الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين:حتى لا يصبح أشرف التونسي.. ضحية جديدة للإهمال ..! الرابطـة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنسـان فرع توزر ـ نفطة: بــيــــان الرابطـة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنسـان فرع توزر ـ نفطة: بـــيــان صحيفة « الشرق » :وفد أمريكي يزور تونس لبحث اتفاق إطاري للتجارة والاستثمار صحيفة « الحياة »:موفد تونسي إلى أمير قطر وكالة الأنباء الإيرانية إرنا:رئيس جمعيه تونس للدراسات الدوليه: الحوار البناء له مردود ايجابي علي حسن سير العلاقات الدوليه صحيفة « الوطن »:دفاعا عن القطاع العام – دفاعا عن الوطن:ماذا ربحنا بتراجع دور القطاع العام؟ صحيفة « الوطن »:تفاعلا مع دعوة الحوار القومي :من أجل حوار جدّي فعّال ومنتج بين مكونات الطيف الوحدوي في تونس صحيفة « الوطن »: الحياة السياسية في تونس:بين الحركية و الركود…أي دور للأحزاب السياسية؟ مرسل الكسيبي: المشهد السياسي في تونس : مخاطر الانغلاق وترشحات الأزمة … عبدالسلام الككلي: المفاوضات في قطاع التعليم العالي – جلسات تفاوض أم جلسات استماع ؟ محمد العروسي الهاني :الزكام أصاب حرية الرأي والتعبير السليم حسبنا الله ونعم الوكيل
الشروق: متابعات «الشروق»: حلم «التوحيد» يُراود القوميين من جديد
جريدة « الصباح »:التعددية السياسية في تونس… إلى أين؟:حوار مفتوح بين د. زهير المظفّر وعشرات من المستقلين والمعارضين والتجمعيينجريدة « الصباح »:التعريب بين المسعدي ومزالي
برهان بسيس »:لفائدة حقوق الإنسان..
موقع الجزيرة.نت:مشاهد من صمود الغزاويين والتفافهم حول مقاومتهم
قدس برس:الحكومة الفلسطينية في غزة تثمن موقف ليبيا الرافض لإدانة المقاومة في مجلس الأمن
صحيفة « القدس العربي »:فوضي في الجامعات التركية بعد السماح بارتداء الحجاب
نور الدين العبيدي: منانة تقيم لطمية لشلومو بدل الحسين
عبدالباقي خليفة :تطبيقات الفيزياء والكيمياء وعلوم الاحياء … في الحروب أشد إرعابا
عبد اللطيف الفراتي: الانحسار
شمس الدين الكيلاني :الأفغاني وعبده بين مدرستي
زهرة مرعي: ام بي سي مشغولة بمشاعر الكلاب وإعلام عربي أكثر وقاحة من الإسرائيلي
صحيفة « الشرق » :رفض فلسطيني لحملة « فتح » ضد « الجزيرة »
موقع إسلام أونلاين.نت:مكناس المغربية.. تذوق زيت الزيتون بديلا للخمور
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
21- رضا عيسى 22- الصادق العكاري 23- هشام بنور 24- منير غيث 25- بشير رمضان |
16- وحيد السرايري 17- بوراوي مخلوف 18- وصفي الزغلامي 19- عبدالباسط الصليعي 20- لطفي الداسي |
11- كمال الغضبان 12- منير الحناشي 13- بشير اللواتي 14- محمد نجيب اللواتي 15- الشاذلي النقاش/. |
6- منذر البجاوي 7- الياس بن رمضان 8- عبد النبي بن رابح 9- الهادي الغالي 10- حسين الغضبان |
1- الصادق شورو 2- ابراهيم الدريدي 3- رضا البوكادي 4-نورالدين العرباوي 5- الكريم بعلوش |
حتى لا يصبح أشرف التونسي.. ضحية جديدة للإهمال ..!
وفد أمريكي يزور تونس لبحث اتفاق إطاري للتجارة والاستثمار
موفد تونسي إلى أمير قطر
الحوار البناء له مردود ايجابي علي حسن سير العلاقات الدوليه
الدول العربية تنتج 146 مليون زجاجة خمر سنويا
دفاعا عن القطاع العام – دفاعا عن الوطن:
ماذا ربحنا بتراجع دور القطاع العام؟
محمد مسيليني
مرة أخرى نعود للحديث عن القطاع العام ودوره الريادي كقاطرة للتنمية تنعدم في غيابه الحلول الإستراتيجية للتنمية المستقلة والمستديمة وآليات مواجهة حاجيات المجتمع المتطورة والمتجددة مع الحفاظ على الاستقرار والسلم والعدالة الاجتماعية.
إننا وكل شعوب العالم والدول النامية نواجه معركة مصيرية مع الرأسمالية الجشعة والعولمة المتوحشة والاستعمار الجديد في سبيل التنمية المستقلة والحفاظ على مكتسبات الشعوب وخاصة الضعيفة منها
.
لذلك فان دفاعنا عن القطاع العام هو في جوهره دفاع عن الوطن.
القطاع العام ومؤسساته العتيدة هو الذي بنى تونس وكل الأقطار العربية منذ بداية الاستقلال السياسي:
1)
انتشر التعليم (المجاني) في كل مراحله وشمل كل المناطق فارتفعت نسب التمدرس وتراجعت الأمية البدائية المرتبطة بالقراءة والكتابة ومكن العديد من البلاد من ضمنها تونس من كوادر وإطارات عليا ومتوسطة تساهم كل من موقعه في التنمية.
لم يكن التعليم العمومي يفرق بين الطبقات وشمل كل التلاميذ في سن المدرسة إلى غاية المرحلة الجامعية. ولعل أبناء الشرائح الميسورة والأغنياء كانوا أكثر استفادة من غيرهم من التعليم العمومي المجاني لأنه مكنهم قبل غيرهم من فرص التعليم والتحصيل في الداخل والخارج. وإن العديد من الذين يتصدرون الآن مناصب عليا في الدولة أو من الذين يدافعون بشراسة عن المبادرة الخاصة واقتصاد السوق ما كان لهم أن يتعلموا لولا القطاع العام.
إن شباب اليوم هم بالضرورة قادة المستقيل وخياره الاستراتيجي فلا يعقل أن يكون مستقبل البلاد والوطن ومقدراته وهويته بين أيدي غير متعلمة تعليما جيدا وغير متشبعة بالوطنية والانتماء.
2)
القطاع العام نشر مراكز الصحة بدءا بالصحة الأساسية وانتهاء بالمستشفيات الجامعية ومراكز الاستشفاء العمومي رغم كل هناتها ما كانت لتحافظ على صحة المواطن وسلامته من العديد من الأوبئة والأمراض لولا القطاع العام.
قد تكون خدمات القطاع العام متواضعة أو حتى متدنية في بعض الأحيان ولا ترضي المواطن ولكنها مرتبطة بما يتوفر من إمكانيات وهي تبقى دائما ضمانة لصحة المواطن التي مثلها مثل التعليم لا يصح إطلاقا أن تكون مجال وميدان للممارسات التجارية والربحية التي يمارسها القطاع الخاص بغض النظر عن أخلاقيات القائمين عليه.
هل يتحمل القطاع الخاص حملات التلقيح والعيادات في القرى و الأرياف و التخوم؟ هل يستطيع المواطن في الأحياء الشعبية والقرى والأرياف تحمل النفقات الصحية من الألف إلى الياء بأسعار القطاع الخاص؟
إننا أمام استحقاق لا مفر منه يتمثل في تطوير قطاع الصحة العمومية من كل الجوانب واعتبار القطاع الخاص في هذا المجال متمما ومساندا له لا بديلا عنه. إن الاستمرار في غض الطرف عن تدهور الخدمات الصحية العمومية ، يمثل خيارا خطيرا على مستقبل الطبقات الضعيفة والوسطى.
3)
لقد مكن القطاع العمومي من تطوير البنية الأساسية ومسالك فلاحية وجسور ومحولات وسدود.
كما انه أوصل خدمات الكهرباء والماء الصالح للشراب والنقل والبريد إلى أعلى المناطق فتطورت حياة الناس وتحسن مستوى العيش.
كل هذا ما كان له أن يكون لوترك الأمر للقطاع الخاص لأنه لا يهمه إشباع حاجيات المجتمع المتجددة في غياب الربح والمردود المادي من وراء العملية.
قد تكون الخدمات متواضعة أو حتى متدنية وقد تكون بمقابل رمزي أو يراه المواطن مرتفعا ولكن لا مجال لمقارنته بفاتورة القطاع الخاص.
القطاع العام ملك للمجموعة الوطنية تموله من خلال ما توفره من ضرائب واداءات وما تتلقاه من مساعدات وهبات وما تتحمله من ديون وقروض. لذلك نطالبه بتطوير الخدمات والحفاظ على أسعارها في مستوى قدرتها الشرائية.
ليست الشرائح والطبقات الوسطى والفقيرة وحدها المستفيدة من القطاع العام بكل جوانبه وإنجازاته بل إن الفائدة تشمل كل الشرائح بما فيها المستثمرون. فهل كان ممكنا الاستثمار في الصناعة والفلاحة والنقل والخدمات بدون بنية تحتية وخدمات ضرورية من كهرباء وغاز وتطهير ونقل واتصالات وفرها القطاع العام.
إن الحفاظ على القطاع العام والسياسة الحمائية للاقتصاد الوطني ليست في خدمة الطبقات الضعيفة والمتوسطة فحسب بل إن أغنياء القوم وأصحاب المؤسسات والمشاريع أكثر استفادة من غيرهم لان الانفتاح والانصهار في الدورة الاقتصادية العالمية لا يترك لهم حظوظا كبرى في الاستمرار. إنهم ببساطة كالأسماك الصغيرة التي تحاول دون جدوى الإفلات من الحيتان الكبيرة التي تجوب البحار وتترصد فرائسها من البحر ومن الكائنات الصغيرة.
إن المشكلة الأساسية والرئيسة التي دفعت إلى الانخراط في اقتصاد السوق واللهث المحموم وراء الدورة الاقتصادية العالمية هي بالتأكيد مشكلة تفاقم البطالة.
إن انعدام حلول جدية ودائمة لمشكلة التشغيل بما في ذلك تشغيل خريجي الجامعات وحاملي الشهائد العليا يعود إلى ثلاثة أسباب مركزية:
1 –
الخيارات الاقتصادية المعتمدة والمتمثلة في تخلي الدولة عن خيار القطاع العام ودوره الاقتصادي مما أثر على قدرته التشغيلية ومساهمته في التشغيل.
لذلك لابد من إصلاحه وليس التفويت فيه ليستعيد دوره التنموي والاجتماعي.
2-
كل الحوافز والتشجيعات التي وضعت لم تمكن من دفع عجلة خلق المؤسسات بالمستوى والعدد الذي يمكن من التحكم في أزمة التشغيل وذلك لأسباب عديدة منها ضعف رأس المال الداخلي وضيق السوق واشتداد المنافسة على المستوى الدولي وغياب خيارات التنسيق والعمل المشترك في المستوى الإقليمي وانعدام سوق عربية ومغاربية.
3-
الاستثمارات الأجنبية التي تنتصب في تونس في شكل مؤسسات جديدة أو من خلال عملية الخوصصة ليست ذات تشغيلية عالية. بل يمكن القول إنها لا تعتمد كثيرا على القدرات التونسية خاصة في مستوى التسيير والإدارة والهندسة. فإذا استثنينا وحدات النسيج وغيرها التي انتصبت وفق قانون 72 و74 الشهيرين والتي ساهمت في تشغيل يد عاملة في الغالب غير مختصة ورخيصة الثمن،فان بقية المؤسسات تكاد تمر مر الكرام على هذا الجانب.
إننا لسنا بصدد رمي الورود للحكومة والحكومات المتعاقبة على ما أنجز سابقا في القطاع العام ولكننا أمام خيار وحيد هو الدفاع على القطاع العام ووطنية الاقتصاد مع التوجه جنوبا لخلق تكتلات يمكن أن تصمد أمام العاصفة. انه الخيار الوحيد المتبقي أمام الشعوب الضعيفة والدول النامية. أما سياسة الهروب إلى الأمام المعتمدة حاليا فهي محفوفة بكل المخاطر.
يقولون إن القطاع العام يمثل ثقلا على الدولة ونؤكد مرة أخرى أن المشكلة ليست فيه ولكن في طرق تسييره والتصرف فيه وكذلك في بعض الأحيان في تشجيع المبادرة الخاصة على حسابه.
عندما يتوقف التفكير في القطاع العام على انه « رزق باليك » من طرف الحكومة والإدارة والمواطن يومها فقط يمكن إصلاح وضعه ومساعدته على اخذ مكانه الريادي والطبيعي.
تلجا الحكومة للاستفتاء أو الاستشارة عندما يتعلق الأمر ببعض بنود الدستور لأنه القانون الذي ينظم حياة الناس في المجتمع ولكنها تتصرف في القطاع العام الذي هو ملك للمجتمع والمجموعة الوطنية بدون الرجوع إليه وتكتفي بالاعتماد فقط على نصائح بعض المؤسسات المالية الدولية. أليس هذا تجاوزا للقانون ؟ أليس من حق المالك أن يمنع المتصرف من اتخاذ القرارات الإستراتيجية المتعلقة بالمملوك في غيابه.
(المصدر: صحيفة « الوطن » (لسان حال الإتحاد الديمقراطي الوحدوي) العدد 25 بتاريخ 7 مارس 2008)
تفاعلا مع دعوة الحوار القومي :
من أجل حوار جدّي فعّال ومنتج بين مكونات الطيف الوحدوي في تونس
محمد الأمين
على مدى الأعداد السابقة لجريدة الوطن استرعت انتباهي دعوات للحوار بين ما أسمته المقالات « الوحدويين في تونس » وذلك من أجل تجاوز الغياب الشبه التام لهذا المكون عن الساحة السياسية للقطر إلا ما تعبر عنه بعض الومضات من بيانات موسمية أو بعض الجهود للاتحاد الديمقراطي الوحدوي
.
لقد بدت لي هذه الدعوات خجولة ثم ما لبثت أن أصبحت ملحة منبأة بـ:
–
ضرورة قصوى لهذا الحوار وذلك من أجل خلق ديناميكية فعالة لهذه الشريحة من المناضلين والتي من المفروض أن تكون الأكثر تعبيرا عن هموم المجتمع والأمة.
–
وجود حركية ما داخل الإتحاد الديمقراطي الوحدوي و ربما خارجه آلت على نفسها المبادرة لدعوة الوحدويين للتلاقي والحوار .
وفي قراءة أولى يمكن أن نلاحظ أن هذه الدعوات قد جاءت والساحة التونسية تتميز بـ:
1.
ضعف الحركية السياسية للوحدويين وعدم تمكنهم من الترويج سلميا و بصفة سياسية لمشروعهم المجتمعي و إقناع الجماهير بجدواه.
2.
انسداد الآفاق التقليدية للتحرك على المستويين النقابي و الشبابي.
3.
التكتلات السياسية الواضحة التي أصبحت تسود الحياة السياسية والمتميزة حاليا بالتشكل لأقطاب واضحة المعالم وهي:
•
القطب الليبرالي الذي يقوده التجمع الدستوري الديمقراطي وينتمي إليه على الأقل كل الأحزاب التي تعلن الالتقاء معه على ذات الأرضية الليبرالية…
•
القطب اليساري والذي يتجاذبه كل من حزبي التجديد والتقدمي و ينتمي إليه مجموعة من الأحزاب اليسارية الغير معترف بها.
•
القطب ألإخواني المتحالف تكتيكيا مع مجموعات متناقضة فكريا والذي يجاهد بكل الطرق-بما فيها استعمال التودد للسلطة والورقات الأجنبية- لإيجاد موطئ قدم في الساحة السياسية العلنية
4.
غياب قطب وحدوي جاد وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية يطول شرحها ويمكن لمثل هذا الحوار فك رموزها.
5.
انتفاء المزايدات التي اعتمدها البعض حيث انخرط الجميع بصفة فعلية ومخالفة لكل ما يقال هنا وهناك من مقارعة للسلطة في العملية التعددية و في التحاليل والمواقف الواقعية ولعل ما جرى و يجري في ساحات مثل المحامين أو الاتحاد العام التونسي للشغل من تماهي مع الواقع إلا الدليل الأكبر على هذا الانخراط .
6.
الجهود الجبارة التي يعمل عليها المناضلون داخل الوحدوي من أجل التمايز مع أركان الحكم دون التنصل من بنود الميثاق الوطني الموافق عليه منذ ما يربو عن العشرين عاما.
وفي هذا الإطار ولأن قدر « التيار القومي التقدمي في تونس » منذ نشأته في منتصف السبعينات سواء عبر أداته الطلابية « الطلبة العرب التقدميون الوحدويون » أو تشكيلاته النقابية المناضلة صلب الاتحاد العام التونسي للشغل وأخيرا عبر مثقفيه و مبدعيه- كان دوما هو صاحب:
–
الاستشعار الآني للمخاطر التي تحدق بالقطر والأمة وبالأولويات النضالية.
–
القراءة السياسية الصحيحة للواقعين القطري و القومي المتمثلين حاليا بالهجمة الشرسة لقوى الرجعية والإقليمية والصهيونية والامبريالية وإنما كذلك بظواهر تنبأ بكل الشرور وهي ظواهر الطائفية العفنة والخيانات العقائدية والمصلحية التي أدت إلى ما أدت إليه من استعانة فاضحة بالاستعمار في العراق وإلى تهرئة المد النضالي في فلسطين الحبيبة و إلى الاستنجاد بالغريب عن الأمة سواء كان بعيدا متنمرا أو جارا متربصا
–
التشخيص الدقيق لحالة التخلف الخطيرة التي يعيشها شعبنا العربي في جميع أقطاره من حيث القدرات الإنتاجية والاقتصادية والابتكارية وذلك في العلاقة مع ميادين الخلق والإبداع والبحث العلمي خاصة التكنولوجي منه.
–
الانتباه الجيد لما آلت عليه مقومات الأمة من محاولات مسخ لهويتها العربية الإسلامية وانحدار مخيف لمكانة اللغة العربية قطريا و قوميا و عالميا خاصة لجهة مساهمتها إنسانيا في نقل العلوم والتكنولوجيا.
–
التعرف على مكامن الضعف المؤدية لهذه الحالة المزرية و المتمثلة أساسا في عدم وجود الديمقراطية الحقيقية والحكم الرشيد و التوزيع العادل للثروة والمشاركة في السلطة ووجود الرجل المناسب في المكان المناسب وأخيرا غياب أي تكامل وحدوي اللهم إلا في المجالات الأمنية مما فوت على أجيال إمكانية الدخول في القرن الواحد والعشرين والفعل فيه.
فانه و مساهمة منه- من جديد – في رفع تحدي العمل العلني دون تخل عن الثوابت و اقتناعا منه بضرورة إيجاد القطب الوحدوي في تونس وذلك بتجميع جل القدرات و الكفاءات الوحدوية المناضلة والصادقة يرى أن هذا الحوار لن يكون مجديا إلا إذا استجاب لبعض النقاط الجوهرية:
1.
أن يشمل الحوار الغالبية العظمى من المنتمين فكريا أو فعليا إلى التيار الوحدوي وأن يبذل في ذلك الجهد الأقصى بصفة مباشرة و إعلاميا من خلال جريدة الوطن والندوات.
2.
أن تكون ركيزة هذا الحوار الاحترام المتبادل على قاعدة أن الوحدويين-كل الوحدويين-يقودون ولا يقادون ويتحالفون ولا يذوبون.
3.
أن تشطب جميع محاولات أو حتى عبارات الإلغاء سواء للذات أو للتاريخ.
4.
أن يكون الهدف الرئيسي للحوار هو إيجاد قطب وحدوي عصري و ذو فاعلية حقيقية على الساحتين القطرية والقومية.
5.
العمل على إيجاد آلية واضحة للحوار ترعاه وتطوره.
(المصدر: صحيفة « الوطن » (لسان حال الإتحاد الديمقراطي الوحدوي) العدد 25 بتاريخ 7 مارس 2008)
بين الحركية و الركود…أي دور للأحزاب السياسية؟
اعداد: نورالدين المباركي
تونس/ الوطن
يعرف المشهد السياسي في تونس حراكا حقيقيا تساهم فيه كافة الأحزاب السياسية كلّ من موقعه وكل حسب قراءته للوضع السياسي… ومع ذلك ثمة من مازال يعتبر « أنّ الركود هو الميزة الأساسية للمشهد السياسي في تونس » وأنّ أداء الأحزاب السياسية في تونس « مازال لم يرتق إلى مستوى الفعل المؤثر« .
ويعتبر هؤلاء أنّ ملامح الحراك السياسي التي بدأت تظهر منذ مدة مردّها المحطات الانتخابية المقبلة.
« الوطن » طرحت وجهة النظر هذه على عدد من الناشطين السياسيين والإعلاميين وهم السادة:
المنصف الشابي (عضو المكتب السياسي للاتحاد الديمقراطي الوحدوي) وصالح عطية (كاتب وصحفي) وعبد الحميد المصباح (ناشط سياسي) والمنصف الشريقي (ناشط سياسي وحقوقي).
وكان من المفروض أن يشارك في هذا الملف السيد محمد القوماني (الحزب الديمقراطي التقدمي) والسيد حسين الماجري (عضو المكتب السياسي لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين) لكنهما اعتذرا في آخر لحظة لأسباب موضوعية.
المنصف الشابي (عضو المكتب السياسي للاتحاد الديمقراطي الوحدوي)
السياسات الدعائية عاجزة على الارتقاء إلى أفق المطلب الوطني
قبل الخوض في توصيف المشهد السياسي التونسي الراهن أريد تقديم بعض الملاحظات العامة حول سير الحياة السياسية في بلادنا.
الملاحظة الأولى تتعلق بما يعتري صورة الساحة من تشويش يمنح حصر التموقعات الحقيقية للقوى السياسية وتحديد أحجامها بدقة واستقراء التفاعلات المحتملة في أفق الاستفهامات القادمة. وهذا التشويش يقوم أولا وبالذات على السياسيات الدعائية التي عادة ما تميل إلى المبالغة في التقييمات الذاتية وكذلك إلى المبالغة في تقييم الخصوم وتأسست على هذه الظاهرة ثقافة حزبية راسخة في الأنانية والنرجسية وعاجزة تماما رغم بعض مظاهر التلاقي على الارتقاء إلى أفق المطلب الوطني والمصلحة الوطنية وهذا الكلام يسري على الجميع دون استثناء وهو يتجسد بصورة واضحة في الخطاب السياسي لهذه القوى. فالحزب الحاكم مازالت أطرافه مترددة بين الانسجام مع خطابه الرسمي الداعي إلى التعددية باعتبارها إحدى آليات النهوض بالساحة السياسية وجعلها عنصرا فاعلا في أفق البناء الوطني وبين التشبث بنزعة الهيمنة على الحياة وتوظيف جميع الوسائل الرسمية والشعبية لغرض منع أي تغير في علاقة القوى داخل الساحة السياسية أو أي تطور قد يفضي إلى فرضية التداول على السلطة.
وللحقيقة يجب أن نقول بأن تطوير حزب بحجم التجمع الدستوري الديمقراطي يتطلب جهدا أو وقتا كبيرين وإن ذلك التطوير بحد ذاته أمر ضروري وأن السنوات الأخيرة شهدت استقطابا واضحا للقوى التي يحتوي عليها هذا الحزب مالت فيه كفة القوى الإصلاحية إلى انتصار على قوى الجذب إلى الخلف وهي مسألة محددة لمستقبل بلادنا وهناك إمكانية جدية لتسريع هذه التحولات الإيجابية التي تجعل من هذا الحزب طرفا سياسيا في التفاعلات الضرورية والممكنة للساحة السياسية التونسية.
أما مصدر التشويش الثاني فهو في بعض القوى التي تمارس خطابا لا يتناسب تماما وأحجامها الحقيقية وتطرح لقواعدها ولعموم التونسيين أهدافا لا تمت للمرحلة بصلة عادة ما تكون مطبوعة بطابع الذاتية وشيء من قصر النظر والروح الحزبية الضيقة.
وهي في أغلب الأحيان مدارس متقاربة الرؤى والمشارب إلى حد يعيه لكنها ترفض لأسباب تاريخية وأخرى شخصية أحيانا أن توحد صفوفها أو أنها تفشل في ذلك. قد يعزي الفشل أحيانا إلى عوامل خارجية.
إن هذه العقلية التي سوف أتعمد الامتناع عن وصفها بأية أوصاف سلبية تمثل عائقا كبيرا في سبيل توحيد ما أمكن توحيده من قوى شعبية قد تمثل قطب تجميع وفعل حقيقي يمثل لتونس القوة البديلة في فرضية التداول على السلطة.
وبمعنى آخر فإذا كان هذا التداول لا يمثل اليوم احتمالا جديا فالمسؤولية في ذلك تعود لطرفين بشكل أساسي أولهما القوى المغالبة في صفوف الحزب الحاكم والقوى « المصعدة » في صفوف المعارضة الوطنية.
ونعود الآن إلى المشهد السياسي لنقول بأنه يزداد تعقدا يوما بعد يوم ويتكسر فيه أمل التجميع على صخور الذاتيات المؤمنة والتحريكات الداخلية والخارجية التي لا تنجو منها أية ساحة سياسية في العالم.
فالحزب الحاكم يمثل رسميا تسعة أعشار التمثيل الرسمي وهو في الحياة اليومية للمواطن يمثل أكثر من ذلك بكثير لأنه يسعى من خلال امتلاكها تملكه للآلة ووسائل الدولة وتقمصه دورها في جوانب لا تحصى من حياة المجتمع إلى التأكيد أن لا أحد يقدر على القيام بهذه الأدوار سواه وهو ما يتنافى مع كل مذاهب التعددية والديمقراطية التين أصبحتا شعاره الرئيسي منذ تحول السابع من نوفمبر. وقد رفضت دوائره القيادية حتى اليوم ولأسباب معلومة جميع مبادرات الحوار من أجل التوصل إلى صيغ تعايش ومشاركة حقيقية في القرار والتسيير على نطاق وطني. أما الاستشارات التي تنظمها السلطة فهي تبدو أحيانا وكأنها مزعجة لبعض دوائر الحزب الحاكم لأنها تفتح الطريق لمشاركة أكبر لقوى المعارضة الوطنية في تسيير الشأن العام ويحدوني أمل كبير بأن ينعكس تغلب قوى الإصلاح على القوى المحافظة داخل الحزب الحاكم إيجابا على المشهد السياسي بالتوصل إلى صيغ حوارية تستند إلى العقل وإلى قوة الاقتراح أكثر من إسنادها إلى قوة العدد.
وفي جانب المعارضة هناك قوى جدية تعمل جاهدة على وضع مخططات ورؤى وطنية ناتجة عن قرارات عميقة للمتغيرات الدولية ولتطورات المحيط العربي والإسلامي والإفريقي وغيرها وهي تصيغ جميع مقترحاتها بوضوح كامل في وثائق وكتب وصحف لا ينكر أهميتها إلا المعتمدون رفض الحقيقة والخائفون من التطورات التي تنتظر بلادنا وتنتظرها بلادنا.
فكيف ينفي العاقل أن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الوحدة الشعبية وحركة التجديد والاتحاد الديمقراطي الوحدوي على سبيل المثال لا الحصر كلها قوى لا تملك بدائل ولا تقدر على تقديم الاقتراحات الوجيهة ولا تقوى على التعبئة الواسعة ومخاطبة الشعب التونسي بما يتوافق مع طموحاته الشرعية وأحلامه أو أن تتحمل مسؤولية المشاركة الفعلية في القرار الرسمي في أفق إصلاحي ضيعه ثلاثين سنة من نشأة بعض هذه الأحزاب تأسست نخبة سياسية جديدة معارضة ووطنية عريقة في التجربة والاقتدار لا يحق لأي كان أن يشكك في مصداقيتها أو أن يدعي بأنها عقيمة أو أن ينعتها بما تتلفظ به بعض رموز المشهد السياسي الوطني من الفاظ ونعوت مشينة إزاءها وقد أثبتت المناسبات الانتخابية الماضية حسن بصيرة قيادات هذه الأحزاب فاحتلت جزءا مما تستحق مجالس التمثيل الشعبي وهي اليوم تخوض معركة إعلاء صروحها وبنائها بوسائل متواضعة وهناك أيضا بعض القوى التي لا تفصلنا عنها سوى مسافات قصيرة في فهم القضايا الجوهرية كالالتزام الوطني والاختيار القومي وحتى الوحدوي. والأهداف السياسية المبنية على المطلب الديمقراطي والاجتماعية المطالبة بالتوزيع العادل لثمار الجهد الوطني والثروة الوطنية.
ونحن من جانبنا نفضل النظر إلى الساحة الشائعة التي تجمعنا وهذه القوى بالرغم من أنها تصر على التمسك ببعض نقاط الاختلاف والمبالغة في إبرازها منحا لسبل الحوار. فهذه القوى اختارت تكتيكا آخر للوضع القائم فأعلنت المواجهة. نافية عن النظام القائم وعلى الحزب الحاكم أية توجهات إصلاحية ورافضة الاعتراف بما تم إنجازه في بلادنا من إصلاحات عميقة استهدفت البنى والعقليات والثقافات مقدمة صورة سوداء عما نعيشه مستندة إلى بعض البؤر الراسبة من الماضي البائد وحالمة بوتائر نمو لا يقوى عليها سيرنا بحكم الجغرافيا والتاريخ وضعف الوسائل وإذا شاركناها الرأي بأن أخطاء عديدة ارتكبت فإن الوقت قد حان لأن تنظر بجد إلى ما تحقق ونبحث عن سبل اللحاق بالركب وهو يسير لا أن نمعن في الخطأ والشتيمة لأن ذلك لن يحل مشاكلها ولن يعوضها عن شيء مما خسرته من وقت ومن فرص حضور ومساهمة حقيقية في صناعة المشهد الوطني التونسي ولا أستثني هنا القوى التي لم تتحصل على تأشيرة العمل القانوني فرغم اعترافي لها بأدوارها التاريخية والحالية ورغم اعتقادي أن لها الحق بأن تعمل في إطار القانون وبكل أريحية إلا أنني لا أعتقد أنها ستضيف شيئا كبيرا للمشهد السياسي الوطني إذا استثنينا مجموعة تونس الخضراء التي تحمل مشروعا حقيقيا حضاريا وسياسيا وبالمحصلة فإني أعتقد أننا نسير في اتجاه الاستحقاقات القادمة بصفوف متفرقة وقد يكون ذلك مفيدا في المدى المتوسط كما أنه سوف يكون من المفيد جدا أن تعطي الفرصة للقوى المحرومة من تأشيرة العمل القانوني بأن تنزل بصورة فعلية إلى ساحات الصراع السياسي حتى نتبين حجمها الحقيقي وتحتل ما يحق لها أن تحتله مساحة في المشهد السياسي الوطني لا أن تكون حوانيت مغلقة لا يعلم محتواها إلا الله.
ولكن التمشي الوطني يفرض علينا جميعا أن يرتقي في هذا المشهد السياسي إلى توجيه قواه لأننا بلد صغير لا يتحمل تشتت القوى الفاعلة فيه ولا يتحمل تصور الصراعات إلى أبعد من حدود معلومة ومتحكم فيها بصورة واضحة وصارمة إن لزم الأمر لأن الانزلاق نحو المجهول والذي نلاحظ تطوراته الخطيرة في عديد الأقطار العربية هو أمر سهل أما الخروج منه إلى النور فهو ما لا يضمنه أحد وليس لبنان الشقيق وعراق الدماء والدموع وصومال التمزق والاندثار سوى أمثلة صارخة على ذلك.
بقي أن نقول إن مسألة اللجوء إلى شهادة الأجنبي على أوضاعنا الداخلية والاستناد إليه في مواجهة السلطة وفتح الأبواب أمامه ليكون حاضرا في أهم أحداثنا الوطنية فكلها مسائل مرفوضة ونحن نختار أن نرد عليها بالنصيحة لا بالتنديد والشتيمة يجب أن يتوقف العمل بهذه الأساليب وأن ننظر إلى بعضنا نضرة بناءة فإذا كنت اختلف عنك فخذ مني ما تراه صالحا وإذا كنت ترى أنني لا أصلح لشيء فلعل نظرك هو الذي يحتاج إلى الإصلاح والمراجعة. فأصلحه وراجعه اعتبارا بتجارب الأسبقين الآخرين وحتى الأجنبيين الذين أتقنوا فن التوحد وتخطي العقبات الذاتية.
أما النقطة الاخيرة التي أود الحديث عنها فهي تتعلق بالتيار الإسلامي وهو يطرح عندي إشكالا كبيرا جدا. فأنا مسلم والناس كلهم في بلدي مسلمون فما الذي يميز الغير عني في الدفاع عن الإسلام في بلد مرجعيته الإسلامية واضحة في قوانيينه وفي حياته اليومية وحتى في هندسته المعمارية أم أن البعض يريدون استمالة العواطف سبيلا لاعتلاء سدة الحكم.
إني لا أمانع من أن يشمل الحوار الوطني من يمثلون هذا التيار حتى لا يشعروا بالغبن ولا يتمترسوا في قناعات وأساليب عمل لا تمت بشيء إلى المصلحة الوطنية ولكنني قلت في أكثر من مناسبة وأعيد القول أن لهذا الحوار شروطا أولها أن تكون أوراقه مكشوفة وأن يكون الالتزام بنتائجه كاملا وليعلم من أراد ذلك إننا لا نتأخر في أحزابنا وفي اجتماعاتها ومؤتمراتها وعلى أعمدة صحفها عن واجب الدفاع عن الدين الإسلامي الحنيف أيمانا واختيارا لا قصرا وعنوة كما تفرض الديانات والمظاهر الدينية في ما يحيط بنا من عوالم عصيبة ومتقلبة.
تلك هي بعض ملاحظات الشريعة حول توظيف المشهد السياسي في تونس وبعض الآراء الخاصة بآداء القوى السياسية (وليس الأحزاب) اعتقادا منا بأن القراءة العامة تهيئ لقراءات خصوصية ربما تتوفر لنا فرصة قادمة للخوض فيها.
صالح عطية (كاتب صحفي)
المشهد السياسي في حاجة إلى مزيد تفعيله
ليس بوسع أي مراقب نزيه للوضع السياسي، أن يتحدث عن وجود ركود سياسي في البلاد، على العكس من ذلك تماما، ثمة حراك واضح، يطفو حينا ويخبو حينا آخر، لكنه حراك موجود ولافت أيضا … الأمر يتوقف عند مفهوم » الركود »، فإذا كنا نقصد بذلك وجود مأزق في العلاقة بين السلطة وأحزاب المعارضة، أو بعض مكونات الساحة السياسية، فهذا ما لا يمكن إنكاره، بل إن السمة المميزة للسنوات الثلاث الماضية، هي الركود في هذا الاتجاه نتيجة غياب أي علاقة أو أية آلية حوار جادة وفعالة بين السلطة والأحزاب السياسية المعترف بها، أما إذا كان المقصود بالركود عدم وجود أي نشاط أو فعل سياسي لأحزاب المعارضة، فهذا تقييم غير دقيق، فهناك فعاليات وحراك في جميع الأحزاب تقريبا، وإن بدرجات متفاوتة، فثمة اجتماعات وندوات وموائد مستديرة إلى جانب صدور بيانات ومواقف من قضايا وطنية وعربية ودولية، بل إن المشهد السياسي عرف خلال السنوات القليلة الماضية تشكل تحالفات هنا وهناك، ومشاورات ثنائية وثلاثية وفعاليات سياسية وفكرية مشتركة، وهو ما يعني أن موضوع الركود في المشهد السياسي، لا معنى له في هذا السياق.
الجدير بالذكر والمثير للانتباه في المشهد السياسي الوطني، هو حالة الاستقطاب الثنائي الموجودة بين الحزب الحاكم / السلطة، وتحالف 18 أكتوبر/ الحزب الديمقراطي التقدمي، وهو استقطاب زاد في إضعاف عدد من الأحزاب المكونة للمشهد السياسي، خصوصا تلك التي اصطبغت مواقفها بالتردد أو الديماغوجية السياسية أو الانتهازية، تحت عنوان جذاب : « الموالاة » … وهو وضع تسبب في نوع من الخلل في المشهد الحزبي، على الرغم من وجود بعض الأحزاب من خارج تحالف 18 أكتوبر، التي شكلت لنفسها خطابا مغايرا ومواقف جادة، أقرب للاعتدال والوسطية، منه لنوع من الاصطفاف خلف أحد طرفي الاستقطاب، أو ادعاء نوع من الحياد والاستقلالية المزعومة، ومن بين هذه الأحزاب على وجه التحديد، حركة الديمقراطيين الاشتراكيين والاتحاد الديمقراطي الوحدوي اللذين يعرفان نوعا من التمايز عن باقي الكائنات الحزبية الأخرى…
من هنا، فالحديث عن الركود، يصبح حديثا بلا جدوى سياسية، اللهم إلا إذا كان المقصود، حصول شغب ومعارك وصراعات كدليل على عدم وجود ركود في حياتنا السياسية، وهذه – في الحقيقة – من الأمور التي لم تعد مؤشرا لوضع سياسي صحي حتى في التجارب الديمقراطية ذاتها.
وضعنا السياسي حينئذ في حراك، لكنه حراك بطيء بسبب أمرين اثنين :
•ضعف بعض الأحزاب من الناحية التنظيمية والهيكلية، ومن جهة شعبيتها وتأثيرها الاجتماعي والسياسي…
•استمرار السلطة في التعاطي غير السياسي مع الوضع السياسي، بذرائع مختلفة، على غرار الحفاظ على الاستقرار ومكافحة الإرهاب ومقاومة ما يوصف بـ
» النزعات الميّالة إلى التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية » … وهي ذرائع مفهومة لكنها لا يمكن أن تفسر التضخم في مستوى المعالجة الأمنية لملفات سياسية بالأساس …
وعلى هذا الأساس، فالمشهد السياسي يبقى بحاجة إلى توفر جملة من العناصر لمزيد تفعيله، خصوصا مع اقتراب الاستحقاقات الرئاسية المقبلة، ومن بين هذه العناصر :
1-مزيد انفتاح الإعلام الوطني، المستقل والمعارض، على الرأي والرأي الآخر، بعيدا عن أية وصاية أو انتقاء…
2-دخول الحزب الحاكم ( التجمع الدستوري الديمقراطي) على خط التجاذب والمماحكة السياسية مع بقية الأحزاب الموجودة، بعيدا عن أي تعال، ربما أضر استراتيجيا بالمشهد السياسي، سيما وأن التجمع الدستوري، يتوفر على خبرة ضخمة وتجربة جد ثرية، وبإمكانه إدارة اللعبة السياسية بشكل شفاف وواضح وبأكثر فعالية …
3-تطوير القوانين المنظمة للحياة السياسية بشكل يسمح بتعددية حزبية أكثر فعالية…
4-فتح المشهد الإعلامي ( السمعي والبصري)، لمختلف التعبيرات الحزبية القانونية بعيدا عن أي إقصاء أو حسابات سياسوية..
5-إيجاد آلية حوار وطني بين جميع مكونات الساحة السياسية على أجندة واضحة، بينها تطوير المشهد السياسي نحو مزيد من » لبر لته » في جميع الجوانب، الإعلامية والقانونية والسياسية .. في مقابل رفض » العكاز الخارجي » تحت أي مبرر أو ذريعة…
وفيما يتعلق بأداء الأحزاب، فهو يخضع لعدة عوامل ومعطيات منها حجم الحزب ومرجعيته ومدى شعبيته واصطفافه الإيديولوجي أو السياسي، إلى جانب الدور الذي حدده لنفسه في المشهد الوطني، والأجندة التي ضبطها لتحركه، بالإضافة إلى علاقته بالسلطة … من هنا يمكن » تصنيف » أداء الأحزاب على النحو التالي :
– حزب حاكم قوي، ومهيمن سياسيا وشعبيا على المشهد السياسي.
– أحزاب تقف على طرف نقيض مع التجمع الدستوري، شعارها إعادة النظر في قواعد اللعبة السياسية بالبلاد، عبر نوع من القطيعة مع الحكومة، وأجندة مطالب تقفز على الواقع السياسي باتجاه التأسيس لمنظومة قوانين وعلاقات وشروط فعل سياسي مغاير، لكنها أجندة تبدو طوباوية في بعض مكوناتها وحيثياتها ..
– أحزاب تحرص على أن تمسك العصا من وسطها، بشيء من البراغماتية، وبعيدا عن أي ارتماءه ضمن هذا الفريق أو ذاك، على الرغم من نعتها بـ » الموالاة« …
– أحزاب تبدو هويتها شديدة الارتباط بالسلطة، وتحرك ضمن أفق محدد، وفي سياق » ميكانيزم »، هي نتاج له ورقم فيه وليست لاعبا يتوفر على هامش من الاستقلالية في القرارات والمواقف والتحركات … أحزاب هي جزء من أزمة المشهد السياسي، ولا يمكن أن تكون طرفا فاعلا في تحريكه …
وفي خصوص الاستحقاقات الرئاسية والتشريعية القادمة
– في الحقيقة ثمة تصوران للاستحقاقات الانتخابية القادمة … تصور ينطلق من رؤية إصلاحية، تعتبر أن تعديل القانون الانتخابي، واعتماد القائمات بالنسبية بدل الأغلبية ، وتقليص عدد الدوائر الانتخابية وضبط مكاتب الاقتراع بحيث تسمح بتوفير » رقباء » من أحزاب المعارضة، وفتح الانتخابات الرئاسية لترشحات عديدة وغير محسوبة، واعتماد نوع من الشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية، كل ذلك يمكن أن يجعل من الاستحقاقات الانتخابية القادمة، المقررة في خريف العام 2009، موعدا يؤسس لمرحلة سياسية في البلاد، يمكن أن تؤدي لاحقا إلى التداول على الحكم.
– وثمة تصور ثان، يجعل من محطة 2009، المبتدأ والمنتهى للوضع السياسي، فهي إما أن تفتح باب التداول على الحكم، وفقا لشروط وآليات وقواعد لعبة جديدة تقطع مع الأسلوب الممارس حاليا، وإما أن تكون مجرد موعد انتخابي قانوني، تجري بواسطته إعادة إنتاج نفس المشهد السياسي بمكوناته وثقافته وتحالفاته وتوازناته.
– أضف إلى ذلك، فإن مشروع القانون الانتخابي » الاستثنائي » الذي يجري إعداده صلب الحكومة بخصوص شروط الترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية، سيكون محددا للمحطة الانتخابية القادمة، سواء باتجاه تفعيلها وجعلها موعدا مهما لجهة تحقيق » انتقال ديمقراطي حقيقي » – كما يوصف من قبل عديد الفعاليات السياسية – أو باتجاه استمرار نفس الشروط الراهنة، وبالتالي الإبقاء على المشهد الحالي بمكونات وموازين القوى فيه وخطابه وعلاقاته وتحالفاته…
– شخصيا وبحسب المؤشرات المتوفرة حاليا، لا أتوقع فرزا جديدا للمشهد السياسي، قد يحصل حراك انتخابي موزع بين مشروع وغير مشروع، وقد تبرز بعض الأحزاب بحسن إعدادها التنظيمي والهيكلي لهذه الاستحقاقات، بشكل يسمح لها بأن تكون أكثر فعالية خلال مرحلة ما بعد الانتخابات.. لكن أن ينتج الموعد الانتخابي القادم، تغيرا في المشهد الحزبي، فذلك من المستبعد، لأن الأمور مرتبطة بمدى النضج الحاصل صلب الحكومة و « حزب الأغلبية » و »المعارضة الراديكالية » و » معارضة الموالاة » والتيار الوسطي في المشهد السياسي…
عبد الحميد مصباح (ناشط سياسي)
الاختلاف في وجهات النظر دليل على وجود فعل سياسي يستوجب التقييم
تسارعت خلال المدة القليلة الماضية وتيرة الجدل حول موضوع تقييم الوضع السياسي على الصعيد الوطني/الداخلي ارتباطا بما شهدته وتشهده الساحة السياسية من حراك وتجاذب تباينت فيه وجهات النظر بين مختلف المتابعين والمراقبين.
مشهد سياسي ديناميكي
من المهم الإشارة في البداية إلى أن حالة الحراك التي يعرفها مسرح الجدل السياسي في تونس، تعتبر علامة صحية وشهادة سلامة بالنسبة للمسار السياسي، ذلك أن اختلاف وجهات النظر وحتى تباينها يقيم الدليل على وجود فعل سياسي يستوجب التقييم. ووجود مناخ سياسي ديمقراطي يوفر إمكانات الإجهار الحر بالتقييم.
فالإقرار العلني والصريح بوجود مناخ سياسي منغلق. إقرار يحمل في ذاته دعائم دحضه، ذلك أن من التوابع الأصلية للمشهد السياسي المنغلق عدم القدرة على الإجهار بالقول بانغلاقه.
ولقد كان للقرارات الرئاسية الأخيرة، المعلنة بمناسبة عشرينية التحول دور مهم في مزيد تكريس البناء الديمقراطي التعددي، ومزيد الدفع بإسهام القوى الوطنية المعارضة في رسم ملامح مجتمع الغد.
هذه القرارات التي نحن على يقين من أنها ستتبع بأخرى سائرة في نفس الاتجاه خاصة مع ما عرف عن الأنموذج التونسي في التسيير السياسي من سير مندرج ومتناسق نحو الأمام.
في ذات السياق، من الواجب الانتباه إلى أن القوى والحساسيات والأحزاب الوطنية المؤمنة بالخيار الديمقراطي التعددي مطالبة اليوم بأن تتحمل مسؤولياتها في حماية مشروعها المجتمعي، وتحصين المكتسبات الحضارية التي ضحى من أجلها أجيال من التونسيين على مر تاريخ تونس الحديث والمعاصر.
وكقوة وطنية معارضة فإننا نؤمن بأن إمكانات مزيد تعهد الوضع السياسي بالإصلاح مسألة ممكنة بل ومتأكدة، بالنظر إلى أهمية الإصلاح السياسي والانفتاح على المختلف في ديمومة استقرار المجتمعات وبالنظر إلى تسارع انساق التحولات وما يستوجبه ذلك من تسريع في نسق الإصلاحات.
في مقولة معارضة الموالاة
بداية فإن مصطلح « الموالاة » يعتبر مصطلحا غربيا عن توصيفات الساحة السياسية في تونس إلى مدة زمنية قريبة، وهو توصيف مستورد نزع من سياقه السياسي والحضاري الأصلي ليتم إسقاطه على مشهد سياسي تونسي لا يمت بأي صلة للواقع الأصلي الذي نشأ فيه التوصيف من حيث الخصائص « الأثنية »/الطائفية. ومن حيث مركزية وفاعلية السلطة السياسية ومن حيث استقلالية القرار الوطني ومن حيث وجود تقاليد للتعايش السياسي بين الاختلافات.
والأصل في الأمور أن المعارضة لا يمكن أن تكون موالية للسلطة أو للحزب المظطلع بالحكم. لأن ذلك من شأنه أن ينزع عنها الخاصية الأصل لوجودها والأداة الرئيسية لفعلها وتأثيرها السياسي.
ومقابل ذلك فإن المعارضة لا تعني العدائية « تجاه السلطة » « والقطيعة السياسية والتنظيمية » مع هياكل الدولة والسعي المتواصل لإيجاد مرتكزات توتير للساحة السياسية سواء بالافتعال أو بالتضخيم، واستغلال الثقة المهتزة نسبيا من طرف مجموعة كبيرة من التونسيين في إعلامنا الوطني لتمرير بذور التفرقة والتشكيك سواء في سلامة المسار السياسي أو في مناعة النسيج المجتمعي.
فالشرط الأصلي لممارسة المعارضة، بل للممارسة السياسية على العموم، سواء من موقع السلطة أو من موقع المعارضة هو « الولاء المفرد لتونس ». وهو الشرط الذي ستتحدد به وانطلاقا منه كل السلوكات الآتية، فكل ممارسة سياسية في نظرنا تظل مشروطة بوجوب انصهارها ضمن هذا السياق الأصل وبالتالي فإن تقييمها يجب أن يكون مستندا إلى قاعدة عامة أصلية وهي مدى الاندراج من ثابت « الولاء للوطن مفردا« .
وبالتالي إن في اشتراط قاعدة « الولاء للوطن » كشرط أساسي للتفاعل بين القوى السايسية من شأنه من حيث المبدأ أن يوسع في نطاق الاشتراط لكن ذلك وللأسف قد يجعل النطاق أكثر ضيقا بالنسبة إلى البعض.
ومن هذا المنطلق، فإننا لا نرى اعوجاجا في مشهد سياسي أساسه سلطة سياسية ومعارضة وفاقية، طالما كانت السلطة السياسية سلطة وطنية. وطالما كانت وفاقية المعارضة مؤسسة على المبدئيّة .
وأعتقد أنه ليس من الصعب الانتباه إلى أنّ ما يوصف اليوم « بأحزاب الموالاة » كانت الأكثر انتظاما وانسجاما ومبدئية في مواقفها. فقد اختارت (اختيار حر) أن تنظم للمشروع السياسي الوليد الذي تأسس مع التحول فساندته كما سانده الجميع تقريبا. وأمضت الميثاق الوطني الذي عصفت به بعد قوى التظليم وظل خطابها ثابتا كما ظلت مواقعها ثابتة نسبيا من مختلف القضايا وطنيا وإقليميا ودوليا.
إن كثيرا من موردي شعار الموالاة وحتى تخليهم عنها (الموالاة) انتقالهم إلى الراديكالية مازلنا إلى اليوم في انتظار الاطلاع على المرتكزات النظرية الإيديولوجية والمفهومية لهذا التحول.
وفي هذا السياق فمن المهم التساؤل » أي من هذين المشهدين يصح نعته بالغريب؟
مشهد أول تؤثثه سلطة سياسية ساعية لاستقلال قرارها الوطني مؤمنة بالمدنية والحداثة جادة في اتجاهها نحو تكريس الديمقراطية والتعددية ومعارضة وفاقية مدنية التوجه حداثية التصور ديمقراطية البرامج؟
أم المشهد الثاني وشخوصه تحالف بين يسار حداثي، علماني، مدني… ويمين من منظوره أن الديمقراطية بدعة والعلمانية كفر والتحديث إحداث (الإحداث مخالفة السلف).
المنصف الشريقي (ناشط سياسي وحقوقي)
من أجل فتح أفق للتنمية سياسية حقيقية
يشهد الوضع السياسي حراكا يبدو مرتبطا باستحقاقات 2009 ولكنه أعمق بكثير من ذلك فالمشهد السياسي ومنذ 2004 على الأقل، شهد تغييرا ملحوظا.
فمن جهة السلطة وبعد مرحلة من تشنج العلاقة بينها وبين بعض أحزاب المعارضة القانونية ومنظمات المجتمع المدني المستقلة، لاحظنا أن هذا التشنج بدأ يهدأ قليلا وأخلى مكانه لبعض محاولات المعالجة السياسية وفي هذا الإطار تندرج المساعي لفض ملف الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والسماح بعقد مؤتمرات حزبي التجديد والديمقراطي التقدمي وفض إضراب نجيب الشابي كما أن أحزاب المعارضة تصدر جرائدها وتنتقد السلطة كل من موقعه كما أصبحنا نسمع ونقرأ عن وعود للسلطة بتنقية الحياة السياسية لا سيما بعد أحداث سليمان التي أقنعت أن الإجراءات الأمنية على نجاعتها غير كافية. وأيضا بمناسبة الاستعداد لاستحقاق 2009.
ولكن والحق يقال فإن التشنج مازال يطبع معالجة بعض الملفات والحراك لم تسفر عنه إجراءات عملية إلى حد الآن.
ومن جهة المعارضة فإن الحراك فيها قد أفضى إلى تغيير الاستقطابات التي عرفناها في 2004. ويمكن القول أن المشهد يمتاز ببداية تشكل قطب للأحزاب المتحالفة مع السلطة. وهي ترى أن بتحالفها ذاك يمكن أن تساهم في تنمية الحياة السياسية ولكن فعلها مازال لم يثمر ما يؤكد منهجها ويضفي عليه المصداقية.
أما قطب 18/10 فهو مولود جديد ما إن تأسس حتى شق صف الحركة الديمقراطية والتقدمية. بل لعل مكوناته حاولوا ذلك حتى قبل التشكل حين لم يساندوا مرشح المبادرة الديمقراطية في رئاسية 2004 السيد محمد علي الحلواني بل اعتبروه « مرشحا علي القياس« !
لقد فرضت مكونات 18/10 إضراب الجوع بمناسبة قمة المعلومات وفاجأتنا بتأسيس هيأتها ومنتداها، وتضم ليبراليين ويساريين وإسلاميين وتطورت من « وحدة عمل » حول ثلاثة مطالب للحريات إلى تحالف دائم حول مطالب سياسية. وهذا التحالف إنما يندرج ضمن تصور أمريكي أوروبي لتقديم الإسلام المعتدل « كجزء من الحركة الديمقراطية بعد الإفراج عن مناضلين وتمكينهم من مكان في الواقع السياسي.
وقد أراد أن يظهر كتحالف معارضة راديكالية ولكن ذلك لم يتجاوز الشعارات وطرق العمل الفردية البطولية الاستفزازية.
وقد تقدم منه مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي برئاسية 2009 السيد أحمد نجيب الشابي دون سابق إعلام ودون نقاش حتى مع حلفائه وذلك لوضع الجميع أمام الأمر الواقع مثلما وضعهم في إضراب الجوع.
ولكن « الزعيم » أحمد نجيب الشابي استفاد من الدعم الأمريكي الأوروبي ممن يعتبرهم « أصدقاء الحرية وأصدقاء تونس »! ومن هيئة 18/10 ليتقدم لرئاسية 2009 ببرنامج ليبرالي ويميني وشعبوي وفي إطار ما يطرحه داعموه من القوى الهيمنية، من ضرورة إيجاد حركية بمناسبة الانتخابات 2009.
أما المبادرة الديمقراطية التي تأسست بمناسبة انتخابات 2004 فهي تمثل جبهة سياسية انتخابية أرادت أن تكون معبرا عن الحركة الديمقراطية في مستوى البرنامج والهدف وطرق العمل الجماهرية فجلبت إليها طيفا عريضا من الحركة الديمقراطية والتقدمية. ولكن ما إن خطت الانتخابات رحالها حتى تعثرت المبادرة لما أرادت أن تكون نواة القطب الديمقراطي الدائم المبادرة/الإتلاف. ثم تعطل المسار لما دخل التجديد في تحضير مؤتمره… ومنذ انتهائه لم تقدر مكونات المبادرة/الإتلاف على التقدم وهي تناقض قضايا تمس تشخيص الوضع السياسي ونوعية التحالف وأهدافه وبرامجه ولربما تثمر حراكا فعالا نسبيا.
ولا يمكننا أن نغفل فاعلين جديدين في المشهد السياسي والذين أصبح لهما تأثير ملموس في الحياة السياسية.
أولهما القنوات الخليجية الظلامية التي أصبحت من القوة بمكان بحيث أحدثت ردة فكرية في مجتمعنا وهذا انعكس حتى على الأحزاب والشخصيات ولو بدرجات.
أما الفاعل السياسي الثاني فهي السفارة الأمريكية والتي أصبحت « تتدخل في شأن البلاد الخاص دون تورع ماسة السيادة الوطنية ». وأصبح عديد الوجوه من 18/10 وغيرهم يحجون إليها لكي يتناولوا أوضاع البلاد بالنقاش والتقييم! ولكن المتحمسين لهذا المسار الغريب عن الحركة الديمقراطية والتقدمية قد أصابهم الإحباط بعد أن عرفوا أن البلدان الأقوى في العالم إنما تقف في صف السلطة القائمة بعدما أنجزته من مشاريع استثمارية أجنبية جبارة ومن مقاومة فعالة للإرهاب!
وإذا كان ميزان القوى تراجع للسلطة اليوم فإنه يزيدها مسؤولية في تمثل الوضع وربطه بالمحيط الدولي لإيجاد الإجراءات السياسية الكفيلة بتنمية الحياة السياسية بالفعل لتحصين البلاد والعباد.
إن لمّ الحركة الديمقراطية أمر صعب اليوم ولكنه ليس مستحيلا. فالمهمة هي تجميع كل القوى الديمقراطية والتقدمية المؤمنة بنمط الحكم الجمهوري تحسبا لأعدائه وخاصة من الإسلاميين ممن يطرحون بديلا فاشيا متخلفا بالدين ويتسلون إلى الحركة الديمقراطية عن طريق 18/10 والفضائيات السوداء والانترنت… ويلقون الدعم الأمريكي والأوروبي والرجعي العربي.
تجميع كل القوى الديمقراطية والتقدمية المؤمنة بضرورة إصلاح النظام السياسي وفتح باب المشاركة للأحزاب المدنية وذلك من أجل دعم العلمانية: بتحرير الحياة السياسية وتحرير الدين من أي توضيف وتفعيل المؤسسات…
تجميع كل القوى الديمقراطية والتقدمية المناهضة للإمبريالية والصهيونية والرافضة للبدائل التي تحاك في السفارات وعن طريق الشبكات الدولية.
تجميع القوى الديمقراطية والتقدمية المؤمنة بالجمهورية الديمقراطية كبديل حد أدنى وببرنامج للحريات.
ونحن نرى أنه في الإمكان إدراج هذا البرنامج وهذه الأهداف ضمن حركيته وبمناسبة انتخابات 2009 ولكن من الضروري أن تتجمع كل القوى الديمقراطية والتقدمية حول خطة عمل مباشرة تهدف إلى التقدم بمقترح إجراءات ملموسة تسهل الترشح للرئاسة ومجلس النواب والبلديات وتوفر الحد الأدنى من الضمانات لإجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة تليق بتونس التي سوف تكون محط أنظار العالم سنة 2009.
ورغم الاضطراب الذي أحدثه السيد أحمد نجيب الشابي بترشحه المسقط والمتسرع إلا أنه من الضروري تجاوزه لأنه لا يمثل الديمقراطية ولا السيادة الوطنية ونحن ندعو كل القوى المؤمنة بالديمقراطية والتقدمية إلى الالتفاف حول أرضية ديمقراطية دنيا هدفها توفير ظروف مناسبة للمشاركة في الانتخابات المقبلة علها تعطي بصيصا من الأمل وتجمع أبناء الوطن المؤمنين بقيم الجمهورية الديمقراطية حتى يحصنون بلادهم ضد التعصب والجمود والتخلف ضد العمالة والاستبداد والإرهاب فيفتحون أفقا لتنمية سياسية حقيقية.
(المصدر: صحيفة « الوطن » (لسان حال الإتحاد الديمقراطي الوحدوي) العدد 25 بتاريخ 7 مارس 2008)
المشهد السياسي في تونس : مخاطر الانغلاق وترشحات الأزمة …
المفاوضات في قطاع التعليم العالي
جلسات تفاوض أم جلسات استماع ؟
قررت الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، دعوة مجلسها القطاعي للانعقاد يوم الثامن من مارس الجاري، لتقييم سير المفاوضات مع سلطة الإشراف، واتخاذ التدابير اللازمة التي تكفل التوقيع على اتفاق ثنائي حول جملة من المطالب المادية والمهنية..
تأتي دعوة المجلس القطاعي للانعقاد، بعد يومين من جلسات العمل التي التأمت بين مسؤولين من وزارة التعليم العالي والجامعة العامة وذلك يوم الأربعاء 27_02_2008
ووصف السيد سامي العوادي، الكاتب العام للجامعة العامة للصحافة في أعقاب اجتماعه بمسؤولين في وزارة الإشراف، اللقاء بـ « التقني »، باعتباره شمل جملة من القضايا والمطالب المادية التي كانت النقابة تقدمت بها إلى الوزارة قبل فترة.. ومن بين المسائل التي تم طرحها، موضوع إحداث منحة تكاليف بيداغوجية، والترفيع في منحة الإنتاج، بالإضافة إلى الترفيع في المنحة الكيلومترية ومراجعة طرق احتساب الساعات الإضافية وسعرها..
وقد كان الوفد النقابي سلم الوزارة ملفا مفصلا تضمن شرحا مدعما بالحجج القانونية والمسوغات الاقتصادية الضرورية التي تبرر مثل هذه المطالب، سيما المادية منها..
وأوضح الكاتب العام للجامعة النقابية، أن المسؤولين في وزارة الإشراف، أبدوا الكثير من التفهم لهذه المطالب، من دون أن يعلنوا موافقتهم أو رفضهم لها، لكنهم وعدوا بإحالة الملف إلى السلطات العليا لإبداء الرأي فيه لاحقا، على حدّ قوله..وقد تمسّك الطرف النقابي بضرورة تقديم الوزارة للردود على المطالب في اقرب الآجال وقبل انطلاق المفاوضات الاجتماعية..
وعلى الرغم من جهود الوفد النقابي للتعرف على موقف الوزارة بخصوص هذه المطالب، وتحديد موعد قبيل انطلاق المفاوضات الاجتماعية، والتوصل من ثمة إلى توقيع اتفاق مبدئي ثنائي ينهي التباينات الموجودة، ويغلق الملف المطلبي للجامعيين، فإن الوفد الوزاري تمسك بإحالة الملف إلى دوائر القرار..( انظر جريدتي الصباح والشروق بتاريخ 1مارس2008)
والحقيقة أن هذه المستجدات تثير فينا بعض الأسئلة والملاحظات التي تلخص بشكل ما ردود الفعل التي يمكن تسجيلها في الوسط الجامعي
1) يتخذ هذا التفاوض بالصيغة المعروضة علينا شكلا غريبا إذ أن الاقتراحات المقدمة من قبل الهيكل النقابي لم تجد لها أي رد فعل لا ايجابي ولا سلبي لدى الطرف المقابل الذي اكتفى بالتسجيل وكأننا صرنا أمام حصص للاستماع لا للأخذ والعطاء
2) لا احد يفهم معني كلمتي دوائر القرار فهل هي وزارة التعليم العالي أم الوزارة الأولى أم جهة أخرى غير معلومة ؟ وماذا يعني صمت الوزارة ؟ فهل صارت وزارات الإشراف تفاوض النقابات بالنيابة عن جهات أخرى بحيث لا تقدر والحال تلك أن تمتلك أي سلطة للإدلاء برأيها فيما يخص المطالب المقدمة ؟
3) إذا افترضنا أن هذه الجهة غير المعلومة هي الحكومة نظرا إلى أن المطالب المقدمة تتضمن مفعولا ماديا لا يمكن أن يناقش إلا ضمن المفاوضات الاجتماعية فان مفهوم التفاوض بالوكالة يثير قضية اكبر وأعمق وهو صلاحية النقابات القطاعية للتفاوض أصلا إذ أن المفاوضات مع الحكومة هي من صلاحيات الاتحاد العام لا الجامعات أوالنقابات العامة هذا من جهة ومن جهة أخرى هل أن التطور العام للنشاط النقابي في تونس وفي ظل الزيادات الممنوحة بعنوان تلافي تدهور المقدرة الشرائية سيقود عمليا إلى تهميش القطاعات لصالح المركزية النقابية التي يسهل التفاهم معها إن لم نقل السيطرة عليها . ولقد نوقش هذا الموضوع بحدة في المؤتمر الأخير للاتحاد بالمنستير وعبرت كثير من النقابات عن مخاوفها من أن يقود هذا الوضع إلى مزيد من المركزية التي لا تخدم البتة حيوية المطالب القطاعية المسنودة بالنضال القاعدي
4)إذا كانت المطالب الخاصة المقدمة من قبل الجامعة العامة ستناقش فعليا ضمن المفاوضات العامة فان الجامعيين يخشون أن تهمل تماما أو في أفضل الأحوال تهمش و يقع الالتفاف على جوهرها
5)هل يمكن أن يأمل الجامعيون بإفرادهم ببند خاص ضمن الاتفاقية العامة للزيادات في قطاع الوظيفة العمومية ؟. قد يحدث ذلك وهو أمر ايجابي بلا شك ولكنه وعلى فرض وقوعه فان المستفيد منه أكثر هي وزارة الإشراف لأنه سيجنبها توقيع اتفاق ثنائي مع الجامعة العامة وهو ما يعني اعترافا رسميا قانونيا وإداريا بها هذا من جهة ومن جهة أخرى فان الإمضاء على اتفاق ثنائي على فرض وقوعه سيثير بلا شك مشكلة تقنية تتعلق بالأسلاك التي ستشملها الزيادات وبالرتب أيضا لان تعدد النقابات داخل الجامعة (وهو تعدد وهمي تحرص عليه الوزارة )يمنعها عمليا أن تقر للجامعة العامة بتمثيليتها لكل مكونات الجسم الجامعي التي سيشملها الاتفاق في جوانبه المادية والمعنوية لان إقرارها بذلك سيعني عمليا نهاية خرافة الأطر المزيفة التي خلقتها الوزارة ومكنت لها لمزاحمة الهيكل القانوني والشرعي الوحيد الممثل للجامعيين والتشويش عليه
6)إننا لا نفهم معنى بلاغ الوزارة الصادر عقب جلسات التفاوض الذي ذكر » أن اللقاءات التي تمت مع الممثلين لنقابات التعليم العالي، جرت في مناخ طيب ساده الارتياح من جميع الأطراف » إننا لا نفهم معنى هذا الرضا الجماعي فاذا كانت النقابات الممثلة منها والصورية تقدمت بمشاريع مختلفة بل أحيانا متناقضة على حد اطلاعنا فلأي منها ستستجيب الوزارة .إن المنطق يدعونا إلى القول أنها إذا اختلفت في ما بينها فلا يمكن أن يكون أكثر من واحد من بينها مقنعا ومقبولا ولكن يبدو أنها كلها مقبولة في نظر الوزارة لأنها في الواقع تمارس نوعا من التفاوض التجميلي التجاملي الذي سيمكنها من الانسحاب من أي اتفاق ثنائي أو غيره بل الأفضل إذا استجابت لأي مطلب مهما كان نوعه أن يكون ذلك منّة منها لا نتاجا لحراك نقابي .
إن الحاصل من علاقة الجامعة العامة بوزارة الإشراف رفض للحوار صريح عندما تعني المسألة قضايا غير مالية فلقد تصرفت الوزارة في كل شيء بمفردها وآخر حلقات هذا السلوك الأحادي صياغتها للقانون التوجيهي للتعليم العالي بمفردها وعرضه للمصادقة على مجلسي النواب والمستشارين برغم كل الانتقادات الموجهة اليه من المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومن الجامعة العامة ومن الأساتذة المستقلين عن ايعازات الإدارة أما عندما تعني المسالة مطالب مادية فان الانسحاب من الحوار يتخذ شكلا معقدا بعض الشيء فهي من جهة تستجلب نقاباتها الكارتونية بالتوازي مع الجامعة العامة كي لا تقرّ للجامعة بتمثيليتها لكامل الجسم الجامعي وهو ما يمكنها من عدم الالتزام بعد ذلك بوجهة نظر واحدة مستخدمة في ذلك منطق هم كلهم يمثلون فكيف استجيب لواحد منهم يدعي احتكار التمثلية ؟ وهي في اختيارها لمفاوضيها تتجنب دائما أن تكون الجلسات بحضور الوزير مما يمكّن المفاوضين من السكوت والاختفاء وراء حجة الإحالة على سلطة القرار، كل ذلك في جو من التعتيم والغموض ومن التقديرات المتشائمة التي تجعل من زيادة خاصة قطاعية خارج الزيادات العامة ضربا من المستحيل الذي لا تقبله التوازنات المالية الحالية في ظل الزيادة الخيالية لأسعار المحروقات والحبوب وفي النهاية تصاغ جلسات الحوار في قوالب معلبة محلاة بصيغ الارتياح والاطمئنان وتساق لاستهلاك الجامعيين والرأي العام ترقبا لشيء قد يأتي أولا يأتي … وفي انتظار ذلك فليصبر الصابرون.
لكل ذلك فإننا نعتقد انه ما لم تحل مسالة التمثيلية داخل الجامعة وما لم تأخذ هذه المفاوضات شكل التفاوض الحقيقي الذي يقوم على تبادل المقترحات من قبل مفاوضين مفوّضين ملء التفويض فان وزارة الإشراف ستظل تتعامل مع جلسات التفاوض بينها وبين الجامعة العامة باعتبارها مسالة ديكورية تنتهي دائما بنفس الألفاظ التي تعودنا عليها وبنفس اللغة المتخشبة التي مللناها « وعبرت كل الأطراف عن ارتياحها للأجواء التي سادت اللقاءات « . الكل مرتاح و الكل راض ودار الجامعة كدار لقمان على حالها .
عبدالسلام الككلي
الزكام أصاب حرية الرأي والتعبير السليم حسبنا الله ونعم الوكيل
منانة تقيم لطمية لشلومو بدل الحسين
الشؤون الوطنية
متابعات «الشروق»: حلم «التوحيد» يُراود القوميين من جديد
* تونس ـ الشروق: طفا خلال المدّة الأخيرة حديث وجدل بين مختلف الفصائل والاطراف ذات المرجعية القومية والعروبية على خلفية المبادرة التي أعلن عنها الاتحاد الديمقراطي الوحدوي الرامية الى مد جسور الحوار والتواصل والتفكير في أرضية مشتركة لتوحيد الفعل السياسي القومي في تونس. ويوجد اقرار ضمني وصريح يتناقله حتى قيادات مختلف التيارات القومية أن الفعل السياسي القومي في تونس ما يزال محتشما ومحدودا بالرغم من تجربة الاتحاد الديمقراطي الوحدوي الذي نشأ كاطار للتعبير والمشاركة السياسية العلنية للقوميين وعلى الرغم من مرور عقدين على التأسيس فإن «الاتحاد» بقي عاجزا عن فعل الكثير في اتجاه تجميع كل القوى القومية بل على العكس من ذلك شهد في الكثير من الحالات مسارات للتراجع ناجمة عن خروج عدد هام من الكوادر التي التحقت به ومنها على وجه الذكر السادة فرج منصور وهشام بوقمرة ومنصف لسود وابراهيم بودربالة والفقيد الميداني بن صالح، اضافة الى مواصلة عزوف تيارات اخرى عن الالتحاق بـ «الاتحاد» الذي لم تجد فيه الجاذبية الكافية نتيجة التشكيكات التي رافقت النشأة وعدم الايمان بجدوى العمل السياسي العلني وفي اطار المؤسسات.
* تسرّع واسقاط واعتبر عدد هام من المتابعين لمسيرة «الاتحاد الديمقراطي الوحدوي» وحتى من المنضوين فيه أنه كان تجسيدا لرؤى مُتسرعة وكان في بدايته فكرة مغلوطة اذ كان الاصل ان يجتمع كل «القوميين» وعلى اثر حوار معمّق يقع ضبط الاطار السياسي الموحّد للنشاط وهو ما لم يتم عند التأسيس في 26 نوفمبر 1988 حيث بدا «الاتحاد» لدى العديد من التيارات القومية أمرا مُسقطا قاده عضو سابق في اللجنة المركزية للحزب الحاكم. وكنتيجة لذلك حافظت تيارات عديدة بعثية وقومية ناصرية وقومية يسارية على طابعها في العمل السرّي وضمن منظومة «الخلايا» البعيدة عن أعين الرقابة والفعل السياسي العلني. غير أن تبدّلات الوضع السياسي في البلاد اليوم والذي يتجه نحو المزيد من الانفتاح قد يكون افقد هؤلاء منهجية العمل السري وربما سيُعيدهم الى الواجهة من جديد بحثا عن فرص للعمل السياسي القومي الفاعل وانهاء لحالة التجاذب والصراع على الزعامة الذي حكم نشاطاتهم لعقود طويلة. على أن عديد المتابعين يرون أن «ارث العمل السري» الذي فُرض على مختلف التيارات القومية خلال فترة الحكم البورقيبي نتيجة لحالات القمع والاعتقالات والمنع على خلفية الصراع البورقيبي ـ اليوسفي والبورقيبي ـ الناصري (جمال عبد الناصر) على وجه الخصوص، يحتاج الى مُبادرة جريئة وشجاعة تقطع مع ذلك التقليد ومع تلك الممارسة وتدفع الى العمل العلني بما توفر اليوم من آليات ووسائل لذلك العمل.
* تفاعلات وانتظارات وفي هذا الاطار علمت «الشروق» أن أحد ابرز التيارات القومية (التيار القومي التقدمي) الى جانب وجوه قومية بارزة في الجهات ونخب وطنية عبّرت عن تفاعل ايجابي مع مبادرة «الاتحاد الديمقراطي الوحدوي» التي يقول أصحابها انها لا تنطلق من ارضية القانون الاساسي للحزب بل من رغبة في وجود عمل مشترك بين كل التيارات بعيدا عن كل مظاهر الاحتواء او الزعامة او القيادة، عمل مشترك يتطلع الى رسم أرضية مشتركة بين كل التيارات والفصائل القومية. كما أن التيار القومي الناصري الذي يتزعّمه عميد المحامين الاستاذ بشير الصيد قد يكون بعض الناشطين فيه عبّروا عن تفاعل ايجابي مع المبادرة خاصة وهي لا تشترط اللحاق بفضاء الحزب القانوني الموجود حاليا.
* امكانيات جديدة ويرى عديدون ومن بينهم قوميون ان العمل العلني سيمنح «مرجعيتهم» امكانيات جديدة للفعل السياسي الناجع، ناهيك أن تجربة العامين الماضيين التي قادها الامين العام الحالي السيد أحمد الاينوبلي أوجدت قدرة على التحاور القومي الوحدوي حتى مع تيارات وأحزاب ذات مرجعيات اخرى في اطار تجربة اللقاء الديمقراطي والتنسيق مع حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ومع اشعاع عربي عبر انتخاب امين عام الوحدوي نائب رئيس مؤتمر الاحزاب العربية الذي يضم 10 أحزاب قومية عربية. ويقول متابعون لـ «الشأن القومي» إن نجاح مثل هكذا مبادرات «توحيدية» بين القوميين التونسيين سيجعل من المبادرة فريدة وأولى على مستوى عمل الاحزاب والتيارات القومية العربية داخل بلدانها، ويُوجد الكثير من المؤشرات عن مزايا «التوحّد» بالنظر الى اوضاع عربيّة عامة مليئة بالتحديات واستحقاقات وطنية سياسية هامة ستقدم عليها البلاد في المرحلة المقبلة. «العود على البدء» والاقرار الضمني بعجز الاتحاد الديمقراطي الوحدوي بالنظر الى التراكمات التي خلّفتها ظروف النشأة والميلاد قد يكون من أكبر الممهدات لحوار قومي ـ قومي واسع يحترم الخصوصيات ويدفع الى ايجاد فعل سياسي قومي في مشهد سياسي يحتاجه.
* خالد الحداد
* الاينوبلي: الأمّة والوطن في حاجة اليوم الى فاعل سياسي لا الى منظر فكري!
أكّد الاستاذ احمد الاينوبلي الامين العام للاتحاد الديمقراطي الوحدوي أن المبادرة «التوحيدية» لا تخضع الى أية شروط أو أرضية فكرية أو سياسية مسبقة، وأن هذه الارضية مُوكلة لكل الاطراف والتيارات القومية التي هي في حاجة اليوم الى أن تجلس مع بعضها لتفعيل دور القوميين وعملهم السياسي. وأضاف الاينوبلي: «ليست هناك مُصادرة لأي رأي أو فكرة، وليست هناك اشتراطات هناك دعوة للحوار والتواصل والتفكير في تعزيز الحضور السياسي في تونس». واعتبر الاينوبلي في تصريح لـ «الشروق» أن القوميين اليوم في حاجة الى أن يوحّدوا فعلهم السياسي وأن يتجاوزوا خلافاتهم الايديولوجية، لأن الأمّة في حاجة الى فاعل سياسي وليس الى منظر فكري، وقال ان ذلك ممكن في تونس في ظل انفتاح النظام السياسي الوطني على التعدد السياسي بما في ذلك الوجود القانوني للتوجّه القومي الوحدوي…». وأضاف المتحدّث: «مبادرتنا جاءت استجابة للواقع السياسي الوطني والقومي… وهي منطلقة من المقولة العنوان للزعيم الراحل جمال عبد الناصر: «ان لكل عربي أن يدخل في كل حساب او ان يسقط من كل حساب» ونحن نقول أن العقل السياسي القومي الموحّد مُمكن بعيدا عن الاستكانة وتهميش الذات والتقوقع خلف متاريس الخلافات الايديولوجية والفردية الضيّقة، فالمبادرة مفتوحة لكل الفصائل والقوى الوحدوية والنخب الموجودة بكل تفصيلاتها الايديولوجية ودون اقصاء «لنجتمع ونتحاور ثم نقرر معا ما نتفّق عليه في اطار ديمقراطي».
(المصدر: جريدة « الشروق » (يومية – تونس) الصادرة يوم 9 مارس 2008)
التعددية السياسية في تونس… إلى أين؟:
حوار مفتوح بين د. زهير المظفّر وعشرات من المستقلين والمعارضين والتجمعيين
التعريب بين المسعدي ومزالي
لفائدة حقوق الإنسان..
مشاهد من صمود الغزاويين والتفافهم حول مقاومتهم
الحكومة الفلسطينية في غزة تثمن موقف ليبيا الرافض لإدانة المقاومة في مجلس الأمن
الشهيد علاء أبودهيم …
تعامل معه اليهود … بوحشية واحتقار فقرر الرد في المكان نفسه
القدس المحتلة – محمد جمال
قالت صحيفة معاريف العبرية إن منفذ العملية الاستشهادية في القدس المحتلة، هو الشاب « علاء هشام أبو دهيم » من منطقة جبل المكبر بالقدس، ويبغ من العمر 20 عاماً، وكان يعمل سائق في المدرسة التي نفذت فيها العملية.
وكما يبدوا من التحقيقات الأولية ان طلاب متعصبون تعاملوا معه بوحشية واحتقار فقرر الرد في المكان نفسه وتحداهم في عقر دارهم .وحسب الصحيفة، فإن عائلة الشهيد فتحت بيت عزاء للشهيد في بيته، ورفعت رايات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على البيت. ولم تعلن مسئوليتها عن العملية لكنها باركتها وأكدت أنها تأتي رداً طبيعياً على العدوان.
ووفق الصحيفة، فإن الشهيد أبو دهيم، كان معتقل لدى قوات الاحتلال قبل شهرين من تنفيذ للعملية، بسبب الاشتباه بانتمائه للمقاومة.وكانت قوات كبيرة من شرطة الاحتلال وطواقم التحقيق والمخابرات داهمت مساء الخميس منزل المواطن هشام ابو دهيم الواقع في حى المدارس بجبل المكبر في القدس المحتلة.
وقالت الصحيفة ان ابو دهيم وهو من مواليد عام 1982 ويحمل هوية مقدسية يحمل معه رشاشاً اوتوماتيكياً من نوع كلاشنكوف و6 مخازن ذخيرة، دخل الى المدرسة بكل سهولة وصعد الى المكتبة واتخذ مكانا بين خزانات الكتب واخذ يطلق النار في كل اتجاه حتى انتهت ذخيرته.
وبعد ان قتل وجرح العشرات حاول الانسحاب الا ان ضابط في الجيش الاسرائيلي تقدم نحوه واصابه, وبعدها وصل مندوبان من المخابرات الاسرائيلية واجهزا عليه.
القناة العاشرة من التلفزيون الاسرائيلي حصلت على شريط مسجل لمحادثة هاتفية بين احد التلاميذ ووالده، وكان التلميذ يهمس همسا ووالده يطلب منه رفع صوته الا ان التلميذ الخائف قال لوالده على الهاتف النقال « يا ابي اذا ارفع صوتي سيسمعني المخرب ويقتلني ».
بعض التلاميذ قفزوا من نوافذ الطابق الثاني للمدرسة فاصيبوا بكسور وصفتها مستشفى هداسا عين كارم بأنها اخطر من اصابات الرصاص.
و أكدت كتائب أحرار الجليل تبنيها للعملية وسردت حقائق من خلال بيان عممته على وكالات الانباء المحلية قالت فيه قامت مجموعة من احرار الجليل بتخطيط العملية وتوفير السلاح اللازم لها ورصدت وجمعت المعلومات والسلاح ووفرت اللوازم اللوجستية.
وجاء في البيان : » تعرف نشطاء احرار الجليل على الاستشهادي وهو ناشط سابق من حماس ( إلا أن الأساس في التعارف ان منفذ العملية كان على علاقة صداقة بالشهيد احمد محمود الخطيب من كفر مندا وهو منفذ عملية طعن لجندي في شوارع البلدة القديمة في القدس السنة الماضية وهو عضو في كتائب احرار الجليل ). مع التأكيد ان حماس في غزة لم تكن تعلم بالعملية ابدا وعلى ما يبدو ان الجهاز العسكري لحماس في الخارج هو الذي تولى التنسيق.
وأكدت أحرار الجليل أنها لا تريد اعلان اسم الفصيل الثاني المشارك في العملية لان الاعلان يجب ان يكون من طرف ذلك الفصيل وفق الظروف الامنية والسياسية التي يراها مناسبة.
واقتحمت قوات الاحتلال منزل عائلة ابو دهيم في جبل المكبر والذي يعمل سائق باص عمومي مع شركة اسرائيلية, واعتقلت افراد عائلته وعددا من أقاربه وزملائه السائقين .
ولفت التلفزيون الإسرائيلية إلى أن مائتي مستوطن كانوا في المدرسة لحظة تنفيذ العملية الاستشهادية.
واعتبر محللون إسرائيليون أن العملية من أعقد العمليات الاستشهادية التي نفذت في الأراضي المحتلة عام 48، مرجحين بقوة أن تكون كتائب القسام هي التي نفذتها نظراً لأن أسلوبها مشابه لتخطيط الكتائب. ووصفت مصادر العملية بالكبيرة جداً وقالت إن الجنود انتشروا في محيط المكان بكثرة.
وقال المفوض العام لشرطة الاحتلال إن العملية تأتي بعد هدوء كبير في القدس، ولم يسبقها أي إنذار أمني. وعقب العملية فرض الاحتلال حصاراً مشدداً على معظم المدن بالضفة الغربية. مكان تنفيذ العملية أعطى لها أهمية بالغة، حيث إن المدرسة المذكورة « يشيفات مركاز هراف »، قد تأسست من قبل الراف أو ما يسمى بـ »الحاخام الأكبر » الأول للدولة بعد قيامها، وهو الراف « أفراهام يتسحاك هكوهين كوك »، في العام 1924، كمركز روحاني، « الصهيونية الدينية »، يعمل على دمج التوراة مع ما يسمى « نهضة شعب إسرائيل » في البلاد. وتعتبر المدرسة اليوم أحد أكبر مراكز التوراة في البلاد، ويسكنها المئات من الطلاب، في جيل 18- 30 عاماً، وهم يؤدون الخدمة العسكرية في الجيش.
وتسلم رئاسة المدرسة بعد وفاة مؤسسها « تسفي يهودا » الذي يعتبر الأب الروحي لحركة « غوش إيمونيم » العنصرية الاستيطانية. وقد تخرج من المدرسة المذكورة كبار قادة المستوطنين والرابانيم في المستوطنات. حيث تخرج منها عضوا الكنيست السابقين « حنان بورات »، و »حاييم دروكمان »، العنصريان. والأخير يترأس مدرسة دينية تدعى « أور عتسيون » قرب الخليل ».
كما تخرج من المدرسة « إلياكيم ليفانون »، وهو الراف الأكبر لمستوطنة « ألون مويه » المقامة على الأراضي الفلسطينية قرب نابلس. وكذلك الراف « دوف ليئور »، راف مستوطنة « كريات أرباع » في الخليل ».
وقال خبير عسكري إن المهاجم اختار هدفه بعناية وقد استطاع اقتحام مدرسة من المسلحين اليهود. واعتبر أن العملية تؤكد للمجتمع الإسرائيلي أنه ليس ببعيد عن رد المقاومة على مجازر غزة.
(المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 8 مارس 2008)
أمريكا تعطي الضوء الأخضر للتفاوض مع حماس بوساطة مصرية
بروكسل (رويترز) – تواجه وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس ضغوطا منذ شهور للتعامل مع حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وفي الاسبوع الماضي أومأت لمصر كي تتفاوض مع الحركة لانهاء العنف في قطاع غزة.
ويرى محللون أن هذه أول علامة على أن ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش قد تغير نهجها مع حماس من العزل الكامل الى تشجيع دول حليفة مثل مصر كي تتعامل مع الجماعة الاسلامية اذا كان الهدف من ذلك هو انقاذ محادثات السلام التي ترعاها الولايات المتحدة.
وبدأت مصر محادثات يوم الخميس مع زعماء في قطاع غزة من حماس والجهاد الاسلامي في اطار مساع تدعمها الولايات المتحدة لترتيب هدنة بين الجماعتين واسرائيل لوقف العنف في القطاع الذي تديره حماس والذي أخرج محادثات بشأن الدولة الفلسطينية عن مسارها.
وقتل مسلح فلسطيني ثمانية أشخاص في مدرسة دينية يهودية في القدس يوم الخميس مما زاد من التوترات. وقالت اسرائيل ان الهجوم لن يخرج محادثات السلام عن مسارها.
وأثناء زيارة للضفة الغربية واسرائيل الاسبوع الماضي رفضت رايس أن تدعو رسميا الى وقف لاطلاق النار وفضلت بدلا من ذلك أن تشير الى » تهدئة » كي يتسنى للمحادثات أن تعود الى مسارها.
لكنها أوضحت يوم الخميس أن واشنطن تؤيد المهمة التي تضطلع بها مصر لترتيب هدنة وهو مؤشر على أن دور الوساطة الذي تقوم به القاهرة مقبول اذا كان في وسعه انقاذ المحادثات التي بدأت في أنابوليس بولاية ماريلاند في نوفمبر تشرين الثاني الماضي.
وقالت رايس في مؤتمر صحفي في بروكسل حيث تحضر اجتماعا لوزراء خارجية الدول الاعضاء في حلف شمال الاطلسي « تحدثت مع المصريين ونتوقع أن يقوموا بالجهود التي قالوا انهم سيقومون بها لمحاولة تحقيق تهدئة في المنطقة وتحسين الوضع في غزة. »
وأضافت « كما تعرفون.. مصر حليف جيد في هذه الجهود لمساعدة (عملية) أنابوليس (السلام بين اسرائيل والفلسطينيين) وانا على ثقة أن ما يفعله المصريون يتفق تماما مع هذا السياق. »
ويقول محللون متخصصون في شؤون الشرق الاوسط ان الاستراتيجية تقضي بعدم دفع حماس لان تشعر بأنها أكثر استهدافا وانما باشراكها في العملية.
وقال البروفسور شبلي تلحمي وهو خبير في جامعة ماريلاند « في النهاية اذا وجهت رسالة بأن اللعبة هي تدميرها فانها ستتحرك (بالعنف) في كل مرة يكون هناك احتمال للمضي قدما في المحادثات. »
وقال ان الولايات المتحدة يجب أن تشجع الدول العربية على أن تقوم بوساطة بين حماس وحركة فتح التي يتزعمها عباس.
وقال المفاوض الاسرائيلي السابق دانييل ليفي ان رايس لا تستطيع أن تغفل أن حماس قد تتحرك كطرف يسعى لافساد المحادثات التي تأمل ادارة بوش أن تؤدي الى اتفاق بشأن دولة فلسطينية بنهاية العام.
وأصاف ليفي الذي يعمل الان مع مركز أبحاث نيو أمريكا فاونديشن « انكم تخاطرون بتجاهل غزة وحماس. »
وتابع قائلا انه من غير المرجح أن تنحسر قدرة حماس على التأثير على المفاوضات سواء باطلاق صواريخ من غزة على اسرائيل أو بأي أعمال أخرى.
وقال « المسار الاكثر ترجيحا هو أن حميع الاطراف ستنتظر ببساطة التصعيد التالي الذي سيأتي حتما وأن عملية أنابوليس الجديدة للسلام ستعاني من موت بطيء. »
وفي الاسبوع الماضي لاقى أكثر من 120 فلسطينيا حتفهم في هجوم على قطاع غزة تقول اسرائيل انه يهدف الى منع الهجمات الصاروخية التي تشنها حماس. وتقول حماس انها تطلق الصواريخ دفاعا عن النفس وانها ستتوقف اذا أوقفت اسرائيل نشاطها العسكري في غزة والضفة الغربية المحتلة وأنهت حصارها لغزة.
وقبل اجتماع أنابوليس في العام الماضي والذي أطلق من جديد عملية السلام كتبت مجموعة تضم دبلوماسيين سابقين ومسؤولين أمريكيين كبارا لرايس والرئيس الامريكي جورج بوش لحثهما على ايجاد طريقة لضم حماس.
ولكن رايس ومسؤولين اخرين في الادارة رفضوا الاقتراح صراحة.
وبينما أعطت رايس موافقة لمصر للتعامل مع حماس فان واشنطن لا تريد أن تعطي شرعية لجماعة تنعتها بأنها ارهابية. وقال مسؤول أمريكي كبير ان سياسة الولايات المتحدة العامة بشأن عزل حماس لم تتغير.
وتأمل الولايات المتحدة أن يلمس سكان غزة مزايا الانضمام لقطار السلام فور توقيع اتفاق بين عباس المؤيد للغرب وأولمرت لاقامة دولة فلسطينية.
وقالت رايس « لندع حماس تقرر ان كانت تفضل أن تكون خارج ذلك التوافق. »
من سو بليمنح
(المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 8 مارس 2008)
فوضي في الجامعات التركية بعد السماح بارتداء الحجاب
تظاهرات وعرائض من كل نوع، تجمع للاساتذة ورفض للتعليمات الجديدة
صراع حضارة الدمار والدمار الشامل ضد بقية الحضارات الاخرى
تطبيقات الفيزياء والكيمياء وعلوم الاحياء … في الحروب أشد إرعابا
عبدالباقي خليفة (*)
يعرض الدكتور أنس كاريتش في كتابه النفيس » مقالات بوسنية » جملة من الافكار حول » الحوار الفلسفي بين الاديان عوضا عن صراع الحضارات » و « مسؤولية العقل و اللامسؤولية لدى بعض المفكرين المعاصرين » و غيرها من المواضيع الفكرية الهامة بعمق كبير ، مرتكزا على توافقات معالمية في دنيا الفكر الانساني وهو بالتالي لا يغرد خارج السرب وإنما اختار السرب الذي يغرد فيه أو من خلاله بعد تعدد الاسراب على الرغم من محاولات الهونتيغتونية المدججة بالأدلجة المسلحة أو الأسلحة المؤدلجة .
يبدأ الدكتور كاريتش بعرض أفكاره في كتابه الجديد ( 333 صفحة من القطع الكبير ) بثقة متناهية معترفا بانجازات العلم وقيمتها إلا أن ذلك لم يمنعه من توجيه النقد في الجوانب التي يراها طغت على المعقول فهو يشير إلى أننا « نعيش في عصر طبع العالم فيه باختراعات العقل البشري ومنتوجاته بشكل لم يشهده من قبل ،لذلك يسمى عصرنا الشامل « العصر الحديث « و »ما بعد الحديث » و »المدنية التقنية « و »عصر نهاية التاريخ » … إلخ . و على كل حال فإن أقل قاسم مشترك لكل تلك التعابير هو حكم وسيادة العقل العلمي للانسان على الارض » . و يرى الدكتور كاريتش أن أشكالا معينة من العقل تجاوزت المعقول والقدر المناسب من الجرعات وفق حالة العالم الذي شبهه بالانسان » لم يغتصب هذا الشكل العقلي أشكالا أخرى للعقل البشري فحسب ، بل اغتصب أيضا جميع الاشكال الاخرى للوجود الانساني . أصبح العقل العلمي والتقني قاضيا على كافة الاشكال الاخرى للعقل البشري ، وكل الاشكال الاخرى لكينونة الانسان ووجوده » . و يهدف الدكتور كاريتش في مناقشته لهذه القضية إلى لمس صفة واحدة بتعبيره من الصفات الكثيرة للعقل العلمي ، ألا وهي » استهتاره العالمي » .
ويجد الدكتور أنس كاريتش أن » تطبيقات الفيزياء والكيمياء وعلوم الاحياء … في الحروب أشد إرعابا ، فقد عشنا في القرن العشرين وحده حربين عالميتين وقنبلتين ذريتين ، بينما فاق عدد التجارب السلمية لهذا السلاح أكثر من ذلك بكثير » . ويرى أن العقل لم يتوجه لامعان النظر في الاخطار والبحث عن حلول » وعلى كل حال لسنا بحاجة هنا إلى إجراء توصيف لهذه الاشكاليات ، والعجيب هنا ،حقيقة هو أن هذه المشاكل معروفة لكن الحلول مجهولة ،وهي غير معروفة للقسم الاعظم من البشرية وعلى الأقل لا يجري البحث عن الحلول بمسؤولية إضافة إلى عدم توجه العقل المسؤول للبحث عن ذلك » . ولا يقتصر ما يسميه بالاستهتار على التقنية بل العلوم الانسانية أيضا » نحن ننطلق هنا من إفتراض أن الاستهتار العقلي للعلوم الحديثة شامل ، في العلوم الانسانية والعلوم الطبيعية على حد سواء ، وأصبح هذا الاستهتار قدر الانسان اليوم وأكثر ، ليتجاوز حدود العالمية » . والمأخذ الآخر الذي يسجله هو أن « التقدم العلمي واضح في كل مكان ، لكن دون أن يصاحبه تقدم اخلاقي أو كما قال تيودور آدورونو من صناعة القوس والسهام إلى صناعة القنبلة الذرية تم في الحقيقة إحراز « تقدم » لانه بهذه القنبلة يمكن قتل أعداد كبيرة من البشر أي أن المشكلة تكمن في غياب التقدم الاخلاقي للبشرية « .ويضرب أمثلة أخرى على استهتار العقل ( العلمي ) لعصرنا الحاضر الذي من المقدور متابعته بوضوح في العلوم الاجتماعية » إن نظرية صاموئيل هونتيغتون عن » صراع الحضارات » . تعمل مراكز قوى كثيرة على الترويج لها اليوم بشكل هجومي في وسائل الاعلام العالمية . إن ترويجها يشابه اللامسؤولية ذاتها في ترويج النظريتين الفاشية والشيوعية في القرن العشرين » . ويعتبر الدكتور كاريتش أن الصيغ الثقافية التي تبرر الصراع وتؤكده أو تقبل به غير مسؤولة » تعتبر نظرية » صراع الحضارات » لا مسؤولة تجاه جميع مرافق الحياة الانسانية . وهي هجومية بشكل مشابه للنظرية الفاشلة عن » صراع الطبقات » والاكثر من ذلك إن نظرية هونتيغتون تمثل صدى بعيدا للحزن على الازمنة المتصفة بثنائية العالم السياسية والاقتصادية و لعقائدية … والتي نشأت على أنموذج التقسيمات القديمة للعالم ، « إلى الاغريق والبرابرة » و » المتمدنين والمتوحشين » إلخ » .
ويرى أن هونتيغتون من مدرسة العلماء الذين يتأملون تاريخ العالم ويقرؤونه من خلال » عدسة الصراع » البائسة الضيقة ، لذلك فإن المروجين له اليوم في أميركا ليسوا سوى أناس ختمت عقولهم بمنطق » الحروب الباردة » وفي الجهة الاخرى يرحب به الشيوعيون السابقون و يستقبلونه كزوج محترم لأنه يؤكد مجددا على أن العالم مؤلف في الحقيقة من صديق عالمي واحد وعدو عالمي واحد وقد قام أنصار هونتيغتون على منح الاسلام دور العدو العالمي على أية حال » . إلا أن هونتيغتون كما يشير الدكتور كاريتش » له في ذلك أسلاف ، فمنذ حوالي ثلاثين عاما ظهرت في الغرب ولا سيما أمريكا مجموعة من العلماء من ذوي النفوذ في العلوم الانسانية وغالبيتهم من المؤرخين وفلاسفة التأريخ وضعوا هدفا أساسيا لأنفسهم هو « الكهانة » و » التنبؤ » بالتطورات المستقبلية » للتأريخ العالمي » إلا أن هؤلاء ليسوا بأولئك « المستقبليين »أو « علماء المستقبل » المشهورين من قبل ، والذين كان منهم الكثيرين في أمريكا ومناطق أخرى ، بل هم علماء يحتلون مناصب رفيعة في مؤسسات التخطيط والدراسات الاستراتيجية » ويشرح ذلك بالقول » تابعت هذه المجموعة من العلماء بدقة وانتباه » إضافة إلى التخطيط والتشجيع » انهيار الامبراطوريات الشيوعية الكبيرة أو الصغيرة وظهرت خلال عشرين سنة مجموعة ضخمة من المؤلفات التي وجهت مسارات تحرك أمريكا والعالم » . ويتساءل » فهل نشأ عالم أحادي القوة ؟ ، إذا كان الجواب نعم فكيف يمكن التحرك في عالم أحادي القوة ، في عالم بلا قطبين للانحياز إلى أحدهما ، وهل من الممكن قيام عالم القوة الواحدة ، وكيف يمكن منع العالم من التحول إلى عالم آحادي العنف » ؟ . هذه بعض الاسئلة التي عمل عليها الكثيرون حتى قبل هونتيغتون مثل فرانسيس فوكاياما في كتابه » نهاية العالم والرجل الاخيرحيث أطلق فيه نقاشا عن » نهاية التاريخ » فاشتهر بذلك شهرة واسعة في أمريكا ، ولأن هذا الكتاب منح بين سطوره دورا قياديا لامريكا ، قائلا بأن أمريكا هي القوة التي » تنهي تأريخ العالم » و لكنها أيضا القوة التي » تعبد طريق ما بعد التاريخ » ذلك » العالم الجديد » . و منح أمريكا دور القائد الجديد لاجتياح العالم في المستقبل .
وعن ذلك يقول » إن فرضيات فوكوياما متفائلة ومتشائمة في آن واحد و أصبح مشهورا لأن الامريكيين ( و غيرهم كذلك ) يفضلون قراءة الرسائل المتفائلة في كتابه . لكنه مثل هونتيغتون و كثير غيره لم يطرح أسئلة كثيرة ، و لم يقدم إجابات موفقة لكثير من الاسئلة ، أو بالاحرى لم يقدم إجابات أصلا » . و تابع » إن الصفة العامة لفرضية » صراع الحضارات » هي في الحقيقة إعطاؤها صفة البديهية و الطبيعية تماما كما كانت نظرية » صراع الطبقات » بديهية فهي ابتداء و بشكل بديهي صحيحة ، و تم تسويق فرضية » صراع الحضارات » على أنها الحل الوحيد الممكن للعصر في القرن الواحد و العشرين و ما بعده » .
لماذا ينظر صناع فرضية » صراع الحضارات » إليها بهذا الشكل ؟ يجيب الدكتور كاريتش » لأنهم مدعومون بوسائل الاعلام ، ولأنهم يروجون بلا مسؤولية » لصراع الحضارات » ليس على إنها الروئ للكثير من روئ المستقبل ، بل مروية لقدر لا يتغير ! و كأنه يقال لنا : إن » صراع الحضارات » قادم لا محالة ، و إنه المصير الذي يصيبنا جميعا ، لذلك فلا خيار ولا مخرج لنا ، وعلينا التصرف كما تعاملنا أيام الاشتراكية و الشيوعية ، فإما نحن متقدمون أو أننا متخلفون ، إما نحن برجوازيون أو أننا طبقة عمالية كادحة ، إما أننا سندخل إلى الجنة الشيوعية أو أننا لن نكون … لا يوجد خيار ثالث ، و لا يوجد خيار رابع ، بكل بساطة لا خيارات » . و ينصح بأن لا يقرأ هونتيغتون كما أراد هو أن يقرأ » لا يجب قراءة هونتيغتون بالطريقة التي يقترحها هو لقراءته ، لأنه يرغب أن يكون منظرا لواحدة من النظريات السياسية – التأريخية ، التي ستغير الالفية بين ليلة و ضحاها . ينبغي التصرف و العمل بها دون السؤال عن صحتها ، و بشكل أقل عن مصداقيتها و مسؤولية افتراضاتها ، فاخترع للغرب عدو مميت كالاسلام أو الكونفوشيوسية أو ( حتى الآن ) الصين الشيوعية ، و الارثوذكسية أو حتى البوذية النائمة » . إن من يقرأ هونتيغتون – كما يقول – بهذه الطريقة ( فإن كان من المسلمين على سبيل المثال ) و » من يعتقد بأن الغرب هو كما صوره هونتيغتون فإنه يرضى أن تتم قراءة الاسلام والكونفوشية و البوذية … بعيون هونتيغتون . وبهذا يتم إسداء خدمة وتسويق لفرضيات هونتيغتون . و هكذا في الحقيقة يقرؤه الكثير من المسمين بالمسلمين المتطرفين الذين ظهروا على خريطة » صراع الحضارات » المؤمنين بأنه قاب قوسين أو أدنى من بدايته » ! يظهر التناقض في نظرية هونتيغتون بوضوح جراء احتفاله بنهاية العالم ثنائي القطب ، وكذلك يشاهد التضارب أثناء نظرته بتشكك كبير عند رؤيته لنجاح وانتشار وشجاعة النماذج الديمقراطية في أرجاء العالم الاخرى ، في مناطق الاتحاد السوفياتي الشيوعي السابق ، ثم في في بلدان العالم الاسلامي ، و الدول البوذية و الكونفوشيوسية … » من مآخذ الدكتور كاريتش على هونتيغتون الازدواجية التي يراها تفقد المفكر الشرف العلمي وشرف التفكير العقلاني ومنها » الاحتفال بإنتهاء ثنائية القطبية وإحدى الحروب الباردة ، و تسويق واحد من القطبين الثنائيين و حرب باردة أخرى من جهة ثانية ! يقوم هونتيغتون نفسه بهذا و ينادي في كثير من الأماكن في كتاباته » الغرب ضد الآخرين » ألا يذكرنا هذا بشعار » العالم الحر و العالم القابع خلف الستار الحديدي » .
ليس فقط على هذا يوجه نقاده المحترمون الانتباه ، أمثال الدكتور كاريتش و روي متهاديه الاستاذ في جامعة هارفارد ، و المستشرق اليهودي برنارد لويس الخ ، بل إنهم يطرحون الاسئلة التالية عليه : أولا هل أن العالم ثنائي أو ثلاثي القطبية قد انتهى فعلا ؟ و ثانيا إذا كان قد انتهى فعلا فما هي القطبية الثانئية للعالم التي نشأت ؟ ثنائية القطبية ( ثلاثية الاقطاب ، متعددة الاقطاب ) فالقنابل الذرية و الهيدروجينية مازالت موجودة بالرغم من الغياب » الظاهري » لعالم العقيدة ثنائية القطبية ! . إن عالم العقيدة ثنائية القطبية كما يتابع نقاد هونتيغتون تأكيدهم ، كان بمثابة قناع لستار يترنح للثنائيات القطبية الحقيقية ثلاثية الاقطاب إلخ . إن الثنائية القطبية الاكثر واقعية ( و التي لم تتلاشى ) هي الاقتصادية بالطبع . الدول المتقدمة و حدها المستفيدة الاكبر من ثروات العالم ( بأي حق ) ؟ و باقي الدول المتخلفة ليس لهم من العالم سوى النذر اليسير ! . هذا ومن السهل جدا استبدال العقيدة الشيوعية بأي كلام عقائدي آخر . » يقرر هونتيغتون مخطئا بأن الارذوكسية كحضارة ستحل مكان حطام عقيدة » صراع الطبقات » الشيوعية للاتحاد السوفياتي ، لكن الذي رايناه هناك لحد الآن ليس سوى ظهور الارثذوكسية كعقيدة غير مصاغة بصورة جيدة و ليس كحضارة ، كما رأينا كذلك وصول الطغمات القومية و التكنولوجية إلى حلبة الصراع السياسي ، إما هذه و إما تلك أو كلاهما معا » !
وضع صوموئيل هونتيغتون في كتابه » صراع الحضارات » الاسلام و الصراع مع الاسلام في الموقع المركزي من نقاشاته . فكما أنه أخطأ مع الغرب عندما نظر إليه منسجما ، أخطأ بشكل فاضح بنظرته للعالم الاسلامي ، عندما تصور أنه كتلة متناغمة ومتأهبة لاحتلال الغرب . وفي الحقيقة أعطى هونتيغتون العالم الاسلامي – بشكل ما – دورا نديا للغرب مشابها لدور العالم الشيوعي السابق . و لا يتساءل هونتيغتون عند ذلك : هل الذي يؤكده صحيح و مسؤول حقا ؟! » إن نظر هونتيغتون إلى الاسلام اليوم عبر المنظور الحلفي منعته من ملاحظة ما في داخل العالم الاسلامي ذاته
إن هونتيغتون » يمحو كل هذا باستهتار ، فعنده جميع العرب مسلمون ( يوجد من العرب 20 مليون نصراني ، يتقاسمون مع مواطنيهم المسلمين السراء والضراء ) وعنده جميع المسلمين كما يسميهم أصوليون ( علما بأن من يسميهم بالاصوليين المسلمين يعانون جور الانظمة ) والادهى من ذلك اعتباره كل الفرس شيعة مع وجود شعوب أخرى تتكلم الفارسية وهم سنة مثل الطاجيك والاذريون شيعة رغم أنهم يتكلمون التركية » . وبناء على ذلك فإن هونتيغتون » لا يعلم أصلا بأن ممثلي الشيعة الاكثر تحمسا لا وجود لهم في فارس ، و لكنهم بين العرب الشيعة » . وينظر هونتيغتون إلى العالم الاسلامي على أنه منسجم تماما كما ينظر إليه ( لكن لدوافع أخرى مع النتائج الممكنة المماثلة ) » المسمون بالاصوليين المسلمين أو السلفيين أو المتطرفين . لكن كما أنه يمكن إطلاق صفة الانسجام على أي عالم إنساني آخر ، فلا يجوز محاصرة العالم الاسلامي بهذه الصفة » .
يهمل هونتيغتون كل هذا لأنه لا يتطابق مع فرضية » صراع الحضارات » ولا يتوافق أيضا مع فرضية » الاسلام المتناغم و المنسجم » . ومع أن هونتيغتون لا يستحق الكثير من الانتباه . ( الحقيقة أن هونتيغتون شغل العالم منذ تسعينات القرن الماضي وإلى اليوم ) ، إلا أن هذه الضجة الاعلامية القوية و التسويق الذي يجري له في كل مكان لها أهمية بالغة ، إن أحدا ما يقف بلا مسؤولية خلف تلك الضجة لهدف وغاية محسوبين ، فهل يا ترى أن هونتيغتون ذاته هو بالونهم أم أنه سهمهم المشدود » . ولكن إن النص الاكثر جدية من فوكاياما و هونتيغتون ذلك الذي قدمه زبيغين بيرزيزكي المسؤول الامريكي الحكومي في أيام جيمي كارتر عندما ذكر في كتابه » خارج السيطرة » فهو لا يتنبأ ولا يضع في المستوى الاول » صراع الحضارات » و لكنه و بكل اختصار مرعوب حتى العظم من امكانية تحرك العالم خارج نطاق السيطرة ، مع خشيته من السيطرة الزائدة . لذلك فهو يخشى من الشرور الممكنة للبشرية غير المنظبطة و اللامسؤولة . يشير الدكتور كاريتش أيضا إلى مؤلف آخر من موقدي الفتن لصالح الغرب » . ولا يلعب بيرزينزنسكي على بطاقة هونتيغتون القائلة بأن مشكلة الغرب تكمن في روسيا و العالم الاسلامي و الصين ، و تجد أمام روسيا كذلك مشكلة العالم الاسلامي و الصين ، و بخلاف هونتيغتون فهو يرى بأن تغذية » صراع الحضارات في آسيا » سيجعل الغرب يجني » حصادا » ثمينا » !
ويعود لنقد هونتيغتون « إن هونتيغتون هو صرعة لا مسؤولة ، و تقليد لا مسؤول » مؤكدا بأن العالم لن يتحارب حول الحضارة . « لن يتحارب العالم حول الحضارة ، لأن الحضارة و الثقافة إنما يأتيان عقب ذلك ، كقول منيرفين سوفولياغا : إن كل الذي يحصل لاحقا » يشرح ما قبله » لكن للأسف ، فالملوك و الرؤساء و القادة العسكريين والدول والشعوب و باختصار العالم نفسه سيحاربون لاجل الانهار و البحار و البحيرات و الطرق والنفط و الثروات الاخرى … إلخ » . و بطبيعة الحال حتى الحروب حول الحضارات و الاديان ( لم لا و نحن نعلم أن حربا نشبت في إحدى المرات بسبب مباراة لكرة القدم في جنوب افريقيا ) و مع ذلك ستكون هناك حروب بكل تاكيد . » ويحاول الكاتب أن يدمر نظرية » صراع الحضارات » كما يبدو من خلال تفكيكها و تعرية مراميها كما سبق وكما يسطره في ثنايا الكتاب . « ولازالة نظرية صراع الحضارات بشكل مناسب من المسرح لا بد من أن نطرح عليها بعض التساؤلات : آلا تحتوي ربما فرضية » صراع الحضارات » كمصير لا مفر منه حل بالعالم ، معنى يتضمن محاولة العفو عن أنصار ما يسمى » الازالة العرقية » في البوسنة أو رواندة من قبل أو في ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية . ألم يتم تصوير » صراع الحضارات » اليوم بالطريقة ذاتها التي صوروا بها سابقا » صراع الطبقات » كنقطة إجبارية على عجلة التاريخ العملاقة التي تدوس كل شئ كقوة ظلامية و عمياء لا مسؤولة تقتحم زماننا و لا أحد يعلم السبب . هل أنهم يعدون بنظرية هونتيغتون و ينسقون خطة تقسيم العالم ، و هل يخطط من خلالها لجعل القرن الواحد و العشرين قرنا للبؤس و الحروب » ؟ . و قال » نحن هنا ننظر مع ذلك إلى » نظرية الصراع » بشكل مختلف نحن نؤكد عدم وقوع صراع بين الحضارات التقليدية ، و أنه ستحدث توترات هائلة ، بل وصراع بين الحضارة التقنية الحديثة من جهة ، و الحضارات التقليدية من جهة أخرى – حسب تأكيدات الكثيرين من نقاد هونتيغتون – من بينهم سيد حسين نصر . إلى صراع بين الحضارة التقنية والحضارات التقليدية الاخرى ( الشينتو » الديانة الاصلية لليابان » الكونفوشيوسية واليهودية و النصرانية والاسلامية … ) علة عدة مستويات ك قانونية واخلاقية … » ينتقل الدكتور كاريتش لمناقشة قضية أخرى تحت عنوان » الحضارة التقنية » بطرح عدة أسئلة مثل أين تقع لا مسؤولية عقل الحضارة التقنية ؟ وأين و في أي شئ يكمن فشل الحضارة التقنية ؟ » الاجوبة متوفرة على كل حال ،لكن ذلك الفشل يكمن حسب اعتقادنا في روحها المتجبرة المبتكرة وفي عدم مسؤوليتها أمام أي طرف ولا حتى أن تكون مسؤولة أمام ذاتها » . وضرب مثلا عن ذلك » أتذكر إحدى الوقائع الفظيعة عن إمراة قادرة على حمل طفل لكن مع عدم تمكنها من إتمام حمله حتى موعد الولادة . و قدم العلماء خلالها حلا لها وهو إخراج جنينها وزرعه في رحم أمها وقد تم إجراء ذلك فعلا . وعندما وضعت الجدة وليدة أنثى أحست نحوها بعاطفة الامومة ، و لكن وليدتها لم تكن مجرد حفيدة و لا إبنة فقط … بل هي أيضا وليدة لابنة الجدة التي حملتها أصلا مع زوجها فهل الوليدة هذه شقيتها أم ابنتها » ؟ و تساءل » لمن تتبع هذه المولدة قانونيا
وبعد هذا تتابع جميع الاسئلة الاخرى التي يطرحها القانون و الاخلاق والدين والعرف وعلم التربية . لقد وصلنا إلى هذا الوضع اللامعقول بعدما نظرت الحضارة التقنية إلى الانسان كنظرتها إلى الحاضنة الكهربائية أو كأنبوب اختبار عادي و نظرتها إلى الطبيعة بأكملها كحقل تجارب لتحقيق جميع رغبات البشر « .ويعتب على هونتيغتون عدم تنبؤه بصراع حضارات آخر ، وللاسف ليهدد به البشرية « صراع الحضارات التقنية » من جهة وجميع الحضارات التقليدية و الطبيعية من جهة أخرى . يوجه كثير من العلماء الانظار اليوم واقع إلى الصراع الحقيقي الوحيد القائم فعلا و الذي سيكون حسب جميع المعطيات مطبقا في القرن الواحد والعشرين وهو صراع التقنيات ضد جميع الحضارات التقليدية للبشرية » . ليست مجهولة للراي العام العلمي كتب و نظريات فلسفة الخلود اليوم الفلسفة و الحكم اللتان تذكران اليوم بالروحانية المقدسة و العلوم المقدسة والحاجة للمحافظة عليها في العالم كله وفي الغرب بشكل خاص . لهذا حاول مارتين لينغر في فرضياته ايقاظ الارواح النائمة في الجامعات المحافظة و التقليدية ، الاساتذة الجامعيون العاملون في حقل العلوم الانسانية و بنفس المستوى أولئك المسؤولون عن الاقسام المسماة بالعلوم البحتة ( الكيمياء و الفيزياء و العلوم التطبيقية … ) مارتين لينغز سويه مثل سيد حسين نصر و فرسثسون شون و يتال ، و ميرسيا اليادة و كثير غيرهم يتحدث عن فقدان جوهر العلم المقدس من العلوم المعاصرة ، و في الحضارة التقنية و في التفكير المعاصر عموما . فحسب رايه » هذه هي السمة الرئيسية لعصرنا الحالي و الزمن القادم و ليس » صراع الحضارات » الذي يدعيه هونتيغتون و بناء على المتوقع مجيئه في الأزمنة القادمة ، وبدون أي تشف يتوقع فلاسفة الموت » صراع الحضارات » وأن تصبح مجرد مزحة و شئ تافه لا قيمة له » . و » في احدى كتبه الصغيرة الحجم و تحت عنوان » الايمان القديم و الخرافات الحديثة » يطرح مارتين لينغز أسئلة أرفع من كونها مجرد ثرثرة : هل ستتصارع الحضارات في القرن الواحد و العشرين و هل ستطلق البشرية نيرانها على ما يسمى » الخطوط المختلف عليها بين الحضارات » و يعتقد مارتين لينغز أنه من المهم جدا معرفة خط الالتحام المحتمل تشققه على المستوى العالمي ذلك الخط الناتج عن الانتشار المتسارع للتقنيات غير المسؤولة الذي يصعب ايقافه التقنيات كالقدر لا يمكن ايقافها ، حتمية شرهة لا تابه بأحد » . وقد انشغل هذا الحشد من المفكرين لعدة قرون بالتنبيه ليس على مشكلة » صراع كثير من الحضارات الواحدة ضد الاخرى » بل على مشكلة صراع حضارات اليوم التقنية من جهة وجميع الحضارات التقليدية و الحقيقية المتنوعة للبشرية من جهة أخرى . كما يؤمد المؤلف «
لقد أصبحت التقنية المعاصرة الجامحة الشرهة اللامسؤولة قدرا فظا ،وفوضى توحد البشرية ، تهاجم وتستأصل جميع الفروقات النافعة للبشرية ، الموجودة في الأديان والثقافات واللغات والاوطان . يؤكد هؤلاء الفلاسفة بأن الحضارة التقنية ومنذ زمن و هي في صراع مع البشرية ( تشيرنوبل ليس إلا خبرا من الاخبار المعروفة ) لذلك سيطرت الحضارة التقنية أو أنها تسيطر على جميع الحضارات البشرية الحقيقية و أصبحت للأسف حسب جميع المعطيات الحضارة العالمية الوحيدة في الواقع على الارض و على البحر و على الهواء و على الفضاء » . و » تشن الحضارة التقنية المعاصرة حربها ضد جميع الحضارات البشرية الشرعية الاخرى متحدية كل شئ ولنفسها أحيانا بأسلوب متغطرس مبتكر وبمباركة من العقل اللامسؤول المترافق بدعم من العلوم اللامسؤولة التي أحكمت الحصار على العالم و أنتج عنها إفرازات لا يمكن توقعها على كل حال » .
يسال الكاتب عن ماهية الفروق الرئيسية بين الحضارة التقنية و الحضارات و الثقافات التقليدية الكثيرة للبشرية ،
و يجيب » أولا في الهدف الموضوع ، الحضارات القديمة و الحضارات التقليدية ( كالحضارة الاستيكية في المكسيك والمايانية في غوانتاناما الشمالية وهندوراس والانيكا والصينية واليهودية والنصرانية و الاسلامية ) التي استجابت لها البشرية على مر الزمان و حتى الآن بأعداد هائلة ، كان لها أسرارها في الهدف أو الاهداف التي لم تتحقق على هذه الارض فقط ، بل أبقت الكثير للانسان في الاجيال المتعاقبة القادمة ، و أبقت الكثير أيضا للانسان حتى في عالمه الآخر ، لعالم الآخرة ، كما يذكر القرآن الكريم » و أن ليس للانسان إلا ما سعى » ( النجم الىية 39 / 40 ) » و بعد ذلك وإضافة إلى ما سبق يوجه الانظار إلى امكانية انزلاق الانسان في الطمع واللامسؤولية » لذلك نظرت الحضارات القديمة بمسؤولية إلى هذا العالم : ينظر إلى هذا العالم على أنه مخلوق كالانسان ذاته ، و هو بمثابة شئ مقترض من الاحفاد و أحفاد الاحفاد و علينا واجب إعادته إليهم كاملا غير منقوص ) كما قال مؤخرا أجد الزعماء الهنود » . إن الحضارة التقنية في هجومها اللامسؤول و حربها للسيطرة على هذا العالم كما يقول كاريتش » تحاول حرمان العالم و الانسان ذاته من كافة الاسرار إذا كان ذلك ممكنا , تحرمه مما هو مقدس و تحرمه من التشوق للابدية و الاسرار الغيبية » . و قال » إن ما يجري في العالم من عملية غخضاع كل شئ للمعارف البشرية ليس في الحقيقة غلا إحدى النتائج الكثيرة للصراع و حرب الحضارة التقنية ضد الحضارات التقليدية للبشرية » .
ثانيا » كانت الحضارات التقليدية حضارات تربوية علمت الانسان المسؤولية فالعلم المسؤول بطبيعته علم مؤطر و محدود . معرفة ليست مستقلة في جميع مستويات وجودها . و كانت الحضارات القديمة تعلم الانسان هذه المعارف و لم تجامله بقول أنه قادر على تعلم كل شئ أو اكتشاف كل شئ أو الوصول إلى كل شئ لان الله سبحانه و تعالى يقول في القرآن الكريم « و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا » الاسراء الآية 85 . «
أما اليوم » فقد اختفت من العديد من المناهج العلمية روح المسؤولية فيما يخص المعرفة و لا سيما المسؤولية المتصلة بالجذور المقدسة للمعرفة . المعرفة ذلك النور المهم الذي عليه أن يرشدنا إلى جادة الجمال و المعاني و الامان و قد حوله الاستخدام اللامسؤول غلى ظلام تقود غلى الهاوية و الضلال و اللامعقول » .إننا قد توغلنا ( و الكلام له ) بعيدا في عصر الاستنساخ ، عصر البيع المريح للاعضاء البشرية ، عصر انتصرت فيه الارباح على الاخلاق في كل مجال … الحضارة التقنية تعمل بآلياتها الداخلية لا يمكن ايقافها . عندما ينظر المرء اليوم إلى القوة الرهيبة للحضارة التقنية الحديثة فإن عدة أسئلة تطرح نفسها . هل تتعمق و تتضخم نوعية المعرفة و التعرف على الاشياء بشكل يتناسب مع المعرفة الضخمة عن المعرفة ذاتها ؟ . هل توقفت معرفة اليوم عن كونها معرفة نوعية ؟ هل أن المعرفة العلمية الحديثة هي معرفة منقذة ؟ . هل أنها أراحتنا بنفس المقدار الذي زادت فيه مقدرتها بالسيطرة على الابعاد الكمية للعالم ؟. هل أن المعرفة العلمية الحديثة ليست في حقيقتها إلا واحدة من الخرافات التي لاتابه بالمعتقدات القديمة التي قادت البشرية آلاف السينين نحو مهنى الحياة الاصلية . بعد هذه الأسئلة يرى » إن تحليل و تفصيل هذه الاسئلة في الانتقادات التي وجهت مؤخرا للحضارة التقنية الحديثة تصيب مجال الايمان والاديان والفلسفات والقانون والبيئة والاقتصاد ورجل الدين والفيلسوف والقانوني … وهذه الأسئلة صعبة ومرعبة وتتضاءل أكثر امكانية معرفة الاجابة عنها ، يصبح العالم متاهة للعقل التقني وهذا أمر لا يمكن ايقافه ، لقد تم عزل الحضارات التقليدية التي حصلت لمدة طويلة على ثقة الانسان إما بموافقتها على الانسحاب أو بانغلاقها على نفسها أو بضغط و قهر من المعبود الكاذب المسمى بالحداثة » . يشاهد صراع الحضارة التقنية مع الحضارات الاخرى و مع الطبيعة من خلال هلاك البشر والاسماك بالكيمياء وبالامطار الحامضية وبمرض الايدز نقص المناعة وبجنون البقر وبالقنابل النووية والهيدروجينية وبالتباكي على فجوات الاوزون فوقنا … » هذه هي المشاكل الواجب حلها ومن العبث إضاعة الجهود في تحويل انتباه البشرية عن هذه المشاكل إلى منطقة تمني » صراع الحضارات » فالله سبحانه و تعالى وحده يعلم ما ينتظرنا في القرن الواحد و العشرين .
وقال » إن مسؤولية العقل كوظيفة أساسية للانسان وكوديعة له ظاهرة مستمرة نجدها في الآثار المدونة للانسان على سطح الارض منذ الزمن الاول الذي يمكن فيه متابعتها . لقد وضعت الكتب القديمة و النصوص المقدسة مسؤولية العقل الانساني في صلب الوجود الانساني . فينظر الوحي الالهي و الرسالات الربانية إلى الانسان نظرتها إلى الكائنات المسؤولة ، بل أكثر من ذلك ، إن أخذنا من بين الاسئلة القرآن وجدنا أننا نقرأه وبشرعية تامة كوصايا سماوية تلزمان قلب و عقل الانسان على المسؤولية » .
الاكثر من ذلك أن القرآن يتضمن مسؤولية الانسان حتى وهو في الجنة ، حيث وضعت أمامه شجرة منع هو وزوجته الاقتراب منها ، و من أهم ما ترمز إليه هذه الشجرة مبدأ المسؤولية . إذن فإن النصوص القرآنية هي المصادر الاساسية التي يعود إليها اعتبار الانسان كائنا مسؤولا . و إلا فلماذا أنزلت عليه تلك النصوص أصلا . » تم في تاريخ الانسان حتى الآن عشرات الحضارات و الثقافات العظيمة التي حوت في أساسها نصوصا مقدسة من أمثال الفيدا ( الكتب المقدسة للهندوس ) و التوراة و الانجيل و القرآن . و قد كانت جميعها حضارات مربية للانسان علمته المسؤولية أو بعبارة أخرى تلك حضارات صنعها الانسان ذو العقل المسؤول . كان يوجد في تلك الحضارات شيفرات متعددة الجوانب للمسؤولية مترجمة إلى لغة بسيطة يمكن تبيانها بقاعدة جوهرية ك الانسان مسؤول أمام الله ثم البشرية و أمام ذاته نفسها … إن عبء مسؤولية الانسان الموجود في الثقافات و الحضارات التقليدية نراه بوضوح خاص في الاعمال الادبية للعصرين الاوسط و القديم » .
و » نستطيع أن نتذكر بسهولة كيف تم التعامل هناك مع الانسان ككائن تواب ومدرك للذنب ، ومسؤول و مدرك لحق الغير … وأعني تحت عبارة » السعادة المسؤولة » البقاء الكريم للآخرين . يعرف الجميع أن المفاهيم القديمة للعلوم قد اعتمدت بدقة على المسؤولية . » هذا يعني أنها كانت علوما مسؤولة . العلم الذي روجه ابن سينا حول ذلك ، و البيروني أو كنفشيوس كان علما مسؤولا . و لدينا أدلة كثيرة على ذلك ، ويكفي ايراد واحد منها فقط : لم تنتج الحضارات و الثقافات القديمة و علومها أي شئ غير قابل للفناء بشكل طبيعي » . و باختصار » إن نوع العلم المبدع الهائل و السلوك في التفكير والعقل العلمي المعاصر ، بل في عموم العلوم المعاصرة ، لم يكن حتى طابعا جانبيا لعقلية الانسان في العصور القديمة والوسطى … ففيزياء اليوم تقتل ، هذا ماتعرفنا عليه من المعلومات القليلة المتناثرة المنشورة عن مفاعل تشرنوبل ، وكيمياء اليوم تقتل ، هذا ماعرفناه بعد حادث انفجار أحد المصانع الكيمائية في الهند قبل بضعة سنوات حيث خنق الغاز آلاف البشر ، يقوم اليوم علم الوراثة على قدم وساق بعمل الاستنساخ الشيطاني … كل هذه الاخبار معروفة ، ويمكننا القول بأنها أخبار سلمية اعتيادية . لسنا بحاجة هنا إلى أن نخص بالذكر المشكلة البيئية اليوم والتي أصبحت عالية لانها أصبحت قدر البشرية أيضا و اتفاقية كيوتو ستقلل من آثارها المدمرة بنسة 5 % فقط ، وفي حالة انضمت الدول الاخرى إليها وعلى راسها الولايات المتحدة الامركية أكبر ملوث للبيئة في العالم » . وختم كتابه بالقول » ليس هناك صراع حضارات وإنما صراع حضارة الدمار والدمار الشامل ضد بقية الحضارات الاخرى » .
(*) كاتب عربي مقيم في البلقان
(المصدر: موقع تونس أونلاين.نت (ألمانيا) بتاريخ 8 مارس 2008)
الأفغاني وعبده بين مدرستين
ام بي سي مشغولة بمشاعر الكلاب وإعلام عربي أكثر وقاحة من الإسرائيلي
رفض فلسطيني لحملة « فتح » ضد « الجزيرة »
الدول العربية تنتج 146 مليون زجاجة خمر سنويا
مكناس المغربية.. تذوق زيت الزيتون بديلا للخمور