الأربعاء، 11 يناير 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2060 du 11.01.2006

 archives : www.tunisnews.net


هيئة التحرير .. ووزير الشؤون الدينية .. والدكتورة السوايحي .. والجدل حول الحجاب .. مرسل الكسيبي: بيان ونداء فيما يخص الجدل الدائر حول قضية الحجاب الطاهر بن حسين. لقد حان الوقت لكي يتقاعد « الرفيق » حرمل آمال الرباعي : من يعيد البنت للأوطان ؟ من؟؟؟؟ د. خالد الطراولي: رسالة اللقـــاء رقم (1): السياسة أخلاق أو لا تكون زهير الشرفي: الخمار بين الإستعمال الأصولي والمعاني الأصلية. الهادي بريك:  إذا كنت لا محالة ظالما فأجتنب مرتعين  وقع في الثالث الصباح: مؤشر «التحرر الاقتصادي» حسب الأمريكية «هاريتاج فاوندايشن»:تونس في المرتبة 99 من ضمن 157 دولة الصباح: 77،0% حصة تونس من إجمالي الاستثمــارات العربية المحدثة في المنطقة الصباح: «ضرورة أقلمة الاستثمارات العربية مع حاجيات الاقتصـاد التونســي» الحياة: 1.3 بليون دولار كلفة مصفاة النفط التونسية الثانية د. أحمد القديدي : 2006 العربي جمال العرفاوي: نائب الرئيس السوري يفجر قنبلة عبر قناة العربية
خميس قشة : سياسة الكيل بمكيالين والمغالطة الإعلامية هي التي تصنع الإرهاب وتسوق للكراهية والعنصرية. فاضل الربيعي: حسين كامل السوري!!   محمد صادق الحسيني: «مثلث الماس» الإيراني وسر السيناريو الرقم 2  


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

هيئة التحرير .. ووزير الشؤون الدينية .. والدكتورة السوايحي .. والجدل حول الحجاب ..

وأشياء أخرى في البال!

 

من حين لآخر، يلوم علينا بعض الأصدقاء والقراء على قلة المقالات والتعليقات التي تصدر موقعة باسم هيئة تحرير أو فريق تونس نيوز ويطالب البعض منهم بالمزيد منها. ومع تقديرنا وشكرنا لهذه المطالب الصادقة إلا أن جوابنا كان يؤكد على قلة الوقت المتاح وصغر حجم الفريق المنكب يوميا على إنجاز الأولويات المتمثلة في تجميع المادة وترتيبها وتصحيحها وإعدادها للتوزيع في موفى كل يوم. لكننا رأينا هذه المرة أن لا نفوت الفرصة الثمينة التي أتاحتها لنا سجالات الأسابيع الأخيرة (ومعظمها كان افتراضيا اقتصر على شبكة الإنترنت) لندلي بدلونا في الموضوع ونقول: 1-  تابعنا بانتباه شديد ما دار في برنامج « البعد الآخر » الذي بثته قناة ANB مساء 10 جانفي 2006 على الساعة العاشرة ليلا بتوقيت تونس بين السيد برهان بسيس والدكتورة منجية السوايحي ونحن (مع أننا لم نشاهد حلقة يوم 27 ديسمبر 2005 التي أثارت الزوبعة) نعتبر أن ما حدث فيها مهم واستثنائي بكل المقاييس.

2-  أولا، إن اضطرار الدكتورة السوايحي للعودة إلى مخاطبة الرأي العام (العربي أساسا) من خلال قناة فضائية عربية يعني أن ردود الفعل الغاضبة التي أثارتها التصريحات المنقولة عنها من طرف وكالة قدس برس إنترناشيونال في برقية لها من العاصمة الفرنسية قد أحدثت « زوبعة ما في مكان ما » من دائرة أصحاب القرار الحقيقيين في تونس.
3-  ثانيا، إن تنظيم حوار طويل ومفصل استعاد فيه السيد برهان بسيس معظم الإتهامات الموجهة للدكتورة السوايحي وللسلطات التونسية بخصوص الحجاب وتجفيف المنابع والشأن الديني عموما بناء على ما ورد في برقيات إخبارية وردود أفعال ومقالات نشرت في مواقع محظورة داخل تونس (مثل العربية.نت وحوار.نت ونهضة.نت ونواة وغيرها) ثم وزعت عبر البريد الألكتروني من طرف تونس نيوز وقائمة 18 أكتوبر مواقع أخرى تهتم بالشأن التونسي يعني أن الإعلام الإفتراضي المستقل والمعارض (الذي يحاصر بشتى الأشكال لمنعه من الوصول إلى المواطن العادي) قد بدأ يؤثر في كيفية تفاعل وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية مع الأحداث. وهذا شيء إيجابي رغم كل شيء.
4-  ثالثا، جاءت أسئلة برهان بسيس « حرفية » أي أنه تقمص دور « محامي الشيطان » ونقل العديد من مآخذ « هم »  و أسئلة « هم » وشتائم « هم » وهجومات « هم » بدقة الشخص الذي قرأ كل ما نشر حول الموضوع كما حرص على الحصول من أجوبة محددة على أسئلته من فم الدكتورة التي حشرها في أكثر من موقع. والنتيجة أن استمعنا (مشدوهين والحق يقال) على لسان عضوة في مجلس المستشارين (أي نائبة عن الأمة جمعاء) أن المنشور 108 « قد تجاوزه الزمن » (مثلما قال ياسر عرفات رحمه الله عن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية أنه أصبح.. Caduc) وأن الرئيس بن علي قد حسم الموقف في خطاب 25 جويلية 2005 بل أفاضت في شرح  تفاصيل المعاني التي خفيت عن الجمهور والمتابعين من الفقرة المتعلقة باللباس في ذلك الخطاب مؤكدة على الستر والحشمة ورفضها لإرغام الناس على ارتداء لباس معين أو نزع صنف محدد من الملابس. والملفت هنا أن تفسيرات الدكتورة جاءت هذه المرة على عكس ما ذهبت إليه معظم تعليقات الإسلاميين التونسيين تماما.  
5-  رابعا، كشف الحوار عن هول وفداحة المصيبة التونسية نتيجة غياب الحوار الهادئ والعقلاني والعلمي بين جميع الأطراف منذ 15 عاما ونيف. فقد اختلط الأمر إلى درجة أن البرنامج تحول إلى تعداد للبديهيات بل للمعلوم من الدين والفقه وأبجديات التشريع الإسلامي بالضرورة. لذلك نطرح السؤال الخطير التالي – وهو مطروح وبحدة أكبر في عصر الفضائيات والإنترنت ومجتمع المعلومات (طيب الذكر) – : ما الذي تخسره السلطات التونسية لو دار نفس الحوار على قناة تونس 7؟ ما الذي ستفقده الدولة التونسية لو شارك في نفس الحوار الشيخ محمد المختار السلامي أو الشيخ عبد الرحمان خليف أو الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة وغيرهم من علماء البلاد وفقهائها المقيمين في الداخل أو العاملين بكفاءة واقتدار في الخارج وهم كثر ولله المنة والفضل؟
6-  بل نذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. ما هو الضرر (السياسي أو المادي أو المعنوي أو الأدبي أو الأخلاقي) الذي سيلحق بصورة البلاد وبـ « هيبة الدولة » وبـ « ناموسها » لو تحول السجال الفكري والعلمي والديني المفتوح والمتبصر والشامل مع الذين يحملون تصورات أخرى أو توجهات غير معتادة (أو حتى غير مرغوب فيها من طرف البعض) إلى علامة تتميز بها وسائل الإعلام الرسمية التونسية والفضائية منها بوجه خاص في ظل عبثية الرقابة والتضييق والحجب والمنع في عصرنا الحاضر.
7-  وقبل الختام لا بد من إدراج الملاحظات التالية: لقد بدأ التلفزيون التونسي منذ أسابيع قليلة في إدخال بعض التحويرات « الملفتة » على أسلوبه الخشبي مثلما حدث في الملف المخصص لانتخابات الهيئة الجديدة لاتحاد الكتاب التونسيين ومثلما شاهدناه في الحلقات الأخيرة من برنامج « صوت وصورة » للزميل خميس الخياطي وفي حلقات برنامج « المنظار » الأسبوعي الملفتة ومثلما برز في الريبورتاج الطريف (وغير المسبوق على حد علمنا) الذي بثه شريط الأنباء مساء 10 جانفي عن احتفال عائلة تونسية « محافظة » بعيد الأضحى الذي ظهرت فيه ربة البيت وبنتها « مستورتين » أي متحجبتين بالمفهوم الشرعي والإسلامي للكلمة. وهي من المرات النادرة (إن لم تكن الأولى منذ سنوات طويلة) التي يتعامل فيها شريط الأنباء بشكل عادي جدا مع مواطنات تونسيات محجبات.  فهل يعني ذلك أن هناك جديدا ما في الأفق أم أنها مجرد أضغاث أحلام؟
8-  ملاحظة أخيرة: بعد أن ألمح السيد برهان بسيس إلى الهجاء الذي قيل في السيد أبو بكر الأخزوري دافعت السيدة السوايحي بتأثر واضح عن زميلها السابق في الجامعة الزيتونية واعتبرته « افضل شخص يمكن أن يتقلد وزارة الشؤون الدينية ». وبغض النظر عن رأيها، لا بد من الإشارة إلى أن هيئة تحرير تونس نيوز قد أخطأت بنشرها للقصيدة نظرا لما تضمنته من شتيمة غير مقبولة وقد أزالتها  في نفس اليوم من تاريخ نشرها من موقعها. لذا وجب التصحيح والإعتذار.  إننا نأمل صادقين ومخلصين – رغم كل ما نعرفه ورغم كل ما عايشناه ولا زلنا وشهدناه على مدى 18 عاما من ممارسات وأساليب – أن لا نكون من الحالمين المغفلين .. رغم التشاؤم الشديد للكثير من الصادقين والمخلصين المحيطين بنا. إننا نعتقد جازمين أن تونس تتسع لكل أبنائها وبناتها وأنه قد حان الأوان لأن يتعامل الحاكمون في تونس مع الشعب التونسي الراشد والواعي بأساليب راقية ومحترمة تحفظ كرامته وتتساوق مع العصر وتحدياته وضروراته وتتلاءم مع المستوى المرموق الذي بلغه بكل فئاته وأجياله ومناطقه حفاظا على مكتسبات نصف قرن من الإستقلال وعلى تضحيات الأجيال التي حررت البلاد وبنت الدولة الحديثة التي راهنت على الإنسان التونسي وعلى تكوينه وتثقيفه وتأهيله. هيئة تحرير تونس نيوز 11 جانفي 2006

 

بسم الله الرحمن الرحيم  

بيان ونداء فيما يخص الجدل الدائر حول قضية الحجاب

مرسل الكسيبي reporteur2005@yahoo.de 10-01-2006 العاشر من ذي الحجة 1426 ه   تابعت اليوم الثلاثاء العاشر من شهر ذي الحجة1426 هجري الموافق للعاشر من ديسمبر الحوار الجديد الذي قدمه الأستاذ برهان بسيس على قناة الأ ان بي مع السيدة منجية السواحلي أستاذة تفسير القران بالكلية الزيتونية فيما يخص تصريحاتها الأخيرة حول موضوع الحجاب وشخص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وانني بهذا الصدد أسجل مايلي
أولا :ارتياحي بشكل عام للنهج التوضيحي الجديد الذي توخته الأستاذة السواحلي فيما يخص موقفها المصرح به سابقا في موضوع زي المرأة المسلمة ,وانني بهذه المناسبة أحيي فيها موقفها الشجاع من المنشور 108 حيث أعلنت بشكل صريح بأنه قد ولى الى غير رجعة وأنه يعود في تقديرها الى حقبة سابقة تعود الى زمن الشرفي والصياح واخرين
ثانيا :أشكر للأستاذة السواحلي موقفها المحترم والمدين للخلاعة المبتذلة التي تتاجر بجسم المرأة وأحيي موقفها الشجاع الذي أعلنته بهذا الصدد داخل مجلس المستشارين في بحر الأسبوع الماضي
ثالثا :أدعو الأستاذة السواحلي عضوة مجلس المستشارين وأستاذ تفسير القران والأستاذ برهان بسيس الصحفي والاعلامي المعروف الى النأي بنفسيهما عن الخطاب الاستفزازي والتحريضي الذي لامسته في حق خصومهما السياسيين من أنصار المشروع الاسلامي ,وأذكر بأن ماورد في حوارهما من قضايا تجانب الصواب وتبتعد عنه في رؤية الاسلاميين الوسطيين والمعتدلين للاخر وأقصد بذلك الغرب أو المخالفين في الرأي كان من باب التجني على الحقائق ولي عنقها,اذ أنه كما هو عين الحقيقة والانصاف,فان قلوب المسلمين الوطنيين الغيورة على المكاسب الانسانية تثمن كل ظاهرة بشرية نمائية وتقدمية ترتقي بالواقع العلمي والتقني والسياسي والمادي لكل أبناء هذه المعمورة ,وهو مايقر به المسلمون المتنورون والمعاصرون على أغلب شرائحهم في تقييمهم لمنجزات هذا الغرب المتقدم علما وصناعة وادارة وسياسة ,ولاشك أننا في تونس اليوم في حاجة ماسة وملحة الى الايمان العميق بسر تفوق هذه الشعوب الغربية من أجل احداث نقلة نوعية في حياتنا العامة وعلى رأس ذلك احداث حالة من الاصلاح السياسي الشامل التي تطلق الباب واسعا أمام العقول المبدعة والأدمغة المتفوقة من أجل احداث حالة نهوض شامل في أرجاء وطننا العزيز
رابعا :أدعو النخب التونسية ومثقفيها الى طي ملف النقاشات الحاصلة في الفترة الأخيرة حول مسألة زي المرأة وترك الأمر الى الاختيار الحر والارادي لهذا الكيان البشري العاقل الذي كرمه الله من فوق سبع سماوات ,وأتوجه بالنداء الى السلطة للكف عن سياسة مضايقة المحجبات وملاحقتهن بالطرق الأمنية المنبوذة ,وأدعوها الى الاعلان بشكل رسمي عن وفاة المنشور 108 على اعتباره أحد موروثات حقبة التخلف السياسي  أثناء هرم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة

وانني أدعو الجميع في السلطة والمعارضة من أجل تكاتف الجهود قصد معالجة المطالب الملحة لأبناء شعبنا وعلى رأسها قضايا الحريات الخاصة والعامة وملف المساجين السياسيين وقضايا التنمية والشباب والوضع المعيشي للمواطن وقضايا النهوض العلمي والتقني في زمن العولمة التي لاترحم الضعفاء والمتخلفين

خامسا وأخيرا :أدعو الأستاذ أبو بكر الأخزوري وزير الأوقاف والشؤون الدينية الى وضع حد للجدل الدائر حول تصريحاته لجريدة الصباح وذلك بايضاح ماغبش منها والتراجع عما اعتل فيها من أقوال وذلك على ضوء ماأدلى به عالمي تونس الجليلين الشيخ عبد الرحمن خليف والشيخ محمد مختار السلامي وهما من باب التذكير فقط عضوا المجلس الاسلامي الأعلى بتونس

وفي هذا السياق أدعو الأستاذ برهان بسيس الى اتاحة فرصة كريمة على قناة الأ ان بي من أجل تصحيح مافسد من مناخات سياسية وفكرية نتيجة هذه التصريحات المدلى بها الى جريدة الصباح ,وألح في هذا الاطار على ضرورة تجنب المنطق الاستفزازي والتحريضي على الاخر المغاير سياسيا عند ادارة أي حوار مستقبلي حول هذا الموضوع أو غيره من الموضوعات   مرسل الكسيبي reporteur2005@yahoo.de العاشر من ذي الحجة 1426 هجري الموافق ل10-01-2006


تسرب خطأ بمقال – عندما يفلت رأس المال من عقال القانون ، الوارد منذ يومين ب Tunis –news

 

حيث ورد ان العمال يشتغلون  بما يعادل 206 ساعة زائدة  أسبوعيا  والصحيح انه 206 ساعة شهريا. لذا اعتذر وأصحح.

مسعود الرمضاني


تعيين تقرر في وزارة التعليم العالي تعيين السيد داود صالح، مديرا للمعهد العالي للدراسات التكنولوجية بتوزر. غلق وكالتي اسفار جاء في بلاغ صادر عن وزارة السياحة انه تم غلق وكالتين للاسفار منتصبتين بكل من سوسة وتونس على اثر تسجيل عديد الاخلالات من بينها عدم تعهدهما بالتزامات ازاء الحرفاء. وبذلك يرفع الى اربعة عدد الوكالات التي تم غلقها لنفس الاسباب. السياحة البحرية الترفيهية لاعطاء دفع جديد لنشاط السياحة البحرية الترفيهية حتى يكون رافدا معززا لبقية اشكال المنتوجات الترويجية السياحية ينتظر ان تشهد هذه السنة اصدار مجلة السياحة البحرية الترفيهية. حول الرقابة الادارية والمالية في سياق بحثها عن صيغ لتفعيل العمل الرقابي، انتهت الهيئة العليا للرقابة الادارية والمالية من وضع منظومة لاعداد تقارير الرقابة ومتابعتها. ومن المتوقع الشروع في استغلال هذه المنظومة خلال الفترة القادمة.. مراجعة تعكف وزارة العدل وحقوق الانسان بالتعاون مع البنك المركزي ووزارة المالية منذ فترة غير بعيدة على اعداد مشروع قانون جديد يتضمن مراجعة لقانون الشيك بدون رصيد. ومن المتوقع ان تتضمن المراجعة مسألة الابقاء على المسؤولية الجزائية للساحب وتفعيل دور البنوك وتيسير اجراءات التسوية وفتح مجال تطبيق ظروف التخفيف على بعض الجرائم المتصلة بالشيك.. دراسات استراتيجية سينكب معهد الدراسات الاستراتيجية خلال الفترة المقبلة على تعميق الدراسة الاستشرافية «تونس 2030: سيناريوهات التلاقي».  وعلمت «الصباح» من جهة اخرى ان المعهد سيتولى القيام بجملة من الدراسات الاستراتيجية الجديدة من بينها دراسة تخص مستقبل اخر للصحراء، شراكة اكبر مع افريقيا وفرص جديدة في البحر.. هيئة ادارية ينتظر ان يعقد الاتحاد العام لطلبة تونس هيأته الادارية قبل نهاية شهر جانفي الجاري ومن المقرر ان يتم خلالها النظر في مسائل ذات علاقة بالاعداد للمؤتمر القادم للاتحاد الذي سينتظم قبل نهاية السنة الجامعية الجارية.

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11 جانفي 2006)

 

لقد حان الوقت لكي يتقاعد « الرفيق » حرمل

 
الطاهر بن حسين
أصدرت جريدة الصباح الغراء حديثا صحفيا « للرفيق » محمد حرمل يعتبر بلا شك من أهم ما صدر في تونس منذ بيان 7 نوفمبر المبارك. فأول ما يشرح الصدور ويثلجها ما علمناه من هذا الحديث بشأن « تشكيل تحالف سياسي من تيارات يسارية مختلفة » بتسمية « المبادرة ـ الائتلاف الديمقراطي التقدمي » . ولا أحد يشك في أن هذا الحدث هو ما كانت تنتظره البلاد والعباد منذ عهد الأمان. فالعيب الوحيد في هذا الحدث العظيم، ان كان هناك عيب، هو قصر تسميته. ولكنه نقص يمكن تداركه بمناسبة الحديث الصحفي المقبل للرفيق محمد حرمل، أي قبل سنة 2009 . وأقترح لذلك تسميته « المبادرة ـ الائتلاف الديمقراطي التقدمي ـ جمهورية الغد ». وبذلك يكون الرفيق حرمل قد غطى كامل طيف طموحات وتطلعات المواطن التونسي، سواء منها الحالية او المستقبلية. هذا من ناحية الشكل. أما من ناحية الاصل فان الامور قد تكون مختلفة قليلا عما بشرنا به الرفيق حرمل. وعلى ذكر عبارة رفيق أود قبل كل شيئ أن أذكر محمد حرمل بمقولة رفيقنا لينين رحمه الله : « اذا مدحني خصمي فتلك الدلالة على أني على خطأ ». ولا اعتقد باني أبالغ اذا قلت بان من يحرك جريدة الصباح هو خصمنا المشترك، اي الحكومة بكامل هرمها. ولكن الرفيق حرمل لم يتساءل على ما يبدو، أو أنه بالاحرى غض النظر، عن مغزى الترحيب الذي يلاقيه اليوم على صفحات جريدة الصباح، في حين انها غلقتها باحكام أمام كل المعارضة خلال كامل الفترة الانتخابية الأخيرة. فهل ان الاعلان عن التحالف السياسي الاخير أهم من أي حملة انتخابية مضت؟ وهل ان هذا التحالف السياسي فعلا جديد؟
فهل يكفي ان يلتحق الاستاذ محمد جمور بمحمد الكيلاني لكي يتحدث الرفيق حرمل عن « توحيد الحركة الديمقراطية التقدمية »، في حين أن مئات المناضلين  ومن بينهم رمز المبادرة وأصدق أنصارها ـ الاستاذ عياشي الهمامي ـ  تخلوا عنها  لانسداد أفق تطويرها والتحقوا بتجمعات 18 أكتوبر؟
لا طبعا. والرفيق حرمل يعلم ذلك حق اليقين.
 كما أنه يعلم بان تصريحاته تخدم الهدف الوحيد الذي تسعى لتحقيقه السلطة اليوم : تبرير مصادرة حقوقنا المدنية بادعاء عمالة المعارضة للخارج أمام الرأي العام الوطني وادعاء مقاومة الارهاب أمام الرأي العام الخارجي. ولقد وفق الله الرفيق حرمل في تبرير هاتين التعلتين في حديث صحفي واحد.
فلنتصور لحظة واحدة ما يمكن ان ترد به السلطة اذا وقفت جميع مكونات المعارضة التونسية صفا واحدا لتطالب بالحقوق المدنية المشروعة، أي حرية التعبير وحرية التنظم واخلاء السجون من المعتقلين السياسين!
 فهل يمكنها أمام ذلك أن تتحج بشيء اخر للاستمرار في مصادرة هذه الحقوق، خاصة وأن كل أنظار العالم مسلطة عليها وتندد بهذه المصادرة في كل المناسبات؟
ويحق للرفيق حرمل طبعا أن يعتبر هذه الحقوق من تحصيل الحاصل بالنسبة لحركة التجديد وان الاخرين لا يستحقوها. ولو قالها بهذا المعنى لاحترمنا رأيه مثلما ما نحترم سائر الاراء  مع احتفاظنا بحق التنديد به.
ولكن الرفيق حرمل أراد أن يتكرم علينا في نفس المناسبة بدرس في الوطنية والديمقراطية، وهو على ذلك مشكور.
فكانت له بذلك فرصة لفتح عيوننا عن خفايا الائتلاف الذي يدعو له أحمد نجيب الشابي، اذ علمنا بهذه المناسبة بان هذا الائتلاف « مستعد لرهن مستقبل بلادنا بارادات أجنبية »، حتى وان نسي مؤقتا ان يعلمنا بما تريد هذه القوى الاجنبية الطاغية، على الاقل بالنسبة لتونس.
 و قد يتساءل سائل كيف اكتشف الرفيق حرمل محاولة الارتهان هذه؟
 فكان رد الرفيق غير قابل لاي تشكيك : من خلال الاتصالات بين التنظيمات التي يعمل فيها الشابي وحلفاؤه وبعض « السفارات الاجنبية وخاصة منها الولايات المتحدة وفرنسا والهيئة الدبلوماسية للاتحاد الاوروبي ».
« هربنا من القطرة جئنا تحت الميزاب ». هربنا من التكفيرجئنا الى التخوين بفضل جهود الرفيق حرمل.
 ولكن هل يعتقد الرفيق حرمل أن هذه الورقة قادرة على الأكل أو الشرب؟. ألا يعلم ان كل ما يجري اليوم على سطح المعمورة أصبح مكشوفا الى درجة ان أي فلاح في المكناسي قادر على أن يعطي بالضبط عدد الزيارات التي أداها الرفيق حرمل لسفارات أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها. وقادر أيضا على ان يعطي التاريخ الذي انتقل فيه الرفيق حرمل الى البرلمان الاوروبي، مبعوثا من السلطات التونسية،  لتبرير رفع الحصانة البرلمانية ومحاكمة واعتقال رفيقه خميس الشماري. فاذا لم يكن الرفيق حرمل يراعي ارادات هذه الدول الباطشة فلماذا انتقل بنفسه الى وكرها ليقنعها بان رفع الحصانة ومحاكمة وسجن خميس الشماري في صالحها ويجب ألا تكترث لذلك.  
والسؤال غير البريء الذي يطارد بليد مثلي والذي أرجو أن يتكرم الرفيق حرمل بالاجابة عليه في أقرب مناسبة هو التالي : اذا كانت اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي من ارادات الحكومة التونسية فلماذا لاتطبقها؟ أما اذا كانت من ارادات الدول الاوروبية فلماذا عمدت الحكومة التونسية الى توقيعها رغم حرصها المعلن على استقلال قرارها؟
وليس لي أدنى شك في أن الرفيق حرمل الذي عاش في ظل الاممية ومن الاممية أحيانا قادر على انارتي.
هذا في ما يخص الوطنية التي استحوذ عليها الرفيق حرمل ولم يبق منها شيئا لصديقي ورفيقي أحمد نجيب الشابي.
 أما في ما يخص التعامل مع الذين يستغلون الدين في العمل السياسي فهناك احتمالان في تفسير موقف الرفيق حرمل وموقف حزبه العتيد منهم : أو أنه يعتبر أفكارهم محصورة في زوايا ضيقة من مجتمعنا الى درجة أنه يفضل التوفير في ميزانية حزبه (كما ذكر في حديث لمجلة حقائق قبل 4 او 5 سنوات) بدلا من صرف ما وفره من هذه الميزانية في مقارعة هذه الافكار بالادبيات والنشريات التقدمية وفتح عيون المواطنين من خلال الاجتماعات الشعبية، أو انه يعتبرأن أفكارهم الرجعية لها بعض الانتشار في المجتمع ولكن مقاومتها لا تعنيه لا هو ولا حزبه اذ انها من صلاحيات البوليس السياسي الكفيل بزجرها بأسلوب الحديد والنار.
والواضح ان الرفيق حرمل يرجح الاحتمال الثاني.
وبهذا أود أن استرجع بعض الجدية لختم هذا المقال ولأعبر للرفيق حرمل عن شعوري بالغثيان عندما أرى رجلا سياسيا يحتمي بحربة البوليس من أفكار خصومه من أبناء وطنه.
صحيح أن أفكار حركة النهضة هي الى يومنا رجعية وظلامية ولكن هل يحق لأحد أن ينحر حامليها في وطنهم، طالما أنهم اكتفوا بنشرها والدفاع عنها ولم يلجؤوا الى العنف لفرضها؟  أقول هذا مع اعتباري من أشد المعادين لأفكار حركة النهضة ولقد أثبتت ذلك من خلال ما كتبته وما قلته في مختلف المناسبات الخاصة والعامة. وأذكر اليوم باني كنت أول من حاورالشيخ راشد الغنوشي علنا وأمام الملأ لاثبات أن التحالف السياسي مع النهضة غير ممكن نظرا لبعد منطلقاتهم عن المبادئ الديمقراطية الاساسية. وهو اعتقاد لا زلت مقتنع به الى اليوم بالرغم من مساندتي لتجمعات 18 أكتوبر مع حركة النهضة، ذلك أن أسس تجمعات 18 أكتوبرتقتصر على العمل المشترك من أجل اكتساب حقوق المواطنة لجميع المواطنين بمختلف افكارهم . ولا يخفى على أحد بان العمل السياسي المشترك ليس تحالفا سياسيا، ذلك أن التحالف السياسي يفترض القبول ببرامج سياسية واقتصادية واجتماعية مشتركة و باعداد قوائم انتخابية مشتركة وحتى الاشتراك في ادارة الشأن العام وهو ليس واردا في أسس تجمعات 18 أكتوبر. كما أن العمل المشترك مع الاسلاميين لفرض ممارسة حقوق المواطنة لا يمنع باي شكل من الاشكال من العمل الموازي لمقاومة مشروعهم فكريا وعقائديا.
هذا بالاضافة الى كون تمتع الجميع بحقوق المواطنة لهو أكبر ضمان لفعالية مقاومة المشروع الاسلامي الرجعي ولحصر تأثيره في المجتمع. فالديمقراطية هي التي أدت بالاسلاميين الاتراك الى ادارة دولة علمانية وانعدام الديمقراطية هو الذي أدى بالاسلاميين السعوديين الى تفريخ بن لدن وأتباعه.     

المصدر : موقع أفاق تونسية http://80.11.130.27/article/articleview/370
 


همسة عيد : من يعيد البنت للأوطان ؟ من؟؟؟؟

 

آمال الرباعي

حملتك صغيرة إبان بلوغك السنة الثانية من عمرك معي ولم أكن أعلم أن غربتنا في الهجرة ستدوم سنين عديدة كالتي قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هجرته من مكة . قد يكون جهلنا بمدى طول هذه المدة جعلنا لا ننسى قضيتنا أو لا نيأس رغم شعورنا العميق  بمصيبة فراق الأرض التي تربينا  وترعرعنا صبيانا و شبابا  وبدأنا كهولتنا فيها فاقتلعنا إلى أرض لم نعرفها فذبل من ذبل وقاوم من قاوم…. كان أمل العودة يراودنا في كل حين والشعور بأننا في هجرة استثنائية يلازمنا, ولا يوقظنا إلا سؤال أبنائنا عن البلد الذي أحبوه ولم يعرفوه أو من ولدوا فيه وحرموا العيش والرغد في أرضهم لكنهم عشقوه عشقا يجعلني أتساءل : ماذا يربطهم به وهم الذين حرموه وحرموا الأهل والعائلة وهجروا صغارا بلا ذنب اقترفوه أو قاربوه؟  فلا أجد لسؤالهم جوابا إذ الحال هو الحال. هل نجحنا نحن الأمهات والآباء في حفر ذكرى الوطن في نفوسهم فصار جزءا من شخصيتهم وهويتهم التي كثيرا ما يخشى أمثالنا ضياعها لدى أبنائهم أم هي العناية الربانية التي جعلتهم  مرتبطين به رغم بعدهم عنه وعدم معرفتهم له فجعل الله لنا عن طريقهم رباطا ثانيا يلهب شوقنا لوطننا ويجعلنا نرى المستقبل بضوء عيونهم؟   ترانيمك التي تحيي في الحنين وتدمع عيناي وأنت تنظرين إلى خريطة البلاد المرسومة بترابه وصدف بحره أو تتلمسين حفنة ترابه التي أوصيت بها من ريحه وماء البحر الذي تحافظين عليه سنين طويلة رمزا للإنتماء وذكرى ووفاء… تجعلني  لا أستبعد العودة مهما طالت الأيام  وغيمت السماء واشتدت السحب…. حبك لأناشيد البعد والهجران وفراق الأحبة والإخوان وأنت في سن الطفولة تنشدين عن البيت المهجور والألعاب المتروكة والشوق للأشجار والأزهارالتي تبكي لفراقك وتلومك لأنك لم تودعيها  يقويني ويشد من أزري فأنت رمز لمواصلة المشوار وإن أحدقت بنا الأخطار…


رسالة اللقـــاء رقم (1):

السياسة أخلاق أو لا تكون

د. خالد الطراولي ktraouli@yahoo.fr
قيل لنا ونحن نعبر هذا المسار الجديد في حياتنا أن السياسة موطن متميز بازدواجية الخطاب وبالضحكات الصفراء بين رفاق درب أو أصحاب فكرة!، تغلب عليه الطعون والاستفزازات من كل جانب وفي كل حين..،
قيل لنا أن عناوين الصفاء والإخلاص والمروءة ليس لها منازل تحملها في « حيّ » السياسة..!، قيل لنا أن القيم والأخلاق صفحات في كناب مفقود في السياسة… قيل لنا أن السياسة بحر لجيّ، الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود، من دخله معافى سقم، ومن دخله سقيما زاد سقمه وقلت عافيته!
قيل لنا أن السياسة لا تعرف المثالية، ليس هناك صديق أو أخ في السياسة، ولكن رفيق درب وصاحب محطة أو مرحلة، حليف الأمس هو منافس اليوم، ولعله عدو الغد! قيل لنا أن مهاتفتك أو مصافحتك لأحدهم هو موقف سوف يحسب لك أو عليك، ولو كان هذا الهاتف أخلاقيا، إنسانيا، ووطنيا أو هذه المصافحة شرعية، أخوية، …أردتَ بهما رضاء الله قبل رضاء الناس، أردتَ بهما التعبير عن مكنون صادق يتجاوز الحسابات الضيقة ويرمي بها بعيدا في زبالة الرذائل والشرور..، أردتَ من خلالهما التعبير عن صداقة، عن مودة عن أخوة وكفى!   كنا نعلم ونتفهم أن السياسة إطار للتنافس النزيه من أجل الصالح العام، كلنا لا يغيب عنه و كما يراه الجميع، أن العمل السياسي مطية للسلطة والتغيير، وخدمة الشعوب وتحسين أوضاعها، وهذا ليس عيبا في ذاته، لكن العيب والجارح هو أن يصبح هذا الهدف لعنة على الآخرين، أن تصبح هذه الغاية الشريفة مطية لدوس الآخر وإسقاطه وقتله سياسيا، وتستعمل في ذلك كل الأدوات علنا وسرا من أخلاق وأعراض واجتماع وأسرة، والتي تصبح جائزة عند العقول المريضة والنقول المشوهة،…
هذه الكلمات التي سبقتنا وسابقتنا، لم تكن في الحقيقة غائبة عنا، لم نكن غائبين عن المشهد السياسي إجمالا في صغرنا وكبرنا، كانت الملامسة والمتابعة وحتى معايشته عن قرب في بعض الأزمنة جعلنا نعلم الكثير عن أزماته ومظاهره السلبية، كنا نسمع ونرى ونقرأ بين السطور أو من وراء خفايا الحديث الطعون والغيبة والازدواجية وذا الوجهين…
ما يريح الضمير ولا يسقط الأمل أن السياسة ليست شر كلها، ما يثلج الصدر أن الكرماء ليسوا قليلا، ما يدفع على العمل أن الإطار لا يطفوا فقط بالسلبيات وأنه لن يكون في النهاية إلا تعبيرا مباشرا لعقلية التونسي عامة وسلوكه وثقافته، وكما تكونوا تكون معارضتكم ويكون حكامكم، وليست السياسة إلا ظاهرة من الظواهر التي تصطبغ بحالة التونسي إجمالا سلبا وإيجابا. وتغيير عقلية السياسي نحو الأفضل والأصلح يبدأ بتغيير عقلية التونسي وإعادة تشكيلها، وتغيير مفهوم السياسة والعمل العام ليس إلا جزء يسيرا من التغيير الجامع.
هل نعود من حيث أتينا ونقول رحم الله من عرف قدر نفسه؟ هل نترك الغابة للسباع والذئاب ونصعد صومعتنا ونغلق بابنا؟ هل نلعن السياسة والسياسيين وندخل المحراب ونلبس الأكفان ونطرق باب التصوف والزهد ونغادر الدنيا وهمومها ونعدّ أنفسنا للآخرة؟ أم نقول: « نحن لها، « ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم » و »من لم يرد صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر! » »   رحلة المضيق ومشوار من زجاج
هذه المناطق السوداء التي تحف بالفعل السياسي وتؤثر على إنتاجه وفعاليته لم نكن غافلين عنها ولكننا عزمنا أن ندخل المشهد السياسي التونسي بمثاليتنا، أردنا أن نشق عبابه بآية قرآنية سهلة في سردها، عميقة في معناها، تجمع الفرد والمجموعة، وتتعدى زمن الدنيا إلى الآخرة… » قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين » [الأنعام 162]…
كل حركة، كل لحظة، كل فعل، يجب أن يعاش لله، وهذه مثاليتنا في الحياة، وليست السياسة إلا حالة يعيش فيها الإنسان حلقة من حلقات هذه الحياة، ولن نخرج من هذا « الكل » لله.. كانت غايتنا ولا تزال هو تخليق الفعل السياسي رغم تشعب الظاهرة السياسية خصوصا والظاهرة الإنسانية عموما، كان هدفنا أن ننزل إلى غابة ولا نحمل معنا غير الكلمة الصادقة والكلمة الطيبة والكلمة الحرة والكلمة الشفافة، مهما علا صوت الذئاب وزادت تكشيرات السباع..، عزمنا أن نحمل قيمنا معنا وأن لا نتركها على رفوف المكتبات الخاصة والعامة، أو بين صفحات كتب صفراء باهتة، أو نحلق بها في السماء، وأردنا أن نعيشها في إطار جديد يلامس الواقع ويحتك بالإنسان ذلك المجهول..!
وكان اللقاء الأول صعبا، كان « الصديق » بالمرصاد، وكان « المنافس » بالمرصاد، وكان « العدو » بالمرصاد! شعارنا الذي استظلينا تحته كان خندق الدفاع ومتاريس الوقوف، شعار الكلمة الطيبة والصمت هو السبيل، والكلمة موقف والصمت موقف.
تفهمنا « الصديق » وسنتفهمه دائما، والتمسنا له الأعذار (التمس لأخيك عذرا إلى سبعين عذر[حديث شريف] ) ، فهو إنسان قبل أن يكون صديقا، وبشريته تضعه في موضع الغبطة وأكثر، ويكفينا أنه صديق…!
تفهمنا المنافس وهو يسعى إلى خدمة بلده ويسهر الليالي على حساب الأهل والصحة رغم أنه أخطأ طريق الاختلاف والمنافسة، ووجدنا فيه كثيرا من المحاسن التي تغطي عليه ولا تبرر غلبة سلبية التجريح والاستخفاف.
ووجدنا للعدو مبررا، فيكفيه مبررا أنه عدوك وتفهمنا وضعه الذي لا يحسد عليه من قبلنا… ومن ضربنا على خدنا الأيمن، لن نمد له خدنا الأيسر ليضربه ولكن لن نقابله بالضرب ونفضل الانسحاب بهدوء والصمت، والصمت التزام وموقف إذا لزم ذلك، أوالكلمة الصادقة والموقف الواعي والرصين إذا كان ذلك مجديا.
سوف نكون واضحين مع أنفسنا قبل أن نكون مع الناس، لسنا ملاكا ولا ندعي الطهرية والنقاوة، ولسنا في مجتمع الملائكة، وكل فرد أو مجموعة تحمل نصيبها من السلب والإيجاب… ولكن ليس عيبا أن يتطهر الإنسان، ليس عيبا أن تحمل مجموعة في جعبتها قيما وأخلاقا، ليس عيبا أن يرنو المشروع إلى الطهر والنقاء تنظيرا وممارسة!
قيل لنا أن لغة المصلحة هي الغالبة في الفعل السياسي وأن المبدئية يجب تركها عند المدخل… وكأن المصلحة والمبدأ بحران لا يلتقيان، هذا ملح أجاج، وذاك عذب فرات. ونحن نرى أن خيمة التعقل والمصلحة العامة يمكن أن تجمعهما، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدئيا في حياته وفي مشروعه ولم يتخلّ يوما عن مصلحة قومه ونجاح أفكاره، كان صلح الحديبية مصلحة للناس من ضفته ومن الضفة المقابلة، ومبدئية في الإنصاف والحلم والصبر والتعقل والمروءة. وكان دستور المدينة مصلحة للمواطن المدني أيا كان لونه ودينه وطائفته، وكان مبدأ في حقوق الإنسان والرعية وحقوق « المواطنة ».
إن عالم المثل والمبادئ يبقى حلما أو طوباوية زائفة إذا لم يلامس الواقع ويعيش آلامه و أحلامه، ولذلك سوف نجمع القوة والأمانة، واقع ومثل، أليس « خير من استأجرت القوي الأمين ». ولن يبرر عنف الفكرة المقابلة أو بشاعة موقف المنافس لا أخلاقية الرد أو السقوط والتجاوز، وكم كانت الفكرة بشعة جهنمية وكان الرد إنسانيا واعيا لا ينفلت عن منظومة القيم التي أقامها… فرعون يدعي الربوبية، والرب يبعث له رسولين « فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى » وهو يعلم في علم الغيب أن فرعون سيظل رافضا متعنتا!
لن نلغي المآلات أو النتائج بالمفهوم العصري عن سياقنا، فستبقى محددا لفقه المقاصد وصلاحية الموقف أو الفكرة وصلوحيتها… لم يهدم النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، الكعبة الشريفة ويعيد بناءها، رغم أنه أفضل لها وأمتن، حتى لا يحدث بلبلة بين الناس، فيتهمش ما هو أهم، ويهيمن الأقل أهمية وينحرف المسار، ويسقط مشروع حضاري كامل من اجل ترميم حجرات في بناء، حتى وإن كان هذا البناء إسمه الكعبة المشرفة  » لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت » كما يرويه مالك في الموطأ.
هذا هو السبيل الذي ارتأيناه في مشروعنا فحملنا معنا في مزودنا منظومة من القيم نحسبها تصلح في السياسة كما تصلح في غيرها، وأنها ليست حكرا على أحد، ولا ندعي فيها أستاذية ولا أسبقية وهي ليست سقوفا تعجيزية أو مثالية زائفة. وكما يقول باقر الصدر رحمة الله عليه : « إذا كنا لا نسع الناس بأموالنا، فلماذا لا نسعهم بأخلاقنا وقلوبنا وعواطفنا! » »
المصدر : موقع حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي: http://www.liqaa.net


 
 

 الخمار بين الإستعمال الأصولي والمعاني الأصلية.

   

            في كتاب بعنوان « أختاه الحجاب الحجاب » يسعى الأصوليون إلى حمل الفتاة والمرأة المسلمتين على ارتداء الحجاب  أو الحجابين: خمار عملا بآية (النور 31) ، وجلباب تطبيقا للآية (الأحزاب 59 ). وتمهيدا للرد على الكتاب سابق الذكر سأبدأ بالتعرّض لبعض إشكاليات تفسير القرآن ثم إشكاليات العرض الأصولي للموضوع ،قبل الدخول في الحوار حول فهم آيتي الخمار والجلباب.

 

                                إشكاليات التفسير 

      

          كان الخلاف حول فهم وتأويل النص القرآني قائما منذ وفاة النبي. فإنك تلاحظ بسهولة، عند الرجوع إلى تفسير القرآن للطبري، كيف كان الصحابة والمسلمون الأوائل مختلفين في تفسير آيات عديدة.                                                                                                                

          فهذا يقول أن الآية خاصة والآخر يقول بإطلاق معناها، هذا يقول بأن الآية منسوخة وذاك يقول بأنها غير منسوخة. ناهيك عن الإختلاف في رواية أسباب النزول. كان هؤلاء المسلمون الأوائل جنودا للدعوة بجانب النبي  ، لم يَبرز من بينهم لاهوتيون أو « علماء كلام »إلى أن بدأت البوادر الحضارية الجديدة باختلاط العرب بجيرانهم الفرس والرّوم والبيزنطيين. فتعدّدت النظريات لتفسير القرآن وتعددت المفاهيم والمعاني لكلماته وصيغت المفاهيم والكتابات العديدة لكي يتطابق فهم القرآن مع ما كان في المجتمع من سلطة ومن عادات ومن علاقات بين الناس.. هذا إن لم يكن النص القرآني ذاته قد تحمل تبعات التدخّل بالإضافة والحذف مثل ما تذهب إليه بعض الدراسات المعمّقة.                      

1 – تفسير القرآن ونظرية الخلق                                     

                                                      

     عندما بدأت بوادر الحضارة الجديدة وبدأ العقل والحكمة في القيام بالمحاولات الأولى لفهم النص القرآني ظهرت نظريات أهل العقل من المعتزلة الذين قالوا بخلق القرآن بمعنى أن النص القرآني مُحدَث. وإن كانت نظرية الخلق هذه قد أخذت رواجا إلى الحد الذي جعل الخليفة المأمون يعتمدها في قمّة السلطة ، فإن غيابها اليوم عن اعتقادات المسلمين إنما يُعزى إلى الصّرامة والظّلم والعنف الذي وُوجهت به منذ تغلّبت المحافظة على الإبداع وتغلّب التقليد والنقل على التفكير والعقل.  وبتعبير آخر منذ تأكدت السيادة لأهل السنة . فأحرقت كتابات أهل العقل وغُمر تاريخهم بالكتمان وأحيطت أفكارهم بالتشويه *.  أن تكون ألفاظ القرآن محدثة فهذا يعني أنها خُلقت، في ظرف خاص للإجابة على حوادث خاصة.                                                               

      نستنتج من هذه المعاني أن ألفاظ القرآن حول الخمار أو الجلباب تخص وضع المسلمين القائمين أمام النبي في الظروف الخاصة  بالدعوة والمجتمع الأبوي والعبودي لسكان الجزيرة العربية آنذاك. هل الإسلام أمر ب »ضرب الخمار على الجيوب » سعيا لإذلال المرأة واستنقاص حريتها أم استجابة لمتطلبات الوضع ومتطلبات الدعوة؟ إن احترام التراث واحترام النبي يقتضيان اكتشاف المقاصد الحقيقية والبراهين الواضحة والخصوصيات  التي جعلته يأمر بسلوك ثِيابِيِ دون غيره . إن حكمة وعدل دعوة الإسلام لا تكمن في إيتائه بالحل الأزلي لمعضلة خيالية تخرج عن الزمان والمكان؛ وإنما قد تكون في قوله بالجواب المناسب للإشكال المحدد في الزمان والمكان. أليست كلمةُ « عدل »، التي وردت كصفة لله ذاته ومادة لأمره، تعني فعل الشيء المناسب في المكان المناسب؟                                                                                     

                                                   

  * انتهى الأمر بالخليفة القادر(420هجري) إلى إصدار مرسوم يقضي بتحريم نظرية المعتزلة وإباحة دم من يعتنقها أو يقول بها. وأحضر الشرفاء والقضاة وشهود العدل والفقهاء ليوقعوا عليه.(أنظر كتاب محمد أركون:القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني.ص 11 –طبعة أولى – دار الطليعة – 2001)

 2- تفسير القرآن ونظرية ابن رش

د                                                                             

 

     ثم جاء اجتهاد الإمام الفقيه والفيلسوف ابن رشد لكي يفسّر الآية:  » وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا… » حيث قال: « فالوحي هو وقوع ذلك المعني في نفس الموحى إليه بدون واسطة لفظ يخلقه … ». كيف يكون الوحي ؟ ما هو كلام الله إذا ؟ يعطي ابن رشد تصورا للإجابة: »… وقد يكون من كلام الله ما يلقيه  الله إلى العلماء الذين هم ورثة الأنبياء بواسطة البراهين … ». كلام ابن رشد، الذي يرفع منزلة القرآن من مرتبة الرواية والنقل إلى مرتبة البراهين والعقل، قد يُغنينا أيضا عن البحث في المعاني الظاهرة لألفاظ القرآن التي تتحدث عن الخمار والجلباب… بتعبير آخر أقول أن النبي إنما ترجم وحيا بواسطة ما كان يوجد في عصره ومحيطه من ألفاظ لغوية و من أمثلة الثياب وأمثلة السلوك البشري وأمثلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.                                                                                             

قد يبدو اجتهاد ابن رشد صعبا على الفهم لأننا تعوّدنا على تكرار وقبول أقوال أهل السنّة والتقليد

من أمثال الأشعري والغزالي … لكن الحكمة لابد أن تحملنا إلى التساؤل من جديد وإلى الاستغناء عن المعنى المباشر لألفاظ القرآن حين يلزم الأمر، فالمعنى الظاهر لا يُعقل في العديد من الحالات :   فهل يجوز الأخذ بمعاني التجسيد لذات الله : له يدٌ وعين وعرش…؟                                 

     هل يُعقل أن يسبّ الله مخلوقاته : « تبّت يدا أبي لهب وتبّ ».. »قالت اليهود يد الله مغلولة غُلّت أيديهم »..؟                                                                                                            

     هل يُعقل أن يُقسِم الله بما هو دُونه وبما هو مخلوق وزائل: « والنجم إذا هوى ».. » ألا أقسم بهذا البلد ».. »فلا أقسم برب المشرق والمغرب إنا لقادرون »؟…                                                   

                  

  3- محمود طه والنص القرآني                                                                                         

يعتمد دعاة حمل الخمار على آيتين هما الآية 31 من سورة النور والآية 59 من سورة الأحزاب،

وهما سورتان مدنيّتان . من المعروف لدى الجميع أن القرآن ظهر،  بعد جزئه الأول المكّي، في جزء ثان هو مديني. ويميز الشيخ الشهيد محمود طه* بين مكانة الآيات المكية والمدنية . فقد جاء في كتاب محمد الشرفي « الإسلام والحرية  » (ص 144) ما يلي: »…ويلاحظ محمود طه أن لهجة السور المكية عامة هي لهجة الدعوة إلى دين سلام وأخوّة وحب وحرية – ومنها الحرية الدينية- ومساواة بين البشر وخاصة المساواة بين الرجال والنساء ، ويجد المرء في هذه السور من رائع الكلام مثل قوله  » أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين » . وأما السور المدنية فتحتوي على آيات ذات اتجاه تشريعي وآيات أخرى تساند مجهودات النبي وزمرة المسلمين حوله للدفاع عن أنفسهم ونزاعهم للوثنيين.ويستنتج محمود طه من هذا التصنيف أن جوهر الرسالة الإسلامية هو في السور المكية التي تقدم رسالة دينية أخلاقية للإنسانية قاطبة دون اعتبار للزمان ولا المكان ، فهي الرسالة الخالدة … ويستنتج محمود طه أن السور المدنية قامت بدورها وأتمّت مهمتها وأن السور المكية هي وحدها التي تهم المسلمين والبشرية قاطبة في القرن العشرين .وهو يعتمد كذلك حججا أخرى أكثر اتصالا بالنص وذات صبغة تقنية أبلغ.                                                                          

      لقد سبق أن تناولنا قضية نسخ بعض الآيات بالأخرى وقد حل علماء الدين دائما إشكال التعارض بين آيتين باعتبار أن الآيات المتأخرة تنسخ الآيات السابقة كما هو الشأن في التشريع إذ يلغي القانون اللاحق القانون السابق؛ لكن محمود طه يعارض هذا التأويل فليس للخطابين في نظره نفس الوزن ولذا فلا يكون للخطاب المدني من تأثير سوى تعليق مفعول الخطاب المكي … » **    

         نزلت الآيتان بالمدينة فهما بالتالي تخصّان ذلك الوضع . و الأمر الإلهي الوارد بواسطة ألفاظ الآيتين يريد حماية العلاقات البشرية الخاصة في المدينة، هذا هو مقصد الخير أو مقصد الوحي. وكانت آية الخمار وسيلة لذلك تتماشى مع إمكانيات العصر وطبيعة العلاقات البشرية/الاجتماعية .                                                                                               


 

  *  أُعدم محمود طه في مشهد مبكي ومخز . لقد حصلت بإعدامه  واحدة من أكبر نكبات المسلمين. هي أكبر من نكبة 1967 التي قتلت وحطمت ثم مضت كالإعصار؛ أما إطفاء أصوات الحق والمحبة والسلم والمساواة فهو جريمة حية: حين تقتل المفكر تولد الجهل والجريمة من جديد. توقف إعصار 1967 وها هو الإعصار الذي ذهب بروح الشهيد يفتك إلى اليوم بالآلاف والملايين في السودان وفي أفغانستان وفي الجزائر وفي جميع البلدان الإسلامية.                                                                     

 

      قد يعترض الأصوليون على هذا الفهم متعللين بتواصل حمل الخمار بعد انتهاء الهجرة. لكن  تواصل ذلك السلوك الثيابي لا يُفهم إلا بتواصل الظروف المشابهة في المجتمع الإسلامي الأول وبتأكّد وتصلّب سلطة الرجال في التاريخ اللاحق . تلك الظروف سنحاول اكتشاف البعض منها عند التعرض لمحتوى الآيتين ،  لعل  القارئ يتأكد من عدم  وجود  نفس الظروف في أيامنا ومن خطأ التأويل الأصولي في آخر التحليل.                                                                                 

                   الطرح الأصولي للموضوع                                                                                        

                                       

 

      إنه في إطار الطمس والتشويه لهاته النظريات، وفي إطار الشّحن المستمر، لعقول مواطنينا بما أنتجه اللاهوت الديني لأهل السنّة والتقليد بصفة خاصة، تبرز كتابات من مثل  » أختاه الحجاب، الحجاب ». فما هي الحجج ؟ وما هي التعلات ؟                                                                        

         جاء في قول صاحبنا الأصولي ما يلي:  » أولا وقبل كل شيء لا بد من الإشارة إلى أمر هام جدا هو أن الله سبحانه وتعالى ما جعل شيئا إلا وجعل له سببا فمثلا سبب خلقنا واضح في آيتين كريمتين الأولى يقول فيها الله عز وجل « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون » والأخرى يقول عز وجل  » أحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون » صدق الله العظيم . آيتان صريحتان تبينان أن الهدف الأساسي من وراء وجودنا على هذه الكرة الأرضية هي عبادة الله فمن استجاب لأمر الله فله القبول وحسن الدور في الجنان مع الحور … ».                                                                     

       هكذا يبدأ الأصولي حديثه حول الخمار. يبدو، من نظرة أولى، الخلط بين السبب والغاية من خلق الإنسان. فعبارة  » سبب خلقنا  » الواردة بأول الفقرة تصير « الهدف الأساسي من وراء وجودنا على هذه الكرة الأرضية… ». وعملية خلق الإنسان التي حدثت في الجنة بإرادة إلهية خالصة، حسب النص القرآني، تُدمج مع  قضية  إنزاله إلى الأرض التي  حدثت  بسبب خطيئة العصيان . قد تدعو، ملاحظتي هذه، القارئ الكريم إلى اعتبار أن كلام صديقنا الأصولي هو كلام أطفال أو مجرد هُواة لا يُتقنون الكتابة والكلام وأنه بالتالي ليس من فائدة في أن يواصل معنا البحث في الموضوع. لكن صديقنا الأصولي يقدم لنا أمّهات « الحجج » لكل الفكر الأصولي والسّلفي الإسلامي. فكل الأصوليين يعتمدون على ظاهر النص القرآني في دعايتهم. كلهم يعتمدون على ألفاظ آية الخلق « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني »، لكي ينجحوا في تغليب ظاهر النص على مصالح الناس،  وعلى كل قيم الحرية والمساواة. كل القيم وكل المصالح لا وزن لها أمام الطاعة التي يُظهرونها بمقام العبادة. وكل الحكمة والعقلانية والبحث في البراهين والمقاصد، إن لم تكن من الكفر فهي ليست من العبادة!                                                       

1- حول تفسير آية الخلق                                                                                             

        نعود إلى آية الخلق كما لو كنا في القرن الأول أو الثاني للهجرة، و نحاول أن نتجاهل كل آراء المعتزلة وأهل العقل وكل الفكر الفلسفي لأكثر من عشرة قرون، ونكتفي بالتعرض إلى طريقة فهم المسلمين الأوائل للآية. جاء في تفسير الطبري ما يلي:  » اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فقال بعضهم: معنى ذلك: وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم لمعصيتي… وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما خلقت الجن والإنس إلا ليذعنوا لي بالعبودة.. حدثني علي ، قال : ثنى أبو صالح ، قال : ثنى معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون): إلا ليقرّوا بالعبودة طوعا وكرها. » . اختلف المسلمون إذا ، منذ العصور الأولى، في فهم ألفاظ الآية . لماذا هذا الاختلاف في الفهم ؟ السبب واضح . لأن العبادة ، بما هي غاية الله من خلق الجن والإنس، كان لا بد أن تتحقق حالاّ وفي لحظة الخلق (  » إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون »(يس82))، لكنها في واقع  الأمر  حاضرة عند البعض  وغائبة عند آخرين.                                                                       

       يبدو أن الفريقين أخطآ الفهم . فالفريق الأول أدخل الثنائي سعداء/ أشقياء بشكل غريب على الآية وزائد على محتوى ألفاظها؛ والطبري أيضا استبعد هذا التفسير وأعلن انضمامه لقول الفريق الثاني؛ فهو يواصل بالقول »وأوْلى القولين في ذلك بالصّواب القولُ الذي ذَكَرنا عن ابن العباس … ».                                                                                                          

       يبدأ الطبري هنا ، بتأويل غامض لقول ابن العباس لكي يصل إلى فهم ثالث لنص الآية . ابن العباس فصل بين لحظة الخلق وسلوك المخلوق . فالعبادة أو العبودة ، حسب نظره ، لم تتحقق في لحظة الخلق بحيث لا يمكن  للمخلوق أن يمتنع  عن سلوك العبادة، وإنما هي تتحقق عبر الزمان والعصور « طوعا أو كرها » وعبر الفتوحات الإسلامية  الكبيرة القائمة آنذاك.                             

       بعد وقت وبمرور الزمن تبيّن أن غياب العبادة متواصل بكل أصقاع الدنيا التي كان يجهلها ابن العباس ، والمسلمون أنفسهم أصبحوا فرقا دينية متعددة يكفّر بعضُها البعض وتتقاتل بدمويّة لا تُعقل، وفكرة ابن العباس، حول « الإقرار بالعبودة طوعا أو كرها » ، ازدادت بالتالي غموضا،  فبرزت الحاجة إلى تفسير آخر. فكان أن قدّم لنا الطبري فهمه الثالث حيث قال:  » فإن قال قائل : فكيف كفروا وقد خلقهم للتذلل لأمره؟ قيل: إنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضاه عليهم، لأن قضاءه جار عليهم ، لا يقدرون من الامتناع منه إذا نزل بهم … ».                                                                    

        يظهر بوضوح المعنى الجديد لكلمة  » ليعبدون »، وهو أن الله خلق الجن والإنس ليكونوا ويبقوا تحت حكم قضاءه و قدره. وإن كان يبدو هذا المعنى أسلم وأقرب إلى المعقول، فإن الأصوليين لم يقبلوه.                                                                                                               

        وعند الطبرسي نجد فهما آخر ورابعا للآية: « …والمراد أن الغرض في خلقهم تعريضهم للثواب  وذلك لا يحصل إلا بأداء العبادة فصار كأنه سبحانه خلقهم للعبادة ثم انه إذا لم يعبده قوم لم يبطل الغرض ويكون كمن هيأ طعاما لقوم ودعاهم ليأكلوه فحضروا ولم يأكله بعضهم فإنه لا ينسب إلى السفه ويصح غرضه فإن الأكل موقوف على اختيار الغير … »                                        

       غاب عن الطبرسي أن الكائن البشري البسيط عندما يهيّئ طعاما لقوم إنما يهيئ كمّية بحساب العدد  المتوقَّع للقادمين  ، فهو لا يعبث وإنما يعجز عن معرفة الغيب: من سيأتي للأكل ومن سيغيب… ولا يمكن أن نأخذ كلام الطبرسي مأخذ الجد  بما أن الله لا يعبث ولا يعجز على معرفة الغيب .                                                                                                               

            و غاب أيضا عن الطبرسي الفرقُ بين « الخلق للعبادة « و »الخلق لتعريضهم للثواب « . فالفرق واضح بين أن تكون إرادة الله هي عبادة أو عبودة الإنسان له وبين أن تكون إرادته هي ترك حرية الاختيار. الآية قالت « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون » ولم تقل ( وما خلقت الجن والإنس إلا لأعرضهم على ثوابي ، ليختاروا بين الطاعة والمعصية ). هذا مثال من أمثلة الاجتهاد والتأويل للنص الديني التي تدفعنا إلى التساؤل: هل يفسّرون النص القرآني أم يغيّرونه ؟ هل يفهمون معنى ومقصد النص أم يصنعون دينا آخر بمعان ومقاصد مختلفة ؟ وهذا التساؤل يُطرح علينا رغم ما يستحقه الطبرسي، من بين مفسري القرآن، من احترام وتقدير.                                         

       يظهر مما تقدم من تفسيرات لآية الخلق أن التسرع لا يُجدي، وأن تقليد المفسرين القُدامى ، مهما كانت جدّيتهم، قد يضعنا في موقع التجاهل لمشيئة الله وقدرته وانتفاء العبث عن أفعاله.  *                                                                                                             


 

*  يدعو تفسيرا الطبري والطبرسي إلى التساؤل: هل نحن أمام رمزين للمعادلة جبري/ قدري يمثل الطبري فيها مذهب الجبرية القائل بأن الإنسان مُجبر ومسيَّر ، ويمثل الطبرسي فيها مذهب القدرية القائل بقدرة الإنسان على اختيار أفعاله؟ الطبري هو من يُلقَّب بأب الأصولية ، والطبرسي هو واحد من مفكري المذهب الشّيعي الذي ورث المعتزلة والقدرية . الطبري فسر الآية بأننا موجودون تحت قضاء الله وقدره منذ خُلقنا ، والطبرسي فسّرها بأننا نقدر على الاختيار بين طريق الثواب وسبيل الخطيئة . لست جبْريّا البتّة لكن الأمانة للمنطق تجعلني أميل إلى تفسير الطبري للآية . يبدو أن الطبرسي كان يسعى للدفاع على قدرة الإنسان على الإختيار حين قدم تفسيره للآية ، لعله كان يدافع على قضية الإنسان لكنه أضر بقضية المنطق في حين أن القضية واحدة لا تتجزأ. ويبدو تفسير الطبري ، الأكثر أمانة للإنسجام المنطقي لألفاظ الآية، تقديما نظريا لمذهب الجبرية الذي حمل الشعوب الإسلامية إلى سلوك الخنوع والتواكل وإلى الانحطاط الحضاري. كسب الطبري قضية المنطق لكنه لم يسعى لكسب قضية الحرية ، كان أصوليا لا تعنيه الحرية ولا قضية الإنسان وهذا أيضا لا يقلل من الاحترام الذي بستحقه الطبري من بين المؤرخين والمفسرين .                                              

      بعدما اتسع سلطان أهل السنة والتقليد عبر مواجهتهم لكل إبداعات الفكر الإسلامي، وانتشرت مذاهب  الأشعري  والغزالي  وسائر الجَبْريين  وعمّ الانحطاط بين المسلمين، ظهر الفيلسوف    « سبينوزا ». الذي كان منارة الحرية التي فتحت الطريق للحداثة. كان بالإمكان وقتذاك أن يلتحم الفكر الإسلامي بقضية الحرية . كان بالإمكان مواصلة قول الطبري بالشكل التالي : خلق الإنسان ليكون تحت قضاء الله وقدره المتمثلين بحدود الناموس الطبيعي . فالإنسان بالفعل لا يستطيع تجاوز قوانين الطبيعة. والإنسان حين يستنير بقانون الطبيعة يكسب كل المجال الطبيعي ويكسب الحرية الطبيعية الممكنة. ذاك هو ما كان يعنيه فيلسوف الحرية حين كان يقول بأن الله هو الطبيعة، وبأن الحرية هي وعي الضرورة…

 

  ضاعت الفرصة حين لم يكن لأوروبا السبق الاقتصادي ولا التقني ، أما اليوم ، فزيادة على التخلف الاقتصادي والعلمي والتقني  يوجد  لدينا أناس  يقولون : لا تهمنا الحرية ، لا تعنينا قضية الإنسان  ما دمنا  قد  خُلقنا للعبادة.. :  » عسى أن يغير الله   حالنا  من  ظلمات  الحضارة  إلى  نور الإيمان »!(من مقدمة الناشر لكتاب « غرائب وعجائب الجن »- دار بوسلامة للطباعة والنشر).

      يعتمد الأصوليون طبعا على النص القرآني لكي يجعلوا من حمل الخمار فريضة دينية في عصرنا هذا وفي ظروفنا الحالية . لأجل ذلك يبحثون عن أمر إلهي صريح وواضح عبر اللفظ القرآني، ويجتهدون لاكتشاف التأويل الموصل لغايتهم حين يغيب النص الصريح. وقبل البدء في معالجة « حُججهم  » أحيل نظر القارئ إلى قضية الأمر والمشيئة الإلهيين.                              

 

 2- الأمر والمشيئ

ة                                                                                                      

      تعرض المفكر صادق جلال العظم في كتابه « نقد الفكر الديني » إلى العلاقة ما بين الأمر الإلهي والمشيئة. فتوصل إلى القول بثنائية الاتجاه الإلهي. يوجّه الله لمخلوقه  أمريْن : أمرا لتحقيق مشيئته وأمرا ثانيا لابتلاء مخلوقه . هكذا أمر إبليس بالسجود لآدم ابتلاءا له وأمره بالعصيان تحقيقا للإرادة الإلهية التي لا مرد لها . وأمر آدم بأن لا يأكل من شجرة التفاح ابتلاءا له في حين كانت إرادته تتمثل في ما تحقق وهو المعصية .                                                                      

      جاء في الكتاب سابق الذكر ما يلي : »… تبدو قصة إبليس ، كما وردت في هذه الآيات ، بسيطة في ظاهرها، لقد أمره الله أن يقع ساجدا لآدم فرفض وكان ما كان  من شأنه، غير أنه  لو  أردنا أن نتجاوز هذه النظرة السطحية إلى مشكلة إبليس لرجعنا إلى فكرة هامة قال بها بعض العلماء المسلمين وهي التمييز بين الأمر الإلهي وبين المشيئة أو الإرادة الإلهية ، فالأمر بطبيعة الحال إما أن يطاع وينفذ وإما أن يُعصى ، وللمأمور الخيار في ذلك . أما المشيئة الإلهية فلا تنطبق عليها مثل هذه الاعتبارات لأنها بطبيعتها لا تُرد ، وكل ما تتعلق به المشيئة الإلهية واقع بالضرورة .لقد شاء الله وجود أشياء كثيرة غير أنه أمر عباده بالابتعاد عنها… » (ص60- طبعة بيروت1982).                  الأوامر المستوحاة من النص القرآني بالتالي لا تعدو أن تكون أوامر ابتلاء. مشيئة الله وغايته شيء آخر لا مرد له ولا اختيار ولا دخل للمخلوق فيه.                                              

        ينتج عن هذا أن الأمر الإلهي بشأن الخمار،  إنما هو أمر ابتلاء ولا يمثل مشيئة الله التي تحققت بأنْ حملتْه المرأة المعاصرة للنبي كما حملتْه المرأة الجاهلية، وتحققت أيضا في امتناع  المرأة عن حمله في غالب أصقاع العالم اليوم ؟                                                                                                          

       إنه عندما يعتقد المرء أن مشيئة الله هي الخير سيجتهد لكي يتطابق سلوكه معها. لكن الأصولي لا يعنيه شيء من هذا، كل ما يطلبه ويأمر به هو أن يُطابق السلوك البشري ما جاء به  « أمر الابتلاء الإلهي المتمثل باللفظ القرآني »، ولا يعنيه ما قد يكون وراء اللفظ من أصول ومبادئ تقصد الخير والبرهان؛ وهو يرفض ربط اللفظ بخصوصية الوضع والحدث؛ و لن ينجح، كما سنرى لاحقا، في التزام الأمانة مع اللفظ القرآني ذاته ؟                                                                        

                                                

التأويل الأصولي                                                                                    

 

      وردت في الآية 31 (النور) عبارة الخمار ووردت عبارة الجلباب في الآية 59(الأحزاب).           يتحدث صاحب الكتاب عن الحجاب بالقول: »… ولكن هناك عبادة ضلت غائبة أو لا يعتبرها البعض عبادة لأنها جرت مجرى « العادة » و لا حول ولا قوة إلا بالله، أصبح التخلي عنها أمرا سهلا كالتخلي عن أي شيء نمل منه أو يصبح مألوفا عندنا وهو « الحجاب« وما أدراك ما هو… ». هكذا الحجاب.. بما في الكلمة من معاني الحجْب والإخفاء. فالمرأة شيء للإخفاء كما تُخفى الأشياء المملوكة كي لا تُفتك وكما تُخفى الأشياء القبيحة كي لا تكون مصدرا للعار أو السُّخرية ومثلما كان  أثرياء العرب يُُخفون بناتهم أحياء في بطن الأرض. أليس في الحجب تواصلا بشكل ما مع العادة الجاهلية؟ حجب المُمتلَكات والعورة سلوك بشري دفاعي حين كانت المرأة مِلكا وعورة في العِقد الخُلقي والاجتماعي القديم، لكنه صار عند الأصوليين عبادة وقانونا إجباريا لكل العصور والظروف.

                                                                    

الآية31 من سورة النور:                                                                                      

      تقول الآية 31 من سورة النور : » وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا  لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن  أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون « .                                                                                         

      و يبدأ التأويل كما يلي : »وجاء تفسير هذه الآية حسب الشيخ محمد صالح بن عثمنيين إذ قال »أن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن والأمر بحفظ الفرج أمر به وبما يكون وسيلة إليه ، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه؛ لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك، وبالتالي إلى الوصول والاتصال. »                                                                      

 

« الوصول والاتصال

« .. هل هو جريمة أم هو أسمى أشكال التحابُب والاشتراك بين الجنسين ؟ كان الطواف بالجواري حقا مشروعا لكل من ملكت يمينه منهن ، ولم نسمع بأي منع أو تحريم للوصول والإتصال بهن(أنظر الآيات الأولى من سورة التحريم). الوصول والاتصال هما غاية من غايات هذه الحياة . كل ما في الأمر أن الناس كانوا ولا يزالون يخشون مما قد ينتج عن الاتصال بين  الجنسين  من إشكالات مثل فقدان نسب المولود والنزاعات الناتجة عن أحاسيس الغيرة … لذلك سعت الأخلاق والدين والقانون، كل بطريقته، للحد مما قد ينتج من مشاكل في المجموعة عن الوصول والاتصال بين الجنسين. أليس الإنسان كائنا حيّا ، يسعى إلى الارتقاء في معارفه وفي أخلاقه كما في أشكال تمتعه بحياته؟ لم يطلب النبي الترهب أو التعفف من المؤمنين ولا من الصحابة ولا من الأئمة. وحيثيات زواجه من ابنة عمته زينب توحي بعكس ذلك تماما، (أنظر الآية 37 من سورة الأحزاب).  فلم يعارض القرآن نية النبي في الوصول والاتصال بزينب بعدما رآها وأعجبته ، وإنما حكم لصالح ذلك الاتصال رغم كون زينب متزوجة من ابن النبي زيد ابن حارثة. لست أناقش هنا حقوق الإبن بالتبني ولا حقوق المرأة المتزوجة ولا حقوق العبد الذي عُتق ، وإنما هذا المثال لتوضيح موقف الإسلام والنبي من نزعات الرهبنة والتعفف التي يوحي بها الخطاب الأصولي المعاصر عند حديثه حول الوصول والاتصال .                                                   

« والتلذذ بذلك »

.. الرجل يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة ، يا للجريمة النكراء ، حتى لو لاحظ الجمال وقال : سبحان الله.. هبني ، يا رب ما وهبتها؟! … والمرأة لابد أنها تأتي جريمة أيضا حين تنظر إلى وجه الرجل لأنها ستتلذذ بذلك؟! هل نحجب وجه الرجل أيضا أو نجزم بأن المرأة ليس لها نفس الأحاسيس التي عند الرجل ولا تتلذذ برؤية وجهه وجماله ، أو نبحث عن  الوسيلة المستحيلة لمنع نظرات المرأة من الوقوع على وجه الرجل ؟                                                                 

 

« والأمر بحفظ الفرج أمر به وبما يكون وسيلة إليه »

.. هكذا ، حسب هذا المنطق، الغاية لا تبرر الوسيلة فقط ، وإنما الوسيلة صار لها نفس مرتبة الغاية . حفظ الفرج أمر إلهي والوسيلة إليه أمر أيضا. وبما أن منع المرأة من الخروج من البيت وسيلة أخرى فلماذا لا نمنعها من الخروج؟ وبما أن الضرب قد يكون وسيلة فلِمَ لا نشرّعه؟ وبما أن قتل البنت والزوجة قد يكون وسيلة فلِم لا نشرِّعه ؟! ثم أقول: بما أن الآية 30 من نفس السورة تأمر الرجال بحفظ فروجهم « قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم .. » لماذا لا نبحث في الوسائل إلى ذلك أيضا؟ ألا تكون نفس الوسائل المأمور بها للمرأة صالحة أيضا لحفظ فرج الرجل؟   حفظ الفرج في العالم اليوم يحصل بوسائل أخرى منها القانون ومنها الأخلاق . لقد صار الحب واللطف والاحترام في ميثاق الأخلاق الجديدة  شرطا يسبق الوصول والاتصال. لم يعد لدينا حريم وجواري نفعل بها ما نشاء ومتى نشاء وكيفما نشاء. نحن بأخلاقنا المعاصرة نحقق شيئا جديدا: فكل وصول واتصال  في غياب أحاسيس الحب والاحترام نعتبره في عصرنا الحاضر شكلا من أشكال الإغتصاب الذي يعتبر جريمة حسب المعروف الإنساني في عصرنا الحاضر؛ هذا وإن بقيت ليلة الزفاف إلى اليوم تمثل في بعض الأحيان  ليلة اغتصاب للعروس المسكينة التي زوّجها أبوها غصبا عنها، وقَبَض مَهرها، والتي لم تعْرف عن عريسها سوى ما رُوي لها وما لَه من حقّّ عليها بالطاعة والخدمة والتزيّن والإنجاب… إنه لو سألنا مائة امرأة من فرنسا مثلا، حيث النساء السافرات الراقصات ..، عن لحظات الوصول والاتصال في حياتهن ، وفعلنا نفس الشّيء مع نفس العدد من النساء من إيران أو موريطانيا  أو السعودية ، لو سألنا الجميع عن معنى الوصول والاتصال وعن كيْفِه وغايته، لتبيّنت لنا مواطن الأرقام القياسية في الاغتصاب والزّنا: موريطانيا أم فرنسا؟..اليوم يقع نظر المرأة الفرنسية على نظر الرجل ،  فيبتسم لها قائلا : أنتِ جميلة ، وتجيبه قائلة أحسنت ثم يمر كل منهما في طريقه وقد استنشق رائحة  جمال الحياة والأخلاق. أليس الاعتراف، بأن لديهم وسائل لحفظ الفرج تسمو عن الوسائل القديمة، أنْصفا للحقيقة وأجْلب للخير ؟                                                       

« وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن »

. صحيح أن الإكثار والتكرار للنظر قد ينتج عنه إحراج للمتلقّي ، رجلا كان أو امرأة. و من المعروف اليوم أن الرجل هو الذي يُحرج المرأة أكثر. والعين الواحدة،  المتبقية مكشوفة للمرأة في عالم الأصوليين، تكفي لتلقّي كل إحراج الرجال . هذا الإكثار مُدان في الأخلاق والعرف الكونيين. أما نظرة المرأة  التي تبحث عن شريك لحياتها تلحظ فيه جمالا أو ثروة أو  حكمة أو خُلقا وسماحة ، فهي حقها وقد تكون سلاحها الوحيد حين تُجبر على الاحتجاب داخل أغلفة السواد. إنه في إطار التفوّق الاجتماعي للرجل  تكون نظرات الرجل للمرأة إحراجا حقيقيا . فهي نظرات القويّ في الجماعة الذي يستطيع تحقيق إرادته . أمّا نظرات المرأة فهي نظرات الضّعيف المتوسّل الذي لا يَقدر على تحقيق طموحه  فكيف له أن يُحدث إحراجا أو ضررا؟ لأجل هذا قد لا يصلح أن يُفهم قول الآية  » وقل للمؤمنات  يغضضن  من أبصارهن » إلاّ بما كان يتعرّض له النبي وأصحابه ، وهم في المدينة في قمّة الشّهرة والنّفوذ ، من نظرات البنات والنساء ومكاشفتهن لما لديهن من جمال المنظر والزّينة إلى حد الإحراج ، هن طامعات في الثراء والعزة،  وهم في غير حاجة للمزيد من النساء والنكاح.           

« وليضربن بخمرهن على جيوبهن« :

      كيف لا يقع اعتبار ما كان لوضع المهاجرات في المدينة من سِمة الغُربة والبُعد عن الأهل      ( ولعل ثيابهن كانت أقل حفظا لهن مقارنة بثياب النساء أصيلات المدينة) وما قد ينتج عن ذلك من المضايقة لهن؟ كيف لا نعتبر هذه الخصوصية عند محاولة فهم الآية؟ يحصل هذا طبعا عندما يكون المفسر للنص الديني رجلا وعندما يُمنع التفسير عن الجنس الآخر.

      بعد هذا لا بد من الكلام في معاني الخمار وجيوب المرأة. فالخمار ليس، حسب ما جاء في الآية ، أكثر من لباس موجود عند المرأة قبل نزول الآية ، لعله كان غطاء للرأس ولعله كان رداء أكبر حجما، كما لا يمكننا أن ننفي أن المعنيّ بعبارة « خمار » قد يكون أطراف ثياب المرأة وليس ثوبا بحدّ ذاته وأخيرا قد يكون المعنيّ بعبارة « خُمرهن  » هو مجمل ثيابهن.

      يلاحظ القارئ الكريم أنني لم أعتمد على معنى كلمة « خمار » الموجود في مراجع اللغة العربية من »لسان العرب » وغيره، فذلك لأن هاته المراجع لاحقة على القرآن الأصلي ولأنها تقدّم المعاني التي اتّخذتها عبارة خمار في القرون اللاحقة بعد ظهوره.

     لابد أن نلاحظ أيضا أنه في الآية المعنيّة لا يتعلق الأمر الإلهي بحمل الخمار أو عدمه وإنما  بضربه على جيوب المرأة. يتمثل الأمر الظاهر مباشرة من ألفاظ القرآن إذا في إخفاء الفرج بإدناء ما كان لدى المرأة من الثوب على جيوبها. لا تأمر الآية بحمل خمار أو لباس معين وإنما بإخفاء الفرج والزينة بواسطة الثياب الموجودة والمحمولة مُسْبقا.

    تقول الآية  » يضربن بخمرهن على جيوبهن »، فما هي الجيوب؟ هي، حسب رأيي، الفرج أو هي كل ما كان يمثل  مَنْفذا، عبر ثياب المرأة، للإعتداء عليها جنسيا أو لسرقة متاع زينتها. ولا بد لكي نقترب من تخيّل ما كانت عليه تلك الجيوب من الأخذ بعين الاعتبار بما كانت عليه حال الثياب في تلك العصور. فلم تكن هناك سراويل (   culottes ) ، وكانت الخياطة في ثوب المرأة قليلة ونادرة بحيث كانت الجيوب فاضحة. وكل ذلك كان في مجتمع قبَلي ورُجولي يُعتبر فيه الاعتداء على المرأة نوعا من أنواع الصّيد والكسْب المشروع. المقصود إذا من ألفاظ الآية هو إخفاء الفرج. هذا الإخفاء، الذي يحصل اليوم بسروال صغير الحجم (culotte )، لم تكن نساء القرن السابع ينجحن فيه رغم كل ما كُنّ  يحملن من أنواع الرّداء والأغلفة. وبتعبير آخر أقول أنه لم يكن للقرآن أن يقول مثلا: قل للمرأة أن تحمل سروالا أو رافعة الثديين، وإنما خاطب الناس بما يفهمون.

    إذا كان من الطبيعي جدا أن تخفي المرأة ما تحمله من ذهب أو فضه في رقبتها أو في معصمها خوفا من المعتدي الجاهز لكي يثب عليها حسب عبارة ابن كثير في تفسير الآية، فإنه يبدو أن هذا المسعى لإخفاء الزينة قد تحول، مع مرور الزمن ومع اشتداد سلطة الرجل على حريمه، إلى فريضة تقتضي إخفاء موقع الزينة. هكذا تمدد مفهوم العورة لكي يشمل كل جسم الأنثى من الرقبة إلى المعصم وأسفل الساق حيث تحمل المرأة زينتها. فصار من واجب المرأة التي لا تحمل زينة أيضا أن تخفي تلك المواقع من جسمها.

 

        الآية59 من سورة الأحزاب:

        أما الآية 59 من سورة الأحزاب فتقول : » يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين وكان الله غفورا رحيما ».                    

        هذه الآية كسابقتها لا تأمر بحمل جلباب لم يكن محمولا. هي فقط تطلب إدناء الجلباب المحمول مُسبقا ..إنه لمن عجائب الأمور أن يُصبح حمل الخمار والجلباب غاية أزلية ومقدسة رغم  كونه نتاجا جاهليا لمجتمع « اجتمعت فيه كل شرور الدنيا »!                                                         أليست الجاهلية، التي وصلت في الحط من شأن الأنثى إلى حد وأد الأثرياء لبناتهم أحياء، هي التي صنعت أو ورثت وأورثت الخمار والجلباب وكل الألبسة والثياب من أغلفة لضعاف الحال ومن عمائم للكبار والأقطاب؟

       جاء القرآن والجلباب لباسٌ موجود أو هو تسمية للثوب الخارجي الذي كان عادة في شكل رداء. فما كان للناس إلا أن يستعملوا ما لديهم من اللباس من أجل تحقيق المقاصد. والمقصد لا يتحقق إلا بالوسائل المتطابقة مع الوضع ومع الواقع المادي والفكري والاجتماعي.                     

         تعرّض الأستاذ عبد المجيد الشرفي في هامش الصفحة 108 من كتابه  » الإسلام بين الرسالة والتاريخ » إلى تفسير الآية فقال أنها « تتعلق فقط بإدناء النساء جلابيبهن حتى لا يُعرفن فلا يؤذين عند الخروج ليلا لقضاء حاجتهن في ظروف المدينة الخاصة حيث لم تكن في مساكنها مراحيض »(طبعة أولى – دار الطليعة – بيروت2001 ) .                                                  

         وقال ابن كثير في تفسيره : « …كان ناس من فسّاق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة فيعرضون للنساء وكانت مساكن أهل المدينة ضيّقة فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن فكان أولئك الفسّاق يبتغون ذلك منهن فإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا هذه أمَة فوثبوا عليها »                                                                             

        وجاء في تفسير الطبري ما يلي: » يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين ، لا يتشبّهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن ، فكشفن شعورهن ووجوههن ، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن ، لئلا يعرض لهن فاسق ، إذا علم أنهنّ حرائر بأذى من قول… « 

 وفي تفسير القرطبي : »وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمَة قد تقنّعت ضربها بالدرة، محافَظة على زيّ الحرائر ».                                                               

       أول سؤال يتبادر إلى الأذهان هو: هل كان الجلباب بحدّ ذاته قادرا على منع فسّاق المدينة من الاعتداء على الحرائر من النساء؟                                                                                

      الجواب بالنّفي واضح في كل الحالات،لكنه يبدو متسرعا أو غير كاف إذا لم نأخذ بعين الاعتبار طبيعة العلاقات الاجتماعية في زمن الدعوة وبالتالي نوعية الجريمة عند الاعتداء على كل من الحرة والأمة.                                                       

ما الذي كان يحصل عند الاعتداء على امرأة حرة ؟

 تمتلئ بطنها أولا . وكان الاعتداء  يفتح المجال إلى احتمالين :                                                                                                             

أ- لا يقع علم الزوج بالحادثة ، فيصير المولود إبتا له. وهذا يفترض إخفاء المرأة لمصدر الحمل بسبب مشاركتها في الخطيئة أو بسبب خوفها من عواقب انفضاح الأمر .                                

ب- ينفضح الأمر خاصة إذا صرخت المرأة أو استنجدت عند محاولة الاعتداء عليها. لم يكن الزوج ولا المجموعة يقبلان بنتيجة عمل كهذا. لذلك كانت الجريمة تكتسي طابع الحدة في جميع أطرافها. فالفاسق يلجأ إلى أشد أشكال العنف والمعتدى عليها ستكون شديدة المقاومة عند أي منفذ للمقاومة وشديدة الاستسلام في غياب أمل الخلاص والنجاة. لم يكن هناك كثير من الحلول : هل تُعتبر المرأة زانية ؟ ما هو مصيرها ؟ ما هو مصير ابنها ؟ من سيقبل به إبتا؟ …                                     

        الحل الذي كان يرتئيه الفقهاء( وهو حل يبقى منقوصا) والذي يتمثل في تخصيص المرأة الحرة بحمل الجلباب، كان يفتح المجال للفاسق لكي يلبي رغبته في الإماء وحدهن فيكف عن الاعتداء على الحرائر. هذا عن الاتجاه الفقهي، ولكن قد يكون هناك دافع آخر لمنع الإماء من حمل الجلباب . فالأمَة كان ينفعُها عرضُ جمالها، لعلها تقتنص زوجا من الأحرار والأثرياء. وسيّدُ الأمَة بالتالي قد يجد ثمنا رفيعا في بيعها أو قد تلد فيصير له كسب جديد: عبد أو أمة إضافية * . هكذا كان كسب و »حكم سائر الحيوان » بعبارة الإمام النووي في تفسيره ل »صحيح مسلم »  ( باب بيع الحيوان بمثله)، وكل  هذه التأويلات كانت تنسجم مع علاقات العبودية وحدها فتحد من الإعتداء على الحرة

بتوجيه طاقة الذكر واعتداءَه نحو الإماء.

        لكن هذا الحل الذي يجد تبريرَه في علاقات العبودية القائمة آنذاك، والذي يقدّمه الأصوليون على أنه يمثل الحلّ لحماية المرأة الحرة، لم يكن يحميها من الاعتداء الجنسي، حين يحصل لها من طرف أحد الفسّاق، بل كانت تتحمل مظالم إضافية.

       فهي، عند حصول الكارثة، كان عليها أن تختار واحدة من الكوارث الإضافية الثلاثة: إمّا أن تقبل الاعتداء وتستبطنه فتتظاهر بأنها تنجب إبنا لزوجها، أو أنها تكشف الأمر لينتج عن ذلك طلاقها لتتزوج بمغتصبها أو اتهامها بالزنا، أو أنها  تلتجئ إلى التخلص من الجنين أو المولود رغم ما في هذا من أخطار على حياتها وحياة الجنين أو الطفل المولود.

 

 

* ما هو مصير الأبناء حين تكون الأم أمة؟ من المعروف لدى الجميع أن الأمة التي تُنجب من سيدها تصير زوجة له . لكن يبدو أنها تبقى « زوجة أمة » أو « زوجة معتوقة » لا تلد أحرارا وإنما تلد عبيدا.                                                                          

  

نعود إلى تفسير صاحبنا الأصولي للآية 59 من سورة الأحزاب؟:                                     

1_ « وقد ورد تفسير هذه الآية أيضا في كتاب بن عثمنيين « رسالة الحجاب » الذي يقول: » قال ابن عباس رضي الله عنهما : « أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة » ».

       هل حقا  بلغت التضحية بحرية المرأة هذا الحد في مقاصد الدعوة الإسلامية، أم أن العديد من الأحاديث والقصص كانت تُبتدع بلسان ابن عباس وغيره من الصحابة لكي تؤكد عبودية المرأة للناموس الرجالي ؟                                                                       

         إنه لو عدنا إلى النص القرآني، وتركنا جانبا كل ما سبق من التفسيرات للآية 59 من سورة الأحزاب قد يبدو لنا مقصد آخر مختلف تماما: هو الغاية لإخفاء هوية نساء النبي. فالآيتان السابقتان للآية 59 تتحدثان عن إيذاء النبي بالقول ؛ « إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا(57)والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا(58) »؛ وهما توحيان بأن الآية (59) اللاحقة ستأتي بالوسيلة التي ستوقف ذلك الإيذاء.           تحدث الطبري بالفعل ضمن تفسيره للآية (58) عن إيذاء النبي الذي حصل بالطعن عليه في نكاحه صفية بنت حيي ، كما ورد كذلك  في القرآن ، أكثر من مرة ، الحديث عن  حالات الارتباك التي مرّ بها النبي بسبب أقاويل الناس التي تتعلق بنسائه (  » وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه  » الأحزاب 38 – « فلما نبّأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض  » التحريم 3″) ، كل ذلك يحمل على القول بأن المقصد من إدناء الجلباب إنما هو إخفاء هويّة نساء النبي وبناته لكي لا تتعرضن لبذيء القول المتعلق بالنبي وعائلته.                                                              

         أما في الآية (59) ذاتها فقد يصلح فهم عبارة « إدناء الجلباب » بسحبه على الوجه لإخفاء الهوية أو بسحبه عن الوجه لكشفها. فإن كانت الآية نزلت باكرا قبل أن يَعظُم شأن النبي ونفوذُه فقد تكون لإخفاء الهوية ، أما إذا كانت قد نزلت مؤخرا فقد تكون تأمر بكشف الهوية فلا أحد يجرؤ وقتها على إيذاءهن .              

                     

         ما يعنينا أساسا في قضية الحال هو ما يتعلق بإخفاء هوية المرأة لأن المرأة تبقى امرأة داخل الجلباب أيضا وتبقى معرضة للمضايقة والإيذاء. فإن كان الذي حدث فعلا هو رغبة النبي في تخفّي نسائه وبناته ونساء المؤمنين  فإنما هذا لا يكون قد حصل إلا في الفترات المبكرة للدعوة و هو لا يمكن أن يكون سوى  سلوك  دفاعي. وهو مشروع  تماما  طالما بقي خاصا وحرّا، أمّا تعميمه وفرضه على الجميع ، من هو في حاجة إليه كمن لا حاجة له به ، فهذا ابتذال للأمور واعتداء على الناس .  وإن  كان الذي حدث هو رغبة النبي في إبراز هوية نسائه وبناته ونساء المؤمنين فإنما هذا لا يكون قد حصل إلا في الفترات المتأخرة للدعوة حيث صارت الحماية والأمن مضمونان لأفراد عائلة النبي بمجرد اتضاح الهوية. وهذه المعاني تقلب تماما ما ذهب إليه غالب أو كل المفسرين .                                                                                                

2-  » والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة . »

    هل كان الجلباب حقا رداءا تلبسه النساء فوق الخمار؟ إنما هذا غلو في اصطناع اللامعقول. فكلمة خمار  تعني كل ما كانت تحمله المرأة من الثوب الذي يمكن إدناءه على جيوبها كما رأينا سابقا ؛ والجلباب يعني بدوره كل ما كانت تحمله المرأة من الثوب الذي يصلح لإخفاء الهوية . هل كان هناك حقا نوعان من الثياب يسمى أحدهما خمارا ويسمى الآخر جلبابا؟ لعلنا هنا أمام إشكال لغوي يستعصي علينا حله . لكن لو انتبهنا لكون الجلباب لا يخفي الهوية فقط وإنما قد يخفي الجيوب أيضا لتبيَّن لنا أنه يؤدّي المقصود من الآيتين معا فهو يؤدي دور الخمار أيضا. لماذا الثوبان إذا؟ ألا يكون نفس الثوب الخارجي للمرأة أطلق عليه اسم خمار في الآية الأولى وأطلق علية اسم جلباب في الثانية؟  كل المراجع اللغوية لاحقة على النص القرآني فلا أضنّها تصلح لإثبات أن الخمار هو ثوب مختلف عن الجلباب، أو تصلح لتعريفنا بما كانت عليه الثياب في زمن الدعوة.

3-  » أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون، وأكرمها على الله ، وأعلاها أخلاقا وآدابا ، وأكملها إيمانا ، وأصلحها عملا فهم القدوة الذين رضي الله عنهم وعمّن اتبعوهم بإحسان ، كما قال تعالى: »والسّابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم … »                                                                                      

      هذه الآية تقارن السّابقين إلى تصديق النبي بمن تباطأوا في اللحاق به ولا علاقة لها بأي مقارنة بين سلوك الصحابة وسلوك أبناء العصور اللاحقة . فكيف تجوز المقارنة مثلا بين سلوك عمر ابن الخطاب الذي كانت نساءه محجّبات، وبين سلوك باستور الذي أنقذ أعدادا لا تحصى من المرضى والذي لم تكن زوجته محجّبة؟ بل إن في كامل تاريخ البشر أناسا أضافوا من المعارف والحكمة والخير ما قد يجعلهم يسبقون الصحابة إلى رضاء السماء والأرض معا.

       ثم إن الجلباب لم يكن خاصا بنساء النبي والصحابة ولم يأت به الإسلام وإنما هو ما كان يُحمل من الثوب من قَبْل قيام  الدعوة ويصلُح لإخفاء الهوية والزينة أو إظهارهما حسب الحاجة.  بهذه المعاني كانت نساء الأشراف مشخَّصة من بين سائر مُمتلكاتهم، فهي لا تُعرض للإشهار ولا للبيع في حين كانت جواريهم، مثل كل المتاع الآخر، تُعرض للإشهار ولكل الاستعمالات غصبا عنهنّ.

 

4- « وعائشة وابن مسعود رضي الله عنهما فهِما ما شهدت به نصوص الشريعة الكاملة من أن كل أمر يترتب عليه محذور فهو محظور. »                                                                         

      لكن إيذاء المرأة بالقول أو الوصول والاتصال المُنكَر لا ينتج على عدم تحجّبها وإنما ينتج عن فساد خُلق المعتدِي. لهذا ينبغي السّعي إلى حظر الاعتداء على ضعاف الحال من النساء والإماء عوضا عن صنع اعتداء آخر بإجبارهن على حمل الخمار أو الجلباب . أليس من قواعد العدل ألاّ نُحمّل المظلوم مسؤولية جرائم ظالمه؟                  

                    

الخاتمة                                                                                                          

 

        إذا كان طريق الله هو طريق الخير والعدل والصواب فإن معنى العبادة يتمثل بالأساس في  فعل الخير وقول الحقيقة؛ أما إدناء الخمار وكل الطقوس الدينية ذاتها فهي أشكال قُصد بها الخير أو نجاح الدعوة الدينية التي يقودها النبي. ويمثل حمل الخمار وكل الطقوس الدينية في أيامنا قناعة شخصية، بمعنى أن حاملة الخمار كمن يُقيم الصلاة إنما يُمارس قناعة خاصة به وفهما خاصا لأوامر الله  باتّباع  » الصراط المستقيم « . وإن كان له الحق ، حسب المعروف الكوني الحالي، في إقامة ما يشاء من الطقوس وكيفما يشاء فإنه ليس له الحق  في إجبار الغير على إقامة نفس الطقوس أو حمل نفس الفهم للنص الديني .

       وإن كان الأصوليون يقدمون آراءهم على أنها هي الإسلام بعينه فإن الجواب واضح وهو : أن الإسلام أخلاق أو لا يكون؛ وحين يعرضون رأيهم المنافي لقيم المحبة والمساواة بين الناس على أنه يحمي الأخلاق فالجواب واضح أيضا وهو:أن قيم الأخلاق الكبرى قائمة بذاتها ويكتشفها كل ضمير سليم بدون أن يحتاج إلى أي نص ديني أو لاهوتي وأنه مثلما قال جول فاري » ليس الدين أساسا للأخلاق وإنما الأخلاق هي التي تمثل عنصرا صلبا وثابتا في كل الأديان ».                       

       ولا يسعني في الختام إلا أن أذكّر بأن طريق الحرية لكل الناس و المساواة بين الجميع  هو الكفيل بدفع العقول والضمائر لاكتشاف الحقيقة وطريق الحق.

                               

                                 زهير الشرفي– هاتف: 98677153. 


 

 

إذا كنت لا محالة ظالما فأجتنب مرتعين  وقع في الثالث

 

    الحلقة الاولى

 

العلم شرط للعمل . تلك قاعدة تشهد لها كل الادلة ولا تضيق بها الحياة فيتسع لها الاسلام خاصة والدين عامة كما يظن كثير من الناس اليوم لا بل هي بالدنيا أولى بها من الدين لو رسمنا فرزا بينهما نميز به بين الثابت وبين المتغير أما دون ذلك فإن الاسلام يستغرق الحياة الاجتماعية للانسان طوعا والحياة الخلقية لكل ذات كبد حرى والحياة الكونية لما دون ذلك كرها .

 

العلم شرط للعمل قاعدة عملت بها الحضارة الغربية الراهنة سيما الاروبية الحديثة منها فنجحت في إسعاد الانسان في شطره المادي وذلك هو الدليل الاول والاكبر على كون تلك القاعدة ترتقي إلى السنة الكونية الخالدة والناموس الاجتماعي المطرد .

 

العلم شرط للعمل قاعدة ما كان ينبغي للاسلام سوى أن يتأسس عليها ولو لم يكن ذلك كذلك لما تنزل وليس في فيه يومئذ سوى كلمة  » إقرأ  » ثم ما لبث أن فاضل بين الايمان وبين العلم ففضل هذا رغم أن الايمان إنما إنبنى على العلم  » يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات  » ثم وصل به تقديس العلم وتبجيله وتكريمه وتقديمه إلى حد قوله وهو في يم معركة التوحيد  » ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه  » والصيغة تدل بجلاء على أن من يقدر على خرق قاعدة التوحيد والاتيان بإله أو آلهة أخرى معه أو بدونه ـ سبحانه ـ فله ذلك مطلقا كلما كان برهانه على دعواه كفيلا بصرف الناس عن التوحيد إلى التثنية أو التثليث .

 

العلم شرط للعمل قاعدة أردت التوطئة بها للحديث عن الظلم ودرجاته وأنواعه وذلك لان الحديث عن الظلم مفصلا درجات وأنواعا يتطلب علما وليس عملا ولو كان المجال يتسع لقرنت ذلك بقاعدة أخرى مكينة يغفل عنها الناس أو بعضهم اليوم فيقعون في إحدى الشططين مغالاة أو تفريطا وهي أن العمل مبناه التفصيل والتمييز أداء فيما هو من خالص حقه سبحانه أو قضاء وقصاصا فيما هو من حق العباد أو يغلب عليه هذا أو ذاك وذلك بخلاف الايمان ـ العقيدة بالتسمية المحدثة ـ الذي هو مبناه الاجمال لارتباطه بالغيب وتحمله بالعقل .

 

موضوع الظلم إذن يحتاج إلى قاعدتين : العلم به قبل العمل به والعمل بالظلم هنا يسمى توق من مثل  » فمن يكفر بالطاغوت  » إذ وجب العلم بالطاغوت وبطريق الكفر به أومن مثل قول إبن اليمان عليه الرضوان  » كان الناس يسألونه عليه السلام عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني … ». القاعدة الثانية التي يحتاج إليها موضوع الظلم هي : التمييز بين درجاته والتفصيل فيها على طريقة الاسلام في ذلك في القرآن الكريم خاصة والسنة عامة .

يفر بعض الناس من طريقة التمييز والتفصيل في العمل وهما بأن ذلك ينزع قدسية ما عن عمل ما أو يفتح ذريعة لمتحلل من عزائمه بدون وجه حق وتلك آفة عجيبة من آفات التدين عادة ما تنزع بصاحبها إلى الغلو والتشدد ومن ثم إلى التكفير ثم إلى قتل أهل الايمان وأهل الاوثان ظلما ومبعث ذلك كله ومرجعه الكفر البواح بكرامة الانسان خير بناء الرحمان طرا .

 

الظلم في الاسلام ثلاثة أصناف :

 

1 ــ ظلم لا يغفر مطلقا :

وهو الشرك الاكبر لقوله سبحانه فيه  » إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء » وقوله  » ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سيحق » وقوله  » ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار .. » وقوله  » إن الشرك لظلم عظيم « .

ومعلوم أن ذلك مقصور على من مات مشركا شركا أكبر أما من تاب عن شركه الاكبر ولو قبل لحظات من مداهمة سكرات الموت له فقد أفضى إلى ربه بحسن خاتمة ولا ينكل الرحمان سبحانه بضيف قدم عليه تائبا .

السؤال الكبير المهم هنا هو لم كان الشرك الاكبر ظلما أكبر وأعظم حاجزا عن الرحمة ؟ إذا كان ذلك مفهوما فإن إتصافه سبحانه بالعدل والحكمة مفهوم أما إذا غاب ذاك إتبعه هذا .

الجواب تجده عنده عليه السلام وهو يقصد ويعلل الايمان والعبادات في حديث طويل يقول فيه  » فإن مثل المشرك بالله سبحانه كمثل رجل إشترى من حر ماله عبدا وقال له هذه أرضي وهذا مالي فأعمل وأد إلي فكان العبد يعمل في ملك سيده ويؤدي إلى غيره فأيكم يرضى أن يكون هو ذاك ؟… »

المشرك بالتعبير المعاصر ـ شركا أكبر ـ هو من رفض الاعتراف بالله سبحانه كليا فهو دهري ملحد أو جزئيا بأن يكون من أهل التثنية أو التثليث أو من القائلين عليه سبحانه بما يخدش في كماله وجماله وجلاله وعظمته وقدرته وتنزيهه بغير حق ولا دليل . وذلك بعد أن حصحص الحق وإستوت الحقائق العقلية على جودي العرفان وبعد أن  » تبين الرشد من الغي  » ويختلف الناس في إدراك ذلك من عصر لاخر لذلك علق سبحانه ذلك على العقل الانساني المؤهل لادراك ذلك فلم يرهن ذلك لنشوء حضارة أو رقي مدنية أو ظهور آيات فالناس في ذلك  » سواسية كأسنان المشط » لانه سوى بينهم في الملكة العقلية التي تؤهل كل واحد منهم عادة لادراك التوحيد ثم عزز ذلك بالرسالات التي لا تضيف إلى القضية سوى بالاحالة إلى العقل مجددا لصرف بصره إلى الايات المبثوثة في النفس والكون والتاريخ .

 

هذا الضرب الاول من الظلم وهو الشرك الاكبر سمي ظلما أكبر وأعظم لا يغفر مطلقا دون التوبة منه للاسباب التالية :

ــ لانه ظلم يتعدى النفس والانسان إلى النواميس والاسباب والسنن التي تجوب الافاق لتعيد لنا حكاية ذات القصة القديمة الجديدة وهي أن الانسان مخلوق لخالق ومملوك لمالك ومصنوع لصانع فإن كان بمقتضى ذلك عابدا لمعبود فهو موحد غير ظالم وإن كانت الاخرى فالاخرى أحرى به وأولى .

ــ لانه ظلم يجر إلى ظلمات أخرى وخاصة منها إثنتين أولهما ظلم النفس بإطعامها روحيا وماديا ما يهلكها ويضرها والنفس ليست ملكا لصاحبها فيطعمها روحيا وماديا ما يعن له بل هي وديعة عنده لمالك دبر أمر خلقها وسيرها ويستردها يوما وثانيهما ظلم الاخر من الظن السيئ إلى القتل والتعذيب وإذا كان الانسان لا يملك نفسه التي بين جنبيه كما تقدم فأنى له أن يكون له سلطان على نفوس الاخرين فيذيقهم من العذاب ألوانا وأصنافا من خائنة عين غامزة إلى أشد التنكيل والانتقام؟

 

ــ لانه ظلم لا تقف حدود آثاره عند صاحبه في نفسه ولا حتى عند من يظلم من الناس بل يطغى فيه ليسطر له سيما لو  تمكن من أمرين : المال والسلطان منهجا في الحياة يجريها عليه في دائرة نفوذه ومن عادة الناس أن يميلوا إلى من عنده مال ومن عنده سلطان وقوة ضمن غريزة حب البقاء قد تدفعهم إلى ذلك الفاقة والخوف أو الطمع والجشع من نفس ألهمت  » فجورها وتقواها ».

 

الشرك الاكبر هو إذن الظلم الاكبر الذي لا يغفر مطلقا دون توبة وليس ذلك خبط عشواء بل  هومعلل مقصد مفهوم المعنى معقول الاثر فليس هو كذلك لان المشرك ظلم ولي نعمته الكبرى  أو أن المشرك به ـ سبحانه ـ ناله ضرر ولكن لانه ظلم نفسه أولا ثم ظلم غيره ثانيا ثم سطر للبشرية منهجا في الحياة يتعبدهم فيه بماله أو بسلطانه أو بهما معا وهو لايملك هذا ولا ذاك ولا ذلك فالمشرك شركا أكبر إذن متعد على ما ومن لا يملك عدوانا كبيرا فاحشا خطيرا لو أجابه الناس لذلك لفسد الكون بأسره وبعضهم يجيبه طوعا أو كرها . فساد الكون يكون بغياب قيم الحق والعدل وكرامة الانسان وبقدر ذلك الغياب يكون الفساد في الارض .

 

وإلى حلقة تالية أدعو نفسي والقارئ الكريم أن يتجنب الشرك الاكبر لانه ظلم أكبر وأعظم لا يغفر مطلقا ولا يجد صاحبه بعد موته سوى نارا أحاطت به سرادقها لا يحيى فيها ولا يموت لا يعطف عليه الرحمان سبحانه ـ من سبقت رحمته غضبه ـ سوى بقوله  » إخسؤوا فيها ولا تكلمون » كلما نضجت جلودهم من عذابها بدلوا جلودا غيرها ليذوقوا عذابا جديدا شديدا ولان الشرك الاكبر الذي هو ظلم أكبر وأعظم يحيي صاحبه في الدنيا في عذاب نفسي وبؤس روحي يجعله في كل لحظة يشعر بأنه خار من السماء ـ كل سماء سمت فوقه ـ دون سند والوحوش المفترسة تحيط به من كل جانب تتخطف أمنه وماله وسلطانه لا يقدر لها على شئ والنهاية هوي في بئر سحيق بعيد لا يجد فيه من المتملقين له لاجل ماله وسلطانه عشر معشار بقية من إنسان إذ يتحول القطيع المصفق إلى خلفه يفيضون به إلى ذات السحق بعد عقود أخرى قصيرة . ذلك لان إرتباط الشرك الاكبر عادة بالترف المالي الفاجر وبالسلطان الجائر سواء كان سلطانا روحيا دينيا أو سلطانا ماديا قهريا إرتباط وطيد تحتمه المصلحة الناشئة بين المشرك الذي يبحث عن مشروعية من دين أو من دنيا يخلعها على عورات عقله وبين القاهر للناس بسطوة ماله أو بطغيان سلطانه يبحث عن عقيدة جديدة يتعبد بها الناس فيطيعون راضين مرغمين وذلك هو ما أدى بفرعون ـ رمز المجرم الذي دفعه السلطان الغاشم إلى الشرك الاكبر ـ إلى أن قال  » أنا ربكم الاعلى  » و » ما أريكم إلا ما أرى « .

 

الهادي بريك / ألمانيا

 

الاستثمــــارات العربيــــة في تونــــس:

77،0% حصة تونس من إجمالي الاستثمــارات العربية المحدثة في المنطقة

تونس – الصباح عرفت سنة 2004 حجم استثمارات عربية بينية فاقت الخمسة مليار دينار كان نصيب تونس منها نحو 77،0% وهو رقم يغني عن كل تعليق خاصة وأن المنطقة العربية شهدت منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 سيولة مالية كبيرة دعمتها ارتفاع أسعار النفط في السنوات القليلة الماضية التي قفزت مما يقارب من 30 دولار إلى عتبات الستين دولارا في الآونة الاخيرة. هذه الطفرة انعكست ايجابا على التدفقات الاستثمارية العربية الدينية حيث استقطبت كل من الاردن ومصر والمغرب والعربية السعودية نسب استثمار عربية هامة في الفترة المشار إليها. هذه الانتعاشة في المنطقة العربية دفعت بالتساؤل حول واقع الاستثمار العربي في تونس مصادره والقطاعات المتجهة إليه. تشير الاحصائيات الرسمية التونسية إلى أن الاستثمار العربي مثل في الفترة المتراوحة بين (1997-2004) بنحو 11% أرقام دعمتها احصائيات 2005 فإلى غاية نوفمبر سجلت الاستثمارات العربية نموا بنحو 29%. في الواقع إن المتأمل في السلسلة الاحصائية بين 1997-2004 يلاحظ أهمية الاستثمارات الكويتية في تونس التي بلغت مجموع 375م.د أي ما يمثل نحو 55% من الاستثمارات العربية للفترة المشار إليها والبالغة 7،686م.د. وترجع المرتبة الاولى لدولة الكويت كأول مستثمر عربي في تونس إلى لزمة تشغيل المزود الثاني للهاتف الجوال على أساس أنها المساهم الاساس في هذا المشروع حيث بلغت الاستثمارات في سنة 2002 ما يفوق 184م.د مع تسجيل معدل استثمار بنحو 27م.د لباقي السنوات وذلك باعتبار تحييد سنة 2002. ليبيا احتلت المركز الثاني من حيث الاستثمارات في تونس بما يفوق 124م.د لعل أهمها تلك المسجلة في سنة 2001 والتي شهدت استثمارات بما يناهز 6،71م.د قطاعيا توزعت الاستثمارات العربية في تونس أو تلك التي ساهم فيها المستثمرين العرب أساسا في الصناعات المعملية وذلك من حيث عدد المؤسسات والتي بلغت 137 مؤسسة باستثمارات فاقت 52،536م.د مكنت أكثر من 11 ألف فرصة عمل ويشار إلى عدد المؤسسات المصدرة قد بلغت نحو 61 مؤسسة. الاستثمارات العربية في الصناعات المعملية كان نصيب الاسد فيها لمؤسسات النسيج التي بلغت 56 مؤسسة منها 43 مؤسسة مصدرة كليا مكنت هذه المؤسسات من إحداث 57،3 ألف فرصة عمل أي تقريبا 31% من جملة الاحداثات الموجودة في الصناعات المعملية.. في المقابل يلاحظ أن قطاع الخدمات استقطب الاستثمارات العربية الاهم من حيث القيمة حيث بلغت 05،672م.د مكنت من بعث 18 مؤسسة منها 6 مصدرة كليا سمحت بالتالي من خلق 545 فرصة عمل. ويفسر الملاحظون ارتفاع قيمة الاستثمارات العربية الموجهة للخدمات إلى صفة المشغل الثاني للهاتف الجوال ذات الرأسمال الكويتي المصري.. ويذكر أن القطاع السياحي يبقى من القطاعات الكلاسيكية التي يحبذ المستمثر العربي الاستثمار فيها حيث تبلغ عدد الوحدات السياحية نحو 45 مؤسسة باستثمارات فاقت 542م.د مكنت من إحداث 8604 فرصة عمل. وعلى هذا الاساس تعد تونس ما يناهز 213 مؤسسة عربية أو ذات مساهمة عربية منها 69 مؤسسة مصدرة باستثمارات فاقت 769،1 مليار دينار مكنت من احداث أكثر من 60 ألف فرصة عمل. الاستثمارات العربية رغم أهميتها في تونس واحتلالها المركز الثاني بعد تلك المتأتية من الاتحاد الاوروبي تقتصر على مجالات محددة كالخدمات أو السياحة كما أسلفنا الذكر سابقا حيث بينت الارقام أن عدد المؤسسات العربية أو ذات المساهمة العربية لا تتجاوز 15 مؤسسة في قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية على سبيل الذكر وهي قطاعات حيوية للاقتصاد التونسي نظرا لقيمتها المضافة العالية مما يستدعي إلى استنباط طرق جديدة للخروج بالرأسمال العربي من «الاستثمار في الحجارة» على حد تعبير أحد المسؤولين (القطاع العقاري) إلى مجالات أخرى ذات مردودية عالية بالنسبة للطرفين.                             و.د (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11 جانفي 2006)

المديرة العامة لوكالة النهوض بالاستثمارات الخارجية:

«ضرورة أقلمة الاستثمارات العربية مع حاجيات الاقتصـــاد التونســــــي»

تونس – الصباح استراتيجيات التنمية والقائمات على ضرورة الاقتراب من مؤشرات الدول المتقدمة تجعل من مختلف المجالات الاقتصادية تصب في خانة خدمة هذه الاهداف والاستثمار الخارجي بدوره لا يخرج عن بوتقة أهداف مسار التنمية لذلك وجب أقلمته مع متطلبات الاقتصاد الوطني… تلك هي أبرز ملاحظة استنتجتها «الصباح» في لقاءها مع منجية الخميري المديرة العامة لوكالة النهوض بالاستثمارات الخارجية (FIPA)  التي حملت لها هاجس ضعف الاستثمارات العربية في تونس في ظل توفر امكانيات هامة لدى المستثمرين العرب وحيث دار معها الحوار التالي: – يلاحظ في سنة 2004 أن حجم الاستثمارات العربية البينية قد تجاوز 5 مليار دولار وكان نصيب تونس فيها 77،0% فقط كيف تعلقون على هذا الضعف في استقطاب هذه الاستثمارات؟ في البداية أود الاشارة إلى أن الاستثمارات العربية والمستثمرين العرب يحتلون مكانة هامة في تونس فهم يأتون في المرتبة الثانية من بعد الاتحاد الاوروبي والاستثمارات العربية تمثل على سبيل المثال 4،29% من جملة الاستثمارات التي استقطبتها تونس في 2005. الجميع يلاحظ أيضا الطفرة التي تعرفها المنطقة العربية في مجال الاستثمارات خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وارتفاع أسعار النفط في الاسواق العالمية لكن وفرة الأموال الموجودة في المنطقة لا يعني توافقها مع استراتيجيات التنمية الموجودة في تونس بحيث أن هذه الاستثمارات يمكن أن تهم مجالات ليست فيها لتونس مزايا تفاضلية أو لا تمثل أولوية تنموية في الوقت الراهن. – على هذا الأساس ماهي القطاعات التي يحبذها المستثمر العربي؟ هي بالتأكيد القطاع التجاري وخاصة أيضا النشاط السياحي والبعث العقاري وهي قطاعات غير مفتوحة تماما وخاضعة لبعض الشروط المعينة. – هل تعيق الاشكاليات الموجودة استقطــاب هذه الفئة من المستثمرين؟ في الواقع هناك بحث عن صيغة تلبي في ذات الوقت احتياجات الاقتصاد التونسي وتضمن أيضا مردودية للمستثمرين العرب والحل يكمن حسب رأيي في رأس مال المخاطرة الذي يقوم بجذب الاستثمارات العربية واستغلالها في الصناعات التي تمثل أولية كالصناعات الالكترونية والكهربائية.. إضافة إلى تشخيص المشاريع التي يمكن لهم أي المستثمرين العرب المشاركة فيها والتي أثبتوا أن لهم امكانيات كبرى سواء تقنيا أو ماليا وبالفعل قامت الوكالة أثناء الزيارة التي أداها الوزير الاول إلى المنطقة بإنجاز ملف كامل يضم المشاريع التي يمكن للمستثمرين العرب المشاركة في طلبات عروضها الدولية على غرار الميناء بالمياه العميقة وتهيئة الضفة الجنوبية لبحيرة تونس الجنوبية ومحطة لتحلية المياه.. وهي مشاريع عبر فيها الجانب العربي عن اهتمام كبير. – انطلاقا من هذه الطموحات ماهي خطة عمل وكالة النهوض بالاستثمارات الخارجية؟ انطلاقا من الاستجابة لدى أوساط المستثمرين لهذه المشاريع تنوي الوكالة فتح مكتب في دبي لاستهداف رؤوس الاموال العربية سواء عن طريق مكاتب الخبرة أو عن طريق البنوك الموجودة في تونس النشيطة في هذه المنطقة وهناك حاليا بنك يعمل بصفة لصيقة على هذه الاسواق. حاورها: وليد الدرعي (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11 جانفي 2006)

مؤشر «التحرر الاقتصادي» حسب الأمريكية «هاريتاج فاوندايشن»:

تونس في المرتبة 99 من ضمن 157 دولة

تونس ـ الصباح : اسندت مؤسسة «هاريتاج فاوندايشن» (Heritage Foundation) الامريكية التي تقوم بدراسات اقتصادية لفائدة الحكومة الامريكية الفيدرالية لتونس درجة 3.24 نقاط كمؤشر لتحرر الاقتصاد لسنة 2006 ويعني هذا المؤشر بان الاقتصاد التونسي «غير محرر نسبيا» مما خول لتونس التمركز في المرتبة 99 عالميا من ضمن 157 دولة شملها التصنيف. واختارت ذات المؤسسة اقتصاد «هونغ كونغ» الاكثر حرية للمرة 12 على التوالي حيث تحصل على درجة 1.28 يليه سنغافورة بـ 1.56 نقطة وايرلنـدا بـ 1.58 نقطة وتأتي في اخر القائمة كوريا الشمالية بـ 5 نقاط بعد ايران بـ 4.51 نقطة. مما يذكر فان مؤشر تونس لـ 2005 كان في مستوى 3,14 اي افضل للمؤشر السنة الحالية لطابع الركود التي عرفتها ابرز المؤشرات الاقتصادية في تونس ويعود تراجع مؤشر التحرر الاقتصادي لتونس حسب ذات الدراسة الى كثر الاوراق الادارية التي يتطلبها مشروع اقتصادي وضعف النفاذ الى التمويل بما يعيق نمو الاستثمارات الخاصة والذي وصف بالبطىء هذا  الى جانب ارتفاع التضخم  رغم التجكم فيه. واحتلت تونس المرتبة 99 عالميا من ضمن 157 دولة وقع تصنيفها والمرتبة 10 عربيا من ضمن 15 دولة عربية شملتها الدراسة. وتتصدر القائمة العربية دولة البحرين التي احرزت على 2.23 نقاط كمؤشر التحرر الاقتصادي وذلك يعني بان اقتصادها متحرر ومنفتح نسبيا تليها دولة الكويت (المرتبة 50 عالميا) ثم الاردن (المرتبة 57 عالميا). ويتراوح المؤشران 1 و5 درجة حيث يعتبر الاقتصاد المتحصل على 1 الاكثر تحررا و5 الاكثر انغلاقا كما يتناول المؤشر عشرة عوامل اقتصادية منها مستوى تدخل الدولة في الاقتصاد وحقوق الملكية وتدفق رؤوس الاموال والقطاع البنكي والمالي. وتحصل الاقتصاد التونسي على درجة 5 في السياسات التجارية وذلك يعني مستوى عال من الحماية للاقتصاد وذلك على خلفية ارتفاع المعاليم الجمركية عند التوريد والتي قدر معدل نسبتها الى 27.4% من قيم الواردات وتستند مؤسسة «هارتياج» في استنتاجاتها الى تقرير للبنك العالمي هذا الى جانب عدم تناسق وانتظام الاجراءات الادارية عند التوريد. وحافظ الاقتصاد التونسي على درجة 4 في كل من «تدفق رؤوس الاموال والاستثمار الخارجي»  و«القطاع البنكي المالي» وذلك يعني ارتفاع الحاجز الاقتصادي امام الاستثمار وصعوبة الحصول على التمويلات ويعتبر التقرير بانه رغم مساعي الحكومة التونسية الى استقطاب الاستثمار الخارجي المباشر الا انها توجه هذه الاستثمارات نحوه قطاعات اقتصادية محدودة الاختيارات وذلك لحماية الاستثمارات المحلية علي سبيل المثال لا يحق للمستثمرين الاجانب امتلاك اراضي فلاحية كما لا يمكن للمستثمر الاجنبي امتلاك اكثر من 49% من رأس مال الشركات المقيمة الا بترخيص من الدولة حسب ذات المصدر. من جانب القطاع المالي والبنكي ترى مؤسسة وارتياج بان الدولة تلعب دورا رئيسا من خلال مساهمتها في راس مال 6 بنوك تجارية من اصل 14 بنكا تجاريا تنشط في تونس يجدر التوضيح في هذه النقطة ان الدولة تخلت عن مساهمتها في بنك الجنوب والاتحاد الدولي للبنوك. كما احرزت تونس على درجة 3.9 لعامل «العبء الضريبي» وهي معدل لثلاثة مؤشرات ضريبية والمتمثلة في «الضريبة علي الدخل» (3.5) و«الضريبة على المرابيح» (4.5) و«تحكم الدولة في الميزانية» (3) وقد بقيت هذه المؤشرات الثلاثة دون تغير مقارنة بسنة 2004. ويعود ذلك الى ارتفاع العبء الضريبي الذي يبلغ احيانا 35% هذا الى جانب التقلص البطىء لنسبة مصاريف الدولة من الناتج المحلي الاجمالي والتي تراجعت بـ 0.6 من النقاط سنة 2003 لتبلغ 27.2% حسب ذات التقرير. وساهمت المؤسسات العمومية سنة 2004 بنسبة 8.11% من مداخيل الدولة وهو ما جعل مؤسسة هارتياج تعتبر تدخل الدولة في الاقتصاد متواضعا حيث اسندت درجة 2.5 وحافظت تونس على درجة 3في كل من «حماية حقوق الملكية» و«التنظيم الاداري» و«السوق الموازية» نبيل الغربي (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11 جانفي 2006)

1.3 بليون دولار كلفة مصفاة النفط التونسية الثانية

تونس – سميرة الصدفي      قدَر خبراء اقتصاديون حجم الاستثمارات اللازمة لإنجاز مصفاة النفط التي تعتزم تونس إقامتها بـ 1.3 بليون دولار. ويبحث التونسيون حالياً عن مستثمرين لتمويل مشروع لإنشاء مصفاة ثانية للنفط في مدينة الصخيرة الساحلية (300 كيلومتر جنوب العاصمة تونس). وأطلقت الحكومة دفتر عروض دولياً في هذا الشأن، قبل نهاية العام الماضي. وكان رئيس الوزراء محمد الغنوشي ناقش الموضوع مع شخصيات إماراتية خلال جولة خليجية قادته إلى كل من الإمارات وعُمان أواخر العام الماضي. وأوضح المصدر أن طاقة المصفاة ستصل إلى 120 ألف برميل يومياً من النفط، 70 في المئة منها للتصدير، فيما تُخصص البقية للسوق الداخلية. ولا تكفي كميات النفط الخام التي تنتجها تونس حالياً لسد حاجات المصفاة، لذلك ستعتمد على النفط المستورد من ليبيا والجزائر المجاورتين. وتوجد في تونس مصفاة قديمة في محيط ميناء بنزرت وهي تعتمد أساساً على النفط الخام المحلي، لكنها لم تعد قادرة على تأمين حاجة السوق من مشتقات النفط، ما حمل الحكومة على التخطيط لإقامة مصفاة ثانية تؤمن حاجات البلاد من المشتقات النفطية على أن يُصدر الفائض إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. وكثفت تونس عمليات الاستكشاف بسبب نضوب النفط من الحقول الرئيسة. وفي هذا الإطار ارتفع عدد الإجازات الممنوحة لمجموعات أجنبية للتفتيش عن النفط والغاز إلى 12 إجازة في العام الماضي. كذلك استُكمل حفر 8 آبار استكشافية، وساعد انطلاق الإنتاج في حقل «آدم» النفطية في حزيران (يونيو) الماضي في الحد من تراجع الإنتاج المحلي من المحروقات، إذ قدر متوسط الإنتاج في الحقل بـ 20 ألف برميل يومياً، أي ما يعادل 8 في المئة من إجمالي الإنتاج المحلي. ويتوقع أن يصل الإنتاج الإجمالي للحقل إلى 820 ألف طن في العام الحالي. وأجازت تونس أخيراً لمجموعتي «باسكال بتروليوم كومباني» الأميركية و «جيو ستات تكنولوجي» النمسوية القيام بأعمال التنقيب عن النفط في منطقة مساحتها 2096 كيلومتراً مربعاً في محافظة تطاوين المتاخمة للحدود المشتركة مع ليبيا. وتعهدت المجموعتان حفر بئرين استكشافيتين بكلفة استثمارية قُدرت بعشرة ملايين دولار. كذلك باشرت مجموعتا «أطلس بتروليوم إيكسبلوريشن وورلد وايد» البريطانية و «يوروغاز انترناشيونال آي أند سي» الكندية، أعمال تنقيب عن النفط والغاز في عرض سواحل مدينة صفاقس (وسط)، وتشمل 4041 كيلومتراً مربعاً باستثمارات قدرت بـ 3.5 مليون دولار. (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 11 جانفي 2006)


قضايا وآراء 2006 العربي

تاريخ النشر: الأربعاء 11 يناير 2006, تمام الساعة 12:15 مساءً بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة   د. أحمد القديدي :
من عام إلى عام يتحول العالم من مرحلة إلى مرحلة ويعيد تقييم الواقع والأحداث والرؤى والتصورات والأهداف، لأن العالم يتحرك والإنسان يتطور والشمس تشرق وتغرب على كون يتغير، حتى الطبيعة والبيئة يتبدلان وحتى الهواء الذي نتنفسه إما يتلوث أو يصفو بالتدريج، سنّة الحياة وناموسها الثابت هو التغيير، والذي لا يتغير يسير نحو الفناء أكان يدرك ذلك أم يجهله. سيان في نظر التاريخ المتحرك، تسعى الدنيا نحوالجديد، والتجديد شرط من شروط بقائها وبقائنا. فهل نحن العرب واكبنا مسيرة الكون في هذا الفلك الدوار الذي نسميه الحضارة؟ وهل تقدمنا أم تقهقرنا أم ظللنا في مربع الانطلاق لا نبرحه إلى حين؟ سؤال حكيم لابد من مواجهته في مطلع عام فاجأنا بحلوله كما فاجأنا بأحداثه! وما أحوجنا إلى الاقتداء بتشخيص أحد حكماء العرب أستاذنا محمد حسنين هيكل وهو يقرأ تاريخنا العربي الراهن على ضوء تراكم الأخطاء وتعاقب الخيبات، لا للقيام ببكائية على أطلال أوهامنا بل لانجاز يقظة من سبات أهل الكهف، تهزنا هزا عنيفا من رقدة العدم كما سماها في إحدى قصائده الشاعر أبو القاسم الشابي «إرادة الحياة».
لا أخفي القراء العرب الكرام بأن هذه الخواطر جالت في خاطري وأنا أحضر في باريس في نهاية العام الماضي 2005 ندوة علمية نظمها معهد العالم العربي حول مواضيع علمية يشترك فيها العرب مع الأوروبيين، وكان عجبي على أشده حين سمعت رئيس المعهد وهووزير فرنسي سابق السيد ايف غينا يقول للعلماء العرب المشاركين في الندوة ما يلي: إننا مستعدون في أوروبا للتعاون معكم وعقد الشراكات المفيدة مع العالم العربي، لكن نتمنى أن نراكم أنتم أنفسكم العرب تتعاونون فيما بين بعضكم البعض، والمشكلة التنموية العربية اليوم ليست مشكلتكم مع العالم بل مع أنفسكم كعرب. نعم والله هكذا تكلم أحد العارفين بالشأن العربي والمتعاطين يوميا مع قضايانا، وشعرت من جهتي برغبة في أن تبتلعني الأرض وأنا عربي من بين العرب. فالمأساة العربية التي نتذكرها في رأس هذا العام الجديد هي مأساة الانقسام والقطيعة بين دولنا والتي تذهب شعوبنا ضحايا لها في حين كان العربي يسافر من وطنه الصغير إلى وطنه الأكبر من المحيط إلى الخليج وهويحمل لغته العربية جواز سفر ويحمل تراثه العربي تأشيرة دخول. فمن تونس إلى مصر على سبيل المثال رحل الخليفة المعز لدين الله الفاطمي وقائد جيشه جوهر الصقلي وأتيا الفسطاط فأسسا مدينة القاهرة التي تلقب إلى اليوم بالقاهرة المعزية وأنشأ الرجلان فيها الجامع الأزهر الشريف. ثم في القرن الثامن انتقل العلامة ابن خلدون من تونس إلى مصر ليتحمل في القاهرة منصب قاضي القضاة ثم يكلف بالمفاوضات مع تيمور لنك في أحداث شهيرة. وفي العشرينيات من القرن العشرين سافر من تونس إلى القاهرة الشيخ العالم محمد الخضر حسين ليصبح بعد سنوات قليلة من التدريس شيخ الأزهر الشريف ومرجع علمائه الأفاضل ويكتب عن الحرية في الإسلام. وفي الثلاثينيات من القرن الماضي أيضا تنقل بين تونس ومصر الشاعر العبقري محمود بيرم التونسي صاحب قصيدة «شمس الأصيل» ذهبت خوص النخيل «يا نيل» التي غنتها أم كلثوم، وهو شاعر لا تعرف بالضبط هل هو تونسي أم مصري حين تقرأ قصائده التي ناضلت في الحركة الوطنية التونسية والمصرية على السواء. هذا بين بلدين عربيين فقط وآلاف الأمثلة من التاريخ قديمه وحديثه تجدها بين الشام ومصر والخليج العربي وشمال إفريقيا لها كلها دلالة واحدة وهي أن العرب أمة واحدة، وستظل كذلك إن شاء الله، حتى لوألغينا شعار ذات رسالة خالدة لصاحبه ميشال عفلق، لأنه يحشرنا في حزب.
وفي نهاية العام المنقضي طالعت مداخلات ندوة نظمتها في تونس مؤسسة التميمي للبحث العلمي التي أسسها صديقنا الفاضل الأستاذ الدكتور عبدالجليل التميمي وتدور حول سؤال هو ماذا خسرت بلدان المغرب العربي من انعدام التنسيق وضياع فرص الاتحاد؟
فهذه البلدان لا تفصل بينها لا حدود جغرافية ولا تاريخية ولا طائفية، بل كل ما فيها يوحدها إلى غاية كفاحها المشترك ضد الاستعمار الفرنسي لكنها اليوم شذر مذر لم يجتمع قادتها منذ 1989 تاريخ تأسيس اتحاد المغرب العربي، وتتعاون الدول المغاربية مع شريكها الأوروبي كل على حدة أكثر بكثير من تعاونها فيما بينها؟ وقد أصاب رسام الكاريكاتير في احدى الصحف الخليجية الذي رسم لوحتين تمثل الأولى العالم وهو يطوي صفحة 2005 ويفتح صفحة العام الجديد 2006 وتمثل الثانية المواطن العربي وهو يفتح نفس الصفحة ولكن تظهر لنا سنة 1906 وهو رسم عميق الرمز لأننا في كثير من الحالات لم نجد أجوبة ملائمة لأسئلة حضارية كبرى طرحها مصلحونا ومفكرونا في مطلع القرن أمثال عبدالرحمن الكواكبي ورشيد رضا والوزير خير الدين باشا ورفاعة رافع الطهطاوي ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني، ولهذا السبب فنحن كأنما ندشن عام 1906 لا عام 2006 بعكس أمم الأرض. فهل فشلنا في تحقيق التوفيق الضروري بين التاريخ والجغرافيا مثلما قال الزميل الفاضل صلاح سالم، لأننا تاريخيا ظللنا نلتفت للماضي ونتحسر عليه دون القدرة على الاستلهام منه، وجغرافيا ظللنا نتأمل في نجاحات الغرب وتفوقه وريادته دون القدرة على اللحاق به. أليست هذه الاشكالية هي الأهم والأخطر اليوم ونحن ندخل عامنا العربي الجديد؟ وأليس الأجدر بجامعة الدول العربية أن تعقد حولها مؤتمرا يشارك فيه المفكرون العرب لا الموظفون العرب…. وكل عام والقراء الأعزاء بألف خير!


 

نائب الرئيس السوري يفجر قنبلة عبر قناة العربية

   

بقلم جمال العرفاوي   كثيرة هي الملاحظات التي يمكن الخروج بها من الحوار الذي أجراه نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام مع قناة العربية الاسبوع الماضي.
فهذا الحديث أجري وسط العاصمة الفرنسية باريس. التي سارع الفرنسيون إلى نفي علمهم بوجود هذا المسؤول السوري من الحجم الكبير على أراضيهم والحال أن المعلومات التي تدفقت عقب هذا الحوار أكدت أن خدام عقد اجتماعات مطولة ودورية مع السيد سعد الحريري نجل الراحل رفيق الحريري، ومع بعض رموز المعارضة اللبنانية المسيحية. وكذلك مع السيد وليد جنبلاط زعيم الحزب الاشتراكي اللبناني عندما زار العاصمة الفرنسية قبل شهر.
حتى أن صحيفة « القدس العربي » كشفت بدورها عن زيارة أداها آصف شوكت رئيس جهاز استخبارات الجيش السوري إلى باريس قبل شهرين وحاول خلالها اقناع السيد خدام بالعودة إلى سوريا وممارسة مهامه كنائب للرئيس ولكنه رفض هذا العرض كليا.
وأمام هذه الحقائق متجمعة هل يمكن للمراقب المحايد لهذه الاحداث أن يقتنع بأن باريس لم تكن على علم بوجود خدام على أراضيها، خاصة وأن عدة عواصم عربية وأوروبية تناقلت أصداء الاخبار التي تحدثت عن امكانية تشكيل جبهة معارضة للنظام السوري يكون من أبرز قادتها خدام والرجل القوي الآخر اللواء المتقاعد حكمت الشهاببي رئيس هيئة أركان الجيش السوري السابق والذي أتى بدوره قبل نصف عام إلى باريس قادنا من واشنطن ؟
وفي انتظار فهم حقيقة موقف الفرنسيين من « خدام » وإن كان « فاجأهم » بما أقدم عليه أم أنهم أرادوا الظهور بمظهر « المحايد » في الصراع الداخلي السوري. أم أنهم هم وغيرهم من شجع خدام عن الخروج عن صمته والقاء تلك « القنبلة » السياسية التي انتشرت شظاياها في أكثر من عاصمة.
لقد أحدثت تصريحات خدام زلزالا في الحياة السياسية السورية وبدرجة أخرى الحياة السياسية اللبنانية التي هي الآن في حالة تجاذب متسارعة بين ما يطلق عليهم « الموالاة » و »المعارضة » (لسوريا).
فخدام ليس رجلا عاديا، فهو لا يزال يشغل منصب نائب الرئيس (وان كان صوريا) وهو جزء من النظام البعثي في أعلى مراتبه وصانع خياراته لعقود طويلة وبالتالي فإنه مطلع على كل الخفايا والزوايا المظلمة في دمشق. وكذلك وخاصة الساحة اللبنانية التي تحولت الآن إلي « مصيدة » للنظام السوري.
فخدام لم يكشف فقط عن الطريقة التي تدار به الأمور في سوريا سياسيا واقتصاديا وأمنيا فخلال حديثه شدد على أنه لم يبعد ولم يبتعد عن الساحة السياسية السورية مما يشير إلى أنه مازال يلعب دورا في الحاضر ومستعد للعب أدوار أخرى في المستقبل « لست مبتعدا ولست مبعدا جئت إلى باريس ليتسنى لي كتابة مرحلة هامة من تاريخ سوريا والمنطقة. في هذه المرحلة كنت أحد القياديين الأساسيين في التخطيط وفي التنفيذ في مجال سياستنا الخارجية ورأيت أن من واجبي الوطني أن أؤرخ هذه المرحلة لتطلع الأجيال وليطلع الناس على الحقائق والوقائع الصحيحة حيث استطعنا أن نحقق لسوريا مكانة مرموقة في الساحتين العربية والدولية ».
وكان خدام نفسه قام خلال الصائفة وأثناء انعقاد المؤتمر العام لحزب البعث قبل أن يقيله الرئيس السوري من منصب نائب رئيس القيادة القطرية، قدم مداخلة عنيفة انتقد فيها جمود الحزب وغياب الاصلاحات وعدم جذب القيادات الشابة. كما انتقد بشدة السياسة الخارجية السورية والسيد فاروق الشرع رئيس الدبلوماسية السورية وحمله مسؤولية عزلة دمشق العربية والدولية.
خدام لم يتوقف في حديثه عن الشأن الداخلي السوري بل تعداه للكشف عن ما أسماه بغياب القانون في سوريا علما بأن هذا الأخير كان جزءا من نظام الحكم طوال 35 سنة. يقول نائب الرئيس السوري « القانون غائب، الحاضر هو المصالح الضيقة للمقربين من الرئيس، أما المؤسسات فقد اقتصر دورها على تغطية قرارات الرئيس » النائب المتمرد هدد بكشف جميع الملفات ليس من أجل اظهار الحقيقة كما قال في وقت سابق ولكن إذا ما تعرض إلى تهديد « لدي الكثير مما أقوله، لقد تعرضت لخمس محاولات اغتيال ».
دمشق من جهتها لم تبق مكتوفة الأيدي وتحركت من داخل قبة مجلس الشعب الذي وصف خدام بابشع النعوت، مطالبا بمحاكمته طبقا لأحكام الخيانة العظمى. وفي الأثناء جرت تسريبات عديدة تخص الأملاك والمنقولات التي جمعها خدام وعائلته.   ملف الحريري
ولكن الشظايا التي انطلقت من قنبلة خدام لن تركن في بيروت التي تبحث عن حقيقة اغتيال رئيس وزراءها السابق بل توزعت على عواصم القرار ولعل من أبرزها واشنطن وباريس التين طالبتا بأن يطال التحقيق الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته فاروق الشرع حتى أن وزير الخارجية البريطاني جاك سترو انتقل عشية يوم الاربعاء (28ديسمبر) إلى بيروت في زيارة تستغرق ثلاثة أيام بالكمال والتمام.
عن اغتيال الحريري قال النائب المتمرد « علينا انتظار التحقيق » ولكن بسؤاله إن كانت العلاقات جيدة بين القيادة السورية وبين الحريري ؟ أجاب قائلا « هناك تهديدات وجهت من قبل القيادة السورية إلى المرحوم الحريري، فعندما يقول رئيس جهاز الأمن السوري رستم غزالة لزواره وهو يلعب بمسدسه بمنزله سأعمل كذا وكذا بالحريري . هناك تهديدات كثيرة وجهت إليه سواء في دمشق أو بيروت وهناك كلام خطير قيل عنه »، ويضيف خدام « في احدى المرات استدعي الحريري إلى دمشق، وهذا كلام سمعته من الرئيس بشار الأسد وغازي كنعان (وزير الداخلية السابق الذي قيل انه انتحر بمسدسة في مقر الوزارة). قبل لقائه الشهير بالأسد وتم اسماعه كلاميا قاسيا جدا جدا والرئيس نفسه أكد لي ٍأنه أبلغه كلاما قاسيا جدا ».
وقساوة الكلام الذي يتحدث عنه خدام تناقلته وسائل الاعلام اللبنانية والعربية والدولية بعد اغتيال الحريري إذ تردد أن بشار الاسد قال للحريري بالحرف الواحد « أنه سيسحق من يخرج عن موقفنا وقرارنا في لبنان فخرج الحريري وأصيب بنزيف في الأنف ثم أخذه غازي كنعان ليهدأ الموضوع ».   ما رأي تل أبيب؟
تعتبر تل أبيب، التي تعد العدو اللدود للنظام البعثي في سوريا والتي مازالت « نظريا » في حالة حرب معه، من أهم المستفيدين من هذه الأجواء المضطربة التي تحيط بسماء دمشق، خاصة وأن بدايات حريق انطلقت شراراتها الأولى من فم نائب الرئيس السوري شخصيا.
ولكن تعليقات الصحف العبرية حول ما أدلى به خدام من اعترافات واتهامات عبر شاشة العربية تصب جميعها من الوهلة الأولى لصالح النظام القائم في دمشق اذ أنها اعتبرت أن ما قاله خدام لا يعدو أن يكون انتقاما شخصيا، بل أن هذه الصحف وضعت خدام في حرج كبير بعد أن كشفت عن لقاءات زعمت أنه أجراها في باريس مع رجال في الاستخبارات الاسرائيلية الموساد.
تسفي بارئيل محرر الشؤون العربية في صحيفة هآرتس الاسرائيلية اعتبر أن مقابلة خدام مع تلفزيون العربية تأتي في سياق حملة انتقام خدام من « النظام السوري بعد اقصائه من مواقع السلطة ».
لكن الكاتب الذي نقل تحاليله موقع عرب 48 (1-1-2006) أكد أنه « ليس ثمة تخوف على سقوط النظام السوري أو تفككه وإنما ما نشهده هو صراع داخلي ». مضيفا أن خدام كان مقربا من الحريري وبواسطة النظام السوري السعودي وهذا ما مكنه من ادارة شؤون لبنان من سوريا.
« ولكن هذه العلاقة تحولت إلى قنبلة زمنية في عام 1998 عندمالم يكن بشار رئيسا بعد لكنه كان يعد نفسه للمنصب » وأضاف بارئيل ان  » بشار الاسد كان يخشى في حينه من خدام الذي رأى نفسه خلفا للرئيس حافظ الأسد وأن خدام سيمنعه من الوصول إلى منصب الرئاسة من خلال أموال الحريري والعلاقة مع السعودية ».
وحسب معلق هآرتس فإنه بعد اقصاء خدام من السلطة استمر الحريري في ولائه له وهكذا نشأ تحالف بين الحريري وخدام وغازي كنعان وذلك مقابل تحالف بين الجنرال رستم غزالة الذي حل محل كنعان في لبنان ووزير الخارجية فاروق الشرع وعائلة الأسد »
هآرتس رأت أن ما اعتبرته « استعراض خدام في تلفزيون العربية من شأنه أن يوثق صفوف النظام السوري ضد الهجمة السياسية اللبنانية الأمريكية الفرنسية ».
من جهتها كتبت مراسلة صحيفة يديعوت أحرونوت الواسعة الانتشار في اسرائيل سمدار بيري « أن البيت الفخم الذي يقطنه خدام في ضواحي باريس كان خلال الاشهر الاخيرة محلا للقاءات سرية. اذ حضر إلى هناك عملاء أجهزة الاستخبارات الفرنسية والامريكية والسعودية وطاقم التحقيق التابع للأمم المتحدة ».
وحسب بيري فإن اسرائيل أيضا لم تجلس مكتوفة الأيدي : »ان كبار المسؤولين في أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية تمكنوا منذ أربعة شهور من وضع تحليل مفصل حول أداء بشار الأسد والظروف التي قادت إلى اغتيال الحريري ».   إذا القنبلة السياسية التي فجرها عبد الحليم خدام نعرف توقيتها ونعرف أيضا إلى أين اتجهت شظاياها وقد نعرف قريبا ضحاياها ولكن منشأها سيبقى رهنا بمعرفة مستثمريها.

 (المصدر: موقع  Le Journal    http://www.gplcom.com/journal/arabe/article.php?article=4  ) 


سياسة الكيل بمكيالين والمغالطة الإعلامية هي التي تصنع الإرهاب وتسوق للكراهية والعنصرية.

خميس قشة / هولندا- روتردام من المعروف أن لكل بداية نهاية ولو طالت وان لكل طاغية نهاية هذا ما يمكن أن نرثي به شارون نعزي مناصرية ومحبيه دون شماتة لان المرض و الموت حق، و الله وحده المتفرّد بالديمومة والبقاء، و بالعزة والكبرياء. يودعه العالم سياسيا في جو من الأسى والأسف مع حقبة من حكمه المليئة بابشع مجازر العصر الحديث انه فعلا « بلدوزر » كما يفضل هو هذه التسمية، قتل الكثير: الكبار و الصغار، النساء والأطفال والمقعدين ولم يسلم حتى الشجر والحيوان، ونكل بالشعب الفلسطيني البرئ الأعزل الآمن وهجر وشتت الكثير في صمت دولي رهيب حتى وصلت به الغطرسة انه يحي ويميت عندما دفع في مجلس وزرائه لتصفية عرفات رحمه الله وسط مباركة دولية وكان ذلك في عملية مشبوهة لا يعلم خباياها احد حتى الآن. ولقد شاهدنا وتابعنا اهتمام الإعلام المضلل بمرضه بأسلوب منحاز وممنهج ومبرمج لصناعة المعلومة الكاذبة المشوّهة لإبرازه على أفضل صورة، مع اهتمام واسع لساسة العالم وقلقهم على حياته منذ وعكته الأولى إلى التدهور الأخير مركزين عليه كحمامة سلام يفتقدها العالم … انه فعلا عالم غريب انقلبت فيه الموازين وأصبح الحق فيه باطلا والمجرم مسالما والمحتل محررا والدكتاتور ديمقراطيا وتحول أصحاب الرأي إلى مجرمين و عملاء، والوطنيين إلى انتهازيين… إن هذه التناقضات وسياسة الظلم والحيف والتضليل التي اجتاحت العالم الذي تحركه قوى عظمى وتتلاعب به قوانين الغابة حيث يأكل القوي الضعيف ، وينتقم اللئيم من الكريم وتفترس الوحوش بني البشر بلا رحمة ، هي المسؤولة عن صناعة الإرهاب، هذه الكلمة التي أصبحت كثيرا ما تتردد سواء على ألسنة الساسة أو العامة ،والصورة المرتبطة بالأذهان أصحاب هذه الأيدلوجية هم المسلمون دون النظر إلى أسباب الغضب والحنق الشديدين النابعين من الشعور بأنه ليس من سبيل آخر لرفع المظالم التي تحيق بالمسلمين، التي دفعت بعض المسلمين اليائسين المتهورين للانغماس في مثل هذه الأفعال المرفوضة لأن الظلم مهما كانت بشاعته وسواء وقع على المسلمين أو غير المسلمين في أي مكان في العالم، لا يبرر الأعمال العنيفة إنما هو نتاج تفسير ضيق ومتعصب يجانب الصواب. وبالمقابل فان غالب شعوب هذه الدول التي تدعم الظلم وقهر الشعوب وتشرع لاحتلال الدول بمسميات مختلفة شعوب متحضرة ومسالمة ومتشبثة بالحياة وقد عبرت عن رأيها في عديد من المناسبات وأذكر باستطلاع للرأي العام الذي أجراه الاتحاد الأوروبي وسط الشعوب الأوروبية و بيّن أن إسرائيل من بين الدول التي تهدد السلام الدولي، ويشير الاستطلاع المذكور أن حوالي 60% من الأوروبيين منهم 75% من هولندا يعتقدون أن دولة إسرائيل خطر يهدد السلم الدولي و يهدد الأمن والاستقرار، رغم مغالطات الإعلام التي ذكرناها، تبقى هذه المجتمعات الأوروبية مدركة للمخاطر التي يشكلها الاستعمار على البشرية والاحتكام إلى لغة القوة والغطرسة ، إن القيم الحضارية التي تربوا عليها وتشبعوا بها تحتم عليهم إرساء العدالة والمساواة في وجه الظلم والطغيان في بقاع شتى من العالم، خدمة للإنسانية جمعاء. والى أن يصبح هذا الشعور واقعا حقيقا وسياسة متبعة عندها ينحصر الارها ب ولن يجد له نصيرا وينعم العالم بالأمن والأمان (المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 11 جانفي 2006) 

 

«مثلث الماس» الإيراني وسر السيناريو الرقم 2

محمد صادق الحسيني (*)      حذر الأمين العام لمجلس الأمن القومي الايراني علي لاريجاني أوروبا مما سماه باللجوء الى «السيناريو الثاني» اذا ما اختارت الترويكا الأوروبية التشدد مع ايران ومنعها من نيلها حقوقها المشروعة في دورة نووية كاملة كما تنص عليه معاهدة حظر الانتشار النووي. واذ لم يوضح لاريجاني مضمون هذا السيناريو إلا أنه قال عنه ان «السيناريو الذي نتحدث عنه تم التخطيط له بحيث اننا اذا ما لحقت بنا هزيمة ما فإن الآخرين أيضاً ستلحق بهم الهزيمة في المنطقة…»، كما ورد في تصريحات أدلى بها المسؤول الأول عن الملف النووي الايراني للتلفزيون الايراني الرسمي المخصص للبث الخارجي «شبكة جام جم». وتأتي تحذيرات لاريجاني في الواقع في لحظة حرجة بالنسبة الى الترويكا الأوروبية فيما تشعر طهران بأنها مرتاحة و «متمددة» على غير عادتها، على حد وصف أحد المحللين السياسيين المطلعين على مطبخ صناعة القرار الايراني، وذلك بسبب انشغال خصومها التقليديين بأكثر من ملف معقد واستغراقهم تماماً بالمستنقع العراقي! فاللحظة حرجة بالفعل بالنسبة الى الأوروبيين الذين بدأوا يفقدون زمام المبادرة بعدما خطفها منهم الروس وبعد إقرار الأميركيين بعجزهم في خيار التصعيد العسكري والأمني ضد طهران والطلب الى الترويكا الأوروبية للبحث عن حل حواري مناسب في الوقت الاسرائيلي الضائع، أي من الآن الى ما بعد منتصف شهر آذار (مارس) المقبل، حيث موعد التئام مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجدداً. الايرانيون الذين التقطوا خيط المبادرة الروسية القاضية بالتخصيب فوق أرض الشريك المتعهد بإكمال محطة بوشهر النووية لتقطيع الوقت حتى نهاية العام 2007، وهي المدة التي تعهدت فيها موسكو للايرانيين بتأمين الوقود النووي اللازم لتشغيل المحطة لمدة عام على الأقل بعد اتمامها كما هو مفترض في نهاية العام 2006، فإنهم – أي الايرانيين – اغتنموا فرصة «ضياع» الترويكا الأوروبية بين الحليف الأمني المتعثر في العراق والشريك الاقتصادي المناكف لهم بالغاز وبغيره، ليعلنوا عودتهم الكاملة عن خطوتهم التطوعية المعروفة بـ، «خطوة بناء الثقة»، وذلك بإعلام مدير الوكالة الدولية محمد البرادعي بأنهم سيستأنفون خلال الأيام القليلة المقبلة «نشاطات البحوث والتطوير حول برنامج الطاقة النووية المعلق في اصفهان» مغلقين الباب سلفاً أمام أية تنازلات بهذا الصدد من خلال اعلان المسؤول الأول عن الملف المذكور بأن هذا الأمر غير مطروح على طاولة المفاوضات مع الأوروبيين في التاسع من كانون الثاني (يناير) الجاري مطلقاً! في هذه الأثناء ظلت تصريحات احمدي نجاد «الصاروخية» تتواصل سواء بشأن «المحرقة» المزعومة على حد قوله أو بخصوص المسألة الفلسطينية عموماً والتي أضاف اليها أخيراً قوله: «ان العالم كان بحاجة الى صدمة من الحقيقة حتى يخرج من الكسل والخمول الذي ساد التعامل معها المحافل الاقليمية والدولية»، مصعداً لهجته للمرة الأولى ضد ما سماه «سياسة التودد لأوروبا» التي انتهجها سلفاه رفسنجاني وخاتمي والتي قال انها «لم تحقق شيئاً يذكر، بينما خفضت من مكانة ايران في العالم الاسلامي» كما ورد في مناقشة له مغلقة مع البرلمان الايراني. هذا الكلام الجديد نسبياً من احمدي نجاد اذا ما تم وضعه الى جانب الخطوات الجدية والصارمة المتخذة من جانب مجلس الأمن القومي الايراني بخصوص الملف النووي، في اطار ما سمع أخيراً من خالد مشعل في طهران من جبهة متحدة تضمه الى جانب طهران ودمشق و «حزب الله»، فإن بعض مضامين السيناريو الثاني الذي يتحدث عنه لاريجاني ويحذر منه الأوروبيين يصبح مفهوماً. انها استراتيجية «الردع الشامل» اذن التي سبق الاشارة اليها في مقالات سابقة، حيث يعتقد مقربون من مطبخ صناعة القرار الايراني بأن احمدي نجاد وفريق عمله الجديد وعلى رغم التزامهم المعلن بسياسة الحوار والصراحة مع المجتمع الدولي الا انهم على استعداد كامل ايضاً لأي خيار قد يفرض عليهم أو على أي من حلفائهم الاقليميين لا سيما ضلعي «مثلث الماس» الاقليمي الآخرين أي دمشق وبيروت بعدما اعتبر احمدي نجاد في تصريحات له أخيراً بأن طهران مسؤولة ليس فقط عن أمنها القومي بل وعن الأمن القومي لحلفائها ايضاً. كل المؤشرات اذن تفيد بأن طهران ليست بصدد التخلي عن حقها الذي تعتبره مشروعاً وملزماً للمجتمع الدولي بالحصول على «دورة نووية كاملة» من بين بنودها الحق في تخصيب اليورانيوم على أرضها. والخطوة الأولى في هذا الطريق الذي يقرر فريق احمدي نجاد اليوم استئنافه هو في العودة الى مهمة التحقيقات والبحوث وتطوير البحوث في مجال الطاقة النووية المصرح بها، التي كان معمولاً بها ايضاً تحت اشراف كاميرات اللجنة الدولية للطاقة الذرية. وان لدى طهران من أدوات الردع الكافية بنظرها ما يجعل أي منع لاستمرار برنامجها تصاب فيه بالضرر أو «الهزيمة» ان يفضي بالضرورة الى «هزيمة» مماثلة تلحق «بالآخرين» في المنطقة. هل هو اذن المبدأ الذي يقول ان «ثمن المقاومة أقل من ثمن الاستسلام» والذي بات يجمع بين طهران ودمشق وبيروت وما يجمع بينها من «الثابت» الفلسطيني الذي يبدو أنه سيظهر من جديد في العام 2006، ليكون هو الملف الأكثر سخونة بعد استراتيجية الانسحاب الأميركي من العراق!
(*) كاتب متخصص في الشؤون الايرانية. (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 11 جانفي 2006)  

حسين كامل السوري!!

  

فاضل الربيعي (*) بعض الذين علقوا على تصريحات نائب رئيس الجمهورية السابق في سوريا عبد الحليم خدام، مؤخرا، شبهوا خطأ انشقاق الرجل على النظام الذي سهر عند مهده طوال 35 عاما، وكان من حرسه الحديدي القديم، بأنه تجسيد لطموح شخصي في لعب دور جديد في سوريا جديدة بلا بعث. وأكثر من ذلك شبهوا هذا الطموح الممزوج باستعدادات غير مسبوقة ومفاجئة للتعاون مع الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص بأنه طموح لتقمص دور أحمد الجلبي في العراق. الأصح، في كل هذا الوصف والتشبيهات، أن خدام وجد نفسه وقد لعب دور حسين كامل صهر الرئيس العراقي الأسبق وليس دور الجلبي، وأن نصيبه من لعب دور جديد في سوريا جديدة شبيه تماما بنصيب صهر صدام عشية الاحتلال. الفارق في الشخصيتين موضوع التشبيه، هام للغاية وحاسم لجهة فهم الدور المتوقع وحدوده الواقعية في المرحلة القادمة. الرجلان كانا، في بلديهما الشقيقين الجارين البعثيين من أركان النظام وأعمدته السبعة المقدسة لسنوات طويلة، بل ومن « عظام الرقبة » في الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس. الأول كان موظفا صغيرا في طرطوس، تدرج في عالم السلطة بفضل تقربه من الرئيس الراحل حافظ الأسد قبل وبعد الحركة التصحيحية في السبعينيات من القرن الماضي، حتى أعلى مراتبها وزارة بعد أخرى ومنصبا رفيعا بعد آخر. الثاني كان عسكريا صغيرا (رقيبا) شاءت الأقدار أن يكون ضمن فريق حماية الرئيس صدام، حيث كاد في إحدى المرات وأثناء الحرب مع إيران يفتديه بدمه عندما ألقى بنفسه على الرئيس لحمايته بعد سقوط قذيفة بالقرب من الموكب. هكذا وجد نفسه وقد نال أعلى مراتب السلطة موقعا بعد آخر، ثم أمسك أخيرا بكنز المعلومات والأسرار، فأصبح هو وليس أحدا سواه، مالك أخطر الملفات (البرنامج العلمي والعسكري العراقي). الأول أي خدام، غادر دمشق إلى باريس وهو لا يزال في منصب نائب الرئيس، وكذلك الثاني حسين كامل خرج من بغداد إلى عمان وهو لا يزال في موقع المسؤولية وبرتبة فريق ركن. ولئن غادر عبد الحليم خدام دمشق مع عائلته بذريعة التفرغ لكتابة المذكرات الشخصية والسياسية فإن شبيهه القديم كامل غادر بغداد مع عائلته أيضا، بذريعة تلبية دعوة رسمية لزيارة بلغاريا. الرجلان غادرا بلديهما بهدوء شبيه بذلك الذي يسبق عادة العاصفة قبل أن تزمجر. ما حدث أن العاصفة زمجرت بالفعل في باريس كما زمجرت من قبل في عمان بعد وقت قصير من وصولهما. الأول اختار لإعلان انشقاقه إجراء مقابلة صحفية مطولة مع مندوب « قناة العربية » في باريس، أما شبيهه القديم حسين كامل فقد اختار من قبل عقد مؤتمر صحفي في عمان ليعلن من هناك انشقاقه على نظام صهره الرئيس صدام حسين. ما قاله كامل بحق نظامه الذي كاد -ذات يوم- يفتديه بدمه قاله خدام بطريقة ثانية لا تختلف كثيرا من حيث المضمون والمنطوق، وهو يستذكر المحاولات الخمس التي تعرض فيها للموت دفاعا عن رئيسه ونظامه. الأول وجه اتهامات صريحة بشأن برنامج العراق النووي ومسؤولية النظام عن إخفاء الحقيقة، وكان من نتائج ما قاله أن تعززت القناعة في الكويت الصغيرة خصوصا بوجود « شيء ما » ينقص الحقيقة التي يتوق العالم إلى معرفتها. الثاني وجه اتهامات مماثلة وصريحة لنظامه أيضا، بشأن إخفاء الحقيقة حول « تصفية الحريري » كان من شأنها أن عززت القناعة في لبنان الصغير خصوصا بوجود شيء ما ينقص الحقيقة المطالب بكشفها. وبينما مثل حسين كامل أمام لجنة من محققي الـ »سي.آي.أيه » ووكالة الطاقة الذرية لفحص وجمع المعلومات التي قدمها، فإن الثاني سوف يمثل -إن لم يكن قد مثل سرا- أمام لجنة التحقيق الدولية الخاصة بمصرع الحريري. الرجلان من وجهة نظر الجهات الاستخبارية الدولية، كنزان لا يقدران بثمن، الأول ختم حديثه وهو يسرد بعض الأسرار، بالقول إنه عائد إلى بغداد بكل تأكيد، ولكن دون تقديم أي توضيح عن كيفية عودته بعد الزلزال، أما الثاني فقد بدأ حديثه مستبقا كل تأويل بالتأكيد على أنه عائد إلى دمشق، وبالطبع من دون أن يفسر أو يوضح هو الآخر أي شيء بشأن قرار العودة المفترضة. وكما حدث هرج ومرج في بغداد فور سماعها الرجات الأولى لزلزال عمان، حدث هرج ومرج في دمشق بعد سماع الرجات الأولى من زلزال باريس. نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق طارق عزيز وصف كامل بأنه « يهوذا الإسخريوطي » خائن المسيح، بينما كان تلفزيون بغداد يبث على الهواء إعلانات متكررة عن « هدر العشيرة لدم ابنها المارق حسين كامل »، في حين عقد المجلس الوطني العراقي جلسة صاخبة وصف فيها المنشق « بالخائن ». الأمر نفسه حرفيا حدث مع السيد خدام، حين انبرى مجلس الشعب السوري بكل فرسانه، لتجريم الرجل ووصفه بالخيانة والارتباط بالمخابرات الأميركية والإسرائيلية. وكما رد كامل من عمان ببيان صحفي نفى فيه ارتباطه بالمخابرات الأميركية أو الإسرائيلية، فقد وجد خدام نفسه مضطرا للرد ببيان صحفي من باريس ينفي فيه مثل هذا الاتهام، ويؤكد أن منزله في باريس لا يعج برجال الـ »سي.آي. أيه » أو الموساد. ولكن ماذا بعد الضجة في باريس وعمان؟ دعونا نعود إلى ما حدث للشبيه القديم من أجل التكهن بما يمكن أن يحدث للشبيه الجديد، فقد كان حسين كامل صهر الرئيس يعتقد بسبب جملة معطيات وإشارات تلقاها طوال أشهر من الضغط الدولي المتواصل على العراق، أنه مؤهل بحكم ما يملك من مواقع ومعلومات لأن يعلن دون تردد، أنه يفضل خلاص العراق على خلاص نظامه. وكان إلى جانب هذا الاعتقاد يؤمن أيضا بأن بوسعه إعادة إنتاج نفسه ودوره في عراق جديد، وأن من الأفضل بالنسبة لرجل طموح وذكي مغادرة السفينة الموشكة على الغرق بسرعة، من أن ينتظر غرقها الوشيك دون جدوى، وأن الغرب يمكن أن يقدر في النهاية قيمة الخدمة التي سيتطوع لتقديمها، وبالتالي فإن الغرب سوف يكافئه وقد يجزل له العطاء. ما حدث أن « كنز المعلومات والأسرار » اندلق بسرعة وأصبح بين أيدي نهابين لا يشبع نهمهم شيء، فلم تمض سوى أسابيع قليلة حتى كان بريق النجم الذي سطع في سماء عمان يخفت ويذوي، وبالكاد كان هناك من يرغب في سماع أي تصريحات جديدة للصهر المنشق. في النهاية انفض السامر من حوله ووجد كامل نفسه بعد تسليم جميع الملفات مجرد ورقة في ملف عتيق قرر مستخدموه رميه في الزبالة. إن الساعات العصيبة الأخيرة من حياة حسين كامل قبل مغادرته الدراماتيكية إلى بغداد عائدا يجر أذيال الخيبة، مفضلا سيف صدام حسين في عنقه على الاستمرار في العزلة وتلقي سيل الإهانات غير المنقطع في العاصمة الأردنية، يمكنها أن تلخص أبلغ تلخيص الثمن الحقيقي لذلك الجموح في الخيال، وربما الوهم، بإمكانية أن يلعب الرجل نفسه دورا « جديدا » في نظام آخر، وعراق آخر صمم خالقوه على أن يكون خاليا تماما من الوجوه القديمة. بكل تأكيد ليس عبد الحليم خدام السوري هو نفسه حسين كامل العراقي، وهذا التطابق الشكلي في الظروف وربما القناعات السياسية والأوهام لا يفرض علينا القبول بأي وصف يطابق بين مهارات الرجلين السياسية، فخدام أذكى بكل يقين من أن تخدعه الأوهام نفسها التي داعبت مخيلة حسين كامل، وليس من المرجح أنه سوف يمضي على الطريق نفسها التي سار عليها صهر صدام، بحيث يتخيل نفسه منقذا ترسله العناية الإلهية من أجل وقف تدهور حياة السوريين الذين بلغ مصابهم أنهم صاروا يأكلون من « براميل النفايات ». وهي كذبة أعجب شخصيا كيف أن خدام لم ينتبه لسخافتها. ولأن خدام أذكى من شبيهه القديم حسين كامل، سيكتشف أن التفريق بين النظام والوطن أمر سهل للغاية، متاح وميسور أمام كل شخص حتى ولو كان يأكل من برميل النفايات، ولكن ليس بالنسبة لرجل عاش كل حياته رافضا أي تفريق بين المفهومين، بل وبالنسبة لرجل كان يعاقب السوريين لأنهم يميزون بين الوطن والنظام. هل يكون أمرا مفاجئا لو أننا شاهدنا خدام بعد أسابيع أو أشهر قليلة فقط من الآن وقد انزوى نهائيا في قصره المنيف في باريس، مكتفيا من الغنيمة بالإياب، أي بنجاته الشخصية من المصير الذي يتوقعه أو يتخيله لأركان نظامه؟ بيد أن النجاة من العقاب، أيا كان شكله، قد لا تساوي في النهاية الثمن الفادح الذي يسدده المرء من تاريخه، وحتى من صحته وهو يعيش مرارة الشعور بالإثم. وإذا كان الأول حسين كامل قتل على يد أصهاره وأبناء عمومته، ووسط ضجيج شبيه بضجيج القبائل لحظة الثأر أو القصاص من خصمها، فإن الثاني خدام، سيفضل الرقود في فراش وثير بانتظار ملك الموت، يائسا إلا من رحمة الله، وموقنا أن الأدوار في الحياة لا توهب مرتين، وأن السوريين أذكى من أن يصدقوه أو أن يرحموه عائدا إليهم بعدما ذاقوا على يديه وأيدي أبنائه سما زعافا طوال 35 عاما. ترى، ماذا كان سيحدث لو أن دمشق لم تتصرف كما تصرفت بغداد مع صهرها المنشق؟ وماذا كان سيحدث لو أن فرسان مجلس الشعب السوري لم يجربوا بطولاتهم التلفزيونية على النحو نفسه الذي جربه برلمانيو بغداد المعينون؟ وماذا كان سيحدث لو أن دمشق كانت أكثر هدوءا ورباطة جأش وهي تستقبل تصريحات صهرها المنشق؟ ما يتذكره السوريون والعراقيون جيدا هو أن الرئيس الراحل حافظ الأسد كان في زيارة رسمية إلى القاهرة حين جرى إبلاغه لحظة وصوله إلى المطار بهروب الفريق الركن حسين كامل صهر الرئيس صدام. سمع الأسد سؤالا من صحفي مصري عجول يقول: سيدي الرئيس هل ستعقدون قمة استثنائية لبحث الوضع في العراق بعد هروب وانشقاق صهر صدام؟ فرد الأسد مبتسما وببرود مذهل: وهل كلما هرب أحد نفعل ذلك؟ ثم استدار نحو الرئيس المصري وأطلق ضحكة ساخرة ومضى. في هذه اللحظات العصيبة وحيث تسمع دمشق رجات الزلزال الأولى القادمة من باريس تغيب لسوء الحظ أطياف الأسد الأب وتتلاشى ابتسامته الساخرة. كل ما يلزم دمشق الآن وقد مضى وقت مناسب يكفي لاستعادة رباطة الجأش بعد الصدمة إنما هو، وعلى وجه التحديد، استذكار حقيقة أن خدام ليس سوى حسين كامل آخر، أعاد الغرب إنتاجه في ظروف مشابهة ومماثلة تقريبا لظروف العراق، لا من أجل تمكينه من لعب دور جديد بل من أجل استخدامه أداة في لعبة الضغط وشد الأعصاب، وأن صمود دمشق الحقيقي لن يكون ممكنا من دون تخطي مجلس الشعب نحو الشعب. التاريخ، كما يقال، يتكرر مرتين، مرة في صورة مأساة ومرة في صورة مسخرة. (*) كاتب عراقي (المصدر: ركن المعرفة بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 11 جانفي 2006)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.