الأربعاء، 12 يوليو 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2242 du 12.07.2006

 archives : www.tunisnews.net


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: محمد العكروت في خـطـر إضراب جوع في السجون التونسية  تضامنا مع الشعب الفلسطيني الاساتذة المسقطون عمدا في مناظرة الكاباس : السيّد الرّئيس – عفوا، امتحانات وزارة التّربية و التّكوين مشبوهة و غير شفّافة رويترز:مسؤول أمني عربي يطالب وسائل الإعلام بعدم إتاحة المجال « للإرهابيين » صحيفة « الشروق » التونسية :رافضون للمؤتمر التوحيدي:جامعيون يدعون إلى مقاطعة المؤتمر وإفشاله الصباح: بسـبب الغـذاء والمحروقـات ومنـذ سنـة وإلى شهر جوان:مؤشّر الأسعار يرتفع بـ 4,93% صدور العدد الثامن عشر من مجلة أقلام أون لاين محمد فوراتي: تونس, الحكومة وقوى المجتمع المدني والنقابات.. من يدفع من إلى التصعيد؟ عبدالله الــزواري: حوارات وراء القضبان – أحمد زكرياء الماقوري
نصر الدين: الحريات العامة في الدولة التونسية – الأدب : الـشّـعـر مرسل الكسيبي: النخبة التونسية: هل من خروج الى سبيل !؟ نور الدين العويديدي: لا تدافع عن السنة إن لم تتقيد بأخلاقها دفاعا عن تونس نيوز وردا لمنطق التكفير والتخوين الامجد الباجي: كاس العار في زمن دمار ناجح مبارك: العنف اللفظي: تحدّي المقدّس والممنوع : كيف ولماذا ؟ صلاح الدين الجورشي: متى تلتقي الحكومات بمجتمعاتها المدنية ؟ توفيق المديني: السلام البعيد في دارفور يقرّب احتمال التدخل الأميركي في الأزمة الأفريقية محمد كريشان: جيش إسرائيل الأخــلاقـي!! إسلام أون لاين: الأوربي للإفتاء: مراجعة الفقه السياسي واجبة ملف خاص بمناسبة انعقاد «الجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الثانية في إسطنبول


 
Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

لمشاهدة شريط الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين حول مأساة  المساجين السياسيين يتونس  إضغط على الوصلة التالية:

 


أنقذوا حياة محمد عبو أنقذوا حياة كل المساجين السياسيين   الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف: 71.340.860 الفاكس: 71.351831    تونس، في 11 جويلية 2006

بــــــــــيان   محمد العكروت في خـطـر
 
 علمت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين أن السجين السياسي السيد محمد العكروت رئيس حركة النهضة سابقا المعتقل بسجن 9 أفريل بتونس حاليا و الذي يقضي حكما بالمؤبد قد دخل في إضراب عن الطعام منذ السابع من شهر جوان الفارط أي منذ ما يزيد عن الشهر للمطالبة بإطلاق سراحه و إصلاح طاقم أسنانه الذي تسبب له في التهاب باللثة و آلام حادة مصاحبة لنزيف علما بأنه يعاني من آلام بالصدر من جراء تلوث هواء الغرفة .   وقد امتنع السيد محمد العكروت أواخر الأسبوع الفارط عن تناول الماء و السكر مما قد يعرضه لخطر وشيك إذا لم تبادر إدارة السجن المذكور للاستجابة لمطالبه الملحة في انتظار إطلاق سراحه.   وقد سبق للسجين السياسي السيد محمد العكروت أن قام بالعيد من الاضرابات عن الطعام للمطالبة بحقه القانوني في المراسلة إذ أن الرسائل مقطوعة عنه بالكامل كما أنه طالب مرات عديدة بحقه في إدخال الكتب و لكن دون جدوى.   و يتعرض السجين السياسي السيد محمد العكروت إلى سياسة تنكيل وإهانة منظمة من قبل إدارة سجن 9 أفريل مما اضطر عائلته إلى القيام بلفت نظر قاضي تنفيذ العقوبات لما يتعرض له السجين المذكور من مضايقات كما تقدمت بشكاية الى السيد وكيل الجمهورية للغرض نفسه.   و الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين :   – تعتبر أن المضايقات التي يتعرض لها السجين السياسي لا مبرر لها وأن طلباته هي طلبات قانونية.   – و تدعو الإدارة العامة للسجون للاستجابة لهذه الطلبات حتى يوضع حد لهاته المأساة خاصة و أن السجين السياسي السيد محمد العكروت قد قضى أكثر من 15 عاما بالسجن و أن الأمراض التي يشتكي منها ربما تعرضه للخطر في صورة عدم إسعافه بالعلاج اللازم في أقرب وقت ممكن و تحملها مسؤولية ما يمكن أن يصيبه من مكروه.   رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إضراب جوع في السجون التونسية  تضامنا مع الشعب الفلسطيني

 
في خطوة رمزية معبرة وفي رسالة لكل الاحرار و تضامنا مع الشعب الفلسطيني البطل ومع قواه الحية المناضلة الاسلامية منها والوطنية  واحتجاجا على ما يجري من اعتداءات على المدنيين الفلسطينيين وعلى ما يحصل من تدمير للبنى التحتية في قطاع غزة بما يلحق الضرر البالغ لسكانه في جرائم مستمرة يمكن ادراجها في خانة جرائم الحرب و كذلك احتجاجا على الصمت العربي الرسمي والتواطأ الدولي المشبوه بدأ عدد من المساجين الاسلاميين من حركة النهضة وعلى رأسهم القيادي والرمز الطلابي الكبير الاخ المهندس عبد الكريم الهاروني إضرابا عن الطعام منذ الرابع من شهر جويلية والى الرابع عشر منه وللعلم فإن هؤلاء الاخوة المساجين يرزحون هم ايضا ومنذ ستة عشر عاما تحت نير آخر من الاعتداءات التي يشنها النظام التونسي في حرب مستمرة وبلا رحمة ضد خصم سياسي جاعلا من المساحين ورقة للمساومة وملفا للتمعش منه كلما كثرت عليه ضغوط المنظمات الانسانية الدولية اوالقوى الحقوقية والسياسية التونسية
 
صديق للهاروني واخوانه 
 


تونس في 12 جويلية 2006  

السيّد الرّئيس:  عفوا، امتحانات وزارة التّربية و التّكوين مشبوهة و غير شفّافة

 

تحيّة تليق بمقامكم و بعد:           نحن الأساتذة المسقطين عمدا من قائمة النّاجحين نهائيّا في مناظرة الكاباس دورة ديسمبر 2005 و على آثر تنويهكم يوم أمس الثّلاثاء 11جويلية 2006 بمردودية الامتحانات داخل وزارة التّربية و التّكوين وحسن سيرها، يهمّنا تذكيركم بالآتي: ·       نجدّد الطّعن في النّتائج المصرّح بها أخيرا لأكبر مناظرة وطنيّة مؤهّلة لسوق الشّغل ·       ننبّه سيادتكم إلى التّجاوزات الخطرة الحاصلة داخل الوزارة المذكورة وأهمّها آستثناء مرشّحين من قائمة النّاجحين على خلفيّة أنشطتهم النّقابيّة و السّياسيّة، و أن كنتم أشرتم منذ سنوات إلى ظاهرة « الخمّوس » و « العشّور » كأسلوب انتهازي سخيف معتمد في أوساط المرور التّونسي فآن الأمر أدهى و أخطر في أوساط مرور الوظائف صلب وزارة التّربية و التّكوين. ·       نؤكد استماتتنا اللا محدودة دفاعا عن حقّنا في النّجاح و العمل.   قائمة الثمانية المسقطين عمدا في مناظرة الكاباس


مسؤول أمني عربي يطالب وسائل الإعلام بعدم إتاحة المجال « للإرهابيين »

 تونس (رويترز) – طالب مسؤول امني عربي بارز يوم الاربعاء وسائل الاعلام بعدم اتاحة المجال لمن وصفهم بالارهابيين وانصارهم لتمرير رسائلهم واطلاق تهديداتهم في اشارة الى قنوات تلفزيون فضائية عربية دأبت على بث تسجيلات لزعماء القاعدة.   وقال محمد بن علي كومان الامين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب في افتتاح مؤتمر حول مكافحة الارهاب يستمر بتونس يومين « للاعلام دور هام للغاية.. لايقتصر على ابراز تلك الاخطار.. بل يشمل وهذا ربما الاهم عدم اتاحة المجال للارهابيين وانصارهم لبث فتنتهم او للدفاع عن اعمالهم الاجرامية او تبريرها او لاطلاق تهديداتهم المختلفة ».   وكان كومان يشير فيما يبدو الى فضائيات عربية وفي مقدمتها قناة الجزيرة الفضائية بقطر التي بثت عدة تسجيلات صوتية ومرئية لزعماء القاعدة او لمتشددين اسلاميين تصفهم واشنطن وحلفاؤها بالارهابيين.   ودعا كومان الحكومات العربية الى ايلاء اهتمام اكبر للفئات المهمشة والسعي للقضاء على الفقر الذي يمثل تربة خصبة لنشأة الارهاب.   وتابع يقول « من الضروري ايلاء الاهتمام اكثر فأكثر من جانب الهيئات الرسمية للفئات الفقيرة والمهمشة بحيث تتضمن السياسات الاقتصادية والاجتماعية تحسين اوضاع هذه الفئات وتطوير المناطق التي تعيش فيها…وحتى لا نكون فريسة سهلة للجماعات الارهابية ».   وشدد المسؤول على ضرورة عدم الاكتفاء بالمواجهة الامنية رغم اهميتها مشيرا الى انه لابد من اعتماد خطة شاملة تعالج جذور الارهاب.   ويشارك في هذا المؤتمر الذي يرمي الى تعزيز التنسيق والخبرات في مجال مكافحة الشبكات الارهابية مسؤولون امنيون عرب وممثلون عن الشرطة الدولية (انتربول) ومكتب الامم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات.   (المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 12 جويلية 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

 

رافضون للمؤتمر التوحيدي: جامعيون يدعون إلى مقاطعة المؤتمر وإفشاله

 
تونس (الشروق)   تتواصل تحركات الجامعيين الرافضة لمبادرة المركزية بعقد مؤتمر توحيدي لنقابات التعليم العالي يوم السبت المقبل. فبعد الرفض الصادر عن نقابتي المحاضرين وأساتذة التعليم العالي والتيار المستقل وردت علينا مجموعة من العرائض صادرة عن مئات الجامعيين من مختلف الجامعات يدعون فيها الى مقاطعة المؤتمر التوحيدي ويؤكدون عزمهم على افشاله. وشدّدت العرائض على أن «المركزية أعلنت عن المؤتمر التوحيدي لكل أسلاك الجامعيين دون استشارة القاعدة الأستاذية ودون معرفة حقيقية وواقعية بأنظمة أسلاك الجامعيين وشواغلهم المختلفة من صنف إلى آخر». وأضافت العرائض ان «أعضاء المكتب التنفيذي يعملون على افشال كل محاولة لحل وفاقي يضمن حقوق كل الأصناف الجامعية ويحدّد واجباتهم تدريسا وبحثا وتأطيرا». وطالب الجامعيون الممضون على العرائض المنظمة النقابية بالتريث وبمزيد التحري وتوسيع الاستشارة واشراك كل الأصناف وكل الهيئات النقابية وبالأعداد الجدي والنزيه للخروج من أزمة القطاع خدمة للجامعة وللجامعيين والبلاد.   (المصدر: صحيفة « الشروق » التونسية الصادرة يوم 12 جويلية 2006)

 

بســبب الغـــــذاء والمحروقـــات ومنـــذ سنـــة وإلى شهر جوان:

مؤشّر الأسعار يرتفع بـ 4,93% والقدرة الشرائية..؟

 
تونس- الصباح – تحليل اخباري   تصر الأسعار على ارتفاعها في تونس لتناهز حاليا مستويات قياسية تقودها بالأساس اشتعال أسعار المحروقات «ونهم» اسعار المواد الغذائية حسب آخر الأرقام التي وفرها معهد الاحصاء الوطنيINS)) والمتعلقة بشهر جوان المنقضي.   على خلاف الاستقرار الشهري الذي حققته الاسعار في شهر جوان ومقارنة بشهر ماي فان ذلك لم يتمكن من تغطية مستوى الـــ4.93% او نسبة ارتفاع الأسعار منذ سنة والى نهاية شهر جوان وهو مستوى تجاوز بكثير معدل تضخم العام الماضي الذي جسمه ارتفاع بــ2,06% لمؤشر اسعار استهلاك العام الماضي ومقارنة بمعدل السنة السابقة.   كما تجاوز نسق التطور السنوي لنهاية عام 2005 حيث ارتفعت الأسعار بـــ3.93% في الفترة ديسمبر 05 – ديسمبر 04. وليفوق ايضا توقعات الحكومة لمعدل تضخم 2006 والمقدر بــ3%.   ويبدو ان ظرف ارتفاع اسعار المحروقات – الذي تتكبد تداعياته وبنسب متفاوتة كل دول العالم – اصبح «نحس» او «لعنة» العصر الحالي، تسخر كل الحكومات تقريبا كل امكانياتها و«حيلها» لتخفيف وطأته على اقتصاداتها خاصة منها الاقتصادات التي تحاول افتكاك مكانة تمكنها من الاقتراب من ذيل قائمة الدول المتقدمة..   في تونس يصر ظرف «انفلات» اسعار النفط العالمي على ترك بصمته على اسعار الاستهلاك العائلي الذي يتجلى من خلال ارتفاع اسعار مجال النقل بـــ6.7%.   يذكر أن منتوجات المحروقات التي تعد اهم مركبات مجال النقل، شهدت خمس زيادات متتالية في ظرف سنة تقريبا (5 جوان 2005 الى 2 جويلية 2006)   وينتظر ان تكون زيادة اسعار مجال النقل الشهرية في شهر جويلية ومقارنة بشهر جوان اكثر حدة من تلك المسجلة في جوان ومقارنة بشهر ماي والتي ناهزت 0.31%.   أسعار المواد الغذائية لم تشذ ايضا عن «قاعدة» الارتفاع المسجلة سنويا فظرف رجوع اسعار لحوم الدواجن الى مستوياتها العادية بعد انهيارها بسبب هاجس انفلوانزا الطيور بداية السنة، وعامل التخزين لشهر «رمضان» الذي يعرف اعلى مستوى لاستهلاك المواد الغذائية، وارتفاع الطلب في الموسم السياحي، كلها عوامل ساهمت الى حد كبير في ارتفاع اسعار المواد الغذائية التي تمثل 36.5% من اجمالي سلة المستهلك، الى 6.49% على المستوى السنوي مقابل تراجع بـ0.49% على المستوى الشهري ومقارنة بشهر ماي.   ولا يخفى عن الملاحظ مدى وقع هذا التطور على مؤشر أسعار الاستهلاك عامة وتاثيرها عليه.   اسعار قطاع السكن بدورها – قطاع يساهم بنحو 18% من سلة المواطن الاستهلاكية –  تكبدت ارتفاعا كبيرا فات الــ5% منذ سنة والى نهاية شهر جوان وتجاوز الـــ0.68% على المستوى الشهري لعوامل مترابطة منها المضاربة وارتفاع كراء المساكن وزيادة اسعار المواد الاولية لهذا القطاع.   توجّه الارتفاع شمل باقي المجالات الاستهلاكية الاخرى لكن باقل سرعة حيث ارتفعت اسعار الملابس بـــ2.63% والصحة والعلاج بــ3.13% والترفيه بـــ2.33% وذلك منذ سنة والى شهر جوان.   ويتبين من خلال هذه القراءة في الأسعار  مدى مساهمة الصناعيين – المتأثرين الاولين بالظرف الاقتصادي عامة – في جعل المستهلك النهائي يتكبد هذا المستوى العام من الأسعار بعد تسجيل ارتفاع في اسعار منتوجات البيع الصناعي قبل دخولها مرحلة التوزيع (الجملة والتفصيل) بـ8.5% منذ سنة والى شهر ماي 2006، تجلى بالأساس من خلال اسعار الصناعات المعملية كمواد البناء والخزف والبلور بـــ11.8% والصناعات الغذائية بــ6.88%.   تجدر الملاحظة ان الصناعات المعملية تحتكر نحو 60% من الاستهلاك الوطني للطاقة. هذه الأخيرة وعلى مستوى اسعار البيع الصناعي للمنتوجات غير المعملية سجلت «التهابا» في اسعارها بــ20.22% بذات الفترة المعنية.   القدرة الشرائية   وبصفة عامة تكمن اهمية الافصاح عن اداء مؤشر اسعار الاستهلاك في مراقبة المسؤولين السياسيين لهذا الاداء قصد تامين المحافظة على القدرة الشرائية للافراد ذوي الدخل الادنى كما يعتبر هذا المرجع ومن الناحية الاجتماعية المؤشر المفتاح لسياسة ضبط الاجور التي من الضروري ان تكون متناسقة مع نسق تغير الاسعار حتى يمكن التحكم في كلفة المعيشة بان لا يتجاوز معدل ارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية مستوى الزيادات في الرواتب السنوية.   كما تكمن اهميته في تقييم ضغوطات التضخم وعلاقته بالسياسة النقدية والفوائد حيث يعمد الساهرون على التحكم في التضخم من هذا المضمار باللجوء الى ضبط أسعار الفوائد وتغييرها نحو الارتفاع اذا تكثف ضغط التضخم (ارتفاع الاسعار) وتركها على حالها اذا قل ضغط التضخم لعلاقة ذلك بمستوى الطلب والعرض بالسوق الاستهلاكية.   يذكر ان معدل نسبة الفائدة النقدية في السوق النقدية التونسية بقي ذاته تقريبا منذ منتصف عام 2003 (بـ 5%)    ويمكن ربط هذا العامل «النقدي» ولو من بعيد، بدعوة البنك المركزي التونسي البنوك الى التحكم في قروض الاستهلاك بعد ان اصبحت تقريبا الدافع الاول للمستهلكين التونسيين للاقتراض (ارتفاع القروض الموجهة للاستهلاك بـــ30% تقريبا العام الماضي) في ظل اقتصاد يفضل الاعتماد على الادخار اكثر منه استهلاكا حتى يتمكن من تمويل الاستثمار، علما ان التقديرات الرسمية تشير الى ارتفاع قيمة استهلاك الافراد بـــ8% الى نحو 25.63 مليار دينار بنهاية هذا العام.    التساؤل الاساسي يبقى  يدور حول مدى قدرة الحكومة في الرجوع بالتضخم الى الـــ3% المتوقعة بنهاية العام وعما اذا وصل التضخم الى مستوى يعيق فيه النمو الاقتصادي.   التساؤل الفرعي هو عما اذا كان المستهلك التونسي لايزال محافظا على قدرته الشرائية وهل سيتوفر بديل اخر غير اللجوء الى القروض الاستهلاكية؟.   تحليل: عائشة بن محمود   (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 12 جويلية 2006)

تونس: حوادث السير تتسبّب في مقتل 1519 شخصا

 
تونس ـ يو بي آي: أظهرت احصائية رسمية أن حوادث السير المسجّلة في تونس خلال العام الماضي تسبّبت في مقتل 1519 شخصا. وبحسب الاحصائية التي نشرتها الصحف امس الثلاثاء، فان اجمالي عدد هذه الحوادث بلغ 11 ألف و35 حادثا، أي بزيادة حوالي 150 حادثا مقارنة مع حصيلة العام 2004. وأوضحت أن هذا العدد من حوادث السير أسفر عن مقتل 1519 شخصا و15 ألفاً و368 جريحا. وأشارت الي أن أعلي معدّلات حوادث السير سجّلت خلال شهري تموز (يوليو) وأغسطس/آب، حيث بلغ عددها 2043 حادثا تسبّبت في مقتل 337 شخصا، و2774 جريحا. يذكر أن تونس تعتبر من بين الدول التي تكثر فيها حوادث المرور، حيث تشير التقارير الرسمية الي أن الحوادث المسجّلة تتسبّب في مقتل ثلاثة أشخاص و40 جريحاً يومياً، أو ما يعادل قتيلاً كل خمس ساعات، إلي جانب الخسائر المادية الفادحة التي أثرت علي أكثر من قطاع، وخصوصاً منها قطاع التأمين.   (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 12 جويلية 2006)

مهرجان قرطاج … حصرياً على «روتانا»

 
بيروت – الحياة     في إطار نشاطات روتانا لهذا الصيف، حصلت الشركة اخيراً على حقوق تنظيم ونقل حفلات مهرجان قرطاج 2006 في تونس بالتنسيق والتعاون مع وزارة الثقافة والحفاظ على التراث التونسية. ويعتبر مهرجان قرطاج في دورته الـ 42 التي تبدأ فعالياتها في 15 تموز (يوليو) ولغاية 16 آب (اغسطس) من أعرق المهرجانات العربية، ويشتمل برنامج هذا العام على مختلف ألوان الفنون من الأغاني والشعر والمسرح والافلام. وستقدم العروض الفنية فى 4 مواقع أثرية هي: مسرح قرطاج الرومانى، وقصر النجمة الزهراء في ضاحية سيدي بوسعيد، وقصرالعبدلية وحدائق قصر السعادة في مدينة المرسى. ومن النجوم المشاركين في هذا المهرجان: حسين الجسمي وفضل شاكر وأمل حجازي وماجد المهندس ونوال الكويتية ونور مهنا ومايا نصري ودينا حايك…   (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 129 جويلية 2006)


FBI يحقق في الاعتداء على المصحف بولاية تنسي

 
     أفادت أنباء بأن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (FBI) يحقق في صحة تسجيل نشر على أحد مواقع شبكة الإنترنت يظهر شخصين يطلقان النار على نسخة من المصحف الشريف في ولاية تنيسي جنوبي الولايات المتحدة. وفي التسجيل المصور نفسه يقوم الشخصان برمي المصحف أمام أحد المساجد التابعة للمسلمين هناك. وفي السياق طالب مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) وزارة العدل باعتبار التسجيل تعديا على الحقوق المدنية. ودعا رئيس المجلس نهاد عوض إلى معاقبة من قام بالعمل، مشيرا إلى أن هناك قوانين تحرم أعمال تزدري الأديان. وأكد في تصريح للجزيرة أن هذا العمل يحرض على الكراهية وأن الفاعلين يسعون لترويع المسلمين.   (المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 12 جويلية  2006 نقلا عن وكالات)
 

 

العدد الثامن عشر السنة الخامسة/ جويلية أوت 2006

 

 

بين يدي العدد الثامن عشر


قضايا وتحاليل

تونس لكل أبنائها!! نورالدين العويديدي

انخراط الإسلاميين في الانتخابات: هل يكون للمشاركة أم للمغالبة؟ بنعيسى الدمني

تونس: الحكومة وقوى المجتمع المدني والنقابات.. من يدفع من إلى التصعيد؟ محمد فوراتي

في ظل ضعف الأحزاب السياسية في المغرب الملك والصحافة المستقلة يتقاسمان أدوار الحكومة والمعارضة مريم التيجي

بعد 3 أعوام على انطلاقتها : المقاومة العراقية.. بحث في الهوية والتوجهات إياد الدليمي

تونس: الأمهات العازبات ضحايا أم مذنبات؟ محمد حمروني

آثار المشروع البورقيبي في الشخصيّة التونسيّة فريد خدومة

الحصاد المر: عندما يتحول الخلاف السياسي إلى صراع هوية عارف المعالج

مستقبل الإسلام السياسي في تونس علي بن سعيد

من سيرث سلطة بن علي  (1من2)

أحمد قعلول

 

حوارات

 

 

 

حوارات وراء القضبان:مع: السيد أحمد زكرياء الماقوري

أجرى الحوار: عبد الله الزواري

 

ندوات

 

 

 

 

 
 

« أختلف »

ديوان جديد

للشاعر التونسي بحري العرفاوي



حوار مع الشاعر أجراه محمد حمروني


On the question of the unwinnable wars in general and the Iraq war in specific

By Taher Laswad

© aqlamonline 2006


 

تونس: الحكومة وقوى المجتمع المدني والنقابات.. من يدفع من إلى التصعيد؟

محمد فوراتي شهدت الساحة التونسية في الأشهر الأخيرة موجة من الاضرابات والاعتصامات، التي اكتست طابعا نقابيا وسياسيا. ولأول مرة منذ سنوات طويلة من « السلم الاجتماعي »، و »الهدوء السياسي »، تدخل الحكومة في معركة مفتوحة مع أنشط القطاعات الفاعلة في المجتمع، مما يكشف عن حالة من القلق الاجتماعي والسياسي في الشارع التونسي. فقد شملت التحركات الأخيرة المحامين والمعلمين وأساتذة التعليم الثانوي وأعوان الصحة والحقوقيين والمعارضة ممثلة في هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات والمبادرة الديمقراطية – الائتلاف الديمقراطي. كما شمل التوتر بين الحكومة وقطاعات المجتمع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بمنع مؤتمرها السادس، وبلغ الأمر ذروته مع اتهام الرابطة لإدارة السجون « بتدنيس المصحف الشريف »، والرد القاسي من الحكومة، التي اتهمت الرابطة باللعب بالنار، وإيقاف علي بن سالم رئيس فرع بنزرت للرابطة، الذي أخضع للتحقيق بتهمة ترويج أخبار زائفة من شأنها تعكير صفو النظام العام. كما شمل التوتر كذلك فرع تونس لمنظمة العفو الدولية وجمعية النساء الديمقراطيات، التي منعتها السلطات من تنظيم مؤتمرها في فضاء عام. التخوين وكان ردّ السلطة على مختلف هذه التحركات متصلبا، إذ رفضت الحوار، واتهمت مجمل هذه الأطراف بالعمل خارج القانون، وتسييس النقابات. ووصلت هذه الاتهامات حدّ التخوين ونفي الوطنية عن الهيئات النقابية والأحزاب السياسية. واستعملت الحكومة الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة لتشن حملة إعلامية ضدّ كل هذه الأطراف، التي هدد بعضها علنا بالتصعيد. فالسيد بشير التكاري وزير العدل وحقوق الإنسان واجه تحركات الهيئة الوطنية للمحامين، التي تحتج على بعث المعهد الأعلى للمحاماة من جانب واحد بإجراءات أمنية مشددة، ومحاصرة قصر العدالة. وذهب الوزير إلى حد القول إن  » هيئة المحامين تساهم في عودة الاستعمار للبلاد ». وهو الأمر الذي استدعى ردّا حازما من العميد عبد الستار بن موسى، الذي عقد ندوة صحفية للردّ على هذه التهم، قائلا إن  » المحامين هم أكثر وطنية ممن يحرص على التطبيع واستدعاء الأعداء إلى أرض الوطن »، في إشارة إلى استدعاء الإسرائيليين لزيارة تونس. وأصبحت علاقة الهيئة الوطنية للمحامين، التي تمثل حوالي خمسة آلاف محام بوزارة العدل شبه مقطوعة، وهو ما جعل ابن موسى يدعو الرئيس ابن علي إلى التدخل وإقامة جلسة حوار مع الوزير الأول. أما المعلمون والأساتذة وعددهم يتجاوز 120 ألفا، فقد اتهمتهم الصحافة اليومية بمختلف التهم الجارحة، ووصل الأمر أيضا إلى حد التخوين. ولمّحت وزارة التربية في الرد على الاضرابات المتتالية لرجال التعليم، والتي حققت نجاحا منقطع النظير وصل إلى أكثر من 80%، إلى أن نقابة التعليم الأساسي ونقابة التعليم الثانوي يمارسان التصعيد السياسي، وأن المطالب المهنية المرفوعة ليست إلا غطاء لأهداف سياسية غير معلنة. وشملت التهم الموجهة للمعلمين « اتخاذ التلاميذ رهائن، وتدمير التعليم »، وهو ما استدعى ردودا حازمة من نقابات التعليم. وقد أطلق السيد منصف الزاهي الكاتب العام لنقابة المعلمين النار على الوزارة قائلا إن « المعلمين هم آخر من يُتهم في وطنيته. فهم أول من حارب الاستعمار، ومنهم من سقط شهيدا. وهم من بنى الدولة الوطنية، وتخرّج على يدهم كل رجالات الدولة. ولكنهم وجدوا أنفسهم في أسفل السلم ». وأضاف الزاهي أن الوزارة بهذه الحملة السخيفة لا تؤكد إلا رفضها للحوار، ومعاداتها لرجال التعليم. وهو نفس الموقف الذي اتخذه الأستاذ الشاذلي قاري، الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي، الذي هاجم بدوره وزارة التربية ومن ورائها الحكومة، طالبا بإجراء مناظرة تلفزية مع الوزير للرد على هذه التهم الخطيرة. وقال قاري إن التخوين والتشكيك في وطنية الأساتذة والمعلمين أتى بنتيجة عكسية، حيث حقق الإضراب الثاني للمعلمين وكذلك الأساتذة نجاحا أكثر من الإضراب الأول. فالإضراب الأول للمعلمين في 11 أيار/مايو نجح بنسبة 75%، أما الإضراب الثاني الذي خاضه المعلمون في 7 حزيران/جوان فقد نجح بأكثر من 88%. أما أساتذة التعليم الثانوي فقد حقق إضرابهم يوم 19 ابريل نسبة نجاح وصلت إلى 80%، وارتفعت النسبة إلى أكثر من 85% في الإضراب الثاني ليوم 18 أيار/مايو. وتكشف نسب ارتفاع الإضراب الثاني عن فشل ذريع لوزارة التربية في حملتها الإعلامية، التي أتت بنتائج عكسية. وجاء قرار نقابة الثانوي بالاعتصام أمام الإدارات الجهوية للتعليم ليؤكد غضب هذا القطاع من تصرفات وزارة التربية، ومحاولتها التسويف والمماطلة والاستهانة بالمطالب النقابية لرجال التعليم. ولأول مرة يتوجه مئات المدرسين للاعتصام، وتبليغ رسائل احتجاج في مختلف ولايات الجمهورية، وهو ما استدعى تدخلا أمنيا كبيرا، تم بموجبه محاصرة مختلف إدارات التعليم. ولم يستبعد المعلمون خوض أشكال جديدة من الاحتجاجات، إذا واصلت وزارة التربية صم أذنها عن مطالبهم. وآخر ما ورد من ردود الحكومة على هذه الموجة من الإضرابات قول السيد عبد العزيز بن ضياء في « منبر حوار » في لجنة التنسيق التابعة للحزب الحاكم في باردو « إن الإضرابات التي نفذت لم تتجاوز الأربعة الأيام طيلة السنة، وهو أمر لا يمكن له أن يخل بالتدريس، كما إن كل البرامج الدراسية تم استكمال تدريسها في الموعد المحدد لها ». وقال إن عدد ساعات الإضرابات لم يتجاوز عدد ساعات الإضراب في السنوات السابقة ». (صحيفة الشروق الصادرة في 10 جوان 2006). ولم يتضمن رد السيد ابن ضياء على المعلمين والأساتذة أي حديث عن مطالبهم ومشروعيتها. وهو ما جعل البعض يصف هذا الرد بتحقير رجال التعليم، فمادام عدد ساعات الإضراب لا يخل بالتدريس، فالأمر بسيط ولا يستدعي الاستماع إلى مطالب أهم القطاعات المهنية التونسية، متسائلين هل يجب على رجال التعليم أن يضربوا نصف سنة حتى يقع الاستماع إلى مشاغلهم؟ أما أعوان الصحة العمومية وعددهم حوالي 50 ألف عون، فقد حقق إضرابهم ليوم 31 أيار/مايو نجاحا منقطع النظير بلغ 95%. ولم يكن ردّ الحكومة مقنعا، حيث وقع الاعتداء بالعنف على لابسي الزي الأبيض في العديد من الولايات من قبل الأمن وأعضاء الشعب الدستورية. وقللت وزارة الصحة من نجاح الإضراب، وقالت في بلاغ رسمي إن المستشفيات شهدت يوم الإضراب سيرا طبيعيا. كما رفع الأطباء الجامعيون الشارة الحمراء منبهين إلى خطورة تدهور الأوضاع بالقطاع الصحي. ولم يكن نصيب الرابطة وهيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات هينا من الحملات الإعلامية، حيث كانت تهمة الاستقواء بالأجنبي جاهزة. فتحالف 18 أكتوبر الذي يضم خمسة أحزاب سياسية (الديمقراطي التقدمي والتكتل والمؤتمر والنهضة وحزب العمال) بالإضافة إلى تيار الوحدويين الناصريين والمستقلين والنقابيين رمت بهم السلطة بجرة قلم في أتون التخوين. وهذه التهمة السهلة على الأقلام الموالية فقدت بتكرارها كل مصداقية لدى الملاحظين، لأنها وجهت إلى أكثر النقابات والأحزاب شعبية، في الوقت الذي يخسر فيه الحزب الحاكم كل يوم منخرطيه. وليس خافيا أن بعض شعب الحزب الحاكم عجزت السنة الماضية عن عقد مؤتمراتها بسبب إحجام المنخرطين السابقين عن تجديد انخراطاتهم. وتفقد هذه التهم مصداقيتها أيضا لأن هذه الأطراف هي من قام بالاحتجاجات، ونظم المسيرات، احتجاجا على دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرائيل شارون إلى قمة المعلومات، ثم مشاركة الوفد الصهيوني في هذه القمة، وكذلك مسار التطبيع السري والعلني. وللتذكير فإن الأحزاب المكونة لتحالف 18 أكتوبر هي أكثر الأطراف، التي مارست الاحتجاج ضد التطبيع. كما أن رجال التعليم نظموا إضرابا ناجحا يوم 10 نوفمبر 2005 قبل القمة. ودعت هيئة المحامين إلى إضراب مماث،ل فقررت الحكومة يومها غلق المحاكم، ومنحت جهاز القضاء عطلة إجبارية، لإفشال إضراب المحامين. فكيف يمكن تصديق تهم التخوين لقطاعات بهذا النشاط والوطنية؟ مطالب مهنية وسياسية انحصرت مطالب القطاعين السياسي والنقابي في مطالب مهنية وسياسية لم تتجاوز حدود المعقول. وقد عبرت هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات باختزال عن مجمل ما يختلج في المجتمع بمطالبتها بالعفو التشريعي العام وحرية التنظم وحرية الإعلام. ولا يمكن لعاقل أن يقول إن هذه المطالب تعجيزية أو دعوة للأجنبي للتدخل في الشؤون التونسية؟ وكان يمكن للحكومة أن تحقق بعضها أو مجملها بقرار سياسي ينهي كل هذا الجدل. أما المطالب النقابية، التي ألقى بها الموظفون والعمال فهي لا تتعدى تحقيق مكاسب مادية، تناسب غلاء الأسعار، وتدهور المقدرة الشرائية، واحترام الحق النقابي، وعدم تهميش قطاعات المجتمع، وتشريكها في القرارات المصيرية؟ وكان ردّ الحكومة على المطالب المادية واحدا وهو أن البلاد تمر بمرحلة اقتصادية حرجة، وهو الردّ الذي صار مصدر تهكّم، مثلما قالت بذلك نقابة المعلمين، التي تساءل كاتبها العام في اجتماع شعبي أين نصيبنا من المعجزة الاقتصادية التي ظلت الحكومة تفاخر بها طيلة سنوات؟ لا يمكن بحال من الأحوال أن يستهين أحد بالحركات الاحتجاجية الأخيرة، التي شملت أهم القطاعات المهنية، وألتفت حولها أهم القوى السياسية بالبلاد. ولكن الحكومة التي تدرك جيّدا مستوى القلق الاجتماعي والسياسي، الذي سرى في البلاد، فضلت التعامل بصوت واحد مع الجميع. هذا الصوت لا وجود للحكمة فيه، لأن كل ما يصدر عن المعارضة أو النقابات أو الجمعيات المستقلة مرفوض، فالجميع يصطاد في الماء العكر، والحقيقة مصدرها واحد وهو بيد السلطان، الذي لا يخطئ. وإن كانت هناك أخطاء فهي فردية ولا تستدعي كل هذا الصراخ. ويكشف رد الحكومة، الذي جاء بنوعين فقط أحدهما أمني والآخر إعلامي تشويهي، عن ضعف وقلة ثقة وخوف من المجهول. فقد لاحظ المتابعون خلال سنة كاملة أن ردود فعل الحكومة على مطالب المجتمع المدني وقواه الحية لم تكن سياسية، بل كانت فقط عبر الصحف الصفراء والأقلام المسمومة والمعالجة الأمنية. وكان الأجدر، كما يرى مراقبون، أن تذهب الحكومة للتحاور وإيجاد حلول للمشاكل المتفاقمة، والمطالب التي ترفع هنا وهناك. وحتى المبادرة الرئاسية بتكليف السيد زكرياء بن مصطفى بالاستماع إلى الأحزاب والمنظمات الوطنية لم يؤد إلى أي نتيجة، بل إن ما وصل رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان من مطالب وتشكيات لم تجد إلى اليوم طريقها للمعالجة والاستماع، رغم مرور أشهر على هذا التكليف. وهو ما يعمق الاقتناع لدى قوى المجتمع بأن مثل هذه المبادرات تولد ميتة دائما، لأنها لا تؤدي إلى نتيجة. وحتى الأحزاب « الديكورية » الغارقة في صراعاتها الداخلية فإن بعض مطالبها، التي تعلنها من حين لآخر لا يقع الاستماع لها، مما يعمق الاستنتاج بأنها أحزاب للديكور فقط. ومهما يكن رد الحكومة على مطالب المجتمع المدني، التي تظهر أحيانا في شكل بلاغات رسمية، أو عبر مقالات غير موقعة في الصحف، فإنها تبدو غير مقنعة. فكيف يمكن أن نضع في سلة المهملات مطالب قطاعي الصحة والتعليم وهما معا يمثلان أهم القطاعات النقابية؟ وكيف يمكن أن تقنع الحكومة الرأي العام بأن الآلاف من رجال التعليم والصحة يلقون بمطالب تعجيزية وسياسية، في الوقت الذي يشكو فيه هؤلاء من تدني مقدرتهم الشرائية وسيطرة الإدارة على حياتهم؟ وكيف يمكن لرجال التعليم أن يفهموا وجهة نظر وزارة التربية أو وزارة التعليم العالي وهي تستبعدهم من برامج إصلاح التعليم؟ وهو ما يعتبر تهميشا لدورهم. وكيف يمكن التعامل مع هيئة المحامين المنتخبة بهذا التبسيط والاختزال، وهي التي سلكت لسنين طويلة مسلك الحوار ولكنها لم تجد إلا التهميش. ولماذا تصرّ الحكومة على وصف كل المطالب، التي تصدر عن المعارضة بأنها اصطياد في الماء العكر، رغم أنها لا تتجاوز كونها مطالب إصلاحية؟ إن تواصل التعامل مع مطالب المجتمع بهذه الصيغ التقزيمية والاستعلائية، وتهميش الأحزاب والنقابات والجمعيات، لن يزيد الحكومة إلا عزلة. كما إنه سيجعل البلاد تسير نحو الهاوية على المستويين الاقتصادي والسياسي، وهو أمر لن يفيد الحكومة في شيء. كما إنه سيصيب الشعب في مقتل، وهو الذي لا يطلب إلا العيش في حضن تونس، التي يجب أن تكون لكلّ التونسيين.
 

(مجلة أقلام أون لاين الإلكترونية العد الثاهن عشر جويلية – أوت 2006)
 

 

حوارات وراء القضبان

السيد أحمد زكرياء الماقوري
 
أجرى الحوار عبدالله الــزواري
 
تقديـــــــــم  صاحبنا قارب الخمسين من العمر، متزوج و له من الأبناء ولد و ثلاث بنات، يعمل كهربائيا ولكن نشاطه السياسي أصبح عقبة أمام مباشرة عمله، و حيل بينه و بين وظائف قارة عديدة بطرق أصبحت غير خافية على المتتبعين للشأن التونسي، تولى الإشراف على جامعة مدنين لحزب الوحدة الشعبية سنوات طويلة، ثم ابتعد عنها متبرئا من سياسة الوفاق الفج الذي انتهجته قيادة الحزب مما قلص شعبيته و إشعاعه حسب تعبيره،    و التحق بالمنتدى التونسي من أجل الحريات و العمل الذي يرأسه الدكتور مصطفى بن جعفر معتبرا إياه أفضل من يمثل طموحاته و رؤاه ضمن الأحزاب القانونية و مما شجعه بالخصوص على الالتحاق بالحزب المذكور عدم سقوطه في فخ سياسة الوفاق إن لم نقل في أحزاب الديكور، مع ما يتمتع به أمينه العام الدكتور مصطفى بن جعفر من مصداقية نضالية         و مواقف مبدئية من كثير من القضايا الوطنية الملحة و على رأسها مسألة العفو التشريعي العام.   نص الحوار     1) هل دار بخلدك يوما أنك قد تكون وراء القضبان؟   كيف لا يكون ذلك حاضرا بذهني و أنا الذي لم أنتم يوما للحزب الحاكم؟ بل كنت دائما معارضا له و لم و لن   أتردد أبدا في الجهر بخلافي له وفضح كل ممارسة تعسفية يقترفها أي مسؤول حكومي أو إداري بقطع النظر عن  درجتهم، لكن هذا الشعور المبهم اتضح      و تأكد في الأسابيع القليلة التي سبقت إيقافي، إذ جدت جملة من الأحداث كانت كافية ليدخل من يقف موقفي السجن و من بابه الواسع، فمساندتي لعائلات شبان جرجيس و كشفي عملية إيقاف أبناء  غثمثم إثر فرار أخيهم المتهم بقتل يهودي  من سجن حربوب، و خصوصا شهادتي لفائدة مغضوب عليه ادعت عليه صاحبة محل عمومي للإنترنات بقذفها و إحداث الهرج في محلها  وتحطيم أثاثه و رغم استنجاد المسكين بعدل منفذ تولى معاينة المخالفة إذ رفضت صاحبة المحل إسداء خدماتها له ويمثل ذلك مخالفة اقتصادية يجرمها القانون التونسي لا يتناطح فيها عنزان، و رغم براءة المسكين مما اتهم به جملة و تفصيلا براءة الذئب من دم يوسف وقميصه فقد أدانته المحكمة، و أيقنت عند صدور الحكم النهائي عليه أني سأكون الضحية القادمة، و يمكن أن تدبر لي و في أي وقت قضية أحال بموجبها على المحكمة التي لن تتردد في تسليط » الحكم المناسب  » علي، و قد تلقيت إثر صدور الحكم في درجته الأولى تهديدات هاتفية » مفادها « تو تخلط عليه ».  وفعلا في اليوم الرابع من أكتوبر تم جلبي بالقوة إلى مركز شرطة جرجيس حيث وقع اتهامي بالاعتداء على عون أمن أثناء قيامه بعمله وتحطيم أثاث المركز و التهجم على رئيسه وحكم علي بالسجن مدة 16 يوما نافذة وشهرا مؤجلا.   2) الصورة التي كانت منطبعة في ذهنك عن السجن: هل وجدت في الواقع ألسجني ما يرسخها أو ما يناقضها؟    من خلال مطالعاتي للتقارير التي تنشرها المنظمات الحقوقية داخل البلاد و خارجها، و من خلال زياراتي لتهنئة المساجين المفرج عنهم تكونت لي فكرة عما يدور وراء القضبان، وفعلا شاهدت هذا بأم عيني يوم السبت الخامس من أكتوبر2003 و ما يليه في غرفة 6 بحربوب، غرفة الموقوفين،  لكن ليس من شاهد كمن سمع….   3) السجون بين ما تسمعه في الإعلام الرسمي و الواقع ؟   لا علاقة بين واقع السجون التونسية وبين ما تنشره وسائل الإعلام الصفراء وجلاوزة النظام، الواقع يؤكد الحالة المزرية و التعيسة للسجون التونسية، فوسائل إعلامهم تتحدث عن سجون قد تكون موجودة في اروبا أو أمريكا، و الواقع أقرب إلى سجون القرون الوسطى اكتظاظا و اتساخا و رداءة أكلة و اختناقا داخل الغرف و سوء معاملة، أتعرف أول ما قمت به عند إيداعي بالغرفة السادسة: غرفة الموقوفين؟ بادرت إلى قيس طولها وعرضها فكان إحدى عشر خطوة طولا و ثمانية عرضا، و يتجاوز عدد نزلائها المائة والعشرين، و بها ثلاثون سريرا مزدوجا على ما أذكر الآن، أليس من العار أن يجد البق وغيره من الحشرات مرتعا خصبا في سجن حربوب تسرح فيه كما تشاء و لا يزيدها الدواء المستعمل بصفة مشوهة إلا حصانة ومناعة و مقاومة له؟ كما لا يزال التعنيف المادي ممارسا أمام الجميع، وبعيني شاهدت المدير يركل سجينا متهما بسرقة هاتف جوال لا لشيء إلا لأنه احتج على تأخير تقديم الأكلة في شهر رمضان، فهل هذا سبب كاف لتعذيب ذلك الشاب و إهانته؟   4) هل تشعر انك أهنت في مرة من المرات؟ و هل شعرت بذلك مرة واحدة؟ بل من أبناء بلدنا لا يهان يوميا؟ أليس من الإهانة لنا ما تبثه القناة الفضائية التونسية؟ أليس من الإهانة ما تسمعه منها من أخبار و تقارير؟ أليس من الإهانة لنا أن لا نستطيع التعبير عن آرائنا مثل الموريطاني أو الأفغاني أو…؟ أما في السجن فتبدأ من اللحظة التي تجتاز فيها الباب الرئيسي للسجن و يطلب منك التخلي عن ساعتك اليدوية و المحزمة و « الولاعة »و ما عندك من مال…    5) ألا يوجد في السجن ما نال إعجابك أو أثار حفيظتك؟   هل يعني السجن غير تقييد حرية الإنسان و سلبه إرادته، لذلك فكل ما فيه يجعلك ساخطا منذ اللحظة الأولى التي يوصد على المرء أول الأبواب السبعة: الاكتظاظ الفظيع، الأوساخ، الحشرات مثل البق و القمل، مشاهدة بعض المساجين ينامون أرضا، و لا يفترشون غير زاورة واحدة رائحتها تخنق الأنفاس، وهذا أكبر إذلال للإنسان و إهانة له و حط من كرامته و تجريد له من آدميته.   6) ما هي أقسى اللحظات عليك في السجن؟   أقسى اللحظات هي تلك التي يخلو فيها السالمدينة وو يعم فيها الصمت المكان، عند القيلولة حينا و في الثلث الأخير من الليل أحيانا كثيرة، هذا على الأقل ما حصل لي و ما شعرت به، فقد وقع اعتقالي في شهر رمضان و كنت في الظهيرة أتمدد على فراشي و بمجرد أن أفعل ذلك تزدحم الصور في ذهني: بنيتي سهيلة ماذا تراها تفعل الآن؟ و زينب العزيزة هل تمكنت من اشتراء أدواتها المدرسية؟ و محمد كم وعدته من مرة بجولة في شوارع المدينة و أزقتها و أسواقها لكن أضطر إلى تأجيل تلك الجولة بسبب كثرة المشاغل حينا و بسبب العجز عن تلبية رغباته التي يمكن أن تطرأ حينا آخر، و عائشة، زوجتي، تلك المناضلة بعيدا عن الأضواء و التي قد لا يعترف بنضالها أحد غيري، الوالد و الوالدة…أتعبتهما صغيرا و أرهقتهما كبيرا…في تلك اللحظات تمر الثانية كأنها سنة أو أكثر…   7) ما هي أبرز الظواهر السلبية في الحياة السجنية؟   في السجن لا يمكن أن تشاهد أو تعايش ظواهر إيجابية، فكل ما حولك إنما هو إهانة للإنسان و حط من كرامته، و إذلال له، أو غطرسة و عنجهية، و لقد عايشت حدثا بسيطا فيه كفاية لإبراز ما يقاسيه السجين و في بعض الأحيان بتواطؤ من زملائه، رأيت شابا متهما بمواقعة أجنبية دون رضاها كان يتناول حبوبا مهدئة بإشارة من الطبيب المختص، و كان الطبيب قد أمره بأخذ الدواء بعد تناول فطور الصباح، لكن حرص الممرض على توزيع الدواء         و تناوله بحضوره لم يقابله حرص إداري على توزيع فطور الصباح في الوقت المناسب بحيث يستطيع السجين تناول الفطور قبل أخذ الدواء، مما سبب لصاحبنا وعكة صحية استدعت نقلته إلى المستشفى الجهوي بمدنين، و عند العودة منه أجبرته الإدارة على الإمضاء على ورقة كتب فيها أنه يرفض تناول الحليب.   8)    هل تمكنت من تنمية قدراتك المهنية أو العلمية طيلة إقامتك في السجن؟   لا أبدا، لم تتح لي مثل هذه الفرصة لأن الحديث عن المطالعة عموما، و قراءة الجرائد من طرف وزير العدل لا توجد إلا في مخيلته، و لا يزال السجين في 2003 محروما حتى من المصحف فما بالك بغيره من الكتب…   9) ألآن و قد عرفت السجن و قضيت به ربيع عمرك و زهرة شبابك هل يمكنك أن تعود إليه؟   الإنسان السوي يرفض السجن جبلة لأن السجن يجرده من إنسانيته و يدمره كإنسان يرفض الضيم والتعسف، وسواء مر الإنسان بتجربة السجن أو لم يمر بها فإنه لا يتمنى العودة إليه، هذا إن سمح له بالتمني، و لكن الواقع يصرخ بنا: »كلكم في سراح مؤقت »وبالتالي فإن العودة للسجن واردة في كل حين، و ربما يتمتع المجرم و اللص و المحتال و السارق و القاتل ومغتصب الآدميين وناهب الثروات بالحرية، في حين يسجن رجال الفكر و الإٌعلام و أهل السياسة و أصحاب الرأي و في هذه الحال فلن أتردد عن الصراخ: » السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ».      10) هل حظيت بأي إحاطة من الإدارة أو من إحدى مصالحها طيلة هذه المدة؟   أي إحاطة و أي رعاية تتحدث عنها و كأنك جئتنا من كوكب آخر؟ أما الرعاية الاجتماعية فعائلتي محرومة منها في حياتنا المدنية، فهل يأمل المحروم منها في المجتمع أن يحظى بها في السجن؟ و رغم كوني متزوج و أب لأربعة أبناء فإني ضحية سياسة التجويع التي تنتهجها السلطة/ الإدارة التجمعية المحلية إزائي منذ سنوات. أما الرعاية الصحية فقد كنت مضربا عن الطعام وهو ما استجوب عرضي على الفحص الطبي مرتين…   11) هل وقع إطلاعك على قانون السجون؟ و هل تمتعت بما ورد فيه من حقوق؟
هذا السؤال يبدو لي غريبا غربة التونسي الوطني في بلده، فإذا كنا لا نعرف حقوقنا، أو لا نمكن منها خارج السجن، فهل يعقل أن نعرفها أو نمكن منها وراء القضبان؟ وعلى كل حال سأجيبك عن السؤال يا سيدي الكريم، زكريا المقوري يتحدى كل مسؤول يزعم أنه أطلع المساجين على القانون مجرد إطلاع، أما التمتع بالحقوق الواردة فيه فالضرورة تدعوني إلى القول بأنها موجودة في خطاب السيد بن علي لا أكثر، فهي مجرد وضع مساحيق لتجميل صورة باهتة فضحت و بان زيفها في كل أنحاء العالم، و لم يعد يصدقها إلا السذج          و المغفلون و المأجورون و لكن مع الأسف ما أكثرهم.   12) متى مكنت من فراش فردي؟ و متى عرضت على الفحص الطبي؟ و متى زارتك عائلتك أول مرة؟   شخصيا مكنت من فراش فردي منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها السجن، لكن عامة المساجين لا يمكنون من ذلك إلا بعد مدة تبلغ عدة أسابيع إن لم نقل عدة أشهر، و قد يلجأ المساجين الميسورون إلى شراء الفراش من ناظر الغرفة مقابل عشرات علب التبغ، و لا اصدق أبدا أن ذلك يتم من دون علم الإدارة التي يبلغها عمن تريد متى نهض من نومه،       و ماذا أكل و مع من جلس و تحدث، و متى دخل بيت الخلاء وكم من مرة فعل ذلك، و بم عقب عن الأكلة التي قدمتها السيدة زكية في « بسمة الصباح » في قناتهم الفضائية.   13) الزيارة الأولى؟ مشاعر الزوار؟   لقد تمكنت عائلتي من زيارتي في اليوم الخامس من اعتقالي، وكان ذلك على الساعة الواحدة ظهرا، فوجئت بالزيارة في ذلك الوقت لأنه لم يكن وقت زيارة حسب ما أعلمني به سجناء الحق العام، بل هناك منهم من أخبرني أن عائلته قضت عدة ساعات في انتظار الزيارة لأنها قدمت إلى السجن بعد الساعة الحادية عشرة صباحا بقليل، وكان وفد الزيارة يضم الوالدة التي كانت تبكي باستمرار، و كذلك شقيقتي، و زاد في هلعهما ذلك الحاجز الحديدي الذي يفصلني عنهما، أما زوجتي فكانت تتصنع الصبر حتى ترفع من معنوياتي، أما أنا فكنت عاديا تقريبا و كذلك يجب علي أن أكون في مثل ذلك الظرف.       14) لماذا تجلب العائلة القفة؟ هل تفتش بحضورك؟ هل حدث أن فقدت بعض محتوياتها؟ ماذا فعلت؟   القفة التي تجلبها العائلة لا تفتش بحضور السجين، ورغم أني لم أمكث بسجن حربوب غير أيام معدودات فإني فقدت من القفة كمية من البرتقال و لم أتبين ذلك إلا بعد خروجي من السجن… 15) هل من إضافة حصلت لك في السجن؟   أيقنت أن أول جهاز يجب إصلاحه هو جهاز القضاء، و أن الأنظمة الاستبدادية في مشارق الأرض و مغاربها إنما ترتكز على جهاز القضاء مثل ارتكازها على قوات القمع  و الإرهاب، بل أكثر.   16) لنفترض أنك كلفت بإدارة هذا السجن، ما هي الإصلاحات التي تبادر بها؟   توفير فطور الصباح بصفة منتظمة و تقديمه في الوقت المناسب و عندما تساءلت لم لا يقدم الحليب سخنا أجابني أحد المقيمين في الغرفة معي أتريد أن يخلطوا لنا الحليب بالماء ثم يقدموه إلينا؟ و غاب عني ذلك. إثراء مكتبة السجن و تشجيع المساجين على المطالعة بطرق مختلفة، كما يمكن الانتفاع بخدمات المكتبة المتجولة. الكف الفوري و التام عن المس بالحرمة الجسدية للسجين. « تجليز الغرف و تجهيزها بعدد معقول من بيوت الراحة، فالغرفة التي أقمت بها فيها « بيتا راحة » و يقيم بها أكثر من مائة وعشرين سجينا، و الحمد لله أني كنت مضربا عن الطعام فلم احتج للذهاب إلى بيت الخلاء. إحداث مكان مناسب مخصص للزيارة من حيث الاتساع و التهوئة و الإنارة، و تمديد وقت الزيارة. توفير ألعاب فكرية بعدد كاف داخل الغرف. اختصار آجال بعث الرسائل وتلقيها و مراقبتها. أما الألعاب الرياضية المختلفة فلا أحسب ساحات الفسحة في حربوب مؤهلة لذلك نظرا لضيقها، فلا يعقل أن يمكن بضع أفراد من ممارسة كرة القدم أو الكرة الطائرة و يقضي أكثر من مائة سجين فترة الفسحة قابعا في زاوية من زوايا ساحة الفسحة.     17) وإن افترضنا انك أصبحت مديرا عاما للسجون و الإصلاح، ما هي الإصلاحات التي تحظى بالأولوية لديك؟   توفير فراش فردي لكل سجين وعدم التساهل في ذلك. إزالة السياج الحديدي الفاصل بين السجين و عائلته أثناء الزيارة و اعتبار أن الأصل في الزيارة أن تكون مباشرة، لكن يمكن حرمان السجين الذي يقبض عليه متلبسا بتسريب أشياء ممنوعة محددة ( أقراص مخدرة أو حشيش أو أسلحة ) من الزيارة المباشرة لمدة محددة تزداد طولا إن عاد إلى صنيعه، دون نسيان التتبع العدلي الممكن إثارته.  العمل على توفير الهاتف داخل السجون و تنظيم استعماله. انتداب أطباء نفسانيين و أخصائيين نفسانيين واجتماعيين بعدد كاف لرعاية المساجين من كافة النواحي.   18) بم تنصح سجينا جديدا؟   ما كنت تخشاه و أنت حر في المجتمع (السجن) أصبح الآن واقعا ملموسا تعيشه، فيكفيك ما آثرت من السلامة الشخصية فأذعنت للظلم و التعسف و تنازلت عن حقوقك فلا تفرط في شيء منها بعد الآن.   19) حكمة( أية قرآنية، حديث نبوي، مثل شعبي، بيت شعر..) كثيرا ما ترددها!   « يا ظالم لك يوم »….   20) ممنوعات يجب مراجعتها دون تأخير؟   أليس من العار علينا جميعا أن يحرم السجين من الإطلاع على الصحف اليومية التي تصدر ببلادنا، و نحن ندرك جيدا مضامين تلك الصحف، و تغريدها ضمن السرب و عزفها صلب الجوقة المرضي عنها، فمن ابسط مؤشرات الإصلاح في السجون توفير كل النشريات      و المجلات و الجرائد المطبوعة بالبلاد، و السماح للمساجين، بل تشجيعهم على مواصلة تعليمهم في مختلف درجاته، و السماح بدخول مختلف الكتب للمساجين، هذه على الأقل الممنوعات التي تؤرق سجناء الرأي. أما مساجين الحق العام فهم أدرى بمطالبهم.   21) مباحات يجب التصدي لها بحزم؟
تجربتي القصيرة في السجن لا تسمح لي بتقديم رؤية واضحة في الموضوع، و مع ذلك أقول إن من أبرز ما يجب التخلص منه هو مهمة « كبران شمبرة » أو ناظر غرفة كما هي عليه الآن فهذا الشخص له من الصلاحيات ما يجعله صاحب نفوذ يمكنه من ابتزاز غيره من المساجين، فتراه يتصرف تصرفا مطلقا في جهاز التلفزة، غلقا وفتحا و اختيارا للقناة،   و تجنبا لشره ترى عامة المساجين يتقربون إليه بإهدائه الغلال و الطعام و الدخان و….   22) حادثة عالقة بذهنك؟   إن قصر المدة التي قضيتها بحربوب و إضرابي عن الطعام لم يسمحا لي بالاتصال بالمساجين والتعرف على مشاغلهم، ومع ذلك هناك صورة لا تزال عالقة بذهني إلى الآن و تتمثل في سجين تشتد عليه البرد، فاتصل بكل من يأنس فيه القدرة على مده ب »زاورة » ثانية تقيه برد الليل، فلم يجد آذانا صاغية و باءت كل محاولاته بالفشل الذريع، احتج على ما لاقى بطريقته الخاصة، وبدأ يصيح داخل الغرفة بأعلى صوته، و سريعا يبلغ الأمر للإدارة في أعلى مستوياتها، ويقدم المدير على عجل رفقة كوكبة من مساعديه، ويدعى السجين إلى الخروج ثم ينهالون عليه صفعا و لكما وركلا. و ذكرت كم كنت مغفلا يوم استمعت إلى خطاب رئيس الدولة مبشرا بإلحاق إدارة السجون بوزارة العدل وعقوق الإنسان و ما علق على ذلك من آمال كانت تدغدغ منذ أمد طويل المعارضة.   23) هل تذكر اليوم الأول بالسجن؟ مشاعرك؟   بل هل يجوز نسيانه؟ و أول مفاجأة كانت عثوري على سجين من جهة مطماطة، كنت، مع عائلته، نبحث عنه طيلة ثلاثة أشهر، و قد اعتقل بمركز الأمن الوطني بالمؤانسة، و رغم اتصالنا بالمركز المذكور فقد أنكر أعوانه إيقاف من نبحث عنه بل أنكروا معرفته أصلا. أما مشاعري فمشاعر مظلوم يؤدي ضريبة حبه لبلاده و شعبه و عشقه للإنسان حرا، كريما، عزيزا، و كرهه للخنوع و الهوان  و الاستبداد و الطغيان….

 

الحريات العامة في الدولة التونسية

الأدب : الـشّـعـر

 
بقلم: نصر الدين   لما كانت النهضة هدف الامم والشعوب وجب حتما ان تتوفروتحشد لبعثها كل الطاقات في كل المجالات من سياسي وفكري وفني… وكان لزاما ان يكون للادب دور ريادي في بعثها. فاي دور للجسم الادبي وتخصيصا الشعر في تاريخ تونس الحديث . نعم كان للشعر غفوات وكانت له غفلات تراوحت بين غفلة الانتهازيين وغفلة الصالحين وكانت له محطات لعب فيها ادوار مهمة اخذ فيها مسؤلياته بتوابعها.   ** فها هي رسالة الشاعر محمد بيرم الخامس إلى النظام آنذاك ؟   « وأما الظلم والجور مع الاهالي فقد وصل الى حد عظيم…وعلى علم من سائر الناس ما عدا الامير فانه باق على جهله وغفلته وهو لا يزال يشكر ويمدح وزيره مصطفى بن اسماعيل متيقنا ان بلاده وصلت الى النهاية في الحظ والسعادة والحال ان الاهالي في كرب وضنك عظيم وبودهم أن دولة اجنبية تستولي عليهم ليستريحوا مما هم فيه من سوء الحال ».   ** رسالة بتاريخ 23 ماي 1878   وهذا الشاعر الثائر علي بن الشاوش يترجم الاخلاص في أدبه بحرفية شعره ورغم انه الامام الخاص بالباي ومن صفوته الا انه وعند توقيع هذا الاخير لاتفاقية باردو مع المستعمر الفرنسي قطع حبل ود « باييه » وهجاه بما لم يهجو به جرير  » نميرا » فقال:   « يا مدعي الصدق بين العجمي والعربي******لقد تحولت من صدق الى كذب   هل مسك الضر أم لاحت طلائعه ******على سما قصرك الموعود للعب   بعت الورى للعدى بخسا بلا ثمن ******تبت يدا البائع الملعون في الكتب »   ** 12 ماي 1881   وكان للشاعر محمد الشاذلي خزندار قصيدة طويلة مداره فيها ومحط آماله الشعب وليس غيره وقال يستنهضه:   « ألا بالتعاضد فلنبتدي *******فمدوا يديكم فهذي يدي »   ** نشرت يوم 26 أفريل 1909   كان الادب حاضرا بقوة في معارك النهضة والاصلاح والسيادة وبكر الشاعر بترتيب اولوياته فالبيت الذي سيصرفه لثغر انثى اولى له ان يسد به ثغرة في حصن الوطن. والشعر الذي سيختفي بين هضاب العذارى اولى له ان يرتفع فوق ربوع البلاد فيرفع معه الآمال فيرتفع سقف الارادات. ومن شعرائنا الذين صدقوا فصدقتهم قوافيهم الشاعر صالح السويسي القيرواني حيث قال يصف الجندي المقاتل على ارضه وعرضه:   « شهم حوى في سبيل الله رضوانا*******قد خاض من باسه في الحرب ميدانا   بالحزم مرتفع بالعزم مندفع ******يحمي بصارمه دينا وأوطانا »   ** جريدة التونسي 15 ربيع الاول 1329 (1911)   وللشاعر مسرعا القيرواني نفحات من شعر العامية ينافح به ليستنهض القوم من خلال وصفه لما حل بهم:   ثماش من يبكي ويندب علينا   نفد القضا ما عاد ينفع فينا   رانا متنا   ثماش من يندب على أمتنا   النفس اللعينة بشرها هلكتنا   ولا عادشي في الدهر من يهدينا   صنايعنا ماتو   جاع الفقير وعيلتو وبناتو   بر النصارى اجلب ماكيناتو   والجهل راهو عمالنا عينينا.   ** جريدة ابو نواس 30 أوت 1909   وبعد جريمة سوق الاربعاء (جندوبة حاليا) انبرى الشاعر سعيد أبوبكر ليرد رغم مخاطر الرد شاعرنا ومضى يوجه سهامه للمستعمر:   يا رجال الغرب رفقا مالكم****** ليس ينأى عن أياديكم زناد   فاصنعوا ما شئتم بل فاجعلوا*****باسكم يوما فيوما في ازدياد   إنما راعوا بانا امة*****رأسها قد طلق اليوم الوساد   ** تونس 1927   وكما قال الدكتور الجابري « إن أشهر الشعراء في تونس هم من اهتموا بالقضايا الوطنية » فمن محمود قابادو وهمته العالية وشعره الاستشرافي الذي حذر فيه الشعب من ان المناخ خصب للغزو الاجنبي وهذا قبل الاستعمار الى الشابي وشمولية شعره وسحره المتجدد عبر العقود ولو استنهض شاعر اليوم الناس بما استنهضهم به الشابي لكان الوقع كبير افادة.   ** وهذه عينة من منبهات الشابي:   كل قلب حمل الخسف , وما مل من ذل الحياة الارذل   كل شعب قد طغت فيه الدماء دون ان يثأر للحق الجلي   خله للموت يطويه … فما حظه غير الفناء الانكل .   لو تجاوزنا الحيز الزمني وقمنا باطلالة سريعة على حال الشعر في مطلع التسعينات حيث غربت شمس السياسة ونحرت الآراء الموازية ولم يبق الا الصوت القادم من قرطاج وبقى صداه لاحقا بعد التعرف عليه. في هذا المناخ المغلق بدا وكان الشعر يطرح نفسه كبديل ومتنفس, غير ان آلة الحصاد تفطنت, فبامر رئاسي قبل ان يستقيم المارد واقفا وباشراف المنجي بوسنينة تأسس (وأُثـِث) وأُفـتُـتح بيت الشعر وفي مغازلة مفضوحة لاولاد احمد ومن اجل ترويضه اسندت له الادارة في 25 اكتوبر 1993.   بعد اربع سنوات من تجاذب بين الطرفين لشعرة معاوية اتضح ان الزواج فاسد وعقوده باطلة ووقع الطلاق. فرغم ان اولاد احمد استنزف من منسوبه الثوري حتى كاد يجف وقع الاسوء ففي ليلة 11 نوفمبر1997 « على ايقاع ليالي نوفمبر » وفي ضربة خاطفة استعمل فيها المحظور وغير المحظور خرج بيت الشعر من خنادق اولاد احمد الى قصور المزغني وشرب القوم على نخب سقوط الحصن.   انقسمت المشكلة لدى الشاعر التونسي لقسمين خارجي وذاتي اما الخارجي فـآلة الرقابة الضخمة المدعومة بترسانة أمنية فالقصيدة كي ترى النور يجب عليها ان تمر عبر امن الدولة , والشرطة , والحرس , وحتى sogegat)) حرس المؤسسات .واما العامل الذاتي يتمثل في مساحات التردد الهائلة لدى الشاعر ورغبته في تقديم كل ماهو مجاني ليس له تبعات.   فهذه زبيدة بشير قيدومة الشعر النسائي التونسي لم تقدم شيئا يذكر فبين ديوان آلاء وديوان حنين 30سنة قد تكون احدثت الاضافة الفنية غير ان شعرها بقى خارج الحراك الاجتماعي.   وحدث ولا حرج عما قام به وليد الزريبي في مدينة جندوبة من تطاول على عقيدة شعب باسره بل امة باكملها ليحكي افلاس شاعر وعجزه على تقديم الاجود والانفع ولما فشل في بعث نص شعري هادف او حتى متجانس مع عالم الشعر سارع الى اقصر الطرق (خالف تعرف) واعمل (حبره) في مسلمات الامة.   عندما تصفف الممنوعات امام الاديب ويحظر عنه الغوص في قضايا الامة بقوة السلطان يجد امامه خيارين اما المخاطرة وتبعاتها او الانكفاء الى ارصفة الادب باحثا عن لقيطته ليعمل فيها قلمه.   وهذا آدم فتحي برغم سيل الابداع لديه وتوغله الحرفي في مملكة الشعر يوغل في الحذرحتى اتخذه مذهبا.   وحتى بحري العرفاوي ورغم ريادته ومبدئيته ورغم حدة جمله الشعرية وصفاء معانيها، ورغم حرفيته العالية في تصويب المعنى نحو الهدف والخروج سالما من شظايا الاصطدام … مازال بعد في طور الشاعر المبدع ولم يتعداه الى رحاب الشاعر المقاتل . في زمن يدفع الاديب الحرمن لحمه وأعصابه ودمه ثمن الحروف والكلمات والجمل .   واذا كان الشاعر الاديب نورالدين صمود يختزل الشعر في حسن الخيال ومحاسن الموسيقى   « والشاعر عليه ان يكتب شعرا مؤثرا فيه موسيقى وخيال فالموسيقى وزن يزيد الشعر جمالا وعذوبة لكن اذا توفرت الموسيقى فقط..فلن تكون هذه قصيدة »   فمن ينتصر بالكلمة للمظلوم ومن ياخذ على يد الظالم ومن يغوص بقلمه في قضايا المجتمع فلن يكون طبعا الاسكافي ولا الخباز ولا العطار ولا أظنه سيطلب من سجين سياسي في برج الرومي او (حربوب) ان ينتصر لضحايا الرشاوي والمحسوبية والفساد او يرسل القصائد لتعزية الآلاف من اصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل المتهالكين تحت جدران الوطن من عمق صحرائه الى شواطىء بحره.   لقد ركز الادباء في تونس على بناء الجسم الادبي فنيا وغاب البعد الرسالي وسكن الادب الصالونات واختفى بين دفاتر النخب وحرم المجتمع من محور لو تحرر كليا لكان خيره عاما وحصاده وفيرا ولحقق التزاوج المحمود بين النظري والعملي ولكان عاملا مساعدا لصلح منشود بين الثقافة والمجتمع.   (المصدر: موقع الحوار نت بتاريخ 12 جويلية 2006)

النخبة التونسية : هل من خروج الى سبيل !؟

 

مرسل الكسيبي*-الوسط التونسية: http://www.tunisalwasat.com في خضم رحلة عناء متواصلة منذ أكثر من عقد ونصف من تاريخ تونس المعاصر,لازالت أجول بالذهن والنفس في سياق رغبة ملحة تخرجني من اطار ضيق القطرية واكراهاتها الى اطار رحابة العالمية وسعة افاقها الانسانية والكونية,وماتحمله رحلة الاخراج من الوطن والسير في الأرض من عميق نظر وتأمل في تطور مسيرة الدول ونهضة الشعوب وصيرورة الحضارات. لم نستطع نحن معشر التونسيين منذ أيام استقلالنا الأول أن نوجد أرضية وطنية وانسانية في حدها الأدنى الأخلاقي من أجل التعايش على رقعة مشتركة من الجغرافيا والتاريخ برغم توحدنا لغة ودينا وانتماء حضاريا وأهواء وميولا نفسية منذ الاف السنوات …ولعل تواصل طاحونة السجن والمنفى باتت تؤرق ذهن جزء كبير من نخبتنا منذ أن تنادت الكثير من دول وشعوب المنطقة الى طي ملفات الماضي ومعالجة جراحات عميقة خلفتها بأساء وضراء الانقسامات السياسية في ربوع منطقتنا العربية. لقد كان قطار المصالحات الوطنية يمر بأكثر من قطر عربي واسلامي,ليمر بذلك على عواصم وأمصار كنا نظنها أقل منا حظا سياسيا ومعرفيا في طرق مواضيع على غاية من الاستشكال في ربوع منطقة تعودت فيها الشعوب على العبودية في ضيعة الحاكم والرقص في بهو السلاطين… لقد مرت على التونسيين محن سياسية وانقسامات ايديولوجية عميقة الى الدرجة التي أصبح فيها البعض من المضطهدين السياسيين من أبناء تونس الخضراء يعيش حالة أشبه ماتكون بحالة المنبوذين في دولة الهند !,وهو ماجعل الكثيرين يلوذون في اطار استمرار حالة النفي والاخراج من الأرض الى حمل أي جنسية غير الجنسية التونسية ,بعد أن أصبحت جنسية بلد المنشأعنوانا سياسيا مصحوبا بسجل المطاردة والبحث والتفتيش والملاحقة والتجريد من الانتماء الى الساحة الكونية ببعدها الانساني الحقوقي والعالمي . ثمة خلل عميق يشق نمط تفكير نخبتنا بلا شك,ولايبرر هذا أصلا مسؤولية أصحاب السلطان عن محنة سجن وتشريد الالاف من أبناء تونس من اليمين أو من اليسار,ولو صح القول بأن المشكلة تكمن فقط في سيطرة الجهاز البوليسي على مقدرات الدولة والمجتمع لهان الخطب منذ سنوات ولكانت تونس عرفت طريقها الى اندمال جراحها السياسي العميق منذ أواسط التسعينات أو نهاياتها على أقصى تقدير ,ولكن خطب التونسيين يكمن في محاكمة النوايا من قبل شريحة واسعة من النخب المتعلمة والتي باتت تصنف الناس على أساس غير أساس الانتماء الى الوطن أو حتى على أساس من الادمية,حيث غدى التصنيف مبنيا على قراءة في الأفكار والتصورات والانتماءات…ومن ثم اعتبار الاخر المغاير عدوا نفسيا وسياسيا لاتلتقي معه على مائدة المحاورات أو حتى اعتباره خطرا وهميا ينبغي اقصاؤه من كل المشاركات والمشاورات والمساهمات ,وبعبارة أخرى تسليم رقبته الى الجلاد كي يفعل به أفعالا تخرج عن اطار الاعتراف ببشريته وادميته ووجوده الروحي والمادي… والى حد هذا اليوم لازالت تونس برغم اجتهادات هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات من أجل وضع حد لنظام الأبرتايد الايديولوجي والسياسي المتمسح زورا بالحداثة…,لازالت تونس تعاني معاناة كبيرة جراء انقسام نخبتها الى متحالف بشكل مباشر مع الأجهزة المالية والبوليسية,ومتحالف بشكل غير مباشر مع نفس هذه الأجهزة عبر المساهمة في مراسم الصمت الجنائزي على مايحدث من حالة تدمير لمعاني الاصلاح السياسي وشنق لامال شعب يتوق الى أن يعيش مناخات سياسية لاتقل ذكاء وتنافسية عن أقطار عربية واسلامية وافريقية كثيرة البعض منه لاتفصلنا عنه سوى جمارك وبوابات لم تدخل الى وطننا الا اثار العولمة الاقتصادية وبقيت سدودا منيعة في وجه تلاقح التجارب الفكرية والسياسية والانسانية التي تشكل عماد تطور بلدان المنطقة ونهضتها الحقيقية بعيدا عن منطق مبادلات تجارية محدودة لايمكن لها أن تنمو في ظل قمع داخلي وتحطيم لروح العمل الجماعي واشاعة لروح المأسسة الأهلية والمدنية في عروق وجوارح بلدان المنطقة. ان للتونسيين ونخبهم أن يدركوا بأن روح العمل الجماعي بين هياكلهم الوطنية هي أكبر من الانتماءات السياسية الضيقة والفضاءات الحزبية الخانقة والمشاريع الايديولوجية الناسفة للاخرين,وأن مستقبلهم في مد الوصال مع هموم هذا الشعب وكدحه اليومي من أجل قوته ومعيشته وتعليمه وصحته واحترام كرامته بعيدا عن تصنيف الناس على أساس الانقسامات التاريخية السابقة ,وان للتونسيين ونخبهم بأن يمدوا الوصال مع هموم الأمة وقضاياها الانسانية العادلة وعلى رأسها قضية فلسطين وقضايا استقرار العراق وأمنه وخروجه من بوابة الاقتتال الداخلي وكابوس الحرب الأهلية واكراهات الحالة الانتقالية,وان للتونسيين أن يعيشوا التجارب العربية والاسلامية والانسانية المدنية المجاورة من أجل استخلاص العبر والدروس في كيفية وضع حد لتغول الدولة على حساب حق المجتمع في التنفس والفعل والوجود… ان لنا جميعا أن نخرج من شرنقة الحديث عن السجن والسجان ومشتقات التعذيب والاعتقال التعسفي والمحاكمات السياسية الجائرة…وبالتالي التنفس برئة انسانية عالمية تبحث عن القواسم الكونية بين بني البشر في التنظم السياسي والتعايش السلمي وبناء مكامن القوة النفسية والعلمية والمدنية بعيدا عن منطق الانتقام والتشفي والاحتقار وتصفية الحسابات والتحطيم المعنوي والحرب النفسية والعقاب الفردي والجماعي والظواهر المرضية المزمنة في التسيير السياسي… وحتى ذلك الحين لابد لرجال الاعلام أن يفتحوا عيون التونسيين والتونسيات على مناطق الانجاز البشري العملاق في حقول الانتصار السياسي الحضاري وحقول البناء التنموي الذي يستند على قواعد صلبة من التعاون الانساني والتسامح الكوني ضمن دوائر احترام الخصوصيات الثقافية للاخرين وفي اطار طي ملفات الماضي الأليم والالتفات الى المستقبل المشرق الذي لابد أن يتمتع به أبناء الجميع بعيدا عن منطق الانتقام والظلم والعداء والتصفية والعقد المرضية التي جلبها بعض الحكام العرب مسندين بنخبة مريضة من أوربا الشرقية أو من الأنظمة « اللويسية » على أيام القرون الوسطى أو أيام ملوك الطوائف حين بدأت معاول الهدم السياسي تحدث شرخها العميق في بناء حضاري شامخ تعبق طويلا بروح الشرق العربي والاسلامي والانساني. *reporteur2005@yahoo.de *نشر على الوسط التونسية http://www.tunisalwasat.com بتاريخ 12 جويلية 2006

 

 
لا تدافع عن السنة إن لم تتقيد بأخلاقها

دفاعا عن تونس نيوز وردا لمنطق التكفير والتخوين

 
نور الدين العويديدي   قرأت بكثير من الأسف وكثير من التقزز مقال المدعو « abdel abdel »، الوارد تحت عنوان « نصرة لخدمة السنة »، المنشور في « تونس نيوز » الغراء يوم 8 جويلية الجاري.. ولم أجد للأسف في المقال نصرة لا للسنة المطهرة، ولا للقرآن الكريم.. كل ما وجدته مخالفة واضحة للأخلاق، التي تدعو إليها السنة، وينص عليها القرآن الكريم. وجدت مخالفات صريحة لنصوص ثابتة الورود والدلالة في محاورة المخالفين بأخلاق نبيلة، هي أخلاق الإسلام العظيم، حتى إن الله سبحانه وتعالى قد أوصى نبيه موسى وأخاه هارون عليهما السلام، حين أرسلهما إلى فرعون مصر على ظلمه وعلوه في الأرض، وادعائه الألوهية من دون الله، أن يقولا له قولا لينا..   واحترت كيف أجاز هذا النكرة « abdel abdel » لنفسه، وهو ليس في مقام موسى ولا في منزلة هارون عليهما السلام، ولا فريق « تونس نيوز » في مقام فرعون الطاغية المتجبر.. كيف أجاز لنفسه كل هذا القول الغليظ الهابط.. وكانت الحيرة مضاعفة أن صاحب المقال قد نذر مقاله لنصرة السنة، فإذا به يخالفها كل المخالفة، ويسلك في سبيل الدفاع المزعوم عنها طريقا تنكرها السنة أشد إنكار..   في الحقيقة كل ما وجدته في المقال اتهامات رديئة وبائسة لتونس نيوز وللفريق القائم عليها. وفي ما يلي مقتطفات بالحرف من المقال الرديء، تثبت كم خالف صاحبه أخلاق القرآن الكريم والسنة المطهرة في الحوار مع المخالفين. فالقرآن الكريم ينصص على مجادلة المخالفين بالتي هي أحسن.. إذ لم يأمر الله عز وجل نبيه بمجادلة المخالفين بالحسنى، بل بما هو أحسن منها: إذ أمره بمجادلته « بالتي هي أحسن ». أما صاحبنا فيقول عن فريق « تونس نيوز » إنـ »هم قساة، أسود على من سبقهم بالإيمان والإسلام، بل قد تكونون وقتها تبولون في سراويلكم إن كان لكم سراويل ـ يا فريق تونس نيوز العميل ».. انظر أخي القارئ درجة انحطاط اللغة الواردة في هذا المقال، الذي يبدو أنه قد كتب في مرحاض، والعياذ بالله..   ولا يقف الأمر عند هذا الحد فالمقال المدافع عن السنة المطهرة، فيما يزعم صاحبه، يوجه اتهامات لتونس نيوز والقائمين عليها بالاستبداد و »الهش » في « وجوه المعادين للشريعة »، و »نصرة الحزبية والولاء للأشخاص » على حساب المبادئ، و »نصرة الحزبية على الدين ». ويمضي المقال الرديء الأثيم إلى خلاصة تكفيرية صريحة واضحة لا تقبل اللبس، ولا تدفع بالتأويل. ففريق « تونس نيوز » متهم بإقامة « حلف أثيم من أجل تحريف الشّريعة، وحرابة السّنّة، والتّطبيع مع الرّدّة، والاعتداء على الثّوابت، وذبح الأخوّة »، كما جاء في المقال بالحرف.   وفي إصرار على الرداءة يمضي المقال أو صاحبه إلى القول مخاطبا فريق تونس نيوز « تتداوون من الكذب بالكذب، وتفزعون إلى الغدر والمكر ». « أنتم سبب الكوارث، وأنتم الذين يكرّسون علينا الكوارث ». ثم يتهمهم بأنهم جعلوا « الوسطيّة الأمريكيّة الصّليبيّة حبلا لخنق التّأصيل والتّكفير مصيدة لمن يتّبع السّلف الفاضل ». ويضيف « لقد وضعتم أنفسكم يا فريق تونس نيوز – مع الأسف – في أحطّ مراتب الارتكاس، حيث قاتلتم بالوكالة عن غيركم، تحت راية عميّة جاهليّة ». وفي المقال كم هائل آخر من السباب والشتائم، وأكتفي بإيراد هذا القدر فهو كاف ومغن عما سواه.   1- لقد أدهشتني جرأة صاحب المقال على تكفير مسلمين شرّدوا من أرضهم وديارهم لاستمساكهم بدينهم.. ففريق تونس نيوز والنهضة من ورائه، بحسب المقال، يقيم حلفا لتحريف الشريعة، وحرابة السنة، والاعتداء على الثوابت.. فهم ليسوا فقط كفرة مرتدين، مكتفين بكفرهم لأنفسهم، بل محاربين للسنة، محرفين للشريعة، وهي لعمري اتهامات عظيمة لا يجوز أن توجه لمسلم، قال لا إله إلا الله محمدا رسول الله وصلى وصام وحج وزكى، فضلا عن أن توجه لمن نفي من أرضه دفاعا عن دينه.   2- ومن عجائب المقال أيضا أن صاحبه قد كشف لنا شيئا جديدا لم نكن نعرفه، ونوّر أبصارنا بشيء كنا نجهله، ففريق تونس نيوز سبب كل المصائب في العالم وفي تونس، « فهم سبب الكوارث ويكرسون الكوارث »، وهم فضلا عن عمالتهم للنهضة هم أيضا عملاء للصليبية الأمريكية، يقاتلون « بالوكالة عن غيرهم، تحت راية عميّة جاهليّة ». وبهذا يكتشف القارئ أن تونس نيوز، بما أنها سبب الكوارث في العالم، قد صارت من القوة بحيث يمكنها أن تنافس كبريات الإمبراطوريات في ظلمها وإفسادها، وهي مثلها إمبراطورية شر، بل قد تكون بحسب صاحب المقال الإمبراطورية الأكثر شرا في العالم، على حد ما يقول بوش.   3- لست أدري لم راودتني فكرة بأن صاحب المقال قد يكون « الشيخ نوفل » أو « الشيخ خميس الماجري »، وقد يكون « الشيخ الماجري » هو المعني أكثر من نوفل، فهو أكبر منه سنا، وكان من « الرعيل الأول » حين كان فريق تونس نيوز « يبولون في سراويلهم إن كان لهم سراويل ». أنا أعترف بأنني لا أملك أي دليل على أن المقال قد كتبه أحد « الشيخين »، بل إني اعتبر اتهام أحدهما بأنه وراء كتابته لا يتجاوز أن يكون رجما بالغيب، لست أدعيه، فليس ثمة حجة فضلا عن قرينة تثبت نسبة المقال لأي منهما.. لكني أعترف بأن فكرة بهذا الصدد قد ألحت علي كثيرا فأردت إشراك القارئ فيها، وليس في الأمر أكثر من ذلك، مع أني لا أتبنى اتهام أي منهما بكتابة المقال.   4- شرف لفريق تونس نيوز وللنهضة، إن كان الفريق من أعضائها، أن يكون في تونس موقع مثل هذا الموقع، ومجموعة تقوم بمثل ما يقوم به الفريق من رسالة تنوير القارئ، ومد التونسيين بآخر أخبار بلادهم، ومقالات نخبتهم، مهما اختلفت مشاربهم.. وهذا الأمر جعل تونس نيوز أهم صحيفة تونسية، يطلع عليها الوزير والغفير، كما يقال، ولا ينكر لها فضل سوى الشيخين الماجري ونوفل ومن على شاكلتهما. ولا يضر تونس نيوز مخالفة هذا الفريق من الناس، فهم من الذين لا يعجبهم العجب.   5- من العجب أن صاحب المقال يسب تونس نيوز والفريق القائم عليها ويكفره ويتهمه بكل تلك التهم الباطلة، على موقع تونس نيوز ذاته. ولعل السبب في ذلك، كما يستشف من المقال استشفافا، أن صاحبه مضطر لذلك، فالنهضة تحتكر كل المواقع، كما جاء في مقاله.. ومن يسمع الكلام قد يذهب في روعه أن النهضة تملك شبكة الإنترنت، ولا تعطي ترخيصا لأحد يخالفها، مثلما تفعل الحكومات، حين تمنع الناس من إصدار الصحف الورقية.. الانترنت باب واسع لا يمكن لأحد أن يحتكره، اللهم إلا الأمريكان، لكنهم لم يفعلوا حتى الآن، أو عجزوا عن ذلك.. ولمن شاء أن تكون له مواقعه فما عليه إلا أن يبذل جهدا ويشمر على ساعد الجد، اللهم إلا أن يشهد على نفسه بالعجز التام عن ذلك، لانشغاله بأعراض الناس وعقائدهم وعوراتهم عن العمل الإيجابي المثمر الذي يمكث في الأرض.   وفي الختام أقتبس من المقال الذي أرد عليه هذه الفقرة فـ »إنّ من القواعد الأخلاقيّة المقرّرة الملزمة للمسلمين في خلافاتهم الولاء لبعضهم بحكم إيمانهم، وأن ّمن الأصول الشرعيّة المعتبرة في خلافاتهم حصانة أعراضهم وأنفسهم وأموالهم، فهي حرمات يحرم انتهاكها ». وكم كنت أتمنى لو التزم بهذا السيد « abdel abdel »، من دون أن يدخلنا في أحاديث البول والسراويل، ولا أحاديث الخيانة والعمالة، وادعاء تحريف الشريعة، وحرابة السنة، فهو قول عظيم، وتكفير بواح، لا يجوز أن يوجه لمسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويجل القرآن الكريم، ويعظم السنة المطهرة، ويحاول جهده أن يلتزم تعاليمهما، في حدود استطاعته، وما يتيحه له عصره.

كاس العار في زمن دمار

 
انتهى كاس العالم ولم يبق في الوادي كان حجرو ولقد كنت من الشامتين في خروج الفرنسيس وهزيمتهم رغم القوة التي جهزوها ليحصلوا على هذه الكاس ورغم المناورات وكل التدابيرالتي اخذها المافيوزي بلاتير ومعينه بلاتيني من اجل الحصول على هذه الكاس .فلن تفيد وسائل الدعاية الفاشية الصهيونية لتغطي على هذا الفشل بالتدبير لاستفزاز نعرة العنصرية بعد ان اوعزوا الى المدافع الايطالي بشتم زيدان واثارة النعرات ضد الايطاليين حتى يوهموا العالم بان الفرنسيس هم الوحيدين في العالم الذين يدافعون على العرب والمسلمين . هذا الدور الكاراكوزي لم يعد يمر الا على البهاليل من رداءة الرداءة من العرب والتوانسة الذين يتشبثون بتلابيب الاستعمار بعد ان كانوا هم واسلافهم يعيشون من سلايت الاستعمار الدولة التي سربت القنبلة الذرية الى اسرائيل تمارس هذه الايام اشد مساندة الى هذه الدولة القمامة . ويعمدون الى بيع سلعة زيدان ونعمان وعرفان الى عرب يعتقدون ان هم كلهم ممن تعودت على التلاعب باحاسيسهم الاممية . اسرائيل اليوم تتقدم في اتجاه الاعداد لمواجهة محتملة مع ايران وفرنسا تساند هذه السياسة التي تقدر الدور المتقدم لاسرائيل في المنطقة في اطار ستراتيجية امركية قروسطية لا تزال تقوم على معطيات دينية كنا نعتقد ان الزمن تجاوزها . الامجد الباجي

العنف اللفظي: تحدّي المقدّس والممنوع : كيف ولماذا ؟

 ناجح مبارك     يعيش المجتمع على إيقاعات متفاوتة الأهميّة، بل الخطورة خاصّة إذا ما تعلّق الأمر بالظواهر السلوكيّة اليوميّة ذات التأثير والتداخل في العلاقات والأسباب والنتائج. هذه الإيقاعات غير المتناسقة والمتحوّلة بقدرة فاعل قد تأخذ أشكالا وتمظهرات مختلفة وتمسّ عدّة فضاءات كانت ولا تزال تشتغل في دائرة المقدّس الاجتماعي والتربوي مثل المؤسسات التربويّة وخاصّة العموميّة منها.   ولا نبالغ إن قلنا إنّ هذه الظواهر السلوكيّة التي تتخذ من العنف اللفظي ملاذها غير الطبيعي قد دخلت بعض الفضاءات العائليّة على ندرة الملاحظة المجرّدة. وهذه السلوكات الملفوظة والمرفوضة اجتماعيّا قد تجد لها ما يبرّرها في الحوار مع الشباب الذي يقف أحيانا عند خاتمة الكلام دون مقدّمته لأتفه الأسباب. وللحديث عن ظاهرة العنف اللفظي لدى الشباب خاصّة استجلينا آراء عدد من المهتمّين بالمسألة. منهم الأستاذ نجيب بوطالب الذي ساهم مع مهدي مبروك في انجاز دراسة حول الظاهرة ذاتها لفائدة المرصد الوطني للشباب…   كما أنّ تلك الدراسة ودراسات أخرى عرضت على أنظار مجلس النواب وتحديدا لجنة الشباب والتربية والثقافة وقد تدخّل السيد زهير بالحاج سالم في المسألة باعتباره لم يدخل في سنّ الكهولة بعد ويمثّل حزبا آل على نفسه تقديم البديل الاجتماعي سلوكا وتصوّرا وهو حزب الوحدة الشعبيّة الذي ينوبه في البرلمان فماذا عن الظاهرة وأسبابها وطرق مواجهتها ؟   نزل صديق لبناني في مطار تونس قرطاج الدولي وحاول أن يمتطي إحدى سيّارات الأجرة حتّى تقلّه إلى أحد نزل العاصمة للمشاركة في ندوة تنظّمها وزارة الثقافة ضمن فعاليّات معرض تونس الدولي للكتاب… وما إن تقدّم إلى رواق السيّارات حتّى لاحظ عنفا لفظيا بين شابين يريد كلّ منهما التعجيل بامتطاء سيّارة الأجرة ذاتها في إخراج سينمائي لأفلام إباحيّة قولا وسلوكا وتمثيلا.   إنقاذ موقف   فهاله الأمر وبقي في الانتظار لا في التسلل حتّى تقدّم منه شاب آخر وحاول مساعدته بكلّ لطف ولعلّ تلك المساعدة هي التي جعلته لا يغيّر نظرته في شباب لم يألف عنده هذا السلوك عند زيارته لتونس أوّل التسعينات وهي زيارة تركت لديه أفضل الانطباعات. هذه المشاهد أصبحت الآن مألوفة في رحاب هذا الملعب الرياضي أو ذاك الفضاء الاحتفالي في قبّة المنزه مثلا أو في المقاهي. والظاهرة طالت المدارس والمعاهد والمؤسسات الأخرى.   حوار السادسة مساء   الساعة تشير إلى الساعة السادسة مساء عندما انطلق الحوار الكروي بين تونس والسعوديّة. ولا يحلو لهذا المشجّع عمر إلاّ الاحتفال في المقهى مع الأصدقاء. ويصفّر الحكم معطيا إشارة انطلاق المقابلة وينبري عمر في الهمز واللمز والشتم والسبّ بأعلى صوته كلّما ضاعت الكرة من بين رجلي هذا اللاعب أو ذاك… صوت عمر تحوّل إلى سياط تضرب هذا اللاعب كما تحوّلت وجهة لفظه البذيء إلى صديقه عندما ضربت الكرة على مرمى حجر من مرمى المنافس هذا المشجّع الخجول السيد عمر المتخمّر الى الانضباط لكن دون جدوى.   صراخ وشتم وسبّ   ولا يقوى هذا الكهل على متابعة المقابلة في المقهي أمام الصراخ والسبّ فيحوّل وجهته إلى فضاء آخر بالمعطيات الموضوعيّة والنفسيّة ذاتها بعد أن عزف له الجمهور سمفونيّة بذيئة من الكلام الناقص و الزائد الذي لا يعبّر بالضرورة عن  »تنفيس » واحتقان. عمر هو خرّيج مدرسة خاصّة بعد أن فشل في اجتياز امتحان الباكالوريا في مدرسة عموميّة وقبلها تشابك بالأيدي مع أستاذه ووبّخ زميلته بأبشع الألفاظ النابية فحاول إنقاذ الموسم بالتحوّل إلى فضاء ثانوي خاص وسط المدينة.   حواجز وممنوعات   وإن كان هذا الشباب لا يفرّق بين المدرسة والمقهى والبيت ويتصرّف دون حواجز وممنوعات ويتجاوز المقدس الديني فحال صديقه رمزي مشابه له. رمزي يؤكّد لنا أنّ هذا الكلام الزائد لا يصدر منه في المدرسة ولا في البيت بل إنّه يكظم غيظه ويراقب الملفوظ داخل الفضاءين لكنّه لا يقدر على ذلك في الشارع أو المقهى لأنّ استفزاز عمر لا يطاق. ويذكر رمزي أنّ هذه الألفاظ قد تعلّمها في ملعب المنزه أثناء مقابلة الدربي منذ سنوات بين الترجي والإفريقي حيث تخمّر الجميع وبأنه كما يقول قد سمع الألفاظ ذاتها تصدر عن فتيات من الجهة المعاكسة.   احترام الشيخ والكهل   رمزي يعتذر أحيانا عندما يصدر منه ما ينافي الحياء خاصّة في السوق الأسبوعيّة ويطلب  »الصفح » من الكهل أو الشيخ وهو قد يتلفّظ بما هو ناب لكنّه يساعد عم عمر جاره بشكل يومي وهو الضرير لشق الطريق ذاهبا إلى المقهى. هذه الملاحظات الموجزة اشتغل عليها عدد من الأساتذة الجامعيين المهتمّين بالشأن الاجتماعي في دراسة حول سلوكات العنف اللفظي لفائدة المرصد الوطني للشباب ومن بين هؤلاء الأساتذة نذكر مهدي المبروك ونجيب بوطالب. واعتمدت الدراسة على تقنيات البحث العلمي مثل حلقات المحادثات الجماعيّة والتي تمّ بموجبها اختيار 18 مجموعة شبابيّة للتحاور معها حول الظاهرة المدروسة وشملت 610 شبان وفتيات يمثّلون مختلف الفئات العمريّة والفئات الاجتماعيّة من الوسطين الحضري والريفي، هذا إلى جانب المحادثات الفرديّة.   أيّ مصطلح لأيّ سلوك؟   السيد ابراهيم الوسلاتي المدير العام للمرصد الوطني للشباب قدّم محتوى الدراسة في ندوة نظمتها مؤخّرا وزارة الشباب والرياضة والتربية البدنيّة حول السلوك الحضاري خاصّة في الفضاءات الرياضيّة التي عادة ما تكون فضاء اللاعقل مثل فضاءات أخرى : الشارع والمقهى… ورأى المحاضر أنّ مصطلح  »السلوك الحضاري » الذي ساد استعماله في الفترة الماضية مصطلح غائم وواسع ولا يمكن الوقوف على تعريف واحد مقبول ومتفق عليه في شأنه. فكلمة  »حضاري » كلمة غير دقيقة إذ ما هو الحدّ الفاصل بين ما هو حضاري وما هو غير حضاري ؟ وما هي المقاييس التي تضبط هذا الحدّ ؟ هل هي مقاييس دينيّة أم اجتماعيّة أم اقتصاديّة ؟ إنّ الإرث الانتروبولوجي حافل وإنّ الظواهر والتجاوزات المنافية للسلوك الحضاري في نمو مطّرد وهو ما من شأنه أن يلفت انتباه الجميع إلى أنّ البعد التنافسي ورهاناته الآنيّة صار المشهد الطاغي على الساحة الرياضيّة فطمس بذلك كلّ اعتبار أخلاقي أو مرجعيّة قيميّة.   غياب العقليّة المدنيّة   وما يقع من إخلال بالأمن العام جرّاء التجاوزات الجماهيريّة ينمّ عن غياب العقليّة المدنيّة في ذهن الأطراف المخلّة التي تنساق بدافع التحمّس المفرط إلى تجاهل الممنوع وعدم الاكتراث بالعقوبة، وكأن الفعل الجماعي ( ٌ’فكم كٌٌُمكىن ) يشرّع تهميش الضوابط ويؤسس أسلوب التعبير الوحيد في وضعيّات الهزيمة. كما نلمح من خلال الإحصائيّات أنّ  »العنف تحوّل من المدارج إلى وسط الملعب » أي بعد أن كان ظاهرة محصورة في الجمهور أصبح حدثا يفرزه اللاعبون والمسيّرون.   ولا نجانب الصواب إن قلنا إنّ مسؤوليّة ظاهرة العنف في فضاءاتنا الرياضيّة هي مسؤوليّة مشتركة تجمع بين المدرّبين والمسيّرين واللاعبين والجمهور ولجان الأحبّاء والإعلام الرياضي والمنشّطين على مختلف الأصعدة. كما يبدو أنّ ظاهرة العنف داخل الفضاءات الرياضيّة تعود في مجملها إلى العوامل التالية:   : – النزعة الجهويّة لدى الجمهور   – النجوميّة وحب الكسب المادي لدى اللاعبين.   – الجري فقط وراء الانتصارات والألقاب والنتائج الفوريّة.   – عدم اعتبار بعض الأطراف لمفهوم الرياضة كمنافسة نزيهة تخضع إلى قوانين يتعيّن على الجميع احترامها   – تأثير بعض الصحافيين والمراسلين والمعاونين الرياضيين بسبب تعاليقهم الاستفزازيّة وانحيازهم.   – ضعف مستوى بعض الحكّام وتكرّر هفواتهم وعدم توخّي الصرامة في ردعهم.   – غياب متطلّبات التنظيم المحكم للمباريات في بعض الفضاءات الرياضيّة.   – فتور (إن لم نقل انعدام) مشاركة الأسرة والمدرسة والنسيج الجمعيّاتي ووسائل الإعلام في بلورة مفهوم الروح الرياضيّة   – غياب التنسيق المحكم بين كلّ الأطراف المعنيّة بمقاومة العنف داخل الفضاءات الرياضيّة. لقد بيّنت الدراسة المعدّة مؤخّرا أنّ ظاهرة العنف اللفظي أصبحت متفشية في المجتمع التونسي، وهي تبرز بشكل واضح في أوساط الشباب بمختلف فئاته مع شيء من التفاوت. وإذا كان لهذه الظاهرة جذورها التاريخيّة فإنّ أهمّ أسباب ودوافع انتشارها في الفترة الحاليّة وبشكل يبعث على القلق ويستدعي التدخّل، جملة التحوّلات الكثيفة والسريعة التي عرفها المجتمع التونسي الحديث والمعاصر. فهي ترتبط بأسباب ثقافيّة واجتماعيّة وحضاريّة ما انفكّت تطبع الشخصيّة القاعديّة التونسيّة فتجعل من العنف اللفظي خاصيّة من خصائصها.   أبعاد خطيرة   وإذ بيّنت الدراسة بعض الأبعاد الخطيرة للظاهرة فهي قد بيّنت أيضا أنّ مثل هذه الظواهر تمثّل بالمقابل علامة حركيّة وحيويّة ونشاطا في بنية المجتمع، ذلك أنّ التحليل المتأنّي للظاهرة يفضي أحيانا إلى اعتبارها مظهرا من مظاهر حركيّة المجتمع وعلاقة تفاعل وتعبير ليست في كلّ الأحيان تحمل مخاطر التدمير والإيذان بالتخريب. لكن البحث عن صورة أفضل للمجتمع التونسي عبر معالجة ما يمكن أن يعترضه من مظاهر الباتولوجيا الاجتماعيّة الناجمة عن حركيّة المجتمع وتطوّره الدائم يقتضي التنبيه إلى أهميّة تفسير دوافع وأسباب ظاهرة العنف اللفظي المنتشرة بين الشباب والعمل على وضع مقترحات عمليّة للتصدّي إلى مخاطرها وانعكاساتها السلبيّة، دون الوقوع في وهم القضاء عليها جملة وتفصيلا، لأنّ ذلك غير ممكن.   مخاطر الظاهرة   وإذا ما حصرنا مخاطر الظاهرة كما بيّنت الدراسة في ما نشهده من استفحال للملفوظ العنيف وتهديد للمقدّسات والمحرّمات بدرجة لا تواجه فيها بالاستهجان والردع الكافيين، خصوصا من قبل المؤسسات المعنيّة ممّا أدّى إلى نوع من التطبيع الاجتماعي مع ظاهرة تبدو مرشّحة لتغذية العنف المادي، فإنّ الحاجة تبدو ماسّة للتدخّل والإصلاح. لكن الإصلاح، وكما يبدو من التجارب السابقة، لا يمكن أن يبلغ مداه ويحقق أهدافه إذا لم يكن مستندا إلى خطّة عمل مستقبليّة تعتمد التخطيط والمتابعة والتقييم المستمرّ والمراجعة الدائمة على ضوء جملة من الأهداف العامّة والمحددات الأساسيّة تستمدّ من السياسات التي تعتمدها الدولة وفق الثوابت القيميّة للمجتمع ومرجعيّاته. ويمكن لهذه الخطّة أن تعتمد المحاور التالية :   في خطّة مقاومة العنف اللفظي   – اعتبار عمليّة الحدّ من العنف اللفظي في المجتمع التونسي أو مقاومته جهدا وطنيّا شاملا تساهم في بلورته وتنفيذه أطراف مجتمعيّة ومؤسسات عديدة. فهي تشمل خصوصا قطاعات التربية والثقافة والشباب والرياضة والإعلام والعدل والأمن والشؤون الدينيّة والجمعيّات والمنظّمات والأفراد.   – اعتبار أنّ هذه العمليّة تتطلّب الاستمراريّة والديمومة، لأنّها تمثّل جهدا أساسيّا في بناء الشخصيّة الوطنيّة وحمايتها من أيّ انحراف يهدد توازنها أو يلغي خصائصها القاعديّة والابتعاد عن الشعارات وأساليب الوعظ والإرشاد واتّباع مقاربات تشاركيّة تربويّة مدروسة.   – اعتماد نقاط مرجعيّة تستنبط من التوجّهات العامّة للدّولة والمجتمع تكون نقطة انطلاق لحملة دائمة حول حماية اللغة الوطنيّة نطقا وكتابة واستعمالا، وتدفع كلّ الأطراف الاجتماعيّة والمجتمعيّة إلى احترامها (منع المزج اللغوي، منع استعمال الكلام البذيء، التشجيع على استعمال اللغة الوطنيّة…).   هذا الأنموذج حول السلوك اللاحضاري داخل الملاعب لا يخفي عدّة سلوكيات أخرى يروم فيها الشباب تجاوز المقدّس وتحدّي الممنوع… ولعلّ هذه الظاهرة كما بيّنت الدراسة تتجاوز في مقاومتها والتصدّي لها جهة واحدة بل إنّ عدّة أطراف تتداخل في برامجها وأهدافها للحدّ من هذه الظاهرة من أجل مجتمع سليم.   أستاذ علم الاجتماع نجيب بوطالب : لهذا يلجأ الشباب إلى تحدّي المقدّسات والممنوعات   العنف اللفظي هو ظاهرة اجتماعيّة تتخذ شكلا لسانيّا أو لغويّا وهو مرتبط بجملة من المتغيّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. هناك أسباب لظهور العنف اللفظي ومنها الازدحام والتوتّر الذي يحصل عند لقاء الأفراد بعضهم ببعض وقد يقع تجاوز الحدود فيتحوّل ردّ الفعل إلى موقف تفاعلي سلبي تجاه الآخر أو الطرف المقابل.   العنف اللفظي ظاهرة سلوكيّة للتعبير عن الغضب أو الاستهجان أو الرفض ويتّخذ أشكالا عديدة منها السبّ والشتم واللعن وغيره. أمّا وسائله فتصنّف إلى ما نسمّيه في علم الاجتماع تحدّي المقدّسات أو الممنوعات مثل الدين والجنس. وقد يتّخذ العنف اللفظي أشكالا أخرى بحسب الأوساط الاجتماعيّة فهو يختلف بين المدينة والريف وإن كان أقلّ حدّة في الريف حيث عادة ما يكون رمزيّا وملطّفا مثل تشبيه الناس بأوصاف الحيوانات. وهي أقلّ حدّة في الأوساط المراقبة منه في المجالات المفتوحة مثل الملاعب والمقاهي وقاعات الألعاب.   كما أنّ العنف اللفظي ينتشر لدى الذكور أكثر منه لدى الإناث وفي صفوف الشباب أكثر منه لدى الكهول أو الصغار. ونحن قادرون على مواجهته إذا ما نفّذت التوصيات التي تقدّمنا بها وزملاءنا إلى المعهد الوطني للشباب ضمن دراسة أعدّت في الغرض.   النائب زهير الحاج سالم (الوحدة الشعبيّة): حتّى لا تبقى الدراسات بتوصياتها بين الرفوف   انطلاقا من الدراسة التي قدّمت لمجلس النواب فإنّ المتأمّل يلحظ أنّ هذه الظاهرة استفحلت مع بداية التسعينات والأسباب عديدة منها ما هو سياسي ومنها ما هو تربوي وتحديدا الخلل في المنظومة التربويّة (العلاقات بين التلميذ والأستاذ والإدارة). ومن خلال التجربة التربويّة فإنّ مصادر العنف اللفظي في الأوساط التربويّة متعلّقة بالمدارس الحرّة وما تنتجه من تسيّب وهذا ما يقتضي مزيدا من الصّرامة. وما نلاحظه كذلك أنّ نسبة من الإناث أضحت تتفوّه بكلام ناب خاصّة في فضاءات الترفيه والفضاءات العامّة.   وقد تطرّقنا مع المسؤولين السياسيين والرياضيين في رحاب مجلس النواب إلى هذه المسائل المتعلّقة بالعنف اللفظي وأكّدنا على أنّه لا بدّ من إعادة نظام العلاقة داخل مختلف المؤسسات التربويّة والرياضيّة. أمّا على مستوى البحوث والدراسات فإنّه لا يكفي أن يقدّم هذا الأستاذ أو ذاك الباحث في علم النفس دراسة معيّنة فلا بدّ من تعميم نتائج هذه الدراسات والاستفادة منها في كافة الأوساط الرسميّة وغير الرسميّة وتطبيق التوصيات والنظر إلى مختلف هذه الإشكالات بعمق وحزم. لقد توجب الآن القطع مع الظاهرة من جذورها والتي لها أسباب اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة ذلك أنّ هذا العنف اللفظي والألفاظ التي تتحوّل من الشعبي إلى البذيء تعبّر عبر الوسائط الإعلاميّة والثقافيّة مثل التلفزة والسينما والمسرح فلابدّ من مراجعة محتوى المادة المقدّمة تلفزيّا وإذاعيّا وسينمائيّا..   وإذا تحدّثنا عن دور ومسؤوليّة الجهات الرسميّة فإنّ هذا الدور يتوافق ومسؤوليّة الأحزاب السياسيّة والجمعيّات المدنيّة حتّى تتوفّر لها ظروف العمل وإبلاغ صوتها والمشاركة في مقاومة هذه الظاهرة.   (المصدر: مجلة « حقائق » التونسية، العدد 1072 بتاريخ 13 جويلية 2006)
 

متى تلتقي الحكومات بمجتمعاتها المدنية ؟

 
صلاح الدين الجورشي (*)    كنت في صنعاء، وكان المشهد تغمره مفارقة لافتة للنظر. المناسبة هي جلسة افتتـاح « مؤتمر صنعاء للديمقراطية والإصلاح وحرية التعبير ». هذا المؤتمر الذي شارك فيه ما لا يقل عن خمسمائة شخص، ليس سوى حلقة من سلسة مؤتمرات ورشات نظمها « برنامج الحوار من أجل دعم الديمقراطية » الذي أقرته قمة الدول الصناعية الثماني في شهر حزيران (يونيو) عام 2004. تلك القمة التي أجرت عدة تعديلات هامة على مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي حاول المحافظون الجدد بالإدارة الأميركية فرضه في البداية، وأثار رعب أنظمة الحكم في المنطقة.    أما الطرف الآخر من المشهد، فكان محوره الرئيس علي عبد الله صالح، الذي أعلن قبل 24 ساعة من انطلاق فعاليات هذا المؤتمر، تراجعه عن قراره السابق المتعلق بالانسحاب من الرئاسة. وعلل ترشحه لعهدة جديدة تستمر سبع سنوات أخرى ستضاف إلى  28 عاما من الحكم، بأنه وجد نفسه مرغما على ذلك تحت إلحاح الشعب اليمني. هذا الشعب الذي تجمع الآلاف باسمه، ورفعوا شعارات تطالبه بالبقاء. ومن اللافتات التي رفعها البعض واحدة كتب عليها « إرادة الشعوب من إرادة الله، والشعب يريد عبد الله صالح ». وبالرغم من أن مكونات المشهد في ذلك المؤتمر قد بدت متنافرة في وظائف وثقافة كل من « الشركاء »، إلا أن الجميع أدى دوره في حدود ما يعتقد بأنه يحقق الهدف من وجوده في هذا المؤتمر. ويمكن في هذا السياق استعراض دور الجهات الرسمية من جهة، ودور ممثلي المجتمع المدني من جهة أخرى.   الهجوم أفضل وسيلة للدفاع    كان الرئيس عبد الله صالح مدركا بالتأكيد أن قراره بالبقاء في السلطة على طريقة جمال عبد الناصر بعد هزيمة 67، من شأنه أن يصيب الديمقراطيين العرب بالإحباط وخيبة الأمل. لكن طريقة تفكير الحاكم العربي مختلفة جوهريا عن المنهج الذي يستند إليه المثقفون الديمقراطيون، سواء من حيث مفاهيم الحكم والسياسية، أو من حيث الأهداف والآليات. وإذا كان سعد الدين إبراهيم قد أعلن، بعد مغادرة الرئيس اليمني قاعة المؤتمر، بأن علي عبد الله صالح قد « خيب آمالنا عندما رفض أن يتبع طريق نيلسون منديلا الذي قرر التخلي عن الحكم طواعية »، فإن الحكام العرب عموما يعتقدون بأن ما أقدم عليه زعيم جنوب إفريقيا كان « مجرد بطولة زائفة ».   وهذا يذكرني بالرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، الذي سخر من صديقه ليوبلد سنغور الرئيس السنيغالي السابق عندما قرر التخلي عن الرئاسة رغم تمتعه بقدراته الصحية والعقلية واحترام الشعب له. فبورقيبة كان يعتقد مثل الكثيرين من الحكام بأن البقاء في السلطة يطيل الأعمار، وأن التخلي عن الحكم بشكل تلقائي ليس سوى مجرد غباء سياسي.    وبما أن المؤتمر يندرج ضمن الدفع الدولي، والأميركي تحديدا، نحو دمقرطة المنطقة، فقد عمد الرئيس اليمني إلى أسلوب الهجوم باعتباره أفضل طريقة للدفاع. وبما أن مطبات السياسة الأمريكية كثيرة ولا تحصى، فقد قرر علي عبد الله صالح، الذي لم يكن حضوره مقررا من قبل، أن يمسك الأميركيين والغربيين من اليد التي توجعهم، حين فتح ملفات الفوضى في العراق وحق المقاومة في فلسطين، والانهيار التام في الصومال. وبناء عليه أعلن مثلما فعل حكام عرب آخرون  » كيف يمكن الحديث عن الديمقراطية والإرهاب يضرب في المنطقة »؟. وخاطب الغربيين، وفي مقدمتهم الأميركيين بقوله: « المنظومة الاشتراكية بقيت 70 عاما تدرسنا دون أن نستفيد منها، وأنتم تعيدون نفس الخطأ، وتكثرون الحكي عن الديمقراطية والمجتمع المدني لكن بدون جدوى ».     لكنه من جهة أخرى، وحتى يطمئن الجميع بأنه ليس ضد الإصلاح السياسي، حيث تعتبر الحكومة اليمنية شريكا لتركيا وإيطاليا في تنفيذ » برنامج الحوار من أجل الديمقراطية »، اعترف الرئيس بأن: « عصر الديمقراطية لا مفر منه »، معتبرا أن « الديمقراطية تمثل مشكلة، ولكن غياب الديمقراطية هو المشكلة ». وهكذا نجح الحاكم العربي في امتصاص الصدمة التي أحدثتها الإدارة الأميركية بعد احتلال العراق، والتبشير بمرحلة « الفوضى البناءة ».   المجتمعات المدنية ترفض أن تكون ديكورا       أما الطرف الثاني في المشهد، فهو المجتمع المدني، أو لنقل جزءا من ممثليه، الذين رفضوا أسلوب المقاطعة واللجوء إلى سياسة الكرسي الشاغر الذي دافع عنه البعض حفاظا على « بكارتهم السياسية ». هؤلاء كانوا متنوعين في تجاربهم واختصاصاتهم وجنسياتهم. والكثير منهم تابعوا هذا المسار، وشاركوا في أبرز محطاته، بدءا من اجتماع منتدى المستقبل في الرباط ( 11 ديسمبر 2004 )، وصولا إلى اجتماع البحرين خلال السنة الماضية 2005. في البداية أعطي المجتمع فرصة أن يبلغ آراءه ومطالبه لأول مرة وبشكل مباشر لوزراء خارجية الدول العربية الذين كانوا مجتمعين مع نظرائهم الغربيين وفي مقدمتهم كولن باول. لكن تلك المطالب بقيت بدون أي صدى أو متابعة. ثم جاء اللقاء الثاني في البحرين، وكانت مشاركة المنظمات العربية غير الحكومية أوسع رغم استمرار الخلافات بينها حول « مشروعية » المشاركة من عدمها.    أما على الصعيد الرسمي فقد انفض الاجتماع الوزاري دون إصدار بيان ختامي بسبب تحفظ عدد من الحكومات العربية وفي مقدمتها مصر على قرار إنشاء صندوق لتمويل منظمات المجتمع المدني. بمعنى آخر، إن الحكومات العربية لا تريد أن تستقل مجتمعاتها المدنية بقرارها، أو أن تتحول إلى نوع من السلطة الموازية أو المضادة.    بناء عليه، شعرت هذه الأطراف بأنها تحولت أو تكاد إلى مجرد ديكور لتمرير السياسات الرسمية القطرية أو الدولية. ولهذا عمدت في مؤتمر صنعاء أن تنتقد الطرفين، ازدواجية الخطاب والممارسة لدى الحكومات الغربية وفي مقدمتها الإدارة الأميركية من جهة، ومحاولات الأنظمة العربية إفراغ الإصلاح من كل محتوى ديمقراطي. ولم يتردد عديد المشاركين في استعمال ألفاظ حادة لوصف المشاركة الشكلية للمجتمع المدني في مثل هذه الاجتماعات، مثل « المفعول بهم من غير الحكوميين »، أو  » شهود زور ». ولهذا ما أن أنهى وزير الخارجية اليمني قراءة نص البيان الختامي الذي أعده الطرف الحكومي، حتى تعددت الانتقادات من قبل المشاركين غير الحكوميين، وهو ما دفع برئيس الجلسة د علي فخرو – من البحرين- إلى إيقاف الجلسة الختامية، واستئنافها بعد الغداء. وقبل العودة إلى النقاش، فوجئ الرسميون بورقة قدمت باسم المجتمع المدني، وقرأ نصها رئيس نقابة الصحافيين التونسيين الزميل » لطفي حجي »، تضمنت عددا من الملاحظات والمطالب. وخوفا من أن يفشل المؤتمر، وهو ما حرص اليمنيون عليه كثيرا، اضطر ممثلو الحكومات العربية أن يفاوضوا لأول مرة ممثلي المجتمع المدني، بحثا عن صيغة وفاقية لا تتعارض بشكل صارخ مع ما تعتبره الأنظمة  » ثوابت ».   درس في الحوار والتفاوض    رفض الرسميون الربط بين غياب الحكم الرشيد وبين تفريخ التطرف والإرهاب، لأنهم رأوا في ذلك إدانة للمنطقة وإسقاطا للعوامل الخارجية التي لها ضلع كبير في الأزمة الراهنة. وهو اعتراض وجيه نسبيا، رغم أنه يخفي أو يقلل من أهمية العوامل الداخلية التي تبقى هي الأساس. واعترض السفير المصري بشدة على مطالبة المجتمع المدني بإلغاء حالة الطوارئ، وأصر على أن تكون الدعوة إلى  » إطلاق حرية الإعلام بكل أصنافه المسموعة والمكتوبة والمرئية مع إقرار حق المواطنين في امتلاكها، ووضع حد لاحتكار الدولة لها  » مشروطة باحترام القوانين المحلية، وهو شرط رفضه المشاركون ولم يدافع عنه حتى بقية ممثلي الحكومات. ودار سجال أمام الجميع بين السفير المصري ومدير مركز ابن خلدون د. سعد الدين إبراهيم، الذي اعتبر بأن المصيبة تكمن في تلك القوانين المحلية.    وعندما حاول نشطاء المجتمع المدني تقييد الأنظمة بمدة زمنية لا تتجاوز خمس سنوات حتى تستكمل الإصلاح السياسي، أجمع الرسميون على رفض ذلك، لكنهم قبلوا بأن تكــون الصيغة أكثر عموما وهي  » ضرورة وضع جداول زمنية من قبل كل حكومات المنطقة لتحقيق التحول الديمقراطي السلمي ».   كان هذا الجدل المباشر بين غير الحكوميين والرسميين تجربة نادرة في إدارة الحوار والتفاوض بين طرفي المعادلة في الأوضاع العربية المأزومة. وقد كان المجتمع المدني وديعا، ومرنا، وقابلا للتنازل، وحريصا على السيادة، بل ومستعدا للأخذ بعين الاعتبار ظروف الأنظمة وغير مصر على لي ذراعها. وكل ما يطالب به هو أن تكون حكوماته مستعدة لمحاورته، والتعامل معه كشريك وليس كعدو أو كائن قاصر. وفي المقابل أبدى الرسميون، وخاصة وزير خارجية اليمن، مرونة ملحوظة ورغبة قوية في التوصل إلى كلمة سواء. وهكذا تم إنقاذ المؤتمر، فكان مؤتمر صنعاء تجربة فريدة ومفيدة وطريفة. عيبها الوحيد أنها تمت تحت أنظار الغربيين وبحرص أو بضغط منهم، في حين أن كل الشروط متوفرة لتحقيق تحول ديمقراطي سلمي بعيدا عن أي نوع من أنواع الوصاية.   (*) كاتب وصحافي من تونس   (المصدر: صحيفة « الغد » الأردنية بتاريخ 8 جويلية 2006)

السلام البعيد في دارفور يقرّب احتمال التدخل الأميركي في الأزمة الأفريقية

 
توفيق المديني (*)      «إنها واحدة من أسوأ الكوابيس في التاريخ الحديث». بهذه العبارة وصف الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان «أزمة دارفور»، عقب لقائه الرئيس السوداني عمر البشير على هامش أعمال القمة السابعة للاتحاد الأفريقي التي عقدت في عاصــمة غامبيا (بانجول) أخيراً.   وكان قادة الاتحاد الأفريقي فشلوا، خلال القمة، في إقناع البشير بالعدول عن رفضه تولي قوة تابعة للأمم المتحدة مـــهمة حفظ السلام في دارفور. الأمر الذي دفع أنـــان الى وصف موقف البشير الحازم بـ «غير المفهوم»، بعدما كان رئيس عمليات حـــفظ السلام التابعة للأمم المتـــحدة جان ماري جيهينو أوصى بنشر حوالى 17000 عنـــصر من قواته في الإقــليم، مطلع العام 2007، بعد موافقة الحـــكومة السودانية، على أن تعوّض هذه القوة الأممية قوة الاتحاد الأفريقي الحالية المتكونة من 7000 رجل، والتي ينقصها التمويل والتجهيزات العسكرية الحديثة، وأصبحت عاجزة عن تطبيق «اتفاق أبوجا» الهش الذي تم توقيعه بين الحكومة السودانية وقسم من التمردين في دارفور.   وهكذا، فإن السلام الشامل ليس قريباً في دارفور. وعلى رغم توقيع اتفاق السلام «الجزئي» في أبوجا في الخامس من أيار (مايو) الماضي بين الحكومة السودانية وإحدى الحركات المسلحة الكبرى في دارفور، فإن أكبر مأساة شهدها العالم لم تنته بعد.   وحصل توقيع الاتفاق، في ظل استمرار الضغوط الدولية، وخصوصاً الأميركية، على جميع الأطراف، لإجبارهم على التوقيع. وكانت الحكومة السودانية أكثر من فهم حجم تلك الضغوط، فبادرت الى القبول بمشروع الاتحاد الأفريقي للحل، على نحو جنبها موقع المعطل والمعوِّق، محولة الأمر الى خصومها في دارفور، يترددون ويتحفظون وينقسمون. ولا شك في أن سلوك الخرطوم الأخير، انطلق من إدراكها لضرورة التأقلم مع شروط البيئة الدولية، وابتعاداً عن لغة خشبية أضحى صرفها مقيتاً حتى لدى الشارع المحلي. ولوحظ تبدل في مواقف الأطراف المتحفظة، انتهى بموافقة حركة «جيش تحرير السودان» (بقيادة ميني أركاي ميناوي) على توقيع الاتفاق، على أن يليه انضمام الفصائل الأخرى («حركة تحرير السودان» بقيادة عبدالواحد نور، و «حركة العدل والمساواة» بقيادة خليل إبراهيم) الى هذا «العرس».   إن نص الاتفاق لا يمنح لإقليم دارفور منصب نائب الرئيس، كما كانت تطالب بذلك الحركات المسلحة، وإنما منصب مساعد الرئيس، الشخصية الرابعة في الدولة. وبحسب مسؤول في «منبر دارفور»، فإن هذا المنصب لا يستمد من شرعية السلاح، وإنما يجب أن يؤسس على رأي شعب دارفور، عبر الانتخاب المباشر، وألا يمثل المنصب قبيلة أو حركة أو حزباً سياسياً. لكن زعماء حركات دارفور الذين رفضوا اتفاق أبوجا، عملوا على إقامة تحالف سياسي جديد يضمهم يُنتظر أن يوقع في أسمرا خلال أيام. ويعقد محمد إبراهيم دريج، زعيم «التحالف الفيديرالي»، ورئيسا حركتي «العدل والمساواة» و «تحرير السودان»، اجتماعات مكثفة حالياً، من أجل الاتفاق على صيغة بيان يكرّس تحالفهم.   ويتمسك التحالف الجديد بالتعويضات للنازحين واللاجئين، ويعتبر ان اتفاق أبوجا لا يلبي مطالب أهل الإقليم وتطلعاتهم. وبالتالي، يجب إعادة النظر فيه. كما يطالب أيضاً باحتفاظ الحركات المسلحة المتمردة بقواتها، وإعطاء دارفور نسبة في السلطة والثروة تساوي النسبة التي حصل عليها الجنوب في اتفاق نيفاشا، إضافة الى نشر قوات مراقبة دولية لأي اتفاق سلام، يكون لها الحرية الكاملة في كبح جماح هجمات «الجنجاويد» على المواطنين ومراقبة تحركات القوات الحكومية.   ويعمل «اتفاق أبودجا» على فرض السلام في إقليم دارفور عبر نزع أسلحة الميليشيات، وإعادة تنظيم مقاتليها، وضمان تمثيل الدارفوريين في الإدارة والمؤسسات السياسية، وكذلك على صعيد الاستثمار وإعادة إعمار الإقليم. فالمستقبل النفطي الواعد لهذه المنطقة المحرومة، ورؤية جنوب السودان التي استطاعت الحركة المسلحة فيه أن تنتزع شيئاً من الحكم الذاتي، كان لهما تأثير واضح على النزاع.   وألقى رفض الاتفاق من قبل أحد أطراف النزاع الذي يطالب بإعادة تقاسم السلطة والثروات، ظلالاً من الشك على إمكان تطبيق الاتفاق. ويعتبر كثر ان ما حدث في أبوجا «سلاماً ناقصاً». إذ تجمع أحزاب سياسية على ان عدم توقيع الأطراف الأخرى، يعني الدخول في متاهات صراع جديد. كما يعني بقاء البعض خارج إطار الاتفاق، أكبر سبب لاستمرار العنف في الإقليم، ما يعوق عودة الاستقرار الى دارفور.   وكانت مخاطر التدويل التي تقبع في خلفية الصراع في دارفور، ازدادت بدخول الأزمة التشادية على الخط. فكل ما يحدث هناك، تكون له انعكاساته في دارفور، بسبب التداخل القبلي والحدودي بين الدولتين، فيما تضاعف الحكومة السودانية مساعيها لإبعاد شبح التدويل عن القضية التي يعتبرها كثر «قضية دولية» بامتياز. فدارفور، بحسب المراقبين – تدولت منذ أكثر من عام، فضلاً عن وصفها بمنصة انطلاق كل حركات التغيير في تشاد، ما يعني تجاوز الشأن الداخلي الى دولة أخرى، بما يؤسس لذرائع جادة لاعتبار ما يدور في «المثلث الأفريقي» (دارفور تشاد وأفريقيا الوسطى) شأناً دولياً.   ويرى المتابعون للشأن السوداني، أن خلافات نشبت في الفترة الأخيرة بين الرئيس عمر البشير ونائبه علي عثمان محمد طه، «خرج على أثرها الأخير من البلاد متوجهاً الى تركيا، وهو غاضب من الطريقة التي يدير بها البشير ملف دارفور». ويعتقد المحللون في الخرطوم ان توقيت الزيارة يؤشر الى وجود خلافات بينه وبين الرئيس البشير أخيراً، عبر تباين التصريحات الصادرة عن الرجلين في شأن ترتيبات نشر القوات الدولية في إقليم دارفور المضطرب. وأشيع أن طه لم يكتف بمغادرته الخرطوم الى تركيا هو وأسرته، وإنما أعطى طاقمه في مكتبه في القصر الرئاسي إجازة، وأن مكتبه صار شبه مغلق.   وأعلنت «الحركة الشعبية لتحرير السودان» مجدداً تأييدها نشر قوات دولية في دارفور، على رغم معارضة الرئيس السوداني عمر البشير. وقال غازي سليمان، النائب عن الحركة: «إن أحد بنود اتفاق السلام الموقع بين «الحركة الشعبية لتحرير السودان» والحكومة، ينص على ان هذا الاتفاق ينبغي أن يشكل نموذجاً لاتفاقات محتملة مع متمردي الغرب (دارفور) ومتمردي الشرق»، موضحاً ان هذا الاتفاق يوصي بنشر قوة تابعة للأمم المتحدة في الجنوب في مهمة حفظ السلام.   ويرى معارضو حكومة الرئيس البشير أن رفض الأخير القاطع نشر قوات دولية في دارفور، نابع من تخوفه من أن تكون تلك القوات هي التي ستقوم في مرحلة لاحقة بالقبض على مجرمي دارفور الذين بدأت «المحكمة الجنائية الدولية» في لاهاي في إجراء التحقيقات حول قضيتهم، وسجلت زيارات الى الخرطوم في هذا الخصوص. ويرى العــقلاء في السودان أن على القوى السياسية في الحـــكومة والمعارضة أن تتـــجاوز مرحلة تبادل الاتـــهامات بين المؤيدين والرافضين لأمر القوات الدولية، والحذر من العواقب، منـــتقدين محاولات الإجابة على اسئلة عدة، مثل: كم عـــدد الذين يؤيدون دخول القوات الأممية من السودانيين؟ وكذلك المقارنات بين تجربة السودان إذا حدثت، وبين تجارب دول أخرى مـــثل العراق والبوسنة والهرسك والصومال وأفغانستان، وما هي المهمات الرئيسة والأساسية للقوات الأممية؟ متى سترحل؟ ما نوع القوات التي سترسل؟   إذا كانت الظروف المناخية والجغرافية والعسكرية في السودان تحتم على القوات الدولية التفكير عشرات المرات قبل اتخاذ خطوة غير آمنة، فإن خيار التدخل العسكري الأميركي لا يجوز استبعاده إذا ما أصرت الولايات المتحدة على التدخل، خصوصاً انها قامت بدور كبير في المسار السوداني، ونجحت في تطويع المنظمة الدولية لخدمة أغراضها الاستراتيجية في المنطقة العربية، ومن بينها السودان.   (*) كاتب تونسي، دمشق.   (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 12 جويلية 2006)

 

جيش إسرائيل الأخــلاقـي!!

 
محمد كريشان (*)   اتهام وزارة الصحة الفلسطينية اسرائيل بقصف قطاع غزة بقنابل تحتوي علي مواد سامة ومشعة محرمة دولية، تتسبب في تمزيق واحتراق أجساد الشهداء والجرحي الفلسطينيين، اتهام يجب ألا يظل معلقا بل لا بد من تأكيده، أو نفيه، من خلال لجنة تحقيق طبية دولية مختصة للوقوف علي مدي دقة ما قاله تقرير الوزارة من أن معظم الاصابات الناتجة عن حملة أمطار الصيف المتواصلة منذ أسبوعين ضد غزة سببتها قذائف غير تقليدية تؤدي الي بتر الأعضاء وحرق كامل الجسم بشكل لم يعهد من قبل في الاصابات الناتجة عن شظايا القنابل المعروفة.   اذا افترضنا أن هذا الاتهام الخطير الذي سارع المتحدثون الاسرائيليون الي نفيه ادعاء مغرض الهدف منه تشويه العدو وتلطيخ سمعته، فان الأمر في هذه الحالة يمثل فرصة ذهبية علي حكومة أولمرت ألا تفوتها وأن تقبل سريعا بالتحقيق الدولي لفضح مدي التجني الفلسطيني علي الحقائق لاسيما اذا خلص العالم أن الحكومة الفلسطينية الحالية ليست فقط ارهابية » وانما أيضا حكومة تعتمد الكذب الفاضح. أما اذا رفضت الحكومة الاسرائيلية القبول بهكذا لجنة، كما دأبت عادة في كل مرة تطالبها أي جهة بذلك، فان الأمر لن يعود من قبل أي طرف محايد نزيه الا بمثابة اعتراف صريح بالتهمة مع ما يستدعيه ذلك من اجراءات من الفضيحة أن يقع غض النظر عنها أو محاولة تجاوزها.   مع بداية انتفاضة الأقصي في سبتمبر (سبتمبر) 2000، أطلق الزعيم الراحل الشهيد ياسر عرفات اتهامات متكررة أن اسرائيل تستعمل اليورانيوم المستنفد في قصفها للمدنيين الفلسطينيين لكن لا أحد أعار الأمر كبير اهتمام، ناهيك عن التحقيق فيه، خاصة في ظل رفع الغطاء الدولي والعربي تدريجيا عن الختيار ما أدي الي محاصرته ثم قتله. أما حين تقرر ارسال لجنة تحقيق دولية، بعد كثير اعتراض وعناد اسرائيلي وأمريكي، للنظر في اتهامات جرائم الحرب الاسرائيلية في جنين، أو جينينغراد كما قال عرفات، فقد تم الالتفاف سريعا علي الموضوع ومقايضته في اطار احدي صفقات رفع الحصار عن المقاطعة في رام الله.   لا بد هذه المرة للفلسطينيين من الاصرار علي طلب التحقيق الدولي في اتهامات وزارة الصحة، فاما أن يؤكدها ويفضحها هذا التحقيق واما أن يأتي تأكيدها الضمني من خلال اصرار الحكومة الاسرائيلية علي رفض استقبالها أو التعاون معها وهذا في حد ذاته ادانة لها، خاصة اذا تمكنت من دخول غزة سريعا والتحقيق في حالات جرحي وشهداء قبل دفنهم. أما المسألة الأخري التي لا بد من التركيز عليها وابرازها اعلاميا علي الصعيد الدولي الواسع فهي أن ضحايا هذه الأسلحة هم من المدنيين العزل الأبرياء وكثير منهم أطفال ونساء، مما يسحب بشكل كبير ودرامي ما كانت اسرائيل تسعي دائما للتشهير به من أن حماس تستهدف المدنيين ولهذا فهي برأيها حركة ارهابية دموية.   نتائج تحقيق طبي دولي سريع سيجعلنا نقف علي الحقيقة العارية لما قاله ايهود أولمرت بعد مجزرة عائلة البنت غالية علي شاطئ غزة من أن الجيش الاسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم وما قاله مؤخرا وزير دفاعه عمير بيرتس من أن جيشه يتحرك داخل قطاع غزة بأخلاقيات لا يمكن لغيره أن يحرص علي احترامها. لننتظر ونر!   (*) كاتب وصحافي من تونس   (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 12 جويلية 2006)

 

الأوربي للإفتاء: مراجعة الفقه السياسي واجبة

 
إستانبول/ د.رجب أبو مليح- إسلام أون لاين.نت    دعا فقهاء ومفكرون في المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء إلى ضرورة المراجعة الجادة للفقه السياسي القديم بغية الوصول إلى فقه سياسي إسلامي يتناسب مع العصر، ولا يتخلى عن الثوابت الشرعية.   جاء ذلك خلال جلسات الدورة السادسة عشرة للمجلس، والتي افتتحت أعمالها الثلاثاء 4-7-2006. وفي مداخلته، دعا الدكتور عصام البشير وزير الأوقاف السوداني السابق إلى مراجعة الكثير من التراث الفقهي السياسي وفرق بين الوسائل والآليات وبين المبادئ والغايات، وقال إن « المراجعة تنصب على الوسائل والآليات لا المبادئ والغايات ». وضرب البشير عدة أمثلة على ما يقول منها « الخروج على الحاكم ».   وبين رؤيته قائلا: « الفقهاء القدامى رأوا أن الخروج على الحاكم يؤدي إلى مفسدة عظيمة، ولم يكن متاحا في هذا العصر إلا الخروج المسلح الذي تسفك فيه الدماء، وتنتهك الحرمات، لكن الجهاد المدني الآن الذي يكفله القانون والدستور أصبح وسيلة مدنية حضارية تؤدي إلى تداول السلطة دون سفك للدماء، يجعلنا نراجع الخروج على الحاكم في ضوء المعطيات الحديثة ».   وأشار كذلك إلى مفهوم الحسبة موضحا أنه « يختلف في هذا العصر عنه في العصر الماضي؛ فالبرلمان يقوم بدور الحسبة على الحكومات، وهيئات الرقابة الشرعية تقوم بدور الحسبة على البنوك، وهيئة المكاييل والموازين تمارس الحسبة على التجار »   مراجعة المصطلحات   كما تطرق البشير إلى مصطلحات كثيرة، كمصطلح أهل الذمة الذي يعني العهد والضمان، وقال: « كان هذا المفهوم عند العرب قبل الإسلام، لكن الإسلام أعطاه بعدا قيميا، ولا مانع من استبدال أي مصطلح آخر به، كالمواطنة وغيرها، قياسا على ما فعله عمر بن الخطاب الذي قبل أخذ الجزية من بعض النصارى تحت اسم الزكاة ».   ويرى البشير أن « مفهوم القضاء الآن يختلف عنه في الماضي؛ فالقاضي في الماضي كان يقوم بدورالاجتهاد في استنباط الحكم، ثم يقوم بالاجتهاد في إيقاعه على الحادثة، وكان يقوم بذلك الدور منفردا دون مراجعة له أو تعقيب على أمره، أما القضاء الآن فهو مؤسسة، وليس فردا، يكون الحكم فيه وفق قوانين معدة سلفا لا يملك القاضي الخروج عليها، ثم هو لا ينفرد بالحكم، بل يشاركه فيه آخرون؛ ومن أجل هذا لا يرى ولاية غير المسلمين للقضاء ».   كما أكد الأستاذ راشد الغنوشي المفكر الإسلامي المعروف على أن « الحرية في كل العلاقات هي الأصل، وأن التعددية في إطار وحدة المرجعية الإسلامية حق اعترف به الإسلام » .   كما رأى أن الأقليات الإسلامية في الغرب يمكنها الاستفادة من التجارب المضيئة في الحضارة الإسلامية تجاه الأقليات غير المسلمة، ونادى الغنوشي بإعطاء حقوق الأقليات غير الإسلامية في البلاد الإسلامية، قبل أن نطالب بحقوق الأقليات الإسلامية في الغرب.   وتقدم الفقيه الدكتور يوسف القرضاوي رئيس المجلس في هذه الدورة بكتاب جديد بعنوان « الدين والسياسة.. تأصيل ورد شبهات »، تطرق فيه لمعنى الدين والسياسة وعلاقة كليهما بالآخر، ثم تعرض لمسائل متعددة، منها علاقة الإسلام بالديمقراطية وعلاقته بالعلمانية، وحقوق وواجبات الأقليات المسلمة في الغرب.   الأحوال الشخصية   كما أكد القرضاوي على موافقته لولاية القضاء لغير المسلمين في إطار مؤسسة القضاء، واستثنى فضيلته الأحوال الشخصية؛ نظرا لخصوصيتها وارتباطها بالإسلام بشكل خاص « فلا يصلح لقضاء فيه غير المسلم، وهذا حق مكفول لغير المسلمين في المجتمع المسلم، فهم يحكمون بقانونهم المستمد من شريعتهم فيما يخص الأحوال الشخصية ».   كما رأى أن « رئاسة الدولة في المجتمع الذي يمثل فيه المسلمون أغلبية لا تكون لغير المسلم، ويجوز أن يكون نائب الرئيس من غير المسلمين ».   (المصدر: موقع إسلام أون لاين.نت بتاريخ 5 جويلية 2006)
 

ملف خاص بمناسبة انعقاد «الجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الثانية في إسطنبول

 
 د. بشير نافع: « اتحاد العلماء » يمثل عملا غير مسبوق في التاريخ الإسلامي   أشاد الدكتور بشير موسى نافع -الكاتب والباحث المعروف- بالدور الذي يلعبه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيسه الداعية الدكتور يوسف القرضاوي في دعم قضايا الشعوب الإسلامية والدفاع عن الإسلام، واصفا مؤتمر الدوحة الذي دعا إليه الاتحاد لنصرة الفلسطينيين بأنه منعطفا هاما في تطور الاجتماع العربي-الإسلامي.   وأكد الدكتور بشير نافع، في مقال بصحيفة « القدس العربي » اللندنية في 18-5-2006، أن سعي الاتحاد لضم علماء سنة وشيعة اثني عشرية وزيديه وإباضــيين، وهي المجموعات التي تشكل الأغلبية الساحقة من المسلمين، يمثل عملا غير مسبوق في التاريخ الإسلامي. وفيما يلي النص الكامل للمقال:   المؤتمر الذي دعا له الشيخ القرضاوي في مدينة الدوحة لدعم الحكومة والشعب في فلسطين لابد أن يعتبر منعطفا هاما في تطور الاجتماع العربي-الإسلامي، وليس كحدث سياسي فقط. الشيخ القرضاوي هو بالطبع واحد من أبرز العلماء المسلمين المعاصرين وأكثرهم تأثيرا، والدعوة باسمه لعقد المؤتمر تحمل في حد ذاتها سلطة مرجعية.   ولكن الشيخ القرضاوي أيضا هو رئيس اتحاد العلماء المسلمين، الذي يضم عددا كبيرا من علماء الأمة الإسلامية من المذاهب والبلدان كافة. وقد لعب الاتحاد دور الإطار لمؤتمر الدوحة، الذي قصد به أصلا أن يكون مؤتمرا للعلماء. وإلى جانب التأييد الذي أعرب عنه المؤتمرون للقضية الفلسطينية، ودفاعهم عن حق الفلسطينيين في اختيار الحكومة التي تدير شئونهم، والموقف الصلب الذي أعلنوا عنه تجاه سياسة محاصرة الفلسطينيين وتجويعهم، فإن المؤتمر يحمل دلالات من نوع آخر.   أسس اتحاد علماء المسلمين قبل عامين فقط في مؤتمر علمائي حاشد بمدينة لندن، بعد أن وجد منظمو المؤتمر صعوبة في عقده بإحدى العواصم العربية أو الإسلامية؛ وانتخب المؤتمر الشيخ القرضاوي رئيسا له. كان الهدف الرئيسي من تأسيس الاتحاد أن يصبح إطارا واسعا للعلماء، الذين لم تعد هناك من وسيلة للقائهم واجتماعهم وإعرابهم عن موقف جماعي من قضايا المسلمين والعالم.   وليس هناك شك في أن مشروع الاتحاد استبطن تطورات تاريخية وأخرى حديثة. على المستوى الحديث يمكن ملاحظة الأثر الذي تركته التطورات الهائلة في وسائل الاتصال، والتداخل البالغ في الاجتماع الإنساني. ففي تاريخهم كله لم يجمع العلماء المسلمين إطار واحد، بل جمعتهم ثقافة ولغة ومرجعية النص الإسلامي المؤسس. لم يكن ثمة طريقة، وبالتالي مبادرة، لتأطير علماء بغداد ونيسابور أو أصفهان والقاهرة، في تجمع منظم.   وبالرغم من ذلك فقد كان العلماء يعرفون بعضهم البعض من خلال إنتاجهم المتداول، وآرائهم وفتاواهم المنقولة من بلد إلى آخر. كان العلماء يتحدثون لغة واحدة ويستخدمون مصطلحا مشتركا ويقطنون عالما رمزيا واحدا. ولم يكن من المستغرب بالتالي أن يدرس عالم من أواسط آسيا على آخر من شمال أفريقيا، أو أن يرجع عالم دمشقي إلى نصوص آخر يمني. ربما لعبت المذاهب والطوائف دورا ما في إقامة إطار متخيل للعلماء المنتمين لهذا المذهب أو تلك الطائفة؛ ولكن وضع وسائل الاتصال آنذاك لم يكن ليوفر طريقة لجعل هذا الإطار فعالا.   هذه المحاولة إذن، محاولة إقامة مؤسسة ثابتة وواضحة المعالم للعلماء، لا بد أن تقرأ أولا من خلال منظار العالم الحديث وقواه المتسارعة. فقد أصبح من الممكن أن يلتقي عدد كبير من العلماء في موقع واحد، وبعد جهود تنظيمية بسيطة نسبيا؛ كما أصبح من الممكن إقامة قنوات اتصال دائمة بينهم. ولكن الأهم، أن العالم الحديث ينزع للاعتراف بالكتل المنظمة، لاسيما تلك العابرة للحدود والثقافات. وفي حقبة تكتل القوى والتيارات والمجموعات من كل صنف وخلفية، كان لا بد للعلماء المسلمين من التعبير عن أنفسهم من خلال إطار جمعي. ويمثل سعي الاتحاد لضم علماء سنة وشيعة اثني عشرية وزيدية وإباضــيين، وهي المجموعات التي تشكل الأغلبية الساحقة من المسلمين، عملا غير مسبوق في التاريخ الإسلامي.   بيد أن هناك عاملا تاريخيا لا يقل أهمية يقف خلف تأسيس الاتحاد. فقد أطاحت حركة التحديث في العالم الإسلامي منذ منتصف القرن التاسع عشر بالكثير من قوة ونفوذ طبقة العلماء المسلمين. وسواء خطط رجال الدولة التحديثيون في الدول الإسلامية والإدارات الاستعمارية أو لم يخططوا، فقد أدت برامج التحديث إلى تهميش متزايد لطبقة العلماء في المجتمعات الإسلامية.   كان العلماء هم القوة الاجتماعية النافذة والأكثر انتشارا في الاجتماع الإسلامي التقليدي: منهم القضاة والمفتون والمدرسون والمحتسبون وحراس الأوقاف، وهم الطبقة التي تصل بين الحكام وعموم الناس، وهم حراس الشريعة ومصدر خطاب المجتمع ورؤيته للعالم. ولكن حركة التحديث أدخلت مدرسة ومناهج من نوع جديد، أدخلت قضاء ومحاكم وقوانين جديدة، ولدت فئات وقوى اجتماعية جديدة. وبذلك تشظت المرجعية في المجتمع الإسلامي، ولم يعد العلماء هم القادة المتفردين للجماعة. وشيئا فشيئا، تضاءلت حتى نسبة المسلمين المنضوين في سلك العلماء.   وببروز دولة الاستقلال في النصف الثاني من القرن العشرين، عملت الدولة، لاسيما في المجال السني، على السيطرة على مؤسسات العلوم الإسلامية والتحكم بطبقة العلماء والتحدث، مباشرة أو مواربة، باسم الدين والشريعة. بل إن أكثر المشاريع السابقة لإقامة تجمعات علمائية ارتبطت على هذا النحو أو ذاك بدول عربية أو إسلامية، وفشلت بالتالي في بناء مرجعية مستقلة لها أو كسب شرعية كافية للتأثير في الاجتماع الإسلامي الحديث. فمؤتمرات هيئات الفتوى في رابـطة العالم الإسلامي، أو مجامع البحوث العلمية في الأزهــر الشريف، لا تجد الحد الأدنى من الاهتمام العام.   من زاوية النظر هذه يعكس اتحاد العلماء المسلمين تحركا للحفاظ على ما تبقى من دور وموقع للعلماء المسلمين. بل ويمكن ملاحظة طموح لدفع الآثار السلبية لحركة التحديث ولو قليلا إلى الخلف، واستعادة بعض من النفوذ والقوة والتأثير الذي خسره العلماء خلال القرن ونصف القرن الماضيين. ما يعزز من هذا المشروع استقلاليته عن أنظمة الحكم؛ فالاتحاد لم تدفع لتأسيسه دولة ما، ولا يرتبط بمصالح هذا المحور أو ذاك من المحاور السياسية العربية أو الإسلامية، والواضح حتى الآن أنه يعتمد اعتمادا تاما في تمويل أعماله ونشاطاته على أعضائه والمهتمين من الأفراد والشخصيات وذوي القدرة من المسلمين.   كما أن الاتحاد يأخذ في الاعتبار الطبيعة المتغيرة لما يمكن تسميته بالعلماء المسلمين في العصور الحديثة. فقد برز خلال العقود الأخيرة عدد ملموس من الشخصيات الإسلامية المؤهلة للعب دور العالم، والتي اكتسبت علمها بجهود ودراسة خاصة لا الالتحاق بمراكز العلوم الإسلامية التقليدية، وبنت دورها في حقل العمل العام (نشاطا وكتابة) وليس بالضرورة من تسنم مواقع عمل علمائية تقليدية. هذه الفئة العلمائية الحديثة وجدت موقعا لها أيضا في الاتحاد.   كما يعزز من دور اتحاد العلماء المسلمين أن عددا كبيرا من أعضائه البارزين يحافظ على علاقات جيدة بقوى الإسلام السياسي. وكانت هذه القوى قد تقدمت هي الأخرى في القرن العشرين لتحتل المساحة الخالية من مساحات تمثيل الإسلام والتحدث باسمه، عندما بدا وكأن طبقة العلماء قد تم استيعابها تماما في مؤسسة الدولة الحديثة.   بهذه العلاقات الجيدة مع التيارات الإسلامية السياسية، يعمل الاتحاد على استعادة ما أمكن من دور العلماء مع تجنب صدام لا طائل منه مع القوى الإسلامية السياسية. وبنجاح الاتحاد في افتتاح مقر أمانته العامة في مدينة القاهرة، أكبر المدن العربية-الإسلامية وأكثرها تأثيرا، يكون الاتحاد قد تجاوز إشكاليات الانعقاد في العواصم الأجنبية أو الاستقرار في مدن عربية أو إسلامية ثانوية الوزن.   بيد أن الاتحاد يواجه مهمات ومحاذير كبرى قبل أن يصبح الإطار الأكثر تأثيرا ونفوذا في تعبيره عن طبقة العلماء المسلمين. أمام الاتحاد مهمة التوسع للوصول إلى أكبر قطاع ممكن من العلماء، لاسيما أولئك المنضوين في تجمعات ومؤسسات وطنية، وأولئك الذين يفصلهم عن الاتحاد بعض من الشكوك والهواجس حول أهداف الاتحاد وخلفية قياداته. وأمام الاتحاد مهمة الارتقاء بتمثيل العلماء غير السنة من مستوى التمثيل الرمزي إلى مستوى التمثيل الحقيقي والجاد والفعال.   كما يجب أن يؤسس الاتحاد نهجا لعمله ونشاطاته، يحافظ على ثوابته ويستجيب لمتطلبات دوره، ويتجنب في الآن نفسه الصدام مع الدول وسياساتها أو الإيحاء بأن الاتحاد محاولة لتقويض سلطة الدولة الوطنية على شئونها الداخلية وشئون شعبها. ولكن الأمر الأهم الذي لا ينبغي أن يغيب عن الاتحاد وقادته أن الاعتبار الأول للعلماء المسلمين على مر التاريخ نبع دائما من النظر إلى كل منهم كفرد، يكتسب موقعه ونفوذه من العلم والتقوى والاستعداد لتحمل عواقب المسئولية العلمائية. العلماء المسلمون ليسوا مؤسسة شمولية، ليسوا كنيسة كاثوليكية صارمة المعتقد والوظائف، بل شخصيات مستقلة ومتميزة تجمعها مشتركات أساسية وعامة.   كما أن العلاقة بين العلماء وعموم المسلمين، لاسيما في المجال السني، هي علاقة حرة، ضميرية، وتقديرية. فليس ثمة ما يجبر مسلما ما على اتباع مرجعية علمائية ما، ولا سلطة للعلماء على الناس سوى السلطة النابعة من الاختيار الحر للناس. وعلى الاتحاد أن يتجنب النزعة الطبيعية والمتوقعة في مثل هذه الأوضاع والأزمنة للتحول إلى سلطة أو مرجعية شمولية لأعضائه أو لعموم المسلمين، وأن يتذكر دائما أنه سيبقي الآلاف من العلماء خارج إطار الاتحاد، بعضهم على درجة عالية من العلم والتقوى والإحساس العميق بالمسئولية، وأن ملايين المسلمين لن يلتفوا حول الاتحاد ويقروا بمرجعيته إلا بعد امتحان طويل لمصداقيته ومصداقية مواقفه.   نشط اتحاد العلماء المسلمين خلال العامين الماضيين في تقصي حقائق الوضع السوداني وفي متابعة الشأن الفلسطيني وفي ملاحظة التطورات على صعيد العلاقة المتوترة بين العالم الإسلامي وما يعرف بـ الغرب، أو دول جانبي الأطلسي. وقد أعرب الاتحاد عن مواقفه تجاه الأحداث والتطورات المختلفة في تقارير وبيانات وفتاوى.   وإن كانت متابعتي لنشاطات الاتحاد على درجة كافية من الدقة، فإن مؤتمر الدوحة هو المؤتمر العلمائي الأول الذي يدعو إليه الاتحاد ورئيسه بهدف التصدي لقضية واحدة، التي هي على أية حال أكبر قضايا المسلمين وموقع إجماعهم. ولعل مؤتمر الدوحة يواصل ما انقطع من جهود في هذا المجال. فمنذ انفجار الصراع على فلسطين في العقود الأولى من القرن العشرين، عمل الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس وزعيم الحركة الوطنية الفلسطينية، على حشد الرأي العام العربي والإسلامي لدعم الشعب الفلسطيني.   وكانت فتاوى ومؤتمرات العلماء، وأشهرها مؤتمر القدس العام في 1931، إحدى أهم أدوات هذا التوجه. ولكن مؤتمر الدوحة ليس مجرد استعادة لميراث الحاج أمين الحسيني، بل هو أيضا استعادة للميراث التاريخي الكبير لطبقة العلماء. فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي جرت مياه كثيرة تحت أقدام طبقة العلماء المسلمين، وبات دورهم في النطق باسم الأمة والشرع مهددا ليس فقط بالآثار البالغة لحركة التحديث وبالنزعة الشمولية للدولة، بل بعدد متزايد من غير المؤهلين الذين زحفوا لاحتلال الفراغ الناجم عن تراجع وانكماش طبقة العلماء كذلك. بهذه المعاني المتداخلة لا بد أن يرى الاتحاد ومؤتمره الأخير.   (المصدر: موقع الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتاريخ 21 ماي 2006) عنوان الموقع: http://www.iumsonline.net/  


عشية انعقاد الجمعية العامة الأولى بعد التأسيس … «اتحاد علماء المسلمين العالمي»: طموحات وآمال… ومحاذير أيضاً

 
أحمد عبدالرحيم (*)       يوصي النبي (صلى الله عليه وسلم) أحدنا بأن يتمسك بحقه في الأمل والعمل للمستقبل ولو كانت القيامة على الأبواب! يقول في حديثه العظيم: «إذا قامت القيامة وفي يد احدكم فسيلة (نخلة صغيرة)… فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها» (رواه البخاري في «الأدب المفرد» وأحمد وغيرهما… عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو صحيح). في هذه الوصية – كما لا يخفى – شحنة هائلة من الأمل وضرورة العمل واستشراف المستقبل مهما تكن الأحوال والظروف. فكيف اذا كانت بأيدينا نخلة باسقة مثقلة بالطلع النضيد… لا مجرد فسيلة ضئيلة-؟! أحسبه ظاهراً ان الاستمساك بواجب حياطتها وتعهدها أوجب – وجوباً أولوياً-!   تتمثل هذه النخلة الباسقة التي بأيدي المسلمين، في زمانهم الصعب هذا، في المؤسسة التي تسعى الى تثبيت أقدامها في عالم يتضاءل فيه دور الفرد لمصلحة المؤسسات الجامعة والناظمة… أعني بهذه الإشارة «اتحاد علماء المسلمين العالمي» الذي مضى على تأسيسه عامان كاملان، وتتأهب جمعيته العامة للانعقاد باسطنبول خلال هذا الأسبوع (12.10 تموز/ يوليو) لإقرار نظامه الأساسي وانتخاب مجلس امنائه وأمينه العام والنظر في برنامج عمله في الفترة المقبلة. وبهذه المناسبة… يجد المرء نفسه (وهو أقل أعضاء الاتحاد شأناً، وربما يكون أصغرهم سناً ايضاً!) مسوقاً الى هذه المناصحة و «المفاكرة»، واضعاً نصب عينيه قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «ألا… لا يمنعنّ رجلاً هيبة الناس ان يقول بحق إذا علمه» (رواه احمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم… عن ابي سعيد الخدريّ رضي الله عنه، وهو صحيح). والمسلمون – كما في الحديث الصحيح ايضاً – يسعى بذمّتهم أدناهم!   هذه – إذاً – طموحات وآمال… ومحاذير ايضاً، أضعها بين يدي السادة العلماء والمهتمين بالأمر، لينظروا فيها، ولينبجس من حولها نقاش وحوار يرشدان الخطو ويحثّان المسير بإذن الله تعالى.     محاذير على الطريق   أبدأ بالمحاذير المخوفة… بناء على القاعدة الفقهية المقررة: «درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح»، وأيضاً على القاعدة السلوكية التي تقتضي «التخلية» عن الأخلاق والأعمال الرديّة… قبل طلب «التحلية» بما يحسُن ويجمُل!   والحق انه لا محذور لدي، ولدى طائفة ممن أعرف من المهتمين، أعظم مما يكتنف طبيعة (أو لنقل: هوية) الاتحاد من بعض الغموض! أعني مسألة مدى «تمثيليته» للمسلمين، وكونه – بحسب ما قد يرى البعض – «المرجعية الإسلامية العالمية» المنتظرة.   ففي حين خلَت ورقة «مشروع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» (التي وجهها العلاّمة الدكتور يوسف القرضاوي، اثناء التحضير لتكوين الاتحاد، الى العلماء والمعنيين)، وكذلك ورقة «النظام الأساسي» (الذي أُقرّ في الاجتماع التأسيسي قبل عامين، وسيعرض مرة اخرى على هذه الجمعية العامة باسطنبول)… أقول: في حين خلت هاتان الورقتان المهمتان من اية اشارة الى هذه «المرجعية الإسلامية العالمية» المنتظر اضطلاعُ الاتحاد بها… وردت ثلاثُ إشارات إليها في البيان الختامي للاجتماع التأسيسي الذي عقد بلندن (23/4/1425هـ 11/7/2004م)، وكان لافتاً أن هذه الإشارات الثلاث جاءت مجملة على نحو غامض (على الأقل… لي ولمن ناقشتهم الأمر)، كما انها ترد احياناً على ألسنة بعض المتحدثين عن الاتحاد وأهميته في الظرف الراهن. ويفترض بغرض، له هذه الخطورة، ان يرد – إذا كان لا بد منه! – في صدر «النظام العام» الذي يفترض ان يُتناول بالنقاش من جانب الجمعية العامة. اما أقصى ما نص عليه هذا النظام، في ما يتصل بهذا، فهو ان من أهداف الاتحاد «ان يعمل على توحيد قوى الأمة بمختلف مذاهبها واتجاهاتها، وتوجيه جهود العلماء ومواقفهم الفكرية والعملية، في قضايا الأمة الكبرى، لتواجه التحديات صفاً واحداً» (المادة 28)… وأحسب ان الفارق كبير وواضح بين هذا الطموح الواجب، وبين الدور «الوصائي» الذي تشي به – ولو لم يكن مقصوداً – عبارة «المرجعية الإسلامية العالمية»!   وقد تنبه بعض المراقبين «المحبين» (د. بشير نافع: اتحاد العلماء المسلمين يستلهم الدور التاريخي لطبقة العلماء، جريدة «القدس العربي» اللندنية، 18/5/2006م) الى هذا المحذور الخطير – في اعتقادي – مؤكداً ان العلماء المسلمين لم يكونوا يوماً مؤسسة شمولية، فليس في الإسلام ما لدى الكنيسة الكاثوليكية مثلاً من هيمنة دينية – وظائف واعتقادات – على أتباعها، وبالتالي… فعلى الاتحاد ان يتجنب النزوع الى ان يكون سلطة او مرجعية شمولية لأعضائه، فضلاً عن عموم المسلمين… وعليه ايضاً ان يتذكر دوماً ان الآلاف من العلماء الذين لا ينقصهم العلم ولا الإحساس العميق بالمسؤولية سيبقون خارج اطاره، وأن ملايين المسلمين لن يلتفوا حوله ويقرّوا له بنوع من التمثيل إلا بعد امتحان طويل لصدقيته واستقلاليته: آراء ومواقف.   ومن هنا… أرى لزاماً على هذه الجمعية العامة للاتحاد ان تتملّى عميقاً في تحديد «هوية» هذا الاتحاد، لأن لهذا التحديد الواجب ما بعده!   وقد يتصل بهذا المحذور الأهم آخر… وهو ماهية التعامل مع اختلافات زوايا النظر وتقدير الامور – بمقتضى الطبيعة البشرية والفطرة الإلهية – لا سيما عندما «يُجمع» الاتحاد على امر يرى فيه صالح الأمة، و «يرى» غيرُه صالح الأمة ذاته – وفي المسألة ذاتها – في أمر آخر! وقد خبرنا خلال الأشهرة القليلة الماضية تجربة مؤلمة على هذا الصعيد، عندما اندلع – عبر وسائل الإعلام كافة – ما يشبه التلاسُن و «الهجوم» و «الهجوم المضاد» بين الاتحاد – من جهة – وعدد من العلماء والدعاة والمرشدين – من جهة اخرى – في أزمة الرسوم الدنماركية، ووصل الأمر – مع بالغ الأسف – ان أضحت وسائل الإعلام مسرحاً للتراشق المحزن بين انصار وجهتي نظر يرى اصحاب كل واحدة منهما ان «مصلحة الإسلام» في ما يدعو إليه!   والأخطر من هذا ان بعض السطحيين حاول حرف الجدل الذي اندلع صوب ما يراد الترويج من ان ثمة «إسلاماً شبابياً» يجد عنتاً وعدم اعتراف من «إسلام» آخر «عجوز» يعزّ عليه ان يتراجع عما حصد من شعبية ومكانة جماهيريتين! وأحسب ان في هذا بلاغة وموعظة كافيتين لمعالجة هذه المسألة والتي سبقتها: عميقاً… وعاجلاً ايضاً!   وربما يترتب المحذور الثالث – بدوره – على هذين السابقين! ويتعلق هذا بالتساؤل عن مدى شمولية تمثيل افراد العلماء (باختلاف انتماءاتهم القُطرية والمذهبية والطائفية، وتنوّع رؤاهم الفكرية ومواقفهم السياسية) داخل كيان الاتحاد. وإذا أردنا التصارح، فإن المرء لا يستطيع إخفاء قلقه من غياب عدد من الأسماء المهمة والمؤثرة في الساحات العلمية والفكرية والدعوية في عدد من أقطار العالم الإسلامي. وليس يغيب عن الوعي إدراكُ الاختلافات والتباينات – العميقة حيناً، والسطحية أحياناً! – التي لا ينفكّ عنها البشر بوجه عام… ولكن: أليس من اهم مقاصد الاتحاد جمعُ «العلماء العُدول» العاملين في الحقل الإسلامي بمختلف صور العمل، بغض النظر عن الانتماءات الأخرى التي قد تستلزم – ولا بد – قدراً من التباين في الرؤى، والتي – ايضاً – ليس من مهام الاتحاد ولا مقاصده تذويبها… بل العمل الجماعي في إطار التنوع المُغني والتعدد المُثري؟!   ومن شأن هذا التنوع والتعدد – وما قد يُفضي إليه من تباين – ألا يمنع للود قضية، إعمالاً للقاعدة الذهبية المشتهرة (والتي اشار إليها فضيلة الدكتور القرضاوي في ورقته حول مشروع الاتحاد التي سبقت الإشارة إليها): «نتعاون – أي «اهل القِبلة» جميعاً – في ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضُنا بعضاً في ما اختلفنا فيه». وقد صدّق هذا التوجه ان ضم التشكيل الأول لمجلس الأمناء الأول العلاّمة الإباضي الشيخ احمد بن حمد الخليلي – مفتي سلطنة عُمان – نائباً اول للرئيس، والعلاّمة الشيعي آية الله محمد علي تسخيري نائباً ثانياً، إضافة الى العلاّمة السنّي الدكتور عبدالله بن بيّه نائباً ثالثاً… فكيف لا يسع الاتحاد – بعد هذا كله – عدداً من أهم الأسماء (لا اريد ان أعين احداً… رفعاً لأي حرج قد يكون) حتى وإن بقيت اختلافات أو تباينات في الرؤى والمواقف؟!   والمحذور الأخير في هذا المقام، هو خشية ان يتكلّس الاتحاد بمرور الوقت – كما تكلست مؤسسات اخرى كثيرة! وأن يُضحي – كما أضحى غيره كثيراً – «نادياً» مغلقاً على مجموعة من الأصدقاء والمعارف، أو – على الأقل – معتمداً على «أشخاص» بعينهم في الحركة والنشاط والعمل، فإذا غاب هؤلاء «الأشخاص» – لأي سبب – تجمّد المشروع الطموح – كما تجمدت من قبل مشاريع اسلامية كثيرة.   وأحسب ان علاج داء «الشخصنة» هذا، المتأصل – مع الأسف – فينا نحن العرب، يكون بتفعيل دور كل عضو من اعضاء الاتحاد، وعدم قصر العمل والتحرك على اشخاص بعينهم، وأيضاً بتفعيل «دورية» تداول «المناصب» المؤثرة وعضوية اللجان الفاعلة… على ان يكون هذا كله من اليوم الأول لهذه الجمعية المنتظرة!   اما الخشية من ان تؤثّر في الاتحاد توجهات دولة طموح للقيادة، أو نظام حكم راغب في ما يستر شيئاً من سوءاته، او رؤوس اموال ترمي الى ما يشبه غسيل الأموال المقنّع… قصد توجيه انشطة الاتحاد – او بعض منها – جهة دعم او تأييد او مساندة هؤلاء أو أولئك، كل ذلك كان سيئُه عند ربك وعند الناس مكروهاً كراهة التحريم والتأبيد! وهو قاصمة الظهر التي نسأل الله تعالى ان يحفظ هذا الكيان الفتيّ منه!   طموحات وآمال   سأكثّف هذه الطموحات والآمال، التي يعقدها قطاع كبير من المسلمين على مثل هذا التجمع المبارك، في نقاط محددة طلباً للاختصار، وتمهيداً لما قد يكون من طلب الاستفصال!   1- ان يكون الاتحاد مظلة جامعة – جمعاً حقيقياً – جهوداً إسلامية كثيرة مبعثرة في أنحاء الأرض يقوم عليها رجال ونساء مخلصون.   2- ان يغدو مجالاً رحباً لممارسة جادة ومسؤولة لما ترتفع به الشعارات كل حين من ان التباينات المذهبية والطائفية لا تعكّر على حقيقة كوننا (او بالأحرى: وجوب كوننا) أمة واحدة (فعلاً، لا قولاً) كما امر الله وأحب.   3- ان يغدو مجالاً رحباً – كذلك – لممارسة حضارية، كما يليق بـ «الأمة الواحدة»، لمفهوم احترام التنوع والتعدد احتراماً حقيقياً نابعاً من يقين بمقولة الإمام الشافعي – رضي الله عنه: «اجتهادنا صواب… يحتمل الخطأ، واجتهاد غيرنا خطأ، يحتمل الصواب»، بدلاً من الاعتقاد الكامن – والظاهر احياناً! لدى كل صاحب مذهب او طائفة من ان اجتهاده هو الحق المطلق، واجتهاد سواه هو الضلال المبين الذي يستلزم الدعاء له بالإقلاع عنه، إن لم يصل الأمر الى طلب استئصاله اصلاً.   4- ان يتبنّى الاتحاد، تبنّياً اساسياً وقوياً وفعّالاً، قضايا الحريات وحقوق الإنسان وما يتصل بها من رفع المعاناة عن المعتقلين ظلماً وعن الشعوب المقهورة غصباً، والعمل الحثيث على رأب الصدع الهائل بين الأنظمة – العربية بخاصة – والشعوب.. رأباً حكيماً صحيحاً (لا تلفيقياً ولا توفيقياً… وبالطبع: لا «ديكورياً»)، وذلك توقياً للأهوال الداخلية والخارجية، وقياماً بواجب دفع المفسدة المتيقّنة. وأحسب ان طبيعة الاتحاد «العلمائية» – بتعبير بشير نافع – التي لا تقصد سوى النصح لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم، والتي ليست بوارد المنافسة في السياسة وطلب السلطة (والتي هي هدف بعض الحركات «الإسلامية» التي لا تزال مذبذبة بين جانبي الدعوة والسياسة). أقول: أحسب ان هذه الطبيعة – الظاهرة والباطنة – مما يسهّل عمل الاتحاد بصفته وسيطاً أميناً وناصحاً للجميع، مما يجعل لكلمته بعض الأثر الذي كان للعلماء الربانيين في تاريخنا الإسلامي عبر العصور.   5- ان يتبنى كذلك، بقوة وبإصرار ووعي، الدعوة الى «النهوض الشامل» الذي ينبغي ان يسعى إليه ابناء «الأمة الواحدة»، كل في وطنه وحدوده، وصولاً بالأمة كلها الى «الشهود الحضاري»، وأداء رسالتها في عمارة الأرض وأداء واجبات الاستخلاف، بحيث يبرُز تديُّنها في الحياة: علماً نافعاً، وعملاً متقناً، وخُلُقاً قويماً، وفكراً رشيداً، وثراء في الإنجاز بوجه عام (على نحو ما تقول المادة 26 من «النظام الأساسي»).   6- ان يكون الاتحاد، بصفته جامعاً نخبة عقول الأمة في المجال الديني، طليعي الفكر (إذا غضضنا النظر قليلاً عن الحمولة «الإيديولوجية» لمصطلح «الفكر الطليعي»!)، بمعنى ان يكون رائداً جسوراً في طرح الأفكار والاجتهادات الموصّلة، حتى وإن خالفت الروح العامة السائدة أو الأعراف الخاطئة المستقرة، وذلك – بالطبع – بمسؤولية الحكيم الحريص على جمهوره، ولكن من غير ان تكون افكار الجمهور وأُفُقُه حاكمين أو معوّقين. فالأصل ان «الجمهور» يتوجه الى اهل العلم بالسؤال وطلب المعرفة، والأصل في العالم ألا يتملق «الجمهور» طلباً لشعبية او حفاظاً عليها (وشعار الاتحاد – من الآية الكريمة – دالّ على هذا اقوى دلالة: «الذين يبلّغون رسالات الله، ويخشونه… ولا يخشون أحداً إلا الله». فهذا «الأحد» ليس الحكّام والسلاطين وحسب، بل يشمل «الجمهور» ايضاً). وأحسب ان روح عصرنا، القائمة على ثقافة الإعلام والتواصل اللامحدود، مما يسهّل هذه المهمة.   7- ومما يتصل بهذا الأمر، ان يهتم الاتحاد اهتماماً خاصاً بمجال الإعلام (مرئياً ومسموعاً ومقروءاً)، وأن يعمل على إنشاء قناة فضائية خاصة – ومستقلة كاستقلاله – تحمل رؤى «الإسلام الوسطي» التي يتمثلها، ويبث افكار النهضة والبعث الحضاري التي يطمح الى نشرها. غير ان من المهم بمكان ان يحذر الاتحاد من ان يقدم على هذه الخطوة الجسورة والخطيرة من دون الاستعداد الكافي لها: حرفياً ومهنياً، لأن زماننا لا مكان فيه للإنصاف! وبالتالي، يمكن البدء بتبني ودعم عدد من البرامج الخاصة باسمه تبث عبر عدد من الفضائيات ذات الصدقية والانتشار، تمهيداً لتلك الفضائية الخاصة التي يجب ان تكون متعددة اللغات… انطلاقاً من «عالمية» الاتحاد وكونية مجال عمله واهتمامه.   8- وكذلك، ان يعمل على تطوير موقعه على الشبكة العالمية للمعلومات، وإمداده بالمقالات والتقارير والأبحاث والفتاوى المحرّرة، وما الى ذلك من مواد بالغة الأهمية في توسيع نطاق المعرفة به وبنشاطاته وجهوده. وأن يعمل على إصدار مجلة دورية (ثقافية عامة، أو بحثية متخصصة، أو الاثنتين!) مطبوعة ومرقونة معاً.   9- ويبقى ان تقرّ هذه الجمعية العامة برنامج عمل محدداً وموزّعاً على لجان الاتحاد المتنوعة، بحيث تقاس مدى فاعلية الاتحاد وتأثيره بحسب ما يُنجز من خطط موضوعة سلفاً.   هذه بعض الأفكار التي أحببتُ ان أتقدم بها بين يدي الجمعية العامة الأولى – بعد التأسيس – للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أرجو ان يكون لها ما بعدها.   (*) كاتب مصري (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)   (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 8 جويلية 2006)


بدء أعمال الجمعية العامة الثانية للاتحاد بإستانبول

 
إستانبول- مسعود صبري وعصام الشعار وعلي الحلواني   بدأت مساء الإثنين 10-7-2006 في مدينة إستانبول بتركيا أعمال الجمعية العامة الثانية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، واعتبر العلامة الشيخ القرضاوي -رئيس الاتحاد- اجتماع إستانبول بمثابة التأسيس الرسمي للاتحاد، مع أن اللقاء الأول عقد في لندن عام 2004، وأرجع القرضاوي هذا إلى انعقاد الاتحاد في المدينة التي كانت عاصمة الخلافة الإسلامية يوما ما. وأكد الشيخ القرضاوي، في الكلمة التي ألقاها في افتتاح الجمعية التي تستمر ليومين 10، 11-7- 2006 وتعقد تحت شعار « قضايا الأمة والعلماء »، أن العلماء هم حراس الدين ووكلاء الله تعالى في الحفاظ على هوية الأمة وحضارتها، والدفاع عنها في الأزمات.   الانتفاع بطاقات الأمة   ورأى القرضاوي أن من أهم أدوار العلماء أن ينهضوا بالأمة إذا تعثرت، وأن يصوبوها إذا أخطأت، وأن يوقظوها إذا نامت، وأن يقووها إذا ضعفت.   ودعا الشيخ القرضاوي العلماء إلى تنبيه المسلمين إلى الانتفاع بطاقات الأمة وقوتها، سواء أكانت قوة عددية، تصل إلى مليار وثلث المليار، أم كانت قوة مادية واقتصادية، أم كانت قوة روحية، معتبرا أن الأمة الإسلامية هي التي تملك الوثيقة الإلهية الصحيحة التي لم تحرف، وتحمل كلمة الله الأخيرة للبشر، مذكرا العلماء أن يقوموا بدورهم في بيان إنسانية الحضارة الإسلامية التي لا تفرق بين المسلمين وغيرهم في إسداء النفع والسعي للإصلاح في العالم كله.   حضور تركي لافت   وحظي حفل الافتتاح بمشاركة رسمية تركية لافتة للنظر، حيث حضر حفل الافتتاح كل من مساعد رئيس الوزراء التركي، ومحافظ إستانبول ورئيس بلدية إستانبول ووزير شئون الديانة، وعدد من الوزراء والنواب. كما تلقى مسئولو الاتحاد برقيات من رئيس الوزراء التركي وعدد من النواب والمحافظين.   واتفقت كلمات ممثلي الحكومة التركية، وكلمة العلماء المشاركين على أهمية دور العلماء في مواجهة مشكلات الأمة، والسعي لإيجاد دور أكثر فاعلية لعلماء الأمة في مواجهات التحديات. ويشارك في أعمال الاجتماع 270 من أعضاء الاتحاد المسجلين والذين يبلغ عددهم 572 عضوا.   تفعيل دور علماء الأمة   واعتبر الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن على العلماء أن يهيئوا الأمة للنهوض وتوحيد الكلمة على الدين، وأن يقوموا بتبصير الأمة بطريق الفرص التي تتيح لها الخروج من الأزمة، وأن يحيوا فيها روح الأمل.   فيما نبه الدكتور علي محيي الدين القره داغي عضو مجلس أمناء اتحاد المسلمين إلى دور العلماء في الإصلاح السياسي، مشيرا إلى أن التاريخ يذكر أن نهوض الأمة من غفوتها كان بتعاون العلماء المخلصين مع الحكام، حيث تحول الاجتهاد إلى جهاد، وأن دورا كبيرا من الإصلاح يقع على العلماء أمام الله، ثم أمام الناس.   الدعوة للتوحد ووقف الاقتتال   آية الله الشيخ محمد علي التسخيري نائب رئيس الاتحاد العالمي رأى أن دور العلماء الحقيقي هو في مواجهة العولمة المجنونة، ومجابهة التمزق والتخلف بكل أشكاله، مناشدا العلماء ألا يتحول الاختلاف المذهبي إلى طائفية عمياء. ودعا التسخيري الاتحاد العالمي إلى أن يجمع علماء السنة والشيعة بالعراق لعمل ميثاق شرف لوقف الاقتتال الداخلي وإحلال المحبة بين أبناء العراق جميعا.   وتعليقا على اقتراح التسخيري، دعا الشيخ القرضاوي علماء المسلمين بالعراق إلى التوحد سنة وشيعة، محذرا من تصويب الرصاص بين المسلمين بالعراق، لكن القرضاوي أخذ على علماء الشيعة التقصير الأكبر من علماء السنة في التقريب، لما للشيعة من النصيب الأكبر في الحكم.   ونوه التسخيري إلى دور العلماء في تعبئة الأمة خلف المجاهدين في فلسطين، والتي وصف ما يجري فيها بأنه محرقة يومية من العدوان الصهيوني في صمت من العالم. كما دعا العلماء لمساندة للحركة الإسلامية بالصومال، حتى يستعيد الشعب الصومالي وحدته، خشية أن يعود للاحتلال مرة أخرى.   تطوير الخطاب والحوار مع الآخر   وكان الدكتور محمد علي شاهين مساعد رئيس الوزراء ووزير الدولة التركي قد دعا، في الكلمة التي ألقاها في افتتاح الجمعية، العلماء إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، والتي تكون محط شبهات عند الآخرين، مشددا على ضرورة « أن نوجد حلولا لمشكلاتنا على ضوء الإسلام، وأن نحقق قيمنا حتى نستطيع أن نؤثر في الآخرين »، كما حذر شاهين من أن يحمل العلماء علوما ظاهرة، دون أن يكونوا قدوة في التطبيق.   من جانبه، أكد وزير شئون الديانة التركي الدكتور علي بردقولي حاجة العلماء إلى الحوار والاستماع للآخر، من أجل تطوير مبادئ الفكر الإسلامي، وأن نتناول هذا الفكر من منطلق جديد لا يقف عند الشكل، حتى نستشف كثيرا من الحقائق التي نواجهها من خلال العلم والعلماء.   أجندة المؤتمر   وفي حديث خاص لـ »موقع الاتحاد »، صرح د.علي محي الدين القره داغي، عضو مجلس أمانة الاتحاد ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بأن « يوم 11 يوليو سيشهد العديد من الفعاليات، حيث سيتم عرض تقرير الأمانة العامة حول أعمال الاتحاد خلال العامين الماضيين وكذلك تقارير اللجان المنبثقة عن مجلس الأمناء.   وأوضح القره داغي أنه سيتم تخصيص 3 ساعات لرؤساء الوفود كي يتحدثوا عن قضايا الأمة؛ فاجتماع المجلس الحالي عنوانه « قضايا الأمة والعلماء ». ثم بعد ذلك يتم انتخاب مجلس الأمناء الجديد من بين 60 مرشحا.   وتأسس اتحاد علماء المسلمين قبل عامين في مؤتمر حاشد في لندن، والهدف الرئيسي من تأسيس الاتحاد أن يصبح إطارا واسعا للعلماء، الذين لم تعد هناك من وسيلة للقائهم واجتماعهم وإعرابهم عن موقف جماعي من قضايا المسلمين والعالم. ويضم الاتحاد علماء سنة وشيعة اثنا عشرية وزيديه وإباضيين، وهي المجموعات التي تشكل الأغلبية الساحقة من المسلمين، ما يمثل عملا غير مسبوق في التاريخ الإسلامي.   ونشط الاتحاد خلال العامين الماضيين في تقصي حقائق الوضع السوداني وفي متابعة الشأن الفلسطيني وفي ملاحظة التطورات على صعيد العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب. وقد أعرب الاتحاد عن مواقفه تجاه الأحداث والتطورات المختلفة في تقارير وبيانات وفتاوى.   ويرأس الاتحاد الشيخ يوسف القرضاوي، وله 3 نواب، عن الجانب السني يمثله الدكتور عبد الله بن بيه وزير العدل الموريتاني الأسبق، وعن الجانب الشيعي آية الله التسخيري، وعن الجانب الإباضي الشيخ أحمد الخليلي مفتي سلطنة عمان، وأما أمينه العام فهو الدكتور محمد سليم العوا، ويضم الاتحاد في عضويته مئات من علماء المسلمين من جميع الدول.   والمقر الرئيسي للاتحاد في أيرلندا، فيما توجد أمانة الاتحاد بالقاهرة، وللاتحاد فرع في بيروت يرأسه المستشار فيصل مولوي.   (المصدر: موقع الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتاريخ 11 جويلية 2006) عنوان الموقع: http://www.iumsonline.net/


ينعقد برئاسة القرضاوي ومشاركة 300 شخصية اسلامية … اسطنبول: «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» يضع ميثاق «حد أدنى» وينتخب مجلس أمناء

 
اسطنبول – محمد المكي أحمد       بدأت أمس في اسطنبول اعمال «الجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، وهو الاجتماع الثاني بعد مؤتمر تأسيسي شهدته لندن العام 2004. ويضم المؤتمر المنعقد برئاسة رئيس الاتحاد الداعية الاسلامي الشيخ يوسف القرضاوي أكثر من 300 شخصية اسلامية من ستين دولة بينها دول مجلس التعاون الخليجي الست، إضافة الى مشاركين من دول «منظمة المؤتمر الاسلامي» كافة.   وكشف القرضاوي لـ «الحياة» ان أهم المواضيع التي سيتدارسها المؤتمرون تتمثل في «إقرار الميثاق الاسلامي للاتحاد» الذي يمثل هيئة مستقلة. وأوضح ان «الميثاق سيتضمن الأصول الاساسية في العقيدة والشريعة والاخلاق والثقافة والحضارة، وسيبين المواقف الاسلامية من قضايا عصرنا، وهي قضايا ثقافية وفكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية»، ولفت الى ان «من يدخل الاتحاد سينضم اليه على اساس هذا الميثاق، اي انه حد أدنى يتفق عليه علماء المسلمين».   وأضاف القرضاوي ان اجتماع تركيا سيقر موازنة الاتحاد والتقرير المالي وسيتم اختيار مجلس أمناء جديد، مشيراً الى ان المجلس الأول جاء اختياره سريعاً حيث عرضناه على العلماء لمدة عامين، لكن المجلس الجديد سيكون اختياره حقيقياً ومنتخباً ويتشكل من 30 شخصية من بين نحو 50 مرشحاً.   واعتبر القرضاوي ان لاستضافة تركيا المؤتمر الثاني لعلماء المسلمين «دلالة مهمة»، وقال: «عقدنا اجتماعنا الأول في لندن العام 2004 لأننا لم نجد بلداً اسلامياً قريباً في منطقتنا يرحب بنا، إذ كان الناس يتخوفون من قيام الاتحاد، فاضطررنا الى عقده في لندن للاعلان عن نشأته وكنا نود عقده في بلد اسلامي». وقال: «الحمد لله وجدنا غايتنا في هذا البلد العريق الذي يجمع بين الجلال والجمال والتاريخ العريق والحاضر الأنيق وسمة الخلافة الاسلامية وعاصمة العالم في وقت من الأوقات»، واضاف «عرضنا عقد الاجتماع على الأتراك فرحبوا بنا».   ونوه بنوعية المشاركين في المؤتمر، وقال ان «الاجتماع في اسطنبول أشمل بالمقارنة مع اجتماع لندن، حيث يشارك علماء من الجمهوريات الاسلامية التي استقلت حديثاً والصين ومن كل القارات، وهناك مشاركة من شخصيات من السعودية وقطر والكويت وسلطنة عمان والامارات والبحرين». ولوحظ ان المرأة تشارك في المؤتمر من خلال عدد من الوجوه.   وتحول بهو الفندق حيث يعقد المؤتمر الى ساحة نقاش حر مفتوح بين علماء مسلمين، حيث طرحت مواضيع مثل «الائمة والدعاة، هل هم اصحاب رسالة أم موظفون لدى الحكومات؟». ولم يخل النقاش من نقد لبعض الأئمة والدعاة الذين يميليون الى الجانب «الوظيفي»، وايضاً الى حكومات في العالم الاسلامي «تبتز الدعاة والأئمة عبر الراتب والوظيفة». كما طغت هموم وأوجاع الفلسطينيين والعراقيين على المناقشات، وبدا واضحاً ان العلماء المشاركين يسعون الى صيغة أو آلية تؤكد دورهم في التعامل مع القضايا الكبرى في العالم الاسلامي.   وقال القرضاوي لـ «الحياة» ان المؤتمر سيعقد اليوم جلسة مفتوحة للحديث عن قضايا الأمة في فلسطين والعراق وافغانستان وغيرها، وأفاد ان البيان الختامي سيتضمن رؤية الاتحاد تجاه هذه القضايا، مشيراً الى انه كان أصدر بيانات عدة في أوقات سابقة تناولت الاوضاع في فلسطين والعراق وقضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة الى الاسلام.   (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 11 جويلية 2006)


مؤتمر «علماء المسلمين»: مطالبة نسائية بحق الترشيح … وجدل ساخن بين الضاري والتسخيري

 
اسطنبول – محمد المكي أحمد       شهد مؤتمر «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي تحتضنه تركيا حالياً ويرأسه المفكر الاسلامي الشيخ يوسف القرضاوي، جدلاً ونقاشاً عراقياً – ايرانياً حاداً بشأن «قضية التدخل الإيراني في الشؤون العراقية»، وطغت هموم الفلسطينيين على المناقشات في جلسات مفتوحة حضرتها «الحياة»، لكن القضية المثيرة أمس تمثلت في اثارة ثلاثة وجوه نسائية مشاركة في المؤتمر لمشاركة المرأة وحقها في الترشح لمجلس أمناء الاتحاد الذي يضم كوكبة من العلماء من دول عدة.    عميدة كلية الدراسات الاسلامية والعربية للبنات في جامعة الأزهر الدكتورة سعاد ابراهيم صالح احتجت على العلماء بسبب «حرمان المرأة من الترشيح لانتخابات مجلس الأمناء وتساءلت: هل ما زلنا ناقصات عقل ودين؟». ثم تحدثت عضو المجلس التنفيذي ولجنة الدراسات والاستشارات في الجمعية الوطنية لحقوق الانسان في السعودية سهيلة زين العابدين حماد واعتبرت أن من أهم اسباب ضعف الأمة حرمان المرأة المسلمة من حقوقها، مشيرة الى نساء في مجتمعات اسلامية يعانين من الظلم والقهر وسلب الحقوق، وطالبت العلماء بإقرار حقوق المرأة السياسية كاملة. وتساءلت: «لماذا نحرم من الترشيح ولماذا لا ولاية للمرأة».   والرأي الثالث في هذا الاطار طرحته اسماء بنت قادة وهي زوجة الشيخ القرضاوي، فدعت لتغيير «الخطاب الاسلامي تجاه المرأة» ووصفته بأنه «خطاب مرتبك ومتشنج» وحضت على «كسر الوصاية والتهميش وسياسة الصفوف الاخيرة التي ترمى فيها المرأة». هذه القضية أضفت نقاشاً ساخناً على هامش الاجتماعات وفي جلسات غير رسمية.   أما بشأن العراق فتبلورت رؤية تتمثل في خطة لاتحاد علماء المسلمين لدعوة علماء السنّة والشيعة «لعقد اجتماع بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي على وضع ميثاق شرف لتحقيق الوئام بين العراقيين» وفقاً لاقتراح طرحه الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب آية الله محمد علي تسخيري (إيران) الذي رد على اتهامات شخصيات عراقية بينها حارث الضاري رئيس «هيئة علماء المسلمين» بشأن استهداف السنّة، ووصف تسخيري الاتهامات بأنها «ظلم فادح».   الجدل العراقي – الإيراني كان ساخناً، حيث اتهمت شخصيات عراقية إيران بالتدخل في شؤون العراق، وقال الشيخ حارث الضاري إن كثيراً من الممارسات تقوم بها مخابرات دول، لافتاً الى الموساد والمخابرات الإيرانية والأميركية، إضافة الى ما تقوم به «جهات سياسية ومرجعية».   ورد الشيخ تسخيري بقوله إن «إيران لا تحمل إلا حباً خالصاً للعراقيين»، ونفى أن تكون طهران تدير العراق بأصبعها، ودافع عن الجعفري ووصف «جيش المهدي» بأنه «مجموعة من الغوغاء لا تنضبط بأمر إيران أو غيرها». لكن الضاري عقب مرة أخرى رداً على دعوة تسخيري له لزيارة إيران، وقال: «في عهد الجعفري قتل 100 ألف عراقي من السنّة، ونريد منكم أن تقولوا للحكيم اترك موضوع الفيدرالية وأنك جزء من العراق». أما عن الدعوة لزيارة طهران لمناقشة قضايا العراق، فقال: «نريد حسن عمل يضبط حسن النية وبعد ذلك نزور».   (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 12 جويلية 2006)

 


Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.