الأربعاء، 22 نوفمبر 2006

Home– Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2375 du 22.11.2006

 archives : www.tunisnews.net


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: لماذا يقع تعطيل حق زيارة مساجين الرأي بالنسبة للمحامين

هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات: بـيـــــان إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل: بلاغ نورالدين الخميري : السجين السياسي عيسى العامري في وضعيّة جدّ خطرة عبد الحميد الصغير: اليوم الخامس من استئناف الإضراب عن الطعام وات: الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في تونس لبحث مسيرة التعاون بين البلدين الشقيقين القدس العربي: المهاجرون التونسيون يشعرون بفرنسيتهم أكثر من المغاربة والجزائريين عبدالله الـزواري: عين الـرضا… عبدالحميد العدّاسي: رأي د.خــالد الطــراولي: عودة السفساري وإرهاصات نهاية مشروع وبداية آخر(1/2) عبدالباقي خليفة: اسرائليات رجاء بن سلامة و خيانتها للامانة العلمية و تحميلها النصوص مضامين كاذبة د.محمد أحمد الخضراوي: الحجاب: بروتوكولات حكماء العلمانية رياض البرهومي: الحرية.. الديمقراطية.. وبعد ؟ مـحـمـد الـصالـح فـلـيـس : أب واحد… بلد واحد… قائد واحد أحمد فرحات حمودي : مـقـال مـسـتـقـلّ فتحي الشامخي:العولمة تُذيب السّكر التونسي لطفي الهمامي: قاتلهم يا قاتل شعبك ( صدام حسين في المحكمة ) شاهد: عندما ينتهي اليسار كما بدأ يصبح الحديث عن المبدأ لغوا                           محمد العروسي الهاني: رسالة مفتوحة للسيد رئيس مجلس النواب الموقر حول الحوارات التي ستجرى بمناسبة عرض الميزانية الجديدة لعام 2007 حسين المحمدي: سلطة مسروقة وأحزاب مسروقة=وطن مختطف وإنسان بلا أمل=مؤتمر دولي حول الحرية..(2) توفيق المديني: انهيار الدولة الشمولية العراقية شاهد على نهاية صدام محمد مشارقة: في ضرورة مانيفستو اسلامي اوروبي نحو تشريع التحالفات مع اليساريين والمثليين ومناهضي العنصرية يورغن كاين كولبل : »محور الغروب » الفئران تغادر سفينة المحافظين الجدد الجانحة


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


أطلقوا سراح الأستاذ محمد عبو أطلقوا سراح كل المساجين السياسيين الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 33 شارع المختار عطية تونس 1001 الهاتف : 71340860 الفاكس:71354984 22/11/2006

بــــيان لماذا يقع تعطيل حق زيارة مساجين الرأي بالنسبة للمحامين

يشتكي عدد من المحامين المدافعين عن المساجين السياسيين من التضييق المسلط عليهم و ذلك بحرمانهم من زيارة موكليهم مساء يومي الجمعة و السبت من كل أسبوع خاصة و أن البعض منهم كان يخصص عشيتي اليومين المذكورين لزيارة حرفائهم من المساجين هذا من جهة و من أخرى فإن كتابة الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس المتعهدة بقضايا المتهمين المحالين طبق قانون 10 ديسمبر 2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب تلجأ إلى التنصيص في بطاقات الزيارة على أن المساجين  يقيمون بسجن المرناقية في حين أنهم يقيمون في سجون أخرى رغم التنبيه من طرف المحامين إلى أن عائلات المساجين أعلمتهم بأن الحريف يوجد بسجن آخر و فعلا يفرض على المحامين التوجه  إلى سجن المرناقية بإصرار من كتابة المحكمة و من السيد وكيل الجمهورية للتأشير على بطاقة الزيارة إلى أن السجين يوجد في سجن آخر قد يكون في بعض الأحيان داخل الجمهورية و بما أن بطاقة الزيارة صالحة ليوم واحد فإنه يصعب على غالبية المحامين إنجاز الزيارة . و الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين تطالب برفع هذا التضييق الذي لا مبرر له حتى يتمكن المتقاضون من حقهم في مقابلة المحامين المكلفين بالدفاع عنهم علما بأنه من واجب إدارة السجون إشعار المحكمة المتعهدة بالنظر في القضايا الجزائية بكل نقلة تحصل للمساجين المحالين أمامها.   رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري

أطلقوا سراح الأستاذ محمد عبو أطلقوا سراح كل المساجين السياسيين الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 33 شارع المختار عطية تونس 1001 الهاتف : 71340860 الفاكس:71354984

22/11/2006 بلاغ علمت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين أنه وقع رفع التضييقات الأمنية المسلطة على السجين السياسي السابق السيد زياد الدولاتلي و الجمعية إذ تستبشر بهذا الإجراء تطالب بتعميمه بالنسبة لجميع المسرحين من المساجين السياسيين. رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري

 

 
هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات  بـيـــــان

إنّ « هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات » بعد علمها بما يلي: 1) إيقاف كلّ من الطلبة كمال عمروسيّة عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس، بلقاسم بن عبد اللـه عضو الهيئة الإداريّة للاتحاد العام لطلبة تونس و منسق مجموعة حيّ التضامن لمنظمة العفو الدوليّة و أنيس بن فرج مناضل الاتحاد العام لطلبة تونس وذلك يوم الأربعاء 15 نوفمبر 2006 و إيداعهم السجن المدني بقفصة. 2) إيقاف كلّ من الطلبة طه ساسي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس، غانم الشرايطي عضو الهيئة الإداريّة للاتحاد العام لطلبة تونس، محمّد عزالديني و طايع بوشقرة مناضلا الاتحاد العام لطلبة تونس وذلك يوم الخميس 16 نوفمبر 2006 و إيداعهم السجن المدني بقفصة. 3) إحالة الطلبة المذكورين أمام المحكمة يوم الثلاثاء 21 نوفمبر 2006 صحبة كل من الطالب محمّد الخامس عمروسيّة و الموظف بوعلي الطبابي في حالة سراح بتهم عقد اجتماع غير مرخص فيه، إحداث الهرج والتشويش بالطريق العام، الاعتداء على الأخلاق الحميدة ورمي موادّ صلبة حيث قرّرت تأجيل القضيّة إلى جلسة يوم الثلاثاء 28 نوفمبر2006 ورفضت الإفراج عن الطلبة الموقوفين الذين يواصلون الإضراب عن الطعام الذي بدؤوه منذ إيقافهم.   أوّلا: تعبّر عن تضامنها مع الطلبة المذكورين و تعتبر أنّ تهم « الحق العامّ » الموجهة لهم لا يمكن أن تخفي السبب الحقيقي لإيقافهم و تتبعهم و هو معاقبتهم على ممارستهم حقهم في النشاط النقابي. ثانيا: تطالب السلطات بإطلاق سراح الطلبة المذكورين و وقف التتبّعات ضدهم. ثالثا: تؤكد أنّ الحلول الأمنيّة التي يعتمدها نظام الحكم في معالجة مشاكل الجامعة و المجتمع عامّة لن تؤدّي إلا إلى مفاقمة تلك المشاكل.   تونس في 22 نوفمبر 2006

 
إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل 
بلاغ إعلامي

تونس في 22 نوفمبر 2006   في إطار متابعة الملفات المطروحة دون لرد لدى عديد الوزارات، توجه عدد من مناضلي اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل إلى بعض الوزارات للاستفسار حول مصير مطالب عشرات المعطلين من حملة الشهادات. و قد توجه الرفاق فلة الرياحي و سالم العياري و عفيف الهادفي أعضاء التنسيقية الوطنية و الرفيق وليد عزوزي إلى وزارة التربية و التكوين حيث قوبلوا بلامبالاة الوزارة و دواوينها بالمطالب التي قدمت و اعتمدوا لغة التسويف و الاعتماد على البوليس لإبعاد المناضلين، و قد تمسك الرفاق بحقهم في مقابلة المسؤول عن الملفات بالوزارة دون جدوى نتيجة لعدم امتلاك الوزارة أي حل لأي من الملفات المطروحة أمامها. و توجه الرفيقان مسلم الفرجاني عضو التنسيقية  الوطنية و الرفيق محرز الخميسي إلى وزارة التجهيز و الإسكان و التهيئة الترابية، حيث تمت مقابلة السيد خالد ليميم المكلف من الوزارة لمتابعة المفاوضات مع الإتحاد، و أحد مديري الأقسام بالوزارة. و قد ذكّر الرفاق بعدم تجاوب الوزارة مع مطالب الإتحاد رغم شكل الحوار السليم و البناء الذي تبناه الإتحاد في مفاوضاته مع الوزارة، و ضرورة إيجاد حل لتشغيل أصحاب الشهادات بعيدا عن المناظرات التي ثبت عدم جدواها في تشغيل مستحقي الشغل من أصحاب الوضعيات الاجتماعية الخاصة، فقد وعد السيدان ممثلا الوزارة بإيجاد حل و التنسيق مع كل من الوزارة الأولى و وزارة التشغيل، و تم تحديد الأسبوع القادم كموعد لمتابعة اتصالات الوزارة. هذا و يؤكد مناضلو اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل: –         تمسكهم المبدئي و التام بمنظمتهم النقابية. –         دعوتهم الجادة كل الوزارات و الإدارات المعنية بالتشغيل إلى عدم احتقار مطالب حملة الشهادات باعتبارهم من ركائز هذا الوطن و بناة مجده و تقدمه. –         استعدادهم لخوض كافة الأشكال النضالية المشروعة و تصعيد حركتهم النضالية إذا استمرت حالة المماطلة و التسويف من قبل الوزارات المعنية.   إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل التنسيقية الوطنية المكلف بالإعلام الحسن رحيمي


إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل 

بلاغ
تونس في 22 نوفمبر 2006
إثر تأجيل محاكمة عدد من الطلبة بمدينة قفصة على خلفية مساندتهم للطالب سامي عمروسية و المضرب عن الطعام دفاعا عن حقه في الدراسة، يتوجه أعضاء اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل إلى الرأي العام الطلابي و الوطني بما يلي: –        رفضهم للأسلوب البوليسي و الكيدي الذي تتعامل به السلطة مع كل الناشطين التقدميين و النقابيين. –        مساندتهم التامة للطالب سامي عمروسية في نضاله من أجل حقه في الدراسة. –        مساندتهم المبدئية لكل الطلبة النقابيين الموقوفين باعتبار إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل منظمة نقابية تقدمية تسعى إلى زيادة تفعيل النشاط النقابي و الاجتماعي بالبلاد. –        اعتبارهم محاكمة الطلبة النقابيين محاكمة للنفس النقابي داخل الجامعة و البلاد عموما. –        دعوتهم جميع القوى و التيارات و الأحزاب و الجمعيات إلى التحرك دفاعا عن النقابيين دعما لحقهم في النشاط  النقابي داخل الجامعة.   إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل التنسيقية الوطنية المنسق العام سالم العياري
 

إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل 
مساندة تونس في 22 نوفمبر 2006   نحن مناضلو و مناضلات إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل نساند تحرك الأساتذة المغاربة من حملة الدكتوراه الفرنسية و المتمثل في إضرابهم عن الطعام دفاعا عن حقهم في الشغل و معادلة شهاداتهم الجامعية بما يضمن لهم فرصة للشغل و العيش الكريم. و نحن إذ نؤمن بحق أصحاب الشهادات في العمل، ندعو كافة القوى و التيارات و الجمعيات إلى مساندة كل المعطلين عن العمل أينما كانوا، و نجدد الدعوة إلى كل المناضلين و المدافعين عن حقهم في العيش الكريم  لتوحيد الصف لوحدة الهدف.   إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل التنسيقية الوطنية المنسق العام سالم العياري

خبر عاجل:

السجين السياسي عيسى العامري في وضعيّة جدّ خطرة

 بلغنا للتوّ الثلاثاء 21 نوفمبر 2006 وعلى السّاعة الحادية عشر والنّصف ليلا ومن مصادر موثوقة ومقرّبة من عائلة السّجين السيّاسي عيسى العامري  أنّه تمّ نقله بصفة استعجاليّة إلى مستشفى الكاف وهو في حالة جدّ خطرة .

هذا وقد كنّا  نشرنا يوم 06.11.15  خبرا حول الوضعيّة الصحيّة للسّجين السيّاسي  عيسى العامري والتي تدهورت في المدّة الأخيرة نتيجة ما ألمّ به من مرض نتيجة الأوضاع السيّئة في السّجون التّونسيّة وامتناع إدارة السّجن  عن معالجته أو نقله إلى المستشفى

ونحن إذ نتابع بقلق شديد التدهور الصحي للسّجين  فإنّنا نحمّل النّظام التّونسي مسؤوليّة ما آلت إليه  وضعيته الصحيّة للسيّد عيسى العامري كما ندين بشدّة هذه المعاملات اللاإنسانية مع مساجين الرأي  في تونس.

نورالدين الخميري ـ ألمانيا

2006.11.21  


بسم الله وحده

اليوم الخامس من استئناف الإضراب عن الطعام

تونس في 22 نوفمبر2006

 
أواصل أنا الطالب بالمرحلة الثالثة عبد الحميد الصغير استئناف الإضراب عن الطعام لليوم الخامس على التوالي. ويأتي هذا الإضراب احتجاجا على المحاكمة الاستعجالية بسبب دفاعي عن زميلاتي المحجبات لدى منعهن من الدخول إلى كلية العلوم بتونس  وللمطالبة بتسليمي جواز السفر الذي قدمت طلبا للحصول عليه منذ  27 افريل  الماضي2006 وقد توجهت صباح اليوم إلى مقر الهيئة العليا للحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وذلك رغم حالة الإرهاق التي بدأت تظهر علي، حيث اتصلت برئيسها الذي سلمته عريضة اشرح فيها المظلمة التي تعرضت لها وطالبته بالتدخل لمنحي جواز سفري. وإذ أؤكد على عزمي المضي قدما حتى تحقيق مطلبي : –      احيي كل الاخوة الذي اتصلوا بي وعبروا عن تضامنهم –   أطالب السلطة بالتعجيل بتسليمي جواز السفر ورفع القيود المفروضة على نشاطي السياسي –     أناشد كل القوى السياسية والديمقراطية الحية الوقوف إلى جانبي والسلام عبد الحميد الصغير للتعبير عن تضامنكم: مكان الاضراب: نهج سيدي سفيان وسط العاصمة , عمارة عدد: 25 الطابق الثالث شقة عدد 8 الهاتف : 0021697080718 absghaier@yahoo.fr


 

الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في تونس لبحث مسيرة التعاون بين البلدين الشقيقين

 

قرطاج، 22 نوفمبر 2006 (وات) جرى يوم الأربعاء لقاء بين الرئيس زين العابدين بن علي والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر الذي حل بتونس في زيارة أخوة ومودة.

وكان اللقاء مناسبة لتناول العلاقات التونسية القطرية ومسيرة التعاون بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات خدمة للمصالح المشتركة.

كما تناولت المحادثة آخر المستجدات على الصعيد العربي وبالخصوص في منطقة الشرق الأوسط إلى جانب قضايا ومسائل ذات اهتمام مشترك.

 

(المصدر: موقع وكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات) الرسمية بتاريخ 22 نوفمبر 2006)

الرابط: http://www.tap.info.tn/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=18044&Itemid=213

 

 

حسب دراسة حول علاقة المهاجرين القدامي ببلدانهم الأصلية

المهاجرون التونسيون يشعرون بفرنسيتهم أكثر من المغاربة والجزائريين

باريس ـ القدس العربي من شوقي أمين:

 

غالبية المهاجرين القدامي، يقولون أنهم يشعرون بالراحة في فرنسا، خاصة الفئة التي تتراوح أعمارها بين 42 و70 سنة، لدرجة أن الايطاليين علي سبيل المثال، باتوا يرون في فرنسا علي أنها بلدهم الحقيقي أكثر من البلد الأم، في حين تبدو علاقة المهاجرين الآخرين بفرنسا أقل وضوحا، فمن بين المغاربة نجد التونسيين أول جالية عربية تشعر بانتمائها الفرنسي، بينما يبقي المغاربة والجزائريون متوزعين بين بلدهم الأصلي وبلد اقامتهم، في حين يحتل البرتغاليون صدارة الجاليات التي تملك روابط قوية بالبلد الأصلي.

هذا ما رشح عن دراسة قام بها الصندوق الوطني للتقاعد، حول الشيخوخة في الأوساط المهاجرة، غير أن ثمة مؤشرات قوية تضمنتها ذات الدراسة، أوضحت أن المهاجرين القدامي اجمالا، لهم قابلية أكبر علي الاندماج من الشباب، كما أثبتت نتائج هذه الدراسة أن النقاش الدائر حول نجاح أو فشل النموذج الفرنسي للاندماج، بين الأحزاب السياسية، لا يستند بالضرورة الي معطيات سوسيوليوجية حقيقية، ذلك أن الواقع عادة ما يناقض أفكار المسؤولين السياسيين، والطروحات الاقتصادية السائدة.

في سياق مغاير، أوضحت نتائج الدراسة، علي أن نسبة المهاجرين القدامي الذين يعيشون بمفردهم، لا تتعدي الـ 10% علي عكس الأفكار الشائعة التي تزعم أن المهاجرين عادة ما يتركون زوجاتهم في بلدهم الأصلي، غير أن هذه النسبة أكبر بكثير لدي النساء اذ تصل الي 30% بسبب فقدان أزواجهن، مشيرة في هذا المنحي، الي أن المهاجرين يبدون احتراما كبيرا للقوانين الفرنسية، اذ بمجرد استقرارهم في البلاد يلجأون الي القوانين المعتمدة في مجال التجمع العائلي الذي يعتبر أحد أهم الأدوات الناجعة التي تسهل اندماجهم كما لاحظت الدراسة، كما أنها تعتبر الشريحة الأكثر استقرارا من الناحية الاجتماعية بالمقارنة مع باقي شرائح المجتمع الفرنسي، اذ تبدو نسبة الطلاق ضئيلة جدا في أوساطهم، فضلا عن أنهم يحتلون المراتب الأولي في انجاب الأطفال بنسبة 34% مقابل 16% لدي باقي السكان، ذلك أنهم يقدسون الأسرة التي تعتبر في عيونهم جوهر وجودهم واستقرارهم.

بالموازاة مع ذلك، أكدت الدراسة، أن تضامن المهاجرين مع ذويهم في بلدهم الأصلي كبير جدا، خاصة في البلدان التي لا تتوفر علي نظام للتقاعد، وعادة ما يكون هذا التضامن من الصغار تجاه الكبار وفقا للقيم والمبادئ التي دأبوا عليها من خلال ثقافتهم الأصلية.

علي صعيد آخر، أشارت الدراسة الي أن الحنين الي البلد الأم، علي عكس الأفكار المتداولة، يشمل أقلية فقط من المهاجرين بحيث أن 37% منهم أكدوا أنهم يشعرون بهذا الحنين و35% منهم أوضحوا أنهم نادرا ما يشعرون به و28% لا تشعر به أبدا، حتي وان عاني بعضهم من التمييز. في السياق، أكدت نتائج هذه الدراسة أن بعض المهاجرين، الذين تعرضوا للتعذيب والاساءة والتمييز في بلدانهم الأصلية مثل اليهود، يرفضون زيارتها أو العودة اليها بأي شكل من الأشكال ولأي سبب من الأسباب، علي عكس المسلمين الذين يرفضون احداث مثل هذه القطيعة.

وبالرغم من هذا الانقسامات التي لاحظتها الدراسة في أوساط المهاجرين القدامي ومشاعر الانتماء المتباينة الا أن الثلثين من شملتهم الدراسة، يفضلون قضاء بقية حياتهم بعد التقاعد في فرنسا، عدا البرتغاليين الذين يريدون قضاءها في البرتغال بنسبة 42% مقابل 2% لدي الجزائريين الذين يتمنون عودة نهائية الي بلدهم و37% منهم يفضلون خيار الذهاب والاياب خاصة في صفوف الرجال، كما أفادت الدراسة في هذا الاطار أن النساء المهاجرات حتي وان كن اقل حظا في الدراسة والحصول علي عمل، الا أنهن أكثر استعدادا للاندماج في المجتمع الفرنسي، لكن دون أن توضح الدراسة خلفيات هذه المفارقة.

أما فيما يتعلق برؤية المهاجرين الي الموت، تقول الدراسة أن التأثير الديني يطغي علي ثلثي المهاجرين من المسلمين، الذين يشددون علي دفنهم في بلدهم الأصلي، علي نقيض اليهود والبوذيين والمسيحيين الذين يفضلون أن تتم مراسيم دفنهم في المقابر الفرنسية.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 22 نوفمبر 2006)


بسم الله عين الــــــــــرضا…  
منذ أكثر من سنة تقدم مجموعة من  » المواطنين » من مدن مختلفة بقضية عدلية ضد السيد مصطفى بن جعفر رئيس « المنتدى الديمقراطي من أجل الحريات و العمل » ينازعونه فيها قيادة الحزب الذي يترأسه.. و ككل القضايا المرفوعة ضد الأحزاب     و الجمعيات الوطنية سريعا ما اتخذت الإجراءات القانونية اللازمة  للبت في القضية..لكن يبدو أن المشيرين على المجموعة برفع القضية تراجعوا عما سبق لهم أن قرروا فوقفوا في منتصف الطريق بمعنى إنهم لم يصدروا أحكاما ضد السيد مصطفى بن جعفر لصالح خصومه… و بقيت المجموعة التي رفعت القضية في خدمة السادة أولياء النعمة و الفضل عليهم… و جاء ما يسمى ب « حزب الخضر » بعد عملية قيصرية…و كانت  » المصلحة » ( لا أدري أية مصلحة) تقتضي تعزيز أركانه بمنخرطين جدد من مختلف مدن البلاد دليلا على مدى « إشعاعه » و « تجذره »   يكونون طوع الخنصر … و عقدت الاجتماعات هنا و هناك… و حضرها خدمة أولي النعمة و الفضل دليلا على مباركة العمل و تزكيته… و اعترافا من خدمة أولي الفضل و النعمة على هؤلاء  » المواطنين » فإنهم لم يروا مانعا في ترك أحد هؤلاء حرا طليقا بعد صدور حكم نافذ في حق أحدهم منذ 20 جوان الماضي في القضية عدد 05/4356 ( تحيل)، إلى أن بلغ ذلك مسامع الكاتب العام لجامعة مدنين ل »منتدى الديمقراطي من أجل الحريات و العمل »، و تحدث عن ذلك على الملأ و في أماكن عامة عديدة، و أخيرا بلغ ذلك مسامع أعوان التنفيذ على كره منهم فأوقفوا » المواطن الصالح المتحيل يوم 12 نوفمبر 2006 ليقضي الحكم الصادر في حقه، لكن من قال أنه لن يتمتع بعفو خاص أو  ما ماثله ليقضي العيد مع عائلته….ألسنا في بلد التسامح و التضامن و الفرحة الدائمة؟؟ و قبل هذا و ذاك فإن  هذا  » المواطن الصالح » لا يمثل خطرا على الأمن العام و لا الخاص كما لا يمثل خطرا على المنشئات العامة و لا الخاصة، بل هو ( و أمثاله) ركن حصين للسلم الاجتماعية و  الاستقرار السياسي… و ذكرنا تلك الأحكام الأخرى التي  حالما ينطق بها اللسان أولائك الموظفون حتى تجد « الكلبشات » جاهزة و الأعوان في أوج الاستعداد و محركات  سيارات  السجون تدور  منتظرة غلق أبوابها لتنطلق نحو  » بوفردة » أفرغه الله من المشاكسين            و المغضوب عليهم…   عبدالله الــــــــــــزواري

 

رأي

كتبه عبدالحميد العدّاسي. 

على صفحة استقبال تونس نيوز الحبيبة استفتاء حول الهجمة الجديدة على الحجاب وعلى مظاهر التديّن أو الإلتزام الإسلامي، وضعت له توجيهات أو لنقل موجّهات فكانت خمسة:

1 – دليل على الخوف، وهذا العنصر في طليعة الترتيب بقرابة 60 % من الأصوات. وأورد بقية العناصر مرتّبة دون ذكر النسب، فهي متقاربة جدّا.

2 – ناجمة عن صراع الأجنحة.

3 – ضرورية حسب رأيي.

4 – لا أجد تفسيرا لها.

5 – لم تكن متوقّعة.

 

الحقيقة أنّي لم أستطع المساهمة في هذا السبر لصعوبة الطريقة التي طُرح بها، ولكنّي وقفت عنده ببعض التعليق. ذلك أنّ النّظام التونسي في حمأة إقباله على ملذّات الدنيا الدّانية، قد فقد معنى الخوف. أو لنقل بأنّ تمسّكه الشديد بـ » التّوْنَسَة  » التي اختارها كوسيلة مزايدة رخيصة للمحافظة على الكرسي، قد أفقده النّظر إلى غيرها حتّى نسي أنّ له ربّا ناظرا إليه، ممهلا له، محاسبا إيّاه، وأنّ للحياة نهاية، وأنّ للقبر ضمّة وظلمة ووحشة، وأنّه مسؤول فيه فمثبّت أو مخزي، وأنّ للحساب يوم القيامة كربات وحسرات وطول انتظار وعدم استتار وجوارح ناطقة وشمس دانية وعرق مُلجم فمُغرق وعطش شديد وندم أشدّ. نسي كلّ ذلك فأنساه الله نفسه ( وهو أشدّ عقاب الله ). ما جعله يتصرّف هذا التصرّف الأرعن في مواجهة النّساء والرّجال على حدّ السّواء.

 

والذي لا يخاف الله، لا يخاف النّاس من الأقارب مثلما هو شأن حكّام العرب مع رعاياهم. والذي لا يخاف الله يخوّفه الله من عباده مثلما هو شأن حكّام العرب مع أسيادهم الفاتحين من الصهاينة والمتصهينين. فلا أحسب مع هذا كلّه أنّ هذه الهجمة جاءت نتيجة خوف منّا كتونسيين ملتزمين توّاقين إلى ماضينا القريب المشرق النقيّ الخالي من الشذوذ والعربدة وغياب الحياء ( لم تعد لفظة قلّة الحياء صالحة للتعبير عن الحال في البلاد )، بل أحسبها جاءت نتيجة كره لله ولتعاليمه غذّاه بعض النّاقمين على أصلهم ممّن جاب شعاب البلاد في غياب أهلها أو لنقل في غفلة من أهلها… ولن يقلع هذا النّظام وأعوانه الفاسدين عن هذا السلوك المنحرف إلاّ بتعوّدنا على عدم الخوف منه ومن أشكاله…

 

هكذا أفسّر هذه الهجمة، فهي نتيجة كراهيّة لله ولرسوله وللمؤمنين كما أسلفت، وهي نتيجة محاربة للحرّيات الخاصّة والعامّة ونتيجة اطمئنان إلى عدم قدرتنا على التصدّي ونتيجة خوفهم من العلم والمتعلّم ونتيجة التقارب مع الصهاينة ونتيجة نفاق الغرب المحارب للـ » إرهاب  » المشيع للإرهاب. ولعلّ ما قام به شقيقاتنا النّساء في تونس ( والأمر لا يتعلّق فقط بالمتحجّبات: فشأن التونسيات متحجّبات كنّ أو غير ذلك واحد، رغم تعاطف أقلامنا مع المتحجّبات لرغبتنا في رؤية كلّ أمّهاتنا وأخواتنا وعمّاتنا وخالاتنا من أهل تونس قاطبة متحجّبات، فهو أمر الله ) يبشّر بكلّ خير. فالحياة الكريمة تبدأ بــــــــ  » لا « ، ثمّ سرعان ما يتحوّل هذا الرّفض: رفض الظلم ورفض الدونية ( وأكبر دونية أن يُحكم الشعب من طرف من ينقص علمه عن علمه وخلقه عن خلقه، وأدنى من ذلك كلّه أن يُحكم الشعب من طرف كاذب خبر كذبه من بيان تولّيه الحكم ). إلى منهج حياة يجنّب النّاس مساوئ الفاسدين…           


عودة السفساري وإرهاصات نهاية مشروع وبداية آخر(1/2)

الجزء الأول: من السفساري إلى الحجاب قصة فشل

 

د.خــالد الطــراولي ktraouli@yahoo.fr   لو سلّمنا بعودة السفساري إلى المشهد العام في تونس كما توحيه بعض الروايات ولمسه بعض المراقبين، ولو خلصنا إلى هذا الحل الذي لجأت إليه بنات تونس كبديل مفروض عليهن ـ رغم أن بعض الشواهد أصبحت تميل إلى أن القضية لم تعد مع الحجاب ولكن مع ألبسة العفة والحشمة والحياء ـ لطُرِحَ تساؤل عجيب وغريب… كيف يكون حال الرئيس التونسي الأسبق لو مازال حيا ورأى السفساري وهو يغزو المركبات الجامعية..! لست أدري كيف يكون رده أو تعقيبه لو رأى حفيداته وبناته يلبسن السفساري ويتناثرن في الكليات والمدارس..؟ لست أدري كيف سيقبل بورقيبة وهو صاحب « تحرير المرأة التونسية » و »تمدنها » وهو يرى هذه القطعة، البيضاء في غالبها، تعود من جديد، وهي التي حبست المرأة وساهمت في عزلتها عن مجتمعها حسب رأيه، والتي غابت عن المدن والضواحي ولم تعد تراها إلا نادرا وهي تعانق جسد عجوز أو أطراف فتاة ريفية محرومة من عبق المدينة وتقدمها حيث لم تأت التنمية الريفية إلى عتبة بابها..! لست أدري كيف تكون المرارة وكيف سيستسيغ بورقيبة هذه الحالة وهو يرى الإطار الذي من بابه سعى إلى تحريرها من السفساري وهو المدرسة والجامعة، يلتحف من جديد السفساري ويموج بأمواج بيضاء لطيفة؟؟؟    لا يخفى عن الجميع أن بورقيبة كان يحمل مشروعا على خلاف العديد من الرؤساء وأشباه الرؤساء وأنصافهم، ومهما تعارضنا واختلفنا مع الرجل فقد كان ملتزما برؤيا واضحة ذات مرجعية واضحة تجاه مجتمعه كان عمودها الفقري المرأة وما طالب به وشرعه من قوانين من أجل تنزيل تصور خاص لها، كان من بين أطرافه المعبرة والظاهرة نزع السفساري وكل مايحيط بها ويعرقل تقدمها حسب فهمه.   كان السفساري رمز الهوية التونسية ولا يزال، ولذلك لم بعاديه بورقيبة أيام الاستقلال معبرا عن تمسكه بحجاب المرأة في مواجهة مشروع الإستعمار في تغريب شعب وسلب هويته. كان الموقف سياسيا ولا شك ولا ينبع من مساندة لمبدئية الحجاب التي تتجاوز ظرفية الزمان أو المكان، فكان موقف بورقيبة ظرفيا ولم تكن مبدئية الحجاب وشرعيته قائمة في فكره ولكنها سياسة، رغم رشدها، يكتبها الواقع بعيدا عن الدين والتدين… فسقط الاستعمار وسقطت معه قضية الهوية وسقط معها السفساري!   وكانت التربية والتعليم الوسيلة والإطار اللذين خلص إليهما المشروع البورقيبي قي تحرير المرأة من براثن الشدّ إلى التقاليد والعادات، فكانت المدرسة والجامعة تمثلان الساحة المختارة التي تفاعل فيها المشروع من خلال برامج وخطط، وعبر بناء ثقافة جديدة تناقض ثقافة الأجداد، وتشكيل عقلية أخرى تفكر غربا وتأكل غربا وتمشي غربا وتلبس غربا. فكان تحرير المرأة التونسية في بعض ثناياه  وخاصة لباسها يتحرك بالتوازي مع ترك الموروث ويلامس ضرب المنقول.   لم يكن السفساري لباسا ليليا أو مطبخيا أو يتوارى في قاعة الجلوس أو في بيت الحمام! ولم يكن قطعة قماش مرمية في « سقيفة الدار » أو في دهاليز البيت حيث ينعدم النور والهواء! لم يكن السفساري تقليدا أجوف ينادى به في يوم وليلة ثم يختفي طيلة العام! ولم يكن بدلة العروس ليلة زفافها، ينتهي بانتهاء الحفل ومغادرة المدعوين فيغادر الإطار ويتلقفه ألبوم الذكريات…!   لم يكن السفساري إذا ظرفيا ولا استثناء في الزمان والمكان ولا شبحا يختفي بظهور الأنوار، كان السفساري لباسا خارج المنزل يملأ الشارع ويتناثر في السوق والمطعم والشاطئ، ويؤكد على استحياء أنه تحت الأضواء الكاشفة ويعرض للملأ نمط حياة خارج المنزل ولعله داخله، يعطي في أصله انطباع الحشمة والحياء والهوية التونسية الأصيلة… لذلك كانت تنحيته وإبعاده عن الأنظار، وإخراجه من منطقة الأضواء الكاشفة هدفا استراتيجيا للمشروع، لأنه يوحي بهذا الارتباط نحو عقلية وثقافة لم يعد لها مكان تحت الشمس… ولقد ساعد ولا شك عدم تناسب السفساري مع الحراك الجديد للمرأة في التخلي عن لباسه وإدخاله مخازن الذكريات المجيدة ومناشط الفولكلور.   خروج السفساري من الشارع ومغادرته الركح وابتعاده عن السطح وعن الأنظار مثل أول انتصار ملموس ومشاهد للمشروع البورقيبي في مسار تحريره للمرأة، ولعل الصور التي تحفل بها بعض المواقع الكترونية وهي تبث صورة الرئيس السابق وهو يسعى إلى تنحية السفساري عن رؤوس بعض السيدات، شهادة حية على المنزلة الهامة التي أوكلها المشروع لهذا التغييب عن الساحة، وجعل من المدرسة والجامعة الإطار الأساسي لسرمديته.   لقد كان السفساري مؤشرا هاما ومباشرا في تتبع خطوات نجاح المشروع البورقيبي لتحرير المرأة فكلما قلّ وجوده وانحصرت صاحباته في العجائز وبنات البوادي، كلما ازدادت نسبة النجاح في التحرر… والعكس يكون كذلك! ولعل المتابع للمشهد العام في تونس يلاحظ ولا شك انحسار لباس السفساري الذي بقي رمز أيام سالفة وعهود غابرة. غير أن هذا الانسحاب لم يكن مولدا للنقيض على مرّ الأيام، فإذا كانت الأيام الأولى في مسيرة ضمور السفساري أعطت السفور وسقوط اللباس التقليدي والتخلي التام عن التحجب خارج المنزل، فإن سرعان ما عوض الحجاب السفساري بالنسبة للبعض بعد دخول الصحوة الأولى والثانية على الخط نظرا لصعوبته العملية.    أخرج بورقيبة السفساري من الباب فأعادوه من الشباك! لقد عاد الحجاب إلى المشهد الاجتماعي التونسي في ثلاث محطات أساسية، في الثمانينات وفي التسعينات وفي بداية الألفية الجديدة، وكان رد السلطة في كل هذه المحطات الزمنية يلتقي في الهدف في استبعاده ومواجهته، ويفترق في الوسيلة والآلية لتنفيذ هذا المنع.   كانت المواجهة مع الحجاب في الثمانينات « قانونية » بإصدار المنشور الفضيحة 108، فوقعت مقاومة الظاهرة بكل قوة معتمدة إلى قوننة وتشريع، حتى يظهر العمل وكأنه يستند إلى شرعية يجعل كل من يرفضه خارج إطار القانون ومواجها للدولة وضاربا لاستقرار المجتمع وأمن البلاد…   وكانت المواجهة في التسعينات عربدة وعنف وترويع، خارج الإطار الإنساني فطالت الأخضر واليابس ولم تقف عند المواجهة السياسية وسعت إلى ضرب الإسلام كدين وشعائر، وكان الحجاب ظاهرة ورمزا وجب محقه من الساحة، فدخل في برنامج واسع لتجفيف منابع التدين وظواهره…   أما مواجهة هذه الأيام، فقد دخلت على أطرافها أبعاد جديدة جعلتها تنحو منحى مختلف في مقاومتها… واقع اقتصادي مهتز وفضائح بالجملة ضربت مخيال الناس، نهاية عهد وخلافة سياسية على الأبواب وحسابات كبيرة وصغيرة وتحالفات مشبوهة، مشهد سياسي محتقن وتحركات جريئة للمعارضة، عالم خارجي مضطرب وليس مستعد أن يمضي على بياض…ظاهرة حجاب غير مسيسة وشابة تكتسح كل فصائل المجتمع وجل أطرافه وتصبح عنصرا ملازما للمشهد العام ولا يمكن تفاديه في الصورة.. كل هذه الأبعاد جعلت السلطة تحاول مقاومته عبر إعلان طائفيته وسياسيته وعلاقته بالخارج، وحملة موسعة لمناهضته. وحتى لا تواجه من باب معاداتها لمنظومة القيم والأخلاق التي يحملها الحجاب من حياء وحشمة، وحتى لا توجه إليها تهمة معاداة الدين من شرعية التستر، ولا تلقى نفسها في خانة مواجهة الهوية الوطنية مما يرمز إليه الحجاب من قيم.. كان المنفذ الوحيد لمواجهة « عصرية » « وطنية » « أخلاقية » و « دينية » أن تكون الحملة في رمضان، شهر العبادة والتدين بامتياز، وأن تلوح السلطة بإمكانية العودة إلى اللباس التقليدي وخاصة السفساري… ـ يتبع ـ المصدر : موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net
 

اسرائليات رجاء بن سلامة و خيانتها للامانة العلمية و تحميلها النصوص مضامين كاذبة القول بأن السيدة هاجر كانت أمة لدى السيدة سارة كذبة كبرى من الاسرائليات

عبدالباقي خليفة ( * )
مرة أخرى أجد نفسي مشفقا على الدكتورة رجاء بن سلامة ، واستماتتها في تزوير الحقائق و تحميل النصوص مضامين كاذبة ، والنقل عن الامام الطبري روايات نقلها عن مصادر تتبعها المحققون فاثبتوا بعضها و أنكروا بعضها الآخر عن طريق العلم الاسلامي العظيم المعروف بالجرح و التعديل . فقد حاولت عبثا في مقالها  » الختان والعباءة و لعن تكرار البدايات  » الذي نشرته تونس نيوز يوم 20 نوفمبر نقلا عن موقع ايلاف ، الربط بين فرضية الحجاب و الختان و اللباس الاسود للمرأة أو العباءة وما وصفتها بأسطورة السيدة هاجر عليها السلام ، ورغم أنها لا تؤمن ب  » الأساطير الدينية  » إلا إنها أصبحت مؤمنة إلى حد الشبق الصوفي ، وأعلنت انتمائها لأمنا هاجر عليها السلام ، عندما توهمت أنها عثرت على ما ينال من فرضية الحجاب ، والفهم الاسلامي لها ، بربطها برواية تعد من الاسرائليات التي يؤأخذ عليها بعض المصنفين القدامى و منهم الطبري رحمه الله . إضافة لتعسفها في الربط بين مجموعة من القضايا رغم الحسم التاريخي الحاصل بشأنها . فهي بنت مقالها على جرف هار، وهي ،الرواية الاسرائلية ،كما يعرف في علم الحديث . فالختان الذي تتعرض له المرأة في بعض البلدان عربية و غير عربية و اسلامية و غير اسلامية يعود للمصريين القدامى و البعض يطلق عليه الختان الفرعوني ،ولم يبدأ بغيرة السيدة سارة من السيدة هاجر عليهما السلام . كما أن البلدان التي تلبس فيها المرأة العباءة السوادء كدول الخليج لا يوجد بها ختان للبنات كما توهمت بنت سلامة ، أما اللون الاسود فقد تعددت فيه المقالات ، وهناك من ربط انتشار العباءة السوادء بتلك القصيدة التي تبدأ  » قل للمليحة في الخمار الاسود …  » حيث كسدت تجارة ذلك التاجر الذي استعان بوسائل اعلام عصره  » الشعر  » لانقاذ قماشه الاسود من الكساد و تسببه في الخسارة . وإن كان جر الذيول الذي تحدث عنه الشاعر الجاهلي مرتبطا ب » أسطورة هاجر  » فهل ينطبق ذلك على الذيل الذي كانت المرأة تجره إلى وقت قريب في الغرب و لا تزال هناك تقاليد مرعية في ذلك حتى اليوم ولا سيما أثناء الزواج ،ووصل ذلك إلى البلاد العربية عن طريق التقليد ، فهل هي بضاعتنا ردت إلينا كما يقولون ؟!!! إن قصة هاجر التي روتها الدكتورة رجاء بن سلامة متهافتة ،لا من حيث السند فحسب ،وإنما انطلاقا من الاستقراء العقلي ، فإذا كانت السيدة هاجر قد أرخت ثوبها لاخفاء الدم ، فهل ظلت تنزف دون أن تموت ، إلى درجة أصبح معها اللباس الطويل تقليدا تتوارثه الاجيال ؟!!! . ولو فرضنا جدلا أن الرواية صحيحة ، فلا تحتاج تلك المرأة سوى لساعات قليلة أو أيام قليلة ليتوقف الدم ، و يمكن التأكد من ذلك ممن لا يزالون يمارسون تلك العادة البدائية المقززة . أما تعدد الزوجات فهي عادة قديمة ، وعندما جاء الاسلام كان التعدد سمة العصر ، وكانت المرأة تورث كما يورث المتاع ، و تورد كتب العهد القديم أن سليمان عليه السلام كان له 300 إمرأة . ولم يخل العصر الحديث من التعدد خارج إطار الزواج ، فالرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون كانت له ثمانية زوجات ،أقصد عشيقات ، من بينهن مونيكا لوينسكي ، نشرت الصحف في حينها صورهن جميعا .وفي استطلاع شمل عدد من الدول الاوروبية في أعقاب تلك الفضيحة قال 70 في المائة ممن استطلعت آراءهم إنهم كلينتيون . نسبة لافعال كلينتون ، والذي كان يذهب للكنيسة يوم الاحد عقب نزاوته تلك مباشرة . وهناك أصوات مكبوتة في الغرب تنادي بتعدد الزوجات ، بعد تفاقم الظاهرة ، وارتفاع نسبة الطلاق والخلافات الزوجية بسبب ذلك ، ومن المفارقات أن بعض النسوة طلقن من أزواجهن بسبب وجود إمرأة أخرى في حياة أزواجهن ، ما لبثن إن عدن رقما جديدا في في قائمة عشيقاتهم ، و لا أعني ذلك أني أدعو لتعدد الزوجات و إنما جعله خيارا لمن شاء بدل الخيانة الزوجية التي يمارسها الكثير و لا سيما أشد الرافضين لتعدد الزوجات و المنددين به . و مع ذلك نضع النقاط التالية لاصعاب العقول : 1 ) إن الرواية الاسرائلية تصور السيدة سارة في منتهى القسوة ، و هذه إساءة للسيدة سارة .و كان زواج ابراهيم عليه السلام من هاجر في شيخوخة سارة و كان حمل الاخيرة باسحاق يشبه المعجزة . 2 ) لم تكن هاجر عليها السلام غير شريفة بتعبير رجاء بن سلامة الفج ، فكيف يتزوج نبي من أنبياء الله العظام امرأة غير شريفة و تلد نبيا عظيما مثل اسماعيل عليه و على نبينا السلام 3 ) كيف استطاعت هاجر و هي جريحة و تجر ذيلها وفق رجاء بن سلامة أن تهرول بين الصفا و المروة كما هو حاصل في مواسم الحج اليوم 4 ) لم يذكر القرآن الكريم اسمي السيدة هاجر و السيدة سارة و لا القصة المروية في الاسراليات و هي بالتالي من مرويات اليهود الذين لا يستأمنون على دين ، و إن نقل البعض عنهم . 5 ) لم تذكر الرواية و لا غيرها أن ابراهيم كان يطالب سارة بأن تنجب ولدا . فقد عاش معا دهرا طويلا و هو نبي يعلم أن الله  » يهب لمن يشاء إناثا و يهب لمن يشاء الذكور و يجعل من يشاء عقيما  » و المجتمع الذكوري هنا لم يكن يعني ابراهيم عليه و على نبينا السلام في كثير أو قليل ، حتى نجعل سارة ضحية لهذا النوع من من المجتمع ، لا سيما و أن الرويات الاسرائلية تقول إن السيدة سارة هي التي اقترحت زواجه من السيدة هاجر . 6 ) لا توجد سوى المصادر اليهودية التي تتحدث عن أن السيدة هاجر كانت جارية لدى السيدة سارة و لا يستبعد أن تكون عربية حرة ، و كراهية اليهود للجويييم أو الاممين و اعتقادهم بأنهم خلقوا لخدمتهم وراء هذا البهتان التاريخي الكبير 7 ) أنصح المتحذلقين و المتحذلقات الداعين و الداعيات إلى شطب الحجاب ، إلى الحديث عن الخطاب العنصري الاسرائيلي الذي يتحدث عن أبناء الجارية و ابناء الحرة ،و يبررون بذلك قمعهم و استيلائهم على فلسطين و إبادة أهلها العرب من المسلمين و النصارى . 8 ) لقد زعم اليهود في كتبهم المقدسة أن يعقوب عليه السلام ضاجع بناته ليحملن منه و هو في حالة سكر بتخطيط من بناته ، فهل يصدق عاقل هذا الكلام ؟!!! وبخصوص الطبري أريد أن استشهد بما قاله المحقق الكبير محب الدين الخطيب عنه في  » المراجع الاولى في تاريخنا  » حيث أكد على  » من عجيب المفارقات في تاريخنا وتواريخ الأمم الأخرى، وفي موقفنا من تاريخنا ومواقف الأمم الأخرى من تاريخها، أن نكون أغناهن جميعاً في كل ما يبنى به تاريخ الأمة من أنباء ونصوص ومراجع وقرائن وإشارات وتحقيقات، ثم نبقى أفقرهن وأقلهن انتفاعاً بهذه الثروة في إقامة معالم تاريخنا على أساسها، بينما الآخرون قد أحدثوا – حتى من الأوهام – مكتبات جديدة لأجيالهم وجماهير قرائهم، حافلة بالطلي الشهي من صفحات ماضيهم، فوثّقوا أواصر خلفهم بسلفهم، ويسروا لهم القدوة الحسنة بعظمة العظماء من نوابغهم، وبعثوا لهم من ذلك الماضي صوراً حية ترتفع الرءوس بأمجادها، وتمتلئ القلوب بإجلالها واحترامها، وتطمئن العقول إلى تعليل تصرفاتهم والاعتبار بها ومواصلة السير نحو أهدافها  » . وو ذكر أن  » مواطن الضعف -التي أدَّت ببعض معاصرينا من حملة أمانة التاريخ العربي والإسلامي إلى أن يكون انتفاعهم بهذه التركة ضئيلاً- لا يكاد يأتي على حصر، ومما يتبادر إلى الذهن منها الآن أمران: أولهما- أن الذين تثقفوا منا بثقافة أجنبية عنا قد غلب عليهم الوهم بأنهم ِ غرباءُ عن هذا الماضي، وأن موقفهم من رجاله كموقف وكلاء النيابة من المتهمين  » . بل  » لقد أوغل بعضهم في الحرص على الظهور أمام الأغيار بمظهر المتجرد عن كل آصرة له بماضي العروبة والإسلام، لئلا يتّهم في زعمه بالعصبية لهما، فوضع نفسه موضع التهمة بالتحامل عليهما، جرياً وراء بعض المستشرقين في ارتيابهم حيث تحسن الطمأنينة، وفي ميلهم مع الهوى عندما يدعوهم الحق إلى التثبّت، وفي إنشائهم الحكم وارتياحهم إليه قبل أن تكون في أيديهم أشباه الدلائل عليه  » . ولو  » أنَّ إخواننا هؤلاء نشأوا على الإيمان بأنهم هم أصحاب هذه ِ التَّرِكَةُ وأن هذا الماضي ماضيهم، وأن جيلنا حلقة في سلسلة هذا الماضي، وأن أحداثه ثروة لنا في القدوة والاعتبار، لنظروا إليه بعين الأم إلى ابنها، إن لم ينظروا إليه بعين الابن إلى أمه، ولا يكون ذلك إلا بتبنِّي هذا التاريخ، والحرمة له، وبثّ الحياة في أمجاده، والحرص على استجلاء جماله، وإبراز فضائله، وتحرّي مواطن العظة والاعتبار في أخطائه، وحُسْن التعليل لذلك بالرفق والإنصاف وكمال التقدير » . و اشار إلى أنه  » إذا كان هذا حال أهل الصبر منا على البحث والدرس، فما بالك بالآخرين الذين قد تقع أنظار الواحد منهم على بحث لمستشرق ناشئ أو منسى، فينتحل ذلك البحث من غير تعب، ويزعم لقرائنا مبتكراً من عنده، وينقله محرّف الأعلام، متضارب الأحكام، مزدوج العي، ملتهب الحماسة في التحامل حتى على الفضائل عندما ينظر إليها -بعينه أو بعين من ترجم عنه- من وراء منظار أسود. ذلك أحد مواطن الضعف في دراستنا لتاريخ العروبة والإسلام. أما الموطن الآخر فهو ما لاحظتُه على بعض المعاصرين لنا مِن اشتباه الأدلة التاريخية عليهم، وحيرتهم بين جيّدها وأجودها، بل فيهم من لا يميّز بين الجيد منها والردئ، مع أن ذلك كان في متناول يده لو سبق له معرفة موازين رواتنا في النقد، أو وقَفَ على مناهجهم في التأليف ومصطلحاتهم في الرواية، ومراميهم في الاستشهاد  » . و عن كتاب  » تاريخ الأمم والملوك  » للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، 224-310 هـ والذي قدم عنه للمشتغلين بالتاريخ، ممن يحاولون الانتفاع به في الاستدلال والنقل، قال  » رأيت منهم من يظنّ أن إيراد الطبري لخبر من الأخبار كاف لتحميل هذا الإمام مسئولية الخبر الذي أورده، واعتباره هو المصدر لهذا الخبر، وأن الأخبار التي يوردها سواء كلها في ميزان الصحة عنده، وأن عزوهم الخبر إلى الطبري ودلالتهم على موضعه من تاريخه تتم بهما مهمتهم من الاستدلال، وتبرأ بذلك ذمتهم من عهدة هذا الخبر، ويبقى الطبري هو المتحمّل لمسئولية ما يترتب على ذلك في الحكم على أحداث التاريخ وعلى أقدار رجاله وتصرفاتهم. إن ظنهم هذا لا يغني من الحق شيئاً، » و أكد على إن  » الطبري ليس هو صاحب الأخبار التي يوردها بل لها أصحاب آخرون أبرأَ هو ذمتَه بتسميتهم، وهؤلاء متفاوتون في الأقدار، وأخبارهم ليست سواء في قيمتها العلمية، ولا يتم اعتبار الطبري مرجعاً في التاريخ إلا بإكمال المهمة التي بدأ بها، وهي تقدير أخباره بأقدار أصحابها، وفيها ما يعد من سلسلة الذهب، وفيها ما لا تزيد قيمته على قيمة الخزف، ولكل ذلك نقّاده وصيارفته وتجّاره، وهم يعرفون أقدار هذه الأخبار عند التعريف بأقدار أهلها، وقديماً قيل: ِ وما آفة الأخبار إلا رواتُهاُ  » . إن كل خبر في تاريخ الطبري، بل كل نص يتناقله أهل العلم في أجيال الإسلام، له عند أهله قيمة رفيعة أو وضيعة، على قدر شرفه أو خسَّته بالرواة الذين ينسب إليهم ذلك الخبر أو ذلك النص. فشرف الخبر في التراث الإسلامي تبع لصدق راويه ومنزلته من الأمانة والعدالة والتثبّت. لذلك امتازت كتب سلفنا الأول بتسمية الرجل المسئول عن أي حديث نبوي يوردونه فيها، وبيان المصدر الذي جاءوا منه بأي خبر تحدّثوا به إلى الناس.  » ولو لم يسمُّوا الرجل المسئول عن الحديث النبوي عن إيراده، ولو لم يبينوا المصدر الذي حصلوا منه على أي خبر يودّون ذيوعه بين الناس، لطالبَهم بذلك علماء الثقافة الإسلامية بأشد من مطالبة المحاكم من يدّعي ملكية العقار أو الحقل بما يثبت ملكيته له ومن أين صار ذلك إليه  » . وإذا كان مبدأ (أنَّى لكَ هذا؟) مما سنَّه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في مشروعية امتلاك الأموال، فإن أبناء الجيل الذي منه عمر بن الخطاب هم الذين سنّوا للناس بعدهم وجوب بيان مصادر العلم، كما سنّوا لهم وجوب بيان مصادر المال، والعلم أثمن عندهم من المال وأشرف، وأنفع منه وأبقى. نحن نعتبر تاريخ الطبري الآن من أقدم مصادرنا. وكان تاريخ الطبري في النصف الثاني من القرن الثالث (أي قبل أحد عشر قرناً) يعدّ من مصادر التاريخ الإسلامي الحديثة بالنسبة إلى المصنفات التي دُوِّنَتْ قبله بثلاثة بطون، بل بأربعة. ولعلّ أقدمها ِ مغازيُ مؤرخ المدينة موسى بن عقبة الأسدي المتوفي سنة 140 هـ، وهو الذي يقول فيه الإمام مالك: “عليكم بمغازي ابن عقبة فإنه ثقة، وهي أصح المغازي”. وابن عقبة من تلاميذ عروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص الليثي. ومن طبقة تلاميذه العراقيين سيف بن عمر التميمي الكوفي المتوفى بعد سنة 170 هـ، وله في سنن الترمذي حديث واحد، والطبري يروي عنه بواسطتين، أي عن طريق شيوخه وهم عن شيوخهم الذين كانوا تلاميذ لسيف. ومن طبقة تلاميذ موسى بن عقبة مؤرخ الشام أبو إسحاق الفزاري الحافظ المتوفى سنة 186 هـ، وهو حفيد أسماء بن خارجة الفزاري وكان له كتاب في التاريخ أثني عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في (مقدمة أصول التفسير) بعد أن قال: ”إن أعلم الناس بالمغازي أهل المدينة، ثم أهل الشام، ثم أهل العراق. وأهل المدينة أعلم بها لأنها كانت عندهم، وأهل الشام كانوا أهل غزو وجهاد فكان لهم من العلم بالجهاد والسير ما ليس لغيرهم. ولهذا أعظم الناسُ كتابَ أبي إسحاق الفزاري الذي صنّفه في ذلك. وجعلوا الأوزاعي أعلم بهذا الباب من غيره من علماء الأمصار ». ويأتي بعد تلاميذ موسى بن عقبة طبقة يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد ابن العاص الأموي المتوفى سنة 194هـ، ومن مؤرخي الشام الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي مولى الأمويين المتوفى سنة 195 هـ، ومحمد بن عمر الواقدي المدني قاضي العراق المتوفى سنة 207 هـ، ثم كاتبه المؤرخ الحافظ الثقة محمد بن سعد بن منيع البصري (168-230 هـ)،  » ومن هذا الجو العلمي استمدّ أبو جعفر الطبري هديته الكبرى إلى الأمم الإسلامية بما سجله وخلَّده من جهود شيوخه وشيوخ شيوخه ومن سبقهم إلى زمن التابعين والصحابة، فلم يترك مهماً من أخبار سلف الأمة مما أُثِر عن الأئمة الذين سمَّيْنا بعضهم إلا وقد دوّن طرفاً منه، ناسِباً كل خبر إلى صاحبه وإلى من يرويه عنهم صاحب ذلك الخبر من شيوخه وأسلافهم  » . لم يقتصر الطبري كما يقول الخطيب ، على المصادر التي أشرت إلى بعضها، بل أراد أن يقف قارئه على مختلف وجهات النظر، فأخذ عن مصادر أخرى قد لا يثق بها هو بأكثرها، إلا أنها تفيد عند معارضتها بالأخبار القوية، وقد تكمل بعض ما فيها من نقص. كما صنع بنقله كثيراً من أخبار مخنف لوط بن يحيى الأزدي الذي قال فيه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال: « أخباريٌّ تالف لا يوثَق به، تركه أبو حاتم وغيره. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال مرة: ليس بشيء. وقال ابن عدي: محترق صاحب أخبارهم. مات قبل السبعين ومائة ». فقد نقل الطبري من أخباره في مئات المواضع، ولو أن الذين ينقلون عن الطبري ويقفون عنده، استقوا أخبارهم من لوط بن يحيى هذا واكتفوا بعزوها إلى الطبري لظلموا الطبري بذلك، وهو لا ذنب له بعد أن بيَّن لقارئه مصادر أخباره، وعليهم أن يعرفوا نزعات أصحاب هذه المصادر ويزِنُوها بالموازين العادلة اللائقة بهم وبها. إن مثل الطبري ،و الكلام للخطيب ، ومن في طبقته من العلماء الثقات المتثبّتين – في إيرادهم الأخبار الضعيفة – كمثل رجال النيابة الآن إذا أرادوا أن يبحثوا في قضية فإنهم يجمعون كل ما تصل إليه أيديهم من الأدلة والشواهد المتصلة بها، مع علمهم بتفاهة بعضها أو ضعفه، اعتماداً منهم على أن كل شيء سيقدَّر بقدره. وهكذا الطبري وكبار حملة الأخبار من سلفنا كانوا لا يفرّطون في خبر مهما علموا من ضعفِ ناقله خشية أن يفوتهم بإهماله شيء من العلم ولو من بعض النواحي، إلا أنهم يردُّون كل خبر معْزواً إلى راويه ليعرف القارئ قوة الخبر من كون رواته ثقات أو ضعفَه من كون رواته لا يوثَق بهم، وبذلك يرَوْنَ أنهم أدُّوا الأمانة، ووضعوا بين أيدي القرّاء كل ما وصلت إليه أيديهم. قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الطبراني من لسان الميزان: « إن الحفّاظ الأقدمين يعتمدون في روايتهم الأحاديث الموضوعة مع سكوتهم عنها على ذكرهم الأسانيد، لاعتقادهم أنهم متى أوردوا الحديث بإسناده فقد بَرِئوا من عهدته، وأسندوا أمره إلى النظر في إسناده ». ومن فوائد إيراد الحادث الواحد بأخبار من طرق شتى وإن كانت ضعيفة قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة تفسير القرآن (ص 30-31): « إن تعدُّد الطرق مع عدم التشاعر أو الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضمون القول (أي بالقدر المشترك في أصل الخبر) لكن هذا يُنتَفع به كثيراً في علم أحوال الناقلين (أي نزعاتهم والجهة التي يحتمل أن يتعصب لها بعضهم)، وفي مثل هذا يُنتَفع برواية المجهول، والسيئ الحفظ، وبالحديث المرسل ونحو ذلك، ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث ويقولون: إنه لا يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره. قال أحمد: قد أكتب حديث الرجل لأعتبره ». ومن الإنصاف أن نشير إلى أن اتساع صدور أئمة السنة – من أمثال أبي جعفر الطبري – لإيراد أخبار المخالفين وغيرهم، دليل على حريتهم، وأمانتهم، ورغبتهم في تمكين قرّائهم من أن يطّلعوا على كل ما في الباب، واثقين من أن القارئ الحصيف لا يفوته أن يعلم أن مثل أبي مخنف موضع تهمة – هو ورواته- فيما يتصل بكل ما هم متعصبون له، لأن التعصب يبعد صاحبه عن الحق. أما سعة الصدر في إيراد أخبار المخالفين فهي دليل على عكس ذلك. وعلى القارئ الحصيف أن يأخذ ما صفا ويدع ما … أن يستخلص الحق عندما يكون موزعاً أو معقداً. إنما ينتفع بأخبار الطبري من يرجع إلى تراجم رواته في كتب الجرح والتعديل. فتراجم شيوخه مباشرة وشيوخهم توجد في الأكثر في مثل تذكرة الحفاظ للذهبي. وتراجم الرواة الذين كانوا إلى أواخر المائة الثانية توجد في خلاصة تذهيب الكمال للصفي الخزرجي وتقريب التهذيب، وتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر. والذين تناولهم الجرح من الضعفاء يترجم لهم الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال والحافظ ابن حجر في لسان الميزان. وفي طبقات ابن سعد وتاريخ بغداد وتاريخ دمشق لابن عساكر وتاريخ الإسلام للذهبي والبداية والنهاية لابن كثير. وإن كتب مصطلح الحديث تبين الصفات اللازمة للراوي ومتى يجوز الأخذ برواية المخالف. ولا نعرف أمة عنى مؤرخوها بتمحيص الأخبار وبيان درجاتها وشروط الانتفاع بها كما عنى بذلك علماء المسلمين. وإن العلم بذلك من لوازم الاشتغال بالتاريخ الإسلامي، أما الذين يحتطبون الأخبار بأهوائهم، ولا يتعرفون إلى رواتها، ويكتفون بأن يشيروا في ذيل الخبر إلى أن الطبري رواه في صفحة كذا من جزئه الفلاني ويظنون أن مهمتهم انتهت بذلك، فهؤلاء من أبعد الناس عن الانتفاع بما حفلت به كتب التاريخ الإسلامي من ألوف الأخبار. ولو أنهم تمكنوا من علم مصطلح الحديث، وأَنِسوا بكتب الجرح والتعديل، واهتموا برواة كل خبر كاهتمامهم بذلك الخبر كما يقول الخطيب ، لاستطاعوا أن يعيشوا في جو التاريخ الإسلامي، ولتمكنوا من التمييز بين غثّ الأخبار وسمينها، ولعرفوا للأخبار أقدارها بوقوفهم على أقدار أصحابها. وبعد فإن تَرِكَة سلف هذه الأمة – في كل ضرب من ضروب المعرفة – من أنفس ما وَرِثت عن أسلافها. وقد كانت لعلمائنا الأقدمين مشاركة في علوم كثيرة، فجاءت مؤلفاتهم مرتبطاً بعضها ببعض ومكمّلاً بعضها لبعض. والذي ألّفوه في التاريخ واعتمدوا فيه على الرواية، مبالغةً منهم في أداء الأمانة كاملة وافية، لا يجوز لمن ينقله عنهم أن يقصر في عرض تلك الأخبار على قواعد علم الرواية وعلى المعاجم المؤلفة في الرُّواة، وإن لم يفعل أخطأ الطريق، وكان عمله خارجاً عن مناهج العلماء أو المحققين فضلا عن كتاب القطعة أو المقاولة كما هو حال رجاء بن سلامة و أمثالها . ( * ) كاتب و صحافي تونسي المصدر : موقع الحوار نت  www.alhiwar.net


الحجاب: بروتوكولات حكماء العلمانية

د.محمد أحمد الخضراوي (*)

 

كانت ميزة خطاب « جاك شيراك » السلبي الذي ألقى خلاله القنبلة الأخيرة للعام 2003 في 17 ديسمبر على العرب والمهاجرين، أنه أسقط رهان الليبرالية المطروح كشعار علماني محايد، وصار يقتحم الحريات الخاصة، ويتعقب السلوكيات الفردية. ولم يكن لخطاب الرئيس الفرنسي مدلول حضاري، أو قيمة إنسانية يدافع عنها، إنه سياق تصنيفي موجه، يحرض على التمييز الاجتماعي، والتفريق العنصري بين أبناء المجموعة الوطنية الواحدة، أو بينها وبين المهاجرين اللائذين بها؛ احتماء بقوانينها، وفرارا من الضيق الاقتصادي، والتضييق السياسي الذي صار حتمية من حتميات وجود العالم الثالث.

 

لقد كشف شيراك آنذاك البعد الحقيقي للعلمانية، وفضح منهجها الإقصائي الذي يلغي وجود المعتقدات الدينية، فأوقف بذلك الضجيج السائد حول الفكر البدائلي الذي كانت تجسده الأحلام العلمانية في زمان سقوط الإيديولوجيات، وهي بهذا الشكل التوتاليتاري المذكور، فقد طوق العقل العربي داخل جغرافيا المصطلح بشكل شمولي، فقرأ فيزيولوجيا مفردة العلمانية (إذا ما كانت عينها مفتوحة أم مكسورة)، وبحث في إيتيمولوجيا العبارة (هل هي من العلم بالمعنى الموضوعي، أم أنها معتقد ينافس كل معتقد)، وفحص أيديولوجيا الدلالة (إذا كانت مواقفية ترتطم بالدين، أم أنها مشروع ليبرالي ينتظم كل دين)، وقد غاب عن هذه التحريات والتحقيقات النظرية الإشكال الحيوي الذي تثيره المسألة العلمانية في العالم العربي من حيث علاقتها الالتباسية بالحقوق الاجتماعية وبالمعتقدات وبالمؤسسات. إنها تبدو من الأنساق الكبرى التي لا تقف على أرضية حيادية، ومواقف موضوعية تبرئها من الانحياز والانزياح الأيديولوجي.

 

فالعلمانية المتفرعة عن الأيديولوجيات اليسارية المنقرضة تظل حليفة دائمة للأنظمة القائمة تدفعها إلى ذلك عقلية انتفاعية خالصة، من أجل هذا لا تجيب عن القضايا المستعصية في البلاد العربية، والاستفهامات الملحة التي تفجر نفسها لتكشف التناقض بين الشعار والأداء، والخطابات الديماغوجية: هل الحرية الدينية المباحة والمفروضة تتماثل مع الحرية السياسية المفترضة؟ أم أن الليبرالية السياسية تبقى من التابوهات والممنوعات الأبدية؟ وهل يكون البرنامج السياسي ممارسة ديمقراطية واقعية تظل محايدة بإزاء الاختبارات الوطنية، ولو ناهضت السياسات العلمانية القائمة؟ أم أن البرنامج العلماني مجرد خفير وحارس لنظام دوغمائي منقفل يتمنى المصادرة والهيمنة على الزمان والمكان والإنسان؟.

 

واللافت أن السيد شيراك افتقد منطقه منطقية هذا السؤال، فمنع الحجاب باعتباره رمزًا دون أن يعرج على الرموز الفلسفية (الإلحاد مثلا)، والرموز السياسية (النازية والصهيونية) التي تعربد في المعاهد والجامعات والنقابات والإعلام، في حين أن قوانين عام 1936؛ نظرًا إلى العنف الذي ساد المؤسسات التعليمية بين اليمين واليسار، منعت إبداء كل رمز سياسي.

 

إننا وإن كنا لا نعبأ بالعلمانية العربية؛ لكونها مجرد مجاز سياسي (علمانوية) يتناظر مع ديمقراطية الأنظمة العربية الحاكمة التي تستتر بشعارات الموضة الكونية (الديمقراطية وحقوق الإنسان) لتخفي العجز والفراغ والفوضى، فإننا من قبيل الانتماء والمعايشة الميدانية، نقدر العلمانية الفرنسية حق قدرها، وإن نحن ناقشناها بعقل نقدي، لا هجاء فيه، فمن أجل هذه الراهنية المشبوهة التي فرضها نظام العنف العالمي الجديد، وانتهت إلى تضارب في الأفكار والمقولات والسلوكيات.

 

العلمانية وسياسة المركز

 

يستحوذ الالتباس على القرار الفرنسي بمنع الحجاب من جهة الترابط العضوي القائم بين العلمانية والمركزية الغربية باعتبارها مملكة الاستعمار، وورشة لصناعة الانحراف الأيديولوجي، وبؤرة تاريخية للقطيعة مع الآخر الدوني؛ فالعقل الأوروبي الأنواري الحديث لم يتوقف منذ هيغل (المتوفى 1831) على التفخيم من شأن الحضارة الغربية، وإقصاء ما سواها.

 

ذلك أن الغرب وحده هو النموذج الوحيد للحضارة الكونية ابتداء من اليونان، ثم الرومان، وانتهاء بالثورة الفرنسية؛ فألمانيا الجرمانية.

 

غير أن هذا الوجه الحضاري الفريد، لم يتأخر عن تفجير غاياته الصراعية وحقيقته المتوحشة، وممارسته ألعاب الارتقاء اللاطبيعي والانتقاء العسكري؛ فالنازية مثلا صناعة ألمانية محلية كان هدفها التصفية العرقية العالمية، ويروي اليهود أنها قتلت منهم 6 ملايين حرقا، والفاشية التي مارسها فرانكو وموسيليني، والإقطاعية القيصرية هي بدورها منتجات أوروبية صرفة، وكذلك الاستشراق والاستعمار، وقهر الشعوب المستضعفة، كانت كلها إفرازات الحضارة الأوروبية المحكومة بآليات الصراع التاريخي والثقافي.

 

أما الصورة الاستعمارية للعلمانية، فتبدو بشكل متوحش قاتم مع الشيوعية، فقد كانت ثورة 1917 علمانية خالصة، جعلت منها (العلمانية) منهجا يقينيا قطعيا، لا يتحصن إلا باستئصال الآخر، فتمركز في العالم بالقهر العسكري، والإبادة، والقتل بالتفصيل وبالجملة.

 

وكذلك فرنسا حين اختارت العلمانية بطريقة دستورية شرعية عام 1905، كانت أطاحت بشعارات الجمهورية الثلاثة، وهي: الحرية والأخوة والمساواة، بإزاء شعوب الهامش التي عسكرتها، وراحت تمارس عليها بشاعتها الاستعمارية بشتى وسائل القمع حتى نُعِتت الجزائر ببلد المليون شهيد، هم قتلى الجيش العلماني.

 

ونتيجة لهذا، فإن تونس لم تستقل إلا عام 1956، ولكن إجلاء القوات الغازية لم يقع إلا عام 1963 ببنزرت. وكذلك استقل المغرب عام 1956، ولم تحصل الجزائر على سيادتها إلا في 1962.

 

إن منظومة المركزية الغربية والنزعة الأوروبية هي الفلسفة الأولى، وعلة العلل على مستوى السياسة والفكر والاقتصاد، وتأتي من بعد ذلك شعارات التسويق، ودبلوماسية المراوغة، ومن ثَم الأدوار الذرائعية، والخطابات الديماغوجية التي يروج لها باعتبارها أفيون الشعوب العالمثالية المتخلفة، والمهووسة بالمواقف الاتباعية المطلقة.

 

العلمانية والازدواجية

 

يتمايز النظام العلماني الفرنسي المنبجس من النزعة الأوروبية بكونه خطابًا براغماتيا استفرغ في ذاته كل دلائل المواربة والمخاتلة في مختلف مفاصله المنهجية؛ أي إنه خطاب تحكمه الأولويات والمصالح السياسية؛ لذلك ما كان يقيم للقيم والمبادئ والقوانين وزنا.

 

وسنذكر في هذا المضمار بعض المعطيات العينية التي استحدثت بفعل التناقض والارتداد على المبادئ، تحولات فظة في الممارسة والسلوك.

 

في قانون 9 ديسمبر 1905 الذي يفصل بين السلطة والكنائس المسيحية، يذكر المشرع في البندين الأول والثاني، أن الجمهورية حيادية: تعترف بحرية الممارسات الدينية دون اعتراف رسمي منها بأي من الديانات والمعتقدات التي تمارس على أرضها، ودون دعم منها أيضا، غير أنها أحدثت الاستثناء بدافع مصلحي، فإذا بالبرلمان الفرنسي الذي تسيطر عليه غالبية يمينية يتبنى عام 1920 قرارا ببناء جامع باريس، ويصوت عليه إيجابا. وقد اعتبر هذا الأمر وقتذاك ملائما للمبادئ والقيم العلمانية، باعتبار هذا المشروع اعترافا بالجميل لأولئك الذين أراقوا دماءهم في سبيل الجمهورية، وماتوا من أجل علم فرنسا في الحرب العالمية الأولى حسب هذا الزعم. والمقصودون هم الشمال الأفريقيون الذين لا يزال كثير منهم- في حدود علمنا- مسجلا على القوائم السوداء التي تمنع المحاربين القدماء المعادين لأوطانهم من معاودة الدخول إليها، وخاصة بالجزائر.

 

وعلى العكس من هذا المثال، تحتم الحكومة الفرنسية (المعروفة بفيشي) عام 1941 التفرقة الدينية بين مواطنيها المسيحيين واليهود الذين صنفتهم بطريقة سلبية على أساس عقيدتهم، فميزتهم مدنيا على مستوى الوثائق، واجتماعيا بحمل نجمة داود بصفة مرئية، كشكل من أشكال القمع النازي باعتبار النجمة اليهودية شارة إذلال وامتهان.

 

وبعد أقل من قرن (17 ديسمبر 2003) تعاود الجمهورية ترتيب أوراقها، وتأتي الحكومة اليمينية (لتحرم الحلال وتحل الحرام)، فبعد أن تدخلت رسميا، وتبنت مسألة بناء مسجد باريس إكراما للمحاربين العرب، وسمحت (بالتضمين) لنساء المحاربين بارتداء الحجاب الذي كانت الشمال الأفريقيات يضعنه في صورة لباس تقليدي، إذا بها ترتد على أعقابها وتتحفز لاستصدار قانون من أجل منع ارتداء الحجاب بعد أن انتهت المهمة العسكرية للشمال الأفريقيين الذين صاروا يعيشون على هامش الحياة الباريسية.

 

وهكذا تم الأمر مقلوبا بالنسبة إلى اليهود، فبعد أن كانوا يؤمرون بعنف القانون بحمل نجمة داود بغرض تحقيري، يطلع علينا مشرع القانون اليميني الجديد بالحظر على كل يهودي يتحرك على أرض فرنسا، أن يحمل نجمة داود.

 

إن هذا التناقض في المبدأ والقول والسلوك يستهدف المجموعة العربية في وجودها الاجتماعي بصفة خاصة، شكلا ومضمونا، وجودا وحضورا وحضارة، ويستهدف غيرها بشكل تمويهي؛ لأن الدين كامن في أعماق البنية العلمانية؛ فالعطل الرسمية في فرنسا خاضعة لأجندة الاحتفالات المسيحية، وجنائز رؤساء الجمهورية تتم بصفة رسمية في كنيسة « نوتردام » بباريس، كما حصل مع الرئيس الاشتراكي « فرانسوا ميتران ».

 

ليس إذن لهذا التحامل المتترس بالمبادرات القانونية سوى دلالة ظاهرة لا تخفى، وهي هشاشة العلمانية، وعجز المدنية الديمقراطية عن محاورة الآخر، أو اختراق خصائصه الفكرية؛ فحل العنف الشرعي للدولة العاجزة محل العنف العسكري، وصار القصف القانوني ضاربا بدل الدبابة والمدفع والطائرة.

 

والسؤال اليوم: هل انهزم الوعي المدني بإزاء الوعي الديني؟

 

إن المسلمين المحاصرين في فرنسا يمثلون من الناحية العددية أولى الأقليات (5 ملايين) وهم متقدمون عن البروتستانت (900 ألف) وهؤلاء لم يتحرروا في فرنسا من القمع الديني إلا في حدود القرن السادس عشر، ويأتي اليهود في الدرجة الأخيرة (600 ألف= 2%).

 

إن اللباس الشخصي أو قضية الخمار حينما تطلق من فرنسا، تتحول إلى قضية عنصرية، ومشكل استعماري؛ لأنه فيما وراء القانون يستهدف ذاتية أمة وشخصيتها وهويتها الحضارية.

 

فالحجاب شأن قومي؛ لكونه زيًّا نسائيا مشتركا مغرقا في التاريخ، محايدا لا تتجاذبه الشعارات ولا تختلف فيه الآراء والمذاهب، ولا تعترض عليه السياسات، اللهم إلا بعض المواقف العرضية الموقوتة التي منع فيها ارتداء الحجاب بشكل شبه رسمي، وما ذاك إلا لكونه من حيث النمط والشكل لم يظهر بمواصفات متعينة إلا بظهور الحركات الموصوفة بالانقلابية، وهي حسب هذا التقييم تستعمل الرموز، وخاصة الحجاب، من أجل إدانة النظام السياسي والاجتماعي، ومحاربته أيديولوجيا، لكن التجاذبات تبقى رغم هذا، ومع كل هذا، ممانعات عرضية وعابرة لا تلبث أن تزول بزوال الاستفزازات والاستثارات، وسيعقبها بعد ذلك، التوافق الاجتماعي والمصالحة الوطنية، وهي مسألة آتية لا ريب فيها.

 

الحجاب: الأنماط الاجتماعية

 

تطرح مسألة الحجاب إشكالية العلاقة بين الأنا والآخر. وهي موازنة قائمة على الجهل بالمختلف (الآخر) وبالآليات الفكرية والاعتقادية التي تمنحه خصائصه السلوكية.

 

فالسيد جاك شيراك أصدر بشكل تمويهي مراوغ جملة من الممنوعات تحف بالقضية الأساس وهي الحجاب، فأصدر أمرا بحظر الرموز الدينية، وقد انصب الأمر على منع حمل الصلبان (الكبيرة فقط) وكأن التلاميذ سيدخلون المدارس عارضين الصلبان الكبيرة على غرار ما يفعل رواد الملاعب حين يدخلون ملوحين بالأعلام والمحمولات الرمزية، ووافق كذلك على منع حمل نجمة داود (الكبيرة فقط).

 

ومنع كذلك تعليق ما أسماه يد فاطمة، (الكبيرة فقط)، وقد اعتبر سيادته هذه اليد الكبيرة رمزا إسلاميا تماما مثل نجمة داود، وصليب المسيح، وإذا كان داود نبيا، والمسيح رسولا، فإن صاحب السيادة لم يقل لنا شيئا عن السيدة فاطمة العجيبة، هل هي من الأنبياء والمرسلين؟ أم من الأولياء والصالحين؟.

 

لقد علم الجميع في فرنسا أن يد فاطمة تستعمل في شمال أفريقيا بغير هذا الاسم (وهو الخُمسة بضم الخاء) كتعويذة للحماية من العين والحسد والسحر ولا علاقة لها بالدين؛ فهي من مخلفات العصر الجاهلي، حيث كانوا يعمدون إثر كل ذبيحة إلى غمس اليد في الدماء، ورسمها على الحائط بشكل أصابع اليد الخمسة التي تعلق الآن، والآيات القرآنية حرمت هذه الممارسة الجاهلية.

 

وقد أراد شيراك إلصاق هذه السمة الجاهلية بالمعتقد الإسلامي ورفعها إلى مستوى تتضاهى فيه مع الحجاب، ولعل هذا الوعي المشوش تلقاء الديانات الغيرية هو وحده من يسوغ اضطهاد الآخر تحت أية صورة نمطية ترسمها الذاكرة، وتصنعها الأفكار الشوهاء.

 

ضمن هذا السياق يتنزل الغلط المفهومي في مسألة الحجاب؛ فهو في الفكر الغربي المعاصر مرادف للعنف وللإرهاب، كما تعودنا من دروس بوش الصغير.

 

غير أن سيمولوجيا الحجاب تنطوي على جملة من العلامات والدلائل والمضامين ذات الأبعاد التاريخية والحضارية التي عرفتها أوروبا ذاتها في المنطقة الأندلسية قديما والأسبانية حديثا دون أن تنكرها.

 

وقد رصدنا للحجاب خمسة استعمالات ذات منطلقات مختلفة تدل على أن الأمة إما بحكم العادة أو الدين تتضامن تلقائيا مع مسألة الحجاب.

 

1 – الحجاب الديني:

 

وهو مفروض في الديانات السماوية الثلاث: فالمسيحيات (الراهبات خاصة) ما زلن يرتدينه بشكل واضح ومعلوم، وكذلك اليهوديات فإنهن يرتدينه طبقا لبعض التعرجات التأويلية، واليهود هم أبطال التأويل والتحريف وصناع البدائل منذ التاريخ إرضاء للحاكم، أو لوزير الحاكم- ويحلو التأويل لدى المسلمين حين يكون وزير الحاكم فرنسيًّا يستشيرنا في أمر ديننا- غير أن المعنى الذي أعطاه اليهود للحجاب ليس غير مستساغ من حيث الظهور الاجتماعي؛ فالمرأة اليهودية تضع الشعر المستعار (الباروكة) على رأسها لتواري شعرها الحقيقي؛ أي إنها تتحجب بطريقة مواكبة للنظام الاجتماعي الغربي.

 

وفي الديانة الإسلامية فُرض الحجاب في السنة الرابعة للهجرة، وهو زمن متأخر جدا يدل على أن الحجاب ليس متداولا بالشكل الإسلامي المتعين داخل المجتمع الجاهلي، والآليات المحددة لوجوب الحجاب وشكله معلومة في سورتي « النور » و »الأحزاب »، وقد جاء في الحديث النبوي أن الفتاة إذا راهقت البلوغ فلا يظهر منها غير الوجه والكفين.

 

وهذا الحجاب الإسلامي بالمعنى القرآني المذكور، وجد في السعودية أثر التحالف بين محمد بن عبد الوهاب وآل سعود بناء على توافق مطلق بين الدين والدولة، وهو بهذا المعنى مقوم من مقومات الشخصية الإسلامية، ولازم من لوازم الاعتقاد، وليس رمزًا يشير إلى ذكرى تاريخية كالصليب.

 

2 – الحجاب التقليدي:

 

وهو شأن كوني تراهن مع الوجود التاريخي العربي والإنساني عامة، وليس يدل على أي التزام ديني، أو مسئولية اعتقادية، وظل كذلك مغايرا للوجود الإسلامي ومختلفا عنه في المواصفات، ويذكر هذا بالقول الشعري الذي تحول إلى غناء تراثي:

 

قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا صنعتِ بناسك متعبد

 

قد كان شمر للصلاة ثيابه حتى وقفت له بباب المسجد

 

ردي عليه صلاته وصيامه لا تقتليه بحق دين محمد

 

وهنا -ودون النظر إلى الأصل القصصي لهذا القول- يبدو وجود الحجاب التقليدي متشكلا بهيئة غير دينية؛ لأنه ينطوي على استفزازات جنسية اخترقت بنية الإيمان والصبر التي كان الناسك المتعبد متزودا بها، فتحول إلى جسد بيولوجي خالص غابت عنه روحانيته، لما أن أقبل عليه الموت الأبيض من وراء الحجاب الذي تجملت به المرأة العربية، إضافة إلى جمالها الطبيعي الذي اهتز له كيان المتعبد.

 

والحجاب العربي، أو اللباس التقليدي مختلف الأنماط والأشكال، وليس متوافقا بالضرورة مع الالتزام الديني من حيث التفاصيل، لا من حيث المبدأ، وهما متحدان في عدم التكشف الجنسي، وقد يكون متوافقا مع المواصفات الشرعية.

 

ومثال الحجاب التقليدي ما هو معروف في تونس بالسَّفْساري (بفتح السين الأولى المشددة وبسكون الفاء) وهو حجاب إسلامي لا يزال موجودا في كافة أنحاء الجمهورية، والسفساري التونسي مختلف عن اللباس التقليدي الذي ترتديه المرأة في مصر صعيدية كانت أو قبطية، وما تلبسه المرأة اللبنانية أو السورية من حجاب تقليدي مسلمة كانت أو مسيحية يختلف بالضرورة الحضارية عن زي المرأة السودانية.

 

والجامع بين هذه الملبوسات بتقاصياتها الجغرافية، هو اشتراكها في دلالة الحجاب بمعنى الاحتجاب عن البدو الجنساني، وميزة هذه الألبسة كونها تستعمل من قبل المرأة العربية مسلمة ومسيحية.

 

إن مسألة الحجاب قضية عربية يشترك في الدفاع عنها العرب جميعا مسلمون ومسيحيون. فهو لباس وطني لا علاقة له بالتطرف والمتطرفين كما قرأت في بعض الصحف الصفراء (مثل روز اليوسف المصرية) التي أرادت أن تدافع عن شيخ الأزهر وعن سياسات مصر، فأساءت إليه وإليها وإلى الدول العربية، وذلك حين أوردت أمثلة عن مساحات للحرية الدينية كائنة في فرنسا وفي أمريكا، ومفقودة في العالم العربي، وأما تبني المتطرفين لقضية وطنية ما، فلا يعني أننا يجب أن ندين تلك القضية، فإذا ما دافعوا عن سيادة مصر، أو عن القضية الفلسطينية مثلا، فهل يجب أن نتموقع في جانب العدوان على مصر، أو في جانب الصهيونية من أجل الاختلاف مع المتطرفين؟ إن مثل هذه الاعتراضات (روز اليوسف/ المثال) تكشف عن ضمور العقل العربي، وضيق الآفاق الفكرية لدى جملة من المثقفين الانتفاعيين.

 

3 – الحجاب الاجتماعي:

 

هو ما يلبس لغرض إيتيكي (أخلاقي) خالص، حفاظا على الأخلاق، وحدود اللياقة والانضباط داخل المجال الأسري، ولا ينطلق من منظور التدين والالتزام الشرعي، وإنما يراد منه عدم اندماج البنت أو الزوجة في حركة الستريبتيز الاجتماعية، أعني عدم الانخراط في جوقة الانكشاف والتعري، وعرض الصدور والظهور، والسرر (أو الأسرة) التي صارت حالة من الانفصام العربي بعد أن أغرقت مجتمعات الحداثة في مستنقع المتاع البيولوجي، وإغراءات الجسد الداثر بطبيعته الوجودية ذاتها التي تتقدم به نحو العدم والتناهي.

 

وهذا النوع من التحجب الاجتماعي، ينطلق من تأمل فلسفي، لكونه يقيم وزنا لمعنى النزعة الإنسانية المتأصلة في كينونة الإنسان، والشخص البشري كائن أخلاقي كما هو مسجل في الذاكرة الوجودية، والحياة العائلية ذات المبادئ والقيم الأخلاقية العالية تتفلت من طبائع التسيب الجسدي في المحيط الاجتماعي، وتمتنع عن إسقاط الحواجز بين عناصر البنية الأسرية.

 

وقد سجلت الإحصاءات الفرنسية أن 40% من حالات الاغتصاب الطفولي تتم داخل الفضاءات العائلية التي صارت إلى الفوضى، بعد أن كانت توفر ملاذا نفسانيا يؤمن من الانحرافات التي تصنعها النزعات والنزوعات المجتمعية.

 

4 – الحجاب الموضة:

 

يتخذ الحجاب في أزمان التقليعات التي تفصَّل طبقا لمنظورات أيديولوجية، جنسية، حضارية أو عشوائية موقعا ثقافيا بين أنماط الطرز والموضات العالمية؛ فهو لباس يساير الأصالة، ويواكب مظاهر الحداثة في آن واحد؛ أي إنه من حيث البدو والرسم وعدم التشكل الجسدي، يتجاوب مع المقتضيات والأعراف الاجتماعية، وقد يتلاءم جزئيا أو كليا مع الملبوس الشرعي، ويتساوق هذا الحجاب (الموضة) من الناحية الحضارية مع حركة المرأة المعاصرة، ولا يتخلف عن الاستخدامات المعروفة في عالم الجمال والزينة وحلاقة السيدات.

 

ولعل هذا الكساء الجديد، يعبر بشكل حداثي عن نظام اللباس التقليدي سابق الذكر، وهو لكونه يوجد بكثافة في دول الخليج بعد أن خالطتها المعاصرة، لم تشأ امرأة الخليج العربية أن تغادر أنماط عيشها القديم، وأبت تفويت أمتعة الحداثة، وقد تواردت عليها مباشرة من دنيا الإبداع ومن مختلف مصادر الابتكار في العالم، وهي التي تتوق إليها النفوس، وتهفو إليها الأفئدة الحالمة.

 

5 – الحجاب الرمز السياسي:

 

الرمزية هنا، بما أنها من فعل بعض الحركات السياسية، لم تعد مصدر تأويل، وإنما صارت محط حسم. فالمنظمات الدينية تطلب التمايز على مستوى الظهور الاجتماعي والحضور الثقافي، حسب نظرية الحسم هذه. أي إنها تهدف إلى السيطرة على الواقع من خلال تغليب الالتزام الحزبي على طبيعة الحياة الاجتماعية. وذلك من خلال الارتداء الخاص للحجاب الذي ينتظم على الكتفين بشكل تصنيفي لافت. ونحن لا ندري إن كان هذا النموذج الحزبي هو ما أزعج السلطات الفرنسية، أم كل ما تختلف هيئته عن نمط اللباس الغربي؟ ولا شك أن إطلاق مسمى الحجاب على انتماءات متطرفة لا موضوعية، هو تغريب للمسمى عن مداره الدلالي، وترحيل له إلى محيط لا يعبر عن ذاتيته المحضة.

 

فالحجاب يحمل معقوليته ومنطقيته من الأسباب الثقافية والاجتماعية والتاريخية والدينية التي ذكرت. وإدانته على طريقة شيراك الذي جعل يد فاطمة (الجاهلية) رمزا إسلاميا، هي جهل بالطبائع الوطنية والقومية العربية، وجهل بالمفاهيم الدينية بمضمونها الحضاري. إن سلوك شيراك الغريب، يندرج ضمن الهجمات الأيديولوجية التي لا تتوقف عن تكثيف المنطق العنصري، وتعبئة الرأي العام ضد 5 ملايين من الجنس غير الأوروبي. وقد حظي شيراك نتيجة لهذا التحريض برضا المنظمات اليهودية في فرنسا التي أعلنت بعد يوم واحد من قراره (18 ديسمبر 2003) عن ضرورة قبول الأمر الواقع، وهي القوانين العنصرية التي لا تمس اليهود. واليهود محميون بقانون 1990 الذي كفله لهم الشيوعيون والاشتراكيون (قانون فابيوس غيسو) الذي يتعقب كل تعريض باليهود وجودا وتاريخا ودينا وسلوكا؛ لأن ممارسات اليهود لا تكون إلا دفاعا عن النفس أو محاربة للإرهاب. فالمسألة محسومة بسابق الإصرار والترصد.

 

العلمانية وحقوق الإنسان المتعالي

 

صار اللعب سمة الإنسان المعاصر. فالأدباء يمارسون قراءة النصوص من خلال اللعب باللغة، والسياسيون يوجهون القوانين حسب الخلفيات والمصالح بصور انقلابية فاضحة. وكأن اللعب أضحى شيئا من بدائع الحضارة وفظاظتها كما يتوضح لدينا من ممارسات النظام ـ الأنظمة الفرنسية. فحينما اندلع أول إشكال حول الحجاب في منطقة كراي عام 1998 (27 نوفمبر)، فإن مجلس الدولة أقر بأن الخمار في ذاته لا يتعارض مع مبادئ العلمانية. والتلاميذ يملكون حق التعبير عن انتماءاتهم. غير أن تصاعد وتيرة ارتداء الحجاب، بدا وكأنه إخفاق للعلمانية، وعجز عن الإقناع واحتواء الدين، ولأن سياسة الدولة خابت في تحقيق الاندماج بين مختلف الشرائح الاجتماعية والانتماءات الفكرية المشحونة بعبادة الذات، وعدم قبول المختلف، فإن حكومة جاك شيرك المقهورة سياسيا سعت، لا إلى الحوار والنقاش الحضاري الذي هو مبدأ ديمقراطي جمهوري، وإنما إلى اللجوء إلى العنف الشرعي. وهو استصدار قانون يحرم ارتداء الحجاب.

 

وطريقة المنع هي دائما دلالة على الإخفاق، ومعنى من معاني الهزيمة والخيبة وكسوف العقل العلماني. ذلك أن المنتصر هو من يخترق عقل الآخر وفكره، ويجتاز حواجزه الاعتقادية والمفهومية من خلال الإقناع بالمحاورة أو بالمناظرة. كما علمتنا ذلك الديمقراطية الفرنسية نفسها. لقد أصيبت العلمانية بالإرهاب، وبالرعب العدمي من المجهول الذي يمثله الحضور الذي صار قويا للآخر. وفي دلالة عملية على هذا القول، يذكر المراقبون أن فتاتين ارتدتا الحجاب (في أحد معاهد فيل نوف) عام 1995. وفي العام الموالي تضاعف العدد إلى عشرة. ثم تكثف الرقم بشكل تراتبي حتى صار عدد الفتيات 58 ضمن 1500 من التلاميذ رغم تدخل الأساتذة، والإدارة، والسلطات لمنع مسيرة الفتاتين المناضلتين بالصمت والصورة ضد الكل. فالعلمانية بكل أثقالها، وموازينها، ومكاييلها، لم تنجح في وقف مسار فتاتين اكتسحتا حضاريا مؤسسة محمية أيديولوجيا، ومحصنة فكريا بقوة الدولة. ورغم القلة العددية 58 بإزاء 1500 ورغم أن الفوارق في الديمقراطية تقاس بالآحاد (1%) فإن دولة حقوق الإنسان والحريات العامة تختار الطريقة البوليسية المقنعة بالرتوشات القانونية وهي المسلك السائد في الخارج لقمع الاختلاف الفكري أو السياسي، ومصادرة حرية التعبير، خاصة إذا علمنا أن عدد المتحجبات في فرنسا لا يتجاوز 1000 فتاة، وقد كان على جاك شيراك أن يحصن المدرسة اللائكية من السيدا ومن المخدرات، والمتاجرات الجنسية، وأوضاع البيدوفيليا التي تستهدف الذكور والإناث غير البالغين من قبل مدرسيهم أنفسهم، أو في محيطاتهم الأسرية.

 

إذا كان جاك شيراك يريد منع الحجاب، وبرنار سطازي رئيس اللجنة المكلفة بتقرير أمر هذا اللباس يرى (بمساندة أعضاء لجنته منهم أركون صاحب مشروع علمنة الإسلام)، أن الوجود العربي صورة للإرهاب مبثوثة في أوروبا، وإذا كان رؤساء البلديات يعترضون دائما علي بناء المساجد، وإذا كان الفنانون مثل بريجيت باردو، مربية الكلاب الحالية، ترى أن عيد الأضحى إرهاب للطبيعة. فإنني أوجه أصابع الاتهام إلى العرب والمسلمين فهؤلاء جميعا همشوا دورهم الاجتماعي والسياسي وصاروا شيعا وأحزابا وفصائل تتجاذبهم الأيدولوجيا ولا تجمعهم المصالح العليا. إنهم هم من صنعوا الهزيمة، هزيمة أنفسهم. وظل الطلائعيون منهم يجتمعون على فتات الموائد السياسية بين اليمين واليسار.

 

لقد انطلق أقصى اليمين الذي يقوده لوبان عام 1975 بأقل من 0.5%، واستحصل بعد 20 عاما من النضال على 20% من أصوات الناخبين. وهي نسبة جاهزة ابتداء للمجموعة العربية. فالعرب دون ممثلين ومسئولين وكتلة برلمانية وميزان قوة سياسية واجتماعية سيظلون غرضا وهدفا لكل متدرب على الرماية. ولئن تخلت عنهم الحكومات العربية المستقيلة بطبائع وجودها اللاشرعي، وفقدوا كل سند روحاني كالذي يجده المسيحيون في شخصية البابا التجميعية، وظلوا دون بابا ولا ماما، فإن الديمقراطية الفرنسية بشكلها العلماني الذي قلت في المبدأ إنني أقدره حق قدره رغم قراءاتي النقدية له، يوفر للعاملين في الغرب وللكفاءات العربية مواقع ومواقف موضوعية تحفظ الدين والعقل والعرض وتجسد معالم القوة الوجودية في الذات العربية. لمثل هذا فليعمل العاملون بعيدا عن الانفعال والعاطفة والفوضى؛ لأن العنف مهما كانت مبرراته شر محض.

 

(*) أكاديمي وكاتب تونسي.

 

(المصدر: موقع إسلام أون لاين بتاريخ 20 نوفمبر 2006)

الرابط: http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/culture/2006/11/03.shtml

 


 

الحرية.. الديمقراطية.. وبعد ؟

رياض البرهومي

 

يرى البعض أن هوية الحزب الديمقراطي التقدمي مسألة قد حسمت وأن إعادة طرحها هو مجرد عبث فكري قد يلهينا عن قضايانا الأساسية. إني أرى عكس ذلك تماما وأعتقد أن المسألة في غاية من الأهمية ، كما اعتبر الحوار عن الهوية الذي دار على صفحات جريدتنا الموقرة « الموقف » ظاهرة صحية حتى وإن تعلق الأمر بمسألة داخلية حزبية.

إن تكوين ونشأة الحزب الديمقراطي التقدمي كحزب غير عقائدي في مناخ سياسي ما زال يتسم بالتأثيرات الايديولوجية، جعلت منه تجربة فريدة وغير مسبوقة في الحياة السياسية في تونس، وهذا ما جعل مسألة الهوية مطروحة منذ تأسيس الحزب في 2001 إلى يومنا هذا. أما على المستوى الدولى فقد تزامن تأسيس الحزب مع تغيرات وتقلبات في ميزان القوى أدت إلى هيمنة القطب الواحد النيوليبرالي على السياسة والاقتصاد والثقافة. ففي ظل هذه التحولات المحلية والعالمية ، هل أصبحت هوية الحزب الديمقراطي التقدمي مسألة محسومة؟  » .

أقول أن الحزب الديمقراطي التقدمي ما زال ينحت هويته الخاصة ، وهي عملية بدأها الحزب منذ الثمانينات بتجربة التجمع الاشتراكي التقدمي و عمقها الحزب الديمقراطي التقدمي في مؤتمره الثالث سنة 2001 وما زالت عملية جدلية يساهم فيها كل مناضل من موقعه . إن التقاء مناضلي الحزب الديمقراطي التقدمي على برنامج سياسي محوره أولوية قضية الديمقراطية وليس التقاء حول ايديولوجيا هو الذي جعل هويته تبدو غير واضحة لدى المراقبين للحزب من الخارج ، كما أنها تبدو غير مكتملة عندما تطرح في الداخل الحزبي من حين لآخر قضايا كبرى تتعلق بالاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع التونسي . ولما كانت الديمقراطية السياسية منظومة ليبرالية بالأساس لم يبدع الفكر السياسي إلى حد الآن منظومة أفضل منها في إدارة الحكم فقد تبناها الحزب الديمقراطي التقدمي واعتبرها هدفا محوريا لنضاله السياسي في الفترة الراهنة.

ومن ثنايا هذه المنظومة الديمقراطية المحكمة تسربت الليبرالية لبرامج الحزب الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والمصاغة في لوائحه التي تقدم بها لعموم التونسيين، مما أثار وما زال يثير جدلا حول هذه الاختيارات ، ويعيد مسألة الهوية مرة أخرى إلى المربع الأول.

تعتمد الليبرالية كفلسفة ومنهج في الحياة على قانون أساسي في التغيير الاجتماعي وهو « القانون الطبيعي » ويمكن تلخيصه فلسفيا « أن مصلحة المجتمع ككل تتحقق من خلال عمل كل فرد فيه على تحقيق مصلحته الخاصة. » ويترتب على هذا القانون أن تكف الدولة عن التدخل في المحاولات الفردية لتغيير المجتمع وأن تبقى وظيفتها الطبيعية محصورة في توفير الأمن الداخلي والأمن الخارجي للناس في المجتمع.

إن هذه الأفكار البسيطة والمحكمة جعلت مفكري الليبرالية من أمثال فولتير وروسو وهيوم وآدم سميث ومالتوس وغيرهم … يبدعون ويصوغون منظومة فكرية جديدة كانت محركا ايديولوجيا لكل الثورات الكبرى في أوروبا من أجل الحرية و كانت أيضا الأساس الفكري لكثير من النظريات في الدولة وفي القانون وفي الاقتصاد وفي الاجتماع وأيضا في الأدب والفن والأخلاق

ففي الميدان السياسي أبدع هؤلاء المفكرين نظما دستورية تقنن علاقة المحكومين بالحاكم وسموها « سيادة الشعب » في مواجهة الحكومة وسلطتها ، وجعلوا من يتحدث باسم الشعب وينوب عنهم في البرلمان ، وعندما يختلفون لا يكون هناك حل إلا الأخذ برأي الأغلبية احتراما للمساواة بينهم على أن يكون للأقلية دائما الحق في التعبير عن رأيها أي حق المعارضة.

وعن طريق الأغلبية يضع ممثلو الشعب القوانين التي تعبر عن إرادة الشعب (السلطة التشريعية) ويختارون الهيئة التي تقوم على تنفيذ هذه القوانين (السلطة التنفيذية) ، وإن اختلفتا فيحتكمان إلى سلطة ثالثة مستقلة (السلطة القضائية) لتحكم بينهما فيما اختلفتا فيه، ويمكن لها أن تبطل أي تصرف مخالف للقانون (الرقابة الإدارية) أو مخالفة للدستور (الرقابة الدستورية).

ولضمان أن يظل ممثلو الشعب معبرين عن إرادته يجب أن يعاد اختيارهم من حين إلى آخر (الانتخابات التشريعية)، وكل هذا يتم علنا تحت رقابة الشعب نفسه (رقابة الرأي العام) وذلك بتأمين حرية التنظم في أحزاب وجمعيات وتأمين حرية الرأي في نشر الصحف ووسائل الإعلام. ولا يجوز التعرض لرقابة الرأي العام عن طريق القيود أوالعسف أو الإكراه أو سلب للحرية من سجن أو منفى إلا بثبوت ارتكاب جريمة … وكل تصرف تقوم به السلطة لا يتفق مع هذا النظام القانوني يعتبر إخلالا بسيادة القانون وغير مشروع واعتداء على سيادة الشعب أي اعتداء على الديمقراطية.

هذه هي خلاصة الليبرالية في مسألة الديمقراطية ، وهي رؤية متماسكة يمكن أن تمثل النظام الأنسب في إدارة الحكم ، ويتعذر على رافضي هذه الرؤية من غير الليبراليين نقدها من الداخل على أساس « الأداء » لأن الليبراليين أنفسهم يقرون بضرورة تقويم التجارب ومراعاة الظروف الخاصة لكل فترة زمنية ولكل مجتمع.

إن الليبرالية ومنذ أكثر من خمسمائة سنة شجعت رواد الحضارة الاوروبية من عباقرة ومغامرين من اكتشاف العالم وقهر الطبيعة بالعلم والتقنيات وأن يرسوا قواعد حضارة الرخاء المادي وقواعد التنمية بالاعتماد على اقتصاد السوق ، لكن هذه التنمية وهذا الرخاء ظل « ملكية خاصة » لأصحابه وتمتع به قلة قليلة من دون أن يستفيد منه غيرهم حتى داخل المجتمعات الغربية. أما مجتمعاتنا نحن العربية ومن بينها المجتمع التونسي فقد كانت الليبرالية بالنسبة لنا فقر وبطالة وهجرة سرية ومشاكل اجتماعية تزداد يوما بعد يوم.

وقد بينت تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن 80% من ثروات العالم يسيطر عليها 20% فقط من السكان ، وأن التنمية في المجتمع الغربي تكلف بقية العالم جوعا وفقرا ما قدره تقريبا عدد ضحايا هيروشيما كل يوم. مما جعل الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر عام 1995 وتقر مشروع الألفية الإنمائي الذي يستهدف بالأساس الحد من الفقر المدقع والجوع في العالم بحلول عام 2015.

وبالتالي فإن الوعود الغربية لمجتمعاتنا في التنمية الاقتصادية بالاعتماد على اقتصاد السوق أثبتت وللأسف محدوديتها وأن التنمية الاقتصادية للمجتمعات المتخلفة وفي طريق النمو قد تكون لها طرق أخرى غير اقتصاد السوق.

إن قصور الليبرالية كفلسفة ومنهج في الحياة هو تركيزها على الانسان كفرد وتمجيدها لحريته الفردية في مقابل خلوها من حديث حول حرية المجتمع ككل. إن الليبرالية تعلمنا أن « التحرر » لازم لإمكان تغيير واقع المجتمع ، وأن رفع القيود المفروضة عليه من قبل السلطة هي الشرط الحاكم لتطور المجتمع ، لكن الليبرالية لا تعلمنا » ماذا نفعل بالحرية ؟ » بل تدعونا الى الايمان بتلقائية حركة المجتمع وتعلمنا ألا نشغل أنفسنا بمصلحة المجتمع ككل وأن نركزجهودنا على النشاط الفردي والنجاح الفردي ، وأن مصلحة المجتمع تتحقق بتحقيق كل فرد مصلحته الخاصة.

إن الديمقراطية الليبرالية تعد الشعب بتحرره من استبداد الحاكمين لتمكن بعد ذلك الرأسماليين من الاستبداد فيه. عندها تتحول الديمقراطية إلى سلعة يبيعها من يملك لمن لا يملك ، وتتحول الحرية إلى حرية اقتصاد سوق تمكن الأقوى أن يفرض استبداده الجديد على الضعفاء ، وتتحول التنمية إلى منعرج خطير يؤدى إلى تدمير الانسان والطبيعة.

إن الموقف من الليبرالية كمنهج في الحياة لا يجب حسب رأيي أن ينحصر في الحرية التي تعدنا بها الديمقراطية السياسية ولكن في مضمون تلك الحرية ولصالح من ؟ فإن كانت لمصلحة المجتمع ككل -أشك في ذلك- فأنا مستعد أن أكون ليبراليا ، وإن كانت لمصلحة فئة قليلة فلا أعتقد أنها حرية تستأهل النضال من أجلها

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عمن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 381 الصادرة يوم 17 نوفمبر 2006


 

 

أب واحد… بلد واحد… قائد واحد

مـحـمـد الـصالـح فـلـيـس

 

تقول اخر التقارير إن ما يفوق 20 ألف طبيب و ممرضة يغادرون كل سنة بلدان القارة الافريقية (ومنها تونس) لعرض خدماتهم على مؤسسات خارج القارة الافريقية . و قالت احصاءات قبلها بأن 60 ألف طبيب و أستاذ جامعي و مهندس من افريقيا هاجروا خلال الفترة من 1985 إلى 1990 رغم أن البلدان الافريقية خصصت خلال ذات الفترة 1.2 مليار دولار لتامين تكوين هؤلاء الستين ألفا.

 

و تقول احصاءات أخرى إن الاوروبيين الذين يحلون في مختلف البلدان الافريقية محل هؤلاء المهاجرين يتقاضون خمسة الى عشرة أضعاف الاجرة التي يتقاضاها زملاؤهم الافارقة الحاملون لنفس الشهائد و الدرجات العلمية. و مع كل هذه الاحصاءات فان القارة الافريقية تحتل اخر المراتب في مجال الرعاية الصحية وهي التي تمثل فيها نسب التمدرس أضعف النسب قياسا لباقي القارات وهي التي أصابت الامية فيها قطاعات واسعة من السكان والتي تعيش أعداد كبيرة من سكانها تحت خطوط الفقر المدقع، و هي التي يموت فيها بين 300 و 400 في الالف من الاطفال حتى سن 12 سنة في حين أن نسب البلدان المتقدمة لنفس الشريحة العمرية تتراوح بين 14 و 17 في الالف، و هي التي يوجد على أبشع تتويج للاصابات بمرض السيدا حيث بلغ في أواخر التسعينات 14 مليون مصاب في بلدان جنوب الصحراء الافريقية وحدها من أصل 23 ألف مليون في العالم كله ، و هي التي ينتشر فيها انتاج المخدرات الذي يباع الكيلوغرام الواحد منها بمبلغ يتراوح بين 20 و40 ألف فرنك في حين يباع الكيلوغرام الواحد من الكاكاو ب250 ألف فرنك، و هي التي يعادل فيها عُشر هكتار من المخدرات ثلاثين هكتارا من الكاكاو، و هي التي تتوخى فيها عصابات المخدرات لغسل أموالها كل انواع الحيل بحيث لم يسلم قطاع لم تـــضـخ فيه هذه الاموال.

 

و كلما وافتنا الهيئات العالمية بأرقام عن افريقيا الا و و جدنا أنفسنا أمـــام معاني على غاية من الالم و القساوة. و ازاء كل هذه الاوضاع الكارثية لا مناص للمرء من الوقوف عند هول الدمار الذي انصب على سكان هذه القارة التي لا تخلو من ثروات طبيعية و من موارد غنية و لا ينقص طاقاتها البشرية الهائلة لا الذكاء و لا القدرة على المهارة اليدوية و الانتاج المبتكر … و لكن بلية القارة سلطاتها الحاكمة التي تربعت على عروش بغير وجه شرعي في الغالب، فجثمت على عقول المواطنين و صدورهم مُعملة فيها سيوف القمع و الارهاب، خانقة الحرية و ملجمة كل فضاءات المشاركة الشعبية في الشأن العام و دائسة القانون و مهمشة المؤسسات . و يبقى شأنها العام خاضعا الى حد كبير لـــمــزاجية الحاكم المتفرد بكل الصلاحيات.

 

و طالما أن مكونات المناخ الفكري الحضاري و السياسي العام السائد في بلدان القارة الافريقية ما زالت خاضعة لقيم البداوة و القبلية و الجهوية و البطانة فلا مناص من أن ينحسر الفعل السياسي بـــمـــا أدى الى تكبيل ارادة الشعوب و نخبها و أفرغ القارة من الزخم الفكري و الثقافي الهائل الذي تحتويه . و بفعل هذا الانحسار خلا الجو للعسكريين و للاتباع مـمـن لا ثقافة سياسية لهم و لا ماضيا نضاليا و لا شرعية في الغالب فعاثوا فسادا في القارة و عطلوا انطلاقة شعوبها و كبلوا ارادتها التائقة الى التحرر و الابداع و جعلوا منها اخر القارات بكل مقاييس النماء البشري. و بديهي أن ينتج عن كل هذه الماسي انسداد لافاق العيش الكريم أمام الطاقات لأن كل عناصر المناخات في بلدانها تدعوها الى مهاجرتها نحو بلدان توفر لساكنيها ظروف عيش و مناخات ابداع تحترم الذات البشرية وتقدس الكفاءة و تجازي البذل و تدعم مجالات البحث و الارتقاء العلمي و المعرفي. لقد كان شعار الماريشال موبوتو حاكم الزايير الاسبق: أب واحد، بلد واحد، قائد واحد! و بمجمل السياسات التي لخصها هذا الشعار فقد أصل الزايير في أوحال الفوضى و مصائب الفقر و الام التخلف. وكـذا نسج على منواله زمـلاؤه. لكن هذا لا ينفي حقيقة أنه كـــــــلـــــمـــا عـــم الــــيـــأس فان ساعة عـــدم اليأس تدق…

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عمن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 381 الصادرة يوم 17 نوفمبر 2006)


 

 

مـقـال مـسـتـقـلّ

أحمد فرحات حمودي – تطاوين

 

تعيش البلاد التونسية حالة من الاستبداد السياسي أفضت إلى هيمنة الحزب الواحد طيلة نصف القرن. وبقدر ما تلونت السياسة الاقتصادية للبلاد التونسية، فإنها ظلت دوما سياسة عرجاء فبعد سياسة التعاضد في الستينات وحالة من الانفتاح الاقتصادي خلال عشرية السبعينات، قامت الحكومات التي تتالت منذ منتصف الثمانينات و بإيعاز من المؤسسات المالية العالمية( صندوق النقد الدولي ) بخطوات في اتجاه تحرير الاقتصاد ولكن الليبرالية الاقتصادية التونسية ظلت مشوهة وتبين السنوات إفلاسها لسبب بسيط وهو عدم تجانس أو تلاؤم التوجهات الاقتصادية مع التوجهات السياسية للبلاد التونسية. فهل تلائم سيطرة الحزب الواحد الليبرالية الاقتصادية. إن نجاح الليبرالية الاقتصادية يشترط وبإلحاح ليبرالية سياسية. إن المشروع السياسي لهيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات: الانتقال الديمقراطي؛ يقتضي نموذجا اقتصاديا انتقاليا، نموذجا تلعب فيه المنظمات الأهلية دورا متميزا.

اتحاد الفلاحين: تُعتبر هذه المنظمة من أعرق المنظمات الأهلية في تونس؛ تأسست مع نشأة دولة الاستقلال لتكون الهيكل الشرعي لكل الفلاحين، صغارا كانوا أو أصحاب الملكيات الكبيرة وليكون هذا الهيكل شريكا فعليا في رسم خيارات البلاد على مستوى القطاع الفلاحي، هذا القطاع الذي يمثل الحلقة الأساسية والأكثر حساسية لكل اقتصاديات العالم، سيما اقتصاديات الدول النامية فهذا القطاع مازال يساهم بالنسبة الأهم في الناتج الداخلي الخام ومازال يشغل العدد الأكبر من قوة العمل ويساهم بالقسط الأكبر في الصادرات.

أُوجد إذن هذا الهيكل ليكون شريكا فعليا بل ومسئولا على اختيارات البلاد الفلاحة ولكن التفاف الحزب الحاكم على هذا الهيكل أفقده كل دور وصار هيكلا صوريا يوافق ويبارك وتم تغييبه بشكل مفزع. إننا اليوم و أمام التحديات الاقتصادية المطروحة والمتغيرات العالمية المتسارعة، نجد أنفسنا أمام حتمية إعادة إحياء هذه المنظمة، لتكون شريكا فعليا و لتساهم بحق في بلورة السياسة الفلاحية للبلاد التونسية. إن هذه المنظمة مدعوة لأن تعبر عن نبض الفلاحين، مصغية لمشاكلهم، مُقترحة حلولها. إن إحياء اتحاد الفلاحين، ديمقراطيا، مستقلا يمثل مطلبا ملحا ليكون مشاركا مسؤولا على خيارات البلاد الفلاحية.

الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة: بدورها تعتبر هذه المنظمة من أعرق منظمات المجتمع الأهلي، منظمة ينضوي تحت لواءها كل الأعراف في قطاعي الصناعة والتجارة فتكون بذلك مسؤولة على أكثر من ثلثي الاقتصاد التونسي. و يتعاضم دور هذه المنظمة في ظل التحولات والمتغيرات الطارئة على بنية الإنتاج؛ فنسبة مساهمة هذان القطاعان في الناتج الداخلي الخام ما فتئت ترتفع، كما يمكن ملاحظة هجرة اليد العاملة من القطاع الفلاحي إلى القطاع الصناعي في مرحلة أولى ثم من قطاعي الصناعة والفلاحة إلى قطاع الخدمات في مرحلة ثانية كما يساهم هذان القطاعان بنسبة هامة في الصادرات. إن تحقيق نمو اقتصادي مستمر يشترط بإلحاح نهوضا حقيقيا و فعليا بهذين القطاعين.  

في الوقت الذي أصبحت فيه خصخصة الإنتاج سياسة فعلية في البلاد التونسية وتخلت الدولة على أغلب قطاعات الإنتاج بات من الضروري التفكر مليا في الدور المفترض للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة. إن هذه المنظمة مدعوة متى أُعطيت الحرية و الاستقلال في التفكير والتصرف إلى لعب دورها بكل روح المسؤولية والوطنية، بصفتها ترتبط مباشرة بالإنتاج والمنتجين.والإصغاء إلى المنتجين واشراكهم و إدماجهم هو السبيل الوحيد للنهوض بالإنتاج. لذلك نجد أنفسنا أمام حتمية توزيع جديد للأدوار وللمسؤوليات فهذه المنظمة الوطنية مدعوة إلى التفكر مليا في مشاكل الإنتاج والاستثمار و القدرة التنافسية و التصدير واستنباط الحلول لها. و هذه المنظمة مدعوة إلى المساهمة في إنشاء الأقطاب التكنولوجية ( جامعات، مراكز أبحاث، مؤسسات اقتصادية ). كما أن هذه المنظمة مدعوة إلى المساهمة في بلورة التوجهات الكبرى للسياسة التعليمية لأنها الأكثر معرفة بحاجيات سوق الشغل و التغيرات التي تطرأ عليه. إن الصبغة الانتقالية للظرفية السياسية ( الانتقال الديمقراطي ) يقضي برنامجا اقتصاديا انتقاليا تلعب فيه منظمة التحاد التونسي للصناعة والتجارة دورا مركزيا؛ مسؤولة وشريكا فاعلا.

الاتحاد العام التونسي للشغل: تعتبر هذه المنظمة الأكبر على الإطلاق من جملة المنظمات الأهلية، تأسست قبل الاستقلال فخاضت معركته وساهمت فعليا في تحرير الأرض و دحر الاستعمار. ينضوي تحت لواءها أغلب العمال من مختلف القطاعات، لعبت دورا مهما في كل الأوقات و حافظت في مراحل عديدة على استقلالية القرار. شكلت دوما سلاح السلطة في وجه مشاريع الليبرالية الجديدة التي أرادت فرضها المؤسسات المالية العالمية، كما كانت أيضا ماص الصدمات حين يعلو الغضب الشعبي من السلطة.

إن دور هذه المنظمة الصرح يزداد أهمية وخطورة في ظل ما يشهده العالم من تحولات فهي علاوة على وقوفها الدائم نصيرة للشغيلة، عليها أيضا إرساء عقلية جيدة لدى العامل التونسي في علاقته بمنتوجه. فعاملنا التونسي يجب أن يعي تمام الوعي أهمية الدور الموكول إليه فهو المسؤول الأول على جودة المنتوج وهو بذلك المسؤول الأول على نجاح هذا المنتوج في غزو الأسواق العالمية وعلى تمكن منتجاتنا من قدرة تنافسية عالية المستوى.

إن حرب المنافسة المشتدة تقتضي شروطا جديدة للعمل و ظروفا جديدة للعامل. قصد التموقع في عالم السوق على العامل أن يعي أنه بصدد إنتاج أفضل منتوج في العالم مع ما يقتضيه ذلك من وعي جديد ومهارة عالية. من هنا يكون دور الاتحاد العام التونسي للشغل مركزيا في تحديد نجاحنا من عدمه في الاندماج في عالم السوق. إن العلاقة بين العمل ورأس المال لها من الأهمية بمكان في تحديد نوعية المنتوج لذلك بات من الحتمي أن تحكم هذه العلاقة سياسة تعاقدية بين الأجير و المؤجر من أجل هدف واحد وهو جودة المنتوج ليكون قادرا على منافسة كل المنتجات العالمية. إن تحسيس العامل وتوعيته بجسامة مسؤولياته يكون الدور المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل، هذا الهيكل الذي يسعى دوما إلى حماية حقوق العامل عليه اليوم أن يعقد سياسة تعاقدية مع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة.

إن الدفاع بأمانة ومسؤولية على حقوق العامل المادية والمعنوية تعطي هذا الهيكل إمكانية التواصل مع العامل الذي بدوره تكون ثقته بمنظمته المهنية بقدر استبسالها في الدفاع على حقوقه وكرامته و إن بناء علاقة من الثقة بين الأجير والمؤجر تكون منافعها عديدة؛ أولها، زيادة في إنتاجية العامل مما يؤدي إلى ضغط على التكلفة فتتحسن بذلك قدرة المنتوج التنافسية، وثانيها، حرص العامل حرصا شديدا على جودة منتجه فتتحسن أيضا قدرة المنتوج التنافسية. إن تغيير عقلية الأجير من أوكد مهام الاتحاد العام التونسي للشغل كما تغيير عقلية المؤجر من أوكد مهام الاتحادين، التونسي للصناعة والتجارة و الفلاحين. ليبقى دور الدولة رقابيا، حياديا، ضامنا لاستقلالية هذه المنظمات هذا علاوة على تهيئة وتعصير البنية الأساسية و ضمان استقلالية القضاء و حرية الصحافة.

إن نجاح أي نموذج اقتصادي يكون بمدى ملاءمة البنية السياسية للبنية الاقتصادية فمن غير المجدي والمعقول أن تحاول تحرير الاقتصاد في ظل هيمنة الحزب الواحد، كما هو من غير المجدي تطبيق نضام اقتصادي تكون فيه الدولة اللاعب الأساسي في ظل نضام سياسي ديمقراطي تعددي.

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عمن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 381 الصادرة يوم 17 نوفمبر 2006)

 

العولمة تُذيب السّكر التونسي

 

 

فتحي الشامخي

 

السّكر مثل الملح : لا يكاد يغيب عن طعام، يتناولة التونسي بمعدّل يفوق 2.5 كلغ في الشهر الواحد ! لذلك يجوز أن نعتبره « الوقود الغذائي الشعبي ». فالسّكر إذا مادّة غذائيّة أساسيّة بالنسبة للتونسي، ممّا يجعل التحكم في إنتاجه وفي تجارته من مشمولات السّيادة الغذائيّة للمجوعة الوطنيّة، على غرار الزّيت والحبوب والحليب وكذلك اللحوم. وبالتالي ليس من الغريب أن يحضا السّكر باهتمام الدّولة، راعية تلك السّيادة، وبدعمها المالي.

لكن كيف اجتاز السّكر إمتحان العولمة الرأسماليّة العسير ؟ هل لا تزال الدّولة تدعم سعره حفاظا منها على القدرة الشرائيّة للعائلة التونسيّة ؟ وهل حافظت على الخيار الاستراتيجي المتمثل في تطوير الانتاج الوطني لهذه المادّة الأساسيّة دعما منها للسّيادة الغذائيّة التونسيّة ؟

إنطلق تصنيع السّكر في تونس بمبادرة من الدّولة سنة 1961، من خلال بعث ما يُعرف اليوم باسم « الشركة التونسيّة للسكر » بباجة. كما تمّ في ذات الوقت إدخال زراعة اللفت السّكري إلى إقليم الشمال الغربي قصد توفير المادّة الأوليّة الضروريّة لهذه الصناعة الناشئة.

ثم تدعّم هذا التوجّه سنة 1982 بفضل إنشاء « المركّب السّكري التونسي » بجندوبة، بطاقة تحويل تفوق 4000 طن من اللفت السّكري المحلي في اليوم الواحد مقابل 1500 بالنسبة لمعمل باجة. إضافة إلى ذلك تخصّص معمل جندوبة في استخراج الخمير من اللفت السكري بكميّة تزيد عن 3300 طنّ سنويّا، فيما طوّر معمل باجة طاقة تكرير السّكر الخامّ المستورد.

مكن خيار السّكر التونسي، إلى جانب تطوير القدرات الصناعيّة الغذائيّة المحليّة، من تعصير المنظومة الفلاحيّة في أقاليم باجة وجندوبة وبوسالم وغار الدماء، من نظام فلاحي مُمتدّ أي يعتمد على الزراعات البعليّة الكبرى (قمح صلب وشعير أساسا) والبور السّنوي (اعتماد راحة سنويّة للأرض لتمكينها من تجديد طاقتها البيولوجيّة والمعدنيّة) إلى نظام فلاحي مكثف يضمّ التداول الزراعي والريّ وتربية الأبقار.

ونتيجة لذلك ارتفع إنتاج اللفت السّكري التونسي ليتجاوز خلال التسعينات 30 ألف طنّ، على مساحة زراعيّة تقارب 6000 هكتار. وكان يتعاطى هذا النشاط عدّة آلاف من الفلاحين الذين كانوا يستعينون بيد عاملة فلاحيّة متكونة من أكثر من 5000 عاملة وعامل. في المقابل مكنت صناعة السكر التونسي من انتاج ما يقارب 30 ألف طنّ من السّكر الأبيض سنة 1987 (أعلى مستوى لها) أي ما يساوي 15% من إجمالي الاستهلاك المحلي من هذه المادّة.

في الأثناء، ظل الدّيوان التونسي للتجارة، منذ تأسيسه سنة 1962، المورّد الوحيد للسّكر حتى سنة 1992. حيث وقع الترخيص للشركة التونسيّة للسّكر بتوريد ما يلزمها من السّكر الخامّ الذي تتولى تكريره. كما وقع السّماح لبعض الخواصّ بتوريد كمّيات من السّكر. يتولى اليوم ديوان التجارة توريد ما يقارب 60% من احتياجات البلاد، فيما يقوم معمل باجة بتوريد حوالي 40 % من السّكر الخامّ الذي يحوّله إلى سكر أبيض مكرّر.

ساهمت صناعة السّكر المحلي، المستخرج من اللفت السكري التونسي، في تخفيف حدّة الكلفة الماليّة المترتبة عن ارتفاع استيراد السّكر، الناتج بدوره عن الازدياد المتواصل لحجم الاستهلاك الداخلي الذي ارتفع من حوالي 150 ألف طنّ في بداية الثمانينات إلى ما يزيد عن 300 ألف طنّ اليوم. علما بأنّ معدّل سعر الطنّ الواحد في السّوق العالميّة يساوي تقريبا 358 دينار. ممّا جعل السّكر من الموادّ الغذائيّة الكبرى التي تستوردها تونس إلى جانب القمح الليّن والزيوت النباتيّة. وأصبح الثمن الجملي للسّكر المستورد يتجاوز بكثير مجموع ما تجنيه الفلاحة التونسيّة من تصدير القوارص والتمور معا. كما ساهم ارتفاع كلفة واردات السّكر في تفاقم عجز الميزان الغدائي التونسي معمقا بذلك التبعيّة الغذائيّة للسّوق العالميّة، بالإضافة إلى ما يمثله ذلك من ضغط متزايد على مستوى الاقتراض الخارجي.

في هكذا ظروف قرّر المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 15 سبتمبر 1997 إيقاف تجربة 35 سنة من تصنيع السّكر التونسي، والتعويل على السّوق العالميّة لتوفير احتياجات البلاد من السّكر. وكنتيجة لذلك توقفت كليّا زراعة اللفت السّكري، وعرض معمل جندوبة على المزاد العلني حيث وقع التفويت فيه للخواصّ بعد أن أصبح نشاطه مقتصرا على إنتاج الخمير من الدّبس المستورد. أمّا معمل باجة فإنّ نشاطه يقتصر اليوم على تكرير السّكر الخام المستورد.

لماذا قرّرت الحكومة التخلي عن السّكر التونسي ؟ إنّ الحجّة المُعلنة هو الدّعم المالي السّنوي الذي تقدّمه الدّولة لشركتي السّكر، لتغطية الفارق بين سعر تكلفة السّكر المحلي (610 مليم تكلفة الكلغ بمعمل جندوبة، و510 مليم بمعمل باجة) وسعر الجملة الذي يبيع به ديوان التجارة (526 مليم منذ جويلية 1995)، للحفاظ على توازناتها الماليّة (« منحة التوازن »). يبدو القرار صائبا، حيث أن مبرّره هو، كما كان يصرّح به، إحكام التصرّف في الموارد العموميّة، وتحقيق توظيف أفضل لها، وفق ما تقتضيه مصلحة جميع التونسيّين.

لكن ما لم تصرّح به الدوائر المسؤولة هو أنّ الدولة قبضت خلال نفس السّنة 25.2 مليون دينار (م. د.) ، أي الفارق بين سعر السوق العالميّة (معدّل سعر الكلغ 393.9 مليم) وسعر البيع لتجارة الجملة. فيما كان المستهلك التونسي يشتري السّكر آنذاك من تجّار التفصيل بسعر 570 مليم (السّعر الحالي 630 مليم). بعبارة أخرى دفعت الدّولة سنة 1997 حوالي 15.8 م. د بعنوان دعم السّكر التونسي، وقبضت 25.2 م. د بحكم موقعها الاحتكاري على مستوى التوريد وتحديد سعر الجملة. هكذا تصبح الحصيلة واضحة : ربح صافي بالنسبة للدولة يساوي 9.3 ألف دينار بفضل السّكر.

فما ضرّ إذا لو أبقت الحكومة على صناعة السّكر التونسي رعاية منها للأمن الغذائي الوطني وحفاظا على وسائل الإنتاج وعلى الخبرات الفلاحيّة والصناعيّة التي راكمتها الشغيلة التونسيّة في هذا المجال… ثمّ إنّ كلّ هذه الأموال، كانت ولا تزال، تخرج من جيوب التوانسة، لذلك كان من العدالة أن يُطلب رأيهم في الموضوع قبل اتخاذ قرار بهذه الأهميّة.

ثم من لا يعلم اليوم أنّ سعر السّوق العالميّة هو دون سعر التكلفة حتّى بالنسبة لأكثر الفلاحات تقدّما، على غرار الفلاحة الأوروبيّة مثلا. فالمركب الصّناعي الفلاحي السّكري الأوروبي ليس بإمكانه اليوم الحفاظ على وجوده في السّوق العالميّة، أو حتّى عن بقائه كنشاط، لولا الدّعم المالي الهامّ الذي يتلقاه من الإتحاد الأوروبي في إطار السّياسة الفلاحيّة الموحّدة. لماذا تمّت التضحية بالمركب الصّناعي الفلاحي السّكري التونسي بعد أن كان مفخرة من مفاخر البلاد ؟

في انتظار أن يأتي جواب، أقترح عليكم جوابا. إن معاينة بسيطة لتطور أرباح الدّولة المتأتية من تجارة السّكر لسوف نجد فيها المعنى الذي نبحث عنه. قبل قرار إيقاف نشاط المركب الفلاحي السّكري لم تتجاوز قيمة هذه الأرباح، في أفضل الحالات (أي سعر متدني في السّوق العالميّة) 14 م. د. (1994). ثم خلال سنة 1998 أي مباشرة بعد قرار الغلق قفز الرّبح من 9.3 م. د. إلى 23.7 م. د. ثم 30 م. د. (1999) و 35.7 م. د. (2001)، وهكذا دواليك… أمّا اليوم وبعد الترفيع مرّتين في سعر التفصيل في الوقت الذي يتراجع فيه سعر السّوق العالميّة، فبالإمكان تخيّل النتيجة…

هكذا إذا يتضح أنّ منطق الرّبح السّريع وبأيّ ثمن، الذي تسوّقه العولمة الرأسماليّة، قد تغلب بالضّربة القاضية على السّكر التونسي. ويبقى السؤال مطروحا : ماذا جنى التوانسة من هذا الرّبح ؟

(المصدر: الطريق الجديد  – العدد54 – نوفمبر 2006)

 


 

 

قاتلهم يا قاتل شعبك

( صدام حسين في المحكمة )

اطلعت على النص الذي أصدره الصديق صلاح الداودي تحت عنوان هنيئا للرئيس صدام حسين والمنشور بتاريخ السابع من نوفمبر 2006 لفت انتباهي إلى عديد من الأفكار التي أردت مناقشتها في هذا الرد ولو بشيء من الاقتضاب. يذكر الداودي أن المحاكمة التي جرت للرئيس صدام حسين كانت بحضور رئيس المحكمة الذي ربما لم يكن احد يريد أن يستمع إليه – ربما لم يدر في خاطر صلاح الداودي كذلك أن هناك الآلاف من الذين لانلتقى معهم في كل شيء إلا أنهم كانوا يستمعون بكل انتباه إلى رئيس المحكمة الأمريكية من هؤلاء الذين ركبت دماءهم الثأرية من رجل يقف الآن صلبا صلابا وهو الذي أباح جلدهم قبل هذه اللحظة, وعندما كانت المقاييس بيده على الاقل في مصائرهم ومن حقهم أن يحقدوا وان يركبوا الدبابة المرعبة الوحشية ضدهم ولكن هل ترك لهم الرئيس ذرة لرفضهم الدم ولونه ومن الذي علمهم الحقد والشماتة في النفوس الصامدة والشجاعة حتى انهار لديهم معني الشجاعة إلا في معناها المقاتلى والدموي والاذلالي واستدعاء اللئام على طاولاتهم الشيعية. نعم هناك في هذا العالم من فتح التلفاز الديمقراطي جدا والذي ينثر الموجات والترددات الهرتزية من الثكنات وهناك من نزل إلى الشوارع في صورة الثائرين المنتصرين وتحميهم القوات القاتلة الأمريكية والبريطانية ولكن كذلك تحميهم من مقاتلي من لا يريدون التلفاز أن يكشف وجه الرجل وهو يؤمر وينهى على عكس ما كان عليه وان يظل الخبر دون اليقين ودون أن يعرف هؤلاء أن الرئيس قد خلع ولم يعد الحكم له أواليه.  فأين الحقيقة في تقاتل الثارين والجيشين المنهزمين في الآن الواحد,الواحد بالانتخابات التي أسقطته وبالجنود اللذين يموتون كل لحظة باسم المرتزقة والآخرون الذين يهزمون وهم ينتصرون لأنهم هم الباقون في التربة العراقية لأنهم عراقيون بين مرتزقة للعراق وتارة للرئيس والأكثر لله الذي يحثهم تارة على القتال وتارة على إدخال الأمريكان الى بيوتهم. أين أنت من اتهامك بأنك في نهاية الأمر  من السنة التي لم تكن سوي مع الرئيس وأنا اعرف انك لم تكن معه لأنه لم يكن حتى مع من كان معه ولا أنت مع الرفيقة السنة الحاكمة مع الرئيس و المحكومة بدون الرئيس.ولان الذين شاهدوا المحاكمة ولم يستمعوا للرئيس بل للقلضي هم من يقولون عنك كل هذا .وهو ما يؤكد انك لم تكن الا انحيازيا وسنيا بالمعني العراقي والتفصيل المذهبي العراقي وكذلك القومي والبعثي وعموم العرب من أهل عاش الحاكم مات الحاكم. في حقيقة الوقائع أن زمن البث كان موزعا بين من يستمع إلى الرئيس ومن كان يستمع إلى القاضي – العسكري –الذي لا يعرف هل انه أمريكي أم انه عراقي لان العراقيون هم الذي وضعوه عراقيا وهم اللذين وضعوه أمريكيا والزمنية الفاصلة بين الحق والقوة غير معلومة. فأما الملاحظة الثانية فإنها تخص من الناحية قولك في الدكتاتورية وممن ناحية قولك في الديمقراطية مع الالتزام بفهم النص كدرجة ثانية من الكتابة والتي اعني بها الكتابة المفهومية الطارحة للإشكاليات والترميزية التأسيسية. أورد النص قولك: كلنا يعلم ،موافقا أو ممتنعا،سرا أو جهرا أن الدكتاتورية هي صنيعة الاستعمار والإمبريالية وكذا شأن الديمقراطية التي هي أخطر وأتفه إيديولوجيا ما بعد كولونيالية متزامنة مع الدكتاتورية والاثنتان وليدتا الإستقلالات الوهمية أو الناقصة أو الموهوبة أو الإستقلالات المغدورة  سواءا أ مثلها الإسلاميون أو الوطنيون أو القوميون أو الاشتراكيون،وكل هؤلاء تأرجحوا أو يتأرجحون الى اليوم بين الإمبرياليات الأمريكية أو الأوروبية أو الآسيوية أو السوفيتية….حتى أن الأغلبية المطلقة من أنصار ومناصري هؤلاء من المثقفين تحولوا إلى ليبراليين يولدون أمواتا كما يولد نمط الإنتاج الرأسمالي ميتا كما يقول كارل ماركس . أولا من الناحية المعرفية فان هذا التعبير غير دقيق لا في تخصيصات وتفصيلات المفاهيم والمصطلحات ولا من ناحية الأفكار التي نحت منحى إطلاقي وفي صيغة أحكام لاهي مشدودة إلى زمنية ولا إلى احداث ميدانية وهو ما يعني الإيغال في التعميمية و المحيلة على الإحباط فالذي تناولته هو في عموميته إذا سلمنا أن له عمومية تذكر يمثل تمظهرا من تمظهرات الواقع المادي والثوري في منشأه على الأقل وهو حقيقة مادية لفهم العالم حتى كان في طرحه الطوبوي أو الشمولي أو الدكتاتوري او الشوفينى أو في نازيته البشعة ولا غرابة عندي إذا ما قلت أن هذه التلونات المختلفة فيها من الجزئية الثورية في لحظة ما ولا يجب التغافل عنها في تفكيك  العالم الذي نحياه ونريده حيا في اطلاقيته ومن هذه الناحية يكون قولك ذاهبا إلى العدمية والاطلاقية في تقبل الواقع البشري الذي يحوم في فضاء التناقضات المصيرية ومن بين ما ذهبت إليه حسب ظني انك أعدمت الفكرة المركزية في التعاطي مع الحياة السياسية والاجتماعية وفي الاستراتيجيات العسكرية وهي التناقضات وما أهملته في مقالك ربما الجزء الآخر في المحاكمة المحكمة هي أنها تجري في التناقضات وإذا ما سلمت على هذا النحو من الرأي فان المشهدية في المحاكمة كانت في درجة متقدمة جدا من التناقضات. وبما انك ذكرت العديد من التحديدات فإنني أعرج فقط على واحدة وهي الدكتاتورية. -الدكتاتورية ليست بالضرورة نتيجة الاستعمار,إنها اعم من حيث التعريف والتاريخية وهي من جهة التداخلات تعبر كذلك عن كونها أسلوب إدارة في التحكم وفي إدارة الحروب وفي تنظيم المجتمع وتقسيم العمل وفي التربية والتعليم. الدكتاتورية الألمانية لم تكن نتاج أو وليدة الاستعمار وإنما كانت قوة لاستعمار الأخر بما فيه الدكتاتوريات التي تحولت إلى الاندثار على اثر مهاجمتها من قبل الدكتاتورية الألمانية أما التاريخ السلطوي العربي و الإسلامي الذي انشأ الاستبداد وولد عليه العسف التاريخي إلى اليوم لم يكن نتيجة الاستعمار بالضرورة ومن ذلك أن حالة الدكتاتورية العربية اليوم لا توكل إلى الاستعمار كلية. فهم الدكتاتورية لا يخضع إلى العين وإنما إلى المجهر الواقعي و التاريخي الذي هو ليس سوي إلية التجريح الخلدودي الدقيق فبتفكيك الخبر والخبر الأكيد الآن ربما ندعيه في خطابنا. هذه المحكمة الاستعمارية الحاكمة على الرمز الدكتاتوري الذي يظهر محاكما للبربرية الحديثة وربما لبربرية مارسها هو ذاته بأبشع أسلوب عندما كان لا يقيم المحاكمات الصورية للاستماع الصوري والوهم العلني وإنما كان يحاكم في الخلاء بالزناد الفردي . اورد النص قولك: نحن إذا بمواجهة تفكير مشوه،لا بل « اغتيال للعقل » أو « تحطيم للعقل »كما يقول « لوكاتش ».وهي حالة عقل محافظ ومريض بتبعيته للغرب.افتقاده لمصيره »وعبوديته الطوعية ». ليست المعاني التي يتحملها هذا القول الذي أخالفه بل أسانده بما هو فكرة قائمة على مقاومة للانهيار, ولكن العلة والمصيدة هنا تكمن هذه المرة في التدميرية دون الحث على المعالجة وهو الجزء الثاني من معني المقاومة التي تتخذ في كثيرا من معانيها النقد الني تشوي مع إدراك أن العملية ليست من مذهب الميكانيكا وإنما من الديالكتيكية المادية في تفكيك واستيعاب الوجود الاجتماعي فالسياسي فالعسكري ومنه المحكمة التي ذكرت.والرجة الثانية تأتيني من تناول التبعية للغرب الذي جاء في معني سطحي ولكن محمول على حزمة من المفاهيم مما يجعل النص ينخرط في إفراغ الكلمات من مدلولاتها العميقة والتي تتجاوز على الأقل حزمة من المعاني النقدية والتأسيسية في نفس الوقت والحال انك من التاسسيين بإقرار منى في تواضعه. اورد النص قولك: لا غبار على أن آخر من حكم العراق أي البعث العربي الاشتراكي لم يأتي بالاستعمار وإنما دافعا ودفقا قاصد أم غير قاصد إلى حالة مقاومة شرسة لم نعرف بعد قيام ما يضاهيها.فهي بالفعل فياتنام ثانية أو ثالثة. هذه المقاربة المتداخلة تنطوي على فكرة أن البعث منذ بدايته إلى اليوم هو بعث واحد في حين أن البعث هذا الموصوف بالعراقي كان ابعاث متعددة في التجربة العراقية على الأقل من البعث الثائر إلى البعث القاتل إلى البعث المقاتل وبينهم الخونة والمرتزقة وبينهم الكفاحية والنضالية العراقية البطلة وهو الآن لا تتصف بالعراق ألبعثي مثلما كان قبل قليل وإنما هو ألان البعث العراقي الذي يمثل الجزء العراقي وعلى خلاف البعث – الدولة الدكتاتورية فان المقاومة المتعددة الأطياف هي التي تمد للبعث المقاوم اليوم جزءا من الشرعية الفكرة التي أريد أن أناقشها تكمن في اقتناعي الموضوعي أن العراق الآن حركة من المواجهة العارمة والتي من  اقرب الاحتمالات أن تؤدى إلى نشأة دكتاتورية جديدة تحت شرعية ما من الخليط الموجود وقد تنشا عنها أجيال من التصفيات المتداخلة سواء المتصلة بالتصفيات المقادة بالصراعات في الفترة الصدامية أو على قاعة الاحتلال ومن المؤكد لدي أن المجموعات الدينية الساعية إلى إقامة الدولة التيولوجية ستكون المحرك الرئيس في تاريخ العراق المقبل في مداه المتوسط على الأقل( المواجهة المذهبية بين السنة والشيعة ) ومن خلال هذه الاطروحات اطرح السؤال العملي التالي – هل مشهد محاكمة صدام حسين ساهم في فض ملف أو في تأسيس ملف جديد يخص العراق الآتي – ماهو المجتمع أو ملامحه العامة في العراق ولا اقصد من جهة الأمريكان والمشهد المنصب بل من جهة المقاومة .ما هو المأمول من المقاومة الحالية هل أن هذه المحاكمة أسست إلى مشروع مقاومة أم اندرجت في سياقات أخري وحيثيات لا علاقة لها بما يحدث الآن وكذلك ما سوف يحدث في المستقبل والخلاصة التي أردت إثارتها أن المحاكمة تحرض على فكر وممارسة المقاومة ضد الدكتاتورية والاستبداد العربي وكذلك رموزه وكذلك ضد الاستعمار والبربرية التي يحملها. النص الذي كتبته في تقديري يفتقد إلى الفصل بين معني الحق والإنصاف والشرعية واقتصرت في النص على معنى المحاكمة العادلة غير المتوفرة في حين أن الأركان المادية هي عاجزة عن ذلك والقول بالمحاكمة العادلة والشرعية يصبح ادعاء لا عملي وخارج عن سياق الإحداث التي تسيطر على العالم من ناحية وعلى منطقة الشرق الأوسط من أخرى والاهم ما نعيشه نحن . أما في معني المقاومة فعندما كان الرئيس يحكم كانت هناك مقاومة وكان الرئيس يهاجمها بنفس الأساليب ولكن بأكثر سرية وخارج أية صورة ولو جزئية ولو دعائية ولو بصورة في شكل خبر . أما الأفكار التي راودتني بصفة عامة وأنا اطلع عن نصك هي السيناريوهات التالية ربما لو لم تجتاح العراق القوة الاستعمارية الأمريكية لكان حدث انقلاب عسكري على الرئيس وهو ما يعنيه مباشرة رميه بالرصاص بدون محاكمة ولو حاكموه فلن يكون بدون الإعدام ما دام القانون العراقي ينص على ذلك وفي هذه الحالة هل انه قد يكون تعرض إلى محاكمة عادلة أما الاحتمال الثاني وهو اغتياله وعندها فالأمر بين أما الثالث فهو الاجتياح وبالفعل هذا ما وقع والحال اننى لم اذكر الفرضية الثورية وهو قيام ثورة لأنها في ظل الواقع العراقي هي المستحيلة لان صدام هو الذي قاتلها من جذورها وفي كل هذه الاحتمالات الرجل سوف يلقي تقريبا نفس المصير إلا إذا أردنا أن ينتظر العالم منيته حتى يموت على العرش عندها نطمئن لان الرئيس الذي أهان العراقي لا نريده أن يهان هذه التناقضات هي التي تجعلني اطرح الاحراجات وفي خاطري عدم الرغبة في لملمتها وعاش العراق الثائر لطفي الهمامي باريس في 22-11-2006

 


 

عندما ينتهي اليسار كما بدأ يصبح الحديث عن المبدأ لغوا

 

             انتهت فصول المحاكمة المهزلة للرئيس العراقي صدام حسين في ما يسمى قضية الدجيل وكما كان متوقعا من الإدارة الأمريكية صدر حكم الإعدام على صدام حسين وشقيقه برزان التكريتي تحت لائحة من الاتهامات التي لن نبحث في مدى صحتها، خاصة مع وجود الاحتلال ورغبة الصفويين وغيرهم من العملاء المخلصين للإدارة الأمريكية في تصفية نظام ورجال أثبتوا عبر السنوات التي حكموا فيها العراق أنهم لم ولن يساوموا حريتهم بحرية بلد بأكمله، ولكن موضوع هذا النص هو مواقف الحركات السياسية وخاصة الماركسية من حكم الإعدام الصادر من الاحتلال على الرئيس العراقي صدام حسين. نعلم جيدا أن كل الحركات السياسية الماركسية كانت لها مواقفها من سلطة البعث في العراق ومن الإيديولوجية البعثية التي خطت خطواتها في نفس الوقت الذي بدأت فيه التنظيمات الماركسية تتشكل وتنتظم في الأقطار العربية تحت ما يسمى بالإيديولوجية الماركسية ثم الماركسية اللينينية ثم الماركسية اللينينية الستالينية. لقد كان موقفها من قضية التحرر العربي من الاستعمار الغربي مرتبطا ارتباطا وثيقا بمواقف الإتحاد السوفيتي، أي المركز، وكان هذا جليا في اعتراف هذه الأحزاب بالكيان الصهيوني وباستعمارها الاستيطاني تمشيا مع اعتراف ستالين بذلك. ومع هذه التبعية للمركز في المواقف والقرارات أثبت شيوعيو المنطقة العربية غربتهم وعجزهم عن القراءات السياسية التي تتماشى وطبيعة ما تعيشه المنطقة العربية حتى صح قول « يحملون المطريات كلما أمطرت في موسكو » وتواصلت غربتهم عما تعانيه المنطقة العربية إلى الآن حتى أنهم عاجزون عن تحديد طبيعة المجتمع العربي وتتم تغطية هذا العجز بقراءة رديئة  » أمة في طور التشكل » وبما أن البقرة الحلوب التي كانت تدر عليهم المواقف والقراءات سقطت بفعل عجزها هي نفسها عن التجدد والتطور مع تطور العالم والمجتمع المادي الذي طالما تباهوا بثورة التناقضات بداخله، ترى قراءاتهم اليوم ومواقفهم وعلاقاتهم تحمل طابعا سياسويا ضيق الأفق فمن الثورة الحمراء وحزب العمال ودكتاتورية البروليتاريا إلى معارك المشروع الإصلاحي والتغيير السلمي ومعارك المتنفس الضيق أو الهامش من الحرية. ولسائل اليوم أن يتساءل هل حقيقة أن المواقف التي صيغت في علاقة بكل التطورات التي مرت بها المنطقة العربية لازالت تخضع اليوم لقراءات ستالين المتطرفة في علاقة بالفكرة القومية وخروتشوف أو مشروع إعادة البناء أو الهدم اللانيتشوي لغورباتشوف، أي النهاية الحتمية للقراءة المادية وحقيقة كونها مرحلة فكرية من مراحل المرحلة الوضعية ما بعد المؤله والماورائي الذي تحدث عنه أوغست كونت. تحمل الفلسفة الماركسية قراءة مستقبلية تخص الإنسان ومستقبله في ظل الصراع الحتمي مع المنظومة الرأسمالية وحقيقة استعبادها للإنسان واستغلاله، ولهذا اقتنع بها الكثيرون وحملوا لواءها مثلما حملت أفكار هيقل وفيورباخ وريكاردو وفلاسفة التنوير من قبل. وهذه الحقبة الفكرية نفسها أثبتت أن العقل البشري بإمكانه العمل من اجل الإنسانية في كل مراحل تواجدها بثورات فكرية هدفها خط مسيرتها التي تتغير وتطور في كل حقبة من الزمن تحت تأثير التناقضات الداخلية التي تحملها هذه الحقبات الزمنية. وبقيت الماركسية ما بعد ثورة أكتوبر فلسفة ومجموعة أفكار استغنت منها كل الشعوب بالعالم وساهمت بشكل أو بآخر في تطور الأفكار والقراءات ولكنها عجزت أن تثبت قراءاتها الحتمية وأن تكون الخط أو المنهج الوحيد للثورات التحررية في العالم من التوجهات الرأسمالية وأعلى مراحلها. نعود إلى الأحزاب الماركسية في الوطن العربي ونخص بالذكر الحزب الشيوعي العمالي                  « الماركسي- اللينيني » بالعراق وحزب العمال بتونس ومشتقاته. الأول يتحالف مع الإمبريالية في الخارج من أجل الإطاحة بالنظام العراقي وينخرط في الحكومة العراقية ويوزع الحلوى على الجنود الامرييكيين ببغداد عند سقوط النظام العراقي والنطق بالحكم في قضية صدام حسين والثاني ينخرط فيما يسمى حركة 18 أكتوبر التي تحوم حولها الكثير من التساؤلات خاصة وأن أغلب المنخرطين فيها لهم علاقات كبيرة ومتطورة بالإدارة الأمريكية. وفي كلتا الحالتين يحضر الحزبين في التوجهات الأمريكية بالوطن العربي لكن بشكلين مختلفين. أثبت الحزب الشيوعي بالعراق منذ نقضه لمشروع الجبهة الوطنية ببغداد في الثمانينات أنه من الأحزاب التي لا يمكنها أن تحمل الجينة الوطنية بداخلها وبالتالي فليس من المستغرب تلك المشاهد التي رأينا فيها المطرقة تعانق الدبابة الأمريكية ببغداد والمنجل يحصد أرواح العمال و الفلاحين و الوطنيين العراقيين. وثورة البروليتاريا التي قادها صدام حسين بايدولوجيا البعث يقدمها « العماليون » الجدد للرأس مال وللإمبريالية لتعبث بها بعد أن قدم العراقيون من أجلها الكثير في ثورة التأميم1972 وطرد رأس المال الأجنبي من العراق، فطوبى للماركسية وللمتمركسين على نهايتهم المنتظرة وطوبى لصدام حسين لأن الجميع أصبح مقتنعا لا بحتمية المرحلة الشيوعية لكن بحتمية الصراع العربي ضد عملاء غلفت وجوههم بفلسفة ماركسية احترمها صدام حسين أكثر من مريديها ومنتسبيها. أما حزب العمال الشيوعي التونسي ومشتقاته حزب النخبة فتاريخه مع الحركات القومية بتونس وبقية الحركات ومواقفه لازالت إلى الآن تشهد على عجز هذا الحزب عن صياغة توجه سليم وقراءة موضوعية لطبيعة المجتمع العربي بتونس حتى وإن غلفت الآن بشعارات مزيفة مثل نضالهم المبدئي من أجل الشعب الفلسطيني ومن أجل اضطهاد رأس المال للعمال بتونس وغيرها من الشعارات التي بقيت شعارات منذ الزيارة المقدسة التي قام بها حمة الهمامي لقصر قرطاج ومبايعته الامشروطة لبن علي محرر العمال وراسي نهضة تونس. وعند تكالب الإمبريالية والحركة الصهيونية على العراق وإسقاط النظام هلل حزب العمال الشيوعي التونسي لسقوط ما يسمونه وهم الفكرة القومية والنظام البعثي بالعراق وهو نفس الموقف الذي صاغته كل القوى الماركسية أو الأحزاب الشيوعية بالوطن العربي خاصة مع تبني الحركة القومية وخاصة البعثية للنضال الطبقي وخوضها للصراع المباشر مع الإمبريالية من أجل مجتمع عربي موحد وعدالة اجتماعية واقتصادية تقود نهضة هذه الأمة، وهذا ما يمثل لديهم سحب البساط من تحت أقدامهم والحد من الشعارات المفرغة التي تتبناها هذه الأحزاب من أجل بعض الامتيازات والفتات الذي يقدم لها من قبل المنظمات اليسارية العالمية أو من قبل الإمبريالية لتمثيلها دور الخيار الثاني للسلطة ما بعد انتهاء مدة صلاحية الأنظمة العربية التي أقامتها الإمبريالية في الوطن العربي.        وتلتها الكثير من التوجهات كان آخرها انخراط الفكرة التقدمية جدا التي يتبناها الحزب مع رموز حركة النهضة في حركة سميت 18 أكتوبر نصب أحد قياديي حركة النهضة على العريضي ناطقا باسمها. تلخصت معركتها في الحرية ولو هامش قصير لتتنفس فيه هذه الحركات مع إحكام بن علي قبضته على البلاد وقمعه لكل الأحرار فيها. التقى الفكر التقدمي اليساري مع الفكر الوسطي(إسلام معتدل ويسار معتدل) واليميني لتوجيه معركة العمال والفلاحين من الشوارع والمعامل إلى مكتب زكريا بن مصطفى المكلف من قبل بن على لتقديم التعازي لليسار عن فقدان يساريته والثناء على اليمين لجعله اليسار يسارا مبتورا وفاقدا لعذرية مواقفه وشعاراته. فهل يصح بعد كل هذا أن ينتظر من أحزاب عجزت على المحافظة على ثوابتها وخياراتها ولهثت وراء الإمبريالية لتضمن لهم هامش من الحرية عند الحكام العرب، أن تندد بحكم الإعدام على رجل أثبت عبر مسيرة كاملة أن لا نهاية للصراع العربي الإمبريالي مهما كانت التكاليف حتى وإن كان ثمنها رأس صدام حسين. وأن خيارات البعث ورسالته عقيدة لا يمكن المساس من معالمها وأن ثورة العمال والفلاحين رسالة كل الأحرار و خط سيرها في معركة الإنسان بالوطن العربي وهذه الأحزاب التي كنا نعدد مناقبها لا يمكنها إلا أن تكون « حوانيت » يقتل فيها الأحرار وتباع نضالاتهم في مزادات  الحكومات القطرية والامبريالية والحركة الصهيونية. مع احتراماتنا لكل الماركسيين الصادقين بتونس وبغداد والوطن العربي   شاهد على رداءة اليسار في تونس
 

بسم الله الرحمان الرحيم

و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين

                                                                                                                                                 تونس في 22/11/2006 

 

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري

كاتب عام جمعية الوفاء

الرسالة عدد 171 موقع تونس نيوز

الإعلام الديمقراطي

 الحلقة الأولى رسالة مفتوحة للسيد رئيس مجلس النواب الموقر حول الحوارات التي ستجرى بمناسبة عرض الميزانية الجديدة لعام 2007 إن شاء الله

في كل مقال أكتبه أقول إن شاء الله و في كل حلقة أذكرها أقول بحول الله و بعونه لأنّ الأعمار بيد الله و هو العليم بالآجال و الأقسام و الحياة و الموت و الأرزاق و الغيب… أقول هذا بإيمان صادق و عقيدة المسلم الذي يؤمن بأنّ كل شىء بيد الله و هو الحكيم العليم يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك من يشاء و يعز من يشاء و يذل من يشاء بيده الملك و هو على كل شىء قدير صدق الله العظيم بعد هذه الخواطر أواصل الكتابة خلال هذا الشهر المبارك الذي يصادف الذكرى 51 لإنعقاد المؤتمر التاريخي الفاصل يوم 15 نوفمبر 1955 و الذي إنعقد بصفاقس في ظروف صعبة و كان المؤتمر الحاسم و القول الفصل و صادق بالإجماع على سياسة المراحل التي أتبعها و خطط لها زعيم الأمة المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة و أثمرت و حققت النتائج الملموسة الساطعة التي لا ينكرها إلا جاحدا أو عنودا أو كافرا بنعمة الله

قلت إخترت هذا الشهر الذي له دلالته و خصوصياته و بصماته في التاريخ … لأواصل الكتابة عبر قنوات الانترنات تونس نيوز و التي و لدت و ترعرعت في مدرسة الحرية و الديمقراطية و حرية التعبير و إحترام الرأي الآخر دون رقابة ذاتية و دون مقص حاد لا يرحم و لا يعرف الرحمة و الشفقة و لو كان المقال يكتب بماء العين …. و من أجل ذلك أكتب في هذا الموقع و اليوم جاء دور مجلس النواب المجلس التشريعي الموقر الذي تأسس يوم 26 مارس 1956 بعد الإستقلال التام باسبوع و كان يسمى المجلس التأسيسي في بداية عهد الاستقلال ثم وقع تسميته في الإنتخابات التي جرت يوم 8 نوفمبر 1959 بمجلس الأمة … و هذا المجلس أصدر أول دستور رائد يوم غرة جوان 1959 من أكبر و ارقى دساتير العالم العربي و الإسلامي في تلك الفترة هذا المجلس لعب دور هام و فاعل في ميلاد النظام الجمهوري العتيد و إلغاء النظام الملكي يوم 25 جويلية 1957

و إنتخب بالإجماع المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة رئيسا للجمهورية ثم جرت إنتخابات ديمقراطية يوم 8 نوفمبر 1959 و رشح الحزب الحر الدستوري التونسي زعيمه الحبيب بورقيبة لرئاسة الجمهورية

و هكذا على 3 حلقات و دورات إنتخب الرئيس الحبيب بورقيبة رئيسا للجمهورية من 1959 إلى 1974 ثم جاء التتويج و الاقتراح من مؤتمر 1974 و توصية من مناضلي الحزب الحر الدستوري الذي وقع تغيير اسمه في مؤتمر المصير عام 1964 و أصبح الحزب الاشتراكي الدستوري و جاء التتويج الإستثنائي لأول مرة كتتويج و جزاء ووفاء و إعترافا بالجميل و تقديرا للتضحيات الجسام التي تحملها زعيم الأمة و ضمير الشعب و رمز البلاد و بطل الاستقلال و باعث الدولة العصرية و باني الجمهورية و محرر المرأة نعم محرر المرأة و بطل الجلاء جاء التتويج لرئاسة مدى الحياة و فعلا كان وفاء من شعب قدّر جهود زعيمه الأوحد الذي ليس كالزعماء و لا كالرؤساء و التاريخ سيروي بعد حين هذه الخصال كما يرويها اليوم الغرب حول مسيرة الزعيم و قد عشنا في الاسبوع الأخير الذكرى الثانية لوفاة الزعيم ياسر عرفات رحمه الله و قد تابعنا المهرجانات و الخطب السياسية و التنويه من طرف كل الفصائل الفلسطينية فضلا على حركة فتح … و شاهدنا صور الزعيم ياسر عرفات رحمه الله في كل مكان

و في تونس غيبت صور الزعيم رحمه الله و السيد فؤاد المبزع يعلم و يدرك قيمة هذا الرمز الخالد و عاشره و شاركه في تحمل المسؤوليات من خطة والي إلى رتبة الوزير و كان بودنا لو كان في قصر مجلس النواب قصر باردو صورة الزعيم من الحجم الكبير كرمز للتاريخ كما نشاهد صورة هواري بومدين في الجزائر

سيادة رئيس مجلس النواب

بعد هذه الخواطر يشرفني أن أتقدم بالخواطر و المقترحات التالية بمناسبة مداولات مجلس النواب لمناقشة ميزانية الدولة لعام 2007 إن شاء الله

أولا تغطية المداولات كاملة و الحوارات على شاشة التلفزة كما نتمتع بمشاهدة مداولات أعضاء مجلس النواب بالمغرب الشقيق و كذلك الغرفة الثانية مجلس الشورى المستشارين بالمغرب

ثانيا: أن يكون التوقيت المخصصة للبث يتماشى و راحة الموظفين و العمال أي بعد الساعة الثامنة مساء قصد متابعة المداولات

ثالثا: ضرورة أن يدوم الحوار البرلماني 3 ساعات كاملة حتى يتسنى الإصغاء و الاستماع إلى عدد كبير من النواب مع إعطاء 15 دقيقة لكل نائب و عدم مقاطعته

رابعا : ردود الوزير تكون لمدة نصف ساعة مع إمكانية إتاحة الفرصة للتعقيب على ردود الوزير كما هو الشأن بالنسبة للمغرب الشقيق الوزير يردّ و النائب يعقب و تلك هي حرية الحوار البرلماني

خامسا : ضرورة بث و نشر المداولات في اللجان المختصة و التي تسبق المداولات العامة و المناقشات في آواخر نوفمبر إلى 20 ديسمبر 2006.

سادسا : التأكيد على بث خطاب الوزير الأول كاملا لعرض الميزانية و الردود بشفافية و دون ملخص يذكره الإعلامي أو المنشط أو المكلف بالتغطية الإعلامية و عدم تكرار مشاهد الاعوام الأخيرة

سابعا : التأكيد على بث خطاب الوزير الأول الذي هو بيان الحكومة على غرار ما حصل في عهد السيد الوزير الأول الزعيم الهادي نويرة رحمه الله و الوزير الأول السيد محمد مزالي لأن بيان الحكومة يهم كل المواطنين

ثامنا : ضرورة شفافية التدخلات و تجنب ردود أعضاء مجلس النواب على بعضهم و لو كان الراي المخالف فالتقاليد النيابية في العالم تفرض إحترام الرأي و الرأي الآخر و المؤهل بالرد هو الوزير عضو الحكومة أو رئيس مجلس النواب إذا رأى ضرورة متأكدة و قصوى و تستوجب الردّ

تاسعا : مزيد إحترام الإصغاء إلى بعضنا و تفعيل الحوار الديمقراطي

عاشرا : التركيز مستقبلا على إحترام المواعيد السياسية و المحطات الهامة و إعطائها قيمتها و مدلولها و خصوصياتها و طابعها الديمقراطي في آجالها و حدودها و دعم المناخ الديمقراطي و تفعيل الرأي و الراي الآخر و خاصة في أعلى مؤسسة دستورية تشرّع و تصادق على القوانين و المشاريع الهامة و تسنّ القوانين و تدافع على القوانين و المصادقة على المعاهدات و الإتفاقيات الدولية و تحترم آجال المعاهدات بين الدول  و حتى آجال الديون فلا سبق الآجال و لا تأخير على المواعيد تلك هي من أسمى مهام مجلس النواب الذي كل الشعب التونسي ينظر إليه بهذه النظرة فخارج مجلس النواب المؤسسة الدستورية النقاش شىء و في المجلس شىء آخر لأنه هو المشرع و الضامن لتطور القوانين و الساهر مع رئيس الدولة على تطبيقها و إحترامها و كلامي مفهوم للغاية و لا يحتاج إلى مزيد التوضيح … ؟ و لكل حدث حديث و لكل موعد إستعداد و لكل أجل كتاب في أمة واعية متحضرة بلغت من الوعي و النضج درجة كبرى و هذا ما أكده بيان السابع من نوفمبر 1987

المحور الحادي عشر : ضرورة أن تكون لكل ذكرى أو حدث وطني بارز أو عيد وطني خصوصيات في الإحتفالات و معالم الزينة حتى لا تفتقد الذكرى قيمتها و في فرنسا في ذكرى الثورة 14 جويلية المعروفة ترفع الأعلام و يكون أكثر من العادة يومي 13 و 14 جويلية و بعدها تحفظ للعام القادم و هذا هو الواجب فلا يمكن أن تبقى الأعلام والزينة و اللافتات 25 يوما من 31 أكتوبر إلى اليوم و بعضها في الشمس و الريح و الأمطار و بعضها مزقت من الريح و نخشى عليها من الأمطار و العوامل الطبيعية و الذي يقول هذه الملاحظات هو الوطني الغيور ثم إنّ هناك شعارات كتبت سابقة لأوانها و مازال وقتها و الحرية و الديمقراطية تفرض علينا إحترام بعضنا و لكل حدث حديث …

قال الله تعالى : و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر وأولائك هم المفلحون صدق الله العظيم

ملاحظة : نرجوا فهم المقاصد النبيلة فهما صحيحا بعيدا عن التأويل و التهويل و الرجم بالغيب و من ردود الصائدين في الماء العكر.

قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله و قولوا قولا سديدا صدق الله العظيم

 

 

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري

كاتب عام جمعية الوفاء

الجوال 22.022.354

 

 

سلطة مسروقة وأحزاب مسروقة=وطن مختطف وإنسان بلا أمل=

مؤتمر دولي حول الحرية..(2)

 

حسين المحمدي تونس

 

من يتحدث عن مؤتمر دولي للسلام بالطغاة يريد أن يسلّم العالم لحركات متطرّفة تتجاوز الجميع.

 

.وهذا الأمر طبيعي بعد سنوات من القتل والقتل المضاد.وحاكم عربي تعوّد وجاء ليتاجر بالموت.

لا يوجد داخل الدول المغاربية(المعتدلة والحليفة للولايات المتحدة الأمريكية وللغرب ولإسرائيل..)

برلماناواحداولاهيئةواحدة حقيقة تريد سلاما في فلسطين؟ولا يوجد خطابا واحدا هنا.بل عرفات عندمارفض ماعرضه عليه كلنتن وهوكبيرجداهللت كل الدول العربية وراجعوا الخطاب الرسمي والصحف(لي جزء هام منها)كلهاأجمعت على أن القدس خط احمر .بل يوم جاء إلى تونس وحضراجتماعابقصرالمعارض بالكرم رفع الرئيس بن علي يد عرفات؟والشريط متوفّر؟ماذا تغير لنتحدث عن السلام داخل فتح؟والأنظمةالمعتدلة؟ودعنا من المتطرفين.؟من زيّن لعرفات هم ذاتهم حاكمون يحكمون بالحديد والنار…

 

.هذاالكلام عندما يقوله اولمرت للاسرائليين فانه سيكبر في عيونهم ولا ينهار.أمّا وان نعقد مؤتمرا دوليابتعلةإنقاذاولمرت وأبو مازن والسنيورة والدول المعتدلة.وعوض الحديث عن الحرية والدمقرطةوالأسباب الحقيقيةالتي تركت الأنظمةالمحيطة بإسرائيل لا تنتج إلا الحركات الأصولية وبعد 60عاما من الحكم والذبح باسم الأمن والاستقرار وتهيئة الأجواء لسلام بين الفلسطينيين والاسرائليين؟….فانّ هذا خراب بعينه..

 

    .هذه الأمثلة تغني عن كلّ تعليق.وتقول بفشل الرهان على ما هو خارج البلدان العربية أو على ماهوداخلها من تفاهات أوعلى السلطات العاجزة.يعني أموال وأرواح ودمار نتيجة لذلك والحال أن هناك طرقا ومسالك طبيعية واجب المشي فيها لتنتج لنا السلام بالضرورة.خارطة طريق لكل دولة عربية.ودعونا من السيادة والخصوصية.نعرف البئر وما فيه.

 

 تونس البعيدة عن اسرائيل وعن أيّ توتّر ولكن…خطاب السلطة يوم7نوفمبر2006؟

 

تونس بعد50سنة من الاستقلال19سنةمنها مع السلطةالمسروقةوالاحزاب المسروقة والأمل…

 

.عاد رجال السرقة إلى الحديث عن ميثاق جديد؟عنوانه العروبة والإسلام والسلام؟علما وان الميثاق الأول كان عنوانه تجميع التونسيين والتونسيات في نوفمبر1988لمحاربة النهضة لاحقا مع إمضاء ممثل عن حركة النهضة(الأستاذ نورالدين البحيري) عن ذبح رجال النهضة وتونس بأكملها…كما أن النظام كان يتغنى بأنه من حارب الإرهاب وبأنه المختص الأول عربيافي هذا؟إلى جانب متاجرةرخيصةبالقضيةالفلسطينية وباليهود وبغيرهم.

 

كتاباتنا عرّت البئر ونحن في البداية

 

.السلطةفي تونس عندماانكشف أمرهافي مجالات الإرهاب والسلام والوساطات…لا تريد أن تكون لوحدها متهمة بالإرهاب بل واجب عليها قلب الطاولة…وجر من جديد الأحزاب أو ما يقال عنها أحزاب(انظرواالإعلان الذي تعرضه تونس 7وما يقوله رجال من داخل النظام (لا تذكر أسماؤهم ولا صفاتهم…)..فؤاد الحوات عضو مجلس المستشارين..علي الشورابي وكيل رئيس بالمحكمة الابتدائية بزغوان.نعم…الطيب الزهار وما ادراك من حقائق…فنطر…بولحية..بوشيحة..

كلهم من رجال السلطة..والأخيرين رئيسين لحزبين معارضين؟وسنرى في ماسيأتي ما يقولان ..وفي مواقع رسمية..)

 

دعوت منذ اكتوبر2004الى الخروج عمّا كان يقال عنه ميثاقا وطنيا…لكن..

 

.شخصيا دعوت جهرا منذ 2004الى أن يخرج كل من يقول أن الانتخابات في تونس باطلة وبالتالي كل ما ترتب عنها باطل من الميثاق الوطني…

 

ولهذا النظام هرول لإعادة وضع تحت إبطه الرجال مع تقدمهم في السن بعشرين سنة كاملة وبعد أن كبلهم في الحرب على الإرهاب لمدة20سنة…النظام خاف من أن تحضرالشجاعة لحظة ويخرج الرجال فذهب إلى بدعة جديدة وما أكثر البدع؟سارق من هنا وسارق من هناك=مجموعة لصوص.

 

.رجال السلطة أنفسهم خوف من غضب بن علي عليهم لأنهم أخرجوه من التاريخ والعلاقات…

اصطنعواهذه الحكايةليتكفلوابإنجازها من هنا إلى نوفمبر2008…يعني شانطي فتح وبالتالي بن علي مطالب بإبقائهم…كمافي مرات سابقة..مؤتمر حزب..اتحاد الشغل…ميثاق جديد…انتخابات2009

هذا ماقلت وأقول عليه الأميةالسياسية…الجماعةأفلست وتبيع الإفلاس..وهناك من يشتري باسم

السلام وحقوق الإنسان والمدنية والديمقراطية؟ويريدون أن لا يضحك عليناهذا وذاك..

 

.ما يقال عنهاانتخابات رئاسيةوتشريعيةوبلديةأعلناعن نتائجهاتفصيليا قبل مواعيد إعلانها من السلطة.بالنسبةإلى الرئاسيةوالتشريعية تجري يوم24اكتوبر2004والنتائج وضعنهايوم4اكتوبر  2004.البلدية تجري يوم 22ماي2005والنتائج كانت جاهزة منذ يوم3مارس2005 .بل الرئيس بوش طالب الرئيس التونسي وبصفة مباشرة في فيفري2004 أن تكون الانتخابات نزيهة وشفافة.

رأيناطبيعةونوعيةالأحزاب البرلمانية.وهناك من يأتي ويتحدث عن دولةوعن سلطةوعن أحزاب..؟

 

.السلطة فلّقت العائلات والعلاقات…واليوم تريد أن تسرق خطاب المدنية والسلام والتسامح من جديد…نبهت الرئيس بن علي إلى هذاعبرهذاالبيان ونصحته بعدم قراءة خطاب مكتوب..لكنه

رأى غيرذلك فهوحر…الخطاب نفسه بعدتعرف كاتبيه على هذابطريقةاعلمها.. ارتبك من كتبه ومن أعده…وتم تغييربعض الأمور؟؟؟وهذايستشف من النص والمضمون..أخطاء جعلته ينصرف إلى الردود والى وضع مانقوله نحن كبرنامج لسلطة ودولة؟هذاالغباء يقول السلطة لا خط لها.ويعطينا فكرة عما قيل عنهما برنامجين رئاسيين…وفكرة عن قدوم برودي لحماية هذه السلطة.وما طلب من برودي شخصيا..؟وعن المؤسسات والتشغيل ونسب النموّ…كيف نقول هذا وبنضياء والودرني هناك؟ومن ورائهمامهنّي؟

 

.منذ1988تركز خطاب الرئيس بن علي في كل المناسبات وليس يوم 7نوفمبر حول ما يلي…

 

   -محاربة الإرهاب والتطرف(النتيجة تميز التونسيون من صغار السن في قتل شاه مسعود وتفجيرات مدريد وقتل الصحفية أطوار بهجت وتفجير المرقدين في العراق…ومئات المحاكمات

اليوم لتونسيين من صغار السن باسم الجهاد؟)

 

  المصالحة الوطنية(عشرات الآلاف من الايقافات ومدة وجيزة بعد توقيع اليمين والوسط واليسار على الميثاق الوطني…ومايزيدعن ألف معتقل قضى اقل واحد فيهم في السجن عشرات السنوات ولا يزال البعض…)ومنع نشوء أي حزب حقيقي أوجمعية واحتكارالدولة…والرجال خانعة ذليلة؟

ومنهم من يحرسناويمنع عناالقوت لصالح هذاالعفن؟ذهن ويمشي في الطريق وينظرفي العيون

و…

 

  العروبة والإسلام…لمنع التغيير…ولجلب القوميين أمس لمحاربة النهضة واليوم لمحاربة بوش لأنه يحاكم رئيس النظام السابق في العراق؟

 

  رموزالسلطةالذين قهرواوفسدواوافسدوا؟وهم في القصر والحزب الحاكم وفي كل الأماكن..

هم من دمرواالرجال وزورواالانتخابات وكل شيء جميل في الوطن هم نفسهم من يدعواإلى ميثاق جديد؟والرجال تزكّر وتطبّل؟باسم العروبة والإسلام؟رجال السلطة يقتلون ما بقي من مصداقية لهذا وذاك…أين المعارضات الجدية من هذا؟تحركاتهم الفعلية؟من ناحيتنااعددنالهؤلاء ماقالواخلال

جلسات ماسمي بالنقدالذاتي؟وخلال خطبهم حول النهضة؟وحول الاستفتاء؟وحول الحجاب؟وحول

الإرهاب؟وزمن بورقيبةبالنسبةلمن هم من الدستورين؟وللمعارضين المهاجرين كتاباتهم هناوهناك؟

ثم أمورا أخرى.

 

  السلطةبرجالهاالحاليين تتحدث عن وحدة وتجانس التونسيين؟نحن متجانسون بطبعنا.إذا كان

القصد جعل فئة تبتلع الدنيا فهذا ما نرفضه وهذاالقول هو دعوة لتهييج جهةأوجهتين على باقي ولايات الجمهورية…رجال الساحل أنفسهم اكبرالمتألمين والمتضررين مما يجري باسمهم…وقلت

هذا في مقالات سابقة منشورة خاصة منها بتاريخ 7جويلية2006وقبله بتاريخ 26جوان2006.

 

تضمين هكذا كلام في خطاب رئيس الدولة هوارادة اللعب بالنعرات والجهويات…وتخويف التونسي من أخيه التونسي بعد 50سنة من الاستقلال و19سنة من الحديث عن الإنقاذ والمصالحة الوطنية والطبقة الوسطى وتحسن مستوى العيش على كل المجالات…أمل حياة…طب..رعاية وحيطة اجتماعية..تعليم…خدمات ..رفاه

 

وهذاوردفي كتابي المنشوربتونس نيوزانظرالموقع الخاص بتاريخ 27ديسمبر2005…ورجل أو رجال هذاالتوجه معلومون..ومارسوه في أي مكان دخلوه…

 

وشخصيا قلت هذا الكلام بتاريخ 22جويلية1996وهو ما جلب لي العقاب ؟قلت يومها في جلسة رسمية كلاما حول المجتمع المدني…فكتبت رئيسةالجلسةوهي امرأة؟وكتب احد الحاضرين معنا وهو من وزارة الداخلية جاء ليمثل الوزارة في لجنة مخصصة للعمل الجمعياتي(شخصي رئيس دائرة الجمعيات)؟يومها كان عاديا…وفي سرعة البرق طار إلى أعلى وصار يتحكم بمصيرالبشر؟

بل هذا الشخص كان معتمدا أواسط السبعينات وأودع السجن.واترك للقارئ أن يبحث عن السبب وإذا لم يعثر عليه سيراه لاحقا.

 

.منذ2000 والرجال؟تمرد تحته من اجل أن يعطيهم شهادة الوطنية والتعيين في مسئوليات هامة ومهمة؟لأننانعرف هذاوغيره رفضناهكذاتفاهات.وقلنالبنعلي لن يقدروامستقبلا على تمريرالخوف أو التزوير..

 

نحب رجال الساحل من أمثال البكوش ومحمدجغام ..لا يوجدلديناكمالا يوجد لدى أيّ تونسي هذا…

 ..الفضائح لاتصنع سياسةلوحدها.ومن يجعل منهامادةإعلانية دون فكرتافه..الفاسد عندما يسرق

 دخل عالم الانهيار وهذانصف الكأس…الأفكار والبدائل هي نصف الكأس الآخر.لكن ليس بفاسد

مالي وأخلاقي أوأخلاقي أو مالي..

 

تونس أولادها متجانسون ويشكلّون عائلة واحدة..

 

أمثلة على من يريد تفليق تونس وحيثما ذهب إلى أي مكان…الأرشيف موجود..بل احد المتألمين من هذه السلوكيات قال لي حرفيا..هل أنا موش تونسي؟…ومن فعل له هذا جاثم اليوم في منصب رفيع؟

 

مشكلتناالجوهريةالفسادوالتزوير.ولا تهمنا لهجته ولا يعنينا مكان ولادته.نحن إخوة…التونسيون والتونسيات يكوّنون عائلة…من كتب الخطاب ومن اعد(اعلم كيف ومن يعد الخطاب..)يلعبون بالنار..والنارستدور على صاحبها…واستنفارالنعرةالجهوية تدلّ على أزمة كبيرة وعلى ضيق

سياسي وأخلاقي واجتماعي.

 

شخص غريق يستحث أبناء عمومته لنجدته ممن؟من كتب هذا في خطاب بن علي مسكين…وأقول له والله لم اخرج إلى اليوم إلا 5بالمائة من إمكانياتي أمّا وان أخرجت ما هو من العيار الثقيل ماذا ستفعل؟والسبب بسيط في عدم إخراجها…

 

في مباراة التنس

 

.في مباراة كرة التنس أحيانا يستطيع المرئ أن يربح الخصم لا بسبب قوّة الضربة ولكن لضعف المنافس..وفعلا تحقّق هذا…لا على مستوى السلطة فقط..بل ما يقال عنها معارضة أيضا …

 

منذ 50سنة وهي تركض ولم تتحدث مرة واحدة عن أرشيف وأقراص..وبمجردأن قال جنابي بهذا ذهب هذا وذاك…واضحك واضحك واضحك...هناك من بادر إلى هذا لتمعييه وجعله من تلويكه يصبح عاديا؟

 

وهناك من تصوّرانه إذا ذهب وكررذلك سيجعلني التحق به فيرتاح إلى نوعيةأمرما؟إنهاالأمية السياسية…ولهذا ربحنا ونربح دون أن أخرجنا الأمر…

 

2009 ستتحكم فيه معادلات خرجت من أيدي السلطة المسروقة والأحزاب البرلمانية المسروقة

وما يقال عنهم مستقلون بالتخصيص…ومن يرى في نفسه قطبا…

 

.شيء آخر كتبت حوله فرنسااليمين يوم 7نوفمبر2006فتفجّرهذا وذاك مع يوم10نوفمبر2006..

ربحناوربحت تونس..وهناالرجال تناسواأمرامهمّاالتوثيق فالرجولةلا تحضرلحظةوتغيب60سنة؟ ماذا كان يكتب الشخص قبل 2004واليوم؟

 

تونس أمانة عزيزة ونريدها أن تلعب دورها الحقيقي..وغبي من استغبى الناس..

 

قلت تونس أمانةولم تفهموا…وفركيشةلن تمر..ومراكنات ما فيش…واللعب على إبقاء المفلس داخل القصرمافيش…وحكايات أخرى سترونهالتقتلع من الأساس حكايات التغلغل ومن سيقوم  بالتغيير لاحقا؟

مندسّون مع تحالفات نتنة؟وهناأجابني القلال باسم ما يقال عنه مجلس شورى وبالسرعة المطلوبة

كماسنرى لاحقا..واعرف لماذاالقلال خصيصا..؟ يوم غادرالرجل الداخلية في المرة الثانيةوعرض عليه الغنوشي وزارةالشؤون الاجتماعيةورفض.خاطبه بعدهاالرئيس بنفسه؟بعدأن تم إرجاع الخبر كمايقال؟

وحدث للقلال ماحدث ونقل إلى المستشفى العسكري ثم إلى جنيف أين فرّمنها بالروح..سمعت يومهاكلاما فيه من شخصيات تتحدّث اليوم عن التجانس لا يقوله رجال النهضة في القلالرانا نعرف بعضنا قليل من الحياء.ثم لأنني قلت الرجل مهمّش وعملت في ولاية صفا قص ربماالرجل يتمرّد؟..)

 

تونس للجميع وبالجميع تبنى وتافه من ينظّر إلى مكان الولادة أو من اللهجة يعيّر ويميّز

 

.نكتة للضحك…قبيل 7نوفمبر1987كان القروي أمينا عاما للحزب والرئيس الحالي الوزير الأول

 وبن ضياء كان مديرا للحزب زمن انكشاف كل الخطط التي يضعها الحزب للتعامل مع النهضة وقتها؟اليوم نفس الأمر القروي في الحزب والغنوشي في الوزارة الأولى مع بن ضياء في القصر؟

 

وحديث عن العروبة والإسلام؟يعني في الداخل نرفض ونميّز تونسي عن تونسي؟ونتحدث عن العروبةفي فضاء واسع؟أوإسلام وهوأممي؟اترك التعليق لكل عاقل وخاصةالإسلاميين الذين جروامن مذبحةإلى أخرى….أو في أحسن الحالات اتخذوا ويتخذون منهم خوّيفة؟ولهذا كتبنا ونكتب

 

عن المعادلة بين الإسلام والليبرالية.

 

عندمالاأخاف منك يمكنناممارسةالسياسة معا.أما وأنت غولا.فلا.هذاهوالواقع…وهذا ما نظّرت وانظّر له إلى سنوات.الفرص المتعادلة وحدها تجعلنا نخرج من الأشباح.وحدهالا تجعلنا نتحارب لصالح الفساد.ويموت معهاأسلوب الري قطرة قطرة والمنّة.وترقيةالمخبروالسجّان لأنّه تفنّن تعذيبا.

 

ليبراليتنالا تسرق أفكاراأونضالات أووطناأومواطنةأوأملا أوأحزابا..وتفكيرها بتونس ولها.

 

مساكين والله…لهذاطلبت من بن علي أن لا يقرامايكتب له…الجماعة أفلست وتفلس وستفلس أكثر…ومن الكتابة نستشف كل أمر…ولا أريد له هذا..لان هذا الأمر يكفي ليقف العالم عند نوعية رجال السلطة وعملهم للسلام ومصادراختيارهم لبرامج التعليم…وقلت سابقااذكرمرجعيات رجالنا …فهي شوان لاي ونيتشة

 

وعلى سبيل المثال أقدّم الودرني الوزيرالسابق للتربيةوالمهاجر من رابطة حقوق الإنسان والديمقراطيين الاشتراكيين ومن كان يكتب ويكتب قبل 7نوفمبر1987حول المدنية..انظروا ما فعلت به السلطة؟

 

وأين وكيف انقلبت أفكاره؟أوهي عينهاونحن المنخدعون؟وهذانموذج لاغير..وهونفس مازرع هنا

وهناك داخل القصروالحزب والأحزاب وما يقال عنها سفارات وجمعيات…ومنظمات…وهذا ورد في كتابي المنشورمن 24نوفمبرالى17ديسمبر2005.بل وقبل هذا مقاليّ بتاريخ 13و19 نوفمبر 2005. لكن الجماعة قالت..اكتب..نحن من يمسك بالأمور..بنعلي لا يقرا..وإن قدّر ذلك له فنحن لنا

بنضياء والودرني وسلامة و…داخل القصر…ولنا القروي من هناك والاستخبارات التابعة لوزارة الداخلية والدفاع والقصر…يجعلون الرجل لا يسمع ولا يقرا ولا ينظر إلا بشاهيتنا…ودليلنا..كتبت

وتكتب هل خرج واحد منّا؟هل مات النهب؟نحن من يحكم؟

 

ليلى نفسهاتحت رحمتنا باسم خدمتهاوطاعةأمرها من الودرني وبنضياء؟..السرياطي تحت رحمتنابل كان يمكننااخراجه وقبل القنزوعي؟لكن ترتيبات ماجعلتنانخرج قبله القنزوعي  ربما لخطورته علينااكثرمن السرياطي؟

 

صحيح رجال التفاهات الحقوابي أنواعامن الضرر..وضررهم واصرارهم على ذلك هومن أخرج ويخرج الأرانب..وأناوحدي من يعرف لماذا تخرج الأرنب؟وكيف تخرج؟وفي أي فصل؟ونوعية

الأكل الذي يعطى لها؟

 

.اللعبةبرمّتهاافتضحت.وتاه من كان يتصوّرنفسه قطباداخل القصراو من المعارضة.هذا ونحن

نسير بخطى السلحفاة؟..وأمثلة بسيطة جدا تدلّ على افتضاح أمر من أمورهم..

 

 .بقول احدالكتاب انه على هامش زيارته للاتّحادالسوفييتي سنة1965حدّثه..شوان لاي..عن النمر الأمريكي المصنوع من ورق(..)وقال له  حرفيا ما يلي…

 

-…هذه أمريكامجرد نمرمن ورق.وقد يكون صعباعلى أية دولة في العالم أن تصرع أمريكاأو تغلبها في حرب عالمية.ولكن أمريكافي النهايةستغلب نفسهابنفسهاعندمايبدأالسوس ينخرفي عودها من الداخل.

 

وعندمايصاب المجتمع الأمريكي بالفسادوالانحلال وعدماتضيع العائلةالأمريكية في دخان المخدرات وعندما ينسى الأمريكي كلّ شيء إلا نفسه وجيبه…

 

ويضيف الكاتب انه تذكّرهذاالكلام سنة1986 وهو يزورواشنطن..ورأى صدق هذاالكلام..كماأورد

استغراب شخصية أردنية(لا فائدة من ذكراسمها لان هذارأيها..)القائل…أليس ممّا يدعو إلى الحزن والألم بل والى اليأس والمرارة أن تبقى مثل هذه الدولة هي الحليفة لأكثر من 15دولة عربية؟وان تصبح وحدها هي القوة التي تحمي التيجان المهتزة وتضمن الاستقرار الضائع…

 

   .هذاالكلام لشوان لاي سنة 1965وضعه رجال السلطة في تونس(هم من حلفاء اليهود والأمريكان ومن رموزالاعتدال ومن العاملين للسلام و…) حرفياكمقرر تربوي لأولاد تونس منذ2001؟

ورغم كتاباتي حوله مرارامنذ2004وحديث عبدالعزيز بن ضياء ومهني وجل الوزوراء والمسئولين في القصروالدولة والحزب الحاكم في يوم العلم الماضي(جويلية2006) على تغييرات تمسّ هذا…

فانّ كتاب النصوص حافظ على المقرر..وهومقررمن مقررات أخرى…نوردهازمناآخر…وكلامي من جديد عن المقرّريقول بمن هم رجال السلام ومن هم رجال الإرهاب؟

 

ومن هو في نظرهم السفيرالأمريكي وكل من هومن حوله في تونس؟مثلماهوالحال لبوش ولمساعديه وأيّ مسئول أمريكي تطأأقدامه هذه البلاد...؟وهنا بالمناسبة أقول للأمريكي الذي نزل ضيفا على برنامج حوارمفتوح ليوم السبت11نوفمبر2006.وهودبلوماسي سأله لمرتين وفي هدوء غسان بن جدو..هل تدعمونإصلاحيين؟أجاب نعم.أعاد عليه السؤال..وأجاب بنعم.في تونس دعم للسلطة المسروقة نعم.للأحزاب المسروقة نعم.ورجال السرقة من عهد شوان لاي.

 

.وكلام شوان لاي سنة1965اخذه عن نيتشةحرفيا.. وعباقرةسلطتنامثلهم نيتشةفي نهاية2006؟

 

.يقول نيتشة وكأنه يصف مدينة نيويرك أو لنقل حالة أمريكا برمتها..أنّ التفتت والانحلال هما طابع هذاالزمن.وكذلك الجهل والمجهول.ولا إنسان قادر على أن يقف بمفرده فوق قدميه أو يستند إلى قوة عقيدته.والناس تعيش من اجل غدها فقط.لأنّها تخشى مابعدالغد.والجليدالذي نقف فوقه ويسندنا أصبح رفيعاكالخيط..وكلنانشعربالهواءالساخن من ريح مسمومةتلفح وجوهنا..ومازلنانسير..وغدا لن يقوى احدمنّاعلى المضي في السيّر…

 

.ومقررعبدالعزيز بن ضياء وعياض الودرني(وزيرتربيةسنة2000)ووزيرالتربيةالحالي.وكلّ من

 تداول على الوزارة منذ7نوفمبر1987الاغر .لا ننسىأن وزراء جاؤواإلى بنعروس ودافعواعن هذاوذلك بعد صدورهذا؟أي بعد يوم7نوفمبر2006.وسنرى ما قيل وما ترتب عن كلامي عمليا لشخصي ول…جاء الحداد بعد أن ذكرته.وهذا لمسح ما قلت؟وجاء وزير التربية ليتحدث عن

صواب البرامج ودقة المناهج؟

 المقرر التربوي..

…عين السائح غير عين المقيم حتى في أمريكا.فبعد بضعةاشهر من إقامتك في إحدى مدنهاأوأريافها تبدألتكتشف عيوبها وبشاعتها.

فمسيح أمريكاأتعس مسيح في العالم.بل ابعدمسيح عن المسيح في التاريخ والجغرافيا.لم يبق مسيح

أمريكاسيرةإلهيةأوحتى مثالاإنسانيامتالّها.صار علامة من العلامات التجارية التي يسوّق لها على

الشاشة الصغيرة بين ألف كنيسة وكنيسة أو قل ألف متجر وآخر.

.وكما ترتكب جميع الخطايا باسم المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية.كذلك ترتكب جميع الآثام باسم الديمقراطية والحرية.أنت حر أخلاقيا حتى الوقوع في اللااخلاق وحرّ جنسيا حتى التقاط مرض الإيدز.وحرّ اجتماعيا حتى السقوط في أخطار المخدرات المميتة(في تونس من هم رجال  المخدرات ؟من يحميهم؟كم هي أموالهم؟من الإيطاليين الهاربين من بلادهم هل يوجدبتونس وفي الأحياء الراقية؟وفي ضيافة من؟وسنة1997كم من شخصية تورطت وماذاوقع وعلى من حكم؟..لهذا ولغيره الطليان يحمي الفساد في تونس…كمارأيناابن باسكوا...وغيره من رجال اليمين الفرنسي..ويتكلمون عن السلام بعقليةالطغيان وتبييض الأموال…).ولكنك في المقابل لست كائنا سياسيا حراإذلا يمكنك أن تدين الحرب في زمن الحرب.(نحن في تونس يمكننا محاكمة رجال المخدرات والنهب؟)

.الأمريكيون الجدد أبناء جيل لا يعرف معنى العائلة وتضامنها مفكّكون مبعثرون بين أمّ ثانية أو أب ثان أو إخوة وأخوات من أم أخرى ومن أب آخر.

هذا التفتت داخل العائلة الأمريكية الواحدةيحمل في طياتها بذارالتقهقرلأمريكا من حيث تدري أو لا تدري…

 

هذاالنص ذكرته سابقاوقلت لاحقااذكرالمرجع..

 

.في السابق أوردت هذاالنص.وقلت لاحقااذكرمن أين اخذ.هل يمكن تصوّر سلطة تونس(بنعلي

لا يدرك هذاواجزم انه لم يسمع بهذا وان سمع فعلى طريقة القروي وبن ضياء والودرني…)

المتيّمة بحب اليهود والحليفةالتاريخيةلأمريكاأن يكون رائدها في التدريس لناشئتها شوان لاي؟أو نيتشة؟ويقال هذاجهراوأمام العالم ولا تتخلّى عنه؟ إذن من أين جاءت صداقة الإمارات لنا؟هل

هم من معدن نيتشة؟وشوان لاي؟ربّما؟

 

.هذه عينّات صغيرة من أخرى أهم.وهذه ليست مقالات صحفية.بل رسميات ولعقود من الزمن باعتبارها ربّت وتربّي أجيالا…أجيال وأجيال عشّش فيها الكره والحقد لأمريكا بفضل الحليف المعتدل؟…إنها السياسة…وانه ذهن يتعرّى بأفعاله…

 

أليس هذا من صنع من فجّرقطارمدريد؟ومن قتل شاه مسعود؟ومن فجّرالمرقدين في العراق؟ومن قتل الصحفيةأطواربهجت؟..سلطة تعرّت وتتعرّى بوثائقها.هل ينكرون هذا؟وهل نطمع في خيرمنهم؟

 

الإرهاب هذه ماركاته المسجلة وليس من ذهب إلى العراق من البسطاء ومن فجّر.الكذب له رجاله .والعجزوالاضطراب له رجاله.

 

ولا ننسى في الختام إلا أن نشكر موسى ووزير خارجية تونس وزملائه على دعوتهم لمؤتمر دولي للسلام مذكّرا بهذاعلماوأنني وجهته إلى تونس نيوز وغيرهايوم 6نوفمبر2006في الساعةالحادية عشرة صباحا بتوقيت تونس…واشكرأميرقطرعلى نهجه الجديد.السلام له عقول تعمل له.هذاالأمير وأمراء من السعودية يبنون الجميل…أتمنى أن لا ننخدع كماانخدعنا دهرا…كلامي هذا سيجعل رجال التفاهة يركضون إلى الأمير والأمراء هذا أن لم يركضوا…سنجعلكم تركضون وتركضون إلى غاية أن تقلعوا عن الكذب والنهب والتزوير.

 

 أولا

.محاربةالإرهاب أساسيةفي آسياوأوروباودول الشرق الأوسط بهدف استبعاد ما أمكن من مكبلات عملية السلام.لكن ما نراه بعد5سنوات غيرمشجّع.الطغيان هوالاعتدال؟الحرب على من إذن؟قال

هذابليريوم13نوفمبر2006 .

ثانيا

القرارفي النهايةلا يوجدلدى الدول المتوسطية ولا فرنساولا ايطالياولاأسبانياولا من هو من حولهم من تحالفات مصلحية ظرفيةلا غير’ولا حتى داخل اسرئيل لوحدها’بل عند يهودأمريكا.وبالتالي ملهاة

ومضيعة للوقت..ورفض اولمارت الفكرةوهومحق وهو يتكلّم من البيت الابيض يوم 13 نوفمبر

2006.

ثالثا

أمريكاوبعيدعن الشطحات والمباريات الإعلانية والإعلامية والخطابية لمن له انتخابات على غرار فرنساأولرجال السلطة من العرب الغائبين تماما عن العالم(البحث عن فتحات)ستترك لإسرائيل وحدهاحريةالقراءة والتعريف للدعوة والحكم عليها…وحدث هذا وهو عين العقل والتعقل وذلك

يوم 13 نوفمبر 2006.

رابعا

المؤتمرهوبكلّ المعاني’من وجهة نظري’الدعوةإليه والتي تأتي مباشرة بعد أن حزم رجال السلطة امتعتهم وذهبواإلى مجلس الأمن لمناقشة موضوع فلسطين وخابوا..هو في تقديري إسفاف دبلوماسي

ومتاجرةرخيصةجدا بالدم…وهوكشف لأمريكاعن نوعيةحليفها’دون أن يعي الحليف هذا’وتحديدا

لبوش(وحدث هذاأيضازمن ريغن)انه العقبةالكبرى وهوالحاجزالعدائي الذي لا يريدلاوروبا دورا

ولا للسوفيات عودة إلى الشرق الأوسط؟وهو من همّش المعتدلين العرب؟هذا ما ذهب إليه كل من أمير قطر وزير خارجيته يومي 14و13نوفمبر2006.

 

وكان هذازمن الانتخابات النصفية..يعني انتهازيةمنقطعةالنظير..هؤلاءهم المعتدلون؟والأوروبيون؟

دعنامن إيران وحماس وحزب الله…إنهاالأميةالسياسيةالعربية…الحاكم العربي لم يفرّق بعد بين خصوصيات المعارك الانتخابيةالأمريكيةالداخلية..وبين الموقف المبدئي للناخب الأمريكي منّا ومن قضايانا ومن كيفية وزمن طرحها وأين وعلى من؟هذا طرح قبل انتخابات امريكا.ويعاد اليوم بنية تهييج الديمقراطيين….إن من تنوون تهييجهم اكبر من هذا.وحالهم حال الجمهوريين لهم أجنداتهم..

خامسا

هذاالرأي والتخمّرالعربي قاصروقصيرلانّ مثل هذاالطّرح يعني أنّ الحاكم العربي بعدأن استنفذزرع الخراب داخل كل دولةعربية’هاهويبحث في إعادةالفوضى وإحلال الخراب(نقل بضاعته)إلى الشرق الأوسط؟يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله به عدوّه..ومراكز دراسات وملايين المخبرين؟

سادسا

ألا يعني هذاالغباء الدبلوماسي والدعائي أنّ الحاكم العربي لم يعد بالحليف الجيد للأمريكان؟ألا يعني هذاأن إسرائيل هي الحليف الوحيدلأمريكا؟وهنارايس امتازت وتمتاز وليس العكس...

سابعا

هذاالتلوّن الحرباوي عند رجال السلطة من العرب وعندأحزابهم ومعارضيهم هو ما جعل حكم

الأمريكي ليس لصالح العرب..وهو في تقديري الخاص مايعني أن الرأي العام الأمريكي قدلا يعشق

إسرائيل ولكنه بالتأكيدلا يأبه بنا…فعلا اولمارت لمس هذا من جمهوريين وديمقراطيين.بل بقوّة.

وذلك يومي 13و14نوفمبر2006.تسيير الدول احبّلهارجال…وموش كل طير يأكل لحمه..

 

اهدي هذا المقال إلى كل من..

 

  .رؤساء وملوك وأمراء وزعماء عرب حاكموا ليبراليين لأنهم مع الولايات المتحدة الأمريكية.

 

 .رجال الكونغرس الذين يموّلون الحرة بالمليارات.أين إضافتها لليبرالية؟أين الشخصيات المدنية الحقيقية التي بامكانهاالتغييروالمنافسةفي جدّ لرجال السلطات والأحزاب المسروقة؟

 

.إلى ايمن نور.لأقول له.بعد أن وضعوك السجن.والإخوان في مصر ليسوا بحزب.مبارك سيغير

المادة76وسيهلل له هذا وذاك…اليوم بعد إبعادك الطريق صارت يسيرة أمام جمال مبارك..عفوا

الرجل كشف نفقا طوله 700مترا كاملة بين الحدود المصرية وغزة؟وحماس تهدي مبارك الحكومة الجديدة؟

 

حسين المحمدي تونس18نوفمبر2006.

 

. Houcine_mhamdi@yahoo.fr

 

 

 

انهيار الدولة الشمولية العراقية شاهد على نهاية صدام

توفيق المديني * ما يزال صدور حكم الإعدام ضد الرئيس العراقي السابق يثير جدلا ساخنا في الساحتين العراقية والعربية، وحتى الدولية أيضا، حول قانونية هذا الحكم من ناحية، وحول الإسقاطات المدمرة في حال تنفيذه، لجهة اندلاع حرب أهلية على نطاق واسع في العراق. ويرى أفراد النخبة المثقفة العربية، والعديد من أطراف الحركة القومية العربية أن السجال السياسي والقانوني حول إعدام صدام حسين، ليس هو الموضوع الأساس في العراق، ولا سيما أن الرئيس السابق انتهى من الناحية السياسة العملية منذ سقوط بغداد في 9 نيسان/ أبريل 2003، وبالتالي منذ انهيار مؤسسات الدولة الشمولية العراقية، وتحولها ما بين يوم وليلة، إلى أثر بعد عين. ومن هذا المنطلق، فإن صدام حسين بات في حكم المنتهي منذ ذلك الوقت. وكان الاعتقاد السائد عندما استلم حزب البعث السلطة في العراق في انقلاب تموز 1968 أن العراق يمر بمرحلة الانتقال إلى التبلور كدولة مركزية جديدة في الوطن العربي، حيث تمتلك القيادة السياسية الحاكمة فيه إرادة التحول هذه، وتعمل في اتجاه التبلور هذا. هذا الاعتقاد ليس جديدا على الساحة العربية، إذ ساد اعتقاد مماثل في عقد السبعينيات حول إمكانية الجزائر، باعتبارها بلدا منتجا للنفط، من تجنيد إمكاناتها المالية في سبيل تسريع عملية التصنيع الثقيل، غير أن الطبقة الحاكمة في الجزائر قامت ببناء نموذج هش من التصنيع، وعاجز عن توفير القدرة على الامتصاص والتخليق التكنولوجيين لمواجهة تحديات التحديث. والحال هذه، إن الدولة العراقية الشمولية التي كانت قائمة بالفعل، لم تكن النموذج المعياري المطلوب، لأن الشكل المهيمن فيها هو مؤسسات نخبة حزبية ضيقة، أو مؤسسات نظام عقائدي على طريق النظم الشمولية السوفياتية. فمع وصول صدام حسين إلى قمة السلطة عام 1979، برزت هيمنة التكريتيين على الجيش والسلطة في العراق. وجاءت حرب الخليج الثانية 1991 لتعزز من مواقع التكريتيين داخل النظام السياسي العراقي الذي غلب عليه الطابع العسكري والأمني، حيث جاء صدام بأقربائه وأصهاره وذويه الذين يثق بهم ويضمن ولاءهم المطلق له وقلدهم أرفع المناصب العسكرية والأمنية في البلاد. في العراق يشكل نزع السياسة عن الشعب الطريقة الضرورية بنيويا لضمان إستمرار سيطرة الدولة الشمولية على المجتمع في إطار وظيفتها داخل التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية الطرفية، حيث كانت تقوم هذه الدولة بحرب أهلية كامنة بل بحرب أهلية صريحة على افراد الشعب العراقي الذي لا يتكون من «مواطنين أحرار ومتساوين» في نظرها. وفي الوقت الذي كانت فيه مثيلات هذه الدولة الشمولية العراقية في المنظومة السوفياتية والأوروبية الشرقية تنهار، لم تدرك القيادة العراقية جديا تغير بيئة العالم باتجاه الانتقال التدريجي نحو الديموقراطية. وبهذا المعنى كانت الدولة الشمولية العراقية تدخل في دورة الاكتمال الشمولي في الوقت الذي كانت فيه هذه الدورة تندثر تاريخيا وتفقد إشعاعها حتى في وعي النخب الشيوعية الشمولية السابقة. وكانت عملية تغوّل هذه الدولة على المجتمع وعسكرته نتيجة طبيعية لتهورات هذه الدولة الشمولية ومغامراتها العسكرية من خلال حروبها الإقليمية، التي مهّدت الطريق لقدوم الاستعمار الأميركي الجديد للمنطقة. وقد أفضت طريقة صدام حسين في التعاطي مع الجيش العراقي إلى الإجهاز على روح التماسك بين صفوف عناصره ووحداته. فتم تفتيت وحدة الجيش العراقي، وإلغاء العقيدة العسكرية للجيش التي تقوم على الدفاع عن الوطن وحماية وحدة الأمة واستبدالها بعقيدة أخرى تنصب في الدفاع عن شخص صدام حسين بوصفه «الرئيس القائد حفظه الله» وأسرته وحماية نظامه السياسي من الانهيار والاعتداء سواء من الداخل أو الخارج، وحماية ممتلكات أسرة صدام حسين. وهكذا سلب صدام حسين الجيش العراقي أية قدرة على التحرك الذاتي أو أية إرادة للتغيير أو التمرد ونزع من قياداته روح المبادرة بفعل تعاطيه العنيف والدموي مع أية حركات انقلابية أو تمردية، فضلا عن استبعاده للعناصر والقيادات المشكوك في ولائها من الشيعة والأكراد وحتى السنة والتركمان واستبدالهم بذويه ومؤيديه من التكريتيين الذين يعتبرون الجيش وحدة خاصة على غرار الحرس الجمهوري لحراسة صدام حسين وضمان أمن واستقرار نظامه. وحين سقطت بغداد في التاسع من نيسان 2003، انهارت معها الدولة الشمولية العراقية بطريقة درامية، وانهار معها حزبها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية ومنظماتها ومجتمعها، لأن هذه الدولة المتغولة كانت كل شيء، وقضت على بنى المجتمع المدني الحديث التي كانت من المفترض أن تشكل خنادق الحرب المعاصرة، عندما تنهار سلطة الدولة الحديثة، على حد قول غرامشي. ويقول الفيلسوف الإيطالي إنه يمكن أن يتحطم جهاز الدولة في ظل هجوم قاس، لكن ما يحطمه المهاجمون أو الغزاة ليس سوى القشرة العليا أي «القشرة الخارجية» للدولة الحديثة. ذلك أنه ما إن يحطم المهاجمون هذه القشرة الخارجية أو يهزمون سلطة الدولة الحديثة، حتى يواجه هؤلاء المهاجمون خطا دفاعيا فعالا وصلبا، يتمثل في مؤسسات المجتمع المدني الحديث التي أصبحت بنية معقدة ومقاومة للإقتحامات المفجعة سواء منها الكوارث الاقتصادية والأزمات، أو الكوارث الحربية. ففي حرب المواقع الحديثة التي تشكل فيها الدولة «الخندق المتقدم» أو «الخندق الخارجي»، يصبح المجتمع المدني الحديث المستقل في علاقته مع الدولة، يشكل تحصينات دائمة على جبهة حرب المواقع أي «سلسلة متماسكة من القلاع» قادرة على الدفاع والمقاومة بشكل فعال… ومن المعلوم أن النظام العراقي التسلطي قد حكم على الديموقراطية والليبرالية السياسية بوضعها في إجازة دائمة، وذلك منذ تشكله، حيث سلطة القرار في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية متمركزة في يد واحدة. وهو نظام لا يرتكز على دولة الحق والقانون، أي على دولة المؤسسات، بقدر ما عمل على تأميم المجتمع، وتحويل الشعب العراقي إلى إمّعات. ومن هذا المنظور، فالدولة التي كانت سائدة في العراق متناقضة جذريا مع المجتمع المدني. إن التحدي الوطني الديموقراطي من وجهة نظر طموحات الطبقات الشعبية، وإن كان بشكل ضبابي، الذي يطرح مسألة التخطي الجدلي للاحتلال الأميركي ولليبرالية الأميركية المتوحشة، أساس العولمة الرأسمالية الجديدة، المهيمنة والقائمة على تمجيد السوق، من المفيد أن يؤكد على ضرورة إعادة التسييس الديموقراطي للشعب العراقي الذي نجده الآن يمارس عزوفا عن السياسة لا على أرضية الرؤى النضالية التي سادت في عهد الاستقلال، أي خطاب حركة التحرر الوطني العربية، وإنما ذلك التسييس الديموقراطي، الذي يأخذ بعين الاعتبار مسألة المجتمع المدني بتكويناته المختلفة ومؤسساته: من الأحزاب السياسية، والنقابات، والاتحادات المهنية، والجمعيات الثقافية والفكرية، ولجان حقوق الإنسان، والمجلس النيابي، ووسائل الإعلام والصحافة، ودور الانتلجنسيا الثورية القادرة على صياغة مشروع مجتمعي بديل، في سبيل أن يأخذ هذا المجتمع المدني دوره الحقيقي والملموس في صياغة القرار السياسي للدولة العراقية، ومحاسبة الحكومة. إن إشاعة الديموقراطية في بنية المجتمع المدني العراقي الوليد، وازدياد المشاركة السياسية المنظمة من جانب الطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة في إدارة الشؤون العامة للدولة، وحل المسائل الديموقراطية حلا صحيحا، وإرساء علاقات ديموقراطية حقة قائمة على الحق والمساواة والتكافؤ بين السلطة الجديدة والمجتمع المدني، هو الخيار الوطني الديموقراطي التحرري، الذي يحقق التماسك المجتمعي والسياسي والثقافي والوطني لمقاومة الاحتلال الأميركي، والدفاع عن أرض الوطن، وبناء الدولة الديموقراطية الحديثة. * كاتب تونسي

(المصدر: صحيفة الأخبار العدد ٨٥  الصادرة يوم 22 نوفمبر 2006)

 

في ضرورة مانيفستو اسلامي اوروبي نحو تشريع التحالفات مع اليساريين والمثليين ومناهضي العنصرية

محمد مشارقة (*)

 

عدد من الشواهد والمؤشرات تؤكد علي ان تغييرا ملموسا قد بدأ في السريان داخل القارة الاوروبية تحت يافطة مكافحة الارهاب، ولا ارهاب في القاموس الجديد سوي الارهاب الاسلامي، فالموضوع لم يعد محصورا في الجدل الثقافي او الاكاديمي وانما دخل حيز التنفيذ القانوني ليلامس حاضر ومستقبل الجاليات العربية والمسلمة علي الارض الاوروبية، فقد بات واضحا التشدد في اجراءات الهجرة وتعقيد شؤون التجنس والزواج من اوروبيات، هذا بالاضافة الي حملة التضييقات الامنية، فالقوانين الاستثنائية باتت سيفا مسلطا علي المسلمين بالذات، بما في ذلك ما يبيح للسلطات الأمنية أن تراقب من تعتبرهم مشتبها بهم دون الرجوع إلي ترخيص قضائي، ومداهمة منازلهم والمساجد والمراكز الإسلامية، دون اعتماد الشروط التقليدية في دول تؤكد سيادة القانون فيها، وتؤكد إعطاء الأولوية للحريات الفردية.

 

المسألة لها جذورها التاريخية، لكنها سياسية بالدرجة الاولي، ما يستلزم خوضها التزود بكل ادوات السياسة، من برامج وآليات مهنية وحديثـــــة للتأثير والفـــعل في المستويات المختلفة، لكن الاساس هو مروحة من التحالفات السياسية والاجتماعية التي تقوم علي اساس التوافق حول الحريات الانسانية، وحق الاختلاف والتنوع الثقافي، ومواجهة التيارات العنصرية والفاشية الجديدة.

 

ان هذا التوجه من شأنه ان يضع الصراع ضد العنصرية والتطرف اليميني الذي يهدد المسلمين في اوروبا، في ذات الطريق الذي يضم اليساريين بكل الوانهم والليبراليين والحنسويين، محموعات الجندر، والمثليين، والفوضويين، ومجموعات معروفة من المتدينين المسيحيين واليهود الانسانويين، هؤلاء الذين وقفوا صراحة وبصوت عال ضد الانتهاكات الاخيرة بحق المسلمين سواء في تجاوزات الاجهزة الامنية علي الاشخاص والبيوت او في قضايا النقاب والحجاب التي فتحها وزير الخارجية الاسبق، وباتت سلاحا بيد المتطرفين اليمينيين.

 

برأينا ليس امام المسلمين في هذه البلاد سوي الوقوف في خندق واضح، خندق الديمقراطيين والليبراليين الذين يدافعون عن قيم التعددية والاختلاف، قيم التسامح والتواصل الثقافي والانسانوي، خندق من يدافعون عن حقوق الافراد بصرف النظر عن الدين او الجنس او اللون، خندق من يدافعون عن العدالة الاجتماعية وحقوق المعاقين والفقراء وكبار السن. بكلمات اخري، اذا ما اراد المسلمون كسب هذه القضية الوجودية، فليس هناك من طـــريق سوي الانفتاح علي الاخر وبلورة هذه الافكار في مانيفستو اسلامي اوروبي بصرف النظر عن مواقف وردود افعال تيارات المغالاة والتشدد الاسلامي، فمن غير المسموح لاقلية ان تجر ملايين المسلمين في القارة الاوروبية الي الهاوية والي تهديد مصالحهم واستقرارهم ومستقبل ابنائهم، بهذا البيان الواضح نقدمه لكسب عقول وافئدة جاليتنا اولا، ثم نخرج به الي المجتمع والي القوي السياسية والتيارات الفكرية من أجل بناء تحالف السلم والديمقراطية والتعددية الثقافية، ومن اجل الدفاع عن المكتسبات الليبرالية المهددة في هذه البلاد.

في بريطانيا وغيرها من البلدان الاوروبية يمكن الاعتماد علي مواقـــــف قوي وتيارات سياسية وانسانيــــة منصـــفة، يحركها الخوف علي الحريات والحقوق المدنية ومعارضة تحويل الاختلاف الي صراع حضاري .

 

المسلمون في هذه البلاد يحتاجون إلي حليف في الصراع علي الحقوق والحريات الأساسية، يقف معهم ويساعدهم في الاختلاف مع مجتمع الغالبية.

 

فقط بالدعوة الانسانية والاخلاقية النبيلة للاسلام يمكن كسب معركة الوجود في اوروبا، فقط بالاندماج في الحركة السياسية والاجتــــماعية والثقافية المتمسكة بقيم العدالة والمساواة وحق الاختلاف ندافع عن مستقبل ابنائنا في اوروبا.

 

(*) رئيس تحرير صحيفة العربية لندن

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 21 نوفمبر 2006)

 

 


 

 

   « محور الغروب »

الإمبراطورية الأمريكية – روما العصر الحديث

 

أغنية الوداع على أفول نجم المحافظين الجدد

 

القسم الأول:  الفئران تغادر سفينة المحافظين الجدد الجانحة

 

الرئيس جورج دبليو بوش، تلك الدمية التي يلهو بها سادة أمريكا الأكثر تطرفاً والمسمون المحافظين الجدد، في أسوأ أزمةٍ يمكن أن تمر به: إن حزبه الذي يحيط نفسه بهالةٍ من التزمّت والذي يحصد الآن ما زرعه في مغامرته العراقية التي جلبت لبلدهم مأساة فيتنامية أخرى، والذي يرى نفسه مضطراً للدفاع عن الفساد المفرط والفضائح المحيطة بأولئك التابعين من أبراموف إلى حاكم أوهايو، بوب تافت، قد أصيب، وللمرة الأولى منذ اثني عشر عاما،ً بهزيمة كارثية وفقد الغالبية التي كان يتمتع بها في مجلسي الشيوخ والنواب.

 

وعلى أي حال، فقد انقلبت الأمور: وكما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية في الثالث من تشرين الثاني الجاري، فإن جورج دبليو بوش، رئيس أقوى دولة في العالم، قد أمسى الآن « الصبي الشرير » في نظر غالبية سكان المعمورة. فهو الذي وصف بالفم الملآن، سنة 2002، كلاً من كوبا وليبيا وسورية وإيران والعراق وكوريا الديمقراطية بأنها تشكل محوراً للشر. وبحسب استطلاعٍ للرأي أجرته كل من الغارديان البريطانية بالاشتراك مع بعض الصحف الكندية والمكسيكية والإسرائيلية أيضاً، فإن بوش يمثل خطراً كبيراً يكاد يبلغ حد الخطر الذي يمثله « الإرهابي الأول » المفترض أسامة بن لادن: وكانت نتيجة هذا الاستطلاع في الدول الأربعة المذكورة أن 87% يرون الخطر الأكبر متمثلاً في ذلك الشبح المسمى ابن لادن، بينما احتل بوش الدرجة الثانية في تهديده للسلم العالمي ب 75%! لا بل أبعد من ذلك، فإن بوش يعدّ الآن في « مجتمع القِيَم الغربي » أخطر من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد (69%) ومن رئيس كوريا الديمقراطية كيم يونغ إيل ومن رئيس حزب الله السيد حسن نصر الله، الذي تبتعد عنه « الديمقراطيات الغربية » بناءً على نصائح الإسرائيليين والأمريكيين (65%).

 

ولا بأس من التذكير بالاستطلاع الذي تم بناءً على طلب من المفوضية الأوروبية، بين 8 و 16 تشرين الأول 2003 في كل دول الاتحاد الأوروبي الخمس عشرة آنذاك وكانت نتيجته أن 59 % من الذين استُطلعت آراؤهم من سكان دول الاتحاد الأوروبي، يرون في إسرائيل الخطر الأكبر للسلام العالمي، واحتلت الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الثالثة ب 53 % بعد « دول محور الشر » التي كانت آنذاك مقتصرةً على إيران وكوريا الديمقراطية. إلا أن نتائج هذا الاستطلاع اختفت سريعاً في أدراج البيروقراطيين الأوروبيين في بروكسل إرضاءً لإسرائيل. ولكن من المؤكد أن سمعة الحكومة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية هي الآن حيث يجب أن تكون، على مزبلة تاريخ كرتنا الأرضية.

 

 

الاقتصاد الأمريكي يدير ظهره للمحافظين الجدد

 

يطرح ما سبق سؤالاً هاماً: إلى أين تسير سفينة هذه الحاشية المهووسة من المحافظين الجدد، الذين يريدون أن يغنموا ثروات العالم بأسره وينشروا الديمقراطية في كل أنحاء المعمورة تحت شعار « الحرب ضد الإرهاب »، هذه الحرب التي هي في الحقيقة « حربٌ ضد الشعوب والمجتمعات، حربٌ خُطِّطَ لها بكل صلفٍ وخبث لتدمير دولٍ وشعوبٍ بأسرها »؟ (1)  ولا تزال هذه « العصابة من المنحرفين »، كما أسماها المؤرخ اللبناني ، يوسف الأشقر سنة 2005، « دولةً ضمن الدولة » تتمدد في كل المناصب العليا في الولايات المتحدة، في المجتمع والإعلام والاتحادات الدينية، وتسيطر على مراكز حساسة في البنتاغون ووزارة الخارجية وتملي آراءها وتفرض خططها.

 

وما يسبب الاستياء لبوش وحاشيته، أن الشركات الكبرى والاتحادات التجارية والصناعية قد راهنت منذ نهاية الشهر الماضي على نجاح الديمقراطيين في الانتخابات النصفية وأعادت دراسة علاقاتها مع المؤسسة السياسية وأنقصت تبرعاتها لبوش وحزبه الجمهوري من باب الحيطة. وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز في 28 تشرين الأول 2006 أن  » بعض ناشطي الجمهوريين يسعون بدأب لكسب ودّ السياسيين الجدد في صفوف الديمقراطيين ». كما ذكرت الصحيفة أن المعونات المالية للمرشحين الجمهوريين قد انخفضت بمقدار 11 % لصالح الديمقراطيين. وهذا تحوُّلٌ لم يحدث منذ سنة 1994. حتى أن شركة مارتين لوكهيد لصناعة الأسلحة، قد خفضت أيضاً مساعداتها المالية للجمهوريين بمقدار عشرة بالمئة لصالح الديمقراطيين.

 

وهكذا فإنه ليس من المستغرب أن نرى بعضاً من المحافظين الجدد الأكثر تطرفاً، والذين أعطوا التبرير السياسي سنة 2003 لغزو العراق وإسقاط نظام صدّام حسين، يغادرون منذ بداية الشهر الجاري سفينة بوش الحربية التي جنحت، وهي آيلة لا محالة إلى الغرق. فقد صرّح ريتشارد بيرل، وهو من أكبر المحرضين على حرب العراق، لمجلة فانيتي فير Vanity Fair ، بكل نفاق ومِراء « أنه لم يكن ليساند الحرب ضد صدّام حسين، لو عرف أن حكومة بوش ستدير الحرب بهذا الشكل السيئ، وفي الحقيقة فإن الرئيس هو الذي يتحمل المسؤولية ». أما كينيث آدلمان، المستشار الأمني في حكومة بوش، فقد قال إن حكومة بوش « أثبتت أنها أسوأ طاقم سياسي بعد الحرب العالمية الثانية ». كذلك فقد انتقد دافيد فروم، أحد أكبر المقربين السابقين للرئيس بوش، والذي ساعد في كتابة خطاب « محور الشر »، رئيسه السابق، والذي كان يخدمه بإخلاص، بالقول: « كان الرئيس يتلفظ بالكلمات ولكنه لم يكن يستوعب الفكرة والغاية من ورائها ».

 

أما نورمان بودهوريتز (تولد 1930)، وهو الأسطورة الحية للمحافظين الجدد وأحد مؤسسي هذه الجماعة، فقد تنصّل من كل شيء وادعى في مقالته المنشورة في أيلول الفائت في مجلة كومينتري    C ommentary   اليمينية المتطرفة، أن مبدأ بوش قد انتهى منذ أمد، ولم يكن ذلك كله إلاّ سوء فهم وتقديراً خاطئاً من قبل الرئيس نفسه. وعلى أي حال فإن مبدأ المحافظين الجدد لا يزال حياً، مع أن بعض الرفقاء قد اختفوا في الضباب (2) . لكنه أصرّ على أن هذا المبدأ بحد ذاته لم يكن فاشلاً في العراق ويجمح بخياله مبرراً: « ألم يُحرر العراق من واحد من أعتى طغاة الشرق الأوسط؟ جرت ثلاثة انتخابات، وصدر دستور جيد، وهناك الآن حكومة منتخبة تقوم بواجباتها، والشعب يتمتع بحريات لا عهد له بها، فأي كلام هذا عن الفشل؟ » . والمقاومة في العراق ليست بالنسبة له إلاّ برهاناً على نجاح الاستراتيجية الأمريكية: فلو كان المقاومون مقتنعين بأن « نشر الديمقراطية قد فشل، فلمَ يقاتلون إذن للانتصار على الديمقراطية؟ ». إن هذا الرجل الذي يفكر بطريقة غريبة، لا يرى « أي دليل » على أن بوش قد حاد عن المبادئ التي أعلنها. يبدو أن بودهوريتز لا يستطيع أن يرى تناقص سيطرة الولايات المتحدة ولا انهيار معنويات جيشها ولا مظاهر التعب على جنودها ولا رغبة الأمريكيين بعودة أبنائهم من العراق حتى ولا التغييرات التي طرأت على سياسة حكومة بوش الخارجية. فيا له من مفكرٍ يفتقد كل حواسّه.

 

فشل مشروع القرن الأمريكي الجديد

 

 لقد تأزم الموقف بالنسبة لبودهوريتز. ففي 1150، الشارع السابع عشر ن. و. ، واشنطن، وفي الطابق الخامس، تتحضر بضع عشرات من المحافظين الجدد للرحيل، بعد أن قضوا أكثر من تسع سنوات هناك يخرّفون حول إعداد مشروع القرن الأمريكي الجديد (PNAC ). وهاهو هذا « المصنع الفكري » ، الذي كان يقدم « الدراسات » و »أوراق العمل الاستراتيجية » باستمرار لتغذية أدمغة المتشددين في الحكومة الأمريكية، يغلق أبوابه الآن بحجة نقص في المال.

 

إلا أن المشكلة الحقيقية هي مشكلة العراق. فالمشروع المركزي ل  P  NAC  ، وهو « نقل الديمقراطية إلى بلاد الرافدين » ، تطور في الاتجاه الخاطئ وأثبت خطأ النظريات المدرسية للسيدات والسادة من المحافظين الجدد. فنظريتهم التي تعمل على نشر الديمقراطية بوساطة الجيوش الأمريكية في العراق وانتظار تسلسل الأحداث بعد ذلك في المنطقة برمتها، طمعاً من شعوبها بالتمتع بفضائل الديمقراطية الأمريكية، أثبتت أنها بالطبع لا تساوي شروى نقير.

 

لقد أسس  روبرت كاغان، وهو أحد الأدمغة الكبيرة بين المحافظين الجدد، هذا « المصنع الفكري » (بي إن إيه سي) سنة 1997 بالتعاون مع ويليام كريستول ، الشبح الخرِف، وفي ظل إدارة بوش. وكان هدف هذا المشروع يتمثل في سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية وإمساكها بمصير العالم في « القرن الأمريكي الجديد » وقيادة دول العالم « بالقوة العسكرية والقدرات الدبلوماسية والانصياع للمبادئ الأخلاقية ». وبما أن « العالم متعدد الأقطاب لم يضمن السلام وكانت الحروب مستمرة لم تكد تنقطع »، كان على الحكومة الأمريكية –على رأي هؤلاء المفكرين غريبي الأطوار- « أن تستفيد من تفوقها التقني والاقتصادي حتى تصل بكل وسيلة –بما في ذلك القوة العسكرية- إلى السيطرة على العالم دون منازع » . وفي الحالات التي لا تثبت فيها الدبلوماسية نجاحها فإن « العمليات العسكرية تكون وسيلة مقبولةً لا بل ضرورية » . ويطلب صنّاع هذا المشروع ومُروِّجوه إنشاء قواعد عسكرية دائمة في شتى أصقاع الأرض حتى تكون الولايات المتحدة الأمريكية عصية على كل هجوم وبعيدة عن كل خطر، وبذلك تصبح الولايات المتحدة بمثابة « شرطي العالم » الذي يسعى في هذا العالم الفوضوي، الذي يحارب كلٌ فيه الآخر، إلى حفظ العدل واحترام القوانين وفق المعايير الأمريكية. هذا بالطبع دون العودة إلى آراء الحلفاء أو مراعاة المنظمات والمعاهدات والاتفاقات القانونية الدولية.

 

رعشات الموت: السيطرة الكونية

 

ومن الغريب أن أباطرة هذا المشروع لا يكتفون بالسيطرة على الكرة الأرضية وحسب وإنما يطمحون للسيطرة على ما أسموه « الأجواء الاجتماعية العالمية إضافةً إلى الفضاء الخارجي والعالم الافتراضي » حسب مصطلحاتهم، « وليس ذلك إلا خطوةً أولى على طريق إحداث نوع جديد من ضروب الأسلحة تحت اسم –القوات الأمريكية الفضائية- تكون مهمتها السيطرة على الفضاء الخارجي ». وقد قام بوش بخطوة في هذا المجال حينما نشرت الحكومة الأمريكية في الساعة الخامسة من مساء السابع من شهر تشرين الأول الفائت، على شبكة الإنترنت، « سياسة الفضاء القومية » التي ترفع بوش إلى مقام « حاكم الكون » وتؤكد على سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على الفضاء وتجعل منها سياسة رسمية. ووفق هذا « المبدأ الفضائي » فإن لواشنطن الحق برفض أية اتفاقية تسليح مستقبلية يمكن أن تحد من حركة الولايات المتحدة في الفضاء أو تؤثر عليها سلباً. كما سيبقى الباب إلى الفضاء وأبحاثه موصداً أمام الدول التي لا تنصاع للمصالح الأمريكية: « فحرية الحركة والتصرف في الفضاء الكوني هام للولايات المتحدة كأهمية حركتها في الجو والبحر. والولايات المتحدة ستعارض كل اتفاقية قانونية جديدة أو أية قيودٍ أخرى إذا كان ذلك سيمنع حركتها في الفضاء أو سيحد منها. »

 

ويرى الخبراء أن هذا خطوةٌ على طريق تطوير أسلحة فضائية، « تفتح الطريق خطوةً أخرى لبناء استراتيجية حربية فضائية »، كما قالت تيريزا هيتشنز، مديرة مركز المعلومات الدفاعية في واشنطن. ويتدرب الأمريكيون في الوقت الحاضر بشكل جدّي على « الحرب ضد الشر » في مشروعهم « حرب النجوم ». وقد ذكرت المجلة الإخبارية الألمانية شبيغل أون لاين بتاريخ 28 تشرين الأول 2006، أن سلاح الجو الأمريكي اختبر « السيف الضوئي الطائر » وهو عبارة عن « جهاز ليزري عالي الطاقة محمول جوّاً »، يوضع في مقدمة طائرة جمبو نفاثة يُقذف على صواريخ نووية باليستية قد تكون بعض « الدول المارقة » قد أطلقتها. وقد تباهى الجنرال هنري أوبرينغ، بعد عرضه لهذ1 السلاح الليزري  قائلاً: « أعتقد أننا، نحن قوى الخير، نبني ونؤسس لسحق قوى الشر. ونحن نخطو خُطاً واسعة حتى نقدم للشعب الأمريكي السيف الضوئي الأول ».

 

انتصار حزب الله على أتباع الإمبراطورية الأمريكية

 

الإمبراطورية الأمريكية هي ظل نفسها، وإذا أردنا الدقة في التعبير، فما هي إلاّ ظل شبح يدور منذ عشرات السنين في تلافيف أدمغة المحافظين الجدد اليمينيين. لم تكن هذه الإمبراطورية يوماً حقيقةً واقعة وسوف لن تكون ذلك أبداً، مع أن تشارلز كراوتهامر،  الصحافي العريق في واشنطن بوست والممثل الإعلامي لعصابة المحافظين الجدد الثرية، التي تعتبر نفسها الوريث الدستوري للولايات المتحدة، لا بل وريثة الإمبراطورية الرومانية أيضاً، كتب في أيلول سنة 2002 في صحيفة الغارديان: « إن الأمريكيين يخرجون الآن من مخابئهم ويستخدمون كلمة الإمبراطورية من جديد. وفي الحقيقة فإن التاريخ لم يعرف منذ الإمبراطورية الرومانية، بلداً كالولايات المتحدة بسيطرتها الثقافية والاقتصادية والتقنية والعسكرية. » وقد ادعى كراوتهامر منذ سنة 1999 : »أن التاريخ لم يعرف دولة عظمى تسلقت ذرى المجد منذ أن دمرت روما قرطاج،  مثل ما فعلت الولايات المتحدة. »

 

هل هناك حقاً سيطرة عالمية للإمبراطورية الأمريكية وهل حقاً لا تخشى شيئاً؟ مرّت في التاريخ إمبراطورياتٌ وممالك عديدة منذ بدايته وحتّى العصر الأوروبي الاستعماري الحديث. والعالم يعرف أن لكل قوةٍ عالمية عمرٌ محدود وأسباب الانهيار معروفة. فروما، على سبيل المثال، انهارت نتيجة قواها الذاتية والكوارث الطبيعية والزلازل والحرائق وتدمير الحروب ولا ننسى عدم الحكمة واللامبالاة والانحطاط كأسبابٍ لانهيار الدول.

 

إن تجربة الأمريكيين في بناء إمبراطوريةٍ تحتقر الإنسان والشعوب والثقافات، ليست تجربةً فاشلةً فقط، وإنما هي أيضاً تجربةٌ غير مناسبة بأساليب غير مناسبة. فالحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق كانت باهظة الثمن مادياً ومعنوياً. ومع ذلك فلا تزال حكومة بوش تدّعي أن هدفها نشر الديمقراطية من المغرب الأقصى إلى باكستان. ومن أجل ذلك وضع محافظوها الجدد المتطرفون مشروع « الشرق الأوسط الكبير » الذي ينص على « الفوضى الخلاّقة » وهذا ما يعني تغيير أنظمة الحكم بالقوة. وهكذا أصبح العراق سابقةً في هذا المضمار من « الدمقرطة » . ولكن حماسة واشنطن لهذه التجارب الحربية لم تلبث أن انطفأت بسرعة. إلاّ أنّ بوش لم يستمع إلى الطلب المتنامي بعودته عن العمليات العسكرية البربرية، بل عيّن كوندوليزا رايس وزيرةً لخارجيته وأعلن أنه سيقود « حرباً عالميةً ضد الإرهاب » وسينهي « الصراع العربي الإسرائيلي » وسيقيم « مظلّةً من الديمقراطية فوق الشرق الأوسط ».

 

أما كوندوليزا رايس، صاحبة الإغراء السمراء، فقد اختارت الزمن الذي غطّت فيه القوةُ النووية، إسرائيل، في شهر تموز الفائت، لبنانَ وسكانَه المدنيين بوابلٍ من القنابل مستخدمةً الأسلحة المحرمة دولياً، لتعلن عن « مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد » . إنها لسخرية لاذعة تصدر عن تلك التي تقدم نفسها بمظهر أنيق يخفي بين ثناياه وحشاً كاسراً. هي التي لا تعرف معنىً للطفولة ولا لتربية الأطفال وولادتهم، تدنس دم الأطفال الذي ينسكب بريئاً في أنحاء لبنان، بشكل فظٍّ ومُقزِّز، بوصفها إيّاه بمخاض الولادة وهو في حقيقته قتل جماعيٌّ إجرامي.

 

قال الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه في 15 آب 2006 : « إن الحرب ضد لبنان ستصنع حقاً شرقاً أوسط جديداً ولكن ليس ذلك الذي تسعى إليه الولايات المتحدة وإسرائيل . إن العرب يتكلمون اليوم عن أول نصر عسكريٍّ فعلي ضد إسرائيل. » ومن نافلة القول أن الولايات المتحدة وإسرائيل لن تقبلا هذه النتيجة. لقد استطاع حزب الله اللبناني بقوته العسكرية الصغيرة أن يجبر الجيش الإسرائيلي المدجج بالسلاح، على الرضوخ وأن ينتزع منه نصراً مُؤزّراً .

 

كما قال الرئيس الأسد أيضاً في خطابه في آب الماضي: « لا شك أن المعركة الحالية في لبنان معركةٌ حاسمة بالنسبة للشرق الأوسط الجديد، ولكن السؤال يبقى: من سيحدد نوعيته وبأي ثمن؟ » لا ريب، إن سورية، ذات النظام العلماني الاشتراكي، ستقوم بدور مفصلي في شرق المقاومة الوطنية الأوسط الجديد.

 

وبعد الضربة القاسية التي سددها حزب الله إلى وجه العدو الغاشم، أسرعت وزيرة الخارجية الأمريكية في 3 تشرين الأول 2006 إلى القاهرة، لتجمع حولها وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع وزيري خارجية مصر والأردن، وحاولت أن تسوّق فكرتها غير الواقعية حول مساعدة واشنطن للدول العربية المعتدلة على العمل ضد الدول المتطرّفة. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على المعرفة الضحلة بتوجهات شعوب المشرق العربي، حيث تعمل الشعوب وبعض القيادات السياسية على مقاومةٍ فاعلة ضد التصورات والمخططات الأمريكية والإسرائيلية وكذلك على تحدي أصدقاء أمريكا وأزلامها من العرب. إنها « حرب باردة » إقليمية جديدة، حيث تقف قياداتٌ مساندة للغرب ضد قوىً تقارع أهداف الغرب التي تمثلها أمريكا وإسرائيل في المنطقة. ونذكّر في هذا المقام بمطالبة حزب الله والتيار العوني الحر بحوار وطني جديد في لبنان. لقد ابتدأت مقاومة شعوب المشرق العربي ضد السيطرة الأمريكية والبريطانية والفرنسية والإسرائيلية ولا مجال لإيقاف كرة الثلج.

 

يورغن كاين كولبل                                                     ترجمة الدكتور هاني صالح

 

 نشر هذا الموضوع في صحيفة الوطن السورية اليومية بتاريخ 12.11.2006

 

 

 


Home– Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.