وضعيتو؟ كيف نحنا ولّينا خير من الطلاين إمّالا علاش هالميزيريا اللي قاعد نشوف فيها والكيران الصفراء والروايح المنتنة والمهبّلة والطلاّب في الكياسات كيف البطاطا؟ ياخي دافوس هذا جاء وشاف بعينيه وإلاّ قالولو وسمع بوذنيه؟ بصراحة شيئ يهبّل، ياخي توة باش نولّيو متطورين قبل وقتنا بالسيف علينا؟ لهنا، باش نكونو واقعيين وما نفرحوش أكثر من اللازم، لازمنا نحاولو باش نفهمو معنى الترتيب الباهي هذا، وأنا من ناحيتي حاولت باش نتصل بمنظمة منتدى دافوس ونستفسر على الحكاية، ياخي جاوبني واحد إسمو ويليام ولد اللـّبّة صاحب كتاب « قيس قبل ما تغيص و كيّل قبل ما تميّل » وقاللي يا خويا الباهي، بالنسبة للتقرير متاع القدرة التنافسية هاذاكا راهوصارت غلطة في العنوان عملوها في المطبعة، على خاطرو ما يحكيش على القدرة التنافسية متاع الإقتصاد وإنما على قدرة رب العالمين، بحيث حسبنا فيه شكون أكثر الناس اللي عايشة بالقدرة، ياخي لقيناكم من أكثر البلدان اللي ماشية هكّاكة، بقر الله في زرع الله، يهزكم الواد و تقولو العام صابة. أما التقرير متاع التكنولوجيات والإتصال اللي تحكي عليه راهو خاطينا ماهوش متاعنا، الناس تقول عليه تقرير دافوس أما هو راهو تقرير عاملو واحد إسمو الهادي « دغفوس »، يسكن شيرة جبنيانة ويخدم كاتب عمومي، والناس تقرا التقارير متاعو تستخايلها تقارير دافوس وهي تقارير دغفوس. شكرت سي ويليام على توضيحاتو وقلتلو يسلّملي على أمو اللبّة. كي تجي تشوف أنا كنت شاكك في حاجة كيما هكة من الأول أما الثبات باهي. على كل حال، ومهما كان تفسير المسألة، أنا نقترح كي هي هكّا أنّو الترتيب متاع دافوس هذا نستعملوه لحاجة تصلح، مثلا قلت علاش ما نعملوش منّو لافتات كبيرة ونحطّو منها برشة كعبات في وسط البحر، على الأقل خلّي جماعة الحرقة كيف يقراوها في ثنيتهم لإيطاليا يعملو الدورة ويرجعو، علاش ماشين بالله لبلاد أمورها تاعبة وحالها أتعس من حالنا؟ يرجعو لبلادهم على أرواحهم ويتمتعوا بالقدرة التنافسية وبالتكنولوجيات متاع المعلومات ومجتمع المعرفة كيف ما نحنا عاملين اللهم صلي على النبي، آشبينا؟ خمسة والخميس علينا. الحاسيلو كيف ما يقولو ناس زمان: النبي النبي، زيدصلّي عالنبي، وأشطح ربي معاك (المصدر: نشر على مدونة Extravaganza بتاريخ 21 ماي 2007 على الساعة 1 و 56 دقيقة) الرابط: http://trapboy.blogspot.com/  

الدراجة شائعة في المدن التونسية و «الكرهبة» ضرورية للعاصمة

تونس – سلام كيالي     أن تستعمل فتاة دراجة هوائية أو نارية ليس أمراً مرفوضاً أو مستغرباً في المدن التونسية، بل على العكس تماماً، إنه مشهد شائع لأن الدراجات هي الوسيلة الأكثر استعمالاً وانتشاراً وشعبية في الكثير من المناطق والمدن التونسية الصغيرة، كالمنستير وسوسة، حيث من الطبيعي جداً أن تمر أمامك امرأة على دراجة تضع صغيرها أمامها وحاجات المنزل في سلة مخصصة خلفها. ولا تبالغ مريم التي انتقلت من العاصمة التونسية إلى مدينة المنستير لدراسة الطب في القول أنها تستطيع التجوال في المدينة خلال أقل من ساعة. وتقول: «مساحة المدينة صغيرة وطبيعة طرقاتها المنبسطة تساعد على ركوب الدراجات، والمتجول في هذه المدينة يلاحظ قلة الحافلات المخصصة لنقل الركاب في الشوارع الداخلية». «كل شيء قريب هنا»، تقول مريم «من الإستوديو الذي استأجرته وصديقتي إلى الكلية، مروراً بالمستشفى حيث أؤدي فترة التدريب، والسوق، ومقهى المارينا الذي اعتدت وبعض الأصدقاء ارتياده صباح الآحاد، فجولة على الدراجة بعد أسبوع دراسة شاق وطويل تجدد النشاط». الحياة في المنستير ليست معقدة بالنسبة إلى مريم، فالمدينة كقرية صغيرة، يمكنها أن تتنقل في شوارعها سيراً على الأقدام، لكنها تستقل الدراجة أحياناً بحجة التسوق لتمارس بعض الرياضة لأن الجلوس خلف طاولة الدراسة والخمول الذي كان يصيبها اشعراها بضرورة الحركة لاستعادة النشاط. واعتادت مريم أن تتناوب وشريكتها في السكن على دراجة واحدة اشترتاها من زميلة لهما بمبلغ « 40 دولاراً تقريباً». نساء هذه المدينة اعتدن ركوب الدراجات الهوائية والنارية وعمدت بعضهن إلى تزويدها بمكان مخصص للأطفال في المقدمة، وفي سلة إضافية في الخلف لاستخدامات متعددة. وبالنسبة الى مريم ففي المنستير لا حاجة كي تستقل حافلة تقلك إلى أي مكان، وهي أصلاً قليلة نظراً الى حجم المدينة. ركوب الدراجة هو ما تفتقده مريم هذه الأيام في العاصمة تونس، وهو أمر اعتادته خلال إقامتها في المنستير ست سنوات. فهي أوشكت على نسيان زحمة العاصمة، وتمكنت من تجاوز ما أسمته «عقدة المواصلات». وتونس، كأي عاصمة أخرى لا ينقصها الازدحام، خصوصاً في أوقات الذروة مع خروج الموظفين من أعمالهم. ويزداد الانتظار في محطات الحافلات والمترو والقطار سوءاً في الشتاء عندما يرغب الجميع بالوصول إلى البيت مبكراً ولو عشر دقائق. ويبدأ التدافع لحجز مكان ولو وقوفاً. ويصل عدد الركاب الواقفين أحياناً إلى أكثر من سبعين راكباً، ما يزعج مريم خصوصاً أنها تضطر الى تبديل وسائل النقل مرات عدة للوصول إلى المستشفى الذي تكمل فيه تخصصها. وتضطر مريم إلى ركوب الكار (الحافلة بالتونسية المحلية) ثم المترو، في الأيام التي لا تكون «الكرهبة» (السيارة) من نصيبها، بل من نصيب أختها التي تدرس في منطقة منوبة «وهي الأكثر عذاباً، فالوصول إلى كلية الآداب في منوبة يلزمه استقلال حافلة فمترو فحافلة» كما تقول مريم، بسبب طول المسافة بين منطقة سكنها في المنزه والكلية. وتنسق الأختان موضوع السيارة، بحسب حاجة كل منهما إليها. التكسي كان حلاً بالنسبة الى مريم، لكن ليس في الأوقات كلها، لأن سيارة الأجرة مكلفة، وبالتالي ستضطر الى دفع ربع ما تتقاضاه من المستشفى أي 160 دولاراً تقريباً شهرياً، إضافة إلى أن الوقوف ربع ساعة أحياناً عند إشارة مرور في أوقات الزحمة يضاعف الأجرة. شعور الاشتياق الى الدراجة يخالج مريم دائماً، «لكن ما في اليد حيلة» تقول، فمع أن الطرقات المخصصة لقيادة الدراجات موجودة، إلا أن العاصمة تونس لا تتمتع بتلك الطبيعة المنبسطة التي تملكها المنستير، والوصول إلى المستشفى على دراجة ولو كانت نارية، يستغرقها ساعة من الوقت. أما أولوياتها فشراء سيارة «شعبية»، لأنها تحل مشكلة الوقت والانتظار وتبادل الأدوار مع أختها. والسيارة «الشعبية» هي من الموديلات الصغيرة كالفيات أو البيجو أو البولو، يدفع قسط أولي ومن ثم تكمل الثمن باقتطاع جزء من الراتب شهرياً فترة طويلة، هذا الأمر منتشر كثيراً في تونس، وهو يقدم حلاً لأزمة المواصلات، مع أن ازدياده يساهم ايضاً في اختناقات المرور اليومية. دوامة لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد! (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 21 ماي 2007)

 

نظمت مؤخرا مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات واللجنة الدولية للدراسات الموريسكية الأندلسية المؤتمر العالمي الثالث عشر للدراسات الموريسكية حول:

– التأثيرات الشرقية في الأدب الألخميادي الموريسكي : الأبعاد العقائدية والسياسية

– مؤسسة محاكم التفتيش تجاه ملف الموريسكيين الأندلسيين في القرنين السادس والسابع عشر بإسبانيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من البلدان…

– دور مؤسسة التميمي في الحفاظ على الذاكرة الجماعية للموريسكيين

مؤسسة التميمي ، تونس 18.17.16  ماي/أيار  2007 * * * البيان الختامي

بدعوة من مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات واللجنة الدولية للدراسات الموريسكية الأندلسية انعقد أيام 16 و17 و18 ماي/أيار 2007 المؤتمر العالمي الثالث عشر للدراسات الموريسكية الأندلسية حول المواضيع الثلاثة التالية :
– التأثيرات الشرقية في الأدب الألخميادي الموريسكي : الأبعاد العقائدية والسياسية ؛ – مؤسسة محاكم التفتيش تجاه ملف الموريسكيين الأندلسيين في القرنين السادس والسابع عشر بإسبانيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من البلدان… – دور مؤسسة التميمي في الحفاظ على الذاكرة الجماعية للموريسكيين.
وفي الجلسة الافتتاحية ألقيت كلمات من قبل كل من الأستاذ عبد الجليل التميمي (بالعربية والفرنسية والإسبانية) والأستاذ رضا مامي (بالإسبانية) والدكتور عبد الحكيم سلامة القفصي (بالإسبانية) باسم المشاركين في المؤتمر الذين ناهز عددهم الخمسين بين باحثين مختصين في الأدب والتاريخ الموريسكيين من البلدان التالية : الأرجنتين، إسبانيا، باكستان، بورتو ريكو، تونس، الجزائر، الشيلي، فرنسا والولايات المتحدة.
خلال الجلسات العلمية التسع للمؤتمر قدمت 24 مداخلة، 21 منها بالإسبانية والبقية بالفرنسية، قدمها باحثون مشهود لهم على الصعيد الدولي وآخرون ينتمون إلى الجيل الجديد من الباحثين إذ تفضلوا بتقديم آخر ما توصلوا إليه في أبحاثهم حول الموريسكولوجيا، معالجين عددا هاما من الإشكاليات حول المصطلحات الدينية الإسلامية والمسيحية في المخطوطات الألخميادية، وعلم الدلالة والسحر في الأدب الألخميادي.
كما ألقيت أضواء حول اللغة العربية لدى الموريسكيين المنفيين من خلال مخطوط موريسكي كان مفقودا. كما وقع التوقف مليا عند الرسالة والفكرة المتمثلة في الآثار الباقية للمخطوط ودلالاتها تجاه المطبوع في الأوساط الموريسكية بآراقون ؛ وهناك أسئلة أخرى طرحت حول ما إذا كان الموريسكيون واعين عندما كانوا يكتبون باللغة اللاتينية لغة الكنيسة ومحاكم التفتيش، وما هو الوعي اللغوي لدى الموريسكيين. إنه لا يمكن الإجابة بسهولة على ذلك باعتبار أن اللغة العربية عرفت موتا مفارقا وليس موتا حقيقيا, حيث أن الموريسكيين لم يتخلوا عنها أبدا، وإنما الصراع الديني هو الذي أجبرهم على تغيير لغتهم… ويجب أن نقيم محددات سياسية وتاريخية اعتبارا إلى وجود موريسكيين متعلمين وآخرين أميين، وبالتالي فلا يمكن أن نتكلم فقط عن الكتابة وإنما يجب أن نتبنى مقاربات شاملة لمحاولة القيام بتكشيف منظم وفهم أدق لكل هاته الإشكاليات.
لقد اعتبر الأدب الأخميادي الموريسكي دائما في جانبه المتعلق بالجدل الديني، فهل يمكن تجاوز هذه النظرة المتفق عليها, لإعطائه أهدافا أخرى أساسية في علاقة مع الفعل السياسي.
كما فتح أفق جديد بالمقاربة التي تمت لإقامة علاقة وثيقة وواضحة وقوية بين الأدب الألخميادي الموريسكي كما نظر إليه دائما وبيئته الوطنية المتصلة « بالباروك » الإسباني في تعبيره الأكثر كثافة.
كما عولج موضوع الموت باعتباره مجالا دراسيا يضع الأدب الأخميادي في بعده الذي يتجاوز الحقيقي والظاهر, ليستهدف الاتحاد الخفي والسري لفكرة وفلسفة الموت لدى الموريسكيين.
لقد أثيرت مسائل أخرى حول محاكم التفتيش في إسبانيا والعالم الجديد حول وضعية الأبحاث خلال العقود الثلاثة الأخيرة لدى الفضاءات الموريسكية المتعددة وحول المقاومة النسائية والشبابية والمدجنين والدراسات المعمارية الموريسكية الأندلسية بتونس؛ كما أن بحوثا أخرى استقت معلوماتها الأولى من مختلف المخطوطات الموريسكية الموجودة بأوربا.
وقد حيا المؤتمرون العمل المنتظم لمؤسسة التميمي من أجل استمرار عقد مؤتمرات الدراسات الموريسكية منذ خمس وعشرين سنة اليوم وكذا نجاحها في نشر مئات الدراسات العلمية بالإسبانية أساسا ولكن أيضا بالفرنسية والعربية, وهو ما بوّأ تونس أن تصبح عاصمة للدراسات الموريسكية على الصعيد الدولي.
كما جرى بين الباحثين المشاركين نقاش علمي رفيع في كنف الاحترام وفي مناخ من الحرية المطلقة. وأثناء مداولتهم للاتفاق حول موضوعات المؤتمر الرابع عشر القادم، لاحظوا أن المؤسسة نظمت منذ خمس عشرة سنة، وتحديدا سنة 1992 مؤتمرا حول الذكرى الخمسمائة لسقوط غرناطة بمشاركة مائة باحث ومؤرخ من بلدان مختلفة، وقد استمرت بعده سلسلة المؤتمرات الموريسكية في النعقاد وقد نشرت أعمالها جميعها، وأن مؤسسة التميمي هي الأولى من غيرها بتنظيم مؤتمرا حول ذكرى مرور أربعمائة سنة على طرد الموريسكيين (1609-2009)، وهو حدث مصيري وخطير جدا في محاولة أن يقوم الجيل الجديد من الباحثين والمؤرخين وكذا السياسيين باستخلاص العبر من تلك المأساة الإنسانية حتى لا تتكرر ونجنب الإنسانية مثلها.
والمشاركون  يدعون إلى تنظيم مؤتمر ضخم بمناسبة الذكرى المائوية الرابعة للطرد حول الموضوع التالي:
الانعكاسات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية لطرد الموريسكين (1609-2009) على أن ينعقد خلال شهر ماي/أيار 2009.
وخلال الجلسة الختامية للمؤتمر، ارتجلت بعض الخطب التي حيت الأستاذ عبد الجليل التميمي لسعيه الدؤوب للحفاظ على الذاكرة الجماعية للموريسكيين الأندلسيين، وهو ما يؤكد دور تونس التي استقبلتهم ودافعت عن ذاكرتهم الجماعية الحية إلى اليوم.
وفي نفس السياق فإن المؤتمرين يدعون إلى بعث مخبر قار للقيام بترجمة مئات الأعمال والأطروحات حول الذاكرة الجماعية للموريسكيين الأندلسيين. كما سجل المؤتمرون بارتياح صدور أعمال المؤتمر الثاني عشر للدراسات الموريسكية حول : الصور الأدبية للموريسكيين وكتاباتهم ولغتهم في القرن 16، ماي /أيار 2007, 303 ص، ر.د.م.ك. 3-077-32-9973-978 (المصدر: وثيقة وزعتها مؤسسة التميمي يوم 20 ماي 2007 عبر البريد الألكتروني)  


مؤسستنا هي عبارة عن Think Thanks لخدمة المعرفة والتنمية باسم البلاد العربية

 تتفاعل اليوم جدلية الحوار من خلال تعدد منابره على الصعيد الدولي بهدف تعزيز أسس الوفاق الحضاري والتفاهم الأمثل لتفعيل المعادلة الدقيقة بين الطموحات والواقع الإجتماعي والمعرفي والسياسي البائس الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية عموما. ولا شك أن الحلقة الرئيسية المفقودة في هاته المعادلة، يتمثل في عدم وجود أرضية للحوار الحق والبناء من خلال عدم توظيف الخبرة التي تحصل عليها عدد من المسؤولين المغاربيين والعرب، وهم الذين كانوا وراء بعض الإنجازات الطلائعية الرائدة، حيث انتهت بعض الدول المتقدمة إلى هاته الظاهرة، عندما سمحت بإنشاء ما أطلق اليوم عالميا : Think Thanks وهي عبارة عن منابر للحوار والاستماع إلى الرأي الجيد والنافع وتوظيف ذلك في صيرورة التقدم البشري. إن التوقف عند تجارب الآخرين ودراستها دراسة مجهرية، بإمكانه أن يجنّب النكسات والعثرات التي لحقت مجتمعاتنا العربية ومشاريعنا السياسية والإقتصادية والتربوية والبحثية. وعلى ضوء ذلك فقد فتحنا منبر مؤسستنا وجعلناها Think Thanks عربي-عربي بامتياز، لاستقطاب ورصد الآراء المفيدة والفاعلة وإبلاغها للرأي العام العربي وعلى الخصوص للمسؤولين وأصحاب القرار على اختلاف مسؤولياتهم السياسية والإقتصادية والمعرفية. وفي هذا الصدد كنا قد دعونا قبل عدة شهور أحد الشخصيات الفاعلة والبارزة في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي من العرب، ألا وهو الأستاذ د. نجيب زروال وارثي، سفير المغرب حاليا بتونس ووزير التعليم العالي بالمغرب، خلال ست سنوات، وهو الذي تبنى إصلاحا جامعيا متكاملا، وقد عرضنا عليه أن يحدثنا عن هذا الإصلاح الجامعي الذي تبناه، وهو ما قام به على منبر مؤسستنا بتاريخ 6 جانفي 2007. ونظرا للأهمية الإستثنائية لهذا النص المستقبلي حول فلسفة إصلاح التعليم العالي العربي، فقد رأينا جدوى توزيعه عبر الأنترنت وتوجيهه إلى وزراء التعليم العالي العرب، وكل ما يهمهم الأمر عبر العالم وأيضا إلى الجامعيين جميعهم، عسى أن يتوقفوا حول هاته التجربة الإصلاحية الطلائعية، مؤملين أن يتوقفوا مليا حولها ويقومون على توظيفها، لإنقاذ التعليم العالي العربي والذي هو في حالة بائسة جدّا اليوم. وللعلم فإن هذا النص قمنا بنشره كاملا وصدر بالمجلة التاريخية المغاربية عدد 127، ص 205-222، تونس، فيفري 2007. نبدأ اليوم بتوجيه نص السيمنار الذي تفضل به الأستاذ د. نجيب زروال وارثي على منبر مؤسستنا، كما أننا سوف نعمل مستقبلا على توجيه نصوص سيمنارات الذاكرة الوطنية تباعا، وسوف نكون ممتنين لاستقبال ملاحظاتكم حول هذا النص وغيره من نصوص الذاكرة الوطنية. مع الشكر سلفا. د. عبد الجليل التميمي  


سيمنار الذاكرة الوطنية المغاربية مع

د. نجيب الزروالي وارثي حول إصلاح التعليم العالي بالمغرب، الجامعة المغاربية كأداة للتنمية (*)

د.عبد الجليل التميمي:
كم يسعدنا أن يكون ضيفنا هذا الصباح سفير المغرب بتونس، الدكتور نجيب زروالي وارثي، وزير التعليم العالي سابقا بالمغرب. وقبل ذلك أريد أن أرفع شكري إلى عميد السلك الديبلوماسي وإلى سفير سوريا وإلى الوزراء والنخبة المتميزة التي شرفتنا اليوم بالحضور. وأود قبل إعطاء الكلمة إلى الدكتور نجيب، أن أؤكد على انفتاح هذا الفضاء على المغاربيين، ولما لا على النخب العربية، خاصة وأن هذه السيمنارات أصبحت تشكل بادرة إيجابية. وموضوعنا اليوم موضوع دقيق جدا باعتبار أن الجامعة حاضنة التقدم وهي الملجأ الأساسي للمساهمة في بناء الدول. ومن سوء حظنا واستنادا على إحصائية حديثة، لا توجد ولا جامعة عربية واحدة ضمن الـ500 جامعة الأولى في العالم. وهذا مؤسف جدا، فبعد 50 سنة من الاستقلالات السياسية، لم تتأهل أي جامعة عربية، أن تكون ضمن الجامعات الأولى بالعالم. إذا موضوع الجامعة والمتغيرات الأساسية بالجامعة والإصلاحات التي مرت بها، سواء بالمغرب أو الجزائر أو تونس، هي من المواضيع التي نحرص نحن كمؤرخين وباحثين، على معرفة الرؤى والمشاريع التي تفاعل معها أولو الأمر وعلى رأسهم الأستاذ نجيب الذي بقي على رأس وزارة التعليم العالي بالمغرب ست سنوات، وتبنى مشروعا متقدما جدا لتطوير مناهج البحث والتعليم العالي.
ويسعدني أن أعطيه الكلمة ليشرح لنا أهمية هذه التجربة الإصلاحية بالمغرب، ونسأله إن كانت هذه الإصلاحات قد أعطت أكلها وما هي نتائج الإصلاح الجامعي؟ وما هي العوائق التي حالت دون أن تحتل الجامعة والعلم والعلماء والبحث العلمي، مكانته في فضائنا المغاربي بصفة عامة. د. نجيب الزروالي وارثي: الدكتور عبد الجليل التميمي، السيد العميد، أصحاب السعادة، السلام عليكم، واسمحوا لي، في البداية، أن أهنئكم بالسنة الجديدة وكل عام وأنتم بخير. كما أتوجه بالشكر إلى مؤسسة التميمي التي سمحت لنا بتبادل الحوار حول مواضيع هامة واستراتيجية في الظرف العالمي الدقيق الذي نمر به، ولعل أهمها موضوع الجامعة والتعليم ودورهما في التنمية الاقتصادية والثقافية. وموضوعنا اليوم هو « إصلاح التعليم العالي في المغرب العربي »، وأود في البداية أن أوضح أن ما يصح على الجامعة المغربية، يصح على التعليم العالي العالمي. فدور الجامعة أصبح دورا فعالا وجديدا. وعلى مستوى المغرب العربي لعبت الجامعة دورا كبيرا منذ الاستقلال وخاصة بالمغرب حيث ساهمت في مغربة الجامعة والوظيفة العمومية والوظائف العليا بالدولة. وينطبق ذلك على الجامعة التونسية فقد تتونست الوظيفة العمومية، وانتهى هذا الدور المبدئي للجامعة مع بداية السبعينات بتونسة ومغربة الوظائف لتصبح فيما بعد ومنذ الثمانينات للجامعة، مهام جديدة، لكنها عجزت عن أداء وظيفتها لأنها لم تواكب المتغيرات الكونية. ففي سنة 1980، تحول الاقتصاد العالمي إلى المؤسسات المالية، وهيمنت المؤسسات البنكية ومؤسسات التأمين والمؤسسات التجارية العالمية. وأصبحت التكوينات تتم على مستوى العلاقات التجارية والمالية، لكن الجامعة المغاربية لم تواكب هذا التحول وبقيت محافظة على دورها التقليدي، الذي اقتصر على تفويت المعرفة. ومن هنا نلاحظ أن البطالة، خاصة في صفوف حاملي الشهادات العليا، في تزايد ملحوظ منذ منتصف الثمانينات، وتقلصت مردودية الجامعة المغربية، إذ لوحظ أن متوسط الحصول على الإجازة وصل إلى 8،8 سنوات، في حين أن المدة الرسمية كانت محددة ب 4 سنوات فقط.وبالتوازي أصبح حوالي 60% من الطلبة يغادرون الجامعة دون إتمام الدراسة والحصول على الشهادة. يعني ذلك أن الدولة تتحمل أعباء ومصاريف بدون جدوى. كما لوحظ أيضا أن الجامعة لا تساير التحولات السريعة وهذا يعود أساسا إلى مركزية القرار، إذ يتطلب تغيير مادة وبرنامج تعليمي، الحصول على مرسوم وزاري، وهذا يرافقه تأخير يعطل نسق التطور الحاصل وعدم مواكبة التطورات بصفة موازية.
وبالتوازي مع ذلك، لم يقع تحديد أهداف للجامعة على مستوى التكوين، وأصبحت الجامعة بالتالي متعالية عن الواقع ومنعزلة على المحيط الاقتصادي والاجتماعي، وانتفى الحوار مع مستهلكي المنتوج الجامعي، أي الطلبة؛ فأصبح صانع المنتوج في عزلة عن مستهلك المنتوج، وبالتالي أصبح المنتوج لا يستجيب لحاجيات السوق وحاجيات المقاولة. وهذا أدى إلى وصف الجامعة بصانعة البطالة، في الدول النامية، وحتى المتقدمة منها، باستثناء جامعات أمريكا الشمالية ودول جنوب شرقي آسيا وهذا يفسر لنا هيمنة هذه الدول على اقتصاديات العالم المعاصر. ولا بد من الإشارة إلى أن نهاية القرن العشرين عرفت بروز مفهوم « صناعة المعرفة » الذي أدى إلى ما يعرف اليوم ب »اقتصاد المعرفة » أي أن العلم أصبح يؤطر الإنسان: معرفة أكثر للعلوم الإحيائية، استعمال أكبر للبيولوجيات وللعلوم الجينية، والاهتمام المتزايد بالنووي، غزو الفضاء… وأصبح للاقتصاد المعاصر مفهومان: الأول إعلامي حيث صار من يتحكم في الاقتصاد هو من يكتسب الإعلام والمعلومات على المستوى العالمي، والثاني كوني، بحيث لم تبْقَ المقاولة مكتفية بالمستوى المحلي، بل أصبحت مقاولة عالمية حتى تضمن البقاء والاستمرار وتتمكن من غزو الأسواق الكونية، يعني ضرورة معرفة أسس التعاون الاقتصادي. والمنتوج الاقتصادي الذي كان يرتكز على الأسس التقليدية، أي إنتاج مادة معينة بصفة دائمة وتراتبية، تحول ليصبح الإنتاج على مقاس (la production sur mesure) أي ضرورة الاستجابة إلى خصوصيات محددة، مما يستوجب مرونة وتأقلما للاقتصاد مع متطلبات السوق العالمية التي هي بدورها في تحول دائم. ومن هنا يتضح لنا، أنه أصبح من الحتمي تطويع التكوين ليصبح تكوينا كونيا، يكتسب من خلاله الطالب مرونة تخول له التأقلم مع كل الوضعيات. وهذا يضعنا أمام معادلة جديدة : بنية دائمة + هندسة متجددة تساوي ضرورة تغيير الهندسة وهذا يتطلب استراتيجية معينة تستجيب لهذه المتطلبات.
في ملاحظة ثالثة، نرى أن اقتصاديات المجتمع ترتكز على ثلاثة قطاعات: القطاع الخاص والقطاع العام والجامعات. لكن صاحب القرار في القطاعين العام والخاص، ما هو إلا خريج الجامعة. وبذلك فإن الجامعة هي الأداة الأساسية لكل اقتصاد محلي، ويستوجب ذلك تفاعلا إيجابيا ودائما بين القطاعين العام والخاص حتى تتمكن الجامعة من صنع صاحب القرار للقطاعين. لكن للأسف نلاحظ انعدام إشراك الجامعة في استراتيجيات تنمية الدولة، مع عزلة بين القطاع الخاص والجامعة، إذ يعتقد القطاع الخاص أن الجامعة نظرية فقط، والجامعة ترى أن القطاع الخاص لا يمتلك العلم والمعرفة الكافيين ليصبح محاورا لها. وبذلك بدأت الجامعة تصنع ما يسمى بالإطار المنمط الذي له نفس التكوينات بغض النظر عن القطاع الموجه له.
ملاحظة رابعة: تغير دور الدولة : إذ تخلت الدولة تدريجيا عن القطاع الاقتصادي والمقاولة هي التي أصبحت تستحوذ على الأدوار المهمة في التنمية على حساب الدولة التي تراجعت عن المهام التقليدية المنوطة بها. وبذلك أصبح التكوين من أجل الدولة غير نافع بالنسبة للتنمية، واليوم تقلص دور الدولة إلى ما أسميه شخصيا بالتاءات الثلاث : 1-التصور: حيث أن الدولة تضع التصورات الاستراتيجية للتوجهات الاقتصادية والسياسية والتنموية العامة في إطار الحفاظ على التراث والهوية الوطنية ؛ 2- التنسيق: بين كل مكونات الدولة وبين المؤسسات العمومية وشبه العمومية ؛ 3-التقييم: والحفاظ على التوازن (l’Etat régulateur). وهذا الدور يبرز أكثر في دول مثل بلدان المغرب العربي، نظرا لأن الدولة، لا زالت تحتفظ بدور المحافظ على التوازن حتى لا تقع انزلاقات، خاصة وأن القوانين المؤطرة لدولنا، لا زالت لم تُعْطِنَا المناعة الكافية لتقاوم ما يدخل لنا من فيروسات أو انزلاقات على مستوى الأخلاقيات العلمية (كالاستنساخ مثلا…) لذلك فقد احتفظت الدولة بصلاحية تقييم المردودية حتى تستطيع إنتاج استراتيجيات جديدة.
ومن هذه الملاحظات الأساسية، يمكننا أن نتساءل عن ما هي المهام الجديدة التي يمكن أن تضطلع بها الجامعة بهدف التنمية ؟
أولا : وبما أن الدولة لم تعد المقرر الاقتصادي الأساسي، فالجامعة أصبحت بحكم حيازتها للخبرة، لها مهام جديدة تتمثل في تنمية التفاعل مع المحيط الاقتصادي والإعداد لمهن المستقبل. وفي هذا الإطار، يخضع التكوين إلى شرطين أساسيين :
1) إذا كانت في السابق المسيرة مسيرة معرفية تخول للخريج منصبا مرموقا في الوظيفة العمومية، فحاليا أصبحت المسيرة، اسمحوا لي باستعمال لفظ « مسيرة خبزية » أي ضرورة توفير منصب شغل للطالب، وبالتالي يجب أن يستجيب التكوين إلى حاجيات السوق محليا ودوليا، وبالتالي، أصبح نظام التوجيه التقليدي متجاوزا، نظرا أنه « يرغم » الطالب على تكوينات لا تنسجم مع مؤهلاته الفكرية، أو يكون رافضا لها مما لا يسمح له بالبروز أو الإتقان.
2) الجودة بهدف تزويد الطالب بكل الكفاءات والخبرة الضرورية للوصول إلى الامتياز (L’Excellence). فالامتياز اليوم أساس المنافسة، وضرورة حتمية والامتياز يجب أن يكون مقرونا بالجودة (L’excellence) وهنا أستشهد بما كان يقوله وزير التعليم العالي الفرنسي: Claude Allègre : “Il vaut mieux être un excellent boulanger qu’un mauvais chercheur”
« إنه من الأفضل أن تكون خبازا جيدا على أن تكون باحثا بائسا وفاشلا ». فلا بد إذن من التأكيد على الجودة، فلا وجود اليوم للتفاضل بين المهن وإنما التنمية الأساسية هي للجودة والتألق فيما نفعله.
ثانيا: هي المساهمة في تطوير المعرفة أي أنه من الضروري تشجيع البحث العلمي داخل الجامعة في إطار بلورة مفهوم: البحث والتنمية (la Recherche/Développement) دون التخلي عن البحث الأساسي (la Recherche fondamentale)، والأهم أن تدخل نتائج هذا البحث إلى حيز التدريس والتطبيق، وعدم إهمال البحوث في رفوف المكتبات دون استعمال، وبالتالي نصل إلى توطيد العلاقة بين البحث والتكوين، والتكوين والبحث. وهذا ما هو متعارف عليه دوليا « بالابتكار أو الاضمحلال ».
المهمة الثالثة للجامعة: مواكبة الحياة المهنية والتعلم مدى الحياة، وهنا من الضروري الإشارة إلى أن الشهادة لم تبق لها قيمة دائمة، بل أن صلاحيتها محددة بتاريخ ينتهي في آجال معينة، ونقدر عمر بعض الشهادات ما بين 5 و15 سنة، ومن الضروري تحيين المعرفة واستكمالها وبالتالي تجديدها.
رابعا: ضرورة مساهمة الجامعة في الإشعاع العلمي والثقافي والفني والانفتاح على العالم. ومعنى ذلك أننا نمر من مجتمع سياسي اقتصادي، إلى مجتمع ثقافي معرفي، إذ لم يبق مفهوم المجتمع مقتصرا على مفهومه السياسي في المجال الميكرو اقتصادي.
خامسا: إلزامية دمقرطة التعليم العالي، وذلك ليس بمفهوم دمقرطة المؤسسة، حيث يجب تجاوز عوائق الوصول إلى مرحلة التعليم العالي، فالبعض ممن يصل إلى التعليم العالي لم يكن مؤهلا لذلك، في حين أنه لم يصل إلى التعليم العالي من هو الأجدر بذلك؛ وبالتالي فإن الدمقرطة تكون بفتح مراكز تكوين في كل المدن الصغيرة على مستوى التكوينات البسيطة والمتوسطة على الأقل.
سادسا: كما يجب أيضا على التعليم العالي أن يعمل على تطوير ومساندة المقاولة الصغيرة والمتوسطة، لأن المقاولة الكبرى أصبحت كونية وعالمية، على خلاف الصغرى والمتوسطة التي ظلت مقتصرة على التفاعل مع المحيط المحلي والوطني.
سابعا: ونلاحظ أنه اليوم من الضروري زرع روح الجودة والقضاء على روح الاتكالية لدى الطالب، وتعويضها بثقافة المبادرة وثقافة المقاولة. وعلى الجامعة أن تبادر إلى خلق أقطاب امتياز (Des pôles d’excellence) حسب توجهات المناطق، مثل أقطاب الصيد البحري بالمناطق الساحلية، أو فلاحية بالمناطق الفلاحية، أو أقطاب هندسة صناعية بالمدن الصناعية… ولا بد لهذه الأقطاب أن تجمع بين الجامعة والمقاولة والجمعيات.
ثامنا: ومن مهام الجامعة كذلك خلق شبكة نشر المعارف والمشاركة في السياسات الاقتصادية للدولة وفي استراتيجياتها الاجتماعية التنموية. إذن انطلاقا من هذا التحليل نطرح التساؤل التالي: على ضوء أي أهداف سنقوم بإصلاح الجامعة ؟ وتحديدا للبعض منها :
1-الشراكة والتعاقد : والشراكة تعني التفاعل ما بين الجامعة والمحيط الاقتصادي والاجتماعي، ولكي تكون الشراكة دائمة من الضروري أن تكون ذات فائدة متبادلة لضمان ديمومتها. بالنسبة للمقاولة، تتلخص أهدافها في : -تخطيط أكبر للموارد البشرية. -الوصول إلى أسواق شغل جديدة ومتجددة. -إعداد استراتيجيات ملائمة. -تطوير سياسة التعاون والتآزر بين المقاولات. -الربط بين الإنتاج والإنتاجية. -الاستفادة من الإبداع والابتكار. أما بالنسبة للجامعة، يجب أن تحرص على : -تقليص نسبة التخلي ؛ -تكوين طلبة أكثر تحفيزا ؛ -مواكبة أفضل لسوق الشغل ؛ -معرفة أفضل للحاجيات ؛ -الاستفادة من التجهيزات المتطورة.
النقطة الثانية: التنافسية، التي تعتبر أساس التطور والتي تقتضي بالتوازي منح اسم وعلامة جودة للشهادات بحسب الجامعة التي تمنحها. وهذا لا يتم إلا عبر خلق تنافسية بين الجامعات والمختبرات وما بين الجامعة والمحيط بصفة عامة.
النقطة الثالثة: هي الجهوية، حيث أنه لا بد أيضا من تفاعل الجامعة مع محيطها، فإذا ما سلمنا بأن الجامعة أداة تنمية، فإن كل جامعة مطالبة بتنمية جهتها وبالتالي تنمية البلاد ككل، مع مواكبة للتطورات العالمية من أجل استباق المتغيرات الحاصلة.
النقطة الرابعة: تطوير التنوع في التكوينات، حيث أصبح من الضروري أن تضمن الجامعة تكوينات طويلة ومتوسطة وقصيرة، ولا تقتصر على التكوينات الطويلة. ومن أجل ذلك من الضروري مراعاة التفاعل ما بين المكونين والتكامل بينهم وإزاحة الحدود بين التكوينات، وبالمقابل وضع الجسور بينها. وتنفيذا لهذا المنظور، تصبح هيكلة التعليم العالي بمثابة شبكة طرق سيارة، متوفرة على منفذ ومدخل محول في كل المستويات مما يؤهل الطالب من التوقف بعد تكوين قصير والرجوع إلى تكوين أطول أو تغيير التكوين حسب تحولات السوق وإمكانياته الفكرية.
النقطة الخامسة: التعاقد، حيث تم إدخال مبدأ التعاقد بين الجامعة المغربية والدولة، وبداخل الجامعة نفسها، تم ما بين الجامعة والكلية، وبداخل الكلية وبما بينها والمختبر. وأهمية هذا التعاقد تكون في قدرته على الحد من العشوائية لفائدة احترام المخطط الموضوع مسبقا، والوصل إلى النتائج.
النقطة السادسة: الإشراك أي إشراك الجميع، الأساتذة والطلبة والموظفين في التسيير وتدبير وتقييم المؤسسات التعليمية وكذلك استشارة الفاعلين الاقتصاديين؛ وبذلك تصبح العلاقة مع الجامعة علاقة مزود بزبون حسب كراس شروط (دفتر تحملات) وتقبل الانتقادات على ضوء الاستجابة إلى هذه الشروط، ولا تقبل إذا لم يقدم الزبون كراس شروطه.
النقطة السابعة: المرونة أي تشجيع التطور للمتطلبات والتأقلم الدائم مع المتغيرات، وذلك بسرعة موازية.
النقطة الثامنة: الانفتاح أي انفتاح الجامعة على المحيط الاقتصادي والاجتماعي وعلى الطلبة والأساتذة الأجانب حتى وإن كان لديها ما يكفيها من الأساتذة المحليين لتستفيد من الخبرات الأجنبية.
النقطة التاسعة: الاستقلالية التامة للجامعة، حيث من الضروري منح الجامعة استقلالية مالية وإدارية وبيداغوجية، ويجب منح مسؤولية وضع البرامج للأساتذة، أي أن يمنح الأساتذة امتياز فتح وإغلاق بعض الشعب والبرامج عند الضرورة حتى نضمن التكوين على المقاس، ولا تنتج عاطلين فيما بعد.
النقطة الأخيرة: التقييم: تقييم البرامج والمناهج ومؤسسات التكوين وتقييم نظام التقييم نفسه: (Evaluer c’est évoluer) التقييم هو التطور والمضي نحو الأفضل. ونتيجة ذلك، فإن النظام البيداغوجي يجب أن يواكب هذه المهام مع احترام المبادئ الأساسية والتي هي:
-صيانة القيم الروحية والتراث الثقافي، وهو ضروري للحفاظ على الهوية ؛ -التكوين المؤهل ؛ -تحسين مردودية النظام ؛ -تلبية حاجيات المحيط ؛ -تطوير القدرات المنهجية واللغوية والتوجيه التدريجي؛ أي التوجيه وإعادة التوجيه مدى الحياة التعليمية.
وانطلاقا من هذه المبادئ، تم إرساء نظام الوحدات والمسالك Les modules et les filières، وهنا أريد توضيح مفهوم الوحدة التي هي مجموعة متجانسة من المواد حول موضوع ما بصفة مستقلة عن الأحداث الأخرى، ويقع التعامل داخل الوحدة مع المواد حسب أهداف المادة ككل، ليكتسب الطالب الوحدة ويمتلكها. وحسب نوعية الوحدات وتجميعها، يتمكن الطالب من الاختصاص في مجال ما. ولهذا النظام مزايا كثيرة، نذكر منها :
*إمكانية تغيير الاختصاص بين مجالين متقاطعين باكتساب وحدة أو وحدتين زائدتين مع ترصيد الوحدات التي تم امتلاكها من قبل ؛ *إعادة التوجيه في أي مرحلة من مراحل التكوين دون ضياع ما تم اكتسابه ؛ *تنظيم التكوين المستمر لفائدة الموظفين أو العاملين أو الفاعلين في مدد قصيرة بعد توصيف الأهداف من طرف المقاولة وتحديد نوعية الوحدة الضرورية لذلك.
وخلاصة القول، فإن نظام الوحدات والمسالك، أعطى مرونة لنظام التعليم، وهذه المرونة سمحت وزادت في تحسين المردودية، وتراجعت بالتالي نسب التوقف عن الدراسة ومغادرة الجامعة، وأعطت تكوينا أشمل للطالب.
كما أن نظام الإصلاح وضع مبدأ التقييم المستمر للمعارف والتخلي عن فترة الامتحانات، نظرا لما يصاحبه من خطورة تناسي ونسيان المعلومات بعد انتهاء الامتحانات. وجاء كذلك بإمكانية مد الجسور بين التكوينات القصيرة والمتوسطة، وبالتوجيه التدريجي وبتعدد الاختصاصات، والارتباط بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي وإشراك الطالب في تكوينه وتوجيهه وخلق كفاءات تتقاطع مع التخصصات الأكاديمية. وهذا النظام فرض إذن الاستقلالية البيداغوجية للجامعة التي هي اليوم تتمتع بكل الاستقلالية من خلال إنشاء مجالس الجامعات التي تكتفي فقط بعرض مقرراتها على لجنة وطنية لتنسيق التعليم العالي في إطار الحفاظ على التوازن من قبل الدولة. ولكن هذا الإصلاح كان يستوجب إرفاقه ببعض التدابير الضرورية :
1) في مجال تشجيع البحث العلمي:
قانون لخلق أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، وكذلك قانون إحداث المركز الوطني للبحوث العلمية والتكنولوجية والأكاديمية، حيث أن المركزين متكاملان في عملهما لوضع تصور شمولي لتطور البحث العلمي بالمغرب؛ واستطعنا بذلك أن نطور النسبة المخصصة في الميزانية للبحث العلمي من الناتج الداخلي الخام من %0.3 إلى %0.78 في الفترة التي توليت خلالها مهام وزارة التعليم العالي أي ما بين 1998-2001؛ والأهم أننا تمكنا من تطوير نسبة مساهمة القطاع الخاص في تمويل البحث التعليم العالي من %2 إلى %17 وبالتالي انخفضت نسبة التمويل العمومي من %98 إلى %83. وهنا حاولنا أن نطبق ما يجري على المستوى العالمي حيث يهيمن القطاع الخاص على البحث العلمي؛ وكمثال على ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية تستحوذ على %42.5 من البحث العلمي العالمي؛ في حين تشترك إفريقيا مع أمريكا اللاتينية في %1 فقط من البحث العلمي العالمي.
2) في مجال إحداث المقاولات المجددة :
ومن جهة أخرى سعينا إلى إقامة خلق محاضن للمقاولات، مع العلم أنه يوجد فرق بين المحاضن والمشاتل (Les incubateurs et les pépinières)، فالمحاضن: هي أن يكون لكل طالب بالجامعة فكرة مقاولة يستفيد من التأطير الضروري على المستوى الاقتصادي، ومحاسبين ومسوقين ليدرسوا معه فكرته، وتعطيه الجامعة الفضاء اللائق لدراسة مشروعه ثم بعد سنة، وهي الفترة نفسها التي يتطلبها الجنين في بطن أمه، تتم ولادة المقاولة بصفة تامة ونهائية؛ في حين أن المشاتل تكون عند توفر المقاومة لدى الطالب، وفقط تمنحه الدولة المكان لاحتضانها. وقد أعطت هذه المحاضن نتائج مشجعة وأنتجت مقاولات ناجحة، وسمحت بولادة مقاولات علمية. وفي نفس الوقت تم الاتفاق بين الجامعة والجماعات المحلية لوضع مشاتل رهن إشارة الجامعة، واليوم توجد بالمغرب 575 مكان مخصص كمشاتل للمقاولات.
3) في مجال تشجيع الشراكة من أجل الابتكار :
وضع قانون مجموعات ذات النفع العام (Les groupements d’intérêts publics)، وهي مجموعات يمتلك فيها الأفراد أسهما، ولكن هدفها غير نفعي، وقد سمح هذا بخلق تعاون بين الجامعة والمؤسسة الخاصة؛ والمهم هنا التعاون الحاصل بين المؤسسات الخاصة التي تمتلك الآلات اللازمة وبين الجامعة التي تمتلك الخبرات والكفاءات اللازمة؛ وإذا كانت هذه المجموعات غير ربحية، فإن المشاركين يستفيدون ربحيا بعد تسويق المنتوج. وفي نقطة أخيرة في عرضنا عن الإصلاح التعليمي، لا بد من الإشارة إلى التعليم الخاص، والذي يعد قطاعا ضروريا على المنظومة التعليمية عموما، لأنه منافس للتعليم العمومي، وبالتالي عليه أن يستجيب لأهداف الإصلاح، خاصة وأن توفير شرط التنافسية بين القطاعين من شأنه خلق مزيد من الحركية. بالتوازي مع ذلك فإن المدارس ومعاهد القطاع الخاص تخضع للرقابة، بحيث لا تمنح الرخصة السنوية إلا بعد استيفائها للشروط الموضوعية حتى لا يأخذ القطاع منحى تجاريا أكثر منه أكاديميا، مع العلم أن الرخصة مدة صلاحيتها 4 سنوات أي مدة الدراسة الجامعية.
وهذه إجمالا مفاهيم الإصلاح المتبع بالمغرب إبان فترة وزارتي، مع العلم أن قانون إصلاح التعليم العالي المعروف بالقانون 01.00، واتخذ تسميته من خلال تاريخ إصداره سنة 2000، يتضمن كل إمكانيات الإصلاح الدائم وبالتالي لم يعد ضروريا وضع قانون جديد لإصلاح جديد. وهو قانون إطاري، أي أنه يتضمن بنودا تضمن للجامعة إصلاح نفسها بنفسها.
على مستوى الهيكلة الإدارية، تم إدخال إصلاحات نجملها في ما يلي:
فبالنسبة لرئاسة الجامعة، ونظرا للمهام الجديدة للمجلس الجامعي من وضع رؤية استراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال ربط شراكات وتشجيع البحث والابتكار والتعاقد وتدبير الموارد البشرية، أصبح إلزاميا أن يتوفر الرئيس على كفاءات تمكنه من إدارة الجامعة وتدبير أمورها وهذا ما دفعني إلى اقتراح مسير غير أستاذ لهذا المنصب. وهكذا يتم انتقاء ثلاثة أسماء من بين المرشحين الذين قدموا لبرنامج تطوير الجامعة، من طرف لجنة مكونة من شخصيات من عالم الاقتصاد والثقافة والجامعة، ويعرضون على أنظار صاحب الجلالة الذي يعين الرئيس لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وبالنسبة للكلية، ونظرا أنها تضطلع بمهام بيداغوجية أساسا وبالبحث العلمي، فالعميد ضروري أن يكون من بين أساتذة التعليم العالي ويخضع تعيينه لنفس المسطرة.
هذه إذن لمحة عن تجربتي لإصلاح التعليم العالي بالمغرب، ونظرتي إلى المثال النموذجي للتكوين، وحاولنا أن يكون هذا الإصلاح متميزا وخاصا بالمغرب الأقصى للحفاظ على الهوية الوطنية.
د. عبد الجليل التميمي :
شكرا لسعادة سفير المغرب بتونس ووزير التعليم العالي سابقا على كل هاته البيانات الجوهرية لفلسفة الإصلاح الجامعي الذي كنت مهندسه الأول، ونفتح الآن الباب للنقاش والأسئلة.
د. بوراوي الطرابلسي:
بعد أن أتوجه بالشكر إلى سعادة السفير على هذه المحاضرة العلمية، أود أن أدلي بملاحظتين حول ما قيل في شأن إصلاح التعليم العالي بأنه كان رهن معادلة « بنية دائمة مع هندسة متغيرة ». فهل يمكن إدخال هذه المعادلة في مسألة حرية المعرفة، أو ما سميتموه بدمقرطة المعرفة الكونية ؟ وأعطي مثالين: مثال باحث يقضي سنوات لإيجاد تلقيح لكنه يفشل، فلا تستطيع أن تصفه بأنه باحث فاشل، لأنه بلا شك ساهم في إفادة البحث العلمي؛ أما المثال الثاني بشأن العلوم الإنسانية، كأن يفسر باحث علم الاجتماع، ظاهرة لا تتماشى مع تخطيطات الدولة أو نظرتها السياسية، فهل تدخل حرية المعرفة في هذا الإطار ؟
-أحمد العجيمي:
أود الإشارة إلى ما أصبحت عليه الحالة العامة للتعليم بالمغرب العربي. فاليوم أصبح التسجيل بالخارج وتحديدا بفرنسا لاستكمال المرحلة الثالثة، فعدد من الإشكاليات أدت إلى فقدان الشهادات لمصداقيتها. وفيما يخص تجربة الوحدات، فقد أخبرني باحث تونسي عضو في مجلس إدارة الجامعات الكندية، أن التجربة الكندية تنص على أن يكون التكوين مختلطا ويشمل علوما صحيحة وعلوما إنسانية لكل الاختصاصات، حتى يكون المتخرج قادرا على التأقلم مع مختلف عروض الشغل والتطورات الحاصلة على مستوى العرض والطلب العالمي، وهي تجربة اتخذت على ضوء الدراسات العربية وعن نظام الحلقات التي تقام بالجامعة.
د.علي المحجوبي:
لقد استمعت بكل شغف وانتباه إلى عرض السيد الوزير حول إصلاح نظام التعليم العالي بالمغرب وانبهرت بدقة وشمولية البرنامج الإصلاحي للموضوع، وأريد أن أطرح سؤالا هل أن المناخ الاقتصادي والسياسي بالمغرب بإمكانه استيعاب مثل هذا البرنامج؟ ففي تونس مثلا تزايد عدد الطلبة تزايدا مهولا، إذ تعد الجامعة التونسية اليوم 382 ألف طالب، ويتوقع تخرج 50 ألف طالب هذه السنة، لا يشتغل منهم سوى 10.000 على أقصى تقدير والبقية 40 ألف عاطل عن العمل، وبالتالي تكرس بطالة أصحاب الشهادات العليا، وستكون بذلك هذه الموارد البشرية الممثلة في الطلبة عنصر توتر عوضا أن تكون عنصر تنمية، لأن المناخ الاقتصادي لا يستطيع استيعاب حاملي الشهادات. فهل المناخ الاقتصادي في المغرب حيث القضية مطروحة منذ فترة قبل أن تطرح في تونس، قادر على استيعاب هؤلاء؟ خاصة وأن العلاقة جدلية بين النمو الاقتصادي وبين الجامعة.
ثانيا: بالنسبة للامركزية وسلطة الجامعة والجامعيين، مشاركة الجامعيين في تصورات الجامعة ووضع البرنامج، هل أن المناخ السياسي كذلك يستطيع استيعاب مثل هذا البرنامج؟
د. عبد الجليل التميمي:
بالفعل أريد التأكيد على ما قاله الأستاذ علي المحجوبي، فنحن بلا شك نحتاج إلى رؤية سياسية متكاملة لبلورة الإصلاح الجامعي، والذي ينقصنا دوما هو الحوار، الحوار بين المسؤول، ومهندس الإصلاح، وبين بقية القطاعات الأخرى.
وسؤالي الأول، وأنتم حضرة الوزير كنتم المسؤول الأول عن التعليم العالي، وهي أن البحث العلمي في العلوم الإنسانية هو « الرجل المريض » أي بالنسبة لهيكلية البحث العلمي في مجال العلوم الإنسانية. ففي تونس %90 من البحث العلمي مخصصة للعلوم، ومع ذلك لا يقدم الباحثون في هذه الاختصاصات أي شيء جديد: هم لم يتحصلوا على أبسط الجوائز، ولا أثير هنا جائزة نوبل، ولا أنتجوا نظريات علمية… فقط مجرد بحوث مودعة في المخابر ولا وجود لمناخ ملائم لتفعيل وبلورة هذه الأبحاث. وأريد التنويه بأحد الأبحاث الجامعية المتمثلة في شهادة دكتوراه دولة كنت قد أشرفت عليها، قدمها الأستاذ وحيد قدورة ؛ حيث قام بتقييم كل البحوث المنجزة في العلوم الإنسانية للباحثين التونسيين منذ الاستقلال حتى سنة 1987، وهنا أريد التساؤل عن إنتاج الباحثين المغاربة، ماذا قدموا وماذا أنتجوا؟ لماذا لا يوجد موقع واب خاص بالباحثين ويحتوي بحوثهم في العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية …؟
سؤالي الثاني: هل فكرتم في بلورة فكرة الجامعة الافتراضية؟ خاصة وقد ساد نوع من النزاع الإيديولوجي خوفا من الجامعة الافتراضية ؟ ومن المفترض أن يقع الاتفاق على صعيد المغرب العربي على إيجاد نموذج للجامعة ليس فقط المغربية بل المغاربية. كما أسألكم سعادة الوزير والسفير عن دوركم في تفعيل الشراكة البينية مغاربية-مغاربية، خاصة وأن هذا الجانب من سوء الحظ، قد أهمل إهمالا تاما. أسألكم أيضا عن ظاهرة الأساتذة المتقاعدين ممن أحيلوا على التقاعد المبكر، ومنحهم تعويضات مالية عالية جدا، فاتجهوا إلى مشاريع استثمارية. وفي المقابل خلت الجامعات المغربية من الكوادر ومن الكفاءات، وكان ذلك نتيجة مؤلمة من نتائج الإصلاح ا لجامعي. فمن فكر في هذه المبادرة التي أصفها بالبائسة. لأنها أجبرت أهم الكفاءات المغربية وأقدرها على مغادرة الجامعة ؟
وعن ظاهرة الانعزال بين الكليات المغربية، وأنا أود الإشارة إلى أن ظاهرة الانعزال امتدت لتؤكد القطيعة بين الجامعات المغاربية، فكيف السبيل أن يلعب هذا الإصلاح الجامعي في خلق جيل جديد ورؤية واستراتيجية جديدة في الفضاء الجيوسياسي المغاربي ؟
السيد محمد بلحاج عمر:
أستغل هذه الفرصة لأعاود شكر مؤسسة التميمي على هذا المجهود الجبار الذي تقوم به في بناء الحوار المغاربي. كما أود الإشارة إلى قدم معرفتي بالدكتور نجيب زروالي بحكم مهنتي كمهندس، والعلاقات التي تربط بين عمادة المهندسين التونسيين والمغاربة، لذلك كنت مطلعا على ما قام به من إصلاحات ومحاولات لتطوير التعليم العالي بالمغرب لما كان وزيرا.
وفي الحقيقة أعترف أن سؤالي سيكون ربما محرجا للدكتور، وبحكم اطلاعي وتقديري لما أنجزتموه بالمغرب. فأنا أتساءل عما تفعلونه الآن بتونس ؟ في ظرف كهذا، حيث تكرس الأنظمة السياسية العزلة وانسداد آفاق الوحدة المغاربية ؟ فكان من الأجدى بك حسب رأيي ومن منطلق تقديري لإنجازاتكم بالمغرب، لو بقيت بالمغرب وواصلت مشروعك الإصلاحي. فلست الرجل المناسب في المكان المناسب وهذا يؤسفنا حقا. ولا شك أن الفائدة ستكون أهم وأعم لو بقيت بمنصبك الوزاري بالمغرب. والأكيد أننا كتونسيين سننتفع بذلك أكثر من منصبك الحالي. وأعتذر إذا ما كنت صريحا أكثر من اللزوم.
-د. مسعود الشابي :
أود الاعتراف بالقيمة العلمية الكبرى التي وجدناها في عرض الدكتور؛ وأذكر بأني كنت قد زرت المغرب سنة 1965 في إطار اتصالي بالقيادات العربية، وكتبت بالمناسبة مقالا صدر لي بدمشق بعنوان: « الدور المغربي في الوحدة العربية »، وكنا آنذاك نأمل في الوحدة عبر الاقتصاد. وبدا لي الآن أننا سنتوحد عن طريق العلم، لأن التوحد السياسي يبدو أنه أصبح ممنوعا اليوم. وأعيد التأكيد دوما على ضرورة امتلاك الجرأة والدقة الكافية في تحديد الأهداف، وأهم هدف هو وحدة المغرب العربي. وقد قرأت في المدة الأخيرة، كتابا عن دولة الموحدين وكما يعلم الجميع اندثار هذه الدولة، وورثنا في تونس دولة الحفصيين ومن بعدها بقية الدول المتعاقبة. أعتقد أنه من الضروري العودة إلى مسألة الوحدة السياسية التي أعتبرها هامة جدا، لأنه إذا انعدمت لدى الدولة نوايا التوحد السياسي، وجب أن تسمح بالتوحد التربوي أو في غيره من المجالات. وهذا ما أكدت عليه في مقالي المذكور، عندما قلت إنه عندما تستحيل الوحدة السياسية، فإنه يتوجب علينا التسلل إليها عبر الشباك أو عبر الأبواب، من منطلق القناعة، إذ الوحدة المغاربية لن تتم إلا عبر الاقتحام والقوة.
وقد أشار الدكتور المحاضر إلى موضوع هام وحساس ألا وهو موضوع العولمة المفروضة علينا اليوم. ويجب أن تكون الإصلاحات والبرامج على نطاق عالمي وكوني. وأشير إلى ضرورة أن يكون عالميا بما فيه عالم الوطن العربي وثقافة المنطقة، لكن الدكتور لم يتعرض إلى مسألة الأمن القومي، لأن المشاكل المعاصرة سببها الأصلي هو أن الأنظمة العربية غير قادرة على حماية نفسها وحماية شعوبها من الهجومات والتهجمات لذلك يجب أن تحتوي البرامج الدراسية استراتيجيات حماية الأمن القومي تكنولوجيا وتربويا واقتصاديا.
وأنا شخصيا درست لمدة الثلاثين سنة الأخيرة سبل وأساليب التوحد. وأعتقد أن العقبة الأساسية هو ما يسمى بالدولة القطرية، التي أورثتها لنا الهيمنة الاستعمارية. وكل من يصل إلى كرسي الدولة القطرية، يصبح قطريا حتى وإن كان معارضا للقطرية. والدولة التي فرحنا بتأسيسها عند حصولنا على الاستقلال، أصبحنا اليوم يائسين منها ويملؤنا الحزن للمصير الذي أصبحت عليه، ولأنها وليدة الدولة الأمة الأوربية التي تفككت وانحلت. وبذلك فإن دولنا المحلية أصبحت، هي الأخرى وبسبب عامل العولمة، في حالة تفكك وانحلال. وقد تساءلت لما تطرقتم إلى مسألة استقلالية الجامعة: هل توجد جامعة مستقلة في دولة غير مستقلة ؟ والجميع يعلم أننا كعرب بعيدون ونزداد بعدا عن نيل الاستقلال ؟ وهذه الحالة تستوجب منا مزيد التفكير في إيجاد حلول دون خوف من السياسة، لأن السياسة هي ضرورية لكل تغيير إيجابي منشود. وفي الختام أشكر الأستاذ التميمي وأشكر المؤسسة التي ما فتئت تمنحنا الفرص لمثل هذه الحوارات البناءة.
د. عبد الجليل التميمي :
أود العودة إلى مسألة هامة أثارها الدكتور الوزير وهي مسألة ضرورة التخلي عن تعيين الأساتذة لمناصب رؤساء الجامعات، وهي مسألة واقتراح أسانده بكل حماس وأعتبره مفتاحا للانقلاب الإصلاحي المنشود. وأنا لا أعرف في العالم العربي أي رئيس جامعة أو عميد كلية، ليس منتميا للمنظومة الحزبية، فكلهم حزبيون وكلهم موالون للدولة. ولا أعرف أي جامعة قدرت على تقييم تجربتها ومردودها خلال الثلاثين سنة الماضية، حيث تراكم الفشل والاعتباط وغيبت الحقائق، وغيبت أرشيفات الكليات والجامعات وهذا أعرفه شخصيا. وأنا هنا أساندك سعادة الوزير وأقترح معك أن يتم تعيين إداريين أكفاء لرئاسة الجامعات والكليات وأستشهد هنا بنجاح هذه التجربة في أكبر جامعة بأنقرة « بيلكنت » (Belkent) التي يترأسها سيد الدغرمجي، الذي هو شخص « عفريت » وأصبحت معه الجامعة أكبر الجامعات الخاصة، ليس فقط في المشرق بل في العالم كله. وأساند الاقتراح الداعي إلى التخلي عن تعيين الأساتذة الجامعيين لرئاسة الجامعات وأدعو إلى تطبيقه كحل أساسي « لمآزق » ومشاكل التعليم المطروحة اليوم.
د. نجيب الزورالي وارثي:
أود الإشارة إلى أني لن أجيب عن كل سؤال على حدة، لأن بعض الأسئلة مترابطة، لذلك سأجيب بطريقة إجمالية عن تساؤلاتكم. وعن السؤال: هل المناخ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي يستجيب إلى البرنامج الإصلاحي المطروح ؟ وعن طرح مسألة الأمن القومي وعن قضية الاستقلال بمفهومه الواسع؟ فالجواب على السؤال الأول هو نفسه محتوى السؤال الثاني وسأوضح ذلك؛ وسأذكر أنه لما طلب مني تقديم محاضرة عن العولمة، حيث وأني عرفت العولمة بأنها « مسألة ذات اتجاه واحد…هي انسياب أموال الدول الفقيرة » نحو الدول الغنية لتصبح أغنى ».
وفي هذا الإطار تلزم الدول النامية والفقيرة استعمال التكنولوجيا المصنوعة في العالم المتقدم. مع العلم أن الدول السائرة في طريق النمو وفي إطار نظام العولمة، ستصبح هي الأخرى فقيرة. واليوم إذا ما أخذنا ثالوث: الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا ودول جنوب شرق آسيا، باستثناء الصين، نجد أنها تستحوذ على %70 من الإنتاج العالمي، و%80 من إنتاج المعلومات. وإذا ما أخذنا الاقتصاد المغاربي، فإن كل دولة من دول المغرب العربي، تحاول بصفة مستقلة عن الأخرى الاندماج في الاقتصاد الأوربي؛ دون أن يصاحب ذلك تبني استراتيجيات وطنية لتنمية المنتوج الوطني؛ وهذا يفرز إما هجرة سرية أو هجرة إرادية أو يخلق بطالة حاملي الشهادات العليا، وهذا نتيجة لمحاولات الاندماج غير المدروس، والذي يفتقد للمرتكزات الضرورية لذلك؛ ونتيجة لكل هذا أصبحنا نحن المغاربيين نحاول إنتاج القالب الأوربي.
ومن ناحية ثانية، فإن الدول المغاربية لا تستثمر بصفة ناجحة مواردها المحلية، وآخذ كمثال على ذلك المغرب الذي يتوفر على 4200 صنف نباتي، ولكنه لا يستغل إلا 200 صنف فقط، في الوقت الذي يتجه فيه العالم اليوم إلى المنتوجات البيو (Bio) للتخلي عن كل المنتوجات الغذائية المصنعة؛ في حين أنه لو تم استغلال هذه الثروة النباتية، تمكنا من خلق وإنشاء مقاولتين لكل نوع من النباتات، أي ما يقارب 10 آلاف مقاولة. كما أن المغرب معروف بالصيد البحري، ولكن السؤال المطروح ما هي اليوم منتوجات البحر المصنعة ؟ لا إنتاج يذكر؛
كذلك قطاع الزيتون ماذا صنع المغرب وبقية دول المغرب العربي التي تتوفر على نوعية جيدة من شجر الزيتون ؟ لا شيء سوى تصديره خاما إلى إيطاليا وإسبانيا التي تصنعه وتعاود تصديره بأسعار خيالية. كذلك صناعة الخزف والبلور الذي كان من الممكن أن ننتجه بمدينة تازة المغربية، ونعطيه طابعا ومضمونا تقليديا فيكون إنتاجها سياحيا هاما، خاصة وأن دولا عديدة يقوم اقتصادها على البلور لوحده (رومانيا، تشيكوسلوفاكيا)؛ وبالنسبة لإنتاج الطاقة الشمسية، حيث تعرف المنطقة الممتدة من شمال إفريقيا حتى شبه الجزيرة العربية طاقة تبلغ 6 كيلو وات الساعة في المتر المربع، مع معدل شمسي يتراوح ما بين 10 و12 ساعة يوميا؛ وهذا يعني أنه لو توجهنا إلى الاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة، فإنه يمكننا إنتاج %66 من إجمالي الطاقة المتجددة في أوربا بأكملها ؟
إذن هناك تبعية لاقتصادياتنا المحلية إزاء اقتصاد أجنبي مغاير لثقافة مجتمعنا، في حين أن لدينا مجالات استثمار محلية هامة يمكن أن تجعل منا خبراء مختصين فيها ويصبح لدينا بذلك مقعد في العولمة. وإني هنا أساند مقولة أن الدولة غير قادرة على إصلاح منظومة دون إصلاح بقية القطاعات؛ ولكن تبقى مع ذلك الجامعة أداة تنمية في القطاعين الخاص والعام، لكن نلاحظ أن مجتمعاتنا المتشتتة والمتطبعة للثقافة الغربية المغايرة لثقافتنا، هي التي طبعت الجامعة، عوض أن تطبع الجامعة المجتمع. والسؤال المطروح، هو: كيف يمكن دعم الجامعة ليصبح لها دور تكويني، وخاصة دورها في بلورة مشروع مجتمعي له ثقافة كونية عالمية، ومحافظ في نفس الوقت على الهوية والتراث الثقافي، وهذا يجرني للإجابة عن سؤال الأستاذ بشأن التعليم الوطني، فأنا لم أتكلم عن تعليم وطني، بل أكدت على أن يكون متضمنا لتراث وطني وهوية قومية بمفهوم كوني عالمي؛ وهذا يعني أنه لا بد من مراجعة دور الأستاذ، وأستسمح أن أقول بصراحة أنه منذ غوتنبرغ كان بالإمكان الاستغناء عن دور الأستاذ، وكان بالإمكان أن تبلغ الطباعة المعلومات لكل أفراد المجتمع في منازلهم، واليوم تطورت الأمور إلى أبعد من ذلك، حيث أضحت الإنترنت تبث في صفحاتها أشهر المواضيع والمحاضرات وحتى النظريات والأبحاث الحاصلة على جائزة نوبل، وبذلك أصبح دور الأستاذ أهم إذا ما توجه إلى تلقين كيفية استعمال المعرفة، وليس تلقين المعرفة Le mode d’emploi du savoir et non pas le savoir.
ومن هنا لا بد من إعادة مراجعة التنظيم الجامعي ليصبح الأستاذ منسقا ومؤطرا يستطيع أن يعطي تجربته الشخصية التي ينفرد بها دون سواه.
فيما يخص مسألة معادلة الشهادات، فإنها تأخذ بالاعتبار شرطين فقط: نوعية الشهادة، والمدة الدراسية، في حين أن المهم في مسألة المعادلة ليس المدة، وإنما مضمون الشهادة وما اكتسبه الطالب من مهارات، سواء استغرق ذلك 6 أشهر أو 6 سنوات… وعلى سبيل المثال (وهذا عشته شخصيا)، هو أني لما التحقت بكلية الطب وجدت زميلا لي يدرس بالسنة الثالثة، وتجاوزته لأحصل على شهادة الدكتوراه والتبريز؛ ولما عدت للتدريس بالجامعة وجدت أنه تحصل حديثا على شهادة الدكتوراه التي استغرق لنيلها 21 سنة، عوضا عن 7 سنوات، فهل هذا يعني أنه أكفأ مني بالنظر إلى المدة التي قضاها في الدراسة ؟ فالمسألة هي مسألة اكتساب مهارات وليس مسألة وقت. وبالتالي يجب أن تخضع مسألة المعادلة إلى تقييم المضمون للتكوين ومدة اكتسابه من كفاءات من لدن الطالب، ومقارنته بالنظام الوطني.
وبالنسبة للعلوم الإنسانية، فإنني أرى في إدخال الفلسفة إلى مدارس المهندسين وإلى كليات الطب، مسألة ضرورية؛ فالطبيب سيتعامل مع إنسان وكذلك المهندس سيقود فريقا من الرجال، ويجب أن يكون ملما بالجوانب النفسية والأخلاقية والإنسانية في عمله، وبالفعل فقد بدأ العمل بهذا الاقتراح ببعض الكليات المغربية.
وجوابا عن سؤال ما هو دور العلوم الإنسانية في التنمية الاجتماعية، أعيد التأكيد على أن الحفاظ على التراث الثقافي وعلى الهوية، لا يمكن أن يتم إلا عبر العلوم الإنسانية، وتكوين الهوية لن يكون إلا من خلال الحفاظ على هذه العلوم من أجل اكتساب المناعة ضد أي دخيل على التراث؛ وللعلوم الإنسانية بذلك دور هام، لكن للأسف لا يعترف بها اليوم، وكمثال على ذلك، كيف يمكن أن نتصور سياسة إعداد التراب الوطني دون الأخذ بعين الاعتبار الدراسات التاريخية والانتروبولوجية وهجرة السكان. بالنسبة للمنتوج المغربي في مجال العلوم، فإني لا أستطيع إعطاء أرقام في هذا المجال، فقط أشير إلى أننا وضعنا حجر الأساس « للمعهد المغربي للإعلام العلمي والتكنولوجي “L’I.M.I.S.T”. وهو بمثابة معهد يجمع كل ما يقع نشره وبنك للمعلومات Banque de données لكل الإنتاجات العلمية المغربية، وسيكون جاهزا ابتداء من سنة 2008، ومجهزا بكل الأنظمة المعلوماتية، والغاية منه هو تعميم ونشر البحوث المنجزة.
وكذلك طورنا بجامعتي الرباط والدار البيضاء نظام (La téléconférence) مما يسمح لهذه الجامعات بتلقي محاضرات الجامعات الأمريكية والكندية، وكان الهدف هو تحقيق برنامج مغاربي لهذه الطريقة، لكني لم أتوصل سوى إلى بلورته بالمغرب الأقصى؛ وهذا لم يمنعني لما كنت وزيرا للتعليم العالي بالمغرب، أن أبلور برامج تعاون مع وزارة التعليم العالي بتونس مع كل من الوزيرين الدالي الجازي ثم الصادق شعبان، ووضعنا برنامج بحث مغربيا-تونسيا ممولا مناصفة من وزارة التعليم العالي المغربية ووزارة التعليم العالي التونسية وكلفته 400 ألف دولار، والمهم في هذا البرنامج، احتواؤه على برامج مشتركة تسمح باقتحام طلب عروض برامج البحث الدولية. وحققنا أرباحا علمية هامة بفضل هذه الشراكة.
وإجابة على التساؤل بشأن البحوث التي لا تتوصل إلى نتائج ملموسة، هل يمكن اعتبارها بحوثا فاشلة؟ في الواقع لا، ولكن شريطة احترام شروط البحث، والمشكل المطروح هو أن بعض الأساتذة الجامعيين يلقبون بالباحثين، رغم كونهم لم يتلقوا أثناء دراستهم أي تكوين بحثي، مما أفرز أبحاثا تلقائية وعفوية وغير مجدية؛ وهذا في الواقع وللأسف ما يفسر لنا لماذا لا توجد أي جامعة عربية ضمن الـ500 جامعة أولى بالعالم؛ وهذا يعود خاصة لقصور برامج البحث وانعدام التكوين اللازم في ميدان البحث العلمي.
وبشأن مسألة ظاهرة « المغادرة الطوعية » التي شملت بعض أساتذة التعليم العالي، لما كنت وزيرا لتحديث القطاعات العمومية؛ أقول أنا شخصيا كنت رفضت هذا المبدأ القائم على فكرة التخفيض من نسبة الأجور بما قدره نقطة واحدة. من منطلق أن غايتنا الإصلاحية ترمي إلى الترفيع من مردودية الإدارة، وليس التخفيض منها، أما كتلة الأجور ما هي إلا نسبة من الناتج الداخلي الخام، فلو زدنا في الناتج الداخلي الخام لتقلصت نسبة الأجور. والهدف هو العمل على الترفيع في الناتج الداخلي الخام وليس التخفيض من نسب الأجور، ولكن للأسف لم يقع الأخذ بعين الاعتبار بهذه الرؤية؛ وبعد مغادرتي الحكومة وتحت ضغوط البنك الدولي على وزارة تحديث القطاعات العامة، تم اتخاذ هذا القرار، وأفرغت الجامعات من الكفاءات وأعيد التأكيد أني كنت معارضا ولم أوقع مرسوم القرار.
وأخيرا، إجابة عن سؤال السيد محمد بلحاج عمر بشأن ماذا أفعل في تونس ؟ فأقول للسيد بلحاج عمر إنه يعلم كسياسي مآل السياسيين المتسم بعدم الاستقرار، وقد انطبق علي هذا المبدأ السياسي، فانتقلت من منصب وزير للتعليم إلى وزير تحديث القطاعات العامة، وتدعيما للعلاقات التاريخية بين المغرب وتونس، وكما جرت العادة بذلك، تم تعييني سفيرا لجلالة الملك بتونس ولا أعتبر نفسي في بلد أجنبي، وبالتالي في تونس أو في المغرب، فالهدف هو خدمة مصالح الدول المغاربية والاستجابة إلى الإرادة القوية لجلالة الملك محمد السادس وسيادة الرئيس زين العابدين بن علي، والمساهمة في توطيد العلاقات بهدف بناء صرح المغرب العربي. د. عبد الجليل التميمي :
شكرا لسعادة الوزير على إثراء الجلسة برؤيتك الاستشرافية، أرجو أن نتوفق في جعل العلاقات التونسية-المغربية نموذجا يحتذى به. وأشكركم على هذه الصراحة.
(*) انعقد هذا السيمنار يوم 6 جانفي 2007.
(المصدر: وثيقة وزعتها مؤسسة التميمي يوم 2 ماي 2007 عبر البريد الالكتروني)  


المغرب:

مركز حقوق الانسان يرسم صورة قاتمة عن الوضع الحقوقي في البلاد

 
الرباط ـ القدس العربي ـ من الطاهر الطويل: تحدث المركز المغربي لحقوق الإنسان عن استمرار الانتهاكات علي مستوي الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وقال إن المغرب ما زال يشهد ظاهرة التعذيب في مخافر الشرطة والدرك وفي المعتقلات السرية وفي السجون. وسجل قوة التدخلات الأمنية في حق الحركات الاحتجاجية السلمية التي تشهدها أكثر من مدينة وقرية مغربية، داعيا السلطات الي تجنب استعمال العنف في حق المتظاهرين. وفي تقريره السنوي الذي تلقت القدس العربي نسخة منه، تطرق المركز المغربي لحقوق الإنسان (وهو هيئة حقوقية مستقلة) الي ما أسماه استمرار الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بملفات مكافحة الإرهاب. كما أشار الي أن المغرب ما زال لم يصادق علي اتفاقية روما بشأن الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، ولم يصادق بعد علي إلغاء عقوبة الإعدام، موضحا أن عدة أحكام بالإعدام صدرت في الفترة الأخيرة. وتحدث التقرير عن عدم وجود أي تقدم في عدد من قضايا الاختفاء القسري التي حدثت خلال فترات الاحتقان السياسي بالمغرب، خاصة خلال عقدي الستينات والسبعينات. كما أشار الي أن ملفات ممارسات قمعية سابقة ذهب ضحيتها العديد من المواطنين مازالت مفتوحة ولم يحسم فيها بعد. تضمن التقرير الإشارة الي أهم نقط الضوء في الوضع الحقوقي بالمغرب، فذكر أن سنة 2006 والأشهر الأربعة الأولي من سنة 2007 تميزت ببعض الإجراءات الايجابية التي اتخذتها الحكومة المغربية بهدف ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان بالمغرب كما هي متعارف عليها دوليا. وأعطي مثالا علي ذلك بقرار المغرب الانخراط في البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ورفع التحفظات عن بنود تتعلق باتفاقيات مناهضة التعذيب، والقضاء علي أشكال التمييز العنصري، وحقوق الطفل، وكذا مصادقة المغرب علي بعض الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الفساد والحماية من الاختفاء القسري والإعلان العالمي لحماية المعاقين. وسلط التقرير أيضا الضوء علي نقط إيجابية أخري من ضمنها: مصادقة المغرب علي مجموعة من القوانين كقانون الجنسية بتخويل الطفل من أب أجنبي وأم مغربية حق الحصول علي الجنسية المغربية، بالإضافة الي مجموعة من القوانين المتعلقة بتخليق الحياة العامة التي شقت ومازالت تشق طريقها في المسار التشريعي المطلوب، كما قامت الحكومة بتوفير العمل لأزيد من 800 شاب عاطل من حاملي الشهادات الجامعية العليا، فضلا عن إحداث محاكم استئناف إدارية في سنة 2006 وشروعها في العمل مع مطلع سنة 2007. وبعدما سجل المركز المغربي لحقوق الإنسان ارتياحه لهذه المبادرات، أعرب عن استنكاره ازدياد قوة التدخلات الأمنية العنيفة في حق الحركات الاجتماعية عموما وحركات الشباب العاطلين حاملي الشهادات العليا المطالبين بالحق في العمل والعيش الكريم. وحمّل الحكومة المغربية مسؤولية الاعتداءات الخطيرة التي قال إن المواطنين يتعرضون لها، وطالب بفتح تحقيق رسمي في تلك الاعتداءات، والعمل علي متابعة ومحاكمة المسؤولين عنها، وعدم إفلاتهم من العقاب عن الانتهاكات التي ارتكبوها في حق المواطنين؛ داعيا الحكومة لفتح حوار جاد ومسؤول وشفاف مع مختلف الفئات المهمشة والمعطلين خصوصا من أجل بحث السبل الكفيلة بحل كافة المشاكل الاجتماعية وإشكالية البطالة والتشغيل علي وجه الخصوص . كما دعا المركز المغربي لحقوق الإنسان الجهات المسؤولة الي اتخاذ كافة التدابير لحماية الحق في الاجتماع المكفول بمقتضي الدستور، وذلك من خلال إعادة النظر في القانون المتعلق بالتجمعات العمومية، من حيث جعلها خاضعة لنظام التصريح والتخفيف من تدخل السلطة العمومية في التجمعات. وطالب أيضا بحذف العقوبات الحبسية في شأن المخالفات المتعلقة بالتجمعات، وكذا بفتح المجال لعامة المواطنين بإمكانية تنظيم المظاهرات بالطرق العمومية طبقا للضوابط القانونية، وعدم اللجوء الي أساليب العنف عند الإقدام علي تفريق المواطنين أثناء الوقفات التي يتم إشعار السلطات بها والتي لا تسبب أي إخلال للنظام العام، وكذا احترام الإجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون المنظم للتجمعات العمومية قبل الإقدام علي تفريق المواطنين بالقوة. واعتبر المركز، في تقريره السنوي، أن من حق المواطنات والمواطنين تنظيم وقفات احتجاجية بدون ترخيص مسبق، لتبليغ المسؤولين في الجهاز التنفيذي مطالبهم، وقال: نظرا لأن الممارسات القمعية للسلطات المحلية تجعلها خارج كل القوانين و مناقضة لمبادئ حقوق الإنسان، لكونها تمس بالحق في الاحتجاج والحق في الكرامة الإنسانية والحق في السلامة البدنية والحق في الحياة والحق في الملكية الخاصة، فإنه يدين بشدة أسلوب تعامل السلطات العمومية مع المواطنات والمواطنين وانتهاكاتها لحقوقهم الأساسية من خلال استعمال العنف؛ ويدعو الي إقرار حق المواطنات والمواطنين في الاحتجاج السلمي . علي صعيد آخر، تطرق التقرير الي واقع الصحافة بالمغرب، وأشار الي أنه رغم أن الدستور المغربي ينص علي احترام حرية التعبير، فإن الحكومة تقيّد حرية الصحافة في المجالات التي تعتبرها حساسة. وبخصوص التعديلات التي تقترحها وزارة الاتصال (الإعلام) علي قانون الصحافة والنشر، اعتبر التقرير أنها لا تستجيب لمطالب المهنيين وانتظارات المنظمات النقابية والهيئات السياسية والحقوقية، وأن واضعي تلك التعديلات لم يستحضروا الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل المغرب والتشريعات المعمول بها في النظم الديمقراطية، ولم يأخذوا بعين الاعتبار التطورات في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال. وذكر التقرير أن قانون الصحافة والنشر ظل محكوما بمقاربة أمنية أفضت الي تكثيف القيود علي حرية الصحافة وإضعاف الضمانات القانونية لممارسة المهنة، بدل تنظيمها وفق مقاربة تأخذ بعين الاعتبار تطوير الصحافة والإعلام. واستطرد قائلا إن القانون لم يلغ العقوبات السالبة للحرية، بل اكتفي بتخفيض المدد في بعض الحالات، بينما بالغ كثيرا في فرض الغرامات المالية ورفع مبالغها الي حدود غير معقولة، يستشف منها دفع المعنيين الي حافة الإفلاس. وقال المركز المغربي لحقوق الإنسان إنه تابع بقلق بالغ سلسلة التراجعات المسجلة خلال السنة المنصرمة 2006 علي مستوي ممارسة حرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر، وهو ما تمثل في المتابعات القضائية لعدد من الصحافيين والمنابر الإعلامية، والمرتبطة بقضايا النشر والتعبير عن الرأي. واعتبر تلك التراجعات انتكاسة للتقدم الذي حققه المغرب في مجال حرية الرأي والتعبير والممارسة الصحافية، كما تشكل تعارضا مع كل الشعارات والتصريحات الرسمية المؤكدة علي احترام حقوق الإنسان وكرامة المواطن. ومن جهة أخري، أعرب المركز عن تضامنه المبدئي مع الفنان أحمد السنوسي ـ المشهور بـ بزيز ـ وطالب برفع الحصار والمنع المفروضين عليه. وفي مجال أخلاقيات مهنة الصحافة والنشر، انتقد المركز لجوء وكالة المغرب العربي للأنباء الي تعميم قصاصة إخبارية، إثر اعتقال المواطن رشيد غلام منشد جماعة العدل والإحسان (الإسلامية المحظورة) خلال شهر آذار (مارس) 2007، تتضمن الإشارة الي اسمه الكامل وكذا انتمائه السياسي، وذلك علي الرغم من عدم صدور حكم بالإدانة حينها في حق المعني بالأمر في القضية التي توبع من أجلها أمام القضاء، مخالفة بذلك مبدأ قرينة البراءة هي الأصل . وبخصوص الحريات الفردية، تحدث المركز عن استمرار انتهاكات عديدة تتجلي ـ حسب تقريره ـ في الاعتقال التعسفي والتعذيب في المعتقلات وانتهـــاك حرمة المنازل وتفتيشها خـــارج نطـــاق القـــانون. كما أن بعض المتهمين المعروضة ملفاتهم علي مختلف المحاكم تعرضوا للعنف والإجبار علي توقيع محاضر الشرطة القضائية وحرموا من ضمانات المحاكمة العادلة . واستطرد المركز قائلا: مما يعضد هذه الممارسات الخارجة عن القانون وجود في منطقة ما بين مدينة الرباط ومدينة تمارة معتقل سري لا يخضع لنظام قانوني واضح ويستثني من مراقبة السلطات القضائية وتمارس فيه أشكال متنوعة من التعذيب لانتزاع اعترافات المعتقلين الذين كانوا يقتادون الي هناك بعد اختطافهم أو اعتقالهم بشكل تعسفي . وتناول المركز ما أسماه استمرار الانتهاكات الجسيمة والاعتقال السياسي، مستدلا علي ذلك بالقضايا التي عرضت علي المحاكم تحت مسمي مكافحة الإرهاب. وجدد تنديده بـ الانتهاكات المرتبطة بالمعالجة الأمنية والقضائية لملف الإرهاب وطالب بضرورة احترام حقوق الإنسان في جميع الظروف والأحوال. كما دعا الي إطلاق سراح ما تبقي من معتقلين سياسيين وعلي رأسهم المعتقلين الشهيد والشايب والإفراج أو إعادة محاكمة معتقلي ما يسمي بـ السلفية الجهادية الذين تعرضوا للاعتقال التعسفي وللمحاكمات غير العادلة، حسب التقرير. وحدد التقرير شروط توفر المحاكمة العادلة في تطبيق المبادئ والأحكام الأساسية في مجال حقوق الإنسان باعتبارها من الثوابت في نظام العدالة الجنائية المعاصرة، وكذا إرساء قضاء مستقل قوي وفعال يتوخي تحقيق العدالة والإنصاف بمفهومهما الواسع والشمولي. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 21 ماي 2007)


كابوس الاصولية في الشرق والغرب

عادل الحامدي (*) اكتسحت العلوم كل ميادين الحياة ولم تترك شاردة ولا واردة الا اشبعتها تركيبا وتحليلا وتقليبا، حتي غدا الحديث عن الاستنساخ امرا مألوفا، بل قد يدخل ضمن فن الممكنات انبعاج الخلية البشرية عن صنو ومثيل. لكن التقدم العلمي الذي يحق لبني الانساني ان يفخروا به ويزيد المؤمنين جميعا يقينا بوعد ربهم بان طاقة هذا الكائن ـ الخليفة ـ ليست لها حدود، لان المستخلف ـ الوكيل ـ ورغم ما امده الخالق من طاقات متنوعة، ورغم الهرن الذي تكدست فيه اموال وثروات لم يبلغها من سبقنا جميعا من الاجداد والآباء وفق تقارير الامم المتحدة، التي سجلت ان ثروة اهل الارض لم تبلغ قط ما بلغته خلال سنتنا المنصرمة، كل ذلك لم يمنحه القدرة علي التكهن بما سيحل بنا ولو بعد لحظة يتيمة، ولا امده بامكان السيطرة ولا مجرد التحكم في غرائزه بمعزل عن الوحي، حتي اننا نري اكبر فلاسفة الغرب والشرق الذين ابدعوا صياغة فلسفات ووضع نظريات تتسم في كثير من الاحيان بالموضوعية والتناسق، بينما نراهم يهيمون كالسوائم كلما تعلقت هممهم بالخوض في مجال الروح والنفس البشرية بعيدا عن الله. ولا ينقص من ذلك الاستنتاج قول مأثور عن الرئيس كنيدي بان مشاكلنا التي نتخبط فيها هي من صنعنا، وعلينا دائما ان نكون قادرين علي حلها.
لكن كنيدي بطبيعة الحال كان يعني الزمن الذي عاش فيه والتحديات التي واجهته، ورغم عبقريته في معالجتها، فان السؤال الكبير الذي لا يزال يتحدي الجميع هو: متي ستستأنس السياسة والسياسيون بالوحي الذي انقطع الي ان تقوم الساعة؟
وما كنت لاسمح لنفسي بالاثقال علي المؤمنين وغيرهم، والخوض في معارك الاديان لولا ان التغول العلماني وشريكه الاسلامي قد اطلا علينا بحربتين تركيتين شقيقتين يزعم كل منهما بان الحرب قدرنا ولا طاقة لنا بتجنبها، وكاني بهما يتجاهلان ان في ذلك هزيمة لكليهما. ولقد احرزت تركيا بمجهودات الاغلبية الحاكمة احترام الغرب كله بل والثناء علي الاداء الاقتصادي لهذا البلد النصف اوروبي، اقول ذلك حتي لا يغيب عن اذهان الاتراك انهم النموذج الواعد والقدوة الحسنة لجميع المسلمين في التعايش السلمي في اطار التنوع والاختلاف دون لجوء اي طرف الي استعمال القوة لتحقيق مآرب سياسية او فرض اجندة ولو باسم الدين علي الشعب التركي.
لم تكن تركيا التي اثبت فيها حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الاسلامية انه يحمل برامج سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية عامة يمكنها ان تقدم اجوبة واقعية عن تزايد ظاهرة البطالة ومعالجة الفقر والتفاوت الطبقي بين مختلف مكونات المجتمع، وتقديم رؤية سياسية معاصرة تؤسس وتحسم دستوريا وقانونيا المسالة الاثنية المتعلقة بالاكراد الترك بما لا يتعارض مع خصوصيتهم الثقافية ولا يتناقض في الآن ذاته مع مقومات المجتمع المدني ومقولاته الاساسية القائمة علي احترام عمل المؤسسات والفصل بين السلطات الثلاث وفقا للأسس التي يقوم عليها نظام الحكم في تركيا الحديثة، حيث اثبت النظام السياسي فيها قدرته علي الاستمرار في التجربة والمحافظة علي استقرار البلاد رغم ان الجيش الذي ادمن ولعقود طويلة علي التدخل المباشر في تسيير شؤون الدولة، ورغم هرولته الي استعمال العصي مرارا عديدة فان ذلك كله لم يمنع من استمرار التجربة الديمقراطية في العطاء حتي افرزت قوانين اللعبة الحكومة الحالية ذات التوجه الاسلامي.
اقول لم تكن تركيا فريدة في هذه العودة علي بدء، فالناخب الفرنسي الذي حمل نيكولا ساركوزي الي قصر الاليزيه باغلبية 53 % علي حساب المرشحة اليسارية سيغولين روايال، علي نحو يشي بانحياز الناخب الفرنسي الي يمين مشاكس ومتمرد تمظهر في شخص ساركوزي المخيف عند كثير من الفرنسيين، لم يتنكر هو الآخر لانتماءاته الدينية، ولا اخفي معالم الدين المسيحي مظهرا مزاياه متمسحا في محاولة لاثارة الحس الديني رغم العلمنة المتطرفة للنموذج الاجتماعي الفرنسي، وهزم منافسته علي الرغم من كل ما احتوته خطابات اليسار الفرنسي من شعارات جذابة ليس اقلها الانحياز لصالح قضايا العمال والطبقات الكادحة المحرومة، حتي بدت سيغولين في حملتها الانتخابية كسارة للقوالب النموذجية الاجتماعية المعروفة. وتكاد عودة اليمين الي الفعل السياسي في الدول الاوروبية والغربية عموما تتحول الي ظاهرة عامة استرعت انتباه مختلف الساسة والكتاب، وقضت مضاجع كبار المفكرين خصوصا في امريكا ممن لا يتحملون مجرد ذكر الدين عند الحديث عن الشأن السياسي.
وكم كان محيرا لهؤلاء العلمانيين الامريكان لجوء الرئيس جورج بوش الي استعمال المسيحية تحديدا اثناء حملته الانتخابية، بل وفي الشان السياسي اليومي، اذ رايناه ينحاز في كثير من الاحيان الي مشاعر العموم ولو علي حساب المدرسة، بل اوغل في الاستعمال الخاطئ لتسييس الدين يوم زعم انه يتلقي عن الله، وهو امر مربك ومحير عندما يتعلق الامر بهذه العودة المفاجئة للغرب والاتجاه المسرف لا اقول نحو الدين بل لسوء حظنا استعمال الدين. هذا الغرب الذي مر عليه زمن بعيد منذ ان ادار ظهره للدين جملة وتفصيلا.
وبما ان الامور تعرف باضدادها كما يعرف الرجال بعلم الجرح والتعديل، فانني اراني في تردد كبير عند الحديث عن الرئيس الحالي للولايات المتحدة الامريكية الذي لم يتردد في اطلاق عبارة مخيفة تنصلت منها القارة الاوروبية القديمة وتبرات من آثارها المدمرة، واعني بها الصليبية التي لا يمكن لرجل بذكاء بوش ترديدها عن سهو وخطأ، والتي سارع القادة الاوروبيون الي انكارها.. فالمسيحية واحدة ولكن شتان بين المسيحي بوش المستعمل للدين لتحقيق مآرب سياسية الذاتي فيها اكبر من القومي وبين الزعيم ابراهام لينكولن الذي اعظم الله له ذكرا بين الخلائق لاستعماله لنفس الدين لكن لينكولن كان يستعمل الدين خدمة لامريكا وليس لفرض ذاته علي التاريخ.
لن اجامل بعضا من اصدقائي اليساريين العقلاء في زعمهم بان الضربات الموجعة التي كالها الناخب الغربي لليسار ليست دليلا علي ذهاب ريح هذا الفكر السياسي في اطار الغرب الليبرالي، ولا استخفافا بادواره السياسية الرائدة خصوصا في فرنسا، وان من رحم هذه الهزائم قد تولد في اية لحظة تجربة سياسية رائدة كما عودنا الغرب وكما اعتدنا علي تقلب مزاج الناخب في هذه الديار، فتلك اطروحات ورؤي سياسية الاماني فيها اكبر من الخضوع الي ملابسات الواقع وتحدياته، خصوصا والمواجهة بين الدين والعلمانية علي اشدها.
ويعكس انحياز الناخب الفرنسي الي الرئيس الفائز ساركوزي بهذه الحدية في اطار تنافس ساخن تخللته بعض اعمال العنف، بل والتظاهر، توجها خطيرا في تديين السياسة دون ان يكون خافيا ان الفرنسيين ادركوا ان بلدهم الكبير قد تجاوزته العولمة، وان اقتصادهم اصبح غير قادر علي استيعاب قوانين السوق الجديدة، وان النموذج الاجتماعي الفرنسي الذي عضوا عليه بالنواجذ ولعقود طويلة قد اثبتت تجربة الوزير الاول البريطاني خصوصا في مجال التشغيل والتنمية والانفتاح المرن والنفعي علي المهاجرين، انه متجاوز، كل ذلك لم يكن غائبا عن ذهنية الناخب وهو يختار بين ساركوزي المغامر وبين سيغولين التي بدت اكثر حنينا الي الحفاظ علي السواكن.
لكن هذا كله لا يعفي اي حصيف من التفطن الي تسرب العامل الديني وعودته مجددا الي ميدان الفعل السياسي في الغرب، وهي عودة تختصر محاور الصراع والخلاف السياسي في تناقضات دينية تؤجج روح الخلاف بين الثقافات والحضارات وتؤسس لنمط جديد في ادارة الصراع يعيد مآسي حروب الديانات، ولكن بوسائله المدمرة الحديثة التي لا تستثني حتي النووي منها.
ولانني اكتب لقارئ عربي، فان كل ما اخشاه ان يفشل حكماء العرب والمسلمين في صياغة تصور متكامل يتقاسمون فيه مغانم السلطة ويتداولون مناصبها علي ارضية قانونية تمتاح اسسها من اسلام حرم استعباد انسان ولدته امه حرا قبل ان ياتي ابراهام لينكولن في مطلع القرن التاسع عشر ليخوض حربا ضد الرق، ونام بسبب تطبيق تلك النظرية ثاني خلفاء المسلمين في الصحراء من دون كاميرات مراقبة خفية ولا حراس شخصيين ولا كلاب مدربة.. اقول ان كل ما اخشاه ان يفشل حكماء العرب في التواضع علي آلية تنهي الاحتراب بينهم وتوزع الثروات بينهم بالعدل، بما يمنع من وقوعهم جميعا فريسة لاستعمار دولي جديد صرح قادته في السر والعلن انهم لن يقفوا مكتوفي الايدي حيال استمراره في صور عنيفة تهدد مصالحهم وتنتهك حقوقا للانسان بات من غير الاخلاقي الصمت ازاء انتهاكها بصور بشعة علي مرأي العالم ومسمعه.
ولن يكون هذا التواضع اكثر من ان ينسجم العلمانيون والاسلاميون العرب مع انفسهم ويقدموا بالبرهان والدليل غير القابل للدحض انهم دعاة شراكة حقيقية هدفها الاساسي التنافس في خدمة الشأن العام. فتركيا التي استطاع قادتها من المحسوبين علي تيار الاسلام السياسي والذين تمكنوا من طمانة الغرب من خلال احترام المؤسسات الديمقراطية للدولة العلمانية وترويض المؤسسة العسكرية باحترام تعاليمها واختصاصاتها وعدم الدخول معها في اي من الخلافات التاريخية المعروفة التي فتحت لها الابواب اكثر من مرة للنزول الي الشارع لحماية الدولة، تركيا هذه تقف اليوم امام امتحان عسير ومختبر ديمقراطي يحق اعتباره معيارا لتبين قدرة العلمانية علي استيعاب حق الاختلاف في ذات الوقت الذي يكشف فيه الاسلاميون المعتدلون قدرتهم علي التاقلم مع مستجدات العصر واساليبه السياسية التي لا تعني شيئا غير الاحتكام للقوانين والمؤسسات الدستورية… اختبار يجعل من تكرار السيناريو الجزائري في تركيا محرما، ليس لان اطراف الازمة مختلفون فحسب علي الرغم مما بينهم من روابط فكرية وعقائدية، وانما لان تركيا مختلفة حجما وموقعا وبالتالي اهمية.
ويمكن للاختبار التركي اذا استطاع دعاة الاسلام السياسي الاستمرار في تجاوز الخطب الوعظية وتقديم البرهان الواقعي علي قدرتهم لتقديم اجابات واقعية علي التحديات اليومية للانسان المعاصر وفق رؤية مدنية تاخذ من فقه المقاصد ما يساعد علي صياغة القوانين الملزمة والدساتير الناظمة التي لا تتغير بتغير الاشخاص، ان يتحول اي نموذج للتوافق الاسلامي ـ العلماني الذي يكذب الاطروحة التي تعمل جهات علي ترسيخها من ان الذي حمي حركة حماس الفلسطينية ذات التوجهات الاسلامية المعروفة من الموت تحت ضربات قوات حركة فتح هو ان الجميع تحت الاحتلال، وان الجميع من حقه ان يحمل السلاح للدفاع عن نفسه، علي نحو استطاع التيار الاسلامي الفلسطيني ان يحمي وجوده وقدرته علي الفعل، بينما عجز اشقاؤه في باقي الدول العربية ليس عن الفعل السياسي فحسب، بل ان بعضهم لم يستطع حتي تامين حياته فضلا عن ان يكون مواطنا يحق له الاختلاف في الراي والتعبير عنه. (*) كاتب وإعلامي تونسي يقيم في بريطانيا (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 21 ماي 2007)

العراق: اختبار للوفاق او الافتراق مع إيران

محمد صادق الحسيني (*) ثمة جدل واسع وسط النخب العربية حول ما يسمي بـ المشروع الايراني في المنطقة!.. وتتراوح الآراء والافكار والنظرة اليه من التبني الكامل له الي اعتباره الاخطر حتي من الاحتلال الامريكي للعراق وصولا الي مقارنته بالخطر الصهيوني، هذا ناهيك عمن يذهب الي اعتباره اخطر من ذلك بكثير لا سيما بعد ان اصبح الخطر الاسرائيلي وراءنا بعد اجواء الاقتراب من نهاية الصراع والقبول بالتعايش مع هذا الخطر السرطاني موطنين النفس علي انه صار من الماضي، علي حد قول بعض المتهورين والمنبهرين بحكاية السلام والتطبيع! لست هنا بصدد الوقوف في موقع المدافع عن السياسة الايرانية الحكومية الرسمية، ولا حتي الثورية الشعبية الاسلامية، ناهيك عن ما يسمي بـ المشروع الايراني القومي الاعلي! بل ان السؤال المركزي المحير والذي لا اجد اجابة بينة واضحة عليه هو سبب هذا الاسفاف في تهميش الخطر الاسرائيلي ـ الامريكي الذي لا يزال جاثما بكل ثقله علي صدور العرب والمسلمين علي اكثر من ساحة عربية؟! فلا المعركة مع الصهاينة فوق ارض فلسطين قد وصلت الي نهايات معلومة لا سلما ولا حربا، ولا المواجهة مع المشروع الغربي الامبريالي الانكلوساكسوني القاضي بمنع وحدة العرب واستقلالهم وتقدمهم قد وصلت الي آفاق واضحة وملموسة حسما بالقطيعة او بالتعايش! هذا في الوقت الذي اضيفت الي هاتين المعركتين الاساسيتين معركة او اكثر في سياق المزيد من الضغط علي العرب ومحاصرة آمالهم لا سيما في المكان الاخطر اي العراق! بالمقابل تظهر ايران بمثابة المعادل الاستراتيجي لغياب مصر والعراق معا والقادرة علي تعبئة الفراغ الاستراتيجي الذي افرزته واقعة خروج الدولتين العربيتين الآنفتي الذكر من المعادلة الدولية من جهة وانكسار الاحادية الامريكية التي كانت تنزع لاحتلال موقع الامبراطورية الاوحد في العالم والتي لا تغيب عنها الشمس من جهة اخري.. سواء بفضل المقاومة العراقية الصلبة او بفضل لعبة الدهاء السياسي المعقد والمتشابك الابعاد اللتين لعبتهما القيادتان الايرانية والسورية تجاه الحالة العراقية! من وجهة نظري كمتخصص ومتابع للشأن الايراني لا اجد مكانا للنظرية التي تقارن بين المشروعين الامريكي والايراني ناهيك عن تلك التي تساوي بينهما او بين الايراني والصهيوني ناهيك عن تلك التي تري في الايراني اخطر من كليهما، لاسباب عديدة ربما اهمها ما يلي: اولا: ان اي مشروع ايراني اقليمي ـ اي خارج حدود الوطن والجغرافيا الايرانية ـ لا يمكن له ان ينجح مطلقا ولا حتي ان يلقي قبولا لا في اوساط النخب العربية ولا في اوساط الجمهور العربي الا ان يكون عربيا بامتياز ومعاديا لاسرائيل والمشروع الصهيوني ـ الامريكي! من هنا نري تسابق الرموز الايرانية الحاكمة وصاحبة المشروع في التقرب من العرب وقضاياهم والتنكر لاي تسويات ممكنة مع امريكا علي حساب العرب! ثانيا: ان استمرار بقاء النظام الاسلامي الحاكم في سدة الحكم بقبول جماهيري نسبي ومشروعية دينية مبررة امر غير ممكن الا بالتناغم والتعاضد والاصطفاف مع العرب وقضايا العرب الاساسية. ومن هنا يمكن فهم ذلك العداء المستحكم بين هذا النظام وبين القوميين الايرانيين المنتشرين في عواصم المهجر وجزء من الداخل والذين يتهمون النظام بانه نظام عربي بامتياز ومتنكر لقوميته الايرانية وفارسيته. ثالثا: ان قيامة نهضوية ايرانية دينية كانت ام قومية لا تأخذ بعين الاعتبار خريطة المنطقة الاقليمية المحيطة بها ديموغرافيا ودينيا وعرقيا وسياسيا واستراتيجيا وكذلك للاصطفاف العالمي الامبراطوري التوسعي الجديد ضد الهوية الحضارية والثقافية والفكرية والسياسية لمنطقتنا العربية والاسلامية، وبالتالي حتمية وضرورة الاصطفاف مع العرب ولصالح العرب ضد اعدائهم وخصومهم التقليديين او المستجدين ستعني بالضرورة انكفاءة ايرانية علي الذات ستكون اولي نتائجها تفكيك الوطن الايراني وتجزئته وتفتيته وخروج ايران من لعبة الامم وخرائط الدول. ان المحافظين الجدد الذين تقترب سفينتهم من الغرق التام من الآن وحتي اواخر الخريف في بحر العرب والمسلمين وبفضل تلاحم قوي المقاومة والممانعة العربية والاسلامية هم اول الواعين والمنتبهين لهذه القصة، وبالتالي فان جل سعيهم هو ان لا يتركوا المنطقة المجبرين علي الرحيل منها قريبا الا بدق اسفين العداء والفتنة بين الاقوام والفرق والملل والنحل والطوائف والمذاهب المختلفة وفي مقدمة اولئك جميعا بين العرب والايرانيين، ذلك لان وحدة كل من هؤلاء والتنسيق فيما بينهم قد يكون هو الحائل الوحيد امام عودة الاستعمار من جديد الي المنطقة فضلا عن كونه العامل الاساسي في تسريع انهيار الامبراطورية الامريكية الجشعة! ان التقاط هذه اللحظة التاريخية من جانب العرب والايرانيين فرصة ذهبية قد لا تتكرر بسهولة وقد تكون زيارة احمدي نجاد التاريخية لدولة الامارات العربية المتحدة والتعامل الحكيم والعاقل والمتزن من جانب القيادة الاماراتية مع ملفات الاختلاف التي لديها مع ايران وتغليب المشترك علي المختلف عليه قد تكون هي الاخري فرصة تاريخية للعقل النخبوي العربي والايراني عليه ان لا يضيعها ايضا! والعراق ساحة اختبار وامتحان عسيرين امام العرب والايرانيين ليعيدوا النظر فيما ارتكبوه من اخطاء او اهمال او اساءة لعلهم يتعلمون كيفية صناعة مستقبل واعد بعيدا عن قرار الاجنبي في التحكم في خلافاتهم واتفاقاتهم! (*) كاتب إيراني (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 21 ماي 2007)  

ماذا بعد فشل المشروع الأميركي فى العراق ؟

د. محمد السعيد إدريس (*) لم يعد السؤال المثار في واشنطن الآن هل ستنسحب أميركا من العراق أم لا، بل متى وكيف سيكون الانسحاب ومن سيحل مكان الأميركيين في العراق. الكل يجمع أن المشروع الأميركي قد فشل في العراق، وأقصى ما يطمح إليه الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني هو «الانسحاب المشرف» الذي لا ينال من المكانة الأميركية في الخليج والشرق الأوسط والعالم. لكن هذا الطموح لا يجد ما يؤمِّنه ويضمن تحقيقه في ظل تعقد المعادلات السياسية والأمنية داخل العراق، وفي ظل التداخل بين الملفات الإقليمية، وفي ظل الانقسام الأميركي الداخلى وغياب أي فكر يملك من الإلهام ما يوازى ضبابية الرؤى المستقبلية. هذه الحقيقة أكدها هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأسبق في حفل تكريمه بجامعة «واسيدا» اليابانية. فهو يرى أن «انتصار القوات الأميركية بالعراق مستحيل» على الأقل في الأمد القريب، وإذا كان الانسحاب حلاً فإنه ليس الحل الأمثل، فالانسحاب المفاجئ أو نقص التأثير «قد يؤدى إلى الفوضى»، وهذا ما يقوله أيضاً الرئيس الأميركي لكن بوضوح أكثر. فالانسحاب المفاجئ سيخلق فراغاً، وهذا الفراغ «ٍسيعزز من قوة إيران ويخلق بؤرة مناسبة لتنظيم القاعدة». ويزيد ديك تشيني نائب الرئيس على ذلك بقوله أنه، أى الانسحاب، «سيشجع من الهجمات ضد الولايات المتحدة» نفسها، أى أن القاعدة ستفرغ من العراق وستذهب إلى أمريكا على أرضها. تشيني قال أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية «إيباك» أنه «إذا استنتج الإرهابيون بأن الهجمات ستغير في أداء أمة، فإنهم سيهاجمون هذه الأمة مجدداً ومجدداً.. الخيار الوحيد لأمننا هو مواصلة الهجوم.. إلى أن يتم تدمير عدونا».
لكن هذا أيضاً ليس حلاً لأنه لم يعد ممكناً باعتراف القائد العسكرى الأميركي الجديد في العراق الجنرال ديفيد بتراوس الذي يرى أنه «لا حل عسكرياً لمشاكل مثل تلك التى يواجهها العراق». والسبيل الأمثل عند كيسنجر هو «التفاوض مع أطراف الصراع» في العراق بمساعدة دول أخرى، لكنه يرى أيضاً أن الحرب بالعراق «أكثر تعقيداً من تلك التى واجهتها بلاده في فيتنام»، أى أن التفاوض نفسه غير مضمون وغير مؤكد النتائج. فحسب قوله أن طبيعة «التمرد» في العراق والانقسام الطائفي بين السنة والشيعة يجعل «مفاوضات السلام صعبة». وتذكر كيسنجر تجربته مع المفاوضات الفيتنامية وقال إنها كانت «أقل تعقيداً»، حيث «كان بإمكاننا التفاوض مع زعماء معروفين ويسيطرون على ساحة حرب محددة ومعروفة».
الحرب في العراق معقدة والسلام أكثر تعقيداً، حالة صعبة تقول في النهاية أن المشروع الأميركي في العراق فشل أو في طريقه إلى الفشل، وأن الانسحاب أصبح أمراً لا مفر منه. لكنه سيكون «انسحاباً مأساوياً» لأنه غير مأمون العواقب، وربما لا تقل تداعياته خطورة عن عدم حدوثه. هذه التداعيات لن تقتصر على الأوضاع داخل العراق بل سوف تشمل الإقليم كله وعلى الأخص الخليج، وسوف تمتد إلى الداخل الأميركي والسياسة الخارجية الأميركية وارتباطاتها والتزاماتها في العالم على نحو قد يشابه ما أصاب هذه السياسة من نزعة انكماشية عقب الحرب الأميركية في فيتنام التى يرى خبراء أميركيون كثر أن الحرب في العراق قد تجاوزتها خطورة وتأثيراً وعلى كل المستويات.
كيف سيؤثر هذا كله على الأمن في الخليج وبالذات في اتجاه تحوله من حالة أو إطار «الأمركة» إلى إطار آخر بديل هو «العولمة»؟ لقد عاش الخليج لسنوات طويلة منذ التحول الإمبراطورى البريطانى ووصول الأساطيل البريطانية إلى المحيط الهندى حالة «السلام البريطانى» الذي امتد إلى نهاية العام 1971. ومنذ ذلك الحين قامت الولايات المتحدة بملء فراغ هذا الانسحاب واعتمدت سياسة «الركيزتين المتساندتين»: إيران والسعودية لتأمين وحماية الأمن في الخليج كوكيل أو كبديل للوجود الأميركي المباشر الذي كان متردداً ومحكوماً بتداعيات الهزيمة في فيتنام وبمبدأ نيكسون الذي يمنع أى وجود عسكرى أميركي مباشر خارج الأراضى الأميركية. كما اعتمدت واشنطن سياسة «توازن القوى» لإدارة الأمن في الخليج، فقد تحالفت مع إيران (الشاه) في السبعينيات لاحتواء «العدو العراقى»، وتحالفت مع العراق في الثمانينيات لاحتواء «العدو الإيرانى»، لكنها انتقلت إلى سياسة الوجود العسكرى المباشر والمكثف في الخليج مع قيادتها لحرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقى في العام 1991، وهنا كان التحول الحقيقى في صيغة الأمن الإقليمى الخليجى ليصبح «أميركياً» من خلال اتفاقيات أمن ودفاع ثنائية مع كل دولة من الدول الخليجية الست أعضاء مجلس التعاون.
لقد تزامن هذا التحول في صيغة الأمن الإقليمى الخليجى مع تحول أشمل وأكبر في صيغة الأمن العالمى والنظام العالمى بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفيتى، وتغير هيكلية النظام العالمى من نظام ثنائى القطبية إلى نظام أحادى القطبية تقوده الولايات المتحدة الأمريكية دون منافس. لقد سبق التفرد الأميركي في الخليج التفرد الأمريكى في قيادة العالم. وربما كان نجاح أمريكا في قيادة التحالف الدولى في حرب تحرير الكويت الخطوة الأهم في حسم النزاع على قيادة النظام العالمى. وجاء الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003 بقرار أميركي – بريطانى منفرد من خارج مجلس الأمن ليحمل معه الإعلان عن «الإمبراطورية الأميركية»، حيث جاء احتلال العراق مقروناً بمشروع أميركي إمبراطورى يبدأ بالعراق ويستهدف إعادة ترسيم الخرائط السياسية في المنطقة لإقامة شرق أوسط جديد يكون ركيزة هذه الإمبراطورية.
ماذا تعنى هزيمة هذا المشروع في العراق؟ من هنا بالتحديد يأتى الحديث عن «عولمة الأمن» في الخليج، بمعنى أن هزيمة المشروع الأميركي في العراق قد يساعد في التعجيل بإقامة نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب يكون في مقدوره إنهاء التفرد «الأميركي» بالأمن الخليجى ودخول أطراف دولية أخرى منافسة، بدوافع كثيرة، إلى المنظومة الأمنية في الخليج. أتصور أن الأمر قد لا ينتهى عند هذا الحد في ظل سيناريو آخر بديل قد يبدو مستبعداً نظرياً، لكنه يبقى محتملاً فعلياً وهو سيناريو «التفاهم الأميركي – الإيرانى» في ظل سؤال يقول: هل يمكن أن يكون هذا التفاهم بديلاً عن الانسحاب الأميركي الكامل من العراق؟
اجتماعات أو مفاوضات الأميركيين مع الإيرانيين التى ستبدأ في العراق يوم 28 مايو/ أيار الجارى ستقدم إجابة أو مؤشرات إجابة لهذا السؤال. وعندها ستتداعى التساؤلات حول أى ثمن سوف تحصل عليه إيران مقابل إنقاذ المشروع الأميركي في العراق: هل يمكن أن يقتصر الثمن على حل لأزمة البرنامج النووى الإيرانى أم قد يمتد إلى ثمن آخر يتمثل في نصيب ما في كعكة الأمن الخليجى؟ وأى عراق هذا الذي سيكون محصلة لهذا التفاهم: عراق موحد أم عراق منقسم طائفياً وعرقياً، وأى وزن لهذا العراق: عراق قوى قادر على المنافسة في الخليج، أم عراق قابل للاحتواء؟، وأين إسرائيل من مثل هذا التفاهم وهى تتلهف للحظة تستطيع فيها تدمير القدرات النووية والعسكرية الإيرانية. (*) كاتب ومحلل من مصر (المصدر: صحيفة « الوسط » (يومية – الكويت) الصادرة يوم 21 ماي 2007) الرابط: http://www.alwasat.com.kw/Default.aspx?MgDid=6596&pageId=87  

ملامح خطاب النيوليبرالية العربية

     

                    الطيب بوعزة (*) بدءا من تسعينيات القرن العشرين، أصبحت الأيديولوجية الليبرالية -في العالمين العربي والإسلامي- تُسوَّق بوصفها الأنموذج الفكري الواحد والوحيد، حتى وصل الأمر ببعض منظريها إلى أن يعلنوا بها -على نحو يقلد شعارات النيوليبرالية الأميركية- « نهاية التاريخ »!. ومع انفراد أميركا بقيادة العالم، أصبحت الليبرالية نسقا ثقافيا مُلزِما، يجب أن يُعولم ويسود على كل المجتمعات بصرف النظر عن خصوصياتها الثقافية. في هذه اللحظة التاريخية ستبرز في العالم العربي نخبة فكرية وسياسية يتسمى أصحابها باسم « الليبراليون الجدد »، حيث قفزت إلى السطح أسماء جديدة مثل أحمد البغدادي، وشاكر النابلسي، وسيار الجميل، وكمال غبريال. والمفارقة الواضحة في إنتاج هؤلاء الليبراليين أنه لحد اللحظة، أي بعد أزيد من خمس عشرة سنة على انهيار الاتحاد السوفياتي، وبدء بروز نجمهم في الفضاء الثقافي والإعلامي، لم ينتجوا أي بحث محترم معرفيا يفصحون فيه عن فكرهم، بل اقتصر إنتاجهم على تسطير مقالات صحفية خفيفة. ولا أقصد بالخفة سمة في أسلوب خطابها، فهذا السمت هو بلا شك مطلوب بمقاييس المقال الصحفي، بل هي خفيفة حتى في محمولها المعرفي، مقالات إن كان صيتها يثير مقدارا غير قليل من الضجيج، فإنها مضمونيا شديدة الخواء، وتفتقر إلى أبسط ملامح الجدية والعمق في التحليل، بل إن قراءتها تدفعنا أحيانا كثيرة إلى الاستفهام: هل هؤلاء الكتاب يملكون حقا الإحاطة المعرفية بموضوعهم، وبالفلسفة التي يتبنونها ويعملون على تسويقها وإذاعتها في الناس؟! وينضاف إلى هذا ما نلاحظه في نصوصهم من جراءة تصل حد الصفاقة والفجاجة، عندما ينادون بإدخال الليبرالية، وفرضها ولو على ظهر دبابة أميركية! لكننا لا نريد بهذا النقد اتهام « الليبراليين الجدد » بالعمالة للأجنبي والتخوين واللاوطنية، كما ينزع إلى ذلك الكثير من الناقدين، فكما أن ثمة إمكانية لوجود من يشتغل بحافز أميركي وإسرائيلي، فإننا أيضا لا نشك في إمكان وجود، مِن بين هؤلاء الليبراليين الجدد، مَنْ تحركه إرادةٌ صادقة ومخلصة لخدمة قومه وبلده. بل حتى في مناداة هؤلاء بدخول الليبرالية على دبابات أميركية، قد يكون باعث هذه الدعوة رغبة صادقة في تخليص واقعهم العربي من استبداد السلطة السياسية، التي هي بلا شك أمر ملحوظ وإشكال خانق للشعوب وللنخب على حد سواء. لذا بعيدا عن لغة التخوين نريد بلورة نقد معرفي لخطابهم. وإبراز ما فيه من نقائص ومفارقات، ولن ننتقي من نصوص هؤلاء الليبراليين الجدد إلا ما يمكن عده أرقى ما أنتجوه لإيضاح رؤيتهم. أما الخطاب الدعائي المنفعل الذي يمتلئ به بعض مقالاتهم، فإنه لا يستحق النقد؛ لأنه بذاته ظاهر الاختلال والتهافت. أول ملحوظة تستوقفنا في المتن النيوليبرالي العربي هو أنه يفصح عن نظرة لا تخلو من انبهار وتقديس لليبرالية، فهي عنده ليست مجرد فكرة أو مذهب، بل هي « مطلق ثقافي » يعلو على كل المذاهب والرؤى، « مطلق » يستوعب بداخله كل خبرات الإنسان ومعارفه التي حصلها خلال تاريخه المديد، فكأن الليبرالية بذلك هي الخلاصة النهائية للتجربة الإنسانية. ومن ثم لا مجال لبحث مغاير عن أفق بديل يخرج عن سياقها، أو يغايرها في الرؤية إلى العالم وقيم انتظام العيش؛ فكل خير بلغته البشرية احتوته الليبرالية وزادت عليه! إنها التتويج النهائي لمسيرة الوعي والفعل البشريين! هذا ما يفصح عنه د.سيار الجميل أحد الباحثين الليبراليين الجدد في مقالته(الليبرالية القديمة والليبرالية الجديدة) بقوله: « فالليبرالية حصيلة لكل ما تعلمه الإنسان عبر القرون ». وعلى الرغم من أن الجميل سيعبر لاحقا في مقاله عن بعض النسبية في تقويم الليبرالية الجديدة: « إنني لا أقول إن الليبرالية الجديدة لها تجلياتها، وإنها عالم نزيه وله طقوسه المثالية، ولكنها تحقق النصيب الأدنى لحقوق الإنسان والمجتمعات، وإن نجحت الشعوب بالوعي به وانتصرت في ممارسته وتطبيقاته على أفضل وجه »؛ رغم هذا الاحتراز فإنه حتى في نصه هذا يتمظهر، ككل منبهر وثوقي بمذهبه، حيث يرجع كل خلل إلى التطبيق والممارسة، ولا يفكر في احتمال أن يكون الخطأ آتيا من النظرية!. أما على مستوى تحليله للمبادئ فلا نجد أي وعي نقدي بل مجرد تكرار واجترار. ففي تعداده للأسس المبدئية للمذهب الليبرالي يرى سيار الجميل أن الليبرالية هي أولا فصل للدين ليس فقط عن السياسة بل عن النشاط الإنساني البشري عامة، حيث يقول: « المبادئ الليبرالية الأساسية أولا: العلمانية التي تعني اصطلاحا فصل الدين عن السياسة، كما تعني مضمونا فصل الدين عن النشاط البشري عامة ». دون أن ينتبه إلى أن موقفه هذا يحتاج إلى استدلال ليصير مقنعا؛ لأنه يناقض ما نراه عيانا في الواقع، فأميركا مثلا التي هي أكبر مدافع وداع سياسي لليبرالية، يمتزج في خطابها وفعلها السياسيين البعد الليبرالي بالعقيدة الدينية. ثم بعد تعديده مبادئ الليبرالية مختزلا إياها في العلمانية والعقلانية والإنسانية والنفعية، وتوكيده على أن هذه المبادئ التي تميز المذهب الليبرالي القديم هي ذاتها التي تحدد الليبرالية الجديدة قائلا: « لا تختلف الليبرالية الجديدة عن القديمة أبدا إلا في الوسائل والأدوات، فالمبادئ نفسها ولا يمكن التراجع عنها أبدا ». وبعد أن يشير إلى اختلاف الوضع الليبرالي المعاصر عن الوضع الليبرالي القديم، قائلا: « وإذا كانت (الليبرالية) القديمة ترتبط بالفكر الأوروبي ونتائجه، فإن الجديدة ترتبط بالفكر الأميركي وممارساته »؛ لا ينسى سيار الجميل أن يرجع كل نقد لليبرالية الجديدة إلى كونه صادرا عن شعور بالكراهية والحقد على الولايات المتحدة الأميركية!. ومن ثم يرى أن هذا النقد مجرد تعبير عن نظرة قاصرة! لننصت إليه حيث يقول: « ويعتقد العديد من الكتاب الغربيين ومن ورائهم العرب والمسلمين أنه إذا كانت الليبرالية الأولى نقلة نوعية –بالنسبة لأوروبا- في قضية حقوق الإنسان وتطور العالم، فإن الليبرالية الجديدة تعد –حسب نظرتهم القاصرة– انتكاسة حقيقة لحقوق الإنسان، تحت سمع وبصر العالم الذي لم يعد متطورا، بل في غاية التوحش، ليس الإنسان الغربي فحسب، بل الإنسان الشرقي والشمالي والجنوبي. إن مثل هذا « التفسير » المؤدلج تنتجه أفكار تصل حدود كراهيتها للولايات المتحدة الأميركية إلى الذروة ». ورغم استدراكه لاحقا بنقده لاستخدام أميركا للقوة العسكرية لفرض الأفكار، فإنه لا ينتقد وجوب عولمتها. بل يصل –مثله مثل غيره من الكتاب الليبراليين الجدد- إلى حد استعمال لغة استعلائية فوقية تبدأ بنعت مخالف هذه الأفكار النيوليبرالية بالغباء والجهل، وتنتهي إلى وصمه بالإرهاب ومعاداة الحرية!. إذ يقول باستنكار: « إذا كان معارضو الليبرالية جهلاء بالتاريخ وأغبياء في السياسة والإعلام، فلماذا يبيعون الأخضر باليابس؟ لماذا ينطلقون من أجندة خبيثة ضد مقومات الإصلاح والتحديث؟ ». هذا هو مستوى الخطاب الذي يفصح عنه أكثر الليبراليين الجدد توسلا للمقاربة المعرفية ومحاولة الامتثال لمعاييرها واجتناب الأسلوب الدعائي السياسي!. وفي السياق ذاته المدافع عن الليبرالية، لكن دون أي تحليل معرفي يتعمق مفاهيمها وشروط نشأتها والإشكالات التي انبثقت في صيرورة ظهورها ونموها، وبلغة أكثر إيغالا في استهجان المخالف وهجائه واحتقاره، يقول د. أحمد البغدادي في مقالة يكفي عنوانها دلالة على وثوقية وقصور الفكر الذي تصدر عنه: فالعنوان « نعم الليبراليون وحدهم الديمقراطيون »، والمتن « تعجب البعض من القول إن الليبراليين هم الديمقراطيون ولا أحد غيرهم ». ثم يضيف مؤكدا أن ليس ثمة ديمقراطيون غير الليبراليين، وأن هذا الحكم لا يصدق على « العالم العربي فقط، بل وفي كل مجتمع ». وكأن الرجل قام باستقراء جميع الوقائع والتجارب السياسية في العالم أجمع، وانتهى بعد طول بحث ومعاينة إلى تسطير حكمه الجازم هذا!! بل يذهب أكثر من ذلك إلى الإفصاح عن حكم في حق تاريخ الإنسانية كله متجاهلا أن النظام الديمقراطي ظهر، على الأقل داخل سياق التاريخ الأوروبي نفسه، في المجتمع اليوناني القديم، أي في لحظة تاريخية تسبق ظهور الليبرالية بأزيد من 23 قرنا!. لكن رغم بداهة هذه الحقيقة التاريخية وشيوعها، نجد البغدادي يقول متسائلا باستنكار: « أليست الديمقراطية من « اختراع » الفكر الليبرالي لقطع دابر الاستبداد السياسي والديني ». ثم دونما تحليل ولا استدلال يرى البغدادي أن الليبرالية هي المذهب الوحيد الذي ينادي بالمساواة بين البشر، حيث يقول بنفس أسلوبه الاستفهامي دون أن يكلف نفسه عناء طرح السؤال كموضوع للتفكير والبحث: « أليست الليبرالية هي الوحيدة الداعية للمساواة بين بني الإنسان؟ ». وإذا كانت نظرته إلى الليبرالية على مستوى العالم هي هذه، فإنه في نظرته إلى الليبراليين العرب يعمل بذات النهج وهو اختزال كل الخير فيهم، وحصر الشر في عدوهم ومخالفهم. حيث يقول: « الليبراليون في العالم العربي هم الوحيدون الذين يتبنون الديمقراطية ليس فقط كنظام حكم، بل كأسلوب حياة. وهم وحدهم يدافعون عن حقوق الإنسان، وعن الحريات الفكرية، ويحترمون الآخر لإنسانيته دون أي تمييز ديني، ويسعون لإقرار الحقوق المدنية، ويدعون إلى تحريرها مدنيا ». بل لا ينحصر الأمر عنده في نسب الفضائل السياسية إلى الليبرالية والليبراليين وتخصيصهم بها وحدهم دون باقي خلق الله، بل يذهب البغدادي إلى حد جعل سبب استمرار البشرية في العيش اليوم هو الليبرالية، قائلا: « أليست الليبرالية تغذي العالم وتعالجه، وأن العالم بدونها لا يستطيع العيش »!!. ثم رغم هذا التسيب في الخطاب وتجاهل حقائق التاريخ، وتحريف معطيات الواقع، لا ينسى البغدادي أن ينهج منهج غيره من الليبراليين الجدد فيخاطب مخالفيه باستعلاء خالعا عليهم نعوت الجهل والإرهاب، حيث يقول: « الليبراليون –لعلم الجهلة– ضد الإرهاب، وضد التمييز ضد المرأة، ومع الحريات الفكرية وضد منع الكتب، وضد التعليم المنفصل، وضد منع تدريس الموسيقى، ومع الدستور والديمقراطية وحقوق الإنسان بدون تمييز ». إن مثل هذا الخطاب الهائج المنفعل هو الذي يحكم للأسف نتاج الليبراليين العرب الجدد. لذا -وصلا بما قلناه سابقا- نستنتج أن المحصول الذي أنتجوه، هو فضلا عن كونه لا يجاوز ركاما من المقالات الصحفية المثقلة بلغة الهجاء، فإنهم حتى في كتبهم التي أصدروها لا ينتهجون نهجا معرفيا، يُظهر ولو ملامح أولية للاقتدار على تحليل الواقع العربي وفهم شرطه الثقافي والتاريخي، فضلا عن تحليل النظرية الفلسفية والسياسية الليبرالية وإدراك تحولاتها ومكامن النقص فيها. (*) كاتب مغربي (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 20 ماي 2007)

Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.