الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

Home – Accueil

TUNISNEWS
8 ème année,N°3032 du 10.09.2008
 archives : www.tunisnews.net 


 

حــرية و إنـصاف:أخبار الحريات في تونس

حــرية و إنـصاف: تــــــــــــــــــــــــــــــــــعزية

النقابة الجهوية للتعليم الثانوي ببنعروس: بــــــيـــــــــــــــــــــان

النقابة الجهوية للتعليم الثانوي ببنعروس: عـــــريــــــــــــــضة

الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي:إلى الأخ الأمين العام:طلب تدخل عاجل من أجل إيقاف تتبعات تأديبية

رويترز: صحفي تونسي يقاضي وكالة حكومية للانترنت لحجبها موقع فيسبوك

د. أحمد بوعزّي : قضية (فايسبوك) وما وراءها

إيلاف : الشابي لإيلاف : التعتيم مؤشّر على استمرار النهج الانغلاقي وتصريحات رايس دليل على قلق حلفاء النظام

القلم الحرّ سليم بوخذير : عندما تفتح تصريحات كونداليزا رايس أبواب الأمل في الإصلاح في تونس

الصباح : أمين عام الاتحاد العام لطلبة تونس في لقاء صحفي : سنسعى لعقد مؤتمرنا الموحد خلال الأشهر القليلة القادمة معولين على امكانياتنا الذاتية

ايلاف: تونس: اتحاد الطلبة يناشد بن علي التدخّل لعقد مؤتمره

حزب العمل الوطنيّ الديمقراطي: نشرة الكترونيّة عدد 68

محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي : الرسالة التي أخطأت وجهتها!! : الجزء الثاني

مراد رقية:مستوصف قصرهلال الجهوي شعبة صحية وملحق للجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي

محمد شمام : مرحلة التمكين لدعوة الإسلام وتأسيس نموذجه المجتمعي

السبيل أونلاين : الخطاب السياسي والديني في تونس من خلال التجربة البورقيبية (6)

محمد العروسي الهاني : التحويرات الأخيرة في الديوان السياسي للتجمع الدستوري الديمقراطي لها جداولها على الصعيد السياسي والإجتماعي

جلال ورغي : صعود الجماعات المسلحة والمستقبل السياسي والأمني في شمال إفريقيا في تحد للحرب الدولية على ‘الارهاب’

صلاح الدين الجورشي : العسكر والديمقراطية في العالم الإسلامي: آخر حلقات المواجهة

د.خــالد الطــراولي : بنك الزيتونــة الإسلامــي : لنضع النقاط على الحروف! [الجزء الثاني]

عبد السلام المسدّي  : عودة المقدّس

ياسر زعاترة  : حرب سلطة رام الله المفتوحة على حماس
رشيد خشانة : ليبيا تتصالح مع واشنطن لاستعادة دورها في أفريقيا والمتوسط


 

(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To readarabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)


أسماء السادة المساجين السياسيين من حركة النهضة الذين تتواصل معاناتهم ومآسي عائلاتهم وأقربهم منذ ما يقارب العشرين عاما بدون انقطاع. نسأل الله لهم  وللمئات من الشبان الذين تتواصل حملات إيقافهم منذ أكثر العامين الماضيين فرجا قريبا عاجلا- آمين 

 

21- هشام بنور

22- منير غيث

23- بشير رمضان

24- فتحي العلج 

 

16- وحيد السرايري

17-  بوراوي مخلوف

18- وصفي الزغلامي

19- عبدالباسط الصليعي

20- الصادق العكاري

11-  كمال الغضبان

12- منير الحناشي

13- بشير اللواتي

14-  محمد نجيب اللواتي

15- الشاذلي النقاش

6-منذر البجاوي

7- الياس بن رمضان

8-عبد النبي بن رابح

9- الهادي الغالي

10- حسين الغضبان

1-الصادق شورو

2- ابراهيم الدريدي

3- رضا البوكادي

4-نورالدين العرباوي

5- الكريم بعلو


 

أنقذوا حياة السجين السياسي المهندس رضا البوكادي حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في  10 رمضان 1429 الموافق ل 10/09/2008

أخبار الحريات في تونس

 
1)زكية الضيفاوي تتهم أحد أعوان البوليس السياسي بتهديدها بالاغتصاب: مثلت اليوم الأربعاء 10/09/2008 المناضلة السياسية و الناشطة الحقوقية الصحفية زكية الضيفاوي صحبة مجموعة أخرى من المحالين أمام أنظار محكمة الاستئناف بقفصة للنظر في القضية عدد 3952 و قد ذكرت أثناء استنطاقها من قبل رئيس المحكمة أنها تعرضت للتعذيب و التهديد بالاغتصاب من قبل أحد أعوان البوليس السياسي المدعو محمد الموصلي ، و قد شهدت قاعة المحكمة حضورا مكثفا للمحامين الذين ركزوا على الطبيعة السياسية للقضية و أكدوا نفي المتهمين لما نسب إليهم من أفعال و أقوال كما سجلوا أفعال التعذيب التي تعرض لها منوبوهم. و قد قرر القاضي تأخير النظر في القضية لجلسة يوم الاثنين 15/09/2008. 2)رفض المتهمون المثول أمام القضاء ليأسهم من عدالته: نظرت الدائرة الجنائية الصيفية السابعة و العشرون برئاسة القاضي منوبي بن حميدان في القضايا الأربع عدد 11717 و 11895 و 115597 و 11482 المتهم فيها ثمانية و عشرون شابا بتهم تتعلق بقانون 10/12/2003 غير الدستوري ، و قد رفض جملة المتهمين المثول أمام هيئة المحكمة وبقوا بقاعة الانتظار مرددين شعار الله أكبر نتيجة يأسهم من عدالة المحكمة علما بأنهم رفضوا في الجلسة الماضية بتاريخ 3/9/2008 المثول أمام القاضي الذي قرر التفاوض إثر هذه الجلسة و الحكم دون تمكين الدفاع من الترافع. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري  


أنقذوا حياة السجين السياسي المهندس رضا البوكادي حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في  10 رمضان 1429 الموافق ل 10/09/2008

تعزية إنا لله و إنا إليه راجعون

 
انتقلت إلى جوار ربها السيدة مهنية بنت أحمد البهلي ( 81 عاما ) والدة السجين السياسي السابق السيد منير الشرقي على الساعة الثامنة و النصف صباحا من يوم الثلاثاء و وقع تشييع جنازتها صباح اليوم الأربعاء 10/09/2008 إلى مقبرة الجلاز. كما انتقل إلى جوار ربه السيد حفيظ بن محمود المقدود ( 79 عاما ) والد السجين السياسي السابق و اللاجئ السياسي الحالي بسويسرا السيد منصف مقدود بعد إصابته بجلطة قلبية ، و وقع تشييع جنازته مساء اليوم الأربعاء 10/09/2008 إلى مقبرة الجلاز. و حرية و إنصاف تتقدم لعائلتي الفقيدين بأحر التعازي سائلة المولى القدير أن يتغمدهما برحمته و يسكنهما فراديس جنانه و أن يرزق عائلتيهما جميل الصبر و السلوان.  و لتقديم التعازي للعائلتين يرجى الاتصال ب: –الأخ منير الشرقي : 22.273.911 00216 – الأخ منصف المقدود : 0041417110350 /0041413220260 عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري


 

الإتحاد العام التونسي للشغل الإتحاد الجهوي للشغل ببنعروس النقابة الجهوية للتعليم الثانوي ببنعروس:
بــــــيـــــــــــــــــــــان بن عروس في 21 أوت 2008         
 نحن الإطارات النقابية بقطاع التعليم بجهة بن عروس المجتمعين اليوم 20 أوت 2008 تحت إشراف الإتحاد الجهوي للشغل ببن عروس و بحضور النقابة العامة للتعليم الثانوي و بعد ما بلغنا من اعتزام الإدارة إحالة الأخت نجيبة البختري ، عضوة النقابة الجهوية للتعليم الثانوي ببن عروس ، على  » مجلس التأديب  » : 1) نعلن عن رفضنا ما يحاك ضدّ زميلتنا من تهم باطلة و ملفّقة و نعتبر ذلك ضربا من الإدارة للعمل النقابي. 2) نعتبر تهديد الأخت نجيبة البختري محاولة من الإدارة للتغطية على تجاوزات مدير المدرسة الإعدادية 2 مارس بالزهراء و لذا نطالب بمحاسبته بناء على الملف الذي قدمته النقابة الجهوية للتعليم الثانوي ببن عروس إلى وزارتي التربية و التكوين و الشباب و الرياضة و التربية البدنية في شأن تجاوزاته التي كانت سببا في توتر العلاقات بين الأساتذة و الغدارة داخل المؤسسة التربوية. 3) نطالب بفتح تفاوض جدي حول تردي الوضع المهني و التربوي في إعدادية 2 مارس بالزهراء ، و نعلن عن استعدادنا للدفاع عن زميلتنا نجيبة البختري و عن الحقّ النقابي بكل الأشكال النضالية المتاحة.   عن النقابة الجهوية للتعليم الثانوي الكاتب العام المنصف الهاني  

الإتحاد العام التونسي للشغل الإتحاد الجهوي للشغل ببنعروس النقابة الجهوية للتعليم الثانوي ببنعروس:
 عـــــريــــــــــــــضة بن عروس في 21 أوت 2008     
    
  نحن الممضين أسفله ، بعد ما بلغنا من اعتزام الإدارة إحالة الأخت نجيبة البختري عضوة النقابة الجهوية للتعليم الثانوي ببن عروس على  » مجلس التأديب  » نعلن عن : 1) تنديدنا الشديد بما يحاك ضد زميلتنا من تهم مفتعلة على خلفية نشاطها النقابي. 2) تمسكنا بمحاسبة مدير إعدادية 2 مارس بالزهراء على تجاوزاته في حق الزملاء الأساتذة المضمنة في الملف الذي قدمته النقابة الجهوية للتعليم الثانوي ببن عروس إلى وزارتي التربية و التكوين و الشباب و الرياضة و التربية البدنية. 3) تجندنا للدفاع عن زميلتنا نجيبة البختري و عن الحقّ النقابي بكل الأشكال النضالية المتاحة.  

الاسم و اللقب

الصفة

الإمضاء

 

 

 


الاتحاد العام التونسي للشغل الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي تونس في 21 أوت 2008 إلى الأخ الأمين العام 

الموضوع : طلب تدخل عاجل من أجل إيقاف تتبعات تأديبية

   

الأخ الأمين العام، تحية نقابية، أحال السيد وزير التعليم العالي مؤخرا على مجلس التأديب الأخوة : ·نور الدين الورتتاني، كاتب عام النقابة الأساسية لكلية الاقتصاد والتصرف بنابل بتهم تتعلق بإخلالات مهنية مثل مغادرة قاعة الدرس قبل نهاية الحصة أو تكرر غياباته دون ترخيص مسبق وهي تُهَمٌ أجاب عليها الأخ الورتتاني وفنّدها وفي صورة حدوثها فعلا كان يمكن معالجتها في إطار الكلية أو رئاسة جامعة المكان دون اللجوء إلى مجلس التأديب. وفي حين إقترح ممثلي إطار التدريس حفظ الملف إقترح ممثلي الإدارة النقلة التأديبية للزميل؛ ·محسن الحجلاوي، نائب أول للنيابة النقابية بالمعهد العالي للتكنولوجيات الطبية بتونس، بتهمة عدم مدّ الإدارة بالأعداد في آجالها و تعطيل المداولات و قد أوضح الأخ الحجلاوي في ردّه على الاستجواب الموجه له ملابسات المسألة و عللها بدفاعه عن التراتيب القانونية لعملية الإصلاح الضامنة لشفافيتها. و لقد اقترح ممثلي إطار التدريس في المجلس حفظ ملف الزميل الحجلاوي في حين اقترح ممثلي الإدارة نقلته تأديبيّا.  ·رشيد الشملي أستاذ تعليم عال وناشط نقابي بكلية الصيدلة بالمنستير بتُهَمٍ خطيرة جدّا مثل تدليس أوراق إمتحانات وحجز عينات مخدرة وتعنيف مدير قسم وهي تُهَمٌ أجاب عنها المعني وفنّدها ووردت في الملف مدعومة بوثائق مشبوهة وتبدو مزوّرة. وفي حين إقترح ممثلي إطار التدريس حفظ الملف إقترح ممثلي الإدارة إيقاف الزميل ستة أشهر عن العمل. الأخ الأمين العام، لقد إنعقد مجلس التأديب بالنسبة للأخوة المذكورين في ظروف غير عادية حيث حُرِمَ الأخ نور الدين الورتتاني من حقّ الدفاع وذلك برفض تأجيل موعد الجلسة كما حُرِمَ الأخ رشيد الشملي من حقّ إستدعاء شهود، ومن ناحية أخرى لم يقع تمكين الجامعة العامة من حضور مداولات المجلس. ونظرا للطابع الكيدي لهذه التهم التي تندرج في إطار جملة الإجراءات التعسفية التي ما إنفك وزير التعليم العالي يتخذها ضدّ المسؤولين والناشطين النقابيين، فإننا نطلب من أخوتكم التدخل العاجل من أجل إيقاف هذه التتبعات ضدّ الأخوة المذكورين. ودمتم نصيرًا للنقابيين.  الكاتب العام سامي العوادي  


 

صحفي تونسي يقاضي وكالة حكومية للانترنت لحجبها موقع فيسبوك

   

تونس (رويترز)  قال صحفي تونسي يوم الثلاثاء انه أقام دعوى قضائية ضد الوكالة التونسية للانترنت بسبب حجبها لموقع فيسبوك الشهير رغم تدخل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ليأمر باعادة فتحه امام مستخدميه.   وقال زياد الهاني وهو صحفي مستقل ان الدائرة الثالثة بمحكمة تونس ستنظر يوم الرابع من نوفمبر المقبل في دعوى رفعها ضد الوكالة التونسية للانترنت وهي مؤسسة حكومية يمكنها حجب بعض المواقع على الانترنت.   وطالب الهاني بالتعويض « جراء الضرر الذي لحقه. »   واعتبر ان « تدخل الرئيس شخصيا لاعادة فتح الموقع دليل على خطأ حجب هذا الموقع وعدم قانونيته ».   واشار الى ان الوكالة التونسية للانترنت لجأت للتحايل حينما اظهرت الرمز 404 الخاص بالمواقع غير الموجودة بدلا من الرمز 403 الخاص بالمواقع المحجوبة وهو ما رأى فيه « ضررا حسيا ومعنويا ».   وطالب الهاني بتعويض من الوكالة حوالي خمسة الاف دولار.   واغلقت الوكالة التونسية للانترنت موقع فيسبوك في 18 اغسطس اب الماضي امام مستخدميه المحليين والمقدر عددهم بنحو 28 الف شخص قبل ان يأمر الرئيس الاسبوع الماضي باعادة فتحه.   (المصدر: وكالة  رويتزللأنباء بتاريخ 10 سبتمبر 2008)


   

قضية (فايسبوك) وما وراءها

 

د. أحمد بوعزّي :
 
حُجب موقع (فايسبوك) يوم 24 أوت الماضي لأنه يحتوي على نقاشات بين المشاركين لا تعجب الحكومة فاحتجت بعض الجرائد ثم تدخّل رئيس الجمهورية ففتحه يوم 2 سبتمبر. صفعة للمسؤول على هذه السلطة المجهولة التي تحجب وتغلق وتقرصن. إن كان هذا الموقع مضرا بالبلاد وبالعباد فمن الأصلح عدم فتحه وإن كان غير مضر فيجب معاقبة من أغلقه ظلما. الرقابة أخطأت على الأقل في إحدى المناسبتين. ومعلوم أن أحد الناطقين غير الرسميين باسم الحكومة يقول في كل القنوات التلفزية إن تونس لا تغلق إلا المواقع الإباحية والإرهابية فهل أن موقع فايسبوك إرهابي أم إباحي. حبل الكذب قصير. فايسبوك لم يكن أول موقع يُحجب. في جويلية 2007 ضغطت الوكالة التونسية للإنترنات على إحدى الشركات المسدية للخدمات في تونس لكي تتوقف عن إيواء موقع الحزب الديمقراطي التقدمي pdp.org.tn دون أي تفسير، ممارسة في ذلك تجاوزا للسلطة. موقع الحزب الآخر pdpinfo.org المؤوى في الخارج لم يسلم بدوره من الحجب فالدخول إليه من تونس غير ممكن إذا لم نستعمل (بروكسي). وهناك عشرات بل مئات المواقع الصحفية والحقوقية والمعارضة محجوبة، مثل موقع (tunisnews.net) كما طال الحجب أيضا الأفلام القصيرة التي ينتجها المبحرون على مواقع (يوتيوب و دايليموشن) لأن المعارضة تعرض فيها شهادات حية على ما يقع في تونس وتخفيه وسائل الإعلام الرسمية التي أصبحت حكرا على التجمع الدستوري ومن يبارك سياسته. موقع الحزب المؤوى في الخارج تعرض إلى عدة عمليات للقرصنة كما هو الحال لعديد المواقع المعارضة للسلطة. المدونات المستقلة تتعرض بدورها للحجب مثلها مثل الإذاعات المستقلة التي تبث عبر النات، الإذاعات الموالية للحزب الحاكم لا تتعرض للحجب بل أن الوكالة تقوم بالإشهار لها. المواقع التي تأوي برمجيات لتفادي الرقابة وتمكّن من الإبحار بحريّة محجوبة بدورها. الحكومة التونسية تقول أنها لم تحجز أي جريدة منذ مدة طويلة، فماذا نسمّي ما فعلت عندما أغلقت موقع الحزب المؤوى قانونيا في تونس ؟ الوكالة تتصرف وكأنها خُصخصت لفائدة الحزب الحاكم، تعمل لفائدته، تعتدي على من يعارضه ولا تعتبر نفسها ملكا لكل التونسيين. وقد قابل الغلق والحجب من طرف الوكالة تفنن الشباب التونسي في المراوغة بالرقابة والولوج إلى هذه المواقع المكروهة، بينما اكتفى المتصفح العادي بالاشتراك في الرسائل الإعلامية (نيوزقروب) التي يرسلها الناشطون الحقوقيون لتصله في شكل رسالة يومية في صندوق بريده. والوكالة تحاول أن تمنع التونسيين من قراءة هذه الرسائل باستعمال كل الوسائل بما فيها غير القانونية. تغلق الرقابة كل الصناديق المفتوحة عبر المسديين التونسيين والتي تتلقى هذا الصنف من الرسائل، وبقيت الصناديق المفتوحة في الخارج محفوظة من الغلق في البداية. فبدأت الوكالة بغلق بريد (ياهو) لمدد محدودة لإبعاد الناس عنه نظرا لصعوبة فتحه، ثم توقفت عن ذلك منذ ثلاث أو أربع سنين تقريبا لأنها رأت أن ذلك لا يجدي، ثم بعد عشر سنوات من المحاولة استطاعت قرصنة صناديق بريد (ياهو) و(قوقل) وأصبح الناس يجدون كلاما قبيحا ورسائل إباحية مكان رسائلهم. للتخلص من القرصنة التي يتعرضون لها اضطر المبحرون إلى استعمال (قوقل) لفتح صندوق بريدي جديد وشفّروا رسائلهم باستعمال https حتى لا تقرصنها الوكالة، أما مستعملي (ياهو) فقد حوّلوا رسائلهم أوتوماتيكيا إلى عنوان جديد فتحوه على (قوقل). أغلب مواقع الواب الرسمية التونسية أو التابعة للمؤسسات الحكومية أو شبه حكومية في حالة يرثى لها ولا يمكن الاستفادة من تصفحها وهي عادة مفتوحة للديكور. ويتّضح من خلال ذلك جليا أن الحكومة عاجزة عن دخول العالم الرقمي واستعمال الواب لتوجيه المواطنين وإعلامهم. ورغم حالة هذه المواقع المزرية فإن المهندسين الذين وقع توظيفهم من طرف الرقيب في هذه القرصنة أثبتوا قدرتهم على التحكم في الشبكة والسيطرة عليها، وكان من الأفضل أن تمكّنهم الدولة من بعث مشاريع في ميدان صناعة الواب وفي ميدان الأمن على الواب وهي مشاريع خالقة لمواطن الشغل وخالقة للثروة وجالبة للعملة الصعبة. عوض ذلك وُظّف هؤلاء الشباب لمخالفة القانون بأن يستعملوا ذكاءهم للتخريب والاعتداء على سرية المراسلة وعلى حق المواطن في إعلام حر. يا للخسارة ! د. أحمد بوعزّي (المصدر: موقع الجزب الديمقراطي التقدمي بتاريخ 10 سبتمبر 2008)  


                                                                                                 

جدل في تونس عقب « تعتيم » الإعلام الرسمي على جزء من تصريحات رايس   الشابي لإيلاف: التعتيم مؤشّر على استمرار النهج الانغلاقي وتصريحات رايس دليل على قلق حلفاء النظام

  إسماعيل دبارة من تونس:  » وبعد أن أشارت إلى أن المحادثة تناولت كذلك مسار الإصلاح في تونس نوهت السيدة كندوليزا رايس بالدور المتميز الذي تلعبه المرأة في تونس.وقالت « إن تونس وأمريكا بلدان صديقان ومن الطبيعي أن تكون لهما نقاشات جيدة جدا ومعمقة حول مسائل داخلية وخارجية ». هذا مقتطف من برقية وكالة تونس إفريقيا للأنباء الرسمية حول المحادثات التي جمعت كلاّ من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي و وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس خلال زيارتها المغاربية الأخيرة إلى كل من ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب.   البرقية استنادا إلى عدد من الإعلاميين التونسيين « لم تكن أمينة في نقل حقيقة تلك النقاشات » التي اكتفت عدد من الصحف المحلية و المواقع الحكومية بوصفها بـ »الجيدة جدا و المعمقة حول مسائل داخلية وخارجية »، في حين تطرقت رايس و بلهجة تبدو حادة إلى مسائل تتعلق بضرورة التسريع بنسق الإصلاح السياسي و فتح الإعلام الرسمي أمام المعارضين. الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية عبر شبكة الانترنتhttp://www.america.gov/ نشر من جهته مقالا أشار فيه إلى أن رايس تطرقت بالفعل إلى توصيات بضرورة الإسراع بنسق الإصلاح السياسي في تونس و فتح المجال الإعلامي أمام المعارضة الغائبة من المشهد السمعي و البصري .   لمّا كانت رايس على متن الطائرة المتوجّهة بها من تونس إلى المحطّة الموالية و أمام إلحاح أحد الصحفيين المرافقين لها ، قالت إنها تطرقت إلى تلك المسائل أثناء محادثاتها مع المسؤولين التونسيين.   و في تعليق له على الجدل الدائر حول تعتيم الإعلام الرسمي على تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية  و محاولته التركيز على مقتطفات منها فحسب، قال المعارض أحمد نجيب الشابي المرشح لانتخابات 2009 الرئاسية و المدير المسؤول لجريدة ‘الموقف’ في تصريحات خصّ بها إيلاف:بالطبع لقد قامت وسائل الإعلام المحلّية بالتعتيم على عدّة ملفات طرحتها رايس خلال زيارتها إلى تونس ومن ذلك فتح المشهد السمعي البصري أمام المعارضة و حثها على التسريع بنسق الإصلاح و احترام حقوق الإنسان في بلادنا، و هذا التعتيم – الذي كشف عنه موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الانترنت بالإضافة إلى عدّة وكالات أجنبية – هو مؤشّر على استمرار السلط في نهجها الانغلاقي و هو تأكيد على أنّ المواقف الخارجية مهما كانت أهميتها لا تكفي وحدها لإحداث الإصلاح الذي يبقى في النهاية مسؤولية داخليّة ملقاة على عاتق القوى السياسية و الاجتماعية التونسية ».   الصحفي سمير ساسي المعروف بمقالتها النقدية قال لإيلاف إن « التعتيم الذي تمارسه الصحافة الرسمية و شبه الرسمية في تونس أضحى مألوفا لدينا ، وهو يؤثّر سلبا على تعطّش المواطن التونسي للمعلومة الصحيحة ، لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول تعتيم على تصريح وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أثناء زيارة رسمية إلى تونس ».   و حول موقفه من زيارة كوندوليزا رايس إلى تونس يضيف السياسي أحمد نجيب الشابي: »زيارتها إلى تونس حلقة من سلسة الزيارات التي تقوم بها إلى دول المنطقة للتباحث مع مسؤوليها حول المصالح الأمنية و الاقتصادية للولايات المتحدة. ومما يلفت الانتباه ، أن محطتها التونسية تميّزت بالتأكيد على ضرورة الإسراع بنسق الإصلاح السياسي و تهيئة البلاد للانتخابات القادمة خاصة بفتح مجال الإعلام السمعي البصري و تأمين حضور المعارضة التونسية فيه ،و على الرغم من التحفّظات التي تثيرها سياسات إدارة بوش في الشرق الأوسط وخاصة في كل من العراق و فلسطين فإن إثارة رايس لقضايا الإصلاح في تونس يُعدّ مؤشرا على قلق حلفاء النظام الدوليين حول مستقبل الاستقرار في غياب إصلاح سياسي جدّي.   و يتابع الأمين العام الأسبق للحزب الديمقراطي التقدمي (يسار وسط) : » أرى في هذا الموقف تأكيدا لصحّة المطالب التي ما فتئت ترفعهما المعارضة التونسية و في مقدمتها تهيئة البلاد لانتخابات حرّة ونزيهة يلعب فيها الإعلام الحرّ دورا محوريّا، وهو بالتالي يوافق مصلحة تونسيّة و مطلبا شعبيّا متأكّدا. »   (المصدر: موقع إيلاف بتاريخ 10 سبتمبر 2008 )  


عندما تفتح تصريحات كونداليزا رايس أبواب الأمل في الإصلاح في تونس

* القلم الحرّ سليم بوخذير   فيما كانت وكالات الأنباء الدوليّة ، وفي مقدّمتها رويترز وفرانس برس، تُذيع بكلّ أمانة فحوى تصريحات السيّدة كونداليزا رايس وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة إبّان زيارتها إلى تونس وما طلبته من الرئيس التونسي، لجأت وكالة الأنباء الحكوميّة التونسيّة إلى التكتّم كالعادة عن أهمّ ما جاء في تصريحات ضيفة تونس وهو طلبها للرئيس إقرار إصلاحات ديمقراطيّة ، بما تُعطي المجتمع حقوقه .   وقد فات الحكومة التونسيّة و وكالة أنبائها المُتكتّمة ، أنّ وسائل إعلامها ليست المُتحكّمة في مسألة تدفّق المعلومة نحو التونسييّن وهناك فضائيّات يُشاهدها الناس تنقل عن وكالات الأنباء الدوليّة كلّ شيء وهناك أيضا أنترنت تمتلئ صفحاته بكلّ جديد .  ولذلك لم تحجب لا « الجزيرة » ولا « العربية » ولا « الحرّة » ولا باقي فضائيّات الإخبار إمّا العربيّة منها أو الأجنبيّة عن مشاهديها من التونسيين ، حقيقة ما ذكرته الوزيرة الأمريكيّة للصحافة من تصريحات عمّا طلبته من الحكومة .  ولمّا كان التونسيّون من أكثر شعوب المنطقة توْقا إلى أيّ بصيص أمل يُحرّرهم من طوق الإستبداد الذي قيّد حقوقهم لعقود في غياب أيّ أمل في الإنتقال الطوْعي من الحكومة إلى الديمقراطيّة ، فقد تركت تصريحات السيدة رايس وطلبها الإصلاح الديمقراطي في تونس ، في نفوس قطاعات من المجتمع حالة من الإرتياح جعلت الأمل معقودا في إمكانيّة أن تستجيب الحكومة ولو نسبيّا إلى ما حثّته عليها وزيرة خارجيّة أهمّ دولة في المعمورة ، من إصلاحات ديمقراطيّة  .  ومبعث الإرتياح أكثر هو أنّ هذه المطالب الأمريكيّة كانت دقيقة ومفصّلة ، فالسيّدة رايس ذكرت أنّها كانت واضحة مع الرئيس التونسي وناقشت معه ضرورة إطلاق حرّية الصحافة والأنترنت وطلبت منه إعطاء المعارضة حقّها في التلفزيون المحلّي .  وفي الواقع ، يبعث الطلب الأمريكيّ للحكومة بالإصلاح ، برسالة واضحة حسب قراءة البعض مضمونها أنّ الولايات المتّحدة تريد أن تكون صداقتها بتونس صداقة بتونس حكومة وشعبا وليست صداقة مع الحكومة فقط ، ولذلك هي حثّت الحكومة على إعطاء المجتمع حقّه في الإصلاح والإنتقال إلى الديمقراطيّة  .  ومن ناحية أخرى جاء الطلب الأمريكيّ للحكومة بضرورة الإصلاح ، ليحمل دلالة جليّة على أنّ الحكومة التونسيّة التي عزلت نفسها عن المجتمع ونخبه المفكّرة وأطيافه السليمة التكوين وراحت تُحكم قبضتها على إرادة التونسيين وعلى الحريات العامّة بالتوازي مع إخفاقاتها المتواصلة في مجالات التنمية وإنتشار معالم الفساد الذي طال قطاعات حسّاسة ، إنّما بدأت تجني نتائج ذلك في علاقتها بالمجتمع الدوليّ .   ذلك أنّ الطلب الأمريكي يُترجم قلقا أمريكيّا على إنسداد الأفق الديمقراطي في تونس (والذي لم يخفِه شكل الحثّ الديبلوماسيّ اللطيف على الإصلاح الذي جاء في إطاره) ، بما يُعطي إنطباعا واضحا عن حجم قتامة الصّورة عن مجال الحرّيات العامّة بالبلد والمُنحدر الذي آل له تدهور حقوق الإنسان في تونس والذي لم تكفِ إسطوانة حرّية المرأة التي يُردّدها النظام دائما ، لتغطية ملامحه المعروفة لدى الجميع .  وفيما عدا تونس، لم ينلْ الجيران في المنطقة المغاربية وخاصّة الجزائر والمغرب إلاّ إشارات الإستحسان للإصلاحات السياسية التي أقدمت عليها حكومة العاهليْن محمد السادس وبوتفليقة ، الأمر الذي يجعل تونس في عُزلة على صعيد الإصلاح السياسي حتى عن أقرب جيرانها اللّذيْن خيّرا توسيع نطاق المشاركة السياسية وإتاحة الفضاء العام تدريجيّا للألوان السياسية حتّى ولو كانت مخالفة لها في الرأي ، دون أن يُثنيها ذلك على مواصلة تصدّيها لظواهرالعنف والإرهاب .  وحتّى شمّاعة الإرهاب التي كانت الحكومة التونسيّة تتعلّل بها وتستعيض بها عن أيّ نوايا للإنتقال الديمقراطي وإطلاق الحرّيات مع أنّنا أصلا لم يشملنا في تونس خطر هذه الآفة ، لم تُعفها من المطالبات الدوليّة بالإصلاح السياسيّ ، لسبب أساسيّ و هو أنّ الديمقراطيّة في حدّ ذاتها هي الآليّة الأكثر نجاعة لتلطيف أيّ ظواهر سياسيّة متصلّبة إن وُجدت، وتُعدّ الفضاء الأسلم والحقل الخصيب الذي تنمو فيه مظاهر الحوار والتواصل الإيجابي الكفيلة بتأمين التعايش المدني السلمي بين مختلف التعبيرات السياسية . ولاشكّ أن الطلب الأمريكي بالإصلاحات السياسيّة في تونس وبفتح الفضاء العام أمام المعارضة ، يُتيح فرصة فسيحة جديدة للحكومة لتُحاول نثر بعض النور على صورتها القاتمة في مجال الحريات وحقوق الإنسان وتدارك المنعطف السيئ الذي آلت له الأمور في تونس ، وذلك بأن تتراجع عن إنتهاكاتها الحقوقيّة وتتخلّى عن حالة تسلّطها المتواصلة على المجتمع و إحتجازها لحقوق التونسيين وتُدخل إصلاحات عاجلة تُغنيها لو أرادت عن عزلتها عن المجتمع .   لكنّ الخوف كلّ الخوف ، أن تُضيّع الحكومة التونسيّة هذه الفرصة كما غيرها من الفرص السابقة وأن تُواصل إمعانها في إحتكار الفضاء العام ونمطها الإستبدادي وتجاهل مطالب الإصلاح ، ممّا سيُعزّز من عزلتها في الداخل ومن الإنتقادات الواردة من الخارج ، وهو أمر لا يُعدّ مُستبعدا .  تونس في 9 سبتمبر 2008 .   * ملاحظة :  يصدر هذا المقال بالتوازي في « تونيس نيوز » وصحيفة « المصريون » اليومية المصريّة .


 

أمين عام الاتحاد العام لطلبة تونس في لقاء صحفي: سنسعى لعقد مؤتمرنا الموحد خلال الأشهر القليلة القادمة معولين على امكانياتنا الذاتية

   

تونس ـ الصباح: جدد السيد عز الدين زعتور الامين العام للاتحاد العام لطلبة تونس نداءه إلى سلطة الاشراف لفتح حوار مع المنظمة الطلابية في كل ما يهم الحياة الجامعية والتشاور بشأن إنجاز المؤتمر الموحد « في ظروف عادية ».  ونبه في لقاء صحفي عقده يوم أمس بمقر الاتحاد بالعاصمة إلى خطورة عدم عقد مؤتمر الاتحاد في أقرب الاجال وهو الذي تأجل مرتين الاولى خلال شهر أفريل من السنة الجارية والثانية خلال أوت الماضي. وكان اللقاء مناسبة تطرق خلالها زعتور إلى استعدادات الاتحاد للعودة الجامعية وموقف المنظمة الطلابية من الحياة الجامعية بشكل عام وبملفات تخص العمل الطلابي النقابي بشكل خاص والعلاقة مع وزارة الاشراف.    ووصف زعتور العودة الجامعية الحالية بالدقيقة والحساسة باعتبارها تطرح « عدة تحديات أكبرها حدة الانفجار العددي والتنوع الكيفي الذان تشهدهما الجامعة خلال السنوات الاخيرة ». وهو ما انعكس على « محدودية طاقة المؤسسات الجامعية على استيعاب الكم الهائل من الطلبة وأثر ذلك على تدني مردوديتها الداخلية والخارجية ».    وأشار أمين عام المنظمة الطلابية إلى الصعوبات التي تعترض الطلبة خاصة من حيث تدهور الوضع الاجتماعي والمادي لاغلب الطلبة، ومحدودية الطلبة المنتفعين بقروض أو منح جامعية، وتقلص دور الدولة في تأمين السكن الجامعي، وعدم توفر التأطير الكافي في المؤسسات الجامعية.. حسب تعبيره.    وذكر زعتور أن مطالب عديدة للاتحاد العام لطلبة تونس ظلت دون رد وخاصة منها ما يتعلق بتشريك الاتحاد في الحياة الجامعية وتسوية وضعية الطلبة المطرودين والمسجونين خصوصا منهم مناضلي الاتحاد مع ضمان حقهم في الشغل.    وبين أن الاتحاد قبل بتأجيل موعد المؤتمر الموحد مرتين رغم قرار الهيئة الإدارية التي حددت تاريخ ومكان عقد المؤتمر خلال أفريل الماضي بكلية العلوم ببنزرت، وذلك استجابة لطلب وزارة الاشراف بسبب تزامن ذلك مع الامتحانات الجامعية، وتم الاتفاق على موعد جديد خلال شهر أوت المنقضي على أن تتم تسوية عدة ملفات. لكن تم تأجيل المؤتمر مرة ثانية. مؤكدا على أن الاتحاد سيسعى لعقد مؤتمره الموحد خلال الأشهر القليلة المقبلة معولا على إمكانياته الذاتية وعلى دعم المنظمات الوطنية وأصدقاء الاتحاد ومناضليه القدامى..    وعن تأثير الخلافات الداخلية على انجاز المؤتمر الموحد، خصوصا الموقف من ما يسمى ب »بمجموعة الخمسة » قال زعتور إنه تمت دعوة هؤلاء المنشقين للالتحاق مجددا لمزيد الحوار والنقاش بشأن الإعداد للمؤتمر الموحد، خصوصا أن أربعة منهم مازالوا أعضاء ضمن المكتب التنفيذي للاتحاد. مشيرا إلى أنه يتم الحرص على تشريك جميع الأطراف الطلابية لكن ذلك لا يعني التوقف على رغبة أي طرف لانجاز المؤتمر من عدمه. مبرزا في الآن نفسه أن جميع الأطراف متمسكة بعقد مؤتمر موحد وفاقي وإن وجد خلاف داخلي فهو ظاهرة صحية وليست سلبية.    رفيق بن عبد الله   (المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس)  بتاريخ 10 سبتمبر 2008 )

تونس: اتحاد الطلبة يناشد بن علي التدخّل لعقد مؤتمره

     

إسماعيل دبارة من تونس:
ناشد عزّ الدين زعتور الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس (منظمة نقابية طلابية قانونية ) رئيس الجمهورية التدخّل لتمكين الإتحاد من عقد مؤتمره. وجدّد زعتور نداءه إلى سلطة الإشراف لـ »فتح حوار مع المنظمة الطلابية في كل ما يهم الحياة الجامعية والتشاور بشأن إنجاز المؤتمر الموحد في ظروف عادية ».   وحذّر الأمين العام لاتحاد الطلبة خلال مؤتمر صحفي عقد بمقرّ الاتحاد وسط العاصمة من « خطورة عدم عقد مؤتمر الاتحاد في أقرب الآجال ».  وكان مؤتمر اتحاد الطلبة قد تأجل في مناسبتين الأولى خلال شهر ابريل والثانية خلال اغسطس الماضي بسبب ما يقول إنه « منطق المناورة و المماطلة والتسويف والاستهانة بقرارات المؤسسة العليا للإتحاد ، وحرمانه من الفضاء والتمويل العموميين ».   و تتطرق زعتور إلى عدّة ملفات تهم العودة الجامعية الجديدة بالإضافة إلى قضايا الطلبة المطرودين والمسجونين وحق الطلبة في الشغل.ودعا الوزارة إلى » المزيد من الجدية في الحوار مع المنظمة في كل ما يهم الحياة الجامعية ،مؤكّدا على تمسكه باستقلالية المنظمة في اتخاذ قراراتها،وحقها في عقد مؤتمرها الموحد داعيا كافة المكونات والأطراف الطلابية الممثلة داخل الاتحاد إلى الحفاظ على منطق الوحدة وعدم المساس بها والتصدي إلى كل المؤامرات الرامية إلى النيل من وحدة الأطراف الطلابية على حدّ تعبيره.   كما وصف عزّ الدين زعتور العودة الجامعية الحالية بالدقيقة والحساسة باعتبارها تطرح « عدة تحديات أكبرها حدة الانفجار العددي والتنوع الكيفي اللذان تشهدهما الجامعة خلال السنوات الأخيرة الأمر الذي انعكس على « محدودية طاقة المؤسسات الجامعية على استيعاب الكم الهائل من الطلبة وأثر ذلك على تدني مردوديتها الداخلية والخارجية ».   كما أشار إلى الصعوبات التي تعترض الطلبة خاصة تدهور الوضع الاجتماعي والمادي لغالبيّتهم ومحدودية الطلبة المنتفعين بقروض أو منح جامعية، وتقلص دور الدولة في تأمين السكن الجامعي، وعدم توفر التأطير الكافي في الجامعات. وجدير بالذكر أن ‘الاتحاد العام لطلبة تونس تأسس في العام 1952 من قبل الحزب الحر الدستوري (سابقا) و بعض قوى اليسار الماركسي و القومي « من أجل تعبئة الشباب الطلابي و المدرسي التونسي ضد الاستعمار الفرنسي ».   و شهد الاتحاد علاقات متذبذبة مع الحكم في تونس إلى غاية انعقاد ما بات يعرف بـ » المؤتمر 18 لاتحاد الطلبة » و الذي انعقد بمدينة قربة في العام 1971 حيث تكونت أغلبية من المؤتمرين تشكلت من يساريين و قوميين و دستوريين استطاعوا أن يمرروا لوائح تدعو للاستقلال المنظمة عن الحزب الحاكم وهو ما أزعج السلطة حينها كثيرا إلى درجة تمسكها بعدم الاعتراف بالاتحاد ممثلا للطلبة التونسيين.   وحسب إفادات لإيلاف يعتبر نقابيو الاتحاد (الذي يرفض كذلك نشاط الطلبة الإسلاميين داخل الجامعة) أن السلطة ردّت منذ انعقاد المؤتمر 18 بشكل عنيف على بوادر استقلالية منظمتهم بالقمع و الضغط المتواصلين بما في ذلك دخول البوليس إلى الحرم الجامعي في عدة مناسبات.   و يقول أيمن ر 23 سنة عضو بـ »الاتحاد العام لطلبة تونس » الذي يتبنى القطيعة التنظيمية و السياسية مع الحكم: »نحن نرفع شعارات راقية للغاية تصب في مصلحة عموم الطلبة التونسيين عكس التجمّعيين الذين يجتمعون في مؤتمر لشرب المشروبات الغازية فحسب دون اهتمام بمشاغل الطلبة المتراكمة من سكن و منحة جامعية و مشاكل بيداغوجية متراكمة …فنحن نعمل وفق مبادئنا التي تنصّ على أن الجامعة التونسية يجب أن تكون شعبية و على أن التعليم ديمقراطي أو لا يكون و أن الحركة الطلابية جزء لا يتجزأ من الحركة الشعبية و أن القضية الفلسطينية تعتبر قضية مركزية لحركة التحرر الوطني في العالم العربي كما أننا نعمل من اجل معارضة الامبريالية العالمية.   و يُحجّر اتحاد الطلبة على منخرطي الحزب الحاكم في تونس الانضمام إلى صفوفه تماشيا مع بند « القطيعة السياسية و التنظيمية مع السلطة ». كما يحاول باستمرار إقصاء الطرف الإسلامي داخل الجامعة عبر منع نشاطاته و استهداف رموزه ومن ذلك حصول عدّة اشتباكات و أعمال عنف بين الطرفين في عدد من الأجزاء الجامعية المختلفة و التي يتواجد ‘الاتحاد’ في أكثر من سبعين جزءا منها. كما يشهد داخل صفوفه انشقاقات و انقسامات بالجملة يرى مراقبون أنها تعطل دوره كمنظمة نقابية تدافع عن مصالح عموم الطلبة التونسيين. (المصدر: موقع ايلاف (بريطانيا) بتاريخ 10 سبتمبر 2008)

حزب العمل الوطنيّ الديمقراطي:

 

 
نشرة الكترونيّة عدد 68 – 11 سبتمبر 2008 كي لا ننسى التحضيرات لاستعمار الوطن العربي: 5 سبتمبر 1860، إثر أحداث دموية مشبوهة قتل فيها الدروز مسيحيين، في سوريا، استغلّت الفرصة بريطانيا وفرنسا والنمسا وبروسيا (ألمانيا) وروسيا للضغط على تركيا(التي كانت تحتل معظم البلاد العربية) وإمضاء معاهدة مهينة، « تهدف إلى عودة النظام والهدوء في سوريا »، باسم الدفاع عن المسيحيين. تونس، أخبار نقابية: ما زالت المفاوضات بين الحكومة واتحاد الشغل متعثرة في القطاع العمومي حيث لا يريد ممثلو الدولة الإستناد إلى معطيات موضوعية، مثل نسبة التضخم والنمو وإنتاجية الموظفين الخ. اقترحت نقابة الشغالين زيادة في الأجور تتراوح بين 4 و5% لاستدراك التدهور الحاصل في المداخيل، بناء على دراسات وإحصائيات علمية، لكن الحكومة لم تستجب لذلك… من جانب آخر، طالب العديد من النقابيين بمساءلة أحد أعضاء المكتب التنفيذي الذي عينته الحكومة عضوا في « مجلس المستشارين » رغم قرار المنظمة النقابية بعدم المشاركة فيه بشكله الحالي… الصباح 05/09/08 تونس: تنظم حركة التجديد بمقرها ب »قصيبة المديوني » 3 ندوات في شهر رمضان أيام السبت 6 و13 و20 سبتمبر على الساعة التاسعة مساء، وتهدف هذه الندوات إلى « دفع العمل الديمقراطي والتقدمي بالبلاد ». كان موضوع الندوة الأولى « المبادرة الوطنية من أجل الديمقراطية والتقدم »، بمشاركة مكوناتها: التجديد، الحزب الإشتراكي اليساري، حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ، ومستقلون… كما حضرها عدد من مناضلي الجهة. أكّد الجميع على ضرورة خلق وتعزيز تيار تقدمي ديمقراطي قادر على الفعل والتأثير في الأحداث، وتقديم بديل تقدمي للوضع الذي تعيشه البلاد…  تونس، حريات1: حوكم يوم 4 سبتمبر في قفصة 6 مواطنين بتهمة « الإخلال بالأخلاق الحميدة والتعرض لحرية الشغل »، بينما يكمن السبب الحقيقي في مشاركتهم في الحركة الإجتماعية الإحتجاجية في الحوض المنجمي. سُلّطت على شاهدٍ ضغوطات للتراجع عن تصريحه المكتوب، مما جعل المحاكمة تدور في ظروف لم تحترم فيها حقوق المتهمين وحقوق الدفاع، فانسحب طاقم المحامين المتطوعين المكون من 25 محاميا، منهم الرفيق محمد جمور والعميد عبد الستار بن موسى… كانت الأحكام قاسية جدا إذ بلغت 16 شهرا سجنا نافذا بالنسبة للبعض… تونس، حريات 2 : أمضى ممثلو أربع فروع للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (المنستير، سوسة، المهدية، القيروان) بيانا يدين الحصار الذي يتعرّض له المناضل النقابي والحقوقي مسعود الرمضاني رئيس فرع القيروان للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنسّق اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي، ويتضامنون معه ومع عائلته وجيرانه الذين يتعرضون لمضايقات مستمرة منذ شهر ماي 2008. يتضامن حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ مع الصّديق مسعود الرمضاني ويدعو إلى رفع الحصار عنه.  محاكمات: تنعقد يومي 9 و 10 سبتمبر جلسات قضائية للنظر في عدد من القضايا المتعلّقة بالحركة الإجتماعية الإحتجاجية بالحوض المنجمي، ويمثل في هذه القضايا ما لا يقل عن 70 مواطنا، منها جلسة الإستئناف لقضيّة « زكية الضّيفاوي » ومن معها من النقابيين ليوم 10/09/08 …  المغرب العربي: أثناء زيارتها للمغرب العربي (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب) كان القاسم المشترك للمواضيع التي بحثتها وزيرة الخارجية الأمريكية مع رؤساء الدول هو التعاون والتحالف « لمحاربة الإرهاب »، وحث الدول المغاربية على فتح سفارات لها في العراق المحتل( صحيفة الخبر الجزائرية 07/09/08) عقب زيارتها لتونس قالت كونزوليسا رايس :   » لقد تحدّثنا في شؤون داخلية هنا في تونس وفي وتيرة الإصلاحات … إننا أصدقاء، وبهذه الصّفة، يمكننا أن نجري مباحثات جدية ومكثفة حول مسائل تتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية، وهكذا جرت الأمور… » (أ.ف.ب. 06/09/08). في غوانتنامو مازال 10 تونسيين بعد أن أعيد إثنان  أودعا السجون التونسية…زيارة ليبيا تزامنت مع الذكرى 39 لوجود القذافي في السلطة، وفي الندوة الصحفية التي عقدتها في طرابلس يوم 5 سبتمبر، قالت وزيرة الخارجية: « ليس لأمريكا أعداء دائمون، بل نحن مستعدون للتجاوب عندما تغيّر بعض الدول توجهاتها وتقوم بتغييرات استراتيجية… » (أ.ف.ب. 6سبتمبر 2008)… انقطعت العلاقات بين ليبيا والولايات المتحدة عام 1981 واستؤنفت عام 2004… يذكر أن ليبيا والجزائر عارضتا انتصاب القواعد الأمريكية في أفريقيا، ضمن برنامج « أفريكوم »، ولم تشارك ليبيا في اجتماع « الإتحاد المتوسطي » بباريبس في 13 جويلية الماضي…  المغرب: دعت المنظمة الديمقراطية للشغل الأطباء وعمال وموظفي المستشفيات إلى الإضراب يومي 17 و18 سبتمبر المقبل من أجل مجانية العلاج وتحسين ظروف العمل بشكل يخدم المرضى، إضافة إلى مطلب تطبيق إجراء حكومي سابق، يقضي بالزيادة في الأجور وخلاص المنح والساعات الإضافية (العمل الليلي وايام العطل والأعياد) وهي نفس الأسباب التي أدّت إلى أضراب سابق في بداية فيفري/شباط  الماضي… صحيفة المساء 07/09/08  الصهيونية، ثقافة القتل والجريمة: في احد افلام المخرج « الإسرائيلي » آفي مغربي، المعروضة في مهرجان البندقية(ايطاليا)، جاء الحديث التالي على لسان جندي صهيوني:  » لقد أخذنا نطلق عليهم النار ونحن في حالة احساس بالسعادة، أطلقنا النار على ساق واحد منهم (الفلسطينيون)… سقط ، أخذنا جميعا نطلق مزيدا من الطلقات على ساقيه… كنا كلنا سعداء … كنا نشعر كما لو كنا في حالة حرب، وهذا هو العدو الذي يتعين علينا قهره وهزيمته… » الشريط تسجيلي وليس روائي، والجندي هو فعلا جندي صهيوني يروي « بطولاته » وليس ممثل… موقع ب.ب.س. 31/08/08 فلسطين المحتلة: أطلقت قوات الإحتلال البحرية النار على قوارب الصيادين في عرض سواحل غزة فأصيب إثنان منهما بجراح خطيرة: حسام سلطان 32 سنة، ومحمد سلطان 19 سنة. العراق المحتل: أصبح بترول العراق يدرّ مداخيل قدرت بأكثر من 70 مليار دولار عام 2008. أما عن كيفية تبذيرها، فإن الحديث يدور عن صفقات أسلحة (امريكية) تفوق قيمتها 10 مليار دولارهذه السنة، اشترتها « الحكومة العراقية » المنصبة من القوة التي تحتل البلاد، إضافة إلى مشاريع شراء طائرات ف.16 ومروحيات وعتاد لتعويض السلاح الروسي والفرنسي في ظرف 3 سنوات بعد استشارة وإعلام الخبراء والاخصائيين الصهاينة… لم تعلن وزارة الحرب الأمريكية عن مبلغ الصفقة… وول ستريت جرنال 05/09/08 مصر، انهيار: اشتبك أهالي حي « منشيّة ناصر » (ضواحي القاهرة) مع قوات الأمن المصري التي أرسلت عقب انهيار كتل صخريّة تسببت في هدم ما لا يقل عن 50 منزل وموت 35 وبقاء نحو 500 تحت الأنقاض في هذا الحي الذي يقطنه حوالي نصف مليون ساكن… أرسلت الحكومة قوات الأمن والشرطة إلى جانب رجال الإنقاذ وسيّارات الإسعاف، الشيء الذي اعتبره المواطنون المتضررون وأقاربهم استفزازا لمشاعرهم… تسبب تسرب المياه المستعملة إلى الصخور في تكرر مثل هذه الحوادث بسبب انعدام قنوات الصّرف الصّحّي. أ.ف.ب. 07/09/08 سوريا: يبدو ان شركات « توتال »  و »ألستوم » وآير باص هي المستفيد الأكبر من زيارة ساركوزي لسوريا، حيث تم إمضاء اتفاقيات وعقود مع توتال في مجال الطاقة واستغلال النفط والغاز، وعقود أخرى في مجال الكهرباء والنقل، وعادت « الوكالة الفرنسية للتنمية » للنشاط في سوريا بعد غياب طويل… سيريا نيوز 05/09/08 لبنان، انتاج فكري: ساهم « حق الملكيّة للإنتاج الفكري » في لبنان ب4,5% من الناتج المحلّي الإجمالي، وبلغت مداخيله 1,40 مليار دولار، ويشغّل حوالي 50 ألف ، أي 4,49% من فرص العمل، ويضم « الإنتاج الفكري » كل ما يتعلق بباب « الإبداع » بما في ذلك الأغاني والأشرطة ذات المستوى المنحط والسّوقي… في أمريكا، بلغت عائدات حقوق النشر وحدها 950 مليار دولار عام 2007: كتب، موسيقى، أشرطة ومسلسلات، برامج كمبيوتر… القبس 07/09/08 لبنان، صدفة؟ للأسبوع الرابع على التوالي، سجلت أسهم شركة عائلة الحريري « سوليدير »، تراجعا في بورصة بيروت رغم استمرار الطلب العقاري في اتجاه تصاعدي، حيث تملك « سوليدير » موجودات قيمتها أكثر من 10 مليار دولار… تزامن هذا التراجع مع بداية استقرار الوضع السياسي في لبنان، ربما بمحض الصدفة… ملكت هذه المؤسسة بيروت بعد الحرب الأهلية، لما كان الحريري الأب رئيسا للحكومة، صدفة أخرى… عن صحيفة الأخبار 05/09/08. صحة 1: في افريقيا، تموت سنويا 500 ألف امرأة بسبب تعقيدات مرتبطة بحالة الحمل والولادة، أي وفاة كل دقيقة تقريبا… 15% من النساء اللاتي تلدن في العالم مصابات بأمراض خطيرة ومزمنة، نتيجة الولادة والحمل (عقم، انهيار عصبي، فقر الدم…) يبلغ عدد الفتيات اللاتي تلدن قبل سن 19 عاما 14 مليون فتاة أي حوالي 10% من الولادات في العالم، وتبلغ نسبة امكانية الوفاة لديهن ضعف النساء الراشدات… من الممكن تلافي هذه الوفيات لو تحسن الوضع الإجتماعي والمتابعة الطبية… عن منظمة الصحة العالمية/ وكالة الأنباء السنغالية 27/08/08  صحّة 2 / فوارق: يبلغ معدّل وفيات الأطفال دون الخامسة 7 في الألف في الدول الغنية، ويبلغ 192 في الألف لدى العائلات الفقيرة في أوغندا مثلا… متوسّط العمر للأستراليين أصيلي البلاد (ابوريجان) أقل بـ17 سنة من متوسّط العمر لدى الأستراليين البيض ذوي الأصول الأوروبية… في عام 1980، كان 10% من سكان الأرض الأغنياء، يتمتعون بدخل وطني خام أكثر 60 مرّة من دخل 10% من سكان البلدان الأكثر فقرا… عام 2005، أصبح الفارق 122 مرّة… من تقرير لمنظمة الصحّة العالمية 28/08/08 who.int/mediacentre/news/ أنغولا، انتخابات تشريعية: دعي يوم 5 سبتمبر 2008، 8 ملايين ناخب لاختيار 220 نائبا (+3 عن المهاجرين)، يشارك فيها 14 حزبا أو تحالفا، و5198 مرشحا. منذ 1975، تاريخ الإستقلال عن الإستعمار البرتغالي، تحكم الحركة الشعبية لتحرير أنغولا البلاد. مساحة أنغولا 1,247 مليون كلم2. شريطها الساحلي المطلّ على المحيط الأطلسي يبلغ 1650 كلم. أنغولا ثاني منتج للنفط في افريقيا (بعد نيجيريا) إذ تستخرج حوالي مليوني برميل يوميا. نسبة نموّها الإقتصادي تقدّر بـ20% عام 2008، لكن ثلثي المواطنين يعيشون تحت خط الفقر. يقدّر مجموع السكّان بحوالي 15 مليون نسمة. كينيا، الورود المسمومة: أصبح تصدير الورد ثالث مورد للبلاد بعد السياحة والشاي عام 2007، بإيرادات فاقت 455 مليون دولار… تصدّر الورود نحو أوروبا أساسا، لبيعها واستغلالها في صناعة العقاقير والعطورات… يشغّل القطاع حوالي 50 ألفا خاصّة من النساء، بأجرة زهيدة تتراوح بين دولار ودولارين يوميا، في بلد بلغت البطالة فيه نسبة 40% من القادرين على العمل. تضرّرت من هذا القطاع، الزراعة والمياه العذبة والأسماك والطيور…الخ، بسبب كثرة استعمال الأسمدة والمبيدات (لرفع انتاجية الأرض). ثلثا العاملات يشتكين من تأثيرات المبيدات، المتمثلة في الغثيان وأوجاع مستمرة بالرأس والعينين والجلد، ممّا يسبّب أمراضا في الجهاز التنفسي وأمراضا معدية تنتقل من الأمّ إلى المولود الجديد وأنواعا من السّرطان… موقع « أفريك.كوم » 03/09/08 عولمة: انعقد في استراليا مؤتمر دولي حول الزراعة وتغيّر المناخ ونتائج ذلك على انتاج وتوزيع الغذاء… على هامشه صرّحت « كاترين سييرا » نائبة رئيس البنك الدولي (مكلّفة بـ »التنمية المستدامة ») أنّ أسعار الأرزّ ارتفعت من 400 إلى ألف دولار للطن الواحد (في ظرف وجيز)، ممّا اضطرّ 100 مليون انسان في افريقيا إلى خفض استهلاكهم للغذاء، وعادوا إلى حالة الفقر (التي خرجوا منها قبل فترة) وحصلت ما أسمته « أحداث شغب » أي مظاهرات واحتجاجات ضدّ غلاء الأسعار في ما لا يقلّ عن 37 بلدا…. هل هو إقرار بشرعيّة هذه الإحتجاجات؟ رويترز 05/09/08 الهند/عولمة: توقّف العمل بمصنع « تاتا موتورز » لصناعة السيّارات الذي ينتج أرخص سيّارة في العالم منذ يوم 31/08/08 ، بسبب المظاهرات والحصار الذي ضرب حول المصنع من قبل أصحاب الأرض التي انتزعتها الحكومة لبناء المصنع، دون الإتفاق عن مبلغ التعويض الذي رفضه مالكو الأرض لضعفه. تبلغ المساحة الجملية للأرض المنتزعة ألف فدّان، ورفض مالكو 400 فدّان المبالغ الضئيلة التي اقترحتها الحكومة والشركة. رويترز 02/09/08 الصّين: دعّمت « كوكاكولا » بقوّة أولمبياد بيكين 2008 وكثّفت من حملات الإشهار. وبعد الألعاب، أعلنت أنّها على وشك شراء شركة « هايان » الصّينية للمشروبات (بمبلغ 2,4 مليار دولار) التي تسيطر على 43% من السّوق الصينية في مجال عصير الفواكه، التي تنمو بمعدل 10% سنويا. سبق أن اشترت « كوكاكولا » شركة العصائر الروسية « ملتون » والمكسيكية « نيكتار » وعدد من شركات العصائر والمياه المعدنية في العالم، لإحكام سيطرتها على سوق المشروبات بأنواعها. ب.ب.س. 03/09/08 جورجيا، مكافأة أم تعويض؟ قرّر صندوق النقد الدّولي يوم 3 سبتمبر، إقراض جورجيا مبلغ 750 مليون دولار، « لمساعدتها على تجاوز الصعوبات المنجرّة عن نزاعها مع روسيا ». أمّا الولايات المتحدة فإنّها قرّرت منحها مليار دولار بعنوان « مساعدة انسانية »، في نفس الوقت الذي رست فيه ثالث بارجة حربية امريكية في موانئ جورجيا تحت ذريعة « المساعدة الإنسانية ». وتزامن ذلك (بالصّدفة؟) مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي لجورجيا وأوكرانيا… أمّا أوروبا، فإنّها منحت جورجيا 2,2 مليون أورو، إضافة إلى أموال أخرى ستجمعها في « ندوة المانحين » التي ستنعقد قريبا. رويترز 04/09/08 النمسا، توسّع رأسمالي: أصبحت مجموعة « ستراباغ » من أهمّ شركات الأشغال العمومية (البناء والجسور والطرقات) منذ توسّعت في وسط وشرق أوروبا للقيام بأشغال كبرى، مستغلّة العمالة المحلية التي تقلّ كلفتها بكثير عن عمّال أوروبا الغربية. تشغّل المؤسّسة 66 ألف عامل، وبلغ رقم معاملاتها حوالي 15 مليار دولار عام 2007 محقّقة أرباحا صافية بـ300 مليون دولار.. موقع الكنفدرالية الدولية لعمال البناء والخشب اليونان، مظاهرة: لبّى حوالي 15 ألف شخص دعوة النقابات للتظاهر في « سالونيك »، احتجاجا على غلاء المعيشة وسياسة التقشّف والتضخّم (النّسبة الأعلى في الإتحاد الأوروبي). وتجمّع المتظاهرون أمام موقع المعرض الدولي حيث ألقى رئيس الحكومة اليميني، كوستاس كرمنليس، خطابا أعلن فيه مواصلة سياسته المعادية للعمّال والكادحين. أ.ف.ب. 07/09/08 بنما، إضراب إنذاري: دعت لجنة تنسيقية تضمّ نقابات وجمعيات أهلية واجتماعية إلى إضراب احتجاجي يوم 4 سبتمبر، احتجاجا على السياسة الليبرالية للحكومة (الموالية للولايات االمتحدة الأمريكية)، التي نتج عنها تضخّم بلغ نسبة 9,6% خلال شهر جويلية/تموز، وغلاء فاحش لأسعار المواد الأساسية، مع سوء الخدمات في القطاع العمومي. بلغت نسبة النموّ 9,5% عام 2007، لكنّ 40% من السكان (من جملة 3 ملايين) يعيشون تحت خط الفقر، حسب المنظمات الدولية. أ.ف.ب. 03/09/08 الولايات المتحدة، عسكرة الإقتصاد: مثّلت الميزانية الحربية الأمريكية 47% من مجموع الميزانية الحربية في العالم. نصيب بلدان الحلف الأطلسي الأخرى مجتمعة 23% وبقية العالم 29%. أمّا « محور الشرّ »: كوبا وإيران وكوريا الشمالية والسّودان وسوريا وغيرها مجتمعة فلا تمثل ميزانيتها العسكرية سوى 1% من المصاريف العسكرية في العالم. منذ 2004 ، اختلّ الميزان أكثر، وبلغت الميزانية العسكرية الأمريكية للسنة المالية المقبلة 515 مليار دولار، إضافة إلى 70 مليار دولار « لتغطية مصاريف الحرب في الأشهر الأولى من تولّي الإدارة الجديدة مهامّها » (بعد الإنتخابات) سي أس مونيتور 06/02/08 + رويترز 29/08/08 .  – خسر الإقتصاد الأمريكي 84 ألف موقع عمل في نهاية شهر أوت/أغسطس (60 ألف في جويلية/تموز)، وبلغت البطالة أعلى مستوى لها منذ 5 سنوات. وأعلنت وزارة العمل أنّ « كلفة العمل » قد انخفضت، ممّا جعل القطاعات الإقتصادية غير الفلاحية ترفع من انتاجية العمّال بنسبة 4,3% كمعدّل سنوي. أمّا البنك المركزي الأمريكي فإنّه يعتبر أنّ تدهور الوضع الإقتصادي وانخفاض أو استقرار الأجور، من شأنه أن يمتصّ التضخم دون تدخّل البنك. أمّا المؤسّسات المعولمة، مثل « وول مارت » (أكبر مؤسّسة توزيع وبيع بالتفصيل في العالم) فإنها لم تتأثّر بالأزمة، بل زادت من إنتاجيتها بالضغط على الأجور والمصاريف وزادت مبيعاتها بنسبة 3% داخل أمريكا في شهر أوت. رويترز 05/09/08 + أ.ف.ب. 04/09/08 .  – في شركة « بوينغ » لصناعة الطائرات، رغم الأرباح القياسية، فإنّ الرّواتب لم تزد منذ 4 سنوات. وبعد فشل المفاوضات حول الزيادة في الأجور وحول العقد الجماعي للسنوات الثلاث المقبلة، دخل 27 ألف من الميكانيكيين والموظفين في إضراب مفتوح منذ يوم السبت 6 سبتمبر 2008. رويترز 6/9/08  الولايات المتحدة ، فوارق: يتقاضى الكوادر ومسيّرو الشركات الأمريكية أجورا تفوق (في معدّلها) 344 مرّة متوسّط الأجر الصّناعي للعمّال. أمّا المديرون العامّون ورؤساء مجالس الإدارة وكبار المسيّرين، فتصل أجورهم 19 ألف ضعف معدّل الأجر الصناعي للعمّال. وتجيز القوانين الأمريكية أنواعا من التحايل لعدم دفع الضرائب عن هذه الأموال أو دفع نسب ضعيفة . faireconomy.org + ips-dc.org . 25/08/2008 الولايات المتحدة ، خصخصة المرابيح وتأميم الخسائر: قرّرت وزارة الخزينة (المالية) تخصيص 200 مليار دولار لإنقاذ بنكين خاصّين من الإفلاس « فرادّي ماك وفانّي ماي »، مختصّين في القروض العقارية، بدعوى « أنّ إفلاس هذين البنكين سيكون أكثر كلفة للإقتصاد والخزينة والمواطن ». هل تعني الليبرالية تمويل المؤسّسات الخاصّة من المال العام؟ رويترز 08/09/08 قائمة مراسلات حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ info@hezbelamal.org للاتصالبنا : aliradainfo-request@listas.nodo50.org الى SUBSCRIBE  للإشتراك ارسل رسالة فارغة موضوعها  aliradainfo-request@listas.nodo50.org الى UNSUBSCRIBEلفسخ الإشتراك ارسل رسالة فارغة موضوعها   http://www.hezbelamal.org/ موقع حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ

الرسالة التي أخطأت وجهتها!! تعقيبا على رسالة الأستاذ مصطفى الونيســـي إلى وزير الشئون الدينية الاخزوري الجزء الثاني

  4 – أي إيجابية يا ترى في المنشور 108؟! يقول الأستاذ « لونيسي »  » ومقارنة للنتائج السلبيةّ الكثيرة التي تسبب فيها هذا المنشور بالايجابيات القليلة التي يحاول الحريصون على تطبيقه  تضخيمها، لقلنّا أنّ الأمر لا يستحق كُلّ هذا الحرص على تطبيق مثل هذا المنشور.. ». وإنْ تعجبْ فعجبٌ اعترافُ الأستاذ « الونيسي » لهذا المنشور المنحوس بالإيجابيات!! وإن كان قد وصَفَها بالقليلة، مقارنة بتلك التي يحاول الحريصون على تطبيق المنشور تضخيمها؛ فهل للأستاذ « لونيسي » أن يُفصح لنا عمّا وجده في هذا المنشور من إيجابيات على قلّتها، ليُطْلعنا عليها، ويقنعنا بها، إن استطاع؟! بل هل بوسعه أن يذكر لنا إيجابية واحدة، عثر عليها في هذا المنشور الملعون! لقد عزّ عليّ لأوّل وهلة أن أبادر إلى ردّ ادّعاء السيّد « لونيسي » فيما أخبر به، مخافة التجنّي عليه بغير وجه حقّ! فرجعت لنفسي فاتّهمتُ حَصَاتي! ورحت أنقّّب عن هذه الإيجابيات المزعومة التي اكتشفها الأستاذ « لونيسي » في هذا المنشور، فما وجدت فيه من إيجابية، غير أنّه النّكبة الكبرى التي حلّت بأهالي تونس جرّاء هذا المنشور المنحوس الذي تسبّب في تدنيس شرفهم! وهتك عرضهم واستباحة حرماتهم على مشهد من العالم كلّه، في مظهر مشين لا يليق بحكّام يحترمون أنفسهم ويعرفون حدود صلاحياتهم القانونية والإدارية، ويعترفون لمواطنيهم بأبسط الحقوق والحريات الفطرية التي عرفتها البشرية حتى فيما يسمّونها العهود الحجرية. وليس من المغالاة في شيء، القول بأنّ المنشور 108 وسواه من المناشير النّحسة، المتعلّقة بحظر اللباس الشرعي ونحوه من المظاهر الإسلامية، يمثل أكبر عدوان من حكّام السابع من نوفمبر على الأعراض والحرمات، وأعظم إهانة يلحقونها بكرامة الشعب التونسي المسلم بالاعتداء على الحرائر المحجّبات.  فأيّ إيجابية هذه تدّعيها يا أستاذ « لونيسي »؟! في منشور ما وُضع إلاّ لانتهاك الأعراض والحرمات، وكشف، العورات وإبداء السّوءات! أما علمتَ يا أستاذ « لونيسى » أنّ الموت الزّؤام، أهون عند الحرائر العفيفات من أن ينتهك أحد حرمتهنّ، أو يهتك عرضهنّ؛ وهو أمر يعلّق في عنق كلّ مسلم غيور – بحكم ما جعل الله بين المؤمنين والمؤمنات من واجب النّصرة والموالاة – واجب الوقوف معهنّ في محنتهنّ، والذّود عن حرمتهنّ، ودفع الصيال عن عرضهنّ، بكلّ سبيل، بدل الاستجداء أو الاستخذاء أمام هؤلاء الحكّام أعداء الإسلام الألدّاء. إنّ المسلم الغيور على حرمات الله، لا يقرّ له قرار، حتى يؤدّي هذه الأمانة كما أدّاها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم بلغته استغاثة تلك الحرّة التي هتك الصائغ اليهودي في سوق بني قينقاع سترها! فما لبث – عليه السلام – أن أجابها، بشنّ حرب على المعتدين، انتهت بإجلائهم عن حَرَمِ المدينة أجمعين! فقد روى ابن سعد، والبَيهقي أنّه كان من أمر بني قينقاع أنّ امرأة من العرب قدمت بجَلَبٍ (متاع) لها فباعته بسوق بنى قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يُريدونها على كشف وجهها! فأبَتْ، فعمد الصائغ إلى طرَف ثوبها فعقدَهُ إلى ظهرها! فلمّا قامت، انكشفت سوأتها! فضحكوا منها! فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فنابَذَهم، وجعل ذلك منهم نقضًا للعهد… » فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولواؤه بيد « حمزة بن عبد المطلب »…وحاصرهم خمس عشرة ليلة. وكانوا أوّلَ من غدر من اليهود، وحاربوا وتحصّنوا في حصنهم. فحاصرهم أشدّ الحصار، حتى قذف الله في قلوبهم الرّعب، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم…وأمر أن يُجلَوْا من المدينة… « [1]. واليوم ترى بأمّ عينك حرائر تونس، تُنتهك أعراضهنّ قسرا، وتُكشف عوراتهنّ قهرا، باسم هذا المنشور النّكد! ثم تأتي يا سيد « الونيسي » لتقول بأنّ في هذا المنشور إيجابيات قليلة؟! فيا عجبا لهذا المنطق المقلوب؟! كيف القرار وكيف يهدأ مؤمنٌ    والمؤمناتُ لدى العدوّ المعتدِي القائلاتُ إذا  خَشِينَ  فضيـحةً    جَهْدَ المَقَالَةِ يَا ليتنا  لم نُولََــدِ 5 – لا هيبة لّدولة لا كرامة للإنسان فيها! يقول الأستاذ  » لونيسي » « مع العلم أنّ تجاوز كلَّ  الإشكاليات والصعوبات التي ترتبت عن تطبيقه سواء لبعض المواطنين أو للإدارة التونسية نفسها سهل تجاوزها لو توفرت الإرادة السياسية من دون أن نمّس بالحريات الشخصية للمواطنين من ناحية ، ومن دون أن نَمّس بهيبة الدّولة التي نحن أيضا حريصون على إحترامها  من ناحية ثانية « . ولكن كيف السّبيل – يا أستاذ « لونيسي » – إلى حماية حريّات المواطنين الشخصية؟! مع فقدان هذه الإرادة السياسية، وإصرار حكّام السّابع من نوفمبر على المضيّ في سبيل الغيّ، بإشعالهم نار هذه الفتنة الطائفية! التي لا عهد لبلادنا بها حتى إبّانَ الحقبة الاستعمارية! فهل مع استمرارهم في إسعار هذه النّّار وإذكاء ذاك الأوار، يبقى مجال للحديث عن هيبة الدّولة؟! فأيّ هيبة يا ترى تبقى لدولة اجترأت على هيبة الدّين وشرعته، وداست على كرامة الإنسان وحرمته!! إن هيبة الدّولة التي تحرص على احترامها – يا أستاذ مصطفى – لا تكون بنشرها فيالق البوليس والحرس، ولا ببثّها بين الأهالي العيون والعسس، ولا بتحشيد الحشود أو تجنيد الجنود من قوات النظام العام في حملات مستمرة لبثّ الرّعب في النفوس وزرع الرّهبة في القلوب! كما لا تتحقق هذه الهيبة بالدّعايات الكاذبة أو الشعارات الزائفة من مثل شعار « حفظ الأمن والاستقرار »! أو شعار مكافحة التطرّف والإرهاب بملاحقة الأبرياء من الشّباب، ومطاردة الحرائر الطّاهرات باسم « منع الزيّ الطائفي » في المؤسّسات والأسواق والطرقات.. الخ. بل إنّ كلّ ذلك مدعاة لسقوط هيبة هذه الدّولة من عيون مواطنيها، وسبب في إثارة نفوسهم بمشاعر السّخط والعداء والنقمة عليها! ألا ترى يا سيد مصطفى شباب تونس كيف يؤثرون أن يركبوا قوارب الموت! على أن يعيشوا في دولة لم تحفظ لهم حقّا، ولم تؤمن لهم مورد رزق، ولا رعت لهم حرية ولا راعت لهم كرامة إنسانية! إنّ هيبة أيّ دولة إنما هي من هيبة المواطن فيها – رجلا كان أم امرأة – فأيّما دولة رعت للمواطن حريته وحرمته، وضمنت له حقّه، وحفظت له كرامته وهيبته، فلا غرو أن تراه يرعى لتلك الدّولة حقّها ويحفظ لها هيبتها، ويؤدّي ما عليه من الواجب في حقّها طوعا لحدّ الإستماتة، والموت من أجلها، كما هو مشاهَد في كثير من أحوال الناس في المجتمع الغربي. وقديما قال أبو حاتم البستي: أحسنْ للناس تستعبدْ قلوبَهم    فلطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ أفتطمع مع كلّ ما تقترفه دولة السابع من نوفمبر من عدوان على ديننا وحرماتنا، أن يكون لهذه الدّولة الظّالمة في نفوسنا – نحن المظلومين المنكوبين منها في ديننا وكرامتنا وأعراضنا وحرماتنا – هيبة أو احترام؟! إنّه لا هيبة لدولة لا كرامة للمواطن أو الإنسان فيها! إنّ الشرع العزيز- يا سيد لونيسي – مع تحريمه الجهر بالسوء من القول، فقد استثنى من ذلك المظلوم، وأذن له أن يجهر بالسّوء من القول للظالم، حيث قال تعالى ( لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً )[النساء : 148]. قال ابن عباس والسدّي » لا بأس لمن ظُلم أن ينتصر ممّن ظلمه بمثل ظُلمه، ويجهر له بالسوء من القول « [2]. وقال الإمام القرطبي  » وإن كان (أي الظالم) مجاهِرا بالظلم دُعي عليه جهرا، ولم يكن له عِرض محترَم ولا بدن محترَم ولا مال محترَم[3]. وأي ظلم أشقّ على قلب المسلم من هتك عرضه أو انتهاك حرمته؟! ومن المعلوم أن العاقل يستفظع تطلّع الأجنبيّ إلى وجه زوجته أو ابنته أو أخته، ونحو ذلك؛ فكيف إذا اجترأ هذا الأجنبيّ عليها بهتك سترها أو كشف عورتها! كما هو الحال اليوم في تونس في هذا العهد النكد! أفلا يحقّ لكلّ حرّ شريف في تونس اليوم أن يدفع العدوان عن شرفه ويثأر لعِرضهِ متمثّلا بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم –  » من قُتل دون ماله فهو شهيد ومن قُتل دون دِينه فهو شهيد ومن قُتل دون دمه فهو شهيد ومن قُتل دون أهله فهو شهيد « [4]. قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم  » وأما المدافعة عن الحريم، فواجبة بلا خلافٍ « [5]. أما أنت يا أستاذ « لونيسي » فلك أن تحرص على احترام هذه الدّولة الظالمة وعدم المساس بهيبتها! فذاك شأنك؛ ولكن ليس من حقك أن تطالبنا – نحن الضّحايا المكلومين في عرضنا وشرفنا، المجرّدين من آدميتنا – باحترام دولة لا تحترم نفسها بالوقوف عند حدودها، واحترام حرمة مواطنيها، بل تسعى جاهدة في استباحة أعراضنا وانتهاك حرماتنا، وتحشر أنفها في أخصّ خصوصياتنا! وكأنّها تملك رقابنا! فتتصرّف فينا تصرّف المالك في ملكه، فتتحكّم في أبداننا ووجوهنا وملابسنا وأذواقنا وهيئاتنا ومظاهرنا، حتى لكأننا متاع! من متاعها لا ينقصها إلا أن تَسِمَنَا بمَيْسَمِهَا المعروف اختصارا: (م د: DT) الذي يُرمَز به لكلّ ما هو ملك للدّولة التونسية!! فكيف مع كلّ هذا تطالبنا يا أستاذ « لونيسي » باحترام هذه الدّولة، والحفاظ على هيبتها فهل أبقت هي لنفسها على هيبة وهي قد جرّدتنا من أبسط الحقوق الآدمية؟! فهل ترى تستحقّ الاحترامَ؟! دولةٌ لم تحترم تعهّداتها المضمَّنةَ في دستورها ومعاهداتها! فتعامل قطاعا عريضا من مواطنيها مثل هذه المعاملة المهينة! التي لا تليق بالحيوان الأعجم، ناهيك عن الإنسان المكرّم! أفلا يحقّ لنا والحالة ما ذُكر أن نردّد قول القائل: جمعيةَ الرّفق بالسّنَّوْرِ والدِّيكِ    ماذا دَهاكِ عن الإنسان يُلْهِيكِ؟! وأنّى لهذه الدّولة بالهيبة في نفوسنا؟! وهي التي انتهكت حدود الله، واستباحت حرماته، فلم تحفظ لدين الله هيبة، ولم ترقب في شرع الله إلاّ ولا ذمّة؟! إنّ هيبة الدّولة من هيبة الإنسان الذي يحي على أرضها فمتى استباحت هذه الدولة حرمته أو أهانت كرامته، فقد استباحت هيبتها بيدها، وكما يقول المثل العربي « على نفسها جَنَتْ بَرَاقِش ».
(وللموضوع صلة إن شاء الله) كتبه الفقير إلى عفو الله ورحمه:     محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي Mohamed-zemzemi@hotmail.de   [1] – عيون الأثر ج 1. ص 385. والسنن الكبرى ج 9  ص 200, لأبي بكر البيهقي. [2] – الجامع لأحكام القرآن ج 6 ص 1. للإمام القرطبي. [3] – الجامع لأحكام القرآن ج 6 ص 2. للإمام القرطبي. [4] – أخرجه الترمذي في سننه برقم 1421 وقال حديث حسن صحيح. والبيهقي في السنن الكبرى. وأبو داود. والشاشي في مسنده. وأحمد. [5] – شرح النووي على مسلم ج 2 ص 165.  

 

مستوصف قصرهلال الجهوي شعبة صحية وملحق للجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي تكثر فيها اللافتات والشعارات وتقل فيها الخدمات

مراد رقية
ان لمن المضحكات المبكيات في مدينة 2 مارس1934 مدينة الخلق والابداع منذ النشأة والتأسيس،المدينة الكارهة للرداءة والرضى بالدون،وجود مرفق صحي هو أقرب الى المستوصف ومحل التمريض الخاص منه الى المستشفى الجهوي الحقيقي يرجع الفضل في انشاءه الى رائد الصحة والتربية والترقية الاجتماعية الحقيقية بقصرهلال الحاج علي صوّة1870-1953 الذي أنشأ على حسابه الخاص مالم تنشأه وزارات الصحة المتتالية من الاستقلال وحتى اليوم،داخل مدينة قصرهلال على الأقل،ومما يزيد في معاناة هذا المرفق المضحى به باصرار كامل أنه يقع في منطقة حضرية مكتضة بالسكان،تكثر فيها الحاجيات للخدمات الصحية المختلفة الاستعجالية والعادية،وتقل فيها الامكانيات بسبب الحصار المفروض على مدينة 2 مارس وحرمانها من التجهيزات والمرافق والاطار الطبي وحتى سيارات الاسعاف لفائدة مدينة المنستيرالتي يوجد بها مستشفى جامعي بمواصفات أوروبية؟؟؟؟ ولعل ما يزيد أمر هذا المرفق الذي يحتل موقعا استراتيجيا في مفترق طريقين رئيسيين يربطان قصرهلال بكل من المنستير وسوسة خصوصية،ضيق المكان الذي لا يتلائم في شيء مع تضحيات قصرهلال والحواضر المجاورة والمحيطة بها المستفيدة من المرفق في مرحلة ماقبل وما بعد الاستقلال،برغم ماأحدثت فيه من توسيعات واضافات التي تبقى دون المطلوب والمنشود،بسبب الحصار وبسبب اعراض المسؤولين المركزيين والجهويين عن زيارة قصر هلال ،وعن تعقب ومتابعة مطالب وحاجيات سكانها الذين أصبحوا يخشون جديا على حياتهم لقلة الامكانيات المتوفرة،وكثرة المخاطر والطوارىء المحدقة،ولربط كل الخدمات تقريبا العلاجية والجراحية بمستشفى المنستير الجامعي اذا توفرت وسيلة النقل المجهزة في الوقت المناسب لانقاذ المريض؟؟؟؟ ولعل ما يزيد الأمر اضحاكا وطرافة مع محدودية المجال المتاح لمحل التمريض وليس المستشفى الجهوي،هي كثرة الشعارات واللافتات التي تغطي جدران هذا المرفق من الخارج والداخل على السواء التي تجعلنا نعتقد أننا في مقر شعبة صحية مهنية،ولسنا في مرفق صحي،فهل أن المقياس في نجاح عمل هذا المرفق وأمثاله،هي مستوى وحجم الاطار الطبي وشبه الطبي،ونوعية ومستوى التجهيزات،وخاصة الملائمة بين الامكانيات والحاجيات،أم هي كثرة الشعارات واللافتات التي يكون الغرض منها ابقاء المسؤول الاداري عن المرفق الى أطول فترة ممكنة في خطته،لالتزامه بطاعة المسؤولين المحليين التجمعيين والاداريين على السواء،ونيل رضاهم أكثر من رضى المرضى المترددين عن المرفق الذين هم آخر من يستشار،ان استشيروا فعلا؟؟؟؟ ولعل المقصود من ادراج اللافتات والشعارات السياسية،اقحام العلاج السياسي ضمن دورة العلاج الكلي،باعتبار أن العلاج في مؤسسات التمريض العمومي،يكون دوائيا وجراحيا واشعاعيا،ونفسياوكذلك أيضا سياسيا ،على اعتبار أن حراجة وضعية المريض ونفسيته المضطربة الهشة تجعله قابلا لكل أنواع العلاج،بما في ذلك السياسي،الذي لم يكن قابلا أو قادرا على استيعابه في الخارج،عندما كان في أتم لياقته واستعداده،فمتى تضطلع مرافق التمريض بمهمتها التمريضية العلاجية،وتترك التثقيف والعلاج السياسي للمؤسسات المختصة،حتى وان تمت التضحية بالمسؤول الاداري عن المرفق،الذي أصبح أقرب ما يكون الى رئيس شعبة مهنية دون رفع تسميتها،خصوصا اذا لم تتوفر فيه المواصفات الادارية المطلوبة،فاذا انعدمت يلجأ الى تغليفها سياسيا،للبقاء في الخطة لأطول مدة ممكنة،فيتفوق بذلك العلاج السياسي وينتحر أو يغيب العلاج الدوائي والجراحي،فالى متى نظل في هذه الحال؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟  


 

السبيل أون لاين مرحلة التمكين لدعوة الإسلام وتأسيس نموذجه المجتمعي بسم الله الرحمان الرحيم حتى لا يشوش على الواجب الشرعي – الحلقة الحادية عشرة أدعو إلى محاكمة للأحداث وفق المنهج القرآني (7) مرحلة التمكين لدعوة الإسلام وتأسيس نموذجه المجتمعي

تفاعلا مع موقف الأخ الفطناسي بالدعوة إلى محاكمة قرآنية للأحداث وفق المنهج القرآني، كانت هذه الحلقة الحادية عشرة في هذه السلسلة. وستكون هذه الحلقة في عدة أجزاء ، كان الأول منها في وقفات مباشرة مع موقف الأخ الفطناسي، وتناول الثاني مقدمات في الواقع وفي المنهجية، والثالث طبيعة محكمة الإسلام وحقيقتها ومناخها وروحها التي بقدر إدراكنا لها بقدر ما يحصل لنا فقه محكمة الإسلام وفقه تناولها للقضايا والأحداث، وتناول الرابع محاكمة حركة النهضة إلى مهمتها الأصلية من زاوية أسسها، والخامس يواصل هذه المحاكمة ولكن من زاوية الإعلان والصدع بدعوة الإسلام وتبليغها، وواصل الجزء السادس محاكمة حركة النهضة إلى مهمتها الأصلية وهذه المرة من زاوية تعاملها مع خطة الاستئصال التي تعرضت لها ومدى ثباتها وسلامة سعيها لفك الانغلاق.    تمهيد :    حركة النهضة التونسية هي حركة من حركات الإسلام، همها إقامة الإسلام دعوة والتزاما ، فيما يليها من بلاد المسلمين (وهي تونس) ، متظافرة في ذلك مع كل الامكانيات التونسية الخيرة. هذه هي مهمتها الأصلية وهي مهمة كل الأنبياء والرسل ، ومهمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فأين هي منها الآن؟ أين هي من مهمة إحياء الإسلام وإحياءا على منهاج النبوة؟   وحتى نجيب على هذا السؤال سوف نحاكمها إلى مسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم في نسقها وسياق تطورها العام ، متوقفين عند العديد من العينات والمحطات بما تتجلى به الروح العامة والقيم والضوابط التي كانت تحكم تلك المسيرة.   لقد مرت دعوة الإسلام في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم – بعد أن شرفه الله بالنبوة والرسالة – من زاوية أدائها وتطورها بمراحل خمسة. ولقد مرت محاكمة حركة النهضة إلى المرحلة التأسيسة لدعوة الإسلام، وإلى مرحلة إعلان الدعوة والصدع بها وتبليغها في أهل مكة‏، وإلى مرحلة خطة استئصال مسيرة النبوة حتى الانفراج وانفتاح الآفاق، وسنحاكمها في هذاالجزء السابع والذي يليه إلى مرحلة التمكين لدعوة الإسلام وتأسيس نموذجه المجتمعي، وذلك في العناصر التالية:   1.حاجة إقامة المجتمع المسلم إلى تأسيس وتخريج 2.الركائز التأسيسية التنظيمية والإطارية للمجتمع الإسلامي 3.جهود التخريج في حقبة العسر والشدة 4.جهود التخريج في حقبة اليسر والفتح والتمكين 5.حجة الوداع تاج عملية التخريج   لقد عاشت حركة الإسلام في هذه المرحلة العديد من القلاقل والفتن من الداخل، وأخرى من الخارج هدفت  لاستئصالها ، واقتلاع الدعوة من جذورها‏ إلا أن الله سلم.‏ وقد بانت نهايات هذه المرحلة منذ صلح الحديبية في ذى القعدة سنة ست من الهجرة‏ التي اكتملت بفتح مكة المكرمة في رمضان سنة ثمان من الهجرة‏ ، وخاصة باستقبال الوفود بعد ذلك، ودخول الناس في دين الله أفواجًا‏.‏   حاجة إقامة المجتمع المسلم إلى تأسيس وتخريج :   أولا: إن تمثل الإسلام في السلوك والحياة ضروري لتبليغ أي دعوة ، خاصة إذا كانت جديدة . ليس ذلك فقط لإعطاء الجدية التي تستحقها هذه الدعوة ، ولكن أيضا حتى يتم إفهام الدعوة فهما سليما . إن تقديم الدعوة مع نموذجها العملي يعطيها قوة وجدية ، ويجعلها أيضا بيّنة وواضحة ومفهومة   وإذا كان هذا النموذج العملي لم يكن ممكنا منه غير سلوك الفرد والعلاقات المحدودة في الفترة المكية، فإنه مع توفر المكان الآمن قد تيسر تقديم النموذج العملي المجتمعي.   إن إقامة المجتمع الإسلامي هو عمل ضروري من أعمال الدعوة للإسلام ، ولذلك فكما هو مطلوب تخريج الأفراد المسلمين ، مطلوب أيضا تخريج الأسر المسلمة والمجتمع الإسلامي. وكان ذلك من الأهداف الأساسية للفترة المدنية « كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله…”   ثانيا: الواقع الجديد – الذي توفر لحركة الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة – مطروح فيه إقامة مجتمع الإسلام بمختلف مناحيه ومناشطه ومجالاته . ولكن مكونات هذا الواقع كانت تعيش جملة أوضاع وحقائق أبرزها: أن فيها مسلمين نازحين مهاجرين لا يملكون من الأموال شيئا / وأناسا مقيمين أسلموا وقد هدهم التنازع والتنافر فيما بينهم / وآخرين من أهل البلد لا زالوا على الشرك ولكن لا عداء لهم للإسلام / وآخرين أيضا بقوا على الشرك ولكن لهم عداء لهذا القادم الجديد / وإضافة إلى هذا كله كانت هناك فئة اليهود بدينها وخصوصياتها.   كل هذا كان يدعو إلى خطوات عاجلة ، تمكّن من تعايش هذا التنوع والتناقض والإختلاف ، وتنظم الحياة بين مختلف الأطراف والأفراد والعلاقات .   ولم يكن المطروح ذلك فقط ، بل أن يكون كل ذلك بروح الإسلام وشريعته ، وفي إطار تخريج مجتمع الإسلام ، وبدقة أكثر في إطار تخريج النموذج العملي المجتمعي الإسلامي . وبهذا تغدو تلك الخطوات العاجلة التي يتطلبها وضع المدينة خطوات تأسيسية بنائية وتنظيمية للمجتمع الإسلامي الجديد ، ليبدأ في إطارها وعلى أساسها عملية تكوين وتخريج الأفراد المسلمين والأسر المسلمة والمجتمع الإسلامي.   الركائز التأسيسية التنظيمية والإطارية للمجتمع الإسلامي :   ما إن بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة حتى بادر بإقامة الركائز التأسيسية والتنظيمية والإطارية للمجتمع الإسلامي التي يحتاجها واقع المدينة وقتها وهي :   1- بناء منارة الإسلام العملية : المسجد محضن الدعوة والتوجيه والصهر والتخريج 2- المؤاخاة بين المسلمين ركيزة الدمج والصهر والتكافل الاجتماعي . 3- ميثاق التحالف الإسلامي. 4- الميثاق مع اليهود   أولا : بناء منارة الإسلام العملية : المسجد محضن الدعوة والتوجيه والصهر والتخريج أول خطوة خطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت خطوة بناء المسجد النبوي الذي لم يكن المسجد موضعًا لأداء الصلوات فحسب، بل كان جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته، ومنتدى تلتقي وتتآلف فيه العناصر القبلية المختلفة التي طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية وحروبها، وقاعدة لإدارة جميع الشؤون وبث الانطلاقات، وبرلمانا لعقد المجالس الاستشارية والتنفيذية‏.‏ ثانيا : المؤاخاة بين المسلمين ركيزة الدمج والصهر والتكافل الاجتماعي ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بجانب قيامه ببناء المسجد‏:‏ مركز التجمع والتآلف، قام بعمل آخر من أروع ما يأثره التاريخ، وهو عمل المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، قال ابن القيم‏:‏ ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلًا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة، ويتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 75‏]‏ رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة‏.‏ ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، وتسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يكون أساس الولاء والبراء إلا الإسلام‏.‏ وقد امتزجت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة وإسداء الخير في هذه الأخوة، وملأت المجتمع الجديد بأروع الأمثال‏.‏ ثالثا : ميثاق التحالف الإسلامي وكما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد هذه المؤاخاة بين المؤمنين، قام بعقد معاهدة أزاح بها ما كان بينهم من حزازات في الجاهلية، وما كانوا عليه من نزعات قبلية جائرة، واستطاع بفضلها إيجاد وحدة إسلامية شاملة‏.‏ وفيما يلى بنودها ملخصة:‏ هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم ‏:‏ 1 ـ إنهم أمة واحدة من دون الناس‏.‏ 2 ـ المهاجرون من قريش على رِبْعَتِهم يتعاقلون بينهم، وهم يَفْدُون عَانِيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وكل قبيلة من الأنصار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين‏.‏ 3 ـ وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحًا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل‏.‏ 4 ـ وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دَسِيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين‏.‏ 5 ـ وإن أيديهم عليه جميعًا، ولو كان ولد أحدهم‏.‏ 6 ـ ولا يَقتل مؤمن مؤمنا في كافر‏.‏ 7 ـ ولا ينصر كافرًا على مؤمن‏.‏ 8 ـ وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم‏.‏ 9 ـ وإن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم‏.‏ 10 ـ وإن سلم المؤمنين واحدة؛ لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم‏.‏ 11 ـ وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله‏.‏ 12 ـ وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسًا، ولا يحول دونه على مؤمن‏.‏ 13 ـ وإنه من اعتبط مؤمنًا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول‏.‏ 14 ـ وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه‏.‏ 15 ـ وإنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثًا ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صَرْف ولا عَدْل‏.‏ 16 ـ وإنكم مهما اختلفـتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله ـ عز وجل ـ وإلى محمـد صلى الله عليه وسلم‏.‏   رابعا : الميثاق مع اليهود   بعد أن أرسى رسول الله صلى الله وعليه وسلم قواعد مجتمع جديد وأمة إسلامية جديدة، بإقامة الوحدة العقدية والسياسية والنظامية بين المسلمين، بدأ بتنظيم علاقاته بغير المسلمين، وكان قصده بذلك توفير الأمن والسلام والسعادة والخير للبشرية جمعاء، مع تنظيم المنطقة في وفاق واحد، فسن في ذلك قوانين السماح والتجاوز التي لم تعهد في ذلك العالم المليء بالتعصب والأغراض الفردية والعرقية‏.‏ وأقرب من كان يجاور المدينة من غير المسلمين هم اليهود – كما أسلفنا – وهم وإن كانوا يبطنون العداوة للمسلمين، لكن لم يكونوا أظهروا أية مقاومة أو خصومة بعد، فعقد معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة قرر لهم فيها النصح والخير، وترك لهم فيها مطلق الحرية في الدين والمال، ولم يتجه إلى سياسة الإبعاد أو المصادرة والخصام‏.‏ وفيما يلى أهم بنود هذه المعاهدة ‏:‏ 1 – إن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، وكذلك لغير بنى عوف من اليهود‏.‏ 2 – وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم‏.‏ 3 – وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة‏.‏ 4 – وإن بينهم النصح والنصحية، والبر دون الإثم‏.‏ 5 – وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه‏.‏ 6 – وإن النصر للمظلوم‏.‏ 7 – وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‏.‏ 8 – وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة‏.‏ 9 – وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ 10- وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها‏.‏ 11- وإن بينهم النصر على من دَهَم يثرب‏.‏‏.‏ على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم‏ .‏ 12- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم‏ .‏ بمثل هذه الركائز تم وضع الأسس التنظيمية والإطارية لنظام مجتمع الإسلام ودولة الإسلام بقيادة ورئاسة الرسول صلى الله عليه وسلم . وهذا تأسيس وتأطير وتنظيم لمتساكني المدينة ليصبح المطلوب بعدها التكوين والتخريج لدولة الإسلام ومجتمعه وأفراده ومكوناته ، وهو التخريج الذي استغرق كل الفترة المدنية حتى حجة الوداع . ويمكن تقسيم هذا التخريج على حقبتين : حقبة العسر والشدة التي تمتد إلى غزوة الأحزاب ، ثم حقبة الفتح والتمكين التي تبدأ من صلح الحديبية حتى حجة الوداع .   جهود التخريج في حقبة العسر والشدة :   لقد كانت المهمة المحورية لهذه المرحلة تخريج المجتمع الإسلامي ومتابعة تخريج أفراد هذا المجتمع ، بكل ما يعنيه من تتبع كافة المناشط لتكون تبعا لما جاء به الإسلام في ظاهرها وفي أعماقها. وقد كانت الأحداث الكبيرة في هذه المرحلة مناسبات هامة جدا لاختبار مستوى تخرج المسلمين في دينهم أفرادا ومجتمعا ، وكشف الإخلالات والنقائص فيه… وقد تناولنا العديد منها ، وأهمها وأبرزها في سلسلة « المنهج القرآني في النقد والتقويم وفي التوبة والتصحيح » .   1 – فغزوة بدر كان لها وجه واحد ، رأينا فيه قلة مؤمنة مستشعرة لضعفها إلا أنه لحسن توكلها على الله كان لها النصر. ولم يظهر فيها خلل أثناء المعركة ولكن بعدها عند الغنائم. ولقد قدم لنا القرآن قراءة علنية لحقيقة ما كان في قلوبهم وعقولهم ولحقيقة عوامل النصر، قراءة تريد أن ترتقي بهم في اتجاه صفاء الإيمان وقوته وكماله.   2 – وأما غزوة أحد فكان لها وجوه ثلاثة :   وجه أول جيد في شكله وترتيباته إلا أنه تضمن خللا خفيا وهو ما كان وراء الحماس والخروج خارج المدينة . ووجه ثاني كان فيه الفرار على نقيض ما كان من حماس واندفاع، وحقيقته لا تختلف عما حدّث أصحابُ الجبل أنفسهم به من أمر الدنيا والغنائم حتى غادروا الجبل مخالفين لأمر رسولهم. إن الذين غادروا الجبل كان حبا منهم للدنيا، والذين فروا من ساحة الحرب كان حبا منهم للدنيا أيضا. وكان يمكن أن تكون هزيمة كاملة لولا ثبات القيادة وثلة من الصحابة ثباتا عجيبا حال دون أن تكون النتيجة هزيمة كاملة كما يعبر عليه آخر مشهد منها وهو الحوار الذي حصل بين أبي سفيان وعمر.   وأما الوجه الثالث فهو وجه الكرّ كما يعبر عليه قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه . فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175)} (آل عمران)   وهذا وجه واضح فيه أنه معاودة الكر بنفس الأشخاص – وقد نقص عددهم ونقصت قوتهم وصحتهم إنهاكا وجراحا – ولكن هذه المرة قد صفت قلوبهم من حظوظ الدنيا وامتلأت بالله تقوى وتوكلا، فكان كرّا ناجحا : « فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء… »   إن النصر والهزيمة لا ترتبط بالوسائل والإمكانيات ولكن بصفاء الإيمان وعمقه وحسن التوكل على الله ، مع أخذ بالوسائل والأسباب المتاحة والممكنة ، وبذل الجهد فيها ، ليس تعويلا عليها ولكن تعبدا بها ، لأن الله أمر بذلك ، ولأنه أعطانا إياها لنعبده بها ونستعملها في سبيله.   3 – والأمثلة من هذا القبيل، الموظفة في عملية التخريج عديدة ومتنوعة . إن هذا التخريج هو أهم شيء في الدعوة إلى الإسلام ، إضافة إلى أنه يؤهل لأداء هذه الدعوة، وذلك ما قام به المسلمون بعد رسولهم عليه الصلاة والسلام ، حيث بلغوا الإسلام بما قاموا به من فتوحات في كل الاتجاهات في مدة قياسية .   ومع دور التخريج الهام هذا للصدامات والحروب التي حصلت في تلك الفترة ، لا ينبغي أن ننسى معه أن هذه الصدامات والحروب  تمثل في أصلها عوائق تشغل عن مهمة الدعوة وتعوقها، ولذلك ما إن أصبح الظرف مناسبا لإنهائها وتحقيق الصلح على الأقل مع القريشيين حتى بادر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بدارا كاد أن يحدث فتنة بين الصحابة فكان « صلح الحديبية ». وما إن تحقق ذلك حتى بادر صلى الله عليه وسلم إلى إرسال الرسل إلى ملوك العالم يدعوهم إلى الإسلام.   جهود التخريج في حقبة اليسر والفتح والتمكين :    كانت الخطوة المؤسسة لحقبة الفتح والتمكين هي خطوة صلح الحديبية ، التي ما كان يحصل من دونها ما حصل من فتح وتمكين . ولهذا فهي خطوة مهمة جدا ، ومهم فقهها ، وسنركز عليها دون ما بعدها.   أولا : إبرام صلح الحديبية وبنوده‏‏   في ذي القعدة سنة 6 هـ أري رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو بالمدينة، أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا، وحلق بعضهم وقصر بعضهم، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك. وأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر‏.‏ وما أن علمت قريش حتى أخذت تفكر في صده.   وبعد جملة محاولات وأحداث مختلفة عرفت قريش ضيق الموقف، فأسرعت إلى بعث سُهَيْل بن عمرو لعقد الصلح، وأكدت له ألا يكون في الصلح إلا أن يرجع عنا عامه هذا، لا تتحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً . فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏قد سهل لكم أمركم‏)‏، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فجاء سهيل فتكلم طويلاً، ثم اتفقا على قواعد الصلح التالية‏:‏   1‏.‏ الرسول صلى الله عليه وسلم يرجع من عامه، فلا يدخل مكة، وإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثاً، معهم سلاح الراكب، السيوف في القُرُب، ولا يتعرض لهم بأي نوع من أنواع التعرض‏.‏ 2‏.‏ وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض‏.‏ 3‏.‏ من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وتعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدواناً على ذلك الفريق‏.‏ 4‏.‏ من أتي محمداً من قريش من غير إذن وليه ـ أي هارباً منهم ـ رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد ـ أي هارباً منه ـ لم يرد عليه‏.‏   ثم دعا علياً ليكتب الكتاب، فأملى عليه‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ فقال سهيل‏:‏ أما الرحمن فوالله لا ندري ما هو‏؟‏ ولكن اكتب‏:‏ باسمك اللّهم‏.‏ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك‏.‏ ثم أملى‏:‏ ‏(‏هذا ما صالح عليه محمد رسول الله‏)‏ فقال سهيل‏:‏ لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب‏:‏ محمد بن عبد الله فقال‏:‏ ‏(‏إني رسول الله وإن كذبتموني‏)‏، وأمر علياً أن يكتب‏:‏ محمد بن عبد الله، ويمحو لفظ رسول الله، فأبى علي أن يمحو هذا اللفظ‏.‏ فمحاه صلى الله عليه وسلم بيده، ثم تمت كتابة الصحيفة.   ثانيا : حزن المسلمين ومناقشة عمر النبي صلى الله عليه وسلم   إلا أنه هناك ظاهرتين عمت لأجلهما المسلمين كآبة وحزن شديد‏.‏   الأولي‏:‏ أنه كان قد أخبرهم « أنا سنأتي البيت فنطوف به »، فما له يرجع ولم يطف به‏؟‏ الثانية‏:‏ أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الحق، والله وعد إظهار دينه، فما له قبل ضغط قريش، وأعطي الدَّنِيَّةَ في الصلح‏؟‏   كانت هاتان الظاهرتان مثار الريب والشكوك والوساوس والظنون، وصارت مشاعر المسلمين لأجلهما جريحة، بحيث غلب الهم والحزن على التفكير في عواقب بنود الصلح‏.‏ ولعل أعظمهم حزناً كان عمر بن الخطاب، فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ يا رسول الله، ألسنا على حق وهم على باطل‏؟‏ قـال‏:‏ ‏(‏بلى‏)‏‏.‏ قـال‏:‏ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بلي‏)‏‏.‏ قال‏:‏ ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يا ابن الخطاب، إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري ولن يضيعني أبداً‏)‏‏.‏ قال‏:‏ أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بلي، فأخبرتك أنا نأتيه العام‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فإنك آتيه ومطوف به‏)‏‏.‏   ثم انطلق عمر متغيظا فأتي أبا بكر، فقال له كما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه أبو بكر، كما رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء، وزاد‏:‏ فاستمسك بغَرْزِه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق‏.‏   ثم نزلت‏:‏ ‏{‏إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ إلخ ‏[‏سورة الفتح‏:‏1‏]‏، فأرسل رسول الله إلى عمر فأقرأه إياه‏.‏ فقال‏:‏ يا رسول الله، أو فتح هو‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏‏.‏ فطابت نفسه ورجع‏.‏   ثم ندم عمر على ما فرط منه ندماً شديداً، قال عمر‏:‏ فعملت لذلك أعمالاً، مازلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيراً‏.‏     ثالثا : الناس يدخلون في دين اللّه أفواجاً    وتجلى معنى فتح صلح الحديبية خاصة بفتح مكة ، حيث كان حدثا فاصلاً، عرف به العرب الحق من الباطل، وزالت معه الشبهات، فتسارعوا إلى اعتناق الإسلام‏.‏ قال عمرو بن سلمة‏:‏ كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم‏:‏ ما للناس‏؟‏ ما للناس‏؟‏ ما هذا الرجل‏؟‏ فيقولون‏:‏ يزعم أن اللّه أرسله، أوحي إليه، أوحى اللّه كذا، فكنت أحفظ ذاك الكلام، فكأنما يقرّ في صدري. وكانت العرب يقولون‏:‏ اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق‏.‏ فلما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال‏:‏ جئتكم واللّه من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقاً‏.‏ فقال‏:‏ صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏   يدل هذا الحديث على مدى أثر فتح مكة في انفتاح القلوب للإسلام، وتأكد ذلك بعد غزوة تبوك. ولذلك نري الوفود تقصد المدينة تترى في هذين العامين ـ التاسع والعاشر ـ ونرى الناس يدخلون في دين اللّه أفواجاً، حتى إن الجيش الإسلامي الذي كان قوامه عشرة آلاف مقاتل في غزوة الفتح، إذا هو يزخر في ثلاثين ألف مقاتل في غزوة تبوك قبل أن يمضي على فتح مكة عام كامل، ثم نرى في حجة الوداع بحراً من رجال الإسلام يزيد على مائة ألف يموج حول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالتلبية والتكبير والتسبيح والتحميد، تدوي له الآفاق، وترتج له الأرجاء‏.‏   ويزيد عدد الوفود التي أقبلت على الرسول صلى الله عليه وسلم على سبعين وفداً، وكانت وفادة عامتها بعد الفتح، ولكن هناك قبائل توافدت قبله أيضاً‏ .   و يدل تَتَابُع هذه الوفود على مدى ما نالت الدعوة الإسلامية من القبول التام، وبسط السيطرة والنفوذ على أنحاء جزيرة العرب وأرجائها، وأن العرب كانت تنظر إلى المدينة بنظر التقدير والإجلال، حتى لم تكن تري محيصاً عن الاستسلام أمامها، فقد صارت المدينة عاصمة لجزيرة العرب، لا يمكن صرف النظر عنها، إلا أننا لا يمكن لنا القول بأن الدين قد تمكن من أنفس هؤلاء بأسرهم ؛ لأنه كان وسطهم كثير من الأعراب الجفاة الذين أسلموا تبعاً لسادتهم، ولم تكن أنفسهم قد خلصت بعد عما تأصل فيها من الميل إلى الغارات، ولم تكن تعاليم الإسلام قد هذبت أنفسهم تمام التهذيب‏. ‏ وقد وصف القرآن بعضهم بقوله في سورة التوبة‏:‏ ‏{‏الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏97، 98‏]‏   وأثنى على آخرين منهم فقال‏:‏ ‏{‏وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏ التوبة:99]‏‏.‏   أما الحاضرون منهم في مكة والمدينة وثقيف، وكثير من اليمن والبحرين، فقد كان الإسلام فيهم قوياً، ومنهم كبار الصحابة وسادات المسلمين‏.‏   حجة الوداع تاج عملية التخريج :   تمت أعمال الدعوة، وإبلاغ الرسالة، وبناء مجتمع جديد على أساس إثبات الألوهية للّه، ونفيها عن غيره، وعلى أساس رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. وكأن هاتفاً خفياً انبعث في قلب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، يشعره أن مقامه في الدنيا قد أوشك على النهاية، حتى إنه حين بعث معاذا على اليمن سنة 10هـ قال له ـ فيما قال‏:‏ ‏(‏يا معاذ، إنك عسي ألا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري‏)‏، فبكي معاذا خشعاً لفراق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏   وشاء اللّه أن يُري رسوله صلى الله عليه وسلم ثمار دعوته، التي عانى في سبيلها ألواناً من المتاعب بضعاً وعشرين عاماً، فيجتمع في أطراف مكة بأفراد قبائل العرب وممثليها، فيأخذوا منه شرائع الدين وأحكامه، ويأخذ منهم الشهادة على أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة‏.‏   أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بقصده لهذه الحجة المبرورة المشهودة، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة تهيأ النبي صلى الله عليه وسلم للرحيل ، فتَرَجَّل وادَّهَنَ ولبس إزاره ورداءه وقَلَّد بُدْنَه، وانطلق بعد الظهر‏‏، مؤديا مناسك الحج ، حتى كان يوم عرفة.   أولا : خطبة عرفة   وفي عرفة ، يوم عرفة ، في تاسع ذي الحجة وبعد أن زالت الشمس، وقد اجتمع حوله مائة ألف وأربعة وعشرون أو أربعة وأربعون ألفاً من الناس، قام فيهم صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال‏:‏   ‏(‏أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً‏)‏‏.‏ ‏(‏إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا‏.‏ ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله‏)‏‏.‏ ‏(‏فاتقوا اللّه في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏)‏‏.‏   ‏(‏وقد تركت فيكم لن تضلوا بعده ما إن اعتصمتم به، كتاب اللّه‏)‏‏.‏   ‏(‏أيها الناس، إنه لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، طيبة بها أنفسكم، وتحجون بيت ربكم، وأطيعوا أولات أمركم، تدخلوا جنة ربكم‏)‏‏.‏   ‏(‏وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت‏.‏ فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس‏:‏ ‏(‏اللهم اشهد‏)‏ ثلاث مرات‏.‏   وبعد أن فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من إلقاء الخطبة نزل عليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 3‏]‏، ولما نزلت بكي عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما يبكيك‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء قط إلا نقص، فقال‏:‏ ‏(‏صدقت‏)‏‏.‏   ثانيا : خطبة يوم النحر   وخطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ـ عاشر ذي الحجة ـ أيضاً حين ارتفع الضحى، وأعاد في خطبته هذه بعض ما كان ألقاه أمس، فقد روي الشيخان عن أبي بكرة قال‏:‏ خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال‏:‏ ‏(‏إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضَر الذي بين جمادي وشعبان‏)‏‏.‏   وقال‏:‏ ‏(‏أي شهر هذا‏؟‏‏)‏ قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال‏:‏ ‏(‏أليس ذا الحجة‏؟‏‏)‏ قلنا‏:‏ بلى‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أي بلد هذا‏؟‏‏)‏ قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال‏:‏ ‏(‏أليست البلدة‏؟‏‏)‏ قلنا‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فأي يوم هذا‏؟‏‏)‏ قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ فسكت حتى ظننا أنه سيسمية بغير اسمه، قال‏:‏ ‏(‏أليس يوم النحر‏؟‏‏)‏ قلنا‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا‏)‏‏.‏   ‏(‏وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض‏)‏‏.‏ ‏(‏ألا هل بلغت‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ نعم، قال‏:‏ ‏(‏اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فَرُبَّ مُبَلَّغ أوعى من سامع‏)‏‏.‏ وفي رواية أنه قال في تلك الخطبة‏:‏ ‏(‏ألا لا يجني جَانٍ إلا على نفسه، ألا لا يجني جان على ولده، ولا مولود على والده، ألا إن الشيطان قد يئس أن يُعْبَد في بلدكم هذا أبداً، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم، فسيرضى به‏)‏‏.‏   وأقام أيام التشريق بمني يؤدي المناسك ويعلم الشرائع، ويذكر الله، ويقيم سنن الهدى من ملة إبراهيم، ويمحو آثار الشرك ومعالمها‏.‏   وقد خطب في بعض أيام التشريق أيضاً، فقد روى أبو داود بإسناد حسن عن سَرَّاءِ بنت نَبْهَانَ قالت‏:‏ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرؤوس، فقال‏:‏ ‏(‏أليس هذا أوسط أيام التشريق‏)‏‏.‏ وكانت خطبته في هذا اليوم مثل خطبته يوم النحر، ووقعت هذه الخطبة عقب نزول سورة النصر‏.‏  ولما قضى مناسكه حث الركاب إلى المدينة المطهرة، لا ليأخذ حظاً من الراحة، بل ليستأنف الكفاح والكدح لله وفي سبيل الله‏.‏   بقلم : محمد شمام  العنوان البريدي :mohacham@gawab.com الهاتف النقال :0046736309986   (يتبع إن شاء الله)

بسم الله الرحمان الرحيم السبيل أونلاين – في المسألة الحضارية – الحلقة السادسة  الخطاب السياسي والديني في تونس من خلال التجربة البورقيبية (6)

 

تأطير ورشة حضاريات : هذه هي الحلقة السادسة في محور »المسألة الحضارية »، وقد خصصناها لرسالة أعدت لنيل رسالة الماجستير بكلية التاريخ بالجامعة اللبنانية في التسعينات من القرن الماضي بعنوان (الخطاب السياسي والديني في تونس من خلال واقع التجربة البورقيبية 1956-1987) للتونسي صلاح القطايفي . عثرنا على هذه الرسالة المغمورة والمغمور صاحبها، رغم أهمية موضوعها. وقد وجدناها رسالة بذل فيها صاحبها جهدا واضحا في تناول موضوع مهم يتعلق بالواقع التونسي ، خاصة في هذه المرحلة الحرجة الذي تمر بها البلاد وتمر بها الحركة الإسلامية بتونس. إن موضوع الرسالة تتطرق ضرورة إلى موضوعات الدين والدولة والعلمانية والسياسة والحركة الإسلامية، وإلى جذور وجودها في الواقع التونسي الحديث. ونحن في هذه المرحلة الحضارية الدقيقة التي يمر بها بلدنا أحوج ما نكون إلى وقفات من هذا القبيل، وإلى رجوع إلى الجذور وإلى الأصول، وإلى مقارنة ما أصبح عليه الواقع بكل ذلك… سنقدم هذه الرسالة – التي يتجاوز حجمها 100 صفحة – على أجزاء ، أحيانا مع تخفيفٍ واختصار من تعقيدات الأكادميين وأهل الإختصاص، وأحيانا أخرى مع تخفيفِ أو إسقاط بعض الفقرات التي قد ترهق أو لا تهم المتابع غير المختص ، وكل ذلك مع ما يقتضيه أحيانا من تصرف خفيف في الصياغة للربط والوصل. يقدم صاحب البحث رسالته بقسم منهجي، وقد قدمناه في الجزء الأول والثاني ، ثم بمدخل نظري جعلناه قسمين، وقد قدمنا الأول منهما في الجزء الثالث من هذه السلسلة، وقد تناول تطور العلاقة بين الديني والسياسي، منذ تبوئ الإسلام هذه البلاد إلى بداية عهد الاستقلال ، وهيمنة الدولة الحديثة على المؤسسات الدينية، وبروز الصراع بين مشروعين حضاريين؛ و قدمنا الثاني منهما في الجزء الرابع من هذه السلسلة وذلك في العنصرين التاليين: الدولة الحديثة، الاجتهاد وتأويل المراجع الدينية / الإسلام الاحتجاجي ووظيفة الاستثمار المزدوج للدين والسياسة . بهذا نكون قد أنهينا تناول المقدمات لنبدأ تناول الفصل الأول من جملة فصول البحث الخمسة، وهو فصل بعنوان « التراكمات التاريخية – الاجتماعية ووظيفة الخطاب النهضوي الإصلاحي « ، ويشمل على قسمين، الأول منهما يتناول « الضوابط النظرية وآليات التفكير »، وقد تناولناه في الجزء الخامس من هذه السلسلة . وسنتناول الآن في هذا الجزء السادس القسم الثاني منهما ، الذي يتطرق إلى السياسي والديني مكانة ووظيفة، وذلك وفق الفقرات التالية: الإصلاحية العربية ومفهوم السياسي / الإصلاحية العربية والدين / خاتمة. أ – الإصلاحية العربية ومفهوم السياسي: درج الفكر العربي المعاصر، المتطلِّع لدراسة السياسة والدين على بعث الخوف والقلق لدى القارئ والذاكرة لشدّة ما يكتشفه الفرد أحياناً من تشاؤم لصعوبة الاستمرار والعيش داخل مجتمعات يحكمها فقه الدين والسياسة، الواقع تحت خداع السلطة، وما يقوم عليه الاجتماع البشري من حدّة التسلّط وشدّة النزاع والمخاتلة. وإن اتصل « مصطلح السياسة » منذ القرون الأولى للتاريخ الإسلامي بالقيادة والرياسة، فإنه كثيراً ما جاء ملازماً للملك عند ابن خلدون(1)، ليحمل بعدها مفهوم الحكم وقوانين الدولة حتى استعمل بكثافة مركزة، قارب تداوله مائة مرّة في مقدمة « أقوم المسالك »(2). وقد يتسع المصطلح ذاته ويضيق عند ابن أبي الضياف حتى لا يكاد يخرج عن حقل تأثيرات لغة أهل الدواوين والكتبة(3)، إلاّ أنه عادة ما يُطلق على شروحات المعاجم وتعريفات كتب البلاغة والعلماء على « المكايسة في القول أو الفعل واللين في المعاملة وحتى على ضرب من النفاق والمخاتلة»(4). غير أن « الفقه » الإصلاحي خرج ليقيم معادلة تبحث بين التأخر واستبداد السياسي من جهة، والعمران والعدل من جهة أخرى. وفي ذلك لا يعيش النهضوي حاضراً واحداً بل يكاد يتمزّق لشدّة تعلّقه بحاضرين: حاضر المجتمعات الإسلامية بجهازها السياسي ودولته السلطانية المقطوعة عن أفرادها ورعاياه، وحاضر الغرب بمؤسساته العادلة، وعلاقة مجاله السياسي المنظّم للحرية والإدارة. ضمن هذا التصوّر تحوّل السياسي كمؤسسة من بين عدد من المؤسسات والأجهزة إلى منهجية في التحليل، ومنظومة أفكار تتخذ من الاستبداد عنصراً مكتفياً لتفسير حالة التراجع والتخلّف الاجتماعي. وفي ثنايا هذه المقولة التي تفسِّر النظام القائم بجميع أشكاله ومظاهره سوف تستقدم السياسة لتبلغ قاع العلاقات الاجتماعبة. والواقع أن المسلمين قد تحسَّسوا باكراً ومنذ قيام الخلافة وتأسيس الدولة العربية الإسلامية غربتهم وافتقادهم لكل أشكال النظم والتنظيمات حتى أن جهود عمر بن الخطاب في إقامة الدواوين لم تُعمِّر طويلاً. فقد استمر مشروع الدولة، مشروع غزو وتجميع للريع، وكانت العقيدة دعوة مفتوحة « للجهاد »، تفترض تحقيق مفهوم للأمة والجماعة. لذلك عجزت دولة الفتوحات عن تركيز نواة لإدارة إسلامية، فقد بقيت الدواوين فارسية، وظلّت دواوين الشام رومية أي بيزنطية، وفي مصر كانت الدواوين قبطية. لقد تمكّنت السياسة من اتّباع إيقاعها الخاص، حينما اكتسبت مجالها الذاتي، بعيداً عن سيطرة العقيدة والدعوة، في أعقاب ما شهده القرن الأول الهجري من اتّساع لرقعة الدولة الإسلامية، بعد أن امتدّت الفتوحات لتضم بلاد فارس والعراق، والشام ومصر، ومعها استحدثت وقائع جديدة، كانت تفترض بدورها الحاجة إلى بعض التشريعات الحديثة. وابتداءًا من القرن الثاني الهجري كانت المنظومة الإسلامية قد عرفت تغيرات كبرى في هياكلها، وساد اهتمام أكثر بالإدارة وأصول المعاملات، خاصة بعد امتزاج الحضارة الإسلامية بحضارات أخرى تتّصف بأصالة دواوينها وقدرة تنظيماتها. تفطن الفقهاء إلى ضرورة تكييف العلاقة بين واقع الدولة ومفهوم الخلافة نفسها بعد أن تحوّلت الأخيرة إلى مُلك كما عبّر عنها وليّ الدين بن خلدون، فقد جاء للغزالي في إحياء علوم الدين: «إننا نراعي الصفات والشروط في السلاطين تشوّفاً إلى مزايا المصالح ، ولو قضينا ببطلان الولايات الآن لبطلت المصالح رأساً. فكيف يفوت رأس المال في طلب الربح»(5). تحوّل الفقه من محاولة إضفاء شرعية على الدعوة إلى عمل معرفي وجهد نظري يحاول إقحام فكرة الدعوة ضمن المجال السياسي للدولة. هذا ما ندركه في حديدث الغزالي وما تمثِّله عنده الدولة/الولايات، من شرط لإمكان تحقيق المنفعة، حينما نصل بين الربح والمصالح، لذلك اجتهد الفقيه من أجل صيانة الدولة، وفي أحيان كثيرة حاول التنظير لها. وكأن السياسي مثّل عقدة الفكر الإسلامي على امتداده التاريخي «ذلك أن القرآن لا يقدِّم في الغالب نصوصاً حول الكثير من القضايا المتعلِّقة بالإدارة والتشريعات المدنية، وهو يكتفي بطرح مبادئ عامة استطاعت لهذا السبب ذاته أن تحتل عدداً كبيراً من التأويلات، أما السُّنة فهي لم تسهم في ذلك إلا بما كان متعلِّقاً بالأحداث التي تمت بحياة النبي ذاته»(6). ظلت الوقائع تستنطق النص وقواعده العامة ، وكثيراً ما تفلت الأحداث من طاقة النص التأويلية، فيجتهد الفقيه في توليد مجال تشريعي آخر يُقام أساساً على قاعدة النصوص ذاتها. وعندما حاورت المفاهيم الغربية ( العدل، الحرية، المجالس البرلمانية، والديمقراطية) الموروث النظري العربي الإسلامي كنص، ووحي، وفقه – التي استمرت قوالب جامدة منذ أن أغلق باب الاجتهاد – لم تجد سوى دلالات لمفاهيم مفرغة خاوية من كل أجهزة مؤسساتية وتنظيمية. فكانت عودة الإصلاحية إلى الخيال التراثي والذاكرة السياسية لجعل المرادف أصلاً من أصول الشريعة وجزءاً من الذات. داخل هذا النمط من المؤالفة، والجمع بين عناصر الثقافة الغربية الحديثة، وتاريخ الفكر الإسلامي « المنسي » كان منشأ الإصلاحية الأولى، بايديولوجيتها السياسية التي سادت أوساط المجتمع واكتسحت لفترات طويلة مختلف جوانبه. وسوف لن يرتقي الفكر الإصلاحي إلى استنطاق النص الديني، قرآن/حديث لتأسيس جهاز من المفاهيم السياسية، تربط الحاضر العربي الإسلامي، بل سوف يحذف حقباً من الزمن والمعرفة التاريخية، بما تحمله من تحوّلات، ومؤسسات كانت قد عبّرت عنها ارهاصات الخلافة الرشيدة المنهارة. ب – الإصلاحية العربية والدين: عمل الفكر الإصلاحي ضمن تصورات علاقته بالسياسي على اقحام عناصر خارجية تستدعي فكرة السياسي إلى مجال الفعل الاجتماعي، مخترقاً ذلك النسيج الرهيف بوعي أحياناً أو بدون وعي في أكثر الحالات. وضمن عملية التوليف و »الاستجابة » تنوّع الفهم، واختلافات للوعي، تجسِّد ذلك الجهد الباحث عن الانتظام والمقاربة داخل حقول مرجعية متباينة. ومن الأفغاني الذي أحال حاضر المجتمع الإسلامي ومؤسساته السياسية إلى الإسلام نفسه، وتمثلت لديه تأزمات الحاضر وأمراضه، واقعاً طبيعياً، لافتقاد قيم التقوى والتديّن. فأقام دعوة مفترضة، في مبدأ الرجوع إلى الإسلام الأصل وحقيقته المطلقة. إلى علال الفاسي وشروحاته النظرية لإقامة منطقة للمعرفة تجمع الحاضر الضعيف بالديني والسياسي لتكون العلاقة مزدوجة تتّحد فيها نفعية الأرض مع روحانية السماء. داخل هذين التصورين في المنهج والرؤية، كانت قد انتضمت مواقف معرفية إصلاحية اتصفت بالتوتّر رافقت منتصف القرن التاسع عشر حتى النصف الأول من هذا القرن. عاد المفكرون إلى استنهاض ذلك الحديث القائل: «جاء الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، قيل وما الغرباء يا رسول الله؟ قال الذين يصلحون عند فساد الناس»(7). لقد شكّلت لديهم مظاهر الانحلال السياسي و »غربة » الدين و »غيابه » عن كل فعل أو تأمّل مرتكزاً نظرياً لمنطلقات ذلك الخطاب وفرضياته، رغم اختلاف مراحله التاريخية وتمايز انتماءاته المحلية والفقهية، إلا أنها أنكرت الاستبداد، ورأت فيه ظاهرة غريبة، كما شدّدت على إسلامية الديمقراطية الغربية كتبرير شرعي لعودة الشورى، وتواجد أهل الحل والعقد. «إن الاستبداد السلطاني في الشرق دخيل على الإسلام وإن تستّر خلف فقهاء وعمائم، إنه عند عبد الرحمان الكواكبي وحسين نائيبي « استبداد ديني » وهو أخطر من الاستبداد السياسي بل هو شرطه وهو عند رشيد رضا انحراف في الفقه وتواطؤ بين السلطات والفقهاء الحشوية»(8). ندرك بذلك كم كانت اهتمامات المصلح بمجتمع المدينة في عهودها الأولى من الإسلام، وكيف تحوّل الفعل الإصلاحي إلى عمل معرفي يناهض المجتمع الحاضر، كوقائع وأحداث ترتسم بعيداً عن الإسلام/النص وتتخارج مع مستويات الوحي والحديث. لقد مثّلت الحياة الاجتماعية، داخل الإسلام المعيار تجسيداً حقيقياً للتماهي مع المطلق والغيبي، حالة امتزج فيها النص بالفعل والفرد بالشريعة..! أما المجتمع الحاضر، فقد تخارجت مفاهيمه مع القرآن لذلك تولدت غربته الذاتية والموضوعية، استعيدت في هذا السياق مقولة « الفطرة » كحقيقة للأشياء، ولحظة تاريخية أولية تختزن نقطة بداية، وحقل للطهارة والصفاء، تتجسّد فيها قابلية الفرد للتوافق مع حقيقة الإسلام «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه». هذه العودة لا يمكن أن تكون دون استئناس بجوهر الأشياء، وذوبان في الأصل (الإسلام)، يبدو معه الخروج عن تلك « الفطرة » ابتعاداً عن الطبيعة، وضياعاً في الوقائع، بعيداً عن المعتقد والدين كموجة للعمل والأخلاق، ومجموعة معايير ومثل. انشغلت الإصلاحية في صياغة أصل مفترض للإنسان، كان الفرد فيه محافظاً على حالته الأولى، وانجذبوا كثيراً إلى مقولة « الفطرة » واستشهدوا بالآية: «فأقم وجهك للدين حنيفاً، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيِّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون»(9). هذا الترادف اللفظي يعكس ترادفاً منهجياً في التحليل والقراءة، تصبح في إطاره الفطرة معادلة للإسلام بما هي توافق وتماهي تام بين الإنسان وما ينبغي أن يكون عليه كإنسان(10). فالفرد في حالة الفطرة لا يمكن إلاّ أن يكون على سجية الإسلام وطبيعة الوحي، ولحظة الولادة الأولى هي فطرة المولود أي الإسلام نفسه، أما ما يتخلق خارج دائرة الدين والإسلام فهو تحريف للجوهر ومس للفطرة والاصل. وطالما كان الأصل يفترض ضمنياً حالة من الانحراف والميل، فإن المنهج الأفضل في استعادة الجوهر يقع في متن الاجتهاد كفعل تشريعي، قد يُعيد الجسد الشرقي إلى روحه وذاته عبر جهد معرفي يحاول ردم الهوّة بين الماضي والحاضر، أو حتى تكييف الحاضر وتوظيف عناصر اشتغاله وفق الماضي. قرأ مفكري الإسلام واقع التخلف والانحطاط على أساس جهود المجتمع الإسلامي، واختناق حركة الاجتهاد والفقه «وكان أعلى أشكال تحكيم العقل، على المستوى الديني والحقوق، يتمثل في الاجتهاد. إذ اهتم المصلحون كثيراً « بإعادة فتح الاجتهاد » واعتبروا ذلك بداية رئيسة لحركة إعادة بناء الدين»(11). لقد بدت المؤسسة الدينية تشكو العطالة عاجزة عن خلق علاقة جديدة مع موروثها الديني والتراثي، يحملها إلى الزمن الوسيط لعصر الإسلام بمضامينه الإبداعية وقدرته على التأويل الحر «إن السلفية هي مرادف العودة إلى الاجتهاد، بمعنى الرأي الشخصي، وحرية التأويل والكلام في جميع الميادين»(12). جاء إغلاق باب الاجتهاد ليعادل غياب العقل، وضعف العلوم الشرعية، لذلك كان لا بدّ من فتح علاقة حرّة مع القرآن، تستنهض الفكر وتحرر التأويل من أسره وجموده «إن السلفية هي مرادفة العودة إلى الاجتهاد، بمعنى إلى الرأي الشخصي، وحريّة التأويل والكلام في جميع الميادين»(13). أحسّ رجل الإصلاح بضيق المؤسسة الدينية وانغلاقها الرافض لكل جديد، أمام حركة الواقع المتمرّد عن كل قديم. لقد تحوّل الموروث النظري والاجتماعي من فعل معرفي مبادر ونقدي إلى تقليد يتصف بالترداد والجدب. قدّمت الإصلاحية الإسلامية الدينَ ككيان خارج التاريخ، فكرة ممتلئة بذاتها، تستمد طرق عملها ووَضاءها من عناصرها الذاتية، وتلغي كل ما هو موضوعي، تلغي مفهوم التاريخية. فلم تكن لتعبأ بالتاريخ أبداً، كانت دينية، معصومة عن الخطأ، مع أنها كانت جزءاً من التاريخ، ولحظة من لحظاته. لقد تحوّل الاجتهاد بدوره من مخرَجٍ وحلِّ إلى سؤال ومشكلة لإعادة الأبدي والمطلق كأصل مفترض، وجاء الإصلاح مشهداً انتقائياً يؤالف بين الماضي والحاضر. فالعلاقة بين الإصلاح والاجتهاد مثلت حدود الوعي النهضوي وصاغت إلى حدِّ بعيد نظرياته ابتداءا من الشيخ الأفغاني إلى السلفية الوطنية (عبدالعزيز الثعالبي، علال الفاسي) مروراً بالكواكبي وجيل رفاقه. تفاوت وتنوّع اهتمامات رواد حركة التغيير والاصلاح: لم تكن حركة التغيير والاصلاح تتخذ نفس الاهتمام لدى « الرواد النهضويين »، فقد تفاوتت الاهتمامات وتنوّعت مستويات الاستجابة، كان الدكتور كوثراني قد تنبّه إلى تحديد أجوبتها عبر قراءة تأليفية لأنماط خطابها ومداخله الإصلاحية: 1 – مدخل التثقيف وبناء مؤسسات الخدمة الاجتماعية. 2 – مدخل الثورة أو إقناع الحاكم بالإصلاح. 3 – مدخل إقامة الدولة الدستورية1415. تتزايد اهتمامات محمد عبده بضرورة تعميم العلم، وتحقيق فهم جديد للدين، قادر على محاربة البدع، ورفض تقييد الحقيقة الدينية وحشرها في مناطق ضيقة من الفهم اللاعقلي. فكانت كتاباته أكثر اعترافاً بحاجة الاصلاحي الديني والدنيوي وتغيير المجتمع، في حين كان جمال الدين الأفغاني وريث ذلك الاتجاه الديني الصارم الذي يمحور قضاياه الأساسية حول المشاكل الفقهية والشرعية، ويعتقد بالعودة إلى الإسلام الصحيح والمستقيم، وما يمثِّله من عصر للإبداع والانتاج. كان الأفغاني «ينصح زعماء الأقطار الإسلامية أن لا ينفقوا أموالهم لتكثير الجيوش ومظاهرة الدول العظيمة ومداخلة أعوان التمدّن وأنصار الحرية يستغنى عن كل هذا بالسير على نهج الخلفاء الراشدين والرجوع إلى الأصول الأولى من الديانة الإسلامية»(16). تستحيل النهضة بعيداً عن إبداع فهم سليم للدين والدنيوي، ولن يتجسّد ذلك الفهم الصادق للدين في غياب معرفة حقيقية وعقلانية، تحرر العقل من أسر القيود والتقليد، فقد «أصبح العقل عند النهضويين جوهر الحضارة وأن عليه يتوقف تجديد الدين وتجديد المعرفة الانسانية»(17). لقد ظهرت أزمة العقل العربي منذ عصور التراجع ، تساوي قياس « الحاضر على الماضي »، و »الغائب على الشاهد »، ليسقط العقل الاصلاحي في اللاتاريخية، والعيش داخل قوالب معرفية جاهزة. هذا الانغلاق العقلي هو الذي أطلق عليه برهان غليون معنى « السكولستيكية »، التي تدل عليها ويشرحها بأنها «انغلاق العقل داخل دائرة أطروحات وقضايا تبلورت في وضع وحقبة معينين… وخطأ السكولستيكية هو أنها تخضع تحليل الواقع إلى تحليل الأنظمة الشكلية والصورية للفكر وتنتهي إلى قياس الواقع العملي على الواقع النظري، وهكذا تصبح العملية الفكرية عملية استنباط أفكار من أفكار من دون العودة إلى الواقع»(18). جاءت المعرفة على يد الفكر الاصلاحي حالة لتوليد المعاني، ونظرية للقياس والاستنباط تستحضر أدوات التحليل والعمل ذاتها، غير أن اصطدام هذا الشكل من التفكير والمعرفة بآلات العقل والمنهج الغربي حوّل العقل ومن ورائه العلم إلى مركز لاهتمام المصلحين. يمارس العقل عمله فيوسِّع من دائرة الاجتهاد واختصاصاته، فلم يعد يعني مجرد فعل تشريعي وفقهي، بل أصبحت المعرفة الدينية مشروطة بالمعرفة الدنيوية و«أن ندرة المجتهدين أو عدمهم هو من الفتور الذي أصاب عموم الأمة في العلوم وغيرها فإذا استيقظت من سباتها وانجلى عنها كابوس الخمول وتقدّمت في مظاهر حياتها التي أجلها العلوم، وظهر فيها فطاحل علماء الدنيا من طبيعيات ورياضيات وفلسفة، ظهر المخترعون والمكتشفون والمبتكرون كالأمم الأوروبية والأمريكية الحية، عند ذلك يتنافس علماء الدين مع علماء الدنيا فيظهر المجتهدون»(19)، يتزامن الديني مع الدنيوي بعد أن كان كل منهما يتمسّك بفضائه الخاص ويتحصّن بداخل جدرانه. أغلق باب الاجتهاد كما أغلِقت أبواب العلوم الصحيحة، ليعيش الجميع على بقايا استنتاجات قديمة، مثقلة بتراكمات الماضي. يهتدي هنا الاجتهاد إلى ضرورة العلم، وبمثل ما امتلك المقدّس من الشرعية، فإن للعلم شرعيته الخاصة التي قد تفوق شرعية الدين في حدّ ذاته. يتصالح الحدث مع النص، كما تتآخى شرعية العلم مع شرعية الدين، وتنشط الاصلاحية العربية في الدعاية والقول بفكرة العلوم الغربية كعلوم اسلامية في جوهرها، تجد مكوّناتها في الثقافة والتاريخ. وتتحوّل الاستعارة إلى حركة للاسترداد وعودة المكتسب « الضائع » إلى أصله المفترض، وأهله الحقيقيين، فكثيراً ما ردّد الاصلاحيون «إن التقدّم العلمي والتقني والتنظيمي أخذه الأوروبيون عن المسلمين وبالتالي فلا ضرر أن يأخذ عنهم الغرب والمسلمون»(20). تعمل هذه الفكرة – العلوم الغربية إنما هي في الأصل علوم اسلامية – على « انتفاخ » الذات وتشريع مصطلح التحديث الذي داهم المجتمعات العربية الإسلامية ليجبرها على المثول لقيم التفكير وأنماط الحياة الغربية، كما أنها من جهة أخرى سوف تعمل على تلطيف الشعور بالنقص الذي أحسّ به المسلمون تجاه تفوّق أوروبا الواضح في الثقافة والقوة(21). يعمل ما هو ديني على استقطاب ما هو دنيوي لكن بدون وعي بأبعاد تلك العملية التاريخية، حتى أن رجال الاصلاح حاولوا شرح النصوص وتفسيرها وفق متطلبات هذه العملية، وعادوا إلى مقاصد الشريعة لتأويل النص الشرعي بناء على تغيرات الواقع وحركة المجتمع. يرتبط التأويل بالمصلحة التي تتحكم في عملية توجيه وتأطير الحكم الشرعي، وجهة الظروف الاجتماعية وحاجياتها، أو بمعنى آخر التحوّل نصب مفهوم المنفعة بدلالاتها الليبرالية، والتي كانت أساس دولة التنظيمات وتدافع مشاريع الاصلاح. عند هذه الرؤية التحليلية يلتقي السلفي التقليدي (محمد عبده) مع السلفي الوطني (عبد العزيز الثعالبي، علال الفاسي) كما أن المنهج الذي يعتمد المنفعة كبعد أساسي يلتقي مع الفكر العلماني (أحمد لطفي السيد). خاتمة : مثّلت مشاريع النهضة، بمآزق اختياراتها، وأزمنتها المتبادلة انعكاساً لمرحلة تاريخية واحدة، تندرج ضمن مساحة للفضاء والبحث عن الذات، وتجاوز حالة العطالة والركود التي أصابت واقع الدولة والمجتمع. وإن اتسمت هذه المشاريع بالاختلاف، وشدّدت على جانب دون آخر، كما حافظت إلى حين على تماسطها النظري لتكتشف « الآخر »/الغرب في شكل تنظيمات وإنجازات انسانية وحضارية، حتى مثّلت أوروبا في نظرها «مصدر أمل كبير أكثر من كونها مصدر تهديد»(22)، فإن تحولات تاريخية، سياسية واجتماعية معقّدة كانت قد ظهرت واستحدثت لتأسيس مفارقة في الموقف والمعرفة وحتى في المنهج. ولم يكن الاختلاف إلا في شكل التعامل مع تكوينات المجتمع وذاكرته الجماعية، فهل يكون الاصلاح بتحقيق صدمة عنيفة وهزّة قوية للعقائد والتراث؟ أم تحميل ذلك الموروث رموزاً جديدة، تدمج الجسد الشرقي في دائرة الحضارة والمدنية العصرية؟ وكان لا بدّ من كشف قوانين تطوّر الفكر(23)، وصناعة الكتابة العربية، فقد برزت الايديولوجية التحديثية، كتعبير عن احتقان أزمة المجتمع والدولة، وتشكّل جيل من النهضويين الأوائل يعبِّر عن تمظهراته في تعبيراته اللغوية، وحتى مواقفه القريبة والبعيدة من السلطة، «فتحت سوط التهديد بالتحلل والانهيار، كان من الطبيعي أن تأخذ الدولة المبادرة في عملية التغير. وبعكس الاعتقاد الشائع أيضاً، لا يبدو أن الإسلام، كالتزام ديني، قد مثّل عقبة أمام هذا التحديث، ولم يثر العلماء في وجه هذه الممارسة أي اعتراض جدّي، بل ان بعض هؤلاء قد انضم إلى السلطات السياسية، إن لم يكن قد عمِلَ على تشجيعها على تحقيق الاصلاحات المطلوبة»(24). لم يكن الفكر الاصلاحي فعلاً ذاتياً يركن إلى تاريخية المجتمع الاسلامي لفهم حاضره من داخل إرثه المفهومي والمؤسسي، ولم يكن كذلك استجابة لحاضر المجتمع الاوروبي المتفوّق، بقدر ما كان يشكِّل – هذا الفكر- تقاطع الذاتي مع ما هو خارج الذات والمجتمع. لذلك جاءت الشروحات الفقهية تكتسي موجة الحداثة المفروضة، وفي أكثر الأحيان تبرِّرها، كما جاءت المفاهيم السياسية الغربية في لغة فقهية ملتبسة لا يتوانى رجل الإصلاح في إسنادها إلى صدر الإسلام وتجربته التاريخية الأولى. هكذا كان الدستور هو القرآن، وأهل الحل والعقد هي المجالس البرلمانية، والديمقراطية هي الشورى، إلا أن تلك التراكمات والتحوّلات التي عرفها التاسع عشر خاصة السياسية منها سيعمل على تثبيت فكر يتّجه أكثر إلى الفضاء السياسي، ينتقل فيه من الدين إلى المجتمع أي من روحانية السماء إلى نفعية الأرض. يتشكّل ذلك الشعور بـ »الإجماع » على أن الإسلام لا يمثِّل غير بطاقة لتعريف المجتمع وهويته، وأن الفعل السياسي يفترض علاقة تشدّ الإنسان بالإنسان، وتكون النفعية هنا مستعارة من واقع الغرب وحاضره. ولتشريع هذه الإستعارة كثيراً ما يلتجئ النهضوي في مرحلة متقدمة إلى اعتبارها من صميم الإسلام، ثم في مرحلة ثانية يُنشئ فكرة التسامح، كجهد معرفي ونظري يحاول في ثناياه تقليص حدّة الشعور بالإهانة والغبن تجاه حضارة الغرب. وعلى هذا النحو يكون الاستنجاد بالماضي من أجل تفسير الحاضر والجواب عن المستقبل… ومن الطهطاوي في مصر وما قبله إلى علال الفاسي في المغرب تكون منظومة التفكير وآلية التصوّر واحدة. إرجاع الانحطاط (وهو تعبير غامض) إلى بؤس المؤسسة السياسية وطبيعة اشتغالها، هذا التفكير سيؤسس لفعل إصلاحي يلغي ما هو ديني من المجال الاجتماعي، سينفي أن يكون الروحي هو محرّك التاريخ، وسيعمل في نفس الوقت على إفراز نخبة علمانية تهتم بالعلم على حساب الدين، الدستور على حساب القرآن، الدولة على حساب الخلافة. تتقلص العالمية و »طوباوية » المعالجة السياسية، وترتد المواجهة الحضارية ليأخذ العمل السياسي المباشر موقعه من التاريخ، ويكون الواقع هو المحدّد للرؤية والفهم السياسي. تتشكل الأحزاب والجمعيات، الوطنية/القومية، وتُعممُّ مبادئها في كل مكان، بعد أن استكملت الرأسمالية الأوروبية منظومة بنائها، وآثار جرح الاستعمار وعي الحركات المطلبية المحلية(25)، التي استمرّت لزمن تاريخي طويل متردّدة وخجولة يغمرها فكر الإسلامية حيناً، وتكتنفها بلك العروبة الباهتة أحياناً أخرى. فحالة التشتّت والتمزّق كان من الصعب تجاوزها بخطاب إسلامي “حالم »، يجتهد في استعادة صور الماضي، لذلك عندما «بلغ العالم الإسلامي المدّ الولسوني الهائل في 1919 ابتدأ العالم في تحريك نفسه. وكان من الحتمي أن يهزّه الرجاء الولسوني في الأعماق، لكنه لم يزد عن حدّ الاستجداء للكرم الغربي آنذاك، أي إجبار الغرب على احترام قيمه. وإذا كان العالم الإسلامي سيتشتّت حسب مبدأ القوميات، فستأخذ مطالبه وجاهة جديدة. فلم تعد هناك حضارة تكافح من أجل البقاء ولا حتى ثقافة كانت، من زمن قريب، شاعرة بتفوّقها الحقيقي كان هذا حقيقة أو زعماً، وإنما بقيت بلدان عادية مطوّقة بحزام السيطرة مما أدى إلى حركات مشتّتة كانت بمثابة الشهادة على انتهاء الإسلام كامبراطورية وكحضارة لكن ليس كدين صاف»(26). غير أن تركيز العمل السياسي الوطني كوليد مباشر للحدث الاستعماري يجعل منه ظاهرة بعيدة عن حركة النهضة من الوقت الذي كان فيه ذلك العمل خميرة تنضح وتتشكل داخل فكر اليقظة العربية وروافدها، وإن جاء بصورة متقطّعة، أو متعثِّرة، قد لا تبدو واضحة. فلم تكن مستويات الفعل السياسي الوطني، نتاجاً لمرحلة من الولادة الصعبة والقيصرية بقدر ما كانت استجابة طبيعية لإخفاق فكر الإسلامية، وإفلاس مصير امبراطوية الدولة العثمانية، وما بلغته من مظاهر المرض والوهن، باتت معها النهضة في تيارها الاصلاحي-الإسلامي عاجزة عن تحقيق إجابة توفِّر معنى المواجهة والتحدي. بل إن التمسّك بمفهوم الإسلامية قد يكون « طوبى » ومغامرة تحكم فشل العمل السياسي، داخل عالم «يصعب على الخطاب الإسلامي التقليدي، ذي الطابع الفقهي-العقائدي أن يستجلي معاني حركة وحقيقة أهدافه»(27). لقد اختارت بعض الولايات العربية وهي تعيش تاريخها، رسم تجربتها الخاصة، وتشكيل ذاكرتها الجماعية، ووعيها المشترك من خلال نخب سياسية حديثة، تدرك حلة التمايز، ورغبة بناء أو استعادة دولة تلتحم بالأرض/الوطن، تتخذ التاريخ لتجعل منه أكثر « وطنية » واستقلال «وهكذا فعندما أخذ شعار « الوحدة » يتبلور في الخطاب العربي مع نهاية القرن الماضي وأوائل هذا القرن، فإن ما يتحدّد به ذلك الشعار بالمشرق لم يكن موجوداً في بلدان المغرب العربي. فمن جهة كان المغرب الأقصى مستقلا يعيش في عزلة ويغالب الأطماع الاستعمارية وحده، ومن جهة أخرى كان « الآخر » التركي في الجزائر وتونس قد صُفِّي تماماً وحل محله « الآخر » الاستعمار، ولكن لا كمجرد تهديد بل كواقع مفروض. ومن هنا سيختلف موقف الحركات الوطنية في المغرب العربي من الخلافة العثمانية عن موقف مثيلاتها منها في المشرق»(28). كما كان لمفهوم « التثاقف »(29) الذي شدّ بعض الانتلجنسيا الوطنية إلى الغرب أثره البالغ في انعكاس وعي وطني يساير النمط الأوروبي، ويحذو حذوه، من مضامين « الأمة »، « الوطن »، »الحزب »و »الدولة ». وكان التأثير كبيراً لإمكانية نهوض جيل من المثقفين مارس الفعل السياسي المباشر، حتى ماثل بينه وبين العمل الاوروبي من حيث النزعة والتوجه، خاصة بعد عجز أنظمة المعرفة التقليدية أن تكيِّف أو حتى تحد من ذلك الانتقال السريع لمظاهر التمدّن الاوروبي المنساب داخل الحياة العربية «لقد جاء المستعمرون يتحدون المغرب بحضارتهم الجديدة التي تمثل التقدم الآلي في أقصى ما وصل إليه ويتحدّون الدولة المغربية في شكلها العتيق الذي أُصيب بالفوضى والانحلال، وبما لهم من النظام والتخطيط والمعرفة بطرق التنفيذ، ويتحدّون الإسلام ومناهجه وأنظمته بروح الديمقراطية الغربية الخلاقة والمحراث الخشبي بالاقتصاد الرأسمالي»(30). ———————————————– هوامــش : 1.راجع: تاريخ العلامة ابن خلدون، وخاصة بعض فصول المقدمة التي تحمل عنوان: « العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك »، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1956. 2.التونسي، خير الدين: « أقوم المسالك في معرفة أحول الممالك »، الدار التونسية للنشر، تونس 1972. 3.ابن أبي الضياف، أحمد: « إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان » الدار التونسية للنشر، الطبعة الثانية، 8 أجزاء، تونس 1977. 4.عبدالسلام، أحمد: « دراسات في مصطلح السياسة عند العرب »، الشركة التونسية للتوزيع، تونس 1978، ص33. 5.العروي، عبدالله: « مفهوم الدولة »، مرجع سابق، ص101. 6.بنسعيد، سعيد: « الفقه والسياسة »، دار الحداثة للطباعة والنشر، ص74. 7.أومليل، علي: « الإصلاحية العربية والدولة الوطنية »، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، بيروت، دار التنوير، ص14. 8.كوثراني، وجيه: « ثلاثة أزمنة في مشروع النهضة العربية والإسلامية »، مجلة المستقبل العربي، السنة 11، عدد20، شباط/فبراير 1989، ص8. 9.سورة الروم، الآية:30. 10.أومليل، علي: « الإصلاحية العربية والدولة الوطنية »، مرجع سابق، ص36. 11.شرابي، هشام: « المثقفون العرب والغرب »، دار النهار للنشر، ط4 بيروت 1991، ص42. 12. أومليل، علي: أومليل، علي: « الإصلاحية العربية والدولة الوطنية »، مرجع سابق، ص96. »الإصلاحية العربية والدولة الوطنية »، مرجع سابق، ص96. 13.أومليل، علي: « الإصلاحية العربية والدولة الوطنية »، مرجع سابق، ص96. 14. 15.كوثراني، وجيه: « ثلاثة أزمنة في مشروع النهضة العربية والإسلامية »، مجلة المستقبل العربي، السنة 11، عدد 20، شباط 1989، ص8،9،10. 16.شرابي، هشام: « المثقفون العرب والغرب »، دار النهار للنشر، ط4 بيروت 1991، ص41. 17.غليون، برهان: « اغتيال العقل »، ص187. 18.غليون، برهان: « اغتيال العقل »، ص58. 19.بنسعيد، سعيد: « المثقف المخزني »، المستقبل العربي، عدد58، 12/1983. 20.ابراهيم، سعد الدين: « المسألة الاجتماعية بين التراث وتحدّيات العصر »، المستقبل العربي، عدد71، 1/1985. 21.شرابي، هشام: « المثقفون العرب والغرب »، دار النهار للنشر، ط4 بيروت 1991، ص35. 22.شرابي، هشام: المرجع نفسه، ص40. 23.شرابي، هشام: « المثقفون العرب والغرب »، دار النهار للنشر، ط4 بيروت 1991، ص40. 24.غليون، برهان: « المحنة العربية: الدولة ضدّ الأمة »، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، بيروت تشرين الثاني/نوفمبر 1994، ص193. 25.قد يصعب الإلمام بمختلف الكتابات التي تقف عند هذا الموضوع، وذلك لتراكنها ووفرتها، ولكننا سنكتفي بتلك القراءات التي نرى فيها صلة وعلاقة بفكرة الموضوع والظاهرة التي نبحث فيها، راجع كل من: – LAROUI, Abdallah: “Les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain, 1830-1912”, (Paris, Maspèro 1977) – Kraïm, Mustafa: “Nationalisme et syndicalisme en tunisie 1918-1929”, Tunis: 1976. – MAHJOUBI, Ali: “Les origines du mouvement national en tunisie, 1904-1934”….. 26.جعيط، هشام: « النهضة وحركات الاصلاح ومفهوم الثورة في العالم الإسلامي الحديث »، 27.غليون، برهان: « المحنة العربية: الدولة ضدّ الأمة » مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، بيروت تشرين الثاني/نوفمبر 1994. ص131. 28.الجابري، محمد عابد: إشكاليات الفكر العربي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثالثة، بيروت 1994، ص90. 29.يرى الدكتور كوثراني «في شكل هذا المفهوم بصيغته العلمية سيفاً ذا حديّن. فالتثاقف عبارة عن تفاعل وأخذ وعطاء وتعلّم (وهو جانب لا بد منه) ولكنه من جهة أخرى يبقى مشدوداً للطرف الغالب من العالم، فيسمح بذلك للجانب السياسي أن يتدخّل « بالقيمة العلمية » ويسمح أن تتدخل الايديولوجيا السياسية في المناهج نفسها. فنعود من جديد إلى مأزق الاختيار الذي واجهه مفكرو النهضة منذ مطالعها ومازالق الاستتباع الثقافي الكامل للغرب على غرار ما قدّمه طه حسين، ولطفي السيد، وسلامة موسى في مصر، وفارس نمر ويعقوب صروف وشبلي شميّل وحقي العظم وميشال لطف الله وجميل مردم في سوريا ولبنان». الخطاب السياسي والتاريخ، منشورات بحسون الثقافية، الطبعة الاولى 1984، ص33. 30.الشاوي، عبد القادر: السلفية والوطنية، ص126. ( ..يتبع إن شاء الله )   (المصدر : السبيل أونلاين , بتاريخ 10 أوت 2008)  


 تونس في09/09/2008
 
               بسم الله الرحمان الرحيم 
      والصلاة والسلام على أفضل المرسلين        الرسالة رقم 465 
بقلم محمد العروسي الهاني    على موقع الانترنات مناضل كاتب في الشأن          الوطني والعربي والإسلامي

التحريرات الأخيرة في الديوان السياسي للتجمع الدستوري الديمقراطي لها جداولها على الصعيد السياسي والإجتماعي

  على بركة الله تعالى أواصل الكتابة حول التحريرات الأخيرة التي أدخلها رئيس الدولة والتجمع على تركيبة الحكومة يوم 29/08/2008 ومدلولها وأبعادها وقد ساهمت بمقال حول الموضوع عبر موقع تونس نيوز يوم السبت 30/08/2008 واليوم أساهم من جديد بمقال حول التحريرات التي أدخلها الرئيس زين العابدين بن علي تركيبة الديوان السياسي للتجمع بعد انعقاد مؤتمر التحدي أيام 30 – 31 جويلية و 1 و 2 أوت 2008 وأسفر المؤتمر على انتخاب أعضاء اللجنة المركزية للتجمع سواء على صعيد الانتخاب 181 عضوا أو بطريقة التزكية 169 عضوا بالإضافة إلى إلحاق أعضاء المجلس الوطني للمقاومين وكبار المناضلين أي حوالي 390 عضوا بصفة إجمالية. ويأتي التحرير الجديد في مرحلة حاسمة ودقيقة وأصبحت التركيبة الجديدة للديوان السياسي تتركب من أعضاء ورئيس التجمع والنائب الرئيس التجمع و أمين مال والأمين العام الجديد الأخ المناضل الشاب محمد الغرباني الوجه المعروف علي صعيد الطلبة طيلة أعوام والوالي الشاب طيلة أعوام بسيدي بوزيد والأمين العام المساعد للتجمع والسفير في بريطانيا والمسؤول على الشؤون السياسية برئاسة الجمهورية قبل تعيينه أمينا عاما للتجمع يوم 5 سبتمبر 2008 وهو تعيين منتظر وسبق الحديث عن التحرير وقد كان متوقعا منذ أن تم المؤتمر يوم 2 أوت 2008 والذي أكد التحرير الحديث الإعلامي الرائع الذي بثته قناة المستقلة في منتصف شهر أوت والذي أبدع فيه الأخ محمد الغرباني وتألق وكان في مستوى رفيع وتحدث بواقعية ومسؤولية وشجاعة وجرأة دون تعثر ويعتبر حديثه في قناة المستقلة حديث المسؤول الملم بواقع البلاد وقد استرعى اهتمامي في هذا التحوير الجديد ثلاث عناصر. 1- العنصر الأول تعيين الأخ محمد الغرياني أمينا عاما للتجمع من العناصر الشابة ولد بعد الاستقلال ب6 أعوام وتحمل عدة مسؤوليات سياسية هامة وإدارية وديبلوماسية وفي مجال الطلبة الدستوريين. وإن الأخ محمد الغرياني من الوجوه الشابة التي تحملت المسؤولية في سن مبكرة وقد علق بعض المناضلين الدستوريين على الحوار الإعلامي بأنه مؤشر إيجابي لمستقبل هذا الشباب الذي نرجوا له كل النجاح وأن يكون في مستوى ثقة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي وفي مستوى طموحات المناضلين ومشاغلهم هذا في خصوص الأخ الأمين العام الجديد للتجمع. 2- أما العنصر الثاني فهو يتعلق بمغادرة الأخ المناضل الكبير الدكتور حامد القروي النائب الأول لرئيس التجمع الذي غادر المسؤولية بعد 20 عاما منذ نوفمبر 1988 كوزير أول ونائب رئيس التجمع حتى عام 1999 ومنذ 1999 إلى 05/09/2008 نائبا أول لرئيس التجمع متفرغا للعمل السياسي والحزبي وكان بمثابة الأب الأكبر للمناضلين ولعب دور هام وفاعل وساهم مساهمة إيجابية واليوم يستحق منا جميعا تكريما خاصا ولفة كريمة رئاسية تقديرا لتضحياته ونضالاته وقد نوه الأخ محمد الغنوشي نائب رئيس التجمع والوزير الأول يوم تقديم الأخ محمد الغرياني أمينا عاما للتجمع نوه بخصال الأخ الدكتور حامد القروي وهو يستحق هذا التنويه ومن جهة أخرى فإني لا أنسى تواضع هذا الشخص حيث لا يتكبر على المناضلين وفي المناسبة نادى بعض المناضلين للصعود معه في المصعد الخاص. كما لا يفوتني أن يذكر خصلة من خصاله حيث رفض كمية من البنزين المجاني وقال نصف الكمية تكفي وبدون تعليق. * أما في خصوص الأخ الهادي مهني فإني أذكر بالمقالات التي نشرتها عبر هذا الموقع الإعلامي وأول مقال يوم 17/08/2005 عندما تم تعيينه أمينا للتجمع ونرجوا أن يعود المناضلين إلى موقع الأنترنات لمراجعة المقال وكذلك المقال الثاني يوم 18 أوت 2006 بعد مرور عاما على الرسالة الأولى والرسالة الثالثة يوم 06/12/2006 وكل المقالات تتضمن مقترحات جريئة عملية شجاعة ولكن مع الأسف رغم استبشارنا  بتعيينه فقد خيب ظننا ولم يهتم حتى بالرد على رسائل المناضلين وهذا شيء مؤسف حيث أصبح مكتب الأخ الأمين العام مغلق مع الأسف ولم يحقق أي مقترح من مقترحات المناضلين وأوصد الأبواب وأغلق الأذان ولم يسمع المناضلين ومكتبه لا يدخله إلا النزر القليل من الأصدقاء أو بعض المسؤولين المقربين أو العاملين معه وحتى المصعد مخصص له وهذا لا يتماشى مع خطة الأمين العام باعتباره يرمز إلى حزب شعبي جماهيري لا يعرف الحواجز؟؟؟. وأتذكر محتوى الرسالة التاريخية المؤرخة يوم 07/07/2006 والمتعلقة بالتقاعد المبكر لـ167 عون وصحافي بدار العمل ومطبعة التجمع ولم يتحرك الأخ الأمين العام السابق ويبادر على الأقل بتكريم أبناء دار العمل الذين ضحوا طيلة 35 سنة وكان خروجهم من الباب الخلفي دون رد الاعتبار أو تكريم على الأقل لهؤلاء رغم النداءات المتكررة والتي صدرت في كتابي بعنوان الوفاء. أما كتابه بعنوان 1954 – 2006 فيحتاج إلى أكثر من تعليق ورد خاصة في ما يتعلق بنعته للزعيم الحبيب بورقيبة حيث قال بورقيبة أنهار والورثة يرقصون هذا وللعلم بأن الأخ الهادي مهني في مناسبة سنة 1986 في ندوة الشؤون الاجتماعية التي يشرف عليها الأخ عبد العزيز بن ضياء وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك طلب مني الأخ مهني بوصفي معتمد بالشؤون الاجتماعية بالكاف أن أحرر معه برقية نوجهها إلى سيادة الرئيس الحبيب بورقيبة وكان معنا الأخ زين عمارة فكيف من ينوه بالأمس يتنكر اليوم لبورقيبة؟؟؟ وللحديث بقية أن كان في العمر عشية.   قال تعالى:( ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون)             صدق الله العظيم             محمد العروسي الهاني مناضل له رأس ماله كبير في حزب التحرير       الهاتف :354 022 22


 

صعود الجماعات المسلحة والمستقبل السياسي والأمني في شمال إفريقيا  في تحد للحرب الدولية على ‘الارهاب’

 
جلال ورغي +   تواترت التقارير الأمنية في بعض الدول الغربية عن تصاعد نشاط تنظيم القاعدة في منطقة المغرب العربي، تحت غطاء ‘تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي’ أو تحت تسميات أخرى. وقد كان آخر هذه التقارير ما أوردته صحيفة ‘The Observer’ الأسبوعية البريطانية في الأسبوع الأخير من شهر تموز/ يوليو 2008، سبقه بأسبوع تقرير في مجلة ‘The Economist’ القريبة من الخارجية البريطانية، جاء تحت عنوان ‘انهيار تنظيم القاعدة في العراق وصعوده في المغرب العربي’. وقد جاءت هذه التقارير لتدعم ما كانت صحيفة ‘واشنطن بوست’ الأمريكية قد أثارته في تقرير مطول تضمن حوارا مع زعيم ‘تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي’، كان قد تحدث فيه عن عودة العمليات المسلحة في منطقة شمال إفريقيا بقوة. وقد شهدت منطقة المغرب العربي خلال الأشهر القليلة الماضية أحداثاً متتابعة جعلتها محط أنظار المراقبين والكثير من الدول المؤثرة في المنطقة كالمواجهات المسلحة التي شهدتها العاصمة الموريتانية نواكشوط يومي 7 و8 نيسان (أبريل) الماضي، وقبلها إعلان ‘تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي’ عن تنفيذ هجمات في التراب التونسي أسفرت عن اختطاف سائحين نمساويين على الحدود التونسية الجزائرية، وقد تزامنت تلك الأحداث التي أصرت السلطات التونسية على أنها عملية جرت خارج حدودها، في إشارة إلى أنها وقعت على التراب الجزائري، تزامنت مع إعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن عزمه الترشح لعهدة ثالثة، بعد إدخال ما يقتضيه ذلك من تعديلات على الدستور، وما يثيره من جدل على الساحة السياسية الجزائرية، واستعداد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي للترشح لعهدة خامسة، بعد إدخال استثناءات جديدة على الدستور. بيد أن الأحداث الأمنية التي هزت منطقة المغرب العربي بدت متصاعدة ومثيرة لقلق الكثير من الجهات الإقليمية والدولية، لا سيما وأنها تبدو في سياق التحدي الواضح للحرب الدولية على الإرهاب التي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية، وتنخرط فيها بقوة كل دول المغرب العربي بحماسة منقطعة النظير ودون أي تحفظ، من تونس صاحبة الريادة في هذا المجال كما تقدم عادة نفسها، إلى جارتيها الشرقية ليبيا، والغربية الجزائر، وصولا إلى المغرب، فموريتانيا، وهي بلدان وإن كانت تقليديا محسوبة على فرنسا، إلا أنها أظهرت في السنوات الأخيرة ارتباطها بعلاقات مميزة جدا مع الولايات المتحدة الأمريكية. ولا نبالغ إذا قلنا أنه ومنذ هجمات الحادي عشر من أيلول ( سبتمبر) 2001، ثم الحرب على العراق في العام 2003، ومنطقة المغرب العربي تشهد تحولا نوعيا في ما يعرف بعمل الجماعات المسلحة المتمردة على الدولة. ولئن تباين حجم هذه الظاهرة من دولة إلى أخرى، إلا أنه يمكن التأكيد بأن كل دول المغرب العربي الخمس شهدت خلال السنوات والأشهر القليلة الماضية أحداثا مسلحة، بعضها كان شديد الدموية. ولئن بدت الجزائر البلد المسرح الأكثر تصاعدا للأعمال المسلحة والتفجيرات، لا سيما بعد أن تحول تنظيم ‘الجماعة السلفية للدعوة والقتال’ التي كان يقودها حسن حطاب، إلى ما يعرف بـ’تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي’، في العام 2005، بقيادة عبد المصعب عبد الودود. وقد كان العام 2007 في الجزائر عاما دمويا بامتياز، إذ نفذ فيه التنظيم المذكور عمليات انتحارية دموية في سابقة من نوعها في هذا الصدد، أسفرت عن مقتل وإصابة مئات الأشخاص الأبرياء ورجال شرطة، وهزت بعض هذه العمليات مؤسسات رمزية كمقر الحكومة، والمجلس الدستوري ومقر الأمم المتحدة في كانون الأول( ديسمبر) 2007، وقبلها مركزي أمن شرق البلاد في شباط ( فبراير) 2007، ثم مقر الحكومة، كما هز أحد التفجيرات تجمعا بشريا كان يصطف لمشاهدة زيارة الرئيس بوتفليقة لمدينة باتنة في 6 أيلول (سبتمبر)2007. أما تونس التي نجحت إلى حد كبير في تجنب الانزلاق إلى مربع العنف، بحكم قوة السلطة وتحكمها، وحرصها على تجنب المغامرات غير المحسوبة، فإنها لم تنجح في نهاية المطاف في تحييد العمليات المسلحة أو الإرهابية على أراضيها، فبعد أشهر فقط على أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) والتي أكدت تونس أنها حادثة تؤيد صحة موقفها هي في الحل الأمني والمقاربة الصارمة مع ‘المتطرفين’، فبعد أشهر فقط على تفجيرات نيويورك هز تفجير إرهابي في مدينة جربة (400 جنوب العاصمة التونسية) استهدف معبدا يهوديا أسفر عن مقتل 22 سائحا جلهم من السياح الألمان، وقد تبنى تنظيم ‘القاعدة’ لاحقا هذا العمل. ولئن نجحت تونس في التكتم على بعض الأحداث المسلحة التي كانت حدودها مع الجزائر مسرحا لها بين العامين 2005 و2006، إلا أن المواجهات المسلحة الدامية التي اندلعت في 23 كانون الأول (ديسمبر) 2006 وتواصلت متقطعة ومتنقلة حتى الثالث من كانون الثاني (يناير) 2007، كشفت عن مخاطر أمنية تهدد البلاد. وتتأكد هذه الخطورة من أنه وبعد تصفية القوات الأمنية لأكثر من 12 شخصا من المجموعة ‘المتمردة’، كشفت السلطات التونسية عن اعتقال عشرات الأشخاص كانوا متورطين مع هذه المجموعة التي تعرف بـ’مجموعة سليمان’، قالت إنهم كانوا يخططون لتفجير سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وبعض المواقع الأخرى الحساسة في البلاد، وجرى أيضا حديث عن تخطيط هذه المجموعة لقلب نظام الحكم. وقد جرت محاكمة هذه المجموعة خلال الأسابيع الماضية وحكم على أحد عناصرها بالإعدام، فيما صدرت أحكام قاسية في حق بقية المتهمين. وبدت السلطات متجهة لتخفيف الأحكام، محاولة التهدئة، وتجنب ردود أفعال من قد يكون متعاطفا مع هذه المجموعة، إلى أن فاجأ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الحكومة التونسية وكل القوى المعنية بأمن المنطقة بإذاعة شريط مرئي يعلن فيه اختطاف سائحين نمساويين على التراب التونسي في حادث أثار بشدة قلق السلطات التونسية الحريصة على تجنب كل ما من شأنه أن يشير إلى عدم الاستقرار في البلاد، تشكيكا في نجاحاتها في هذا الصدد وأيضا إثارة لمخاوف زائري تونس من السياح، علما أن السياحة قطاع حيوي في البلاد، ويشغّل 11 في المئة من الايدي العاملة النشيطة في البلاد. استنفار أجهزة الأمن المغربية أما المغرب فيعاني هو الآخر من عدم استقرار أمني، إذ لا جدال في أن مغرب محمد السادس يشهد هو الآخر حركات وأعمال عنف منظمة. ففضلا عن تورط مغاربة في تفجيرات مدريد في اسبانيا في آذار (مارس) 2004، فقد شهدت العاصمة المغربية الدار البيضاء تفجيراً مروعا في أيار (مايو) 2003 أوقع عشرات الأشخاص بين قتيل وجريح. ثم شهدت الساحة المغربية عمليات تفجير انتحارية، في 2006 و2007، ولئن كانت أضرارها محدودة، إلا أنها أثارت قلقا وحالة من الاستنفار الشامل في أجهزة الأمن المغربية، التي فرضت إجراءات أمنية استثنائية بين المدن وفي المطارات وحول المواقع الحيوية، لا سيما وأن هذه العمليات كانت شبه متزامنة مع عمليات مماثلة مع الجارة الشرقية الجزائر. وتزداد الأوضاع المغربية تعقيدا في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية ضاغطة وقاسية. وقد أعلنت السلطات المغربية أكثر من مرة تفكيك خلايا ومجموعات إرهابية، تقول الأجهزة الأمنية إنها كانت تخطط لهز استقرار البلاد، واتهمت بعض تلك الجماعات باختراق مؤسسات أمنية حيوية كالجيش والجمارك. المعتقلون من تيار السلفية الجهادية في موريتانيا موريتانيا من جهتها وعلى الرغم من تحول في مسار العملية السياسية، وتفكيك العديد من القضايا العالقة، بعد الإطاحة بالرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع في منتصف العام 2003، إلا أنها شهدت العديد من الهجمات المسلحة، استهدف بعضها ثكنات حدودية، تبناها تنظيم القاعدة، كما جرى اعتقال ومحاكمة عشرات المعتقلين من تيار السلفية الجهادية، وكثير منهم محسوب على تنظيم القاعدة. وعلى الرغم من الاعتراف بحزب ذي خلفية إسلامية، يقوده أحد رموز التيار الإسلامي المعروف محمد جميل منصور القريب من الإخوان، إلا أن الأشهر الأخيرة شهدت أعمالا مسلحة، كان آخرها اختطاف ثم قتل سياح فرنسيين، ليتلوها بعد أسابيع قليلة الهجوم على السفارة الإسرائيلية في نواكشوط، لتصل التطورات الأمنية بعد ذلك إلى مواجهات مسلحة بين عناصر تحسب على السلفية الجهادية ورجال الأمن، في تكرار لسيناريو المواجهات التي وقعت في تونس في بداية العام 2007. شبح العمليات ‘الإرهابية’ لا يزال يطل برأسه في ليبيا قد لا نبالغ إذا قلنا أن ليبيا وفي سابقة فريدة، نجحت في احتواء الأعمال المسلحة التي كانت تستهدف الإطاحة بالنظام، لا سيما في أواسط التسعينات من القرن الماضي، خصوصا تنظيم الجماعة الليبية المقاتلة. ودخلت السلطات الليبية في حوارات مع معتقلي هذه الجماعة، انتهت بإطلاق المئات منهم، إلى جانب العفو عن جميع معتقلي الإخوان في العام 2006. بيد أن شبح العمليات ‘الإرهابية’ لا يزال يطل برأسه، حيث جرت مواجهات مسلحة في ربيع العام الماضي 2007 في إحدى ضواحي العاصمة الليبية طرابلس، تكتم عليها النظام، ثم أعلن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في خريف العام نفسه عن انضمام الجماعة الليبية المقاتلة، لتنظيم القاعدة، وأن زعيم هذا التنظيم أبو الليث الليبي هو قائدها في ليبيا. وقد أكد الأخير في نفس الشريط المصور قرار الانضمام للقاعدة، منوها بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي سبقه في قرار الانضمام، مع الإشارة إلى أن أبو الليث الليبي قُتل لاحقا في غارة أمريكية على إحدى مواقع حركة طالبان في أفغانستان، وأكدت الحركة مقتله فعلا. والخلاصة أن المشهد على الساحة المغاربية لا يبدو مريحا ولا مستقرا، لا سيما على الصعيد الأمني، بل يضع منطقة الشمال الإفريقي في وضع عاصف، في الوقت الذي تراهن فيه دول المنطقة على تحقيق الاستقرار الحيوي المطلوب، في ظل تزايد الصعوبات الاقتصادية، واستفحال الأزمة الاجتماعية في مجمل الدول المذكورة، فاقمتها وزادت من تعقيدها الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، والتي تتجه بشكل ملحوظ نحو مزيد من التأزم والاستفحال. تفجر الأوضاع الأمنية في منطقة المغرب العربي أسبابه كثيرة ومركبة يتداخل فيه السياسي مع الاقتصادي مع الصراعات الإقليمية والدولية التي لم تنجح المنطقة لأسباب كثيرة في البقاء بمعزل عنها. ديمقراطية غير مقنعة وأزمات اجتماعية متصاعدة لا شك أن حالة الانغلاق السياسي أو الانفتاح السياسي المتحكم فيه والمسيطر عليه، التي طبعت أنظمة حكم بلدان المغرب العربي، صاحبها تعاطٍ أمني أو شبه أمني مع الحركات الإسلامية، تراوح بين الاستئصال الشامل (تونس وليبيا والجزائر في حالة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وحتى موريتانيا في مرحلة ولد الطايع ) وبين سياسة تقوم على الإقصاء الانتقائي على غرار وضع جماعة العدل والإحسان في المغرب، وحركة الإصلاح الوطني وحركة الوفاء والعدل في الجزائر، ولا شك أن هذه الحالة مثلت أهم مظهر للأزمة السياسية في بلدان المغرب العربي. فعملية التداول السلمي على السلطة هي شبه معدومة، وتجمع كل المعارضات حتى الموجود منها في بعض البرلمانات على أن ‘الديمقراطية’ السائدة هي ديمقراطية شكلية ‘ديكورية’، لا ترفع حزبا ولا تحط من آخر، وهي وسيلة للتحكم في السلطة لا للتداول عليها، أو حتى تقاسمها. وقد ساهم في المضي في هذه السياسات اختفاء الضغوط الخارجية كليا تقريبا، واقتصار التدخل على ضمان الحفاظ على المصالح، ودعمها، دون الاهتمام أو الالتفات لتجاوزات النظام على معارضيه هنا أو هناك. وقد صاحبه ضعف كبير في بنية المعارضة، وانقسامها على نفسها، رغم إجماعها على غياب الحريات، والديمقراطية. لا شك في أن هذه السياسات تسببت في تهميش آلاف العناصر المتعاطفة مع هذه الحركات والأحزاب السياسية، ودفعت بالكثير من الشباب إلى البحث عن بدائل وأطر مغايرة للتعبير من خلالها عن نفسه. وقد زادت الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها دول المنطقة، وما صاحبها من حديث متزايد عن الفساد وتبديد للمال العام، وسوء إدارة لثروة البلاد من قبل فئات كثيرا ما تحسب على النخبة الحاكمة، من الاحتقان الاجتماعي والإحساس بظلم متزايد، على فقر وتهميش اجتماعي كثير منه غير مبرر في ظل تنامي الموارد المالية لبعض دول المنطقة لا سيما الجزائر وليبيا، اللتين تدفقت على خزينتيهما عشرات المليارات من الدولارات في الأعوام الأخيرة، بفضل الارتفاع الكبير في أسعار النفط والمحروقات. بيد أن المفارقة أنه في ظل هذا الازدهار في العائدات المالية، (أكثر من 150 مليار دولار في خزينة الدولة بعد سداد الديون) تتحدث صحف جزائرية عن أن الفقراء يقتاتون من أكياس القمامة، ويعيش ملايين منهم تحت خط الفقر. خلل هائل في معدلات الدخل وقد كانت سياسة الخصخصة التي بدأت بصفة متسارعة مع منتصف التسعينيات من القرن الماضي، سببا في وقوع خلل هائل في معدلات الدخل، وفي مستوى معيشة بين من يملكون قليلاً أو من لا يملكون وبين من يملكون الثروات الهائلة جدا. وقد فاقم من هذا الخلل تجاهل الدولة المتزايد لاتساع نطاق الفوارق الاجتماعية، النابع من انحسار مقاليد الثروة والسلطة للمرة الأولى في تاريخ دول المنطقة المغاربية الحديثة بيد طبقة واحدة صغيرة، وتحلل الطبقة الوسطى ، المعروفة تاريخيا بإحداث التوازن الاجتماعي، ولعب دور صمام الأمان للسلم الاجتماعي، باتجاه الطبقة الفقيرة، التي تضخمت بشكل غير مسبوق. وقد اتجهت جميع الحكومات هناك إلى رفع الدعم الحكومي عن الكثير من المواد الاستهلاكية الأساسية، على غرار المواد الغذائية والمحروقات، مما أدى إلى التهاب أسعارها، رغم الموارد المالية التي حصلتها بعض الدول بسبب ارتفاع أسعار المحروقات في الأسواق العالمية. ولعل نتائج هذه السياسة الاقتصادية هي التي أطلقت سلسلة من الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها وتشهدها غالبية دول المنطقة. بل وتواجه دول المغرب العربي تحديات واضطرابات اجتماعية، قد يكون بعضها خطيرا جدا، في ظل الظروف المذكورة، المصحوبة بتراوح نسب البطالة في جل دول المنطقة بين 17 و25 في المئة من الأيدي العاملة النشيطة، عشرات الآلاف منهم من حملة الشهادات العليا. ولم يكن مفاجئا في مثل هذه الأوضاع أن يسجل المراقبون بروز تيارات سلفية، في هذه المنطقة يتبنى الكثير منها خيار ‘الجهاد’ كمنهج للاحتجاج والمعارضة أحيانا وحتى للإطاحة بأنظمة الحكم حينا آخر. وضع إقليمي ودولي مفجر للأزمات: كان للحملة الأمنية على الإسلاميين في دول المغرب العربي في بداية التسعينيات، والتي تزامنت مع حرب الخليج الأولى، عاملا أساسيا في هجرة وتحول مئات الأشخاص، الذين رأوا في بعض البؤر المشتعلة والمتوترة في بعض المناطق الإسلامية، حاضنة وساحة لهم لخوض معارك ‘مقدسة’ ضد قوى جمعت في رأيهم بين صفة ‘المحتل’ و’الكفر’، فكان تدفق مئات من الشباب من دول شمال إفريقيا خلال مرحلة التسعينيات على دول مثل البوسنة والهرسك، وأفغانستان والشيشان، شارك أغلبهم في المعارك التي جرت ضد الصرب في الأولى، وضد الروس في الثانية والثالثة، وبعد انتهاء المعارك، اضطر هؤلاء المقاتلون العرب إلى إعادة الانتشار في دول أوروبية عديدة، لاجئين سياسيين، فيما بقي منهم المئات في أفغانستان، بعد أن تعذر عليهم المغادرة، أو اقتنعوا بالبقاء ناشطين ضمن تنظيم القاعدة، وفي ظل رعاية حركة طالبان التي كانت قد نجحت في بسط سيطرتها على كابول. ولم يكن مفاجئا في أواسط التسعينيات وحتى أواخرها أن يكون أغلب المعتقلين في دول العالم من المتهمين بالإرهاب أو التخطيط له من دول شمال إفريقيا. فكثيرا ما أعلنت دول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا عن اعتقالات طالت في الغالب عناصر من شمال إفريقيا مشتبهة بالقيام بنشاطات إرهابية. ولعله لم يكن غريبا أيضا أن تعتمد القاعدة على شخصيات محورية من منطقة الشمال الإفريقي، ليس فقط لوفرة أعدادهم، وإنما أيضا لأنهم مؤهلون أكثر من شباب الدول الأخرى بالنظر لمعرفة غالبيتهم باللغات الأجنبية، لا سيما وأن دول المغرب العربي هي الأكثر احتكاكا بالغرب، بل وحتى الأقرب تشابها في الملامح والهيئة، من دول مثل الخليج العربي. وتجدر الإشارة هنا إلى عودة المئات من هؤلاء الشباب إلى دولهم، حيث وجدوا أنفسهم تحت رقابة وسيطرة أجهزة أمن تلك الدول. فسجن العشرات منهم، بينما ظل آخرون يعيشون مهمشين. بيد أن هذا الشباب المؤمن بفكرة الجهاد، وجد ضالته في الثورة الإعلامية الشاملة التي جعلت تواصله مع نهج الفكر ‘الجهادي’ ورموزه، يسيرة عبر الانترنت والفضائيات غير محدودة العدد. ولم يكن مثل هؤلاء الشباب لينسوا ذلك المشهد ‘المذهل’ حيا وفي لحظة وقوعه، أي هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وهو ينقل على الفضائيات مباشرة، مشهد لئن رأى فيه الرئيس الأمريكي جورج بوش يوما حزينا في تاريخ بلاده والعالم، فقد رأى فيه هؤلاء الشباب انتقاما وردا على مظالم واعتداءات استمرت على مدى عقود من الزمن، يحملون مسؤوليتها للغرب عموما وللولايات المتحدة خصوصا. ولئن أيقظت ‘غزوة مانهاتن’ تلك، الإمبراطورية العاتية من عرينها مهتاجة مجروحة الكبرياء، فإنها مثلت في الجهة الأخرى بداية وليست نهاية للرد والانتقام من واشنطن والغرب. ولئن كانت الضربات الأمريكية على مستوى الدول، عبر الإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان في خريف العام 2001، ثم احتلال العراق في ربيع العام 2003، فقد كانت للقاعدة أيضا ضربات في المغرب ومدريد والعراق ولندن، بل بدا المشهد دراميا عندما وصل الأمر إلى أن ينازل مقاتلو القاعدة الأمريكيون في الدولة التي يفترض أنها تحت سيطرتهم، على غرار العراق. ومن المفارقات أن تحدي القاعدة للأمريكيين وصل في العراق درجة غير مسبوقة، عندما بسطوا نفوذهم على مناطق ‘محررة’ من المحتل وأعلنوا فيها قيام ‘إمارة العراق الإسلامية’، ولا تزال واشنطن إلى اليوم تعترف بعجزها عن بسط سيطرتها الأمنية الكاملة على كامل العراق، وهو مشهد كاريكاتوري يكاد يوحي بأن القاعدة فرضت على المحتل أن يتقاسم معها الساحة العراقية، قاعدة للمواجهة الشاملة بين الطرفين. شباب المغرب العربي في العراق في هذا المشهد برزت بقوة ظاهرة تدفق مئات من الشباب من دول المغرب العربي على العراق، للانضمام للمجموعات التي تقاتل الأمريكيين، وقد كشفت العديد من التقارير الأمريكية الاستخباراتية أن جل ‘الانتحاريين’ في العراق هم من دول المغرب العربي. حقيقة يسندها اعتقال سلطات أمن تلك الدول المغاربية آلاف الأشخاص الذين كانوا يتدربون ويخططون للالتحاق بالعمل المسلح ضد الأمريكيين في العراق. ومع الضغط الأمريكي على تلك الدول لتشديد الرقابة على من تصفهم بالمتشددين، لم تتردد كل دول المغرب العربي في إعلانها الكامل الانخراط في ما يعرف بـ’الحرب الكونية على الإرهاب’ (GWT). حضور امريكي دائم بالمنطقة ولقد زاد من تأجيج العمليات المسلحة في المنطقة، محاولة الولايات المتحدة الأمريكية، تأسيس حضور دائم في المنطقة، بعدما باتت مقتنعة بأنها تمثل معقلا لنشاطات ‘الجماعات الإرهابية’ المناوئة لها. وبادرت الإدارة الأمريكية في حزيران ( يونيو) من العام 2005 إلى إطلاق ما يعرف بمبادرة منطقة شبه الصحراء لمقاومة الإرهاب، بعدما أدركت أن غياب تنسيق وتعاون بين دول منطقة الشمال الإفريقي ومنطقة الغرب الافريقي غير متعاونة بما يكفي فيما بينها لمحاربة الإرهاب بشكل أكثر فاعلية، بل تعتقد واشنطن وكثير من الدول الغربية أن توتر العلاقات بين دول المنطقة حينا وفتورها أحيانا أخرى، من شأنه أن يخلق فراغا، تحرص الجماعات المسلحة المتمردة على اللعب عليه واستثماره. وكثيرا ما أبدت تلك الدول مخاوفها من أن يخلق التوتر المستديم بين المغرب والجزائر بشأن الصحراء الغربية، مشكلات أمنية بين البلدين، قد تترك ثغرة لتجارة ونقل ليس فقط السلاح وإنما أيضا المخدرات، إضافة طبعا إلى إمكانية تشجيع الإخوة الأعداء بعض الجماعات المسلحة للنيل من أمن هذه الدولة أو تلك. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن أنظمة دول المغرب العربي وجهت أموالا وعتادا حصلت عليه من واشنطن في إطار محاربة الإرهاب، في قمع حتى المعارضين السياسيين لها، متذرعة في ذلك بأن كل من يعارضها أو يعترض على سياساتها، هو في صف الإرهابيين أو مساعد على بروزهم. وقد أدركت واشنطن لاحقا ذلك وأعادت النظر في تلك المعونات. ولقد شهدت منطقة شمال إفريقيا تصاعدا في حدة الأعمال المسلحة والمواجهات الأمنية، لا سيما في الجزائر ثم المغرب ثم موريتانيا ثم تونس، بداية من العام 2004 لتصل إلى درجة من الدموية غير مسبوقة في نهاية العام 2006 وعلى امتداد العام 2007 و2008. بل وبرزت ظاهرة جديدة لم تكن تعرف من قبل لدى الجماعات المسلحة في المنطقة، وهي العمليات الانتحارية، التي يصعب عادة على الأجهزة الأمنية إحباطها، أو رصد من ينفذها. هذا المشهد الأمني المتوتر في الساحة المغاربية، زاد من تحدياته الاستراتيجيات الجديدة للجماعات المسلحة في المنطقة. فبعد أن نجحت الجماعة السفلية للدعوة والقتال الجزائرية في ربط أول اتصال لها في العام 2004 بتنظيم القاعدة في العراق عبر أميرها عبد الملك دروكاديل الذي نجح في الاتصال بأبي مصعب الزرقاوي في العام 2004، ليعلن الأول لاحقا عن تحول جماعته إلى تنظيم تحت لواء القاعدة، ويحمل اسم ‘تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي’. هذا الاندماج مع ‘القاعدة’ أضفى على الجماعة بعدا دوليا، جعلها محط اهتمام عشرات الشبان المعجبين بالقاعدة، والمتحفظين عن العمل أو استهداف أهداف قطرية. وقد تحدثت تقارير كثيرة عن استقطاب التنظيم باسمه الجديد مئات الشبان من المنطقة، وهي ظاهرة ساهمت فيها الأوضاغ السياسية والاجتماعية المتردية في الدول المذكورة. في ظل هذه الأزمات المعقدة تبدو منطقة المغرب العربي منفتحة على وضع غير مستقر، قد لا يتعافى في المدى المنظور من الاهتزازات الأمنية التي تشهدها كل أقطاره، دون استثناء، من موريتانيا في نواكشوط غربا إلى ليبيا شرقا. بيد أن هذه التطورات على خطورتها وإزعاجها لأنظمة المنطقة، لن تعرف تسارعات دراماتيكية، من شأنها أن تقوض هذا النظام أو ذاك، مع أنه من الجدير بنا أن نسجل إمكانية وقوع بعض المفاجآت، التي يبقى ورودها على سبيل الاستثناء، وليس نتيجة لمسار تطور دراماتيكي في الأحداث. ويتعلق الأمر بتغيرات (انقلاب) في بعض هذه الدول، لا سيما في موريتانيا، التي لا يزال النظام فيها غير مستقر لصالح السلطة القائمة، ولتراث هذا البلد في التدخلات العسكرية، لا سيما في ظل مناخ عدم الاستقرار في المنطقة، مضاف اليه وضع اجتماعي مأزوم، قد يكون هو الأسوأ في هذه المنطقة . وقد يكون تحرك الأغلبية البرلمانية في منتصف شهر تموز (يوليو) وإسقاطها للحكومة كان علامة فارقة في المشهد الموريتاني، الذي يحتفظ فيما يبدو بالكثير من المفاجآت، في ظل قناعة متزايدة، بعدم رضى العسكر على أداء الرئيس الحالي عبد الله ولد سيدي الشيخ. هذا الأخير كانت مغامرته بإشراك الإسلاميين في الحكومة رغبة من القيادة الموريتانية الجديدة باحتواء العنف المتصاعد الذي تقف وراءه جماعات إسلامية مسلحة، وهو عنف قد يعطي ذريعة لجهات متنفذة في السلطة للإطاحة بالشرعية الفتية القائمة، بحجة ضعفها، وانزلاق البلاد إلى المجهول، كان لهذا التمشي تداعيات عكسية في العلاقة بالمؤسسة العسكرية التي يبدو أنها رفضت هذه الخطوة، ورفعت الغطاء عن تلك الحكومة الفتية، التي انهارت قبل وضع برنامج عملها. وقد تم فعلا ما كانت بعض الأوساط تخشاه وهو تدخل العسكر مرة أخرى والإطاحة بالرئيس سيدي عبد الله ولد الشيخ، الذي لم يمض على انتخابه أكثر من عام. إلى جانب ذلك يبدو المشهد في الساحة الليبية والجزائرية متحركا، وغير محسوم بالكامل، في ظل محاولات الزعيم الليبي معمر القذافي ترتيب انتقال السلطة داخل العائلة بسلاسة، ودون مشكلات. وهي محاولات قد تتدخل بعض المعطيات لتبعثر أوراقها، سواء من جهة عدم وجود إجماع على خليفة محدد له، داخل العائلة، أو لجهة صعوبة مواكبة ومسايرة ‘المؤسسات’ العتيقة القائمة لعملية نقل الخلافة، دون اهتزازات، أو الإصرار من حيث المبدأ على الحيلولة دون المس بمعالم النظام القديم. وتؤكد هذه المخاوف الإطاحة برئيس الحكومة الأسبق شكري غانم، بعدما أبدى حماسة في فتح التجربة الليبية على مسارات الإصلاح الاقتصادي والانفتاح السياسي، كلفته منصبه بشكل مفاجئ وغير متوقع في شباط (فبراير) من العام 2006. بيد أنه يسجل لليبيا التي كانت في مرحلة من المراحل في ذيل دول المنطقة على مستوى النظام السياسي والانفتاح الاقتصادي، أنها خطت خطوات جدية ومحمودة، جعلها تتقدم جميع دول المنطقة في هذا الإطار. بينما تشهد الجزائر وضعا غامضا في ظل تردد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة في حسم خيارات الترشح لعهدة ثالثة، لا تحتاج فقط لتعديل الدستور، بل أيضا استعدادات صحية من بوتفليقة نفسه، في ظل حديث متزايد عن مرضه وحاجته للراحة. ويجب أن نسجل هنا استمرار هيئة قيادة الأركان متحكمة في الاتجاهات العامة للحكم في البلاد، رغم ما بدا في لحظة من حكم الرئيس بوتفليقة من محاولات لنقل مركز ثقل القرار إلى مؤسسة الرئاسة، بيد أنها محاولات أوهنها تجذر المؤسسة العسكرية (تمرست منذ نهاية الستينات على التحكم في خيوط العملية السياسية في البلاد) وقدرتها على المناورة، زاد منه اعتلال صحة الرئيس بوتفليقة. تبقى الأوضاع في المغرب وتونس الأقرب لجهة ‘الاستقرار السلبي’، رغم وجود مشكلات اقتصادية واجتماعية حادة، ويرجع ذلك في الحالة المغربية لرسوخ مؤسسات الدولة، ووجود تقاليد احتواء الأزمات المذكورة، لا سيما في ظل وضعية ‘الانفتاح الديمقراطي’ النسبية التي تعرفها البلاد، بينما يرجح استمرار الاستقرار العام في تونس إلى تحكم أجهزة الدولة في إدارة البلاد، وعدم السماح بأي محاولات من المعارضة لتحريك الوضع ‘المستتب’، المدعوم بالمؤسسات الدولية الغربية، المالية منها والسياسية، التي تحرص دوما على أن ترى، بل وتقدمها نموذجا للتحديث والانفتاح الاقتصادي والثقافي، غير المغامر، دون السماح باكتساح ‘الأصولية’ أو الإسلام السياسي، للفضاء العام. فلئن بدا المشهد متناقضا بين المغرب وتونس في التعامل مع ‘الإسلام السياسي’، بين إدماج واحتواء في الأولى واستئصال وإقصاء في الثانية، إلا أن التوجهين على تناقضهما يحققان بحسب اعتقاد النظامين استقرار الأوضاع لهما في الدولتين.
+ مدير المركز المغاربي للبحوث والتنمية وباحث في قضايا المغرب العربي
(المصدر: صحيفة القدس العربي  بتاريخ 2 أيلول (سبتمبر) 2008)  


العسكر والديمقراطية في العالم الإسلامي: آخر حلقات المواجهة
صلاح الدين الجورشي (*) منذ عهد المماليك وتحول الجند إلى لاعب رئيس في إدارة الحكم في البلاد الإسلامية، والعسكر يشكلون قوة لا يستهان بها في منطقة الشرق الأوسط. وقد قويت شوكتهم وتعاظم دورهم بعد الاستقلال وبناء الدولة الوطنية، بدأ الأمر مع تركيا الكمالية، ثم استمر مع مصر الناصرية والجزائر البومدينية وبقية الدول التي تأثرت بالخيار الثوري القومي. وقد جاءت حصيلة تلك التجارب خليطا بين حد أدنى من المكاسب، وبين آثار سلبية على أكثر من صعيد، وإذ لا يستطيع المراقب أن ينفي الدور الوطني الذي قامت به ولا تزال هذه الجيوش، سواء في حماية الأوطان أو الحفاظ على الاستقرار، إلا أنها في المقابل جمدت الحياة السياسية والاقتصادية، وحالت بالخصوص دون تطور أنظمة الحكم لتكون أكثر انفتاحا وديمقراطية. في الفترة الأخيرة، جدّت أحداث في ثلاث دول إسلامية لها صلة وثيقة بالعسكر: أولها تركيا، التي لا يزال الجنرالات فيها يتحدثون باسم التراث الأتاتوركي، إذ قدَّموا في الأشهر الأخيرة دليلا إضافيا على أنهم لا يزالون قادرين على تهديد التحول الديمقراطي، وذلك من خلال مسار قضائي وسياسي كاد أن يطيح بحزب العدالة والتنمية، ويدخل تركيا من جديد في أزمة شاملة، ولولا بعض الاعتبارات الداخلية، والتخوفات الأميركية والأوروبية، والمرونة التي أبداها قادة الحزب الحاكم، لانهارت التجربة الديمقراطية برمتها، جارّة وراءها البورصة والعملة وبقية مقومات الانتعاشة الاقتصادية التركية. ويتفق جميع المراقبين النزهاء على أن الذي يهدد الانتقال الديمقراطي في هذا البلد الإسلامي الاستراتيجي هو التحالف القائم بين المؤسسة العسكرية وشق من القوى العلمانية الأصولية المتجذرة في راديكاليتها, ولا يعني ذلك أن حزب العدالة لم يرتكب أخطاء، وقد أقر بذلك، وهو يحاول حاليا أن يتجنب تكرارها، لكن الجيش كان عازما ليس فقط على ارتكاب مجرد خطأ، وإنما كاد أن يقع ويوقع تركيا في خطيئة كبرى. البلد الثاني هو موريتانيا، الذي تحول قبل أقل من ثلاث سنوات إلى نموذج لانتقال ديمقراطي قادته المؤسسة العسكرية بنفسها، وضربت مثالا مدهشا في تسليم السلطة للمدنيين على إثر انتخابات شهد الجميع بشفافيتها ومصداقية نتائجها، وجعلت القوى الديمقراطية العربية تولي وجهها نحو أكثر البلدان العربية معاناة من التهميش، لكن عديد المطلعين من الموريتانيين حذروا منذ البداية من الدور الخفي الذي لا يزال العسكر يرغبون في الحفاظ عليه حتى لا تخرج اللعبة السياسية نهائيا من أيديهم. وتواصل هذا التوجس إلى أن دخلت التجربة الديمقراطية الوليدة في أزمة نتيجة الخلافات الحادة التي عصفت بالحزب الحاكم، ووضعت الرئيس المنتخب في مواجهة أغلبية برلمانية كانت موالية له، بينت الوقائع والشهادات فيما بعد أن للجنرالات دور مهما في صناعة هذه الأغلبية ودعمها. وبمجرد أن حاول الرئيس استعمال صلاحياته الدستورية بإقالة عسكريين كبار، حتى وجد نفسه معتقلا في ثكنة على إثر انقلاب ادعى أصحابه أنهم جاؤوا «لتصحيح المسار وإنقاذ التجربة الديمقراطية»، وكما حصل في تركيا، فإن جزءا من الطبقة السياسية تحالف مع الجيش وأيد ما حصل، محمّلا الرئيس المخلوع كامل المسؤولية فيما حصل. هنا أيضا يتدخل العامل الخارجي بشكل لافت ليضع القيادة العسكرية الموريتانية أمام مأزق قد يزداد حدة خلال الأسابيع والأشهر القادمة. لقد قررت الولايات المتحدة، وبالأخص فرنسا الحليف التقليدي للعسكر في موريتانيا، عدم الاعتراف بكل ما ترتب على الانقلاب، وقررتا ممارسة ضغوط على القيادة العسكرية للتراجع عما أقدمت عليه، وأن تحترم الشرعية الديمقراطية بإطلاق سراح الرئيس المخلوع، والخضوع للمؤسسات، ويعتبر هذا الموقف الغربي الأول من نوعه الذي يتخذ ضد عملية انقلابية تقع في المنطقة منذ العدوان الثلاثي على مصر، واللافت للنظر أيضا هو إقدام البنك الدولي على تجميد مساعدات مهمة وحيوية، وربطها بضرورة العودة إلى الحياة الديمقراطية، وقد يكون هذا العامل الخارجي، في غياب هبة شعبية وقيام جبهة موحدة تجمع كل الأحزاب الموريتانية، محددا في تطور الحالة السياسية الموريتانية، ويجعل العسكر يدركون أن اللعبة الدولية قد تغيرت. يتمثل المثال الثالث في باكستان، هذه الدولة التي تحتل مكانة استراتيجية على خارطة العالم الإسلامي، فقد اضطر حاكمها العسكري برفيز مشرف، إلى الاستقالة والانسحاب من الحياة السياسية بعد انفراد بالسلطة دام أكثر من عقد كامل، حدث ذلك بعد معركة سياسية شرسة خاضتها المعارضة، وكلفتها الكثير، بما في ذلك اغتيال بنازير بوتو، وأيضا ما كان لجهود المعارضة أن تحقق هدفها لولا العامل الخارجي الذي نضج بدوره، فإذا بالولايات المتحدة الأميركية تتخلى في ظرف حاسم عن حليفها القوي في باكستان بعد أن ساندته بقوة على حساب الديمقراطية والحريات لفترة طويلة بحجة إعطاء الأولوية لما تسميه بالحرب على الإرهاب، لكن بعد أن ضعف الرجل، ونجح خصومه في محاصرته، وجد نفسه وحيدا يبحث عن ملجأ يكمل فيه بقية حياته. هذه بعض أوجه الصراع بين العسكر من جهة والرغبة في إقامة أنظمة ديمقراطية في العالم الإسلامي تكون قادرة على الاستمرار والبقاء، من جهة أخرى، وإذا كانت تركيا وباكستان قد توفرت فيهما قوى مدنية ذات شأن قد ساعدت على تحجيم دور الجيش، فإن الحالة الموريتانية فاجأت الجميع عندما قام جزءا مهما من الطبقة السياسية التي أعطتها الديمقراطية مكانة متميزة بتأييد انقلاب عسكري على التجربة الديمقراطية! فالنظام الديمقراطي لا يحميه إلا الديمقراطيون في الداخل، مهما أبدت القوى الخارجية حرصها على ذلك، والتي تبقى في النهاية رهينة مصالحها الحيوية في المنطقة. (*) كاتب تونسي (المصدر: صحيفة ‘العرب’ (يومية – لندن) الصادرة يوم 10 سبتمبر 2008)  

بنك الزيتونــة الإسلامــي : لنضع النقاط على الحروف!  [الجزء الثاني]
د.خــالد الطــراولي ktraouli@yahoo.fr   ملاحظة منهجية : تنشر هذه الورقة هذه الأيام في صيغتها الضيقة والمختصرة على زاويتها الاقتصادية على موقع الجزيرة نت، وقد رأينا تقديم الورقة الكاملة حيث وقعت توسعة البحث إلى ما وراء البعد الاقتصادي لما يحمل مشروع الصيرفة في تونس من حساسية خاصة وزخم سياسي نتيجة تلازم التجربة مع إطار تاريخي ولحظي حساس تجاه الظاهرة الإسلامية إجمالا. لذلك تحوي هذه الورقة في جزئها الثالث على البعد السياسي لما له من اعتبار واضح في قرار التنشأة وإدماج التقنية الإسلامية الجديدة في المشهد التونسي وما يحمله البعد السياسي من بصمات على التجربة المصرفية في مستوى المنهج والهدف التكتيكي والاستراتيجي. تقف تجربة مصرف الزيتونة الإسلامي على منحى اقتصادي خالص ومنحى سياسي معقد ولكنه ضروري وهام لفهم التجربة وتبين مسالك نجاحها أو ضمورها : المنحــى الاقتصادي يمكن اعتبار وجود ثلاثة إشكاليات تقف أمامهم التجربة الجديدة لبنك الزيتونة الإسلامي، وهي على التوالي : الصيغة القانونية للبنك، العلاقة مع البنك المركزي التونسي، وقضية الكفاءات والرقابة الشرعية. 1/ الصيغة القانونية لقد ميز الجهاز البنكي التونسي بين أصناف عدة من البنوك وأعطاها تحديدا واضحا: فبنوك الإيداع : »مهمتها تقبّل الإيداعات مهما تكن مدتها أو شكلها، ومنح القروض ولا سيما منها القصيرة الأجل، والقيام كوسيط بعمليات الصرف. كما تؤمن لحرفائها استخلاص وسداد الصكوك والسندات أو قسائم الدفع أو غيرها من سندات الدفع أو الدين.،ويمكن لهذه البنوك، في نطاق احترام التراتيب القانونية، منح قروض متوسطة وطويلة الأجل تموّل على ودائع الحرفاء، كما يمكنها أخذ مساهمات في رأس مال المؤسسات » وبنوك الاستثمار تتمثل في  » استنباط وإنجاز وتمويل مشاريع الاستثمار في كل قطاعات الاقتصاد الوطني، من فلاحة وصيد بحري وصناعة وسياحة وعقارات وغيرها ». أما بنوك الأعمال فتتمثل مهمتها  » أساسا في تقديم الاستشارات والمساعدة على التصرّف في الممتلكات، وتقديم الخدمات في مجال الهندسة المالية، وبصفة عامة كل الخدمات التي تهدف إلى تسهيل بعث المؤسسات وتطويرها وإعادة هيكلتها. » وتقوم شركات الإيجار المالي  بإيجار تجهيزات أو معدات أو عقارات لفائدة المشاريع الاقتصادية من تجارة وفلاحة و صيد بحري و خدمات. أما البنوك غير المقيمة فهي  »  مؤسسات مرخص لها تتعامل أساسا مع غير المقيمين، حيث يمكنها القيام بكل حرية بقبول كل أنواع الموارد التي هي على ملك غير المقيمين ومنحهم كل المساعدات خاصة في شكل مساهمات في رأس مال المؤسسات وكل أنواع الضمانات. وتتمتّع هذه المؤسسات بحرية مطلقة في ميدان الصرف بالنسبة  إلى عملياتها مع غير المقيمين. » وتوجد في تونس إلى حدود سنة 2005 ثمانية بنوك غير مقيمة وهي على التوالي: سيتي بنك، الاتحاد التونسي للبنوك، لون أند أنفستمنت، مصرف شمال إفريقيا الدولي، المؤسسة العربية المصرفية، بنك اليوباف الدولي وبيت التمويل التونسي السعودي وهو الذي يعنينا في مقاربتنا هذه حيث ظل هذا البنك يحمل هذه الصيغة منذ انطلاقه منذ قرابة ثلاث عقود، ورغم صفته الإسلامية فإنه لا يكاد يعرف عند الخاص والعام إلا عند نخبة النخبة أو الدارسين الاقتصاديين للجهاز البنكي التونسي وسياسته النقدية، حيث غاب البنك عن الجمهور التونسي نظرا لصفته الملازمة في التعامل الخاص مع غير المقيمين وحساسية البعد الإسلامي في ماهيته. وهنا مربط الفرس وأحد مكامن الغموض في افتتاح هذا البنك الجديد، فما هي الصفة التي سيتبناها البنك الجديد خاصة وأنه بالإضافة إلى بيت التمويل التونسي السعودي سالف الذكر، فإن دخول بنك النور الإسلامي الإماراتي على الخط، لا يوحي بأنه بنك للإيداع بحيث يتعامل مباشرة مع جمهور المواطنين ولكن يركز مكتبه الإقليمي في تونس حسب الأخبار الوافدة، على « الاستثمارات والخدمات المصرفية للشركات. كما سيسعى إلى فتح قنوات استثمارية جديدة من دول مجلس التعاون الخليجي نحو منطقة شمال أفريقيا، في كل من مصر، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا ». كل هذا يجعلنا بالقدر الذي نستبشر لكل فعل تمويلي أو استثماري أو تجاري لتقنيات مالية إسلامية داخل الوطن، ونعتبره خطوة نجو إرساء مؤسسات مصرفية إسلامية كاملة في تونس، بالقدر ذاته نعتبر أن المسار لا يزال غير واضح وتشوبه الكثير من النقائص المبنية أساسا حسب زعمنا على البعد السياسي الحساس للمسألة. فهل يكون بنك الزيتونة بنكا موجها لخاصة الخاصة؟، هل يكون بنكا موجها إلى الشركات ورؤوس الأموال الكبيرة؟، هل يكون موجها إلى الاستثمارات الفرعونية دون خوض التجارب الصغيرة والمساهمة عن قرب في تنمية الهياكل الإنتاجية الصغرى؟ ومن الإجابة يتحدد حسب رأينا جزء كبير من النجاح الاجتماعي للبنك ومدى تدخله الناجع في الاقتصاد التونسي وإبراز القيمة الإسلامية المضافة عند عامة الشعب. 2 / في العلاقة مع البنك المركزي تحمل البنوك الإسلامية فرادة وتجديدا في مستوى التعاملات المالية تنظير وتنزيلا، ولعل الاجتهاد البنكي الإسلامي يعتبر ولا شك من أكبر الإضافات التي شهدها المشهد المالي العالمي في القرن الأخير حيث تمثل إدخال تقنيات استثمار جديدة وتعامل بديل للمطروح عالميا منذ أكثر من ثلاث قرون حيث مثلت الفائدة ولا تزال عصب الاقتصاد العالمي، فكانت عناصر المضاربة والمشاركة والمرابحة وما يتبعهم من وسائل متطورة إفرازا فريدا لتنظير جديد يعتمد الإسلام كمرجعية أساسية في بناء سوق المعاملات على أساس استبعاد عنصر الفائدة والربا. وبكثير من الاقتضاب، مثلت خاصية استبعاد الفائدة وتبني تعامل على أساس المشاركة في الربح والخسارة قضية شائكة بين البنك المركزي والبنوك الجديدة وكيفية مراقبتها والتزامها بمقرراته وقوانينه، وكيفية التعامل معها بما أنها ترفض التعامل الربوي وكان مما وجب إدخاله هو سن قوانين خاصة بها. فهل ستكون الرقابة مباشرة من البنك المركزي كما هو الحال مع البنوك التقليدية أم يحملها عنصر خارجي كما طرح سابقا في بعض المقترحات من إعطاء هذه الوظيفة إلى الإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية أو إلى البنك الإسلامي للتنمية وتونس عضوة فيه. لعل المعطى السياسي سيساهم بشكل قاطع في هذه المسألة وستطرح قضايا السيادة بشكل حاسم ولذلك يمكن أن يحمل البنك المركزي التونسي على عاتقه مهمة الرقابة على البنوك الإسلامية خاصة إذا توسع عددها وأصبحت رقما مهما داخل الجهاز البنكي ولذلك يمكن إنشاء إدارات خاصة تعتني بهذا الجانب من عمل البنك المركزي وتسعى إلى المراقبة والتوجيه والارشاد. وبما أن  تعامل البنك المركزي مع البنوك التقليدية عبر السياسة النقدية يخضع في جانبه المهم إلى عامل الفائدة، وبما أن البنوك الإسلامية لا تخضع لها فإن تجاوز هذه الإشكالية يتم غالبا وبكثير من الحذر عبر تحديدات مباشرة وتوجيهات من مثل تحديد نسبة رأس مال البنك الإسلامي إلى الودائع، وتحديد القطاعات الأولية للاستثمار، وتحديد الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، وأيضا في التدخل لتحديد نسبة الربح في تقنيات المرابحة والبيوع والإجارة. وما يهمنا في خصوص تجربة بنك الزيتونة الإسلامي وأي بنك إسلامي يسعى للتواجد في تونس إذا سمحت الإرادة السياسية، هو البعد الاقتصادي المرجو من هذا الإنشاء وعلى البنك المركزي التخلص ما أمكن من أي ضغط سياسي في هذا الباب إن وقع وتوجيه مراقبته وتحديداته نحو مشاريع تنموية تعود بالنفع على البلاد ولعل القطاع الفلاحي التونسي يمكن أن يمثل ثغرا على البنك الجديد لثمه والاستثمار فيه خاصة في ظل أزمة الغذاء العالمية والتي كان لها الأثر في زيادة الأسعار التي شهدتها البلاد مأخرا. كما أن على البنك المركزي وعلى ضوء الخصوصية التي يحملها البنك الإسلامي من تعاضم المخاطرة لديه باستناده إلى تقنيات المضاربة والمشاركة ودخوله المباشرة في المشروع، الحرص على توفر البنك على رأس مال محترم يخول له الاستثمار بأكثر طمأنة للجهاز البنكي إجمالا. ـ يتبــــع ـ (المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي بتاريخ 10 سبتمبر 2008  www.liqaa.net)


عبد السلام المسدّي  : عودة المقدّس

   

عبد السلام المسدّي    أستأذنك – أيها القارئ الكريم– في أن أثير معك موضوعاً ذا طبيعة خاصة، تلفه حساسيات جمّة، وقد دأب الناس على تحاشيه أو على التقية عند معالجته، وكثير منهم يمارسون على أنفسهم في تناوله درجة عالية من الرقابة الذاتية لا أظن أحداً قد طلبها إليهم، وإنما حَمَلوا أنفسَهم عليها حملاً يستجيبون به لظلال من الوهم المخاتل. أستهلّ معك بسؤال مركّب قد ينبّه فضولك فتتشرّبه على مَهَل ألا وهو: إلى أي تخوم تسافر بك عبارة الوعي الدينيّ؟ وماذا لو تنادت معها في خاطرك عبارتان أخريان هما الوعي الفكريّ والوعي السياسيّ؟ وهل العلاقة بين الأضرب الثلاثة صراعية بالضرورة أم بوسعها أن تأتلف في منظومة متوائمة؟ أبدأ معك باستطراد ستغفره لي لأنه يعيننا – أنا وأنت- على النجاة من سيطرة التباس عنيد لا يبرح يتمكن من خواطر العامة والخاصة، وهو متعلق بجنوح الناس إلى اختصار اللغة عند شيوع التداول، ذلك أن الإنسان قد جُبل على اختزال الكلام كلما ضمن بلوغ مقاصده، تبدأ العبارة مستفيضة ثم يتكفل التداول بجعل السياق دالاً على ما نسقطه منها، ويأتي ذلك امتثالاً لما يسمّى بقانون الاقتصاد اللغوي، أو قانون المجهود الأدنى على معنى إبلاغ أكثر ما يمكن من الدلالات بأقلّ ما يمكن من الجهد العضليّ. وهو قانون مطلق، شامل لكل الألسنة، في كل الأحقاب، لدى كل الثقافات. ولكن الاختزال جَموح يخترق الجدران، فيغدو مصدراً لتحريف المقاصد، وهو – في جموحه– درجات، مِن أخفاها وأدقها إسقاط الكلمة الواحدة من العبارة المتعددة. فالناس يتحدثون عن اليوم العالمي للتدخين مقتضبين اللفظة الجوهرية وهي «مقاومة التدخين» فيأتي كلامهم كأنه احْتفاء بذاك الداء، وسبق أن نظمت هيئات عربية ندوات «حول الغزو الثقافي» غافلين عن أن مقصدهم لا تؤديه إلا عبارة «مقاومة الغزو الثقافي». ويَحدث الآن أن تنعقد مؤتمرات عن الإرهاب من حيث يخططون لمقاومة الظاهرة فيسقطون لفظ المقاومة ويقعون في شرَك الالتباس المغالط. ومن الاختزالات ما يأتي ظالماً فيجرّ معه أفظع المآثم، كالذي يحدثك عن انفصال الدين عن السياسة وكيف كان ذلك الانفصال هو نقطة انطلاق التقدم الحضاريّ في الغرب، والحقيقة هي أن شعوب أوروبا قضت قروناً تجاهد في سبيل فصل الدولة عن الكنيسة، بمعنى أنها ناضلت كي تستقلّ المؤسسة السياسية عن المؤسسة الدينية، والفرق شاسع – في عمقه وامتداده– بين فصل الدين عن السياسة وفصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة السياسية، ومن هنا تنشأ في الأدبيات الشائعة مَكامن الخداع، وكم تَحارُ وأنت تُمعن النظر في خطاب النخب إن كان ذلك الاختزالُ في العبارة هو من باب اللبس البريء أم هو من باب المخاتلة المضمَرة! والحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الدين لا ينفصل عن السياسة، ولا السياسة تنفصل عن الدين، وقولنا هذا لا يعني أبداً أن الدين هو بالضرورة مسـيّـسٌ، ولا أن السياسة هي بالضرورة دينيّة، وإنما يعني أننا في تدبير شؤون الناس وإدارة حياتهم لا يمكن أن نغض الطرف عن مكوِّنهم العقديّ سواءٌ أكان قائماً على الإقرار بالغيبيّ أم كان قائماً على نكرانه قطعاً. ومعلوم أن الإيمان – من الناحية الفلسفية– مقترن باللاإيمان مثلما أن اللاإيمان هو قرين الإيمان، فأي منهما هو وجهٌ للعُـملة يكون الآخرُ قفاها، ولا فرق في أن تبدأ بهذا أو بذاك. وقد أفاجئك لو قلت لك إن فكرة المعتقد في نواتها العميقة حاضرة بكثافة في ضمائر المنكرين للغيبيّات أكثر من حضورها في وعي المسلّمين بها. لأن المسلّمين بها قد أراحوا نفوسهم من قلق السؤال والذين أنكروها يحملون هموم القلق المتجدد. وربما يسعدنا أن نستحضر هنا الوجودية، تلك التي جاءت شقين: مُثـبِتٍ ونافٍ، وكان سارتر رأسَ الوجودية المنكِرة، ومن أقوى عباراته الرمزية التي تشفع لما سقناه قوله: «أيَا ربّي إني لأشكرك لأنك أتحت لي أن أنكر وجودك» ودعْك مما يتسلّى به هواة المقال المدرسي في مادة الفلسفة. ولا نكاد نسافر في موكب الفلسفة الحديثة حتى تتخطفنا ذاكرة التاريخ فننصف ثلة من أوائلنا كانوا يقولون: التسليم راحةٌ في النفس حيرةٌ في العقل، والإنكار راحة في العقل قلق في النفس. لقد تحدث أعلامٌ روّادٌ في مجال الدراسات الإنسانية والاجتماعية منذ عقدين عن تبدل ملامح المكوّنات الرمزيّة في عصرنا الحاضر، وبينهم متخصّصون أجلاّء في حقل الدراسات الاستشرافية أفاضوا – دونما أي انحياز للظواهر الاجتماعية– في تحليل القرائن الدالة على عودة المقدّس إلى الحياة الإنسانية العامة وهو ما يطلقون عليه عبارات متنوعة كالمعتقد والإيمان والروحانيات. إن الذين تحدثوا عن هذه الظاهرة كانوا من الأكاديميّين النزهاء، وصاغوا في ذلك خطاباً لم يَلبس رداء التبشير ولم يتحلّ بستائر التحذير، لم يكونوا يحتفون بالظاهرة ولم يكونوا ينذرون، فلا هذا ولا ذاك مِـن همّهم. وكانوا يؤكدون أن عودة المقدس وانتعاش الروحانيات وسطوة المعتقد، كل ذلك لن يقتصر على مستوى الأفراد ولا حتى مستوى الجماعات وإنما ستتأثر به المؤسّسات نفسها. وكان منهم من قال منذ عقدين: إن القرن الحادي والعشرين سيكون مطبوعاً بعودة تلك الظاهرة، وقد تلتجئ الفلسفة إلى الإعلان عن موت نيتشه الذي أعلن موت الإله. ثم طفقت الأيام تشهد على صدق هؤلاء الراصدين وعلى حصافة استشرافهم، ويكفي أن الحدث الأعظم الذي استهلت به الألفية الثالثة لم يكن واقعاً في مركز المصالح العسكرية ولا المصالح الاقتصادية كما علّمنا التاريخ عند المنعرجات الصراعية الكبرى، وإنما جاء مغلفاً –في وقوعه وفي استنفار ردود الفعل عليه– بغلاف القناعات الرمزية الموغلة في اللامحسوس. وها نحن نلحظ، شهراً بعد شهرٍ، كيف تتلبس السياسة الدولية بأردية القناعات الحميمة: إن إثباتاً أو نفياً، ومَن بوسعه أن يكابر إذا قرأنا المشهد بمنظار خاص: كانت الحداثة تخشى أن يتسيّـس الدين، فإذا بها تفاجأ بأن السياسة قد «تديّنت». ولا أراك – أيها القارئ– إلا مستغنياً عن مزيد الإيضاح حتى لا تذهب بك العبارة حيث لا يجب.   (المصدر: جريدة العرب (يومية – قطر) بتاريخ 10 سبتمبر  2008)  


ياسر زعاترة  : حرب سلطة رام الله المفتوحة على حماس

   

ياسر زعاترة    على خلفية قيام السلطة الفلسطينية بمصادرة مبلغ 2.2 مليون دولار تعود لحركة حماس، هي في الغالب مخصصات أسر الشهداء والأسرى، قال رئيس جهاز الأمن الوقائي في رام الله، أكرم رجوب، لصحيفة الحياة اللندنية (4 سبتمبر): إن أجهزة الأمن الفلسطينية تعتبر السلاح والمال أدوات حماس للانقلاب على السلطة، لذلك «سنواصل العمل على مصادرة أسلحتها، وتجفيف مصادرها المالية كي نمنعها من تكرار انقلابها في الضفة الغربية». وأضاف أن «حماس اليوم بالنسبة إلينا هي ليست حماس قبل الانقلاب في غزة. قبل الانقلاب كانت حركة وطنية تقاتل الاحتلال، وبعد الانقلاب أصبحت في نظرنا حركة انقلابية تسعى إلى السيطرة على السلطة ومؤسساتها بالقوة المسلحة، لذلك سنجردها من قوتها، وهذا هو سبيلنا الوحيد لتجنب تكرار انقلابها علينا». من المؤكد أن المذكور أعلاه لا يعبر عن رأيه الشخصي، وإنما يعبر عن رأي من عينوه (في الرئاسة العتيدة وحكومة سلام فياض «الشرعية»)، لاسيما أن ما يقوله هو مجرد تأكيد لما يجري على الأرض منذ الحسم العسكري في قطاع غزة منتصف يونيو 2007. منذ ذلك التاريخ تتعرض حماس لعملية استئصال كاملة المواصفات في الضفة الغربية، لم يسبق أن تعرضت لها، حتى أيام صعود أوسلو وإصرار حماس على المقاومة ما بين عام 1994 وانتفاضة الأقصى، سبتمبر 2000. وبحسب صحيفة هآرتس يوم الأحد الماضي، فقد تناول «يوفال ديسكن»، مدير المخابرات الإسرائيلية، «بالإيجاب نشاط السلطة ضد حماس في جلسة مجلس الوزراء». في تلك الأثناء تعرضت الحركة لضربات كبيرة، تمثلت في الغالب في اعتقال نشطاء الجناح العسكري، مع التورط في تعاون أمني أفضى إلى اغتيال عدد منهم، فضلاً عن اعتقال بعض المؤثرين في الجناح السياسي، لكن ذلك لم يبلغ حد الاستئصال، إذ واصلت الحركة حضورها في مؤسسات المجتمع الخيرية والاجتماعية والجامعية وفي المساجد، وإن وقعت أشكال لا يمكن تجاهلها من الاستهداف هنا وهناك. في هذه المرة يبدو الموقف مختلفاً إلى حد كبير، وبالطبع تحت ذريعة عدم السماح بتكرار ما جرى في قطاع غزة، الأمر الذي لا يبدو مقنعاً بحال، والسبب ببساطة أن واقع الضفة مختلف عن قطاع غزة الذي خرج منه الاحتلال، فهنا في الضفة تبدو اليد العليا للاحتلال الذي يمكنه الدخول والخروج في الوقت الذي يريد، ما يعني أن حماس لن تتورط في السيطرة على الضفة حتى لو أرادت ذلك وملكت القوة للتنفيذ، وهي لا تملك في واقع الحال (معظم الخلايا العسكرية للفصائل ضربت)، والسبب أن خطوة من هذا النوع ستكون بمثابة انتحار. من هنا يبدو من السخف تفسير عملية الاستئصال الجارية بحكاية الحيلولة دون تكرار ما جرى في قطاع غزة (استهداف الخلايا العسكرية للجهاد دليل واضح)، فيما هي في جانب منها (إضافة إلى البعد الثأري) تنفيذ للبند الأول من خريطة الطريق الذي نص على محاربة الإرهاب (وضع المال والسلاح على قدم المساواة هو مبدأ إسرائيلي). لكن الأهم هو ترتيب الموقف للانتخابات القادمة في حال أجريت، وكذلك لما بعد توقيع الاتفاق العتيد مع الإسرائيليين في حال تم التوصل إليه، وبالطبع حتى لا تقود الحركة النشاط الشعبي المناهض له. في فصول عملية الاستئصال ثمة ما يدمي القلب في واقع الحال، ويؤكد بدوره أن خطوة حماس في خوض الانتخابات كانت خاطئة، ومن بعدها خطوة الحسم العسكري التي تركت فرع الحركة في الضفة مستباحاً، بينما يعرف الجميع أن الضفة هي جوهر الصراع مع الاحتلال، وكان على من اتخذوا قرار الحسم العسكري أن لا يتجاهلوا بيتهم الأكبر في الضفة، وهم الذين يدركون أنهم إزاء خصوم سياسيين ليست لديهم خطوط حمراء، سواء أكان في ممارساتهم الذاتية، أم في تعاونهم الأمني مع العدو. منذ تأسيسها لم تتعرض حركة حماس في الضفة الغربية إلى مثل هذه الحملة القمعية لأفرادها وقادتها ومؤسساتها، سواء تم ذلك بيد العدو الصهيوني، أم بيد الشقيق الحريص على ضرب المقاومة من جهة، والساعي إلى أخذ ثأره من جهة أخرى. منذ مؤتمر أنابوليس اعتقلت سلطات الاحتلال حوالي 3700 فلسطيني معظمهم من حركة حماس، بينما كان للحركة حوالي ثلاثة آلاف أسير قبل ذلك التاريخ، والنتيجة أن معظم كوادر الحركة باتوا رهن السجون، بينما تتكفل السلطة بمن تبقى، تعتقل هذا وتفرج عن ذاك، ولا تسأل عن إغلاق كافة المؤسسات واستبدال أئمة المساجد. ما يجري عارٌ على سلطة رام الله، وعلى حركة فتح وقيادتها، وما يرددونه من تبريرات لن يغير هذه الحقيقة بحال من الأحوال.   (المصدر: جريدة العرب (يومية – قطر) بتاريخ 10 سبتمبر  2008)


«نصر ديبلوماسي صغير» يُحققه بوش قبل مغادرة البيت الأبيض …  ليبيا تتصالح مع واشنطن لاستعادة دورها في أفريقيا والمتوسط

رشيد خشانة (*) استطاع الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أن يختم عهده بـ «نصر ديبلوماسي صغير» قبل أسابيع من نهاية ولايتيه لم يكن يتصوره هو نفسه في بواكير تسلمه سدة الرئاسة، باجتراح مصالحة تاريخية مع ليبيا. وكرست زيارة وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس إلى العاصمة الليبية الاثنين الماضي لحضور الإحتفالات بالذكرى التاسعة والثلاثين لصعود العقيد معمر القذافي (68 عاماً) إلى سدة الحكم، صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، فهي الزيارة الأولى لمسؤول أميركي من هذا المستوى منذ نصف قرن. وبالنسبة الى الأميركيين، أياً كان الحزب الذي يحكم، شكلت العلاقات مع ليبيا ملفاً مُعقداً يعسر ترتيب أوراقه التي بعثرتها الغارة الأميركية على بنغازي وطرابلس عام 1986 وتفجير استهدف ملهى يؤمه الجنود الأميركيون في برلين وتفجير طائرة «بان أميركان» فوق لوكربي ثم تفجير الطائرة الفرنسية فوق صحراء النيجر. غير أن الاتفاق الذي توصل له مفاوضو الجانبين لإنهاء الخلافات، أثبت أن العلاقات مُقبلة على انفراج بعد تبديد السحب التي تلبدت في السماء طيلة أشهر وجعلت الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي يُعرض عن استقبال مسؤولين أميركيين زارا طرابلس في وقتين مختلفين. ووقع على الاتفاق في وقت سابق من الشهر الجاري مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ويلش باسم الولايات المتحدة وأحمد الفيتوري باسم ليبيا. تزامن هذا التقارب مع جفاء ليبي واضح تجاه فرنسا، واستطراداً الاتحاد الأوروبي (عدا إيطاليا برلسكوني) جسده تغيب القذافي المتعمد عن قمة باريس التي أبصرت ولادة «الاتحاد من أجل المتوسط»، على رغم أن ساركوزي وسّط جيران القذافي لإقناعه بالحضور. ما دوافع التقارب مع واشنطن، وما أسباب الجفوة مع باريس بعد زيارة القذافي «التاريخية» إلى فرنسا، والتي جعلت ساركوزي «يبلع» انتقادات لاذعة ومُرة المذاق من معارضيه في اليسار كما في اليمين؟ بدأ الغزل الليبي – الأميركي عندما أعلن ويلش الذي كان يقود المفاوضات رغبة واشنطن في تطبيع شامل للعلاقات مع ليبيا قبل نهاية ولاية الرئيس جورج دبليو بوش في كانون الثاني (يناير) المقبل. وأوضح ويلش الذي سبق أن زار طرابلس وقابل القذافي، أن واشنطن «تتطلع الى تطبيع جوانب التعاون كلها مع ليبيا وليس التطبيع الديبلوماسي فقط». وكان ويلش يتحدث أمام الاجتماع السنوي لغرفة التجارة الأميركية العربية منتصف تموز (يوليو) الماضي، وخلال الاجتماع جرى تسليم السفير الليبي لدى الولايات المتحدة علي العجيلي جائزة «سفير العام»، في خطوة عكست مستوى التطور الذي بلغته العلاقات الثنائية. وهذا ما أكده ويلش في كلمته الموجهة للعجيلي، إذ شدد على أن «هناك التزاماً صادقاً من الطرفين لمعالجة مشاكل الماضي»، مضيفاً: «رغم التباعد بين البلدين في العقود الأخيرة إلا أن هذه العلاقة الثنائية تطورت وتغيرت إلى حد كبير». مؤشرات قوية وثمة تحفز مماثل لدى الجانب الليبي لإقامة علاقة خاصة مع واشنطن أفصح عنه السفير العجيلي في رده على ويلش، إذ قال: «نحن واثقون من كوننا سنتجاوز جميع مشاكلنا في أسرع وقت ممكن، لتمهيد الطريق للتجارة الحقيقية». وهذه إشارة إلى أن الجانبين مقبلان على «بيزنس» كبير على الصعيدين الثنائي والإقليمي، وخصوصاً عندما تأتي الإيماءة من مهندس التطبيع الليبي مع أميركا، إذ أن العجيلي يعمل في هذا المنصب منذ عام 2004، وهو اعتبر أن البلدين «تمكنا من تحقيق أشياء عظيمة في فترة قصيرة ولم نُحقق شيئاً في ربع قرن من العداوة». وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الطلاب الليبيين في الولايات المتحدة على سبيل المثال ارتفع من 140 في السنة الماضية إلى 850 طالباً هذه السنة. وتشكل العقود الكثيفة التي فازت بها شركات نفطية أميركية في الفترة الأخيرة، للقيام بالتنقيب والاستثمار في مناطق مختلفة من ليبيا، مؤشراً قوياً على الثقة المتبادلة، فالعقيد القذافي هو المشرف شخصياً على الملف النفطي. وتعزز هذا الاتجاه بالتوصل أخيراً إلى صفقة في شأن إنشاء صندوق تعويضات في أعقاب جولات من المفاوضات بين ويلش ونائب وزير الخارجية الليبي عبدالعاطي العبيدي في كل من لندن وأبو ظبي على امتداد الشهور الثلاثة الأخيرة. وربما يتعزز التقارب أكثر إذا توصل الجانبان إلى تسوية سياسية وقانونية تتيح للضابط الليبي عبدالباسط المقرحي المورط في قضية «لوكربي» العودة إلى بلده. وأوضح المقرحي أخيراً في مقابلة مع صحيفة «أويا» الليبية أنه تقدم إلى المفوضية الاسكتلندية لمراجعة القضايا الجنائية (وهي هيئة مستقلة تتكون من محامين وقضاة تدرس الطعون في أحكام سابقة) بطعن في الحكم الصادر ضده في أيلول (سبتمبر) 2003، مشيراً الى أن المفوضية نظرت في القضية وبحثت عن المعلومات والأدلة وأجرت مقابلات مع أطراف القضية وأصدرت قرارها في 28 حزيران (يونيو) 2007 الذي أحال الملف إلى محكمة الاستئناف من جديد، وهو مؤشر على الانفراج وبالتالي احتمال الوصول إلى تسوية. أما الوجه الآخر لهذا التقارب فهو مقاطعة القذافي اجتماع القمة المتوسطية في باريس، ما دل على ضعف مراهنته على إقامة شراكة مع الاتحاد الأوروبي. وشرحت أوساط قريبة من ليبيا دوافع مقاطعة الاتحاد من أجل المتوسط، مُلخصة إياها في نقاط خمس: 1- بناء علاقات صحية مع أوروبا ينبغي أن ينطلق من احترام السيادات الوطنية لدول الضفة الجنوبية أمنياً واقتصادياً وثقافياً. 2- من الأفضل بل من الواقعي الانضمام إلى التكتلات الدولية من أجل خدمة قضايا السلام والتعاون المتكافئ وليس من أجل خدمة مشاريع السيطرة. 3- عدم تهميش الاتحاد المغاربي، بل من الضروري أن يكون هو الفاعل والناطق الرسمي باسم جميع الدول المغاربية في المحافل الدولية، وكذلك في الحوارات من أجل السلم في الشرق الأوسط وفي معالجة المشكلات في العالم. فالاتحاد المغاربي تم استبعاده كوحدة متماسكة من مشروع الاتحاد المتوسطي، وهذا خطأ في نظر الليبيين. 4- ضرورة الالتزام بميثاق الاتحاد الأفريقي ومؤسساته عند التفاوض مع أوروبا أو أميركا، أو مع أي طرف آخر في العالم. 5 – هذه التصرفات تمنح الدول الأوروبية المتوسطية الأكثر عدداً، والأقوى اقتصادات والمالكة للسلاح النووي، والأكثر تطوراً تكنولوجياً وهيمنة في مجالات الفكر والثقافة والعلوم والتكنولوجيا فرصة الانفراد بالقرارات داخل الاتحاد المتوسطي، وتوجيه سياساته ومواقفه. إيطاليا والبرتغال غير أن الحسم الليبي في التعاطي مع أوروبا ليس شاملاً، ولا يمكن ان يكون كذلك في بلد يرمم الجسور الجوية والبحرية مع الغرب بعد حصار استمر سبع سنوات. ويبدو أن لدى الحكومة الليبية أولويات جعلتها تفاضل بين الأوروبيين واضعة إيطاليا في مقدم شركائها، خصوصاً بعد عودة سيلفيو برلسكوني الذي يحتفظ بعلاقات شخصية حميمة مع العقيد القذافي، إلى سدة الحكم. وتجلى ذلك في نتائج الزيارة الرسمية لأمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الوزراء) الليبي البغدادي المحمودي إلى روما مطلع الصيف. وأكد بيان مشترك صدر في أعقاب اجتماع المحمودي مع برلسكوني عزم الجانبين على تسوية الخلافات «في أسرع وقت ممكن». إلا أن برلسكوني أصر على مطالبة الليبيين علناً بالتنفيذ السريع للاتفاق الذي وقع في كانون الأول (ديسمبر) الماضي بين البلدين، ويقضي بتسيير دوريات بحرية مشتركة لمكافحة الهجرة غير الشرعية. وما زال الاتفاق المتعلق بالدوريات البحرية المشتركة حبراً على ورق مع استمرار انطلاق الآلاف من الراغبين فى الهجرة من السواحل الليبية الى أوروبا. في المقابل قطع الإيطاليون خطوة حاسمة في ملف التعويضات التي يطالب الليبيون روما بدفعها عن فترة استعمارها لبلدهم (1911 – 1943)، إذ اتفق القذافي وبرلسكوني على حصول ليبيا على تعويضات عن فترة الاستعمار الإيطالي، فضلاً عن اتفاق صداقة يطوي تلك المرحلة المؤلمة. وعلى صعيد أوروبي آخر طور الليبيون العلاقات مع البرتغال، خصوصاً بعد زيارة رئيس الحكومة البرتغالية خوسيه سقراطس طرابلس وتأكيده في ختامها أن التعاون مع ليبيا «يشكل أولوية لبلاده». ومن السهل إدراك دوافع هذه الأولوية في ظل الارتفاع القياسي لأسعار النفط، وقرب ليبيا من السواحل البرتغالية قياساً على بلدان الخليج أو فنزويلا. وتعتبر ليبيا الممول الرئيس للبرتغال بالطاقة وهي أيضاً شريك تجاري استراتيجي للشبونة. وكان هذا الهاجس جلياً في نوعية الاتفاقات التي توصل اليها سقراطس مع نظيره المحمودي، إذ تركزت على «تطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي، خصوصاً على صعيد الاستكشاف والحفر والتوزيع والتكرير والتزويد بالنفط». واعتبر سقراطس البرتغال وليبيا عماد الحوار بين الاتحادين الإفريقي والأوروبي. وكانت لشبونة إحدى العواصم الأوروبية الثلاث التي زارها القذافي في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وتوجت الزيارة بالتوقيع ثفاقات ومذكرات تفاهم. وبدا واضحاً أن الليبيين يعتزمون تكثيف استثماراتهم السياحية والعقارية في البرتغال أسوة بالسعوديين. وهذا يُفسر دعوة المحمودي نظيره البرتغالي إلى الإسراع بإعداد اتفاق يخص تفادي الازدواج الضريبي «لما يشكل من أهمية في تسهيل التعاون الاستثماري والاقتصادي» كما قال. وبموجب مذكرة تفاهم بين المؤسسة الليبية للاستثمار ووزارة الاقتصاد والابتكارات البرتغالية اتفق البلدان على بحث إقامة مشاريع مشتركة داخل البرتغال وخارجها في مجالات الاستثمار العقاري والسياحي والصناعات النفطية والبتروكيماوية، وتسويق المشتقات النفطية وتوزيعها وتخزينها، إضافة إلى توظيف الأموال الليبية في القطاع المالي البرتغالي «بغية زيادة تنويع المحافظ الاستثمارية في البلدين». وتردد أن ليبيا ستعتمد على خبرة البرتغال الطويلة في أفريقيا لإقامة مشاريع مشتركة في القارة، وخصوصاً في المجالات ذات الاهتمام المشترك مثل التعليم والصحة والبنية التحتية والطاقة والسياحة. كذلك يُرجح أن تلعب الشركات البرتغالية دوراً متنامياً في تنفيذ مشاريع البنية التحتية والإسكان والطاقة المتجددة ومعالجة المياه والصرف الصحي والسياحة في ليبيا. بهذا المعنى يمكن القول إن الليبيين بدأوا إعادة توزيع أوراقهم بالتركيز على بعض العواصم، وفي مقدمها واشنطن التي وافقت على الاعتراف بدورهم في أفريقيا، وتخفيف الأضواء عن عواصم أخرى، خصوصاً باريس. كذلك يلعب الليبيون ورقة الإمبراطوريات الأوروبية السابقة مثل البرتغال واسبانيا، التي يعتقدون أنها ستكون أقل ازعاجاً من فرنسا في القارة الأفريقية. وتستند معاودة التوزيع هذه على استثمار حاجة الشركاء، إن كانوا أميركيين أم أوروبيين، للطاقة وكذلك للاستثمارات. هذه العلاقات السالكة مع واشنطن وكذلك مع الحكومات الأوروبية القريبة منها وفي مقدمها حكومة برلسكوني المعروف بميوله الأطلسية المُعلنة، شجعت السودان على اتخاذ القذافي شفيعاً لدى الغرب. وتنتظر الخرطوم دوراً ليبياً نشطاً في مجلس الأمن، بصفتها العضو العربي الوحيد في المجلس خلال الفترة 2008-2009، لإقناع عدد من أعضاء المجلس بعدم توجيه الاتهام الى الرئيس عمر حسن البشير ومطالبته بالمثول أمام المحكمة الجنائية. على هذا الأساس يمكن القول إن الليبيين استطاعوا استثمار مصدر قوتهم (النفط والغاز) للعودة بقوة إلى الساحة الدولية، ربما لكونهم اعتبروا أن ملعبهم لا يقتصر على العالم العربي والمتوسط وإنما يشمل أيضاً القارة السمراء. (*) من أسرة «الحياة». (المصدر: صحيفة ‘الحياة’ (يومية – لندن) الصادرة يوم 7 سبتمبر 2008)  

 

 

Home – Accueil الرئيسي

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.